You are on page 1of 13

‫‪ 1‬من ‪13‬‬

‫الرفق في التعامل مع الناس‬ ‫عنوان الخطبة‬


‫‪ /1‬عظمة ورفعة أخالق الن‪$$ $ $ $‬بي ص‪$$ $ $ $‬لى اهلل عليه وس‪$$ $ $ $‬لم ‪ /2‬فضل الرفق مع‬ ‫عناصر الخطبة‬
‫الن ‪$$ $ $ $ $ $‬اس والتيس ‪$$ $ $ $ $ $‬ير في التعامل معهم ‪ /3‬ص‪$$ $ $ $ $ $‬ور ومواقف رائعة في الرفق‬
‫ب ‪$$ $ $ $‬اآلخرين ‪ /4‬أهمية ترفق المس ‪$$ $ $ $‬لم بكل من يتعامل معهم ‪ /5‬ذم القس ‪$$ $ $ $‬وة‬
‫والغلظة في التعامل مع اآلخرين‪$.‬‬
‫محمد بن عبدالرحمن العريفي‬ ‫الشيخ‬
‫‪13‬‬ ‫عدد الصفحات‬
‫‪14669‬‬ ‫رقم الخطبة في الموقع‬

‫اخلطبة األوىل‪:‬‬

‫احلمد هلل الذي جعل لكل شيء قدراً‪ ،‬وأحاط بكل شيء ُخ رباً‪ ،‬وأسبل‬
‫وكمل وص َفه لين اً و ِرفْق اً‬ ‫على خلقه بلطفه رمحةً ِ‬
‫وس رتاً‪ ،‬وبعث رس وله َّ‬
‫وبَِّراً‪..‬‬

‫أمحده سبحانه وأشكره‪ ،‬وأستعني به وأستغفره‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬ ‫ُ‬
‫وح ده ال ش ريك له أن زل كتابه ب احلق واهلدى‪ ،‬والن ور والض ياء؛ رمحة‬
‫وشفاء ملا يف الصدور‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا حممداً عبده ورسوله بعثه‬
‫بالرفق واللني والتيسري يف مجيع األمور صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬من ‪13‬‬

‫أما بعد‪ :‬أيها اإلخوة املؤمنون‪ :‬فإن اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬بعث نبيه حممداً ‪-‬صلى‬
‫أبر الناس قلباً‪ ،‬وأصدقهم هلج ةً‪،‬‬
‫وهدى‪ ،‬وقد كان َّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ -‬رمحةً ً‬
‫وأقرهبم رمحاً‪.‬‬

‫األخالق‬ ‫أكرم سجاياه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬؛ أ ْن الزمته تلك‬ ‫وإن من ِ‬
‫ُ‬
‫أح د‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأسه‪ ،‬و ُكس رت رباعيَّتُه يف غزوة ُ‬
‫العالية‪ ،‬يف أحلك الظروف‪ُ ،‬ش َّج ُ‬
‫فقيل له يف ه ذا احلال العص يب‪ :‬أال ت دعو على املش ركني!! فغلبت رمحته‬
‫على غضبه فق ال‪" :‬اللهم اه ِد قومي ف إهنم ال يعلم ون" (رواه البيهقي يف‬
‫شعب اإلميان)‪.‬‬

‫وق ال يف مق ام آخ ر‪" :‬إمنا بُعثت رمحة‪ ،‬ومل أبعث لعان اً" (رواه الط رباين‬
‫والبيهقي)‪.‬‬

‫أيها األحبة يف اهلل‪ :‬إن الرفق مع الن اس والتيسري يف التعامل معهم ُخلُ ٌق‬
‫حثَّت عليه الش ريعة وأك دت أمهيته من ال دين‪ ،‬فقد أخرب ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫أن كل عمل خيلو من الرفق والس هولة يك ون مآلُه إىل س ٍ‬
‫وء‪،‬‬ ‫وس لم‪َّ -‬‬
‫الرفْ ق ال يكون يف ٍ‬
‫شيء إاّل زانه وال‬ ‫فقال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َّ :-‬‬
‫"إن ِّ َ‬
‫ينزع من ٍ‬
‫شيء إال شانَه" (رواه مسلم)‪.‬‬ ‫َُ ُ‬
‫‪ 3‬من ‪13‬‬

