Professional Documents
Culture Documents
المدارس المنهجية الكبرى
المدارس المنهجية الكبرى
بنيت مناهج العلوم االجتماعية في نطاق نموذج متأصل في التراث الفلسفي الغربي ،باالستناد
على خلفية معرفية وأيديولوجية" ،أما منهجيتها فتقوم أساسا على التمييز بين الموضوعية والذاتية ،بين
ويعد التأصيل اإلسالمي للعلوم
المالحظة والشعور ،بين عالم الشهادة وعالم الغيب ...تمييزا إقصائيا "ُ ،
االجتماعي ة عب ارة عن عملي ة إع ادة بن اء العل وم االجتماعي ة في ض وء التص ور اإلس المي لإلنس ان
والمجتم ع والوج ود ،وذل ك باس تخدام منهج يتكام ل في ه ال وحي الص حيح م ع الواق ع المش اهد كمص در
للمعرف ة ،بحيث يس تخدم ذل ك التص ور اإلس المي كإط ار نظ ري لتفس ير المش اهدات الجزئي ة المحقق ة
والتعميمات االمبريقية (الواقعية) وفي بناء النظريات في تلك العلوم بصفة عامة.
ف إذا ك انت الم داخل أو األط ر المنهجي ة بمثاب ة القواع د ،والمخطط ات المس تخدمة في رؤي ة
الظ واهر االجتماعي ة .فهي تص ورات منهجي ة لرؤي ة الواق ع االجتم اعي وتحلي ل أنظمت ه وظ واهره من
وجهة نظر معينة ،فهي عبارة عن نموذج تصوري للكون واإلنسان والمجتمع والتاريخ ،وبناء منهجي
لتحليل هذا المجتمع وتفسير ظواهره في ضوء افتراضات ذلك النموذج التصوري ،فالمدخل المنهجي
اإلس المي :ه و تص ور اعتق ادي يأخ ذ من العقي دة اإلس المية منطق ا ومرجع ا لتحلي ل الس لوك اإلنس اني
والحياة االجتماعية ويفسر بمقتضاها وفي إطارها الظواهر المجتمعية.
"إن المذهبية اإلسالمية تقرر أن الحقيقة العلمية ليست حكرا على التجربة ،وأن الوجود الواقعي
ليس حكرا على الوجود المادي ،وأن التزام األسلوب العلمي في دراسة الظواهر االجتماعية ال يتحول
بالض رورة إلى اعتق اد في العلم كطري ق وحي د مش روع ورفض م ا ع داه من الط رق" ،وللمنهجي ة من
منظور إسالمي أداتان ال ثالثة لها ،هما :العقل والحس ،وليس ثمة طريقة لعمل الحس دون عمل العقل،
وليس ثمة وسيلة للعقل في أن يمارس عمله خارج إطار الواقع المحسوس".
إن من المعل وم أن هن اك اتفاق ا يش به اإلجم اع بين المهتمين باإلص الح العل وم االجتماعي ة
والمهتمين بالعمل على زيادة فاعليتها من خالل إعادة صياغتها في ضوء التصور اإلسالمي على أمور
ثالث:
أن من اهج العل وم االجتماعي ة الحديث ة ونظرياته ا ،والمس لمات األساس ية ال تي تق وم عليه ا تل ك )1
العل وم في ص ورتها الراهن ة ،تتض من كث يرا مم ا يتع ارض أو يتن اقض م ع التص ور اإلس المي
الصحيح لإلنسان والمجتمع والوجود.
أن ه ق د ت رتب على ه ذا القص ور واالختالل االبس تيمولوجي عج ز تل ك العل وم عن التوص ل إلى )2
تفس يرات ُمرضية للسلوك الفردي أو للظواهر االجتماعي ة ال في المجتمع ات اإلسالمية وحدها
وإ نما في غيرها من المجتمعات كذلك.
أن هناك حاجة ماسة إلى إعادة النظر في تلك المناهج والنظريات والمسلمات بطريقة جذرية. )3
إن مواق ف أص حاب االجته ادات تتف اوت فيم ا بينه ا على مقي اس مت درج ذي ط رفين متق ابلين ( يب دأ من
جهة بمن يرون التركيز على المصادر الشرعية بشكل يكاد يكون كامال في( بعض الحاالت) ،إلى من
ي رون من الجه ة األخ رى الترك يز على مص ادر العل وم االجتماعي ة الحديث ة بش كل يك اد يك ون ك امال
في( بعض الحاالت ).
بينما نجد من المقتربين من الطرف المقابل يرون أن األصل أننا نريد تأصيال إسالميا "لعلوم
اجتماعية" قائمة بالفعل ولها مصداقيتها وتأثيرها ،فهي محور االرتكاز الذي نعتمد عليه وننطلق منه،
وال ذي يكفى في إص الحه اس تبعاد م ا خ الف الش ريعة من نت ائج أو نظري ات توص لت إليه ا تل ك العل وم
(وبطبيع ة الح ال ف إن أص حاب الص ورة النقي ة له ذا االتج اه يك ادون يرفض ون ك ذلك التأص يل اإلس المي
للعل وم االجتماعي ة وي رون أن نت ائج ه ذه العل وم بص ورتها الراهن ة هي محص لة لتط بيق منهج علمي
رصين ال يمكن التشكيك في قيمته وال يحتاج تعديال أو إصالحا).
" ك انت الفك رة الش ائعة عن د م ؤرخي العلم اإلنس اني أن الع رب تن اولوا ه ذه العل وم باألخ ذ أو
بالتعديل أو بالنقد .وإ ذا كان مؤرخو العلم األوروبيين ،أنكروا فضل العرب الفلسفي ،فإنهم لم يستطيعوا
على اإلطالق إنك ار فض لهم العلمي ،لكن على أس اس أن ه نتيج ة لعل وم اليون ان خاص ة ،ونحن نعلم أن
أفك ار الحس ن بن الهيثم عاش ت في أوروب ا إلى زم ان ليس ببعي د عن ا ،كم ا نعلم أن أبح اث الطوس ي في
الرياضيات وتناوله لهندسة أقليدس ومصادراته ،بقيت زمنا طويال يتناولها علماء أوروبا ،كما نعلم أن
كت اب ابن س ينا الط بي ــ الق انون ،بقي المرج ع األساس ي لكلي ات الطب في أوروب ا ح تى الق رن الس ابع
عشر"".
ثم ابن خل دون ،مث ل س ابقيه الموس وعيين العظم اء ،ال ذين نبغ وا في أك ثر من تخص ص ،وك انوا
ق ادرين على الم زج بين العل وم الش رعية ،واإلنس انية ،والطبيعي ة ،ويرونه ا كله ا ــ إذا ص لحت الني ة
والهدف ــ علوما إسالمية ،وتسمى فلسفة التاريخ عند ابن خلدون بـ" الخلدونية" وهي ( :نظرية جديدة
مستقلة ،لكنها قد تلتقي مع بعض الفلسفات الحديثة :كفلسفة هيجل ،وماركس .لكنها تنهج نهجا متميزا،
عطاء فكريا نظريا في مرآة فلسفة تاريخية ذات استحياء واقعي ،يمكن تسمية فكرها التاريخي
ً بوصفها
بالت اريخ المنظ ور ،أي :القاب ل للنظ ر بوس اطة الش هادة المعيش ة ،أو الوثيق ة واألرش يف) ،ك ان ابن
خلدون ،وهو يتحدث في الفكر التاريخي ،أو العمراني ،أو السياسي يعتمد على القرآن والسنة ،وقصص
األنبياء ،اعتمادا مباشرا ،وتحدث عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم (باعتباره النموذج األعلى لتطبيق
شريعة اإلسالم ،التي يدعو إليها ابن خلدون ،ويعمل على بيان جدارتها ،وأحقيتها وحدها ،للتطبيق على
المجتمع اإلنساني).
