Professional Documents
Culture Documents
Kotobati - التليد والطارف شرح منظومة فقه التحوالت
Kotobati - التليد والطارف شرح منظومة فقه التحوالت
الناشر
مركز اإلبداع الثقافي للدراسات وخدمة التراث
الجمهورية اليمنية -عدن +9672 251089ص.ب 70014 .
www.goraba.com
ﭑﭒﭓﭔ
(ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯ)
ﮱﯓ ﯮ
قريب..
ْ َح ّق ًا
َو ْعدُ اإلل ْه..
(ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ
ﯼﯽﯾﯿ ﰀ ﰁﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ
ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ )
ﮱﯓ ﯮ
سيدنا حُم ّمد بن عبد اهلل القائل عن الدَّ جال« :إِنَّ َم َع ُه َج َّن ًة َو َن ًارا َفن ُ
َار ُه والسالم عىل ّ والصالة َّ َّ
اللِ َو ْل َي ْق َر ْأ َف َواتِ َح ا ْل َك ْه ِ
ف َفت َُكونَ َع َل ْي ِه َب ْر ًدا َو َس اَل ًما َكم ُل بِنَا ِر ِه َف ْل َي ْست َِغ ْث بِ هَّ
َج َّن ٌة َو َج َّن ُت ُه َن ٌارَ ،ف َم ْن ا ْبت يِ َ
وعىل آله األطهار وصحابته األخيار ،ما تعاقب الليل والنهار ،وعىل التابعني هلم بإحسان
إىل يوم القرار واالستقرار.
أشبعت منه فصو ً
ال ْ ربه اليوم ،ومؤلفات العرص قد ٌ
منترش خ ُ ِ
عالمات الساعة وبعدُ ّ
فإن فق َه
ِ
واستقراء وخ ِ
طابة منرب، وحمارضة ورشيطِ ،
ٍ ورشح
ٍ ٍ
ونرشة كتاب وكت ِّي ٍ
ب ورسالة، ٍ كثري ًة ما بـني
((( أخرجه ابن ماجه يف سننه عن أيب أمامة الباهيل برقم ،4067و «فتح الباري» البن حجر ( ،)141 :20و
«فيض القدير» للمناوي (.)791 :3
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 5 التليد والطارف
أن كا ّف َة ما نكتفي بام ُكتِ َب وصن َ
ِّف يف هذا املضامر ؛ ولكنا رأينا ّ َ األجدر أن
ُ ٍ
حالة ومظهر ،وكان
ٍ
متفرقة عن هذه الظواهر اخلطرية ،ومع هذا فقد ٍ
كمعلومات كتِب عن الساعة وعالماهتا ُينرش
ِ
الواجب واملتحت ِِّم والالز ِم واملندوب ؛ ورص ٍ
ف عن ْ ٍ
شغلة جمرد َم َ
التناول هلا ُ اعتقد البعض ّ
أن
إىل ما ال حاجة له من علم الغيوب.
وكنا يف هذا السبـيل قد ِ
رضينا ما رض َيه الناس ،مع أن إرضا َء الناس ٌ
غاية ال تدرك ،وفجأ ًة..
ِ
برصف النظر عماّ كنا َ
جربيل عليه السالم ِ
حلديث عظيم من خالل استقرائِنا
ٌ نبوي
ٌّ َب َر َز لنا شاهدٌ
قد عزمنا عليه من السكوت ،واالكتفاء بام هو موجود ومعلوم عن عامل امللك وامللكوت ،حتت
آخر هَ ذه ُ
األ َّمة َأ َّو هَلا فمن كان عنده ِع ْل ٌم
الع ْل ِم َي ٍ
ومئذ فليظهره ،فإن َكاتم ِ
ْ شاهد ُم ِل ٍّح «إذا َل َع َن ِ ُ
ٍ
ككاتِم َما ُأن َ
ْـزل عىل حُم َّمد»(((. َ
الواجب الذي ال يصح التعبد إلاَّ به ،وهو علم العقيدة والرشيعة ومراتب ُّ
السلوك.
ٌ
ارتباط بالتعبد الذايت ،وإنّام عالقته بمقاييس التحول فمتغري ،أي :ليس له
ٌ أما الركن الرابع
ومواقع اخلري والرش يف الناس والزمان ،ويرتبط بعلم التعبد من ُ
حيث امليل القلبـي والوالء.
عر ُف معنى عالقتهم هبم من حيثيات العالمة والسمة، فالذين يوالون الصاحلني -مث ً
الُ -ت َ
والذين يوالون الكفر والطواغيت وأهل الدنيا تعرف حقيقة والءاهتم بالعالمة والسمة.
حوالت ِ
والعلم بعالمات علم ينبني عىل معرفة « ِفقه ال َّت ُّ
فالعالمة والسمة يف هذا اجلانب ٌ
الساعة» ،وإذا ما اعتمدناها يف حياتنا العلمية ركن ًا من أركان الديانة والتدين يمكن -بمتابعة
الوارد فيها -معرفة علم التحوالت اخلاص بفقه ال َّتغريات وأحوال الدجاجلة والدَّ ْجل وما
ٍ
وإحباط ،وكذلك ما ينتظرها من بشارات وخري ،كام يتثبت املتفقه َتؤول إليه األمة من فشلٍ
هلذا العلم حول مسألة بعض الصحابة الذين يتكلم البعض يف شأن عدالتهم وتوثيق مواقفهم،
ٍ
موقف ما ضد أحد من الصحابة ال يقف عىل فهم املجتهد أو املستنبط؛ بل حيث إن اختا َذ
بنص آخر من رت ٌ
فتنة عىل صحابـي لكنها ال تقدح يف مرتبته وال صحبته ،وال خترجه ٍّ ربام َج ْ
الصحبة ورتبة ال َّنجاة يف الدارين.
ومجاعات َف ِه ُموا بعض الوقائع واحلوادث والنصوص
ٌ مجاعات
ٌ وقد َز ّل ْت يف هذا الباب
جمردة عن هذا الفقه وعدُّ وها حج ًة يف القدح يف بعض الصحابة ،مع أن فقه التحوالت وأرشاط
الساعة تنفي عنهم الضاللة والفتنة املفضية إىل َس ِّبهم أو إخراجهم عن امل ّلة والدِّ ين ،وجتع ُلهم
بالنص الواضح.
ِّ مص ِّ
ف اخللفاء الراشدين املهديينّ يف َ
((( املصدر السابق باختصار ،وأعتقد أن فهمنا ملراد املؤلف ال يتجاوز مفهوم ساسة وقادة الدولتني ذايت امللك
العضوض ،أما ما سبق ذلك فالطعن والنبز ال تسعفه وال تؤيده النصوص حلصانة الصحبة لرسول اهلل
ﷺ لو أراد أحد أن يعمم املقصود من عبارة املؤلف.
((( البقرة.134 :
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 9 التليد والطارف
ففي عرصنا نرى عرشات املفكرين والعلامء يص ُّلون ويصومون ويتعبدون هلل ويتقربون
ُ
مشكلة األمر ال يف العبادة وإنام يف نامذج الوالء ،فمنهم من ُيوايل الكفار وجيتهد يف ولكن
ْ إليه،
مكاسب مادي ًة وفكري ًة واجتامعي ًة واقتصادي ًة وسياسية،
َ خدمتهم وحيقق هلم من هذه اخلدمة
ت ِ
الفتَن» ،وقد كامنة يف والئه وخدماته ال يف صالته وصيامه ،وهذا ما ُيعرف بـ» ُم ِضلاّ ِ
ٌ فالعلة
ِ
املذهبـية ا ُملعارصة ،كام شملت بوضوح َمن َش َّذ ِ
طوائف اإلسالم غالب
َ ُ
العلة شملت هذه
عن املذاهب اإلسالمية العاملية ،واختذ لنفسه ومجاعته منهج ًا ُين َقض به ُ
العرى و ُيق َبض به ومن
بعلم حين ًا وحين ًا بغري علم وال وعي.
خالله مفاهيم خري الورى ٍ
وقد برز هذا االنفصام((( جلي ًا يف مرحلتنا املعارصة نتيج َة احتواء املدرسة احلديثة ذات العالقة
مناهج التعليم والرتبـية يف البالد العربـية واإلسالميةُ ،ب َع ْيدَ
ِ س كا ّف َة
املسي ِ
املبارشة بربنامج الغثاء َّ
تطبـيع العقل اإلسالمي مرافق ًا لتطويع املنطقة وتطبـيعها
ُ احلربـ ِ
ني األوىل والثانية ،وهبا حتقق للكافر
ِ
السلبـية عىل كثري سيل العرصنة الر ِاقعَ ،
وطام ُ ملصالح االستعامر ،ومن هنا اتّسع اخلرق مع انعدام َّ
غالب عقول املسلمني ومؤسساهتم العلمية ضمن عجلة
من مواقع الرتبـية والتعليم حتى اندرجت ُ
ٍ
مرحلة حتى عرصنا الراهن ،وهلذا فإننا عندما نعيد مفهوم العلم ال ّتغيري ،و َتواىل التغيري مرحل ًة بعد
والسـ َّنـة نجد أن غالب املنطلقني يف هذا املضامر املعاصرِ هم ضحايا مرحلة
عىل أساس الكتاب ُّ
يس شاءوا أم أ َبوا ،وربام عاجلوا كثري ًا من قضايانا املعارصة بأسلوب مريب وغريب
الغثاء وال َّت ْسيِ ِ
املسيس للكتاب والسنة .وهذا ٌ
مقتل خطري جد ًا ،قد تكلم عنه من ال ينطق عن ِ
معتمدين عىل َفهمهم َّ
((( االنفصام :معناه اختالف الفعل الصادر من شخصية واحدة عىل شكل متناقض ،بمعنى تعامل اإلنسان
عدوه من خالل مصالح يستفيدها وعرض مادي ،مع التزامه بمفهوم الدين والعبادة واملحبة هلل
مع ّ
ولرسوله من جانب آخر ،أو هو اعتزاز املسلم بدينه من حيث الوالء العام وااللتزام بالعبادة واالنتامء من
جهة ثم تنفيذ برامج الوجه اآلخر بعلم أو بغري علم يف االقتصاد والسياسة واإلعالم بام حيقق املكاسب
والفوائد املخالفة لدين املنفذ ذاته.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 10 التليد والطارف
اهلوى ﷺ وهو ينقل للعامل خطور َة مستقبلِ املرحلة الغثائية يف النظرية والتطبـيق الرشعي ،فض ً
ال عن
األمور األخرى ،ومن ذلك قو ُله لألعرا ِّ
يب السائلِ عن الساعة« :إذا ُض ِّي َعت األمانة فانتظر الساعة،
ري أهله»((( والتضييع والتوسيد املشار إليه يف احلديث
األمر إىل غ ِ
إضاع ُتها؟ قال :إذا ُو ِّسد ُ
قال :وكيف َ
نائب الفاعل.
ُ ٍ
أجنبية ال يظهر فيها إلاَّ ٍ
لتدخالت مبني للمجهول ،وفيه رمز
ونحن هنا قد َع ِهدْ نا إىل أنفسنا -ما استطعنا إىل ذلك سبـي ً
ال -أن نكشف احلقيقة ونتحمل
مسؤوليات ِ
كشفها سوا ًء من املعرتضني علينا داخل دائرة املدرسة األبوية ذاتهِ ا أم من املعرتضني علينا ِ
ِ
اإلفراط والتفريط خارجها((( ،فكال اجلهتني يعا ُنون يف مرحلتنا املعارصة من شمول احلرية يف جانِ َبـي
َ
الذي يعاجلون به قضايا التعبد وقضايا احلياة ،وكال النقيضني أيض ًا يعيشون َأزمة خطرية ،صارت
ِ
التداعيات التي نشهدها اليوم ،وشهدهتا وبال َّ
شك هي املسؤولة (بعد تدخالت العدو) عن كل
ُ
األبوية املسندة بعد سقوط القرار اإلسالمي العاملي يف القرن التاسع عرش امليالدي ،وإعالن ُ
املدرسة
املدرسة العلامنية يف تركيا عىل أنقاض املدرسة العاملية اإلسالمية.
وهذا النقض وثمراته جزء من علم التحوالت وفقه عالمات الساعة ،وقد جهله الكثري
ممن يعنيهم األمر فض ً
ال عن عا ّمة األمة ودمهائهم.
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،وأمحد يف مسنده ،والبيهقي يف السنن الكربى من حديث أيب هريرة ريض
اهلل عنه.
((( ومن هذا القبيل ما الحظناه بعد إصدار الطبعة األوىل من هذا الكتاب حيث أخذ بعض املنتمني ملدارس
القبض والنقض يتتبع بعض العبارات واجلمل يف الكتاب ويف غريه من كتبنا؛ ل ُيخرج من هذا األمر
املركب كذب ًا وزور ًا وهبتان ًا بحكم ّ
معيـن عىل املؤلف ويدرجه حسب تسييسه للعبارات واجلمل من
جمموعة كذا وكذا ...ويضيف فوق هذا الرتكيب املصنع عبارات النصح والرغبة يف التوجيه املرشوع..
ولو كان منصف ًا حق ًا وناصح ًا صدق ًا لوجد اإلجابة عىل ما يف عقله وذهنه من املتناقضات يف ثنايا نصوص
الكتب التي برت عباراهتا ومجلها واستخلص منها تصور ًا وحك ًام ال عالقة للكاتب به وال للمؤلف؛ ولكن
سامح اهلل هؤالء امل َّتقولني ،وهدانا وإياهم إىل سواء السبيل.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 11 التليد والطارف
وهلذا السبب نجد أن إعادة مفهوم القراءة الرشعية ألركان الدِّ ين عىل أساس املعاجلة
وواجب املرحلة أسهم معنا يف استقراء
ُ الرباعية هي واجب املرحلة وإحدى رضوراهتا،
ُّ
صاحب الرسالة ﷺ وهناي ًة بعرصنا الذي َط َغى فيه
ِ ِ
عرص ِ
مكنونات العالمات ك ِّلها ،بِدء ًا من
املصب اإليامين،
ِّ التحول والتغري ،فاستنفذنا جهدنا املحدود الستفراغ املعرفة يف هذا
ّ ُ
دخان
ووضعنا هذا الكتاب احلامل السم «التليد والطارف» ،و «ال َّتليد» ال َبعيد ،و « َّ
الطا ِرف» القريب،
حوالت» املَ ْق ُصود بهَ :ف ْه ُم ما يجَ ْ ِري من ُسنن ال َّت َغيرُّ ِ
ات وال َّتبدالت يف املراحل املتقلبة، و «فقه ال َّت ُّ
أشارت إليه اآليات والس ُّنة النبوية يف شأن ذلك.
ْ وما
ف» فهي إضافة حممودة يف تأصيل فقه الدعوة إىل اهلل بخصوصه عىل ما ِ
املواق ِ وأ ّما «س ّن ُة
تقرر لدى العلامء من تقسيم سنة املصطفى يف علم األصول إىل قولية وفعلية وتقريرية ،حيث
ُ
وسنة َمواقف. ُل ِ
وحظ أن هناك ُ
سنة َداللة
وسنتناول هنا بادئ ذي بدء ما يتعلق بسنة املواقف ،وهي ما اختذه الرسول من موقف
والسالم -مع أعدائه وأضداده منذ بدء الدعوة اإلسالمية يف
الصالة َّ
ذايت يليق بأخالقه -عليه َّ
نص قرآين دامغ ،ونستخلص
مرحلتي مكة واملدينة حتى وفاته ،وحتى مع من نـزل يف شأهنم ٌّ
من هذه املعاملة قاعدة التأصيل ملنهج الدعوة إىل اهلل باحلكمة واملوعظة السنة يف كافة مراحل
احلياة ،أما سنة الداللة فسنتناوهلا خالل حديثنا عن التحوالت ،وما يرتتب عىل فقه املناسبات
ِ
واملواقف ال عالقة هلا بعلم األصول التي قررها العلامء ِ
الداللة الرشعية ،وكال الس ّنت ِ
ني:
وفرغوا منها ،وإنام عالقتها بفقه التحوالت املقتبس من رباعية األركان باعتبار ما خيص الربط
للع ْفو واستجالب ًا لل ُّنفوس (ﭵ ﭶ ﭷ
بني التاريخ والديانة يف مسرية الدعوة إىل اهلل َب ْسط ًا َ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) (((.
وهو حسبي ونعم الوكيل ..وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم..
املؤلف
((( العالئم مجع عالمة وهي الشارة التي تدل عىل اليشء ،ومنها عالمات الساعة ،واملعامل مجع معلم وهو املآثر
أو املكان الذي يكون فيه جمريات التحول.
((( قوله يف املعنى العام :أي فيام تعارف عليه علامء امل ّلة يف تعريف الصحايب بعمومه ،وأما يف املعنى اخلاص
فالصحبة مقيدة أيض ًا برشوط أخرى حتى ال يندرج املنافقون ومن وردت فيهم نصوص رصحية يف
قراء الكتاب ممن أصيبوا بطريف
املفهوم ذاته ..وأرشنا إىل هذا التفصيل بعد ورود مالحظات بعض َّ
اإلفراط والتفريط يف تناول املواضيع وحتليلها ومل يلتزموا أدب التوسط واالعتدال مع أصحاب رسول
اهلل ﷺ ومل يتفهموا أيض ًا آراء الراغبني يف هذا املنهج الرشعي املعتدل بعيد ًا عن الغلو والتسييس.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 15 التليد والطارف
تأمل والفهوم من ِ
يكش ُف أرسار األعايل وال ُّت ُخوم ،فهي آيات اهلل البـ ِّينات ملن َّ آياته من العلوم ُ
ِ
املوجد (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ )( ،ﮛ ﮜ ورس اإلجياد من واستش َّف معنى َ
الكرم من الكريم َّ َ
ﮝ ﮞ)( ،ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ)( ،ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ).
�ع ا ْقتِف�ا َ
وأ َد ٍ
ب َم َ
بهم ٍ
�ة ِ َّ المص َط َف�ى
و َقارئ� ًا ُس�نَّـ َة َط� َه ُ
الرسالة (ﭻ ﭼ ﭽ) ((( والقارئ لـ» ُس ّنة طه املصطفى»
القراءة منهج هذه األمة منذ فجر ِّ
ِ
املراد ومع هو الناظر إليها واملطلع عليها مستغرق ًا يف معانيها مع كامل اهلمة يف احلصول عىل
ٍ
واجتناب للمنهيات وفق ِ
للمأمورات ومقام ِه ،عىل ا ِّت َبا ٍع
ِ األدب املفيض إىل تعظيم ذات املع ِّلم
ِ
منهج االقتداء املنصوص عليه (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) (((.
الم َعالِـ ِم
إِ ْذ في األُ ُص�ول ُج ْمل ُة َ
عن ك ُِّل ِعل ٍم محدَ ٍ
ث في ال َعا َلـ ِم ُ ْ َ ْ
حدّ د القراءة يف السنة النبوية « ِ
بالعلم املحدث» أي :املتجدِّ د املتغري املتحول ،وبمعنى آخر:
كل علم يأيت يف هذا العامل عىل مقتىض تطور احلياة وجتدُّ د املفاهيم فيها من غري مساس بالقواعد
والتحول ،فاملوىل يقول:
ُّ ٌ
جامعة لكل يشء من مظاهر التجديد َ
أصول هذا الدِّ ين والثوابت ،ألن
(ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ) ((((،ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ) ((( «واملعامل» مظاهر التجديد
وعالئم التغيرُّ والتبدُّ ل.
ِ
لين في َصدْ ِر َط َه َخ ِير كُل ُ
الم ْر َس ْ ين
الم ْ حان َم ْن َأ ْو َد َع ع َ
لم ال َع َ ُس ْب َ
رس سلوك اإلنسان البرشي وما حوله من مكان وزمان ،و «السام» كناية عىل ِّ
علو كناية عن ِّ
تنـزل من عند اهلل لتفهيم العباد وتنويرهم وإجالء غموض ِ
وعظمة ال َّتنـزيل ورشف ما َّ املعرفة
العاملني.
الساع َة»(((.
ٌ
واضحة إىل ما جيب عىل املسلم أن يتنبه له يف واقع األحداث ويف هذا احلديث إشار ٌة
والتحوالت ،ليس من خالل النظر السطحي لألمور وإنام من خالل التعمق للمدلول اللغوي
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،وأمحد يف مسنده ،والبيهقي يف «السنن الكربى» من حديث أيب هريرة ريض
اهلل عنه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 22 التليد والطارف
يف نص احلديث:
.1إذا ضيعت األمانة .
.2إذا وسد األمر إىل غري أهله.
يف هاتني العبارتني توضيحات وتفصيالت جتمع بني َتآمر مشرتك داخل يف واقع القرار من
األمة ،وتدخل خارجي من خارج دائرة األمة يف تضييع األمانة ،وتوسيد األمر إىل غري أهله،
وهذا احلديث وحده ٍ
كاف للداللة عىل رضورة معرفة أسباب تضييع األمانة وتوسيد األمر
إىل غري أهله فيام يتعلق بفقه التحوالت وأرشاط الساعة وربطها بأركان الديانة العليا ،وما
هذه التداعيات واملحن واإلحباطات وما شاهبها يف حياة األمة حتى ساعتنا هذه إال ثمرة من
ثمرات اإلضاعة ،والتوسيد املبطنَ ،ع ِل َم هذا َمن َع ِل َم ُه َ
وج ِه َل هذا َمن َج ِه َله ..واألمر كله هلل
من قبل ومن بعد ،وال حول وال قوة إال باهلل العيل العظيم.
ُي ْق َصدُ «بفقه التحوالت» َفهم ما جيري من ُسن َِن ال َّتغيرُّ ات واحلوادث يف املراحل املتقلبة وما
ِ
نصوص وصالح أو فساد ،وما تطابق من هذه التحوالت مع
ٍ ٍ
وقبض ترتب عليها من ٍ
نقض
الكتاب أو السنة يف شأن اإلفصاح عن بعض الظواهر وجمرياهتا.
منحرص عند موضو ٍع معينَّ ٍ من أصول
ٌ مفهوم الفقه لدى الكثري من العلامء
َ واملعلوم أن
ِ
احلديث النبوي املستدل به يف هذا َ
مدلول معرفة علوم الفقه الرشعي وفروعه ،واألصل أن
به َخيرْ ًا ُيف ِّق ْه ُه يف ِّ ملدلول الفقه ،قال ﷺَ « :م ْن ُي ِر ِد ُ
اهلل ِ ِ امل ْن َحى إنام ِ
الدين»(((. أوسع
َ حيم ُل ً
معنى
ُ
إدراك املقصود املرت ِّتب عىل نوع العلم فالفقه يف اللغة :هو ال َفهم ،ويف االصطالح العام:
حـو ًا أو حديث ًا أو تفسري ًا أو غري ذلك. املقرر ِف َ
قه ًا أو َن َ َّ
الواسع يف الدَّ اللة عىل مقصود الفقه؛ بل ويتعدى العلوم
ِ واحلديث اآلنِ ُف يشري إىل املعنى
(( ( انظر صحيح اإلمام البخاري حديث رقم ( )50من اجلزء األول الباب ( )37سؤال جربيل عن اإليامن
واإلسالم واإلحسان وعلم الساعة وبيان النبي ﷺ له ،ثم قال« :جاءكم جربيل يعلمكم دينكم» فجعل
كل ذلك دين ًا.
((( وقد ورد هذا املعنى يف احلديث بعدة روايات أخرى ،منها« :هذا جربيل عليه السالم جاء ليعلم الناس
دينهم» ويف رواية «هذا جربيل أراد أن تعلموا إذا مل تسألوا» للشيخني وأليب داود والنسائي ،ويف رواية
ألمحد عن طريق آخر« :هذا جربيل جاء ليعلم الناس دينهم ،والذي نفس حممد بيده ما جاءين قط إ ّال وأنا
أعرفه إ ّال أن يكون هذه املرة» ،وعن ابن عمر ريض اهلل عنه« :ما جاءين يف صورة قط إ ّال عرفته إ ّال يف هذه
الصورة» «جممع الزوائد» (.)18 :1
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 26 التليد والطارف
هِ
وأسبابا وما ِ
باحلوادث السلوك ،وإنام خيتص
املكلفني يف شؤون العقيدة والرشيعة ومراتب ُّ
واملرج ِفني
ِ ِ
وأحوال املنافقني الرمحانية، ِ
النبوية والعالمات َّ ِ
اإلشارات يرتتب عليها من شؤون
يات ال ّت َح ُّو ِل البرشي وأشباه ِهمَ ،
وأ َثرهم وتأثِريهم يف مجُ َر ِ ِ ِ
وأحوال الكفا ِر ِ
واملفسدين يف الدِّ ين
والعرى من
والعالقات واألخالق ُ احل ْك ِم ِ
والع ْل ِم َ نقض يف ُ
واإلنساين ،وما يطرأ عىل األمة من ٍ
ينعكس بالرضورة عىل الديانة والتدين ذاته سلب ًا وإجياب ًا.
رسه َ
وخبرَ ه عن لم ِ
واس ٍع هبذا الركن اخلطري ويكتمون ّ الصحابة ئ عىل ِع ٍ
ُ وقد كان
العامة والدَّ مهاء ،ملا يرتتب عىل نرشه يف ذلك العرص من فتنة واسعة ودمار حم َّق ٍق ،ويف هذا يقول
َّ
مُ
أحدها فقد ني من ِ
العلم ،أ َّما سيدُ نا أبو هريرة ؤ فيام يرويه الصحيح« :أعطاين َخلييل ِجرا َب ِ
ب َثثتُه بينكم ،وأ ّما اآلخر فلو بثثته ُلق ِط َع م ّني هذا ُ
احللقوم»(((.
َ
احلديث عن هذا العلم املرتتب عىل كشف الفتن وأصحاهبا لقد أخفى أبو هريرة ؤ
املسيخ
ِ والعربية ِ
لفتنة ِ ِ
اإلسالمية ِ
املجتمعات هتيئة والدّ جل والدجاجلة ،ومن يكون عىل ِ
أيدهيم ُ
علامء امل ّلة
ُ ِ
هالكه عىل أيدي أهلِ الفتنة ،ور َّبام يكون ِ
املؤدية إىل ِ
الفتنة الدّ ِ
جال ،ملا كان خيشاه من
ِ
أساسه؛ ريض اهلل عنهم وأرضاهم قد اعتربوا مثل هذا املوقف سبب ًا يف جتاوز الركن الرابع من
األجيال تر َت ِك ُ
س يف اخلطأ وتقع َ جعل َ
العزل واإلقصا َء بالنسبة حلقيقة العلم باألمر َ ولكن هذا
َّ
ِ
العلامء األثبات ،وخاصة األحداث السفها َء بمظه ِر
َ وأظه َر
َ يف املحذور مما خ َلط احلابِ َل بالنابلِ ،
ّباع واالقتداء بمن يف ِ
آخر الزمان ومع انقطاع العلم وأهله وشمول القبض للعلامء ،فكان االت ُ
ال خالق له ،وكان الوالء واالستفادة من علامء الفتنة الذين َح َّذ َر منهم َّ
سيد امل ّلة -عليه الصالة
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،انظر «فتح الباري» ( ) 288 :1حدثنا إسامعيل ،قال :حدثني أخي عن
ابن أيب ذئب ،عن سعيد املقربي ،عن أيب هريرة ،قال :حفظت من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم
وعاءين :فأما أحدمها فبثثته ،وأما اآلخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 27 التليد والطارف
ِ
الرشعية وعلامء املذهبية
ُ والسالم ،-فانقلب هبم امل ِ َج ّن عىل أهله حتى اتهُّ ِ َم ُ
آل البيت النبوي
مهاء وال ُب َس ِ
طاء وشملت غالب الدَّ ِ
َ ِ
واعرتت احلري ُة والز َه ُاد والصاحلون بام ليس فيهم،
والع َّب ُاد ُّ
ُ
وجمتمع اإلسالم ك َّله ،والواقع شاهد بني عىل ما نقول.
َ األرس َة والعائل َة،
َ ُ
الفتنة
إن رسول اهلل ﷺ كان يف مرحلتنا أكثر حضور ًا بعلمه ولست أذهب بعيد ًا إذا ُ
قلتّ : ُ
ابن ماجة يف سننه بقوله:
ونصوصه من حضورنا وإدراكنا فهو ﷺ يشري يف احلديث الذي رواه ُ
كاتم ما ُأنزل ٍ
يومئذ َك ِ اتم ِ
العلم فمن َكان ِعنده ِع ٌ
لم فليظ ِه ْر ُه فإنّ َك َ «إذا َلعن ِ
آخ ُر هذه األ َّمة َّأو َهلا ْ
عىل حُم َّمد ﷺ»(((.
الساعة وعالق ُتها بأركان الدِّ ين»
لم بعالمات َّ أحد معانيه « ِ
الع ُ العلم املرا َد هنا يف َ
َ واملرج ُح َّ
أن َّ
ألن ما يرتتب عىل الكتم للعلم هبذا يعادل َك ْت َم الوحي ويرتتب عىل َفهم هذا املعنى أن إظهار هذا
يني كإظهار رشف الوحي ذاته.
واجب َع ٌّ
ٌ وإشهاره يف األمة
َ العلم
ِ
وعند وقوفنا أمام هذا احلديث الرشيف بتأمل وا ٍع نجد أن الرسول ﷺ ربط من خالل
ال جديد ًا ال عالقة له بس َّن ِة األحكام التحو ِ
الت واملواقف وأعطى الس َّنة مدلو ً ُّ هذا احلديث بني
واحلالل واحلرام املقررة سلف ًا.
ٌ
واضحة املهد ِّيني ِم ْن بعدي»((( إشار ٌة
الراشدين ِ وس ّن ِة ُ
اخل ِ
لفاء َّ بسنُتِي ُ
ففي قوله ﷺ« :عليكم ّ
الس َّنـة هنا).
مفهوم ُّ
ُ التحوالت( ،وعليها يقترص
ّ ِ
األخالقية جتا َه ِ
املواقف إىل
للخلفاء ٌ
سنة أخرى غري الس َّن َة التي حتت َِك ُم إليها َّ
األمة هي س َّنـ ُتـه ﷺ وليس ُ فاملعلوم َّ
أن ُّ ُ
األربعة أو كان ال َفهم ّ
العام املناسب ُ اخللفاء
ُ فاخللفاء سوا ًء كانوا َح َس َب َف ْه ِم ال َبعض أهنم
ُ س َّنته،
((( أخرجه الطرباين يف «املعجم األوسط» ( )436 :1عن جابر ريض اهلل عنه ،وأخرجه ابن ماجه يف سننه
آخ ُر هَ ِذ ِه الأْ َّمة َأ َّو هَ َلا َف َم ْن َكت ََم َح ِدي ًثا فقد َكت ََم َما َأ ْنزَ َل اهلل» .
وأبو داود عن جابر برواية « :إِذا َل َع َن ِ
((( رواه الرتمذي يف سننه وابن ماجه يف سننه وأمحد يف مسنده والبيهقي يف سننه عن العرباض بن سارية.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 28 التليد والطارف
ملعنى احلديث أهنم «الراشدون» من الرشد «واملهديون» من اهلداية إىل يوم الدين ليس هلم سنة
متفردة متميزة غري سنة املواقف ،وليست السنة يف اصطالح الفقهاء أو املحدثني.
حوالت ) وسن َة (مواقفه أمام ِ
الفتن وال َّت ُّ ُ وهلذا يؤكد رسول اهلل ﷺ أن س َّنـت َُه يف هذا املعنى
ِ
موقف ِ
بالنواجذ» ..إشار ٌة إىل اختاذ حوالت)َ « ..ع ّضوا عليها أمام ِ
الفتن وال َّت ُّ (مواقفهم َ
ُ ِ
اخللفاء
فس َيـرى اختالف ًا الثّبات وااللتزام هبذه الس ّن ِة ..ويؤكد هذا املعنى قو ُله« :فإنّ من َي ْ
عش منكم َ
كثري ًا».
فاالختالف هنا ال ينحرص بالسنن القولية والفعلية والتقريرية أو ما اخ َت َلف عليه املذهبيون
ِ
املقولة ال َّن َبوية فحسب ،وإنام احلديث يشمل قضية ال َق َرا ِر واحلكم ،واملت َت ِّب ُع ّ
بروية لوقائع
وتارخيها يستفيد ما ييل:
ِ
واالختالف حو َله. احلديث يشمل مسأل َة ال َقرا ِر
َ ّ -1
أن هذا
احلديث يضع س َّنـ ًة جديد ًة تقعد مسألة املواقف.
َ ّ -2
أن هذا
ّ -3
أن سنة املواقف تكتسب من النظر يف ُسلوك رسول اهلل ﷺ وخلفائه يف العلم أهل
اهلداية والرشد عند انقطاع خالفة احلكم.
ٍ
اختالف يف قرار احلكم ،وعالجه ما أكده ﷺ من قوله: َ
حصول -4إن هذا احلديث ِّ
مؤكدٌ
«اسمعوا وأطيعوا ولو تأ ّمر عليكم.(((»...
موقف الصحابة بعد رسول اهلل ﷺ كان قائ ًام عىل َفهم هذا احلديث ،ومل ُ
يشذ منهم َ ّ -5
إن
املتقولني -ال ُ
والشذوذ يف هذا األم ِر -لدى ِّ أحدٌ عىل قرار اخلالفة يف أيب بكر ؤ ومن بعده،
يدخل حتت معنى (اخللفاء املقتدَ ى هبم عند االختالف).
((( وقوله« :تأمر عليكم» إشارة واضحة إىل ما لو أن صاحب القرار أخذه بالقوة ومن غري شورى وال
انتخاب ،وهذا مدلول هام جد ًا يف مسألة السمع والطاعة ،وفيه ر ّد بينّ عىل أصحاب األقوال األخرى.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 29 التليد والطارف
وس ّنة املواقف وما ترتب خاص ًا) لفقه ال َّت ُّ
حوالت ُ الرشيف (منهج ًا ّ
ُ ُ
احلديث ويصبح هذا
عىل هذا الفقه من ِ
فرع ّي ٍ
ات وإضافات.
ِ
الفقه يعودون إىل من ُع ِرف ِ
الصحابة ريض اهلل عنهم وأرضاهم يف هذا كبار
وقد كان ُ
ٌ
موقف نحو بعض األفراد غري املوقف الذي أرادوه ختصصه فيه ،وربام كان هلم بعد السؤال
من قبل لمِ ا ينكشف هلم من حقيقة حال املرء أو املرحلة ،وقد ورد أن سيدنا عمر بن اخلطاب
َد ِم هَ ِذ ِه َ -ي ْعنِي َها َمت َُه أو َر ْأ َسه »-روى هذا احلديث أمحد يف مسنده ،وقال فيه :كان أبو فضالة
ض َأ َصا َب ُه َث ُق َل ِم ْن ُه،ب ؤ ِم ْن َم َر ٍ قال:خ َر ْج ُت َم َع َأبيِ َعائِدً ا لِ َعليِ ِّ ْب ِن َأبيِ َطالِ ٍ
َ من أهل بدر،
اب ُج َه ْي َن َة حتمل إىل يم َك يف منزلك هذا لو َأ َصا َب َك َأ َج ُل َك لمَ ْ َي ِل َك إِلاَّ َأ ْع َر ُ قال :فقال َل ُه َأبيِ َ :ما ُي ِق ُ
املدينة فإن َأ َصا َب َك َأ َج ُل َك َولِ َي َك َأ ْص َحا ُب َك َو َص َّل ْوا َع َل ْي َك ...فذكر احلديث(((.
((( إسناده صحيح ،قال اهليثمي :رجاله موثقون ،وذكره البخاري يف الكنى مستطرد ًا ،نقلناه بترصيف من
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 30 التليد والطارف
وبإعادة النظر خلدمة هذه املواقف الراشدة للخلفاء ولس ِّيد امل ّلة -عليه َّ
الصالة والسالم-
ٍ
شاهد نبويٍ قال ينفتح باب العلم هبذا الركن املشار إليه بالركن الرابع من أركان الدين حتت
أمات ال َّناس للغ ِ
رباء الذين حُي ُيونَ َما َ يعود َغريب ًا كم َب َدأُ ،
فطوبى ُ وس ُ ين َغريب ًا َ فيه ﷺَ « :ب َدأ ِّ
الد ُ
من ُس َّنتِي»(((.
ولو تأملنا باالستقراء واملتابعة ما حيمله هذا احلديث من معنى لوجدناه يقرر يف بعض
معانيه ما أرشنا إليه واهلل أعلم.
فالدِّ ين بأركانه األربعة َبدَ أ غريب ًا يف أول األمر لصعوبة اإلفصاح عن ركنيته ،وهو اليوم يف
الرابع منه يف التوثيق والدراسة واإليامن ،ويف قوله
ِ ِ
الركن ِ
لنقص غريب أيض ًا
ٌ املرحلة املعارصة
ﷺُ « :
فطوبى للغرباء الذين حييون» أي :يعيدون رشف رباعية األركان التي أماهتا الناس من
سنته ﷺ .
ومعنى احلديث الرشيف ال يقف عند هذا املعنى وال ينحرص فيه وحدَ ه وإنام ُيست ُّ
َدل به هنا
كتاب «بيعة اإلمام عيل بن أيب طالب» حلسن فرحان املالكي ص.70
رفعه ورواه أيض ًا
((( «بدأ اإلسالم غريب ًا ،وسيعود كام بدأ غريب ًا ،فطوبى للغرباء» رواه مسلم عن أيب هريرة ّ
عن طريق عاصم بن حممد العمري عن أبيه عن ابن عمر رفعه بلفظ « :إن اإلسالم بدأ غريب ًا وسيعود
غريبا كام بدأ ،وهو يأرز بني املسجدين كام تأرز احلية إىل جحرها» وعزاه يف «الدرر» ملسلم عن ابن عمر
بلفظ « :بدأ اإلسالم غريب ًا وسيعود كام بدأ» ،وللبيهقي يف «الشعب» عن رشيح بن عبيد مرس ً
ال« :إن
اإلسالم بدأ غريب ًا وسيعود غريب ًا فطوبى للغرباء ،أال إنه ال غربة عىل مؤمن ،ما مات مؤمن يف أرض غربة
غابت عنه فيها بواكيه إلاَّ بكت عليه السامء واألرض» ،ورواه ابن جرير وابن أيب الدنيا كام يف «الفتاوى
احلديثية» البن حجر املكي لكن من غري ذكر صحابيه بلفظ« :إن اإلسالم بدأ غريب ًا وسيعود كام بدأ غريب ًا،
أال ال غربة عىل مؤمن ،ما مات مؤمن يف غربة غابت عنه فيها بواكيه إلاَّ بكت عليه الساموات واألرض،
ثم قرأ رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم (ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ) -ثم قال -:إهنام ال يبكيان عىل
كافر».
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 31 التليد والطارف
من أحد معانيه التي حيملها.
شهيد» ،ويف رواية َ « :أ ْج ُر َش ِهيد»
((( ِ ومث ُله أيض ًا حديث« :من أحيا ُس َّنتِي عند فساد ُأ َّمتِي َف َل ُه َأ ْج ُر ِ
مئة
إحياء سنة مواقفه ﷺ عند فساد أمته ﷺ وسنة خلفائه الراشدين املهديني(((. ِ
فمن معانيه ُ
واخللق، وضع ٍ
ف أمام قرار الدِّ ين ُ ْ حتو ٍل يف ّ
السلوك فالتحوالت اجلارية يف األمة ُتشري إىل ُّ
ُّ
وحتول يف مفهوم ِ
العزة والشرَّ ف واإلباء حتى َض ُعف َص ُ
وت األمة أمام أندادها من الدول ٍ
يش ِ
واخلالف والرصاع واألنظمة العاملية ،إضاف ًة إىل ما َح َّ
ـل هبا أي هذه األمة من فتن ال َّتح ِر ِ
والنـزاع يف أمر الدينِّ ،
ورش االستتباع لألعداء يف شؤون احلياة ،وكل ذلك بأسباب أمهها
لتنقضن ُعرى اإلسالم ُعرو ًة ُع ْروة
َّ كم وقرا ِر العلمَّ ،
املعبـر عنها يف احلديث« : سقوط قرا ِر ُ
احل ِ ُ
ور َّب
الصالةُ ..
رهن َّ احلكمِ ،
وآخ َّ متسك ال َّناس بالتي َت ِليهاَ ،أ َّو ّ
هلن نقض ًا ُ ك َّلام نقضت ُع ْرو ٌة َّ
ُم ٍّ
صل ال أمان َة له» (((.
أجر ِ
مئة شهيد» أخرجه بن عدي يف «الكامل» ((( الرواية جاءت بلفظ «من تمَ سك بس ُّنتي عند فساد أمتي فل ُه ُ
( ، )327 :2كام رواه يف «الرتغيب والرتهيب» ( )41 :1من طريق احلسن بن قتيبة ،عن عبداخلالق بن املنذر،
عن ابن نجيح ،عن جماهد ،عن ابن عباس مرفوع ًا ،قال الدارقطني يف رواية الربقاين :مرتوك احلديث ،وقال
أبو حاتم :ضعيف ،وقال األزدي :واهي احلديث ،وقال العقييل :كثري الوهم ،كذا يف «لسان امليزان»
( ،)305 :2ورواه الطرباين من حديث أيب هريرة بإسناد ال بأس به إال أنه قال« :فله أجر شهيد» .
((( وعىل هذا املفهوم فاملعنى يف بعض أوجهه أن كل من عمل عىل إحياء سنة املواقف بإصالح ما فسد من
جراء التحوالت املؤدية إىل سفك الدماء وتقطيع األرحام ،وعمل عىل مجع قلوب األمة وتوحيد كلمتها
ومل شعثها ،ودرء أسباب الفتن والرصاعات نال من اهلل أجر مئة شهيد ،ألن الثواب اجلزيل واملنح الكبري
يتالءم مع مثل هذه املواقف املفضية إىل حقن الدماء وسالمة الشعوب ،واهلل أعلم.
((( أخرجه أمحد يف «املسند» ( )251 :5ومن طريقه احلاكم يف «املستدرك» ( )92 :4من حديث أيب أمامة
لتنقضن ُعرى اإلسالم ُعرو ًة ُعروة فكلام نقضت
َّ الباهيل عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ،قال« :
الصالة» واحلديث صححه احلاكم. وآخرهن َّ
ّ عروة تشبث الناس بالتي تليها ،وأوهلن نقض ًا احلكم
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 32 التليد والطارف
أبواب كثرية سيأيت رشحها يف موقعها من هذا الكتاب إن شاء اهلل
ٌ وحتت هذين األمرين
تعاىل.
إشار ٌة إىل حديث جربيل املروي عن سيدنا عمر بن اخلطاب ؤ ،وهو احلديث الذي
َ
برشوح عديدة ،وأ َطالوا ال َّن َف َ
س يف ذلك وخاصة فيام ٍ عرشات العلامء وشرَ َ ُحوه
ُ اعتنى بشأنه
يتعلق بأركان اإلحسان حتى َصار مذهب ًا ُيسمى ال َّتصوف عند أهله والزهد لدى غريهم.
يشري الناظم إىل أن هذه الثالثة األركان هي املعتربة من هذا احلديث واملرشوحة فيام يسمى
تأم ِلنا حلقيقة الوارد يف احلديث
بأركان الدين الثالثة أو األصول الثالثة عند البعض ،وعند ُّ
كنية للثالثة غري وارد يف مطلع احلديث وإنام يف خامتته بعد إيراد
الر َّ َ
مدلول ُّ النبوي نجد ّ
أن
ٌ
أربعة وليست ثالثة. عالمات الساعة مما يدل عىل ّ
أن األركان
ْ�ن َرابِ ُ
�ع َّ�ص ُرك ٌ ُمك َِّم ٌ
�ل للن ِّ بالس�ا َع ِة َف ْ�ر ٌض َقاطِ ُع
ل�م ّ والع ُ
ِ
اهيتِ ِ
�ه ِ ِ ِ ِس� َيا ُق ُه الح�اوي لركْنِيتِ ِِ َضابِ ُط� ُه
الم ْب�دي لم َّ ُ �ه ُ َّ
يتجز ُأ من حديث
وجزء ال ّ
ٌ رابع
ركن ٌيشري الناظم إىل أن عالمات الساعة يف سياق احلديث ٌ
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 34 التليد والطارف
جربيل ،وضابط هذه الركنية سياق احلديث ذاته.
أي :إن هذا الركن خمصوص بعلم الفتن واملحن التي « هتدد» حصون األمة من داخلها ،وتربز
مسألة الدَّ جل والدَّ جاجلة الذين يكون عىل أيدهيم متهيد الطريق ملنهجية املسيخ الدجال.
صادق في ِ
ٍ
االتِّجا ْه من كل َح ْب ٍر أو َمن َس َي ْأتُوا َين ُْص ُروا َ
دين اإل َل ْه
أي :إن عذر العلامء يف مسألة فصل الركن الرابع عن موقعه من األركان راجع إىل ما فيها
ٍ
ومؤلفات خاصة. ـفوا فيها كتب ًا مستقلة
وص َّن ُ
رس التحول وال َّتبدُّ ل ،فعزلوها عن مكاهنا َ
من ِّ
ابن ماجه «إذا َلع َن ِ
آخ ُر هذه األمة َّأو هَلا العلم وإظها ِره يشري احلديث الذي رواه ُ
ِ وإىل هذا
شغل ذهن رسول اهلل ﷺ من بعده؛ وألن يف التحوالت أهم شاغلٍ ُي ِ التحوالت َّ
ُ كانت
يضع أصحابه َ
ومنافذ الدَّ مار ،فقد كان البدّ له -عليه الصالة والسالم -أن َ أخطر الفتن
َ وجمرياهتا
الع ِ
رباض بن ويرس َم هلم خمرج السالمة عند اشتباك األمور ،ويأيت حديثِ :
ُ أمام األمر الواقع،
َ
موقف اإلسالم من جمريات التحول، وجمسد ًا
ِّ سارية املروي يف الصحيح حام ً
ال رسالة الفصلِ
ويكاد هذا احلديث أن يكون قاعدة (الفقه اخلاص بالتحوالت) بكل رواياته ،وخاصة أن َرا ِو ِ
يه
يؤكد أن هذا احلديث كان من آخر ما تكلم به ﷺ يف حياته ،فيكون بذلك عىل غاية من األمهية
يف شأن هذا الفقه اخلاص.
الف ْق َه ِ
موق َع ًا وال مكان ًا يف شرُ وحهم عدَ ُلوا عن معاين احلديث وهلذا فإن الذين مل ُيو ُلوا هذا ِ
َ
مواقف معها من
خذ َ ل َت َّت ِخذ املعاين مفهوم ًا آخر ربام ال يعالج مسألة ال َّت ُّ
حول ،وما جيب أن ُي َّت َ
رشعية ،وإنام عالج قضايا األحكام ،ومفهوم االلتزام لثوابت اإلسالم واإليامن واإلحسان
ٍ
لسبب َ
وآخر، الرابع
ُ مه َل وظيفة احلديث األساسية يف ثالثة أركانُ ،
وأ ِ ُ ذاهتا ،وهبذا انحرصت
أحدَ أسباب الفتنة يف سائر األزمنة الالحقة.
االضطراب والقلق َ
ُ ّ
وظل
�واه ِدي
عليكُ�م بس�نَّتي َش ِ
ُ ُ َ الوار ِد: ِ
الحديث ِ َقال الن ُّ
َّبـي في
�و ِة
�ن َس� ُي ْحيِي ُس� َّن َة النُّ ُب َّ
َع َّم ْ
كمث�ل م�ا قد ج�اء ف�ي الر ِ
واية ِّ َ ِ
ِ
والديان�ة ِ
ش�هداء الش�ر ِع ِم�ن لمئ ِ
َ�ة ن�ال أج�ر ًا وافي� ًا ِ
َي ُ
�د ِ
يد �ه القل�وب بالتَّس ِ
وجم ِع ِ ِ
بالتوحي�د الدم�اء لح ْقن ِ ِ
�ه
ْ َ َ ْ َ َ
ٌ
وحتول يف العزة عام يف قرارها ودينها، ٌ
وضعف ٌّ السلوك يشري إىل أن فساد األمة ٌ
حتول يف ُّ
والرشف واإلباء ،بحيث يضعف صوهتا أمام الدول أنداد ًا وأضداد ًا ،فكل من أحيا سنة
املواقف بإصالح ما فسد منها ومجع قلوب األمة وتوحيد كلمتها و َل ِّ
ـم َش ْعثها ودرء أسباب
الفتن والرصاعات املؤدية لسفك الدماء وتقطيع األرحام والوشائج نال من اهلل أجر مائة
شهيد ،فالثواب اجلزيل واملنح الكبـري يتالءم مع املواقف املفضية إىل حقن الدماء ،فيكتب اهلل
له ثواب املائة الشهيد ،ومثّل الناظم عىل هذا املفهوم ،بقوله:
ّاس بانْتِ ِ
خاب �أ ِن ُح ْك ِم الن ِ
في َش ْ �ف اإلما ِم ِم�ن َأ ْص ِ
حاب كمو ِق ِ
َْ
ِ
ال�ف م�ا ا ُّتبِ ْع
ْ ول�م َي ُش َّ
�ذ أو ُيخَ ْ �و ُم ْقتَن ْ
�ع وه َ
ي�ق ْ
الصدِّ َ إِ ْذ با َي َ
�ع ِّ
تقرير ،وأما اصطالح الفقهاء فهو ما ثبت عن النبي ﷺ من غري افرتاض وال وجوب ،ويقابل الوجوب
وغريه األحكام اخلمسة.
((( سبق خترجيه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 39 التليد والطارف
يشري الناظم إىل أن سنة املواقف عند اخللفاء تشري إىل داللة االتباع بدي ً
ال عام يشيعه البعض
عن اإلمام عيل ؤ لتأييد مفاهيمهم ،فاإلمام عيل عند مالحظة مواقفه من اخلالفة نجده قد
بايع الصديق مقتنع ًا بذلك ،سواء عىل ما ذكره الرواة من املبايعة أليب بكر من اليوم الثاين أو
الثالث من موت رسول اهلل أو بعد وفاة السيدة فاطمة ريض اهلل عنها عىل القول اآلخر ،وصار
مستشار ًا له طيلة فرتة حكمه ،وفعله هذا يعد موقف ًا وسنة تتبع وحيتذى هبا بعيدا عام اختذه
املحبون املفرطون ،حيث ال يعقل أن يكون موقفه العام يف املوافقة ألبـي بكر وعمر ثم يعمل
يف جانب آخر ضدمها ،فهذه أخالق املنافقني وليس أخالق املؤمنني ،ويؤكد الناظم هذا املوقف
السامي من اإلمام ،بقوله:
ِ ِ
َبل َرض َي األَ ْم َر وكان ُم ْست ْ
َش�ار �ش َأ َحد ًا ض�دَّ ال َق ْ
رار ول�م ُي َج ِّي ْ
ْ
جييش أحد ًا ضد قرار» احلكم
يشري الناظم إىل سكون اإلمام عيل مع أصحاب الشأن« ،ومل ّ
عىل عهد أبـي بكر وال من بعده ،ولو فعل ذلك لكان موقف ًا حيتذى مع النص الذي ي َّتخذه
َ
اآلخرون حجة معلومة لديه ،وال يليق به أن يسكت عنه أو أن يرىض بغريه ،إذن فهو حجة يف
سكوته وحجة يف انطوائه مع اخللفاء الراشدين ،ويتوقف االحتجاج بالنصوص امللزمة لغريه
((((((.
بتوقفه عن العمل هبا ،فموقفه حجة وكفى
((( فهم بعض املغرضني من قولنا (حجة) أننا نشري إىل ما يفهمه آخرون عن مفهوم احلجة اصطالح ًا لدى
وبت ..فمقصودنا يف لفظة احلجة معناها اللغوي ،وهي :اجتامع رشوط
تقول هُ
بعض املذاهب وهذا ّ
اإلقناع أمام اخلصم ..وليس لدينا أكثر من هذا فل ُيعلم ..اهـ
((( لفظة (البغاة) مأخوذ من لفظة احلديث« :ويح عامر تقتله الفئة الباغية ..يدعوهم إىل اجلنة ويدعونه إىل
ابن ُس َم َّية تقتله الفئة الباغية» ،قال احلافظ ابن حجر :ويف قوله:
س ُ النار» رواه البخاري ،ولفظه ملسلمَ « :بئِ َ
داللة واضحة عىل أن علي ًا ومن معه كانوا عىل احلق وأن من قاتلهم كانوا خمطئني
ٌ «تقتل عامر الفئة الباغية»
يف تأويلهم« .فتح الباري» ( .)619 :6قال ابن تيمية :وهذا يدل عىل صحة إمامة عيل ووجوب طاعته
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 40 التليد والطارف
غ�اة م�دْ ِرء ًا ِ
للفت ِ م�ع الب ِ الح َس ِ ل�ح ا ِ ِ
َ�ن ُ َ َ ُ �ن إلم�ا ِم َ وم ْث ُل� ُه ُص ُ
ِ
املواق ِ
ف ما فعله اإلمام احلسن مع حماربـيه من أجل أي :ويستشهد عىل مفهو ِم ُس ِ
نة
احلكم ،فالبيعة الرشعية ُتل ِز ُمه بمحاربة البغاة وعدم التخيل عن موقع القرار مهام ك َّلف
الثمن ،ولك ّنا نرى موقفه غري ذلك حيث اختذ موقف ًا ال يتوقعه أحد وال يقفه إلاَّ خليفة
سيدٌ وس ُيصلح اهلل به بـني فئت ِ
ني من من خلفاء الدين أ ّيده ﷺ بقوله « :إنّ ابني هذا ّ
املسلمني » (((.
قال الناظم:
�لف ِه
وق�ال ه�ذا س�يدٌ كس ِ
َ َ ِّ لم ْو ِق ِف ْه
الم ْص َط َف�ى َ
�ار ُو َقد َأ َش َ
َاتوء افتِئ ْ
ح ُّل ِمن س ِ
ُ
رغْم الذي ي ِ
َ َ َ ئاتالف ْ �ه بـي�ن ِ
َ
س�يصلِح الله بِ ِ
ُ ْ ُ ُ
يشري الناظم إىل تأييد الرسول ﷺ لسنة املواقف التي يتخذها اخللفاء يف ِ
الفتن.
يشري الناظم إىل موقع القرآن العظيم والسنة الرشيفة من فقه التحوالت ،فهام –أي :الكتاب
والسنة -يعتربان املصدر األول والثاين لثوابت فقه التحوالت ،ويأيت بعد ذلك ما وثقه العلامء
من السري واآلثار واألخبار ،فهذه كلها تعد يف (فقه التحوالت) مصدر النقل واإلثبات من
جهة ،ومصدر اختاذ املواقف املتنوعة سلبا وإجيابا يف كل مرحلة وعرص أمام كل ظاهرة فكرية
أو عذاب أو آية أو معجزة من جهة أخرى.
كام أن من مادة (فقه التحوالت) جمريات الزمان احلارض وما ورد يف املصادر املشار إليها من
العالمات واألرشاط ،ومقابلة ذلك مع ما ورد يف األصلني ،ليربز مفهوم التحول وموقعه من
السالمة ،أو الفساد ،كام يعتني فقه التحول بام سيأيت من جديد احلوادث والوقائع ويضع هلا
العالئم املبينة حال احلدث وأربابه وموقفهم أيضا من السالمة أو اجلنوح.
حتى ينتقل األمر من عامل الدنيا إىل عامل اآلخرة ،فاالنتقال لألفراد والشعوب واألمم بل
�والً ع�ن اله�دى َم ُه�وال ت ََح ُّ فالكاف�رون َح َّر ُف�وا التَّنزيلا
َ
ج�اءت له�م بالعل� ِم والدِّ يان ِ
َ�ة ِ
س�االت الت�ي الر
َ ْ �ج ِّ وخالف�وا ن َْه َ
ُ
الحديث قد َح َوى ما َص َّح ُفو ْه كذا الق�رآن م�ا ق�د َح َّر ُف�و ْه
ُ َ
وأكَّ�دَ
ِ
الش�يطان وم�ا ج�رى م�ن فِ ْتن ِ
َ�ة ِ
اإليم�ان َي ْ�ر ِوي لن�ا ت ََس ْل ُس َ
�ل
يشري الناظم إىل عوامل الفساد املؤدية إىل التحول السلبي يف مواقف الكافرين ،وما نتج عن
هذه املواقف من حتريف للكتب الساموية وحتول سافر عن اهلداية والطاعة ،وخمالفة رصحية
لنهج الرساالت الرشعية ،وأن هذا االنحراف اخلطري ال يمكن حتجيمه ومعرفته وإدانته إال
بالنظر الواعي يف القرآن والسنة ،فهام دون غريمها قد حفظا لنا تسلسل اإلسناد اإليامين الرشعي
يف الشعوب كام حفظا لنا خطورة االنحراف اإلنساين وما ترتب عليه من استتباع للشيطان
وفتنته يف احلياة.
�ول األَم ِ
�د ُم ْعت ََم�دَ الت َّْوثِ ِ
ي�ق ُط َ ِ
محمد ي�ن المصطف�ى ِ
َ فصار د ُ
َ
الحديث في ِ
الف َر ْق ِ بما أتى عن َ�ار ك َُّل ُمنْ َط َل ْ
�ق وض َب َ
َ
المخْ ت ُ
�ط ُ
يشري الناظم إىل الضابط الرشعي يف فقه التحوالت العاملية بني األمم والشعوب وهو أن
دين املصطفى حممد صىل اهلل عليه وآله وسلم ومصادره املوثقة مها الضابط الرشعي لقراءة
التاريخ مربوطا بالديانات ،وال عربة يف هذه املعرفة باملصادر التارخيية الوضعية ذات العالقة
ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ) .
يشري الناظم إىل اختالف مرحلة الرسالة اخلامتة النبوية عن بقية الرساالت السابقة يف تاريخ األمم،
وأن هذا االختالف يف املرشوع جزء من فقه لتحوالت املبينة عظمة وظيفة الرسالة اخلامتة.
فمن أهم ما يبني ذلك :أخذ احلق سبحانه وتعاىل امليثاق عىل مجيع األنبياء والرسل أن من أدرك
ويؤكد هذا األمر ما ذكره ابن سيد الناس يف «عيون األثر» :قال ابن إسحاق املطلبي :وكان اهلل
تبارك وتعاىل قد أخذ امليثاق عىل كل نبي يعيشه من قبله باإليامن به والتصديق له ،والنرص له عىل
من خالفه ،وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إىل كل من آمن هبم وصدقهم ،فأدوا من ذلك ما كان عليهم
من احلق فيه ،يقول اهلل تعاىل ملحمد صىل اهلل عليه وآله وسلم يف سورة آل عمران( :ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ -أي :ثقل ما محلتم من عهدي -ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ) فأخذ اهلل ميثاق النبيني مجيعا بالتصديق له والنرص له ممن
خالفهَ ،
وأ َّدوا ذلك إىل من آمن هبم وصدقهم من أهل هذين الكتابني.اهـ.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 46 التليد والطارف
وقد أثبت النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم عاملية دعوته اخلامتة وموقفه صىل اهلل عليه وآله وسلم
املتميز يف جمموع الرساالت ،فعن جابر بن عبداهلل قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم :
«وكان النبي يبعث إىل قومه خاصة وبعثت إىل الناس كافة» متفق عليه ،وروى البخاري بسنده إىل أيب
الدرداء قال فذكر احلديث ،وفيه قوله صىل اهلل عليه وآله وسلم « :يا أهيا الناس إين رسول اهلل إليكم
مجيعا» ،وروى جابر بن عبداهلل األنصاري قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم « :كان كل
نبي يبعث إىل قومه خاصة وبعثت إىل كل أمحر وأسود» رواه أمحد يف مسنده.
يسمع
ُ ٍ
حممد بيده ..ال نفس
وعن أيب هريرة عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم قال« :والذي ُ
ِ
أصحاب يؤمن بالذي ُأ ْر ِس ْل ُت به إال كان من
ْ يموت ومل
ُ هيودي وال نرصاينٌّ ثم
ٌّ ِ
األمة يب أحدٌ من هذه
وعن ابن عباس ريض اهلل عنهام قال :فذكر احلديث ،وقال ملحمد صىل اهلل عليه وآله وسلم :
حي ًا ومل
أدركت ّ
ُ وعن احلسن ريض اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم « :من
ِ
خي�ر ِ ِ ِ
جيل وف�ي ال َّز ُب�ور َعه�دُ واإلنجيل َّ�وراة َقدْ َج َ
اء ف�ي الت
والم َثانِ�ي
َ اح�ب ال ُق ْ�ر ِ
آن ُ وص َ الم ْص َط َف�ى ال َي َمانِي
النبي ُ
ِّ َع ْه�دُ
التغيي�ر والت َب�دُّ ِل
ِ وم ْل َح َ
�ظ َ َح�و ِل
َان ه�ذا َأ ّو َل الت ّ
َف�ك َ
اإليم�ان
ُ جزي�ر ًة يحي�ا به�ا هب�ان
ُ والر األحب�ار إ ْذ َق ِ
�د َم
ُّ ُ
ف�كان ه�ذا م ِ
وقف� ًا ُمالئم�ا َ َ َ ألنّه�م َق�دْ َعر ُف�وا ال َع َ
الئم�ا
يشري الناظم إىل أن فق َه التحوالت يربز من خالل ما قد ذكرته كتب السامء األوىل حول
وأن هذه املعلومات الواردة يف الكتب الساموية كانت سبب ًا يف
مسألة ظهور خري الربية ﷺّ ،
قرارات ومواقف اختذها البعض آنذاك هبذا الشأن ،ومن ذلك كثرة نزوحهم إىل جزيرة العرب
ُ
وأصل هذا التحول ما جاء يف الكتب الساموية السابقة تحَ ُّسب ًا لظهور مرحلة َنبِ ِّي ِ
آخ ِر ّ
الزمان،
والزبور ،ومن هذه اإلشارات والبشارات جاءت ُسنن املواقف لدى
كال َّتوراة واإلنجيل ّ
األحبار والرهبان وغريهم من علامء اليهود والنصارى امللتزمني بالكتب الساموية وإشاراهتا.
وضلال َظ ِ
اه ِر ٍ م�ن ِ
بع�د ٍ
كف�ر ابتع�اث ال َّط ِ
اهر ُ �ة ِ
الله ِمن حج ِ
ْ ُ َّ
بالح�ق وم ٍ
ؤم�ن �ن ك ٍ ِ أن َي ِمي َز بي�ن الخَ ِ �ن َأ ْج ِ ِ
ِّ َاف�ر ُ م ْ لق �ل ْ م ْ
َّ�دت حكمتَ� ُه الس�ديد ْة
ق�د أك ْ ٌ
مواق�ف َعدي�د ْة �رتوك�م َج ْ
ِ
الت َْحكي�م وق ِ
�ف كم ِ
َاح الخَ َط ْر الم ْو ِق َ
ف وا ْنز َ إِ ْذ َح َس َم َ
َ
الح َج ْ�ر
َ َر ْف� ِع فِ�ي
ُ
تعميق عرى الناس يشري الناظم إىل ما برز من حتوالت خاصة سبقت مرحلة الوحي كان هبا
بحب الناس وثقتهم فيه وحديثهم
بمراد اهلل يف نبيه ﷺ ،وكيف كان عليه الصالة والسالم يتمتع ِّ
والعون حتى برز يف املحيط َع َل ًام ومثا ً
ال لدى عنه وخوفهم عليه ،وما أجرى اهلل من رس احلفظ َ
شباب َم َّك َة وقدو ًة حتى َّ
سم ْو ُه األمنيَ الصادق ،وهو لدى عقالء القوم ِ أشباهه وأمثاله من
رجع إىل رأيه ويؤخذ بكالمه ،كام هو يف موقف التحكيم ،وقد ذكرت وع ٌ
دل ُي َ كم َ
ووجهائهم َح ٌ
بعض كتب السري أن يف ذلك اليوم الذي أمجع فيه القوم عىل حتكيم رسول اهلل صىل اهلل عليه
وآله وسلم برز هلم الشيطان يف صورة شيخ نجدي ينهاهم عن اتباعهم حلكم رسول اهلل صىل
اهلل عليه وآله وسلم ويعريهم أن يكون عقالؤهم وحكامؤهم ينزلون لرأي شاب صغري السن
فيهم ،ويف هذا املوقف إشارة إىل أن إبليس كان أيضا يرقب أمر ظهور رسول اهلل صىل اهلل عليه
وآله وسلم وخيذل الناس عن األخذ برأيه واتباعه.
ريض اهلل تعاىل عنها مع رسول اهلل ﷺ من مواقف هامة َشدت من عزمهّ ،
وقوت من موقفه مع
بروز هذه التحوالت.
يشري الناظم إىل أن املرحلة الثانية يف فقه التحول بنـزول الوحي وبعد أن أدرك رسول اهلل ﷺ
بمؤازرة زوجته خدجية ريض اهلل عنها وبام سمعه من ورقة بن
َ عظمة ما ُأويت وبرز موقعه جلي ًا
نوفل ،بدأ القرآن حيدُ ْو ُه إىل اختاذ مواقف الربوز والظهور واالنطالق (ﭑ ﭒ)((((،ﮬ
ِ
لنـزول جربيل يتله ُف
ﮭ) ((( ،حتى استقام األمر لدى رسول اهلل ﷺ وتعزز موقفه وصار ّ
وسامع الوحي الرشيف وحيزَ ُن ُّ
لتأخره وبطئه عليه.
((( املزمل.1:
((( املدثر.1:
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 52 التليد والطارف
ُّالت مَ ا بَعد ن ُ ِ
زول الوَحي تَحو ُ
الس ِديدْ
بالوح ِي ّ
ْ َم َ
عاقل اإلسال ِم ي�ن َحق ًا و ُي ِش�يدْ
ي�م َه�ذا الدّ َ
ِ
ُيق ُ
يشري الناظم إىل حصول حتوالت جديدة يف الواقع املعاش مع بروز الرسول ﷺ بدعوته
اخليـرة ،حيث رأى املرشكون حتو ً
ال جديد ًا يف حياة املصطفى فاختذوا موقف ًا سلبي ًا يتالءم مع
الكفر والكفار ،فحاربوا دعوته علن ًا وأثاروا ضده وضدّ ما جاء به كل يشء يف واقع مكة ،وما
حوهلا ،ومع هذا املوقف السلبي فقد َش َعر رسول اهلل ﷺ بثقل األمر الذي جاء به وخطورة
ودينِه
موقف الكفار منه ومن الدعوة ،فألزم عليه الصالة والسالم نفسه موقف ًا يتالءم مع ُخ ُل ِقه ِ
والعدَ ا لِ ْم ُي ْم ِه ُلوا
َضعفين ِ
َ
في المست ِ
ُ ْ
ّلم�ا ر َأى َطـ�ه األ َذى يس� َت ْف ِ
ح ُل َْ َ َ
َاص ُ�روا أح ْب ٍ
�اش َعس�ى ُين َ ِ
ألرض َ �ار لألتب�ا ِع َأ ْن ُي َه ِ
اج ُ�روا َأ َش َ
م�ع الذي�ن َو َف�دُ وا م�ن َخ ِ
ي�ر َف ْج �ج و َع َق�دَ ال ُعه�و َد ف�ي أ ّي�ا ِم َح ْ
ِ ِ ِم�ن ِ
م�ن َعاه�دوا َطـ�ه بب�ذل ُ
الم َه�جِ األوس كَ�ذا والخزرجِ فتي�ة ْ
والص�دُّ ِض�دَّ َد ْعوتِ� ْه
زَا َد األَ َذى َ �ه وزَوجتِ� ْه �وت عم ِ
َ ِّ
وبع�دَ م ِ
َ َ
الس�ما لِيصع�دَ المخْ ت ِ ِ َفج ِ
اج َّ َ�ار م ْع َ�ر َ
ُ ُ ْ َ �ما الس َ
�اءت الدّ َع�و ُة م ْن َر ِّب َّ َ َ
�ر َحا وص�دْ ُر ُه ُم ْبت َِه َج� ًا ُمن َْش َِ ور ًا بِ َم�ا َق�دْ ُمن ِ َح�ا
و َع�ا َد َم ْس ُ�ر َ
فك ََّذب�وه واس�تْخَ ُّفوا َش ِ َ
�اهدَ ه َ ُ ُ وأ ْخ َب َ�ر ال َق�و َم بِ َم�ا َق�دْ َش َ
�اهدَ ْه
((( بل يعد اإلرساء واملعرج حتوال هاما يف تاريخ الرسالة املحمدية كلها ،فوقائع الرحلة عىل ظاهر األرض بني
مكة وبيت املقدس تكشف رس حتدي احلق للعقالء من مرشكي قريش والعرب ،كام يكشف رس الرحلة
من بيت املقدس إىل عامل الساموات العىل وما فوقها مدى استيعاب املسلمني عطاء اهلل األبدي لنبيه حممد
صىل اهلل عليه وآله وسلم بام يتجاوز حدود الزمان واملكان واإلمكان ،وهلذا نجد الصديق ريض اهلل عنه
ساعة سؤاله عن اإلرساء والتصديق بام قاله صىل اهلل عليه وآله وسلم يقول :إن قال ذلك فقد صدق،
واستدل بام قد أجراه اهلل لنبيه صىل اهلل عليه وآله وسلم من ارتباط بعامل السامء ونزول جربيل عليه فقال:
وكيف ال نصدقه وهو الذي يأتيه جربيل بخرب السامء يف اليوم والليلة؟
لقد كانت قصة اإلرساء واملعراج حتوال كبريا يف مستوى ثقافات الشعوب كلها ،وحتديا خطريا ملجريات
املألوف واستعدادات العقل اإلنساين املجرد ،وهلذا فإن قراءة وقائعها بتأن ومتعن بدءا باآليات القرآنية
املعربة عن هذا احلدث ومرورا باألحاديث الرشيفة احلاملة رس الوقائع التي شهدها رسول اهلل صىل اهلل
عليه وآله وسلم يف رحلته الكربى يف العاملني الدنيوي واألخروي ،وما تيرس له من خرق العادة يف صور
شتى بدءا بالرباق وحركته ومرورا بالتقائه مع األنبياء والرسل واملالئكة يف بيت املقدس ،وهناية بعروجه
من سامء إىل سامء وااللتقاء يف كل سامء ببعض األنبياء والرسل ورؤية اجلنة والنار وسدرة املنتهى واخرتاق
احلجب حتى املقام األعىل ،الذي عرب عنه سبحانه بقوله( :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ) [النجم.]11-8 :
كل هذا ينقل املفهوم العقيل النظري إىل حالة من الذهول واالستغراب عند التفكر ،وال خمرج وال مناص
من هذا الذهول إال بالتسليم وإسقاط كافة التصورات الذهنية العقالنية ليندرج العقل والقلب يف بحر
من االطمئنان والتسليم ،وينتقل الوعي إىل قبول ما ال يقبل وتصديق ما ال يصدق ومعرفة ما ال يعرف،
كحالة إيامنية ترفع مستوى العقل ذاته إىل جتريد األسباب املدركة ،والغوص يف عمق احلقيقة التي أوجدت
اإلنسان من العدم ،وأبرزت فيه رس العلم والقلم ،فسبحانه جل وعال ..علم اإلنسان ما مل يعلم .