‫وأخرب أن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬يوفِّق املرتفِّق وس يُجازيه أحس َن اجلزاء يف ال دنيا‬
‫بتيسري أعماله ويف اآلخ رة ب الثواب اجلزي ل؛ فق ال ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫الرفق ويعطي على الرفق ما ال يعطي على‬ ‫ب ِّ‬ ‫وس لم‪َّ :-‬‬
‫"إن اهللَ رفي ٌق حُي ُّ‬
‫العُنف وما ال يعطي على سواه" (رواه مسلم)‪.‬‬

‫بل أخرب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬أن من مل يتح َّل ب الرفق والليونة فاته‬
‫"من حُيْ َر ُم الرفق‬
‫اخلري كله دنيا وآخ رة فق ال ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪َ :-‬‬
‫اخلري كلَّه" (رواه مسلم)‪.‬‬
‫حيرم َ‬‫ُ‬

‫أعطي‬ ‫ُّ‬
‫ُأعطي َحظه من الرفق فقد َ‬
‫وق ال ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪" :-‬من َ‬
‫حظُّه من اخلري‪ ،‬ومن ُح ِر َم حظه من الرفق فقد ح رم حظه من اخلري"‬
‫(رواه الرتمذي وهو حسن)‪.‬‬

‫ف ‪-‬ص لى اهلل عليه‬‫وألمهية الرفق واللني يف التعامل والتص رفات مل يكت ِ‬


‫حث عليه يف معاملة الن اس‪ ،‬بل َّ‬
‫أك َد على الرفق والس هولة‬ ‫وس لم‪ -‬ب أن َّ‬
‫حىت يف معاملة البه اِئم‪ ،‬روى أبو داود أن رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫وس لم‪ -‬أراد أن خيرج إىل البادي ة؛ فأرسل إىل عائشة ‪-‬رضي اهلل عنه ا‪-‬‬
‫لة‪ ،‬فلما أرادت عائشة أن‬‫ناقة لرتكبها‪ ،‬وكانت هذه الناقة ص عبة غري مذلَّ ٍ‬
‫َ َْ‬
‫تركبها متنَّعت عليها وتل َّدنَت فلعنتها عائشة ‪-‬رضي اهلل عنه ا‪-‬؛ فق ال ‪-‬‬
‫‪ 4‬من ‪13‬‬

‫ص لى اهلل عليه وس لم‪" :-‬مهالً يا عائش ة! إن اهلل حيب الرفق يف األمر‬


‫كله‪ ،‬فعليك بالرفق"‪.‬‬

‫بل ك ان ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬جيعل أمر الرفق واللني والتيسري أص الً‬
‫من األص ول اليت يوصي هبا أص حابه؛ فك ان ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬إذا‬
‫"بش روا وال تنفروا‪ ،‬ويسروا‬
‫بعث أحداً من أصحابه يف بعض أمره قال‪ّ :‬‬
‫وال تعسروا" (متفق عليه)‪.‬‬

‫وك ان ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬ي ريب أهله على الرفق واللني حىت مع‬
‫الكفار‪ ،‬فقد روى البخاري عن عائشة ‪-‬رضي اهلل عنها‪ -‬قالت‪" :‬دخل‬
‫السام عليكم‬
‫رهط من اليهود على النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فقالوا‪ُ :‬‬
‫–يع ين‪ :‬املوت عليكم‪ ،-‬ق الت عائش ة‪ :‬ففهمته ا‪ ،‬فقلت‪ :‬وعليكم الس ام‬
‫واللعنة‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬مهالً يا عائشة إن اهلل‬
‫حيب الرفق يف األمر كل ه"‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رس ول اهلل أو مل تس مع ما ق الوا؟!‬
‫فقال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬قد قلت وعليكم"‪.‬‬

‫وملا دخل أعرايب املسجد وبال فيه‪ ،‬قام الصحابة إليه ليمنعوه‪ ،‬فمنعهم ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وقال‪" :‬ال تعجلوا عليه"‪ ،‬حىت إذا أهنى بوله وقام‬
‫‪ 5‬من ‪13‬‬

‫ليذهب‪ ،‬دعاه النيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وقال‪" :‬إن هذه املساجد مل‬
‫ت للصالة الذكر والتسبيح"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُتنْب َ هلذا وإمنا بُنيَ ْ‬