المدرسة الوضعية:
أساس ها الفك ر الوض عي الق ائم على القيم والفلس فة النابع ة من واق ع الحي اة والمع اش ،والمرتك ز
على ما هو طبيعي محسوس عيني وجودي ال على ما هو غيبي ورائي ومثالي ،وبذلك فإن المدرسة
الوضعية نتاج فكر نابع من قيم وفلسفة واقعية .فالوضعية تسعى إلى وصف وتحليل الظواهر في إطار
وجوده ا ك أمر واق ع دون محاول ة تغي ير ه ذا الواق ع .لق د ُأطلقت العدي د من التس ميات على الم ذهب
لوكي ،فض اًل على إطالق كلم ة "العلم"
بريقي واالتّج اه الس ّ
ّ الطبيعي ،االتّجاه االم
ّ عي ،مث ل االتّجاه
الوض ّ
إن المقص ود ب ذلك اعتب اره بمثاب ة
ذاته ا على ه ذا الم ذهب ،وعن دما ُينس ب إلي ه لف ظ الم ذهب ف ّ
االجتماعية وبدرجات متفاوتة.
ّ الفكري في نطاق العلوم
ّ الفلسفية التي تحظى بالنفوذ
ّ االبستيمولوجيا
ترجع بداية المدرسة الوضعية إلى "أوجست كونت" في القرن التاسع عشر ،واس تمدت قواعدها
وتص وراتها النظري ة المتعلق ة بالموض وع والمنهج من البيولوجي ا ،فعلى مس توى الموض وع اعتم دت
المدرس ة الوض عية نم وذج التط ور ال بيولوجي ،متخ ذة من ه إط ارا نظري ا في دراس ة التط ور المجتمعي،
وسعت إثر ذلك إلى الكشف عن قوانين التطور بأسره ،وعلى مستوى المنهج وبالرغم من أن أنصار
المدرسة الوضعية أقروا بأهمية التجربة ،إال أنهم عجزوا عن ابتكار نموذج تجريبي يمكن تطبيقه على
الوقائع المجتمعية ،ومقابل ذلك كانت المقارنة بمثابة البديل المنهجي للتجربة ،خاصة أن المقارنة حقق
استخدامها نجاحا بالغا في تقدم العلوم البيولوجية.
ه و فيلس وف اجتم اعي فرنس ي ،وع الم اجتم اع ،ويعت بره الكث يرون المؤس س الفعلي لعلم
االجتماع ،وهو مبدع كلمة سوسيولوجيا ،جاءت أفكاره متفقة مع أستاذه " سان سيمون" ،ولق د دع ا ك ل
منهما إلى أهمية وجود علم مستقل عن الفيزياء الطبيعية ،يهتم بدراسة الحياة االجتماعية والعمل على
اكتشاف القوانين االجتماعية ،التي يمكن استخدامها في دراسة الظواهر والمشكالت والقضايا الواقعية
(ولكن بعد هذه فترة انفصل كونت عن أستاذه ،وبدأ يهاجم كل منهما اآلخر) ،ويعتبر كونت استقرائيا
من خالل دعوته إلى مالحظة الظواهر واكتشاف القوانين ،ورفضه األنساق الميتافيزيقية للفالسفة.
أسس الفلسفة الوضعية Course of positive philosophy:في ست مجلدات كاملة نشرت في o
الفترة من 1830ـ .1842
مذهب السياسة الوضعية :System of positive politicsفي أربع مجلدات وركز على دراسة o
علم االجتماع النظري ،وحل مشكالت العصر وإ صالحه ،ظهر في الفترة من ( 1851ـ
.)1854
سعى كونت لتلخيص أفكاره الوضعية ،وظهر ذلك في مؤلفين آخرين وهما (نظرة على o
الوضعية) ،والثاني (موجز الوضعية وذلك عام .)1855
وقد كتب كونت يقول" وأعني بالفيزياء االجتماعية ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر االجتماعية
موض وعا لدراس ته باعتب ار أن ه ذه الظ واهر من نفس روح الظ واهر الفلكي ة والطبيعي ة والكيماوي ة
والفسيولوجية من حيث كونها موضعا للقوانين الطبيعية الثابتة.
يعد القرن التاسع عشر قرن التأسيس العلمي للدراسات االجتماعية ،حيث أسس كونت المدرسة
الوضعية التي كانت تدعو إلى ضرورة دراسة المجتمع باستخدام نفس األساليب المستخدمة في العلوم
الطبيعية ،وتغطي كافة المنظورات التي تتبنى الدعاوى التالية:
وتعترف الوضعية بشكلين اثنين فقط من أشكال المعرفة ،باعتبارهما يحظيان بالشرعية والنفوذ الفكري،
وهما:
الش كل االم بريقي :وتمثل ه العل وم ،وال ذي نس بت ل ه األهمي ة الك برى ،اس تلهم الش كل االم بريقي
مبادئ ه من ال تراث الفلس في ال ذي م ؤداه أن ك ل أفكارن ا تنبث ق من الخ برة ـ Experienceـ ـ
ومص درها الخ برة الحس ية ،وأي فك رة ال تك ون مس تقاة من تل ك الخ برة ليس ت ب الفكرة الج ديرة
باالهتمام.
والشكل المنطقي :ويعكسه المنطق وتشاركه الرياضيات في ذلك.
وتتلخص األس س المنهجي ة ال تي تق وم عليه ا الدراس ات االجتماعي ة عن د "إيم ل دورك ايم" 1كأح د رواد
المدرسة الوضعية في المسلمات اآلتية:
وهي مجموعة األسس التي تقوم عليها المدرسة الوضعية ،من اعتبار اإلحساس وحده مصدرا للمعرفة
االجتماعية ،باإلضافة إلى اعتبار النموذج الطبيعي سلطة مرجعية للعلوم اإلنسانية ،وإ خضاع الظواهر
االجتماعي ة للتج ريب ،ويعت بر دورك ايم الظ واهر االجتماعي ة على أنه ا أش ياء خارج ة عن ذواتن ا وه و
يقول" :إن الظواهر االجتماعية "أشياء" ويجب أن تدرس على أنها أشياء".
ولقد كان من أخطر نتائج األخذ بالنموذج الطبيعي ،أنه تم توحيد الظاهرة اإلنسانية واالجتماعي ة
بالطبيع ة فس ادت "واحدي ة العل وم" ،ال تي س عى دعاته ا إلى فص ل النش اطات اإلنس انية عن ك ل المع ايير
األخالقية ،حتى لم يعد هناك فرق بين اإلنسان والطبيعة/المادة ،بل أصبح جزءا منها ويخضع لقوانينها
وب ذلك يخض ع لس ماتها ويقب ل بالقي اس الكمي ال دقيق والقابلي ة للتق نين ،وك ان من نت ائج ذل ك ،اخ تزال
الظ واهر اإلنس انية في جوانبه ا الحس ية والفيزيقي ة ،ح تى لم يع د هن اك ف رق بين الظ واهر اإلنس انية
والطبيعية.
ولقد رفض كثير من العلماء الغربيين فكرة "واحدية العلوم" ،وأصروا على التمييز بين الظواهر
الطبيعي ة واإلنس انية موض وعا ومنهج ا ،أمث ال "ديثلي" Wilhem,Diltheyوغ يره من أنص ار "
الهرمينوطيقا الذين ناهضوا النزعة الوضعية.
ـ Emile Durkheimايميل دوركايم ( 1858ـ :)1917فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي ،أحد مؤسسي علم االجتماع 1
الحديث ،تتلمذ على أيدي أوجست كونت ،وسان سيمون ،كرس اهتمامه في علم االجتماع بدراسة التربية والدين
والقانون ،أسس عام 1898حولية علم االجتماع ، L'année Sociologiqueمن أهم مؤلفاته :تقسيم العمل ،قواعد
المنهج في علم االجتماع ،االنتحار ،الفرد والحياة الجمعية.