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 56 التليد والطارف
ف.. الهجْ َر ُة ..تَحو ٌ
َّالت ومَ واقِ ُ ِ
يب�ة المن ِ
ّ�ة لطِ ِ
ِم�ن مك ٍ ِ
َاص َ�ر ْة ُ ْ َ �اء َأ ْم ُ�ر الل�ه ُ
بالمغَ�ا َدر ْة وج ََ
َحتَّى َف َش�ا َأ ْم ُر الخُ ُ�روجِ األَ ْك َب ِر �ذ ِر
وح َ ِ ٍ ِ
اج ُ�روا ف�ي خ ْفي�ة َ َف َه َ
ب كَ�ذا َو َل�دْ ي�ن ُأ ٍّم َ
وأ ٍ م�ا َب َ ُّف�ار إِ ْخ ُ
لاء ال َب َل�دْ �ق الك َ َ
وأ ْق َل َ
ِ
الفتن�ة رأس فاجتَمع�وا فِي ال�دَّ ِار د ِار النَّدْ ِ
إبلي�س ُ
ُ اءه�م
ْ وج
َ وة َ ْ َ ُ
َاس �ه ِم ْن َخ ِ
ي�ر ن ْ
ألنّه�م فِي رأيِ ِ
َ باس ٍ
هل ن َْج�د في ال ِّل ْ كَأنّ� ُه ِم ْن َأ ِ
َع ْو ُد الجمي ِع َ
نحو طه المرسلا فالمخرج الس�ليم فيما َأ ْش�كَال
ُ
ِ
تضلي�ل ٍ
تزيي�ف وال م�ن غي�ر ِ
التأصيل والغ�وص في مرحل�ة
ُ
وكل م�ا ق�د ص�ح م�ن أقوالِ ِ
�ه ِّ فالح�ق فيم�ا كان م�ن أفعالِ ِ
�ه ُّ
َ َّ
يشري الناظم يف هذه اخلالصة إىل أمهية دراسة املرحلة املكية وما تفردت به من املواقف
والعظات والعرب إذا تأملنا سرية املصطفى صىل اهلل عليه وآله وسلم مع أبتاعه ومع معارضيه،
وما متيز به صىل اهلل عليه وآله وسلم من األخالق العالية التي أهلمه اهلل إياها أمام طغيان قريش
واألعراب وهم يملكون قرار احلكم واالستقرار يف مكة وما حوهلا ،وكيف عاملهم صىل اهلل
عليه وآله وسلم باحلكمة واملوعظة احلسنة وطويل الصرب والتحمل حتى استجلب العديد من
الكفار إىل اإلسالم ،وإىل أن يف هذه املواقف واألخالق مدرسة مستمرة النفع وإلفادة املسلمني
األوس واخلزرج» يف وحدة جديدة حتمل مسمى (األنصار) وما يف هذا املوقف اجلديد من ُّ
حتول
هام يف شأن العالقات االجتامعية وخروج الفريقني من قاموس األلفاظ القديم الذي كان سبب ًا يف
إثارة الرصاع والنـزاع ومن خلفه اليهود إىل قاموس تعبريي جديد حيمل تفاؤ ً
ال جديد ًا بمسمى
األنصار.
ِ
املعاجلات ك ِّلها عرب ُ
موقف املؤاخاة الذي َس َبق به رسول اهلل ﷺ الزمن واختزل مساحة ثم
أعظم التأثري يف وحدة الشعب بعمومه ،ومتييز مجاعة اإلسالم
ُ التاريخ ،فقد كان هلذا املوقف
عن غريهم وبموقف سيايس وعسكري واجتامعي متميز جتاوز احلاجة للتخطيط والدراسة
وامليزانيات وجدولة التنفيذ.
فالقرار احلاسم يف املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار القائم عىل معاين احلب والرمحة والسالم
واألخوة يف اهلل َم َّك َن الدولة ال َفتِ َّي َة من ضامن االستقرار واالستمرار ِّ
بأقل التكاليف وأفضل
ت املؤاخا ُة ُأ ُك َلها يف حينها ،كنموذج َ
عميل لإلصالحات الرضورية يف عالقات الوسائل ،وآ َت ِ
يقصد بالقراءة اجلديدة عمق النظر يف املرحلة املدنية التي طرأ فيها حتول كبري وهام من
حيثيات عدة ،أبرزت َل ّف ًا من مواقف رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وجديد علمه وعظيم
رسالته ومسؤوليته ،ما يؤكد حقيقة ما قد قيل :إهنا مرحلة ترسيخ ثوابت األمة إىل يوم الدين،
فلن يأيت أحد بعده بجديد ،ولن يبلغ عقل مهام أويت من امللكات مبلغ صاحب الوعي السديد
والوحي األكيد.
فالرسول صىل اهلل عليه وآله وسلم غرس البذرة ورعاها وحدد أسباب نجاحها وعوامل
فسادها من داخل املدينة املباركة ،فالذين كتب اهلل هلم السالمة واألمان يف الدارين جرت هلم
أسباب التوفيق منذ باكورة هذه املرحلة ،والذين كتب اهلل عليهم الشقوة والتحريش واإلرجاف
وحتمل مسؤولية االنحراف ومدراسه عرب التاريخ الالحق برزوا عىل صفة النفاق والفسوق
والرتدد والفساد منذ تلك املرحلة.
فكانت تلك املرحلة هي البوصلة التارخيية املحددة وجهة املجتمعات واجلامعات بدءا من
رجال النرصة :األنصار واملهاجرين ،وهناية بيأجوج ومأجوج وعساكر الدجل والدجاجلة،
إىل ساعة النفخ يف الصور.
ومن أجل إيضاح هذه الصورة املتحركة عرب األمكنة واألزمنة فقد رفع النبي صىل اهلل
عليه وآله وسلم مستوى االستعداد لفقه التحوالت بني أصحابه منذ بسطه مادة هذا العلم
يشري الناظم إىل أننا إذا رفعنا السبابة والوسطى إىل الشكل الرأيس فسيت ََبـينَّ ُ َمن املَعنِ ُّي
يف قوله« :كهاتني» َر ْس ًام بـياني ًا ملا بقي من ُع ُمر الدنيا الذي ال يتجاوز األنملة الوسطى أمام
السبابة ،وأما «وقع الفتن» أي :إن رأس األصبع أعاله ،فالفتن يف َع ّ
لو مع هناية الزمان.
وضع ُأ ُف ٍ
قي فإننا نفهم من قوله :كهاتني املجاور َة يف ٍ وإذا ما وضعنا السباب َة والوسطى يف
املكان واملالحق َة يف الزمان.
أن عالمات الساعة تظهر وتشتد ويعلو خطرها يف املكان الذي َنـزَ َل
واملقصود «باملكان» ّ
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،ومسلم يف صحيحه ،والطرباين عن أنس ،وأمحد يف مسنده.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 66 التليد والطارف
رشها ِ
وخدَ اعها يربز مالحق ًا وإبراز ِّ
َ فيه القرآن وليس بعيد ًا عنها ،كام ّ
أن مالحقة العالمات
للمكان يف كل زمان وعرص ومرحلة ،من مدلول «أنـا» أي من حيث أقامه اهلل وأقام املدافعني
عن ذاته وصفاته وأخالقه ومواقفه باالنطواء فيه ،وليس يف النصوص وحدها ،فاملوقع املبارك
ٍ
خطرية َ
مواقف وحتوالتٍ الذي ُولِدَ فيه ﷺ واملوطن الذي هاجر إليه أن يشهد من هذا املعنى
يف العالقة بالذات النبو ّية والعالقة بالعالمات والعالقة بالنصوص(((.
يشري الناظم إىل خطورة التحوالت املكانية والزمانية يف ذات املوقع املبارك ،وأهنا طوع ًا
أو كره ًا ستكون موقع ًا ومرسح ًا للخداع يف الدِّ ين والدنيا ،فإذا علمت ذلك فافهم واصمت
وتابع مدلول التحول منذ بدايته ،حيث قال:
َ�ر �ط ُم ٍ
�واز ُي ْذك ُ س�ير ف�ي َخ ٍّ
َي ُ فمنذ َع ْص ِر المصطفى والخَ ُ
طر ُ
((( كمثل قوله صىل اهلل عليه وآله وسلم عن مكة « :بئس الشعب جياد» ،قاهلا مرتني أو ثالثا ،قالوا :يارسول
اهلل! قال« :خترج منه الدابة فترصخ رصختني أو ثالث رصخات فيسمعها َمن بني اخلافقني» .رواه يف
«األوسط» بضعف .اهـ عن «مجع الفوائد عىل جممع الزوائد» ص.731
ومثل قوله عن املدينة يف حديث الساعة قال :أرشف النبي عىل أطم من آطام املدينة فقال« :هل ترون
ما أرى؟» قالوا :ال ،قال« :فإين أرى مواقع الفتن خالل بيوتكم كمواقع القطر» املرجع السابق ص.711
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 67 التليد والطارف
بعثت أنا والساعة كهاتني»((( ّ
وأن من معانيه :املرافقة الزمنية واملكانية يشري الناظم إىل مدلول « ُ
َالح ِق األصبعني وتالزمهام ،ولذلك سنجد الز ٌم و َت ُ
الح ٌق كت ُ للتحوالت واملواقف «كهاتني» َت ُ
يف قراءتنا هلذا العلم كيف بدأ التالزم والرتافق مع خطوط التحول داخل اخليمة اإلسالمية
ذاهتا.
تنة أو ِمن ِش ْ
قاق وما جرى ِمن فِ ٍ
ََ س�لوك ذو نِ ْ
ف�اق ُ ِ
األم�ر َف ْم َب ُ
�دأ
يشري الناظم إىل أن مبتدأ األمر يف هذا العلم من حيث ظهور التحول باالنحراف الفكري
يف املدينة داخل اخليمة اإلسالمية يتحدد بمرحلة ظهور اإلسالم يف املدينة املنورة ،وقد أتم اهلل
للنبـي ﷺ األمر باهلجرة واالستقرار بطيبة وبناء املسجد واملؤاخاة بـني املهاجرين واألنصار
الز َخم املبارك برزت نوا ُة املنافقني َّ
كأول ووضع القواعد األوىل لدولة اإلسالم ،ويف هذا َّ
بؤرة فساد داخل اخليمة اإلسالمية ،حيث أظهر العديد منهم اإلسالم واطمأنوا عىل أنفسهم
وأمواهلم وأبنائهم ،ثم بدؤوا من داخل هذا االطمئنان عىل إبراز مكنون صدورهم ،حتى إن
القرآن جعل حيز ًا كبـري ًا للكالم عنهم و َف َض َح مؤامراهتم وأفعاهلم.
يشري الناظم إىل ما كان عليه املنافقون منذ ظهور اإلسالم يف املدينة وهم «رموز اإلفك» أي:
الكذب عىل اهلل ورسوله ،وال شغل هلم غري احليل واملخادعة ،كام أهنم «أولو اإلرجاف» ،وهي
اإلشاعات الكاذبة حيثام نـزلوا وحلوا.
ار ِ
خدمة ال ُك ّف ِ ـموا في ِ يس�تَحوا م�ن َطلع ِ
�اه ُ
بل َس َ المخت�ار �ة َ َْ ُ
يشري الناظم إىل اجلرأة املركبة عند هؤالء الذين مل يتأثروا بطلعة املختار بـينهم ومل يستحوا
من اهلل ،حتى بلغ هبم األمر مبلغه أن يتآمروا مع الكفار ويتحالفوا معهم و ُيربموا االتفاقيات
املبطنة عىل أذى اإلسالم والنيل من رسول اهلل ﷺ.
تكونه التارخيي
ُوح ) من جذوره وبدء ّ يشري الناظم أن فقه التحوالت يكشف مواقع ( ُ
اجلن ِ
فأول هذه املدارس املحاربة لإلسالم والعاملة عىل تقويض قواعده يف املرحلتني املكية واملدنية
خلصت فيام ييل:
( )1مدرسة األوثان العربية
وهي مدارس اجلاهلية التي أزاهلا اإلسالم ّ
وحطم رموزها
وب ُأ ِّص َل ْ
ت ونفِي ُّ
الش ُع ِ َع ْب َـرال ُق ُر ِ �رك التِي تَس ْل َس َل ْ
ت الش ِ
َمدْ رس ُة ِّ
حم ِ
ـ�ن ور ْف ُض َه�ا َش�ري َع َة َّ
الر َ َ األَو َث ِ
�ان ِعب�ا َد ُة ِش� َع ُار َها
مدرسة الرشك التارخيية التي َع َر َفها اإلنسان ووضع هلا األصول الوضعية كعبادة األوثان
واالستقسام باألزالم وما شاكلها ،وقد كان هلا يف العرص اجلاهيل مقام ومظهر ،وهي املدرسة
التي أبت الرشيع َة احلقَّ التي جاء هبا سيد اخللق عليه الصالة والسالم ،ومل تلتزم هلذه الثوابت
بدء ًا بمفهوم التوحيد وسالمة العقيدة ،وهناي ًة بالترشيعات والقوانني.
قال يف تاريخ اخلميس صُّ :15
أول ما كانت عبادة األصنام (األحجار) يف بني إسامعيل
(( ( املدارس مجع مدرسة ..واملقصود هبا (الرؤية) أو (الفكرة) التي جتمع أكثر من عنرص وذات ،تتفق آراؤهم
ووجهات نظرهم ،ويكون هلا أتباع يتحالفون عىل أم ٍر ما ومصالح مشرتكة سلب ًا أو إجياب ًا ،وتكون هلم
مواقف من املرحلة وظواهرها ..وقد ملـح النبي ﷺ يف أحاديثه إىل مفهوم الكتلة التي تعنيها مدارس
اجلنوح ،واجتناب النبي ﷺ التصادم مع جمموعتهم يف قوله« :إِنَّ ِم ْن َو َرائِ ِه َأ ْص َحا َب ًا» ،ويف العبارة داللة
ُ
عىل أن والءهم خمالف للوالء الذي عليه أصحاب رسول اهلل ﷺ.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 70 التليد والطارف
ظاعن منهم حتى ضاقت عليهم والتمسوا الفتح يف البالد إلاَّ محلوا
ٌ ألنه كان ال يظعن يف مكة
معه حجر ًا من حجرات احلرم تعظي ًام للحرم ،فحينام نزلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة
حتى اشتهر ذلك فيهم إىل أن صاروا يعبدون ما استحسنوا من احلجارة حتى خلفت اخللوف
ونسوا ما كانوا عليه فعبدوا األوثان ،ومنهم من بقى عىل بقايا من عهد إبراهيم مع إدخاهلم
فيه ما ليس منه ،وكان الذين اختذوا األصنام من ولد إسامعيل وغريهم وفارقوا دين إبراهيم
وإسامعيل عليهام السالم.
ُ
فهذيل بن مدرك َة بن إلياس بن مرض اختذوا (سواعا) فكان هلم بأرض (رهاط).
وكلب بن مره من قضاعة اختذوا (و ّدا) بدُ ِ
ومة َ
اجلندل.
وأنعم من طي وأهل جرش من مذحج اختذوا (يغوث) بجرش.
وجويان بطن من مهدان اختذوا (يعوق) بأرض مهدان من اليمن.
وذو الكالع من محري اختذوا (نرسا) بأرض محري.
وقريش اختذت صن ًام عىل بئر جوف الكعبة يقال له ُ
(ه َبل).
واختذوا (أسافا) و (نائله) يف موضع زمزم ينحرون عندمها.
وكان أساف ونائله رج ً
ال وامرأة من ُجرهم فوقع أساف عىل نائله يف الكعبة فمسخهام اهلل
حجرين.
وكانت (الالت) لثقيف بالطائف هدمها املغرية بن شعبة بأمر رسول اهلل ﷺ يف السنة
التاسعة من اهلجرة.
وكانت (مناة) لألوس واخلزرج ومن دان بدينهم من أهل يثرب عىل البحر (بقديد) بعث
هلا النبي ﷺ سعد بن زيد األشهيل فكرسها.
(العزى) صن ًام لقريش ومجيع بني كنانة وكانت أعظم أصنامهم ،بعث النبي ﷺ هلا
َّ وكانت
(( ( ذو اخللصة صنم لدوس بلد أيب هريرة الدويس ،وهي اآلن تسمى أهبا باململكة العربية السعودية.
(( ( رواه مسلم يف صحيحه وأمحد يف مسنده من حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 72 التليد والطارف
أرشاف بني كنانة ،قال :أنا جار لكم ِمن أن تأتيكم كنانة من خلفكم بيشء تكرهو َن ُه ،كام تبدى
وأن (
مرة أخرى واملرشكون يف طريقهم إىل بدر يعدهم أن بني كنانة وراءه قد أقبلوا لنرصهم ْ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ) ،والثالثة ملا اهنزمت قريش ( ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ) ((( .اهـ((( .
إن حممد ًا قد وظهر أيض ًا يف غزوة أحد ملا انكشف املسلمون يف صورة أحد الصحابة قائ ً
الَّ :
ُقتل ،ممّا َف َّت يف عضد املسلمني وزادهم قلق ًا وخوف ًا.
ومل ِ
تنته آثار مدرسة األوثان انتها ًء تاما إلاَّ بعد الفتح ملكة وحتطيم األصنام التي كانت يف
وحينها (((
الكعبة ،ونزول قوله تعاىل( :ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ )
سقطت رايات األوثان واستسلم غالب أتباعها وصمت آخرون وانتكست حظوظهم وصاروا
بعد ذلك يعملون يف حذر وصمت وخوف.
(( ( رواه البخاري يف صحيحه وأبو داود يف سننه وأمحد يف مسنده عن أيب هريرة ريض اهلل عنه.
(( ( أخرجه البخاري ،انظر «الفتح» ( )613 :6ومسلم ( )462 :2من حديث أيب سعيد اخلدري ريض اهلل
عنه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 74 التليد والطارف
مدرسة األعراب الذين وصفهم يف القرآن (ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ) ((( ،وهي مدرسة بقيت ُ
آثارها ومظاهرها اجلاهلية يف حياة األمة
عرب التاريخ إىل اليوم ،ومن أخطر مظاهرها التي حارهبا اإلسالم:
-1الثأر والغارات احلربية.
التعصب العرقي.
ُّ -2
-3عدم توريث النساء.
-4االعتقاد يف الظواهر (الكهانة /التنجيم /السحر) وغريها.
-5القتل من أجل املال.
اجلاهلية.
ّ احلمية
ّ -6
وأد البنات.
ُ -7
-8مبادلة الزوجات.
-9عدم االستئذان عند الدخول.
-10الطواف بالبيت مع العري.
الربا.
-11معامالت ِّ
وتتداخل بعض هذه املظاهر مع مدرسة األوثان العربية الحتاد الرؤية بينهام يف شأن العقيدة
يف األوثان ومتعلقاهتا ،ومن أعامل هذه املدرسة البدوية ما قامت به َذ ْكوان ورعل الذين أخذوا
يعقبهم ِ
وجي َء هبم فأمر النبي ﷺ إبل الصدقة وقتلوا الراعي فأرسل إليهم الرسول ﷺ من ُ
احل َّر ِة َي ْست َْس ُقون فال ُي ْس َق ْون حتى ماتوا وأنزل بتقطيع أيدهيم وأرجلهم من ِخالف ُ
ور ُموا يف َ
اهلل فيهم (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ) ((( .
ومن سوء أعامل مدرسة األعراب طل ُبهم ُ
الق َّرا َء من رسول اهلل ﷺ بعد أن أسلموا ومكثوا
يف املدينة أيام ًا فأرسل الرسول عدد ًا من الصحابة معهم منهم عاصم بن ثابت وزيد بن الدثنة
فلام كانوا ببعض الطريق قاتلهم املرشكون فقت ُلوا من ق َت ُلوا وأسرَ وا منهم من أرسوا ومنهم
زيد بن الدثنة ،ومحت الذبر((( ج َّث َة عاصم ألنه أقسم عىل اهلل أال يمس جلده مرشك ،فلم يقدر
املرشكون أن يصلوا إليه حتى حل الليل ،فبعث اهلل السيول فحملته ومل متس جلدَ ه يدُ ِ
مرشك.
دارس النِّفاق ُمنذ استقرار الرسول ﷺ باملدينة املنورة كظاهرة من ظواهر املنافسة
ُ برزت َم
ْ
ـفية مع إعالهنم شأن اإلسالم بألسنتهم والعمل عىل عكس ذلك يف بواطنهم، واملعارضة َ
اخل ّ
وهم نامذج متعددة ،قال اهلل تعاىل فيهم ( :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ) ((( ،فالبد أن ُنتابع و ُنالحق هذه املظاهر لنرى ُس َّنة املواقف التي
كان رسول اهلل ﷺ ُ
يتخذها معهم.
باختِ ِ
�راق ب اإلسلا ِم ْ ف�ي َي ْث ِ
�ر ِ �اق�ف النِّ َف ِ َت م ِ
واق ُ َـم َّيـ�ز ْ َ ت َ
ِ ِ
ال�كات ُح َّر َدااله وفي النُّ ُف ِ
�وس َ �و َم كان�وا ُح َّق�دا تُفي�دُ َأ ّن ال َق ْ
ي�ن ب�ك ُِّل ِحي َل ِ
�ة داخ�ل الدِّ ِ
ِ ِم�ن ُ�و ِر الم َّل ِة ِ
إجهاض ن ْ ون في َي ْس� َع َ
أشار الناظم إىل الدور املتميز الذي يقوم به املنافقون يف املدينة وهو االخرتاق للواقع
النبوي ،والتعرف عىل دقائِ ِق ُس ِ
لوكه ومواقفه ،مما يؤكد حقدَ هم َّ
الطبعي وحردهم النفعي،
وسعيهم الدؤوب يف «إجهاض نور» اإلسالم باإلرجاف والدعايات واألكاذيب ،وهم نامذج
وأنواع ومنهم:
( )1املدرسة السلولية
�و ْل ِ ِ ُم ِ ابن َس ُل ْ ورأس هذا ِ
عار َض� ًا ل�ك ُِّل َآم�ال َّ
الر ُس ْ ول األمر كَان َ ُ
ابن ُأبيَ ٍّ عىل رسول اهلل ﷺ ،وأخذ يعمل عىل اإلرجاف رسول اهلل باإلسالم ظهور ًا ب ِّين ًاَ ،
فح َقدَ ُ
واألذى يف مواقف عديدة استفاض ذكرها يف القرآن والسنة ،ويبدو أن إسالمه كان لتأمني
نفسه وماله ،وهلذا رصد املسلمون كثري ًا من مالبسات سلوكه النفاقية.
كان عبداهلل بن ُأ َبـي يرسخ مبدأ «املواطنة» وهو من مبادئ النفاق ،وإىل هذا املبدأ أشار
القرآن يف سور املنافقني (ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ) (((.
ِ
األرزاق ذات الي ِ
�د ف�ي ي�ق ِ ِ
وض ِ إل ِ
نف�اق �ح ِة ا ِ ِِ
َ كَم�ا َد َع�ا لش َّ
كام أن من مبادئه النِّفاقية فرض احلصار االقتصادي عىل املسلمني املهاجرين ،ومنع التغذية
((( هو عبداهلل بن أيب بن احلارث بن عبيد املشهور بابن سلول ،وهي امرأة من خزاعة ،وهو ابن خالة أيب
عامر الفاسق اخلزرجي ،وقد أسلم من اخلزرج عند وفاة عبداهلل بن أيب وتأثرهم بام رأوا من فعل النبي من
إلباسه قميصه وصالته عليه ألف رجل .ذكره «تاريخ اخلميس» ص.141
((( املنافقون.8 :
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 78 التليد والطارف
عنهم ،ظن ًا منه بأن هذا سيساعد عىل انفكاكهم عن رسول اهلل ﷺ ،وقد وصف اهلل هذا املبدأ يف
سورة املنافقون يف قوله تعاىل( :ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ) (((.
ف َب ْع�دَ ذا ال ُب�دّ َأ ْن َي ْع ِق َ�ركَا وقال -فيما قالَ :-س ِّم ْن كَل َبكَا
وهذه مقولة تروى عن عبداهلل بن ُأ َبـي ملا بلغه أن أحد املهاجرين تكلم يف شأن بعض
كلب َك َي ْع ِق ْر َك.
األنصار ،فقالَ :س ِّمن ْ
ويف هذا داللة عىل حقد املذكور عىل أصحاب رسول اهلل ﷺ وحن َِقه عىل إنفاق األنصار
عليهم وإعطائهم ما ال يستحقون كام يعتقد.
(((يشري الناظم إىل نموذج آخر من نامذج سلوكهم وهو اإلرجاف واإلشاعة واالستهزاء
ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ) ّ
بأن املنافقني خرجوا مع رسول اهلل ﷺ يف غزوة ،وكانوا يسريون خلف
جيش رسول اهلل ويضحكون ويستهزئون ،ويقول قائلهم :إن حممد ًا س ُيهزَ م وسيك ِّب ُله بنو األصفر
فطوقهم رسول اهلل ِ
باحلبال هو وأصحابه ،فنـزل جربيل عىل رسول اهلل وأخربه بشأن سخريتهمَّ ،
خوض و َن ُ
لعب، ُ قلت كذا؟» ،فقالوا :إ َّنام ُك َّنا َن قلت َكذا َ
وأنت َ أنت َ
باجليش ،وقال لكل منهمَ « :
يشري الناظم إىل موقف املنافقني يف غزوة األحزاب ومشاهبة أحواهلم حيث تواطئوا مع
اليهود واملرشكني عىل تتبع أخبار النبـي ﷺ وأصحابه واإلرجاف داخل املدينة.
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ) .
ِ
َش�ن ُ
ْآن وحا ُل ُه ْ
�م َ �م
رار ُه ْ
ف ُ �م كم�ا تَلا ال ُق ْ�ر ُ
آن و َق ْصدُ ُه ْ
يشري الناظم إىل ثمرات العمل وهي النيات ،فقد كانت نياهتم حال اعتذارهم الفشل
والرجوع والفرار ،وقوله« :وحاهلم شنآن» أي :حال باطنهم العداوة.
المآثِ� ِم
َ
�ه بِتُهم ِ
�ة ْ َ
فِ�ي َأهلِ ِ
ْ
اش ِ
�م ْي لي ْض ِع ُف�وا دور النبـي اله ِ
ِّ َ ََْ ُ
�راء ِة ِ
األخب�ار بالق َ َ ُ�ر ِّد ُد
ت َ
ِ
بالب�راءة ِ
اآلي ُ
نـ�زول َل�وال
سات وم ْ والخُ بثاء ح ُّظهم في الم ِ �ون دائم� ًا لل َّط ِّي ْ
ب�ات ال َّط ِّي ُب َ
ُ َ ُ َ ُ ْ
ِ ِ �اء ف�ي ال ُق ِ
البي�ان �م ُمم َّي� ُزع�ن ُخ ْبث ِه ْ �رآن وك ُُّل َم�ا َق�دْ َج َ
يشري الناظم إىل تعدد آيِ القرآن يف تناول مكرهم وخداعهم وخزهيم عىل عهد رسول
اهللﷺ ،وأنه َط ٌ
بع ُيت ََو َار ُث وينتقل منهم إىل أشباههم وأمثاهلم ممن حيلو هلم الولوغ يف املقام
النبوي وآل بيته.
فاح َذ َر ْن
ان ْوف يأتي في الز ََّم ِ
َو َس َ أي�ت فاع َل َم ْ
�ن ور َ أي�ت َ
إذا َر َ
إشار ٌة إىل تنبؤات الرسول ﷺ منذ عهده عماَّ يكون يف مستقبل الزمان عىل أيدي مدارس
رأيت...
َ النفاق املتفرعة من مدرسة املدينة ،فيشري عليه الصالة والسالم بام مثاله« :إذا
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 81 التليد والطارف
ورأيت »...وهذه إشار ٌة مبثوثة يف عالمات الساعة وأبواب الفتن من كتب احلديث ،مثل قوله
َ
كاتم العلم يومئذ ككاتم
َ ﷺ« :إذا لعن ِ
آخ ُر هذه األمة َّأو هَلا َف َم ْن كان عنده علم فليظ ِه ْر ُه ،فإنَّ
ما أنـزل عىل حممد» (((.
وإعجاب ِّ
كل ذي رأي برأيه ..فعليك َ وى ُم َّت َبع ًاُ ،
ودنيا ُمؤْ َثرة، رأيت ُش َّح ًا ُمطاع ًا ،وهَ ً
«إذا َ
بخويصة نفسك و َد ْع َك من أمر العوام ...الخ» ((( .فهذه مقوالت نبوية حتدد موقع السلوك
النفاقي يف املجتمع وتضافر قوى الرش عىل ذلك.
َ
ميث�اق ال ُع َ�رى َعالَئ َق� ًا َتن ِْس ُ
�ف إِ ْن ُو ِّس�دَ األَ ْم ُ�ر إِلى الغ ِ
َي�ر ت ََرى
إشار ٌة إىل احلديث الذي ُي ْؤ َث ُر عن األعرابـي السائل عن الساعة فرد عليه ﷺ« :إذا ُض ِّي ِ
عت
األمر إىل غري
ُ األمانة فانتظر الساعة» ،قال :وكيف إضاعتها يا رسول اهلل؟ ،قال« :إذا ُو ِّس َد
أهله»(((.
ويف احلديث إشار ٌة إىل بروز التضافر السلبـي بـني املنافقني والكفار؛ إلجهاض الدِّ ين والتآمر
عليه ،وهو ما ُيسمى بضياع األمانة ،وتكون إضاعتها بتوسيد األمر -أي وضع القرارات -يف
احلكم والعلم وغريها بـيد غري أهله عرب الزمان.
الكافرين
ْ ُث َّم انتهى َّ
للش�ا ِم َي ْر ُجو المسلمين
ْ وس�ا َعدَ ال ُك َّف َار ِضدََّ
ِ ِ ِ ِ
ينل َي ْش َر ُعوا في خدمة ال َبغْي ا َلمش ْ قي�نللمنَاف ْم�و َال ُ�ل األَ َ وأ ْر َس ََ
وهي مدرسة أيب عامر اخلزرجي املشتهر بالفاسق ،كان مهيب ًا يف قومه رّ
وتنص يف اجلاهلية
وأظهر الورع ،وزعم أنه ينتظر النبي املبعوث ،وصار َ
يذ ِّكر الناس بكثري من صفات النبي ﷺ
التي عرفها من التوراة واإلنجيل ،وملا هاجر النبي ﷺ إىل املدينة وصار فيها لإلسالم كلمة
عاملية انتكس أبو عامر وانسلخ من آيات اهلل وأظهر احلقد عىل النبي ﷺ وبارزه بالعداوة
والبغضاء واختذ سبيله إىل املرشكني بمكة الستشارهتم إىل حرب رسول اهلل ﷺ وظل معهم
حتى تم له ما أراد بغزوة أحد التي أصاب املسلمني فيها ما أصاهبم ،ثم انقلب عىل وجهه هائ ًام
يساكن النبي يف املدينة وال يف
َ يف قبائل العرب ُيغْ ِرهيم بقتال النبي ﷺ وأصحابه وأقسم أن ال
غريها ،فلام فتح النبي ﷺ مكة خرج إىل الطائف ،وملا أسلم أه ُلها َّ
فر إىل الشام يستنرص ملك
الروم عىل النبي ﷺ فوعده ومناه ،ومن الشام كتب إىل املنافقني من أنصاره أن يستعدوا ويبنوا
له مسجد ًا؛ ألنه سيأتيهم بجنود قيرص حلرب رسول اهلل وأصحابه َو َن َّف َذ املنافقون مخُ َّط َط أيب
عامر وبنوا املسجد حتت شعار التجمع لعبادة اهلل ((( ولليلة املطرية والبن السبيل واملنقطع ،قال
((( من كتاب «إسالم الصوفية هو احلل» ص ، 38ونعتقد أن قوله( :إسالم الصوفية هو احلل) كعنوان
للكتاب يعرب عن وجهة نظره فيام يتحدث عنه مع أننا نجزم بأن الصوفية جزء من معاجلة شؤون األمة
وليست خالهلا.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 84 التليد والطارف
الشيخ عز الدين مايض(((:
وبالفعل بنوا هذا املسجد وأحكموا بناءه وأنفقوا عليه املبالغ وبعد إمتامه ذهبوا إىل رسول
اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وقالوا :إن بيوتنا قاصية عن مسجدك ويصعب علينا احلضور فيه
ونكره الصالة من غري مجاعةوقد بنينا مسجدا هلذه الغاية وللضعفاء وأهل احلاجة فإن رأيت أن
تصيل فيه لنتيمن ونتربك بالصالة يف موضع صالتك.
قال يف كتاب تاريخ اخلميس :ملّا اختذ بنو عمر بن عوف مسجد قباء فبعثوا للنبي ﷺ أن
يأتيهم فأتاهم فصىل فيه فحسدهم إخوهتم بنو غنم بن عوف ابن غنم وكانوا من منافقي
األنصار ،فقالوا :نبني مسجد ًا ونرسل لرسول اهلل ﷺ فيصيل فيه كام صىل يف مسجد إخواننا
وليصيل فيه أبو عامر الراهب إذا قدم من الشام(((.
ِ ِ الض ِ
�ر إ ْذ كانوا َبال تخطيط ِهم في ِّ
الس ِ �رار َش�اهدٌ َع َل�ى ومس�جدُ ِّ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﮄ ﮅ ) (((.
ِ س الدِّ ِ
َي ْس� َعى ل َط ْم ِ �ل دور المنْه�جِ النِّ َف ِ
اآلفاق ين في اق�ي و َظ َّ َ ْ ُ َ َ
ثا ِ
إل َح ِن في الحكْ� ِم ِ
والعل ِم و َب ِّ الفت ِ
َ�ن ُ�وف ِ بم�ا يث�ار م�ن صن ِ
ُ ُ ُ
إشار ٌة إىل أن سياس َة النفاق واملنافقني القائمة عىل الغش واخلداع والرتبص والفتنة
يشري الناظم إىل أن النفاق اتَّسع عىل عهد صاحب الرسالة حتى صار منهج ًا له سقفه
((( رواه ابن أيب شيبة وابن عساكر عن حذيفة بن اليامن ريض اهلل عنه ،انظر «اإلشاعة يف أرشاط الساعة»
للربزنجي ص.39
((( رواه ابن أيب شيبة عن حذيفة بن اليامن ،املصدر السابق ص.38
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 86 التليد والطارف
الفكري وجتمعه الفئوي مضا ِرع ًا لوجود دعوة رسول اهلل ﷺ عىل شكل معارضة داخلية
ترتصد املواقف وتتحسب الفرص وهتيئ نفسها لالنقضاض؛ ولكن دون ضوضاء وال َج َلبة
وال تصادم أو رصاع مبارش خاصة َو َأ َّن رسول اهلل ﷺ قد امتلك القرار ،وليس من مصلحتهم
إظهار مبادئهم وأفكارهم والوحي ينـزل والكل يف املجتمع املدين مؤيد ملواقف س ِّيد اخللق
عليه الصالة والسالم؛ ولكنهم يف األزمنة الالحقة لرسول اهلل برزت بعض مواقفهم ضد
اإلسالم وقراره عىل صور ونامذج شتى ،ولعل من أبرزها ما جرى لعثامن ؤ من احلصار
والقتل ،وما جرى أيض ًا لإلمام عيل ؤ من األذى واملخالفة املؤدية إىل القتل أيض ًا.
قال السرّ ِ ي :كان (عبداهلل بن نبتل) املنافق يجُ الس رسول اهلل ﷺ ويرفع حديثه إىل اليهود
عليكم اآلنَ َر ُج ٌل َق ْل ُبه َق ٌ
لب َج َّب ٌار ُ فبينام رسول اهلل ﷺ يف حجرة من حجراته ،إذ قالَ « :يدْ ُ
خل
و َي ْن ُظ ُر بِ َع ْين َْي َشيطانٍ»((( فدخل عبداهلل بن نبتل ،وكان أزرق العينني ،فقال النبي ﷺ« :تَشْ تِ ُمني
َأن َْت َ
وأ ْص َحا ُب َك؟» فح َل َ
ف باهلل ما فعل ذلك ،فقال له النبي ﷺ« :بل فعلت» فجاء بأصحابه
فحلفوا باهلل ما سبوه فأنزل اهلل تعاىل( :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
((( رواه أمحد عن ابن عباس ريض اهلل عنهام والبزار ورجال اجلميع رجال الصحيح« ،جممع الزوائد»
(.)122 :7
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 87 التليد والطارف
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) (((.
للذ َم ْمي�ن و َبا ُع�وا َِّفأه َلكُ�وا الدِّ َ �اد فِ�ي األُ َمم َأصابه�م داء ال َفس ِ
َ ُ َ ُ
وم ْة
المش�ؤ َ
ُ َالت ِهيَانت وال ز ْك ْ �دار ٌس َم ْذ ُم َ
وم� ْة �ذه َم ِ َفه ِ
َ
�ق فِ�ي ال َعوالِـ� ِم الح َّ
�ون َار ُب َُي َح ِ �زل َأ ْت َبا ُعه�ا فِ�ي ال َعا َلـ� ِم
�م َي ْ
و َل ْ
والن َّْص ُ�ر َيأتِ�ي ُدون ََم�ا ْاش�تِ َب ِاه �ظ ِ
الل�ه �وظ بِح ْف ِ
�ق َم ْح ُف ٌ
والح ُّ
َ
املشك َكة واملت ََش ِّك َكة داخل اجلسد اإلسالمي واملوصوفون
ِّ مدرسة اإلرجاف هم العنارص
يف سورة األحزاب بقوله ( :ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ) ((( .ومنها أيض ًا مدرسة
مرىض القلوب (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ) (((.
ذكر يف مواقع كثرية من القرآن ،فقد جاء ذكرها يف أول سورة البقرة عند
وهذه املدرسة هلا ٌ
قوله تعاىل( :ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ )((( ،وورد ذكر هذه املدرسة يف سورة
األحزاب عند قوله تعاىل( :ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
( )6املدرسة ُ
احل ْر ُق ْو ِص َّي ُة
املدرسة احلرقوصية ،املنسوبة ُ
حل ْر ُقوص بن ُز َهيرْ الذي اعرتض عىل النبي يف قسمة املال
هبوازن .وهي أصل مدارس اخلوارج.
ِ ِ ِ ِمنفِ ْق ِه َع ِ
ف�ي غَ�ز َْوة ال َّطائ�ف ّ
لم�ا نَـ�زَال الم ْص َط َفى َما َح َصال
صر ُ
ي َقائِ َما �و ٌص ُي َم ِ
�ار ْ �اء ُح ْر ُق ْ
َف َج َ ال َغنَائِ َم�ا ُي َق ِّس ُ
�م َنبِـ ُّينَ�ا
وم�ا َأرد َت الل�ه فِ�ي الم َق ِ
اس� ِم ع�دل ِقس�م َة ال َغنَائِ� ِم
وق�ال :إِ ْ
َ َ ََ َ ْ
ِ مص َط َفى َو َ
ك َم ْن َي ْعد ْل َو َم ْن ُي َق ِّس َ
�م ْه؟ يح َ
َو َ قالَ :م ْه فاح َم َّر َو ْج ُه ا ُل ْ
ْ
ِ ـي َج ِد ْي َر ًا بِال ِّث َق ْة ِ
الصدَ َق� ْة �ن َع َس�ا ُه َي ْقس َ
�م َّن َّ َف َم ْ إِ ْن ل�م َيك ُْن َعدْ ل ْ
�ه َش ٌّ�ر َي ِص ْل
وق�الِ :م�ن ِضئ ِْضئِ ِ الر ُج ْل ِ
ظه�ر َّ وح�دَّ َق الن ُّ
َّبـي في َ
يشري الناظم يف األبـيات السالفة إىل معنى احلديث الوارد يف صحيح مسلم عن أبـي سعيد
يقسم َق ْس ًام أتاه ذو اخلويرصة -وهو ُ
اخلدْ ِري ؤ ،قال :بـينام نحن عند رسول اهلل ﷺ وهو ّ
رجل من متيم -فقال :يا رسول اهللِ ..
اعدل ،فقال رسول اهلل ﷺَ « :و ْي َل َك! ومن َي ُ
عدل إنْ
ائذن يل ْ
أعدل» ،فقال عمر بن اخلطاب :يا رسول اهللْ .. رست إن مل
وخ ُأعدل؟ قد ِخ ْب ُت ِ
ْ مل
َأضرْ ِ ْب ُع ُن َقه ،فقال رسول اهلل ﷺَ « :د ْعهُ ،فإن له أصحاب ًا حَ ْي ِق ُر أحدُ ُكم َصال َت ُه مع صالهتم
يمر ُق َّ
الس ْه ُم وصيا َمه مع صيامهم ،يقرؤون القرآن ال جياوز ِ
تراق ْي ِهمَ ،ي ْم ُر ُق ْونَ من اإلسالم كام ُ
ْضئِ هذا قوم ًا يقرؤون القرآن ال جياوز َحناجرهم، الرم ِّيةِ»((( ،ويف رواية ...« :إِنَّ ِم ْ
ن ِضئ ِ من ِ
يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان ،يمرقون من اإلسالم كام َيمرق السهم من الرمية،
لئن أدركت ُُهم َأل ْقتَل َّنهم َق ْت َل َع ٍ
اد» ((( .اهـ.
أورد الناظم يف هذه األبـيات والتي سبقتها حتت مسمى «ملحظ فتنة املستقبل من غزوة
هوازن» ،واملقصود من هذا املسمى إبراز القراءة املستقبلية لدى صاحب الرسالة ﷺ من واقع
رس تطور الفتنة من مصدرها األول مقارنة لربوز الرشيعة من مصدرها األول،
عرصه ،وكشف ّ
((( أخرجه البخاري ومسلم عن أيب سعيد « ،كنز العامل» (.)202 :12
((( رواه عبدالرزاق يف مسنده وابن جرير عن أيب سعيد اخلدري « ،كنز العامل» (.)308 :11
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 90 التليد والطارف
وثوابت وللرشّ مثل ذلك.
َ وأن احلق سبحانه وتعاىل جعل للخري أصو ً
ال
ص ِة
واحلديث الرشيف يربز ملحظ اجلرأة لدى أهل الفتنة وما ُتزَ ِّين ُُه هلم عقوهلم يف شأن ُن رْ َ
احلق من منظور النفس واهلوى والدنيا ووساوس الشيطان ،فيفهمون األثر القائلُ « :قل
أخ ْذ َك ف اهللِ لو َم َة الئِ ٍم» عىل غ ِ
ري معناه وال َم ْبنَاه. احلقَّ ولو َكان ُم َّر ًا»(((« ،وال َت ُ
اخل َو ْي رِصة َف ْر ٌد حيمل منهج مراحل وأسلوب جحافل ،ظل بن ُز َهيرْ َأ ْو ُذ ْو ُ
ص ُفهذا ُح ْر ُق ْو ُ
ِ
األنانية َح ّتى َب َر َز ْت حقيقته يف غزوة هوازن متجرئ ًا ينسج حول نفسه مفاهيم الرشع بصورة
عىل رسول اهلل بام قال عىل خمتلف الروايات.
قسمة ما ُأريد هبا وجه اهلل) ،وكل تلك املقوالت
ٌ فقد قال( :ا ِ ْع ِد ْل) ويف رواية قال( :هذه
وطرح خطري يف أفضل املجتمعات ،فالبد أن يظهر مقابل هذا
ٍ حتو ٍل يف الذات،
داللة عىل ُّ
التحول موقف وبرز هذا املوقف يف قراءة رسول اهلل ﷺ لذات الرجل وما خيرج من أمثاله يف
ُّ
االعتناء ال َّت ُّام بالقرآن -ويف بعض الروايات-
ُ مدرسة اإلسالم من أقوام -وليس أفرادِ -م ْيزَ تهُ ُ ُم
بصحيح الس ّنة ،ولكنهم مع هذا االعتناء بالنصوص يمرقون من اإلسالم كام يمرق السهم من
جتر َأ ذو اخلويرصة عىل ذات رسول
الرمية ،لتشابه عنرص اجلرأة منهم عىل الذوات املؤمنة ،كام َّ
اهلل يقول :ا ِ ْع ِد ْل ،مع أنه يعتقد يف نفسه معرفة حق اهلل واإلسالم ملا ورد فيه الرواية األخرى «إن
هذه قسمة ما ُأ َ
ريد هبا وجه اهلل».
فاملنطق املطروح إنام هو ِغرية عىل ُمراد اهلل ،واحلقيقة املنشودة يف صدر الرجل هو نقد موقف
رسول اهلل ﷺ ،وكانت إرادة اهلل متجلي ًة خلف هذا احلدث اخلطري لتربز أحكام املستقبل ممن
ال ينطق عن اهلوى ﷺ ،فيتقرر بذلك أن تاريخ ال َّت َح ُّوالت املستقبلية ليس له ضابط وال قيد إلاَّ
((( قال احلافظ ىف «بلوغ املرام» ( :)182 :1صححه ابن حبان من حديث طويل .انظر «روضة املحدثني»
(.)286 :9
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 91 التليد والطارف
النظر يف هذا الفقه اخلاص.
فقراءة الواقع اإلسالمي عىل مدلوالت هذا الفقه تربز معنى البيـت:
واق� ٍع مح َّط� ِم الغَاي ِ
�ات ف�ي ِ ِ
باآلي�ات �و َت
َ ُ َ الص ْ
ُون َّ
ُي َح ِّس�ن َ
واملشاهد يف عاملنا املعارص اهتامم اجليل األوسع من املسلمني بالقرآن طباع ًة وجتويد ًا وتالو ًة
ٍ
ومنهوك ،تكتنفه األمراض ٍ
وضعيف واقع إسالمي حُم َّط ٍم
وحتسين ًا لألصوات وتنا ُف َس ًا عليه مع ٍ
والو َهن والغزو الفكري الكافر والربامج التعليمية والرتبوية املاجنة بكل صورها
واألغراض َ
ونامذجها.
ويف قوله ﷺ« :لئن أدركت ُُه ْم َألقتل ّنهم َ
قتل عاد» إشار ٌة إىل خطورة مكانتهم يف املجتمع
وصعوبة املعاجلة السلمية ملا يأتون به مع كثرهتم وقوة انتشارهم وعلو مظهرهم يف آخر
الزمان.
هام يف هذه العبارة ،فقوله ﷺ« :لئن أدركت ُُهم» وهو عليه الصالة والسالم قد ٌ
ملحظ ٌ وهنا
اس ِه ؟
أس ِ َأ ْد َر َك ُح ْر ُق ْو َ
ص بذاته؛ ولكنه مل يقتله ،فكيف لو قتله؟ أليس يف ذلك قطع ًا للرش من َ
واملعتقد واهلل أعلم أنه ﷺ ال يميض حك ًام يف مثل هذا الشأن إلاَّ بأمر اهلل وهو مل خيرب يف شأن
الرجل .وأما قوله« :خيرج من ضئضئ هذا» فهو عىل معنيني:
األول :من ذريته ونسله ،وهذا يعني أن الرجل حمفوظ بقدر اهلل وقضائه ،فلن يسلط عليه
أحد ،كام هو يف شأن ابن صياد وذاك الرجل السابق ذكره ،ولقوله ﷺ مشري ًا إىل خطر اإلشاعة
حممد ًا ُ
يقتل حوالت « َد ْع ُه حتى ال يقول الناس :إن ّ
التي ال يرجوها رسول اهلل يف مبتدأ ال َّت ُّ
أصحابه» ،ويف رواية أخرى« :دعه فإن ِمن ورائه رجا ًال« »..دعه فإن له أصحاب ًا».
الثاين :أن معنى قوله« :خيرج من ضئضئ هذا» أي :من مثاله وعىل رؤيته ومنهجه ٌ
قوم أو
وأصحاب هم عىل ذات ِطينته ورؤيته ،فيعترب القتل له يف
ٌ ٌ
رجال أقوام ،وله يف املدينة ٌ
أمثلة ،أي: ٌ
يف هذا العنوان إظهار نموذج آخر من نامذج الفتن املؤثرة يف مسار حياة األمة أشار إليها ﷺ
وعبـر عنها فقه التحوالت بمدرسة «الفتنة املعماّ ة» وكأهنا بؤرة العديد من ِ
الفتن يف أحاديثهَّ ،
قميص عثامن -كام يقولون -لتنفيذ أغراض
َ التلبس بالدِّ ين واختاذه التي ُتصيب َّ
األمة يف شأن ُّ
وأهداف أخرى ،ور َّبام ينطوي حتت سقفها عدد من نامذج االنحرافات املتنوعة التي أصابت
الضا َّل ِة املنحرفة التي ال سقف هلا من مسميات الفتن العامل اإلسالمي يف مراحله املتقلبة ِ
كالف َر ِق َّ
املشار إليها باملدارس يف هذا التقسيم ،وقد تناول بعض العلامء الكثري منها يف كتب مستقلة ،قال
عنها الناظم:
ِ
األس�ماء
ُ َمدْ َرس� ٌة َض ْ
اع�ت بها �اء
ال َعم َي ُ الفتنَ� ُة ومث ُل َّ
ه�ن
ني متوازي ِ
ني ،وأن مرحلة يشري الناظم إىل مقتىض قضاء اهلل وقدره يف سري اخلري والرش يف َّ
خط ِ
الرسالة القائمة عىل اهلداية واإليامن كان داخل خيمتها مظاهر أخرى ختدم سرية الشيطان
والدَّ جال ،ومن ذلك ما أشارت إليه األحاديث الصحيحة ،فعن أنس بن مالك ؤ ،قال :كان
تعبدُ ه واجتِهاده ،فذكرناه لرسول اهلل ﷺ ووصفناه بصفته،
يف عهد رسول اهلل ﷺ رجل يعجبنا ُّ
ففيام نحن نذكره إذ طلع الرجل ،فقلنا :هو هذا يا رسول اهلل ،قال« :إنكم ختربوين عن رجلٍ عىل
الشيطان» ،قال :فأقبل عىل املجلس ،فقال رسول اهللَ « :أن ُْشدُ َك َ
اهلل ..هل َ
قلت لس ْف َع ٌة من َّ
وجهه َ
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 94 التليد والطارف
خري مني ؟» ،قال :ال َّل ّ
هم نعم ،ثم دخل ُ
أفضل مني أو ٌ وقفت عىل املجلس :ما يف املجلس أحدٌ
َ حني
َ
الرجل؟» قال أبوبكر ؤ :أنا ،فدخل فوجده يصيل، ليصل ،فقال رسول اهلل ﷺَ « :من ُ
يقتل
ال يصيل! وقد هنانا رسول اهلل ﷺ عن رضب املص ِّلني! فخرج ،فقال
أقتل رج ً
فقالُ :س ْب َحان اهللُ ..
له رسول اهلل ﷺَ « :مه؟» ،قال :وجد ُته بأبـي أنت وأمي يصيل ،وقد هنيتنا عن رضب املصلني،
فقال ﷺ« :من يقتل الرجل ؟» ،فقال عمر ؤ :أنا ،فوجده ساجد ًا ،فقال :أقتل رج ً
ال واضع ًا
جبهته هلل تعاىل! وقد رجع أبوبكر ؤ وهو أفضل مني! فخرج ،فقال رسول اهلل ﷺَ « :مه؟»،
فقال :بأبـي أنت وأمي يا رسول اهلل وجدته ساجد ًا فكرهت أن أقتله واضع ًا جبهته هلل تعاىل،
فقال رسول اهلل ﷺ« :من يقتل الرجل؟» ،فقال عيل :أنا ،قال« :أنت إن أدركتَه قتلتَه» فوجده
عيل قد خرج فجاء ،فقال :وجدته بأبـي أنت وأمي قد خرج ،قال« :لو قتلتَه ما اختلف من أمتي
رجالن كان أوهلم وآخرهم واحد ًا» .أي :كان أوهلم وآخرهم عىل قلب واحد(((.
وح َّط عن رحله َع ِمدَ إىل املسجد أن رج ً
ال كان يغزو مع رسول اهلل ﷺ فإذا رجع َ وعن أ َن ٍ
س َّ
فمر يوم ًا فجعل يصيل فيه فيطيل الصالة حتى جعل أصحاب النبي ﷺ يرون له فض ً
ال عليهم َّ
والنبي ﷺ قاعد يف أصحابه ،فقال له بعض أصحابه :يا رسول اهلل هو ذاك الرجل ،فإما أرسل
إليه وإما جاء من قبل نفسه ،فلام رآه رسول اهلل ﷺ مقب ً
ال ،قال« :والذي نفيس بيده إنَّ بني عينيه
نفسك ِحني َو َ
قفت َ سفعة من الشيطان» فلام وقف عىل املجلس قال له رسول اهلل ﷺَ « :أ ُق َ
لت يف
املجلس ليس يف القو ِم َخ ٌري ِمني؟» قال :نعم ،ثم انرصف فأتى ناحية من املسجد ّ
فخط خط ًا ِ عىل
برجله ثم صف كعبيه فقام يصيل ،فقال رسول اهلل ﷺَ « :أ ُّي ُكم يقوم إىل هذا فيقتله» فقام َأ ُبوبكر
الر ُجل!» ،فقال :وجدته يصيل فهب ُت ُه .فقال رسول اهلل ﷺ «أ ُّيكم فقال رسول اهلل ﷺَ « :أ َق َ
تلت َّ
((( رواه احلكيم الرتمذي يف «نوادر األصول» ( )223 :1حتقيق د .عبدالرمحن عمرية ،و «جممع الزوائد»
(.)301 :3
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 95 التليد والطارف
يقوم إىل هذا فيقتله» فقال عمر :أنا ،وأخذ السيف فوجده يصيل فرجع ،فقال رسول اهلل ﷺ
الرجل!» ،فقال يا رسول اهلل :وجدته يصيل فهب ُت ُه .فقال رسول اهلل ﷺَ « :أ ُّي ُكم
َ أقتلت
لعمرَ « :
َي ُقوم إىل هذا فيقتُله؟» قال عيل :أنا ،قال رسول اهلل ﷺَ « :أن َْت َل ُه إِنْ َأ ْد َر ْك َت ُه» فذهب عيل فلم جيده،
َ
الرجل؟» قال :مل أد ِر أين سلك من األرض! فقال رسول اهلل ﷺ: أقتلت
فقال رسول اهلل ﷺَ « :
اختلف يف ُأ َّمتِي ا ْثنَان»((( .اهـ .
َ «إنَّ هذا َأ َّول َق ْر ٍن((( َخ َر َج يف ُأ َّمتي ،لو َقتلتَه ما
(( ( قال يف «القاموس» :القرن :أعىل اجلبل ،وأول الفالة ،وأول شعاع الشمس أو أول ما يبدو منها عند
طلوعها ،والدفعة من املطر ،والقرن أربعون سنة ،والصحيح :مئة سنة ،والقرن :كل أمة هلكت فلم يبقَ
ٌ
واضحة إىل أن أول مبتدأ ظهور الفتن منها أحد .اهـ «حميط املحيط» ص ، 731قلت :ويف هذا إشار ٌة
بكافة صورها كان يف عهد العرص األول ومع وجوده ﷺ.
ضعفه اجلمهور ،وفيه توثيق لني ،وبقية رجاله رجال الصحيح ،انظر
(( ( رواه أبو يعىل وفيه يزيد الرقايش ّ
«جممع الزوائد» (.)85 :3
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 96 التليد والطارف
ق�ال ال َّنبِـ�ي للجمي� ِع من ِ �م َع�ا َد ُمخبِ�را �م َي ِ
ْ�ذ َرا ُ ُّ ج�دْ ُه ُث َّ َف َل ْ
إثن�ان ف�ي منْ ُق ِ
�ول ِ ل�م َي ْفت ِ
َ�ر ْق ولجه ِ
الم ُ الر ُج ِ َ�م َقت ُ
َ �ل َ ْ�ل َّ ل�و ت َّ
يب ال َقدَ ِر الذي َج َرى فان ُظ ْر َع ِ يج�ري َق�دَ را ِ
ج َ ْ الل�ه أم�ر
لك�ن َ َّ
عب�ر ك ُِّل الز ِ ٍ و ِم�ن هن�ا ب�دَ ا م ِس�ير ِ
الفت ِ
ّم�ن ح�االً بح�ال َ َ�ن َ ُ َ َ
أشار الناظم يف األبـيات التي أوردت مجلة واحدة الحتوائها عىل موضوع احلديث السالف
إىل تفصيل قصة هذا احلديث الغريب املعرب عن عمق احلكمة اإلهلية يف جمريات القضاء والقدر،
وفيها من عجيب مواقف الصحابة أمام ظواهر السلوك ،وما يرتتب عىل هذه املواقف من قضاء
وجتسدها
نافذ ال يملكه املرء وال يتدخل فيه ،كام أن فيها من عظيم علم املصطفى باألمور الكائنة ّ
يف األفراد منذ بداية البعثة والرسالة ومعارصة النبـي ﷺ هلذه التحوالت وأصوهلا ،ومعايشته
والتحوالت وأمره الرصيح
ُّ ملتناقضاهتا ،وإشارته ﷺ من واقع العلم الذي يعلمه لرس بقاء الفتن
ألمثال أبـي بكر وعمر كي يترصفا بحز ٍم أمام جمريات التحول ،فيجدا نفسيهام حبـيسني ملا يعلامن
من أمر اهلل وغري قادرين عىل جتاوز العلم الذي علامه.
فهذا أبوبكر ؤ يقوم لقتل الرجل بعد أن أبرز النبـي ﷺ رس َز ْي ِف ِه َوخيانته وفساد رأيه،
ِ
للتعبد هيب ًة متنع احلصيف من ِ
فريجع أبوبكر ؤ ليقول :وجدته يصيل ،وهذا يدل عىل أن
جتاوزها خشية اإلثم مع أن الرسول ﷺ قد أطلق األمر ،وقال« :من يقتل الرجل؟» ومل حيدد نوع
السلوك أو احلالة التي ينتفي هبا عنه القتل ،وهلذا قال ﷺ ألبـي بكر بعد عودته وهو يبتسم« :قد
كنت أعلم ذلك» أيَ :
لست صاحبه. ُ
وقام عمر ؤ؛ ليقوم بذات املهمة عازم ًا جازم ًا وهذا شأنه يف مواقفه ،وهو أيض ًا أول
قتيل يف الفتن ،وهو أيض ًا الباب الواقي من انتشارها يف األمة ،وهو الفاروق الذي يفرق بـني
احلق والباطل ،ولكنه أمام الرجل املشار إليه عاد إىل رسول اهلل ،قائ ً
ال :وجدته ساجد ًَا هلل ،أي
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 97 التليد والطارف
إن عمر استهاب أن يقتل عبد ًا يف حالة من حاالت القرب عند اهلل ،وهيبة املقام لرجلٍ َّ
رجا ٍع
و َّقاف عند أمر اهلل وكتابه تقتيض أن ال يضع سيفه إلاَّ فيمن يستحق ،ولعله رأى يف مفهوم علمه
يتجر َأ عليه ،وكأ َّنه نيس قول النبـي
أن هذا الساجد بـني يدي اهلل ال يستحق القتل وال يليق أن َّ
ﷺ« :من يقتل الرجل؟» وأنه مل يبـني احلالة وال الكيفية.
ويقوم اإلمام عيل ؤ ليقوم باملهمة ويقطع دابر الفتنة ولكن بعد زمن قد فات ،وجرى
أدركتَه» وكأنهَّ ا إشار ٌة منه ﷺ للعالقة
فيه أمر القضاء بام جرى ،فقال له ﷺ« :أنت صاح ُبه إن َ
الرشعية يف شأن َتأ ُّهله الجتثاث الفتن ومعاجلتها؛ ولكنه ع َّلق عىل ذلك بقوله« :إن أدركتَه».
ودقائق املعرفة تشري إىل أن ترك الصديق والفاروق قتل الرجل عىل غري تعمد بعد األمر
النبوي باجتثاث الفتنة أمر مربم يف جمريات القدر والقضاء عىل غري مسؤولية أو تبعة عليهام،
حيث أرشنا سلف ًا أن رسول اهلل ﷺ كان يقولُ « :
كنت أعلم ذلك» بعد عودة كل منهام ،وملا عاد
اإلمام عيل ؤ وأخرب أنه مل جيد الرجل فيه إشارة تتناسب مع قول رسول اهلل ﷺ« :أنت
صاحبه إن أدركتَه» ،أي :إن هتيأ لك يف مستقبل الزمان األخذ بزمام األمور سيكون عىل يدك
حسم كثري من الرش.
والعجيب أننا مل نلحظ مكان ًا لعثامن بن عفان يف هذه املسألة ،وكأن األمر يشري إىل عهده
مدوية ومل ختمد بعد ذلك .واهلل أعلم.
الذي برزت فيه قضايا الفتن عالية َّ
حتى إنه ملا جاء اإلمام عيل ؤ بعده جاء وقد انترشت الفتنة داخل وخارج اخليمة
الصاع واخلالف ،وكان هو كرم اهلل وجهه َأحد َ
خيوط رِّ اإلسالمية ،ونسجت ِ
عناك ُب الشرَّ ِّ
ضحاياها .ويف ختام األمر كشف ﷺ رس األمر بالقتل للرجل فقال« :لو ُقتل هذا ملا اختلف
اثنان.»..
ولو كان ﷺ مأمور ًا بقتل الرجل ملا تردد يف قتله؛ ولكن احلكمة اإلهلية تربز لنا رس معرفة
((( هو مسيلمة بن ثاممة بن كبـري بن حبـيب احلنفي أبو ثاممة ،ولد ونشأ بالياممة بوادي حنيفة بنجد ،وتلقب
يف اجلاهلية بالرمحان ،وكان يعرف برمحان الياممة ،طاف ديار العرب والعجم وتعلم األساليب التي
يستغفل هبا الناس كالكهانة والعيافة والسحر واستخدام اجلن وغريها ،وكان يدعي النبوة قبل إسالمه
عىل ما ذكرته بعض الروايات ،ويرسل أناس ًا إىل مكة ليسمعوا القرآن فينسج عىل منواله ،ويف العام التاسع
للهجرة أقبل وفد بني حنيفة يعلنون إسالمهم ،وكان مسيلمة معهم ،ففي رواية أن ختلف عن مقابلة
رسول اهلل حيرس متاع قومه ،فقال رسول اهلل ﷺ عنه« :إنه ليس بِشرَ ِّ ُك ْم مكان ًا» ،فلام رجعوا أعلن رشكته
يف النبوة معتمد ًا عىل قوله ﷺ« :إنه ليس بِشرَ ِّ ُك ْم مكان ًا» ،قال بعض الرشاح :إنام قوله ﷺ« :إنه ليس
بِشرَ ِّ ُك ْم مكان ًا» ال تعني أنه خريهم ،بل تعني أهنم أرشار ،وليس هو بأكثر رش ًا منهم بل هو رشير منهم،
وتويف رسول اهلل ﷺ وأمر مسيلمة الزال ظاهر ًا ،وبعث إليهم سيدنا أبوبكر الصديق خالد بن الوليد
يف جيش من املهاجرين واألنصار وعىل األنصار ثابت بن قيس بن شامس ،واشتدت املعركة وثبت قوم
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 100 التليد والطارف
ا ُملشار إليه تربز معامل هذه املدرسة كنقطة حتول جديدة داخل خيمة األمة اإلسالمية ،وتربز
أس َس َها وقواعدَ َها من ال ينطق عن اهلوى ﷺ.
معها مواقف جديدة يضع ُ
واد َعى أ َّنه ُينـزل
تنبأ َّ
وقد اختلفت الروايات يف وقت نبوءته ،واإلمجاع عىل أن الرجل َّ
عليه قرآن((( ،ويف بعض الروايات أنه أتى وأسلم ثم عاد إىل نجد وارتد بنبوءته ،ومن جمموع
الروايات يستفاد أن ظاهرة ال َّتن َُّب ِؤ برزت يف تلك املرحلة يف نجد واليمن ،فكان مسيلمة يف نجد
رأيت يف يدي سوارين الع ْنيس يف اليمن ،وإىل ذلك أشار ﷺ يف قوله« :بـينام أنا ٌ
نائم ُ واألسود َ
حيث ورد يف الرواية أنه يف العام العارش للهجرة عندما ُأصيب رسول اهلل ﷺ بمرض موته
جترأ مسيلمة فكتب إىل رسول اهلل ﷺ يزعم لنفسه الرشكة مع رسول اهلل يف النبوة ،وبعث
رسالته مع عبادة بن احلارث احلنفي املعروف بابن النواحة ،وفيها كتب« :من مسيلمة رسول
ولقريش نص َفها
ٍ َ
نصف األرض اهلل –وقد َك َذب يف ذلك -إىل حممد رسول اهلل ،أ َّما بعد فإن لنا
ـي ٍ
حممد ال َّنبِ ِّ ولكن قريش ًا ال ينصفون»َّ ،
فرد عليه رسول اهلل ﷺ« :بسم اهلل الرمحن الرحيم ،من َّ
الكذاب ،أ َّما بعد فإن األرض هلل يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقني،إىل مسيلمة َّ
(( ( هو ثابت بن قيس بن شامس ،وشامس هو ابن زهري بن مالك بن امرئ القيس بن مالك األغر بن ثعلبة بن
كعب بن اخلزرج ،وثابت بن قيس صاحب رسول اهلل وخطيبه يف املحافل ،وقد خطب أمام رسول اهلل ﷺ
يوم مقدمه املدينة ،واشتهرت خطبته أمام وفد بني متيم ،وملا نزل قوله تعاىل( :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ) حزن قيس والزم بيته ،وملا
كلمه قومه يف ذلك ،قال :إين هلكت فلقد كنت أرفع صويت بني يدي رسول اهلل ﷺ وأجهر له كام أجهر
لكم ،وملا َع ِل َم النبي ﷺ َب َعث إليه أن يأتيه وبرشه باجل َّنة وبأن اهلل لن حيبط ماله من عمل وفضل ،ومكث
ثابت بعد النبي ﷺ حتى يوم الياممة فكان من الذين بذلوا أنفسهم وحياهتم يف سبيل اهلل حتى ُرزق
الشهادة ،وقد نفذ أبوبكر الصديق ريض اهلل عنه وصيته التي أوىص هبا بعد شهادته حني رآه أحد املسلمني
يف املنام فذكر له ما عليه من دين حيب أن يقيض عنه وأخربه بمن أخذ درعه التي كانت عليه يف املعركة.
ويف األنصار ٌ
رجل آخر اسمه ثابت بن قيس ابن اخلطيم أبوه كان شاعر ًا مشهور ًا ،وكان من القلة
الذين ثبتوا مع رسول اهلل ﷺ يوم أحد ،وكان يقاتل بني يديه حارس ًا ال ترس له ،وكان رسول اهلل ﷺ،
يقول له« :أقبل يا حارس وأدبر يا حارس» ،وقد شهدت ثابت هذا املشاهد كلها مع النبي ﷺ ،واستعمله
اإلمام عيل بن أيب طالب عىل املدائن« .يف موكب السرية النبوية» د .حممد املختار ولد أ ّباه ص.168
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 103 التليد والطارف
والمغَانِ ِم
ض َ نِ ْص َف ِ
ي�ن ُحكْ� ِم األَ ْر ِ َّقاس� ِم
بالت ُ َّبـ�ي
الن َّ َف َطا َل َ
�ب
ِ ِ
لل�ه َر َس�ا �ك �ير َأ َّن ُ
الم ْل َ ُيش ُ �و َد ًا َيابِ َس�ا
َّبـ�ي ُع ْ َف َح َم َ
�ل الن ُّ
َاض َب� ًا ُم ْرت َِع َش�ا
ذاك غ ِ َ
فاش�تاط َ �ن َي َش�ا
لم ْ
َ ور ُث� ُه بِ َأ ِ
م�ره ُي ِ
يشري الناظم إىل استمرار معركة احلق والباطل بـني مدرسة اإلسالم الصادقة ومدرسة
الكذب واملنافقة منذ ذلك العهد ،حيث أشار النبـي إىل تسلسل املنافحة يف من يأيت بعده بقوله:
وهذا ثابت بن قيس بن شامس ُ
خيطب عني ،وفيه داللة انتقال أمر املدافعة عن اإلسالم إىل
األجيال الالحقة ،وهذا ما تشهد به الوقائع واحلوادث من تضافر الكفر والكذب والنفاق يف
متارس واحدة أمام احلق الناصع.
ِ ِ ْ�ر والمو ِاق ِ ِ
الوظائ�ف وخدْ َع� ٌة َت ُل ُ
�وح ف�ي �ف �و ٌل ف�ي الفك ِ َ َ َ
ت ََح ُّ
((( وعن رافع قال :كان بالرحال ابن عنفوة من اخلشوع واللزوم لقراءة القرآن واخلري فيام يرى رسول اهلل
صىل اهلل عليه وسلم يشء عجيب ،فخرج علينا رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يوم ًا والرحال معنا جالس
فنظرت يف القوم فإذا أبو هريرة الدويس وأبو أروى
ُ مع نفر فقال :أحد هؤالء النفر يف النار ،قال رافع:
الدويس والطفيل بن عمرو الدويس ورجال بن عنفوة ،فجعلت أنظر وأتعجب وأقول :من هذا الشقي
؟ فلام تويف رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم رجعت بنو حنيفة فسألته :ما فعل الرجال بن عنفوة ؟ فقالوا:
افتُتن ،هو الذي شهد ملسيلمة عىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أنه أرشكه يف األمر بعده ،فقلت :ما قال
ُ
الرحال وهو يقول :كبشان انتطحا فأحبهام إلينا كبشنا. وس ِم َع
رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فهو حقُ ،
رواه الطرباين وقال فيه :الرحال باحلاء املهملة املشددة « ،جممع الزوائد ومنبع الفوائد» (.)33 :4
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 105 التليد والطارف
الع ْنسيِ :
( )2األسود َ
ِ ِ
ح�ي وكان ُمف َتت َْن َق�د ا َّد َع�ى َ
الو َ أرض ال َي َم ْن ْسي في
واألسو ُد ال َعن ُّ
الع ْنسيِ ُّ من مذحج ويقال له( :ذو اخلامر)؛ ألنه كان يغطي ٍ
عوف َ بن ِ
كعب ِ هو َع ْب َه َل ُة ُ
بن
وجهه بخامرَّ ،اد َعى النبوة باليمن يف أخريات عهد النبي ﷺ وكان ِ
كاه َن ًا ُم َشع ِوذ ًا ُيري الناس
األعاجيب ويسبي منطقه قلب كل من سمعه ،وكان أول خروجه بعد حجة رسول اهلل ﷺ
حجة الوداع ،ومن أول خروجه إىل أن قتل (أربعة أشهر) فخرج مع قومه َو َقتَل َوايل صنعاء
باذان ،ويف رواية أنه مات وظهر العنيس بعد موته وتزوج زوجته (املرزبانة) وغلب عىل اليمن
فكتب فروة بن مسيك عامل رسول اهلل إىل خالد خيربه((( ،وخرج معاذ بن جبل إىل أيب موسى
أمر األسود
األشعري بمأرب وذهبا حرضموت ورجع خالد بن الوليد إىل املدينة وجعل ُ
ُ
فريوز الدَّ يلمي وهو قريب ري استطار َة احلريق ،و ُقتِ َل األسود يف منـزله وهو سكران قتله
يستط ُ
لزوجة باذان وكانت بنت عمه ،وفرح املسلمون بقتله وأخرب النبي الصحابة بمقتله،و ُقبض
النبي من الغد ،ووصل خرب مقتل العنيس إىل املدينة يف خالفة أيب بكر ؤ يف آخر شهر ربيع
((( جاء يف «تاريخ اليعقويب» ( )122 :2أسامء عامله صىل اهلل عليه وآله وسلم وقضاته حيث قال :وكان عامل
رسول اهلل ملا قبضه اهلل عىل مكة عتاب بن أسيد بن العاص وعىل البحرين العالء بن احلرضمي واملنذر بن ساوي
وجيفر ابنا اجللندا ،وقال
ُ عباد العالء َأ َب ُ
ان بن سعيد بن العاص ،وعىل َعماّ ن ٌ ِ ُ
مكان التميمي ،وبعضهم يقول:
بعضهم :عمرو بن العاص ،وعىل الطائف عثامن بن أيب العاص ،وعىل اليمن معاذ بن جبل وأبو موسى عبداهلل
بن قيس األشعري يف ّقهان الناس ،وعىل خماليف اجلند وصنعاء املهاجر بن أيب أمية املخزومي ،وعىل حرضموت
زياد بن لبيد األنصاري ،وعىل خماليف اليمن خالد بن سعيد بن العاص ،وعىل ناحية من نواحيها يعىل بن
منية التميمي ،وعىل نجران فروة ابن مسيك املرادي ،وقال بعضهم :أبو سفيان بن حرب ،وعىل صدقات
أسد وطيء عدي بن حاتم ،وعىل صدقات حنظلة مالك بن نويرة احلنظيل ،وقال بعضهم :عىل صدقات
بني يربوع وعىل صدقات بني عمرو ومتيم سمرة بن عمرو بن جناب العنربي ،وعىل صدقات بني سعد
الزبرقان بن بدر ،وعىل صدقات مقاعس والبطون قيس بن عاصم.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 106 التليد والطارف
األول ،قال يف «تاريخ اخلميس» :وفريوز الديلمي ،هو ابن أخت النجايش ،وقيل :هو من أبناء
احل ْميرَ ِي ،ألنه نزل حمِ ْ يرَ .
