You are on page 1of 11

‫‪ .

I‬مممكة قرطاجة (تأسيسها – تطورها ‪ -‬سقوطها)‬

‫‪ - 1‬اختالفات تأسيس المممكة القرطاجية‬


‫يعتبر وصوؿ البحارة والمستوطنيف مف فينيقيا إلى سواحؿ بالد المغرب القديـ محطة‬
‫لدخولو مرحمة ظيور الكتابات التاريخية المتعمقة بيذه المنطقة ‪ ،‬ولكف تناوؿ تاريخ ىذه الفترة‬
‫أمر صعب‪ ،‬وذلؾ ألف المصادر كميا تقريبا يونانية و التينية‪ .‬وكذلؾ يكتنؼ الحضارات الميبية‬
‫المحمية قبؿ القرف ‪ 3‬ؽ‪.‬ـ بعض الغموض‪ ،‬وقد استمر تراث حضارة العصر الحجري الحديث‬
‫في المغرب حتى األلؼ األولى قبؿ الميالد ‪.1‬‬
‫وما يمكف اإلشارة إليو ما قالو الدكتور محمد الصغير غانـ عف التواجد الفينيقي في‬
‫غربي البحر المتوسط الذي كاف بإنشاء مجموعة مف المستوطنات الفينيقية التي سبقت تأسيس‬
‫قرطاجة ونذكر منيا ‪:‬‬
‫‪ _1‬قادس‪ :‬وىي تعد مف المستوطنات الباكرة في الحوض الغربي لممتوسط‪ ،‬وقد أسسيا التجار‬
‫الفينيقيوف ألغراض اقتصادية وقد أسست حوالي القرف الثامف ؽ‪.‬ـ وىي شبيية بمدينة صور ‪.2‬‬
‫‪ _2‬مالقا(‪ :)malga‬وكانت مخصصة لتجفيؼ األسماؾ وتمميحيا‪.‬‬
‫‪ _3‬أبدي ار (‪: )Abdera‬أسسيا القائد القرطاجي صدربعؿ (وىي مف المستوطنات المتأخرة)‪.‬‬
‫‪ -4‬سردينيا‪ :‬أو ما يسمى (صونت سيراي)‪.‬‬
‫‪ -5‬أوتيكا‪ :‬عمى الساحؿ الغربي مف خميج تونس وذلؾ سنة ‪ 1101‬ؽ‪.‬ـ‪.3‬‬
‫‪ - 6‬تأسيس قرطاجة‪:‬‬
‫_ اختيار الموقع وأسباب بناء المدينة‪:‬‬
‫أ_ أصل التسمية‪:‬‬
‫‪ )Carthage‬مف ( ‪ )Cartago‬وبدقة ىي ( ‪ )Kartago‬وىو لفظ‬ ‫جاء اسـ قرطاجة (‬
‫التيني لمكممة اليونانية ( ‪ )Karchedàn‬التي بدورىا لفظ محرؼ لمتسمية الفينيقية المركبة (قرت‬
‫حدشت) والتي تعني المدينة الجديدة‪ .‬وفي وقت ما وبسبب المفاىيـ السياسية لمفينيقييف فرضت‬

‫‪1‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف ‪( ،‬تاريخ إفريقيا العاـ) العصر القرطاجي ‪ ،‬ـ ‪(، 2‬د‪.‬ط) ‪ ،‬إش‪ :‬جماؿ مختار‪ ،‬المجنة العممية الدولية‬
‫لتحرير تاريخ إفريقيا العاـ‪ ،‬اليونيسكو‪ ،1985 ،‬ص ‪.453‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬التوسع الفينيقي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ص ‪.83 -82‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 85‬‬
‫قرطاجة نفسيا بقوة عمى رأس العالـ البوني‪ ،‬ونحف ال نقبؿ بالترجمة التي تعطي لكممة ( ‪)Cart‬‬
‫مدلوؿ (عاصمة)‪ ،‬إذ فسر"كاتوف ( ‪ ")Katon‬أصؿ ىذه الكممة ومعناىا‪ ،‬وأشار "تيت‪-‬ليؼ"‬
‫‪ .1‬وىو ما اتفقت‬ ‫(‪ )Tite-live‬إلى كممة قرطاجة في المغة البونية أنيا تعني المدينة الجديدة‬
‫عميو جؿ المراجع الحديثة مع ما ورد في القواميس لمعنى ىذه الكممة ‪ .‬وىذا والمعنى يدؿ عمى‬
‫أف االسـ قد اختير ليدؿ عمى مدينة ورثت مرك از أكثر قدما منيا في ذلؾ الموقع أو أنيا ألحقت‬
‫بو‪.‬ويدؿ ىذا ضمنا عمى أف المكاف قدر لو منذ البداية أف يكوف المستوطنة الرئيسية لمفينيقييف‬
‫في الغرب‪ ،‬واف كنا ال نعرؼ عف آثارىا في أقدـ فترات تاريخيا سوى قدر ضئيؿ ال يسمح‬
‫بالتأكد مف ىذا األمر ‪ .2‬وقد أسسيا سنة ( ‪ 814‬ؽ‪.‬ـ) فينيقيوف أتوا مف صور وأطمقت كممة‬
‫"فوني" عمى فينيقي الغرب وعمى إنتاجيـ ‪ .3‬ولقد بنيت في القرف الثاني قبؿ الميالد "قرطاجة أو‬
‫قرطاجنة" أخرى ( ‪ )Cartagene‬في إسبانيا‪ ،‬وكانت ىي أيضا مدينة جديدة بالمفيوـ الذي يدؿ‬
‫عمى تجديد البناء الفينيقي القديـ "لقادس"‪.4‬‬