إذا ك انت المعرف ة الوض عية ت ؤمن باس تحالة الوص ول إلى الحق ائق المطلق ة ،وتؤك د على مب دأ
النسبية ،فهي لذلك تولي عناية كبيرة الكتشاف القوانين ،ومن ثم الوصول إلى المعرفة الوضعية ،وهذه
األخيرة لن تتحقق إال عن طريق المنهج الوضعي الذي تحدده أربعة إجراءات منهجية أساسية للبحث
هي:
المالحظة " :وتقتصر على استخدام الحواس الفيزيائية". .1
التجربة :وهي التجربة االجتماعية التي تتم من خالل مقارنة ظاهرتين متشابهتين في كل شيء .2
ومختلفتين في شيء جزئي واحد.
المنهج المق ارن :وتتم المقارن ة أفقي ا وعمودي ا ،وهي تكتس ي أهمي ة كب يرة بالنس بة للدراس ات .3
االجتماعي ة؛ حيث يمكن عقد مقارنات بين المجتمعات الحيوانية واإلنسانية ،أو بين المجتمعات
التي تعيش زمنا بعينه ،أو بين الطبقات االجتماعية داخل المجتمع الواحد.
المنهج الت اريخي :وه و أهم اإلج راءات جميعه ا ،ح تى أن ك ونت يس ميه المنهج الس امي؛ .4
وينحصر في تقص ي القوانين العام ة للتغير المستمر في الفكر اإلنساني ،وليس االقتصار على
مجرد سرد األحداث فقط.
وه ذا م ا ظه ر بوض وح ،في معالجات ه السوس يولوجية المتم يزة مث ل معالجت ه لق انون المراح ل
الثالث ،Law of Three Stagesومحاولته لوضع نظرية عن التقدم الطبيعي Natural progress
للمجتمع اإلنساني تلك الفكرة التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر والممثلة في فكرة النشوء
والتطور.
لقد استطاع كونت أن يضع قانون الحاالت الثالث والتي يرى أنه توصل لها من خالل تعمقه في تاريخ
الفك ر البش ري وتفحص ه وتحليل ه ،وك ذا االهتم ام بواق ع حاض ره ه و م ا أت اح ل ه اكتش اف ه ذا الق انون،
وينص ه ذا الق انون ،على أن ك ل معارفن ا بمختل ف مجاالته ا وعلى اختالفه ا وتنوعه ا ودون اس تثناء ق د
مرت بثالثة مراحل نظرية مختلفة هي:
فالحالة األولى يسميها كونت الحالة الالهوتية أو التخيلية. The Theological stage )1
ويسمي الثانية الميتافيزيقية أو التجريدية . The Metaphsical stage )2
ويسمي الثالثة بالمرحلة العلمية ،أو الوضعية . The positive stage )3
وهذه المراحل أعتبرها مناهج إال أنه استقر على المرحلة األخيرة واعتبرها منهج علمي ،هذا
المنهج ال ذي يس اعد على التط ور ،وه و منهج نم وذجي ويعت بر بالمقاب ل المنهج الميت افيزيقي مج رد
نم وذج عب ور إلى العلمي ،ي رتب ك ونت الح االت على مراحله ا إذ ع رف الفك ر البش ري أوال المنهج
الغيبي إذ كان اإلنسان يرد العلل إلى قوى فوق طبيعية كثيرة تتدخل في تسيير العالم ،فكانت األشياء
والحوادث مرتبطة بها ويتم البحث عنها خارجا وفق ذلك المنهج ،ثانيا ومع مرور الزمن تغير المنهج
األول من الق وى ف وق طبيعي ة إلى الق وى المج ردة ينس ب إليه ا ح دوث األش ياء ألنه ا مرتبط ة بمختل ف
موجودات العالم ،ثالثا فقد هجر اإلنسان المناهج والطرق السابقة في التفكير وصب جل اهتمامه في
البحث واكتشاف القوانين التي تعمل على حدوث الظواهر والعالقات القائمة بينها وتفسيرها ودراستها
اعتم ادا على المالحظ ة وإ عم اال لجه د العق ل من خالل التجرب ة ال تي ع ّرفت اإلنس ان عن الطاق ة ال تي
يمتلكها والقوة التي بحوزته ،وعرفته على وحدة قوانين الطبيعة.
تعرض ت الوض عية كأس س منهجي للعدي د من االنتق ادات ،تع ود في غالبيته ا إلى رفض التعام ل
مع الظواهر اإلنسانية كأشياء مجردة ،يرى معارضو الوضعية أن السلوك اإلنساني غير قابل للخضوع
لق وانين عام ة ودقيق ة ،وأن ه ال يمكن فهم الع الم االجتم اعي إال من خالل وجه ة نظ ر األف راد ال ذين
يش كلون الج زء األساس ي من الظ اهرة االجتماعي ة ،ب ل ال يمكن الح ديث عن ظ اهرة اجتماعي ة ب دونهم،
وعلي ه ي رى ه ؤالء أن فهم الظ واهر االجتماعي ة ال يمكن أن يتم إال من خالل الب احث ال ذي يش ارك
اإلنسان ظروفه وله نفس خلفيته المرجعية،
االجتماعية
ّ "يظه ر القص ور أو الض عف عن د تط بيق الم ذهب الوض عي على م ا يتعلّ ق بالحي اة
اني وم ا ه و
اإلنس انية ،ل ذلك ك ان على الم ذهب الوض عي أن يتج اوز مش كلة التمي يز بين م ا ه و إنس ّ
نظام ا
ذهنيّ ،إنما يمثّ ل ً
ّ وعقلي أو
ّ وروحي
ّ إنساني
ّ أن ك ّل ما هو
يدعي ّ
أن ه ذا التمييز ّ
مادي.....كم ا ّ
ّ
المادّي ة ،وال يمكن أن ُيفهم بواس طة الط رق المالئم ة ل ذلك النظ ام
للظ واهر يختل ف عن نظ ام الظ اهرة ّ
اآلخر.
إنساني
ّ قاطعا بواسطة اختزال ك ّل ما هوً رفضا
ً الوضعيين إلى رفض هذا التراث
ّ لقد لجأ بعض
المادّي ة ،وفي ه ذه الحال ة تتح ّول الحي اة اإلنس انية إلى ف رع من
إلى مجموع ة من المظ اهر ذات الطبيع ة ّ
الكيمياء أو البيولوجيا أو إلى علم النفس السلوكي.
الوضعية المحدثة:
الوض عية المحدث ة هي اتج اه نظ ري في علم االجتم اع ،يع ود أول اس تعمال له ا كمص طلح به ذه
التس مية إلى "نيكوال تيماشيف" ،وق د ج اء اس تخدام ص فة "المحدثة" أو "الجديدة" لتوض يح م دى التش ابه
واالختالف عن وضعية "أوغست كونت" والتي تعرف بالوضعية الكالسيكية أو التقليدية ،والمالحظ أن
استعمال الوضعية المحدثة لم يحظ بنفس االنتشار الواسع الذي لقيته الوضعية الكالسيكية ،حتى أنه
عند أي اس تعمال لكلم ة الوض عية تتبادر إلى الذهن مباشرة وض عية "كونت" أساس ا ،ونظرا لالنتش ار
الواسع لهذه األخيرة على حساب الوضعية المحدثة ،فقد ساد استعمال مصطلح "علم اجتماع الرياضي"
أو االتجاه الرياضي في علم االجتماع كمرادف للوضعية المحدثة عوضا عن ذلك.
الوضعيون
ّ يتصوره
ّ التطوري إلى ما
ّ حدثة بعد انهيار المذهب
الم َ
الوضعية ُ
ّ تعود ركائز النزعة
االجتماعي ة ،حيث تشكلت الوضعية المحدثة
ّ بأن مناهج العلم الطبيعي مناسبة لدراسة الظاهرة
الجدد ّ
من خالل التأليف بين عناصر ومنطلقات نظرية تتمثل فيما يلي:
الكم ّي ة :وهي ال تي تعتم د على منهج الع د والقي اس أساس ا في دراس تها ،وت دعو إلى
النزع ة ّ )1
ضرورة تعميم هذا المنهج على مختلف مجاالت العلم.