فارس ،ويقال لهِ :
�ن ُي ْهلِك َ
ُ�ون األُ َّم� َة ُ
الم ْلت َِز َم� ْة َم ْ وم ْث ُل َه�ا َمدْ َرس� ُة األُ َغ ْيلِ َم� ْة
ِ
من قريش»((( ،وكان ظهورهم عام الستني من اهلجرة وهم أغيلمة من قريش عند وصوهلم إىل
الع ُضوض وآثاره يف الفصل بني الدِّ ين والدولة،
احلكم ،وما ترتب بعد ذلك من مفهوم امللك َ
احلكم ِ
والعلم. وتنامت أفكار هذه املدرسة عرب تاريخ التحوالت بصو ٍر َشتَى يف طريف ُ
(((
وتفرعت هذه املدرسة إىل ثالثة أنامط:
وتنتمي إىل يزيد بن وتنتمي إىل مروان بن وتنتمي إىل أيب سفيان
معاوية ومن نحا نحوه َ
احلكم ومن نحا نحوه ومن َن َحا نحوه
وكل واحدة من هذه املدارس يتناوهلا فقه التحوالت برؤية ومفهوم رشعي عند التحليل
الع َقالء الذين حيبون اهلل ورسوله والدار اآلخرة عىل غري انفعال
دون إفراط وال تفريط ،يتفهمه ُ
وال إنقاص أحد أو جدال ،وإنام هو علم خاص بتعيني ما جيب تعيينه والسكوت عام جيب
السكوت عنه (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ) .
اغية»((( فقد روى عبداهلل ص يف قولِ ِه ﷺَ « :ع اَّم ُر َت ْق ُت ُله ِ
الفئ ُة ال َب ِ ُ
حتريف معاين ال َّن ِّ ومن مظاهرها
بن احلارث أن عمرو بن العاص ،قال ملعاوية :أما سمعت رسول اهلل ﷺ يقول حني كان بناء
حلريص عىل اجلهاد وإنك ملن أهل اجلنة ولتقتلنك الفئة الباغية ،قال :بىل فلم
ٌ املسجد لعامر :إنك
قتلتموه؟ قال :واهلل ما تزال تدحض يف بولك أنحن قتلناه ؟ إنام قتله الذي جاء به(((.
وقد تغلغلت هذه الرؤية يف داخل احلكم والعلم من خالل هذه القنوات املوعود هبا،
ورسى أثرها وخطرها يف كثري من املسلمني جي ً
ال بعد جيل ،وال زال خطرها وأثرها يف األقالم
واإلعالم هيدم العالقات ويدمر األبنية السليمة ..ولكن اهلل غالب عىل أمره ..وهو حسبنا
ونعم الوكيل.
رسول اهلل ﷺ بني احلكم ينزون عىل منربه فأصبح كاملتغيظ» ،قال :فام رؤي رسول اهلل ﷺ ضاحك ًا
مستجمع ًا بعد حتى مات.
((( يف «احللية» أليب نعيم عن أيب قتادة .انظر «كنز العامل» (.)722 :11
((( «مجع الفوائد» ص 539برقم ،8829وقال :رجاله ثقات .كذا يف «جممع الزوائد» .
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 109 التليد والطارف
ِ ِ
َموق ُع ابن ص ّياد من ف ْقه ال َّت ُّ
حوالت
َواآل َث ِ
�ار األَ ْخ َب ِ
�ار َ
وأ ْو َض�حِ الم ِ
ختار الم ْص َط َف�ى ُ
�ر ُ�ن فِ ْق ِه َع ْص ِ
م ْ
ِ
أنموذج آخر من نامذج الفتن والتحوالت التي برزت منذ عهد صاحب
ٍ (((يشري الناظم إىل
الرسالة ،وما كتب عنها من أخبار وآثار ،وما اختلف فيه الصحابة ومن بعدهم حول شخصية
ابن صياد ،والغموض الذي اكتنف هذه الشخصية ومواقفها.
ِ ِ ِ ِ َ�ار فِ�ي ا ِ
�ن َأ َ
رواحِ �ن ُكنْ�ه َم�ا َيأتي�ه م ْ
َع ْ إل ْف َص�احِ َو َأ َّن َط� َه ْ
احت َ
�ن ُي َض ِ ُمن ُ َاذ ٌب ُي ِ �اد ٌق وك ِ َفص ِ
ار ُع ْه الص َب�ا َو َل ْي َ
�س َم ْ ْ�ذ ِّ ناز ُع� ْه َ َ
صياد اليهودي ،ولد باملدينة ،ويوم ولد أرسل النبـي ﷺ :أبا ذر ليسأل أمه عن ((( هو صايف بن ّ
أمور منها :كم محلت به ،وما هي صيحته يوم ولد ،حيث كان رسول اهلل ﷺ يعلم خربه ،وكان
غالم أعور» ويف
ٌ يقول عنه« :يمكث أبوا املسيخ الدجال ثالثني عام ًا ال يولد هلام ،ثم يولد هلام
يشء وأق َّله نفع ًا» ،ويقول عن أبويه« :أبوه َر ُج ٌل َط ٌ
وال مضطرب ٍ َّ
أرض رواية« :مستور ًا خمتون ًا
اللحم طويل األنف كأن أنفه منقار ،وأمه فرضاخية عظيمة الثديني» ويف رواية« :طويلة الثديني»
،وعندما ولد الغالم وانطلق أبا ذر ليسأل قالت أم الغالم :إهنا محلت به اثني عرش شهر ًا ،وإن
صيحته يوم ولد كانت صيحة ابن شهر ،ويف رواية :ابن شهرين ،عندئذ انطلق النبـي ﷺ ومعه
عبداهلل بن مسعود حتى أتى دار ًا قوراء ،فقال« :افتحوا هذا الباب» ففتح ودخل النبـي ﷺ وابن مسعود،
فإذا قطيفة وسط البـيت ،فقال« :ارفعوا هذه القطيفة» فإذا غالم أعور حتت القطيفة ،فقالُ « :ق ْم يا غالم،
أتشهد أين رسول اهلل» ،فقال الغالم :أتشهد أين رسول اهلل ،فقال رسول اهلل ﷺ« :أتشهد أين رسول اهلل»
،فقال الغالم :أتشهد أين رسول اهلل ،فقال رسول اهلل ﷺ« :أتشهد أين رسول اهلل» فقال الغالم :أتشهد
أين رسول اهلل ،فقال النبـي ﷺ« :تعوذوا باهلل من رش هذا مرتني» رواه أمحد وقال اهليثمي :رجاله رجال
الصحيح .وانظر بتوسع «بـني يدي الدَّ جال» للمؤلف ص.17-16
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 110 التليد والطارف
أهم النبـي ﷺ من أمر ابن صياد حيث ظل جمهو ً
ال يف كثري من املواقف، أشار ال َّناظم إىل ما َّ
فقد ورد َّ
أن ال َّنبـي ﷺ لقيه وهو غالم ،ويف رواية :قد ناهز احللم ،فلم يشعر ابن صياد حتى
النبـي ﷺ ظهره بـيده ،ثم قال« :أتشهد أين رسول اهلل؟» فنظر إليه ابن صياد ،فقال:
ُّ رضب
أشهد أنك رسول األميني ،ثم قال ابن صياد للنبـي ﷺ :أتشهد أين رسول اهلل ،فقال النبـي
آمنت باهلل ورسله» اهـ.
ﷺُ « :
وملا أراد عمر بن اخلطاب أن يرضب ُعنقَ ابن صياد برزت حقيقة خطرية حيث قال ﷺ:
لك يف َق ْت ِل ِه»((( ويف رواية« :إن َي ُك الذي ختاف لن ُت َس َّل َط َعليه ،وإنْ ال َيك ْن ُه َفال َخ َ
ري َ «إِنْ َيكن ُه َف ْ
العهد»(((. فلن تستطيعه» ،ويف رواية« :وإل يكن هو فليس لك أن تقتل رج ً
ال من أهل َ
ويف مرة أخرى ذهب النبـي ﷺ ومعه َن َف ٌر من الصحابة َن ْح َو ِ
ابن صياد ناحية النخل ،فأخذ
النبـي ﷺ خيتل بـني النخل ليفاجئ ابن صياد ويسمع منه شيئ ًا فسبقته أم ابن صياد ،فقالت:
يا صاف هذا أبوالقاسم ،فلام جاءه النبـي ﷺ ،قال له« :ما َت َرى؟» قال :أرى حق ًا وأرى باط ً
ال
وأرى َع ْر َش ًا عىل املاء ،قال رسول اهلل ﷺ« :أتشهد أين رسول اهلل» قال ابن صياد« :أتشهد أين
آمنت باهلل ورسله».
رسول اهلل» ،فقال النبـي ﷺُ « :
ويف رواية :قال له رسول اهلل ﷺَ « :خ َب ْأ ُت لك خبـيئ ًا فام هو؟» وكان النبـي ﷺ قد أخفى يف
نفسه قول اهلل تعاىل( :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ) ((( وهي آية الدخان التي هي من
صياد :الدُّ ّخ ..الدُّ ّخ ..فقال النبـي ﷺ« :اخسأ اخسأ» فلام ولىّ ﷺ،
عالمات الساعة ،فقال ابن ّ
((( أخرجه مسلم يف كتاب الفتن ،باب ذكر ابن صياد برقم ( ، )2930انظر «كنز العامل» للهندي
(.)330 :14
((( أخرجه أمحد يف مسنده عن جابر ريض اهلل عنه ،قال :إن عمر قال :يا رسول اهلل ! ائذن يل فأقتل ابن صياد،
قال فذكره.
((( الدخان. 10 :
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 111 التليد والطارف
قال القوم :ماذا قال؟ فقال بعضهمُ « :دخ» ،وقال بعضهم« :ذخ» ،فقال رسول اهلل ﷺ« :هذا
أشدُّ اختالف ًا»(((.
وأنتم معي خمتلفون ،فأنتم بعدي َ
ويف عبارته هذه ﷺ إشار ٌة إىل حتوالت املستقبل يف االختالف حول النصوص واأللفاظ،
ومحل كل فريق معناها عىل غري حممل اآلخر.
((( أخرجه الطرباين يف املعجم الكبري عن احلسني بن عيل ريض اهلل عنهام .انظر «كنز العامل» (.)615 :14
((( املائدة.67 :
((( احلجر.9 :
((( رشح مسلم ( )65 :13كتاب الفتن ،وأخرجه احلاكم يف «املستدرك» عن عبدالرمحن نفري عن أبيه عن
جده ،وقال :حديث صحيح اإلسناد.
((( أخرجه أمحد يف مسنده من حديث عائشة ريض اهلل عنها.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 112 التليد والطارف
(كرم اهلل وجهه) :من هو املسيخ الدَّ جال ؟ قالِ « :
صاف ابن صياد»(((.
وقال أبو ذر :لأَ َ ْن َأ ْح ِل َ
ف عرش مرات َّ
أن ابن صياد هو املسيخ الدَّ جال أحب يل من أحلف
مرة واحدة أنه ليس به ،وذلك ليشء سمعته من النبـي ﷺ.اهـ(((.
وأبو ذر كام سبق هو الذي بعثه النبـي ﷺ إىل منـزل ابن صياد يوم والدته ،فلعله سمع من
النبـي ﷺ ما يشري إىل ذلك.
رأيت جابر بن عبداهلل حيلف باهلل َّ
أن ابن صياد هو املسيخ الدَّ جال، وقال حممد بن املنذرُ :
سمعت عمر بن اخلطاب حيلف عىل ذلك عند رسول اهلل ﷺ فلم
ُ فقلت :أحتلف باهلل؟ قال:
ُ
ينكره ،وكان ابن عمر وجابر حيلفان َّ
أن ابن صياد هو املسيخ الدَّ جال ال َيشكان فيه ،فقيل جلابر:
إنه أسلم ،فقال :وإن أسلم ،فقيل :إنه دخل مكة وكان يف املدينة ،قالْ :
وإن دخل.
أحب إ َّيل من أن قال عبداهلل بن مسعود :ألن أحلف باهلل تسع ًا َّ
أن ابن صياد هو الدَّ جال ُّ
قلت :وعبداهلل بن مسعود كان مصاحب ًا لرسول اهلل ﷺ يوم ذهب
أحلف واحدة أنه ليس به(((ُ ،
إىل منـزل ابن صياد يوم والدته(((.
�ن و َظ ِ ِ ف�ي َش ْ ِ ِ ِ
�راه ِ �ن َباط ٍ َ �أنه م ْ آخ ِ
�ر َ�ص َ �س األَ ُ
م�ر بِن ٍّ وا ْل َت َب َ
�ر ِه َفتَا َب َع� ْه
�ض َأ ْم ِ
�ف َب ْع ِ لِك َْش ِ
َ�ار بِ ُ
المتَا َب َع� ْه َفان َْش�غ ََل ُ
المخْ ت ُ
�ال :فِ ْتنَ� ٌة َمخُ ْو َف� ْةَعنْ� ُهَ ،و َق َ الم ْع ُر ْو َف� ْة
َ
ِ
َو َح�دَّ َد ال َع اَلئ َ
�م
تشري األبـيات إىل اشتغال املصطفى ﷺ بابن صياد ،ورغبته أن يتحقق من أمره ،وقد ترجح
الس�ابِ َل ْة يم� ًة َع َل�ى َط ِر ِ ِ ب ال َقافِ َل� ْة َ�ت لِ َس� ْل َِوإِن ََّم�ا كَان ْ
ي�ق َّ غَن َ
�ر َح ِ
�ال ان بِخَ ْي ِ آل ِع ْم َ�ر َ َو ِ م ْو ُصو َف� ًة ف�ي س�ور ِة األَ ْن َف ِ
�ال ُ َ َ
ك ََم�ا َأتَى فِي الن َِّّص َم ْه َم�ا ا ْقت ََر ُفوا �ل َب�دْ ٍر ُش ِّ�ر ُفوا �ذا َأ ْه ُ �ل َه َلأِ َ ْج ِ
ِ ِ ِ
ورالصدُ ْ ين في ال َق ْو ِم ُّيت َأ ْم ِر الدِّ ِ
َت ْثبِ ُ ور �ع الغَ�ز َْوة م ْن َس� ْي ِر األُ ُم ْ َو َم ْوق ُ
�ر ُمدْ ِر ِكين َغ ْي ِ
�ف في الدِّ ِ َأو مر ِج ٍ
ْ ُْ �ر ِك �ر لِ�ك ُِّل ُم ْش ِ َق ِ
اص َم� ُة ال َّظ ْه ِ
والخبر في دالئل البيهقي ( : )224 :3ودعا جبير بن مطعم غالما حبشي ًا يقال له وحشي
يقذف بحربة له قذف الحبشة ّ
قل ما يخطئ بها فقال له :اخرج مع الناس فإذا أنت قتلت حمزة
عم محمد بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق ،فخرجت قريش ومن تابعها من بني كنانة وأهل
تهامة ،وأخرجوا معهم النساء لزيادة الحمية ،ولئال يفر أحد ،وأخرج أبو سفيان معه هند
بنت عتبة ،وأخرج عكرمة بن أبي جهل أم حكيم بن الحارث بن هشام بن المغيرة ،وخرج
الحارث بن هشام بن المغيرة بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة ،وخرج صفوان بن أمية ببرزة
بنت مسعود بن عمرو بن عمير الثقفية ،وغيرهن ممن بلغوا خمسة عشرة امرأة ،وخرج معهم
أبو عمر الفاسق في خمسين رج ً
ال من قومه ،وكان عدد القوم ثالثة آالف رجل ،وكتب
العباس بن عبد المطلب كتاب ًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بما أعد القوم ،
فجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وشاورهم في األمر وقال :إني رأيت في المنام
سيفي ذي الفقار انكسر وهي مصيبة ،ورأيت بقر ًا تذبح وهي مصيبة ،ورأيت على درعي ##
مدينتكم ال يصلون إليها إن شاء الله.
واختلفوا بين الخروج خارج المدينة وبين المكث بها ومقاتلة المشركين فيها ،وكان رأي
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ال يخرج من المدينة لهذه الرؤيا ،ووافقه أكابر المهاجرين
واألنصار ،وطلب منه بعض أحداث القوم الخروج ورغبوا في الشهادة ،وكان رجال من
المسلمين لم يشهدوا بدر ًا فندموا على ما فاتهم من سابقة بدر وتمنوا لقاء العدو ،وأشار عبد
الله بن أبي على النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج وغلب القضاء والقدر ،وتهيأ النبي
صلى الله عليه وسلم ولبس ألمته وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة بالناس
ووعظهم وحثهم على الجهاد ،وخرج النبي صلى الله عليه وسلم البس ًا ألمته وندم الناس
وقالوا استكرهنا رسول الله.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 123 التليد والطارف
ِ لِ َين ُْص ُروا ا ِ بِال َي ُه�و ْد المنَافِ ُق َ
الح ُشو ْدإل ْس اَل َم ضدَّ ذي ُ �ون ُ �اءه
َو َج َ
اج ُم�وا َو َقاتِ ُل�وا ف�ي َج ْي ِش�نَا َو َه ِ َأ ْس�لِ ُموا �م َط� َه َو َق َ
�ال َف َر َّد ُه ْ
ك ب ِضدَّ م ْش ِر ٍك في المس َل ِ الح ْر ِ �ر ِك
بِ ُم ْش ِ إِ ْذ ال َي ُج�و ُز ن ُْص َ�ر ٌة
َ ْ ُ في َ
ِ
القت ِ َأصحابِ ِ ِ
َ�ال ُث ُلث� ًا حراب�ه َع ِ
�ن �ه ْ َ �ن �ن ُأ َب ٍّ
�ي َر َّد م ْ َوا ْب ُ
يشير الناظم إلى ما فعله المنافقون من حشد حلفائهم من اليهود ومجيئهم بهم إلى بعض
آطام المدينة ليساعدوا المسلمين في صد المشركين عن المدينة ،فقال لهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم :وقد أسلموا؟ قالوا :ال يا رسول الله ،قال :قولوا لهم فليرجعوا ،فإنا ال
نستعين بالمشركين على المشركين.
(((
�الَ :أ ْح َي ٌ
�اء َح َي�ا ًة ُمدْ َركَ� ْة َو َق َ �ن النَّبِ ُّ
�ي َق ْت َل�ى َ
الم ْع َركَ� ْة َو َد َف َ
ع َلى المدَ ى حتَّى إلى يو ِم ِ
الق َيا ْم َْ َ َ َ السَل�اَ ْم
ون َّ
وه ْم َي ُر ُّد َ َو َق َال :ز ُ
ُور ُ
يشير الناظم إلى اشتغال النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بعد المعركة بدفن الشهداء
،وقد نزلت فيهم ( :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ)
[آل عمران.]169:
وعن ابن عمر قال :مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مصعب بن عمير حين رجع
من أحد فوقف على أصحابه وقال ( :أشهد أنكم أحياء عند الله ،فزوروهم وسلموا عليهم ،
فوالذي نفس محمد بيده ال يسلم عليهم أحد إال ردوا عليه إلى يوم القيامة).
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 127 التليد والطارف
َّاس ِمن س ِ المنَافِ ُق ْ
وء ال ُّظن ْ
ُون َو َأ ْك َث ُروا في الن ِ ْ ُ �ون َو َأ ْر َج َ
�ف ال َي ُه�و ُد َو ُ
يشير الناظم إلى موقف اليهود والمنافقين بعد المعركة ،وخاصة أنهم لم يشاركوا فيها ،
وفارت المدينة بالنفاق فور المرجل ،وقالت اليهود لو كان نب ّيا #فاظهروا عليه وال أصيب #
منه ما أصيب ولكنه طالب ملك تكون له الدولة مرة ومرة عليه ،وقال المنافقون نحو قولهم
،وقالوا لمن قاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :لو كنتم أطعتمونا ما أصابوا الذي
أصابوا منكم.
ف الع ِ
اص َف ْة ان كَوص ِ ِمن ِ ِ �ق و ِ
اص َف� ْة َو ُأن ِْز َل ْ
َ آل ع ْم َر َ َ ْ ْ �ات َح ٍّ َ
�ت آ َي ُ
َوإِ ْذ َغ�دَ ْو َت لِ ْل ِقت ِ
َ�ال َش ِ
�ار َح ْة ات رب�ي و ِ
اض َح ْة ِ ِس�ت َ ِ
ُّون م ْن آ َي َ ِّ َ
يشير الناظم إلى أهمية الحدث وتوثيقه في القرآن العظيم فقد أنزل الله ستين آية من سورة
[آل عمران]121: آل عمران بدء ًا بقوله تعالى( :ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ )
إلى قوله تعالى( :ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﯰ ﯱ) [آل عمران ]179:دالئل البيهقي (.)274 :3
�و ُم فِئ ْ
َات �ال َط� َه َذ َه َ
�ب ال َق ْ َو َق َ َوارت ََح َل ال َق ْوم َع َلى َح ٍ
ال َشت ْ
َات ُ ْ
�و ِم َو َّلى َأ ْم ُر ُه ْم ِ ِ �م َولاَ غَ�ز َْو َل ُه ْم
�ن َب ْعد َه َذا ال َي ْ
م ْ �ن َن ْغز ُ
ُوه ْ َون َْح ُ
يشير الناظم إلى ارتحال األحزاب من قريش والقبائل واليهود كل إلى بلده وهم في غاية
االختالف والشتات والجهد ،وبشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال لهم ( :لن
تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزوهم).
ِم ْن َب ْع ِد َما قد َن َق ُضوا ك َُّل ال ُع َرى إل�ى بن�ي ُق َر ْي َظ� َة األَ ْم ُ�ر َج َ�رى
يشير الناظم إلى ما أشارت إليه كتب الحديث والسير ،ومنه حديث عائشة رضي الله عنها
قالت :ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوضع السالح فجاءه جبريل
وضعت السالح ؟ والله ما وضعت
َ عليه السالم وأتى على ثناياه لنقع الغبار ##فقال :أوقد
المالئكة بعد السالح ..اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم.
ٍ
�ع�ن َج َم ْ إل�ى بن�ي ُق َر ْي َظ�ة َو َم ْ �ع
�ن َر َج ْ اس� َتنْ َف َر النَّبِ ُّ
�ي ك َُّل َم ْ َف ْ
وه ْم ف�ي ُذ َرى َأ ْب َوابِ ِه ْم ِ َو َق َال َص ُّلوا ال َع ْص َر في َأ ْطنَابِ ِه ْم
َو َحاص ُر ُ
يشير الناظم إلى أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالخروج إلى بني قريظة وقال
عبارته المشهورة ( :أال ال ُي َص ِّل َي َّن أحدٌ العصر إال في بني قريظة) ،وبعث مناديا ينادي( :يا
خيل ِ
الله اركبي). َ
وحاصرهم صلى الله عليه وسلم خمس ًا وعشرين ليلة ،وقيل غير ذلك ،حتى جهدهم
الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب ونزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
�ذي َي ْحك ُُم� ُه َنبِ ُّينَ�ا ع َل�ى ا َّل ِ �د جه ٍِ ِ
َ �د َو َعنَ�ا َو َن َز ُل�وا م ْ
�ن َب ْع َ ْ
�ل َحلِي ًف�ا َو َم َع�ا ْذ �ن َق ْب ُ وك َ ِ
َان م ْ َ �ن ُم َع�ا ْذ َّ�م النَّبِ ُّ
�ي َس� ْعدَ ْب َ َف َحك َ
�اء َواألَ ْط َف ِ
�ال والس�بي لِلنِّس ِ ْ�ل َع َل�ى الر َج ِ
�ال َف َأنْ�ز ََل ال َقت َ
َ َ َّ ْ َ ِّ
�اري ي�ن َأ ْس� َل ُموا لِ ْل َب ِ ِ
إِلاَّ ا َّلذ َ �و ِ
ال َوال َع َق ِ
�ار �م َة األَ ْم َ
ِ
َوق ْس َ
يشير الناظم إلى ما حكم به سعد بن معاذ على اليهود من بني قريظة فقال له رسول الله
الح َر ْم
�ط َ �اع َق ْت ُل ُه َو ْس َ
َي ُع�دْ َو َش َ �ان َو َل ْم
�ار ُع ْث َم َ
�س ال ُك َّف ُ
اح َت َب َ
َو ْ
َاج�زًا لِ ْل َك َف َ�ر ْة َأ ْص َحا َب� ُه ُمن ِ �ج َر ْة �ت َّ
الش َ �ع النَّبِ ُّ
�ي ت َْح َ َف َج َم َ
يشير الناظم إلى تردد الوفود على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جهة قريش وكلهم
يمنعونه ومن معه دخول مكة ،وينذرونهم الحرب والقتال إن فعلوا ،ولم يقبلوا دخول أحد
للعمرة وال لغيرها ،فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم عثمان بن عفان مفاوض ًا للدخول
معتمرين ،وطال مكث عثمان بمكة حتى أشيع أنه قد قتل بها ،فجمع النبي صلى الله عليه
وسلم بعض الصحابة وبايعهم على مناجزة القوم وأن ال يفر منهم أحد ،وسميت ببيعة
الرضوان ،وفيها وضع النبي يده اليمنى على اليسرى وقال :هذه لعثمان ،أي :مبايعته على
ما بويع عليه ،فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خير ًا من أيديهم ألنفسهم.
َوا ْن َز َع ُج�وا َونَا َز ُع�وا َولاَ ُم�وا الص َحا َب� ُة الكِ َ�را ُم
َّ َو َح�ز ََن
يشير الناظم إلى أول اختبار تعرض له المسلمون بعد العودة من الحديبية حيث وصل
أبوبصير إلى المدينة مستجير ًا والجئ ًا بعد أن كان محبوسا بمكة ،فبعث المشركون بكتاب
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأمر الرسول أبا بصير أن يرجع إليهم وقال له( :يا أبا
بصير إنا قد أعطينا هؤالء القوم ما قد علمت وال يحل لنا في ديننا الغدر ،وإن الله جاعل لك
ولمن معك من المستضعفين فرج ًا ومخرجا فانطلق إلى قومك ،قال :يا رسول الله أتردني
إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ قال :يا أبابصير انطلق فإن الله سبحانه وتعالى سيجعل لك
ولمن معك فرجا ومخرجا ،فانطلق أبو بصير مع الرسل من أهل مكة ،وفي الطريق احتال
على الرجلين واستل سيف أحدهما وقتله ،وهرب الثاني إلى المدينة مخبرا رسول الله صلى
الله عليه وسلم بما فعل أبو بصير ،واتجه أبوبصير إلى ناحية العيص من ناحية ذي المرون #
على ساحل البحر بطريق قريش إلى الشام.
ي�ق ف�ي َأ َم َ
�ان ك ال َّط ِر َ لِ َي ْس� ُل َ الر ِجي ِع ف�ي َبنِ�ي َغ ْط َف ِ
ان َع َل�ى َّ
يشير الناظم إلى غزوة خيبر الشهيرة وأهميتها من حيث تاريخها وموقعها الزمني
واالجتماعي واالقتصادي بين الغزوات ،وكان صلى الله عليه وسلم قد أوعده الله في
الحديبية بفتحها ( .عبور األثر ج.)170/2
وكانت الغزوة في شهر جمادى األولى سنة سبع من الهجرة ،وهي ـ أي :خيبر ـ على بعد
ثمانية برد من المدينة.
وفي رواية :انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فنزلت سورة الفتح فيما
بين مكة والمدينة ،فأعطاه الله عز وجل فيها خيبر ( ،ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ) [الفتح ]20:هي خبير ،فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل
خيبر رسالة هذا نصها (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
صاحب موسى وأخيه والمصدق لما جاء به موسى ،أال أن الله قد قال لكم يا معشر أهل
التوارة وإنكم لتجدون ذلك في كتابكم (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ
[الفتح]29: ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ) اآلية
،وإني أنشدكم بالله وأنشدكم بما أنزل عليكم وأنشدكم بالذي أطعم من كان قبلكم من
أسباطكم المن والسلوى ،وأنشدكم بالذي أيبس البحر آلبائكم حتى أنجاهم من فرعون
وعمله إال خبرتموني هل تجدون فيما أنزل الله عليكم أن تؤمنوا بمحمد ،فإن كنتم ال
�اء
الم َس ْون َ َص ِف َّي ًة َو َأ ْس� َل َم ْ
ت ُد َ �اء
�ي م ْن َس� ْب ِي الن َِّس ْ
�ذ النَّبِ ِ
ُّ َو َأ َخ َ
يق َأعرس اله ِ ِ �ذ َأ ْع َت َق َه�ا وكَان ِ
ادي بِ َها َوفي ال َّط ِر ِ ْ َ َ َ َ�ت الز َّْو َج� َة ُم ْ
يشير الناظم إلى ما كان من أمر صفية بن حيي بن أخطب ،وقد ذكر أن دحية الكلبي استأذن
رسول الله في سبِ َّي ٍة من السبايا فأذن له فاختار صفية بنت حيي ،وذكر للنبي صلى الله عليه
وسلم مكانها وفضلها وأنها ال تصلح إال له صلى الله عليه وسلم ،فدعا بدحية ،وبها فلما
نظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :خذ جارية من السبي غيرها ،وأعتقها النبي
صلى الله عليه وسلم وتزوجها ،وبنى بها في الطريق ،وقد ذكر إسالمها بادئ األمر ،حيث
ِ
اخترت ورد أنه لما دخلت صفية على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها :اختاري فإن
أمسكتك لنفسي ،وإن اخترتي اليهودية فعسى أن أعتقك فتلحقي بقومك ،فقالت: ِ اإلسالم
وصدقت بك قبل أن تدعوني ،حيث صرت إلى رحلك ُ يت اإلسالميا رسول الله قد َه ِو ُ
ومالي في اليهودية أرب ومالي فيها والد وال أخ ،وخيرتني الكفر واإلسالم فالله ورسوله
إلي من العتق وأن أرجع إلى قومي ،فأمسكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، أحب ّ
وفي الطريق كانت أم سليم بنت ملحان أم أنس قد أصلحت من شانها فبنى بها صلى الله عليه
وسلم في محلة بين خيبر والمدينة بثالث ليال وضرب عليها الحجاب.
(( ( اخلرب يف صحيح البخاري ج 180/7كتاب الطب ومسند اإلمام أمحد ج.451/2
(( ( اجلامع يف السرية ج.252-251 /3
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 151 التليد والطارف
عمرة القضاء
المنْتَظِ َم� ْة ِ
الس�ابِ َعة ُ
ِ
الس�نَة َّ ف�ي َّ َ�ت ُم ْل ِز َم� ْة وعم�ر ُة ال َق َض ِ
�اء كَان ْ َ ُ ْ َ
يما َم َض ٰى ِم ْن َع�ا ِم ُص ْلحٍ َقدْ َأغ َْم ف َ
ِ الح َ�ر ْم�ن َ �م َع ِ ِ
�ن َصدِّ ه ْ
ِ
َبدي َل� ًة َع ْ
ِ د َ ِ اض ج ِ
المَلَ �اء َ ون سَل�اَ حٍ م ْث َل َم�ا َش َ ُ �ذل ي َر ٍ َ اله�دْ َ
�ي َ�اق النَّبِ ُّ
َس َ
الس� َف ْر
ض َّ َو َأ ْف َط َ�ر النَّبِ ُّ
�ي في َب ْع ِ الش ْه ِر األَغ َْر
َو َخ َر ُجوا في َم ْط َل ِع َّ
يشير الناظم إلى استخالف النبي صلى الله عليه وسلم على المدينة كلثوم بن حصين
الطفار #على رواية ،وعلى رواية أخرى استخلف عبد الله بن أم مكتوم ،وكان خروج النبي
في مستهل شهر رمضان على رأس ثمان سنين ونصف من مقدمه المدينة ( البخاري ج ه
، ) 185/واجتمع مع النبي في الغزوة عشر آالف من المسلمين .
يشير الناظم إلى مجيء أبي سفيان بن حرب ومعه نفر من قومه فلما رأوا العسكر أفزعهم
مسمع العباس #صوت أبي سفيان ،فقال :يا أبا حنظلة ،فقال :لبيك فما وراءك ؟ قال :هذا
رسول الله في عشرة آالف فأسلم ثكلتك أمك وعشيرتك ،فأجاره ثم خرج به على بغلته شنه
#تخور رسول الله ،فرآه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال :أبو سفيان عدو الله الحمد
لله الذي أمكن منك بغير عقد وال عهد وقام يشتد خلفه ،ودخل العباس به على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر خلفه يقول :يا رسول الله هذا أبوسفيان قد أمكن الله
منه بغير عقد وال عهد فدعني أضرب عنقه ،قال رسول الله :إني قد أجرته ،فلما أكثر عمر
من شأنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( :عباس اذهب به إلى رحلك ،فإذا أصبحت
فأتني به ،فلما أصبح غدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى
الله عليه وسلم ( :ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه ال إله إال الله ) ،قال :بأبي أنت
وأمي ما أحكمك وأكرمك وأوصلك ،والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى
#مني شيئا بعد ..إلى أن قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :ويحك أسلم واشهد أنه
ال إله إال الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك .
قال فشهد شهادة الحق وأسلم ،قال العباس :قلت :يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب
الفخر فاجعل له شيئا قال ( :نعم ..من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ..إلخ) ،وإلى ذلك أشار
الناظم بقوله :
ِ
ف�ي َد ِاره َحت ٰ
َّ�ى َم َض ٰى َعنْ� ُه َم َث ْل �ل�ن َد َخ ْ �ن النَّبِ ُّ
�ي ك َُّل َم ْ َف َأ َّم َ
الم ْس ِ ِ
الح َرا ِم
جدَ َ ى َو َالهدَ َٰأ ْر َض ُ إل ْسَل�اَ ِم �ب ا ِ �ت َكتَائ ُ َو َد َخ َل ْ
الو ْج� ُه ن َِض ْ�ر ٍ
بِ ُب ْ�ر َدة َح ْم َ�ر َاء َو َ �ول ُم ْعت َِم ْر
الر ُس ُ
�ج َو َّ �ن ك ُِّل َف ٍّ
م ْ
ِ
�ل َو ْام َ�ر َأ ٍة َج�اؤُ وا ز َُم ْرِم ْن َر ُج ٍ �ن َح َض ْ�ر �ي ك َُّل َم ْ�ع النَّبِ ُّ
َو َبا َي َ
�ل نَاطِ ًق�ا ُم ْس� َت ْقبِ اًل َب ْي َعت ََه�ا
َب ْ �س ْام َ�ر َأ ًة بِ َي ِد َه�ا�م َي َم ََّو َل ْ
يشير الناظم إلى مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة ،قال :فجاءه الناس الصغار
والكبار والنساء فبايعوه على اإلسالم والشهادة .
�ل النِّي ِ
�ة الج َه�ا ُد ِم ْث ُ
ِ �ي ِ اله ْج َر ِة
ت بِال َفتْ�حِ َع ْي ُن ِ
َوا ْن َق َط َع ْ
َّ َو َبق َ
يشير الناظم الى قوله صلى الله عليه وسلم ( :ال هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية ،وإذا
استنفرتم فانفروا ) صحيح البخاري ج 3/18ابواب ###
ش َو ُأولِي َّ
الش ْأ ِن ُ
الم ِه ْم َع َل ٰى ُق َر ْي ٍ �م ِ
�ي ك َُّل َم�ا غَن ْ َو َوز ََّع النَّبِ ُّ
�ى بِال َع ِ
اج ِل َب ال َب ْع ُض ِر ًض ٰ
َف َعت َ اب َوال َق َبائِ ِل ِم�ن جم َل ِ
�ة األَ ْع َ�ر ِ ْ ُ ْ
ى ُ�م َأ ْه ُ
�ل النَّدَ ٰ �م َأ ْنت ُ �ال فِ ِ
يه ْ َو َق َ ى اله�دَ ٰ �ي َأن َْص َ
�ار ُ �ع النَّبِ ُّ
َف َج َم َ
�ر ٰه َ
�ذا ال َعا َل� ِم َو َأ ْنت ُ
ُ�م بِخَ ْي ِ المغَانِ� ِم
َّ�اس بِ َ
َي ُع�و ُد ك ُُّل الن ِ
يشير الناظم إلى كثرة الغنائم التي قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المؤلفة
قلوبهم من قريش واألعراب حتى استشاط بعض أحداث األنصار وجاء من يقول :قسمت
الغنائم في قومك وقبائل العرب ولم يكن في هذا الحي من األنصار منها شيء ،فقال صلى
الله عليه وسلم :اجمعوا إلي القوم من األنصار ،فاجتمعوا فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم
وقال :يا معشر األنصار ما قال ٌة بلغتني عنكم وأشار إلى ما قيل عنهم حتى قال :أال ترضون يا
معشر األنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ؟! فوالذي
نفسي بيده لوال الهجرة لكنت امرأ من األنصار ،ولو سلك الناس شعبا وسلكت األنصار
شعبا لسلكت شعب األنصار ،اللهم ارحم األنصار وأبناء األنصار وأبناء أبناء األنصار ،قال
فبكى القوم حتى اخضلت لحاهم ،وقالوا رضينا برسول الله قسما وحظا .ثم انصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتفرقوا (صحيح البخاري ج.)201/200/5
�م ص ن َِه ْآن ف�ي ِح ْ�ر ٍ ِق َ�ر َاء ُة ال ُق ْ�ر ِ �أنِ ِه ْم�ن َش ْ ِ َفه ُ ِ ِ
�ؤلاَ ء فئَ� ٌة م ْ ٰ
�ي َأ ْح َم�دَ ا
�ش النَّبِ ِّ
ُم َج ِّه�ز ًا َج ْي َ جيب� ًا لِلنِّ�دَ ا
�ان ُم ِ
�اء ُع ْث َم ُ
َو َج َ
يشير الناظم إلى موقف عثمان بن عفان يوم جاء بمئة بعير بأحالسها وأقتابها في سبيل الله
،وفي رواية مئتا بعير وفي رواية ثالثمئة بعير ،ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من على
المنبر وهو يقول :ما هلى عثمان ما عمل بعد هذه ،ما عمل عثمان ما عمل بعد هذه.
ِ �ون الك َِذ َب�ا
المنَافِ ُق َ َو َأ ْك َث َ�ر
الر َب ٰى َو َث َّب ُطوا الن َ
َّ�اس ل َي ْب ُقوا في ُّ ُ
يشير الناظم إلى موقف ناس من المنافقين حيث جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم يستأذنون في التخلف من غير ع ّلة ،فأذن لهم وهم بضعة وثمانون رجال ،قال ابن
عباس :فلما أزف خروج النبي صلى الله عليه وسلم أكثروا االستئذان وشكوا شدة الحر
وخافوا.
�ى في ا َّلتِي
وس ٰ
ك َِم ْث ِل هار َ ِ
ون ل ُم َ َ ُ
ْ�ت ف�ي المن ِْز َل ِ
�ة َ �ال ِمنِّ�ي َأن َ
َو َق َ
يشير الناظم إلى استخالف النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في المدينة بعد
خروجه ناحية تبوك ،فأرجف به المنافقون وقالوا :ما خلفه إال استثقاال له وتخففا منه ،فلما
بلغه ذلك حمل سالحه وخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجرف ،فقال :يا
نبي الله زعم المنافقون إنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وتخففت مني ،فقال :كذبوا ولكني
خلفتُك لما تركت ورائي ،فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ،أفال ترضى يا علي أن تكون
مني بمنزلة هارون من موسى إال أنه ال نبي بعدي؟ فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله
صلى الله عليه على سفره.
ِ
ى ُم َح َّم�د ًا ُض ًح�ى َم ِه ْ
ين َغدً ا ن َ
َ�ر ٰ ينالم ْر ِجف ْ َوفي ال َّط ِر ِ
يق َق َال َب ْع ُض ُ
َت ُق�و ُد ُه ال�روم بِ َش�ر َح ِ
�ال الح َب ِ
�ال �ر بِ ِ ُم َق َّي�دً ا ف�ي األَ ْس ِ
ِّ ُّ ُ
�ن َس َ
�أ َلت َْه ُم) ِ ِ ِ َفنَ�ز ََل ال ُق ْ�ر ُ
�م ( َلئ ْ
َوكَاش�ف ًا َعن ُْه ْ آن َي ْحك�ي َق ْو َل ُه ْ
�م
يشير الناظم إلى حال من أظهر النفاق في طريق تبوك حيث قال بعضهم لبعض :أتحسبون
جالد بني األصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ والله لكأنا بكم غد ًا مقرنين في الحبال! فلما
سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مقالتهم قالوا :إنما كنا نخوض ونلعب ،فأنزل
الله خبرهم في القرآن وأثبت استهزائهم وقال لهم ( :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ)
[التوبة.]66:
َف َع�ا َد ِمن َْه�ا َع ِ
جًلً ُمن ِ
َ�او ًءا �م َي ِ
جدْ َح ْر ًب�ا َولاَ َك ْي�دً ا َول َو َل ْ
ِ ِ َر َس�ائِ اًل َو َصا َل َح ال َب ْع َض ك ََما َقدْ َأ ْر َسَلَ
ل َب ْعض ِه ْ
�م ُم َف ِّصَلَ
يشري الناظم إىل اهتامم النبي ﷺ بأمور التحوالت وجمريات األحداث ،وخطورة ما قد يقع
فيه املسلمون من بعده ،فكانت خطبته ﷺ يف حجة الوداع من أعظم وأشمل ُ
اخلطب اجلامعة
شؤون احلياتني ،وما جيب عىل األمة فهمه وإدراكه بشأن مسؤولياهتام ُبعيد نزول القرآن وبعثة
املصطفى ﷺ ،وقد قال فيها« :ال أدري لعيل ال ألقاكم بعد عامي هذا»((( واعترب أهل العلم هذه
اخلطبة هي البيان األخري يف شأن الديانة والتدين وفيها حدَّ َد النبي ﷺ معامل املستقبل عىل الوجه
الذي يرضاه اهلل.
فهي (ضابطة التحوالت) من يوم اخلطبة إىل يوم الدين َفأ ُّي َخ َللٍ جيري يف ضوابط هذه
املفاهيم التي قررها ﷺ يف خطبته تشري إىل الفساد املمقوت والنقض الرصيح لمِ ا دعا إليه ﷺ
قبل أن يموت ومن هذه الثوابت:
)1حرمة األموال واألعراض والدماء «إنَّ ِد َم َاء ُكم َ
وأ ْم َو َال ُكم َعليكم َح َرام».
معنى من معاين
ً )2حرمة القتال بني املسلمنيَّ ،
وأن هذا الفعل داخل دائرة املسلمني يعد
العودة إىل الكفر «ال َت ْر ِج ُعوا َب ْع ِدي ُك َّفار ًا».
((( ص« 497رشف املصطفى» لعبدامللك بن أيب عثامن ،قال املحقق نبيل بن هاشم الغمري :قال أبو عاصم:
وقد طعن قوم يف حديث « :من كنت مواله فعيل مواله» منهم الشيخ ابن تيمية رمحه اهلل ذهب إىل أنه
مكذوب عىل رسول اهلل ﷺ ،وقد قال احلافظ الذهبي يف «السري» و «التذكرة» :احلديث ثابت بال ريب.
اهـ ص.493
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 174 التليد والطارف
رار بَعدَه اع عَ ىل َ
الق ِ مَ وق ُِف ُه ﷺ مـن َق ِ
ضية االجْ تِمَ ِ
�و َأق�وى َس�نَدَ ا ك َُّل ُ
الو ُه�و ِم َو ْه َ َ�ذا َح ِد ٌ
ي�ث َق�دْ َأتَ�ى ُم َب�دِّ َدا ك َ
ك ََم�ا َأتَى في الن َِّّص فاس� َت ْع ِصم بِ ِه �ول ال�ذي َأ ْو َصى بِ ِه
�ر ال َق ِ ِمن ِ
آخ ِ
ِ
مطل�بوع َظ� ًة َجلِي َل� ًة فِ�ي ا َل
م ِ
َ
اض ِمن َق ِ
ول النَّبِ ْي َف َقد روى ِ
الع ْر َب ُ ََ
رج ِع
ي�ر َم َ ص َأ َ
نت َخ ُ ف�أو ِ
َقال�واْ : الم�و ِّد ِع
ُ فيه�ا ُخط َب� َة
َ َأن
ك َّ
ِ �م ُعوا كَذا أطِي ُع�وا األُ َم َرا
ك�ن َع ْب�دَ ًا َقميئَ� ًا ُأم َ
ِّ�را �و َي ْو َل ْ َق َالْ :اس َ
َ�ذا ِ
انص َرا َفا في الحكْ� ِم ِ
والع ْل ِم ك َ �ش َي َ�رى َا ْختِ اَل َف�ا�ن َي ِع ْ َف َّ
ُ �إن َم ْ
ِ ِ ِ َفالت َِزم�وا الم ِ
ل ُس�نَّتي َو ُخ َل َف�اء الس َ
ِّ�يـر ْة الش�هير ْة �ف َ واق َ َ ُ
ع ُّض�وا ع َليها فِي َل َظ�ى الكَو ِار ِ �يد و ِار ِ �دي ر ِش ٍ ِ ِ
ث َ َ َ َ ث َ �ن ك ُِّل َم ْه ٍّ َ م ْ
(((يشري الناظم إىل أن من صفات النبوة إخباره ﷺ بام سيحصل من بعده يف حميط احلكم
والعلم ،وكيف استبق ﷺ األحداث ،ووضع املعاجلات لشتى الظروف املتوقعة حيث ألقى
نصها :عن أيب نجيح العرباض بن سارية
خطبته الشهرية التي رواها العرباض بن سارية ،وهذا ُّ
القلوب و َذ ْ
رفت منها العيون ،فقلنا :يا وع َظنَا رسول اهلل ﷺ َموعظ ًة َو ْ
جلت منها ُ ؤ ،قالَ :
ُ َ
مع َّ
والطاع َة وإِ ْن َت َّأمر موعظة ُمو ِّد ٍع َفأ ْو ِصنَا ،قال« :أ ْو ِص ْيكم بتقوى اهلل َ
والس َ ُ رسول اهلل كأنهَّ ا
املشوه.
(( ( القمئ :القصري ّ
((( رواه أبو دواد والرتمذي وقال :حديث حسن صحيح.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 175 التليد والطارف
أحاديث شتى حول ما َّ
حذر منه النبي ﷺ من بعده حول مسألة االختالف يف القرار ،منها
ول اهلل ﷺ َعلىَ َق ْتلىَ ُأ ُح ٍد ُث َّم َص ِعدَ «صلىَّ َر ُس ُ حديث مسلم عن عقبة بن عامر ؤ ،قالَ :
ض َوإِ َّن َع ْر َض ُه َكماَ َبينْ َ َأ ْي َل َة إِلىَ ات ،فقال« :إِنيِّ َف َر ُط ُك ْم َعلىَ َ
احل ْو ِ اء َوالأْ َ ْم َو ِ
املو ِّد ِع لِلأْ َ ْح َي ِ
المْ ِ ْنبرَ َ َك َ
الجْ ُ ْح َف ِة إِنيِّ َل ْس ُت َأ ْخ َشى َع َل ْي ُك ْم َأ ْن تُشرْ ِ ُكوا َب ْع ِدي َو َل ِكنِّي َأ ْخ َشى َع َل ْي ُك ْم الدُّ ْن َيا َأ ْن َتنَا َف ُسوا ِف َيها
آخ َر َما َر َأ ْي ُت َر ُس َ
ول اهلل ﷺ َعلىَ ال ُع ْق َب ُةَ :ف َكا َن ْت ِ َ َت ْقتَتِ ُلوا َفت َْه ِل ُكوا َكماَ َه َل َك َم ْن َك َ
ان َق ْب َل ُك ْم» َ ،ق َ
(((يشري الناظم يف هذا الفصل إىل حادثة أخرى من حوادث املرحلة األخرية من حياة
رسول اهلل ﷺ وما التبس فيه األمر لدى املفرسين للمواقف ،فقد روى البخاري عن ابن
عباس ريض اهلل عنهام ،قال« :ملَّا اشتد بالنبي ﷺ َو َج ُع ُه قال :ائتوين بكتاب أكتب لكم كتاب ًا
إن ال َّنبي ﷺ غ َل َب ُه الوجع وعندنا كتاب اهلل َحس ُبنَا ،فاختلفوا َ
وك ُثر ال تضلوا بعده» قال عمرَّ :
اختصموا
ُ َاب اهلل فاختلف َأ ْهل البيت َو
اهلل ﷺ َقد غلبه ا ْل َو َجع وعندكم ا ْل ُق ْرآنَ ،ح ْس ُبنَا ِكت ُ
فمنهم َم ْن َي ُقولَ :ق ِّر ُبوا يكتب َل ُك ْم كتا ًبا لاَ َت ِض ُّلوا َب ْعدَ ُه ،ومنهم من يقول َغيرْ َ ذلك ،فلام َأ ْك َثروا
الر ِز َّي َة
وموا» ،قال عبداهلل فكان ابن عباس يقول« :إِ َّن َّ ال رسول اهلل ﷺُ « :ق ُ ال َّلغْ َو َوالاِ ْختِلاَ ف َق َ
((( قال الشيخ الندوي يف كتابه «املرتىض» :وقد عاش رسول اهلل ﷺ بعدما طلب القرطاس ثالثة أيام ،ومل يعد
إىل ما طلبه ومل يرصح بيشء يف أمر اخلالفة ،ووىص يف نفس ذلك اليوم بوصايا ومل يرصح فيها بيشء من
أمر اخلالفة ،ويقول سيدنا عيل ريض اهلل عنه« :أوىص رسول اهلل ﷺ بالصالة والزكاة وما ملكت أيامنكم»
رواه البيهقي وأمحد .ومنها قوله« :قاتل اهلل اليهود والنصارى اختذوا ُق ُبور أنبيائهم مساجد ،ال َي ْب َقينَ َّ ِدين ِ
َان
ِ
بأرض العرب» رواه مالك يف «املوطأ» .
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 179 التليد والطارف
يشري الناظم إىل أن ترك الرسول ﷺ موضوع الكتابة من أساسه فتح باب ًا االجتهاد عىل
مرصاعيه بعد وفاته للصحابة ئ أمجعني يف شأن القيادة.
ومن عجيب ما نقله صاحب «تاريخ اخلميس» يف هذا األمر ،قوله :ومما وقع يف مرحلته ﷺ
وجعه اشتد يوم اخلميس فأراد أن يكتب كتاب ًا ،فقال لعبد الرمحن بن أيب بكر« :ائتني بكتف
أن ََّ
أو لوح أكتب أليب بكر كتاب ًا ال خيتلف عليه» ،فلام ذهب عبدالرمحن ،قال :أبى أن خيتلف عليك
يا أبا بكر .اهـ((( .
يشري الناظم إىل أن حديث الكتابة وما جرى بشأن ال َّل َغ َط وما ترتب عليه ليس فيه من حيث
مفهوم (سنة املواقف) من «انتقاص ألحد» من الصحابة أو احلارضين ..ألن الرسول ﷺ مل
يرش بقوله إىل هتمة أحد من أصحابه يف جملسه ،وإنام أمر اجلميع باخلروج ..ولو كان يف هذا
لسبب أجراه اهلل عىل لسانه فاملوقف النبوي «ال حُيايب»
ٍ املوقف ما يدل عىل انتقاص ٍ
أحد معني
أحد ًا سواء كان قوله من قبيل التأثر باملوقف أو كان يف نفسه يشء عىل أحد من القوم.
إضافة إىل أن َف ْه َم البعض امتناع قول النبي حقيقة معينة ل ّل َغ ِط الذي جرى عنده ٌ
فهم ال
يتناسب مع مقام النبوة ،فالنبي ﷺ لن يكتم شيئ ًا من الوحي أمر بإبالغه.
�اد ِ
الم ْث ِ
�ل م َؤكِّ�دٌ دور اجتِه ِ �ر ُد ْو َن َف ْص ِ
�ل َفتركُ� ُه ل َ
أل ْم ِ
َ َ ْ َ ُ
أي ترك األمر دون فصل فيه يؤكد بروز موقف صاحب الرسالة من موافقته عىل االجتهاد
يف شأن هذا األمر الذي مل حيسم ،وأما حديث املواالة الذي سبق فهو حديث بمختلف رواياته
ُيبرْ ِ ُز فضل اإلمام عيل ومكانته يف اإلسالم إلاَّ أن العلامء أكدّ وا عدم إثبات اخلالفة نص ًا لإلمام
وخ ُل ِق ِهم إذ هبم وبمن أخذ عنهم منهج السالمة جتتمع كلمة َّ
األمة وتزول غالب من علمهم ُ
سلبياهتا.
وأما مسألة موقعهم من القرار فال إشارة يف نص احلديث يف ما يظهر لنا إىل يشء من ذلك
حيث جرى مثل هذه الوصية منه ﷺ باألنصار وغريهم ،واهلل أعلم.
فإنا َأ ُ
عظم املصائب» (((؛ ألن وجوده ﷺ بني ٍ
بمصيبة فليذكر مصي َبت ُه بـي ،هَّ أصيب أحدُ ُكم
ظهراين الناس كان أمان لألمة وتأسيس لرشف الدعوة اإلسالمية بنـزول الوحي عىل رسول
وخطأٍ ..وأما موته ﷺ فهو باب
نوح َ ٍ
وثبات يف املعاجلات لكل ما يقع يف الناس من ُج ِ اهلل ﷺ
لفتح ما َأ ْو َعدَ به ﷺ من توارد عالمات الساعة ،وبروز رؤوس ِ
الفتن التي َح َّذر منها عليه
الصالة والسالم يف جممل أحاديثه.
َّ
وعن عائشة ريض اهلل عنها :أن رسول اهلل ﷺ ،قال« :من أصيب منكم بمصيبة من
يصاب أحدٌ من أمتي من بعدي بمثل مصيبته
َ بعدي فل َيت ََع َّز بمصيبته بـي عن مصيبته ،فإنه لن
بـي»(((.
ِ
بـيت الساعةَ :موتِـي ،ثم َف ُ
تح وعن عوف بن مالك رفعه ،قالُ « :ا ْعدُ ْد ِس ّت ًا بـني يدي َّ
املَقدس ...احلديث» ((( اهـ.
((( رواه الطرباين عن سابط اجلمحي وابن سعد عن عطاء بن أيب رباح.
((( رواه الطرباين يف «األوسط» .
((( أخرجه البخاري يف صحيحه عن عوف بن مالك ،ومتام احلديثُ « :ا ْعدُ ْد ِس ّت ًا بني يدي الساعة :مويت ،ثم
فتح بيت املقدس ،ثم ُموتانٌ يأخذ فيكم كقعاص الغنم ،ثم استفاضة املال حتى يعطى الرجل مئة دينار
فيظل ساخط ًا ،ثم فتنة ال يبقى بيت من العرب إلاَّ دخلته ،ثم هدنة تكون بينكم وبني بني األصفر فيغدرون
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 183 التليد والطارف
ظاهِ ُر تَحَ و ُ
ُّالت ما بَعْ َد عَ رْ ِ
ص ال ِّر َسالة مَ َ
أشار الناظم إىل انتقال الرسول ﷺ من عامل الدنيا إىل عامل اآلخرة ،وأن هبذا األجل املقيض
انقطع عن األرض «وحي السامء» الذي استمر ثالث ًا وعرشين سنة ،كام انقطع أيض ًا رخيم صوت
الرسول ﷺ بـني أصحابه وأهله؛ ولك َّنه عليه الصالة والسالم «مل يمت حتى أقام ُ
احل َج َج»
إشار ٌة إىل املفاجأة التي حدثت بموت رسول اهلل ﷺ يف أصحابه وشمول القلق واالرجتاف
من هول احلدث باعتبار حال البرشية.
فيأتونكم حتت ثامنني غاية حتت كل غاية اثنا عرش ألف ًا».
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 184 التليد والطارف
وح َس َ�رى
الر ُ
َّبـ�ي إن ََّم�ا ُّ
�و َت الن ِّ
َم ْ كان ال َي َ�رى
وق َ�ار ُ
َف ُع َم ُ�ر ال َف ُ
�ج ِد
الم ْس ِ
ون َ
َقتَلتُ�ه بالس�ي ِ
ف ُد َ ّ ْ ُ
�وت َأحم ِ
�د ْ َ
وق�ال م�ن نَ�ادى بم ِ
َ َ َ
إشارة إىل ما َط َر َأ عىل س ِّيدنا عمر ؤ عند تلقي اخلرب وإرصاره عىل أن رسول اهلل مل يمت
وإنام ذهب إىل ربه كام ذهب موسى وإنه سريجع ،وصعد عمر ؤ عىل املنرب يصيح بالناس
وهيدد القائلني بموت رسول اهلل بالقتل والنفاق.
ي با َّل�ذي َيلِ ُ
ي�ق الح ِ
�ر ُّ وه�و َ ْ ي�ق ول�م َي�زَل َحتَّ�ى َأتَ�ى ِّ
الصدِّ ُ ْ
والم ِض ْي ِ
ت ف�ي الحياة ُ َو َقال :طِ ْب َ الو ِض ْي ِ
الوجه َ
المختار ف�ي َ
َ َف َق َّب َل
أشار الناظم إىل موقف الصديق ؤ من مفاجأة املوت حيث دخل عىل رسول اهلل
والجميع في َشت ْ
َات م ْو َت الرس ِ
ول �ات ِ
للمس�جد َي ْ�ر ِوي ب َث َب ْ وع�ا َد
ُ َّ ُ َ
التحول ،فثباته أمام مفاجأة
ُّ وكان هذا موقف ًا شجاع ًا من سيدنا أبـي بكر الصديق أمام هذا
وحسم ْت موقف َ
احلرية التي رضبت عقوهلم َ ـم َش ِ
عث أصحاب النبـي ﷺ املوت أسهمت يف َل ِّ
ِ
الناس اآلية (ﭳ عم ُر بن اخلطاب النـزول وتال عىل
وأفهامهم ،إذ صعد املنرب بعد أن أ َبى َ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ) (((.
((( «االنرشاح ورفع الضيق يف ترمجة سيدنا أبـي بكر الصديق» ص.115
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 186 التليد والطارف
اختالف الصحابة حول موضع القرب الرشيف
((( ويؤيد هذا حديث ذكره يف «فيض القدير» ( )21 :2وإسناده حسن وله وشواهد قوله صىل اهلل عليه وآله
وسلم« :اف ِر ُشوا يل قطيف ًة يف َ
حل ِدي» .
((( عن ابن جريج عن أبيه أهنم شكوا يف قرب رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أين يدفنونه ،فقال أبو بكر:
سمعت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول :إن النبي ال حيول عن مكان يدفن حيث يموت ،فنحوا
فراشه فحفروا له موضع فراشه .رواه ابن أيب شيبة وأمحد ،ولفظه :لن يقرب نبي إلاَّ حيث يموت ،قال
ابن كثري :هذا منقطع من هذا الوجه فإن ولد ابن جريج فيه ضعف ومل يدرك أيام الصديق« .كنز العامل»
(.)235 :7
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 187 التليد والطارف
بي ﷺ وانقطاع الوَحْ ي
وت الن َ َّ
تَحوالت ما بَعد مَ ِ
املقصود من «الفلتة» املشار إليها قوة املوقف الناشئ عن القيام باحلجة الدامغة حيث أهلم
اهلل أبا بكر الصديق ؤ حجج اإلقناع ،فأدخل إىل قلوب األنصار احلق دون أن يعرضهم
للفتنة ،حيث أثنى عليهم بام هم أهله ،وذلك موقف هام ،ثم أقنعهم بعد أن اعرتف بفضلهم أنه
ال يعني أح ِّق َّيتَهم يف اخلالفة ،ألن النبـي ﷺ قد ّ
نص عىل أن املهاجرين من قريش هم املقدَّ ُمون
يف هذا األمر((( .وأشار املؤرخون إىل َّ
أن أبا بكر الصديق ؤ استدل عىل أن أمر اخلالفة
«استوصوا بِ َ
األن َْصار خري ًا ،اقبلوا من حُم ِسنِ ِهم وجتاوزوا عن ُ يف قريش بوصية رسول اهلل ﷺ:
الصادقني وسماَّ كم ا ُمل ِ
فلحني» إشارة ملا ورد يف مسيئِهم» كام احتج أيض ًا بقولهَّ :
«إن اهلل سماَّ نا َّ
آية( :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ
ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ) ((( ،ثم قال :وقد أمركم اهلل أن تكونوا معهم حيثام كانوا
التحوالت النفسية التي طرأت عىل الصحابة عند فراقهم لرسول اهلل ﷺ
ُّ إشارة إىل مدلول
وذهابه عنهم فجأة ،وقد ألِ ُفوا االحتكام إليه وااللتفاف واإلمجاع عليه والتشاور لديه ،حيث
ٌ
حقيقية ورد «ما نفضنا أيدينا من تراب رسول اهلل ﷺ حتى أنكرنا قلوبنا»((( ،وهذه ظاهر ٌة
تلحق مثل هذا التحول ،وتطرأ عىل النفوس والقلوب وحشة وانـزعاج ،وخاصة أن كلام
اختلف عليه القوم من قبل كانت عصمة الوحي تفصل فيه وجتزم يف شأنه ،وأ ّما ما هم فيه اآلن
إنام يرجع رِ
لصف الفهم واالجتهاد((( .
والوال ٍ
اجتهاد في ال َق ِ ِص�ر ِ �و َل األَ ْم ُ�ر إل�ى ِ
�رار َ ف ْ وم�ن هن�ا ت ََح َّ
وبعد هذه املرحلة التي انتقل فيها رسول اهلل ﷺ برزت عىل سطح الواقع االجتامعي مواقف
متنوعة أفرزها التحول اجلديد ما بـني مواقف تعقل واتزان ومواقف اندفاع وانفعال.
فمن مواقف التعقل واالتزان:
-1أن قيادة األمة ال تقام إلاَّ باالختيار.
-2وأن البـيعة أصل من أصول االختيار ورشعية القيادة.
-3وأن اخلالفة ال يتوالها إلاَّ األك َفاء ِدين ًا َ
وعق ً
ال وإدار ًة.
-4ال تدخل اخلالفة السياسية ضمن الوراثة والقبلية إلاَّ من داخل قرار النص
الرشعي الذي ال يتعارض مع أصول اإلسالم ،وإذا افرتضنا دخوهلا بام اعتقده البعض من
نصوص تؤكد أو تشري لذلك ،فإن مواقف رجل اخلالفة يوقف العمل بالنص عند قبوله
الرأي اآلخر وااللتزام به ،كام فعل اإلمام عيل وفعل بصورة أوسع وأشمل اإلمام احلسن
بن عيل ؤ ويف هذين حجة ملن أشكل عليه األمر.
-5احلوار الذي دار يف السقيفة َّأدى إىل تسليم كافة العنارص للنصوص التي حتكمهم،
حيث كانت املرجعية يف احلوار إىل النصوص الرشعية.
-6اإلعالن من سيدنا أبـي بكر الصديق بعد البـيعة باسترباء نفوس املسلمني من أي
معارضة خلالفته ،وقيام اإلمام عيل ؤ ،قائ ً
ال« :واهلل ال نقيلنك وال نستقيلنك فمن ذا
يؤخرك قدَّ َم َك رسول اهلل ﷺ» (((.
((( ورد يف رواية أخرى قول اإلمام عيل« :ال نقيلك وال نستقيلك ،قدمك رسول اهلل ﷺ لديننا ،أال نرضاك
لدنيانا؟» قال الباقالين :يعني بذلك حني قدمه لإلمامة يف الصالة واستنابته يف احلج .راجع «رفع الضيق»
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 191 التليد والطارف
-7اجتامع السقيفة يقرر مبدأ الشورى كأصل رشعي لنظام احلكم يف اإلسالم.
-8اختيار رجل الدولة بالشورى والبـيعة احلرة.
َ -9ش ْف ُع االختيا ِر بالبـيعة العامة ،أي :موافقة مجهور املسلمني.
-10خطاب رجل الدولة للمسلمني عند استالم احلكم.
ص. 122
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 192 التليد والطارف
ثم رد بشري بن سعد األنصاري (لو كان هذا الكالم ِ
سم َع ْت ُه األنصار منك يا عيل قبل بيعتها
أليب بكر ما اختلف عليك اثنان)((( .إذن فبيعة أيب بكر َأ َّيدَ َها األنصار لعدم علمهم كغريهم
هبذه األحقية ثم بعد علمهم هبذه َ
األ َح ِّق َّي ِة مسمي ًا ما ورد ذكره من قول اإلمام عيل ،مل ينكث
األنصار بيعة أيب بكر ،فكان عىل اإلمام عيل ؤ أن يعارض اجلميع وأن يقف بعيد ًا عن
الساحة أو أن يموت يف سبيل موقف األح ِّق َّي ِة هذا إذا جتاوزنا حكمة أيب بكر الصديق وسالمة
مواقفه منذ ساعة وفاة رسول اهلل ﷺ .
-2ما نسب لسعد بن عبادة من جمانبته البـيعة وخمالفته ألبـي بكر وعمر ،مما خيالف علمه
ومقامه ،كام أنه مل يصح ما ورد يف بعض املراجع أنه بعد بـيعة أبـي بكر كان ال يصيل بصالهتم
وال يفيض احلج بإفاضتهم(((.اهـ
سب َب االنشغال باخلالفة عن دفن النبـيﷺ.
-3ما روجه البعض أن الطمع يف الرئاسة َّ
-4ما يقال من أن حديث «األئمة من قريش»((( شعار رفعته قريش الستالب اخلالفة
من األنصار وأنه جمرد رأي ألبـي بكر وليس حديث ًا ،وهذا القول من نوع التشويش والتشويه
الذي حيلو لبعض العنارص املستفيدة من منهج التشويش والتشويه والتحريش.
(( ( كتاب «نظرية عدالة الصحابة» ألمحد حسني يعقوب ص .135 - 132
((( املصدر السابق.
((( حديث «األئمة من قريش» ورد يف الصحيحني وغريها بألفاظ متعددة« .رفع الضيق يف سرية أبـي بكر
الصديق» ص.25
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 193 التليد والطارف
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 194 التليد والطارف
الر ِ
اش َدة َّ ِ
ة َ
ف ال ِ
اخل َم ْر َح َل ُة
عن أيب الطفيل ريض اهلل عنه أنه سمع حذيفة ريض اهلل عنه يقول« :يا أهيا الناس أال
تسألوين؟ فإن الناس كانوا يسألون رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم عن اخلري وكنت
ت َ
األحياء؟ فقال :إن اهلل بعث حممد ًا صىل اهلل عليه أساله عن الرش ..أفال تسألون عن َم ِّي ِ
وآله وسلم فدعا الناس من الضاللة إىل اهلدى ومن الكفر إىل اإليامن ،فاستجاب له من
فحيِ َي باحلق من كان ميت ًا ومات بالباطل من كان ّ
حيا ،ثم ذهبت النبو ُة فكانت استجابَ ،
اخلالفة عىل منهاج النبوة ،ثم يكون ِم ْلك ًا َع ُضوض ًا ،فمن الناس من ُينكر بقلبه ويده
ولسانه واحلقَّ است َْك َمل ،ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كا ّف ًا يده وشعب ًة من احلق َت َر َك،
احلق َت َر َك ،ومنهم من ال ينكر بقلبه
ومنهم من ينكر بقلبه كا ّف ًا يده ولسانه وشعبتني من ِّ
ت األحياء»
ولسانه ،فذلك َم ِّي ُ
حذيفة بن اليامن أمني رس رسول اهلل ﷺ يشهد بسالمة
املرحلة الراشدة ،عن «احتاف اجلامعة بام جاء يف الفتن واملالحم
وأرشاط الساعة» ( )213 :1حلمود بن عبداهلل التوجيري
ِّب�اع �اء وه�و َأص ُ ِ لِلخُ َل َف ِ �ت ِمنْه�اج ِ لأِ َ َّن فِ�ي التَّثبِي ِ
�ل االت ْ َ ْ َ ْ �اع
اجت َم ْ َ َ ْ ْ
َب ون َش�غ ِ َو َحك َُم�وا ال َع ْص َ�ر بِ�دُ ِ �و ا َّلذي ْارت ََضا ُه َأ ْص َح ُ
�اب النَّبِ ْي َو ْه َ
ول فِ�ي الدُّ نَ�ا و ِ
اآلخ َ�ر ْة �م ُع�دُ ٌ َو ُد ْو َن ت َْح ِر ٍ
ي�ش َولاَ
َ َو ُه ْ ُم َؤ َام َ�ر ْة
هذا الفصل جعلناه إضافي ًا ألجل تثبيت مرحلة اخلالفة الراشدة ،والتأكيد عىل سالمة هذه
املرحلة ،واعتبارها املرحلة الرشعية الوارثة لرسول اهلل ﷺ بدء ًَا بالبيعة لسيدنا أيب بكر الصديق
حسم واضح لألغراض واألمراض التي
ٌ وهناية بتنازل اإلمام احلسن ؤ ،ويف هذا التثبيت
املاحلِ ، األ َّمة ،ونزعت هبا نحو الرصاع والنـزاع املفتعل والتحريش َ
األ َن ِو ِّي ِ تاريخ ُ
َ َت
ش َّتت ْ
األمر ٌ
مجلة من األحاديث ،منها: َ ويؤيد هذا
والرابع يف
ُ ُ
والثالث يقوم بعده يف َ
اجل َّنة ُ القائم بعدي يف َ
اجل َّنة والذي )1قوله ﷺُ « :
اجلنة»(((.
املست َِق َ
يم»(((. يق ْ َم ْه ِد ًّيا َي ْأ ُخ ُذ بِ ُك ْم َّ
الط ِر َ
ويف هذا احلديث تأكيد عىل أمرين:
األول :سالمة منهج الشيخني وجدارهتم باخلالفة وأهليتهم الرشعية هلا.