‫ب_ ظروف وأسباب بناء المدينة الجديدة‪:‬‬
‫ال يمكف أف نستنتج شيئا ذا قيمة تاريخية مف أسطورة التأسيس التي وصمت إلينا في مختمؼ‬
‫كتابات المؤلفيف اإلغريؽ والروماف‪ ،‬فقد عثرنا عمى آثار ترجع إلى حوالي التاريخ المذكور‬
‫(‪ 814‬ؽ‪.‬ـ) ‪ ،‬ويشير الترابط العاـ لمشواىد األثرية أنو بينما كانت الرحالت الفردية تتـ في فترة‬
‫مبكرة فإف المستوطنات الدائمة عمى ساحؿ المغرب لـ تتـ قبؿ سنة ( ‪ 800‬ؽ‪.‬ـ) ‪ .5‬ولقد نقمت‬
‫لنا ظروؼ بنائيا بواسطة العديد مف الكتاب بمختمؼ المعطيات التي تالمس ىذا الموضوع‬
‫وربما كانت ىذه الراويات شائعة في أوساط القرطاجييف الذيف كانوا عمى احتكاؾ مع العالـ‬
‫اإلغريقي‪.‬وبعد أف تمكنت "عميسا" وصحبيا مف الوصوؿ إلى سواحؿ أفريقيا‪ ،‬وكاف أوؿ أىدافيـ‬
‫ىو سعييـ إلقامة عالقات صداقة مع السكاف األصمييف الذيف أروا في القادميف الجدد إمكانية‬
‫إقامة محطات تجارية مريحة‪ ،‬فقد عرضت الممكة عمى السكاف أف تشتري منيـ قطعة أرض‬

‫‪1‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬قرطاجة أو امبراطورية البحر‪ ،‬ط ‪ ،1‬تر‪ :‬عز الديف أحمد عزو‪ ،‬دار األىالي لمطباعة والنشر‪ ،‬دمشؽ‪،‬‬
‫‪ ،1996‬ص ‪.53‬‬
‫‪2‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪. 455‬‬
‫‪3‬‬
‫مادليف ىورس مياداف‪ ،‬تاريخ قرطاج‪ ،‬تر‪ :‬إبراىيـ بالش‪ ،‬ط‪ 1‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪-‬لبناف‪ ،1981 ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪4‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪5‬‬
‫ب‪.‬ىػ‪ .‬وار منجتوف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.455‬‬
‫بمقدار ما يمكف لجمد ثور أف يغطييا كي تستريح ىي وصحبيا المنيكوف بسبب المالحة‪ .‬ولقد‬
‫كاف سكاف بالد المغرب القديـ يخشوف ىؤالء الغرباء دوف شؾ‪ ،‬إال أف عرض الممكة بدا ليـ‬
‫متواضعا فقبموا؛ غير أف الممكة "عميسا" لجأت إلى حيمة جديدة‪ ،‬إذ قامت بقص جمد الثور إلى‬
‫سيور رفيعة جدا‪ .‬وبعد أف تكممت إقامتيـ األولى بالنجاح‪ ،‬أنشئوا مدينة عمى ىذا الشاطئ ‪.1‬‬
‫ج ‪ -‬اختيار الموقع وبداية التشييد‪ :‬باشر الفينيقييف الحفر بيدؼ تأسيس المدينة المدعوة‪،‬‬
‫فعثروا فييا عمى "رأس ثور" فأحسوا أف ذلؾ نذير شؤـ‪ ،‬فاختاروا أرضا أخرى‪ ،‬فعثروا فييا عمى‬
‫رأس حصاف‪ ،‬و أروا فيو رم از لمقيـ الحربية والقوة فكاف ىو المكاف المختار ‪ .2‬وتقع قرطاج عمى‬
‫بعد ستة عشر كيمومت ار تقريبا مف الشماؿ الشرقي لمدينة تونس عمى شبو جزيرة واسعة‪ ،‬يحدىا‬
‫مف الجنوب خميج تونس‪ ،‬ومف الشرؽ البحر (البحر المتوسط) ومف الشماؿ بحيرة (سوك ار)‬
‫المالحة والممتدة عمى الشاطئ‪ ،‬ويتصؿ شبو الجزيرة ىذا مف الغرب بالقارة األفريقية‪.‬‬
‫وتعد قرطاج مف بيف أجمؿ المناظر الطبيعية في العالـ إذ يحظى الموقع بمميزات ثمينة‪،‬‬
‫‪ ،3‬ويميز ىذه‬ ‫تعتبر ضمانات لتأميف وتوسيع العاصمة وحماية جالليا وتألقيا الصاعديف‬
‫المنطقة مناخ حار معتدؿ ‪ ،4‬يوفر ليا مزروعات متوسطية كالحبوب والخضار وغيرىا وليس‬
‫تفاوت درجات الح اررة فييا كبي ار جدا‪ ،‬بؿ يمطفو جوارىا لمبحر‪ ،‬ومعدؿ تساقط األمطار يبمغ‬
‫ثمانيف يوما في السنة‪ ،‬مما يجعؿ مناخيا صحيا وقميؿ الرطوبة وفي أغمب األحياف تتعرض‬
‫مدينة قرطاج لريح شمالية غربية‪ ،‬كما أف نسيـ البحر يخفؼ مف وطأة السموـ عند ىبوبيا ‪.5‬‬
‫د ‪ -‬البناء الحضاري لممدينة‪:‬‬