لوكية :وهي ال تي تس تند على أفك ار ع الم النفس الروس ي الش هير "إيف ان ب افلوف،
النزع ة الس ّ )2
وتعتق د أن الش عور ال يمكن معرفت ه موض وعيا ،أي ال يمكن أن نطب ق علي ه المنهج العلمي
الطبيعي.
(النفعي ة) :حيث
ّ االبستمولوجيا الوضعية وتستمد جذورها من الفلسفة البراغماتية األمريكي ة )3
يحص ر نط اق المعرف ة أساس ا في االنطباع ات الحس ية ،وم ا ت ؤدي إلي ه من نت ائج ،وذل ك على
اعتبار أن واقع الشيء ،يتوقف بالدرجة األولى على إمكانية حدوثه كليا أو جزئيا ،على شكل
مجموع ة من االنطباع ات الحس ية ،وال تي هي بمثاب ة خ برة يع بر عنه ا بمفه وم العلي ة ،وحين
نتمكن من التوصل إلى عدد من االنتظامات في هذه االنطباعات الحسية ،عندها فقد نستطيع
التحدث عن القوانين.
إن الوضعية المحدثة تؤكد على أن معرفتنا عن العالم تأتي عن طريق العلوم التجريبية وحدها ،وذلك
باالستناد إلى تلك المبادئ المتعلقة باستخدام الطرق الكمية وباالستناد على مبدأين أساسيين ،هما:
مب دأ التحق ق :وال ذي نتح رى أو نخت بر بواس طته ص دق أو ك ذب الفرض يات عن طري ق ع دد )1
مح دد من األحك ام والمالحظ ات المدعم ة باألرق ام ،وال تي يمكن الحص ول عليه ا (األرق ام)،
بالتجربة الحسية.
مبدأ اإلجرائية :والذي يعني أن كل المعرفة ترجع إلى مجموعة من اإلجراءات (العمليات) )2
ال تي يق وم به ا اإلنس ان خالل نش اطه ،فال يمكن معرف ة أهمي ة ومع نى أي مفه وم م ا لم نض ع
إجراءات نتمكن بواسطتها من قياس الظواهر التي يعبر عنها ذلك المفهوم.
يمي ل الوض عيون المح دثون إلى األخ ذ بج ل منطلق ات الوض عية األص يلة عن د ك ونت في فهم
الواقع ،واالهتمام باالتجاه الوضعي بوجه عام والذي في أساسه يركز على تأكيد مقولة أن العلم هو
وح ده ال ذي يمل ك الحقيق ة " أن الحقيق ة ال نص ل إليه ا إال ب العلم وب العلم وح ده" ،وذل ك باالعتم اد على
منهج وضعي في فهم المجتمع (وهي المالحظة ،التجربة ،المقارنة ،واالستدالل التاريخي) ،إال أنهم
يختلف ون معه ا في ك ونهم اس تبدلوا المنهج الت اريخي عن د ك ونت بالمن اهج اإلحص ائية والرياض ية ،كم ا
اختلفت المماثالت العضوية التي قدمها كونت بما في ذلك ما أطلق عليه بالفيزياء االجتماعية ليحل
محلها اعتمادا متزايدا على المناهج الرياضية المستخدمة في علم الفيزياء الحديث.
حدثة:
الم َ
الوضعية ُ
ّ بعض رواد
ج ورج لن دربرغ 1895( Lunndbergـ :)1966ع الم اجتم اع ومن أب رز ممثّلي االتّج اه
المنهجية في ضوء االتّفاق واالقتناع بتحديد المفاهيم
ّ الوضعي الحديث الذي يهدف إلى تحديد اإلجراءات
االجتماعي ة ،وتص ّورها في
ّ ائية ال تي تمثّ ل الظ واهر
التجريبي ة أو اإلحص ّ
ّ من خالل البحث عن ال دالئل
االجتماعية أو غ ير
ّ أن ك ّل العل وم
ض وء مجموع ة من اإلج راءات المح ّددة وي رى ج ورج لن دربرج ب ّ
تكي ّفي ة ،فك ّل بحث يب دأ ع ادة بع دم الت وازن ال ذي يستش عره
االجتماعي ة هي بالض رورة أداة أو وس يلة ّ
ّ
تتجنب اإلشارة إلى ّأي ة وقائع أو حقائق
السلوكية التي ّ
ّ تمام ا مع النزعة
الكائن العضوي وهذا ما يتّفق ً
انية االق تراب من موق ف الت وازن ال ذي يمثّ ل
التكي ف في الحي اة اإلنس ّ
عقلي ة ،ل ذلك تح اول ك ل ض روب ّ
ّ
الطبيعية المعاصرة.
ّ النظرية السائدة في العلوم
ّ الطبيعية لألمور ،وهذا ما يتّفق مع
ّ الحالة
ومربًي ا ،وقد لعب دورا محور يا
ّ أغبورن Ogburnم :عالم اجتماع أمريكي ،كان إحصائيا
االجتماعي ة الحديث ة لق د س عى أغب ورن من خالل دراس اته إلى
ّ في وض ع حج ر األس اس لالتّجاه ات
الحص ول على مع امالت ارتب اط بين المظ اهر المختلف ة للظ واهر ،مؤ ّك ًدا في ذل ك على الموض وعات
قريب ا من
االجتماعية للطيران 1936م" ،قد جعله ً
ّ واالقتصادية ،وكان مؤلّفه الشهير "اآلثار
ّ التكنولوجية
ّ
حدثة.
الم َ
للوضعية ُ
ّ الجناح الرياضي
فرانسيس س تيوارت تش ابين :S. Chapinأس تاذ علم االجتم اع ،لعب دورا هام ا في إنش اء علم
األمريكي ة م ا بين 1920م و 1940م ،يع د من بين
ّ الكمي اإلحص ائي في الوالي ات المتّح دة
االجتم اع ّ
يتمي ز بدقّ ة المنهج التجري بي،
المح َدثين المعت دلين ،كون ه اس تعان باالتّج اه التجري بي ال ذي ّ
الوض عيين ُ
التجريبي ة في البحوث
ّ األساسية التي يرتكز عليها هذا المنهج كما ورد في مؤلّفه "التصميمات
ّ والفكرة
المعملية.
ّ السوسيولوجية" ،تدور حول منطق التجربة
ّ
الوضعيين المحدثين يميلون إلى االهتمام باالتّجاه الوضعي الذي يسعى إلى تأكيد
ّ فإن
وعموم ا ّ
ً
أن العلم وح ده ه و ال ذي يمل ك الحقيق ة ،كم ا يتّفق ون م ع ك ونت في اعتم اد المالحظ ة واالس تدالل عن د
ّ
إج راء التحلي ل السوس يولوجي .كم ا توح د الوض عية المحدث ة إلى درج ة كب يرة بين األس اليب العلمي ة
والتكميم والقياس.
المدرسة الماركسية:
الماركس ية تي ار سياس ي وفك ري ومنهج ،ينس ب لمدون ة أفك ار" ك.م اركس" وبدرج ة أق ل إلى
"ف.انجل ز" ،وترتك ز الماركس ية سياس يا ،على تحلي ل الت اريخ والمش اركة في الحرك ة الواقعي ة لص راع
الطبق ات ،من أج ل اإلحاط ة بالنظ ام الرأس مالي ،وتنب ني من اهج التحلي ل الماركس ي على دراس ة الت اريخ
االقتص ادي واالجتم اعي .تحل ل الماركس ية المجتم ع ع بر مالحظ ة الوض عية المادي ة ،السياس ية،
االقتصادية واالجتماعية ،لكن هذه الوضعية تتنوع بحسب الزمان والمكان.
