You are on page 1of 45

‫جامعة البليدة‪2‬‬

‫لكية العلوم الإنسانية والاجامتعية‬


‫قسم العلوم الاجامتعية‬
‫شعبة عمل الاجامتع‬

‫اإعداد‪:‬‬
‫ا ألس تاذة ادلكتورة أأمينة مساك‬

‫الس نة اجلامعية ‪2020-2021‬‬

‫‪1‬‬
‫أوال‬

‫البحث االجتماعي‬
‫البحث العلمي‬
‫البحث العلمي‬

‫يندرج البحث االجتماعي في إطار البحث العلمي‪ ،‬مما يجعلنا نتطرق إلى مفهوم هذا األخير‬
‫والتركيز بعدها على البحث العلمي في المجال االجتماعي‪.‬‬
‫تعريف البحث العلمي‪:‬‬
‫المعنى اللغوي‪ :‬إذا حللنا عبارة البحث العلمي فنجد أنها مكونة من‪ :‬البحث والعلم‪.‬‬
‫أما البحث فهو مصدر الفعل الماضي بحث‪ ،‬ومعناه‪ :‬طلب‪ ،‬فتَش‪ ،‬تقصى‪ ،‬تتبع‪،‬‬
‫تحرى‪ ،‬سأل‪ ،‬اكتشف‪ ...‬وبهذا فإن البحث هو الطلب والتفتيش وتقصي حقيقة من الحقائق‪،‬‬
‫أما العلمي فهي كلمة منسوبة إلى العلم‪.‬‬
‫المعنى االصطالحي‪ :‬البحث العلمي هو التقصي المنظم بإتباع أساليب ومناهج علمية‬
‫محددة بالوقائع العلمية‪ ،‬قصد التأكد من صحتها وتعديلها‪ ،‬أو إضافة الجديد إليها‪.‬‬
‫وهو أيضا نشاط علمي منظم وطريقة تفكير وأسلوب للنظر في الوقائع‪ ،‬يسعى إلى‬
‫كشف الحقائق معتمدا على مناهج موضوعية من أجل معرفة االرتباط بين هذه الحقائق ثم‬
‫استخالص المبادئ العامة والقوانين‪.‬‬

‫فالبحث العلمي إذن هو دراسة هدفها الوصول إلى اكتشاف وشرح وتفسير الظواهر‪.‬‬
‫" فهو نشاط فكري منظم يهدف إلى زيادة قدرة االنسان على السيطرة على الطبيعة‪ ،‬باعتبار‬
‫أن السيطرة على الطبيعة تُعد هدفا أساسيا من أهداف العلم‪ ،‬حيث يرى فرونسيس بيكون أنه‬
‫البد أن يخضع الباحث للطبيعة أوال قبل أن يستطيع السيطرة عليها‪ ،‬أي ان فهم الطبيعة‬
‫والخضوع لقوانينها هو الخطوة األولى نحو السيطرة عليها"‪ .‬وسيتم اعتماد مفهوم البحث‬
‫االجتماعي الذي نقصد به البحث العلمي في مجال علم االجتماع‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫أنواع البحوث العلمية‬

‫للبحث العلمي العديد من األنواع تنقسم وفق التصنيفات المعتمدة في هذا المجال‪ ،‬فهناك‬
‫البحوث االستطالعية‪ ،‬الوصفية‪ ،‬التجريبية‪ ،‬التاريخية‪ ،‬التقويمية‪ .‬سيتم التطرق إليها بعد عرض‬
‫التصنيفات األخرى حتى نشمل كافة أنواع البحوث العلمية بصفة عامة واالجتماعية على وجه‬
‫الخصوص‪.‬‬
‫وعموما نجد التصنيف المتفق عليه المتضمن البحوث األساسية الناتجة عن البحوث‬
‫النظرية المساهمة في تطور المعرفة عموما ذات المجال االجتماعي‪ ،‬والبحوث التطبيقية‬
‫الناتجة عن المجاالت التقنية وفي مجال الصناعة والتطوير التكنولوجي‪ .‬إضافة إلى التصنيفات‬
‫التالية‪:‬‬
‫التصنيف األول‪ :‬حسب المجال العام المرجعي‪.‬‬
‫التصنيف الثاني‪ :‬حسب االستخدام‪.‬‬
‫التصنيف الثالث‪ :‬حسب المعنى‪.‬‬
‫التصنيف الرابع‪ :‬حسب منهج البحث‪.‬‬
‫التصنيف الخامس‪ :‬حسب الدرجة (شروط البحث)‪.‬‬
‫التصنيف السادس‪ :‬حسب النوع‬

‫أوال‬
‫• حسب المجال المرجعي‬
‫البحوث الواقعية (الميدانية‪ /‬التطبيقية)‪ :‬تكون مرتبطة بالزمان والمكان‪ ،‬يتعامل فيها الباحث‬
‫مع معطيات حقيقة تؤخذ من الميدان‪ .‬هدفها التطبيق المباشر للمعارف العلمية المتوفرة والعمل‬
‫على حل المشاكل المتعلقة بظاهرة معينة‪ .‬وبهذا فهي تعمل على إيجاد الحلول للمشاكل‬
‫الميدانية‪ ،‬إضافة إلى تطوير وتنمية األساليب المتبعة في العملية اإلنتاجية المعتمدة في مختلف‬
‫المجاالت التطبيقية كالتربية والتعليم والصحة‪...‬‬

‫‪3‬‬
‫البحوث النظرية‪ :‬مجردة من الزمان والمكان‪ُ ،‬مدركة بالعقل‪ .‬تهدف أساسا إلى التوصل إلى‬
‫الحقائق والنظريات العلمية للمساهمة في تنمية المعرفة‪.‬‬

‫وهناك نوع من البحوث يجمع بين هذين النوعين يتجسد في البحث النظري الميداني‬
‫من خالل معالجة موضوع بحث معين السيما في الدراسات االجتماعية أين يجمع الباحث من‬
‫خالل قراءاته النظريات التي توصل إليها اآلخرون ويعتمد تقنيات معينة (المالحظة‪ ،‬االستمارة‪،‬‬
‫المقابلة) للتحقق من فرضياته ميدانيا‪.‬‬

‫ثانيا‬
‫• حسب االستخدام‬
‫تندرج البحوث هنا في إطار الهدف من البحث‪ .‬فهناك‪:‬‬

‫البحوث الرسمية‪ :‬تأخذ أساسا الطابع األكاديمي من طرف هيئات رسمية إلجراء بحث بغرض‬
‫رسمي لحل مشكلة معينة‪ ،‬أو لوضع خطة أو إثراء نظرية‪ .‬حيث يخضع التطبيق هنا للهدف‪.‬‬
‫وغالبا ما تدخل في هذا اإلطار مراكز البحوث‪.‬‬

‫البحوث غير الرسمية‪ :‬تُنجز بغرض التدريب على البحث كتلك األعمال المنجزة في إطار‬
‫فرق البحث الجامعية‪.‬‬

‫ثالثا‬
‫• حسب المعنى‬
‫يأخذ هذا التصنيف معناه من معنى البحث في حد ذاته‪ ،‬فالبحث بمعنى التنقيب يهدف‬
‫إلى كشف المعلومات دون نشرها أو تعميمها واستعمالها في حل مشكلة معينة‪ .‬ويستخدم‬
‫كتمهيد لدراسة الحقة أي الدراسات االستطالعية‪.‬‬

‫فيستعمل في المجاالت الفلسفية واألدبية بشكل‬‫أما البحث بمعنى التفسير النقدي ُ‬


‫خاص‪ ،‬وفي األفكار التي تختلف فيها وجهات النظر وذلك عن طريق التدليل المنطقي الناتج‬

‫‪4‬‬
‫عن العقل‪ .‬في حين يجمع البحث الكامل بين التنقيب والتفسير النقدي بهدف تعميم النتائج‬
‫وحل المشكالت‪.‬‬

‫رابعا‬
‫• حسب منهج البحث‬
‫البحوث االستطالعية (االستكشافية)‪:‬‬
‫تهدف إلى كشف معلومات أولية عامة عن مواضيع لم تسبق دراستها‪.‬‬
‫البحوث الوصفية (التشخيصية)‪:‬‬
‫ت هدف إلى تشخيص ظاهرة معينة من خالل جمع المعلومات حولها وتحليلها بغرض‬
‫وصفها وصفا مفصال لجميع الظروف المحيطة بها‪ .‬ووضع تقرير شامل عن حالتها كما هي‬
‫في الواقع‪ .‬ويعتمد هذا النوع من البحوث على المنهج الوصفي التحليلي‪.‬‬
‫البحوث التاريخية‪ :‬تدرس هذه البحوث‪ ،‬تصف وتسجل جميع األحداث والوقائع التي‬
‫حدثت وانتهت في الزمن الماضي وتعمل على تحليلها وتفسيرها‪ ،‬من أجل محاولة فهم األحداث‬
‫الحالية والتنبؤ‪ .‬ويعتمد هذا النوع من البحوث على المنهج التاريخي‪.‬‬
‫البحوث التجريبية‪ :‬تبحث في المشكالت والظواهر الموجودة بغرض اختبار الفروض‬
‫عن طريق التجربة والبحث عن العالقات السببية بين الظواهر بناء على المنهج العلمي‪.‬‬

‫خامسا‬
‫• حسب الدرجة‬

‫‪5‬‬
‫يعتبر هذا التصنيف كشروط البحث في تمييزه عن الدراسة والعرض حيث يرى المنهجيون أن‬
‫هذا التصنيف يكاد يكون جامعا لجميع البحوث‪ ،‬حيث‪:‬‬

‫‪ .1‬يكتب الباحث في شيء لم ُيسبق إليه فيخترعه‪.‬‬


‫‪ .2‬يكتب الباحث في شيء مبهم فيشرحه‪.‬‬
‫تممه‪.‬‬
‫في ّ‬
‫‪ .3‬يكتب الباحث في شيء ناقص ُ‬
‫‪ .4‬يكتب الباحث في شيء طويل فيختصره دون االخالل بمعناه‪.‬‬
‫‪ .5‬يكتب الباحث في شيء متفرق فيجمعه‪.‬‬
‫‪ .6‬يكتب الباحث في شيء مختلط فيرتبه‪.‬‬
‫‪ .7‬يكتب الباحث في شيء أخطأ فيه مصنفه فيصححه‪.‬‬