‫لـ يمض عمى بناء المدينة زمف طويؿ حتى استولى أىميا عمى شطوط إفريقيا‪ ،‬وبعض‬
‫جزر البحر المتوسط واألقيانوس األتمنتيكي (المحيط األطمسي)‪ ،‬فأصبحت سمطتيـ عظيمة‬
‫جدا‪ ،‬واقتضت الحاؿ أف يكوف ليـ جيش وافر‪ ،‬وبوارج كثيرة‪ ،‬وال سيما أف لصوص‬

‫‪1‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪. 55‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫‪3‬‬
‫فرانسوا ديكريو‪ ،‬قرطاجة الحضارة والتاريخ‪ .‬تر‪ :‬يوسؼ شمب الشاـ‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشؽ‪ ،1994،‬ص ص ‪.48 -47‬‬
‫يشبو إلى حد بعيد مناخ تونس حاليا‪ ،‬إذ ال تتمقى ىذه المنطقة في الوقت الحاضر إال ‪ 450‬مـ‪ 3‬مف مياه األمطار‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫مادليف ىورس مياداف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪. 14‬‬
‫البحر كانوا خط ار عمى تجارتيـ ‪ .1‬ولكي تشعر قرطاجة باألمف بنت أسوا ار شاىقة وعريضة‬
‫خارجا يمنع التعمشؽ الفردي (التسمؽ) أو طرح الساللـ لمتسمؽ ‪،2‬‬
‫ً‬ ‫القاعدة وانحناء حيطاف السور‬
‫ومع ذلؾ تصر قرطاجة عمى حماية ذاتيا‪ ،‬فالسور يتقدمو خندؽ (‪ ،)3‬األمر الذي جعؿ وسائؿ‬
‫الدفاع عف قرطاج في غاية القوة‪ ،‬ولـ تقتصر وسائؿ التحصيف عمى ذلؾ‪ ،‬وانما أقيمت قمعة‬
‫داخمية‪ ،4‬يحيط بيا سور كبير طولو حوالي ثالثة كيمومترات‪ ،‬وىو بال شؾ أقدـ جزء في‬
‫المدينة‪.5‬‬
‫وفي أخر ىذا المطمب نقدـ مقارنة لممؤرخيف المغاربة المحدثيف بداية ب الدكتور محمد‬
‫الصغير غانـ الذي أشار إلى إنشاء مدينة قرطاجة التي تعتبر مف أىـ المستوطنات الفينيقية في‬
‫‪ 814‬ؽ ‪ .‬ـ تغيرت زعامة‬ ‫وسط السواحؿ المغاربية ‪ ،‬وبالضبط في خميج شماؿ تونس سنة‬
‫المدف الفينيقية بحيث حمت مدينة قرطاجة محؿ صور ‪ ،‬وبذلؾ أخذت زعامة المستوطنات‬
‫الدكتور محمد‬ ‫الفينيقية القرطاجية في الحوض الغربي لمبحر المتوسط وىو بذلؾ يؤكد فكرة‬
‫فنطر و قد أيده في ذلؾ الدكتور محمد اليادي حارش الذي قدـ التطور الذي شيدتو قرطاجة‬
‫مف مركز تجاري إلى قوة بحرية خالؿ القرف ‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ ‪.‬‬
‫‪ - 2‬المظاهر الحضارية لمممكة قرطاجة‪:‬‬
‫أ ـ المظهر السياسي‪:‬‬
‫يؤكدوا المؤرخوف عمى أنيـ لـ يعرفوا الشيء الكثير عف األنظمة السياسية القرطاجية في القروف‬
‫األولى لكنيا مف المؤكد أنيا كانت مشابية لنظاـ صور السياسي عمى أنيا مف األجدر أنيا‬
‫‪ 5‬ؽ‪ .‬ـ‬ ‫كانت ممكية في البداية ورغـ أف التاريخ لـ ينقؿ لنا اسـ أي ممؾ قرطاجي قبؿ القرف‬
‫إال انو في أوائؿ ىذا القرف يكوف ىميمكار ابف حنوف قد وصؿ إلى الحكـ نتيجة قيمتو ىذا ما‬
‫يفيـ منو أف تعيينو كاف باالختيار ال وراثيا ‪،‬أي أف نظاـ الحكـ قد تعرض لمتغيير‪.‬أما في‬

‫‪1‬‬
‫نجيب متري‪ ،‬كتاب ممخص التاريخ القديـ‪( ،‬مقتطؼ مف أصدؽ المصادر وأصحيا)‪ .‬ؼ ‪ ،6‬مطبعة المعارؼ‪ ، ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1331‬ىػ‪1913-‬ـ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬مصر والشرؽ األدنى القديـ (المغرب القديـ)‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪1410 ،‬ىػ‪1990-‬ـ‪ ،‬االسكندرية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫‪3‬‬
‫شوقي خير اهلل‪ ،‬قرطاجة العروبة األولى في المغرب‪ .‬ط‪ ،1‬دار النشر (مركز الدراسات العممية)‪ ،1992 ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪4‬‬