‫مث ذكر ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف ذلك مثاالً بديعاً ألصحابه فقال‪َّ :‬‬
‫"إن‬
‫ومثَل ه ذا األع رايب كمثل رجل ش ردت عليه ناقت ه‪ ،‬فق ام الن اس‬ ‫ِ‬
‫َمثَلي َ‬
‫إيل ن اقيت‪،..‬‬
‫يش تدون خلفه ا‪ ،‬وهي تش ت ّد هاربة والرجل يص يح‪ :‬خل وا َّ‬
‫حىت إذا تفرق وا عن ه؛ عمد إىل ش يء من خش اش األرض مث جعله يف ثوبه‬
‫ورفعه إليها ودعاها فلم يزل هبا حىت جاءته"‪.‬‬
‫فتأملوا يف هذا املثال البديع كيف أن الرفق واللني يسهل ما كان صعباً‪.‬‬

‫طوب متَِّز ُق‬


‫جيمع والزما ُن يُ َفِّر ُق *** ويَظَ ُّل يَرقَ ُع واخلُ ُ‬
‫املرءُ ُ‬
‫فالرتفق أوفَ ُق‬
‫ُ‬ ‫وافق *** وإذا يُسافُِر‬
‫الرتفُّ َق للمقي ِم ُم ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن َ‬
‫قضها إاّل الذي َيرَت فَّ ُق‬‫حاجة ***مل ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ألف ُم َد َّج ٍج يف‬
‫َ‬ ‫سار ُ‬
‫لو َ‬

‫أيها اإلخ وة الك رام‪ :‬روى مس لم يف ص حيحه عن معاوية بن احلكم ‪-‬‬


‫رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪" :‬ملا قدمت على رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬
‫علمت أم وراً من أم ور اإلس الم‪ ،‬فك ان فيما علمت أن ق ال‪ :‬يل إذا‬
‫عطست فامحد اهلل‪ ،‬وإذا عطس الع اطس فحمد اهلل فق ل‪ :‬يرمحك اهلل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فبينما أنا قائم مع رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يف الصالة إذ‬
‫‪ 6‬من ‪13‬‬

‫عطس رجل فحمد اهلل‪ ،‬فقلت‪ :‬يرمحك اهلل‪ ،‬رافع اً هبا ص ويت فرم اين‬
‫إيل ب أع ٍ‬
‫ني‬ ‫الن اس بأبص ارهم حىت احتملين ذل ك‪ ،‬فقلت‪ :‬ما لكم تنظ رون َّ‬
‫زرا؟! ق ال‪ :‬فس بَّحوا‪ ،‬فلما قضى رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪-‬‬
‫ش ً‬
‫الصالة قال‪ :‬من املتكلم؟! قيل‪ :‬هذا األعرايب‪.‬‬

‫ق ال‪ :‬ف دعاين رس ول اهلل ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬فب أيب هو وأمي‪ ،‬ما‬
‫رأيت معلم اً قبله وال بع ده أحسن تعليم اً من ه‪ ،‬فو اهلل ما َك َه رين‪ ،‬وال‬
‫ضربين‪ ،‬وال َش تَمين‪ ،‬قال‪ :‬إن هذه الصالة ال يصلح فيها شيءٌ من كالم‬
‫الن اس‪ ،‬إمنا هو التسبيح والتكبري وقراءة الق رآن –أو كما ق ال رس ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪.-‬‬

‫قلت‪" :‬يا رس ول اهلل‪ ،‬إين ح ديث عهد جباهلية وقد ج اء اهلل باإلس الم‪،‬‬
‫وإن منا رج االً ي أتون الكه ان؟ ق ال‪ :‬فال ت أهتم‪ ،‬قلت‪ :‬ومنا رج ال‬
‫يتطريون؟ قال‪ :‬ذاك شيءٌ جيدونه يف صدورهم فال يصدهنم‪ ،‬قلت‪ :‬ومنا‬
‫ط فمن وافق َخطَّه فذاك"‪.‬‬ ‫نيب من األنبياء خيُ ُّ‬
‫رجال خيطّون؟ قال‪ :‬كان ٌّ‬

‫اطلعت‬
‫ُ‬ ‫قلت‪" :‬وك انت يل جاري ةٌ ت رعى غنم اً يل قبل أحد واجلوانية ف‬
‫ذئب قد ذهب بش ٍاة من غنمه ا‪ ،‬وأنا رج ٌل من بين آدم‬ ‫ٍ‬
‫ذات ي وم ف إذا ال ُ‬
‫ص َككْتُها صكةً‪ ،‬فأتيت رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل‬‫ف كما يأسفون‪ ،‬لكين َ‬ ‫آس ُ‬
‫َ‬
‫‪ 7‬من ‪13‬‬