1ـــ من هو كارل ماركس:
ك ارل هنري ك م اركس( 1818ـ :)1883ك ان فيلس وف ألم اني ،واقتص ادي ،وع الم اجتم اع
وم ؤرخ ،وص حفي واش تراكي ث وري ،لعبت أفك اره دورا هام ا في تأس يس علم االجتم اع وفي تط وير
الحركات االشتراكية ،واعتبر من أهم االقتصاديين في التاريخ ومن أكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ
البشرية ،استحوذت حكومات اشتراكية ثورية تتبنى الفكر الماركسي على الحكم في العديد من البلدان
في القرن العشرين ،مما أدى لتكوين دول اشتراكية كاالتحاد السوفياتي سنة ،1922وجمهورية الصين
الش عبية س نة .1949كم ا ت أثرت العدي د من نقاب ات وأح زاب العم ال عالمي ا ب الفكر الماركس ي .نش ر
العديد من الكتب أهمها بيان الحزب الشيوعي ،ورأس المال.
انبثقت الماركس ية من مؤلف ات ك ارل م اركس ،ال تي س اعده "فريدريك انجلز" في بعض ها ،وعلى
ال رغم من أن اس م ك ارل م اركس ق د اق ترن ل دى الكث يرين بت اريخ علم االجتم اع وتط وره ،ف إن أعمال ه
نفسها ظلت محل جدل وخالف وتباين قبول الناس لها بشكل واضح ،ففي (المعسكر الشرق أيام الحرب
الب اردة) اعت برت الماركس ية فلس فة عظيم ة األهمي ة ش ديدة الت أثير ،في حين ك ان تأثيره ا في الغ رب
(سابقا) أقل ظهورا وتقديرا حتى عدة عقود ،ومن مصادر الفلسفة الماركسية نذكر:
وتعني أن القانون الذي يحكم الكون هو قانون الحرك ة والتغ ير المس تمرين ،وذل ك على عكس
فلسفة الثبات التي تعني أن السكون واالستقرار هما القانونان اللذان يحكمان الكون.
ــ وحدة وصراع المتضادات (األضداد) :يرى ماركس أن كل شيء هو طبيعي ،وأن كل ظاهرة تنهض
على طرفين متعارضين ،ومن المستحيل أن يضل هذان الطرفان في سالم ،ولكن من المحتمل أن يتولد
بينهم ا ص راع ،وه ذا الص راع ال يقض ي على وح دة الش يء أو الظ اهرة ،ب ل ي ؤدي إلى تغلب الط رف
المعبر عن التقدم على الطرف اآلخر ،فيحدث التحول؛ وهذا هو السبيل إلى التطور ،وبالتطبيق على
الواقع السياسي ،نجد أن المجتمع الرأسمالي يضم في آن واحد طبقتي البرجوازية والبروليتارية ،وكل
طبقة منهما تفرض وجود الطبقة األخرى؛ وعلى الرغم من التعارض القائم بينهما ،فإنهما يؤلفان وحدة
النظام الرأسمالي.
ــ االنتق ال من الكم إلى الكي ف :وه و الق انون ال ذي يعكس التط ور ال بوص فه مج رد تغ ير س طحي
لألش ياء ،ب ل باعتب اره تغ يرا ج ذريا يمس جوانبه ا الداخلي ة ،بمع نى أن ه يهتم بكيفي ة س ير التط ور ،حيث
ي رى م اركس أن ه عن دما ت تراكم التغ يرات الكمي ة وتتزاي د(من ناحي ة المق دار) ،ف إن التغ ير الكيفي (من
ناحية الصفات) ال يلبث أن يتم والعكس صحيح .فمثال إذا اختفت الملكية الخاصة وهي الكيفية األساسية
للنظام الرأسمالي ،وحلت محلها الملكية العامة(النظام االشتراكي) ،فان نظاما جديدا يحل محل النظام
الرأسمالي ،والمتمثل في النظام االشتراكي.
ــ نفي النفي :وه و الق انون ال ذي ينص على أن التط ور عملي ة ص اعدة ،أي ارتق اء من األدنى إلى
األعلى ،ومن البس يط إلى المعق د ،ويكش ف ه ذا الق انون عن االتج اه الع ام للتط ور في الع الم الم ادي.
فت اريخ المجتم ع اإلنس اني يت ألف من حلق ات نفي أو س لب النظم الجدي دة للقديم ة؛ إذ أن ك ل نظ ام جدي د
يقضي على النظام السابق له ،فمثال نجد أن مجتمع الرق قد قضى على المجتمع البدائي....إن مفهوم
النفي ال يعني أن الجديد يقضي على القديم نهائيا ،وإ نما يحتفظ من القديم على أفضل ما فيه ويدمج ه في
الجديد ويرقيه إلى أعلى.
النظ ر إلى الطبيع ة بوص فها كال موح دا ومتماس كا ترتب ط في ه الموض وعات والظ واهر ارتباط ا
عضويا فيما بينها.
النظ ر إلى الطبيع ة بوص فها في حال ة حرك ة وتب دل مس تمرين ،وتج دد ونمو ال ينقطع ان إذ ثم ة
دائما شيء ما يولد وينمو وآخر ينحل ويزول.
النظ ر إلى س يرورة النم و بوص فها انتق اال من التب دل الكمي الخفي إلى التب دل الج ذري الكيفي،
والنظ ر إلى التب دل الكيفي بوص فه تب دال ض روريا يحص ل بقف زات ويس ير أب دا إلى األم ام من
القديم إلى الجديد ومن البسيط إلى المركب ومن األدنى إلى األعلى.
النظ ر إلى الطبيع ة وظواهره ا من زاوي ة تناقض ها ال داخلي ،أي النظ ر إلى جانبه ا الس الب
وجانبه ا الم وجب ،إلى ماض يها ومس تقبلها ،إلى م ا يختفي فيه ا ويظه ر ،ألن مض مون النم و
الداخلي هو صراع األضداد وألن كل شيء يخضع للظروف والزمان والمكان.
ترتب ط المادي ة التاريخي ة ارتباط ا تمام ا باإلط ار الع ام للمادي ة الجدلي ة ،وتعت بر امت دادا طبيعي ا
وواقعيا لقضايا الدياليكتيك وفروضه .فإذا كانت المادية الجدلية تهتم بالوجود الموضوعي المستقل عن
ال وعي وبتط ور الع الم والق وانين العام ة ال تي تحكم ه ،ف إن المادي ة التاريخي ة تع نى ب الوجود االجتم اعي
كواقع اجتماعي مستقل عن الوعي االجتماعي لإلنسان وبتطور المجتمع وقوانينه ،وبهذا تعني المادية
التاريخي ة تط بيق المادي ة الجدلي ة على المجتم ع ويعرفه ا "غليزرم ان" بأنه ا النظري ة العام ة العلمي ة
التاريخي ة ال تي تم استخالص ها من دراس ة التكوين ات االقتص ادية واالجتماعي ة ،وهي في نفس ال وقت
منهج لتحصيل المعرفة".
األساس والبناء الف وقي :يع ني األس اس مجم وع عالق ات اإلنت اج ال تي تش كل البن اء االقتص ادي o
للمجتمع ،أما البناء الفوقي فيعني مجموع األفكار والتنظيمات والنظم.
قوى اإلنتاج :هي مجموعة الوسائل التي تساعد على إنتاج السلع المادية ،وتضم أدوات اإلنتاج o
واألفراد.
عالقات اإلنتاج :وهي العالقات التي تنشأ بين الناس من جراء عملية اإلنتاج والتبادل وتوزيع o
الس لع المادي ة ،وخاص ة فيم ا يتعل ق بكيفي ة تمل ك وس ائل اإلنت اج ،كاألراض ي والمب اني واآلالت
مثال.
أسلوب اإلنتاج :ومعناه االرتباط القائم بين قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج. o
1ـــ لفت م اركس االنتب اه إلى األوض اع المأزوم ة للفئ ات المحروم ة في المجتم ع الرأس مالي ،وأوض ح
كيف أن مختلف عناصر البناء االجتماعي تعمل على استمرار الالمساواة االجتماعية على نطاق واسع.
2ـ أوضح ماركس في نقده للرأسمالية أنها ليست نظاما حتميا وال عصيا على الهدم ،وفي هذا السياق
رفض التصور السائد بأن الرأسمالية لها وجود مستقل وبذلك كشف زيف أسطورة قوة الرأسمالية.