‫سادسا‬
‫• حسب النوع‬
‫يشتمل مجال البحث والتطوير على ثالثة نشاطات في إطار التصنيف التالي‪:‬‬
‫‪-1‬البحث األساسي‪:‬‬
‫"يدور موضوعه حول النظريات والمبادئ الـقـاعدية ويهدف إلى تطوير المعارف‬
‫الخاصة بمجال ما دون مراعاة جانب التطبيق فيه " فهو عبارة عن عمل أساسي نظري يهدف‬
‫إلى الحصول على المعرفة الجديدة حول ظواهر موجودة أو حقائق مالحظة دون أن يكون له‬
‫تطبيق خاص‪" ،‬ينشأ في الجامعات ومعاهد البحوث والمؤسسات ذات الطابع العلمي‪ ،‬وكثي ار‬
‫ما يتخذ شكل المبادئ والنظريات والقوانين العامة التي توضع في دراسات وتقارير تقدم في‬
‫المؤتمرات‪".‬‬
‫وبهذا‪ ،‬ينزع البحث األساسي أو ما يطلق عليه اسم "النظري" نحو الكشف الدائم‬
‫والمستمر عن أسباب الطبيعة والقوانين التي تحكمها‪" ،‬إضافة إلى أنه يزود المجتمع العلمي‬
‫الذي ينشأ في إطاره ببطاقة لدخول منتديات تتفاعل ضمنها المجتمعات العلمية األخرى‪".‬‬
‫إذن‪ ،‬يقوم البحث األساسي بتحليل الخواص والتركيب والعالقات ضمن نظرة‬
‫لصياغة وفحص الفرضيات والنظريات والقوانين‪ .‬ونتائج هذا النوع من البحث ليست للبيع‪،‬‬
‫ولكن يتم نشرها في مجالت أو نشرات عملية أويـتـم تعميمها إلى المعنيين بها‪ ،‬وفي بعض‬
‫‪6‬‬
‫األحيان يتم إعطاء المواضيع الحساسة طابع السرية ألسباب أمنية‪ .‬وهناك نوعين من الفروع‬
‫في هذا الجانب‪:‬‬
‫أ‪-‬البحث األساسي البحت‪ :‬يتم القيام به من أجل التقدم العلمي دون العمل بهدف‬
‫جني فوائد اجتماعية أو اقتصادية على المدى الطويل‪ ،‬ودون بذل مجهودات لتطبيق النتائج‬
‫على مسائل عملية أو نقلها إلى قطاعات مسئولة عن تطبيقه‪.‬‬
‫ب‪-‬البحث األساسي الموجه‪ :‬يتم توجيهه أو اختيار موضوعه ضمن مجاالت‬
‫واسعة ذات االهتمام العام‪ ،‬وتضمن التوقعات بإنتاجه قاعدة واسعة عن المعرفة التي تؤدي‬
‫إلى عمل خلفية لحل بعض التساؤالت أو االحتماالت المعروفة أو المتوقعة في المستقبل‪.‬‬
‫وتساعد عملية التعريف المنفصل للبحث األساسي الموجه في تحديد البحث االستراتيجي‪.‬‬
‫‪-2‬البحث التطبيقي‪ :‬يعمل على تقديم توضيحات حول مشكلة ما قصد تطبيقها‬
‫ميدانيا‪".‬‬
‫بتحر موجه بصورة أساسية نحو أهداف‬
‫يهدف هذا النوع من البحوث "إلى القيام ّ‬
‫عملية أو تطبيق معين‪ ،‬وتتجسد نتائجه بأشكال مختلفة في قطاع من قطاعات اإلنتاج‬
‫والمجتمع‪".‬‬
‫ويرى "عادل عوض" أن البحث التطبيقي يوجه إلى استثمار وتطوير نتائج البحوث‬
‫األساسية لخدمة اإلنسان‪ ،‬ويمكن أن يجرى في كليات الهندسة ومعاهد البحوث التطبيقية‪،‬‬
‫متوجها لخدمة أغراض صناعية‪ ،‬عسكرية وزراعية‪.‬‬
‫فهو بذلك عمل موجه للحصول على المعرفة الجديدة بشكل أساسي نحو هدف‬
‫تطبيقي في الحياة العلمية‪" .‬يهتم بالمشاكل التي يعاني مـنـها الـمجتمع كمشاكل اإلنتاج‬
‫واالختراعات والخدمات التي يساهم حلها في التقدم اإلنتاجي للمجتمع‪ ،‬وتحسين أدواته باستخدام‬
‫الوسائل التقنية الحديثة في تقليل النفقات والتكاليف إزاء تضاعف اإلنتاج‪ .‬وقد نشأت كلمة‬
‫التكنولوجيا من البحث العلمي التطبيقي"‪.‬‬
‫إذن يتم تبني هذا الفرع من البحوث لتحديد االستخدامات المحتملة إلنجازات البحث‬
‫األساسي‪ ،‬أو لتحديد أساليب جديدة إلنجاز بعض األهداف المعينة والمحددة مسبقا‪ .‬يشمل‬
‫اعتبار المعرفة المتوفرة وامتدادها ألجل حل مشاكل معينة‪" .‬وفي قطاع شركات األعمال‪ ،‬فان‬
‫التمييز بين الن وعين من البحوث األساسية والتطبيقية‪ ،‬يمكن تعليمه بإقامة مشاريع جديدة‬

‫‪7‬‬
‫للتحري عن النتائج الواعدة ببرنامج بحث أساسي‪ .‬وتصلح نتائج البحث التطبيقي لمنتج واحد‬
‫أو عـدد مـحدود مـن المنتجات‪ ،‬أو العمليات اإلنتاجية أو وسائل وأنظمة اإلنتاج‪ ،‬ويقوم بتطوير‬
‫األفكار في أسـلـوب عـملي‪ ،‬ويتم تسجيل المعرفة والمعلومات الناتجة عنه إما كبراءة اختراع أو‬
‫تصنف ضمن السرية"‪.‬‬
‫‪-3‬التطوير التجريبي أو العملي‪ :‬هو عبارة عن عمل مبرمج‪ ،‬مرسوم حول تجربة‬
‫مكتسبة بواسطة البحث أو الخبرة العلمية‪ ،‬موجه نحو الحصول على مواد جديدة أو منتجات‬
‫ومشتقاتها‪ ،‬أو نح و عمل وسائل إنتاج جديدة وأنظمة وخدمات إلجراء تحسينات على تلك‬
‫المنتجة حاليا من حيث الكلفة اإلنتاجية والنوعية والكمية‪ ...‬وفي العلوم االجتماعية يمكن‬
‫تعريف التطوير التجريبي بأنه الوسيلة لترجمة المعرفة المكتسبة عبر البحث في برامج عملية‬
‫بما في ذلك مشاريع عرض تعمل لفحص وتقييم األهداف‪.‬‬
‫إذن نستخلص ثالثة أنواع من البحوث تتمثل في‪:‬‬
‫‪-‬بحوث أساسية‪ :‬تهدف إلى تقدم المعارف وزيادة حقائقها‪.‬‬
‫‪-‬بحوث تطبيقية‪ :‬موجهة لتطبيق واستثمار نتائج البحوث األساسية لخدمة اإلنسان‪.‬‬
‫‪-‬بحوث التطوير التكنولوجية‪ :‬تهدف إلى إدخال التحسينات واإلضافات على آلية اإلنتاج‬
‫وصوال لزيادته كما وكيفا‪ .‬وال يختلف اثنان على أهمية هذا الجانب في فتح مجاالت اإلبداع‬
‫والتميز لدى األفراد والمجتمعات‪ ،‬وتزويدها بإمكانية امتالك أسباب النمو على أسس قوية‪ ،‬فلم‬
‫يعد البحث العلمي رفاهية أكاديمية تمارسه مجموعة من الباحثين المنعزلين‪ ،‬وإنما تكمن أهميته‬
‫في الدور الفعال الذي يقوم به في تطوير المجتمعات المعاصرة على اختالف مواقعها في سلم‬
‫التقدم الحضاري‪ ،‬ويساهم في العملية التجديدية التي تمارسها هذه المجتمعات لتحقيق رفاهيتها‪.‬‬
‫وبهذا تتعدى أهمية البحث العلمي في عالمنا المعاصر تقديم أسلوب البحث عن‬
‫يتمكن العلماء‬
‫مكن من صياغة استراتيجية دقيقة لـلنشاط اإلنساني‪ ،‬ومن ثمة ّ‬
‫الحقيقة ُلي ّ‬
‫والباحثين من صنع الق اررات والسياسات المختلفة كل في مجال تخصصه‪.‬‬
‫وفيما يلي تصنيف آخر أل نواع البحوث االتالي‪:‬‬
‫‪ .1‬البحوث االستطالعية (االستكشافية)‪ :‬يكشف هذا النوع من البحوث ظواهر أو يتناول‬
‫مواضيع جديدة أو ميادين لم يتطرق لها الباحثون من قبل‪ .‬أو تلك التي ال تتوفر عنها‬
‫معلومات ويجهل الباحث الكثير من جوانبها وأبعادها‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ .2‬البحوث الوصفية‪ :‬باعتبار أن المنهج الوصفي رمن أساسي في البحث العلمي‪ ،‬واألكثر‬
‫مالءمة لدراسة أغلب المجاالت اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬تسعى البحوث الوصفية إلى وصف‬
‫خصائص ظاهرة معينة أو موقف محدد أو قضايا اجتماعية تمت دراستها من قبل‪ ،‬بهدف‬
‫الوصول إلى نتائج تصف موضوع الدراسة وتحدد خصائصها‪ .‬وال تقف البحوث الوصفية‬
‫عند مجرد جمع البيانات والحقائق‪ ،‬بل تعمل على تصنيفها‪ ،‬تحليلها وتفسيرها الستخالص‬
‫دالالتها الكمية والكيفية بهدف الوصول إلى نتائج نهائية يمكن تعميمها‪.‬‬
‫‪ .3‬البحوث التجريبية‪ :‬تتميز البحوث التجريبية بالدقة واإلحكام‪ ،‬وتعتمد على التجربة في‬
‫قياس أثر المتغيرات المختلفة‪ .‬من خالل المالحظة المقصودة والمضبوطة‪.‬‬
‫‪ .4‬البحوث التاريخية‪ :‬يسجل البحث التاريخي األحداث التاريخية والوقائع التي جرت في‬
‫الماضي‪ ،‬يحللها ويربطها باألحداث الحالية قصد تفسيرها‪ .‬وتكمن أهمية هذا النوع من‬
‫البحوث في المقارنة بين مرحلتين زمنيتين بجمع المعلومات حولها ومعرفة امتدادها‬
‫التاريخي ومختلف النظريات التي عالجتها وتأثيرها على سلوك األفراد والمجتمعات‪.‬‬
‫‪ .5‬البحوث التقويمية‪ :‬البحث التقويمي هو سلسلة من األحداث والعمليات تتبع خطوات محددة‬
‫ومتسلسلة تتطلب مستوى معين من األداء وفقا لما هو متفق عليه من قبل المتخصصين‬
‫ومتخذي القرار‪ .‬ومن هنا فالبحث التقويمي هو بحث إجرائي ذو طبيعة تقويمية أو تطبيقية‬
‫يستقصي ممارسات أو أنشطة أو برامج في مواقع خاصة بهدف تحسين األداء وزيادة‬
‫الفاعلية حيث يركز على ممارسة معينة (قد تكون برنامجا أو منهجا أو عملية)‪ ،‬فيعمل‬
‫على تقدير ميزتها أو قيمتها‪ ،‬فيقرر فيما إذا كانت ناجحة أي أنها تحقق أهدافها أو ال‬
‫بهدف اتخاذ ق اررات مستقبلية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫خصائص البحث االجتماعي‬
‫‪ -‬التنظيم‪ :‬من خالل اتباع أسلوب محدد وخطوات مدروسة للوصول إلى النتائج المرجوة‬
‫‪ -‬الهدفية‪ :‬تسعى كافة البحوث لتحقيق هدف معين‪ ،‬وتتنوع األهداف بتنوع التخصصات‬
‫العلمية والظاهرة المدروسة‪ .‬فهناك بحوث تهدف إلى وصف الظاهرة‪ ،‬وأخرى إلى‬
‫تفسيرها‪ ،‬ومن األهداف أيضا نجد التنبؤ‪ ،‬التجريب‪...‬‬
‫‪ -‬الشمولية‪ :‬وتعني تغطية الموضوع المدروس ليشمل جميع جوانب البحث مع إمكانية‬
‫تعميم النتائج على ظواهر أخرى مشابهة‪.‬‬
‫‪ -‬التعقيد‪ :‬البحث العلمي هو سلسلة من الخطوات المتعاقبة المتداخلة سعيا لتحقيق أهداف‬
‫معينة‪ .‬كما أنه يحتاج إلى مهارات من قبل الباحثين كالتدقيق‪ ،‬التحليل‪،‬‬
‫التفسير‪...‬متداخلة فيما بينها أيضا‪.‬‬
‫‪ -‬التراكمية‪ :‬يبدأ الباحث من حيث انتهى اآلخرون ن خالل اعتماده على النتائج السابقة‪،‬‬
‫مما يركز الجهود ويمنع التكرار ويعمل على التجديد واالبتكار‪.‬‬
‫‪ -‬الصدق والثبات‪ :‬الصدق والثبات خاصيتين مترابطتين للبحث العلمي‪ ،‬فال بد أن يكون‬
‫البحث ثابتا حتى يعبر عن صدق النتائج‪ .‬فالنتائج الصادقة تنجم عن البحث العلمي‬
‫الذي تأكد له الثبات‪.‬‬
‫‪ ‬الصدق‪ :‬يعني تفسير النتائج بدقة‪ ،‬والربط بين جميع مكونات البحث النظرية والعملية‪.‬‬
‫‪ ‬الثبات‪ :‬إمكانية إعادة نفس نتائج البحث بتكرار التطبيق‪.‬‬
‫‪ -‬الدقة‪ :‬التحديد الدقيق لكل إجراءات البحث ومختلف مراحله‪.‬‬
‫‪ -‬الموضوعية‪ :‬الحياد في إجراءات تنفيذ البحث منذ البداية إلى النتائج النهائية‪.‬‬
‫‪ -‬المنطقية‪ :‬اعتماد التسلسل المتوافق مع قواعد العقل واألساس السليم في مختلف مراحل‬
‫البحث‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫مراحل البحث االجتماعي‬
‫يختلف العلماء في تحديد خطوات إعداد البحث العلمي وإج ارءات تنفيذه‪ ،‬فمنهم من‬
‫يقسمها إلى ثالثة خطوات أساسية مثل ما قدمه "باشالر" فيما أطلق عليه المراحل العقلية‪ ،‬أو‬
‫فصل في هذه الخطوات في‬ ‫ما قدمه "ريمون كيفي" وحدده في سبعة خطوات اجرائية‪-‬حيث ُ‬
‫سن ّ‬
‫المحاضرات الالحقة‪ .-‬وعموما يمكن تحديد مراحل إعداد البحث العلمي كالتالي‪:‬‬
‫أوال‪-‬اختيار مشكلة البحث وتحديدها‬
‫ثانيا‪-‬مراجعة األدب النظري والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة‬
‫ثالثا‪-‬صياغة فرضيات البحث‬
‫رابعا‪-‬تصميم مخطط البحث‬
‫خامسا‪-‬تحديد مجتمع البحث وعينة الدراسة‬
‫سادسا‪-‬جمع البيانات والمعطيات‬
‫سابعا‪-‬عرض البيانات وتحليلها‬
‫ثامنا‪-‬كتابة تقرير البحث‬

