You are on page 1of 17

‫‪ 1‬من ‪17‬‬

‫الكسب الطيب‬ ‫عنوان الخطبة‬


‫‪/1‬الحكمة من وجود المحرمات وتحريمها ‪/2‬مكانة أكل‬ ‫عناصر الخطبة‬
‫الحالل والسعي إليه واألمر به ‪/3‬أثر الكسب الحالل على‬
‫صاحبه ‪/4‬تكفل اهلل باألرزاق ‪/5‬بم يتفاضل الناس؟‬
‫‪/6‬سنسأل يوم القيامة عن النعيم‬
‫محمد بن عبدالرحمن العريفي‬ ‫الشيخ‬
‫‪18‬‬ ‫عدد الصفحات‬
‫الخطبة األولى‪:‬‬

‫باهلل ‪-‬تعالى‪ -‬من ُشرو ِر أن ُف ِسنا‬ ‫ستغفرهُ‪ ،‬ونعوذُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫إن الحم َد هلل‪ ،‬نَحم ُدهُ ونَستعينُهُ ونَ ُ‬ ‫َّ‬
‫ي له‪ ،‬وأشه ُد أن‬ ‫ِ‬ ‫ض َّل لَه‪ ،‬ومن ي ْ ِ‬‫ئات أعمالِنا‪ ،‬من ي ْه ِد ِه اهلل فال م ِ‬ ‫وسيِّ ِ‬
‫ضل ْل فال هاد َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬
‫ف ِء والنظير‪ ،‬وأشه ُد‬ ‫ثيل وال ُك ْ‬ ‫ِ‬
‫الشبيه وال َـم ِ‬ ‫شريك له َج َّل عن‬
‫َ‬ ‫ال إلهَ إاّل اهللُ وح َدهُ ال‬
‫خلق ِه وأمينُه على َو ْح ِيه‪،‬‬
‫أن محمداً عب ُدهُ ورسولُهُ وص ِفيُّهُ وخليلُه وخيرتُهُ من ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فصلوات ِ‬
‫ت‬
‫صلَ ْ‬ ‫وسالمهُ عليه وعلى آله الطيِّبين وأصحابه الغُِّر ال َـميامين ما اتَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل‬ ‫ُ‬
‫ت ُأذُ ٌن بِ َخبَر‪ ،‬وسلَّ َم تسليماً كثيراً‪.‬‬‫ين بِنَظَر‪ ،‬و َو َع ْ‬
‫َع ٌ‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫‪ 2‬من ‪17‬‬

‫وأس َج َد لَهُ مالِئ َكتَه‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫أيُّها اإلخوةُ ِ‬


‫وأكر َمهُ‪ْ ،‬‬ ‫السالم‪َ -‬‬‫ُ‬ ‫‪-‬عليه‬ ‫آد َم‬
‫الكرام‪ :‬خلَ َق اهللُ َ‬
‫رات ِ‬
‫الجنة‬ ‫إليه نفسه؛ من ثَـم ِ‬ ‫يديه ما َتلَ ُّذ لَهُ عينُه وتشتا ُق ِ‬
‫أس َكنَهُ جنَّتَه‪ ،‬وجعل بين ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫حيث شاء‪ ،‬إاّل َش َج َرةً‬ ‫فأباح لهُ أ ْن يأ ُك َل منها ُ‬ ‫وخم ِرها َ ِ‬ ‫وخيراتِـها وماِئها َ‬
‫وعسلها؛ َ‬ ‫َ‬
‫أوج َدها‪ ،‬لكنَّهُ َت َر َكها اختِباراً‬
‫شاء َربُّنا ‪-‬سبحانَهُ‪ -‬ما َ‬
‫ِ ِ‬
‫ب َعينها َمَن َعهُ منها؛ ولو َ‬
‫ط بع َد ذلك إلى األرض‪.‬‬ ‫آدم ما كا َن ثم َهبَ َ‬ ‫ِ‬
‫وامتحاناً؛ حتى كا َن من أبينا َ‬

‫ِ‬
‫المطعومات‬ ‫أنواع‬ ‫هذه الدنيا ِ‬
‫للناس‬ ‫ومن رحمتِ ِه ‪-‬سبحانَه‪ -‬أن جعل في ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أشياء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحل لهم منها َ‬ ‫والمشروبات من النباتات والحيوانات؛ لكنَّهُ ‪-‬سبحانَهُ‪َّ -‬‬
‫حر َمها اهللُ علينا؟ فلماذا ُخلِ َق‬
‫تتساء ُل‪ :‬لماذا َّ‬
‫َ‬ ‫ك‬‫فلعلَّ َ‬ ‫ِ‬
‫أشياء بعينها‪َ .‬‬
‫وحر َم عليهم َ‬ ‫َّ‬
‫شاء اهللُ لما أوج َدهما‪.‬‬
‫تناولُهما؟ ولو َ‬ ‫الخمر‪ ،‬ولماذا ُح ِّر َم ُ‬
‫ُ‬ ‫الخنزير؟ ولماذا ُو ِج َد‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫بالغيب‪ ،‬م َّـمن‬ ‫الجواب‪َّ :‬‬
‫أن اهللَ خلَ َقها اختباراً وامتحاناً لبني آدم؛ ليُعلَ َم من يخافُهُ‬
‫هو في ٍ‬
‫ضالل ُمبين‪.‬‬

‫عبادهُ أاّل يأكلوا وال يَشربوا وال يَلبَسوا إاّل حالالً‪ ،‬فقال تعالى ‪-‬‬ ‫وقد َأم َر اهللُ َ‬
‫الرسل ُكلُوا ِمن الطَّيِّب ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫وخيرتُهم‪( :-‬يَا َُّأي َها ُّ ُ ُ‬
‫الخلق َ‬ ‫أفضل‬
‫ُ‬ ‫الر ُس َل وهم‬ ‫مخاطباً ُّ‬
‫صالِ ًحا ِإنِّي بِ َما َت ْع َملُو َن َعلِيم)[المؤمنون‪.]51:‬‬
‫َوا ْع َملُوا َ‬

‫خاطباً المؤمنين‪( :‬يا َُّأي َها الَّ ِذين آمنُواْ ُكلُواْ ِمن طَيِّب ِ‬
‫ات َما َر َزقْنَا ُك ْم َوا ْش ُك ُرواْ‬ ‫وقال م ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫لِل ِّه ِإن ُكنتُ ْم ِإيَّاهُ َت ْعبُ ُدون)[البقرة‪.]172:‬‬
‫‪ 3‬من ‪17‬‬