‫علي‪ ،‬قلت‪ :‬يا رس ول اهلل‪ ،‬أفال أعتِ ُقها ؟ ق ال‪:‬‬‫عليه وس لم‪ -‬فعظّم ذلك َّ‬
‫أين اهلل؟ ق الت‪ :‬يف الس ماء‪ ،‬ق ال‪ :‬من أن ا؟‬ ‫ائتين هبا فأتيته هبا‪ ،‬فق ال هلا‪َ :‬‬
‫قالت‪ :‬أنت رسول اهلل‪ ،‬قال‪ :‬أعتقها فإهنا مؤمنة"‪.‬‬

‫ويلني‬
‫فت أملوا عب اد اهلل‪ ..‬لو أن النيب ‪-‬ص لى اهلل عليه وس لم‪ -‬مل يرفُق به ُ‬
‫له اجلانب فهل كان ينشط يف السؤال وتَعلُّ ِم الدين؟‬

‫أن عاملاً من العلم اء كان جالس اً‬ ‫كر َّ‬


‫ض يف ذلك‪ :‬ما ذُ َ‬
‫عر ُ‬
‫ومن مجيل ما يُ َ‬
‫يف حلقته ف دخل عليه رجل معه حربتُه يريد أن يس أل‪ ،‬فلما وقف على‬
‫ه ذا الع امل غ رس حربتَه يف األرض ف وقعت على أص بع ه ذا الع امل‪ ،‬فلم‬
‫يتكلم أو يتحرك‪ ،‬حىت إذا انتهى الرجل من س ؤاله أجابه الع امل‪ ،‬مث ذهب‬
‫تنزف بالدم فقيل له‪ :‬مِلَ مَلْ تتحرك ملا‬
‫الرجل‪ ،‬فرفع العامل رجله فإذا هي ُ‬
‫َّ‬
‫ريتج عليه الس ؤال مث يظ ُّل‬‫يت أن يعلم مبا فعل ف َّ‬
‫أص ابك؟! فق ال‪ :‬خش ُ‬
‫جاهالً بدينه‪..‬‬

‫أيها األحبة يف اهلل‪ :‬إن من تأمل يف كت اب اهلل ‪-‬عز وج ل‪ -‬وج َد أن‬


‫ال رب ‪-‬ج َّل جاللُ ه‪ -‬عظَّم الرف َق وأمر ب ه‪ ،‬بل ق ال لنبيه ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫ف َع ُنهم‬
‫اع ُ‬ ‫لب ال ْن َفضُّوا من َحولِ ْ‬
‫ك فَ ْ‬ ‫نت فَظَّاً َغلي َظ ال َق ِ‬
‫وسلم‪( :-‬ولَو ُك َ‬
‫واست ْغ ِفر هلُم) [آل عمران‪.]159 :‬‬ ‫َ‬
‫‪ 8‬من ‪13‬‬

‫دأب األنبي اء‪ ،‬ف إن اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ملا أرسل موسى ‪-‬ص لى اهلل‬ ‫والرفق هو ُ‬
‫عليه وس لم‪ -‬إىل فرع ون الطاغية املتكرب ال ذي ليس بعد طغيانه طغي ان‪..‬‬
‫وسخر الناس بني يديه‪ ..‬بل بلَغ من‬ ‫َّادعى األلوهية‪ ..‬وقتل بين إسرائيل‪َّ ..‬‬
‫إله موسى فيُقاتِله ومع‬ ‫طغيانه أنه مجع جنوده وبىن صرحاً عالياً لريقى إىل ِ‬
‫َ‬
‫ذلك ملا أرسل اهلل موسى وه ارون إليه ق ال –س بحانه‪ ( :-‬ا ْذ َهبا إىل‬
‫فِْر َع و َن إنَّهُ طَغى * فَقوال لَهُ قَوالً لَيِّن اً لَ َعلَّهُ يَت َذ َّك ُر أو خيْ َش ى) [طه‪-43 :‬‬
‫‪.]44‬‬