الثاين :إثباته صىل اهلل عليه وآله وسلم جلدارة اإلمام ريض اهلل عنه يف اخلالفة وإثباته أيضا
إحالة األمر يف الرتجيح للصحابة أنفسهم.
وأيا كان شأن املسألة عند حتليلها من وجهات النظر املتنوعة فإن الشأن كل الشأن يف اعتامد
سالمة املرحلة الراشدة من خالل استقراء النصوص النبوية ذاهتا ملا يرتتب عىل هذا االعتامد من
سالمة التسلسل الرشعي يف انتقال القرار من مرحلة الوحي إىل مرحلة االجتهاد.
يعترب تأكيد فقه التحوالت عىل سالمة انتقال القرار اإلسالمي من رسول اهلل صىل اهلل عليه
وآله وسلم إىل أيب بكر الصديق باالجتهاد واملشورة ترسيخا ملبدأ الشورى يف اإلسالم (ﮞ
ﮟ ﮠ ) ((( .
وأيدته وقائع األحوال ومواقف االنتقال ذاهتا يف بروز مواقف الصديق ريض اهلل عنه أمام
اجلميع باجلدارة والتقدمة وسالمة الترصف.
القائم
أما فيام يتعلق بالنصوص الرصحية املؤيدة هذا االنتقال املرشوع فمنها قوله ﷺُ « :
والرابع يف اجل َّنة» ((( .
ُ ُ
والثالث يقوم بعده يف َ
اجل َّنة بعدي يف َ
اجل َّنة والذي ُ
وهو –أي :احلديث -من دالئل النبوة ،فقد ذكر النبي ﷺ اخللفاء األربعة املبرشين باجلنة،
وفيه داللة رصحية عىل َّ
أن كل واحد منهم قد قام باألمر واخلالفة .اهـ(((.
ٌ
واضحة لسالمة مرحلة اخلالفة عود ُم ْل َك ًا»((( إشار ٌة ويف احلديث « ِ
اخلالفة َثالثون َسنَة ُث َّم َت ُ
الراشدة وهي مرحلة أيب بكر وعمر وعثامن وعيل ريض اهلل عنهم أمجعني وللحسن ريض اهلل
رواه مسلم
((( هو أبو بكر الصديق خليفة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وأول املسلمني من الرجال برسول اهلل صىل اهلل عليه
وآله وسلم واسمه عبد اهلل ابن أيب قحافة عثامن بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن
لؤي بن غالب القريش التيمي ،يلتقي مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يف مرة ،ولد بعد مولد النبي صىل
اهلل عليه وسلم بسنتني وأشهر ومات وله ثالثة وستون سنة .
روى عن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم مئة واثنني وأربعني حديث ًا ،قال النووي :وسبب قلة روايته مع تقدم
صحبته ومالزمته النبي صىل اهلل عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار األحاديث واعتناء التابعني
بسامعها وحتصيلها وحفظها.
ويل اخلالفة بعد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم سنتني وأربعة أشهر ،وأمجعت األمة عىل تسميته بالصديق ألنه
بادر إىل تصديق رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم والزم الصدق ،وكانت له يف اإلسالم املواقف الرفيعة
منها قصته يوم ليلة اإلرساء وثباته ،وجوابه للكفار يف ذلك وهجرته مع رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم
وترك عياله وأطفاله ومالزمته يف الغار وسائر الطريق ،ثم كالمه يوم بدر ويوم احلديبية حني اشتبه عىل
غريه األمر يف تأخر دخول مكة ،ثم بكاؤه حني قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :إن عبد ًا َخيرَّ َ ُه
اهلل بني الدنيا واآلخرة فاختار اآلخرة» ،ثم ثباته يوم وفاة رسول اهلل صىل اهلل وسلم وخطبته الناس ُ
وتسكينهم ،ثم قيامه يف قضية البيعة ملصلحة املسلمني ،ثم اهتاممه وثباته يف بعث جيش أسامة بن زيد إىل
الشام وتصميمه يف ذلك ،ثم قيامه يف قتال أهل الردة ومجع القرآن الكريم ،ثم جتهيزه اجليوش إىل الشام
لفتوحه وإمدادهم باإلمداد ،ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله وهو استخالفه عىل
املسلمني عمر ريض اهلل عنه وتفرسه فيه ووصيته له واستيداعه اهلل األمة ،وتويف ليلة الثالثاء لثامن بقني
من مجادى اآلخرة سنة ثالث عرشة وله ثالث وستون سنة.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 205 التليد والطارف
باملسؤولية عىل أفضل األحوال جمسد ًا مبدأ الشورى يف حياة املسلمني منذ بيعته واجتامعهم
عليه ريض اهلل عنه وأرضاه ،بداي ًة من السقيفة ثم البـيعة العامة دون خمالفة أحد ،وقد انعقد
وخلف ًا عىل َأ َح ِّق َّي ِة أبـي بكر الصديق باخلالفة بعد رسول اهلل ﷺ
إمجاع أهل السنة واجلامعة َسلف ًا َ
لفضله وسابقته ،ولتقديم النبـي ﷺ إياه يف الصلوات ومل يتخلف منهم أحد.
الز َبـري واإلمام عيل ريض اهلل عنهام عن
ف ُّوقد وردت بعض اآلثار التي أشارت إىل خت ُّل ِ
مبايعة الصديق -كام أسلفنا ،-ولكن تلك األخبار مردودة بام ورد عن مبايعتهام يف اليوم الثاين
لوفاة رسول اهلل ﷺ ،قال أبو سعيد اخلدري :ملا صعد أبوبكر املنرب نظر يف وجوه القوم فلم َي َر
الزبـري بن العوام فدعا بالزبـري فجاء ،فقال له أبوبكر :يا ابن عمة رسول اهلل ﷺ وحوا ِر َّي ُه:
أتريد أن َت ُشقَّ عصا املسلمني؟ فقال الزبـري :ال تثريب عليك يا خليف َة رسول اهلل ،فقام الزبـري
فبايع أبا بكر ،ثم نظر أبوبكر يف وجوه القوم فلم َير ع َّ
يل بن أبـي طالب فدعا بعيل فجاء ،فقال
له أبوبكر :يا ابن عم رسول اهلل ﷺ َو َخ َتن َُه عىل ابنتِ ِه ،أتريد أن تشق عصا املسلمني؟ فقال عيل:
ال تثريب عليك يا خليف َة رسول اهلل ﷺ ،فقام عيل فبايع أبا بكر .اهـ(((.
وقد سأل عمرو من حديث سعيد بن زيد ؤ ،فقال له :أشهدت وفاة رسول اهلل ﷺ؟
ُ
رسول اهلل كره املسلمون أن َي ْب َقوا يوم مات
قال :نعم ،قال :حتى بويع أبوبكر ،قال سعيدَ :
أحدٌ أبا بكر؟ قال سعيد :مل خيالفه إلاَّ مرتد أو كاد َ
بعض َيوم وليسوا يف مجاعة ،قال :هل خالف َ
أن يرتد ،وقد أنقذ اهلل األنصار فجمعهم عليه فبايعوه ،قال :هل قعد أحد من املهاجرين عن
بـيعته ،قال سعيد :ال ،لقد تتابع املهاجرون عىل بـيعته .اهـ
تأخر بيعة عيل حتى وفاة فاطمة ما مفاده « :ملا ماتت
وقد أوردت بعض كتب السري عن ُّ
يلَ ،فأ ْق َب َل أبوبكر حتى دخل عىل َعليِ ٍّ
فاطمة -عليها السالم -أرسل عيل إىل أيب بكر َأ ْن َأ ْقبِ ْل ع ّ
وليس بام هو يف نص معني باخلالفة ،وهلذا فاخلليفة أبوبكر ؤ أثبت هذه القرابة وأمهيتها،
ومل يذكر اإلمام يف مقالته إشارة من رسول اهلل إىل بيعته من بعده فكان األمر مبني ًا عىل االجتهاد
لدى الصحابة.
وأما بقية ما أورده املعارضون للخالفة فهو جمرد مواقف ما بني فعل وردة فعل ،وهذا
حمقوق حصوله بني الناس ،وخاصة يف مثل هذه احلالة من التحول ،وال ينبني عليه نقض لبيعة
وال إثبات لغريها ،وإنام هي شبه األراجيف التي قد كان منها كثري يف عهد صاحب الرسالة
يريد منها أصحاهبا زعزعة ثقة الناس بالصحابة األثبات ،وهبذه الفهوم عىل ما تعتقده نفوسهم
يشريون إىل فشل أصحاب حممد ﷺ من حتمل مسؤولياهتم من بعده ،وفساد مرحلة اخلالفة
الراشدة التي بفساد مرشوعيتها يفسد انتقال قرار األمة من رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم
إىل وراث األمانة ،بينام احلقيقة املثبتة وما تؤيده القراءة الواعية لفقه التحوالت أن االنتقال
الراشدة عىل الوجه الرسالة إىل مرحلة ِ
اخلالفة َّ الرشعي للقرار اإلسالمي قد َت َّم من مرحلة ِّ
الصحيح باإلمجاع.
وبرزت مواقف اإلمام عيل منذ بـيعته ،فلم ُي َفارق الصديق يف وقت من األوقات ،ومل ينقطع
عنه يف مجاعة من اجلامعات ،وكان يشاركه املشورة وتدبـري أمور املسلمني.اهـ(((.
اهلل ﷺ تنفيذ ما كان ﷺ قد أوىص به ،حيث َت َّم جتهيز جيش أسامة ُق َبـ َي َل موت النبـي ﷺ
بـيومني فقط ،وكان ابتداء ذلك قبل مرض ال َّنبـي ﷺَ ،فنَدَ َب الناس لغزو الروم يف آخر
ُك هَ َذا صفر ودعا أسامة ؤ ،فقال« :سرِ ْ إِىل َم ْو ِض ِع َم ْق َتلِ َأبِ ْـي َك َف َأ ْو ِطئ ُْه ُم َ
اخل ْي َلَ ،ف َقدْ َو َّل ْيت َ
ش» ،وظل اجليش معسكر ًا باجلرف حتى وفاة رسول اهلل ﷺ فرجعوا إىل املدينة وتغريت َ
اجل ْي َ
يقة تصف احلالة بقوهلا« :ملّا
الصدِّ ُ ُ
عائشة ِّ األحوال بانتقال رسول اهلل ﷺ إىل ربه ،حتى كانت
ُقبض رسول اهلل ﷺ ارتدت العرب قاطبة ،وارشأب النفاق ،واهلل لقد نـزل بـي ما لو نـزل
كأنم معزى مطرية يف ُح ٍ
ش يف ليلة مطرية باجلبال الراسيات هلاضها ،وصار أصحاب حممد ﷺ هّ
بأرض ُم ْس َبعة» (((.
ويف اليوم الثالث من وفاة رسول اهلل ﷺ أمر الصديق املنادي أن ينادي ليتم بعث أسامة «أال
باملدينة أحدٌ من ُج ْن ِد ُأ َسامة إل َخ َر َج إىل َع ْس َك ِر ِه ُ
باجل ْرف». ِ ال يبقنيَّ
واقرتح بعض الصحابة بأن يبقى اجليش ،وقالوا :إن هؤالء ُج ُّل املسلمني والعرب عىل ما
((( قال احلموي يف معجم البلدانَ :فدَ ك بالتحريك -أي :بتحريك الفاء والدال وآخره كاف -قرية باحلجاز
بينها وبني املدينة يومان ،وقيل ثالثة ،أفاءها اهلل عىل رسوله ﷺ يف سنة سبع صلح ًا ،وذلك أن النبي ﷺ ملا
نزل خيرب وفتح حصوهنا ومل يبقَ إال ثالث واشتد هبم احلصار أرسلوا إىل رسول اهلل ﷺ يسألونه أن ينزهلم
عىل اجلالء وفعل ،وبلغ ذلك أهل فدك فأرسلوا إىل رسول اهلل ﷺ أن يصاحلهم عىل النصف من ثامرهم
وأمواهلم فأجاهبم إىل ذلك ،فهو مما مل يرجف عليه بخيل وال ركاب ،فكانت خالصة لرسول اهلل ﷺ ،أي:
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 211 التليد والطارف
من رسول اهلل ﷺ(« :إنا) نحن معاشرِ األَنْبِي ِ
اء لاَ ن ُْو َر ُ
ث َو َما ت ََر ْكنَا ُه َصدَ َق ٌة ...الخ»((( والتزم َ ََ َ
الصديق هبذا النص وأنفق عىل فاطمة وغريها من آل البيت من بيت مال املسلمني حتى قيل
أن فاطمة -عليها السالمَ -عتِ َب ْت عليه ومل تكلمه حتى ماتت ريض اهلل عنهم أمجعني ،وقيل:
البعض املال َم عىل أيب بكر
ُ يمنحها (سهم َفدَ ك) ،وقد َو َّسع
ْ أنه اسرتضاها قبل موهتا إلاّ أنه مل
ف ليس بقادح ..وإنام هو اجتهاد أن هذا ِ
املوق َ واحلق َّ
ُّ ؤ وجعلوا ذلك قادح ًا يف خالفته،
اجتهده ،واهلل يغفر لنا وهلم. ْ
�ق لا وبِ َم�ا لاَ َي ْن َطبِ ْ لا و َن ْق ً
َع ْق ًَ �ق �وا األَ ْم َ�ر بِ َم�ا لاَ َيت َِّف ْ
و َع َّل ُل ْ
�ه َام ِة
الش َصحاب َطـ� َه َم ْع ِد ِن َِّ َأ السَل�اَ َم ِة ِ
َع َل�ى ُس� ُلوك َمن َْه�جِ َّ
ِ َأئِم ِ �ر الخَ ْل ِق
َ�ص َخ ْي ِ
�ق الح ِّ
�ن ُح َم�اة َ َّ�ة الدِّ ْي ِ �وا بِن ِّ
�ن ُو ِّث ُق ْ
َم ْ
َ
حول هذه املسألة وحكمها م َّتهمني أبابكر يشري الناظم إىل ما قد َف ِه َم ْت ُه ُ
بعض املذاهب
وض ِم َن هلم عىل اهلل باجلنة حيث
الصديق ؤ بام ال يليق مع من َو َّث َقهم ﷺ وريض عنهمَ ،
مع َّ
أن أهل البيت بعمومهم وفاطمة وعيل عنَ ، حريش َّ
والط ِ ِ منهج ال َّت
َ هنج املخالفون للسالمة
ريض اهلل عنهام ثبت عنهام السكوت ،والسكوت عد الطلب والرضا بام اجتهده اخلليفة و َقبِلاَ
منه النفقة كغريهم من آل البيت حتى وفاته ريض اهلل عنه وعنهم أمجعني.
وكام أرشنا سلفا إىل أن مثل هذا املوقف ال يقدح يف سالمة القرار باخلالفة وبجدارة أيب
بكر ريض اهلل عنه ،وإنام هو باب فتحه أهل التحريش إليقاد نار الفتنة بني آل البيت من جهة
وأصحاب رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم من جهة أخرى ولألسف ،وال زالت بعض
نامذجه وصوره وقودا للمرحلة وهتويشات الطاحمني واملرتبصني باإلسالم.
ليست من نوع الغنائم التي توزع عىل املقاتلني وإنام هي لرسول اهلل ﷺ يضعها حيث شاء.
((( رواه الرتمذي عن عائشة ريض اهلل عنها وقال :هذا حديث غريب ،وابن عساكر عائشة ريض اهلل عنها.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 212 التليد والطارف
ف أ َ ْه ِل ال ِّر َّد ِة أُنْمُوذُجٌ َخ ِطريٌ فيِ التَّحَ وُّالت
مَ وَاقِ ُ
يشري الناظم إىل مظهر من مظاهر التحوالت التي طرأت عىل مرحلة اخلالفة عند انتقال
األمر من عهد رسول اهلل ﷺ إىل عهد أبـي بكر ،ومن ذلك ما ُذكر من ردة بعض القبائل
العربـية ،وقد ذكرت بعض املصادر أن انتقال األمر من مرحلة إىل مرحلة بموت رسول اهلل
ﷺ أفرز حتو ً
ال يف حياة العرب.
فمنهم من ترك اإلسالم مُجل ًة وتفصي ً
ال وعا َد إىل الوثنية وعبادة األصنام ،ومنهم من ا ّدعى
النبوة ،ومنهم من دعا إىل ترك الصالة ،ومنهم من بقي يعرتف باإلسالم ويقيم الصالة؛ ولكنه
امتنع عن أداء زكاته ،ومنهم من َحتيرَّ َو َت َر َّد َد وانتظر عىل من تكون الدائرة.
ِ
وجهات نظ ِر الصحابة يف شأن حرهبم ،فلام سمع وملّا كانت الر ّدة سمع أبوبكر الصديق
أنفذ القوم بصرية يف هذا الشأن ،إذ فهم َّ
أن ِ
وجهات ال َّنظ ِر اختذ القرار ،لقد كان أبوبكر الصديق َ
الزَ َكا َة ال تنفصل عن الشهادتنيّ ،
وأن (ال إله إال اهلل) بغري زكاة ال وزن هلا يف حياة الشعوب،
وأن السيف يرشع دفاع ًا عن أدائها كام يرشع دفاع ًا عن (ال إله إال اهلل)(((.
َّ
الوثِ ِ
ي�ق ِ
للم ْص َح�ف َ
ِ
ت َْجمي ُع� ُه ُ الصدِّ ِ
ي�ق ِ ِ ِ
�ن َعظي� ِم َم ْوق�ف ِّ
ِ
وم ْ
ين َن َف ْر ِ �ن ُع ْص َب ِة ال ُق ْ�ر ِ ِ لم�ا َر َأى ال َقت َْل بِ ِه ْم َق ِد ْاس�ت ََح ْر
آن َس� ْبع َ م ْ ّ
�وت ُع َ�رى ال َي ِق ْي ِن �ون بِالم ِ
ُي ْح ُي َ َ ين�هدَ َاء الدِّ ِ ٍ
ض ن َْج�د ُش َ فِ�ي َأ ْر ِ
التحول يف شأن
ُّ تشري األبـيات إىل أحد مواقف الصديق ؤ عندما برزت عالمات
أن سبعني منهم ُقتلوا يف معركة الياممة خالل حروب الردة، ُ
الق َّراء محلة القرآن ،فقد ثبت َّ
ومجع خوف ًا من ذهابه بذهاب القراء،
ٍ ٍ
حفظ الصدِّ ُ
يق خطورة األمر وأن القرآن حيتاج إىل فرأى ِّ
فاستشار كبار الصحابة يف ذلك فوافقه األغلب إلاَّ عبداهلل بن مسعود ريض اهلل عنه ونفر معه؛
ولكن الصديق اختذ املوقف وندب للجمع املبارك مجلة من الصحابة حتت إمرة زيد بن ثابت
ؤ.
وقد اختلف الباحثون والعلامء حول مسألة كتابة القرآن ،هل كان القرآن مكتوب ًا عىل صفة
املصحف من عهد رسول اهلل ﷺ أم كان مفرق ًا يف األوراق واجللود والعظام؟ ثم مُجع عىل عهد
أبـي بكر الصديق عىل صفة املصحف ،وقد كتب يف هذا الباب أستاذنا العالمة حممد بن أمحد
الشاطري رسالة عن مجع املصاحف أثبت فيها وجود القرآن مكتوب ًا وجمموع ًا منذ عهد رسول
اهلل ﷺ ،وأنه مل يمت عليه الصالة والسالم إلاَّ وقد مجع املصحف بـني الدفتني كتاب ًة وحتقيق ًا،
وقد طبعت هذه الرسالة وسميت «عرض األدلة والرباهني عىل كتابة املصاحف يف حياة سيد
تشري األبـيات إىل استمرار مواقف الصديق اإلجيابـية طيلة خالفته وحتى مرض موته،
وملا ثقل به املرض مجع الناس إليه واستشارهم يف شأن اخلالفة فأعادوا إليه األمر ومل خيالف
أحدٌ إلاَّ أبوطلحة الذي ،قال له يف شأن استخالف الفاروق :ما أنت قائل لربك إذا سألك عن
استخالفك عمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبوبكرَ :أ ْج ِل ُسوين ..أباهلل تخُ َ ِّو ُف ْونيِ ؟ َخ َ
اب َمن
ري أهلك ،ثم ّنبه من يرى غلظة عمر،
استخلفت عليهم خ َ
ُ لم! أقول :ال َّلهم َتزَ َّو َد من أمركم ُ
بظ ٍ
فقال :ذلك ألنه يراين رقيق ًا ،ولو أفىض األمر إليه لرتك كثري ًا مما هو عليه((( ،ثم كتب عهد ًا
مصار ،و ُق ِر َئ يف املدينة ،ثم اختىل بابن باستخالف ُع َمر َو َأ َمر بقراءته عىل الناس يف كا َّف ِة َ
األ َ َ َ
اخلطاب وأوصاه باملسلمني خري ًا ،ودعا الناس إىل بـيعته فبايعوه باإلمجاع.
وملا حرضته الوفاة مل َي ُف ْته أن يتخذ موقف ًا هام ًا يف بـيته ،فقد كانت عائشة ريض اهلل عنها
تعوده وتستشهد بقول القائل:
إِ َذا َحشرْ َ َج ْت َي ْو َم ًا َو َض َ
اق هِ َبا َّ
الصدْ ُر َل َع ْم ُر َك ما ُيغنِي الث ََّر ُاء ِم َن ال َفتَى
«كان عمر بن اخلطاب حائطا حصينا عىل اإلسالم يدخل الناس فيه
وال خيرجون منه ،فانثلم احلائط والناس خيرجون منه وال يدخلون فيه»
انتقل القرار اإلسالمي باإلمجاع بني الصحابة من اخلليفة األول أيب بكر الصديق ريض اهلل
عنه إىل اخلليفة الثاين أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه ،ومتت مبايعته ريض اهلل عنه
علنا يف املسجد ومل يتخلف أحد من أهل احلل والعقد عن بيعته ،ويف رواية :إن طلحة قال:
أتويل علينا فظا غليظا؟ ما تقول لربك إذا لقيته؟ فقال أبوبكر :ساندوين ،فأجلسوه فقال :أبلله
استعملت عليهم خري أهلك .وقال عيل ريض اهلل عنه :يا خليفة رسول اهلل ،امض
ُ ختوفونني؟
لرأيك فام نعلم به إال خريا« .تاريخ اخلميس» (.)241 :2
واستقبل عمر اخلالفة صبيحة يوم الثالثاء لتسع بقني من مجادى اآلخرة من السنة الثالثة
عرش للهجرة ،وكان أول ما تكلم به حني صعد املنرب :اللهم إين شديد فلي ّني ،وإين ضعيف
((( هو أبو حفص عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه ،ولد بعد عام الفيل بثالث عرشة سنة ،وهو أول من سمي
بأمري املؤمنني ،وك ّناه رسول اهلل ﷺ بأبـي حفص ملا رأى فيه من الشدة والبأس ،واحلفص لغ ًة األسد،
ولقبه الرسول بالفاروق يوم أسلم يف دار األرقم؛ ألنه كان يفرق بـني احلق والباطل ،وهو أول من جهر
باإلسالم ،وفرح املسلمون بإسالمه ،برشه النبـي باجلنة ،وشهد له بأن اهلل تعاىل جعل احلق عىل لسانه
وقلبه ،وأن الشيطان يفر منه ،عاش ثالث ًا وستني ،واستمرت خالفته عرش سنني وستة أشهر ومخسة ليال،
ويل اخلالفة يف مجاد اآلخر سنة 13للهجرة يوم الثالثاء ،وكان ريض اهلل عنه رجل مواقف سواء يف عهد
رسول اهلل ﷺ أو يف بعده وقد وافقه القرآن يف أكثر من موقف ..وهي جديرة بالنظر والتأمل إذ فيها إشارة
قطعية لسالمة توجهه ،وهبا ينتفي كل ما يتقوله املتقولون الذين جيعلون من مواقفه بعد اإلسالم طعنا يف
دينه وأمانته سواء يف قرار احلكم أو العلم أو غريها.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 223 التليد والطارف
فقوين ،وإين بخيل ّ
فسخني.
ويعد هذا العرص الذي توىل فيه الفاروق سدّ ة احلكم من أزهى عصور اإلسالم وأكثرها
ِ
تأسيس دولة املؤسسات والنظام اإلداري والعسكري امتداد ًا وحرك ًة؛ بل ُي ِعدُّ ُه ال َب ْع ُ
ض عهدَ
إسالم ُع َم َر َف ْت َح ًا ،وكانت هجر ُت ُه َنصرْ َ ًا ،وكانت
ُ واالقتصادي ،قال فيه ابن مسعود« :كان
مح ًة».
إمار ُت ُه َر َ
كان هو صاحب املواقف أمام مظاهر عرصه ومسؤوليات خالفته ،فهو أول من كتب
التاريخ اهلجري يف شهر ربـيع األول سنة سبعة عرش فكتبه من هجرة النبـي من مكة إىل املدينة
بمشورة اإلمام عيل بن أبـي طالب ،وكان هو أول من مجع الناس عىل صالة الرتاويح بإمامة
وأدب هباَ ،و ُه َو َأ َّو ُل من فتح الفتوح، ُ
أ َبـ ِّي بن َك ْعب ،وهو أول من َع َّ
س باملدينة ومحل الدِّ َّرة َّ
مص األمصار ،وهو أول من وضع القضاة هبا ،وهو أول من دون الدَّ َوا ِوين،
وهو أول من رّ
وهو أول من َح َّر َك أساطيل السفن باألرزاق واحلبوب من مرص إىل البحر األمحر واملدينة ،وهو
الذي أخرج اليهود من جزيرة العرب إىل الشام.
وملن أراد استزادة يف شأن مواقفه فلرياجع أمهات التاريخ والسري.
�ن وس�نَد ًا لل َع�دْ ِل ُد َ
ون َو َه ِ وكان باب� ًا ِض�دَّ ك ُِّل ِ
الفت ِ
َ�ن َ
َ
يشري الناظم إىل عالقة الفاروق بمجموع الفتنَ ،و َأ َّن ال َّنبـي ﷺ شبهه بالباب الفاصل
التحوالت ووقوعها حلديث «هذا غلق الفتنة -وأشار ﷺ بـيده إىل عمر -وقال :ال يزال
ُّ بـني
باب شديدُ الغلق ما عاش هذا بـني أظهركم»(((.
بـينكم وبـني الفتنة ٌ
ويف صحيح البخاري أن ُع َم َر َسأل حذيفة ريض اهلل عنهام عن الفتنة التي متوج كموج
البحر ،فقال يا أمري املؤمنني« :ال بأس عليك منها إِنَّ بـينك وبـينها باب ًا مغلق ًا» ،قال« :أيفتح
يشري الناظم إىل استشارة عمر ملجموعة من الصحابة حوله ممن يعلم عدل رأهيم وسالمة
((( من حديث «ارمحوا ثالثة :عزيز قوم ذل :وغني قوم افتقر ،وعاملا بني جهال» أخرجه ابن حبان من حديث
أنس ريض اهلل عنه ،وأورده اإلمام السيوطي يف «اجلامع الكبري» برقم 2951 : 107وقال :احلديث عن
أنس وفيه عيسى بن طهامن.
((( «إمام املتقني» ص .98
((( هو حذيفة بن حسيل بن جابر بن ربـيعة بن فروة...إلخ نسبه من بني عبس املعروف باليامين العبيس ،أسلم
حذيفة وأبوه وأرادا شهود بدر فصدمها املرشكون وشهدا أحد ًا فاستشهد اليامن هبا ،وروى حذيفة عن
النبـي ﷺ الكثري ،استعمله عمر عىل املدائن فلم يزل هبا حتى مات بعد مقتل عثامن وبعد بـيعة عيل ريض
اهلل عنه بأربعني يوم ًا سنة 36هـ ،وكان حذيفة يقول عن العلم بفقه التحوالت :لقد حدثني رسول اهلل
ﷺ ما كان وما يكون حتى تقوم الساعة ،ويف الصحيحني أن أبا الدرداء قال لعلقمة :أليس فيكم صاحب
الرس الذي ال يعلمه غريه؟ يعني حذيفة ،وروى ابن سعد عن حممد بن سريين قال :كان عمر بن اخلطاب
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 227 التليد والطارف
وقد ورد ّ
أن أمري املؤمنني كان يستشريه يف بعض أمور الناس ،وخاصة يف شأن عالمات املنافقني،
ومنها :ما روي عن محيد بن هالل ،قالُ :أتى عمر بن اخلطاب برجل يصيل عليه فدعا ُبو ُض ْو ٍء ليص َ
يل
عليه وعنده حذيفة فمرزه -أي قرصه بأصابعه لئال يصيل عليه -مرزة شديدة ،قال عمرَ :ف َص ُّلوا عىل
ربهم ،قال عمر :يا حذيفة َأ ِم ْن ُهم أنا؟ قال :ال ،قال :ففي ُعماَّ يل أحدٌ منهم؟
صاحبِكم ،من غري أن خي َ
نـزع ُه من غري أن خيربه .اهـ(((.
دل عليه حتى َ قال :رجل واحد ،وكأ َّنام َّ
�ي األَ ِش ْر ِ
إِ ْذ َد َّب َر ال َقت َْل َ
الم ُجوس ُّ �ف َينْك َِس ْ�ر لم� ُه بال َب ِ
�اب َك ْي َ ِ
وع ُ
إشارة إىل أن سيدنا عمر ؤ لديه علم بشأن الفتنة من بعده ،وأنه قد علم أن الرسول
سامه «الباب» ،وأنه ُي ْكسرَ ُ أي يقتل ،وكان قتله عىل يد أبـي لؤلؤة املجويس(((.
صفوفكم وكبرّ فطعنه أبو لؤلؤة ثالث طعنات واحدة يف كتفه وأخرى يف خارصته والثالثة حتت رسته،
وهلك منهم سبعة ورمى رجل عىل وقد خرقت الصفاق ،وهي التي قتلته ،وطعن معه ثالثة عرش رج ً
ال َ
رأسه بربنس فانتحر أبولؤلؤة بخنجره .ويرى بعض املؤرخني أن مقتل اخلليفة كان مؤامرة مدبرة ألكثر
من جهة ومل تكن جمرد نزوة من املجويس ،كام جاء يف «تاريخ اخلميس» .
((( «اإلشاعة» ص.33
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 229 التليد والطارف
ودخل عبداهلل بن عمر ،وقال :يستأذن عمر ابن اخلطاب ،قالت :أدخلوه فأدخلوه مع صاحبـيه(((.
وبعد دفنه اجتمع أهل الشورى((( وتداولوا األمر حتى استقر إىل عثامن ؤ.
((( كان ابن اخلطاب قد طلب من عائشة وهو يف مرض موته أن يدفن بجوار صاحبـيه فأذنت إلاَّ أنه طلب
منهم التثبت من رأهيا بعد موته.
((( هم الذين اختارهم عمر الفاروق بعد إصابته ،وهم :عثامن وعيل وطلحة والزبـري وعبدالرمحن بن عوف
وسعد بن أبـي وقاص ،وجعل عبداهلل بن عمر معهم مشري ًا وليس منهم.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 230 التليد والطارف
ٌ مقتل سيدنا عمر بن الخطاب مُؤامر ٌة م
ُشرتكة
جاء يف «تاريخ اخلميس» ( )273 :2ما مثالهَ ( :ر َأى عبدالرمحن بن أيب بكر أبا لؤلؤة
املجويس واهلرمزان وجفينه يدخلون يف مكان يتشاورون وبينهم خنجر له مقبض يف وسطه،
فقتل عمر يف صبيحة تلك الليلة فاستدعى سيدنا عثامن عبدالرمحن بن أيب بكر فسأله عن ذلك،
فقال :انظروا إىل السكني فإذا كان ذا طرقه ،فال أرى القوم إلاَّ وقد اجتمعوا عىل قتله ..فنظروا
فوجدوها كام َو َصف عبد الرمحن ) .اهـ.
إسالم الصوفية هو احلل» ((( ،بقوله :وقد بلغ من َتبرَ ُّ ِم هؤالء
ُ وقد َفسرَّ َ هذه احلادثة كتاب «
ب س طائف ًة منهم بعمر بن اخلطاب الذي َح َّطم نعر َة ال َّت ُّ
عص ِ أن َث ْ
ارت ُن ُف ْو ُ بفتح املسلمني بال َدهم ْ
ِ
باملتمسكني اإلقليمية أو الدِّ ِ
ينية وأذاهبا يف دولة اإلسالم ،لذلك بلغ اإلستياء والسخط ِ للقومي ِ
ات َّ
بالقومية الفارسية أمثال ( اهلرمزان ) وهو سيد من سادات الفرس َف َقد سلطانه َو َم َكا َن ُه ،كام كان
ان نرصاني ًا من أهل احلرية ُي َع ِّلم الكتابة ألهل
يقف وراء التعصب للنرصانية ( جفينة) الذي َك َ
املدينة ،وكان ثالث األثايف كعب األحبار أحد أحبار اليهود املتعصب للصهيونية((( الذي َأن َْذ َر
((( وروى الديلمي أن عمر ريض اهلل عنه دخل عىل أم كلثوم بنت عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنهام فوجدها تبكي
يبكيك؟ قالت :هذا اليهودي –كعب األحبار -يقول :إنك باب من أبواب جهنم ،فقال عمر :ما ِ فقال :ما
شاء اهلل! ثم خرج فأرسل إىل كعب فجاءه فقال :يا أمري املؤمنني والذي نفيس بيده ال ينسلخ ذو احلجة حتى
تدخل اجلنة ،فقال :ما هذا؟ مرة يف اجلنة ومرة يف النار؟ فقال :إنا لنجدك يف كتب اهلل عىل باب من أبواب جهنم
متنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا .رواه اخلطيب عن مالك « ،إحتاف اجلامعة» حلمود التوجيري
(.)149 :1
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 232 التليد والطارف
وهكذا كان اغتيال عمر بن اخلطاب ؤ تدبري مؤامرة َد ْب َّر َها أعداء اإلسالم استغرق
إعدادها زمن ًا طوي ً
ال قبل احلادث من رموز اليهودية والصليبية والقومية الفارسية .اهـ(((.
َّ
وحذر من و ُف ِج َع اإلسالم واملسلمني هبذه احلادثة التي كان رسول اهلل ﷺ قد َّنبه إليها،
رس الباب» وأنه لن ُيغلق بعده أبد ًا ،وكان األمر كذلك.
وقوعها ،وعبرّ عنها «بك ِ
الفت َِن َقتل ُعثامن وآخرها ُخروج الدَّ َجال ..والذي نفيس بـيده ما « َّأو ُّل ِ
من رجلٍ يف قلبه مثقال َح َّبة من َقتلِ ُعثامن إلاَّ َتبِ َ
ـع الدَّ َجال إن أدركه،
وإن مل يدركه آمن به يف قربه»
َ
أحداث «أال ال ُت ْب ِط َّر َن ُك ُم الفانية ،وال ُت ْش ِغ َل َّن ُك ْم عن الباقية ،واحذروا
الده ِر ا ُملغري ،والزَ ُموا مجاعتَكم ،وال ّ
تتفرقوا شيع ًا وأحزاب ًا»
من خطبة لسيدنا عثامن ريض اهلل عنه رواها الطربي يف «تاريخ الرسل» () 4:38
قال ابن عباس :ملا َف َر َغ ِمن دفن عمر بن اخلطاب :اجتمع هؤالء َّ
الرهط -يعني أهل
ُّ
الشورى -فقال عبدالرمحن بن عوف اجعلوا أمركم إىل ثالثة منكم ،قال الزبـري :قد جعلت
أمري إىل عيل ،وقال طلحة :قد جعلت أمري إىل عثامن ،وقال سعد :قد جعلت أمري إىل
عبدالرمحن ،فقال :عبدالرمحن أيكم تربأ من هذا األمر فنجعله إليه فسكت عثامن وعيل ،فقال
عبدالرمحن :أفتجعلونه إ ّيل ،قالوا :نعم ،فأخذ بـيد عيل فقال :لك من قرابة رسول اهلل ﷺ
لتسمعن
َّ رت عثامن
لتعدلن ولئن أ ّم َ
َّ والقدم يف اإلسالم ما قد علمت فآهلل عليك لئن ُأ ِّم َ
رت
((( هو عثامن بن عفان بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبدمناف ،ويرتفع نسبه إىل لؤي بن غالب ،ولد
يف السنة السادسة من عام الفيل ،وأسلم قدي ًام بمكة املكرمة وهو ابن تسع وثالثني سنة ،وكان الصديق
سبب ًا يف إسالمه ،هاجر اهلجرتني وتزوج رقية بنت رسول اهلل ﷺ ،ثم تزوج بأم كلثوم ،ولذلك سمي
ذا النورين ،وهو من السابقني األولني وأحد العرشة املشهود هلم باجلنة وأحد الستة الذين تويف عنهم
راض ،روى عن رسول اهلل مئة وستة وأربعني حديث ًا .وفتحت يف خالفته إفريقية وكرمان
رسول اهلل وهو ٍ
وسواحل الروم وطربستان وسجستان ونيسابور وفارس وأعامل خراسان وغريها ،وقتل وعمره ثالث
وثامنون سنة يوم اجلمعة ثاين عرش من شهر ذي احلجة سنة مخس وثالثني رمحه اهلل.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 237 التليد والطارف
ولتطيعن ،قال :نعم ،ثم خال بعثامن ،وقال له مثل ذلك ،فلام أخذ امليثاق ،قال :ارفع يدك يا
َّ
عثامن ،فبايعه ،فبايع له عيل ؤ ،ثم ولج أهل الدار فبايعوه .اهـ(((.
وكانت مبايعته ؤ بعد دفن عمر ؤ بثالث ٍ
ليال ،ومنذ أن ويل اخلالفة قام فيهم بأمر
ش اجليوش للفتوحات ،ففي السنة التي ُوليِّ َ ِف ْي َها فتحت الري وفتح يف الروم حصون
اهلل َو َج َّي َ
كثرية.
وأول ما ُنقم عليه ؤ ملا وىل الكوفة الوليدَ بن أبـي ُم َع ٍ
يط وعزل سعد بن أبـي وقاص.
وكان هذا العزل لسعد بداية التحول يف عالقة اخلليفة بالرأي العام وخاصة أنه حكي أن
الوليد صىل هبم الصبح أربع ًا وهو سكران ثم التفت إليهم فقال :أزيدكم؟!
وخالل السنوات املتالحقة أقام اخلليفة عثامن عدد ًا معن املنجزات اهلامة ،كغزوة قربص
ثم األندلس.
وزاد عثامن يف مسجد الرسول ووسعه ،ويف سنة ثالثني فتحت بالد كثرية يف خراسان
وفتحت نيسابور ُصلح ًا وكذا مرو وبـيهق.
وكانت مدة خالفته اثنتي عرشة سنة منها سنتني مل ينقم عليه أحد((( إلاَّ أنه بعد ذلك استعمل
مجلة من أقربائه وأهل بـيته ووصلت إليه شكايات الناس ببعضهم فكان يكتفي بعتاهبم ومل
يعزهلم ،وكأ َّنه ؤ كان يتمهل يف األمر حلكمة َيراها و ُبعد نظر مل يستسغه اآلخرون.
قال الناظم:
بات ِ
إل َح ِ
�ن َأنْيا َب َه�ا َو َه َ
�اج َب ْح ُ�ر ا ِ الفت ِ
َ�ن إِ ْذ ك ََّش َ�ر ْت ُم َس� ِّب ُ
إل ِ
يمان في َأ ْر ِ لع ا ِ وجاء ِجي ٌل ِ
ض النَّدَ ى وم ْط َ
َ لم َيع ْش َع ْص َر ُ
الهدَ ى َ َ َ ْ ْ
يشري الناظم إىل ما جرى من َسيرْ ِ الفتنة يف ُأخريات عهد سيدنا ُعثامن ،فقد ذكر املؤرخون أن
حوالت التي َعكستها ُسلوكيات بعض َأ ْقر َباء سيدنا عثامن جعلت الناقمني يتخذون جمريات ال َّت ُّ
املواقف حياهلا.
فجاء أهل مرص إىل عثامن يشتكون من عبداهلل بن أبـي رسح ،فكتب عثامن إليه كتاب ًا هيدده
فيه فأبى ابن أبـي رسح أن يقبل ما هناه عنه عثامن ،ورضب بعض من شكاه من أهل مرص
حتى قتلهَ ،ف َّخر من أهل مرص سبعامئة فنـزلوا املسجد وشكوا إىل الصحابة ما صنع ابن أبـي
ال ُأ َو ِّل ْي ِه
رسح ،فذهب مجاعة منهم إىل عثامن ومنهم عيل بن أبـي طالب ،فقال هلم :اختاروا رج ً
عدد
عليكم ،فأشار الناس عىل حممد ابن أبـي بكر الصديق فكتب عهده وواله وخرج معهم ٌ
من املهاجرين واألنصار ينظرون فيام هم إليه ،ويف الطريق إذا هم بغالم عىل بعري خيبط به خبط ًا
كأنه يطلب أو مطلوب فسألوه ،فقال :إن غالم أمري املؤمنني وجهني إىل عامل مرص ،فقيل له:
هذا أمري مرص ،فقال :ليس هذا أريد ،فقال له حممد بن أبـي بكر :غالم من أنت؟ فمرة يقول:
غالم أمري املؤمنني ،ومرة يقول :غالم مروانَ ،ف َف َّتشوه فإذا معه كتاب من عثامن إىل ابن أبـي
رسح ،فجمع حممد بن أبـي بكر من كان عنده من املهاجرين واألنصار ثم َف َّك الكتاب بمحرض
قتل ِه ْم َو َأ ْب ِط ْل كتا َب ُه َو َقر عىل عملك حتى
فاحتل يف ِ
ْ منهم فإذا فيه «إذا أتاك حممد وفالن وفالن
جييء إ َّيل بتظلم منك».
ُ يأتيك رأيي ،واحبس من
فلام قرؤوا الكتاب فزعوا ورجعوا إىل املدينة وأظهروا ذلك للناس ،فاشتد َحن َُق ُهم ،وذهب
عيل ؤ بالكتاب والغالم إىل عثامن ،فنفى عثامن أنه بعث بالكتاب ،وقال :ال أمرت به وال
ِع َ
لم يل به ،قال عيل :فاخلاتم خامتك ،قال :نعم ،قال كيف خرج الغالم ببعريك وبكتاب عليه
كتبت الكتاب وال ِع ْل َم يل به.
بعثت به وال ُ
خامتك وال تعلم ،فحلف عثامن ما ُ
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 239 التليد والطارف
وأما اخلط فعرفوه أنه خط مروان وسألوه أن يدفع إليهم مروان ،فأبى ومروان عنده يف
وحورص عثامن ومنعوه املاء وذهب الصحابة إىل بـيوهتم معتبـني،
الدار ،فخرج القوم غضبى ُ
مجاعة الدَّ ار عىل عثامن ،ومل يكن معه إلاَّ
ٌ ومكث بعضهم عىل باب عثامن حلراستهَ ،و َت َس َّو َر
امرأته ،فدخل القوم عليه وقتلوه(((.
لثامن َعشرْ ٍ َخ َل ْت من ذي
وكان قتله يف أوسط أيام الترشيق من سنة 35وقيل يوم اجلمعة ِ
رسول اهلل ﷺ« :يا عثامن إنك َس َتليِ اخلالفة بعدي ،وسيرُ يدُ َك املنافقون عىل خلعها فال ْ
ختلع َها،
وص ْم يف ذلك اليوم تفطر عندي»((( ،ورواه الطرباين يف األوسط من حديث عبداهلل احلربي
ُ
َقبرْ ِه».
إذن فمقتل عثامن كان «مرحلة» ومنعطف ًا عاملي ًا يف تحَ ُّوالت ُّ
األمة ومسرية االنحراف نحو
منطلقات املسيخ الدِّ جال.
اإلسالم كان يف ِح ٍ
صن حصني، َ قال السيوطي يف «تاريخ اخللفاء» وأخرج عن سمرة قالَّ :
إن
وإهنم ُث ِل ُموا يف اإلسالم ُث َ
لم ًة بقتلهم عثامن ال تسدُّ إىل يوم القيامة ،وإن أهل املدينة كانت فيهم
اخلالفة فأخرجوها ومل َتعدْ فيهم».
وأخرج حممد بن سريين قال« :مل ُتفقد اخليل البلق يف املغازي واجليوش((( حتى ُقتل عثامن»،
أيُ :قتِل سيدنا عثامن وهو أحد صحابة رسول اهلل واملبرش باجل َّنة عىل يد عدد من َغ ْو َغاء
مرص واملدينة ممن اجتمعوا يف فتنة الرصاع.
أشارت بعض كتب التاريخ إىل أن حممد بن أبـي بكر الصديق كان مع املت ََس ِّو ِر ْي َن
ْ وقد
((( «تاريخ اخللفاء « ص ،153وربط بعض رشاح احلديث بني الفتن عىل عهد عثامن ريض اهلل عنه وضياع
خاتم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم الذي كان يف يده بوقوعه يف بئر أريس :فقال :قال الباجوري:
ويف وقوعه إشارة إىل أن أمر اخلالفة كان منوطا به ،فقد تواصلت الفتن وتفرقت الكلمة وحصل اهلرج،
ولذلك قال بعضهم :كان يف خاتم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ما يف خاتم سليامن من األرسار؛
ألن خاتم سليامن ملا فقد ذهب ملكه وخامته صىل اهلل عليه وآله وسلم ملا فقد من عثامن انتقص األمر
وحصلت الفتن التي أفضت إىل قتله واتصلت إىل آخر الزمان .اهـ عن كتاب «منتهى السول عىل وسائل
الوصول إىل شامئل الرسول» ( )558 :1طبعة دار طوق النجاة 1419هـ.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 243 التليد والطارف
الدَّ َار عىل سيدنا عثامن ،دخلوا عليه من جهة دار رجل من األنصار دون أن يعلم هبم أحدٌ ممن
حوله ،ألهنم كانوا فوق البـيوت ،ومل يكن معه إلاَّ امرأته ،فدخل حممد بن أبـي بكر الصديق
اخت يده ،ودخل
ْ لسا َء ُه َمكانك ِمنِّيَ ،فترَ آك َأ ُب َ
وك َ وأخذ بلحية عثامن ،فقال له عثامن :واهللِ لو َر َ
يشري الناظم ملوقف اإلمام عيل أمام خطورة ال َّت َحول بقتل عثامن ،فقد ُذ ِك َر َّ
أن علي ًا بعث
دعا أحد ًا يصل إليه،
باحلسن واحلسني ،وقال :اذهبا بسيفيكام حتى َت ُقو َما عىل باب عثامن ،فال َت َ
وخضب احلسن بن عيل بالدم عىل الباب حيث رماه أهل احلصار(((.
((( «تاريخ اخللفاء» للسيوطي ص ،150ومما ذكره :أخرج عساكر عن كنانة موىل صفية وغريه قالواَ :قت ََل
عثامن ٌ
رجل من أهل مرص أزرق أشقر يقال له :محار. َ
((( املصدر السابق.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 244 التليد والطارف
وجعل يبكي حتى َظ ُّنوا أنه سيلحق به(((.
عثامن ؤ تحَ ُّو ً
ال خطري ًا يف تاريخ الدعوة اإلسالمية ُك ِّلها؛ ألهنا ارتبطت َ لقد كان مقتل
ِ
الثالث التي أشار النبـي ﷺ إىل خطورهتا يف احلديث بالنص مبارشة ،وبرزت كإحدى الركائ ِز
ِّ
الذي رواه أمحد يف مسنده وابن شيبة يف تاريخ املدينة عن عبداهلل بن حوالة ؤ عن النبـي
روج
وخ ُثالث فقد َن َجا» قالوا :ماذا يا رسول اهلل ؟ قالَ « :م ْوتِـيُ ،
ٍ ﷺ أنه قالَ « :م ْن َن َجا من
باحلق ُي ْع ِطيه»(((.
ِّ ٍ
خليفة ُم ْص َطرب الدَّ جال ،و َقتل
َو َكأ ِّنـي بالتربيرات التي تكتنف األحداث تشري إىل أن الفتنة خمتلطة هبا بحيث ختفى عىل
والع ُجول ،وأ َّيـ ًا كانت َعدَ ا َل ُة املَ ْط َل ِ
ب الذي اختذه املرصيون أمام ُعثامن ال عن ِ
الغ ِّر َ احلصيف فض ً
يف تسليم مروان أو عقابه عىل ما فعل هبم ،وما ُف ِعل بعثامن أيض ًا َّ
فإن جمريات األحداث كانت
ال حتمل احلل من كل الوجوه ،بل حتفز باجلميع نحو الفتنة ،وعن أنس بن مالك ؤ ،قال:
قال رسول اهلل ﷺ« :إنَّ هللِ َسيف ًا َمغْ ُمود ًا يف ِغ ْمده ما َدا َم ُعثْامن بن عفان َح ّيـ ًا ،فإذا ُقتل ُعثامن
السيف فلم ُيغْ مد إىل يو ِم ِ
القيامة» (((. ُ ُج ِّر َد ذلك
وهذا يفرس الفرق بـني النهايتني :هناية اخلليفة الثاين عمر بن اخلطاب وهناية اخلليفة الثالث
عثامن بن عفان.
ص عثامن بذكر ال َبلاَ ء((( مع أن عمر ُقتل أيض ًا ؛ لكون عمر مل ُي ْمت ََح ْن
قال ابن بطال :إنام ُخ ّ
ينخلع من إ َما َمتِ ِه بسبب ما نسبوه إليه
َ عثامن من تس ُّل ِط القوم الذين أرادوا أن
ُ بمثْلِ ما ام ُت ِح َن به
(((.
ويفرس ابن عباس ريض اهلل عنهام قوله تعاىل ( :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ)
قال :الذين يأمرون بالقسط من الناس :والة العدل عثامن ورضبه.
يعترب مقتل عثامن ؤ منعطفا وحتوال خطريا يف تقرير مصري املعارصين له ،وهبذا َو َل َج
كثري من الطاعنني يف بعض الصحابة عىل غري تثبت تبع ًا للتحوالت التي طرأت وما نقله
األخباريون عنهم.
وقد أشار صاحب كتاب «حتقيق مواقف الصحابة من الفتنة» إىل هذا املوضوع بتفصيل
برآء من التآمر عىل عثامن ؤ.
مفيد ،وأبرز مواقف الصحابة العدول ،وأهنم ُ
رأيت َعلي ًا
فقد أخرج اإلمام أمحد يف فضائل الصحابة عن عبدالرمحن بن أبـي ليىل قالُ « :
رأ َ
إليك من َد ِّم ُعثامن». رافع ًا ِح ْضنَي ِه ،يقول :ال َّلهم إن َأ ْب ُ
ْ
عن عمرية بن سعد قال :كنا مع ع ٍّ
يل عىل شاطئ الفرات فمرت سفينة مرفوع رشاعها،
فقال عيل ؤ« :يقول اهلل عز وجل( :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ) والذي أنشأها
ُ
عثامن ماألت عىل قتله» ((( ،وعن ابن سريين قال :لقد ُقتل
ُ قتلت عثامن وال
يف بحر من بحاره ما ُ
علي ًا يف قتله(((.
يوم ُقتل وما أحدٌ ي ّتهم ّ
قتل عثامن ،قال :ال َّلهم إنك َت ُ
علم َبراءيت من َد ِم ُعثامن ،فإن كان الذين وعن حذيفة ملّا بلغه ُ
العرب لئن
ُ بريء منه ،وإن كان َأ ْخ َطؤوا فقد تعلم َبراءيت من ِذمته ،وستَعلم
ٌ َق َت ُلوه َأ َصا ُبوا فإين
لتحلبن بذلك دم ًا ،فاحت َِل ُبوا
َّ أخطأت بقتله
ْ َحلبن بذلك لبن ًا وإن كانت
أصابت بقتله لت َّ
ْ كانت
وع ُل َ
وجها». الفتن َقادهتا ُ
((( املصدر السابق ( ،)28 :2وكذلك «فضائل عثامن بن عفان» لعبد اهلل بن أمحد بن حنبل (. )94 :1
((( املصدر السابق (.)31 :2
((( املصدر السابق (.)33 :2
((( املصدر السابق (.)37 :2
((( املصدر السابق (.)46 :2
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 248 التليد والطارف
سيدنا ُعثامن:
ومجلة مواقف َّ
)1اشرتى بئر أرومه.
)2جهز جيش العرسة.
)3اتساع الفتوح يف عرصه.
) 4حتولت الدولة يف عهده إىل دولة بحرية ألمره باستخدام األساطيل البحرية.
)5مجع العامل اإلسالمي عىل نسخة املصحف اإلمام.
)6منع الصحابة من الدفاع عنه يف الفتنة وطلب سالمة اآلخرين التزام ًا بام
أوعده به رسول اهلل ﷺ.
ِ
فليأت الباب». وع ٌّيل َبابهُ ا فمن أرا َد املدين َة « َأ َنا َمدين ُة ِ
العلم َ *
قال رجل لإلمام عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه :نسمعك تقول يف اخلطبة: *
فاغ َر ْو َر َق ْت عينا ُه اخللفاء الراشدين املَ ْه ِد ِّيني»َ ..
فمن ُهم؟ ْ َ أصلحت به
َ الله َّم أصلحنا بام
« ُ
ٍ
قريش واملقتدى ور ُجال
وع َم َر إماما اهلدى وشيخا اإلسالم َ وقال« :مها َحبِي َب َ
اي أبوبك ٍر ُ
آثار مُها ُه ِد َي
هبام بعد رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم َ ،م ِن اقتدى هبام ُع ِص َم و َم ِن ا َّت َب َع َ
إىل الرصاط املستقيم ،و َمن تمَ َ َّس َ
ك هبام فهو من حزب اهلل»
يشري الناظم إىل ما جرى بعد مقتل عثامن ؤ من إلزام الناس اخلالفة إىل اإلمام عيل
ؤ واملرحلة تغيل كامل ِ ْر َجل ،حيث أشارت كتب السري والتاريخ عن اضطراب حال
وجلل النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم أهل بيته بكسائه وضم عليا ريض اهلل عنه وفاطمة واحلسن واحلسني
س َ اصتِيَ ُ .. الء َأ ْه ُل َبيتِي َ
وط ِّه ْرهُ ْم َت ْط ِهريا» ،قالت أم سلمة: الله َّم أ ْذ ِه ْب عَ ْن ُه ُم ِّ
الر ْج َ وخ َّ «الله َّم هَ ؤُ ِ
وقالُ :
يا رسول اهلل أنا منهم؟ قال« :إِن ِ
َّك إىل َخيرْ ٍ» رواه أمحد يف مسنده.
وعن عيل ريض اهلل عنه قال :إن رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم أخذ بيد حسن وحسني وقالَ « :م ْن َأ َح َّبنِي
الق َيا َم ِة» رواه الرتمذي. اها ُ
وأ َّم ُهام كان َم ِعي يف َد َر َجتِي َي ْو َم ِ وأ َح َّب هَ َذينِ َ
وأ َب مُ َ َ
عرف ريض اهلل عنه بشجاعته وإقدامه فارسا ال جيارى ،وكان يوم خيرب عىل الراية ملكانته القتالية الفريدة ،وقد
ي ُّب َ ال َي ْفت َُح ُ
اهلل عىل َيدَ ْي ِه ،حُ ِ لأَ ُ
اهلل قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم ألصحابه ليالْ « :ع ِطينَ َّ َّ
الرا َي َة َر ُج ً
ور ُسو ُلهُ» ،فبات الناس يدوكون ليلتهم أهيم يعطاها ،فلام أصبح الصباح غدوا عىل وي ُّب ُه ُ
اهلل َ ور ُس َ
ولهُ ،حُ ِ َ
ل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها ،فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم َ :
«أ ْي َن عَ يِ ُّ
ب؟» فقالوا :يا رسول اهلل يشتكي عينيه ،فقالَ « :ف َأ ْر ِس ُلوا َلهُ» ،فأيت به فبصق يف عينيه ودعا له
بن أيب َطالِ ٍ
ُ
فربئ حتى كأن مل يكن به وجع فأعطاه الراية .
بويع له ريض اهلل عنه باخلالفة بعد مقتل عثامن ريض اهلل عنه ولكنه مل يستقر يف املدينة ونقل مركز اخلالفة إىل
الكوفة ،وهناك استقر هبا ولكن الفتن تفاقمت وتوسعت وعانى منها كثريا ريض اهلل عنه ،وألجل ذلك
خاض حروبا عديدة منها معركة صفني واجلمل والنهروان.
وكانت مدة خالفته أربع سنني وتسعة أشهر وعرشة أيام ،واستشهد ريض اهلل عنه عىل يد أشقى اآلخرين
عبدالرمحن بن ملجم اخلارجي ،ومكث بعد رضبه بالسيف ثالثة أيام ومات فغسله احلسن واحلسني
وعبداهلل بن جعفر ،وكانت وفاته ألحد عرشة بقيتا من رمضان سنة 40هـ.
واختلف يف موقع قربه فقيلُ :ع ِّم َي عليه حتى ال ينبشه اخلوارج ،وأرجح األقوال أنه يف النجف األرشف
بالعراق ،رمحه اهلل رمحة األبرار.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 254 التليد والطارف
املسلمني بمقتل عثامن فقام كبار الصحابة ودخلوا عىل اإلمام عيل ؤ ،فقالوا« :إن هذا
الرجل قد ُقتل والبد للناس من إما ٍم وال نجد اليوم أحد ًا أحقَّ هبذا األمر منك ،ال أقدم سابقة
خري من أن أكون أمري ًا ،فقالوا:
وال أقرب من رسول اهلل ﷺ ،فقال :ال تفعلوا فإين أكون وزير ًا ٌ
في ًا وال تكون
ال واهلل ما نحن بفاعلني حتى نبايعك ،قال :ففي املسجد ،فإن بـيعتي ال تكون َخ ّ
إل عن ِرىض املسلمنيَ ،
فبايع ُه املهاجرون واألنصار ثم َبا َي َع ُه الناس» (((.
ورويت يف قصة بـيعته حوايل ثامين روايات ك ّلها ُتشري إىل مرشوعية خالفته ،يقول ابن
ُ
ويع َع ُّ
يل بن أبـي طالب بن عبداملطلب بن هاشم بن عبدمناف باملدينة عساكر يف تارخيهُ « :ب َ
َ
فاستقبل املحرم َسنة ست بقيت من ذي احلجة يوم ُ
اجلمعة ِحني ُقتل ُعثامن الثنتي عرشة ليلة ْ
العامة يف َم ْس ِج ِد رسول اهلل ﷺ»(((.
وثالثني ..ثم ُبويع البـيعة َ
ويقول احلافظ الذهبـي يف شأن البـيعة« :ملا ُقتلِ ُعثامن َس َعى ال َّناس إىل َعيل ،وقالوا :البد
لل َّناس من إما ٍم فحرض طلحة والزبـري وسعد بن أبـي وقاص واألعيان ،وكان َأ َّول من َ
بايع ُه
َطلحة ثم َسائر ال َّناس»(((.
وما روي غري ذلك من الروايات ففيها نظر((( ،قال صاحب حتقيق موقف الصحابة :والذي
يظهر من هذه الروايات -بعد إيراد العديد من الرواياتَّ -
أن التوقف يف البـيعة كان يف البداية
فقط كام كان عيل ذاته يأباها فلام اتضح األمر واجتمع الناس عىل بـيعة عيل بايع هؤالء ،وليس
أدل عىل ذلك من قول الواقدي :ومل يتخلف َأ َحدٌ من األنصار إلاَّ بايع فيام نعلم.
ويقول ابن كثري :فلام كان يوم اجلمعة وصعد ٌّ
عيل املنرب بايعه من مل يبايعه باألمس.
تشري األبـيات إىل ما برز لإلمام عيل ؤ من خطورة املوقف والتحوالت ،وأهنا استمرار
خطري ملا أخرب به ﷺ من الفتن املتالحقة ،وكيف التبس األمر حتى عىل جهابذة العلم واملعرفة
ليقىض اهلل أمر ًا كان مفعو ً
ال.
بعض الرجال الك َُّم ِل
ِ ما كان من �و ِل ِ وم�ن غ َِر ِِ
ي�ب آ َي�ة الت ََّح ُّ
الف ْتن ِ
س�ير ِ
ي�را فِ�ي َم ِ الزبـي�ر أو َك َطلح ِ كمو ِق ِ
َ�ة َأ ِو ُ
الح َم َ �ة َ ِ �ف َْ
ِ الم ْص َطفى ِ �و َأ ِ ِ ِ
بـيثرب تحقيق َقول ُ
َ ب الح ْ
الب م�اء َ
َتنْ َب ُح َه�ا ك ُ
رج�ال َي ْحلِ ُف َ
�ون ال َق َس�ما ٌ ق�ا َم �ت عل�ى الرج�وع ِإنّما
فص َّم َم ْ
َ
�ت َو َأ ْم ُ�ر َربـ�ي ق�د َن َفدْ
َف َصدَّ َق ْ الم�اء َل َ
ي�س م�ا َو َر ْد َ َ
ب�أ َّن ه�ذا
يشري الناظم إىل ما جرى من عجيب قدر اهلل يف سلوك كبار الصحابة -كام ذكرهم يف
األبـيات -فهؤالء كانوا عىل قدر عظيم من العلم والدين.
وقد ورد أن عائشة ريض اهلل عنها ملا بلغ ركبها إىل ناحية من نواحي الطريق نبحت الكالب،
فرصخت يف ُذعر :ما أراين إلاَّ راجعة ،وثبت
ْ احل ْو َأب،
أي ماء هذا؟ قالوا :ماء َ
فسألت عائشةُّ :
بإحداكن تنبحها كالب
ّ سمعت رسول اهلل ﷺ ،يقول لنسائه« :كأن
ُ اجلميع وسألوها؟ قالت:
احلوأب »..ثم اجته إ َّيل وقال« :إياك أن تكوين ِ
أنت يا محُريا!»؛ ولكن القوم مجعوا هلا مخسني من
األعراب فحلفوا أن ماء احلوأب قد جاوزوه أول الليل.
ومىض الركب يف الطريق إىل البرصة واجتمع اجليشان جيش عيل وجيش طلحة والزبـري
عيل بـ(ذي قار) ودعاهم ثالثة أيام للصلح وال َّت َفاهم ،وكان قتلة عثامن يف
وعائشة ،ونـزل ٌّ
((( رواه ابن أيب شيبة وابن منيع والعقييل ،انظر «كنز العامل» ( )340 :11و «اإلشاعة» ص.49
((( انظر الكالم عن السبئية ودورهم يف الفتنة يف الفصل القادم.
((( «حتقيق مواقف الصحابة» ص.119 - 116
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 259 التليد والطارف
وإنام أثارها املفسدون بغري اختيار السابقني.
ويقول الباقالين :وقال مجلة من أهل العلمَّ :
إن الواقعة بالبرصة بـينهم كانت عىل غري عزيمة
عىل احلرب بل فجأة(((.
وأشري بعقر اجلمل الذي عليه اهلودج وكان فيه أم املؤمنني عائشة ريض اهلل عنها فلام عقر
محل اهلودج بام فيه إىل أمري املؤمنني ،ورضبت عليها قبة ،وكان معها أخوها حممد بن أبـي بكر،
فجاء إليها اإلمام عيل فسلم عليها ،وقال :كيف أنت يا ّأم؟ قالت :بخري ..اهلل يغفر لك.
وأرسل هبا إىل البرصة مع مجع من النسوة ،ثم عزمت عىل الرجوع نحو املدينة ،فبعث إليها
اإلمام بام ينبغي من مركب وزاد ومتاع وأرسل معها أربعني امرأة من نساء البرصة وسيرَّ َ معها
أخاها حممد ًا.
وقد َف َعل اإلمام عيل مع أم املؤمنني ما َف َعل من اإلكرام واألدب اعرتاف ًا بفضلها ومكاهنا من
فار ِفقْ هبا» (((. ال لقوله ﷺ« :إن ُو ِّل َ
يت من أم ِرها شيئ ًا ْ رسول اهلل ﷺ ،وامتثا ً
وبرز هنا دور اخلوارج ودور األتباع املتعصبـني للرأي ،فقال قوم :ما وسعنا أن ندعى إىل
كتاب اهلل عز وجل فنأبى أن نقبله ،فقال هلم« :إين ما قاتلتهم إل ليدينوا بحكم هذا الكتاب
فإهنم قد َع َص ُوا َ
اهلل عز وجل يف أمرهم و َن ُسوا َع ْه َد ُه و َن َب ُذوا كتَا َب ُه».
فقال مجاعة القراء :يا عيل أجب إىل كتاب اهلل إذا ُدعيت إليه ،وإلاَّ ندفعك بِ ُر َّمتِ َك إىل القوم
أو نفعل كام فعلنا بابن عفان ،واهلل لتفعلنها أو لنفعلنها بك.
َح ْزم عنهم :وأسالف اخلوارج -هم القراء -كانوا أعراب ًا قرؤوا القرآن قبل أن يتفقهوا يف
السنن الثابتة عن رسول اهلل ﷺ ومل يكن فيهم أحدٌ من الفقهاء وال من أصحاب أحد من علامء
((( يرى ابن كثري يف تارخيه أن مقتل عثامن كان مدبرا وأن تألب األحزاب عليه كان من فعل ابن سبأ ،ويؤيد
هذا القول ما ذكره ابن خلدون يف «العرب» ( :)1027 :2إن عبداهلل بن سبأ يعرف بابن السوداء كان هيوديا
فهاجر أيام عثامن فلم حيسن إسالمه فأخرج من البرصة فلحق الكوفة ثم الشام فأخرجوه فلحق بمرص،
وكان يكثر الطعن عىل عثامن ويدعو يف الرس إىل أهل البيت وحيرض الناس عىل القيام بذلك ،والطعن عىل
األمراء ،فاستامل الناس بذلك يف األمصار ،وكاتب بعضهم بعضا.اهـ.
ويشري إىل مثل ذلك املقريزي وابن حجر والسيوطي ،ويقول ابن حبيب البغدادي (ت 245هـ) :عبداهلل ابن
سبأ صاحب السبئية« .املحرب» ص ، 308ويقول ابن قتيبة (ت 276هـ) :السبئية ينسبون إىل عبداهلل بن
سبأ .اهـ« .املعارف» ص( 62الطبعة املحققة) ،وكل ذلك مما يؤكد عالقة ابن سبأ بأمرين:
أوال :تكوين فتنة املدرسة السبئية التي انترشت فيام بعد داخل اخليمة اإلسالمية وتطورت إىل منهج ومذهب
اختلط باملنهج اخلاص بغالة املتعلقني بآل البيت ريض اهلل عنهم وهم منه براء.
الثاين :عالقة هذه املدرسة وما تفرع منها باملدرسة الدجالية العاملية التي حذر منها رسول اهلل صىل اهلل عليه
وآله وسلم من بروزها عامليا منذ عهد آدم يف العامل ،وحذر منها باخلصوص يف مسرية اجلسد اإلسالمي
بمقتل عثامن ريض اهلل عنه يف قوله« :أول الفتن قتل عثامن وآخرها خروج الدجال» رواه ابن عدي وابن
عساكر ،انظر «اإلشاعة» ص.139
وكان من خطر أعامل هذه املدرسة:
-1التخطيط يف الرس.
-2اختاذ آل البيت ذريعة لتأليب العامة وإدخال املعتقدات الفاسدة بني اإلفراط والتفريط باسم آل البيت وهم
منها براء.
-3إثارة الفوىض وزعزعة الثقة باحلكم واألمراء من خالل اإلرجاف وتكوين األحزاب املتعارضة وانتحال
املواقف السياسية بالتزوير كام هو يف قضية عثامن ريض اهلل عنه وتزوير الرسالة التي أثارت املرصيني
وغريها.
-4استخدام اإلشاعة والدعاية بصورة فعالة (الكذب اإلعالمي).
-5استغالل الفرص لإلثارة والدفع باملتنازعني للقتال واحلرب كام هو يف معركتي اجلمل وصفني.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 265 التليد والطارف
لقد كانت وسائل املدرسة السبئية هي االمتداد اخلطري للمدرسة الدجالية العاملية داخل اجلسد اإلسالمي،
وخاصة إذا علمنا أن مصدرها األسايس هو (ابن سبأ اليهودي) وأن اليهود يف العامل هو الذراع األيمن
للدجال ومدارسه يف التاريخ ،وال ختفى وسائلهم احلقرية يف إسقاط األنظمة والدول والتحريش السيايس
واالقتصادي واالجتامعي واإلعالمي إىل اليوم وبعد اليوم ،فهي سلسلة من املؤامرات ضد البرشية
النظر إىل (فتنة مقتل عثامن) من وجهة
َ بعمومها ،وضد دعوات احلق يف العامل بخصوصها ،وهلذا فإن
اإلسالم العاملية ال ُي َفسرِّ ُ القضي َة بام يفرسه املؤرخون املشتغلون بجزئيات املواقف ،وإنام ُت َفرس احلوادث
بإعادة قراءة نصوص التحوالت التي أخرب عنها صىل اهلل عليه وآله وسلم وربطها بمسرية األحداث بعد
ذلك.
وهلذا فإن التمعن والتأمل ملواقف الصحابة أنفسهم وارتباكهم وقلقهم أمام هذه الفتن يربز لنا العنرص اخلفي
الذي يعمل عىل إفساد املواقف ،وحيرك األمور ضد التيار اإلسالمي الصحيح.
فسيدنا عثامن ريض اهلل عنه ملا شعر بالفتنة يف األمصار وأن األمة تتمخض عن رش قال« :واهلل إن رحى الفتنة
لدائرة ،فطوبى لعثامن إن مات ومل حيركها» الطربي ( )343 :4عن «حتقيق مواقف الصحابة» .
وكان جواب الصحابة ريض اهلل عنهم ملا جاءهم األعراب الثائرون –وقد غشهم من غشهم بكتب ادعى أهنا
وردت من كبار الصحابة -أن الثائرين مل جيدوا منهم تشجيعا عىل ثورة وال عىل فتنة بل تربؤوا مما نسب
إليهم من رسائل تؤلب الناس عىل عثامن ريض اهلل عنه ووجدوا عثامن مقدرا للحقوق بل وناظرهم فيام
نسبوه إليه ورد عليهم افرتاءاهتم وفرس هلم صدق آماله حتى قال أحد هؤالء األعراب وهو مالك بن
األشرت النخعي :لعله مكر به وبكم .املصدر السابق.