‫الناس جميعاً من المؤمنين وغي ِرهم‪( :‬يَا َُّأي َها الن ُ‬


‫َّاس‬ ‫‪-‬ج َّل وعال‪ -‬مخاطباً َ‬ ‫وقال َ‬
‫ان ِإنَّهُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُّمبِين)‬ ‫الش ْيطَ ِ‬ ‫ض حالَالً طَيِّباً والَ َتتَّبِعواْ ُخطُو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اَألر ِ َ‬‫ُكلُواْ م َّما في ْ‬
‫[البقرة‪.]168:‬‬
‫وخطُواتِه‪ ،‬ومن خطواته‪ :‬أن يُوقِ َع اإلنسا َن في‬ ‫ِ‬
‫الشيطان ُ‬ ‫فح َّذ َر سبحانَهُ من‬ ‫َ‬
‫ين‬ ‫ب منها‪ ،‬مع َّ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫الحالل بَ َ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫شر َ‬ ‫يأكل أو يَ َ‬‫المحرمات والخبا ث‪ ،‬فلَ ُربَّما َأم َرهُ أن َ‬
‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه‬ ‫يديه كثير؛ فعن أبي ُهريرةَ ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬قال‪ :‬قال ُّ‬ ‫ِ‬
‫ين بِ َما ََأم َر‬ ‫ِِ‬
‫ب اَل َي ْقبَ ُل ِإاَّل طَيِّبًا‪َ ،‬وِإ َّن اهللَ ََأم َر ال ُْمْؤ من َ‬ ‫َّاس‪ِ ،‬إ َّن اهللَ طَيِّ ٌ‬
‫"َأي َها الن ُ‬
‫وسلم‪ُّ :-‬‬
‫صالِ ًحا ِإنِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الر ُس ُل ُكلُوا م َن الطَّيِّبَات َوا ْع َملُوا َ‬ ‫ين؛ فقال تعالى‪( :‬يَا َُّأي َها ُّ‬ ‫به ال ُْم ْر َسل َ‬
‫ال‪( :‬يا َُّأي َها الَّ ِذين آمنُواْ ُكلُواْ ِمن طَيِّب ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َما‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫بِ َما َت ْع َملُو َن َعليم)[المؤمنون‪َ ،]51:‬وقَ َ َ‬
‫ث َأ ْغَب َر‪ ،‬يَ ُم ُّد يَ َديْ ِه ِإلَى‬‫الس َف َر َأ ْش َع َ‬
‫يل َّ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج َل يُط ُ‬ ‫َر َزقْنَا ُك ْم)[البقرة‪ ،]172:‬ثُ َّم ذَ َك َر َّ‬
‫ي‬ ‫ِ‬
‫سهُ َح َر ٌام‪َ ،‬وغُذ َ‬ ‫ب‪َ ،‬و َمط َْع ُمهُ َح َر ٌام‪َ ،‬و َم ْش َربُهُ َح َر ٌام‪َ ،‬و َملْبَ ُ‬ ‫ب‪ ،‬يَا َر ِّ‬‫الس َم ِاء‪ ،‬يَا َر ِّ‬
‫َّ‬
‫ك؟ "(رواه مسلم)‪.‬‬ ‫اب لِ َذلِ َ‬ ‫بِال َ‬
‫ْح َر ِام‪ ،‬فََأنَّى يُ ْستَ َج ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫(ه َو الَّذي َخلَ َق لَ ُكم َّما في ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫بين أيدينا حالاًل كثيراً‪ ،‬فقال‪ُ :‬‬
‫وجعل سبحانهُ َ‬
‫َ‬
‫ص َو َر ُك ْم َو َر َزقَ ُكم ِّم َن‬ ‫ِ‬
‫س َن ُ‬
‫َأح َ‬
‫ص َّو َر ُك ْم فَ ْ‬
‫(و َ‬
‫َجميعاً)[البقرة‪ ،]29:‬وقال جل وعال‪َ :‬‬
‫ات)[غافر‪.]64:‬‬‫الطَّيِّب ِ‬
‫َ‬
‫‪ 4‬من ‪17‬‬

‫ب‬ ‫وخروج ِ‬
‫المرء لِ َك ْس ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحالل من ِ‬
‫أعظم العبادات‪ُ ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الكسب‬
‫ُ‬ ‫أيُّها اإلخوةُ المؤمنون‪:‬‬
‫الصحابة لما َجلَسوا‬‫ِ‬ ‫‪-‬جل وعال‪ ،-‬ألَم َت َر إلى‬ ‫بادةٌ يَت َق َّرب بها إلى ِ‬
‫اهلل‬ ‫ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫الحالل ع َ ُ ُ‬
‫النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬يوماً‪ ،‬فرأوا رجالً مجتَ ِهداً في َكس ِ ِ ِ‬
‫ب ِر ْزقه يَ ُ‬
‫عمل‬ ‫ْ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫مع ِّ‬ ‫َ‬
‫ول ِ‬
‫اهلل ‪-‬‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫يل ِ‬
‫اهلل؟ َف َق َ‬ ‫اهلل‪ :‬ل َْو َكا َن َه َذا فِي َسبِ ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫بجلَ ٍد و ُق َّو ٍة؛ َف َقالُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫َ‬
‫يل ِ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫صغَ ًارا َف ُه َو فِي َسبِ ِ‬ ‫َد ِه ِ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ِ" :-‬إ ْن َكا َن َخرج يسعى َعلَى ول ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َْ‬
‫ِ‬
‫يل اهلل‪َ ،‬وِإ ْن َكا َن‬ ‫ِ‬
‫ج يَ ْس َعى َعلَى ََأب َويْ ِن َش ْي َخ ْي ِن َكبِ َيريْ ِن َف ُه َو في َسبِ ِ‬
‫َوِإ ْن َكا َن َخ َر َ‬
‫اخ َرةً َف ُه َو فِي‬
‫اء َو ُم َف َ‬ ‫يسعى َعلَى َن ْف ِس ِه ي ِع ُّف َها َف ُهو فِي سبِ ِ ِ‬
‫يل اهلل‪َ ،‬وِإ ْن َكا َن َخ َر َ‬
‫ج ِريَ ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬
‫ان"(أخرجه الطبراني في المعجم)‪.‬‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫يل َّ‬ ‫َسبِ ِ‬

‫نفق عليهم‬ ‫المال ويُ َ‬


‫كسب َ‬ ‫يشتغل ليَ َ‬ ‫ُ‬ ‫خرج‬
‫صغار وقد َ‬ ‫فالرجل الذي عندهُ أوال ٌد ٌ‬ ‫ُ‬
‫جاهد‪ ،‬ومثلُه من كا َن لهُ َأب َوي ِن كبيرين يُ ِنف ُق‬ ‫اهلل وله أجر الـم ِ‬ ‫سبيل ِ‬‫فهذا في ِ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫الناس فهو في‬ ‫سؤال ِ‬ ‫نفسه فقط لِيُ ِع َّفها عن ِ‬ ‫وكذلك من خرج يسعى على ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫عليهما‪،‬‬
‫سبيل اهلل‪،‬‬‫الجهاد في ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبين‬ ‫كسب ِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرزق َ‬ ‫بين‬
‫لذلك َق َر َن اهللُ ‪-‬تعالى‪َ -‬‬ ‫سبيل اهلل؛ َ‬
‫ض َي ْبَتغُو َن‬ ‫ِ‬
‫ض ِربُو َن في ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫آخ ُرو َن يَ ْ‬‫ضى َو َ‬ ‫(علِ َم َأن َسيَ ُكو ُن ِمن ُكم َّم ْر َ‬
‫فقال سبحانَه‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫‪-‬ج َّل في‬‫فجعل َربُّنا َ‬ ‫َ‬ ‫يل اللَّ ِه)[المزمل‪]20:‬؛‬ ‫آخ ُرو َن ُي َقاتِلُو َن فِي َسبِ ِ‬
‫ض ِل اللَّ ِه َو َ‬‫ِمن فَ ْ‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬‫للجهاد في ِ‬ ‫ِ‬ ‫لكسب ِ‬
‫الرزق ُمسا ِوياً أو ُمقا ِرناً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ب في‬ ‫عُالهُ‪ -‬الض َّْر َ‬
‫كسب‬ ‫وذلك َّ‬
‫أن‬ ‫ثاب مأجور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اإلمام المناوي في شرحه للحديث‪" :‬يعني أنهُ ُم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫قال‬
‫شوا فِي َمنَاكِبِ َها َو ُكلُوا ِم ْن‬ ‫‪-‬جل وعال‪( :-‬فَ ْام ُ‬ ‫َّ‬ ‫للحالل هو تنفي ٌذ ِ‬
‫لقول اهلل‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان‬
‫ِر ْزقِ ِه)"[الملك‪.]15:‬‬
‫‪ 5‬من ‪17‬‬