‫وعظ ِم اللني والسهولة يف حال إبراهيم ‪-‬صلى اهلل‬ ‫وانظروا إىل غاية الرفق ِ‬
‫رخ به أب وه الك افر وق ال‪( :‬يا‬
‫عليه وس لم‪ ،-‬دعا أب اه إىل اإلس الم فص َ‬
‫رد إب راهيم بكل رفق ولني‬ ‫واه ُج ْرين َمليَّاً) ف ّ‬
‫َّك ْ‬ ‫راهيم لَِئن مل َتْنتَ ِه أَل ْرمُجَن َ‬
‫إب ُ‬
‫ك ريِّب إنَّه كا َن يب َح ِفي اً) [مرمي‪-46 :‬‬ ‫ِ‬
‫سأس َت ْغف ُر لَ َ‬
‫ليك ْ‬ ‫الم َع َ‬ ‫(س ٌ‬
‫قائالً‪َ :‬‬
‫‪ ،]47‬فك ان األنبي اء ‪-‬عليهم الس الم‪ِ -‬‬
‫يص لون ب الرفق واللني إىل ما ال‬ ‫ُ‬
‫يصل إليه غريهم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫كما قال األصمعي‪:‬‬


‫للع ْذراء من ِخ ْد ِرها‬
‫أخرج َ‬
‫َ‬
‫الرفق يف ِ‬
‫لينه ***‬ ‫مل أر ِمثل ِ‬
‫َ َ‬
‫رج احليَّةَ من ُجح ِرها‬ ‫ِ‬ ‫من يَستعِن ِ‬
‫بالرفق يف أمره *** قد خُي ُ‬ ‫ْ‬
‫‪ 9‬من ‪13‬‬

‫معاشر املؤمنني‪ :‬وينبغي ملن مل يكن رفيق اً لين اً حليم اً أن يُ َع ِّو َد نفسه على‬
‫ف بن قيس ك ان من أحل ِم الن اس‪ ،‬وذكر أص حاب‬ ‫ذل ك‪ ،‬فه ذا األحن ُ‬
‫لمه أعاجيب وغرائب‪ ،‬ومع ذلك سأله بعضهم عن ِح ِ‬
‫لمه‬ ‫التاريخ من ِح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الغضب‬ ‫فأسر إليه وقال‪" :‬لست ِ‬
‫واهلل حبلي ٍم لكيِّن أحتَ امَلُ‪ ،‬وإين ليُصيبُين من‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أتصرّب "‪.‬‬
‫مثل ما يُصيبُكم لكين َ‬
‫َ‬
‫أورثَْتين ِعَّزاً طويالً"‪.‬‬
‫احتَ َملتُها َ‬
‫وقال عروةُ بن الزبري‪" :‬ر َّ ِ ٍ‬
‫ب كلمة ذُل ْ‬ ‫ُ‬

‫أيها اإلخوة األكارم‪ :‬إن الرجل املسلم املوفَّق يلتمس للناس األعذار قدر‬
‫املستطاع‪.‬‬
‫األب الش فيق واألم ال َّرؤوم وعلى أص حاب املس ؤوليَّات أن‬ ‫وإن على ِ‬
‫يأخ ذون إال حبق وال ي دفعون إال باحلُسىن وال‬ ‫حتت أي ديهم ال ُ‬‫يرفُق وا مبن َ‬
‫ف اللَّهُ َن ْف ًس ا ِإاَّل َما آَتَ َ‬
‫اها َس يَ ْج َع ُل اللَّهُ‬ ‫ي أمرون إال مبا يُس تطاع (اَل يُ َكلِّ ُ‬
‫َب ْع َد عُ ْس ٍر يُ ْسًرا) [الطالق‪.]7 :‬‬

‫ويكظ ُم َغيظَ ه‪ ،‬وميلِك لسانه‪ ،‬تعظُم‬


‫وعلى قدر ما ميسك اإلنسان نفسه‪ِ ،‬‬
‫يلوك أخطاءَ الناس‪،‬‬
‫فليس وظيف ةُ املسلم أن َ‬
‫منزلتَه عند اهلل وعند الناس‪َ ،‬‬
‫ؤية حسناهتم وكأنه ال يعرف وال يرى إال‬‫ويتتبع عثراهتم‪ ،‬ويعمى عن ر ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫الس يئات‪ ..‬أليس يف عيوبه ما يُش غلُه عن عي وب الن اس‪ ..‬فال ينبغي أن‬
‫يكون كما قيل‪:‬‬
‫‪ 10‬من ‪13‬‬

