Professional Documents
Culture Documents
*سعيد رحو
هسبريس
َيأتي القانون المتع ّلق بالحق في الحصول على المعلومات الذي دخل
السياسية
ّ التحولات
ّ حيز ال ّتنفيذ في 12مارس ،2019في سياق ّ
الداخلية منها والخارجية؛ فعلى المستوىّ والاقتصادية،
ّ والاجتماعية
ّ
إصلاحا دستوريًا عميقا ومتطوراً على حد كتابات
ً ش ِهد المغرب
الداخليَ ،
المهتمين بالشأن السياسي بالمغرب .أما على المستوى ّ ودراسات
وحرياته
ّ الخارجي ،فجاء ليؤكّد الالتزام المتواصل للمغرب بحقوق الإنسان
الأساسية كما هي متعارف عليها دوليا.
المجتمعية وقيمته القانونية باعتباره أحد أهم
ّ أهميته
ّ أن للقانون
ومعلوم ّ
ٌ
آليات دعم ممارسة الحقوق على اختلاف أنواعها وتصنيفاتها ،فضلا عن
اعتباره عند بعض الدارسات مسألة ضرورية لسير الديمقراطية في
المجتمع وتقوية المواطنة المشاركة في المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية ،فهو أداة أساسية تخدم الفرد الطامح إلى الارتقاء
بدوره المواطناتي في خدمة بلده دون كلل أو ملل ،كما يعد فرصة
جماعية لتكريس قيم التضامن الإنساني بين أفراد التجمعات بمختلف
بيئاتها لتحقيق تنمية شاملة في مناخ يسود فيه الاحترام والشفافية
والوضوح.
إن مواجهة التحديات المستقبلية تقتضي بالإضافة إلى تمكين ّ
المواطنات والمواطنين من الحق في المعرفة ،الاشتغال على فئة
الشباب وتعزيز قدراتهم وتوسيع الخيارات والحريات كي يعيشوا حياتهم
كما يبتغونها ويثمنونها كما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية لسنة
.2016
الأولية لهذا القانون سوف تنطلق من استحضار كرونولوجيا
ّ إن القراءة
ّ
هذا المنتوج التشريعي الجديد في عنصر أول ،ثم نتبع ذلك بالحديث عن
ث
ثان وثال ٍ
بعض الجوانب المتعلقة بأسباب نزوله وشكلياته في عنصرين؛ ٍ
على التوالي.
.1كرونولوجيا القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات:
إن الانطلاقة الأولى للقانون المتعلق بالحق في الحصول على ّ
تضمن الباب الثاني منهّ المعلومات ابتدأت مع صدور دستور 2011؛ إذ
حزمة من الحريات والحقوق الأساسية ،من ضمنها الحق في الحصول
على المعلومات المنصوص عليه في الفصل ،27حيث نستخلص ما
مقصده إتاحة الإمكانية القانونية للمواطنات والمواطنين للحصول على
المعلومات الموجودة في حوزة الإدارة العمومية بمختلف تلويناتها إلا ما
سويكر ُ
ّ استثني بقانون ،كحق دستوري ثابتٍ يضمن الشفافية والوضوح
التقليدية عن
ّ المجتمعية
ّ تذليل ال ّنظرة
ِ ثقافة الحقوق والحريات ،بغية
حدة التصو ِر التسلطي الذي كان سائداً الإدارات العمومية والتخفيفِ من ّ
في الأذهان سابق ًا.
نقاش
ٍ الدعوة إلى
وفي هذا الإطار ،ق ّررت الحكومة مع بداية سنة ّ 2013
واسع بمشاركة مختلف الفاعلين في المجال الحقوقي ،فضلاً عن ٍ
ليتم عقد مناظرة وطنية بتاريخ 13يونيو
ّ القطاعات الوزارية المعنية،
2013حول "الحق في الحصول على المعلومات :رافعة للديمقراطية"،
الوزارية ،منظمات
ّ من رئاسة الحكومة ،ممثلي القطاعات ْ بمشاركة كل
المجتمع المدني ،وسائل الإعلام ،وجميع المهتمين والخبراء المغاربة
والأجانب.