‫ِ‬
‫المسجد ٍ‬
‫لوقت‬ ‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬رجالً جالساً في‬
‫لذلك لما رأى ُّ‬ ‫َ‬
‫ورآهُ ِمراراً قال‪" :‬ماذا يفعل هذا"؟ قالوا يتعبد‪ .‬قال‪" :‬من ينفق عليه؟"‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طويل َ‬
‫قالوا‪ :‬أخوه ينفق عليه‪ .‬فقال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪" :-‬أخوه خير منه"؛ فاألخ‬
‫فس ِه وأخيه هو خير من أخيه؛ وإن‬
‫الذي يسعى في األرض ويتكسب لينفق على نَ ِ‬
‫ُ‬
‫كان أكثر قراءة أو صالةً أو صوماً منه‪.‬‬

‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬


‫وسأل َّ‬ ‫بعض ِ‬
‫الناس َ‬ ‫أقبل ُ‬‫أيُّها األحبَّةُ الكرام‪َ :‬‬
‫الغد فأعطاهم‪ ،‬ثم جاؤوا من ِ‬
‫الغد فأعطاهم‪ ،‬فقال ‪-‬عليه‬ ‫فأعطاهم‪ ،‬ثم جاؤوا من ِ‬
‫ِ‬
‫للسائل‬ ‫المال الذي يُعطى‬ ‫ض َرةٌ ُحل َْوةٌ"؛ أي ُ‬ ‫ال َخ ِ‬ ‫الصالة والسالم‪ِ" :-‬إ َّن َه َذا ال َْم َ‬
‫َأخ َذهُ بِ ِط ِ‬
‫يب‬ ‫ض َرةٌ ُحل َْوةٌ؛ فَ َم ْن َ‬‫ال َخ ِ‬ ‫ش َّق ٍة منهُ‪ ،‬ثم قال‪ِ" :‬إ َّن َه َذا ال َْم َ‬ ‫ب أو َم َ‬ ‫ِ‬
‫بدون َت َع ٍ‬
‫َم ُيبَ َار ْك لَهُ فِ ِيه‪َ ،‬و َكا َن َكالَّ ِذي يَْأ ُك ُل‬ ‫َأخ َذه بِِإ ْشر ِ‬ ‫ِِ‬
‫سلْ‬ ‫اف َن ْف ٍ‬ ‫س بُو ِر َك لَهُ فيه‪َ ،‬و َم ْن َ ُ َ‬ ‫َن ْف ٍ‬
‫الس ْفلَى"(رواه البخاري ومسلم)‪ ،‬وقال ‪-‬عليه‬ ‫َواَل يَ ْشبَ ُع‪َ ،‬والْيَ ُد الْعُلْيَا َخ ْي ٌر ِم َن الْيَ ِد ُّ‬
‫ب َعلَى ظَ ْه ِر ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأح ُد ُك ْم َح ْبلَهُ‪َ ،‬فيَْأت َي بِ ُح ْز َمة َ‬
‫الحطَ ِ‬ ‫ْأخ َذ َ‬‫الصالة والسالم‪َ" :-‬أَل ْن يَ ُ‬
‫َّاس َأ ْعطَ ْوهُ َْأو َمَنعُوهُ"(رواه‬‫َأل الن َ‬ ‫ف اللَّهُ بِ َها َو ْج َههُ َخ ْي ٌر لَهُ ِم ْن َأ ْن يَ ْس َ‬‫َفيَبِ َيع َها‪َ ،‬فيَ ُك َّ‬
‫البخاري)‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث على ال َك ِ‬


‫من إطا ِر الحالل‪ُ ،‬‬
‫فنحن مأمورو َن بأ ْن‬ ‫لكن ض َ‬
‫سب عُموماً‪ْ ،‬‬ ‫ِّين يـَ ُح ُّ‬
‫فالد ُ‬
‫تعليم‪ ،‬أو غي ِرها من صناِئ ِع‬ ‫رفة ٍ‬
‫يدوية أو ٍ‬ ‫تجارة أو ِح ٍ‬
‫ٍ‬ ‫سواء أكا َن من‬
‫ب ً‬ ‫سَ‬ ‫َنتَ َك َّ‬
‫‪ 6‬من ‪17‬‬

‫جيبه ِدرهم من حرام؛ سواء من ر ٍ‬


‫شوة أو‬ ‫دخل إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫ً َ‬ ‫ٌَ‬ ‫الناس‪ ،‬ولْيَح َذ ْر المرءُ من أن يُ َ‬
‫الناس أو غي ِر ذلك مما َّ‬
‫حر َمهُ اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫احتيال على ِ‬ ‫َس ِرقَ ٍة أو‬

‫ِ‬
‫الكسب الحالل؛‬ ‫أيُّها المسلمون‪ :‬كان األنبياءُ ‪-‬عليهم السالم‪ -‬يَح ِرصو َن على‬
‫ونوح كان نجاراً‪ ،‬ونبينا‬
‫وإدريس كان خيَّاطاً‪ٌ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فداود ‪-‬عليه السالم‪ -‬كان َحدَّاداً‪،‬‬
‫ُ‬
‫اشتغل في‬
‫َ‬ ‫‪-‬عليه وعليهم أفضل الصالة والسالم‪ -‬اشتغل راعياً‪ ،‬ثم بعد ذلك‬
‫ب فيها؛ فليس عيباً أن‬ ‫ِ‬ ‫وسافر ألجلها‪ ،‬وكان ين ِز ُل إلى‬
‫يتكس ُ‬
‫األسواق َّ‬ ‫َ‬ ‫التجارة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء من الحرام‪ ،‬أو يكو َن عالةً‬ ‫يعمل‬ ‫ِ‬
‫العيب أن َ‬
‫َ‬ ‫لكن‬
‫كسب يده‪َّ ،‬‬ ‫يأ ُك َل المرءُ من‬
‫كسب ِ‬
‫رزقه أو يِ ُ‬
‫سأل الناس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عتم ُد على ِ‬
‫نفسه في‬ ‫ال ي ِ‬
‫َ‬

‫الر ُج ِل‬
‫"ع َم ُل َّ‬ ‫ولما ُسِئ َل النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬عن ِ‬
‫أطيب الكسب قال‪َ :‬‬
‫بِيَ ِد ِه َو ُك ُّل َب ْي ٍع َم ْب ُرو ٍر "(رواه أحمد)‪.‬‬

‫ب‬
‫كس ُ‬‫الحالل‪ ،‬وال يَ َ‬ ‫َ‬ ‫يأكل إاّل‬
‫َ‬ ‫وكا َن نبيُّنا ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬حريصاً على أاّل‬
‫تأم ْل قولَهُ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ِ" :-‬إنِّي َأَل ْد ُخ ُل‬ ‫إاّل الحالل‪ ،‬ولِتُ ْد ِر َك هذا المعنى َّ‬
‫شى َأ ْن تَ ُكو َن ِم َن َّ‬
‫الص َدقَ ِة‬ ‫اشي‪َ ،‬فلَ ْواَل َأنِّي َأ ْخ َ‬ ‫َأج ُد التَّمرةَ م ْل َقاةُ َعلَى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ ُ‬
‫ب ْيتِي‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بيته ضمن آنية‪ٍ،‬‬ ‫الصدقات كانت تُجمع في ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأَل َكل ُْت َها"(رواه البخاري ومسلم)؛ َّ‬
‫ألن‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫هي من‬ ‫ِّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غير ُمتأكد هل َ‬ ‫أثناء وضعها‪ ،‬أو رفعها و َق َعت منها هذه التمرةُ‪ ،‬فهو ُ‬ ‫فربَّما َ‬
‫ِ‬
‫الصدقة‪ ،‬فلم يأ ُكلْها‪.‬‬ ‫ومع ذلك يقول‪ :‬أخشى أنَّها من تَم ِر‬ ‫ِ‬
‫الصدقة أم ال؟ َ‬
‫‪ 7‬من ‪17‬‬