3ــ قب ل ظه ور م اركس ك ان علم اء االجتم اع يوجه ون ج ل اهتم امهم إلى محاول ة فهم الوض ع الق ائم
وليس انش غالهم بتق ديم تحلي ل نق دي م دفوع بالرغب ة في تحس ين األوض اع الراهن ة ألف راد المجتم ع .ولم
يهتموا إال اهتماما ضئيال بقضايا مثل القدرات واإلمكانات البشرية واإلبداع اإلنساني.
4ــ قدم ماركس بتبنيه للمنهج الجدلي ــ بديال للنظريات السابقة التي أخفقت في التعرف على العالقات
الخفية بين مختلف عناصر العالم االجتماعي وكيف تعمل هذه العالقات على التأثير في هذا العالم ،وقد
أوضح كيف أن العالقات االجتماعية يمكن أن تكون لها نفس قوة األبنية االجتماعية.
5ــ ابتك ر م اركس ع ددا من المف اهيم الجدي دة مث ل اقتص اد الس وق الح ر ،تق ديس الس لع ،التش يؤ،
االيديولوجيا ،االغتراب ،التي أثرت على تصورات علماء االجتماع الذين جاءوا بعده.
يمكن إرجاع بعض االتجاهات واآلراء المناهضة للماركسية إلى قصور في فهم كتابات ماركس
نفسها ،من ذلك مثال أشهر نقد لماركس يركز على:
ونش ير في األخ ير إلى أن الماركس ية المحدث ة ه و مص طلح يطل ق على أولئ ك المفك رين
المتمس كين بالماركس ية التقليدي ة كم ا ج اءت عن د م اركس كإط ار نظ ري ومنهجي ،ولكنهم ينتق دونها في
بعض الج وانب .وتب دو محاول ة عبد الباسط عب د المعطي في تق ديم تعري ف إج رائي للماركس ية المحدث ة
مهمة ،حيث لخصها في النقاط التالية:
أن الماركسية الجديدة تسلم ابتداء بمفهومات الماركسية ومنطقها المنهجي ،والقوانين العامة التي )1
توصلت إليها.
أن الماركس ية الجدي دة تنطل ق من الحق ائق الجدي دة ال تي يفرزه ا الواق ع أو بعب ارة أك ثر دق ة، )2
تتعامل مع القوانين النوعية للتطور االجتماعي.
أن الماركس يين الج دد يمكن أن يكون وا ك ل من ال تزم بالبن دين األولين وأتى بع د ال رواد )3
المؤسس ين ،وق دم إس هاما على طري ق فهم الحق ائق الجدي دة ،بش رط أال يخ رج عن اإلط ار الع ام
المعرفي واإليديولوجي للنظرية.
يعتبر مصطلح الوظيفية من المصطلحات التي يكثر الجدل حولها في العلوم االجتماعية ،وهذا
راج ع إلى اختالف ات اس تخدامه في الرياض ة والبيولوجي ا وفي العل وم االجتماعي ة وح تى في الدارج ة
وبمع اني مختلف ة .فالوظيفي ة تس تخدم بمع نى :النش اط االجتم اعي ،وفي كتاب ات أخ رى كم ا تح ّدث عن ه
ماكس فيبر تستخدم الوظيفية ككلمة مرادفة للمهنة أو العمل الذي يقوم به الفرد.
ويتساءل نيكوال تيماشيف " :ما هي الوظيفية" ،ويجيب بأن هذا أمر تصعب اإلجابة عليه ،وهذا
راج ع إلى االختالف الكب ير بين اص طالحي " وظيف ة" و "وظيفي" في علم االجتم اع واألنثروبولوجي ا
الثقافية كما تستخدم الوظيفية بمعنى رياضي ،فهي تسير إلى مقدار أهمية متغير ما ،تحدد بدورها مقدار
أهمية متغير آخر ،وهذا ما ظهر في أعمال سوروكين ،وهناك معنى آخر لهذه الكلمة " تتصل اتصاال
وثيقا بموقف علم االجتماع واالنثروبولوجيا ،إذ يستخدم لإلشارة إلى اإلسهام الذي يقدمه الجزء من أجل
استمرار الكل ،وهذا الكل قد يكون متمثال في المجتمع والثقافة ،فعلى الرغم من االختالف بين رادكيف
ب راون ومالينوفس كي إال أنهم ا متفق ان على أن لب التحلي ل ال وظيفي يمكن في دراس ة الج انب ال ذي
تلعبه"الفقرات الثقافية واالجتماعية" في المجتمع.
وحين نستعرض أعمال االتجاه البنائي الوظيفي نجد أنها وإ ن اختلفت في التفاصيل ــ تتفق على
النظر إلى الوظيفة على أنها تعني " األثر والنتيجة" وحينما يضاف مصطلح " البناء" فإن ذلك معناه أن
البناءات تؤدي وظائف ،ويعد مفهوم " الدور" في هذا الحال من المفهومات المحورية سواء لفهم النتائج
أو اآلثار؛ أو لفهم مكونات البناء االجتماعي .فالدور هو "الوظيفة بمعنى أن السلوك الذي يؤديه الج زء
من أج ل بن اء الكل" وأنم اط العالق ات من األدوار الشخص ية هي ج وهر البن اء االجتم اعي ،وبالمث ل
أنماط العالقات بين النظم االجتماعية هي المفهوم األشمل لبناء المجتمع ككل.
ومن ه يمكن ع رض جمل ة التحدي دات المتعلق ة بمفه وم الوظيف ة االجتماعي ة عن د رواد مفك ري النظري ة
البنائية الوظيفية كما يلي:
1ـ دل قسم منها على العمل ،وظهرت هذه الداللة في كتابات ماكس فيبر.
2ـ دل قسم منها على مفهوم األنشطة االجتماعية التي يمارسها الفرد في مركزه االجتماعي.
3ـ ذات داللة رياضية لإلشارة إلى وجود عالقة بين عامل متغير واحد مع عدة عوامل متغيرة أخ رى
وذات تأثير على قيمها.
4ــ ذات داللة اجتماعية كما ظهرت عند كتابات كارل منهايم الذي الحظ أن الحقيقة االجتماعية ما
هي إال وظيف ة الزم ان والمك ان ال تي تح دث في ه ،واس تعمال ال ديمغرافيين ال ذين يرجع ون ارتف اع أو
انخفاض معدل الوالدات إلى طبيعة المكانة االقتصادية للفرد.
5ـ ذات داللة بيولوجية عضوية التي تشير إلى العملية العضوية التي تساهم في المحافظة على سالمة
أفراد المجتمع وبقائهم ،استعملها رادكيف براول.
البنيوي ة الوظيفي ة هي رؤي ة سوس يولوجية ت رمي إلى تحلي ل ودراس ة ب نى المجتم ع من ناحي ة
والوظائف التي تقوم بها هذه البنى من ناحية أخرى ،وبهذا المعنى فان وجود البنى االجتماعية يلزم
وجود وظائف لها .هكذا فالبنية االجتماعية لها وظيفة تؤديها ،وكل شئ محكم السير في المجتمع دون
انتظار للصراع ،فالمجتمع عبارة عن لوحة فسيفسائية من الوظائف متسقة ومتوازنة ،وللوظيفية ثالثة
أشكال.
1ـ الوظيفي ة الفردي ة :وهي حاج ات الف اعلين االجتم اعين والب نى االجتماعي ة ال تي تظه ر لتلبي ة ه ذه
الحاجات.
2ـ الوظيفية العالقانية :وهنا يقع التركيز على آليات العالقات االجتماعية التي تساعد في التغلب على
التوترات التي تمر بها العالقات االجتماعية ،وهذا النوع نجده موضوع اهتمام لدى االنثربولوجين
أمثال راد كلييف براون و مالينوفسكي .فالوظيفية العالقاتية تعمل مثال عبر شعيرة طقسية من
الشعائر على التخفيف من التوترات في إطار العالج النفسي .