وملا اقرتب (أعراب الفتنة) من املدينة بعثوا من يستطلع هلم أخبار املدينة فذهب رجالن فلقيا أزواج النبي
صىل اهلل عليه وآله وسلم وعليا وطلحة والزبري وقاال :إنام جئنا نستعفي عثامن من بعض عاملنا ،واستأذنا
لرفاقهم بدخول املدينة فأبى الصحابة وقال اإلمام عيل ريض اهلل عنه« :ال آمركم باإلقدام عىل عثامن ،فإن
ض س ُي َف َّرخ» فعاد الرجالن وعاد أهل الفتنة حييكون حيلة أخرى للدخول ،وملا دخل منهم مجاعة َأ َب ْيت ُْم ف َب ْي ٌ
قال هلم بعض الصحابة :لقد علم الصاحلون أن جيش ذي املروة وذي خشب ملعونون عىل لسان حممد
صىل اهلل عليه وآله وسلم ..فارجعوا ال صحبكم اهلل ،وذو املروة وذو خشب مكانان نزل هبام ذلك اجليش،
جيش املروة وأهل النهروان ملعونون علمت عائش ُة أن َ
ْ ويف رواية ابن عساكر عن عيل بن أيب طالب« :لقد
جيش املروة َق َت َل ُة عثامن« .حتقيق مواقف
عىل لسان حممد صىل اهلل عليه وآله وسلم» قال أبوبكر بن عياشُ :
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 266 التليد والطارف
الصحابة» (.)332 :1
ويف املرة األخرية ظهرت قضية الرسالة املزورة التي خولت لألعراب الدخول إىل املدينة بعدها إلثارة الفتنة
كتبت فينا بكذا وكذا ،فقال« :إهنام اثنتان :أن يقيموا رجلني
َ وملا دخلوا عىل عثامن ريض اهلل عنه قالوا:
علمت» قالوا :قد أحل اهلل دمك
ُ أمليت وال
ُ كتبت وال
من املسلمني أو يميني باهلل الذي ال إله إال هو ما ُ
ونقضت العهد وامليثاق ،وحرصوه يف القرص .اهـ.
َ
واستوقف اإلمام عيل ريض اهلل عنه وفد الكوفة والبرصة وقد قالوا :إنام جئنا لننرص إخواننا ونمنعهم ،فقال
هلم اإلمام عيل ريض اهلل عنه« :وكيف علمتُم يا أهل الكوفة ويا أهل البرصة بام َل ِق َي ُ
أهل مرص وقد سرِ ْ ُت ْم
أمر ُأ ْب ِر َم باملدينة» اهـ «حتقيق مواقف
نحونا؟» ثم قال اإلمام ريض اهلل عنه« :هذا واهللِ ٌ
ثم طويتُم َ َ
مراحل ّ
الصحابة» (.)334 :1
وتشري الوقائع إىل أن تزوير الكتب تكرر يف هذه املرحلة ،فهذه عائشة ريض اهلل تعاىل عنها تُتهم بأهنا كتبت إىل
كتبت
الناس تأمرهم باخلروج عىل عثامن فتنفي وتقول« :ال والذي آمن به املؤمنون وكفر به الكافرون ما ُ
جلست جمليس هذا» رواه ابن كثري يف «البداية والنهاية» ،عن «حتقيق مواقف
ُ هلم سودا َء يف بيضا َء حتى
الصحابة» ( )334 :1ويعقب األعشى فيقول :فكانوا َي َر ْو َن أنه ُك َ
تب عىل لساهنا.
كتبت إليكم
ويتهم الوافدون عليا ريض اهلل عنه بأنه كتب إليها ليقدموا عليه املدينة فينكر ذلك ويقسم «واهلل ما ُ
كذب
ٌ كتاب ًا» انظر «حتقيق مواقف الصحابة» ( ، )1:335قال ابن كثري معلقا عىل هذه األخبار :وهذا
عىل الصحابة وإنام كتبت كتب مزورة عليهم ،فقد ُكتب من جهة عيل وطلحة والزبري إىل اخلوارج -قتلة
كتب مزور ٌة عليهم أنكروها ،وكذلك زور هذا الكتاب عىل عثامن أيضا فإنه مل يأمر به ومل يعلم
عثامنٌ -
به .اهـ.
ويستفاد من هذا كله أن هناك عنرصا مدسوسا يعمل حلساب مدرسة الدجال ذات العالقة املبارشة باستثامر
الفتن يف تاريخ الديانات والشعوب ..ومنها املدرسة السبئية ..وقد استاملت (عنرص األعراب) الذين مل
ُ
سلف اخلوارج، يدخل اإليامن قلوهبم من قبائل خمتلطة من مرض وربيعة واليمن ،وهؤالء هم ُ
(الق ّراء)
ومنهم كام ذكره بعض الرواة األعراب املرتدون الذين استعني هبم يف اجلهاد عىل عهد عثامن ريض اهلل
عنهم ،وتشري عائشة ريض اهلل عنها إىل هؤالء بقوهلا بعد مقتل عثامن« :إن الغوغاء من أهل األمصار و ُن ّزاع
القبائل غزوا حرم رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وأحدثوا فيه األحداث وآووا املحدثني ..مع ما
نالوا من قتال إمام املسلمني بال ترة وال عذر» .اهـ «حتقيق مواقف الصحابة» (.)354 :1
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 267 التليد والطارف
املدرسة السبئية تعريف معارص يشري إىل مدرسة ذات هوية سياسية منحرفة منتمية إىل
مذهب عقيدي خطري ينسب إىل عبداهلل بن سبأ اهلمداين منشأ اليهودي أصال ،وله مذهب
فكري معروف ذكرته أغلب كتب التاريخ والسري والطبقات ،وصار فيام بعد مدرسة فكرية
متميزة حتمل آراء ومعتقدات بذرت بذور الشقاق يف املجتمع اإلسالمي ،وكانت من مجلة
العوامل التي أدت إىل مقتل أمري املؤمنني عثامن بن عفان ريض اهلل عنه وتفرق املسلمني شيعا
وش َّذ ْت َو َغ َل ْت يف األحكام وال َّتصورات واملواقف،
وأحزابا ،والتي اخرتقت أتباع اإلمام عيل َ
دور ٌ
فاعل يف وأرجفت يف مسألة الوالء والرباء إرجاف ًا خطري ًا ،حتى كان لإلمام عيل ؤ ٌ
معاقبة الغاليني وا ُمل ْف ِرطني وا ُمل ِّ
فرطني يف حمبته منهم ،كمثل دوره الفاعل يف معاقبة وتعقب
الغالني يف عدوانه واخلروج عنه.
وهذا من فقه التحوالت لدى اإلمام ومعرفته بامتداد الفتنة وسريها عرب األزمنة ،ومل يطل
بقتل ِه و َق ْتلِ معاوي َة وعمرو بن العاص يف يو ٍم
اخلوارج ِ
ُ األمر باإلمام عيل ؤ فقد حكم
ٍ
واحد.
قال يف «اإلشاعة» ص :59ملّا رجع ٌ
عيل ؤ من قتال اخلوارج وجتهز للشام ُقتل يف سابع
وشدد اإلمام عيل ريض اهلل عنه عىل األعراب بعد مقتل اخلليفة عثامن وخاطب أهل املدينة بقوله« :يا أهيا الناس
أخرجوا األعراب عنكم» وقال« :يا معرش األعراب احلقوا بمياهكم» ..فأبت السبئية الطاعة وأطاعهم
األعراب .اهـ «حتقيق مواقف الصحابة» (.)354 :1
إذن فاملدرسة السبئية تعمل عىل إثارة املواقف وتستفيد من األعراب والغوغائية ،وهذا هو أيضا منهج املدرسة
الدجالية يف التاريخ املايض والتاريخ املعارص ،وأساسها العمل عىل اإلثارة وامتالك موقع القرار أو
منازعته ،ويف هذا يقول اإلمام عيل ريض اهلل عنه ملا بويع عىل اخلالفة وطلب منه طلحة والزبري إقامة
أصنع بقو ٍم يملكوننا وال
ُ لست أجهل ما تعلمون ..ولكن كيف احلدود عىل قتلة عثامن« :يا إخوتاه إين ُ
ُ
نملكهم؟ هاهم هؤالء قد ثارت معهم عبدا ُنكم وثابت إليهم أعرا ُبكم »..اهـ «حتقيق مواقف الصحابة»
(.)355 :1
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 268 التليد والطارف
عرش من رمضان وهو خارج لصالة الصبحَ ،ق َت َل ُه َأ ْش َقى اآلخرين عبدالرمحن بن ُم ِ
لجم رضبه
ٍ
بسيف مسمو ٍم ليل َة اجلمعة سنة أربعني للهجرة.
قال الناظم:
ي�ر ُم ْس�لِ ِم
ري�ق َد َم َخ ِ َغ�دْ ر ًا ُي ُ �ل ُم ِ
لج ِم َف َقا َم َأ ْش� َقى ال َق ْو ِم ن َْس ُ
ِ ِ ِ
َاص لم َي ُعدْ من َْها َمن ْ َو ْاش َت َبك ْ
َت َو ْ اص َفزَا َدت األُ ُم ُ
�ور َن ْق َض ًا َوانْت َق ْ
إشارة من الناظم إىل اختتام حلقة اخلالفة الراشدة باإلمام عيل ؤ «وانتقاض» األمور
من بعده واشتباكها.
)1آثار مقتل عثامن وتبني القتلة سياسة ا ُمل َر َاو َغ ِة والدفع باألمور عىل طريق نشوء املدرسة
الدجالية يف األمة.
)2تشبث معاوية ومن معه يف الشام بثأر عثامن ح َّتى صار َم ِط َّي ًة للفتنة وسبب ًا يف معركة
ِص ِّفينْ وما تالها.
ال إىل معركة َ
اجلمل َ )3ت َبنِّي عائش َة والزبـري وطلحة قضية ثأر عثامن بالعراق ،وسبب ًا موص ً
عىل غري رضا منهم وإنام بإيعاز طرف ثالث يمثل مدرسة الدجال.
)4انتشار ظاهرة الثراء واإلقطاعات واملخصصات املالية التي حجزت اإلمام عيل عن
إرضاء اجلميع واضطراره إىل إجياد سياسة مالية جديدة مل َ
يرض عنها الكثري.
)5بروز فئتني معارضتني ملوقف اإلمام عيل وأهل بـيته وأتباعه بعد معركة صفني،
وهم:
((( ولد اإلمام احلسن السبط يوم الثالثاء مخسة عرش من رمضان يف السنة الثالثة للهجرة ،ويكنى «أبا حممد»،
ويلقب «بالتقي» ،حفظ عن جده مجلة من األحاديث وعن أبـيه وعن أمه ،وكان احلسن أشبه الناس
برسول اهلل ﷺ ،فعن أنس ؤ قال :أشبههم بالنبـي ﷺ احلسن بن عيل ؤ ،وقال النبـي ﷺ
للحسن« :اللهم إين أحبه فأحبه وأحب من حيبه» رواه الرتمذي ،ولقد َح َّج احلسن مخس ًا وعرشين حجة
ماشي ًا عىل قدميه ،وكان حكي ًام كري ًام صبور ًا ،تويف خلمس خلون من ربـيع األول سنة 50للهجرة النبوية
وقيل سنة 52هـ ودفن يف البقيع.
والعجيب أن املؤرخني مل يعتربوا اإلمام احلسن خليف ًة ُيعدّ بعد اخللفاء األربعة وإنام اعتربوا اخلليفة اخلامس
احلسن هو اخلليفة اخلامس ،وأنه تنازل عن احلكم،
َ اإلمام
َ عمر بن عبدالعزيز ،واملعت َقد -واهلل أعلم -أن
كانت مرحل ًة رشعية ًوموثق ًة بالنص بالنبوي ،وهي ٌ
جزء من جمريات فقه ْ فاملرحلة التي كان حيكم فيها
هام يف طريق القرار الرشعي يف اإلسالم. ٌ
مفرتق ٌّ التحوالت يف املرحلة ،بل هي
واخلليفة السادس من هذه الوجهة هو عمر بن عبدالعزيز ريض اهلل عنه وعنهم أمجعني ،ومل َي ْث ُب ْت أن أحد ًا من
ال عددي ًا يف اخللفاء الراشدين ،وإنام كانت خالفتُه بموافقة العلامء واملؤرخني َعدَّ خالف َة معاوي َة تسلس ً
احلسن بالتنازل،
َ اإلمام
َ خاصة َأ ْلزَ َم ِ
ت ٍ ٍ
وظروف ٍ
مالبسات األمر من
َ شاب
َ اإلمام احلسن ورضاه لمِ َا
الهتبال املوقف كام سبق اهتبا ُله يف التحكيم بينه وبني اإلمام عيل ريض اهلل عنه يف معركة
ِ ودفعت معاوية
ْ
ص ّفني ولكن بصورة أخرى.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 275 التليد والطارف
فخرج هبم إىل املدائن بعد خالفته بثامنية أشهر تقريبا ،وكان اجليش من لفيف الناس واألعراب،
والتقى اجليشان بناحية األنبار من أرض السواد.
وراجع اإلمام احلسن أهل الشام وعىل رأسهم معاوية ومن معه درء ًا للفتنة وحقن الدماء،
فام وجد من اجلانبني إال الرغبة يف القتال ،ورأى احلسن ريض اهلل عنه يف أصحابه تفككا حتى
قيل :إنه صاح صائح هبم أن قيس بن سعد بن عبادة قتل وكان قائد جيش اإلمام احلسن ،فهرج
القوم وماجوا وأخذ ينهب بعضهم بعضا حتى نازعوا احلسن ريض اهلل عنه يف فراشه الذي كان
عليه وجرحه أحدهم بسالحه.
ورأى احلسن بعد هذا األمر وما سبقه أن يقبل الصلح ويويل احلكم إىل معاوية برشوطه،
فأرسل إىل معاوية يفاوضه األمر ،ف َقبِل معاوية وأرسل إليه أن اطلب ما شئت واشرتط فإين
وخت ََم يف أسفله ،فاشرتط احلسن عىل معاوية ما ييل: وأرس َل َبـ َي َ
اض ًا َ َ أويف لك بذلك
)1أن يكون بـيت مال الكوفة حتت ترصفه.
)2أن يكون له خراج دار أبـي جرد.
)3أن تكون اخلالفة بعد معاوية له وألخيه احلسني ،ويف رواية :أن تكون للمسلمني يولوا
من شاؤوا.
)4أن ال يتعرض معاوية ألهل العراق وال ينتقم منهم.
الصلح والتوقيع عىل ذلك وقام احلسن بن عيل خطيب ًا فحمد اهلل وأثنى عليه ،وقال: فت ََّم ُّ
وح َق َن ِد َم َاء ُكم بِ ِ
آخ ِرنا ،وإِنَّ معاوية نازعني أمر ًا أنا ُّ
أحق به منه، بأولِنَا َ «أيهُّ ا الناس إن َ
اهلل هَ داكم َّ
وط َلب ًا ملا عند اهلل» (((. وإين تركته َح ْقن ًا لدماء املسلمني َ
وجاء يف «البداية والنهاية » أنه قالَّ :
إن اهلل هداكم بأولنا وحقن دماءكم بآخرنا
وان هلذا األمر ُمدة والدنيا ُد َو ل ،فإن اهلل تعاىل قال لنبيه ﷺ( :ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
((( قلت :ويف هذه العبارة من اإلمام احلسن إشارة إىل عدم اهتاممه بمسألة امللك كمطلب أسايس إذا اختُلف
ِ
اخللفاء الراشدين املهديني وعي ِ
املالحظ ُ وعرضت دماء املسلمني لإلهدار واإلسالة ،كام أنه من عليه ّ
خري ِمن َس ْفك الدماء ِ
ومحلة مرياث االقتداء واالهتداء بأن التضحية باحلكم وقرار ا ُمللك ٌ ِ
رجال السالمة
يف سبيله مع وجود البديل األفضل :وهو رضاء اهلل ،والقيام بحق العلم ،وخدمة الشعوب.
((( املصدر السابق ،سبق خترجيه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 277 التليد والطارف
وصية اإلمام احلسن بن عيل ألخيه احلسني عند موته
جاء يف «تاريخ اخلميس» ص :293روينا من عدة وجوه أن احلسن ملا حرضته الوفاة قال
للحسني أخيه :يا أخي ،إن أباك حني قبض رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم استرشف هلذا
األمر رجاء أن يكون صاحبه فرصفه اهلل عنه ووليها أبوبكر ،فلام حرضت أبابكر الوفاة ترشف
هلا أيضا فرصفت عنه إىل عمر ،فلام قبض عمر جعلها شورى بني ستة هو أحدهم فلم يشك أهنا
ال تعدوه ،فرصفت عنه إىل عثامن فلام هلك عثامن بويع له ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها فام
صفا له يشء منها ،وإين واهلل ما أرى أن جيمع اهلل فينا أهل البيت النبوة واخلالفة ،فال أعرف ّنك
ما استخفك من سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك.اهـ .وللوصية بقية متعلقة برغبته يف أن يدفن
يف بيت عائشة تراجع يف املصدر ذاته.
ويف هذه الوصية خالصة (منهج السالمة آلل البيت ريض اهلل عنهم وأرضاهم) وهو املنهج
السديد الذي جاء عىل لسان من مدحه جده صىل اهلل عليه وآله وسلم بالسيادة وباإلصالح بني
املتصارعني عىل القرار واحلكم،وإذا طعن أحدهم يف الوصية فلن يطعن يف موقف احلسن وما
ترتب عليه من اجتامع ووئام وحقن دماء ،وإعادة حياة إىل الشعوب.
وكأين بفقه التحوالت يقف رافدا لسلوك ومواقف آل البيت ،تلكم املواقف املنتسبة بالسند
املتصل إىل رسول اهلل ﷺ ذاته ،ويلخص هذا الفقه اهلام سلوك هذه املدرسة إىل ما ييل:
.1إن التجربة العملية منذ عهد صدر اإلسالم إىل عهد مواقف اإلمام عيل زين
العابدين بن احلسني ترسم آلل البيت منهجا عمليا جديدا ،جيب فيه رصف النظر
عن مسألة ملطالبة بالقرار واحلكم.
(( ( ولد اإلمام احلسني بن عيل ريض اهلل عنهام باملدينة املنورة خلمس خلون من شعبان السنة الرابعة بعد
اهلجرة ،وملا أخرب به ﷺ جاء وأذن يف أذنه اليمنى وأقام يف أذنه اليرسى ،وسامه حسين ًاَ ،
وعقَّ عنه بكبش،
وقال ألمه« :احلقي رأسه وتصدقي بوزنه فضة وافعيل به كام فعل بأخيه احلسن» ،كنيته «أبوعبداهلل» ،وله
ألقاب كثرية ،منها( :الرشيد ،والويف ،والسيد ،والذكي ،واملبارك ) ،وفيه ويف أخيه احلسن ريض اهلل عنهام
قال ﷺ« :إهنام سيدا شباب أهل اجلنة» ،وقال يف احلسني« :حسنيٌ مني وأنا من حسني ،أحب اهلل من أحب
حسين ًا ،حسني سبط من األسباط» رواه الرتمذي وابن ماجه.
كان يف شبابه مقدام ًا شجاع ًا ،وكان أحد حراس عثامن أيام حصاره ،شارك هو وأخوه احلسن يف معارك مجة مع
أبـيهام اإلمام عيل كرم اهلل وجهه وريض اهلل عنهم ،كان كري ًام مضياف ًا رحي ًام ،حتىل بمجموع فضائل اخلري،
قال فيه ﷺ خمرب ًا عن استشهاده« :إن ابني يقتل بأرض يقال هلا :كربال ،فمن شهد ذلك فلينرصه» «اإلصابة»
(.)199 :8
وعن أم سلمة ريض اهلل عنها قالت :ناولني رسول اهلل ﷺ كف ًا من تراب أمحر ،وقال« :هذه من تربة األرض
التي يقتل هبا ابني-يعني احلسني -فإن صار دم ًا فاعلمي أنه قتل» ،وكان مقتله يوم عاشوراء سنة 61
للهجرة النبوية بكربالء رمحه اهلل رمحة األبرار .اهـ باختصار عن «قرة كل عني» للكابيل.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 281 التليد والطارف
فِيما َق َضى س�بحا َنه رب ِ
الع َبا ْد الم َ�را ْد ِ َف�ك َ
ُ ْ َ ُ َ ُّ َ َان َولل�ه ُ
َان َم�ا ك َ
حرض اإلمام احلسني ؤ قتل والده اإلمام عيل وعمل من بعده بوصيته التي قال فيها:
«يا بني عبد املطلب ال ختوضوا دماء املسلمني خوض ًا تقولونُ ( :قتل أمري املؤمنني) ..أال ال َت ْق ُت ُل َّن
يب إل قاتيل ،انظروا إذا أنا ُم ُّت من رضبته هذه فارضبوه رضب ًة ،وال مت ِّث ُلوا به فإين سمعت ﷺ
يقول« :إياكم واملثلة ولو بالكلب العقور»» .اهـ.
وويل احلسن بن عيل ؤ اخلالفة ورأى من مواقف القوم وموقف األضداد ما جعله
حساب ح ِّق ِه يف احلكم بعد البيعة ،ألن ِ
موق َف ُه يعترب ِ يتخذ القرار األخري لنرش السالم ولو عىل
َم ِ
وق َ
ف الوسطية الرشعية واالعتدال الواعي بني طريف اإلفراط والتفريط .
وقد شهد احلسني هذه املواقف وعارصها معارصة واعية ،وأدرك أمهية قرار أخيه احلسن
وما اتفق عليه مع معاوية من رشوط الصلح.
ال خطري ًا يف الاِ ِّت ِ
فاق ،وخاصة َّ
أن موت حتو ً
وملا مات احلسن بن عيل ؤ شهد احلسني ؤ ُّ
آخر من قريش عىل ٌ
ورجل َ دخلت أنا
ُ بالس ِّم َمدْ ُسوس ًا عليه ،قال عمري بن إسحاق:
احلسن كان ُّ
الس ْو ِق
الس َّم مرار ًا وما سقيت مرة هي أشدّ من هذه ،وقد أخذ يف َّ
قيت ُّ
احلسن بن عيل ،فقال :قد ُس ُ
أي أخي من صاحبك؟» قال تريد قت َل ُه!! قال:
ـز ِع) فجاء احلسني حتى قعد عند رأسه ،وقالُّ « :
(ال َّن ْ
نعم ،قال« :فإن كان صاحبي الذي أظن فاهلل أشدُّ نقمة» ..ويف رواية عند ابن كثري يف «البداية والنهاية»
« :اهلل أشد بأس ًا وأشد تنكي ً
ال ،وإن مل يكن ...ما أحب أن تقتل يب برئي ًا».
ِ
وفاة احلسن ريات ُ
األ ُمور التي طرأت ُب َعيدَ ِ ونستفيد من مفهومنا من فقه التحوالت َّ
أن مجُ
ؤ أكسبت احلسنيَ ريض اهلل عنه موقف ًا جديد ًا ،ومنها :
عدم موا َفقتِ ِه عىل بيعة يزيد وبقي متمسكا بذلك ومعه عبداهلل بن عمر وعبدالرمحن
ُ -
بن أيب بكر وعبد اهلل بن الزبري وغريهم ،أي :إهنم قبلوا ما قبله اإلمام احلسن وما اتفق عليه
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 282 التليد والطارف
مع معاوية؛ ولكنهم مل يقبلوا ما ترتب عىل بيعة يزيد واختذوا من ذلك موقف ًا رشعي ًا ملخالفة
ذلك ما اتفق عليه احلسن مع معاوية يف رشوط الصلح ،ومات معاوية إثر ذلك يف رجب سنة
ستني ،وأفضت اخلالفة إىل يزيد ،وأرسل إىل احلسني وابن الزبري ليبايعا فهربا ليال إىل مكة
ومن مكة عقد العزم عىل اخلروج إىل الكوفة كام سيأيت.
أهل العراق يف عنقه بيعتَهم وأرسلوا إليه مئة ومخسني كتاب ًا يدعونه إليهم
َو َض َع ُ -
فاض َط َّر أن يبعث إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن أيب طالب وأرسل معه كتاب ًا وبويع له
ْ
بالكوفة فكتب مسلم بن عقيل إىل احلسني ليقدم ،وجتهز احلسني -بنا ًء عىل ذلك -بينام َعزَ َل
األشياع حو َل ُه حتى تركوه وحده ،ثم ُقبِ َ
ض ُ َ
وختاذل مسلم بن عقيل
َ ِ
الكوفة وقا َت َل ري
يزيد أم َ
عليه و ُقتل ،و ُقبيل قتله أرسل إىل احلسني رسو ً
ال يقول له( :ارجع بأهلك واليغرنك ُ
أهل
أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فرا َق ُهم باملوت أو القتل ،إذ أهل الكوفة قد
ُ الكوفة فإهنم
ُ
الرسول احلسنيَ بمكان يسمى كذبوك وكذبوين وليس لكاذب رأي) .قال الراوي :ولقي
كل أم ٍر َح َّم ٌ
نازل (ز َبا َلة) ألربع ليال من الكوفة فأخربه اخلرب وأبلغه الرسالة ،فقال ؤُّ « :
ُ
عند اهللَ ..ن ْحت َِس ُب َأن ُْف َسنا و َف َسا َد َأئِ َّمتِنا »..اهـ(((.
جاء يف «أسد الغابة» :وامتنع مع احلسني عن بيعة يزيد عبداهلل بن عمر وعبداهلل بن الزبري
وعبدالرمحن بن أيب بكر ،وملا تويف معاوية مل يبايع احلسني أيضا وسار من املدينة إىل مكة فأتاه
كتاب أهل الكوفة وهو بمكة ومنها جتهز للمسري يف سبعني فارسا من أهل بيته وغريهم،
والتقى مع جيش يزيد يف كربالء وسأل احلسني عن املكان فأخربه فقال« :صدق رسول اهلل
صىل اهلل عليه وآله وسلم« :أرض كرب وبالء»» ،فجرى من أمر اهلل فيها ما كان وإنا هلل وإنا
إليه راجعون.
((( ولد قبل حادثة الفيل بثالث سنني ،وهو أكرب من النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم بسنتني ،وكنيته أبوالفضل،
عرف بلطفه وأدبه ،قال له ابن عمر :أنت أكرب أم النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم؟ قال :هو أكرب مني وأنا
ولدت قبله.
وكانت أخالقه عالية وعرف بالكرم واجلود وصلة األرحام ،قدمته قريش وأسندت إليه عامرة املسجد احلرام،
ثم أسندت إليه السقاية ،فغدا بذلك مقدما يف قريش كلها.
أبوه عبداملطلب ،واسمه (شيبة احلمد) ،سمي بذلك ألنه ولد يف رأسه شيبة واحدة ،آزر رسول اهلل صىل اهلل
عليه وآله وسلم بمكة قبل أن يسلم ،وشهد معه ليلة العقبة الثانية ،وأخذ عىل األنصار العهد يف نرصهتم
للنبي صىل اهلل عليه وآله وسلم ،ويف ليلة اإلرساء افتقده العباس فخرج يبحث عنه حتى وصل إىل ذي
طوى والنبي صىل اهلل عليه وآله وسلم يف طريق عودته ،فكان ينادي :يا حممد يا حممد ..فأجابه صىل اهلل
عليه وآله وسلم ،فقال :يا ابن أخي َأ ْع َي ْي َت قو َمك منذ الليلة فأين أنت؟ فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم:
س» ،فقال العباس :يف ليلتك؟ قال« :نعم» ،فقال العباس :هل أصابك إال خري؟ فقال: بيت املَ ْق ِد ِ
«أتيت َ
ُ
خري» .
«ما أصابني إال ٌ
وخرج العباس مكرها إىل بدر مع قريش ،ووقع أسريا يف يد املسلمني فافتدى نفسه بمئة أوقية من ذهب ،وقد
أحس رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم قلقا ليلة أرسه ومل ينم ،فقيل :يا رسول اهلل ..ما لك ال تنام؟
فس َك َت فنام رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم.
ثاقه» فأطلقوه َ «سمعت َأنِ َ
ني عَ ّمي يف َو ِ ُ قال:
وعاد العباس إىل مكة وكتم إسالمه ثم أقبل مهاجرا إىل املدينة سنة الفتح فاستقبل النبي باألبواء وكان معه
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 284 التليد والطارف
أهل العراق عدوهم ثم اقدُ ْم عليهم) َف َر َّد احلسني« :يا بن عم واهلل إين ألعلم أنك ناصح شفيق
ولك ّني قد أز َم ْع ُت املسري» فقال( :فإن كنت سائر ًا َفلاَ َتسرْ ِ بِ َأ ْو ِ
الدك ونسائك فواهلل إين خلائف
عثامن ونساؤه وولدُ ُه ينظرون إليه) ،وهناه عبد اهلل بن عمر ،وملا رأى موقفه يف ُ َأن ُتقت ََل َكماَ ُقتِل
املسري اعتنقه وبكى ،وقال( :أستودعك اهلل من قتيل).
قال يف «اإلشاعة» :انتقل احلسني من املدينة إىل املنورة هرب ًا أيضا من بيعة يزيد ملا مات
معاوية ،وبويع يزيد بالشام وغريها ،وانتقل احلسني من املدينة إىل مكة هرب ًا من بـيعة يزيد
فأرسل إليه أهل الكوفة أن اقدم إلينا نبايعك ،فنهاه ابن عباس وذكر له مواقفهم ،ثم أمره إذا
أرص عىل الرحيل أن ال يرحل بأهله فأبى فبكى ابن عباس ،وقال :واحسيناه ،وقال له ابن عمر
نحو ذلك ،ثم َّقبله بـني عينيه ،وقال :أستودعك اهلل من شهيد ،أو قال :أستودعك من قتيل.
وكذلك هناه ابن الزبـري ،ومل يبقَ أحد بمكة إلاَّ وحزن ملسريه ،وأخذ البـيعة للحسني بالكوفة
مسلم بن عقيل وبايعه هبا اثنا عرش ألف ًا ،فأرسل إليه زياد بن أبـيه من يقتله بالكوفةَّ ،
وتفرق عنه ُ
املبايعون وسار احلسني ؤ غري عامل بذلك فلقي الفرزدق فسأله ،فقال :قلوب الناس معك
وسيوفهم مع بني أمية ،والقضاء ينـزل من السامء.
ويف كربالء جهز إليه ابن زياد عرشين ألف مقاتل فقاتلوه مع أهل بـيته ومن معه حتى ُقتل
احلسن ،ومن أوالد جعفر وعقيل تسعة عرش
ُ ؤ ،و ُقتل معه من إخوانه وبنيه وبني أخيه
استباحةجيشيزيداملدين َةبعدموقعةاحلرةالشهريةالتيوردت
ُ ومنحتوالتهذهاملرحلةوتداعياهتا
يف العديد من كتب السري والتاريخ ،حتى جالت فيها اخليول بمسجد رسول اهلل ﷺ وتعطل املسجد
الرشيف ثالثة أيام ،ثم ُحوصرِ َ ت مكة الرشيفة أربع ًة وستني يوم ًا ،ورمي البـيت باملنجنيق ،واحرتقت
أستارالكعبة،ثماحرتقباقيمافيها،وماتيزيدبعدهذهاملوقعةبثالثةأشهر(((.
وبويع بعده ملعاوية بن يزيد وكان رج ً
ال صاحل ًا وحمب ًا آلل البـيت خالف ًا ألبـيه ،ومل تدم به
ال يف ِ
آخر خطبة« :شأنكم وأمركمُ ،
فخذوه ومن خالفته بل صعد املنرب َو َخ َل َع نفسه عنها ،قائ ً
َ�ى�ذ َأت ٰ َوفِ ْر َق� ٌة َق�دْ َخ َذ ُل�و ُه ُم ْ ُبغَ�ا ُة ُظ ْل� ٍم َق َت ُل�و ُه َعنَتَ�ا
َان م�ا ك َ ِ ِ َل ْم َين ُْص ُرو ُه َس�ا َع َة َ
الح ْس ِم المراد
َان َول ّل�ه ُ
الم َ�را ْد َف�ك َ َ
وقد اعتبر هؤالء الناهجين منهج الصلح (مقتل الحسين) ومن معه من آل البيت جرما
عظيما يحمل مسؤوليتها ٌّ
كل من الفريقين أهل التفريط البغاة القتلة وأهل اإلفراط المبايعين
الغفلة ،الذين خذلوه ساعة الحسم المطلوب ،وتفرقوا عنه وتركوه عرضة للقتل واإلبادة ،
بعد أن حملوه على الخروج واالنتقال من الحجاز إلى العراق .
ِ ِ ِ
لص ْل�حِ َوا ِ
إل ْصَل�اَ حِ ُمن ُ
ْ�ذ َذ َه َب�ا ل ُّ �ين َم ْط َل َب�ا
وج ل ْل ُحس َ َأ َّم�ا الخُ ُ�ر ُ
الم َرا ْد
يق ُ َو ْاست َْش َهدُ وا ِم ْن َأ ْج ِل ت َْح ِق ِ االجتِ َها ْد
�ن َق�دْ َخ َر ُج�وا بِ ْ َوك ُُّل َم ْ
َل�م يخُ رج�وا إِلاَّ لِص�دِّ ال َغ َل ِ �ال النَّم ِ �ن ِر َج ِ َفه ُ ِ ِ
�ط َ ْ َ ُ ُ �ط َ �ؤلاَ ء م ْ ٰ
�ف �م َيخْ تَلِ ْ
�م َل ْ�م َعن ُْه ُيه ْ�م َوفِ ِ
من ُْه ْ
ِ ف �ر ْ �ن ُع ِ ٍ ِ ِ
�ل َز ْي�د َوا ْبن�ه َو َم ْك َِم ْث ِ
يشير الناظم إلى مسألة الخروج ذاتها ودوافعها لدى اإلمام الحسين عليه السالم وأن النظر
لها من واقع النصوص خير من النظر إليها من واقع المستثمرين لها سلب ًا وإيجاب ًا ،فالحسين
عليه السالم قال عن نفسه( :إنما خرجت ألصلح في أمة جدي ) ،ويترتب على هذا النص
األبوي أن مهمة اإلمام الحسين هي (اإلصالح في األمة).
ولهذا يوكد الناظم أهمية التفصيل لألمور بين هذه المجموعات المشتبكة ويشير إلى
سالمة توجه رجال النمط األوسط في كال الحالين ( :حال الصلح الحسني وحال الخروج
الحسيني ) ،وأن كل الذين خرجوا من هذا النموذج القائم على االجتهاد المشروع لألئمة
جزء ال يتجزأ من النمط األوسط كمثل اإلمام زين بن علي وابنه يحيى ومن جاء من بعدهم
ْ�ب َم ْق ُرون� ًا بِ َث ْ
�ار َك ُع ْق�دَ ٍة لِ َّ
لذن ِ �أ َر ِش� َع ْار �ذوا ال َّث ْون اتَّخَ ُ
آخ ُ�ر َ َو َ
ج ٍ ِ لا بِ ِ
ِجي ً �ل ِض�دَّ َأ ْف َع ُ َ�ر ِّد فِ ْع ٍ
ي�ل َوش� َعار ًا ف�ي َ
الح َي�ا ْة �ال ال ُبغَ�ا ْة ك َ
�م ُل ت ِ
َاريخ� ًا َج َ�ر ٰ
ى َض َب� ًة ت َْش َ
َوغ ْ �ار ِدينً�ا َو َولاَ ًء َو َب َ�را َو َص َ
فالو ْه ِم َي ْأتِي في الخَ َل ْ
�ان ََحت َّٰى ز ََم ِ ف الم ْص َط َف ٰى َو َم ْن َخ َل ْ ِ ِ
م ْن َب ْعد َم ْوت ُ
ِ
يشير الناظم أيضا إلى ما ترتب من ثورة وصراع دموي بعد مقتل اإلمام الحسين عليه السالم
،وخاصة من طرف المفرطين ،الذين حولوا (مقتل اإلمام الحسين ) إلى قضية ثار وانتقام من
التاريخ اإلسالمي كله على غير تميز وال تفصيل واع ،ومثل هؤالء قد أصدروا من قبل مقتل
اإلمام الحسين أحكام البطالن على مرحلة الخالفة كلها .
وألهمية هذا الموضوع أخذ الناظم في تفصيل األمر حسب مجرياته الصحيحة بعيدا عن
الغلو وعن الجفاء ،فالغلو قد أفسد الحقائق وصار وسيلة تبرير للظلم والعدوان ،ولذا
يشير الناظم إلى أسباب اتخاذ الثأر شعارا لدى البعض وهو ما سماه بـ(عقدة الذنب) ،
وهي العقدة التي أصابت المتخاذلين عن نصرة اإلمام الحسين وآل بيته فحولوها إلى شعار
انتقام وثورة كانت بادئ ذي بدء على الظالمين البغاة ،ثم تحولت بفعل اختالط األفكار
والطموحات السياسية إلى ردة فعل معاكسة لم تنقطع بانقطاع السبب وذهاب المسؤولين
عن القتل والبغي ،بل صارت دينا ووالء وبراء وغضبة تمسخ معالم التاريخ الشرعي وتشمل
حتى من كان من (آل البيت أنفسهم) ممن نهج منهج اإلمام الحسن في الصلح ومنهج علي
زين العابدين رضي الله عنهم أجمعين .
فاإلفراط المسيس لم يسمح لهؤالء حتى بتبرئة (آل البيت األطهار ) بل جعلوهم جزأ ال
يتجزأ من (سياسة الملك العضوض) وخلطوا بين أهل السنة والجماعة األبوية الشرعية وبين
ال وتعصب ًا وجاهلية ،حتى صارت نصوصهم تكفر وتقصي
أهل السنة المصنعة السياسية جه ً
عن الديانة كل مراحل السالمة األبوية بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهد اإلمام
المنتظر ،وهو عهد في منهج اإلسالم ال مراء عليه وال خالف في مسألة وقوعه ،ولكن #
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 290 التليد والطارف
إلزالة آثار الجور والظلم في موقع قرار الحكم واالقتصاد ،وما ترتب على ذلك من هيمنة
الملك العضوض وسياسة االستعمار واالستهتار واالستثمار.
أما حملة قرار العلم والشريعة والجهاد في سبيل الله على طريق االتباع المتصل فهم الطائفة
المنصورة في كل زمان ومكان ،بصرف النظر عن مبدأ الحكم والسياسة ،وال يدخلون في
حكم أهل اإلفراط القائل :كل ما بني على باطل فهو باطل ،ويقصدون بهذه المقولة كل ما
ترتب على الخالفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما بعدها باطل على غير تمييز وال
تفصيل .وهذا ظلم أشد من ظلم أهل التفريط وأخطر على األمة واإلسالم كله .
قال الناظم:
�ان ال َقتِ ْي ِ
�ل األَ َّو ِل ِمن بع ِ
�د ُع ْث َم َ ْ َْ �ن ت ََح ُّو ِل ِ
إل ْسَل�اَ ُم م ْ ىا ِ َوك َْم َر َأ ْ
الر َدى ِِ ِ ِ الع ْل� ِم ِم ْيز ِ
اب ِ َو َب ْعدَ َب ِ
َو َم�ا َج َرى م ْن َبع�ده م َن َّ الهدَ ىَان ُ
ُ�ن َبرائِ ِق ُم ْل ٌ
�ك َع ُض ٌ
وض لم َيك ْ الل ِح ِق �ر الخُ َل َف ِ
�اء اَّ َف�ك ُُّل َع ْص ِ
تشري األبـيات إىل مرحلة جديدة من مراحل التحول من تاريخ اإلسالم ،إذ هي مربوطة بام
ِ
األول» .فبهذا احلدث طرأت سبقها من التحوالت كام أشار إليها الناظم« :من بعد عثامنَ القتيلِ
حتوالت جديدة ،وكذلك بمقتل اإلمام عيل ؤ.
عىل املسرية اإلسالمية ّ
َوكأ ِّنـي باألمة مع هذه التحوالت اخلطرية حتتاج إىل موقف جديد حيمل كل معاين التضحية
يف سبـيل اهلل ،فكان موقف احلسن بن عيل ؤ -وهو من أجىل املواقف اهلامة يف مرحلة
التحوالت -حيمل يف طياته عل ًام هام ًا ومشهد ًا جديد ًا يف التعامل مع األحداث ،وهو ما ُع ّرف
بس َّنة املواقف.
ُ
َ
أحاديث عديدة حول مرحلة بني أمية يف احلكم ،باعتبارها حلقة كتب الس َّنة
رصدت ُ
ْ وقد
يف سلسلة التداعيات والتحوالت املوعودة ،وهذه األحاديث ال تنفي خريية األمة واستمرار
فضلها ،وإنام هي تقرير حالة رشعية حول مسألة القرار.
ومن هذه األحاديث ما رواه أبو يعىل واحلاكم والبـيهقي عن أبـي هريرة ؤ ،قال :قال
رأيت يف النو ِم بني َ
احل َكم ينـزون عىل منربي كام تنـزوا القردة» قال :فام رؤي رسول اهلل ﷺُ « :
((( رواه أبو يعىل والبيهقي يف «الدالئل» عن أيب هريرة .املصدر السابق ص.63
((( رواه ابن عساكر وابن أيب حاتم وابن مردويه يف «الدالئل» عن سعيد املسيب.
((( وهذا القول يف بني أمية ال يشمل صاحلي هذا البـيت ومن استقام منهم ،وإنام خيتص بشأن القرار واحلكم،
حيث برز يف بني أمية من العلامء والدعاة والصاحلني من ال يعاب شأهنم وال يستنقص دينهم؛ بل حيرتم
موقفهم ورأهيم ويستند إليهم يف خدمة اإلسالم إىل اليوم.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 295 التليد والطارف
ِ
املرحلة اليَزي ِديّة ُ
ونهاية املرحلة املرواني ِّة
ِ بَ ْد ُء
َ
مروان بن احلكم ،وخرج هبم إىل دمشق من فلسطني ،واقتتلوا مع عامل وبايع بنو أمية
ابن الزبـري فقتلوه ،وهو الضحاك بن قيس ،وغلب مروان عىل الشام ،ثم توجه إىل مرص،
وغلب عليها سنة مخسة وستني ،وتويف مروان يف تلك السنة ،وعهد إىل ابنه عبدامللك فقام
مقامه ،واستمر يف حماربة ُعماَّ ِل ابن الزبـري حتى مل يبقَ معه إلاَّ احلجاز واليمن ،وجهز عبدامللك
ملحاربته احلجاج بن يوسف الثقفي ،فحارص بن الزبـري حتى قتله بمكة(((.
ثم توىل بعد عبد امللك ابنه الوليد ثم ابنه اآلخر سليامن بن عبد امللك ،ثم توىل عمر بن
عبدالعزيز ،وهو موضوع الفصل التايل.
((( كانت مدة حكم ابن الزبـري تسع سنني وزيادة ،وقد ذكرت كتب السري والتاريخ نامذج من املواقف
السلبـية التي جرت عىل يد احلجاج ،فقد هدم الكعبة وقتل ابن الزبـري ،وبلغت ضحاياه من الناس مئة
ألف وعرشين ألف ،وأربعة آالف قتلهم صرب ًا ،وأهان مجلة من الصحابة منهم أنس بن مالك ،ودس عىل
عبداهلل بن عمر َمن رضبه بحربة مسمومة وهو يف الطواف فكانت سبب موته ،وقد أشارت األحاديث إىل
موقع احلجاج يف التحوالت ،منها ما رواه البـيهقي يف «الدالئل» عن حبـيب بن ثابت قال :قال عيل ريض
اهلل عنه لرجل« :إنك تدرك رجل ثقيف» ،قيل :ما رجل ثقيف ؟ قال« :ليقا ُل َّن له يوم القيامة :ا ِ ْك ِفنا زاوي ًة
من زوايا جهنمٌ ،
رجل يملك عرشين أو بضع ًا وعرشين سنة ،ال يدع هلل معصية إلاَّ ارتكبها ،حتى لو مل َ
تبق
إلاَّ معصية واحدة وكان بـينه وبـينها باب مغلق لكرسه حتى يرتكبها ،يقتل من أطاعه بمن عصاه».
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 296 التليد والطارف
(((
عهد الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز (الخليفة السادس)
ِ الصدُ ِ ُم َجدِّ ِد الدِّ ِ إلم�ا ِم الع ِ
اد ِل
الفاض ِل وق ين َّ َ َحتَّ�ى أتَى َع ْه�دُ ا ِ َ
المعروف
ُ ِ
بالعدل في الحك ِم هو الموصوف
ُ عم�ر ِ
العزيز ِ
نج�ل
َ
وش�ر َع القواع�دَ المنش�ود ْة
َّ َ
المواق�ف المحمود ْة َ
وقف قد
((( هو أمري املؤمنني عمر بن عبدالعزيز القريش األموي ،أبوحفص ،تابعي جليل ،روى عن أنس بن مالك
والسائب بن يزيد ويوسف بن عبداهلل بن سالم وغريهم ،وروى عنه مجاعات من التابعني منهم حممد بن
املنكدر والزهري وغريمها ،صنف بعضهم يف مناقبه جملدا ، ،وعن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه أنه قال:
يولد يل رجل بوجهه شني ييل ،فيأل األرض عدال ،قال نافع :ال أحسبه إال عمر بن عبدالعزيز ،والشني
الذي بوجهه شجة من أثر حافر فرس وهو غالم ،ملا أصابه الفرس جعل أبوه يمسح الدم عن وجهه
أشج بني أمية ،أمه بنت عاصم بن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه ،اسمها حفصة ،وأمها
ويقول :إن كنت ّ
البنت التي قالت ألمها :إن مل يعلم أمري املؤمنني فإن ربه يعلم ويرى ،أطيع أمره يف العالنية وأعصيه يف
الرس ،تعني عمر بن اخلطاب ،وسمعها عمر فأمر ولده عاصام يتزوجها ،وقال :لعل اهلل أن يرزقك منها
نسمة مباركة ،فجاءت بأم عمر بن عبدالعزيز.
ومن مظاهر عدله يف مدة خالفته زيادة أموال بيت مال املسلمني حتى شكا عامله كثرهتا ،فأمر مناديا ينادي يف
األمصار :من كان عليه دين فقضاؤه عىل بيت مال املسلمني ،فقىض يف ذلك العام ديون املسلمني أمجعني
ومل يبق أحد عليه ألحد دين ،ثم نادى مناديه يف األمصار :من مل يتزوج من شباب املسلمني فعىل بيت
املال زواجه ومؤنته حتى يتوفر له من العمل ما يكفيه ،فلم يبق من العزاب إال من كان معذورا أو مريضا
أو غازيا أو مسافرا.
وقد أثبت اخلليفة العادل عمر بن عبدالعزيز إمكانية إقامة العدل االجتامعي وتوزيع الثروة املالية واالقتصادية
عىل الرعايا دون خلل يف اقتصاد الدولة وال حصول عجز أو مديونيات للغري ،ويعترب حكمه حجة عىل
كافة مراحل عصور احلكم يف البالد العربية واإلسالمية من بعده ،إذ حتقق بحكمه رغم قرص الزمان ما مل
يتحقق يف العصور التي طالت مرحلة حكامها يف الشعوب.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 297 التليد والطارف
ونَص�ر الدِّ ي�ن بَِل�اَ ِخَل�اَ ِ �ف األَسَل�اَ ِ ِ
ف ْ َ َ َ َ ف َأ ْح َي�ا َلنَ�ا َم َواق َ ْ
َي�ر ِع ْل� ِم
�م بِغ ِالس َّ
ِ َب ْ
�ل ُس�ق َي ُّ َو َل�م َي ُط ْ
�ل ُم َق ُام� ُه ف�ي ُ
الحكْ� ِم
الم�ي األَ ْم َث ِ �و ِل ِ ِ
�ل ِّ �ن ال َّط ِر ْي ِ
�ق ال َع َع ِ َف َع�ا َدت األَ ْو َض ُ
�اع للت ََّح ُّ
يشري الناظم إىل عهد اخلليفة اخلامس عمر بن عبدالعزيز ؤ ،والذي متيز عرصه بنموذج متفرد
من التحوالت واملواقف وخصوص ًا يف قرار احلكم ،والذي مكث يف اخلالفة سنتني ومخسة أشهر،
وكانتبـيعتهيفصفرسنةتسعوتسعنيعىلماذكره«تاريخاخللفاء»للسيوطيص.214
وقد بدأت حتوالت عمر بن عبدالعزيز ومواقفه قبل أن يكون خليفة فهو قد اختذ موقف ًا من تنعمه
ورفاهيتهالتيكانيألفها،قالالسيوطييف«تاريخاخللفاء»ص:313كانقبلاخلالفةعىلقدمالصالح
إلاَّ أنه كان يبالغ يف التنعم واالختيال يف املشية حتى َع ْ
زَف بعد ذلك عن ذلك كله .اهـ .وبدأ بأهل بـيته
وأقاربه فأخذ ما بأيدهيم وأعادها إىل بـيت مال املسلمني ،ثم أخذ ما بـيد زوجته فاطمة بنت عبدامللك.
قال السيوطي يف «تاريخ اخللفاء» ص 316عن خالفة عمر بن عبد العزيز :مأل فيها األرض عد ً
ال ورد
مهدي فهو عمر بن
ٌ وهب بن منبه :إن كان يف هذه األمة السن ََن َ
احل َسنة .اهـ ،ح َّتى كان يقول ُ املظامل َو َس َّن ُّ
ٍ
خلمس بقنيَ من شهر عبدالعزيز ،وقد تويف عمر بن عبدالعزيز بدير سمعان من أعامل محص لع ٍ
رش أو
رجب سنة إحدى ومائة وله حينئذ تسع وثالثون سنة وستة أشهر ،وكانت وفاته بالسم ،ألن عشريته
من بنيأمية َتبرَ َّ ُموا منهلتشديده عليهم وانتزاع ما َغ َص ُبوهمن أموال الناسومن بيت مال املسلمنيرمحه
اهلل رمحة األبرار ،وقد كان عهده القصري زمنا أنموذجا متفردا يف مراحل حكم بني أمية كلها.
كم بعده يزيد بن عبدامللك بن مروان، قال السيوطي يف «تاريخ اخللفاء» ص :229وتوىل ُ
احل َ
ومكث أربعني يوم ًا يسري بسرية عمر بن عبدالعزيز ،ثم عدل عن ذلك.
وكان قد كتب له عمر بن عبدالعزيز وصية قبل وفاته ،قال له فيها« :سالم عليك ،أما بعد فإين
ال أراين إلاَّ ملا بـي ،فاهلل اهلل يف أمة حممد ،فإنك تدع الدنيا ملن ال حيمدك ،وتقيض إىل من ال يعذرك،
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 298 التليد والطارف
والسالم» ،و ُقتل يزيد بموضع قرب َك ْر َبالء لدى خروج يزيد بن ا ُمله َّلب عىل اخلالفة يف أواخر
شعبان سنة مئة ومخس ،وتوىل بعده أخوه هشام ،ثم الوليد بن يزيد بن عبدامللك ،وكان فاسق ًا منتهك ًا
حلرمات اهللُ ،قتل يف مجاد اآلخر سنة ست وعرشين ومائة ،وقد ورد يف مسند اإلمام أمحد حديث
ليكونن يف هذه األمة رجل ُيقال له الوليد ،هلو أرش عىل هذه األمة من فرعون لقومه» ((( ،وهو الذي
َّ «
((( رواه أمحد يف مسنده وابن حبان عن عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه.
((( «تاريخ اخللفاء» ص .334
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 299 التليد والطارف
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 300 التليد والطارف
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 301 التليد والطارف
ص بني ال َع ّب ِ
اس َع رْ ُ
يشري الناظم إىل مرحلة حكم بني العباس ،وهي إحدى مراحل حتول القرار داخل اخليمة
اإلسالمية ،ومن املراحل التي أشارت إليها أحاديث التحوالت.
فمن هذه األحاديث ما أورده السيوطي يف «تاريخ اخللفاء»:
أخرج أمحد يف مسنده عن أبـي سعيد اخلدري ؤ ،قال« :خيرج ٌ
رجل من أهل بـيتي عند
انقطاع الزمان وظهور من الفتن ،يقال له :السفاح ،يكون إعطاؤه املال حثي ًا» اهـ(((.
وقد ذكر صاحب كتاب اإلشاعة أحاديث شديدة الوقع عىل مرحلة بني العباس ،وقال
ُ
األحاديث -إن صحت -عىل رشارهم. الربزنجي بعد إيرادهاَ :ف ُت ْح َم ُل
((( أخرجه البيهقي يف «الدالئل» عن أيب سعيد اخلدري .املصدر السابق ص.238
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 304 التليد والطارف
وأول خلفائهم أبوالعباس السفاح ،ثم توىل بعده أبوجعفر املنصور ،وكانت له مميزات
يف احلكم وهو الذي رضب أبا حنيفة عىل القضاء ثم سجنه حتى مات بعد أيام لكونه أفتى
باخلروج عليه(((.
وأول من أحدث ميش الرجال بـني يديه بالسيوف واألعمدة والقيس املوترة اهلادي أبوحممد
موسى بن املهدي املتويف سنة سبعني ومئة ،وكثرت الفتوحات يف عهد الرشيد هارون ،الذي
غزا نقفور صاحب الروم بعد نقضه للهدنة ،حيث كتب إليه يقول( :بسم اهلل الرمحن الرحيم.
من هارون أمري املؤمنني إىل نقفور ِ
كلب الروم ،قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة ،واجلواب ما
تراه ال ماتسمعه) ثم غزاه وق َت َل ُه.
((( ولد صالح الدين عام 532هـ 1137 -م من أرسة كردية عاشت يف بلدة َد ِو ْين وهي من أطراف أذربيجان،
وقيل :إنه من أصل عريب ألن قبائل العرب كانت تنزل عند األكراد وتتزوج منهم ،واألرجح أنه من أرسة
كردية األصل استعربت بنزوهلا إىل العراق.
يت ضارب ًا يف األرض وكان ميالد صالح الدين يف مدينة تكريت بالعراق وخرج به والده ليلة ميالده من َت ْك ِر َ
وصل ونزال عند صاحبهام ( عامد الدِّ ين زنكي ) وايل توجه إىل املَ ِ
بعد خالف جرى مع حاكم البالد ،ثم َّ
وحاكم املوصل آنذاك ،فأحسن وفادهتام وأعطاهم أرض ًا يعيشون فيها ،واشتغل نجم الدين والد صالح
الدين وأخوه يف جيش عامد الدين وأخلصا له اخلدمة وأحرزا انتصارات عديدة ،وعهد عامد الدين إىل
نجم الدين إدارة َب ْع َل َب ّك عند سقوطها بأيدهيم عام 534هـ (1139م) ،وحني تويف عامد الدين زنكي
انتقل نجم الدين وأرسته إىل قرى استقطعها من أيدي الدمشقيني بعد أن سلمهم بعلبك ،والتحق بخدمة
(طغتكني) الذي رفعه إىل قيادة اجليش.
وكان صالح الدين يف هذه األثناء يرتبى عىل النسك والصالح وقضاء احلياة بني التعلم والتنقل بني دمشق
وبعلبك حتى اكتملت فروسيته ،وعندما أرسل أسد الدين شريكوه عىل رأس محلة إىل مرص اصطحب ابن
أخيه صالح الدين ،وقد بلغ من العمر ستة وعرشين عام ًا ،واستطاع اجليش أن َيدْ َحر املرصيني وحيارص
القاهرة ودخلها فاحت ًا ،وكان صالح الدين معه مشارك ًا منذ تلك اللحظة؛ ولكن اخلليفة الفاطمي خدع
َ
شريكوه ونفاه خارج القاهرة وألب عليه اإلفرنج ملحارصته؛ ولكنه حارهبم مستعين ًا برأي صالح الدين
حتى َصدَّ هم.
وخرج شريكوه من مرص إىل الشام ثم عاود الكرة ملحاربة الصليبيني بمرص وخاصة بعد أن اصطلح الفاطميون
مع الفرنجة عىل أن يدفع الفاطميون خراج ًا سنوي ًا هلم.
وحاول شريكوه أن يستميل الوايل الفاطمي (شاور) إىل جانبه ملحاربة الصليبيني؛ إلاَّ أن شاور أبى وأبلغ
الصليبيني موقف شريكوه ،واستعد اإلفرنج وشاور ملحاربة الفريقني ،وجعل شريكوه عىل قلب جيشه
صالح الدين ابن أخته ،واتفق معه عىل خطة الستدراج الصليبيني خارج القاهرة ،ثم ذهب شريكوه
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 308 التليد والطارف
واحتل اإلسكندرية ووقف معه أهلها وجاء اإلفرنج حلصاره ومل يظفروا بطائل.
وطالت املعارك بني الفريقني وزاد قلق اإلفرنج من مناوشة نور الدين بالشام لقالعهم وحصوهنم ،وسارت
الرسل بني املعسكرين للصلح فاتفق اجلميع عىل أن يرحل اإلفرنج ،ويرحل أيض ًا شريكوه وصالح الدين
من مرص ،ويقدم شاور لشريكوه خسارته يف املعركة ،وأن يقدم ملك اإلفرنج السفن لشريكوه كي حيمل
فيها بعض جنوده إىل الشام.
ورفع احلصار وغادر صالح الدين وشريكوه مرص إىل الشام؛ إلاَّ أن الصليبيني عاودوا محلتهم عىل مرص وعاثوا
فيها الفساد فاستنجدت مرص بنور الدين يف الشام فأرسل محلة فرد املعتدين بقيادة شريكوه وانسحبوا عن
مرص وبقي شريكوه يف مرص وتعرض لعدد من الدسائس لقتله ولكن اهلل سلمه وخاصة أن ولد شاور
(شجاع) كان يميل إىل شريكوه أسد الدِّ ين مي ً
ال كبري ًا.
واستطاع أسد الدين شريكوه بعد ذلك أن يتخلص من شاور بقتله ومجع األمر يف يده حتت إمرة اخلليفة العبايس
ببغداد ،وتويف أسد الدين بعد شهرين وخلفه يف منصب الوزارة ابن أخيه صالح الدين وهو يف سن الثانية
والثالثني ،وأحسن سياسة الرعية وأحبه الناس ،وبدأ يعمل يف توطيد سلطته يف مرص ،وتنفيذ رغبته يف
مجع كلمة بالد العرب واملسلمني.
ومع ازدياد الفتن بني أمراء الشام بعث إليه بعضهم ليقدم إىل الشام إلنقاذهم من اخلطر فلبى الطلب ،وجهز
جيوشه لذلك وأيده اخلليفة العبايس عىل ذلك حتى بلغ دمشق يف ربيع األول سنة 570هـ أكتوبر
1174م ،ودخلها من غري مدافعة ثم فتح حلب وبعلبك بعد معارك ضارية ،وبعلبك هي البلد التي قىض
فيها سنني حياته األوىل ،وواصل فتحه يف الشام مع ما لقيه من املنازعة واحلرب وحماوالت االغتيال حتى
أتم اهلل له فتح الشام كلها ،ثم توجه إىل جبال الالذقية حيث يقيم احلشاشون الذين كان هلم دور يف التآمر
ال ،ثم صاحلهم وأعطاهم األمان عىل رشوط اشرتطها معهم ،وكان هلذا الصلح عىل قتله ونال منهم منا ً
أثر بعيد يف سري احلروب الصليبية ،فنارص اإلسامعليون صالح الدين من حروبه وعاد إىل مرص موطد ًا
ملكه ومشيد ًا للكليات واجلسور واملستشفيات واحلدائق وتقوية وسائل الدفاع وزيادة األسطول ،وأثناء
ذلك بلغته األنباء بمهامجة الفرنجة لبعلبك وأطراف دمشق وهزموا أخاه (توران شاه) ،فسارع بجيوشه
نحو جنوب فلسطني لفتح الطريق الساحل بني مرص وفلسطني ،وتوسع صالح الدين يف َب ِّث جنده يف
األنحاء مما تسبب إرباك ًا ملن بقي معه ،وكادت اهلزائم حتل هبم ،وقد تركت هذه الرحلة موقع ًا وأثر ًا عميق ًا
يف نفس صالح الدين.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 309 التليد والطارف
ومل ِ
يأت عام 573هـ حتى جهز صالح الدين جيشه وسار نحو الشام وقاتل الفرنجة قتا ً
ال شديد ًا حتى
اضطرب موقفهم وتقهقروا واضطروا ملصاحلة صالح الدين عام 576هـ مدة سنتني وعاد إىل مرص،
وأثناء هذا متت له أيض ًا عقد مصاحلات عديدة مع ملوك اإلفرنج ومع ملك بيت املقدس 580هـ .
األرد ّن جنوب طربية
ُ وتواجه جيش صالح الدين مع الفرنجة الذين حتالفوا عىل القتال وعرب بجيشه هنر
واستوىل عليها ،وحترك الفرنجة للمواجهة ،والتقى هبم صالح الدين بني (لوبني ِ
وح َّطني) ومحلت عليهم
جيوش املسلمني ،وهم –أي :الفرنجة -يف غاية من االهنيار والتعب ،فنالوا منهم منا ً
ال حتى غروب
الشمس وباتوا يف أتالل حطني وهم عىل أسوأ حال ،وزحف صالح الدين لي ً
ال عىل التالل وحارصها،
ويف يوم 26ربيع الثاين -وكان يوم مجعة -التحم اجليشان وأطبق جيش املسلمني عىل الفرنجة وقطعوا
منهم املاء واستداروا عليهم من كل جهة وقاتلوهم وأرسوهم ،وبقي ملك الفرنجة عىل التل وحوله
جمموعة من األمراء والنبالء وبضع مئات من اجلنود وهامجهم ثلة من املسلمني عدة مرات فاستسلم
الفرنجة مجيع ًا ويف طليعة املأل (غي دي لو سينان) و(رينودي شانيون) ِ
و(جفري) أخو امللك ،وهرب
امللك ريموز ملك طرابلس هائ ًام عىل وجهه مع ثلة من الفرسان حتى بلغ إىل صور ثم إىل طرابلس ومات
بعد ثالثة شهور.
وأحسن صالح الدين معاملة األرسى الفرنجة إال رينو الذي طعنه صالح الدين يف كتفه بعد أن أثاره ،ثم
أجهز عليه اجلند ،وكان األرسى ثالثة آالف والقتىل مثل ذلك.
وجهز صالح الدين جيشه بعد ذلك نحو فلسطني وجنوب لبنان ومل جيد مقاومة تذكر بعد معركة حطني ،وفتح
والفو َلة وما حوهلا ثم اجته إىل َصيدا وبريوت ُم َسل ًام بعد حصار ،ثم فتح وحي َفا َ
وص ُّفو ِر َية ُ النارص و َق ْي َس َ
ار َّية َ
ُصور وتوجه إىل باب القدس واستسلمت بعد أيام من احلصار ثم الرملة واخلليل وبيت حلم.
ويف 15رجب 583هـ وصل إىل مشارف القدس وطلب من أمرائها املصاحلة فأبوا فهامجها بعد حصار وقتال،
ودخلوا املدينة يوم السابع والعرشين من رجب سنة 583هـ من ثقب فتحوه يف السور واستسلمت
احلامية اإلفرنجية وكره صالح الدين إراقة الدماء فاشرتط عليهم أن خيرج املحاربون من املدينة خالل
أربعني يوم ،وسمح للروم ونصارى القدس باإلقامة باملدينة والتمتع بحقوقهم كاملة ،ومن شاء من
الرعايا أن خيرج إىل موقع من مملكته فله اخلروج كرعايا للسلطان ،وقبل الفرنجة الرشط وبدؤوا يغادرون
القدس مع كامل معداهتم وأدواهتم واجلنود املسلمون حيرسوهنم إىل حيث يريدون من غري أذى وال هنب
وال استفزاز.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 310 التليد والطارف
وظل موقف صالح الدين وجنده يف معاملة األرسى والرعايا مرضب األمثال لدى الفرنجة ،وملا خرج
البطريرك الالتيني (إيرا كلوس) وكان حيمل مقدار ًا كبري ًا من املال واجلواهر قيل للسلطان :خذ ما معه
لتقوي به املسلمني ،فقال :ال أغدر به ،ومل يأخذ منه غري عرشة دنانري كغريه من األرسى.
واجتمعت نساء الفرنجة للخروج من بيت املقدس وطلبن منه أن يصفح عن أزواجهن وآبائهن وأبنائهن،
فتأثر صالح الدين وأطلق كل زوج وأب وابن وخرجوا مجيع ًا.
وكم من أخبار فتح بيت املقدس من صور ونامذج تشري إىل عظمة صالح الدين وشفقته ورمحته وفروسيته
(صور) التي استعصت اإلسالمية ،وأقام صالح الدين شهر ًا كام ً
ال يف القدس ثم جهز جيوشه ملحارصة ُ
عىل جنوده ،وخاصة بعد أن فرحوا باالنتصار يف بيت املقدس واستهانوا بالفرنجة ،وكان للفرنجة دراية
يف حروب البحار وقد باغت الفرنجة املسلمني وقتلوا منهم عدد ًا كبري ًا وأصابوا سفنهم وغنموا مغانم
كبرية.
ورأى صالح الدين أن رفع احلصار عن صور أقرب إىل السالمة من استمرار القتال حتى تتهيأ اجليوش
للحرب ،فرفع عنهم احلصار واستمرت احلروب مع الفرنجة يف أنحاء أخرى من الشام حتى أطلت سنة
1190ومل يبقَ بأيدي الصليبيني غري مدينة صور وطرابلس وقلعة طرطوش بعد أن أخذ عليه حاكمها
عهد ًا وقس ًام باإلنجيل أهنم ال يشهدون حرب ًا عليه؛ ولكنهم خلفوا الوعد ونكثوا العهد وذهبوا جيهزون
للحرب ويرتاسلون مع أوروبة إلقامة احلرب مرة أخرى أو كام سميت (احلملة الصليبية الثالثة).
ويف ُصور أعدّ اإلفرنج عدهتم للحرب الثالثة واستفادوا كثري ًا من تسامح صالح الدين يف إطالق أرساهم
وع َّكا) ،ففي عكا كان صالح الدين وجيوشه
(صور َ
وأمرائهم حيث أعادوا جتمعهم وأعدوا عدهتم يف ُ
حتارص اجليوش الصليبية من خارج املدينة وظل احلصار سنتني كاملتني واملسلمون يف داخل املدينة،
وحصنوها حتصين ًا منيع ًا ،وملا التحم معهم صالح الدين يف أول معركة من شهر شعبان 585هـ زحزحهم
ودخل أطراف املدينة ،ثم انسحب عنها وتوقف القتال عدة شهور كان كل من الفريقني يعيد ترتيب
نفسه ،وملا عاد صالح الدين لقتاهلم وجدهم أكثر عدد ًا وعدة ،واستمر القتال عامني يف الرب والبحر تكبد
فيها كل من الفرنجة واملسلمني اخلسائر الكبرية كان منها املعركة املسامة (بالوقفة الكربى) التي خرس فيها
وجال ومجع فلول املسلمني وحثَّهم عىل
وصال َ
املسلمون مخسة اآلف جندي لوال أن صالح الدين ثبت َ
العهد حتى َق َه ُروا جيوش اإلفرنج.
وتوعكت صحة صالح الدين وعانى من التوعك كثري ًا ولكنه كان ال يتأخر عن تنظيم جيوشه وترتيب أمور
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 311 التليد والطارف
دولته وكانوا يلومونه عىل ما يفعل ،فيقول( :إذا ركبت للجهاد زال عني األمل حتى أنزل).
ومع طول املدة وطول احلصار ضيق اإلفرنج حصارهم عىل املسلمني يف عكا واستوىل اجلند عليها ،وكانت
مصيبة عظيمة عىل املسلمني وكانت أول معركة كربى خيرسها صالح الدين بعد أربعة عرش عام ًا من
الفتوحات ،ويعزو بعض املؤرخني أن من أسباب ضعف جند صالح الدين عدم تعاون اخلليفة العبايس
مع اجليوش اإلسالمية املجاهدة حيث رأى أن ما يفعله صالح الدين نوع من التوسع لنفسه وخاصة بعد
أن أطلق عىل نفسه (امللك النارص) ،وعمد صالح الدين يف آخر األمر إىل حرب العصابات التي ظ ّلت
تشاغل اإلفرنج يف عكا وصور ومن حوهلا ،حتى عام 587هـ سبتمرب 1191م وكان املسلمون قد أخ َلوا
َقيسار َّية َ
وحيفا واشتبكوا مع اجليوش الصليبية يف معركة طاحنة ذهب فيها من املسلمني أكثر من سبعة
اآلف مقاتل وتشتت اجليش واحتموا بغابة كثيفة الشجر واستطاع صالح الدين محاية من بقي بحسن
تدبريه وصربه ،وانسحب إىل القدس بعد أن حطم كافة قالع عسقالن ويافا واللد والرملة لئال يستفيد
منها الصليبيون.
وزحف ريتشارد قلب األسد إىل القدس ببطء واحتل كافة القالع التي ختلىّ عنها املسلمون وأعاد إعامرها
وبدأت املفاوضات بينه وبني صالح الدين وأبدى كل منهام اإلعجاب باآلخر وحسن تدبريه.
ويقال :إن احلملة الصليبية الثالثة اشرتك فيها ما ال يقل عن مخس مئة اآلف أو ست مئة ألف مقاتل صليبي
وذهب فيها ما ال يقل عن مئة وعرشين ألف مقاتل؛ ولكنها مل ِ
تؤت أكلها بل واجهت قوى املسلمني ومهة
صالح الدين يف صموده ومعاركه ،وثقل عىل ريتشارد قلب األسد عدم قدرته عىل استعادة القدس من
يد صالح الدين فوافق ريتشارد أخري ًا عىل إقامة صلح دائم مع صالح الدين ليسود السالم بني الفريقني
ثالث سنوات وتم الصلح وألقت احلرب أوزارها.
وعاد ريتشارد إىل أوروبا يف أكتوبر ويف البحر غرقت سفينته وخرج إىل الشاطئ سامل ًا متنكر ًا يف أرض النمسا
وهم أعداء ألداء له ،حيث اكتشفوا أمره وأرسوه ثم أطلق رساحه وعاد إىل بالده ،و هبا قتل يف معركة مع
بعض خصومه عام 1199م.
أما صالح الدين فعزم عىل احلج ولكن أتباعه طلبوا منه االهتامم باحلصون والدفاع وتأخري احلج ،فتأخر للغرض
املذكور ورجع إىل دمشق وهبا بقي يدير شؤون الدولة واجليوش حتى وفاته يوم السابع والعرشين من
صفر عام 589هـ مارس 1193م وقد بلغ السابعة واخلمسني من عمره.
رس عظمة صالح الدين ودعامة جمده هي األخالق التي امتاز
قال مؤلف كتاب «صالح الدين» :والواقع أن ّ
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 312 التليد والطارف
ِ
لي�ب َد َح َر ْه
الص َ َو َي�و َم ح َّط َ
ي�ن َّ َو َخ َّل َص ال ُقدْ َس َو َص�دَّ ال َك َف َر ْه
ُسميت تلك احلروب باحلروب الصليبية؛ ألن حماريب اإلفرنجة كانوا يرسمون الصليب عىل
ثياهبم وأسلحتهم.اهـ.
وكانت فكرة احلروب الصليبية ناجت ًة عن اهتامم األوروبيني بإقصاء األتراك السالجقة من
حوض البحر األبيض ،وكان األتراك مسلمني آنذاك فانترشت فكرة احلرب عىل اإلسالم،
وذئاب اإلنسانية
ُ وكان دعاة احلرب يصورون املسلمني ألبناء أوربا عىل أهنم َأ َك َل ُة لحَ ِم البرش،
وأعداء املسيح ،وغري ذلك من الصور التي عبرّ عنها املؤرخ اإلنجليزي (جيبون) بقوله :ومل ُ
ِ
عصب ،وهي صور ينفيها القرآن ويكذهبا تاريخ الفاحتني تكن هذه ال ُّتهم سوى نتيج َة َ
اجل ْهلِ وال َّت
العرب وتساحمهم مع املسيحية يف احلياة العامرة ويف الرشائع والقوانني.اهـ.