‫مكانيا اآلف كنيسة لويس التاسع‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص ‪.192‬‬
‫النصؼ الثاني مف القرف ‪ 6‬والنصؼ األوؿ مف القرف ‪ 5‬قبؿ الميالد سيطرت األسرة الماغونية‬
‫طيمة ثالثة أجياؿ عمى الحكـ ‪،‬ومف أىـ حكاميا نجد ‪:1‬‬
‫ماغوف وأبناءه ( صدر بعؿ‪ ،‬ىممكار ) ثـ أبناء صدر بعؿ الثالث وىـ ( حنبعؿ‪ ،‬صدر بعؿ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ .‬لقد كاف المظير الوحيد في‬ ‫سافوا) وأبناء ىممكار الثالثة ( خميمكاف ‪ ،‬حنوف ‪ ،‬جيسكوف )‬
‫قرطاجة الذي حظي بإرضاء أباطرة اإلغريؽ ىو دستورىا السياسي الذي يبدوا انو يكفؿ ليا‬
‫االستقرار وىنا يبرز التأثير اإلغريقي في قرطاجة نتيجة االحتكاؾ حيث كاف ىذا الدستور‬
‫مشابو بدرجة كبيرة بدستور اسبرطة وأثينا ‪.3‬‬
‫المظهر االقتصادي‪:‬‬
‫أ ـ التجارة ‪ :‬كانت قرطاجة تمثؿ أغنى مدينة في عالـ البحر المتوسط ‪ ،‬لقد كاف دورىـ التجاري‬
‫يتمثؿ في إيصاؿ السمع غير المصنعة في شرقي المتوسط ثـ نقؿ البضائع المصنعة مف ىذه‬
‫الدوؿ وتوزيعيا عمى محتاجييا مف الشعوب حيث حصؿ القرطاجيوف عمى ىذه المعادف الخاـ‬
‫مف كؿ مقاطعة كرنويؿ وجزر كاسيتريدس التي كانت تحتوي عمى معادف القصدير واسبانيا‬
‫حاليا التي وجد بيا مناجـ الفضة والرصاص والنحاس ‪ ،‬ومف غرب إفريقيا االستوائية وبالد‬
‫السوداف المتاف كاف يجمب منيا الذىب والعاج والحجارة الكريمة‪.4‬‬
‫وقد لجئوا إلى الدفع بالطرؽ المعموؿ بيا آنذاؾ مف السبائؾ الذىب أو الفضة أو العمالت‬
‫األجنبية إذ لـ تسؾ العممة حتى أواخر القرف الخامس ؽ‪.‬ـ في قرطاجة‪ ،‬وكانت صادراتيـ عبارة‬
‫عف أقمشة‪ ،‬الزرابي‪ ،‬العسؿ ‪ ،‬التيف‪ ،‬المرمر‪ ،‬النحاس‪ ،‬الحيوانات المفترسة‪ ،‬الخمر والزيوت ‪.5‬‬
‫وقد عرؼ القرطاجيوف أيضا نظاـ المقايضة الصامتة حيث يفرغوف بضائعيـ في مناطؽ بعيدة‬
‫غير معروفة ثـ يعودوف لمسفف ويرسموف إشارة بالدخاف ‪ ،‬عندما يرى األىالي الدخاف يأتوف لذلؾ‬
‫المكاف يضعوف كمية مف الذىب أو العاج أو جمود الغزالف وغيرىا مقابؿ البضائع ثـ ينسحبوف‪،‬‬
‫عند ذلؾ يعود القرطاجيوف لممكاف مف جديد ويفحصوا جيدا ما تركو األىالي فإذا أروا أنو يعادؿ‬

‫‪1‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.72‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.73‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫‪4‬‬
‫محمد الصغير غانـ‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.113‬‬
‫‪5‬‬
‫‪،‬‬ ‫ج ‪ .‬كونتو‪ ،‬الحضارة الفنيقية ‪ ،‬تر‪ :‬محمد عبد اليادي شعيرة ‪ ،‬م ار ‪ :‬طو حسيف ‪ ،‬شركة مركز كتب الشرؽ االوسط‬
‫ص‪.87‬‬
‫قيمة البضائع أخذوه وأبحروا بعيدا ‪،‬واذا كاف غير كافي عادوا إلى سفنيـ وانتظروا أف يضيؼ‬
‫األىالي الكمية الكافية إلرضائيـ‪ ،‬ولـ يكف القرطاجيوف يقربوف الذىب أو السمع حتى يساوي في‬
‫قيمتو البضائع التي أحضروىا كما أف األىالي ما كانوا يقربوف البضائع حتى يتـ نقؿ الذىب‬
‫مف مكانو ‪ ،1‬أما عف التجارة البحرية الخارجية فقد كانت مزدىرة لمغاية وأدت إلى ظيور‬
‫الرحالت االستكشافية لممموؾ القرطاجييف الكبرى ولعؿ مف أىميا رحمة ىممكوف التي انطمقت‬
‫مف قرطاجة ووصمت حتى اسبانيا والغاؿ مف اجؿ السيطرة عمى تجارة القصدير‪ ،‬ولـ يسمح‬
‫‪ .2‬باإلضافة إلى رحمة الممؾ‬ ‫القرطاجيوف بتسرب المعمومات عف ىذه الرحالت إال ناد ار‬