‫مصادر البحث االجتماعي‬


‫تتعلق مصادر البحث االجتماعي بمصادر الحصول على مشكالت البحث التي يمكن تلخيصها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫أوال‪-‬محيط العمل والخبرة الشخصية‪ :‬قد يستقي الباحث مشكلة بحثه من خالل خبرته‬
‫الشخصية في المحيط الذي يعمل فيه أو المؤسسة التي ينتسب إليها‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬الق ارءات المعمقة والناقدة والبحوث والدراسات السابقة‪:‬‬
‫ثالثا‪-‬النظريات المتناقضة أو ما تتنبأ به النظرية‬

‫‪11‬‬
‫طلب من الباحث البحث في مجال معين وفق‬
‫رابعا‪-‬تكليف من جهة معينة‪ :‬في حالة ما إذا ُ‬
‫ما تتطلبه المؤسسة التي ينتمي إليها‬

‫مواصفات القابلية للبحث‬


‫ثمن نتائجه ليتم قبوله سواء‬
‫ينبغي أن تتوافر في البحث الجيد شروطا تضمن جودته وتُ ّ‬
‫من الناحية العلمية أو المهنية‪ .‬وتندرج هذه الشروط وفق جانبين أحدهما شكلي (يتضمن‬
‫الجانب الشكلي في تناول البحث وعرضه) واآلخر جوهري يتعلق بطبيعة البحث في حد ذاته‪.‬‬

‫أوال‪-‬الشروط الجوهرية‪:‬‬
‫‪ -1‬وجود الهدف‪:‬‬
‫يجب أن يكون البحث هادفا‪ ،‬وعادة ما تهدف األبحاث التطبيقية إلى حل مشاكل تواجه األفراد‬
‫والجماعات أو تعمل على التخفيف من حدتها‪( .‬كمشاكل الفقر‪ ،‬البطالة‪ ،‬اإلدمان‪ ،‬التلوث‬
‫البيئي‪ ،‬تدني اإلنتاجية‪ ،‬الرسوب والتسرب المدرسي‪...‬إلى غيرها من المشاكل التي تستوجب‬
‫البحث فيها)‬
‫‪-2‬الموضوعية‪:‬‬
‫تضمن الموضوعية وصول الباحث إلى استنتاجات واقعية بعيدة عن أهوائه حتى يخدم‬
‫األغراض العلمية‪.‬‬
‫‪-3‬قابلية التعميم‪:‬‬
‫يأخذ البحث أهميته حينما يكون قابال للتعميم على أوسع نطاق ممكن‪ ،‬حتى يستفاد من‬
‫تطبيق نتائجه في مجال واسع‪.‬‬
‫‪-4‬قابلية التكرار‪:‬‬
‫أن يكون البحث قابال للتكرار يعني أن ما هو متاح للباحث الذي أجرى البحث يجب‬
‫يتفرد دون غيره بالعلم والمعرفة عن‬
‫ان يكون متاحا لغيره من الباحثين‪ ،‬وال ُيعقل أن ّ‬
‫موضوع البحث‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪-5‬قوة البحث نظريا وعمليا‪:‬‬
‫ويعني ذلك أال يكون البحث سطحيا قائما على نظريات ضعيفة أو تافهة‪ ،‬بل يستند‬
‫على أسس نظرية وعلمية قوية‪ ،‬وفرضيات قابلة لالختبار والتحقق‪.‬‬
‫‪-6‬التوازن بين الفائدة من البحث والفته‪:‬‬
‫من الضروري أن يكون البحث متوازنا من حيث الفوائد المرجوة منه مقابل الكلفة التي‬
‫ستنفق عليه‪ .‬فال يعقل أن تكون نتائجه والفوائد المرجوة منه ضعيفة مقارنة مع كلفة‬
‫باهظة‪.‬‬
‫ثانيا‪-‬الشروط الشكلية‪:‬‬
‫‪ -1‬االل تزام بالخطوات العلمية المتعارف عليها في كافة البحوث األكاديمية‪ .‬فيختار مشكلة‬
‫واضحة‪ ،‬محددة‪ ،‬ويطرح عددا معقوال من األسئلة‪ .‬ويصيغ الفرضيات من أسئلة بحثه‬
‫بما يحدد متغيرات دراسته‪ .‬ويختار أدوات القياس المناسبة فيجمع المعطيات والبيانات‪،‬‬
‫ثم يحللها ويتخذ القرار حول صحة الفرضيات من عدمه‪ .‬مع مراعاة قدرات الباحث من‬
‫النواحي العلمية‪ ،‬المادية والزمنية‪.‬‬
‫‪ -2‬كتابة البحث بلغة سليمة (إمالئيا ونحويا وصرفيا)‪ ،‬ومفهومة تناسب الجمهور المقصود‬
‫بالبحث‪ .‬وعرضه بتسلسل منطقي‪.‬‬
‫‪-3‬اعتماد عنوان شامل وواضح للبحث‪ ،‬حتى يساعد القارئ على اتخاذ القرار بقراءة البحث‬
‫أو االنصراف عنه‪ .‬مما يستلزم أن يدل العنوان بشكل واضح على موضوع البحث‬
‫والمتغيرات التي يعالجها‪ ،‬والزمان والمكان الذي أجري فيهما هذا البحث إذا ما اقتضت‬
‫الضرورة ذلك‪.‬‬