لمدارسة
َ السنة نفسها ،اجتمع المجلس الحكوميّ وفي غشت من
وقرر
ّ مشروع القانون المتع ّلق بالحق في الحصول على المعلومات، ْ
عرضه منليتم ْ
ّ وتعميق ال ّنظر في مضامينه وبنوده،
ْ الدراسة
ّ متابعة
جديد بعد إدخال عناصر موضوعية جديدة مع بداية سنة 2014بعد
المصادقة عليه نهاية السنة ذاتها ،وإحالته على أنظار مجلس النواب
بتاريخ 8يوليوز .2015
المشروع حوالي سنة من إحالته من قِبل ْ استغرق
ْ وفي الاتجاه نفسِ ه،
أعضاء
ْ تمت المصادقة عليه من قِبل أن ّ
الحكومة ِب ُغرفة النواب إلى ْ
مجلس النواب وإحالته على مكتب الغرفة الثانية بتاريخ 20يوليوز 2016؛
أعضاء هذه الغرفة بتاريخ 9يناير ،2018
ْ تمت المصادقة عليه من قِبل إذ ّ
ويحال في إطار القراءة الثانية على مكتب مجلس النواب ،الذي صادق
عليه بتاريخ 6فبراير .2018
الرسمية فأصبحوبتاريخ 12مارس ُ ،2018نشِ ر هذا القانون بالجريدة ّ
موجوداً من الناحية المادية ،إلاّ أن أحكام المادة الأخيرة منه اشترطت
الرسمية ،ليصبحلدخوله حيز التنفيذ مرور سنة من تاريخ نشره بالجريدة ّ
نصا ملزما لجميع المخاطبين به انسجاما مع ّ بتاريخ 12مارس 2019
خصيصة الإلزامية التي تعتبر من بين خصائص القاعدة القانونية.
ّ
المتأمل لكرونولوجيا القانون المتعلق بالحق في الحصول على ّ إن
استغرق ما يناهز تسع
ْ أن نفاذ هذا القانونريب ّ المعلومات سي ْلحظ لا ْ
والدراسة والاستشارة ،إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ
ّ سنوات من المناقشة
قعد لهذا الحق ،وما يناهز ست سنوات إذا صدور دستور 2011الذي ّ
الصيغة القانونية للحق في ّ الدعوة الفعلية لإيجاد
ّ استحضرنا تاريخ
الحصول على المعلومات التي انطلقت بداية سنة .2013
كيفية
ّ التشريعات بالمغرب و
ْ صياغة
ّ مسألة تثير من جديد أزمة ْ وهي
صناعتها داخل المؤسسات المعنية بهذه العملية ،فاحتياج النصوص ِ
الزمنية ،أمر قد ُي ْنذر بوجود إشكالات قد تتعلق
ّ المدة
ّ القانونية لكل هذه
بكفاءة البنية البشرية المتخصصة في مادة الصياغة القانونية أو في
تشتغل على مادةْ عدم التواصل الفعال بين البنيات المؤسساتية التي
التشريع والإنتاج القانوني.
.2أسباب نزول القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات:
يمكن إرجاع أسباب نزول هذا القانون إلى مدى قيمة الغايات التي من
أجلها صيغ؛ إذ تتنوع وتتعدد من الغايات السياسية ،إلى الغايات
التشريعية ،إلى الغايات المجتمعية والحقوقية ،فالغايات الاقتصادية.
-الغايات السياسية:
تتجلى في استكمال البناء الديمقراطي والمجتمعي الذي تم الإعلان عنه
منذ بداية القرن 21م ،وتعميق قيم الديمقراطية ومبادئ الشفافية وربط
المسؤولية بالمحاسبة ،باعتبارها مؤشرات دولية لقياس النضج السياسي
في العالم المتحضر وسيادة مبدأ المشروعية وتكريس آليات ومرتكزات
الدولة القانونية ،فضلا عن توطيد الثقة لدى المواطنين والمواطنات في
علاقاتهم مع الإدارة باعتبارها الأداة الحقيقية لتنفيذ السياسيات العمومية
التي تعتزم الحكومة برمجتها وتنفيذها على مدى الولاية القانونية
المخولة لها دستوريا ،انسجاما مع بعض التشريعات التي اعتبرته كذلك
رمز ًا إلى الثقة بين الحكومة والسكان؛ إذ في منح حق الوصول إلى
المعلومة ُتظهر الحكومة موقفها الاستعداد لإثبات أنه لا يوجد لديها ما
يخفى ،وأنها في الواقع تقوم بعملها من أجل مواطنيها.