3ـ الوظيفي ة االجتماعي ة :ويتم الترك يز على الب نى والمؤسس ات االجتماعي ة الك برى وعلى عالقاته ا
ببعض ها البعض وتأثيراته ا الموجه ة لس لوكات األف راد والمجتمع ات كالوظيفي ة ال تي تق وم به ا مؤسس ات
كالجامعة أو المستشفى أو اإلذاعة أو التلفزيون أو األسرة أو المسجد أو المدرسة… فالموضوع متعلق
بالمجتمع ال باألفراد .
يع د االتج اه البن ائي ال وظيفي ق ديم ق دم النظري ة في علم االجتم اع ،حيث أن بعض الم ؤرخين
يرجع ون ألص وله إلى اإلغري ق وتض رب بج ذورها في أعم ال ال رواد المؤسس ين لعلم االجتم اع ،إذ
تجس دت في أعم ال معظم علم اء األنثروبولوجي ا وعلم االجتم اع ،ويرج ع أص ول الم ذهب الح ديث إلى
"منتس يكيو" وق د يمت د ج ذوره إلى ك ونت ،حيث أك د ك ونت على دراس ة الظ واهر االجتماعي ة في حال ة
التالزم في الوج ود وال ذي أس ماه االس تاتيكة االجتماعي ة ،وين درج تحت ذل ك قول ه " جمي ع النظم
االجتماعي ة ،والمعتق دات ،واألخالقي ات التي توج د في مجتم ع معين ،ترتبط ارتباطا متب ادال فيم ا بينه ا،
ول ذلك فإن ه ينبغي إذا أردن ا تفس ير إح داها ،أن نكتش ف أوال ذل ك الق انون ال ذي يح دد كيفي ة ارتب اط ه ذه
الظاهرة بجميع الظواهر األخرى".
كم ا س اهم هرب رت سبنسر ببعض المالحظ ات الجدي دة بالنس بة للمفه وم ال وظيفي في دراس ة
المجتم ع حيث ّبين نم اذج تطوري ة المجتمع ات تش به النم اذج العض وية ،موض حا درج ات التب اين في
األبني ة المعق دة بحيث يمكن قياس ها من خالل األنماط المختلفة التي تظهر بها العناصر المكون ة للبناء.
فعندما يتكون البناء من عدد من العناصر المتشابهة أو المترابطة فإن كل عنصر منها يميل إلى االكتفاء
الذاتي ولكن عندما يتألف من عناصر غير متشابهة .أي حينما يكون البناء متمايزا من الناحية الداخلية ـ
يك ون هن اك درج ة عالي ة من االعتم اد المتب ادل بين األج زاء؛ ومن ثم ة كلم ا زادت درج ة التم ايز بين
مكونات البناء زادت درجة تكامل البناء ككل.
إال أن أغلب مناقش ات الوظيفي ة الحديث ة تع ود إلى دورك ايم ،ال ذي ت أثر مث ل "هرب رت سبينسر"
مي ز في كتابه عن " تقسيم العمل االجتماعي بين وظيفة تقسيم العمل وسببه
باالتجاهات العضوية حيث ّ
الفع ال ،فالوظيفي ة تتمث ل في تكام ل أو إع ادة تكام ل المجتم ع ،أم ا الس بب ف يرجع إلى تزاي د "المس افة
األخالقي ة" الناتج ة عن الض غط الس كاني ،ويتلخص رأي دورك ايم فيم ا يلي ":عن دما يك ون هن اك ض غط
س كاني متزاي د وتفاع ل اجتم اعي متزاي د أيض ا .يح دث تص دع في ض وابط المجتم ع البس يط وزي ادة في
المنافس ة ،مم ا يه دد النظ ام االجتم اعي ،ولكن ه يمكن التقلي ل من ح دة ه ذه المنافس ة ،أو التحكم فيه ا عن
طريق إدخال المهام المتخصصة التي تجعل الناس أكثر اعتمادا على بعضهم البعض ،وأكثر قدرة على
تقبل االلتزامات المتبادلة".
إال أن دورك ايم كغ يره من ال ذين س بقوه تعرض وا لنق د ش ديد ه ذا ال ينفي مس اهمتهم الفعال ة في
تقدم هذا االتجاه ونجاحه .وكما سبق الذكر فإن األصول العلمية الحديثة لالتجاه البنائي الوظيفي يرجع
إلى ماليوفسكي إضافة إلى رادكليف براون حيث كان هدفهم هو دحض أفكار كال المذهبين االنتشاري
والتط وري الل ذان س يطرا على التفك ير االن ثروبولوجي في الق رن التاس ع عش ر ،حيث اتفق ا م ع القض ية
القائلة بأن المجتمعات اإلنسانية تنمو من أشكال بسيطة إلى أشكال أكثر تعقيدا.
ظه ر مص طلح الوظيفي ة في الثالثين ات من الق رن العش رين عن د علم اء االنثربولوجي ا على
درس ه ذان العالم ان في جامع ة
الخص وص ،أمث ال راد كلي ف ب راون ومالينوفس كي .وفي األربعين ات َّ
ش يكاغو مم ا أدى إلى انتش ار مص طلح االنثربولوجي ا الوظيفي ة في الوالي ات المتح دة األمريكي ة .وفيم ا
بعد مثلت أعمال كل من تالكوت بارسونز وروبرت ميرتون البنيوية الوظيفية في أعمق ما كتب حول
النظرية التي تنظر إلى المجتمع باعتباره نظاما نسقيا يتمتع بالكثير من االنسجام بين مكوناته البنيوية .
أما النظرية البيولوجية فتعد أحد مرجعيات الوظيفية ،ومنها يمكن القول انه إذا كانت العناصر
تكون وحدة بيولوجية متكاملة ،أي لوحة فوسيفسائية متكاملة تتسم باالنسجام ، المكونة للجسم اإلنساني ّ
إال أن الوظيف يين وكم ا ه و الح ال في النظري ة االجتماعي ة البيولوجي ة في مالحظاته ا لف روق بين الجسم
البشري والمجتم ع ال يتج اهلون أيض ا عنص ر الص راعات في المجتمع ات لكنهم ينظرون إليه ا بوص فها
توترات بريئة .أي أنها عبارة عن تمهيدات إلى إقامة نظام اجتماعي أفضل .فهي في منظورهم ايجابية
وليست هدامة للمجتمع .
إن البنيوي ة الوظيفي ة كنظري ة سوس يولوجية ت رى المجتم ع ع دد من التنظيم ات المتراتب ة ال تي
يساهم كل منها في االستقرار االجتماعي للمجتمع وتركز أكثر على التوازن االجتماعي للمجتمع وليس
على التغ ير االجتم اعي .فالنس ق االجتم اعي عب ارة عن مجموع ة من العناص ر المترابط ة فيم ا بينه ا ،
وأي خلل في أحدها البد وان يؤثر في باقي العناصر .وبدورهم يقول الوظيفيون أن النسق االجتماعي
يمكن أن يحافظ على االستقرار طالما أن كل عنصر يقوم بوظيفة .
يعتبر الرواد الثالثة كونت ودوركايم وسبنسر أهم الرواد االجتماعيين الذين أثروا تأثيرا كبيرا
على النظري ة البنيوي ة الوظيفي ة ،ومن أهم رواد ه ذا االتج اه ن ذكر ،مالينوفس كي ،راد كلي ف ب راون،
روبرث ميرثون ،تالكوت بارسونز ،وبعض مساهمات ماكس فيبر.
على الرغم من التباينات بين روافد البنائية الوظيفية فإن هناك اتفاقا عاما حول المسلمات التي
تنطلق منها أدوات تحليل الظاهرة االجتماعية والتي يمكن أن نلخصها في النقاط التالية:
1ــ لع ل المس لمة األولى تتعلق بفك رة" النسق االجتم اعي" حيث يرى أصحاب هذا االتجاه أن المجتمع
ه و نس ق يت ألف من مجموع ة من األج زاء المترابط ة بنائي ا ووظيفي ا ولكن م ا مع نى التراب ط ال وظيفي؟
ويؤك د ه ذا االتج اه على أن التراب ط البن ائي يتم من خالل عملي ة التب ادل العض وي بين عناص ر النس ق
وأجزائ ه ويتم ذل ك على أس اس تحدي د األدوار واألفع ال ال تي تحت وي على التب اين من حيث األداء
وطبيعت ه .ونظ را لوج ود التب اين يش كل بالض رورة االعتم اد المتب ادل بين األج زاء ،غ ير المتش ابهة في
األدوار ومن ثم يخلق نوعا متميزا من التضامن العضوي ،أو الوظيفي القائم على المنفعة العامة للنسق
الكلي ،في إط ار قواع د وق وانين منظم ة لألفع ال واألدوار وأي خ روج عنه ا ي ؤدي إلى انح راف يه دد
أسس بناء المجتمع وتوازنه.