‫المطالب األساسية في إجراء‬


‫البحث العلمي‬
‫على الباحث االلتزام بثالثة مطالب أساسية إلجراء البحوث العلمية‪ ،‬متمثلة فيما يلي‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -1‬أن تعتمد مالحظته للظاهرة محل البحث على االمبريقية (من خالل التجربة)‪ .‬حيث‬
‫طرح الفالسفة البريطانيون في القرنين السابع عشر والثامن عشر المبدأ التجريبي االمبريقي‬
‫(منهم "لوك" ‪ ،Locke‬و"هيوم" ‪ ،Hume‬وبركلي ‪ )Berkeley‬من خالل اعتقادهم أن ما‬
‫مصدره الحواس هو المصدر الوحيد‪ ،‬الحقيقي والشرعي للمعرفة والعلم‪ .‬فحينما نقول أن الماء‬
‫عديم اللون والطعم والرائحة‪ ...‬فإن الحواس هي أساس هذه المالحظات‪.‬‬
‫‪ -2‬ينبغي أن تتاح المالحظة لجميع المالحظين‪ .‬أي أن الباحث حينما يرى أو يسمع‪ ،‬أو‬
‫يشم شيئا‪ ،‬فإن ما يحس به يجب أن يراه‪ ،‬ويسمعه ويشمه األخرون‪.‬‬
‫‪ -3‬إمكانية الحصول على النتائج نفسها عند إعادة أو تكرار نفس البحث‪.‬‬
‫وتعتبر هذه الخصائص من صفات البحث العلمي الجيد‪ ،‬حيث يتوجب على الباحث‬
‫توضيح وتفصيل كافة إجراءات بحثه والظروف التي أجرى من خاللها مالحظاته‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ثانيا‬

‫مراحل القطيعة‬
‫البحث العلمي‬
‫المرحلة األولى‬
‫• تصميم منهجية البحث‬
‫حدد "ريمون كيفي" )‪ )Raymond Quivy‬و )‪(luc van campenhoudt‬الخطوات اإلجرائية‬
‫للبحث العلمي في سبعة خطوات أساسية حسب الشكل الموالي‪:‬‬
‫‪Étape 1‬‬ ‫‪La question de départ‬‬

‫‪Étape 2‬‬ ‫‪l’exploitation‬‬

‫‪Les lectures‬‬ ‫‪Les entretiens‬‬


‫‪Exploratoires‬‬

‫‪Étape 3 la problématique‬‬

‫‪Étape 4 la construction du model d’analyse‬‬

‫‪Étape 5 l’observation‬‬

‫‪Étape 6 l’analyse des informations‬‬

‫‪Étape 7‬‬ ‫‪les conclusions‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬سؤال االنطالق‪.‬‬


‫المرحلة الثانية‪ :‬اإلستكشاف‪ ،‬ويتم من خالل كل من القراءات والمقابالت االستطالعية‪ ،‬بالتوازي‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬اإلشكالية‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المرحلة الرابعة‪ :‬بناء نموذج التحليل‪ ،‬يتم من خالله الربط االفتراضي بين مختلف متغيرات الفرضية‬
‫في نموذج متكامل قبل الوصول إلى الميدان‪.‬‬
‫المرحلة الخامسة‪ :‬المالحظة‪.‬‬
‫المرحلة السادسة‪ :‬تحليل المعلومات‪.‬‬
‫المرحلة السابعة‪ :‬النتائج‪.‬‬
‫ومن هنا تجتمع منهجية إعداد البحوث العلمية في خطوتين أساسيتين بدءا بالمراحل العقلية التي‬
‫تتجسد من خالل المراحل االجرائية‪( .‬حيث أن المرحلة العقلية مولدة ومقولبة للمرحلة االجرائية)‪.‬‬
‫وخصصنا هذه المحاضرة ألهم مرحلة يتوقف عليها البحث أال وهي سؤال االنطالق‪ ،‬الذي إذا‬
‫أ حسن الباحث صياغته تمكن من بحثه‪ ،‬وحدد زاوية دراسته بدقة‪ ،‬ليخصص الجزء الثاني من هذه المحاضرة‬
‫لشق أساسي من المرحلة الثانية وهو اإلستكشاف من حيث القراءات‪ ،‬ليتم تناول الجزئية الباقية في‬
‫المحاضرات الالحقة‪.‬‬
‫مع العلم أن تقسيمات المراحل وترتيبها يخضع إلجراءات منهجي ة البد من احترامها‪ ،‬والتي تعتبر‬
‫من الركائز المهمة التي يعتمد عليها الباحث في إنجاز دراسته‪.‬‬
‫لنتناول في المحاضرة الالحقة أهم مرحلتين في إنجاز البحوث العلمية وهي بناء اإلشكالية وصياغة‬
‫فرضيات الدراسة التي نتمكن من خاللهما االنتقال من الجانب المجرد إلى الجانب الملموس اين يستخدم‬
‫الطالب مكتسباته التراكمية حول ما يتعلق بالمنهج العلمي‪.‬‬
‫وتتضمن المراحل السبعة السالفة الذكر المجسدة للمنهجية المعتمدة للبحوث مرحلتين أساسيتين‬
‫تتمثل في المرحلة العقلية التي تترجم الحقا في المرحلة اإلجرائية‪ ،‬لنركز ههنا على المرحلة األولى منها‪.‬‬
‫المراحل العقلية‪:‬‬
‫تتجسد من خالل ثالثة مراحل حددها (‪ )Gaston Bachelard‬في قوله‪:‬‬
‫" ‪" construit et constaté ،Le fait scientifique est conquis‬‬
‫‪-Conquis sur les préjugés.‬‬
‫‪-Construit par la raison.‬‬
‫‪-Constaté dans les faits.‬‬
‫نفس الفكرة تطرق إليها (‪ )Pierre Bourdieu‬في كتابه (‪ ،)Le métier de sociologue‬أين‬
‫جسدها في سيرورة عمل تنقسم إلى ثالث خطوات أساسية يجب احترام تسلسلها في ما أسماه التدرج الهرمي‬
‫لألفعال اإلبستمولوجية متمثلة في كل من‪:‬‬
‫‪ ‬القطيعة‪.‬‬
‫‪ ‬البناء‪.‬‬
‫‪ ‬التحقيق‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتمثل المراحل العقلية فيما يلي‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ .1‬مرحلة افتكاك الموضوع (‪.)Conquérir‬‬
‫‪ .2‬مرحلة بناء الموضوع (‪.)Construire‬‬
‫‪ .3‬مرحلة تحقيق الموضوع (‪.)Constater‬‬
‫‪ -1‬نفتك الموضوع ونحدث قطيعة ليس فقط مع األفكار المسبقة بل مع العلوم األخرى كذلك لعدم وجود‬
‫فراغ فكري ونظري من حولنا مثلما قام به "إميل دوركايم" الذي افتك موضوع دراسته االنتحار من‬
‫الميدان النفسي‪ .‬فالمواضيع التي يتم معالجتها في علم االجتماع غير معطاة بل تتطلب جهدا وتوت ار‬
‫فكريا ومنهجيا وابستمولوجيا لبلورتها وإعطائها البعد االجتماعي الذي يمكننا من دراستها‪ ،‬إضافة إلى‬
‫اتسام الباحث باالستقاللية من معارفه السابقة‪.‬‬
‫‪ -2‬بعد افتكاك الموضوع تأتي مرحلة بنائه‪ .‬وال ُيعتبر الموضوع سيسيولوجيا (أي حسب مجال‬
‫التخصص) إال إذا أُخرج من دائرة الماهية ليتحول إلى شبكة من العالقات السببية‪ ،‬من خالل تفكيك‬
‫الموضوع إلى أجزاء مرتبطة ارتباطا جديدا في إطار إشكالية الباحث‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة تحقيق الموضوع وهو ما سيتم تناوله في المحاضرات الالحقة‪.‬‬
‫كيف نختار موضوع البحث؟‬
‫تعتبر مرحلة اختيار موضوع البحث محل الدراسة مرحلة حاسمة وهامة لدى كل الباحثين على‬
‫اختالف تخصصاتهم والشهادة المحضر لها‪ .‬لهذا فهي تشكل فترة قلق وحرج لهم‪ ،‬حيث يصبح هذا األمر‬
‫هاجسا يؤرقهم في ظل غياب نماذج واضحة في هذا اإلطار‪.‬‬
‫فأكبر مشكلة تواجه الباحث‪ ،‬هي إيجاد موضوع يتناسب مع ميوله ورغباته‪ ،‬فغموض المواضيع‪،‬‬
‫وعدم استقرار رأي الباحث على موضوع معين يثير اهتمامه يترتب عنه‪:‬‬
‫‪-‬عدم إلمامه بالموضوع‪،‬‬
‫‪-‬فقدان الرغبة للقيام باألبحاث‪،‬‬
‫‪-‬قلة الجهد المطلوب لتحقيق الغايات المنشودة‪.‬‬
‫فبناء الموضوع نقطة من نقاط البحث الجوهرية واألكثر صعوبة‪ ،‬باعتبارها األساس الذي يستند إليه‬
‫البحث بأكمله‪ .‬حيث أكد باشالر‪" :‬أن العلم يحقق مواضيعه دون أن يجدها أبدا منجزة كليا‪ ،‬إنه ال يتوافق‬
‫مع عالم يجب وصفه‪ ،‬بل مع عالم يجب بناؤه‪ ...‬فالواقعة تخضع للبحث وتبنى ويتحقق منها"‪ .‬وعليه تبدأ‬
‫هذه المرحلة منذ ظهور فكرة البحث وتستمر خالله‪.‬‬
‫ونشير هنا أن المختصين في منهجية البحث يجزمون على أن مرحلة اختيار الموضوع حاسمة كون‬
‫أن‪:‬‬
‫‪ ‬االختيار يحدد نوعية نتائج البحث الحقا‪.‬‬
‫‪ ‬حسن االختيار يشكل دافعا وحاف از لمواصلة البحث‪.‬‬
‫‪ ‬نوع الموضوع المختار يحدد درجة أهمية المساهمة في إثراء البحث‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫إذن‪ ،‬فاختيار الموضوع ليس باألمر السهل‪ ...‬ولذلك يستحسن أن يسأل الباحث نفسه عدة أسئلة‪،‬‬
‫تتعلق بالبحث قبل أن يشرع فيه‪ ،‬وتتلخص هذه األخيرة في‪:‬‬
‫‪-1‬هل تستحوذ المشكلة على اهتمام الباحث ورغبته؟‬
‫‪-2‬هل ستضيف الدراسة التي تجول بخاطره إلى المعرفة شيئا جديدا؟‬
‫‪-3‬هل يستطيع الباحث القيام بالدراسة المقترحة؟‬
‫‪-4‬هل المشكلة نفسها صالحة للبحث والدراسة؟‬
‫‪-5‬هل سبق لباحث آخر أن سجل للقيام بهذا البحث؟‬