‫األسو ُد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِئ‬


‫خَت ْفى احل َقا ُق عن عُيون ال تَرى *** يف الص ْف َحة البَيضاء إالّ َ‬
‫وقد وصف اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬ص فوة عب اده بقول ه‪ِ :‬‬
‫(َأذلٍَّة علَى الْم ْؤ ِمنِني ِ‬
‫َأع َّز ٍة‬ ‫َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫ين) [املائدة‪.]54 :‬‬

‫نس أل اهلل ‪-‬تع اىل‪ -‬أن يوفقنا وإي اكم لص احل األخالق‪ ،‬وأن يص رف عنا‬
‫س يئها‪ .‬ب ارك يل ولكم يف الق رآن العظيم‪ ،‬ونفعنا مبا فيه من اآلي ات‬
‫وال ذكر احلكيم‪ ،‬ورزقنا السري على ه دي نبيه حمم ٍد ‪-‬ص لى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ .-‬آمني يا رب العاملني‪.‬‬

‫أق ول ق ويل ه ذا وأس تغفر اهلل يل ولكم ولس ائر املس لمني من كل ذنب‬
‫فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ 11‬من ‪13‬‬

‫اخلطبة الثانية‪:‬‬

‫احلمد هلل أكمل لنا ال دين‪ ،‬وأمت علينا النعم ة‪ ،‬ورضي لنا اإلس الم دين ا‪،‬‬
‫أمحده سبحانه وأشكره‪ ،‬وأتوب إليه وأستغفره‪ ،‬وأشهد أن ال إله إاّل اهلل‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن سيدنا ونبينا حممداً عبده ورسوله‪ ،‬تركنا‬
‫على امل َح َّج ِة البيضاء‪ ،‬ليلُها كنها ِرها‪ ،‬ال يزيغ عنها إال هالك‪.‬‬
‫َ‬
‫أما بعد أيها اإلخ وة املؤمن ون‪ :‬ف إن اإلنس ان م َدينٌّ بطبع ه‪ ،‬وال بُ َّد له أن‬
‫خيالط الناس واملؤمن الذي خيالط الناس ويصرب على أذاهم خريٌ من املؤمن‬
‫الذي ال خيالط الناس وال يصرب على أذاهم‪..‬‬

‫اس‬
‫ين إنكم لن تَ َس عُوا الن َ‬
‫وقد ق ال بعض احلكم اء يوصي بني ه‪" :‬يا بَ َّ‬
‫فسعُوهم بأخالقكم"‪.‬‬
‫بأموالكم َ‬

‫القلب الغليظ يَ ِنف ُر الناس‬


‫صاحب َ‬ ‫ُ‬ ‫ظ القاسي‪،‬‬ ‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬إن ال َف َّ‬
‫ويتحاش ون اجلل وس إلي ه‪ ،‬فال تُقبل منه دع وةٌ وال يُس مع منه توجي هٌ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫منه‬
‫وال يرتاح إليه جليس‪..‬‬
‫نعم‪ ،‬وإن ك ان ص احلاً تقي اً‪ ..‬بل حىت لو ك ان نبيّاً‪ ،‬فقد ق ال ‪-‬تع اىل‪-‬‬
‫ت فَظَّاً‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت هلم ولَو ُكْن َ‬‫من اهلل لْن َ‬
‫خلامت األنبي اء وإم ام األولي اء‪( :‬فَب َما َرمْح َ ة َ‬
‫‪ 12‬من ‪13‬‬

‫وش ا ِو ْرهم يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َغلي َظ ال َق ِ‬


‫عنهم واست ْغفر هلم َ‬
‫ف ُ‬ ‫اع ُ‬
‫لب ال ْن َفضُّوا من َحولك فَ ْ‬
‫األم ِر) [آل عمران‪.]159 :‬‬ ‫ْ‬