‫القرطاجي حنوف التي كانت حوالي ( ‪350 - 450‬ؽ‪.‬ـ)‪ ،‬رحؿ مف قادش حوؿ افريقية إلى أف‬
‫وصؿ جزيرة العرب مف الجنوب ثـ كتب كتاب وصؼ فيو ىذه الرحمة ‪،‬و لقد كاف الميناء‬
‫القرطاجي يعج بالسفف التجارية والسمع ومختمؼ المنتوجات مف مختمؼ المناطؽ ‪.3‬‬
‫ب ـ الصناعة‪ :‬اشتغؿ الفينيقيوف بالصناعة منذ تأسيسيـ قرطاجة غير أنيا كانت في أوؿ األمر‬
‫بسيطة بحيث ال تتجاوز صناعة السفف واصالحيا واستخراج صباغة األرجواف باإلضافة إلى‬
‫صناعة الفخار التي كانت منتشرة ‪ ،‬ولـ تزدىر الصناعة القرطاجية إال اعتبار مف القرف‬
‫الخامس قبؿ الميالد نتيجة اصطداميـ مع اإلغريؽ‪ .‬ولعؿ مف أىـ الصناعات التي برع فييا‬
‫القرطاجيوف صناعة المعادف‪ ،‬حيث كانت قرطاجة تصنع سالحيا بنفسيا ‪ ،‬وصناعة النسيج‬
‫‪ ،4‬وقد كانت الصناعة‬ ‫والثياب األرجوانية وصناعة األخشاب والنقش عف األحجار الكريمة‬
‫البحرية تحتؿ الصدارة خاصة صناعة السفف نتيجة كثرة األشجار في المنطقة خاصة‬
‫خشب(السرو) باإلضافة إلى أعماؿ النجارة مف صناعة النوافذ والكراسي والخزائف الخشبية‪.5‬‬
‫ج ـ الزراعة‪ :‬كانت الزراعة في قرطاجة في أوؿ األمر متواضعة جدا ثـ تطورت تدريجيا‪ ،‬حيث‬
‫كانت ممكية المزارع الواسعة مف حؽ األغنياء االرستقراطييف الذيف كانوا يوجيوف السمطة‬
‫السياسية واالقتصادية في مدينة قرطاجة ‪ .6‬ولعؿ سبب تطور الزراعة في قرطاجة الرئيسي كاف‬

‫‪1‬‬
‫جاف مازيؿ ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.227‬‬
‫‪2‬‬
‫فرانسو ديكريو ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.104‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد بيومي ميراف‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ص‪. 114‬‬
‫‪5‬‬
‫ج ‪ .‬كونتو‪ ،‬المرجع السابؽ‪. 89 ،‬‬
‫‪6‬‬
‫شوقي خير اهلل‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫ىزيمة قرطاجة في معركة ىمي ار في ‪ 480‬ؽ‪.‬ـ ىذا ما حد مف نفوذ قرطاجة في البحر ووجيت‬
‫أنظارىا ألراضي األىالي لمزراعة‪ ،‬وىنا قامت زراعة نشيطة جدا‪.1‬‬
‫ومف أىـ المزروعات نجد أشجار الزيتوف والكروـ والتيف والروماف والقمح والشعير والموز‬
‫واألجاص وكانت ليـ بساتيف ومراعي واسعة مكتظة بقطعاف الماشية مف خرفاف وثيراف وخيوؿ‬
‫ودواجف والنحؿ واألبقار باإلضافة لمبغاؿ ‪ .2‬لقد برع القرطاجيوف كثي ار في مجاؿ الزراعة فظير‬
‫بينيـ عمماء مختصوف مثؿ "ماغوف" الذي عاش حوالي القرف ‪3‬ؽ‪.‬ـ وألؼ دائرة معارؼ تتكوف‬
‫في ‪ 28‬كتاب عممي ضمنو تفاصيؿ فف الزراعة وتربية الحيوانات وصناعة الخمور ولـ يكتفي‬
‫ماغوف بتقديـ نصائحو بؿ ذىب إلى معارضة امتالؾ المواطنيف لألراضي الزراعية واىماليـ‬
‫العناية بيا ‪،‬وطمب ممف يزاوؿ مينة الزراعة أف يتفرغ ليا ‪.3‬‬
‫المظهر الديني‪:‬‬
‫كانت الديانة تحتؿ مكانة ىامة في حياة القرطاجييف ‪،‬ولعؿ أسمائيـ أكبر دليؿ عمى ذلؾ حيث‬
‫نجد األسماء مركبة مف اسـ اآللية ‪،‬ومثاؿ ذلؾ "حنبعؿ" أي حضي بحضوة بعؿ "ومتوـ بعؿ"‬
‫أي ىبة بعؿ‪ ،‬وعبد أشموف أي خادـ أشموف‪ ،‬وعبد ممقرت أي خادـ ممقرت‪.‬‬
‫والمالحظ أف المياجريف األوائؿ مف فينيقيا قد واصموا عبادة آلية فينيقية فنجد أنيـ عبدوا اإللو‬
‫الفينيقي" إيؿ" (السيد الممؾ) وممكرت الذي يعني ممؾ القرية كميا كانت موجودة في فينيقيا‬
‫سابقا‪ .4‬وتعتبر تانيت وبعؿ حموف وىو سيد المعبد واليو تقدـ القرابيف البشرية‪ ،‬المعبوديف‬