‫المرحلة الثانية‬
‫• جرد التراث النظري ورصد مجال البحث‬
‫كيفية االختيار ‪( :‬من أين يستقي الباحث موضوع بحثه)‪:‬‬
‫يتمكن الباحث من اختيار مشكلة البحث من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬اطالعه والمامه بالتراث الفكري في تخصصه من خالل الدراسات والبحوث السابقة المتعلقة بالموضوع‬
‫أو موضوعات مشابهة‪.‬‬
‫‪ -‬حضوره الفعاليات العلمية من مناقشات‪ ،‬ملتقيات‪ ،‬أيام دراسية والمحاضرات التي يتلقاها أثناء مساره‬
‫التكويني‪.‬‬
‫‪ -‬مشاكل الساعة التي تحدث في المجتمع ويهتم بها الرأي العام‪.‬‬
‫‪ -‬الموضوعات والمشاكل التي تبحثها مراكز البحوث والمخابر والهيئات والمؤسسات العلمية المتخصصة‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق أو رفض نظرية أو قانون سابق‪ ،‬أو حينما يريد التأكد من صحة بحث أو فرض معين أو عن‬
‫طريق محادثة أو نتيجة تم استنباطها من نظرية أو قانون‪.‬‬
‫‪-‬حينما يق أر مقاال يختلف فيه مع مؤلفه اختالفا بّينا‪.‬‬
‫‪ -‬من الخبرات اليومية التي يعيشها الفرد‪ ،‬والتي تأثر بها هو شخصيا أو أحد معارفه‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ومن أجل إنجاز هذه المرحلة باحترافية منهجية‪ ،‬لتسهيل العمل نعتمد المخطط التالي‪:‬‬

‫مستوى الفكرة‬ ‫كيف أبدأ؟‬ ‫التساؤل المبدئي‬

‫كيف أختار‬
‫التمحيص‬ ‫االتساؤل التشاوري‬
‫الفكرة‬

‫تثبيت الفكرة‬ ‫كيف أقرر؟‬ ‫القرار المنهجي‬

‫تحويل الفكرة إلى‬


‫موضوع‬ ‫كيف أصغه؟‬ ‫سؤال البحث‬

‫تحضير المادة‬
‫األولية‬ ‫كيف أقرأ؟‬ ‫القراءة واإلطالع‬
‫تعميق الموضوع‬

‫أسئلة‬ ‫كيف أصغ أسئلة‬ ‫البحث عن جوهر‬


‫اإلشكالية‬ ‫اإلشكالية؟‬ ‫اإلشكالية‬

‫تحرير‬ ‫كيف أبني‬ ‫التأطير النظري‬


‫اإلشكالية‬ ‫اإلشكالية؟‬ ‫والمفاهيمي‬

‫كيف أحدد مفاهيم‬ ‫الهيكلة العامة‬


‫المفاهيم المفتاحية‬
‫اإلشكالية؟‬ ‫للبحث‬

‫تحديد منهجية‬
‫الدراسة الميدانية‬ ‫الفرضيات‬ ‫ضبط المتغيرات‬

‫تنظيم المعطيات – مراقبتها – معالجتها وتحليلها‪ :‬تحرير النتائج‬

‫‪19‬‬
‫العوامل المؤثرة في اختيار مشكلة البحث‪:‬‬
‫‪-‬احساس الباحث بالمشكلة وشعوره بها‪.‬‬
‫‪-‬يجب أن يكون لموضوع البحث قيمة علمية‪.‬‬
‫‪-‬أصالة الموضوع وتجنب التكرار‪.‬‬
‫‪-‬توفر المصادر والمراجع العلمية والبيانات المطلوبة للمشكلة موضوع الدراسة‪.‬‬
‫‪-‬يجب أن يراعي الباحث في اختياره لموضوع بحثه كل من تخصصه‪ ،‬اإلمكانات المادية والبشرية المتاحة‪،‬‬
‫إضافة إلى الزمن المحدد للبحث‪.‬‬
‫‪-‬يجب عدم اختيار مشكلة كبيرة أو متشعبة‪.‬‬
‫‪ -‬يجب أن يأخذ في الحسبان الصعوبات التي يمكن أن تحيط بمشكلة بحثه مسبقا‪.‬‬
‫فكرة البحث‪ :‬من أين أبدأ؟‬
‫التساؤل حول كيفية االنطالقة في البحث‪ ،‬يفصل من خاللها الباحث كل من توقعه‪ ،‬مجاله والهدف‬
‫منه‪ .‬ويقوم الباحث فيها بطرح مجموعة من األفكار دون اشتراط ترتيبها أو تحديد عددها حيث يرجع هذا‬
‫األمر إلى ما يراه مناسبا من خالل ما كونه حول الموضوع كما تم اإلشارة إليه سابقا‪ .‬وبهذا يكون الباحث‬
‫قد حدد موضوعه في فكرة أولية‪ ،‬لينتقل إلى المرحلة الموالية حسب المخطط المشار إليه آنفا‪.‬‬
‫وال يمكن أن يتجاوز هذه المرحلة دون توجيهات المشرف‪ ،‬والعمل معه في جلسات علمية وفق‬
‫رزنامة عمل محددة مسبقا‪.‬‬
‫كيف نختار الفكرة؟‬
‫بعد العمل األولي يدخل الباحث في مرحلة التمحيص انطالقا من التساؤل التشاوري مع نفسه ومع‬
‫المشرف والمختصين في مجاله‪ ،‬وكذا كل من يرى أنهم معنيين بالدراسة أو يمكنهم مساعدته في إنجازها‪،‬‬
‫إضافة إلى شبكة القراءات حول الموضوع‪.‬‬
‫إذ تعتبر هذه المرحلة تمهيدا للدراسة االستطالعية –االستكشافية‪( -‬ويطلق عليها في مجاالت أخرى‬
‫التحقيق األولي حول الموضوع )‪ ،‬ف يقوم الباحث بعملية التمحيص لما تحصل عليه من أفكار في المرحلة‬
‫األولى حتى يتمكن من تجسيد الفكرة القابلة للدراسة والبحث (والتي يمكن أن تعدل الحقا حسب المعطيات‬
‫المستجدة نظريا وميدانيا)‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫الفكرة األولى‪ :‬دراسة دور إدارة الجودة الشاملة في تنمية المورد البشري‪.‬‬
‫المؤسسة المختارة‪ :‬يحدد فيها الطالب المؤسسة المعنية بالدراسة أو ما يعرف بالمجال المكاني للدراسة‪.‬‬
‫االتصال بالمؤسسة‪ :‬وهي مرحلة يتأكد من خاللها الباحث من إمكانية التحقيق الميداني للفكرة المختارة‪،‬‬
‫متخذا إجراءات الحصول على رخصة إنجاز الدراسة بالمؤسسة تبعا لرخصة إجراء البحث المسلمة له من‬
‫الجامعة المسجل بها (جامعة البليدة‪ )2‬والتأكد من الحصول على كل المعطيات األولية الضرورية لذلك‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫وننوه إلى أهمية هذه المرحلة حتى ال يجد الباحث نفسه الحقا مضط ار لتغيير الموضوع نظر لعدم‬
‫تمكنه من الحصول على الموافقة والمعطيات التي تفيده في التقدم في موضوعه‪ ،‬مما ال يخدمه كونه‬
‫محصو ار في مدة زمنية محددة إلنجاز موضوع بحثه‪.‬‬
‫وتمكنه هذه المرحلة من اتخاذ قرار تحديد فكرة موضوعه بصفة نهائية حتى يتسنى له االنطالق في‬
‫إجراءات معالجته‪ ،‬وتسمى هذه المرحلة بالقرار المنهجي‪.‬‬
‫أهمية الدراسة‪:‬‬
‫تتوقف أهمية البحث على‪:‬‬
‫‪ -‬أهمية الظاهرة التي يتم دراستها‪،‬‬
‫‪ -‬قيمتها العلمية والعملية المضافة وما يمكن أن تحققه من نتائج يمكن االستفادة منها‪ ،‬وما يمكن أن تخرج‬
‫به من حقائق يمكن االستناد إليها‪ ،‬أي ما يمكن أن تحققه الدراسة من فائدة للعلم وللباحث وللباحثين عموما‬
‫من الناحية العلمية‪ ،‬وما يمكن أن تحققه من فائدة لمجتمع من الناحية العملية والتطبيقية‪.‬‬
‫وعلى الباحث توضيح أهمية الموضوع بدقة في متن عمله إذ تتوقف عليها أهداف الدراسة‪.‬‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫لكل دراسة أو بحث غرض يكسبه قيمته العلمية‪ ،‬فالهدف من الدراسة يفهم عادة على أنه السبب‬
‫الذي قام الباحث من أجله بهذه الدراسة‪ .‬والبحث الجيد هو الذي يتجه إلى تحقيق أهداف عامة غير شخصية‬
‫ذات قيمة وداللة علمية‪ ،‬وتنقسم األهداف إلى نوعين‪:‬‬
‫الهدف العلمي‪:‬‬
‫ويكون أساسه رغبة الباحث في إثراء المعرفة واشباع الفضول العلمي‪.‬‬
‫الهدف العملي (التطبيقي)‪:‬‬
‫والهدف هنا هو استخدام نتائج البحث وتطبيقاته للوصول إلى حل للمشكلة التي قام الباحث بدراستها‪،‬‬
‫أي تحقيق االستفادة المباشرة ب جعل العلم في خدمة المجتمع عن طريق الوصول إلى حلول للمشكالت التي‬
‫تواجه األفراد والجماعات‪.‬‬
‫بعد االنتهاء من المرحلة األولى يصل الباحث إلى أهم خطوة في البحث تتوقف عليها نوعيته‪ ،‬تتعلق‬
‫عدة أسئلة من أهمها‪:‬‬
‫المحير) طارحا ّ‬
‫ّ‬ ‫بالسؤال األساسي للبحث (السؤال‬
‫األهمية العلمية للسؤال المطروح‪ ،‬وظيفته بالنسبة للباحث والتخصص على حد سواء‪ .‬وبالتالي كيفية‬
‫صياغته بما يسجد هدف وأهمية البحث‪.‬‬
‫تحويل الفكرة إلى سؤال االنطالق‪:‬‬
‫إ ن أحسن وسيلة منهجية تمكن الباحث من التحكم في الخطوات المنهجية هي القيام بعملية الضبط‬
‫والتدقيق في كل خطوة يقوم بها‪ .‬فبعد اتضاح فكرة البحث لدى الباحث وتحديده للموضوع باالتفاق مع‬