ويقول املؤرخ (رنسيامن) :إن املسيحيني كانوا أسعدَ َّ
حظ ًا يف الغالب حتت حكم مجاعات
املسلمني منهم حتت حكم ملوك الرومان حيث متتعوا بحرية التجارة والعيش يف ظالل األمن
بالرضائب َكماَ كا ُنوا يعانون .اهـ
ِ ومل ُي ْر ِه ْق ُه ُم املسلمون
والر ِ
غبة اجل َش ِع االقتصادي والسيايس َّ الص ِل َّ
يبي ُة من أول أمرها بصبغة َ احلر َك ُة َّ
وقد اصطبغت َ
السيطرة ،وجعلوا من إنقاذ بيت املقدس شعار ًا ُمزَ َّي َف ًا َوسبب ًا يف حتريك العاطفة الدينية ِ
اجلاحمة يف َّ
لدى الدَّ مهاء والعامة ،وهلذا فإن احلروب الصليبية كانت َ
أول جتربة يف االستعامر الغريب خارج
حدود بالدها لتحقيق مكاسب اقتصادية واسعة النطاق وهي كام عرف عنها أول حروب عاملية
َع َر َفها التاريخ(((.
الرملة ثم اقتحموا القدس بعد حصارها ودخلوها يف 11رمضان س َو ُصور َو َع َّكا َو َّ َ
وط َرا ُب ُل َ
دت بيت املقدس مملك ًة التيني ًة
463هـ 14/يوليو 1099م وأعملوا السيف يف أهلها ،وهكذا َغ ْ
باإلضافة إىل ما حوهلا من البالد ،وبقيت بعض البلدان الساحلية ُتقاوم الصليبيني من جهة
وبني ُأمرائها ووالهتا حروب داخلية من جهة أخرى حتى متكن الصليبيون من السيطرة عىل
األمراء املسلمون ضد الصليبية واجهوها
ُ بقية البالد ،قال (ريف غرورس) :وبد ً
ال من أن يتحدَّ
الواحدَ تلو اآلخر وتغلغلت الصليبية بينهم(((. ِ فس ِحقوا ُفرادى وفرادى ُ
إل ْع َم ِ
�ار اه َ�ر ا ِم�ن دم�روا م َظ ِ حتَّ�ى ا ْنتَه�وا بِهجم ِ
�ة ال َّتت ِ
َ�ار
َ ْ َ َّ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ
ال خطري ًا يف تاريخ كلوحتو ً
يشري الناظم إىل مرحلة التتار التي كانت بال ًء عظي ًام عىل األمةُّ ،
وخرب
ٌ هجمة كام سبق ،وأزم ًة َع َّبـر عنها يف «تاريخ اخللفاء» فقال :هو حديث يأكل األحاديث،
ٌ
وفادحة تطبق األرض، تصغر َّ
كل نازلة، ٌ
ونازلة ِّ ٌ
وتاريخ ُينيس التواريخ، يطوي َّ
كل األخبار،
الصني ،وهم سكان برا ٍر ومشهورون
والعرض ،يسكنون بأطراف ِّ ومتلؤها ما بـني ُّ
الطول َ
بالرش والغدر ،وكان َّأو ُل خروجهم يف سنة ست وستامئة من بالدهم إىل نواحي الرتك وفرغانة
وأخذوها ،واستمروا يف اجتياح البالد حتى سنة مخس عرش وستامئة ،فاستباحوا مملكة خوارزم
وس َمر َق ْند ،حتى وصلوا إىل مهدان
خارى َ
شاه ،وهي مملكة إسالمية جهة نيسابور ،وأخذوا ُب َ
وقزوين وأذربـيجان وما حوهلا ،وقتلوا غالب ِ
أهلها رجا ً
ال ونسا ًء ،وديانتهم عبادة الشمس،
الدواب وليس هلم نكاح ُي ْع َر ُف ْو َن به.
ِّ ويأكلون مجيع
وملا دخلت سنة ست ومخسني بعد الستامئة وصل التتار إىل بغداد يقدمهم هوالكو ،قال
َت َعق ِ
ُّ�ل ُيدَ ِّم ُ�ر األَ ْر َض بَِل�اَ ش َج ْح َف ِل إِ ْذ َج َ
اء ُه ْولاَ ك ُْو بِ َج ْي ٍ
(( ( يبدأ منذ هذا العهد عهدٌ جديدٌ يف تاريخ التحوالت ،قال ابن األثري يف تارخيه :إن أحداث سنة 617
عج بأعظم كارثة َح َّلت باإلنسانية« .الفتنة املعارصة» لفؤاد عيل خميمر
هـ التي وقع فيها غزو املغول َت ُّ
ص161
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 316 التليد والطارف
َع َلى بِ اَل ِد الغ َْر ِ
ب َحتَّى ُأ ْر ِج ُفوا اع َيز َْح ُ
ف �ج ُ َو َق�ا َم بِ ْي َب ُ
�رس ُّ
الش َ
ْ�ر ال َع ِس ْ�ر ِ
َ�ل أ ْن َطاك َّي� َة ال َّثغ َ
احت َّ
َو ْ
�ش م ْقت ِ
َ�د ْر ِ
َو َد َّك َأ ْرميني�ا بِ َج ْي ٍ ُ
واخلليفة املستنرص باهلل هو أمحد أبو القاسم ابن الظاهر بأمر اهلل أبـي نرص حممد ابن النارص
لدين اهلل أمحد العبايس ،وكان حمبوس ًا ببغداد ،فلام أخذ التتار بغداد ُأطلق فهرب إىل عرب
العراق ،فلام َت َس ْل َط َن الظاهر بـيربس وفد عليه فتلقاه السلطان خارج مرص وأدخله يف حفلٍ
مهيب ،ثم بويع له باخلالفة ،ثم ارحتل إىل العراق وودعه السلطان بـيربس وخرج معه مجلة
عسكر من التتار فتصافوا له فقاتلهم وقتل مجاعة من
ٌ من األمراء واحلكام ،ويف الطريق َل ِق َي ُه
املسلمني و ُقتل اخلليفة املستنرص ،وذلك يف الثالث من حمرم سنة ستني بعد الستامئة ،وكانت
خالفته دون الستة األشهر (((.
�م ال َقائِدُ ِ فِي َع ْي ِ
�ن َجا ُل ْو َت َون ْع َ
واجتَه�دَ الم َظ َّف�ر المج ِ
اه�دُ ُ ُ ُ َ َ ْ َ
ِ
�ج َب ْعدَ َم�ا ت ََح َّط ُم ْ
�وا ف�ي ك ُِّل َف ٍّ إِ ْذ َد َح َ�ر َ
المغ ُْو َل َحتَّ�ى ان َْهز َُم ْوا
يشري الناظم إىل دور دولة املامليك بمرص يف الوقوف أمام املد املغويل اجلارف حيث أشارت
أن هوالكو كتب إىل َ
املظ َّف ِر كتاب ًا يدعوه فيه إىل طاعته فأجاب عليه املظفر بقتل كتب التاريخ َّ
رسله وتعليق رؤوسهم عىل باب زويله أحد أبواب القاهرة ،وكتب اىل أمراء الشام بعزمه عىل
قتال املغول ،وتوجه ركن الدين بيربس البندقداري حتى لقي طالئع املغول وأخذ ُينَا ِو ُش ُه ْم
ويشاغلهم ريثام يصل السلطان املظ َّفر ويف سبتمرب 1260م التقى اجليشان وألقى السلطان
ورا َء ُه يف
جنود ُه َ
ُ ُخ ْو َذ َت ُه عىل األرض وصاح بجيشه (وا إسالماه) ثم حمَ َ َل َعلىَ العدو واندفع
وتقهقر املَ ُغ ُ
ول، َ الص ُف ُ
وف ت ُّواخ َت َّل ِ
ري ُهم (كتبغا) ْ ٍ
ضارية ح َّتى هزموا املغول وقتلوا أم َ معر َك ٍة
َ
واملسلمون خلفهم وواصل بيربس ُه ُجومه عىل املغول يف الشام واسرتجع منهم كافة حصوهنا
طمع فيها الربتغاليون ،ووحدوا قرار العامل العربـي واإلسالمي بإعالن اخلالفة العثامنية عىل
انتكاس ِه
ِ أنقاض اخلالفة العباسية ،وكان ذلك تحَ َ ُّو ً
ال هام ًا يف تاريخ القرار اإلسالمي العاملي بعد
وتفك ِك ِه.
ُّ
تأسست الدولة العثامنية نسبة إىل صاحبها ومؤسسها األول عثامنَ بن أرطغرل بن سليامن
شاه الرتكامين الذي انترص يف حربه عىل مجلة من القبائل يف آسيا الصغرى ،فارتفع أمره عند آخر
امللوك السالجقة السلطان عالء الدين فقربه وولاّ ه عىل البالد ،ولقب بامللك ،ويف سنة 699
هـ تويف السلطان عالء الدين وصفا اجلو لعثامن وغزا بالد الروم وحارب التتار وأخرج الروم
من آسيا الصغرى ،وتواتر بنو عثامن عىل امللك وحارهبم تيمورلنك مع بداية استقرار ملكهم،
وعاث يف مملكته الفساد ،وثبت آل عثامن يف حرهبم ضد تيمورلنك وجيوشه ،كذلك حرهبم مع
((( الترتيك :مبدأ تركيا لألتراك ،وهي ما تسمى بالدعوة إىل الطورانية ( القومية الرتكية ).
((( كانت هناك دعوة تسمى ( السالفية ) ،وهي توحيد صفوف نصارى ال َب ْلقان ضد املسلمني.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 327 التليد والطارف
َّاس ك ََم�ا َأتَى فِ�ي َق ْو ِل َخ ْي ِ
�ر الن ِ سَ�ة األَ ْحَل�اَ ِ ت بِ ِف ْتن ِ
َف ُس ِّ
�م َي ْ
ِ ِ وح ْر ٌب َوانْتِ َق ُ
اض الدُّ َو ِل
الم َب َّج ِ
�ل �ن ال َق َ�ر ِار َ
الواح�د ُ َع ِ َه ْر ٌب َ
األح اَلس» وهي من أمارات الساعة ،وقد تشري األبـيات إىل ما َسماَّ ه الرسول ﷺ « ِ
بف ْتنَة ْ
ص َّنف العلامء هذه الفتن َة بأهنا من الفتن التي قد َعبرَ ت يف ِفت َِن املراحل املتقدمة ،جاء يف ذيل
«اإلشاعة» قال اإلمام الشاه ويل اهلل رمحه اهلل :يشبه واهلل أعلم أن تكون فتنة األحالس قتال أهلِ
الشام عبدَ اهلل بن الزبـري ؤ .ذكر ذلك يف «احلجة البالغة» (.)196 :3
قال يف «بذل املجهود» ( )132 :18يف رشح معنى «األحالس» ،قال :مجع حليس وهو ما
س :هو ِ
الك َس ُاء عىل ظهر البعري حتت يبسط حتت ُح ِّر الثياب فال تزال ُملقا ًة حتتها ،وقيل ِ
احل ْل ُ
ال َقت ِ
َب.
قال يف املتن :كنا قعود ًا عند رسول اهلل ﷺ فذكر الفتن فأكثر يف ذكرها حتى ذكر فتنة
وح َر ٌب» قال يف رشح
األحالس ،فقال قائل :يا رسول اهلل ،وما فتنة األحالس ،قال« :هَ َر ٌب َ
وح َرب»:
بذل املجهود« :هَ َرب» بفتحتني :أي :يفر بعضهم من بعض ملا بـينهم من العداوةَ « ،
بفتحتني أي أخذ مال وأهل بغري استحقاق.
قال يف «اإلشاعة» :والذي أظن أهنا ٌ
فتنة حدثت يف آخر خالفة عثامن ؤ وثارت بعد
املسلمني ،حتى متادت وبقيت إىل زمن معاوية ،واتفق عليه بعد صلح اإلمام احلسن بن عيل ؤ.
الشيخ الشاه و ُّيل اهلل الدهلوي
ُ قال يف «بذل املجهود» ص ( :)396 :18فتنة األحالس حمَ َ َل َها
يف «حجة اهلل» ( )159 :3عىل ِ
قتال أهلِ الشام َ
ابن الزبـري ؤ.
ويف «بذل املجهود» ( )88 :5عىل مقتل عثامن ؤ :قلت :وإذا كان املفرسون للحديث
قد جعلوا «فتنة األحالس» هي ما جرى البن الزبـري أو مقتل عثامن ،فإن سياق احلديث يشري
ٌ
طويل وال عهدٌ متقادم ،فاحلديث الرشيف جيمع بـني إىل تالزم فئتني مع ًا ال يفصل بـينهام ٌ
زمن
الرساء التي أرشنا إليها سلف ًا ،وأهنا املرحلة التي خطط فيها
(((تشري األبـيات إىل فتنة ّ
رسية تفصل العالقة بـني
املستعمرون مع زعامء الدول العربـية ومشايخ العشائر بمعاهدات ّ
هذه الدول وقرار دولة اخلالفة العثامنية.
وقد متيزت هذه املرحلة مع سابقتها بام ييل:
((( اهلالل :هو الشعار العاملي لدولة اخلالفة ،كام أن الصليب هو الشعار العاملي للمسيحية.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 330 التليد والطارف
أ) فتنة األحالس:
الرسي ا ُمل َب َّطن من الدول األوربـية ضد قرار دولة اإلسالم املتمثل يف تركيا.
العمل ّ - 1
إثارة العرقيات والقوميات ،وبدء نشاط هيود الدُّ ونمة يف تركيا والعامل. -2
إنشاء اجلمعيات الرسية والعلنية واألحزاب السياسية. -3
-4بداية األطامع التوسعية يف البالد العربـية واإلسالمية بعد اكتشاف رأس الرجاء
الصالح ،وظهور مرحلة الثورة الصناعية.
-5حترك العصبـية الصهيونية ضمن هذه الفتنة إلجياد وطن قومي لليهود عرب املؤامرات
والدسائس.
العالمَ َينْ ِ اإلسالمي واألوروبـي الرشقي
-6ظهور احلركة املاسونية وحتريك أتباعها يف َ
والغربـي.
ب) فتنة الرساء:
-1استجابة محلة القرار العريب واإلسالمي لسياسة القوميات وال َّتخيل عن دولة القرار
الواحد دولة اخلالفة.
األوربـية الغا ِز َي ِة ،ومشايخ وسالطني البالد
ِ -2بدء املعاهدات الرسية بـني الدول
العربـية واإلسالمية لنقض العالقة بـني الدولة العثامنية وهذه الدويالت باملعاهدات
املتنوعة.
-3اللقاءات الرسية بـني زعامء الدول واألحزاب واجلمعيات العربـية واإلسالمية مع
الدول الغربـية.
َ -4ت َأ ُّث ُر املفكرين والقادة العسكريني واملثقفني باحلياة الغربـية والعمل المُ َب َّط ِن من العائدين
((( كتب هرتزل لعبد احلميد الثاين يف هذا الشأن يقول :يل الرشف أن أقدم االقرتاح التايل :إين أدرك الصعوبة
التي تواجه حكومت َُكم بسبب ذهاب شباب تركيا لتلقي العلم يف اخلارج وما يتعرضون له من ضياع،
وبخاصة يف تأثرهم باألفكار الثورية ،إننا معرش اليهود نلعب دور ًا هام ًا يف احلياة اجلامعية يف مجيع أنحاء
العامل ،وهبذا نستطيع أن نقيم جامعة يف إمرباطوريتكم ولتكن يف القدس مث ً
ال ،وهبذا نخدم العلم والطالب
ونخدمكم أيض ًا .اهـ ص« 39اليهود يف الوطن العربـي» لداود عبدالغفور.
((( عقد يف حياة هرتزل ستة مؤمترات صهيونية كان آخرها مؤمتر عام 1903م وعام 1904م ،تويف هرتزل
ونقل رفاته إىل فلسطني عام 1949م بعد احتالل فلسطني ،ودفن عىل جبل يف القدس سمي باسمه «جبل
هرتزل».
((( كان السلطان عبداحلميد السلطان الرابع والثالثني من سالطني الدولة العثامنية ،توىل عرش الدولة وهو
يف الرابعة والثالثني من عمره ،إذ ولد يف 16شعبان عام 1258هـ (1842م) وتربى عىل يد زوجة أبيه
بعد وفاة أمه وهو يف العارشة من عمره ،وأحسنت زوجة أبيه تربيته وتأثر عبداحلميد هبا وأعجب بوقارها
وتدينها ،كام تلقى صنوف التعليم يف القرص السلطاين وتعلم اللغات العربية والفارسية ،كام درس التاريخ
ونظم الشعر باللغة الرتكية العثامنية.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 332 التليد والطارف
وكان يميل إىل االهتامم بالسالح واستخدامه ورياضاته ،واعتنى باملطالعة واالطالع عىل ما تكتبه املجالت
والصحف يف عرصه ،وتزوج زوجة واحدة وعاش يف بساطة وتقشف ،وكان يميل إىل النجارة ،واختذ
لنفسه ورشة نجارة يف قرصه ،وعارص مراحل التحوالت عىل يد سالطني عرصه ،ومنهم السلطان
عبدالعزيز ومراد.
ويف 18شعبان 1293هـ تقلد السلطان عبداحلميد احلكم وكانت الدولة مضطربة ومثقلة بالديون وبخزانة
مالية مفلسة وأطامع عاملية حميطة ببالده ومؤامرات سياسية القتسام ما يسمى برتكة الرجل املريض ،وهي
مقاطعات ودويالت وإمارات الدولة العثامنية املرتامية إبان ضعفها.
وأول ما اختذه عبداحلميد من قرارات حاسمة حتجيم نفوذ العديد من الوزراء والكرباء والقادة ،وخاصة بعد
أن تسبب بعضهم يف الزج برتكيا يف حروب خارسة مع روسيا سنة 1878-1877م ،وكانت نتيجة
هذه احلرب اكتساح اجليوش الروسية لألرايض التابعة للدولة العثامنية ،ووصلت القوات الروسية إىل
ضاحية العاصمة العثامنية (إستانبول) وأجربت الدولة العثامنية عىل توقيع معاهدة (إياستفانوس) يف ما
رس 1878م بني الدولة العثامنية والروس ،ودفع تعويضات احلرب الباهظة واقتطاع مساحة واسعة من
الدولة العثامنية سميت بعدها باململكة البلغارية ،وهلذا عطل عبداحلميد املجلس الربملاين العثامين ورفض
التوقيع عىل هذه املعاهدة ونشط عبداحلميد مع الدول األوروبية للضغط عىل روسيا إليقاف تنفيذ بنود
املعاهدة حتى نجح يف ختفيف وطأة املعاهدة وأثرها.
وشهد عبداحلميد تداعيات يف جسد الدولة ،ومن أخطرها ظهور حزب تركيا الفتاة أو ما تسمى بجمعية
االحتاد والرتقي ،وفيها مجلة من هيود الدونمة الذين أسلموا صوريا وتغلغلوا يف مواقع النفوذ يف الدولة،
وشهد متردات األرمن وحماولتهم اغتياله.
وأمام ذلك كله قام السلطان بإجراءات عديدة إلعادة الثقة بموقع القرار يف داخل تركيا ويف العاملني العريب
واإلسالمي ،وقام بعدة رحالت إىل مرص وأوروبا وخرج من هذه الرحالت بانطباعات مهمة عرف
فيها مواقف وأحوال تلك الدول وكيف جيب االستفادة منها فيام لدهيا من التقدم العلمي ،ولذلك اهتم
بإدخال املخرتعات العرصية يف دولته ،وركز عىل النواحي التعليمية والصناعية والعسكرية واالتصاالت
وغريها من الوسائل إال أنه وقف ضد االمتداد الفكري للغرب يف بالده.
وكان اليهود هم األعداء الطبيعيون للسلطان عبداحلميد ،ووصفوه بوصوف سيئة كام هو يف وصف هرتزل
حيث قال :عبداحلميد سلطان ماكر خبيث جدا وال يثق بأحد ،وقال أيضا :إنني أفقد األمل يف حتقيق
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 333 التليد والطارف
أماين اليهود يف فلسطني ،وإن اليهود لن يستطيعوا حتقيق أمانيهم يف (األرض املوعودة) طاملا كان السلطان
عبداحلميد قائام يف احلكم مستمرا فيه ،وكان موقف اليهود ضد عبداحلميد نتيجة ملواقفه الثابتة من عدم
حتقيق مطالبهم يف فلسطني.
كام اعتنى عبداحلميد بالرتبية والتعليم وطور املدارس السلطانية وأسس املدرسة التجارية احلميدية وأكاديمية
الفنون واملدرسة احلربية ،وافتتح مدارس أخرى للاملية واجلامرك والرشطة ،وزاد عدد مدارس املعلمني،
وطور املناهج الدراسية وفتح األبواب للنرش ووسائله وللصحافة ،وأصدر قرارا بمنع مظاهر اإلرساف
يف الدولة عموما ويف القرص احلاكم خصوصا ،واستامل العديد من أعضاء املعارضة يف منظامت االحتاد
والرتقي وغريها إىل املناصب احلكومية ،وعفا عن البعض حتى شتت شملهم وأضعف شوكتهم وتتبع
دعاة الفكر القومي وطارد أصحابه ورصد حركاهتم حتى أوقف نشاطهم املشبوه ،كام جهز األساطيل
احلربية ملحاربة الدول االستعامرية العابثة بشواطئ الدولة العثامنية كام هو احلال يف األطامع الربيطانية يف
اليمن واخلليج العريب واألطامع الروسية واإليطالية والفرنسية واألملانية واليونانية ،وأقام التدابري الالزمة
أمام هذه األطامع كي يستفيد من العالقة مع بعض هذه الدول دون احلاجة لتحقيق مآرهبا التوسعية،
وسعى بجد واجتهاد إلقامة ما يسمى باجلامعة اإلسالمية كتحصني سيايس واجتامعي أمام املد القومي
واالستعامري العاملي ،وأعاد للمسلمني يف العاملني العريب واإلسالمي الثقة يف القيادة اإلسالمية احلكيمة،
فهرولت الوفود اإلسالمية من خمتلف بقاع األرض لتهنئته بام هتيأ عىل يده من االنتصارات وخاصة يف
النزاع العثامين اليوناين وانتصاره يف احلرب عليهم ،ومجع السوريون التربعات لتمويل احلرب وكونوا
جلان اهلالل األمحر ملعاجلة اجلرحى ومواساة أهلها وعمت البهجة يف مسلمي أفريقيا واهلند وغريها من
بالد العامل.
وكل هذا ساعد اخلليفة عبداحلميد عىل خمالفة أساليب سلفه املرتبطني بأوروبا ارتباطا أعمى ،وعمل عىل إجياد
مبدأ (االجتاه إىل داخل األمة إلصالح الدولة) عوضا عن االجتاه إىل اخلارج لإلصالح ،وهبذه اجلامعة
اإلسالمية عمل عىل تقريب وجهة نظر املسلمني ،وتبادلت الدول الدعاة واملفكرين من كافة األجناس
واستفاد البعض من البعض اآلخر ،ونرش يف أرجاء العامل اإلسالمي أسباب التواصل كاملراكز اإلسالمية
يف الداخل واخلارج وطبع الكتب اإلسالمية واختاذ اللغة العربية لغة الدولة ألول مرة يف تاريخ الدولة
العثامنية ،واعتنى باملساجد واجلوامع وعمل عىل ترميمها وإصالحها ،واستامل زعامء القبائل العربية
وأنشأ مدرسة خاصة يف عاصمة اخلالفة لتعليم أوالد رؤساء العشائر والقبائل وتدريبهم عىل اإلدارة،
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 334 التليد والطارف
كام استامل شيوخ الطرق الصوفية وتأثر باملنهج الذوقي الصويف ،واستفاد من الصحافة اإلسالمية يف
الدعاية ،وقام عىل تطوير النهضة العلمية والتقنية يف الدولة ،وأنشا معهدا لتدريب الوعاظ واملرشدين،
كام اعتنى بالدول ذات األقلية املسلمة كالصني وغريها واهتم بخدمة احلرمني الرشيفني وتعمريمها.
واعتنى بمرشوع خط سكة حديد احلجاز لريبط بني العاصمة استانبول ويربط أيضا دمشق باملدينة املنورة،
وقد خدم هذا اخلط احلديدي حجاج تركيا ومرص والشام وغريهم ،كام أقام خطا حديديا بني استانبول
وبغداد،وعمل أيضا عىل تقليص سلطات املخالفني حلكمه واحلاملني بالثورة أو االنفصال ،وكان منهم
رشيف مكة الذي كانت له اتصاالت خفية مع بريطانيا ووقع يف شباكهم ووعودهم الزائفة حتى إن
السلطان عبداحلميد ملا شعر بذلك وخيش من ترصفاته عينه عضوا يف جملس شورى الدولة يف إستانبول
ليمنعه من العودة إىل مكة ،وقال السلطان يف بعض تعليقاته عن الرشيف حسني :إن الرشيف حسينا ال
حيبنا ،إنه اآلن ساكن وهادئ لكن اهلل يعلم ماذا يمكن أن يفعله الرشيف غدا.اهـ وهبذا احلجز الذي
صنعه عبداحلميد تأخر قيام الثورة العربية إىل ما بعد سقوط عبداحلميد الثاين عىل يد االحتاديني ،وملا حكم
االحتاديون الدولة العثامنية أعادوا الرشيف حسينا إىل مكة ومن هناك قام بثورته وحدث بذلك االنفصال
عن العثامنيني والعرب .اهـ.
كام واجه عبداحلميد الثاين محالت واسعة من عصابات اليهود ومفكرهيم ،وهم الذين استغلوا الصحافة املحلية
واخلارجية ،وعىل رأسهم اليهودي (ثيودور هرتزل) الذي استطاع مجع التأييد األورويب للمسألة اليهودية
وجعل منها قوة للضغط عىل عبداحلميد الثاين متهيدا ملقابلته والتفاوض معه يف شأن فلسطني ،وملا قابله
وتفاوض معه كان هرتزل يطالب بتسهيالت كبرية لليهود مقابل خدمات وتسهيالت للدولة العثامنية
وحل مشاكلها املالية؛ إال أن عبداحلميد الثاين أغلق الباب عىل احللم اليهودي ومل يسمح هلم بيشء مما
طلبوه عىل أن يعيش اليهود مثل غريهم من اجلنسيات األخرى يف املقاطعات والبالد اإلسالمية ،وملا
أسقط يف يد هرتزل أخذ يعمل مع اليهود عىل تشويه سمعة اخلليفة وتدعيم أعداء السلطان واملتمردون
عىل احلكم وجتنيد الصحافة واإلعالم يف الداخل واخلارج هلذا الغرض.
وحترك (القوميون واملاسونيون والعلامنيون ودعاة اإلنسانية األوروبية والعقالنيون الوضعيون «العلمنة»)
ضد عبداحلميد الثاين وسياسته اإلسالمية ،واستفادوا من بعض العلامء املناوئني لعبداحلميد من أمثال
مجال الدين األفغاين وحممد رشيد رضا وجمدي عاكف ،وقد منع السلطان جملة املنار من الدخول إىل البالد
اخلاضعة بصورة مبارشة له ،وكان للسيد حممد رشيد رضا موقف من بعض الطرق الصوفية ونقد بعض
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 335 التليد والطارف
صح التفسري تدور حول سياسة األطامع العاملية،
وقد كانت فتنة األحالس وفتنة الرساء إذا ّ
وتفكيك الدولة العثامنية ،واإلحاطة هبا وتفكيك شملها واقتسام ثرواهتا وحدودها .كتب
الدكتور عبد الودود شلبـي يف كتابه «أفيقوا أيهُّ ا املسلمون» ص 14ما مثاله:
َ
أسوأ من كل القرون التي تقدمته ،ألنه القرن الذي وقد كان القرن التاسع عرش وال ريب
نبعت فيه «املسألة الرشقية»((( من بقايا احلروب الصليبـية ،وكانت املسألة الرشقية متخضت
أساليب التصوف مما أدى إىل املشاحنة بينه وبني الشيخ أيب اهلدى الصيادي الذي كان مقربا من السلطان
عبداحلميد.
وأخذ حممد رشيد رضا يدعو إىل إصالح الدولة العثامنية وحماربة ما سامه باالستبداد الفردي ،وكان حممد رشيد
رضا يرى رضورة وجود دولة عربية منفصلة عن دولة اخلالفة العثامنية ويقول :إهنا مصلحة العرب
السياسية أن يكون هلم دولة مستقلة .اهـ .بل وامتدح مجعية تركيا الفتاة وسمح يف مرص بانتشار عمل
عمل اجلمعية ودعمها ،وكان يؤيد ويمتدح الزيدية يف اليمن ألهنم قاتلوا العثامنيني ومل خيضعوا هلم مما
اضطر الدولة العثامنية إىل إقامة الصلح مع الزيدية وأقروا اإلمام عىل حكمه وإمامته.
ومما يؤسف له أن أعضاء مجعية االحتاد والرتقي كانوا حتت تأثري األملان وخاصة العسكريون منهم ،وخيضع
اجلناح املدين يف اجلمعية للتأثري املاسوين ،وهلذا فقد نشط هؤالء يف صفوف اجليش واملثقفني ضد السلطان
وحكمه واستخدموا الدين ملحاربة السلطان وافرتوا عليه باسم الدين ،وافتعلت قوى االحتاد والرتقي
مجلة من اإلشكاالت لتغيري األوضاع يف الدولة ،ومنها مترد األرمن عىل املسلمني مما متخض عن فتنة بني
املسلمني واألرمن وبعد أيام قتل فيها من العثامنيني قرابة ألفي فرد.
وخالهلا دبرت اغتياالت أخرى من بعض اجلنود ضد ضباطهم وأوعزوا أن هذه العملية من فعل عبداحلميد
الثاين ،وهلذا قامت عنارص اجليش بالزحف عىل إستانبول إلجبار السلطان عىل التنازل ،وأخرج مع مجلة
من أرسته وعائلته إىل سالنيك ،ومل يسمحوا له بأخذ يشء من متاعه ،وسيطر االحتاديون عىل القرص
وأعلن إسقاط اخلليفة عبداحلميد الثاين يف 27نيسان 1909م ،ويف سالنيك ظل عبداحلميد ومن معه
حتت احلراسة املشددة حتى وفاته يف 10فرباير 1918م ،قىض فيها ثامنية سنوات وتسعة أشهر وسبعة
وعرشين يوما يف السجن رمحه اهلل.
((( كانت املسألة الرشقية تعني َّ
أول األمر ختليص املاملك املسيحية من أيدي الدولة العثامنية ،ويف مرحلة ثانية
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 336 التليد والطارف
عن دور آخر إضافة إىل دور احلروب الصليبـية ،وهو دور التفاهم بـني دول االستعامر عىل
تركة الرجل املريض((( ،وتبادل األعضاء عن كل طرف متفق عليه يقع يف قبضة الطامعني فيه
من املتنازعني عىل الرتكة وصاحبها عىل قيد احلياة.
والدولة العثامنية كان هلا دور ال ُي ْست ََهان به يف تاريخ القرار اإلسالمي ،كتب أنور اجلندي
يف كتابه «اإلسالم والغرب» :وال ريب َّ
أن الدولة العثامنية هي القوة اإلسالمية التي نشأت بعد
احلروب الصليبـية وحمَ َ ت العامل اإلسالمي من الغزو الغربـي مدة مخسة قرون كاملة (((.
ويعزو بعض الباحثني نجاح الدولة العثامنية كون تشكيلها يف جوهره كان (حربـي ًا)(((،
وكانت جيوش الدولة ختوض احلرب بحامسة دينية شديدة ،وكانت عبارهتم املشهورة« :إما
غازي وإما شهيد»(((؛ ولكن هذه املبادئ واملواقف تالشى أمرها يف هناية األمر مع اضطراب
بح ِرية النرش وإنشاء املدارس اخلاصة لكل
والسامح هلا ُ
ِ ِ
جماراة الطوائف املتنوعة، الدولة إىل
ِ
استعانة السلطان حممود باشا وجنس من الكفار واملسيحيني دون ضوابط ،وأيض ًا
ٍ ٍ
قومية ذي
أثبت َف َش َله «إن الطريق الوحيد
يف مرحلة خالفته بالعقل األوروبـي يف املناهج حتت شعار َ
ِ
خطة إصالح اجليش طبق ًا للنظام ملحاربة الغرب هي استعامل أسلحته»(((َ ،و َف ْت ِح ِه أيض ًا َ
باب
األوروبـي عام 1821م مما فتح الطريق أمام الشباب العثامين أن يقع فريس َة ُ
الق َوى التغريبـية
تقسيم الدولة العثامنية والدول اإلسالمية التابعة هلا من قبل الدول األوربـية .اهـ «أهيا املسلمون
َ أصبحت
أفيقوا» ص.14
((( اصطالح أطلقته الدول األوروبـية عىل الدولة العثامنية يف مرحلتها األخرية.
((( «اإلسالم والغرب» ص.126
((( املصدر السابق ص.132
((( املصدر السابق ص.133
((( املصدر السابق ص.146
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 337 التليد والطارف
األوروبـية حتت شعارات اإلخاء واملساواة واحلرية وما إليها(((.
ِ
اجلمعيات الرسية واملحافل وقيام
َ نفتاح الثقا َّ
يف الغربـي، َ الفرص الاِ
ُ وقد أتاحت هذه
املاسونية حتت نفوذ االمتيازات((( ،وملا تنبه السلطان عبداحلميد إىل هذا املخطط الرهيب كان
الوقت متأخر ًا ،فالذين ُسموا َ
باأل ْح َرا ِر قد َن ُّم ْوا نفوذهم يف داخل اجليش((( ،وأصبحوا خطر ًا عىل ُّ
الدولة له مقوماته التالية:
-1هيود الدّ ونمة يف سالونيك وحمافلهم املاسونية.
- 2اإلرساليات التبشريية يف فروعها املختلفة وما حتتوي من شباب املسلمني والعرب.
-3مجعية االحتاد والرتقي واحتواء حمافلها املاسونية لألقليات األجنبـية وتعاوهنا الداخيل
واخلارجي.
-4مرشوع هرتزل للبحث عن وطن قومي لليهود.
وتكاد هذه املقومات تشري إىل ما أثمرته «فتنة األحالس» املذكورة يف احلديث والتي َم َّهدَ ْت
«لفتنة الرساء» الالحقة.
وسمح بحرية املطبوعات ،وبرز دور مجعية االحتاد والرتقي التي لعبت دور ًا خطري ًا يف حماربة
بوطن ِ
قوم ٍّي لليهود، ٍ قرار اخلالفة وتغريب الدولة العثامنية ،كام برز دور هرتزل يف املطالبة
ِ
اإلطاحة باخلليفة ،وكانت مدة حكم اخلليفة َط َل َب ُه َو َح َّذ َر ُه من ذلك ،فعمل يف الرس عىل
ُ ورفض
السلطان عبد احلميد ثالث ًا وثالثني سن ًة قدم خالهلا خدمات جليلة لإلسالم واملسلمني.
التنازلَ ،و ُن ِق َل إىل والية سالنيك مع
ُ ُ
السلطان عبدُ احلميد عىل ويف 27إبريل 1909م ُأ ْجبرِ َ
العرب من جهة واألتراك وبقية األمم من جهة أخرى ،حتى انفصلت كثري من البلدان عن
دولة القرار املنهارة.
وارتكز حمور االنقسام والتجزؤ بثورة رصبـيا والبلقان والبلغار بحجة القوميات ضد
وإنشاء الدول األوروبـية ِحلف ًا دفاعي ًا مشرتك ًا ملجاهبة الدولة العثامنية ،ثم
ِ الدولة اإلسالمية،
معاهدات ِ
جمح َف ٍة ضد الدولة ٍ نشوب حرب بـني روسيا وتركيا أدى إىل هزيمة تركيا وتوقيع
العثامنية ،حصلت بموجبها الدول األوروبـية عىل نصيب من أرايض الدولة العثامنية.
ويف هذه األثناء انتهزت إيطاليا فرصة انشغال الدولة العثامنية بمشاكلها الداخلية ،فهامجت
ِ
بمساعدة فرنسا ،واحتلت طرابلس وبرقة َر ْغ َم مقاومة الشعب الليبـي، ليبـيا عىل حني غرة
واحتلت فرنسا أرض اجلزائر وتونس ُمدَّ ِع َي ًة أهنا تدافع عنها عام 1299هـ.
مرص عام 1299هـ ثم السودان ،وتقاسمت بريطانيا رشق إفريقيا مع
واحتلت بريطانيا َ
فرنسا وإيطاليا واحلبشة.
الصورية إشارة إىل أن احلكم الفعيل بعد تنحية عبد احلميد الثاين مل يعد حكام
((( ُعبرِّ هنا بالدولة العثامنية ُّ
إسالمي ًا ،وإنام كانت دولة إسالمية صورية ،واحلقيقة أن األمر كان بـيد هيود الدونمة وأعضاء حزب
الصاع بـني القوميات عىل مدى
االحتاد والرتقي ،وهم الذين هيؤوا الدولة للمرحلة الغثائية ،وهبم بدأ رِّ َ
العجاف التي شهدت احلرب. السنوات ِ
قال ثوبان :بأبـي أنت وأمي يا رسول اهللَ ..أ ِمن ِق َّل ٍة بنا؟
يومئذ كثري ،ولكن ُيلقى يف قلوبكم َ
الوهَ ُن». ٍ قال« :ال ..أنتم
الو َه ُن يا رسول اهلل؟
قال :وما َ
قالُ « :ح ُّبكم للدُّ نيا ،وكراهيت ُُكم ِ
للقتال».
األ َمم كام َت َد َاعى َ
األ َك َل ُة عىل قصعتها». عليكم ُ ُ
ُ وش ُك أن َت َد َاعى
ُ « -2ي َ
قال :قلناَ :أ ِمن قلة بنا يومئذ؟
((( رواه أمحد والطرباين يف «األوسط» بنحوه وإسناد أمحد جيد« ،جممع الزوائد» (.)318 :3
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 344 التليد والطارف
ب ع َلى الح َطا ِم والسَل�اَ ِم الك ِ
َاذ ِ �ع ال َّتكَا ُل ِ
�ب
َ َّ ُ َ �و ُر َي� ْز َدا ُد َم َ
الج ْ
َو َ
يشري الناظم إىل نامذج من عالمات الساعة يف مرحلة الغثائية ،وهو «اجلور والتكالب» عىل
«احلطام» والكالم كذب ًا وزور ًا وهبتان ًا عن السالم ،حتقيق ًا لقوله عليه الصالة والسالم« :يكون
ِ
الصبـيان وصعود
ُ ناء َخ َو َنة ،وإمار ُة النِّساء ،ومشاور ُة اإلماء، راء َف َس َق ٌةُ ،
وأ َم ُ ُأ َم َر ُاء َج َو َر ٌةُ ،
وو َز ُ
املنابر»(((.
َ
اخلاصة(((، ّ تسليم
َ اع ِة وروى أمحد والبخاري واحلاكم عن ابن مسعود« :إنَّ بـني َي َد ْي َّ
الس َ
ار ِةَ ،و َق ْط َع َ
األ ْر َحا ِمَ ،و ُف ُش َّو ال َق َل ِمَ ،و ُظ ُه ْو َر التجار ِة حتى ُتع َ
ني املرأ ُة َ
زوج َها عىل الت َِّج َ َ َو ُف ُش َّو
َش َها َد ِة ُّ
الزور ،وكتامنَ شهادة احلق» (((.
�وت والح َثا َل ِ
�ة وس� ْل َط ُة التُّح ِ الج َها َل ِة
َ ُ ُ َ ُ �ع َالم ْ�ر ُج َم َ
اله ْ�ر ُج َو َ
َو َ
َ�اء َوا ْعتِ�دَ ا
َ�اء َو َخن ٌ
ك َ ِ
َ�ذا غن ٌ
�ض وا ِّتب�اع لِ ِ
لع�دَ ا �ض َو َق ْب ٌ َ َ ٌ
َن ْق ٌ
من مظاهر مرحلة الغثاء كثرة ا َهل ْرج واملرج« ،وا َهل ْر ُج» كثرة القتل وإراقة الدماء« ،واملَ ْرج»
ِ
خالد بن عمر ؤ أن النبـي ﷺ ،قال« :يا ُ
حديث كثرة اخلوض يف الباطل ،يشري إىل ذلك
ٌ
واختالف ،فإذا كان ذلك فإذا استطعت أن تكون أحداث ِ
وفت ٌَن و ُفر َق ٌة ٌ خالد ..ستكون بعدي
عبداهلل املقتول ال القاتل فافعل»(((.
وسا ُج َّهال َف ُسئِ ُلوا َف َأ ْفت َْوا بِ َغيرْ ِ ِع ْل ٍم َف َض ُّلوا َو َأ َض ُّلوا»(((. اس ُر ُؤ ً ات َذ ال َّن َُح َّتى إِ َذا لمَ ْ ُي ْب ِق َعالمِ ًا خَّ َ
وحديث رواه الطرباين يف األوسط من حديث أبـي سعيد اخلدري قال :قال رسول اهلل
بعض ُه ْم َعل َبعض نـزو العري ٌ
أحداث ينـزو ُ ُ
فينشأ لم منهم، قبض ِ
العلامء و ُي ُ ﷺُ « :ي ْق َب ُ
الع ُ ُ ض
عىل العري ،يكون الشيخ فيهم مستضعف ًا».
�ي َوا ْبتِ َ
�ذ ْال ِ
�اء ُأ َمم ٌّ ك َ
َ�ذا ُغ َث ٌ ْ
مجال ٍ
انتكاس�ات على ك ُِّل َم َع
يشري الناظم إىل ما حيل باملسلمني يف مرحلة االستعامر واالستهتار من االنتكاس يف الثقافة
واالقتصاد واإلعالم والسياسة والرتبـية والتعليم وغريها من مقومات احلياة حتى يبلغ األمر إىل
ُ
ينـزل ِ
الساعة أيام ًا كهجرة إِليَ َّ » رواه مسلم والرتمذي ،وعن أبـي موسى األشعري ؤ « :إِنّ بـني ِ
يدي ٍ
واهلرج» رواه البخاري.
ُ العلم ،و َي ْك ُث ُر فيها ُ
املرج ُ ُ
اجلهل ،و ُيرفع فيها فيها
((( ورواه احلاكم عن أيب هريرة ؤ .انظر «كنز العامل» (.)242 :14
((( سبق خترجيه.
((( رواه البخاري يف باب العلم.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 346 التليد والطارف
ري هذا الغثاء لدى املسلمني حسن ًا وتقدم ًا وحضارة وتطور ًا،
استتباع غثاء األمم األخرى ،فيص ُ
وقد أشار ﷺ إىل ذلك بقولهَ « :ل َت َّتبِ ُع َّن َسن ََن من كان قبلكم شرب ًا بِ ِشبرْ ٍ َو ِذ َر َاع ًا بِ ِذ َر ٍ
اع حتى لو
دخلوا ُج ْح َر َض ٍّب َل َد ْخ ْلت ُُمو ُه» ،قيل :يا رسول اهلل ..اليهود والنصارى؟ قالَ « :ف َمن؟»(((.
لال وأخٌ ف�ي ال َّل ِ
�ه َع� ّز �ال َح ٌ
َم ٌ اء ت َِع� ْز
ث َأ ْش�ي ٍ ِ
وم ْث ُل َه�ا ثََل�اَ ُ
َ
مس َتبِدْ ِ ِ ِ مس�تَنِدْ الع ْل� ِم ِ ِو ُن�دْ ر ُة ِ
م ْن َغ ْي ِر ع ْل ِم الخَ دَ َمات ا ُل ْ المف ْيد ا ُل ْ
ُ َ
ٍ
حالل، درهم من
ٌ صورة من صور الغثائية يف األمة ،وهي ُندْ َر ُة ثَلاَ َث ِة أشياء:
ٍ يشري الناظم إىل
مستفاد ،وقد ورد ذلك يف حديث حذيفة ؤ ،قال :قال رسول اهلل ﷺ:
ٌ وعلم
ٌ ٌ
وأخ يف اهلل،
وعل ًام ُمستفاد ًاَ ،
وأخ ًا يف اهلل» الساعة حتى ُي ِع َّز ُ
اهلل َع َّز وجل فيه ثالث ًة :درمه ًا من َحاللِ ، «ال َت ُ
قوم َّ
(((.
وعن أبـي داود وابن ماجه واحلاكم من حديث أبـي هريرة ؤ ،قال :قال رسول اهلل
الر َباَ ،ف َم ْن لمَ ْ َي ْأ ُك ْل ُه َأ َصا َب ُه ِم ْن ُغ َبا ِر ِه»(((. َ َ ﷺَ « :ل َي ْأتِينَ َّ َعل ال َّن ِ
اس َز َمانٌ ل َي ْب َقى أ َحدٌ ِم ْن ُه ْم إِل أ َك َل ِّ
الش ُب َهات واحلرام ِ
وسيادة ُّ االنحراف االقتصادي، ِ ٌ
واضحة إىل ويف هذه األحاديث إشار ٌة
الوضوح من خالل النظر إىل سياسة املال ورجال
ِ واضح َّ
كل ٌ يف املجتمعات اإلسالمية ،وذلك
العاملية واملرصفية اليهودية البنكية.
وق َالس ِ األعامل املرتبطني َطوع ًا َ
وكره ًا إىل ُّ
قال الناظم:
اط فِي ك ُِّل َم ِض ْيق
ِمن حاملِي األَسو ِ
ْ َ ْ َ َّار فِي َب ْع ِ
ض ال َّط ِر ْيق أهل الن ِ
ان ُِصنْ َف ِ
«ل َت ْت َب ُع َّن َسن ََن َم ْن َكانَ َق ْب َل ُك ْم ِشبرْ ً ا ِشبرْ ً ا((( رواه البخاري ومسلم من حديث أبو سعيد اخلدري ؤ بلفظ َ
ال َف َمن» . ارى َق َ اللِ ا ْل َي ُه ُ
ود َوال َّن َص َ ول هَّ
اع َح َّتى َل ْو َد َخ ُلوا ُج ْح َر َض ٍّب َتبِ ْعت ُُموهُ ْم ُق ْلنَا َيا َر ُس َ
َو ِذ َر ًاعا بِ ِذ َر ٍ
((( رواه الديلمي.
((( عن «االخرتاعات العرصية» للغامري ص.37
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 347 التليد والطارف
المائَِل�اَ ْت ِِ ِ
�ن َف َت َي�ات ُ
الم ْس�لم ْي َن َ م ْ
ِ �ات ات ال َع ِ
ار َي ْ و ِمث ُله�ن الك ِ
َاس� َي ُ َ ُ َّ
إشارة من الناظم إىل انفالت أمور العامة ،مما يلزم املسلمني اختاذ الشرُّ َ ط التي ُت َع ِّذ ُب ال َّناس
وحتمل السياط كأذناب البقر ،ترضب هبا الناس يف تفريق املظاهرات ،ومحاية احلكام يف املناسبات،
واحتواء املسريات ،وما ماثلها من صنوف العذاب والتعذيب يف املعتقالت ،والصنف الثاين النساء
«الكاسيات» يف ظاهر األمر« ،العاريات» يف حقيقة احلال عن األدب واألخالق ،والعاريات أيض ًا
بضيق اللباس الذي يصف العورة َويحُ َ ِّج ُم َها َوكأنهَّ ا ليست البسة ثوب ًا.
وهذا كله يصل إىل األمة بسبب االستتباع لغثائية األنظمة الكافرة وقوة تأثريها عىل املسلمني
ٌ
رجال معهم ِ
صنفان من أهل النار مل أرمها: بالوسائل اإلعالمية وغريها ،وشاهد ذلك حديث« :
سياط مثل أذناب البقر يقفون عىل أفواه السكك يرضبون هبا الناس ونساء كاسيات عاريات
مائالت مميالت عىل رؤوسهن مثل أسنمة البخت ،ال يدخلن اجلنة وال جيدن رحيها ،وإن رحيها
ليوجد من مسافة كذا وكذا» (((.
الم ْس�لِ ِم
�ار ُ َحالِ َق� ُة الدِّ ِ
ي�ن َد َم ُ داء األُ َم ِم �م فِ�ي الدِّ ِ
ي�ن ُ َأ َصا َب ُه ْ
�يء ِمن ِق َي�ا ٍم َو ُقعو ْد
ف�ي ك ُِّل َش ٍ
ِ ى َوال َي ُه�و ْد
�ار ْ
ِ
�ع ا ِّت َب�ا ٍع للن ََّص َ
َم َ
�ن ُو ُه�و ٍم َوان ِْفتَ�احٍ ُم ْش�كِ ِل ِ
َوم ْ َ�ر ُّذ ِل
�ن ت َ
�د م�ا ه ِ ِ ِ
َت ْقل ْي َ ُ ْ
�م ف ْي�ه م ْ
ِ ِ
يشري الناظم إىل ما حتدث عنه من ال ينطق عن اهلوى ﷺ يف شأن «داء األمم» الذي حيل
باملسلمني يف مرحلة الغثاء والوهن ،وهو األمراض االجتامعية الكافرة املعرب عن بعضها يف
الد ِ
ين): (حالِ َق َة الشعر)؛ ولكنها َ
(حالِ َق ُة ِّ احلديث من قوله ﷺ« :أصابكم َد ُاء ُ
األ َم ِم ،ال أقولَ :
((( رواه أمحد بلفظَ « :د َّب إِ َل ْي ُك ْم َد ُاء الأْ ُ َم ِم َق ْب َل ُك ْم :الحْ َ َسدُ َوا ْل َبغْ َض ُاءَ ،وا ْل َبغْ َض ُاء ِه َي الحْ َ الِ َق ُة َحالِ َق ُة الدِّ ينِ لاَ
س حُ َم َّم ٍد بِ َي ِد ِه لاَ ُتؤْ ِمنُوا َح َّتى حَ َتا ُّبواَ ،أ َف اَل ُأ َن ِّبئ ُُك ْم بِشيَ ْ ٍء إِ َذا َف َع ْلت ُُمو ُه حَ َتا َب ْبت ُْم؟ َأ ْف ُشوا
الش َع ِرَ ،وا َّل ِذي َن ْف ُ
َحالِ َق ُة َّ
الس اَل َم َب ْين َُك ْم» ،دب ِإليكم :سار إليكم ،مسند أمحد (.)347 :3 َّ
((( «السنة» ( )31 :1ملحمد بن نرص املروزي .
(( ( رواه الطرباين يف «الكبـري» ،راجع «كشف األقنعة عن الوجوه الغثائية املقنعة» للمؤلف ص.97
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 349 التليد والطارف
�ك ال َّطنَافِ ِ
�س َ�ت َم َمالِ َ
َق�دْ َأ ْه َلك ْ �ع ال َّتنَا ُف ِ
�س ِ
�ن ز َْه َ�رة الدُّ ْن َي�ا َم َ
م ْ
ِ
تشري األبـيات إىل ما َح َّذر منه ﷺ يف خطورة التنافس عىل ُح َطام الدنيا ،وأنه ال خيشى من
خطر الشرِّ ك يف هذه األمة ،إنام الذي خيشاه عليها الدنيا والتنافس فيها ،ففي احلديث« :إين
لست أخشى عليكم أن ترشكوا بعدي ،ولك ّني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا ُ
األرض وإينخزائن َ
ِ مفاتيح
َ َفت َْه ِل ُكوا َكم هَ َل َك َم ْن َكانَ َق ْب َل ُك ْم»((( وحديث« :وإين قد ُأ ْع ِط ُ
يت
واهلل ما أخاف عليكم أن ترشكوا بعدي ولكني أخاف عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها (((» ،ويف
الغثائية بحيث
َّ جلية يف عرص (((
روايةُ « :
لست أخشى عليكم الفقر ، »..وهذه الظاهرة قد برزت َّ
ِ
رشيك والتبديع صفتان متالزمتان. ُ
وقطيعة ال َّت ُ
عالقة الدنيا صارت
فالرسول ﷺ عندما أشار إىل اطمئنانه حول اخلوف عىل األمة من الرشك ؛ إنام يبعث برسالة
الشبهة واحلرام ،ويملك أسباب الدنيا ،وهي َّ
أن الوسيلة املتخذ َة إىل مستقبل الزمان ملن يمتطي ُّ
ٌ
باطلة من أساسه، يف هذه املرحلة من اخلوف أو القلق الصوري عىل األمة من الوقوع يف الرشك
وإنام حقيقة األمر عند التمحيص ال يتعدى املنافسة عىل احلكم واملظهر واجلاه والتملك.
وقد كشف اهلل لنبـيه ما سيصل إليه حال األمة يف هذه املرحلة اخلطرية ،و َل َبـى رسول اهلل
ندا َء األمة املتهمة عند بعض الفئات ،وأبرز احلقيقة الناصعة.
نفي الرسول مادة الرشك عن األمة
ولكن ومع هذا البـيان النبوي فهناك من يستغرب َ
مع وجود بعض الظواهر املشرية إليه لدى بعض املسلمني ،واجلواب احلاسم :أن الظواهر
القائمة لدى بعض املسلمني ليست رشك ًا ،وإنام هي حالة من حالتنيَّ :إما إفراط أو تفريط،
هذا يقول ﷺ« :يصبح الرجل مؤمن ًا ويميس كافر ًا ،ويميس مؤمن ًا ويصبح كافر ًا ،يبـيع أحدهم
كالثعلب يفر بأشباله ،وذلك يف آخر الزمان إذا مل ُتنَل املعيشة إل بمعصية اهلل ،فإذا كان كذلك
حلت ُ
الغربة ،يكون يف ذلك الزمان هَ الك الرجل عىل يد أبويه إن كان له أبوان ،وإل فعىل يد
زوجته وأوالده ،وإل فعىل يد األهل واألقارب واجلريان ،يعريونه بضيق املعيشة ويكلفونه ما ال
ُيطيق حتى يورد نفسه املوارد التي هيلك فيها» (((.
* «إذا كثر خطباؤكم ومنابركم ،وركن علامؤكم إىل والتكم ،فأحلوا هلم احلرام وحرموا
عليهم احلالل َفأ ْفت َْوهم بام يشتهون»(((.
ٍ
ورصاحة يف بوضوح
ٍ وكأنيِّ هبذه األحاديث وأمثاهلا تروي قصة املراحل التي نعيشها
ال َّتشخيص أكثر من تشخيص أحاديث العلامء واملفكرين والساسة.
ِ ِ
الو َب�ا
�ون َ َو َخ ْل ُف� ُه ال ُك َّف ُ
�ار َي ْح ُم َ الر َب�ا َي ُس�و ُد ف�ي ال َعا َل� ِم من َْه ُ
�اج ِّ
اله ِّي ِ
ـ�ن �ار َ �ن ُمكْثِ ٍ
�ر َأ ْو كَال ُغ َب ِ م ْ
ِ �ق َو ُم ْؤ ِم ِ
�ن �ت َف ِ
اس ٍ َيدْ ُخ ُ
�ل َبـ ْي َ
إشارة يف األبـيات إىل انتكاس العامل اإلسالمي والعربـي من سياسة االقتصاد الرشعي
إىل سيادة االقتصاد الربوي الكافر ،حيث َم َّهدَ الكافر بعد امتالك القرار إىل إدخال سياسة
البنوك واملصارف الربوية إىل كل بالدَ ،
وش َّجع عىل االستثامر الربوي ،وما أسامه بالتسهيالت
وز َي َ
ف ُسقوفها العلمية والسياسية وك َشف َز ْي َفها َ
اش النبـي ﷺ هذه املرحلة َ
االقتصادية ،وقد َع َ
واالقتصادية ،فقال فيام رواه أبو داود وابن ماجة واحلاكم من حديث أبـي هريرة ؤ ،قال:
الربا ،فمن مل يأكله
قال رسول اهلل ﷺ« :ليأتنيَّ عىل الناس زمان ال يبقى منهم أحد إل أكل ِّ
أصابه من ُغباره» ،ويف رواية أخرى« :سيأيت عىل الناس زمان يأكلون فيه ك ّلهم ِّ
الربا» ،فقلنا :يا
رسول اهلل :كلهم؟ «قال :نعم ،ومن مل يأكله أصابه من غباره».
�لالر َذائِ ِ ون ذو َّ �ؤ ُ�ن الخَ ُ
ُي َؤ َّم ُ الم َحافِ ِ
�ل ِ
ُي َص�دَّ ُق ال�كَاذ ُب ف�ي َ
�و ِن وير َف�ع ال َف ِ �ل ِ
الع ْل� ِم َوالتَّدَ ُّي ِ �ان َأ ْه ُ
�ق ُذ ْو ال َّت َل ُّ
اس ُ َُْ ُ �ن ُي َه ُ
ومن ظواهر مرحلة الغثاء والوهن انقالب ِ
القيم واألخالق؛ لكثرة التأثر بالكفر والكافر،
ِ
بسياسة االستعامر وما يليه من طباع ِه
ِ ِ
ونفثات سموم ِه
ِ وما يفرزه يف الواقع االجتامعي من
االستهتار واالستثامر ،واللعب بعقول األجيال يف املدارس واجلامعات واإلعالم والثقافة
بوضوح تصديق الكاذب
ٍ يربز والفنون وغريها من أحابـيل االنحالل والضالل المُ َس َّي ِ
سَ ،ح َّتى َ
ُ
األمحق اس بالدُّ نيا ُل َك ٌع ُ
ابن ُل َكع» ((( ،وال ُّل َك ُع :العبدُ أو أسعد ال َّن ِ
َ «ال َت ُ
قوم َّ
الساعة حتى يكون
اللئيم ،أي :حتى يكون اللئام واحلمقاء والعبـيد رؤساء الناس.
ُ أو
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
�ملم�ال َوا َلج�اه األَ َع ْ َو َس� َب َب ًا ل َ �م�ار ًا َوت َُه ْ
ي�ن الل�ه َع َ
ي�ر د َُيص ُ
�ر الز ََّم ِ
�ان ع اَلم� ٌة فِ�ي ِ
آخ ِ َو َي ْك ُث ُ�ر ال ُق َّ�ر ُاء لِل ُق ْ�ر ِ
آن
َ َ
المت ِ
َاج ِ
�ر َ دعا َي� ًة لِ ِس� ْل َع ِة الحن ِ
َاج ِ
�ر ِ ِ ِ
ُمنْح َص�ر ًا ف�ي َنغ َْم�ة َ
والو َهن يف هذه املرحلة أن ُي َعيرَّ َ املؤمن بالدِّ ين والتدين ،ويكون التدين ومن ظواهر ُ
الغثاء َ
والديانة تهُ ْ َم ًة ،وهذه ِ
ظاه َر ٌة َع َر َف َها العامل العربـي واإلسالمي يف مرحلتني:
يشء ِمن احلذر وال َّت َل ُّط ِ
ف ،فيسمى املتدين ُمت ََح ِّج َر ًا متخلف ًا ٍ األوىل :مرحلة االستعامر مع
منغلق ًا ،وعمل الكافر عىل اصطفاء وتقريب املتحررين من الديانة أو ما يسمونه بالتعصب
الديني وحجز العلامء من املدارس ومواقع التأثري الرتبوي والتعليمي حتى خترج جيل الوهن
والغثاء.
والثانية :مرحلة االستهتار ،وفيها كشف الكافر اللثام عن خبث نيته وفعله ضد الدين
((( قال احلافظ ابن كثري :إسناده جيد ،انظر «السنة والبدعة» للشيخ عبد اهلل حمفوظ احلداد ص.19
((( رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أيب سعيد ،نق ً
ال عن «االخرتاعات العرصية» للغامري
ص.77
((( احلديث رواه الديلمي عن عيل ،راجع «اإلشاعة» ص.161
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 356 التليد والطارف
يف ترويج البضاعة واملواقف ،وهناك مؤسسات كربى قائمة عىل ترويج القرآن يف سوق العرض
والطلب جللب األرباح من بيع األرشطة واألجهزة وأصوات القراء طلبا للامل والثراء.
الر َس�ا َل ِة
�ن َو ِّ�اء الدِّ ْي ِ
�م ُخ َط َب ُُه ْ
�ر والح َثا َل ِ
�ة �ات ال َع ْص ِ َ ُ ُر َو ْيبِ َض ُ
ط ن َِه� ِم �د س�لِي ٍ الح ْق ِ
ِ ُم َب َّط ِ
�ن ي زَنِ� ِم �ن ك ُِّل ِغ ٍّ�ر َج ْع َض ِ ِ
َ ْ �ر ٍّ م ْ
ٍ
ظاهرة أخرى من ظواهر مرحلة الغثاء والوهن تدور يف املجتمعات يشري الناظم إىل
واألنظمة املتحدثة باسم الدين ،وهذه الظاهرة ختدم سياسة الكفر ،ومتهد للدجال ،وهي
ظاهرة الرويبضات التي عرب عنها ﷺ يف آخر الزمان كقولهَ « :و ُيؤْ تمَ َ ُن َ
اخلائِ ُن َويخُ َ َّونُ األمنيُ
الر َويبضة» .قالوا :وما الرويبضة؟ قال« :يتكلم يف الناس من مل يكن يتكلم ،وينكر احلق
ويتكلم ُّ
تسعة أعشارهم» ((( ،ويف رواية :قالوا :وما الرويبضة يا رسول اهلل؟ قال« :ال َّت ِاف ُه ُي ِد ْي ُر شؤون
العا َّم ِة» ،ويف رواية« :الفاسق يتكلم يف شؤون العامة» ،ويف رواية« :الفويسق يتكلم يف شؤون
العامة» ،ويف رواية« :السفيه» ،ويف رواية« :الوضيع من الناس» (((.
والغر :اجلاهل غري املجرب ،واجلعرضي :اجلبار املتعجرف ،والزنم الكذاب ،والسليط
كثري الكالم ،يقال :سليط اللسان ،أي :ال يضبط مقاله بالفحش ،وهذه كلها ظواهر مرحلتنا
املعارصة وشواهد كثرية ومثرية.
وهذا احلديث اهلام يضع القيادات احلاكمة يف قفص االهتام ،ويشري باإلصبع إىل موقع
الفساد والتعفن يف مسرية احلياة ،خالف ًا ملا يفعله احلكام والسياسيون اليوم من إهلاء العوام
والصاع َّ
الطبقي والسيايس واالعتقادي ،ليحجبوا خطر والرشائح االجتامعية باملتناقضات رِّ
بعلم أو ال ُّتهمة عن أنفسهم ،وهم يصنعون املستقبل الدَّ َجالِـي يف العامل مع َّ
الشيطان وأعوانه ٍ
بغري علم.
�ت�ذا َثابِ َُّ�اس َو َه َ
�ك الن ُ ت ََم َّس َ ال َّث َوابِ ُ
�ت ُتنْ َت َق ُ
�ض َف ِعنْدَ َم�ا
((( رواه أمحد والطرباين يف «الكبري» و «األوسط» ،وفيه كثري بن زيد وثقه أمحد وغريه وضعفه النسائي.
((( أخرجه الطرباين من حديث ابن مسعود.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 360 التليد والطارف
وأرشاطها أن تكثر الرشط وا َهل اَّمزون اَّ
والغمزون اَّ
واللمزون ،وأن يكثر أوالد الزِّنا»(((.
وقوله يف املنظومة« :ال ائتامن يف املصيل» إشارة إىل احلديثَ « :و ُر َّب ُم َص ٍّل ل َأ َما َن َة َل ُه» حيث
يس ِعلاَ َج ًا َوتهَ ِذيب ًا وإصالح ًا
ف بِ ِه َو َل َ
للواجب املك َّل ِ
ِ تبقى الصالة يف الناس جمر َد َعا َد ٍة أو إس َقاط ًا
اس َّية( :ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ). كام هي وظيف ُتها َ
األ َس ِ
املص ِّلنيَ ُم ْس َتشرْ ٍ َو َظ ِ
اه ٌر يف مرحلتنا املعارصة ،ويؤيد ذلك قوله ﷺ« :ال وهذا ال َّن ُمو َذ ُج يف َ
تقوم الساعة حتى تتناكر القلوب ،وختتلف األقاويل ،وخيتلف َ
األ َخ ِ
وان من األب واألم يف
الدين» (((.
ور َّب ُم ٍّ
صل ال أمانة له» :أي ال يؤدي الصالة عىل وجهها ويف بعض املعاين عن قولهُ « :
ل مخسون َن ْف ٌس ال ُ
يقبل الرشعي ،ويؤيد هذا املعنى قوله ﷺ« :من اقرتاب الساعة أن ُت َص يِّ َ
لأِ َ َح ِد ِه ْم َص اَل ٌة» ((( ،ومعناه :أهنم ال يأتون برشوطها وأركاهنا ،فال تصح ألحدهم صالة فال
يقبل منهم.
َغي�ر َفتَ�اوى الرؤَ س ِ
�اء ت َْس� َتبِدْ �ن ت ِ ِ
ُّ َ َ ْ َ َج�دْ �م َل ْ
�م ُث َّ َو ُي ْق َب ُ
�ض ال َعال ُ
َي�ر ِع ْل� ٍم ف ُي ِض ُّل�وا َم�ن َس َ
�أ ْل بِغ ِ جي ُبوا فِ�ي َع َج ْل
ون ف ُي ِ �ن ُي ْس َ
�أ ُل َ َم ْ
إشارة إىل ما سبق من حديث النقض للعلم وقبض العلامء آخر الزمان ،وهي إحدى ظواهر
يس الدَّ ِ
عوة اإلسالمية التي جتاوزت هذا املدلول من املرحلة الغثائية وثمرة من ثمرات تسيِ ِ
قبض العلامء.
القبض علي ِهم وسجن ُُهم ،ومنه ال َق ْب ُ
ض أي ُ ٍ
بمعان عديدة ،فمنه وقد َفسرَّ العلامء القبض
َح َّتى يخَ ْ ُر َج َق ْو ٌم َي ْأ ُك ُل ْونَ بِ َأ ْل ِسنَتِ ِهم َكم َت َأ ُك ُل ال َب َق ُر بِ َأ ْل ِسنَتِ َها» (((.
ون ُح َّجت َُه ْم نِ َفا َق ًاَ ،و ُي ْط ُرونهَ ُ م
قال يف «اإلشاعة» ص :162ومعناه :يمدحون الناس و ُيظ ِه ُر َ
أنفس ُهم حتى يتسولوا إىل أخذ األموال منهم.
ويمدحون َ
القل�ب وال ِّني ِ
�ات ِ �ع َخ ِ
�راب �اجدُ الص ِ
�ت َم َس ِ
وز ُْخ ِر َف ْ
َّ َم َ لاة َّ
بارز يف هذه املرحلة الغثائية ،وبصورة متميزة ،فحتى ُ
القرى والبوادي التي وهذا املظهر ٌ
ظهرت فيها املساجد املتعددة واجلديدة ذات الطابع الزخريف والفن العمراين املتميز جتدها حتوي
شعوب ًا ومص ِّلنيَ َخ ِر َب ْت قلوهبم بالدنيا واختلفت يف الدين ،وهذا ما أشار إليه املصطفى ﷺ يف
اح َف ُكم َفالدَّ َم ُار َع َل ْي ُكم»(((.
اج َد ُك ْمَ ،و َح َّل ْيتُم َم َص ِ
حديث أبـي الدرداء« :إ َذا َز ْخ َر ْفت ُْم َم َس ِ
الكنائس والبِـ َي ُع ،وتطول املنابر
ُ ويف رواية أخرى« :فعند ذلك تزخرف املساجد كام تزخرف
وتكثر الصفوف مع قلوب متباغضة وألسن خمتلفة وأهواء مجة» (((.
ويف بعض القرى من بالد املسلمني جتد املساجد الثالثة واملساجد األربعة يف القرية الصغرية
التي ال يتجاوز عدد أهلها مئتي فرد إال أن كل فئة من هؤالء هلم مسجدهم اخلاص وإمامهم
((( املصدر السابق ص ،162رواه بن أيب الدنيا ،والطرباين وأبو نرص السجزي يف «اإلبانة» وابن عساكر عن
أيب موسى ،وال بأس بسنده« ،كنز العامل» (.)245 : 14
((( املصدر السابق ،رواه أمحد عن سعد بن أيب وقاص.
((( املصدر السابق ص ،167رواه احلكيم الرتمذي يف «نوادر األصول» عن أيب الدرداء ،ووقفه ابن املبارك
يف الزهد.
((( املصدر السابق ص.169
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 363 التليد والطارف
ومذهبهم مما يزيد الواقع اضطرابا وقلقا عىل غري عمق يف الديانة.
ويف هذا املعنى حديث أنس بن مالك ؤ قال :قال رسول اهلل ﷺ« :ال تقوم الساعة
حتى يتباهى الناس يف املساجد» (((.
وحديث« :إذا ساء عمل األمة زينوا مساجدهم» ((( ،وحديث ابن عباس« :ما كثرت ذنوب
قوم إل زخرفت مساجدها ،وما زخرفت مساجدها إل عند خروج الدجال»(((.
وهذه الظاهرة عن املساجد تلحقها ظواهر عديدة تشري إىل هبوط اإليامن ،وسوء عالقة
املصلني بالديانة مع التزام احلضور للصالة وكثرة الصفوف ،وفسرّ هذه الظواهر قوله ﷺ:
«ويكثر ولد الزنى ،وتفشوا الغيبة ،ويعظم َر ّب املال ،وترتفع األصوات يف املساجد ،ويظهر
أهل املنكر ،ويظهر البناء»((( .ومن الظواهر أيض ًَا ما قال عنه ﷺ« :يأيت عىل الناس زمان يكون
حديثهم يف مساجدهم يف أمر دنياهم ،فال جتالسوهم فليس هلل فيهم حاجة»(((.
املساجدُ ُط ُر َق ًا َفل ُي ْس َجدُ هللِ ِف َيها»((( ،وهذه الظاهرة
ِ ومن هذه الظواهر« :وح َّتى ُت َّت َ
خذ
ٍ
ببعيد ري من بالد املسلمني ،وهي اختاذ املسجد للعبور من شارع إىل غريه ،وليس مالح َظ ٌة يف كث ٍ
َ
أيض ًا أن حيمل املعنى عىل ما يفعله بعض اجلهالء من أصحاب الطرق -هدانا اهلل وإ َّي ُ
اه ْم-
ٍ
ملناسبة ما؛ ولكنهم ال يعمرون هذه حيث َي ْس ُم ُرون و ُي ْن ِشدُ ون يف بعض املساجد حتى الفجر
((( أخرجه أمحد والرتمذي وأبو داود من حديث أنس ،انظر «السنن الواردة يف الفتن» ألبـي عمرو الداين
ص 195طبعة بـيت األفكار الدولية.
((( أخرجه البيهقي يف باب الصالة .
((( املصدر السابق ص.196
((( «اإلشاعة» ص.167
((( رواه البـيهقي عن احلسن مرس ًَ
ال ،املصدر السابق ص.165
((( أخرجه الطرباين عن ابن مسعود ،املصدر السابق ص« ،164فاختذوا املساجد ُط ُرق ًا» أي :ملا َألِ َف ْت ُه الطرق
من ذكر أو حلقات إنشاد وغريه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 364 التليد والطارف
املساجد بالعبادة ،بل ربام أخروا صال َة الفج ِر لِ َس َه ِر ِه ْم وسمرهم يف املسجد ذاتِ ِه ،وهذه ظاهر ٌة
قبـيحة وإن كان فاع ُل َها حمب ًا للخري والدِّ ين.