‫الحسن وهو‬ ‫وأقبل‬ ‫تمر الصدقات‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫َ‬ ‫بين يديه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ُ -‬‬ ‫مع َ‬ ‫ولما ُج َ‬
‫ووضعها في فِ ِيه‪ ،‬فقال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬له‪:‬‬ ‫َ‬ ‫صغير‪ ،‬وأخ َذ تمر ًة منها‬ ‫صبي ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫وأخرجها‪،‬‬ ‫فم ِه‬ ‫"كِ ْخ كِ ْخ‪ ،‬ارِم بِها" يعني أخرجها‪ ،‬ثم قام ِ‬
‫إليه وأدخل أصب َعه في ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬
‫وردَّها مع‬
‫الص َدقَةُ"(رواه البخاري ومسلم)‪َ .‬‬ ‫ت َأنَّا اَل تَ ِح ُّل لَنَا َّ‬‫"َأما َعلِ ْم َ‬
‫وقال‪َ :‬‬
‫بيت النُ ُـب َّو ِة أن يأكلوا منها‪.‬‬
‫ألهل ِ‬ ‫يجوز ِ‬ ‫الصدقات ألنَّه ال ُ‬ ‫ِ‬

‫يديك ويضعُها‬
‫بين َ‬ ‫ٍ‬
‫قبل إليك‪ ،‬ويأخ ُذ تمرةً من إناء َ‬ ‫الصغير يُ ُ‬
‫َ‬ ‫ولك أن تتخيَّ َل ول َد َك‬
‫ص بها كاّل ! بل خوفاً‬ ‫عليه من ٍ‬
‫مرض أو أن ُيغَ َّ‬ ‫فمه ثم تُخرجها منه ال خوفاً ِ‬ ‫في ِ‬
‫ُ‬
‫فيه مع‬ ‫ِ‬
‫للتمرة من ِ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫إخراج َ‬ ‫ِ‬
‫سيعتص ُر َك عند‬ ‫فتصور كم من ِ‬
‫األلم‬ ‫عليه من الحرام‪َّ .‬‬
‫علمك برغبَتِه في أكلِها‪ ،‬ولربَّما يكو ُن بين يديك ‪-‬أحياناً‪ -‬نوعٌ من الحلويات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أبقيت لنا شيئاً؟‬
‫َ‬ ‫فيقول لك‪ :‬أما‬
‫ُ‬ ‫غ من أكلِها؛‬ ‫عليك بعض ول ِ‬
‫َد َك بعد أن تَفر َ‬ ‫ويدخل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أكل ولدك‬ ‫ِ‬ ‫واهلل إنَّك لتتألَّم! وتتمنَّى أن ي ِ‬
‫رج َع الزما ُن َفتُْبقي لهُ شيئاً منها؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫ألن َ‬ ‫َ‬
‫تلذذك بهذا الطعام‪.‬‬
‫َ‬ ‫أحب إليك من‬ ‫وتلذ ِذه ُّ‬
‫ُّ‬

‫الناس يحتَ ِملون منه‪ ،‬وهو‬


‫ينظر إلى التم ِر ويرى َ‬
‫الصبي‪ ،‬وهو ُ‬‫ِّ‬ ‫شعور‬
‫تتصو َر َ‬
‫ولك أن َّ‬
‫الحرص منهُ ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على أاَّل‬ ‫يأكل منه تمرةً؛ لكنه‬
‫ُ‬ ‫ممنوعٌ أن َ‬
‫الحالل الطيِّب‪.‬‬
‫َ‬ ‫يأكل هو أو أهل ِ‬
‫بيته إاّل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪ 8‬من ‪17‬‬

‫وأوالدهُ بُو ِر َك لهُ في‬


‫َ‬ ‫الحالل إذا غَ َّذى به المرءُ َ‬
‫نفسه‬ ‫ُ‬ ‫الكسب‬
‫ُ‬ ‫أيُّها األحبَّةُ في اهلل‪:‬‬
‫المال يميناً ويساراً‪ ،‬دو َن‬
‫يجمع َ‬ ‫ٍ‬
‫بحرام‪ ،‬وأخ َذ‬ ‫ولده‪ ،‬لكنه إذا غ ّذاهم‬‫جسد ِه وفي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يبيع الدخا َن أو‬ ‫ِ‬ ‫النظ ِر إلى ِ‬
‫باع بيعاً محرماً كأن َ‬ ‫مال فالن‪ ،‬أو َ‬ ‫فأكل َ‬
‫والحرمة؛ َ‬ ‫َ‬ ‫الح ِّل‬
‫آخر الشه ِر كامالً ولكنه لم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلالت الموسيقية أو المجالت الفاس َدة أو أخذ راتبَهُ َ‬
‫ِ‬
‫الكسب الحرام‪ ،‬فإذا غَ َّذى به المرءُ‬‫ِ‬ ‫بالعمل المو َك ِل إليه‪ ،‬فهذا ال َّ‬
‫شك أنه من‬ ‫ِ‬ ‫َي ُق ْم‬
‫التوفيق‪ ،‬ونُ ِز َعت البركةُ منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نفسه وول َده فارقَهُ‬
‫َ‬

‫الصباح قالت لهُ ابنتُه‪" :‬يا أبي اتَّ ِق اهللَ‬ ‫ج في‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫أراد أن يَ ْخ ُر َ‬
‫السلف إذا َ‬ ‫بعض‬
‫وكان ُ‬
‫حر النار"؛ أي‪ :‬ال تُط ِْع ْمنا حراماً‪.‬‬ ‫نصبر على ِّ‬
‫الجوع‪ ،‬وال ُ‬ ‫ِ‬ ‫نصبر على َح ِّر‬
‫فينا! فإننا ُ‬

‫ص على‬ ‫كا َن وال ُد أبي المعالي الجويني ‪-‬إمام الحرمين‪ -‬رجالً عالماً‪ ،‬ويح ِر ُ‬
‫رضعُه‪،‬‬ ‫ويقول لزوجتِه‪ :‬أرضعي ولَدي وال تَ َدعي أحداً غيرك ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكسب الحالل‪،‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫يأكل الول ُد إاّل‬ ‫خارج البيت؛ حرصاً على أاّل‬ ‫البيت‪ ،‬وال تُ ِ‬
‫طعميه من ِ‬ ‫ِ‬
‫وأطعميه من ِ‬
‫َ‬
‫حالالً‪.‬‬

‫الصبي فأخذتهُ‬
‫ُّ‬ ‫فدخلت امرأةٌ يوماً عليها‪ ،‬فذهبت ُّأمه لتُ ِ‬
‫حض َر ضيافةً لها‪ ،‬فبَكى‬
‫الطعام وجذبت‬
‫َ‬ ‫فرض َع منها‪ ،‬فأقبلت ُّأمهُ بضيافَتِها َ‬
‫فوض َعت‬ ‫المرأةُ‪ ،‬وأل َقمتهُ ثَديَها َ‬
‫األمر عادياً ومما جرت به العادةُ‬ ‫الصبي منها‪ ،‬وقالت‪ :‬لم َ ِ ِ‬
‫أرض ْعته؟! ‪-‬وكان هذا ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ناديتِني‪ ،‬ولم تُرضعيه‪ ،‬ويلي من أبيه! ويلي‬
‫عن َدهم‪ .-‬قالت‪ :‬إنه بكى‪ ،‬فقالت‪ :‬لو َ‬
‫‪ 9‬من ‪17‬‬