‫الرئيسييف لمقرطاجييف وباإلضافة ليما نجد اإللو ممقرت الو صور التي كانت قرطاجة ترسؿ إلى‬
‫معبده في صور كؿ عاـ اليدايا والقرابيف حيث كانت تبمغ عشر دخؿ قرطاجة‪ ،‬كما عبدت‬
‫عشتارت في قرطاجة وكذا اإللو أشموف الو الشفاء ومعناه الزيت سمي بيذا نظ ار لما يتمتع بو‬
‫السائؿ مف قدرة شفائية ييب األبناء والحياة والصحة‪ ،‬أما تانيت فقد ظيرت عبادتيا في قرطاجة‬
‫في القرف الخامس قبؿ الميالد كمعبودة شعبية وىي غير فينيقية‪،‬كما أف اسميا ليبي عبدىا‬
‫البربر وىو دليؿ عمى أنيا بربرية األصؿ ‪،‬وىي آلية اإلنتاج والخصوبة ورمز ليا بامرأة ترضع‬

‫‪1‬‬
‫ج‪ .‬كونتو‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.87‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص‪.88‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد الصغير غانـ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ‪،‬ص‪.116‬‬
‫‪4‬‬
‫شوقي عبد اهلل‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫ابنيا‪ ،‬أما عشتارت ىي بعمة أو السيدة وىي ربة الصيد العظيمة يصورونيا عمى شكؿ ىالؿ‪،‬‬
‫وصمتيـ عف طريؽ الفينيقييف ‪.1‬‬
‫وبخصوص المعابد والكينة فقد كانت المعابد القرطاجية األولى خالية مف التماثيؿ واكتفى‬
‫القرطاجيوف في بداية األمر بتمثيؿ بعض أجزاء الجسـ مثؿ األذف‪ ،‬العيف‪ ،‬الفـ‪ ،‬اليد‪ ،‬ووجدت‬
‫عمى النصب النذرية وىي إشارة إلى أف تانيت وبعؿ قد سمعا واستجابا لدعوة الداعي وباركاه‪،‬‬
‫وكاف لمقرطاجيوف في المرحمة األولى كيوؼ مقدسة ومرتفعات مقدسة وفي مراحؿ الحقة‬
‫أصبحت المواقع المخصصة لمعبادة في المناطؽ السيمية تقاـ في اليواء الطمؽ محاطة بأسوار‬
‫خشنة ووسطيا مكاف تقديـ األضاحي فيما بعد أصبحت ىناؾ بناء في الوسط مبنى صغير‬
‫كمسكف لإللو قبؿ أف تتحوؿ إلى معابد ‪.2‬‬
‫د ـ المظهر االجتماعي والثقافي‪:‬‬
‫تكوف المجتمع القرطاجي في بداية األمر مف الصورييف الذيف أسسوىا حيث قدـ معيـ بعض‬
‫المعمريف الفينيقييف مف سكاف صيدا وأرواد والمدف الفينيقية األخرى ‪،‬باإلضافة إلى القبارصة‬
‫واألىالي البربر الذيف جمبتيـ خيرات المدينة ‪،‬وفي العصور الالحقة جمب العديد مف العبيد مف‬
‫مناطؽ مختمفة‪ ،‬كما وصميا التجار مف صقمية واإلغريؽ وغيرىا مف المناطؽ‪ ،‬ومف ىنا تكوف‬
‫خميط المجتمع القرطاجي الذي عرؼ بالمجتمع البوني نتيجة لغتو البونية التي جمعت بيف المغة‬
‫الفينيقية والبربرية ببعض تأثيراتيا ‪. 3‬‬
‫وعمى العموـ يقسـ المجتمع القرطاجي لثالث طبقات فنجد في القمة الطبقة األرستقراطية الثرية‬
‫التي كانت تسيطر واقعيا عمى الشؤوف العامة السياسية واالقتصادية خاصة‪ ،‬وتضـ الممؾ‬
‫وحاشيتو وأتباعو مف نبالء وتجار كبار وكينة‪ ،‬ثـ يمييا طبقة عامة الشعب الذي يتمتع ببعض‬
‫الحقوؽ السياسية المعتبرة التي كانت في بعض األحياف وىمية‪ ،‬وأخي ار طبقة العبيد الذيف كاف‬
‫عددىـ كبير وىـ يعمموف خاصة في الفالحة عند األثرياء وال يتمتعوف بأي حقوؽ سياسية ‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫جاف مازيؿ‪ ،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.213‬‬
‫‪2‬‬
‫أحمد فرجاوي‪،‬المرجع السابؽ‪ ،‬ص‪.207‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪. 90‬‬
‫أما مف الناحية العمرانية فقد كانت قرطاجة مقسمة إلى أحياء سكنية متميزة حسب الطبقات‬