ٌ
وهناك يف بعض بالد املسلمني ُتتخذ املساجد طرق ًا للسري فيها والتفرج عىل زخارف البناء
ومظاهر النقوش ،وقد يرتدد عليها ُس َّواح أجانب ونساء ُح َّيض ..وهلم من أبناء املسلمني أدالء
ِ
ظاهرة السياحة. ومتخصصون يف تشجيع
َ�ذا النِّس�اء فِ�ي الخَ نَ�ا ال َب َّط ِ
ك َ �ال بِالر َج ِ
الر َج ُ ِ
�ال َ ُ �ال ِّ َو َي ْكتَف�ي ِّ
َ
وحيصل وهذه أيض ًا إحدى ظواهر املرحلة الغثائية وشموهلا حتى تدخل بالد املسلمني،
نيس لدى الرجال والنساء ،ويتفشى هذا الدمار بـني األبناء والبنات حتى يبلغَ يف
جل ُّ الش ُذ ُ
وذ ا ِ ُّ
عبـر عنه القرآن يف ذم قوم لوط: ِ
بعض البلدان إىل اختاذ النوادي اخلاصة هبذه املفاسد ،كام َّ
(ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ) وقد انتقل هذا الوباء إىل بالد املسلمني من أوروبا،
وكثرة املرتددين إليها من املسلمني.
ويف هذا املعنى ثالثة نامذج أشارت إليها األحاديث من حتوالت األخالق:
األول :اكتفاء الرجال بالرجال ،والنساء بالنساء.
الثاينُ :يتغاير عىل الغلامن كام يتغاير عىل املرأة.
الثالث :نكاح املرأة يف دبرها.
وكل هذه الظواهر االجتامعية داللة عىل مدى التأثر باالنحراف القادم من بالد الكفر
وضعف القيم الداعية إىل العفة والنزاهة.
قال ﷺ« :إذا استغنى النساء بالنساء ،والرجال بالرجال ،فبرشهم بريح محراء خترج من قبل
بعضهم و ُخيسف ببعض ،ذلك بام عصوا وكانوا يعتدون» (((.
املرشق ف ُيمسخ ُ
ٍ
حديث طويلٍ رواه الرتمذي ،وأورده صاحب «اإلشاعة» ص.177 ((( من
((( رواه الديلمي عن ابن مسعود.
((( رواه الديلمي عن حذيفة بن اليامن.
((( املصدر السابق ص.155
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 367 التليد والطارف
تشري األبـيات إىل ما ذكره ﷺ من اختالط األمور يف عرص الغثاء حتى يضطر الراغب يف
حفظ الدين من مضالت الفتن أن يبحث عن ملجأ أو معاذ يلجأ بدينه إليه.
اهق ،أو ـر ِم ْن َش ِ
اه ٍق إىل َش ِ قال ﷺ« :يأيت عىل الناس زمان ال يسلم لِ ْ
ذي ِد ْي ٍن ِد ْي ُن ُه إل َم ْن َف َّ
ِ
معصيةمان إذا مل ُتن َْل املَ ِع ْي َش ُة إل بِ
الز ِ ب يفر بأشبالِ ِه ..وذلك يف ِ
آخ ِر َّ من ُج ْح ٍر إىل ُج ْح ٍرَ ،كال َّث َ
عل ِ
اهلل» (((.
ان َب اَل ٌء شديدٌ ل َي ْن ُجو من ُه إل َر ُج ٌل
الز َم ِ يصيب أ َّمتي يف ِ
آخ ِر َّ ُ وحديث أبو نعيم عن عمرَ « :س
السوابِ ُقَ ،و َر ُج ٌل عرف َ
دين اهلل يه بلسانِ ِه وقلبِ ِهَ ،
فذلك ا َّلذي سبقت له َّ دين اهلل َف َجاهَ َد َع َل ِ
َع َر َف َ
َف َّص َد َق بِ ِه» (((.
�ش فِ�ي الن ِ
َّ�اس �ن َي ِع ْ
َو َم ْ
ْ�ل ال�كِ اَل ْب
�و ُه َح َن َق� ًا َقت َ ُ
ل ت
ََ ُ ْ ْ
ق ي و َع َ
اب َر
ت �
ُ ْ َ ْس م �اش
يشري الناظم ملن حاول التعايش من الصاحلني مع الناس يف عواصمهم وأسواقهم وأسباب
تطور حضاراهتم ،فإنه يعيش يف قلق وحذر ملا يدور حوله من التهم والشكوك ،بل قد يؤدي
ذلك يف بعض األحوال واالضطرابات إىل أن يقتلوه حنق ًا كام تقتل الكالب.
وهذه الظاهرة قد لوحظت يف بعض البالد التي غزهتا الغثائية الرشقية إ َّبان مرحلة الرصاع
بـني ُ
الق َّوتني العامليتني الغربـية والرشقية ،فقد جعلت تلك القوى هلا من املعاذير والسياسة ما
ِ
تستأص ُل به العلامء والصاحلني من خالل تلك ال ُّتهم والشكوك ،حتى بلغ األمر إىل سحل العلامء
ِ
العاملة للقوى األجنبـية لتربير ِ
كاحلزبـية أو ٍ
سياسية وقتلهم يف شوارع املدن ،وحينا بإصدار هتم
اس َز َمانٌ
الصالح ،ويؤيد هذه الظواهر وحدوثها يف األمة قوله ﷺ« :يأيت َعل ال َّن ِ
قتلِ العالمِ أو َّ
((( رواه أبو نعيم يف «احللية» والبيهقي يف «السنن» عن ابن مسعودؤ « ،كنز العامل» (.)154 :11
((( املصدر السابق ص.165
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 368 التليد والطارف
ان حَ َتا َم ُقوا» (((. الع َل اَم َء ف َذلِ َك َّ
الز َم ِ الع َل اَم ُء َكم ُت ْقت َُل ِ
الك اَل ُبَ ،ف َي َال ْي َت ُ ُي ْقت َُل ِف ْي ِه ُ
وحديثَ « :ي ْأيت َعل ال َّن ِ
اس َز َمانٌ َي ْست َْخ ِف ْي ا ُملؤْ ِم ُن ِف ْي ِه ْم َكم َي ْست َْخ ِف ْي ا ُملن ِ
َاف ُق ِف ْي ُكم»(((.
قال الناظم:
الما ُع ِ ِ �و ِن وب َم ْ الش� ُع ِ
ون الم ْعدُ ْو ُد في َ
ف َ َو َّ
الش َ�ر ُ �أك َُل ال ُب ُط ْ �م ُّ َه ُّ
المخْ ت ِ �اء َع ِ ِ َه َ �ن فِ�ي الدِّ ْر َه� ِم َوالدِّ ْين ِ
َ�ار �ن ُ �ذا ا َّل�ذ ْ
ي َج َ َ�ار َوالدِّ ْي ُ
والو َهن التي ُتصيب شعوب امل ِ َّلة يف إشار ٌة إىل ما أخرب عنه ﷺ من ظواهر مرحلة ُ
الغثاء َ
َاع ُهمَ ،و ِق ْب َلت ُُهم
ه ُهم ُب ُط ْو هُن ُْمَ ،وشرَ َ ُف ُهم َمت ُ
قوله عليه الصالة والسالم« :يأيت عىل الناس زمانٌ مَ ُّ
اخل ْل ِق ل َخ اَل َق هَلم ِع ْن َد اهلل» (((. اه ُهم َو َد َنانِيرْ ُ ُهمُ ،أ ْو َلئِ َك شرَ ُّ َ
اؤ ُهمَ ،و ِد ْين ُُه ْم َد َر مِ ُ
نِ َس ُ
وقد برزت هذه الظاهرة يف بعض البالد اإلسالمية وهي متني عودة احلكم الشيوعي
االشرتاكي فيها ألن تلكم املرحلة كانت أسعار األغذية أقل مما هي عليه اآلن ،معتقدين أن
رخص األسعار مرهون بالنظام االشرتاكي فيتمنى أحدهم عودته ال خوفا عىل دين وال خلق
وإنام رغبة يف حصول طعامه ورشابه ولو عىل إهانة دينه وملته.
وي ْك ُث�ر ِ تَخْ تَلِ ُ
ُ�وب �ان َو ُ
الذن ُ الع ْص َي ُ ََ ُ �و ُب �و ُال َوال ُق ُل ْ
�ف األ ْق َ
َواألَ َمانَ� ْة �ان ا ِ
إل ْي َم ُ َو ُي ْر َف ُ
�ع ان فِ�ي الدِّ يانَ� ْة
�و ُإل ْخ َ َيخْ تَلِ ُ
�ف ا ِ
يشري الناظم إىل ما يربز جلي ًا من التداعيات األخالقية يف احلياة االجتامعية إبان املرحلة الغثائية،
هدم ًا ملا جاء به خري الربية من األخالق والقيم واآلداب النبوية ،وإىل ذلك أشار ﷺ يف َح ِد ْيثِ ِه الذي
ان ِم َن َ
األ َخ َو ِ وب َو خَ ْتت َِل َف َ
األ َقا ِو ْي ُل َويخَ ْ ت َِل َف َ الق ُل ُ اع ُة َح َّتى َت َتن َ
َاك َر ُ
األ ِ
ب رواه الديلمي «ل َت ُق ْو ُم َّ
الس َ
((( رواه الديلمي عن حذيفة « ،كنـز العامل» ( ،)49 :14و «اإلشاعة» ص.162
((( رواه أمحد والرتمذي وابن ماجة والبيهقي من حديث حذيفة بن اليامن ،راجع «فتح الباري» ()42 :13
كتاب الفتن ،طبعة دار الفرات ،و «كنز العامل» (.)60 :3
((( املصدر السابق.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 370 التليد والطارف
اع ٍة اجل ْم َع ِة َو ُ
اجل ْم َع ُة َكال َي ْو ِم َو َي ُك ْونُ ال َي ْو ُم َك َس َ الش ْه ُر َك ُ الز َمانُ َفت َُكونَ َّ
الس َن ُة َك َش ْه ٍر َو َّ ار َب ََّح َّتى َي َت َق َ
واحلق أن املراد نـزع الربكة من كل ُّ الس ْع َف ِة»((( .قال شارح احلديث: اع ُة َكاحترِ َ ِ
اق َّ َو َت ُكونُ َّ
الس َ
يشء حتى من الزمان((( ،وقيل :قرص األعامر بالنسبة إىل كل طبقة ،وقيل :تقارب أحواهلم يف
الرش والفساد واجلهل.
ِ
احلياة العلمية َو َط َّي املسافة الزمنية بالوسائل احلديثة يبدي معنى من معاين ويبدو أن تقدم
التقارب املشار إليه يف احلديث واهلل أعلم.
ِ ِ بـين الجيو ِ ِ الم اَل ِح� ِم
المحيِط ال َع َ
المي ش في ُ َ ْ َ ُ ُْ الح ُ�ر ْو ِ
ب َو َ ُ َو َك ْث َ�ر ُة
من مظاهر التحوالت يف املرحلة الغثائية «كثرة احلروب واملالحم بـني اجليوش» ،وأعتقد
أن هذه احلروب ال تتحدد بالغثائية كمرحلة ،وإن كانت يف هذه املرحلة أشد َف ْت َك ًا وضرَ َ او ًة
الستخدام الوسائل املتطورة يف احلروب ،فاحلرب العاملية األوىل والثانية وما جرى بعدها من
ٍ
إقليمية هلا ِص ٌلة بأطامع الدول العاملية تعترب جزء ًا ال يتجزأ من اإلشارات النبوية عن ٍ
حروب
فتن وحروب ومالحم آخر الزمان ،كحرب ِف ْيتنَام وحرب اخلليج وحرب أفغانستان وحرب
الشيشان وغريها.
اك فِي الشَّ�ا ِم َو ِم ْص َر ال ْ
يطاق ك ََذ َ �ر ِحصار فِ�ي ِ
الع َر ْاق ِ
َوآخ ُ�ر األَ ْم ِ َ ٌ
ات ال َّن ِ
بوية عن مستقبل الزمان ،فاحلصار يف العراق قد امتد أثره إىل فيه إشارة لعظمة ال َّت َن ُبؤَّ ِ
ٍ
بحديث رواه اإلمام مسلم عن جابر بن عبداهلل األنصاري ؤ، املعني
ُّ ساعتنا هذه؛ وكأ َّنه
العراق أن ال يجُ َبى إليهم َق ِف ْيزٌ َول ِد ْرهَ ٌم» ،قلنا :من أين ذلك ؟ قال« :من ِق َبلِ
أهل ِ
وشك ُ
قالُ « :ي ُ
دينار وال ُمدى» ،قلنا :من الع َج ِمَ ،ي ْمن َُع ْونَ َذ َ
اك» ،ثم قالُ « :يوشك أهل الشام أن ال يجُ بى إليهم ٌ َ
((( أخرجه أمحد يف مسنده وأبو نعيم يف «احللية» عن أيب هريرة ريض اهلل عنه.
((( املصدر السابق ( )19 :13كتاب الفتن.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 371 التليد والطارف
ثم َس َك َت ُهن َْي َه ًة ((( ،وللحديث بقية. أين ذاك ؟ قالِ « :م ْن ِق َبلِ ُّ
الر ْو ِم»َّ ،
آيات اهلل يف إعجاز النبوة ،وقد أبرزت لنا وقائع األحوال نموذج ًا مما أشار آية من ِ واحلديث ٌ
ُ
ٌ
عالمة شك أن ما ذكره ﷺ َكائِ ٌن لاَ حَمَا َلةَ ،و َك ْين ُْو َن ُت ُه إليه احلديث ،وهو ِح ُ
صار العراق ،وما من ٍّ
ولَ :ما َأبِ ْـي ُع َول َأ ْشترَ ِ ْي ادهَ اُ ،ك ٌّل َي ُق ُ اق» ،قال :وما تقارب األسواق ؟ قالِ « :ع ْن َد َك َس ِ َ
األ ْس َو ِ
ض َفل اف َ
األ ْر ِ اهلل َت َعال»((( وعن سلامن حديثَ « :ح َّتى َي ْب ُل َغ إِل َأ ْط َر ِ َول َأ ْر َب ُحَ ،ول َرا ِز َق إل ُ
يجَ ِدُ ِر ْب َح ًا»(((.
َار ِة
ال�وز َ
وفِ�ي ال َق َض ِ
�اء َوك َ
َ�ذا َ َ �ار ِة ِ ت َُش ِ
�ار ُك َ
الم ْ�رأ ُة ف�ي الت َِّج َ
إشارة إىل ما ورد يف حديث ابن مسعود فيام رواه أمحد والبخاري واحلاكم «إن بـني يدي
عني املَ ْر َأ ُة َز ْو َج َها َعل الت َِّج َ
ار ِة»((( ،ويف حديث ار ِة ،حتى ُت َ
اخلاص ِة ،و ُف ُش َّو الت َِّج َ
َّ تسليم
َ الساعة
آخر« :وتكون املخاطبة للنساء»((( ،ويف حديث آخر« :وأمارة النساء» (((.
َوال ُع ُل ْو َج�ا ال ُك َّف َ
�ار ُت َق ِّل�دُ َ�ب البِ ْ�ر َذ ْو َن َوالس ُ
ُّ�ر ْو َجا َوت َْرك ُ
إشار ٌة إىل تحَ َ ُّر ِر املرأة كام يقال «عن اجلدران األربعة» كظاهرة من ظواهر مرحلة الغثائية ،وتركب
أحاديث يف املوضوع منها « :حَي ُّج أمراء الناس هلو ًا و َت َنـ ُّز هَ ًا ، ُ العرص ،ويؤيد ذلك
الس ْم َع ِة » (((. لم ْس َأ َل ِة َ ،و ُق َّر ُاء ال َّن ِ
اس للرياء َو ُّ اس لِ َ
ار ِة َ ،و ُف َق َر ُاء ال َّن ِ
اس لِلت َِّج َ َو َأ َ
وس ُ
اط ال َّن ِ
ويف رواية « :حَي ُّج ُأ َم ُ ُ
والسمعة، ُ زهة ،وأواسطهم للتِجارة ،وعلامؤهم ِّ
للر ياء للنـ ِ راء أ َّمتي ُّ
((( رواه الديلمي من حديث طويل لإلمام عيل ريض اهلل عنه« ،كنز العامل» (.)573 :14
((( من حديث سلامن عن «اإلشاعة» ص.174
((( رواه ابن املنادي عن عيل كرم اهلل وجهه« ،اإلشاعة» ص.164
((( أي :لالستفادة من ظروف احلج وكثرة الناس يف سوق العرض والطلب ،مما يشغل أواسط الناس -وهم
سامرسة التجارة -بـني املستوردين واملستهلكني.
(( ( «اإلشاعة» ص 173عن سلامن.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 374 التليد والطارف
اخل ْل ِق ِع ْند اهلل » (((. سألة ُ ،أ َ
ولئك شرِ ُار َ للم ِوفقراؤهم َ
�اء
الو َب ُ
َو َ الهَل�اَ ُك
َ َو َي ْظ َه ُ�ر َ�اء
َوالخَ ن ُ الطََّل�اَ ُق و َي ْك ُث ُ�ر
إشارة إىل ظاهرة الطالق التي تغزو األرسة املسلمة يف املرحلة الغثائية ،وأن هذه
اك ِة ،وهذه األوبئة ِ
واألوبئة ال َف َّت َ الظاهرة تكثر حتى يكون الغضب اإلهلي باألمراض
ري
والز ْه ِّ قد َب َر َز يف عرصنا َخ َط ُر َها وهي َت ْفتِك بالناس يف كث ٍ
ري من بالد العامل كاإليدْ ز ُّ
َو َسارس الذي َظ َهر جديد ًا وغريها ،ونسأل اهلل السالمة.
�احتِ َها ِ
�و ِق ف�ي َس َ
َو َك ْث َ�ر ُة ال ُع ُق ْ �ن َأ ْو َقاتِ َه�ا ِ
إِ َماتَ� ُة الصََّل�اَ ة َع ْ
الز ِ
مانَّ ،
وأن من نامذج ذلك تأخريها بالصالة يف آخ ِر َّ
إشارة إىل ما ذكره ﷺ من ظاهرة ال َّت َهاون َّ
عن وقتها حتى يكاد أن خيرج ،قال ﷺ« :إذا رأيتم ال َّناس َأ َما ُتوا َّ
الصالة ،وأضاعوا األمانةَ ،
وأكلوا
ٍ
وآيات» (((. الربا إلخ احلديث ...فلريتقبوا عند ذلك رحي ًا محراء وخسف ًا ومسخ ًا وقذف ًا
ِّ
العقوق فظاهر ٌة منترشة ،وأخرب ﷺ عن ُف ُش ِّو ِه يف مرحلة الغثاء النعدام ا ُمل َر ِّبـنيَ وأما ُ
ُ َ َ
وا ُمل َع ِّل ِمنيَ ،فقالَ « :وأ َطاعَ َّ
الر ُج ُل امرأ َت ُه َو َعقَّ أ َّم ُه َو َق َّر َب َص ِد ْي َق ُه» .ويف روايةَ « :و َعقَّ َّ
الر ُج ُل (((
الع َم ُل،َأ َبا ُهَ ،و َج َفا ُأ َّمهَُ ،و َب َّر َص ِد ْي َقهَُ ،و َأ َطاعَ ا ْم َر َأ َت ُه» ،ويف رواية« :إِ َذا َظ َه َر ال َق ْو ُلَ ،و ُخزِنَ َ
اهلل َف َأ َص َّم ُه ْم
وبَ ،و َق َط َع ُك ُّل ِذ ْي َر ِح ٍم َرحمِ َ هَُ ،ف ِع ْن َد َذلِ َك َل َعن َُه ُم ُ
الق ُل ُ
ت ُ اخت ََل َف ِ وائتلفت َ
األ ْل ُس ُنَ ،و ْ ِ
َو َأ ْع َمى َأ ْب َص َ
ار ُه ْم» (((.
اإلمارة مواريث»(((.
�ار لِ َ
أل ْنغَ�ا ِم الض�رب بِ ِ
المز َْم ِ َو َّ ْ ُ الح َ�را ِم
َ بالم ْي ِس ِ
�ر َ �ب ِ
و َلع ٌ
إشارة إىل بعض مظاهر عالمات الساعة عند ضعف األمر يف املسلمني وما يرتتب عىل هذا الضعف
من جتاوز للرشيعة بظهور القامر وتداول اللعب به دون رادع وال مانع ،وقد حصل هذايفبعض عواصم
عائدات هذه
ُ وت ِ
القام ِر حتت رعاية األنظمة والدول ،وصارت العرب واملسلمني اآلنَ ،و ُفتِ َح ْت ُبـ ُي ُ
البـيوتجزء ًااليتجزأمنالدخلالقوميللدولشأنهشأنحركةالبنوكاحلرام.
الرضب» عىل آلة املزمار وغريها من اآلالت املرصح بحرمتها« ،واملزمار» :آ َل ٌة ُم ْو ِس ْي ِق َّي ٌة
ُ ومثله «
((( املصدر السابق ص 177من حديث سلامن ،وفيه قال :وأول من أحدث هذا بنوأمية.
((( رواه الديلمي من حديث طويل عن عيل كرم اهلل وجه « ،كنز العامل» ( ،)574 :14املصدر السابق
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 376 التليد والطارف
إليه يف َم َظا ِّن ِه ِمن كتب العلم ،حيث نعتني
ود ِ ويف هذه املسألة ِخلاَ ٌف َبـينْ َ ُ
العلَماَ ِء يمكن َ
الع ُ
اه َر ٍة وليس ك َف ْت َوى ،وأصل اجلرأة التي حصلت يف تاريخ التحوالت كظ ِالعلاَ مة َ
هنا بشأن َ
اهلِ يف الفتاوى إضاف ًة إىل وجود احلامية الكافرة والرضا المُ َب َّطن من قادة
كانت بسبب ال َّت َس ُ
حتولت مسألة التحريم للميرس واملزامري
بعض األنظمة التي برزت يف املراحل املتقلبة ،حيث َّ
وغريها إىل جانب معريف وأدبـي يسمى « ُ
بالفن ِ
ُون» ،وصار هلذه الفنون أساتذ ٌة َو ُمت ََخ ِّص ُص ْو َن
س يتعلم فيها ا ُملو َل ُع َ
ون هبذه الفنون ،و َي َت َف َّق ُهون يف ضرَ ْ ب اآلالت ،وينالون َو َم َع ِ
اهدُ َو َمدَ ا ِر ُ
عليها اجلوائز واألوسمة والشهادات ،ومل تعرف األمة العربـية واإلسالمية مثل هذا االنحراف
العالمَ بس ُق ِ
وط دولة اخلالفة ،وتقسيم َ ا ُمل ْع َلن وبصورة رسمية إلاَّ بعد أن ظهرت مرحلة الغثائية ُ
العربـي واإلسالمي َت ِر َك ًة للدول الغازية واملستعمرة.
ِ و َق َ ِ �ر ِق ِ
المن َط َل ِ
�ق �ال :من َْه�ا ف ْتنَ� ُة ُ َ لم ْش ِ
مص َط َفى ل َ َو َقدْ َأ َش َ
�ار ا ُل ْ
الش� ْي َط ِ
ان َواألَ ْط َم�ا ِع َّ وفِ ْتن ِ
َ�ة الص َ�را ِع ِ ِ
َ �ن ِّ
�ير َم�ا َيأتـِ�ي م َ
ُيش ُ
العرى يف العاملني العربـي واإلسالمي يف مرحلة فتنة
يشري الناظم إىل الربط بـني انتقاض ُ
األحالس والرساء ،وبـني ما َسماَّ ه الرسول ﷺ بفتنة الدهيامء« ،ل َت َد ُع َأ َح َد ًا ِم َن هذه ُ
األ َّم ِة إل
َل َط َم ْتهُ ...ح َّتى َي ِصيرْ َ ال َّن ُ
اس ُف ْس َط َ
اطينْ ِ » ،رواه أمحد وأبو داود واحلاكم من حديث ابن عمر،
انظر «اإلشاعة» ص. 398
َو َك َأ ِّنـي بمدلول هذه الفتنة -حسب اعتقادي -من خالل استقراء املراحل ومقارنتها
باألحاديث -واهلل أعلم :-أهنا ترتبط بمرحلة « ِف ْتنَة َق ْرن َّ
الشيطان» التي قال فيها ﷺ وهو يشري
الش َ
يط ِ
ان ،ويف ض ِ
الفت َِن»((( وأشار إىل املرشق ،يعني حيث َي َط َل ُع َق ْر ُن َّ إىل املرشق« :هَ اهَ نا َأ ْر ُ
ص.182
((( أخرجه الرتمذي عن ابن مسعود كتاب الفتن ،رقم احلديث ( ،)2268وقال :حسن صحيح.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 377 التليد والطارف
الش ْي َط ِ
ان(((. حيث َيط ُل ُع َق ْر ُن َّ رواية شعيبَ « :أل إِنَّ ِ
الف ْت َن َة هَ ُ
اهنَا» ((( يشري إىل املرشق ُ
الصاع املَدْ ُعوم من ُ
القوى العاملية قلت :وفتنة الدُّ هيامء ْ
إن َص َّح هذا الفهم هي مرحلة رِّ
متيزت بالثورات واالنقالبات
ُبعيد مرحلة االستعامر داخل البالد العربـية واإلسالمية ،والتي َّ
ف ِ
وآل ضد اهلياكل السلطوية القديمة ،وكذلك احلرب الفكرية ضد كلٍ ِم َن املَ ْذ َهبِ َّـي ِة وال َّت َص ُّو ِ
((( أخرجه مسلم عن ابن عمر ،كتاب االيامن ،باب تفاضل أهل االيامن برقم (.)48
((( «فتح الباري» ( )50 :13كتاب الفتن.
استخدام القوى العاملية حلرب املدارس التقليدية ،واملقصود هنا
ُ اع بأنه
الص ِ
((( يستغرب البعض أن يعبرَّ َ َعن رِّ
باالستخدام إطالق اليد وتوفري املناخ السيايس واالقتصادي والعسكري أحيان ًا ،وعدم االعرتاض عىل
ما تضعه القوى املتعارضة ضد بعضها البعض مادام الرصاع حيقق شقة اخلالف بـني املسلمني ويسهم يف
استثامر الكافر ألبعاد الرصاع.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 378 التليد والطارف
الط َب ِق َّي ُة
ات َّ ومو ِر َست رِّ َ
الص َاع ُ ونشأت الكراهية لدى العرب األتراك وكذلك العكس ُ
اخللاَ َف ِة ا ُمل َت َل ِّب ِسنيَ بِاإلسالم.
حكا ِم َدا ِر ِ س َو ِ
اس ٍع من َّ ِ
املرحلة بِت َْسيِ ٍ واالجتامعية يف هذه
�ع َح َّق� ًا َق ْ�ر ُن َش� ْي َط ِ
ان األَنَ�ا َي ْط ُل ُ �ن ن َْج ِدنَ�ا ِ
�ال َطـ� َهَ :ه ُ
اهنَ�ا م ْ َف َق َ
((( أخرجه البخاري يف صحيحه وأمحد يف مسنده والنسائي يف سننه عن ابن عمر.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 379 التليد والطارف
املعاين جلي ًة يف وسائل الدعوة املمتدة من هذه املنطقة وخاصة يف مرحلة امتدادها ،كام أن من
وسائلها :القسم باهلل كذب ًا وهبتان ًا كام أقسم إبليس آلدم وحواء بالنصيحة الكاذبة (ﯰ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) ،وقد كان هذا أحد أساليب املدارس األنوية كلها
يف مرحلة الدُّ هيامء التي عبرَّ عنها ﷺ ،ويبدو َّ
أن فتنة الدهيامء قد مجعت ثالث مراحل خطرية
يف أرجاء العامل العربـي واإلسالمي:
مرحلة االستعامر ،وبدأت بعد انتهاء مرحلة السرَّ اء ،ونجاح احلرب العاملية األوىل )1
والثانية يف تفكيك حدود العامل العربـي واإلسالمي ،ومن مظاهرها:
-1بروز املدرسة الشيوعية َ
األ َنو َّي ِة بالثورة ال َب ْل َش ِفية. َّ
-2إقامة الكيان الصهيوين األنوي.
-3بروز األمم املتحدة كغطاء عاملَي أ َن ِوي.
ٍ
وحدود متنازع عليها. ٍ
قومية ٍ
دويالت -4تقسيم العاملني العربـي واإلسالمي إىل
-5دعم الربنامج القبيل يف جزيرة العرب لنقض عرى املدارس التقليدية ( املذهبـية وآل
البـيت والصوفية ) ذات العالقة بالقرار اإلسالمي عىل عهد اخلالفة.
مرحلة االستهتار ،ومن مظاهرها: )2
احل ِ
ادي. العالمَ العربـي واإلسالمي إىل :رأس مايل -شيوعي َ
َ -1ش ْط ُر َ
-2الدفع باالنقالبات والثورات الشعبـية.
-3تشكيل األحزاب السياسية.
-4دعم االقتصاد الربوي العاملي وفتح مصارفه يف العامل.
الصاع َّ
الطبقي واالعتقادي يف بعض البالد العربـية واإلسالمية. -5إشعال رِّ
مرحلة االستثامر ،ومن مظاهرها: )3
((( ربام ال تروق هذه التحليالت املطروحة هنا لبعض الباحثني والعلامء املهتمني بعالمات الساعة وتناول
املالحم والفتن ،وخاصة أن هذه التحليالت ال متلك الدليل القطعي يف مطابقتها لرشح الواقع املتحدث
عنه ،واحلقيقة التي وددت طرحها هنا أنني أقدمت عىل هذا التحليل ومل أعتربه جزم ًا قاطع ًا ،ولكنِّي
ٌ
ففضل اعتربت االستنتاجات املشار إليها إحدى االحتامالت القريبة من مطابقة الواقع ،فإن صح ذلك
من اهلل ،وإن مل يصح فاحلق ما عبرَّ عنه من ال ينطق عن اهلوى ﷺ.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 381 التليد والطارف
ِ
الرابِعة :ال َع ْم َياء ال َب ْكماَ ء َّ
الصماَ ء َّ ُ
ة ن ت
ْ الف
قال الناظم:
مس�لِ ِم َي ِن ال َك َف َر ْة
�و ُس َأ ْم َ�ر ا ُل ْ
َي ُس ْ ُمدَ ِّم َ�ر ْة َرابِ َع� ٌة َوفِ ْتنَ� ٌة
ُمثِ ْي َ�ر ْة َو ِر ْجلِ َه�ا بِ َي ِد َه�ا الج ِز ْي َ�ر َة ال َكبِ ْي َ�ر ْة
َ َوتَخْ بِ ُ
�ط
ع َل�ى الح َط�ا ِم والزِّم�ا ِم و ِ
الم َه ْن َ َ َ ُ َ �ن ُ�و ٍن وإِ َح ْ �اح َش ٍّ�ر َو ُفت ْ ِر َي ُ
ف َد ِار ِه�و َ ِ
الص�اد ُق َج ْ َويختَف�ي َّ
ِ ي�ن ف�ي َق َ�ر ِار ِه �ان الدِّ ُ
َحتَّ�ى ُي َه َ
�ر�اد ٍم لِل ُك ْف ِ�ض و َخ ِ
�ن َراف ٍ َ
ِ
م ْ
ِ �ر الج ْح ِ �و ُ �ير ك ُُّل الن ِ
َّ�اس ن َْح َ َيس ُ
ِ
�ر َن�دَ ْم �ن َغ ْي ِ لِس� ْل َط ِة ال ُك َّف ِ ِ كِ اَلهم�ا فِ�ي س�ي ِر ِه َق ِ
�د ا ْلتَ� َز ْم
�ار م ْ ُ َ ْ ُ َ
�ي ِ ُم َ�ر ِاو ٍغ َو َأ ْح َم ٍ �ة لِلنِّس ِ الخدْ م ِ
ِ َو َأ ْك َث ُ�ر
ُم َرائ ْ �ق �اء َ َ
�ان فِ ْينَ�ا َو ْاه ِدنَ�ا �ت ا ِ
إل ْي َم َ و َثب ِ
َ ِّ اح َف ْظنَ�ا َوك ُْن َع ْونَ� ًا َلنَا
َي�ا َر ِّب َو ْ
يشري الناظم إىل ما سامها ال َّنبِ ُّي ﷺ «بالفتنة الرابعة» :العمياء الصامء البكامء ،وهذه األوصاف
وردت يف أحاديث متفرقة أوردها أصحاب السنن وعلامء التأليف يف الفتن ،وقد حاولنا اجلمع
بينها للخروج هبذه الفائدة.
وهذه األحاديث بمجموعها تربز خطر هذه املرحلة التي حتددت من خالل استقراء
احلوادث بالتحوالت العاملية التي شهدهتا األمة متهيد ًا لسياسة العوملة يف العامل ،وما ترتبت
عليها من إجراءات ومواقف حملية وعاملية عىل مستويات كثرية ،كان املحرك والقابض عىل
زمامها (الكافر) بال منازع ،وقد برزت مدلوالهتا التي أشار النبي ﷺ بحصوهلا خطوة خطوة،
يشري الناظم إىل ما جيب عىل املسلم اخلائف الوجل عىل نفسه أن يفعله أمام بروز عالمات
التحول يف العرص الذي هو فيه ،وخاصة إذا برزت عالمات الفتن املشار إليها ،واملطلوب من
املسلم «اإلطالع عىل البـيان النبوي» ،واملقصود به التأمل الواعي يف األصلني الكتاب والسنة
إذ إن يف هذين األصلني «رس العلم الرشيف األبوي» ،ويقصد به رس األخذ بالتسلسل العلمي،
حيث إن كثري ًا ممن يتحدث هبذه العلوم ال يمتلك رس األسانيد األبوية ،فيكون يف الغالب مزلة
للشيطان رغم علمه ووعيه(((.
عن الزبـري بن عدي قال :شكونا إىل أنس ما نلقاه من احلجاج ،فقال :اصربوا « ..إنه
ال يأيت عليكم زمان إل والذي بعده رش منه حتى تلقوا ربكم» سمعته من نبـيكم ﷺ (((.
قال يف « فتح الباري» ( )23 :13من كتاب الفتن عند رشح هذا احلديث :وقد ذكر
الزبـري يف املوفقيات من طريق جمالد عن الشعبـي قال :كان عمر فمن بعده إذا أخذوا
العايص أقاموه للناس ونـزعوا عاممته ،فلام كان زياد رضب يف اجلنايات بالسوط أو
بالسياط ،ثم زاد مصعب بن الزبـري حلق اللحية ،فلام كان برش بن مروان َس َّمر َكف اجلاين
بمسامر ،فلام قدم احلجاج قال :هذا كله لعب ،فقتل بالسيف.
قال ابن بطال :هذا اخلرب من أعالم النبوة إلخباره ﷺ بفساد األحوال ،وقد اس ُتشْ ِك َل
ُ
اإلطالق مع أن بعض األزمنة تكون يف الرش دون التي قبلها ،كعهد عمر بن عبدالعزيز،
وهو بعد زمن احلجاج بوقت قصري ،وقد محله احلسن البرصي عىل األكثر األغلب،
فسئل عن وجود عمر بن عبدالعزيز بعد احلجاج ،فقال :البد للناس من تنفيس ،وأجاب
بعضهم :إن املراد بالتفضيل تفضيل جمموع العرص عىل العرص ،فإن عرص احلجاج كان
فيه كثري من الصحابة أحياء ،ويف عرص عمر بن عبدالعزيز انقرضوا والزمان الذي فيه
الصحابة خري من الزمان الذي بعده ،لقوله ﷺ « :خري القرون قرين» (((.
وقوله « :أصحابـي َأ َمن ٌَة ألمتي ،فإذا ذهب أصحابـي أتى أمتي ما يوعدون» (((.
تشري األبـيات إىل إحدى أبواب الفتن التي جيب االبتعاد عنها بادئ ذي بدء ،وهي «محل السالح»،
وقد خصصت األحاديث النبوية حيز ًا كبـري ًا ملعاجلة هذه املسألة معاجلة وافية ،منها قوله ﷺ« :من محل
عليناالسالحفليسمنا»(((.
وحديث مهام عن أبـي هريرة ،قال :سمعت أبا هريرة عن النبـي ﷺ ،قال« :ال يشري أحدكم عىل
أخيه بالسالح ،فإنه ال يدري لعل الشيطان ينـزع يف يديه فيقع يف حفرة من النار»(((.
ـر يف املسجد بأسهم قد بدا نصوهلا ،فأمر أن يأخذ بنصوهلا ال خيدش واحلديث عن جابر أن رج ً
ال َم َّ
مسل ًام ،وحديث أبـي بردة عن أبـي موسى عن النبـي ﷺ ،قال« :إذا ّ
مر أحدكم يف مسجدنا أو يف سوقنا
فليقبض َ
بك ِّف ِهأنيصيبأحد ًامناملسلمنيمنهابيشء»(((. ْ ومعه َن ْب ٌلفليمسكعىلنِصاهلا،أوقال:
ويف األحاديث إشارة واضحة إىل خطر استعامل السالح يف غري اجلهاد وتثبـيت األمن،
((( رواه البخاري وأمحد عن أيب هريرة ريض اهلل عنه ،املصدر السابق ( )33 :13كتاب الفتن.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 391 التليد والطارف
رواية« :يكون بعدي أئمة هيتدون ُهبداي وال يستنون بس ّنتِي»((( .اهـ.
قلت :ويف هذه العبارة معنى عظيم ملا يرد من الدخن عىل األئمة ،فاهلدي النبوي
ُ
فيهم وهو اتّباع الكتاب والسنة وخدمة ثمراهتام بحث ًا وتصنيف ًا ودراسة وتعلي ًام ؛ ولكن
السنة غري قائمة ،واملقصود بالسنة -حسب ما أعتقد واهلل أعلم -أهنا سنة املواقف،
وهي مواقفه ﷺ وإنصافه من نفسه وعدم انتصافه من أضداده ،وهي « س ّنة األخالق» .
وقولهَ « :ت ْع ِر ُف منهم و ُت ْن ِكر» قال يف حديث أم سلمة عند مسلم « :فمن أنكر َب ِر َئ
ومن َك ِر َه َس ِل َم» (((.
قوله « :من جلدتنا» إشارة إىل أهنم من العرب ،وقوله « :ويتكلمون بألسنتنا» ،قلت:
مل يفصح صاحب «اإلشاعة» فيه بأمر ،وأعتقد أن معنى قوله « :يتكلمون بألسنتنا» أي:
يعربون ويتحدثون عام نحن نريده ظاهر ًا ،أي :يتكلمون بلسان رسول اهلل والرشيعة
وتنطق بذلك ألستنهم وأجهزة إعالمهم ويف الباطن هم خمالفون.
ُ�و َن فِ�ي ِح َم�ا بِ َطانَتِ� ْه
َأ ْو َأ ْن َيك ْ �ار ْك َأ َح�دَ ًا فِ�ي فِ ْتنَتِ� ْه
َولاَ ُي َش ِ
َ
رشيك َمن إشارة إىل قوله ﷺَ « :من َك َّث َر سوا َد قو ٍم فهو منهم ،ومن َر يِ َ
ض عمل قوم كان
َع ِم َل به» (((.
َّاس إِ ْن ِش�ئ َ
ْت الخَ اَل ْص َوات ُْر ْك َع َوا َم الن ِ اص �ك بِالخَ َ
�و ْ َوإِ ْن ُبلِ ْي َ
�ت َف َع َل ْي َ
والو َهن من الضياع والشتات وسوء يشري الناظم إىل ما يصيب األمة يف عرص ُ
الغثاء َ
االستتباع لألعداء ،وكيف يكون موقف املؤمن الوجل؟! وإىل ذلك تشري األحاديث
((( رواه أمحد وابن أبـي شيبة ونعيم بن محاد والطرباين وغريهم ،املصدر السابق ص.186
((( رواه الرتمذي ،املصدر السابق ص.187
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 396 التليد والطارف
مَ وْقِ ُع ّ
الشا ِم واليَمَ ِن ِمن فِ ْق ِه التُّحَ وُّالت
تناول بعض العلامء والباحني مسألة األحاديث النبوية التي تناولت بعض املواقع اجلغرافية
يف الكرة األرضية ودورها يف الفتن واملالحم سلبا وإجيابا ،ومن هذه املواقع حارضتا الشام
واليمن ،ويبدو من خالل االستقراء واملتابعة للنصوص املتنوعة أن العالقة بني الشام واليمن
ترجع إىل ما يطرأ وما قد يطرأ من حتوالت كونية ذات عالقة مبارشة باليقينيات الكربى من
العالمات واألرشاط ،فالشام كام ورد يف األحاديث :أرض املحرش واملنرش ،واليمن أرض املدد
واإلسناد لإلسالم يف املايض واملستقبل.
وقد أشارت كتب السري والتاريخ إىل وجود اجلزيرة التي نشأ فيها الدجال ورتبى وتعلم
عىل يد اجلساسة (يف البحر اليمن) ،وأشار احلديث إىل معنى من ذلك عندما وصف متيم الداري
خرب الدجال املوثق يف اجلزيرة فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم بعد أن طعن بمخرصته« :أال إنه
يف بحر الشام أو بحر اليمن ،ال بل قبل املرشق ما هو» وأوحى بيده إىل املرشق.اهـ.(((.
وتكمل حلقة االرتباط بني الشام واليمن واملرشق يف أخريات الزمان من جهتني:
األوىل :ما ورد من أحاديث النار وظهورها يف نواح من اليمن أو املرشق.
الثاين :ما ورد من أحاديث احلرش واالجتامع يف أرض الشام.
واألمران يعربان عن هدف واحد ،وهو ما عرب عنه الباحث حممد عصام احلسني يف كتابه
«ظهور الدجال مسيخ الضاللة» بقوله :وليس املراد بالنار احلارشة نار اآلخرة وال باحلرش النرش
الذي بعد املوت إىل احلساب ،وإنام هي نار خترج يف الدنيا قبل يوم القيامة أنذر النبي بخروجها
عن عبداهلل بن مغفل ؤ أن رسول اهلل ﷺ ،قال« :إن الدَّ جال َقدْ َأ َ
كل و َمشْ ى يف
َ
األ ْسواق»،
وعن أيب سعيد اخلدري ريض اهلل تعاىل عنه ،قال :قال رسول اهلل ﷺ « :أال أن الدَّ جال قد
الطعام و َم َشى يف َ
األ ْسواق». َأ َكل َّ
ِ
عذاب جهنّم ،ومن اللهم إين أعوذ بك من
ّ ْ
فليستعذ باهلل من أرب ٍع يقول: «إذا ت ََش َّهدَ أحدُ كم
قال الناظم:
�ن َوالدُّ ْن َي�ا ت ََأ َّم ْ ِ بـي ِ ِ
�ل َوا ْع َتبِ ْ�ر ف�ي الدِّ ْي ِ
ِ ي الدَّ َّج�ال َأ ْخ َط ٌ
�ار ُك ُث ْ�ر �ن َي�د ْ َ ْ
إشارة إىل ذات املراحل التي سبق ذكرها ،وأن بـينها وبـني مرحلة ظهور الدَّ جال عالقة
وطيدة ،وخاصة ما تسمى ( بفتنة الدُّ هيامء ) التي «ال تدع أحد ًا إ َّال لطمتهَ ،حتى يصري الناس
فسطاطني :إيامن ال نفاق فيه ونفاق ال إيامن فيه ،فانتظروا الدجال من يومه أو غده»(((.
ومع أن األحاديث تشري إىل بدء زمن الفتنة الصانعة مرحلة الدَّ جال بدء ًا من عرص آدم إلاَّ أن
املسافة تتقارب جد ًا ،وتتضح عالئمها بعد مبعث رسول اهلل ﷺ لتتوجه قضية الدَّ جال يف إطا ٍر
وحصاد هذا التالحق تغريات املراحل وتقلباهتا وجمريات األحداث داخلية
ُ واضح ومتالحق،
ٍ
وخارجية وقديمة وحديثة لتصب جمملها يف هتيئة العامل لربوز فتنته الساحقة املاحقة والعياذ
باهلل ..وال شك أن قضاء اهلل كائن وال مرد منه؛ ولكن الديانة تقف من التحوالت موقف الوعي
واإليضاح والبـيان واإلفصاح( ،ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ).
ورس إتباع األنبـياء الكتساب احلصانة بعد توفيق اهلل (ﯹ ﯺ
رس الرساالتّ ،
وهذا هو ّ
ﯻ ﯼ ).
ومل هيتم رسول اهلل ﷺ بيشء بعد قضية التعبد وهداية الناس إليها اهتاممه بشأن ِ
الفتن
رس هذا التعبد ،وخاصة تلك الفتن املمهدة لفتنة املسيخ الدَّ جال؛ ولكن هذا االهتامم ِ
السالبة َّ
متالزم مع العلم بعالمات الساعة وربط البرشية بركنية هذه العالمات ،إذ أشار ﷺ إىل أن
(( ( ذكره السيوطي يف «اجلوامع» ونقله املتقي اهلندي يف «كنز العامل» ،وأخرج ابن أيب شيبة يف مصنفه عن
حذيفة قال« :ال خيرج الدجال حتى يكون خروجه أشهى إىل املسلمني من رشب املاء عىل الظمأ» فقال
رجل :ومل؟ قال« :من شدة البالء والرش» .
(( ( معنى تسييس الدين :إرضاخ الدين ورجاله لتنفيذ سياسة دينية معينة مضادة ألخرى مثلها.
(( ( معنى علمنة الدين :إضعاف منهج التدين كليا وترجيح العقالنية املجردة ضد الغيبـيات واخلوارق
وقوانني الرشيعة ،أو استبدال الديانة والتدين بالفكر املادي املجرد القائم عىل نظرية ال إله والكون مادة.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 406 التليد والطارف
أو عوملته(((.
-الدَّ جال ،املخلوق املستثمر ُ
لكل أشكال االنحراف يف تاريخ الشعوب واملتحالف مع
َّ
الشيطان إلنجاح برنامج االحتناك يف األدمية.
وغالب أحداث مرحلة ما بـني يدي الدجال قد وردت ضمن ما سمي « ِ
بفتنة الدَّ هيامء التي ال
تدع أحد ًا إل َل َطم ْت ُه» ،وآخر مراحلها ا ُمل َ
فض َية إىل إعداد العقل اإلنساين عموم ًا واإلسالمي خصوص ًا
إعالمية َط ُ
ويلة ٌ للهيمنة الفاجعة هي عند كون الناس يف « ِخ ّف ٍة ِمن الدِّ ين»ِ ،
واخلفة يف الدينَ :م ْن َه ِج ّي ٌة
املدَ ى بدأت قبـيل مرحلة ِفتنة َ
األ ْحلاَ س التي حددت عند بعض أهل العلم بانخراط هيود الدونمة
وأشباههم يف جسد الدولة اإلسالمية ،ورسم خطوط املؤامرات العلامنية للدول الكافرة ،إ ّبان امتداد
الدولة اإلسالمية العثامنية رمز اخلالفة ومصدر القرار املسلم ،واستمرت خالل مرحلة ِفتنة السرَّ اء
التي َطوت ُ
احلكام املسلمني والعرب يف دوامة احلربـني العامليتني األوىل والثانية ،حتى َر َس َخ ْت
ثوابت مرحلة الدُّ هيامء القائمة عىل رسم سياسة االستعامر واالستهتار واالستثامر .وها نحن اليوم يف
جـة، آخر مرحلة االستثامر أخطر مراحل فتنة الدُّ هيامء التي ال تدع أحد ًا إلاَّ لطمته ،فاللطم له ٍ
معان مَ َّ
وال يأيت اللطم هلذا العدد اهلائل من البرش واملسلمني يف زمن معني وأيام قالئل ،ولك َّنه تتابع يف َل ِ
طم
والعقول والوجوه ِ
بعدة وسائل ،والوسائل هي آلة اللطم املؤثرة والتَاركة َخ ْل َفها بصامت ُ
القلوب ُ
الالطم ال حقيقته.
ِ
وفتنة الدُّ هيامء :مرحلة التحوت واألسافل من الناس الذين يتبعون كل َناعقَ ،سامهم النبـي
ﷺ« :هَ ي َشات َ
األ ْسواق» ،وهؤالء هم مطايا احلركة املاسخة أجيا ً
ال بعد أجيال ،بدأ تركيبهم ْ
العلمي والنفيس والعقيل والعاطفي واإليامين والدَّ جايل مع بداية الغزو االستعامري العاملي،
((( عوملة الدين :تطبيعه ليخدم املصالح العاملية لعصبة االستثامر يف العامل.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 407 التليد والطارف
ليتحقق فيهم مرحلة بعد مرحلة مدلول ِ
اخلفة يف الدِّ ين و اإلدبار من العلم ،بدء ًا من رموز
احلكم والعلامء محلة األمانة ولسان الرشيعة ومحاة التوحيد ،وهناية بطالب املدارس واجلامعات
رج الدَّ جال يف ِخ ْف ٍة من
وج َحافل النساء ذوات العالقة املبارشة بفتنة الدَّ جال ،قال ﷺ« :يخَ ُ
َ
اس يف ذكره ،وإن أكثر اجه يف أكثر األرض ،و ُي ُ
ذهل ال َّن ُ الدين وإدبا ٍر من ِ
العلم فال َي ْب َقى أحدٌ حُ َي ُّ ِّ
األعراب والنِّساء» (((.
ُ ما َي ْت َب ُع ُه
إذن فنحن يف حاجة إىل النظر فيام بـني يدي الدجال بدقة وموضوعية ،والدقة واملوضوعية
تشريان حسب استقرائنا لألحداث واهلل أعلم إىل أهنا مرحلة االستثامر بمسمياهتا املألوفة يف
واقعنا اإلعالمي:
«القطب الواحد» النظام العاملي املوحد ..بكتلته السياسية والفكرية. *
((( هؤالء هم وأشباههم محلة فك ِره وأطروحاتِه قبـيل ظهوره بام يف أيدهيم من مقدرات احلركة ومراكز التأثري
يف مرحلة «فتنة الدّ هيامء» الطويلة ،ثم يكتسح صنائعه ورموزه نظام ًا بعد نظام وجمموعة خلف أخرى.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 408 التليد والطارف
ويظهر فيهم السقارون. )4
قالوا :وما السقارون ؟ قال ُ « :ن ُشوء -مجع نشء -يكونون يف آخر الزمان تكون حتيتهم
بـينهم إذا تالقوا ال َّتالعن»(((.
والتعمق املشار إليه يف حديثنا هذا أن نرى كيف رسم املصطفى ﷺ صفة الرتدي يف سياسة
والغ ْفلة.
العامية َ
الدجل واألمة يف غاية َ
ُ
فقبض العلم من املسلمني ،قد جرى بأطروحات السياسة التعليمية الغربـية والرشقية يف
وك ُثر يف املجتمعات العربـية واإلسالمية انتشار َ
اخلنَاء والزِّ َنا مؤسسات البلدان املستعمرةَ ،
الراعية هلم ا ُملفضية إىل استغالل ُع ْقدهتم
وتكونت هلم املالجئ والدور َّ
ْ وعلن ًا،
رس ًا َ
وأبنائه ّ
النفسية لالنتقام من البناء األخالقي يف األرسة املسلمة.
ٌ
عظيمة من دالالت النبوة ،حيث إن الكثري من أهل عرصنا ٌ
فداللة وأما ظهور «السقارون»
ص السيجار يسمون السيجارة (سقارة) ،والسقارة من هذا املعنى أهنا من يرشب التنباكَ ،
وخ َّ ّ
منه لكثرة من حيمله يف الطرقات واملواصالت والبـيوت حتى يصبح ظاهرة من ظواهر املجتمع
العربـي واإلسالمي له « جُ َّت ُاره» السقارون بمواقعه ورشكاته ومسمياته وأسواقه ودعاياته
وجوائزه ومواهبه.
بالعيان وهذه الظاهرة َغزت بالد اإلسالم واملسلمني خالل (مرحلة الدُّ هيامء)ُ ،
وشوهد َ
َتالعن املدخنني عند لقائهم ورفع أصواهتم بال َّتالعن يف املالعب والشوارع واملؤسسات ،مع
ٍ
اختالف بسيط بـني جمتمع وآخر.
لقد كان حضور املصطفى ﷺ مرحلة االستعامر واضح ًا كام هو حضوره يف سابق املراحل
والحقها ؛ ولكن وقفات مع التحليل النبوي لظاهرة انعدام العلم من أهله ،وكيف يكون
((( رواه أمحد والطرباين واحلاكم عن معاذ بن أنس ،انظر «اإلشاعة» ص.161
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 409 التليد والطارف
ذلك؟
يكون ذلك فيام بـني يدي الدجال ،فنراه حارض ًا يقول« :إن من أرشاط الساعة أن ُيلتمس
العلم عند األصاغر»(((.
ويستطرد شارح احلديث فيقول :ومعناه أن األكابر((( من أوالد املهاجرين واألنصار ،بل
ومن قريش يشتغلون بطلب الدنيا واجلاه ،ويبقى األصاغر من املوايل وأخالط الناس هم الذين
يتعلمون ،فيطلب منهم الفتاوى يف الواقعات.
وقد أرشنا سلف ًا إىل الثالثة املحاور ذات العالقة باالنقالب الفكري يف هذه األمة ،وهي:
الدجل ،والدجاجلة ،والدجال..
ويبدأ العمل عىل ترسيخ الفتنة من عهد آدم ونوح ،وما من دجل إلاَّ وله دجاجلة ،لقوله
ﷺ« :ما من فتنة من عهد آدم إل وهي تصنع -أو قال :تضع -لفتنة الدجال» ((( ،ومن ثم ّ
حذر
األنبـياء أقوامهم من فتنته العظمى ،فقد ورد يف صحيح البخاري« :ما من نبـي إل وقد أنذر
حجيج نفسه» إشارة إىل ما يكون عند ظهور الدَّ جال من متحالت الناس واستتباعهم
ُ ((( وقوله ﷺُ :
«ك ُّل ا ْم ِر ٍئ
«ليصحبن الدَّ جال
َّ للمصالح رجاء ما يف يده ،ويف ذلك روى نعيم بن محاد يف الفتن عن عبـيد بن عمر:
أقوام يقولون( :إنا لنصحبه وإنا لنعلم أنه لكافر ،ولكنا نصحبه نأكل من طعامه ونرعى من الشجر) ،فإذا
نـزل غضب اهلل نـزل عليهم كلهم» ،واألمر املطلوب رشع ًا أمام الدجال عند ظهوره الوقوف بصالبة
عىل نامذج وصور أخرب عنها ﷺ ،منها:
-1أن يتفل يف وجهه ،حلديث أبـي أمامة ريض اهلل عنه مرفوع ًا« :فمن لقيه منكم فليتفل يف وجهه» رواه
الطرباين.
-2أن يثبت ويصرب ،حلديث «وليكثر من التسبـيح والتهليل فإنه قوت املؤمن يف ذلك ال َق ْحط ،وأن من ابتيل
به فليثبت وليصرب ،وإن رماه يف النار فليغمض عينيه وليستعن باهلل تكن عليه برد ًا وسالم ًا».
-3أن يلتجئ إىل أحد احلرمني فإنه ال يدخلهام أو إىل املسجد األقىص أو إىل مسجد طور ،ففي بعض الروايات
أنه ال يدخله.
-4أن يقرأ اآليات العرش من أول سورة الكهف ،حلديث «فمن ابتيل بناره فليستغث باهلل وليقرأ فواتح الكهف
فتكون عليه برد ًا وسالم ًا كام كانت النار برد ًا وسالم ًا عىل إبراهيم» ،انظر «اإلشاعة» ص.277
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 414 التليد والطارف
يا رسول اهلل ذكرت الدَّ جال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه يف طائفة النخل ،فقال:
وساق احلديث»(((.
ري الدَّ جال أخوفني عليكمَ ..
«غ ُ
بعثت أنا والساعة كهاتني»((( فيفصح هلم أن مرحلة الدجال
وكأنّه ﷺ يعترب معنى قولهُ « :
أخشاها عليكم أنتم بقدر ما أخشى عليكم فتن ًا أخرى ..وكأ َّنه يشري إىل ما حصل بعد
َ لست
ُ
ذلك من الفتن يف عهود التحوالت.
الض َي�ا ِع فِ�ي البِ َح ِ
�ار فِ�ي ِقص ِ
َّ�ة َّ ي �ث ال�دَّ ِار ْ ى َح ِد ْي َ ِ
َو ُم ْس�ل ٌم َر َو ْ
�م ُيثِ ْي َ�ر ْه ِ
َع َل ْي�ه َأ ْغَل�اَ ٌل َف َل ْ �ف َع َل�ى َج ِز ْي َ�ر ْه رآه فِ�ي كَه ٍ
ْ َ ُ
�ر؟ اه ِ َان ِم�ن الم َظ ِ َه ْ اه ِ�أ َل ال�دَّ ِاري ع�ن َظو ِ َو َس َ
َان َم�ا ك َ َ َ �ل ك َ �ر َ َّ َ ْ
�ن األَ ْق�دَ ِار ِ
خش�ا ُه م َ َان َي ََم�ا ك َ المخْ ت ِ
َ�ار ى ُ �ق األَ ْم َ�ر َل�دَ ْ
َو َوا َف َ
تشري األبـيات إىل رواية اإلمام مسلم عن الدَّ جال من خرب متيم الدَّ اري ،وهي مبسوطة يف
كتب احلديث ،وأهم ما يمكن التعيني له هنا ثوابت التفرد يف الرواية ،وهي:
.1قوله ﷺ ألصحابهَ « :و هَّ
اللِ َما جمَ َْعت ُُك ْم لِ َر ْغ َب ٍة َوال لِ َر ْه َب ٍة َو َل ِك ْن جمَ َْعت ُُك ْم ألنَّ تمَ ِيم
وأس َل َم َو َحدَّ َثنِي َح ِدي ًثا َوا َف َق ا َّل ِذى ُك ْن ُت ُأ َح ِّد ُث ُك ْم َع ْن املَ ِس ِ
يخ ال َنصرْ َ انِ ًّيا َف َج َاء ْ
الدَّ ا ِر َّي َكانَ َر ُج ً
الدَّ َّج ِ
ال».
ِ
ويلك « .2فدخلوا اجلزيرة َف َل ِق َي ْت ُهم َدابة أهلب» ،ويف رواية« :فإذا أنا بامرأة ّ
جتر شعرها ،قالوا:
من أنت؟ قالت :أنا َ
اجلساسة» (((.
إنسان رأينا َق ُّط َخلق ًا وأشدُّ ُه و َثاق ًا».
ٍ أعظم
ُ «دخلنا الدير فإذا فيه .3
((( أخرجه مسلم وأمحد عن النواس بن سمعان ،املصدر السابق ( )64 :13كتاب الفتن.
((( سبق خترجيه ،املصدر السابق (.)89 :16
((( «كنز العامل» (.)605 :14
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 415 التليد والطارف
.4قال« :أخربوين عن نخل بـيسان هل ُتثْمر؟ قلنا :نعم ،قال :أما إهنا توشك أن ال تثمر،
قال :أخربوين عن بحرية َطبرَ ية ،هل فيها ماء؟ قالوا :هي كثري ُة املاء ،قال :أما إن ماءها يوشك
أن يذهب ،قال :أخربوين عن َعني ُز َغر ،هل يف العني ماء وهل يزرع أهلها بامء العني؟ قلنا:
نعم هي كثرية املاء وأهلها يزرعون من مائها ،قال :أخربوين عن نبـي األميني ما فعل؟ قالوا :قد
خرج من مكة ونـزل يثرب».
«إين خمربكم أن َأ َنا املسيح وأين أوشك أن ُيؤ َذنَ يل يف اخلروج ،فأخرج فأسري يف األرض .5
أدع قري ًة إل هبطتها يف أربعني ليلة غري مكة وطيبة فهام حمرمتان ع ّ
يل كلتامها». وال ُ
.6قال رسول اهلل ﷺ وطعن بمخرصته« :أل إنه يف بحر الشام أو بحر اليمن ال بل من
قبل املرشق ما هو ،وأوحى بـيده إىل املرشق» (((.
قال الناظم:
ال فِ�ي ك ُِّل َب َلدْ �ن َخ َط ِر الدَّ َّج ِ
َع ْ مص َط َفى فِ ْي َما َو َر ْد َو َقدْ َأ َش َ
�ار ا ُل ْ
ْ�ذ ُر ْوا ألنَ�ا ِم َأن َالم ِس� ْيخِ لِ َ �ن َ م َ
ِ �ذ ُر ْوا�اء َح َّ و َأ َّن ك َُّل األَ ْنبِـي ِ
َ َ
�خ َق ِ و َأ َّن م�ا ِم�ن فِ ْتن ٍ
�اد ُم �ي َم ْس ٌ عي�ش إِلاَّ َو ْه ََي ُ َ�ة َوآ َد ُم ْ َ َ
���ة ُم��ثِ�� ْي��ر ْة
���ادم ٍ ِ ٍ
ل��ف��تْ��نَ��ة َق َ
ِ ِ اع�دَ الخَ طِ ْي�ر ْة ت ََؤس�س ال َقو ِ
َ ِّ ُ
اب آ َد ِمي �ق َو َخ َ�ر ِ َم�ا َبـ ْي�ن فِ ْس ٍ ات األُ َم� ِم �ك فِ ْي َه�ا َع َش َ�ر ُ َي ْهلِ ُ
((( مجيعها رواه أمحد ومسلم عن فاطمة بنت قيس ،اهـ «كنز العامل» ( )289 :14ثم قال :قال الشيخ جالل
الدين السيوطي ريض اهلل عنه يف قسم األفعال :زاد الطرباين يف آخر هذا احلديث :بل هو يف بحر العراق،
خيرج حني خيرج من بلدة يقال هلا أصبهان من قرية من قراها يقال هلا رستقاباد ،وخيرج حني خيرج عىل
مقدمته سبعون ألفا عليهم التيجان ..إىل آخر احلديث ،ويف سياق األحاديث إشارة إىل أن تعدد مواقعه
التي يتحرك فيها ،فحينا يف بحر الشام وحينا يف بحر اليمن ..وحينا قبل املرشق حيث أشار صىل اهلل عليه
وآله وسلم .
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 416 التليد والطارف
ال َحتَّى فِي ال َك َف ْن
ن ََجا ِم َن الدَّ َج ِ �ن ن ََج�ا َبـ ْي َن َيدَ يه�ا َوا ْط َم َأ ْن
َف َم ْ
ح�د ِه
ف�ي َل ِ ُ�ن ِ �و َيك ْ ُي َع ِّذ ُب ْ
�و ُه َل ْ ي َو ْع ِد ِه ى فِي َم َه ِ
�او ْ َ�ر َّد ْ
�ن ت َ
َو َم ْ
يشري الناظم يف هذه األبـيات إىل خطورة املسيخ الدَّ جال ذات ًا وفكر ًا ومرحل ًة ،وقد سبق
تناول َشتَى املواضيع عن ذلك ،وبقي النظر يف بعضها من مثل نجاة من نجا مما قبلها ،قال
ﷺ« :لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة املسيخ الدجال ،ولن ينجو أحد من مثلها إل نجا
وم يف ُق ُبو ِر ِهم»(((.
آلمن بِ ِه َق ٌ
جال َاملسيخ الدَّ ُ
ُ منها»((( ،وحلديثَ « :لو َخ َ
رج
ويف هذا احلديث إشارة واضحة إىل خطورة العذاب عىل كافة أعوان املرحلة الدَّ جالية،
فاإلشكال ليس يف خروج الدَّ جال؛ ولكن اإلشكال األعظم يف أثر فتنته ورؤيته الفكرية
ومشاريعه العاملية يف تاريخ املسرية البرشية ،وهي التي تسبق مرحلة ظهوره كذات ،وهي مرحلة
بروز دور الدجاجلة ،ومنهم الذين ادعوا النبوة ..سواء كانت دعوى رسالة أم دعوة انحراف
فكري ضد مسرية احلق الرشعي ،ويؤيد ذلك ما أورده صاحب «الفتح» يف رشح البخاري عند
حديث« :وحتى ُيبعث دجالون قريب من ثالثني ك َّلهم َي ْز ُعم أنه رسول اهلل.(((»..
قال يف الرشح :وحيتمل أن يكون الذين يدعون النبوة منهم ما ذكر من الثالثني أو نحوها،
وأن من زاد عىل العدد املذكور يكون كذاب ًا فقط لكن يدعو إىل الضاللة كغالة الرافضة والباطنية
وأهل الوحدة واحللولية وسائر ِ
الفرق الدَّ اعية إىل ما يعلم بالرضورة أنه خالف ما جاء به حممد
رسول اهلل ﷺ ،ويؤيد أن يف حديث عيل ؤ عند أمحد« ،فقال عيل ريض اهلل عنه لعبد اهلل بن
((( رواه أمحد والبزار ورجاله رجال الصحيح عن حذيفة بن اليامن ،ومتام احلديث « :وما صنعت فتنة منذ
كانت الدنيا صغرية وال كبري ة إلاَّ لفتنة الدجال» «جممع الزوائد» (.)335 :7
((( رواه ابن أبـي شيبة عن حذيفة بن اليامن.
((( رواه البخاري ومسلم وأمحد وأبو داود والرتمذي عن أيب هريرة.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 417 التليد والطارف
النبوة وإنام كان يغلو يف الرفض(((.
يدع ّ ا ْل َك َّواء :وإنك ملنهم» وابن الكواء مل ِ
ويفهم من األحاديث املتنوعة أن الدَّ جال أحد النامذج اآلتية:
ٌ
موثق بسبعني حلقة يف بعض جزائر اليمن ،وهذا القول -كام قال احلافظ- ٌ
شيطان -1
لعل أصحابه تلقوه من بعض كتب أهل الكتاب.
-2ابن صياد الذي احتار يف أمره ﷺ ومل يؤمر بقتله ،وحيلف بعض الصحابة أنه
الدَّ جال.
-3صاحب اجلساسة املحبوس يف اجلزيرة كام ذكره متيم الداري لرسول اهلل ﷺ.
-4أحد ولد شق الكاهن أو شق الكاهن نفسه((( ،قال احلافظ :وهذا ٍ
واه جد ًا.
وغاية ما جيمع به بـني ما تضمنه حديث متيم وكون ابن صياد هو الدجال :أن الذي شاهده
متيم موثق ًا هو الدَّ جال بعينه ،وأن ابن صياد َش ْي َط ٌ
ان له َظ َهر يف صورة الدَّ جال يف تلك املدة التي
قدر اهلل تعاىل خروجه فيها ،واهلل أعلم .وقال بعضهم :هو قابيل بن آدم ،وليس يف هذا القول
ما يصح.
السامري صاحب موسى هو
-5وهناك قول آخر ذكرته بعض املصادر احلديثة وهو أن َّ
الدَّ جال بعينه ،ودليل ذلك أن موسى مل يقدر عليه عندما َد َعا بني إرسائيل لعبادة ِ
العجل بل قال
له( :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ) ،ومل يقتله إشارة إىل أن الدجال له موعد قادم يقتل فيه ،كام قال
ﷺ لعمر بن اخلطاب «إِنْ َي ُك ْن ُه فلن ُت َس َّل َط ِ
عليه» .وسنتناول هذه الرؤية بتفصيل الحق.
حكمة ٌ
إهلية تتالءم مع ٌ وكل هذه األقوال املتضاربة كام هي يف النصوص ال شك أن وراءها
((( ظهور الدَّ جال يأيت متأخر ًا عن ظهور اإلمام املهدي ،وقد بـينت ذلك دالالت األحاديث النبوية ؛ ولكن
س بـني مسريات ِ
الفتن؛ سياق ِ
الفتن املتالحق منذ عهد آدم إىل َفنَاء الدَّ جال جتعل مرحلة املهدي مرحلة تن ّف ٍ
بل وتكون هي ا ُهلنَيهة األخرية لغضبته التي يغضبها فيخرج.
وقد أشار بعض العلامء إىل أن سبب غضبته هي عودة اخلالفة اإلسالمية إىل العامل وسقوط القسطنطينية ثم
سقوط دول العامل بأيدي املسلمني شيئا فشيئا ،فعندها يكرش الدجال عن أنيابه وما علم أن ظهوره فيه
هنايته.اهـ «ظهور الدجال مسيخ الضاللة» ص.123
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 419 التليد والطارف
التارخيية؛ بل إن «اهلنيهة» التي يظهر بعدها اإلمام املنتظر يمأل األرض َعدْ ًَ
ال كام ُملئت َجور ًا
تقطع متام ًا بـني ظواهر الفتن املتالحقة وبـني ما يأيت من ظهور املسيخ الدَّ جال ،وكأ ِّنـي هبذه
الفرتة القصرية يف ُعمر الدنيا ال تتجاوز املتنفس للناس كام هو يف عرص عمر بن عبدالعزيز الذي
ُأقيم فيه َ
العدل مدى سنتني فقط أو قريب ًا منها وعاد تيار امللك املعضوض ،وهلذا كان تناولنا
للدجال والدجل وكذلك الدجاجلة قبل تناولنا املوضوع املتنظر لعاملية فتنة الدجال وطول
حوالت.
استمرارها ،حتى صارت قاعدة احلركة يف بعض أزمنة ال َّت ُّ
ويشري الناظم إىل هذه َ
الغ ْض َبة التي يغضبها الدَّ جال نتيجة مراقبته ما َيدور يف العالـم من
انتصارات لإلسالم عىل يد اإلمام املهدي وجيوشه ،فيبدأ ُطوفا ُن ُه َ
العارم أربعني يوم ًا تنشط فيها
خالياه الدَّ جالية الكافرة ،و َتبرْ ُ ُز فيها عىل سطح املدن والقرى عفونة التيارات واجلامعات التي
كان وجودها يف العامل عىل نزغات مدرسته املنحرفة ،وتهَ ُّب العقليات املركبة من زخم الرصاع
والنـزاع والطبقية والعرقية ل ُتساند ُحر َّية املنطلقات الدَّ جالية حاملة لواء الربنامج العاملي حلرية
اإلنسان املمسوخ ،وتبدأ املعارك -كام سيأيت الحق ًا يف حديثنا -عن اإلمام املنتظر ومالمحه،
وظهور عيسى عليه السالم وكيف ينتهي الدَّ جال عيل يديه.
�و َو َي ِف ْ�ر ِ ِ
َع َل ْي�ه بِاآل َي�ات َين ُْج ْ �ن َرآ ُه َأ ْو َأتَ�ا ُه َف ْل ُي ِش ْ�رَف َم ْ
ِ ِ �ف َف ِف ْي َها َم ْأ َمنُ ْه
ِمن س�ور ِة الكَه ِ
َوالح ْف ُظ م ْن َم ْولاَ َ
ي َح َّق ًا ت َْض َمنُ ْه ْ ْ ُ َْ
�اد َع َملِ� ْه
وم�ا يس�ود ِم�ن َفس ِ
ََ َ ُ ْ ُ ْ َ ى ِم ْن ِح َيلِ ْهب َما ت ََر ْ َوا ْن ُظ ْر َع ِ
ج ْي َ
ِش� َع ُار َها ال َّتزْيِ ْي ُ
�ف َوالخَ اَل َع� ْة ى َخدَّ ا َع ْة ال�و َر ْ
ين في َ
وكَم ِس�ن ِ ِ
َ َ ْ
يشري الناظم إىل ما يفعله الدجال مع ظهوره من التموهيات واإلغراءات وانفعاالت الظواهر
كام ورد يف احلديث من أن الدجال يبعث معه من الشبهات ويفيض عليها من التموهيات ما
يسلب ذوي العقول عقوهلم ،وخيطف من ذوي األبصار أبصارهم ،ويكون الصعود يف املعارج
((( سيأيت تفصيل مهم عن شخصية الدجال عند مرحلة ظهوره يف آخر عهد اإلمام املنتظر.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 422 التليد والطارف
وظهور الدَّجّ ِ
ال ِ ني القة بني حَ رْ ِ
ش بَنِي إرسائي َل يف فِ َل ْس ِط َ العَ ُ
ذكر بعض الباحثني املعارصين أن من عالمات اقرتاب موعد خروج الدجال جتمع هيود
العامل يف فلسطني ،وهو ما أطلق عليه يف القرآن والسنة (احلرش) يف أول سورة احلرش (ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ) قال قتادة رمحه اهلل :وهذا أول احلرش،
واحلرش الثاين نار حترشهم من املرشق إىل املغرب.