‫فغضب وقال لها‪" :‬لماذا تركتيها ترضعه؟! " فال‬


‫َ‬ ‫األب أخبرتهُ‪،‬‬
‫أقبل ُ‬
‫من أبيه!‪ .‬فلما َ‬
‫المرأة وأكلِها َِأم ْن ٍ‬
‫حالل أو حرام‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬
‫كسب َ‬‫ِ‬ ‫نَدري عن‬

‫أثناء‬
‫فأصبح عالماً من العُلَماء‪ ،‬ولكنهُ كان أحياناً َ‬
‫َ‬ ‫ونشَأ أبو المعالي الجويني‬
‫يسكت ثم‬ ‫ويلتبس عليه الكالم‪ ،-‬فكان‬ ‫المناظَر ِة يرتَ ُّج ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عليه‪ -‬أي‪ :‬يَث ُق ُل لسانُهُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫الرضعة المشؤومة"‬ ‫الشربَِة المشؤومة! هذا من تلك‬ ‫لك من َّ‬ ‫باهلل‪ ،‬تِ َ‬
‫يقول‪" :‬أعوذُ ِ‬
‫فانظر كيف َّأث َرت فيه‪.‬‬

‫أي‬
‫وحيوان بالرزق في ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫لكل‬ ‫أيُّها األحبَّةُ الكرام‪ :‬قد تَ َّ‬
‫كف َل اهلل ‪-‬سبحانَهُ‪ِّ -‬‬
‫ض ِإالَّ َعلَى الل ِّه ِر ْز ُق َها َو َي ْعلَ ُم‬‫اَألر ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫(و َما من َدآبَّة في ْ‬
‫مكان كان‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫ُم ْسَت َق َّر َها َو ُم ْسَت ْو َد َع َها)[هود‪.]6:‬‬

‫اقترب بعض الطيور من‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫وم ْن َعجيب ما تَك ّفل اهللُ به من األرزاق ما نشاه ُدهُ من َ‬
‫فمهُ‪ ،‬إذا أوجعه ما تعلَّق بأسنانه ِمن لحم الفريسة‪،‬‬
‫التمساح َ‬
‫ُ‬ ‫فيفتح‬
‫ُ‬ ‫التمساح‪،‬‬
‫ِ‬
‫والتمساح‬ ‫يطير‬ ‫ِ‬ ‫داخل ِ‬‫الطائر إلى ِ‬
‫ُ‬ ‫بين األسنان رزقاً له‪ ،‬ثم ُ‬ ‫ليأكل ما َ‬
‫َ‬ ‫الفم‬ ‫ُ‬ ‫فيدخل‬
‫ُ‬
‫الطائر من رزقه‪ ،‬فيكون طعاماً للطائر‪ ،‬وراحةً‬ ‫ينتهي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ينتظر أن َ‬ ‫فات ٌح فمهُ ال يُؤذيه ُ‬
‫للتمساح‪.‬‬

‫َّاس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وقال حذيفة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ :-‬قَ َام النَّب ُّي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فَ َد َعا الن َ‬
‫ب الْعال َِم ِ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫"هلُ ُّموا ِإل َّ‬
‫ين ج ْب ِر ُ‬
‫يل‬ ‫ول َر ِّ َ َ‬ ‫"ه َذا َر ُس ُ‬
‫ال‪َ :‬‬
‫سوا َف َق َ‬
‫َي"‪ ،‬فََأقَْبلُوا ل َْيه فَ َجلَ ُ‬ ‫ال‪َ :‬‬
‫َف َق َ‬
‫‪ 10‬من ‪17‬‬

‫وت َن ْفس حتَّى تَستَك ِ‬


‫ْم َل ِر ْز َق َها‪َ ،‬وِإ ْن َأبْطََأ َعلَْي َها‪ ،‬فَ َّات ُقوا‬ ‫ِ‬ ‫َن َف َ ِ‬
‫ث في َر ْوعي َأنَّهُ اَل تَ ُم ُ ٌ َ ْ‬
‫صيَ ِة اللَّ ِه فَِإ َّن‬
‫ْأخ ُذوهُ بِم ْع ِ‬
‫َ‬ ‫الر ْز ِق َأ ْن تَ ُ‬‫استِْبطَاءُ ِّ‬ ‫َأج ِملُوا فِي الطَّلَ ِ‬
‫ب‪َ ،‬واَل يَ ْح ِملَنَّ ُك ُم ْ‬ ‫اللَّهَ َو ْ‬
‫اعتِ ِه"(رواه البزار)‪.‬‬ ‫اللَّه اَل ين ُ ِ‬
‫ال َما ع ْن َدهُ ِإاَّل بِطَ َ‬‫َ َُ‬

‫اإلنسان أن يَقنَ َع بما آتاهُ اهلل‪،‬‬‫ِ‬ ‫مقسوم من اهلل ‪-‬سبحانَهُ‪-‬؛ فعلى‬ ‫ٌ‬ ‫الرزق‬
‫َ‬ ‫ك َّ‬
‫أن‬ ‫وال َش َّ‬
‫والرزق‪ ،‬قال ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪:-‬‬ ‫ِ‬
‫النعمة ِّ‬ ‫أسفل منهُ في‬ ‫ولينظُْر إلى من هو َ‬
‫ِ‬
‫َأس َف َل م ْن ُك ْم‪َ ،‬واَل َت ْنظُُروا ِإلَى َم ْن ُه َو َف ْوقَ ُك ْم‪َ ،‬ف ُه َو ْ‬
‫َأج َد ُر َأ ْن اَل‬ ‫"انْظُُروا ِإلَى َم ْن ْ‬
‫اهلل َعلَْي ُك ْم"(أخرجه البخاري ومسلم)‪.‬‬ ‫َت ْز َدروا نِ ْعمةَ ِ‬
‫ُ َ‬

‫أستطيع أن‬ ‫هلل أني‬ ‫فالرجل قد يسكن في ُش َّق ٍة مستأجر ٍة فلي ُقل في ِ‬
‫نفسه‪ :‬الحم ُد ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ليس لديه شقةٌ لكن عن َدهُ‬
‫وذاك الذي َ‬
‫إيجار الشقة‪َ ،‬‬
‫يملك َ‬‫إيجارها‪ ،‬فغيري ال ُ‬
‫أدفع َ‬
‫َ‬
‫بات في‬
‫إيجار غرفة‪ ،‬وربما َ‬
‫يملك َ‬‫اللهم لك الحم ُد فغيري ال ُ‬
‫غرفةٌ فليقل‪َّ :‬‬
‫ليس عنده‬
‫رب لك الحم ُد فغيري َ‬
‫الشوارع‪ ،‬والذي عندهُ سيارةٌ قديمةٌ فليقل‪ِّ :‬‬
‫أسفل‬ ‫منك في أم ِر الدنيا بل ْ‬
‫انظر إلى من هو َ‬ ‫أرفع َ‬
‫سيارة‪ ...‬فال تَنظُْر إلى من هو ُ‬
‫منك‪.‬‬

‫َّعهُ اهللُ بِ َما‬


‫َأسلَ َم‪َ ،‬و ُر ِز َق َك َفافًا‪َ ،‬و َقن َ‬
‫وقال صلى اهلل وعليه وسلم‪" :‬قَ ْد َأ ْفلَ َح َم ْن ْ‬
‫آتَاهُ"(رواه مسلم)‪.‬‬
‫‪ 11‬من ‪17‬‬