‫‪21‬‬
‫األستاذ المشرف‪ ،‬وبعد كل من االستشارة والقراءات المعمقة (شبكة القراءات)‪ ،‬يحول فكرته األولية إلى سؤال‬
‫جوهري – رئيسي ‪-‬محرك للبحث‪.‬‬
‫هذا السؤال الذي "يعبر في الوقت ذاته عن تصور للموضوع وهو موقف نظري‪ ،‬وعليه فبإمكان‬
‫اختالف تفسير الموضوع وبنائه من طرف المختصين في نفس العلم باختالف السؤال المطروح"‪.‬‬
‫وعلى سؤال االنطالقة أن يكون‪:‬‬
‫محي ار من الزاوية المنهجية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬عاما وواضحا‪.‬‬
‫‪ ‬يحمل متغيرين أو أكثر حسب الهدف المسطر للدراسة‪.‬‬
‫‪ ‬يحمل في طياته التحفيز على البحث واالستفسار‪.‬‬
‫ويستم سؤال االنطالقة بجملة من الخصائص من أهمها‪:‬‬
‫‪-1‬الوضوح‪:‬‬
‫‪ ‬الدقة واالختصار‪ :‬يتضمن عدة معاني‪ ،‬يفهمها الجميع بنفس الشكل‪.‬‬
‫الصياغة الجيدة‪ :‬بمعنى أن تكون موجزة‪ ،‬وال تتضمن افتراضات أو إجابات أو تأويالت‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪-2‬قابلية اإلنجاز‪:‬‬
‫فالسؤال المطروح للدراسة يتوقف على إمكانيات الباحث المعرفية‪ ،‬المادية والزمنية‪.‬‬
‫‪-3‬التوافق‪:‬‬
‫أ‪ -‬تجنب األحكام القيمة بمعنى أن الجواب عليه ال يكون بالنسبة لنسق القيم الذي يتمتع به الباحث‬
‫وإنما موضوعي والهدف منه هو التفسير‪.‬‬
‫ب‪ -‬تجنب الطابع الفلسفي الذي يصعب التحقق منه‪.‬‬
‫ت‪ -‬ال بد أن يحتمل عدة إجابات ممكنة ال يمكننا أن نؤكد أحدها دون القيام بدراسة علمية‪.‬‬
‫ث‪ -‬البحث فيما وجد أو ما هو موجود وليس ما يمكن أن يوجد في المستقبل (التنبؤ) ففي العلوم‬
‫االجتماعية يصعب التنبؤ بالظواهر لخصوصية الظاهرة ونسبيتها‪.‬‬
‫ج‪ -‬ال يقتصر على الوصف وإنما يتعداه إلى الفهم أو التفسير‪.‬‬
‫وعليه فسؤال االنطالقة يجب أن يكون واضحا‪ ،‬قابال لجإجابة‪ ،‬متوافقا مع الواقع‪.‬‬
‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫الفكرة‪ :‬دور إدارة الجودة الشاملة في تنمية المورد البشري‪.‬‬
‫تحويل الفكرة إلى سؤال االنطالق حسب هدف الباحث‪:‬‬
‫السؤال األول‪ :‬كيف يساهم تبني نظام إدارة الجودة الشاملة في تدعيم مكانة الموارد البشرية في المؤسسة‬
‫الجزائرية؟‬
‫السؤال الثاني‪ :‬هل تتبنى المؤسسة الجزائرية نظام إدارة الجودة الشاملة في تدعيم مكانة الموارد البشرية؟‬
‫‪22‬‬
‫من خالل السؤال األول يحاول الباحث تشخيص نظام إدارة الجودة الشاملة في المؤسسة محل‬
‫الدراسة بغرض تقييم مكانة الموارد البشرية فيها‪ .‬ويجد الباحث نفسه هنا في إطار وصف للظاهرة‬
‫وتشخيصها‪.‬‬
‫انطالقا من نفس الفكرة صاغ طالب آخر سؤاله واضعا نفسه في موقع المتسائل عن تبني المؤسسة‬
‫الجزائرية نظام إدارة الجودة الشاملة ودور ذلك في تدعيم مكانة الموارد البشرية‪ .‬حيث يجد نفسه في إطار‬
‫استكشافي للظاهرة هدفها معرفة تبني المؤسسة لنظام إدارة الجودة من عدمه‪.‬‬
‫إن الباحث عند صياغته لسؤال البحث األساسي سيتساءل ال محالة عن فعالية المنهجية ووضوحها‪.‬‬
‫ففي هذه الحالة يمكن اقتراح العملية التالية‪:‬‬
‫‪ ‬عرض سؤال البحث على مجموعة من األساتذة المختصين سواء من فريق التكوين المسجل فيه‪،‬‬
‫وهم جملة األساتذة المشرفين على عملية تكوين الطلبة‪ ،‬أو أي أستاذ آخر في التخصص من‬
‫الجامعة المسجل بها أو غيرها يرى الطالب أنه يمتلك الخبرة لتوجيهه في هذا المجال‪ ،‬كما يستطيع‬
‫اإلستعانة برؤساء فرق البحث واألعضاء على مستوى المخابر الفاعلة في مجال التخصص‪.‬‬
‫تمكنه من توضيح‬
‫‪ ‬عند االنتهاء من هذه المرحلة يمكن للباحث استخالص المالحظات المختلفة التي ّ‬
‫السؤال أكثر عند الحاجة أو االحتفاظ به إذا أثبتت العملية وضوحه وقبوله كموضوع بحث ودراسة‪.‬‬
‫ومن هنا يقرر الباحث إما أن يحتفظ به‪ ،‬أو يعيد صياغته (تعديله)‪ ،‬أو يتخلى عنه (تغييره)‪.‬‬
‫ويتجسد هذا من خالل الشكل التالي‪:‬‬

‫من هنا نالحظ أن لسؤال البحث األساسي (سؤال االنطالقة) دو ار هاما في توجيه الباحث إلى األطر‬
‫النظرية المختلفة قصد قراءتها وتحليلها حتى يتمكن من بناء إشكالية بحث بكيفية منهجية ناجحة‪.‬‬
‫يعد سؤال االنطالقة بمثابة كاشف (‪ )Projecteur‬حقيقي يوجه الباحث إلى‪:‬‬
‫‪ ‬مجال البحث البيبليوغرافي للقراءة وتحليل المفاهيم األساسية للبحث‪.‬‬
‫‪ ‬األطر النظرية (ن ظريات ونماذج مختلفة)‪.‬‬
‫‪ ‬االستشارة المعمقة (أهل الخبرة والتخصص)‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ويتوج هذا السؤال في النهاية بطرح األسئلة الجوهرية لجإشكالية وبناء اإلطار النظري للبحث‪.‬‬
‫لينتقل الباحث إلى الخطوة الموالية من إنجاز بحثه‪:‬‬
‫المرحلة االستكشافية (االستطالعية)‪:‬‬
‫تشمل هذه المرحل ة كل من القراءات‪ ،‬المالحظة واالستشارة‪:‬‬
‫‪-1‬القراءة المعمقة والمراحل االستكشافية‪:‬‬
‫تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬ماذا أقرأ؟‬
‫‪ ‬كيف أقرأ؟‬
‫حتى نساعد الباحث على جمع المادة الخام أي مجمل المراجع المشكلة لشبكة القراءات التي تناولت‬
‫موضوع دراسته سواء أو اقتربت منه أو مراجع في التخصص‪ ،‬وتكون ضرورية لبناء اإلشكالية‪ ،‬والتي‬
‫يحددها من خالل تفكيكه لمختلف المفاهيم التي يتضمنها سؤال االنطالقة وكذا العالقة المطروحة في إطاره‪.‬‬
‫وسيتم توضيح بشكل مفصل كيفية استخراج المراجع (الفهرسة) واستغاللها (االقتباس والتوثيق) الحقا‪.‬‬
‫‪-2‬المالحظة واالستشارة‪:‬‬
‫ماذا نالحظ؟ أين نالحظ؟ من نستشير؟‬
‫‪-‬المالحظة والمقابالت بمختلف بأنواعها التي تناولناها في مقياس مناهج وتقنيات البحث‪.‬‬
‫‪ -‬االتصال مع مختلف الخبراء والمختصين الذين لهم عالقة بالموضوع المعالج‪ ،‬من أساتذة إضافة إلى‬
‫األستاذ المشرف‪ ،‬وكذا المبحوثين‪.‬‬
‫وبعد جمع المعطيات المت حصل عليها من خالل هذه االجراءات يتمكن الباحث تدريجيا من بناء‬
‫إشكالية بأسس علمية بعيدة عن الذاتية واألحكام القيمية‪.‬‬
‫القطيعة األبستمولوجية (االبتعاد عن األفكار المسبقة)‪:‬‬
‫تعتبر هذه الخطوة قاعدة منهجية في بناء البحث االجتماعي‪ ،‬ورغم صعوبة االلتزام بها إال أنها‬
‫ضرورية في البحث العلمي لالبتعاد عن األفكار المسبقة التي تمثل عائقا ابستمولوجيا يضفي تصورات غير‬
‫موضوعية‪ .‬وااللتزام بها يعني االبتعاد عن الذاتية فيعالج الباحث موضوع بحثه وكأنه يجهل عنه كل شيء‬
‫فينطلق مما تقدمه له مالحظة الوقائع ال من خالل ما يعتقد أنه يعرفه عنه‪ .‬حيث تطرق دوركايم في مؤلفه‬
‫"قواعد المنهج في علم االجتماع" إلى ضرورة القطيعة االبستمولوجية التي تُدخل الباحث في عالقة مواجهة‬
‫مع االنطباع العام عند بناء الموضوع من خالل اعتبار الظواهر االجتماعية كأشياء تُبنى ليست معطاة‪.‬‬
‫ومن هنا يتزود الباحث بخلفية نظرية من خالل اإلطار النظري المرجعي ومختلف التقنيات التي يواجه بها‬
‫الحس المشترك‪ ،‬ألن هذه القطيعة ال تتحقق إال بجعل مسافة بين الموضوع والتصورات الجاهزة عنه‪.‬‬
‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫ليكن سؤال البحث األساسي التالي‪:‬‬
‫‪24‬‬
‫كيف يساهم تبني نظام إدارة الجودة الشاملة في تدعيم مكانة الموارد البشرية في المؤسسة الجزائرية؟‬
‫تفكيك السؤال‪:‬‬
‫المفاهيم األساسية‪:‬‬
‫‪ o‬الجودة الشاملة‪.‬‬
‫‪ o‬نظام الجودة الشاملة‪.‬‬
‫‪ o‬إدارة الجودة الشاملة‪.‬‬
‫‪ o‬جودة الخدمة‪.‬‬
‫‪ o‬المواصفة الدولية‪ :‬اإليزو ‪.ISO‬‬
‫‪ o‬ثقافة الجودة‪.‬‬
‫‪ o‬الموارد البشرية‪.‬‬
‫‪ o‬تنمية الموارد البشرية‪.‬‬
‫‪ o‬المؤسسة الجزائرية‪.‬‬
‫نالحظ أن تحل يل السؤال األساسي للبحث أعطى لنا مجاالت معينة وهي‪:‬‬
‫‪ o‬إدارة الجودة الشاملة‪.‬‬
‫‪ o‬معايير ونماذج إدارة الجودة الشاملة‪.‬‬
‫‪ o‬تنمية الموارد البشرية في إطار الجودة الشاملة‪.‬‬
‫على هذا األساس يقوم الباحث بتحديد مجاالت البحث البيبليوغرافي قصد القراءة واالطالع وذلك‬
‫من خالل البحث عن المراجع األساسية التي تعالج الموضوع بطريقة مباشرة والتي يمكن أن نعبر عنها‬
‫بأمهات الكتب‪.‬‬
‫مثال تطبيقي‪:‬‬
‫إدارة الجودة الشاملة في تنمية المورد البشري‬
‫كتب‪:‬‬
‫‪-‬أبو النصر محمد مدحت‪ ،‬إدارة وتنمية الموارد البشرية‪ :‬اإلتجاهات المعاصرة‪ .‬القاهرة‪ :‬مجموعة النيل‬
‫العربية‪.2007 ،‬‬
‫‪-‬بلوط إبراهيم حسن‪ ،‬المبادئ واإلتجاهات الحديثة في إدارة المؤسسات‪ .‬بيروت‪ :‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫ط ‪.2005 ،1‬‬
‫‪-‬حجازي حافظ محمد‪ ،‬إدارة الموارد البشرية‪ ،‬اإلسكندرية‪ :‬دار وفاء للطباعة والنشر‪.2005 ،‬‬
‫‪-‬الحداد ابراهيم عواطف‪ ،‬إدارة الجودة الشاملة‪ .‬عمان‪ :‬دار الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪.2009 ،1‬‬