وأخرج عبدالرزاق يف مصنفه يرويه عن معمر عن قتادة قال« :خترج نار من مشارق األرض
تسوق الناس إىل منازهلا ،تسوق الناس سوق الربق ،تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث
باتوا ،وتأكل من ختلف» .اهـ.
قال الشارح :ومعنى (سوق الربق) كناية عن الطريان برسعة ،وعند قوله صىل اهلل عليه
نار حترشهم من املرشق إىل املغرب» قال الباحث حممد
الناس ٌ
َ ُ
حيرش ٍ
يشء وآله وسلم ُ « :
أول
عصام :قلتك ويؤيد ذلك ما ذكر (وايزمان) يف مذكراته عن مجعية عشاق صهيون :إن احلركة
الصهيونية يف حقيقتها وجوهرها نشأت يف روسيا ،وكان هيود روسيا العمود الفقري للكيان
الصهيوين يف فلسطني .اهـ.
وأخرج البخاري يف صحيحه واإلمام أمحد يف مسنده عن أنس :أن عبداهلل بن سالم بلغه
مقدم النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم املدينة ،فأتاه فساله عن أشياء قال :إين سائلك عن أشياء
ال يعلمها إال نبي ،فال :ما أول أرشاط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل اجلنة؟ وما بال الولد
ُ
جربيل هبن
ينزع إىل أبيه والولد ينزع إىل أمه؟ قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم « :أخربين ّ
آنف ًا» ،فقال عبداهلل بن سالم :فذاك عدو هيود من املالئكة ،فقال صىل اهلل عليه وآله وسلم « :أما
فنار ُ
حترشهم –أي :اليهود -من املرشق إىل املغرب ..إلخ» . أول أرشاط الساعة ٌ
ومعلوماهتا يف علمهم وعقائدهم ،وصنعت مقابل ذلك رصاع ًا أنوي ًا يف قضايا الوالء والرباء
بام فيها قضية آل البيت حتى مل يعد يف جمتمعات املسلمني من يطمئن ملسألة الوالء واحلب ،ملا
الع ْن َجهية
شاب األمر من اخللط واخلبط والتسييس واإلثارة ،وفجأة تأيت آيات اهلل إلخضاع َ
ِ ٍ ٍ (((
وتناقض وقلق اإلنسانية املستبدة لتعلم أن وعد اهلل حق ،ويكون بروز هذا اإلمام بعد متويه
((( قوله« :بعد متويه» إشارة إىل ما يشتغل به الباحثون والعلامء عادة من االختالف حول النص املعرب عن
عالمات املهدي وأرسته ولونه وموقع خروجه ،ومتى خيرج ومظاهر عالمات خروجه.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 429 التليد والطارف
الرابعة. الفتن ِ
بالف ْتنَة َّ أخبا ٍر وآثا ٍر َحدَّ دها رسول اهلل ﷺ يف تاريخ ِ
وأعتقد -واهلل أعلم -أن الفتنة الرابعة هي املرحلة الفاصلة بـني (مرحلة الدهيامء) وحتوالت
عرصي اإلمام املهدي واملسيخ الدَّ جال ،وقد حتددت بام ييل:
ِ لاِ ِ ِ ِ ِ
َح ْش�دٌ َخط ْي ٌ�ر ْجت َم�ا ٍع َح ْربِ ْ
ـ�ي ب َ�ر ِ �ن بَِل�اَ د الغ ْ�و ٌش م َ ت َْأت ْ
�ي ُج ُي ْ
الم ْر َح َل ْة
ض َ ب فِي َع ِر ْي ِ
ب َو َس� ْل ٌ
ن َْه ٌ َو َم ْق َت َل� ْة َعظِ ْي َم� ٌة َ�ن ِ
َوفت ٌ
وهذه األبـيات تشري إىل مسمى الفتنة الرابعة الواردة يف األحاديث ،منها ما ذكره نعيم بن
محاد يف «كتاب الفتن» عن كعب ؤ قال« :عالمة خروج املهدي ألوية تقبل من املغرب
عليها رجل أعرج من كندة» ،وعن أبـي هريرة ؤ قال« :الفتنة الرابعة عمياء مظلمة متور
مور البحر ،ال يبقى بـيت من العرب والعجم إل مألته ً
ذال وخوف ًا ،تطيف بالشام وتغشى
العراق وختبط اجلزيرة بـيدها ورجلها ،تعرك األمة فيها عرك األديم ،ويشتد فيها البالء حتى
ينكر فيها املعروف ويعرف فيها املنكر ،ال يستطيع أحد أن يقول فيها :مه..مه ..وال يرقعوهنا
من ناحية إال انفتقت من ناحية أخرى ،يصبح الرجل مؤمنا ويميس كافرا ،وال ينجو منها إل
من دعا كدعاء الغريق يف البحر ،تدوم اثني عرش عام ًا ،تنجيل حني تنجيل وقد انحرست الفرات
عن جبل من ذهب ،فيقتتلون عليها حتى يقتل من كل تسعة سبعة» (((.
وهذه االختالفات يف النصوص إنام هي يف حقيقتها رس من أرسار اهلل يف متويه األمر عىل أعداء اإلسالم حتى
ال جيدوا يف ظاهر النصوص ما يمكن تتبعه بوضوح وتأكد ،حتى يظهر أمر اهلل يف حينه ،مع أن اآليات
ب املرحلة ومظاهر بروزها ،فقد ورد يف كتاب «الفتن» لنعيم بن محاد ص 153 واملالحظ ت ِ
ُبينان َهوية ُق ْر ِ
طبعة املكتبة العربـية ما مثاله :عن حذيفة بن اليامن ؤ قال :قال رسول اهلل ﷺ« :لن تفنى أمتي حتى
يظهر فيهم التاميز والتاميل واملعامع» فقلت :يا نبـي اهلل ما التاميز ؟ قال« :عصبـية حيدثها الناس بعدي يف
اإلسالم» ،قلت :فام التاميل ؟ قال« :يميل القبـيل عىل القبـيل فيستحل حرمتها» ،قلت :فام املعامع؟ قال:
«مسري األمصار بعضها إىل بعض ختتلف أعناقها يف احلرب».
((( «الفتن» (.)239 :1
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 430 التليد والطارف
ويف رواية أخرى ألبـي هريرة ؤ« :الفتنة الرابعة ثامنية عرش عام ًا ،ثم تنجيل حني تنجيل
وقد انحرس الفرات عن جبل من ذهب ،تكب عليه األمة فيقتل عليه من كل تسعة سبعة»(((.
ويبدو من خالل استقراء األحاديث عن الفتنة الرابعة أهنا متتد حتى يظهر الدجال ال
يفصل فيها إلاَّ مرحلة اإلمام املنتظر التي حتدد بسنوات خالهلا ،فعن حذيفة ؤ قال« :خيرج
الدجال يف الفتنة الرابعة ،بقاؤه أربعون سنة خيففها اهلل عىل املؤمنني فتكون السنة كاليوم»(((.
�ل َتغْ�زُو َل�ه ِ َاء َه�ا َين َْح ِس ُ�ر ال ُف َ�ر ُ
َ�ات
الفئ ُ ْ ُ �ن َج َب ٍَع ْ ات َأ ْثن َ
�ن َأتَ�ى لِلم ِ
�ال َوالدِّ ْين ِ
َ�ار ِ
م َّم ْ �م تِ ْس� َع ُة األَ ْع َش ِ
�ار ي ْقت ُ ِ
ْ َ َ�ل من ُْه ْ ُ
تشري األبـيات إىل ما حيصل من بداية الفتن الكائنة يف املرحلة الرابعة ،ومنها انحسار الفرات
عن جبل من ذهب ،كام ورد يف حديث أبـي هريرة ؤ قال« :يوشك الفرات أن ينحرس عن
كنـز من ذهب ،فمن حرضه فال يأخذ منه شيئا» ويف صحيح مسلم عن أبـي هريرة ؤ قال:
قال رسول اهلل ﷺ« :ال تقوم الساعة حتى ينحرس الفرات عن جبل من ذهب ،يقتتل الناس
عليه ،فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون ،ويقول كل رجل منهم :لعيل أكون أنا أنجو» ،وزاد يف
رواية «إن رأيته فال تقربنه» ،ويف رواية «فإن استطعت يا أباهر أن ال تكون منهم فافعل» ،ويف
رواية أخرى ملسلم عن أبـي هريرة ؤ« :تقيء األرض أفالذ أكبادها أمثال األسطوان من
الذهب والفضة ،فيجيء القاتل فيقول :يف هذا َق َت ْل ُت ،وجييء السارق فيقول :يف هذا ُق ِط َع ْت
يدي ،ثم يدعونه فال يأخذون منه شيئا».
وقد أبرز النبـي ﷺ خطورة الفتنة الرابعة وحدد سلوك املؤمن فيها ،كمثل قوله ﷺ عن
أبـي هريرة ؤ قال :قال رسول اهلل ﷺ -وذكر الفتنة الرابعة« :-ال ينجو من رشها إل من
َص ُه ْم ،حتّى يخُ ِْر َج اهللُ َكن َْز ُه من ال ّطالقان ف ُي ْح ِيي هبم عىل احلَ ِّق ،ال ُي َبا ُل َ
ون َمن َخ َذلهَ م وال َمن ن رَ َ
يت ِمن َق ْب ُل» «كنز العامل» ( )284 :12برقم ( ،)35054انظر ص 109من كتاب ِدينَه كام ُأ ِم َ
«ظهور الدجال مسيخ الضاللة» ملحمد عصام عرار احلسني.
((( «الفتن» ( ،)233 :1وقد جاء يف تقرير وزع باإلنرتنت مكتوب عليه مالمح عام 1424هـ ،يشري فيه إىل
تزايد احتامالت مرور كوكب مذنب باألرض يبدأ ظهوره يف صفر 1424هـ ،ويربز واضح ًا للعني املجردة
قبل وصوله إىل أقرب نقطة يف األرض يف منتصف ربـيع األول 1424هـ ( 15( )15-14مايو) ،ويتوقع
أن يكون ملروره آثار مدمرة عىل بعض أنحاء من األرض كالزالزل والرباكني واألعاصري واألمطار ،وقد
ظهر املذنب ورافق مروره عرشات الفيضانات والزالزل يف جمموع األرض.
((( املصدر السابق (.)231 :1
((( «اإلشاعة» ص.202
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 437 التليد والطارف
والسفياين املشار إليه هو من ولد خالد بن يزيد بن أبـي سفيان ،ويكون
خروجه من ناحية دمشق يف ٍ
واد يقال له (وادي اليابس) ،ويكون خروجه بإشارة
تظهر له ويلقى سبعة أو تسعة يقولون له « :نحن أصحابك » ،فريفع لواء معقود ًا
ال ،ال يرى ذلك العلم أحد إ لاَّ اهنزم ،فيخرج فيهم
يستفرش بـني يديه ثالثني مي ً
ويتبعه ناس من قريات الوادي ،وبـيده ثالث قضبان ال يقرع هبا أحد ًا إ لاَّ مات،
فيسمع به الناس ،فيخرج له صاحب دمشق ليقاتله ،فإذا نظر إىل رايته اهنزم،
فيدخل السفياين يف ثالثامئة وستني راكب ًا دمشق ،وما يميض عليه شهر حتى جيتمع
عليه ثالثون ألف ًا من قبيلة كلب ،وهم أخواله.
وتبدأ مالحم السفياين بعد ذلك ،وذكر أبو نعيم يف كتابه « الفتن » عن مدة
خروج السفياين حديث ًا عن يزيد بـني أبـي حبـيب ،قال :قال رسول اهلل ﷺ:
« خروج السفياين سنة سبع وثالثني ،كان ملكه ثامنية وعرشين شهر ًا ،وإن خرج
يف تسع وثالثني كان ملكه تسعة أشهر » ،وعن ابن عباس قال :إن كان خروج
السفياين من سبع وثالثني ( (( .
جَلَ �ب َي ْأتِ�ي َع َِ�ذا األَ ْص َه ُ
�ش ك ََج ْي ٍ �ن ِم ْص َ�ر َع َل�ى ِ
�ع م َْو َيخْ ُ�ر ُج األَ ْب َق ُ
الم ْي�دَ ِ ِ ِ ِ
ان �و َر ف�ي َ المن ُْص ْ
�وا َ ُي َح ِ
ار ُب ْ ان�ي
َوال َي َم ْ َواألَ ْع َ�ر ُج الكنْ�د ُّ
ي
لم َع ِ
�ار ْك �ذر ِم�ن التَّجيِي ِ ِ ت َُش ِ
�ار ْك �م َولاَ
�ش ل َ ْ ْ َ اح َ َْو ْ ُ�ن ّمن ُْه ْ
َتك ْ فََل�اَ
هذه إشارة إىل نامذج من املالحم القتالية التي جتري عىل عهد السفياين األول،
ويبدو أن هذه املسميات « األبقع ،األصهب ،املنصور ،األعرج » ك ّلها ُو ُصوف
وعالمات ألولئك القادة املحاربـني للسفياين األول ،وقد ورد يف احلديث عن
كرم اهلل وجهه وؤ ،قال :يكتب السفياين إىل قائده الذي دخل الكوفة بخيله
بعدما عركها عرك األديم يأمره باملسري إىل احلجاز ،فيسري إىل املدينة فيضع السيف
يف قريش فيقتل منهم ومن األنصار أربعامئة رجل ،وهيرب رجال من قريش إىل
القسطنطينية فيبعث السفياين إىل عظيم الروم أن يبعث هبم فيبعث هبم إليه فيرضب
أعناقهم عىل باب دمشق.
ويف رواية :ويبعث رجاله وجنوده يف البالد فتبلغ عامة املرشق وأرض خراسان،
ويبعث السفياين بعث ًا إىل املدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل حممد ويقتلون
من بني هاشم رجا ً
ال ونسا ًء ،ويؤتى بجامعة منهم إىل الكوفة ويتفرق بقيتهم يف
الرباري.
قال يف «اإلشاعة» ص ( :204عند مقتل وسبـي آل حممد باملدينة املنورة هيرب املهدي
واملبـيض -ويف رواية :واملنصور -إىل مكة ،ويستخفون هناك ،وال يطلع عىل موضوع املهدي
أحد ،ثم جيتمع عليه بجبال الطائف مجاعة يقاتل هبم مجاعة السفياين يف مكة وهيزمهم ،ثم خيتفي
بجبال مكة وال يطلع عليه أحد) ،ويؤيد هذا ما أورده اإلمام أبوجعفر حممد بن عيل الباقر:
«يكون لصاحب هذا األمر ٌ
غيبة يف بعض الشعاب» وأومأ بـيده إىل ناحية ذي طوى(((.
((( عن عيل كرم اهلل وجهه وؤ قال« :يبعث -أي السفياين – بجيش إىل املدينة فيأخذون من قدروا عليه
ونساء فعند ذلك هيرب املهدي واملبـيض من املدينة إىل مكة
ً ً
رجاال من آل حممد ﷺ ويقتل من بني هاشم
فيبعث يف طلبهام وقد حلقا بحرم اهلل وأمنه» الفتن (.)323 :1
(( ( «اإلشاعة» ص .204
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 440 التليد والطارف
اإلما ِم ا َملهْ دِي ُ
ظهُ و ُر ِ
عن اإلمام عيل كرم اهلل وجهه وؤ قال« :إذا نـزل جيش يف طلب الذين خرجوا إىل مكة
فنـزلوا البـيداء خسف هبم وببادهيم ،وهو قوله عز وجل( :ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ) من حتت أقدامهم،
وخيرج رجل من اجليش يف طلب ناقة له ثم يرجع إىل الناس فال جيد منهم أحد ًا وال حيس هبم،
وهو الذي حيدث الناس بخربهم».
ويف رواية« :ال يفلت منهم أحد إل بشري ونذير ،فأما البشري فإنه يأيت املهدي بمكة وأصحابه
فيخربهم بام كان من أمرهم ،ويكون شاهد ذلك يف وجهه ،ويعلمون أن القوم قد خسف هبم،
والثاين يأيت السفياين فيخربه بام نـزل بأصحابه فيصدقه ويعلم أنه حق ملا يرى فيه من العالمة»
(((.
ويؤيد هذا حديث عائشة رض اهلل عنها الذي رواه البخاري «يغزو جيش الكعبة حتى إذا
كانوا ببـيداء من الطريق خيسف بأوهلم وآخرهم ،قالت :يا رسول اهلل خيسف بأوهلم وآخرهم
وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟ قال :خيسف بأوهلم وآخرهم ويبعثون عىل نياهتم».
عن عمرو بن شعيب عن أبـيه عن جده ،قال :قال رسول اهلل ﷺ« :يف ذي القعدة حَ َت ُاز ُب
احلاج ،فتكون ملحمة بمنى ،فيكثر فيها القتىل حتى تسيل دماؤهم عىل
ّ القبائل ،وعامئذ ُينهب
عقبة اجلمرة ،حتى هيرب صاحبهم -أي املهدي -فيؤتى به بـني الركن واملقام فيبايع وهو
كاره ،ويقال له :إن أبـيت رضبنا عنقك ،فيبايعه مثل عدة أهل بدر ،يرىض عنه ساكن السامء
وساكن األرض».
ويف رواية عن ابن عباس ؤ« :يبعث اهلل تعاىل املهدي بعد إياس وحتى يقول الناس:
املهدي ،وأنصاره أناس من أهل الشام عدهتم ثالث مئة ومخسة عرش رج ً
ال عدة أصحاب بدر،
يسريون إليه من الشام حتى يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا ،فيبايعونه كره ًا،
فيصيل هبم ركعتني صالة املسافر عند املقام ،ثم يصعد املنرب»(((.
ويف رواية أخرى عن عبداهلل بن مسعود ؤ قال :إذا انقطعت التجارات والطرق
وكثرت الفتن خرج سبعة رجال علامء من آفاق شتى عىل غري ميعاد ،يبايع لكل رجل منهم
ثالثامئة وبضعة عرش رج ً
ال ،حتى جيتمعوا بمكة فيلتقون ،فيقولون بعضهم لبعض :ما جاء
بكم ؟ فيقولون :جئنا يف طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن هتدأ عىل يديه هذه الفتن ،وتفتح له
القسطنطينية ،قد عرفناه باسمه واسم أبـيه وأمه وحليته ،فيطلبونه فيصيبونه بمكة ،فيفلت منهم
ويلحق باملدينة ،فيطلبونه فيخالفهم إىل مكة ،فيصيبونه عند الركن فيبايع (((.
َّردي ِ
ِ �ئ فِ�ي ال َّت ْعبِـ ْي ِِ اء بِالت َّْأكِي ِ
�د الزَّه�ر ِ
ِم�ن و َل ِ
�د �ر بِالت ْ ُي ْبط ُ �د ْ ْ َ ْ َ
الحدَ ْق
�ن َ �م َأ ْب َل ٌ
�ج َز ْي ُ َ�ى َأ َش ُّ
َأ ْقن ْ �ف َلح� ٍم ُم ْس�تَدَ ْقَوآ َد ٌم َخ ِف ْي ُ
أشارت كتب السري واحلديث إىل أن اإلمام املهدي من ولد فاطمة عليها السالم ،وأما ثقل
لسانه ،فقد جاء نص احلديث« :يف لسانه ثقل ،وإذا أبطأ عليه الكالم رضب فخذه األيرس بـيده
اليمنى» ،وأما حليته فآ َد ُم رضب من الرجال َر ْب َع ٌة أجىل اجلبهة أقنى األنف َأ َش َّم ُه َأ َز ّج َأ ْب َل ُج َأ ْعينَ ُ
َأ ْك َح ُل العينني ّبراق الثنايا َأ ْف َر ُقها ،يف خده األيمن خال أسود ،ييضء وجهه كأنه كوكب دري،
كث اللحية ،يف كتفه عالمة(((.
الح َ�را ِم
َ �ج ِد بـيعتَ�ه بِ ِ
الم ْس ِ َ َْ ُ الم َق�ا ِم الرك ِ
ْ�ن َو َ �ن ُّ �ذ َبـ ْي َ َي ْأ ُخ ُ
�ن ك ُِّل َب َلدْ عصائِ�ب ِ ِ ِ �ل َب�دْ ٍر فِ�ي ال َع�دَ ْد
َأ ْت َبا ُع� ُه ك ََأ ْه ِ
الج َه�اد م ْ ُ َ َ
سبقت اإلشارة إىل ظهور اإلمام بمكة وبـيعته بـني الركن واملقام ،ويف املوضوع روايات
كثرية يمكن العود إليها يف مراجعها املتفرقة.
�ل ُي ِه ْين َُه�ا ويس ِ
�ق ُط البِدْ َع� َة َب ْ يم َه�ا �ل بِالس�ن َِّة ب ْ ِ َي ْع َم ُ
َُْ �ل ُيق ُ َ ُّ
�ب َو َي ْملِ ُ
�ك الدُّ ْن َي�ا بِ�دُ ْو ِن َت َع ِ �و ُم بِالدِّ ْي ِ
�ن ك ََم�ا َق�ا َم النَّبـ ِْي َي ُق ْ
ح�ر ِد
ْ�ل ا َل َ ُ�ل الخَ نـ ِْز َ
ي�ر َقت َ َو َي ْقت ُ ي ِ
ب ك َْس�ر ًا َأ َبد ْ
ِ
الصل ْي َ
ِ
َو َيكْس ُ�ر َّ
((( قيل :إنام سمي املهدي ألنه يهَ ِدي ألمر قد خفي ،ويستخرج التوراة واإلنجيل من أرض يقال هلا «أنطاكية».
«الفتن» (.)355 :1
((( «اإلشاعة» ص.194-190
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 443 التليد والطارف
من وصوف اإلمام أنه يعمل سنة النبـي ﷺ ،قال يف «اإلشاعة» ص« :196ال يوقظ نائ ًام،
الس ّنة ،ال يرتك س ّنة إلاَّ وأقامها ،وال بدعة إلاَّ ووضعها ،يقوم بالدِّ ين
وال هيريق دم ًا ،يقاتل عىل ُّ
آخر الزمان كام قام به النبـي ﷺ ،يملك الدنيا ك َّلها كام ملك ذو القرنني وسليامن ،يكرس
الصليب ،ويقتل اخلنـزير» «اإلشاعة» ص.196
ويف األبـيات إشارة إىل ما يعرتي اإلمام من « َ
احل َرد» أي :الغضب يف ذات اهلل حتى يكرس
الصليب ،أي :يقطع عقيدة التثليث املسيحية املنحرفة ،ويقتل اخلنـزير ،وكالمها رمز االنحراف
املحرفة ،فيجمع بـني تصويب العقيدة واقتالع أكل املحرم. ّ يف الديانة املسيحية
�ن َغ ْي ِ
�ر َح�دْ اج ٍ ِ لم ْؤ ِم ٍ
�ن َو َف ِ ي ْح ُث ْو َج ِمي َع الم ِ
ال َح ْث َي ًا ُد ْو َن َعدْ
�ر م ْ ُ ْ َ َ
من صفات اإلمام املهدي يف معاجلة انحراف العرص والزمن الوفاء بحاجة الناس املادية،
إذ هي رأس الفتنة وسبب احلروب والرصاع ،وقد شهد الناس قبل ظهوره حرب إبادة عىل
كنـز الفرات وفيها بعض املنتمني إىل آل البـيت النبوي ،كلهم يقول« :لعيل أنا أنجو» ،فالعلة
املسيطرة عىل الواقع االجتامعي هي األزمة االقتصادية ،فيأيت اإلمام املنتظر ليحثو املال حثي ًا
دون حد وال عد.
المدَ ائِنَ�ا َ�ح ال ُب ْل�دَ َ
ان َو َ َو َي ْفت ُ َي ْس�تَخْ ِر ُج ال ُكنُ�و َز َوالدَّ َفائِنَ�ا
قال يف «اإلشاعة» ص :196تنعم األمة برها وفاجرها يف زمن نعمة مل يسمع بمثلها قط
ترسل السامء عليهم مدرار ًا ال تدخر شيئ ًا من قطرها ،تؤيت األرض ُأكلها ،ال تدخر عنهم شيئ ًا
من بذرها ،جتري املالحم عىل يديه ،ويستخرج الكنوز ويفتح املدائن ما بـني اخلافقني ،يؤتى
بملوك اهلند مغلغلني ،وجتعل خزائنهم حلي ًا لبـيت املقدس.
ِ ِ ِ
�و ِعالر ُج ْ�ن َُّوالف ْتنَ� َة ال َع ْم َي�ا م َ �ن ال ُبـ ُي�و ِع
الر َب�ا م َ
�ع ِّ َو َي ْق َط ُ
َّ�اس َوالدِّ َي َارا
ح�ب َيغْ�ز ُْو الن َ بِا ُل ِّ �و َب َواألَ ْف�ك َ
َارا ُي َو ِّح�دُ ال ُق ُل ْ
عىل مقدمته رجل يقال له « :املنصور » يمكن آلل حممد ﷺ كام مكنت قريش ملحمد
ﷺ ،وجب عىل كل مؤمن نرصه ،وتطول املعارك بـني هؤالء وجيوش السفياين يف
مواطن عديدة ،ثم يبايع الناس رج ً
ال من بني هاشم بكفه اليمنى خال هو أخو
املهدي من أبـيه أو ابن عمه ،وهو حينئذ املرشق ،فيخرج بأهل خراسان وطالقان
ومعه الرايات السود الصغار ،عىل مقدمته رجل من متيم من املواىل اسمه « شعيب بن
صالح » يمهد األمر للمهدي عليه السالم (((.
وفيه يقول ﷺ « :إذا سمعتم برايات سوداء قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو
((( «اإلشاعة» ص ،206ويف ص 245ذكر حديث عن أبـي هريرة ريض اهلل عنه قال« :يكون باملدينة وقعة
احلرة عندها إال كرضبة سوط ،فينحى عن املدينة بريدين ثم يبايع املهدي»
تغرق فيها أحجار الزيت ،ما ّ
الكبس
ُ فعال
رواه نعيم ،وأحجار الزيت كانت عند مشهد مالك بن سنان يضع عليها الزياتون رواياهمَ ،
عليها فاندفنت ،وألبـي داود والرتمذي وغريمها عن موىل أبـي اللحم« :أنه رأى النبـي ﷺ يستسقي عند
أحجار الزيت قريب ًا من الزوراء قائ ًام يدعو» ،ويبدو أهنا موضع باحلرة بمنازل بني عبد األشهل.
((( املصدر السابق ص.207 – 206
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 446 التليد والطارف
حبو ًا عىل الثلج » ((( ،وعن أمري املؤمنني عيل بن أبـي طالب كرم اهلل وجهه « :لو كنت
يف صندوق مقفل فاكرس ذلك القفل والصندوق واحلق هبا ،((( » ..ويف رواية « :فإن
فيها خليفة اهلل املهدي – أي فيها نرصه وأنصاره – وإ ّال فاملهدي حينئذ بمكة » .
وتبعث الرايات السود بـيعتها إىل املهدي ،وتقاتل جيش السفياين بالعراق ،ويقبل السفياين
من الكوفة يريد الشام فيهلك يف الطريق ،قال يف «الفتن» ألبـي نعيم :يقاتل السفياين من ينازعه
ويظهر عليهم مجيع ًا ،ثم يسري إىل الكوفه ،ويخُ رج بني هاشم إىل العراق ،ثم يرجع إىل الكوفه
فيموت يف أدنى الشام ،ويستخلف رج ً
ال آخر من ولد أبـي سفيان تكون له الغلبة ويظهر عىل
الناس.
قال الزهري :خيرج -أي السفياين األول -هارب ًا من الكوفة من قرحة تصيبه فيموت ،ثم
ييل بعده رجل منهم اسمه اسم ابـيه واسمه عىل ثامنية حروف ،متزلج املنكبـني محش الذراعني
والساقني مصفح الرأس غائر العينني ،فيهلك الناس بعده ،وتستمر املعارك بـني جند السفياين
الثاين وجنود املهدي القادمة من خراسان والعراق ،ويرسل السفياين جيش ًا ملقاتلة املهدي يف
احلجاز ،ولكنهم يبايعون املهدي ويقبلون معه الشام((( ،ويفسد السفياين يف األرض((( ،ويسري
املهدي إىل الشام ويكاتب السفياين مطالب ًا له بالبـيعة ،ف ُيلزمه أصحابه البـيعة لإلمام ،ويذكرونه
بخسف اجليش يف البـيداء ،فيقبل أن يبايع ويلتقي باإلمام يف بـيت املقدس ،ويعيد املهدي
املظامل إىل الناس ،وبـينام هم كذلك إذ نقض السفياين العهد وخرج مع مجلة من أتباعه من قبـيلة
كلب يقاتلون املهدي ،فيقاتلهم ويأرس السفياين ويذبحه كام تذبح الشاة(((.
ثم تتمهد األرض لإلمام املهدي ويدخل يف طاعته ملوك األرض ،وهيادن الروم يف صلح
يدوم تسع سنني ،حلديث رواه نعيم بن محاد يف «الفتن» عن ابن مسعود مرفوع ًا« :يكون بـني
(( ( املصدر السابق ص ،216راجع بقية املالحم ،وقد تركناها لطول أخبارها.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 449 التليد والطارف
عربـية وال ولد عربـي إلاَّ ُقتل ،فيبلغ ذلك املسلمني فريجعون غضب ًا هلل جياهدون حتى يفتح
هلم ويدخلون ( القسطنطينية ) فيكيلون الذهب باألترسة ويقتسمون الذراري حتى يبلغ سهم
الرجل ثالث مئة عذراء ،وخيرج عندها الدجال.
ويف حتديد الزمن إشكال ،إذ ورد يف «اإلشاعة» ص :222وعن عبداهلل بن برس املازين أنه
قال :يا ابن أخي لعلك تدرك فتح القسطنطينية ،فإياك إن أدركت فتحها أن ترتك غنيمتك منها،
فإن بـني فتحها وبـني خروج الدجال سبع سنني .رواه نعيم بن محاد يف «الفتن» (((.
وسيخرج كنـز بيت املقدس وحليته التي أخذها طاهر بن إسامعيل ،حني غزا إرسائيل
فسباهم وسبا حيل بـيت املقدس وأحرقها بالنريان ،ومحل منها يف البحر ألف ًا وسبع مئة سفينة
حتى أوردها رومية.
ليستخرجن املَ ِ
هدي ذلك حتَى َير َّد ُه إىل َّ قال حذيفة ؤ سمعت رسول اهلل ﷺ ،يقول« :
بـيت املقدس».
قال يف «عقد الدرر»« :رومية» أم بالد الروم ،فكل من ملكها يقال له الباب ،وهو احلاكم
عىل دين النرصانية ،بمنـزلة اخلليفة يف املسلمني ،وليس يف بالد املسلمني مثلها.
كتب حمقق «اإلشاعة» ص 223يف احلاشية :الظاهر أن املراد برومية هي (الفاتيكان) ،وأن
من يطلق عليه الباب هو ما يسمى اآلن بالبابا ،فهو احلاكم عىل دين النرصانية كام هو معروف
واهلل أعلم.
قال الناظم:
ِ
�الالر َج ُ
�و ُال َو ِّتُع ْينُ� ُه األَ ْم َ �ذا َي ْظ َه ُ�ر الدَّ ج ُ
َّ�ال َأ ْثن َ
َ�اء َه َ
((( البحرين موضع بني البرصة وعامن ،وإنام ثنوا البحرين ألن من ناحية قراها بحرية عىل باب األحساء وقرى
َه َج َر .اهـ «ظهور الدجال مسيخ الضاللة» ص.155
((( «اإلشاعة» ص.274
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 455 التليد والطارف
عنده ويقول له :قم ،فيستوي قائ ًام ،فلام رآه أولياؤه صدقوه وأيقنوا أنه رهبم وأجابوه واتبعوه،
ازددت فيك إل بصرية» ،ثم ينادي :أال إن هذا املسيخ
ُ وقال للمؤمن :أال تؤمن بـي ،فيقول :ما
الكذاب ،فيأخذ الدجال ليذبحه فال يستطيع إليه سبـيال ،فيأخذ بـيديه ورجليه ويقذف به
فيحسب الناس إنام قذفه يف النار ،وإنام ُألقي يف اجلنة»((( ،زاد يف رواية مسلم يف الصحيح :قال
أبوإسحاق :فيقال :إن هذا الرجل هو اخلرض ريض اهلل عنه(((.
قال رسول اهلل ﷺ« :هذا أقرب امرئ درجة مني وأعظم الناس شهاد ًة عند رب العاملني».
وترجف املدينة يومئذ ثالث رجفات فال يبقى منافق وال منافقة إلاَّ خرج إليه ،فتنفي املدينة
يومئذ خبثها كام ينفي الكري خبث احلديد.
أحد ًا فيطلع فينظر إىل املدينة ،ويقول ألصحابه :أال ترون إىل هذا
وجييء الدجال فيصعد ُ
القرص األبـيض ،هذا مسجد أمحد(((.
ـرف((( .اهـ . قب من أنقاهبا َملك ًا ُم ْص ِلت ًا ،فيأيت َس ْب َخ َة ُ
اجل ْ ثم يأيت إىل املدينة فيجد بكل َن ٍ
وجاء يف مسند اإلمام أمحد عن فاطمة بنت قيس قالت :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله
وسلم :إن طيبة املدينة إن اهلل عز وجل حرم عىل الدجال أن يدخلها واهلل الذي ال إله إال هو ما
هلا من طريق شيق وال واسع يف سهل وال جبل إال عليه ملك شاهر بالسيف إىل يوم القيامة ،ما
يستطيع الدجال أن يدخلها عىل أهلها ..احلديث» .
قال يف «اإلشاعة» :وقد سقط من أعني كثري ممن اتبعه بعجزه عن اقتحام ،ويف ذلك أحاديث
كثرية ،وأول من يتبعه اليهود والنساء .ويف رواية الطرباين يف «الكبري» عن سلمة بن األكوع
اهـ.
يشري الناظم إىل مرحلة جديدة من مراحل التحول يف هذا العرص واملهدي قد التجأ مع
أصحابه إىل جبل الدخان فرار ًا من هجمة الدَّ جال ،ورغب ًة يف إعداد أنفسهم ملنازلته ،فبـينام
إمامهم املهدي وقد تقدم يصيل هبم الصبح إذ نـزل عليهم نبـي اهلل عيسى بن مريم عليه السالم،
فريجع املهدي ال َق ْه َق َرى ليتقدم عيسى عليه السالم ل ُيصيل بالناس ،ويقال له :يا روح اهلل تقدم،
ِّ
فليصل بكم ،ويضع عيسى عليه السالم يده بـني كتفي املهدي ،ويقول فيقول :ليتقدم إمامكم
له :تقدم فإهنا لك ُأقيمت ،فيصيل هبم إمامهم ،فإذا انرصف ،قال عيسى عليه السالم :افتح -
وكأنه شعار املعركة -فيفتح ووراء الدَّ جال سبعون ألف هيودي ،فإذا نظر إليه الدجال َذ َ
اب كام
َيذوب امللح يف املاء وانطلق هارب ًا ،فيقول له عيسى عليه السالم :إن يل فيك رضبة لن تسبقني
ليوشكن أن
ّ وعن أبـي هريرة ؤ أنه قال :قال رسول اهلل ﷺ« :والذي نفيس بـيده
ينـزل ابن مريم حك ًام عد ًال فيكرس الصليب ويقتل اخلنـزير ويضع اجلزية» (((.
قال تعاىل( :ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ) ((( ،وقال تعاىل( :ﭑ ﭒ
(لع َل ٌم) بفتح العني والالم بمعنى العالمة (((.
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ) ((( و ُقرئ يف الشواذ َ
ومن عظيم سريته أنه يدق الصليب ويقتل اخلنـزير والقردة ويضع اجلزية فال يقبل إلاَّ
اإلسالم ،ويتحد الدين فال يعبد إلاَّ اهلل ويرتك الصدقة -أي :الزكاة -لعدم من يقبلها ،وتظهر
الكنوز يف زمنه وال يرغب يف اقتناء املال للعلم بقرب الساعة ،ويرفع الشحناء والتباغض لفقد
أسباهبام غالب ًا ،وينـزع سم كل ذي سم ،ويرعى الذئب والشاة ،ويمأل األرض سل ًام وينعدم
القتال ،وتنبت األرض بنبتها كعهد آدم حتى جيتمع النفر عىل القطف من العنب فيشبعهم وكذا
مقرر ًا للرشيعة النبوية
الرمانة ،وترخص اخليل ويغلو الثور ألن األرض حترث كلها ،ويكون ِّ
ال رسو ً
ال هلذا األمة(((.
ويف حتديد مدة إقامته يف األرض وردت أقوال ،منها:
-ما ورد يف حديث الطرباين وابن عساكر عن أبـي هريرة ؤ ،قال :قال رسول اهلل ﷺ
قال« :ينـزل عيسى بن مريم فيمكث يف الناس أربعني سنة إمام ًا».
((( أخرب ﷺ عن بداية ظهور يأجوج ومأجوج منذ مرحلته ﷺ وهو يف املدينة ،حيث قال فيام رواه البخاري
وغريه ُ « :فتِ َح اليوم من َر ْد ِم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وح َّلق بني أصبعيه السبابة واإلهبام .ويف هذا
احلديث داللة عىل بروز العديد من الفتن وهو ﷺ عىل قيد احلياة كظاهرة ،ثم ما لبث أن حتقق خطرها
فيام بعد ذلك ،واهلل أعلم.
((( رواه ابن ماجه عن حذيفة بن أسيد ؤ .
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 464 التليد والطارف
الشعور ،من كل َح َد ٍ
ب ينسلون ،كأنَّ وجوههم املجان املطرقة» «اإلشاعة» ص.318
وأخرج الرتمذي وحسنه ابن حبان واحلاكم وصححه عن أبـي هريرة ؤ ورفعه:
«يف السدّ حيفرونه كل يوم حتى إذا كادوا خيرقونه قال الذي عليهم :ارجعوا فتخرقونه غد ًا،
فيعيده اهلل كأشد ما كان ،حتى إذا بلغ مدهتم وأراد اهلل أن يبعثهم عىل الناس قال الذي عليهم:
(ارجعوا فستخرقونه غد ًا إن شاء اهلل تعاىل) واستثنى ،قال :فريجعون فيجدونه كهيئته حني
تركوه ،فيخرجون عىل الناس» اهـ «اإلشاعة» ص (((.320
وقد فرس بعض الباحثني املعارصين((( هذا احلديث بعد طول دراسة معاينة للموقع ذاته
(((
ومقارنة بينه وبني ما جاء يف القرآن ،وما أثبتته احلفريات واآلثار بأن هذا السد (ردم حمكم وحاجز
عظيم) ،كام وصفه القرآن يف سورة الكهف (ﯾﯿﰀﰁﰂﰃ)فهو مرشوع مكون
من عدة نشاطات وعدة أعامل ووظائف وعدد كبري من العامل واآلالت والوسائل واملواد املتنوعة
من العنارص املعدنية كاحلديد والقطر (الطني) واخلشب والوقود وغريها عىل مدى أعوام كثرية
((( ورد يف «اإلشاعة» حديث يتعلق بوصول الرسالة املحمدية إليهم ،وهو ما رواه أبو نعيم بن محاد يف «الفتن»
عن ابن عباس ريض اهلل عنه مرفوع ًا قال« :بعثني اهلل حني أرسي بـي إىل يأجوج ومأجوج فدعوهتم إىل
دين اهلل وعبادته فأبوا أن يـجيبوين ،فهم يف النار مع من عىص من ولد آدم وولد إبليس» ص.321
((( هو الباحث محدي بن محزة أبوزيد من مواليد ينبع بأرض احلجاز حامل ماجستري يف االقتصاد والعلوم
السياسية من جامعة امللك سعود – الرياض 1388هـ ( 1968م) وعضو جملس الشورى وله وظائف
عديدة ذكرت يف آخر صفحة من كتابه القيم املسمى «فك أرسار ذي القرنني ويأجوج ومأجوج» طبعة
1425هـ2004/م.
((( املوقع املشار إليه يقع كام ذكر الباحث ص 485يف مدينة (جنج جو) وهي إحدى املدن الصينية القديمة
جدا ،وقد فصل الباحث صفة الردم وارتفاعه وما تبقى منه يف عدة صفحات ،وأشار إىل أن مدينة (جنج
جو) هي عاصمة منطقة (هينان) التي تقع يف وسط اجلزء الرشقي من الصني ويف اجلنوب من النهر
األصفر .اهـ« .فك أرسار ذي القرنني» .
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 465 التليد والطارف
قدرها بعضهم بثامنية عرش سنة ،بناه ذوالقرنني يف عهد أحد ملوك الصني من أرسة (شانغ) يف الفرتة
( )1050 – 1330ق.م .وهو أول ردم بني يف الصني.
وتتلخص االستنتاجات التي توصل إليها الباحث فيام ييل:
-1إن مضامني اآليات الكريمة من سورةالكهف(ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ)إىل قوله تعاىل(:ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ
ﰢ ﰣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ) جاءت موافقة
(كإعجاز قرآين) لرتمجتها بالغة الصينية متفقة مع أحداث ووقائع تارخيية وقعت يف بالد
الصني خالل فرتة دخول ذي القرنني إليها.
-2إن الوصول إىل معرفة مضمون كلمتي (يأجوج ومأجوج) الصينية األصل بعد ترمجتها
إىل اللغة العربية ييرس الوصول إىل تفسري العديد من األحداث التارخيية املاضية ،ويؤكد
احلقائق القرآنية والنبوءات املحمدية حول هذه القضية.
-3إن هذه املعجزة القرآنية عن يأجوج ومأجوج ليست قارصة عىل البعد اللغوي فقط؛
ولكنها بصورة أهم وأخطر معجزة ملا حتمله من مضامني وأبعاد تارخيية وديمغرافية
وعلمية هتم البرشية كلها يف ماضيها وحارضها ومستقبلها.
-4إن ترمجة ( ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ) تعني أن سكان قارة آسيا وسكان قارة
اخليل مفسدون يف األرض ،ومعنى سكان قارة اخليل -أي :من يسمون (شعب اخليل)
وكذلك شعب الرماة -هم الدول املحيطة بالصني يف تلك احلقبة من الزمن والتي كانت
للصني معها حدود وعالقات وقتها ،وهي اليابان وكوريا ومنشوريا وسيبرييا ومنغوليا
ودول آسيا الوسطى ،وهم الذين يصفهم الصينيون بيأجوج أو بني يأجوج ،وهؤء
اعتادوا عىل شن احلروب قديام عىل الصني حتى قرون قريبة ،وكان آخرها ما حدث
ـ�ي َوزَائِ َ�ر ْهُم َس� ِّلم ًا َع َل�ى النَّبِ ْ ن�و َر ْة
الم َّالمد ْينَ� َة ُ
ِ
�ل َ َو َيدْ ُخ ُ
َّحي ِ
ِ يرك ِ �ة الب ِهي ِ وفِ�ي م َق�ا ِم الرو َض ِ
�ة َ�ع ع ْي َس�ى َر ْك َع� َة الت َّ
َْ ُ �ة َ ّ َّ ْ َ َ
((( يالحظ يف هذا اللفظ للحديث شدّ عيسى للرحل لزيارة القرب ،وليس كام يدعيه أهل النقض يف تبديع من
ذهب لزيارة قرب رسول اهلل ﷺ ،كام أن عيسى عليه السالم يقبل بوجود قربه بجانب أبـي بكر وعمر ،مع
أن طائفة من املسلمني يمتنعون من زيارة املواجهة ألن قربي أبـي بكر وعمر بجانب رسول اهلل ﷺ ،وإذا
كان دفنهام خطأ فبالبدهية أن يقوم عيسى عليه السالم بنبش القربين أو منع الزيارة كام يعتقده هوالء؛
ولكن احلقيقة غري هذا؛ ولكن من الذي يعترب أو إىل احلق يأمتر؟ (الذي عليه الروايات عند الشيعة أن
املهدي هو الذي سيقوم بذلك بأشنع صورة ..وال وجود للدجال أو عيسى عليه السالم يف كتبهم)
((( «اإلشاعة» ص.304
((( املصدر السابق ص ، 305وأقول اقتداء بفعل رسول اهلل صىل اهلل عليه وآله وسلم وأيب هريرة :فمن أدرك
اإلمام املهدي وعيسى عليه السالم فليقرئهام مني السالم ،وليطلب الدعاء واالستغفار.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 474 التليد والطارف
النبـي ﷺ (((.
وأخرج الرتمذي وحسنه وابن عساكر عن عبداهلل بن سالم قال :مكتوب يف التوراة صفة
حممد ﷺ وعيسى يدفن معه(((.
وأخرج البخاري يف تارخيه والطرباين وابن عساكر األثرُ « :يدْ َفن عيسى بن مريم مع رسول
اهلل ﷺ وصاحبـيه فيكون قرب ًا رابع ًا»(((.
وعرفوا أهنم لن يعجزوا اهلل ،فبدأت هبم وحلت وجوههم حتى جعلتها كأهنا الكوكب الدري
وولت يف األرض ال يدركها طالب وال ينجو منها هارب ،حتى إن الرجل ليتعوذ منها يف صالته
فتأتيه من خلفه ،فتقول :يا فالن اآلن تصيل ،فيقبل عليها فتسمه يف وجهه ثم تنطلق» (((.
قيل :خترج دابة األرض من صدع يف الصفا((( معها عىص موسى وخاتم سليامن بن داود
تنادي بأعىل صوهتا ( :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ) ((( ،ويف رواية« :ال يبقى مؤمن إل نكتت
يف مسجده -أي موضع سجوده -بعصا موسى نكتة بـيضاء فتفشو تلك النكتة حتى يبـيض هلا
وجهه ،وال يبقى كافر إل نكتت يف وجهه نكتة سوداء بخاتم سليامن ،فتفشو تلك النكتة حتى
يسود هلا وجهه ،حتى إن الناس ليتبايعون يف األسواق :بكم ذا يا مؤمن ،وبكم ذا يا كافر» ،ويف
((( هذا يفرس معنى احلديث« :يبعث اهلل رحي ًا طيبة فيتوىف هبا كل مؤمن يف قلبه مثقال حبة من إيامن ،فيبقى
من ال خري فيه فريجعون إىل دين آبائهم» ،قال ص :365وأخرج أمحد ومسلم عن أبـي عمرو ريض
اهلل عنهام قال« :ثم يرسل اهلل -يعني بعد موت عيسى -رحي ًا باردة من قبل الشام فال يبقى عىل وجه
األرض أحد يف قلبه مثقال ذرة من إيامن إلاَّ قبضته -إىل أن قال -فيبقى رشار الناس يف خفة الطري وأحالم
السباع ال يعرفون معروف ًا وال ينكرون منكر ًا ،فيتمثل هلم الشيطان فيقول :أال تستحيون ؟ فيقولون :ما
دار رز ُقهم َح َس ٌن ُ
عيشهم حتى ُينفخ يف الصور» تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة األوثان فيعبدوهنا ،وهم يف ذلك ٌّ
«اإلشاعة» ص ، 365قال :وهذا ينايف ما قيل من قتل الدابة إلبليس ،ويمكن أن يقال عىل ُبعد :إن هذا
حي ًا بدليل هذا احلديث حتى
الشيطان ليس إبليس ،ويقصد أنه شيطان آخر قتلته الدابة ،ويبقى إبليس ّ
النفخ يف الصور.
قلت :وعىل هذا فالريح التي تقبض أرواح املؤمنني عىل وجهني :فإن كان إبليس قد قتلته الدابة فالريح الباردة
التي تقبض أرواح املؤمنني قد حصلت قبل ذلك ،وإن صح أن إبليس مل تقتله الدابة فيمكن أن تكون
الريح الباردة فيام بعد قبل نفخ الصور.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 483 التليد والطارف
العامة يف األرض ،أي :فال ينايف تقدم املهدي عليه ،قال :وينتهي ذلك بموت عيسى عليه
السالم ومن بعده القحطاين وغريه ،وأن طلوع الشمس من مغرهبا هو أول اآليات املؤذنة
بتغيري أحوال العامل العلوي ،وينتهي ذلك بقيام الساعة ،أي والدابة معها ،فهي والشمس كيشء
واحد ،وأن النار أول اآليات املؤذنة بقيام الساعة(((.
قال يف «اإلشاعة» ص :340ومن األرشاط العظام طلوع الشمس من مغرهبا وخروج
الدابة ،وهذان أهيام سبق اآلخر فاآلخر عىل إثره ،فإن طلعت الشمس قبل خرجت الدابة
ضحى يومها أو قريب ًا من ذلك ،وإن خرجت الدابة قبل طلعت الشمس من الغد.
وأخرج ابن أبـي شيبة وأمحد وعبد بن محيد وأبو داود وابن ماجة وابن املنذر وابن مردويه
حفظت من رسول اهلل ﷺ أن أول
ُ والبـيهقي ،ك َّلهم عن عبداهلل بن عمرو ريض اهلل عنهام ،قال« :
وروى الطرباين« :سيبلغ البناء سلع ًا ،ثم يأيت عىل املدينة زمان ّ
يمر السفر عىل بعض أقطارها،
فيقول :قد كانت هذه مدة عامرة من طول الزمان وعفر األثر» ،وروى أيض ًا رجال ثقات:
«املدينة يرتكها أهلها وهي مرطبة» ،قالوا :فمن يأكلها ؟ قال( :السباع والعوايف) (((.
وروى عن أبـي هريرة ؤ ،قال« :ال تقوم الساعة حتى جييء الثعلب فريبض عىل منرب
رسول اهلل ﷺ فال ينهضه أحد» ص« 327اإلشاعة».
قال :وسبب خراهبا -واهلل أعلم -أهنم خيرجون مع املهدي إىل اجلهاد ،ثم ترجف بمنافقيها
وترميهم إىل الدجال ،ثم يبقى فيها املؤمنون ُ
اخل َّلص فيهاجرون إىل بـيت املقدس ،فقد ورد:
يتبايعان فال يطويانه ،ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه (أي :يلطخه بالطني) فال يسقي فيه
إبله ودوابه ،ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إىل فيه فال يطعمها» ،ويف رواية« :ثم ينفخ يف
الصور فال يسمع أحد إال أصغى ليتا ورفع ليتا -الليت صفحة العنق -وأول من يسمعه رجل
يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس» (((.
((( رواه مسلم وأمحد عن ابن عمرو « ،كنز العامل» ( ، )289 :14املصدر السابق ص .384
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 491 التليد والطارف
ملاذا يجبُ أ َ ْن نَتَعَ َّل َم فِ ْق َه التُّحَ وُّالت؟
ِ
الش�ؤون الواعد ْة من ال�كال ِم ف�ي أي فائ�د ْة ِ
الن�اس ُّ ُ
بع�ض ُ
يق�ول
ب�اب ِم�ن ص�را ٍع ِ
وم َ�را ٍ وفت�ح ال�و َرى ِ
ُ إقلاق َ غي�ر
فلي�س فيه�ا ُ
الش ْ
كوك العبادات التي َتن ِْفي ُّ
ِ وفي الس ْ
لوك والحق أن ُي ْكت َ
َب في عل ِم ُّ ُّ
ِ
الموص َل ْة يس�ير في ال ّط ِ
ري�ق حتّى ِ
جي�ل المرحل ْة ِ
الجي�ل وف�ي ِ
بن�اء
َ
وم�ا َر َج ْون�ا َأ ْن ُي َ
ش�اع بـينَن�ا ُقلن�ا وه�ذا م�ا َأ َر ْدن�ا ُه ُهن�ا
يك�ن تحويلا ِ
الس�لوك أو ع�ن يك�ن بديَل�اَ فم�ا ُيق�ال ل�م
ْ ْ
ِ
األوالد ف معن�ى العل ِم في أو صر ِ ِ
واألج�داد ِ
اآلب�اء ع�ن س�ن َِّة
َ ْ
الف ِ
ق�ال ح�و َل ِ ِ الس�ن َِّة
تن�ة ش�أن م�ا ُي ُ َ ْ ف�ي ات ُّ�و َ
�ي َم َوإنم�ا نُحيِ ْ
َش�ف َم ِ
ظهر ْه صر وك ِ �ر ال َع ِ
آخ ِ عن ِ �ر ْهَ�دي بالمصطف�ى ف�ي َخ َب ِ و َن ْقت ِ
بـي�ن ِ
ي�دي الدَّ ّج ِ
�ال تأت�ي ُمنْك ََر ْة المدَ ِّم َ�ر ْة ِ
الفتن�ة عي�ن ألن
ّ
ُ َ
ِ ِ ِ
الم َغ َّل َف� ْة
ُ بالفتن�ة �مل َج ْهل ِه ْ الم ْع ِر َف ْة
انح�راف َ
َ ُ
البعض و َيخْ دُ ُم
حي�ث س ِ َينْ ُظ ُ�ر لإلسلا ِم ِم�ن �ان قد ُخ ِد ْع ال في الز ََّم ِ
�م ْع ُ َ �ص جي ً وخ َُّ
ولي�س َي�دْ ِري م�ا َيدُ ور ف�ي َ
المال �وال َّاري�خ والت ََّح ُّ
�م الت َ ال َي ْع َل ُ
َو َم�ا َيك�ون ِم�ن ِرض�ا َق َو ِاق ِع� ْه واق ِع� ْه ي�رى ال ّليالِ�ي ُك َّله�ا ِم�ن ِ
َ َ
�ل لِ�ك ُِّل ُم ْش�كِ ِل الج ْه َ
�ج َ
ِ
ُيعال ُ �و ِل �م بال َّتغ ِ
ْيي�ر والت ََّح ُّ
ِ
والع ْل ُ
الر َض�ا مفهوم�ه حتّ�ى ِّ
َ و َي ْرت َِق�ي مدل�ول ال َق َض�ا َ اإلنس�ان
ُ و َي ْف َه ُ
�م
األم�ر فإيمان�ي َر َب�اُ َل�و ك ُِش َ
�ف �ال ب�اب ِ
الع ْل� ِم َم�ا ا َز َد ْد ُت َن َبا إِ ْذ َق َ َ ُ
الرجل املسجد فقال ﷺ« :من يقتل الرجل؟» فذهب أبوبكر ثم عمر ثم قام عيل ؤ فقال:
«أنت صاحبه إن أدركتَه»؛ ولكنه مل يدركه فقال ﷺ« :لو ُقتل هذا ما اختلف اثنان من أمتي»،
وكان يف هذا احلديث ملمح إىل تأخر موقع اإلمام عيل كرم اهلل وجهه وؤ يف احلكم حتى
قلبها َش ْمس ًا» ،وأن هذا ببصريته الصافية قد استطاع أن يلمح حقيقة النظام الشميس احلديث
يف الذرة(((.
�ر ك�ذا أب�و ِه ٍّ�ر َس ُ
�ليل َصخْ ِ ظي�م ال َقدْ ِر ٍ
عب�اس َع ُ اب�ن
ك�ذا ُ
وعبداهلل بن عباس ريض اهلل عنهام َحرب األمة وإمام ال َّتأويل ،دعا له النبـي ﷺ وقال:
«ال َّلهم َع ْلمه ال َّتأويل» ،كان أحد فقهاء العلم بعالمات الساعة ،وروى العديد من األحاديث
عنها ،وكان سند ًا لإلمام عيل كرم اهلل وجهه وؤ يف جمادلة اخلوارج َ
وح ْر هِبم ،بل ويف كافة
.اهـ((( .
وأبوهريرة عبدالرمحن بن صخر الدويس كان أحد الصحابة احلاملني علم التحوالت وفقه
عالمات الساعة ،وله مالمح ومالحظ كثرية يف هذا الشأن كقوله ؤ« :أعطاين خلييل
جرابـني من العلم ،أما أحدمها فقد بثثته بـينكم وأما اآلخر فلو بثثته ُلق ِط َع مني هذا احللقوم»(((،
وروي أنه كان يقول« :ال َّلهم ال تبلغني عام الستني وال إمارة الصبـيان» .
ويف رواية « :أعوذ باهلل من إمارة الصبـيان ،قالوا :وما إمارة الصبـيان ؟ قال :إن أطعتموهم
هلكتُم يف دينكم وإن عصيتموهم أهلكوكم» (((.
ما يتعلق بأرشاط الساعة وتغري األحوال واملالحم يف آخر الزمان ،فينكر ذلك من مل يألفه ويعرتض عليه
من ال شعور له به.
((( رشح مسلم ص ،15كتاب الفتن.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 497 التليد والطارف
اهلل عنهام ،وقد روى يف هذا الباب أحاديث كثرية ،ويبدو أن روايته هلذا العلم جاءت من كثرة
يدون ويكتب ،فقد روي أنه كان يكتب احلديث بـني يدي رسول اهلل ﷺ َ
وش ِهد له ما كان ّ
أبوهريرة بذلك.
عل�ي ِ م�ع ابن ِ ِ
العابدي�ن
ْ زي�ن ِّ �ه َ سين الس ْب ُط كذلك ُ
الح ْ والحسن ِّ
ُ
حوالت سيدنا اإلمام احلسن بن عيل ؤ ،وقد كان مطلع ًا عىل كثري
ومن علامء فقه ال َّت ُّ
من حتوالت املراحل ،ويعد عند فقهاء التحوالت ؤ وأرضاه أحد رجال املواقف ،إذ كان
له دور عظيم يف إطفاء فتنة الرصاع عىل احلكم بـني فئتني من املسلمني مع كونه ؤ يف موقفه
حمق ًا وغريه مبط ً
ال؛ ولكنه اختذ موقف ًا حاس ًام َو َصفه النبـي ﷺ يف احلديث ،بقوله« :إن ابني هذا
سيد وسيصلح اهلل به بـني فئتني من املسلمني»(((.
ومثله أخوه اإلمام احلسني بن عيل ؤ ،وكان من أكابر العلامء بالتحوالت حمدث ًا عن
أخبارها ،وقد اجتهد واختذ موقف ًا ظل ُج ْرح ًا ُيدْ َمى يف تاريخ اإلنسانية إىل يوم الدِّ ين ،ومن
موقفه الشجاع أمام التحوالت إلعادة احلق إىل نصابه حسبام اجتمع لديه من األدلة والرشوط
َ
مواقف جديدة وتكتالت عنيدة تثار عواصفها بـني احلني واحلني كثمرة من رسم بالدم الطاهر
ثمرات التحوالت وما يطرأ حياهلا من املواقف؛ بل كان مقتله ؤ مسج ً
ال يف دائرة األخبار
عن حوادث املستقبل وما يطرأ منها يف احلكم والعلم.
السجاد عيل زين العابدين الذي قرأ الفقه
ومن رجال العلم بفقه التحوالت كذلك سيدنا َّ
بكل معانيه وعارص العديد من أحداثه اجلارية ،فحفرت الظروف واحلروف يف قلبه لوحة األمل،
وكان يعرب عنها ويقول« :إنّ يعقوب عليه السالم َب َكى حتى ابيضت عيناه عىل يوسف؛ ومل يعلم
رأيت بضعة عرش من أهل بيتي ُيذبحون يف َغ ِ
داة يوم واحد ،أ َفترَ َ ونَ حزهنم ُ أ ّنه مات ،وإن
بن
يل َسمعت ع ّ ُ ((( وكان له موقف واضح من غلو ا ُمل ْف ِر ِطني يف املحبة ،فقد روي عن حييى بن سعيد قال:
الناس َأ ِح ُّبونا ُح َّب اإلسال ِم ،فام َب ِر َح بنا ُح ُّب ُك ْم ح ّتى
ُ هاشمي أدركتُه -يقول« :أهيا
ٍّ َ
أفضل احلسني -وكان
ار علينا عار ًا» «أعالم أهل البيت» ص 14تأليف د .عبدالقادر حممد منصور.
َص َ
((( «املرشع الروي» ص.83
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 499 التليد والطارف
أتب�اع ِدي�ن ال َب َركَ� ْة
َ جامع� ًة القواس�م المش�تر َك ْة
َ ب�ل َي ْل�ز ُم
يشري الناظم إىل استمرار عطاء اهلل يف هذا العلم اخلاص بفقه التحوالت ،وأنه كاحلراثة
املوروثة ،ولكل من احلراثة بعد الوراثة سهم و َنصيب ،خالف ًا ملن يصادر األرض أو
يغتصبها من أهلها ،فليس لديه من الرشعية نصيب ،إذ إن العلم من رشوطه اإلخالص
والتجرد هلل ،وحسن االرتباط املتصل بسنده األبوي النبوي ،فمن العلوم علوم يتفقه
فيها الناس عىل خمتلف نامذجهم وعقوهلم وأفكارهم وحتى دياناهتم ،فيمتلكون زمام
املعرفة بجدارة العلم واإلطالع عليه ،أما هذا العلم فال يتحصل بالنظر ومداومة القراءة
واإلطالع ،وإنام هو كام عبرَّ عنه ﷺ يف دعائه البن عباس ؤ « :ال َّلهم علمه ال َّتأو َيل» ،
وكام ورد معناه يف اآلية الكريمة( :ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ )،
ٌ
رشط ملعرفة احلروف وما حتمله من النصوص الستقراء معانيها. والنظر واإلطالع
ِ
واحل ْقد ألحد من املسلمني ولو الغل ِ
والغش كام أن من رشوطه :سالمة الصدر عن ِ
كان معارض ًا له أو ضد ًا ،فأصل العلم ال َّلدين سالمة الصدر( ،العقل السليم يف القلب
السليم) ،وجامع السالمة معاملة اجلميع بام يسمى « بالقواسم املشرتكة» يف اإلسالم من
غري إفراط وال تفريط ،وهذا املوقف ليس من السهولة بمكان ،وإنام هو ارتياض يتأتى
باألخذ وال َّتلقي عن أهله ،حيمله معنى قول اهلل تعاىل( :ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ) [فصلت.]35-34 :
(( ( وقد امتألت أحاديث عالمات الساعة بذكر هذه الظواهر وانتشارها يف آخر الزمان كشاهد عىل التحول
واالنتكاس.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 502 التليد والطارف
بالذات النَبويَّة
ِ فِ ْقه العَ القة
ألن الذات النبوية هي مصدر الترشيع والقدوة احلسنة لألمة ومرجعية النسك واألخالق
واملواقف ،فالنظر يف فقه الذات النبوية واجب ومتحتم ،وال يزال علامء امللة منذ قرون البعثة
والرسالة وهم حيدون الناس ويفقهوهنم يف ما جيب علمه عليهم نحو الذات النبوية من املحبة
واالقتداء والوالء ،وصدق اخلدمة يف الدين ،باتباع األوامر واجتناب املناهي ،وبذل املعروف
وأداء احلقوق ودراسة نسب النبـي ورشف حمتده وفضل الصالة والتسليم عليه وزيارة قربه
ومسجده وغريها من املآثر املعربة عن الرشف املوهوب له من مواله؛ بل إن جزء ًا من حوادث
السرية بينت موقف العديد من الكائنات كاجلذع واحلجر والشجر من رشف الذات النبوية
وأبرزت بأمر اهلل تعاىل رس االنفعال الوجداين املعرب عن عمق التعلق واحلب له عليه الصالة
والسالم حتى يف غري بني اإلنسان ..وهذا نوع خاص من فقه التحول وسنن املواقف.
وهلذا فإن من كوارث العرص الفصل بني الكتاب والسنة وثمراهتام وبني الذات النبوية..
ودراسة اخلصوصيات املوهوبة ..وهذا ما تعانيه املدارس اإلسالمية املعارصة سواء كانت
أكاديمية أو مؤسسات تعليمية وثقافية.
((( رواه نعيم بن محاد يف الفتن ،احلاكم يف «املستدرك» عن أيب سعيد اخلدري ريض اهلل عنه.
((( من حديث زيد بن أرقم خمترص ًا« ،ارتقاء الغرف» للسخاوي ص.63
((( املصدر السابق.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 504 التليد والطارف
غضب اهلل عىل من آذاين يف عرتيت».
مراتب آل البـيت
-1الوالء لقريش :بدأ الرسول ﷺ يضع مقايس الوالء بادئ ذي بدء بقريش ،فقال:
«أمان ألهل األرض من االختالف املواالة لقريش ،قريش أهل اهلل فإذا خالفتها قبـيلة من
أحب ُه اهلل» (((. العرب صاروا حزب إبليس» .وحديث« :أح ُبوا قريش ًا فإن من َّ
أحبهم َّ
(((
ويف هذا الباب أحاديث كثر ال نطيل بذكرها ،ومنها ما أورده البخاري يف صحيحه« :إن
هذا األمر من قريش ال يعادهيم أحد إل أكبه اهلل عىل وجهه ما أقاموا الدين» (((.
واملقصود باملعاداة :املعاداة هلم باعتبار عالقتهم برسول اهلل ﷺ وارتباطه هبم وارتباطهم ال
اجلنُوح َ
واخلطأ. من حيث ما قد يقعون فيه من ُ
-2الوالء آلل البـيت عموم ًا :وهم بنو هاشم وبنواملطلب ،وهم أيض ًا من ثبتت الصالة
عليهم وحرموا من الصدقة مع تعويضهم بخمس ُ
اخلمس من بـيت مال املسلمني.
فعن عامر وأبوهريرة ريض اهلل عنهام قالوا :قدمت درة بنت أبـي هلب املدينة مهاجر ًة فنـزلت
جئن إليها من بني زريق :ابنة أبـي هلب الذي أنـزل اهلل فيه:
يف دار رافع بن املعىل ،فقال هلا نسوة َّ
(ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ) فام تغني هجرتك! فأتت درة رسول اهلل ﷺ فبكت وذكرت ما َّ
قلن هلا
((( أخرجه الطرباين واحلكم يف «املستدرك» عن ابن عباس ريض اهلل عنهام .قال املناوي يف «فيض القدير»
( : )182 :2ور ّد الذهبي تصحيح احلاكم يف «املستدرك» ( ، )75 : 4ويف «اجلامع الصغري» « :أمان ألهل
األرض من الغرق ال َق ْو ِ
س» ،واملراد هنا بالقوس كام رشحه املناوي :أي ظهور القوس املسمى بقوس
قزح .اهـ« .كنز العامل» (.)25 :12
((( رواه أمحد يف مسنده وابن حبان واحلاكم يف «املستدرك» والطرباين يف «املعجم الكبـري» عن سهل بن سعد.
اهـ من «ارتقاء الغرف» للسخاوي.
((( أخرجه البخاري يف صحيحه وأمحد يف مسنده عن معاوية .اهـ ص 76من «ارتقاء الغرف» للسخاوي.
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 505 التليد والطارف
فسكنها رسول اهلل ﷺ وقال :اجليس ،ثم صىل بالناس الظهر ثم جلس عىل املنرب ساعة ،ثم
قال« :يا أهيا الناس ما يل أوذى يف أهيل ؟ فواهلل إن شفاعتي تنال قرابتي حتى إن صداء وحكم
وحاء وسهلب لتناهلا يوم القيامة» (((.
وعن عبداهلل بن عباس ريض اهلل عنهام أن رسول اهلل ﷺ قال« :أحبوا اهلل ملا يغدوكم به من
نعمه ،واحبوين حلب اهلل ،وأحبوا آل بـيتي حلبـي» (((.
وعن زيد بن أرقم ؤ قال :خطبنا رسول اهلل ﷺ يف دير خم فقال« :وأهل بـيتي أذكركم
اهلل يف أهل بـيتي ..أذكركم اهلل يف أهل بـيتي ،»..قيل لزيد :ومن أهل بـيته ؟ قال :الذين حرموا
الصدقة :آل عيل وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس ،قيل لزيد :أكل هوالء أهل بـيته؟ قال:
نعم»(((.
-3الوالء ألهل الكساء :عن أم سلمة ريض اهلل عنها أن رسول اهلل ﷺ قال لفاطمة :أريني
زوجك وابنيك ،فجاءت هبم ،فألقى عليهم رسول اهلل ﷺ كساء كان حتتي خيربي ًا (أصبناه من
خيرب) ثم رفع يديه فقال :اللهم إن هوالء آل حممد فاجعل صلواتك وبركاتك عىل آل حممد كام
جعلتها عىل آل إبراهيم إنك محيد جميد» ،فرفعت الكساء ألدخل معهم فجره رسول اهلل ﷺ من
يدي وقال« :إنك عىل خري» (((..
عن العباس بن عبداملطلب ؤ ؤ قال :كنا نلقى النفر من قريش وهم يتحدثون
فيقطعون حديثهم ،فذكرنا ذلك للنبـي ﷺ فقال« :واهلل ال يدخل قلب رجل اإليامن حتى
حقوق آل البـيت
-1كفالتهم بمنحهم اخلمس املقرر هلم رشع ًا ،وإذا تعذر اخلمس لقلة مال أو لظلم من
يتوىل عىل حقوقهم فيعطون من الصدقة املفروضة ما يكفيهم .اهـ .وقال بذلك أبو سعيد
االصطخري ،قال الرافعي :وكان حممد بن حييى صاحب الغزايل يفتي هبذا(((.
-2تقديمهم يف العلم والفتوى واملكانة واملجلس.
-3موالهتم باملحبة واخلدمة وطلب الدعاء منهم والدفاع عن أعراضهم ونرش فضائلهم
َ
والغ َّ
ض عن معايبهم وبذل ال ُّنصح هلم.
وهذه احلقوق املطلوبة من اخللق إنام هي تكليف رباين ال اختيار إنساين ،وهلذا فإن من
واجب أهل البيت أال يتكلفوا املطالبة باحلقوق من الناس ،إذ إن الناس تبع حلملة القرار
واالستقرار.
وإنام جيب عىل أهل البيت معرفة األخالق التي متيزهم عن سائر الناس وتساعدهم عىل
خدمة املجتمع بكافة رشائحه وجمموعاته،
كام أن عليهم اخلروج عن دوائر التكتل وأسباب الرصاع املذهبي والسيايس واالجتامعي
((( رواه ابن عساكر وابن النجار .اهـ عن «رسالة آل البـيت» البن تيمية ص.142
((( اهـ «املهذب» للنووي ( )227 :6نق ً
ال عن «رسالة آل البـيت» البن تيمية ص.25
نسخة قيد التعديل واملراجعة 1434 507 التليد والطارف
ليكونوا حقا سفن النجاة ساعة الطوفان؛
ولكن الشيطان ومن يف دائرته قد عملوا عىل حجب سالالت البيت الطاهر عن حقائق
هذا الدين وشغلوهم بام شغلوا به ضحايا املسلمني يف مرحلة الغثاء والوهن ،فكان البد هلذه
السالالت الطاهرة إال أن تتفاعل مع الواقع وتعمل عىل ترسيخ ما فيه .
وهذا ما نعانيه مجيعا يف مرحلتنا املعارصة ولألسف ،ونسأل اهلل التوفيق والسالمة ،وأن
يدل األمة عىل ما فيه املخرج من املالمة ،إنه سميع قريب.