‫االجتماعية التي يتكوف منيا المجتمع القرطاجي وىي ثالثة أحياء ‪،‬حي صالنبو أو سالنبو‬
‫‪،‬وحي بيرصة أو بيرسة‪ ،‬وحي ميغا ار‪.1‬‬
‫أما عف مظيرىـ وأزيائيـ ولباسيـ كاف القرطاجيوف نساء ورجاؿ يعتنوف كثي ار بشعرىـ‬
‫ويستعمموف أمشاط مف العاج‪ ،‬لقد كانوا يعتقدوف في وجوده قوة خاصة مركزىا شعر الرأس وقد‬
‫كانوا يروف أف ىذه القوة العجيبة تقيـ بصفة خاصة في خصمة يحافظوف عمييا باعتناء كبير‪،‬‬
‫لقد كانوا يرتدوف جباب طويمة فضفاضة ذات أكماـ ‪،‬وكانوا ال يتمنطقوف أي ال يشدوف وسطيـ‬
‫بنطاؽ وكانوا ال يخرجوف مكشوفي الرأس بؿ يضعوف عمى رؤوسيـ قمنسوة طويمة ودقيقة‬
‫ومستديرة تسمى الطرطور المخروطي الشكؿ وأحيانا تكوف أسطوانية وقصيرة ‪،‬وكاف يشدوف‬
‫أيضا عمى رأسيـ صمادة يربطونيا أحيانا فوؽ جبينيـ ويرخونيا عمى أكتافيـ أو يمفونيا بشكؿ‬
‫عمامة‪ ،‬و يمبسوف في أرجميـ نعاال أو صندلة وأحيانا أحذية عالية‪ ،‬أما النساء فقد كف يمبسف‬
‫الفشاف ويشددنو في خصرىف‪.2‬‬
‫أما عف الفنوف والمظير الثقافي ما يمكف قولو بصفة عامة أف اآلداب القرطاجية لـ يذكر عنيا‬
‫شيء فالكتب المتحصؿ عمييا جاءت عمى ذكر الزراعة وغيرىا مثؿ كتاب ماغوف في الفالحة‬
‫والزراعة‪ ،‬أما عف الفمسفة والتاريخ والجغرافيا فمـ يوجد ليا أثر واف وجدت ربما تكوف قد انتقمت‬
‫إلى أيدي المموؾ النوميدييف أو أحرقت مع حرؽ المدينة ولعؿ األجدر باإلشارة أنيـ تكمموا‬
‫البونيقية التي ىي مزيج بيف الفينيقية والميبية أما عف فنيـ فقد أقتصر عمى تحويؿ بعض المواد‬
‫إلى االستخداـ العممي‪.3‬‬
‫‪ - 3‬سقوط قرطاجة‬
‫سبؽ سقوط قرطاجة الحروب البونية الثالثة وىي كالتالي ‪:‬‬
‫الحرب البونية األولى (‪ 241 – 264‬ق‪.‬م ) بدأت الحرب البونية األولى في عاـ ( ‪264‬ؽ‪.‬ـ)‪،‬‬
‫في شماؿ جزيرة صقمية والتي انتيت بانتصار الروماف في معركة جزر (ايغاتس) في العاشر‬
‫مف مارس ‪ 241‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬و أجبرت قرطاجة عمى توقيع معاىدة االستسالـ التي تتخمى بموجبيا‬

‫‪1‬‬
‫محمد الصغير غانـ ‪ ،‬سيرتا النوميدية ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.108‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسو ‪ ،‬ص ‪.164‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع اؿسابؽ ‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫عمى صقمية و الجزر الواقعة بينيا و بيف ايطاليا ‪ ،‬و كذا دفع غرامة حربية قدرىا ‪ 3.200‬وزنة‬
‫أوبية ‪ ،‬موزعة عمى عشر سنوات مع الحظر عمى قرطاجة تجنيد المرتزقة في ايطاليا و عند‬
‫حمفاء روما ‪ .‬بعد أف وضعت الحرب أوزارىا ‪،‬عجزت قرطاجة عف دفع أجور المرتزقة العشريف‬
‫ألؼ الذيف تجمعوا في ضواحي سيكا عمى أثر عودتيـ مف صقمية فثاروا ضدىا ‪ ،‬وفي ىذه‬
‫الظروؼ ثار أيضا المرتزقة في سردينيا ‪ ،‬مما تسبب في استنجاد سكاف ىذه الجزيرة بروما التي‬
‫استغمت الفرصة و فرضت معاىدة جديدة عمى قرطاجة سنة ‪ 238‬تتخمى ىذه األخيرة بمقتضاىا‬
‫عمى جزيرتي سردينيا و كورسيكا مع دفع ‪ 1.200‬وزنة أوبية إضافية ‪ ،‬و بالمقابؿ سمحت ليا‬
‫روما بتجنيد جنود جدد مف ايطاليا ‪ ،‬مما مكنيا مف القضاء عمى الثائريف سنة ‪237‬ؽ‪.‬ـ‪ 1.‬ثـ‬
‫تولى حنبعؿ قيادة الجيش القرطاجي في اسبانيا ‪ ،‬وكاف استيالؤه ‪ .‬عمى مدينة ساغنتة سببا في‬
‫قياـ الحرب البونيقية الثانية ‪.‬‬
‫الحرب البونيقية الثانية (‪ 201-218‬ق‪.‬م )‪:‬كانت روما تخطط لمقضاء حنبعؿ ‪ 2‬في اسبانيا‬