‫‪25‬‬
‫المذارات والرسائل‪:‬‬
‫‪-‬بلعلوي شكري‪" ،‬واقع إدارة الموارد البشرية في المؤسسة الثقافية الجزائرية –دراسة ميدانية للمؤسسات الثقافية‬
‫لمدينة قسنطينة"‪ .‬مذكرة ماجستير تخصص علم اجتماع تنمية وتسيير الموارد البشرية‪ ،‬جامعة منتوري‬
‫قسنطينة‪.2008-2007 ،‬‬
‫مقاالت علمية في مجالت متخصصة‪:‬‬
‫‪-Ministère‬‬ ‫‪de l’Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique، Assurance Qualité dans‬‬
‫‪l’enseignement supérieur, Zineddine Berrouche, Youcef Berkane, « L’implémentation d’un système‬‬
‫‪d’assurance qualité : Difficultés et solutions ». CIAQES INFO. Publication de la Ciaqès, janvier- février‬‬
‫‪2014.‬‬

‫البحث البيبليوغرافي‪:‬‬
‫يتطلب من الباحث الحصول على المراجع التي تخدم بها مع التركيز على المراجع الحديثة دون‬
‫إهمال أمهات المراجع في التخصص‪.‬‬
‫وتختلف طريقة جمع المعلومات من موضوع إلى آخر‪:‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للمعلومات الموجودة في المكتبة يستخرجها الباحث من المراجع كالكتب والمقاالت العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬بالنسبة للمعلومات الموجودة خارج المكتبة‪ ،‬تحتم على الباحث اعتماد منهجية علمية يتحصل من خاللها‬
‫على المعلومات التي تفيده في بحثه من خالل المقابالت والمالحظات‪... ،‬‬
‫لذا ومهما يكن من أمر فإن مرحلة تحضير المادة األولية (القراءة والتحليل) تعتبر من المراحل‬
‫الهامة التي ال يمكن بأي حال من األحوال إهمالها‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫تذاير‪:‬‬

‫يعتبر اختيار موضوع البحث وتحديد عنوانه من أصعب مراحل البحث السوسيولوجي‪ ،‬لعدم‬
‫وجود قاعدة واضحة في هذا اإلطار ‪ .‬وعلى الطالب مراعاة ما يلي‪:‬‬
‫يكون الطالب‬
‫‪-1‬التفكير في موضوع الدراسة منذ السنوات األولى للتكوين الجامعي‪ ،‬حتى ُ‬
‫فكرة حول الموضوع تتط ور عبر الزمن‪ ،‬ينتقل من خاللها من المالحظة الساذجة إلى‬
‫المالحظة السوسيولوجية وفق إطار نظري معين‪.‬‬
‫‪-2‬التفكير في استراتيجية البحث وفق خطة علمية‪ ،‬بما فيها‪:‬‬
‫‪ -‬اختيار الزميل الذي سيعمل معه الحقا واختيار األستاذ المشرف على العمل‪.‬‬
‫‪-‬تحديد مجاالت الدراسة‪ :‬الزماني‪ ،‬المكاني والبشري (العينة)‪.‬‬
‫‪ -‬الوسائل المادية والبيداغوجية‪ .‬فالوسائل المادية تحددها المصاريف التي يتطلبها إجراء‬
‫البحث‪ ،‬في حين تتمثل الوسائل البيداغوجية في المراجع المتوفرة حول الموضوع الممثلة‬
‫لشبكة القراءات حوله لتحديد المسألة العالقة التي لم يتم التطرق إليها وسيتم معالجتها في‬
‫البحث‪ .‬واالبتعاد عن المواضيع ذات األبعاد المتشعبة‪.‬‬
‫عدة‪ ،‬المهم أن يتماشى مع اهتماماته وميوالته‪.‬‬
‫‪-3‬قد يختار الطالب موضوع بحثه ألسباب ُ‬
‫‪-4‬في البداية يكون الموضوع مبهما وأفكاره متداخلة‪ ،‬فيحاول الطالب ترتيبها في مسودة عمل‬
‫يحدد من خاللها كل من أهمية الموضوع وقابلية دراسته حسب إمكانيات الطالب والمنهجية‬
‫المتبعة والتقنيات المعتمدة‪ ،‬مع مراعاة‪:‬‬
‫‪ -‬انتقاء القراءات السابقة بما يخدم موضوعه‪،‬‬
‫‪ -‬االعتماد على احصائيات تخدم الموضوع‪،‬‬
‫‪ -‬االنطالق من فرضية يبني عليها االجراءات المنهجية لمعالجة موضوعه‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫المرحلة الثالثة‬
‫• االشكالية‬
‫" االشكالية هي مساءلة نظرية للواقع أو الظاهرة التي يريد الباحث دراستها‪ ،‬مما يجعل اإلطار‬
‫النظري مرجعية تفتح اآلفاق لجإجابة على سؤال االنطالقة‪...‬فتأخذ االشكالية نوعا من المقاربة النظرية‬
‫المحددة التجاه البحث من خالل بناء مفاهيمي يضفي عليها صفة العلمية"‪.‬‬
‫إن محتوى اإلشكالية يعكس البناء النظري للبحث الذي يعتبر ركيزته األساسية‪ ،‬إذ ال يمكن التقدم‬
‫في المراحل المنهجية في سيرورة البحث من دون هذا البناء النظري الذي تتوقف على صحته البحث في‬
‫الحس‬
‫األسباب والعناصر التفسيرية الموضوعية وتحليلها الحقا كونه يشكل أداة ابستمولوجية في القطيعة مع ّ‬
‫المشترك‪.‬‬

‫بنــاء اإلشكاليـــة‪:‬‬
‫ال توجد وصفة أو قاعدة ثابتة لكيفية صياغة وتحرير اإلشكالية‪ ،‬بل األمر مرتبط أكثر بمكتسبات‬
‫الباحث الفكرية والعملية‪ ،‬من خالل معرفة كيفية استغالل مكاسب المرحلة االستكشافية من استعراض‬
‫األدبيات وقراءات وجوالت استطالعية‪ ،‬وكيفية توظيف نتائجها بما يؤدي إلى إيجاد أسلوب يمكنه من‬
‫التناول النظري المالئم لمشكلة البحث وكيفية التعامل مع المفاهيم التي استخدمها‪.‬‬