‫ِ‬
‫كسب الحرام‪،‬‬ ‫قانع بما آتاني اهلل‪ ،‬فال تدفعني نفسي إلى‬
‫فقل‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬فأنا ٌ‬
‫الناس يُسافرون إلى‬
‫أن َ‬ ‫بحج ِة‪َّ :‬‬
‫ب حراماً َّ‬ ‫ِ‬
‫ك أن تكس َ‬ ‫نفس َ‬
‫لك ُ‬ ‫س ِّو َل َ‬
‫وإياك أن تُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫االحتيال أو بي ِع‬ ‫المال عن ِ‬
‫طريق‬ ‫الخارج ويتمتَّعون‪ ،‬وأنا أر ُقبُهم فقط! فتبدَأ بجم ِع ِ‬
‫ِ‬
‫َّن‬ ‫حرم اهللُ أو فيما أحلَّه اهلل‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫(والَ تَ ُمد َّ‬ ‫ألجل أن تستعملَه فيما َ‬ ‫ِ‬
‫الحرام ِ‬
‫ْحيَ ِاة الدُّنيَا لَِن ْفتَِن ُه ْم فِ ِيه َو ِر ْز ُق َربِّ َ‬
‫ك‬ ‫اجا ِّم ْن ُه ْم َز ْه َرةَ ال َ‬
‫ك ِإلَى ما مت ِ‬
‫َّعنَا بِه َأ ْز َو ً‬
‫َ َ ْ‬ ‫َع ْيَن ْي َ‬
‫َخ ْي ٌر َو َْأب َقى)[طه‪.]131:‬‬

‫ب عليه‪ .‬قال ‪-‬صلى‬ ‫سيحاس ُ‬


‫َ‬ ‫عمل فإنَّه‬‫عمل من ٍ‬ ‫عاش اإلنسا ُن من عم ٍر أو َ‬ ‫فمهما َ‬
‫َأل َع ْن َْأربَ ٍع‪َ :‬ع ْن عُ ُم ِر ِه‬ ‫ول قَ َد َما َع ْب ٍد َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة َحتَّى يُ ْس َ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ " :-‬ال َت ُز ُ‬
‫يما َأْن َف َقهُ‪َ ،‬و َع ْن‬‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫سبَهُ َوف َ‬‫يما َأبْاَل هُ‪َ ،‬و َع ْن َماله م ْن َأيْ َن ا ْكتَ َ‬ ‫يما َأ ْفنَاهُ‪َ ،‬و َع ْن َشبَابه ف َ‬
‫فَ‬
‫ِعل ِْم ِه َماذَا َع ِم َل فِ ِيه"(رواه الترمذي)‪.‬‬

‫رزقَنا رزقاً حالالً طيِّباً‪ ،‬وأن يُبا ِر َك لنا في أن ُف ِسنا وفي‬‫أسال اهللَ ‪-‬تعالى‪ -‬أن يَ ُ‬
‫ُ‬
‫الجوع ومن غَلَبَ ِة الدَّي ِن و َق ْه ِر ِّ‬
‫الرجال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بك من ال َف ْق ِر ومن‬ ‫أموالِنا‪َّ ،‬‬
‫اللهم إنا نعوذُ َ‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫صل وسلِّ ْم على‬
‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬

‫كل ٍ‬
‫ذنب‪ ،‬فاستغفروهُ‬ ‫العظيم لي ولكم من ِّ‬ ‫الجليل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أقول ما تَسمعون‪ ،‬وأستغف ُر اهللَ‬
‫ُ‬
‫وتوبوا ِ‬
‫إليه؛ إنَّهُ هو الغفور الرحيم‪.‬‬
‫‪ 12‬من ‪17‬‬
‫‪ 13‬من ‪17‬‬

‫الخطبة الثانية‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫هلل على إحسانِه‬


‫الحم ُد ِ‬
‫والشكر لهُ على توفيقه وامتنانه‪ ،‬وأشه ُد أن ال إلهَ إاّل اهللُ‬
‫ُ‬
‫أن ُمحمداً عب ُدهُ ورسولُه الداعي إلى‬ ‫شريك لهُ تَعظيماً لشأنه‪ ،‬وأشه ُد َّ‬
‫َ‬ ‫وح َدهُ ال‬
‫سار على‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخاّل نه‪ ،‬ومن َ‬ ‫رضوانه صلى اهلل وسلم َ‬
‫هج ِه‪ ،‬واقتفى أثرهُ واستَ َّن ِ‬
‫بسنته إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫نَ ِ‬
‫َ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫الناس ليس بمقدا ِر أموالِهم أو مراك ِزهم أو ِ‬ ‫أيُّها اإلخوةُ الكرام‪َّ :‬‬
‫ألوان‬ ‫تفاض َل ِ َ‬
‫إن ُ‬
‫تعاملِهم‪.‬‬
‫وحس ِن ُ‬
‫ِ‬ ‫أنواع سياراتِهم؛ إنما ُ‬
‫تفاضل ِ‬
‫ُالناس بتقواهم وأخالقهم ُ‬ ‫ثيابهم‪ ،‬أو ِ‬

‫شتري‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والفقر ليسا عيباً وال نَقصاً؛ فكم من غَن ّي ميسور لم يَستط ْع أن يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫والحاجةُ‬
‫ٍ‬
‫إنسان فقي ٍر‬ ‫نفوسهم إليه؟! وكم من‬ ‫قلوب ِ ِ‬
‫ستميل َ‬ ‫َ‬ ‫ستطع أن يَ‬
‫الناس فتُحبَّه‪ ،‬ولم يَ ْ‬ ‫َ‬
‫دار ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وم ُ‬
‫جميع الناس؟! َ‬
‫َ‬ ‫ب‬‫وطيب نفسه وصفاء قلبه أن يَكس َ‬ ‫بابتسامته‬
‫َ‬ ‫استطاع‬
‫َ‬
‫‪-‬ج َّل وعال‪ِ( :-‬إ َّن َأ ْك َر َم ُك ْم ِع ْن َد اللَّ ِه َأْت َقا ُك ْم)[الحجرات‪.]13:‬‬ ‫ِ‬
‫َ ُكلِّه التقوى‪ ،‬قال َ‬

‫ض َل لِ َع َربِ ٍّي َعلَى َع َج ِم ٍّي‪َ ،‬واَل لِ َع َج ِم ٍّي‬


‫وقال النبي ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪" :-‬اَل فَ ْ‬
‫الت ْق َوى"(أخرجه‬ ‫َأح َم َر ِإاَّل بِ َّ‬
‫َأس َو َد َعلَى ْ‬
‫َأس َو َد‪َ ،‬واَل ْ‬ ‫َعلَى َع َربِ ٍّي‪َ ،‬واَل ْ‬
‫َأح َم َر َعلَى ْ‬
‫أحمد)‪.‬‬
‫‪ 14‬من ‪17‬‬

‫المرء إلى ربِّه اإليما ُن‬ ‫ِ‬


‫ب َ‬ ‫فالمال والول ُد ال ُي َق ِّربا إلى اهلل ‪-‬تعالى‪ُ -‬زلفى‪ ،‬إنما ُي َق ِّر ُ‬ ‫ُ‬
‫(و َما َْأم َوالُ ُك ْم َوالَ َْأوالَ ُد ُكم بِالَّتِي ُت َق ِّربُ ُك ْم ِعن َدنَا‬
‫جل وعال‪َ :‬‬
‫والعمل الصالح‪ ،‬قال َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫صال ًحا)[سبأ‪.]37:‬‬ ‫آم َن َو َع ِم َل َ‬
‫ُزلْ َفى ِإالَّ َم ْن َ‬