‫أيها املس لمون‪ :‬وعلى ق در ما يغلظ اإلنس ان ويتتبع اهلف وات تنخفض‬
‫منزلته عند اهلل وعند الن اس‪ ،‬وعلى ق در ما يتج اوز عن الع ثرات ت دوم‬
‫أن أبا ال درداء ‪-‬رضي اهلل عن ه‪ -‬م َّر على‬ ‫مودتُه عند الربيَّات‪ُ ..‬ر ِوي َّ‬
‫رج ٍل قد أص اب ذنب اً‪ ..‬والن اس يس بُّونَه‪ ،‬فق ال أبو ال درداء ‪-‬رضي اهلل‬
‫أسفل بئ ٍر أمل تكونوا مستخرجيه؟‬
‫عنه‪" :-‬أرأيتم لو وجدمتوه ساقطاً يف ِ‬
‫ق الوا‪ :‬نعم واهلل‪ ،‬فق ال‪ :‬فإنه يف ُكرب ٍة ومص ٍ‬
‫يبة أعظم من الس ِ‬
‫اقط يف ب ئ ٍر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫تسبوا أخاكم‪ ،‬وامحدوا اهلل الذي عافاكم"‪.‬‬ ‫فال ُ‬

‫أيها اإلخ وة األك ارم‪ :‬وبعد أن تكلمنا عن الرفق وأمهية اللني والس هولة‬
‫ِ‬
‫لإلنسان‬ ‫كرهُ‬
‫ينبغي أن ننبه إىل أن الرفق هو األصل واألساس‪ ،‬ولكن قد يُ َ‬
‫دة وال ُق ِ‬
‫وة‪..‬‬ ‫الش ِ‬
‫لم بل ال بد من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يف مواقف ٍ‬
‫الرفق واحل َ‬
‫يستخدم َ‬‫َ‬ ‫معينة أن‬ ‫َ‬
‫رف م ِ‬
‫وض َع‬ ‫ولكن ش َّدةٌ من غري جه ٍل‪ ..‬وقُ وةٌ من غري تَع دٍّ‪ ،‬والعاق ُل يع ُ َ‬
‫هذا وموضع هذا‪..‬‬
‫هل‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذا قيل ِحلم قُل فلِ ِ‬
‫لحل ِم‬
‫لم الفىت يف غري َموضعه َج ُ‬ ‫موضع *** وح ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫‪ 13‬من ‪13‬‬

‫رف‬
‫وال واألفع ال‪ ،‬وأن يص َ‬ ‫ِ‬
‫األخالق واألق ِ‬ ‫نس أل اهلل أن يه دينا ألحس ِن‬
‫عنا سيَئها ال يصرف عنا سيئها إاّل هو‪.‬‬

‫اللهم إنا نس ألك من َخ َريي ال دنيا واآلخ رة‪ ،‬ونس ألك العافي ةَ و املعاف ا َة‬
‫أحب ِ‬
‫عبادك إليك يا ذا اجلالل واإلكرام؟‬ ‫الدائمةَ‪ ،‬ونسألك أن جتعلنا َّ‬

‫ربَّنَا ا ْغ ِف ر لَنَا وِإل خوانِنَا الَّ ِذين س ب ُقونَا بِاِإل ميَ ِ‬


‫ان َوالَ جَتْ َع ْل يِف ُقلُوبِنَا ِغالًّ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َ‬
‫وف َّر ِحيم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّك َرُؤ ٌ‬ ‫ين َآمنُوا َربَّنَا ِإن َ‬
‫لِّلَّذ َ‬

‫اللهم أصلح أحوال املسلمني يف كل مكان‪.‬‬


‫اللهم إنّا نسألك من اخل ِري ُكلِّه ونعوذُ بك من ِّ‬
‫الشر كلِّه‪.‬‬ ‫ّ‬

‫إبراهيم وعلى ِآل‬ ‫صليت على‬ ‫حممد وعلى ِآل ٍ‬


‫حممد كما‬ ‫اللهم صل على ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِّ‬
‫راهيم‬
‫اركت على إب َ‬‫َ‬ ‫راهيم وب ارك على حمم ٍد وعلى ِآل حمم ٍد كما ب‬ ‫إب َ‬
‫إبراهيم إنَّك محي ٌد جميد‪.‬‬
‫َ‬ ‫وعلى ِآل‬

‫واحلمد ِ‬
‫هلل‬ ‫رسلني‪،‬‬ ‫ب العِ َّز ِة َّ‬
‫ُ‬ ‫الم على املُ َ‬
‫وس ٌ‬‫عما يصفو َن‪َ ،‬‬ ‫سبحا َن ربِّك َر ِّ‬
‫ب العاملني‪.‬‬‫َر ِّ‬

You might also like