-الغايات التشريعية:
تتحدد في استكمال الترسانة القانونية والتشريعية التي تضمنتها الوثيقة
الدستورية ،فضلا عن تنمية الوعي القانوني والإداري للمواطنين من
خلال اطلاعهم على أنشطة وأعمال الإدارات العمومية ،إذا سلمنا بأن
المغرب سبق وأن أصدر قانونا يقضي بإلزام الإدارات العمومية
والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية سنة
. 2001كما تم إحداث مؤسسة تعنى بالأرشيف ،فضلا عن صدور القانون
المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع
الشخصي.
-الغايات الحقوقية والمجتمعية:
تتجلى تلك الغايات بالخصوص في تمكين المواطنين من المشاركة
الفعلية والملموسة في تدبير الشأن العام وكذا المحلي ،من خلال أولا
تكريس الرقابة المواطنة والاطلاع على المعلومات الموجودة في حوزة
الإدارات العمومية والهيئات الوطنية ،ناهيك عن تعزيز الثقة لدى فئة
ترسخت فيّ عريضة من المجتمع المغربي لتغيير النظرة التقليدية التي
الثقافة المجتمعية حو ل الإدارة وسلطتها في التعامل مع الوافدين عليها،
إضافة إلى دعم انفتاح الإدارة على المواطنين والمواطنات لتسهيل
الإجراءات والمساطر الإدارية والقانونية والتعريف بالخدمات الجليلة التي
تقدمها الإدارة لمرتفقيها في مجال الحقوق والحريات الأساسية.
-الغايات الاقتصادية:
لتشريع
ْ عط ًفا على ما سبق من الغايات ،تتجلى الغايات الاقتصادية
الحق في الحصول على المعلومات فيما سيساهم فيه من تحسين لمناخ
الأعمال وجلب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية ،إذا علمنا
أول ما يفكر فيه قبل قدومه إلى البلد المستق ِبل للمشروع،أن المستثمر ّ
الحماية القانونية والقضائية التي من شأن هذا البلد أن يوفرها لضمان
حقوقه الشخصية والمهنية والاقتصادية المرتبطة بمقاولاته وشركاته.
. 3القانون المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات من الناحية
الشكلية:
موزعة
ّ يحتوي القانون المتعلق بالحصول على المعلومات على 30مادة ْ
العامة لهذا
ّ على شكل سبعة أبواب رئيسية؛ يتعلق الباب الأول بالأحكام
حدد الباب الثاني الاستثناءات من الحق في الحصول القانون ،في حين ّ
تضمن تدابير النشر الاستباقي،ّ على المعلومات ،أما الباب الثالث فقد
وخصص الباب ّ والباب الرابع عالج إجراءات الحصول على المعلومات،
الخامس للحديث عن لجنة الحق في الحصول على المعلومة ،أما الباب
السابع للأحكام الانتقالية
ّ السادس فقد خصص للجانب العقابي ،والباب ّ
حيز الوجود؛ حيث نقرأ في معقولة لدخول القانون ّزمنية ّْ مدة
التي منحت ّ
نصه:
ّ م ْتن هذا الباب ما
َ
"يدخل القانون حيز التنفيذ بعد مرور سنة من تاريخ نشره بالجريدة
الرسمية مع مراعاة أحكام الفقرة التالية .يتعين على المؤسسات أو
الهيئات المعنية اتخاذ تدابير المنصوص عليها في المواد من 10إلى 13
حيز التنفيذ".
يتعدى سنة من تاريخ دخول هذا القانون ّ
ّ أعلاه خلال أجل لا
على العموم ،وفي انتظار تحليل بعض المقتضيات الموضوعاتية التي
جاءت في النص القانوني المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات
ثان من هذه الورقة ،نتمنى أن تجد هذه القواعد طريقا للتطبيقفي جز ٍء ٍ
السليم والأمثل ويفهم الفاعل والمسؤول والمواطن أن تحقيق التنمية
المستدامة يتطلب تضافر جهودهم جميعا من أجل مواجهة التحديات
والاكراهات التي من شأنها التأثير على مسار النموذج التنموي المنشود.