‫يجمع‬ ‫استطاع أن‬ ‫المال أو يجمعوه! بل من‬ ‫الناس َ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب ُ‬ ‫وال يَعني هذا أاّل يَكس َ‬
‫س ِد ِه‬ ‫ِ‬
‫وي في ماله وفي َج َ‬ ‫والمؤمن الغَنِ ُّي ال َق ُّ‬
‫ُ‬ ‫دام أنه في حالل‪،‬‬
‫فع ْل ما َ‬
‫األموال فليَ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الضعيف وفي ُك ٍّل َخير‪.‬‬ ‫أحب إلى ِ‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬من المؤم ِن‬ ‫إيمانه ُّ‬‫وفي ِ‬

‫اهلل ِ‬
‫عليه وال َي ُق ْل‪ :‬ما عندي إاّل‬ ‫وازد ِ‬
‫راء نِعم ِة ِ‬ ‫الحرام ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكسب‬ ‫المسلم من‬ ‫ولْيَح َذ ِر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫النعمة التي هو عليها‪.‬‬ ‫كذا‪ ،‬وغيري أحسن مني! كاّل بل ي ِ‬
‫حمد اهللَ ‪-‬تعالى‪ -‬على‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫خير منهُ حبيبَنا وسيِّ َدنا‬ ‫أصاب من هو ٌ‬ ‫َ‬ ‫ولْيَتَ َذ َّك ْر إ ْن كان قد أصابَهُ الجوعُ؛ فقد‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫ول ِ‬ ‫ج َر ُس ُ‬ ‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فقد َخ َر َ‬ ‫َ‬
‫"ما َأ ْخ َر َج ُك َما ِم ْن ُبيُوتِ ُك َما‬‫ال‪َ :‬‬ ‫ات َي ْوٍم ‪َْ -‬أو ل َْيلَ ٍة ‪ -‬فَِإ َذا ُه َو بَِأبِي بَ ْك ٍر َوعُ َم َر‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َذ َ‬
‫"وَأنَا‪َ ،‬والَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِد ِه‪،‬‬‫ال‪َ :‬‬
‫ول ِ‬
‫اهلل‪ ،‬قَ َ‬ ‫ْجوعُ يَا َر ُس َ‬ ‫اعةَ؟"‪ ،‬قَااَل ‪ :‬ال ُ‬ ‫الس َ‬ ‫َه ِذ ِه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صا ِر فَِإ ذَا ُه َو‬ ‫وموا"‪َ ،‬ف َق ُاموا َم َعهُ‪ ،‬فََأتَى َر ُجاًل م َن اَأْلنْ َ‬ ‫َأَل ْخ َر َجني الَّذي َأ ْخ َر َج ُك َما‪ ،‬قُ ُ‬
‫اهلل ‪-‬صلى‬ ‫ول ِ‬ ‫ال ل ََها َر ُس ُ‬‫َت‪َ :‬م ْر َحبًا َو َْأهاًل ‪َ ،‬ف َق َ‬‫س فِي َب ْيتِ ِه‪َ ،‬فلَ َّما َرَأتْهُ ال َْم ْرَأةُ‪ ،‬قَال ْ‬ ‫ل َْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لَنَا م َن ال َْماء؛ ِإ ْذ َج َ‬
‫اء‬ ‫ب يَ ْسَت ْعذ ُ‬ ‫َت‪َ :‬ذ َه َ‬ ‫اهلل عليه وسلم‪َ" :-‬أيْ َن فُاَل ٌن؟ " قَال ْ‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬وص ِ‬
‫احَب ْي ِه‪ ،‬ثُ َّم قَ َ‬ ‫ول ِ‬ ‫ي‪َ ،‬فنَظَر ِإلَى ر ُس ِ‬ ‫صا ِر ُّ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اَأْلنْ َ‬
‫‪ 15‬من ‪17‬‬

‫اء ُه ْم بِ ِع ْذ ٍق فِ ِيه بُ ْس ٌر‬


‫ال‪ :‬فَانْطَلَ َق‪ ،‬فَ َج َ‬ ‫ضيَافًا ِمنِّي‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِِ‬
‫ْح ْم ُد للَّه َما َ‬
‫َأح ٌد الَْي ْو َم َأ ْك َر َم َأ ْ‬ ‫ال َ‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل‬ ‫ول ِ‬ ‫ال لَهُ َر ُس ُ‬ ‫َأخ َذ ال ُْم ْديَةَ‪َ ،‬ف َق َ‬‫ال‪ُ :‬كلُوا ِم ْن َه ِذ ِه‪َ ،‬و َ‬ ‫ب‪َ ،‬ف َق َ‬‫َوتَ ْم ٌر َو ُرطَ ٌ‬
‫ك ال ِْع ْذ ِق‬‫الش ِاة َو ِم ْن ذَلِ َ‬‫وب"‪ ،‬فَ َذبَ َح ل َُه ْم‪ ،‬فََأ َكلُوا ِم َن َّ‬ ‫ْحلُ َ‬ ‫اك‪َ ،‬وال َ‬ ‫عليه وسلم‪ِ" :-‬إيَّ َ‬
‫اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ -‬أِلبِي بَ ْك ٍر‪،‬‬ ‫ول ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َو َش ِربُوا‪َ ،‬فلَ َّما َأ ْن َشبِعُوا َو َر ُووا‪ ،‬قَ َ‬
‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة‪َ ،‬أ ْخ َر َج ُك ْم ِم ْن‬
‫"والَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِد ِه‪ ،‬لَتُ ْسَأل َّ‬
‫َوعُ َم َر‪َ :‬‬
‫يم"(رواه مسلم)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بيوتِ ُكم الْجوعُ‪ ،‬ثُ َّم ل ِ‬
‫َأصابَ ُك ْم َه َذا النَّع ُ‬ ‫َم َت ْرجعُوا َحتَّى َ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ ُ ُ‬

‫أكل أخ َذ قطعةَ‬ ‫وفي ٍ‬


‫رواية عند غير مسلم‪َّ -:‬‬
‫النبي ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لما َ‬ ‫أن َّ‬
‫"اذهب‬
‫ْ‬ ‫ودفعها إلى ٍ‬
‫رجل منهم‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ووضع فيها شيئاً من اللحم‪ ،‬ثم ل ََّفها‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫خب ٍز‪،‬‬
‫ِ‬
‫جعل ‪-‬صلى اهلل عليه‬‫بهذا إلى فاطمةَ‪ ،‬فإنَّها لم تَ ُذ ْق ذَوقاً من ُذ ثالثة أيام!" ثم َ‬
‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة"‪.‬‬ ‫وسلم‪ -‬ينظر ويقول‪ِ :‬‬
‫"واهلل لَتُ ْسَأل َّ‬ ‫ُ‬