‫بعد احتاللو لمدينة ساغنتة سنة ‪ 219‬ؽ‪.‬ـ ‪ ،‬بتوجيو قوات إلى إفريقيا فكانت بذلؾ مياديف‬
‫الحرب البونيقية الثانية ىي‪ :‬ايطاليا و اسبانيا و إفريقيا ‪ .3‬و ما ييمنا في موضوعنا ىذا جبية‬
‫إفريقيا و التي أىـ ما ميزىا المعركة الفاصمة في " زاما" (‪ 19‬أكتوبر ‪202‬ؽ‪.‬ـ)‪،‬و معاىدة‬
‫زاما‪201‬ؽ‪.‬ـ التي اضطرت قرطاجة إلى القبوؿ بشروطيا المتمثمة في ‪:‬‬
‫‪ _1‬أف تسمـ كؿ أمالكيا التي خارج أفريقيا‪.‬‬
‫‪ _2‬أف تتعيد أف ال تثير حربا البتة ما لـ تسمح روما بذلؾ‪.‬‬
‫‪ _3‬أف تدفع غرامة مالية سنوية(‪ 48.800‬جنيو) لمدة خمسيف سنة‪.‬‬
‫‪ _4‬أف تسمـ بوارجيا وأفياليا‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫شارؿ أندريو جولياف ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 96‬‬
‫‪2‬‬
‫ويؿ ديورانت ‪ ،‬قصة الحضارة ‪ ،‬مجمد ‪ ، 3‬ج ‪ ، 1‬ص ‪. 43‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪4‬‬
‫نجيب متري‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪.45‬‬
‫التي ال تنتيي وجودىا كقوة بحرية في البحر األبيض المتوسط‪ ،‬فحسب بؿ حتى كدولة سيدة‬
‫عمى أراضييا في إفريقيا ذاتيا‪ .‬ولما شعر أنو يفاوض الروماف لتسميمو انتحر عاـ ‪183‬ؽ‪ .‬ـ‪.1‬‬
‫‪ -‬الحرب البونيقبة الثالثة ‪ 146 – 149‬ق‪.‬م‪( :‬تدمير قرطاجة)‬
‫أستغؿ مسينيسا بندا مف بنود معاىدة زاما الذي يخوؿ لو استرجاع ممتمكاتو وممتمكات أسالفو‬
‫في التوسع عمى حساب قرطاجة‪ ،‬التي ضاؽ صبرىا‪،‬وردت الفعؿ‪ ،‬وىو ما كاف وراء التدخؿ‬
‫الروماني سنة ‪149‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬بدعوة خرؽ قرطاجة لبند مف بنود معاىدة زاما التي تحضر عمييا‬
‫إعالف الحرب في إفريقيا أو إخراجيا بإذف مف روما‪،‬فأرسمت جيشا في قوامو ‪ 80.000‬رجؿ مف‬
‫المشاة وحوالي ‪ 4.000‬فارس في بداية ربيع ‪ 149‬ؽ‪.‬ـ‪ 2‬أعمف القرطاجيوف استعدادىـ لقبوؿ كؿ‬
‫شروط الروماف‪ ،‬وقدموا كضماف لذلؾ ‪ 300‬شاب قرطاجي كرىائف‪ ،‬وبعد أف تسمـ القنصالف‬
‫‪ 200.000‬درع و ‪ 2.000‬منجنيؽ وأحرقا المراكب القرطاجية ‪ ،‬صرحا بشرط روما بتخمي‬
‫القرطاجييف عف مدينتيـ‪ ،‬وبناء مدينة جديدة عمى بعد خمسة عشر كيمومت ار مف البحر‪ ،‬فرفض‬
‫القرطاجيوف ىذا الشرط‪ ،‬وقرروا القتاؿ‪ ،‬وتمكنوا بما بذلوه مف جيود مف الصمود في وجو‬
‫قناصمو سنتي ‪148 - 149‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬مما دفع روما إلى تعييف سكيبيو قنصال لسنة ‪147‬ؽ‪.‬ـ‪ ،‬رغـ‬
‫‪146‬ؽ‪.‬ـ‪،‬وباع‬ ‫صغر سنو‪ ،‬وتمكف مف االستيالء عمى المدينة التي دمرىا عف آخرىا سنة‬
‫سكانيا في أسواؽ النخاسة‪ ،‬وبذلؾ تنطفئ ىذه المدينة إلي حكـ عميو باإلعداـ بعد الحرب‬
‫البونيقية الثانية‪ ،‬وتحولت أرضييا إلى مقاطعة رومانية سنة ‪ 146‬ؽ‪.‬ـ‪،‬بعد إشعاع داـ أزيد مف‬
‫ستة قروف ونصؼ(‪146 -814‬ؽ‪.‬ـ)‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫ماجد فخري‪ ،‬مسيرة الحضارة‪ ،‬قرطاج وروما‪ ،‬ـ ‪( ،1‬د ‪ .‬ط) ‪ ،‬تر‪ :‬شاكر مصطفى‪ ،‬الشركة العالمية لمتوزيع واإلعالف‪،‬‬
‫( د ‪ .‬ب) ‪ ،‬ص ‪.228 - 227‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد اليادي حارش ‪ ،‬التاريخ المغاربي ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 71‬‬
‫‪3‬‬
‫شوقي خير اهلل ‪ ،‬المرجع السابؽ ‪ ،‬ص ‪. 249‬‬

You might also like