2ـ تتعلق هذه المسلمة بفكرة التكامل إذ يرى أصحاب هذا االتجاه فيه طبيعة متأصلة وليست مكتسبة
فهن اك مي ل ط بيعي وفط ري للتكام ل والتض امن والوح دة أي رفض الص راع .ويفس ر ه ذا من وجه ة
نظ رهم "ب أن الص راع إن وج د فه و ليس القاع دة ب ل ه و االس تثناء إذ يمث ل انحراف ا عن مع ايير النس ق
االجتماعي بحكم طبيعته ومسار اتجاه تقدمه .هذه الصورة موجودة لدى مؤسسي علم االجتماع سواء
بصورة واضحة أو مستترة بدء من كونت وماكس فيبر...
3ــ ترتب ط ه ذه المس لمة بال دعوة إلى االس تقرار والثب ات :أي أن أص حاب ه ذا االتج اه ال يأخ ذون في
اعتبارهم عملية التغيير االجتماعي؛ وقامت دعوتهم على أساس أنه إذا كان التغيير أمرا حيويا ومطلوبا
في داخل األنساق االجتماعية ،فإنه يجب أن يكون تغيرا من أجل االستقرار والتوازن ،فهو ال يحدث
بفع ل الص راع أو من أجل ه ،وهم يح اولون إقن اع األف راد ب أن النس ق االجتم اعي المت وازن ه و النس ق
المتق دم بينم ا ذل ك ال ذي يق وم على فك رة التن اقض والص راع ه و نس ق اجتم اعي متخل ف أو يه دم نفس ه
بنفسه ،إذا فالتقدم يعني التوازن واالستقرار أما التخلف فيعني عملية الصراع .ومن هنا فهم يفسرون
حاج ة النس ق المس تمرة إلى المحافظ ة على البق اء وال ذي لن يت أتى إال من خالل القض اء على م ا ه و
معوق وظيفيا ،والذي هو المضر والعديم القيمة بالنسبة للنسق ككل.
4ـ أما المسلمة األخيرة فترتبط بكيفية المحافظة على أسس التوازن االجتماعي ودعمه وفي سبيل ذلك
ظهرت مفهومات جديدة لمصطلحات تقليدية مثل :التساند الوظيفي أو االعتماد المتب ادل والمس تلزمات
الوظيفية وغيرها من المصطلحات المعقدة التي ترتبط بالبناء والوظيفة وتدور كلها حول محور وحيد
أال وهو محور القيم األخالقية.
من الواضح أن قضية النظام االجتماعي تمثل المحور األساسي الذي تدور حوله النزعة الوظيفية في
علم االجتماع حتى أصبحت صحة المجتمع مرادفة " النظام" ومرضه " مرادفا للصراع" ذلك أن النسق
االجتماعي يؤدي دوره في ضوء معنى معين ،وهدف محدد فالعمليات التي تتم داخل النسق االجتماعي
يعمل من اجل إشباع حاجات األفراد والمحافظة على بقاء النسق واستمرارية أي " وحدة" ترتبط أجزاء
النسق ووظائفه"
يق وم التحلي ل ال وظيفي على ع دة أفك ار تح اول إعط اء ت بريرات في وج ود تناقض ات داخ ل األنس اق
االجتماعي ة مث ل المع وق ال وظيفي ،وأنم اط التك ييف ،الوظ ائف الكامن ة والظ اهرة ،والب دائل الوظيفي ة،
والتكام ل النس بي ،واألنم اط المثالي ة ،تح اول إظه ار أن الص راع حال ة اس تثنائية تع بر عن م رض
اجتماعي ،والتوازن والتكامل هما الحالة الطبيعية التي تمثل النموذج األمثل للنظام.
هذا المحور فيمثل العالقة بين اإلطار التصوري للبنائية الوظيفية واإلطار األيديولوجي ،أو المضمون
السياسي أو التبرير السوسيولوجي ألصحاب هذا االتجاه ،في اتجاه محافظ يدافع عن النظام الرأسمالي
بل ويبرز أهمية سيطرة الطبقة البورجوازية الغربية كطبقة قادرة على قيادة المجتمع وتحقيق تكامله
ويقول جولدنر في هذا اإلطار " :إن النظرية الوظيفية بتأكيدها لقضية النظام إنما تمثل بذلك أيديولوجية
تع بر عن المش اعر ال تي تتالئم م ع اس تمرار االمتي ازات ذل ك أن النظري ة االجتماعي ة ال تي تتخ ذ من
المحافظة على النظام االجتماعي قضيتها األساسية إنما تمثل دفاعا فكريا عن مصالح الذين يملكون ما
يجب التخلي عن ه وعلى المستوى العملي ف إن " األبط ال األك اديميين" ال ذين يتمس كون بقض ية النظ ام هم
أيضا األكثر ارتباطا بالصفوات السياسية وال يبخلون عليها بكل نصيحة من شأنها تدعيم الكبح"..
النس ق االجتم اعي( :)Social Systemيعت بر من المف اهيم المحوري ة ال ذي تق وم علي ه الوظيفي ة،
والنسق هو عب ارة عن العالق ات المترابط ة والمتس اندة ،فحينم ا تؤثر مجموع ة وح دات وظيفي ة
بعض ها في بعض ،فإن ه يمكن الق ول أنه ا تؤل ف نس قا؛ ذل ك ال ذي يتس م بالتراب ط ،والتب تين
والتحديد(إمكانية تحديد العناصر الداخلة والمكونة للنسق).
الوظيفة االجتماعية( :)Social Functionويقصد بها الدور الذي يسهم به الجزء في الكل.
الوظائف الكامنة والوظائف الظاهرة :الوظ ائف الظ اهرة هي األنش طة والممارس ات ال تي تلعب
أدوارا معروف ة وتس تهدف أه دافا واض حة وتخ دم أغراض ا اجتماعي ة جلي ة ومتص ورة ،في حين
يشير مفهوم الوظيفة الكامنة أو الخفية إلى األهداف التي قد تكون ال شعورية أو غير معروفة
أو غير واضحة وغير مقصودة بالنسبة ألولئك الذين يمارسون نشاطا معينا.
البدائل الوظيفية :Fonctional Alternativesيع ني أن أي س مة أو عنص ر ثق افي أو اجتم اعي
ال يع د ض رورة ال غ نى عنه ا لمج رد وج وده ،ألنن ا ب ذلك نتجاه ل حقيق ة هام ة وهي أن نفس
الحاج ة الفيزيقي ة أو الفيزيولوجي ة أو االجتماعي ة يمكن إش باعها من خالل عناص ر ثقافي ة أو
اجتماعية مختلفة وقابلة للتبادل.
المعوق ات الوظيفية :وق د ج اء به ا م يرتون ليش ير إلى تل ك النت ائج ال تي يمكن مالحظته ا وال تي
تحد من تكيف النسق أو توافقه.
ظلت حتى أواخر الستينات من القرن العشرين الوظيفية البنائية النظرية المهيمنة على ساحات
علم االجتماع وعرفت انتشارا كبيرا وهيمنة ،والبنيوية الوظيفية هي نظرية كبيرة تنطلق من المجتمع
وال تعطي أهمية للفرد ، ولكنها شهدت تراجعا ملحوظا في أهميتها منذ السبعينات من القرن العشرين
بسبب ظهور نظريات أخرى.