‫يوم القيامة‪.‬‬ ‫َن عن هذا ِ‬ ‫نعم‪ِ ...‬‬


‫النعيم َ‬ ‫واهلل لَنُ ْسَأل َّ‬

‫ك وأخذتُم تأكلو َن منها‪،‬‬ ‫ويات وعصاِئَر ألبناِئ َ‬ ‫يت حلَ ٍ‬


‫واشتر َ َ‬ ‫َ‬ ‫فت عند بقال ٍَة‬ ‫إذا وقَ َ‬
‫س‪،‬‬ ‫ِ‬
‫دخلت إلى َم َح ِّل خياطَة مالب َ‬‫َ‬ ‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم ال ِْقيَ َامة‪ ..‬إذا‬ ‫فقل‪ِ :‬‬
‫واهلل لَتُ ْسَأل َّ‬
‫الثوب‬ ‫فقلت‪ِ :‬‬
‫أعطني‬ ‫ثوب بمائة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ثوب بخمسين‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫العامل‪ :‬هذا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وقال لك‬
‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم ال ِْقيَ َامة‪ ..‬وإذا َ‬
‫كنت‬ ‫الذي بمائة؛ ألنَّه أحسن فقل‪ِ :‬‬
‫واهلل لَتُ ْسَأل َّ‬ ‫ُ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬
‫ِّد َ‬‫سد ُ‬‫صرف ثم تنتهي المكالمة‪ ،‬وتُ ّ‬ ‫تنظر كم يَ ُ‬ ‫تتكلم بالهاتف الجوال‪ ،‬وال ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ 16‬من ‪17‬‬

‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم‬ ‫عندك سهل فقل‪ِ :‬‬
‫واهلل لَتُ ْسَأل َّ‬ ‫واألمر َ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الشه ِر ألفاً وألفين‬
‫جهاز‬
‫فتستخدم َ‬ ‫َ‬ ‫ار في الخارج‪،‬‬ ‫والطقس َح ٌّ‬
‫ُ‬ ‫ك‬‫تدخل إلى بيتِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ال ِْقيَ َامة‪ ..‬وإذا َ‬
‫كنت‬
‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم‬ ‫جميل‪ ،‬فقل‪ِ :‬‬
‫واهلل لَتُ ْسَأل َّ‬ ‫وتجلس في َج ٍّو ٍ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫التكييف البارد‪،‬‬
‫وأنت ِ‬
‫آم ٌن‬ ‫ص ُل إلى بيتِك وترى زوجةً وولداً وطعاماً حاضراً‪َ ،‬‬ ‫ال ِْقيَ َامة‪ ..‬إذا َ‬
‫كنت تَ ِ‬
‫عديد من الب ِ‬
‫لدان‪،‬‬ ‫ك مكروهٌ؛ كما ي َقع في ٍ‬ ‫وولدك من أن يُصيبَ َ‬ ‫نفسك ومالِك ِ‬ ‫على ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ُن َع ْن َه َذا الن َِّع ِيم َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة‪.‬‬ ‫ف ُقل‪ِ :‬‬
‫واهلل لَتُ ْسَأل َّ‬ ‫ْ‬

‫أيُّها المؤمنون‪ :‬إذا اتَّقى اإلنسا ُن ربَّه ‪-‬ج َّل وعال‪ِ َ ،-‬‬
‫ب على ما‬ ‫وعل َم أنَّهُ ُم َ‬
‫حاس ٌ‬ ‫َُ َ‬
‫وسأل اهللَ ‪-‬تعالى‪-‬‬ ‫ِ‬
‫الحالل َ‬ ‫ِ‬
‫كسب‬ ‫ب على مالِ ِه‪َ ،‬سعى في‬ ‫حاس ٌ‬
‫وم َ‬
‫ِ‬
‫دخ ُل إلى بطنه‪ُ ،‬‬
‫يَ ُ‬
‫خير له من أن يَمتَأِل‬
‫صبر ويدعو اهللَ بالرزق ٌ‬
‫جوع اإلنسا ُن ويَ َ‬
‫رزقَه إيَّاه‪ ،‬وأَل ْن يَ َ‬
‫أن يَ ُ‬
‫ِ‬
‫والكسب الحرام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالحيلة‬ ‫والمساكين‬ ‫فاء‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُّع َ‬
‫باألموال التي أخ َذها من الض َ‬ ‫حسابُهُ‬

‫اللهم‬
‫رزقَنا حالاًل طيباً‪َّ ،‬‬‫ينفعنا وإيَّاكم بما َس ِمعنا‪ ،‬ويَ ُ‬
‫‪-‬جل وعال‪ -‬أن َ‬‫أسأل اهللَ َّ‬
‫ُ‬
‫صف َق ِة يَـميننا‪.‬‬ ‫َو ِّس ْع علينا في أرزاقِنا بالحالل‪َّ ،‬‬
‫اللهم با ِر ْك لنا في َ‬

‫ب المساكين‪.‬‬
‫وح ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللهم وفِقنا ِ‬
‫لفعل الخيرات وترك المنكرات ُ‬ ‫َّ‬

‫ِ‬
‫بالصحة على طاعتِك‬ ‫اللهم ِ‬
‫اغف ْر لنا وآلباِئنا وأمهاتِنا َّ‬
‫ِّعهُ‬
‫اللهم من كا َن منهم حياً فمت ْ‬ ‫َّ‬
‫ف له حسناتِه‬ ‫ِ‬
‫وضاع ْ‬ ‫وا ْختِ ْم لنا ولَه بخير ومن كان منهم َميِّتاً َف َو ِّس ْع له في َق ْب ِر ِه‬
‫‪ 17‬من ‪17‬‬

‫أحوال‬
‫َ‬ ‫أصلِ ْح‬
‫اللهم ْ‬ ‫واجمعنا ِبه في جنَّتِك يا َر َّ‬
‫ب العالمين َّ‬ ‫ْ‬ ‫وتَجاو ْز عن سيئاتِه‬
‫المسلمين في ُك ِّل مكان‬

‫َّين ع ِن ال َـمدينين‪،‬‬ ‫ب ال َـمكْروبين واق ِ‬


‫ْض الد َ‬ ‫الله َّم َف ِّر ْج َه َّم ال َـم ْهمومين‪ ،‬و َن ِّف ْ‬
‫س َك ْر َ‬ ‫ُ‬
‫ضى الـمـُسلِمين‪.‬‬ ‫ف َم ْر َ‬ ‫وا ْش ِ‬

‫فر ْجته‪ ،‬وال َديناً إال‬


‫هماً إال ّ‬
‫اللهم ال تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إال غفرته‪ ،‬وال ّ‬
‫ّ‬
‫قضيته‪ ،‬وال مريضاً إال شفيته‪ ،‬وال مبتلى إال عافيته‪ ،‬وال عقيماً إال ذرية صالحةً‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫رزقته‪ ،‬وال ولداً عاقّاً إال هديته وأصلحته يا َّ‬

‫اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل‪ ،‬ونعوذ بك من النار وما‬
‫قرب إليها من قول أو عمل‪ ،‬اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا‪ ،‬ولمن له حق‬
‫علينا‪ ،‬وللمسلمين أجمعين‪.‬‬

‫صليت على إبراهيم‪ ،‬وعلى ِ‬


‫آل‬ ‫محمد؛ كما‬‫ٍ‬ ‫محمد‪ ،‬وعلى ِ‬
‫آل‬ ‫ٍ‬ ‫ص ِّل على‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اللهم َ‬
‫َّ‬
‫إبراهيم‪ ،‬وعلى‬ ‫باركت على‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫محمد؛ كما‬ ‫آل‬ ‫ٍ‬
‫محمد‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وبا ِر ْك على‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وسالم على‬ ‫عما ي ِ‬
‫صفو َن‬ ‫ك ر ِّ ِ ِ‬ ‫إبراهيم‪ ،‬إنَّ َ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ب الع َّزة َّ َ‬ ‫ك حمي ٌد مجيد‪ ،‬سبحا َن َربِّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫آل‬
‫ب العالمين‪.‬‬ ‫المرسلين والحم ُد ِ‬
‫هلل َر ِّ‬ ‫َ‬

You might also like