‫وسواء ُعرضت فكرة اإلشكالية في مقدمة الع مل أم أدرجت منفصلة كما هو معتاد السيما في‬
‫الدراسات األكاديمية بمختلف تخصصاتها ‪ ،‬فهناك إجراءات واضحة يتبعها الباحث في بنائها‪ ،‬ينتقل فيها من‬
‫العام إلى الخاص في تناوله للظاهرة قيد الدراسة‪.‬‬
‫فقد يتطرق إلى سيرورة تطورها عالميا‪ ،‬ثم يتدرج لتناولها عربيا‪ ،‬ليخلص في األخير لخصوصية‬
‫المشكلة المدروسة في المجتمع الجزائري وإن أمكن في المجال المكاني للدراسة‪ .‬كما يستطيع االستغناء عن‬
‫الطابع العالمي للظاهرة واالقتصار على تواجدها عربيا وجزائريا‪ ،‬وقد يكتفي الباحث بعرض مشكلة دراسته‬
‫في الجزائر فقط‪ ،‬متناوال سيرورتها التاريخية وفق الخطة التي يتفق فيها الباحث مع المشرف‪ .‬بما يكفل‬
‫تناول جذور المشكلة وفق تسلسل واضح ودقيق‪ ،‬يبزر التدرج والوضوح في تناول المشكل المدروس‪ ،‬ويوضح‬
‫أهداف البحث ككل‪.‬‬
‫وعلى الباحث أن يكون دقيقا وعميقا في صياغة اإلشكالية‪ ،‬ومقنعا وسلسا في طرحها‪ ،‬حتى يلفت‬
‫القارئ لمتابعتها ثم اإليمان بوجودها‪ ،‬أي استشعارها‪ ،‬فكلما كانت المشكلة واضحة زاد اإليمان بوجودها‪،‬‬
‫ألن تحدي الباحث يكمن في إحساس القارئ بمشكلته واقتناعه بها‪ ،‬اعتمادا على معايير البحث العلمي‬
‫الرصين‪ ،‬المتميز بوحدة الموضوع واستم ارره التلقائي‪ ،‬بما يجذب القارئ ويضيف له قيمة علمية‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫وقد يستعين الباحث بنتائج بعض الدراسات ليستشهد بها في بناء إشكاليته‪ ،‬إضافة إلى إحصائيات‬
‫يؤكد بها طرحه حسب ما تقتضيه الضرورة‪ ،‬لكن ننصح هنا بعدم االقتصار على االقتباس‪ ،‬ألن إضافة‬
‫الباحث هي أساس إشكاليته‪.‬‬
‫ويرى موريس أنجرس أنه البد من تدقيق مشكلة البحث أي طرح سؤال متصل بالموضوع (سؤال‬
‫اإلنطالقة) وجعله جدي ار بالتقصي بالواقع‪ ،‬ويتم هذا التدقيق من خالل أربعة أسئلة رئيسية تسمح بذلك وتتمثل‬
‫في‪:‬‬
‫السؤال األول‪" :‬لماذا نهتم بالموضوع؟"‪ ،‬يسمح هذا السؤال بضبط وتحديد القصد واألسباب التي دفعت‬
‫الباحث إلى اختياره‪.‬‬
‫السؤال الثاني‪" :‬ما الذي نطمح بلوغه؟"‪ ،‬حيث يحدد الهدف‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪" :‬ماذا نعرف إلى حد اآلن؟"‪ ،‬يؤدي إلى القيام بحوصلة السؤال حول المعارف المكتسبة خالل‬
‫استعراض األدبيات‪.‬‬
‫أما السؤال الرابع واألخير‪" :‬أي سؤال بحث سنطرح؟"‪ ،‬والذي يسمح بالطرح الدقيق لسؤال البحث الذي‬
‫سيوجه كل طريقة البحث المقبلة‪ .‬الذي يستوجب توفر الحد األدنى من المعرفة بالنظريات التي لها عالقة‬
‫بالفرع العلمي المعني أو النظريات الكالسيكية أو الحديثة في التخصص‪ .‬بما يضمن تصنيفا أوليا لمشكلة‬
‫البحث‪ ،‬تنظيمها حسب ما توفره هذه النظريات من آفاق التفسير والفهم‪.‬‬
‫إن مثل هذ ه األسئلة باعتبارها محطات رئيسية في مسعى بناء اإلشكالية‪ ،‬قد نجدها في هذه المرحل ة‬
‫أو تلك من مراحل البحث العلمي‪ ،‬أي هي ليست حصرية في اإلشكالية‪ ،‬لكن أهميتها هنا تكمن في مساعدتها‬
‫للباحث –خاصة المبتدأ‪ -‬في تخطي العوائق الذاتية والموضوعية في مرحلة ال تزال تدرك على أنها أصعب‬
‫مرحلة في البحث االجتماعي‪.‬‬
‫معايير بنــاء اإلشكاليــة‪:‬‬
‫تطرح عملية بناء اإلشكالية عدة صعوبات منهجية ترتبط أساسا بغياب صيغة معينة أو مقياسا‬
‫تقيد بها‪،‬‬
‫واضحا يلتزم الباحث بتطبيقه‪ .‬غير أن ذلك ال يعني غياب شروط ومعايير ُيلزم الباحث بال ّ‬
‫"فاإلشكالية هي بلورة تناول نظري لمشكلة البحث بلغة معينة هي لغة المفاهيم‪.‬‬
‫وكما ذكرنا سابقا ال نمتلك نموذجا جاه از لذلك‪ ،‬وعلى األرجح أن تتهيكل على شكل نص تقديم‬
‫)‪ (texte introductif‬يختلف عن المقدمة من حيث طبيعة الخطاب‪ ،‬وجرت العادة أن تُختتم بتساؤالت‬
‫توجه الباحث"‪ .‬إضافة إلى جملة من المعايير نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قابلية مشكلة البحث للحل وفق اإلمكانات المتاحة‪:‬‬
‫قبل بناء الباحث إلشكالية بحثه البد أن يتحقق من توفر الوسائل واإلمكانيات والمراجع الكفيلة‬
‫بمعالجة الموضوع المختار الذي يكون قابال للحل من خالل جمع البيانات وترتيبها على نحو منطقي‬
‫لتفسيرها‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪-2‬الوضوح واالبتعاد عن الغموض‪:‬‬
‫يجب على الباحث أن يوضح موضوع بحثه‪ ،‬حتى ال يكون غامضا‪ ،‬مبهما وعاما‪ ،‬ألن الغموض‬
‫وعمومية الموضوع تؤثران سلبا على بناء إشكالية الدراسة‪.‬‬
‫‪-3‬تحديد الموضوع بدقة يتبع تحديد الدقيق لسؤال االنطالقة‪.‬‬
‫‪-4‬حصر المشكلة في عناصر واضحة لمعرفة البيانات الواجب جمعها‪ ،‬فالهدف الرئيسي من اإلشكالية هو‬
‫إبراز المشكل المراد دراسته بوضوح مستغال ما آلت إليه شبكة القراءات حول الموضوع ووضعها في إطار‬
‫نظري ومفاهيمي معين‪.‬‬
‫ويتطلب في بنائها التحديد الدقيق لنوع الدراسة نظرية كانت أم امبريقية حسب ما يريد الباحث‬
‫إنجازه‪ ،‬وكذا األهداف المحددة لذلك‪ .‬مع ضرورة اتباع األساليب المنهجية التي تتطلبها الدراسة‪.‬‬
‫‪-5‬أسلوب بناء اإلشكالية يجب أن يكون واضحا بسيطا‪ ،‬سلسا‪ ،‬يبرز من خالله الباحث المفاهيم المفتاحية‬
‫المحركة للبحث‪ ،‬والتي يمكن أن تدخل الحقا ضمن المفاهيم الي يكون مطالبا بتحديدها نظريا وإجرائيا‪،‬‬
‫مستعمال أسلوبا علميا في التخصص بعيدا عن األسلوب األدبي‪ ،‬واألحكام القيمية‪.‬‬
‫‪-6‬يشتمل بناء اإلشكالية مفاهيم المقاربة النظرية‪ ،‬ونموذج تحليلها‪.‬‬
‫‪ -7‬تنتهي صياغة اإلشكالية بأسئلة تجسد موضوع البحث ويتحدد من خاللها الزوايا –الجوانب‪-‬المعنية‬
‫بالدراسة والتي تمهد لصياغة أجوبة مؤقتة في شكل فرضيات‪.‬‬
‫‪-8‬تحترم أسئلة اإلشكالية ما يلي‪:‬‬
‫شمولها على متغيرات الدراسة‪ ،‬أن تكون واضحة‪ ،‬مختصرة‪ ،‬قابلة لجإجابة‪ ،‬تنتقل من العام إلى‬
‫الخاص‪( .‬أنظر المثال التوضيحي السابق)‬
‫‪-9‬صياغة اإلشكالية ال يكون نهائيا‪ ،‬بل مؤقتا‪ ،‬يتدرب عليها الطالب فيخطئ ويصيب‪ ،‬ويكون ذلك بناء‬
‫على توجيهات المشرف‪ ،‬وحسب كل من القراءات ومعطيات الجانب الميداني بالتوازي‪ .‬حيث يتم تعديلها‬
‫باستمرار وفق المستجدات التي يطرحها الجانب النظري والميدان‪ ،‬وفي أي مرحلة من مراحل البحث عكس‬
‫تحديد موضوع البحث الذي يجب أن يحدد بطريقة واضحة ودقيقة وباالتفاق مع المشرف من البداية‪ ،‬فبمجرد‬
‫تسجيل الموضوع في اإلدارة ال يمكن للطالب تعديله إال من خالل محضر يوافق عليه فريق التكوين ويدون‬
‫في محضر خاص‪ ،‬حتى ال يجد الطالب صعوبة في إجراءات المناقشة الحقا‪.‬‬
‫تذايـــر‪:‬‬
‫تعبر االشكالية على المسألة العالقة التي لم يتم التطرق إليها من طرف الباحثين الذين تناولوا جانبا‬
‫من الظاهرة التي يعالجها الباحث كموضوع دراسة‪.‬‬
‫وتبنى على أساس دعامتين أساسيتين وهما‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫‪-‬تقنيات جمع المعطيات‬ ‫‪-‬شبكة القراءات‬
‫(المالحظة‪ ،‬اإلستمارة‪ ،‬المقابلة‪)... ،‬‬ ‫‪-‬الدراسات السابقة‬

‫االطــــــار‬
‫االطــــار‬
‫النظــــــــري‬
‫الميــــــداني‬
‫(البحث الوثائقي)‬

‫‪31‬‬
‫أ‪-‬ثالثا‬
‫بناء نموذج التحليل‬ ‫ب‪-‬‬

‫أوال‬
‫• الفرضيات‬
‫لكل بحث إطار مرجعي يتضمن عناصر ينبغي على الباحث أخذها بعين االعتبار أثناء تخطيطه‬
‫لمعالجة موضوع دراسته‪ .‬وإطار عملي يعتبر هو اآلخر عنص ار هاما في البحث كونه يحدد ما يصبو إلى‬
‫تحليله للتحقق من فرضياته‪ ،‬ومن هنا وجب إنجازه بدقة‪.‬‬
‫فبعد أن ينتهي الباحث من أهم خطوة في بحثه وهي بناء إشكالية الدراسة‪ ،‬وتحديده لتساؤالتها‪ ،‬يجد‬
‫نفسه أمام خطوة أك ثر أهمية‪ ،‬والتي تتطلب الدقة أكثر منه‪ ،‬وهي محاولة إيجاد حلول (إجابات) مؤقته لتلك‬
‫التساؤالت‪ ،‬ويكون بهذا الطرح قد انتقل إلى السيرورة العملية لتجسيد هذه األسئلة حتى تصبح قابلة للمالحظة‪،‬‬
‫ويتحقق ذلك من خالل اقتراح إجابة لها‪ ،‬بدءا بتحويلها إلى فرضيات ومن ثم تحديد مفاهيمها إلعطائها‬
‫الطابع الملموس‪ .‬وبهذا ننتقل من الجانب العام والمجرد إلى الجانب الملموس للبحث من خالل تحديد‬
‫عناصر من الواقع لجإجابة عنه‪.‬‬
‫بناء الفرضيات‪:‬‬
‫تضفي الفرضية الطابع الملموس لسؤال البحث‪ ...‬إذ أنها تعتبر تفسير مؤقت للظاهرة أو مشكل‬
‫البحث تختار من بين عدة تفسيرات ممكنة‪ ،‬كما أنها تعتبر حل مقترح له‪ ،‬وهو مؤقت يحتاج إلى إثبات‬
‫صحته من عدمها (قبول أو رفض الفرضية)‪ ،‬عن طريق الميدان أو التجريب‪.‬‬
‫فال توجد وصفة جاهزة أو قاعدة قارة يجب اتباعها في صياغة الفرضيات‪ ،‬إنما األمر يتعلق أكثر‬
‫بمدى احترام شروط بنائها وصياغتها‪ .‬فالباحث غير مجبر على وضع عدد كبير من الفرضيات بل يبقى‬
‫الدراسة) التي تفرض عليه عددا معينا‪ ،‬إضافة إلى تقييم الوسائل المنهجية‬
‫هذا مرتبط بطبيعة بحثه (أهداف ّ‬
‫المتوفرة لديه الختبارها‪ ،‬إذ ال يعقل مثال لباحث مبتدئ على مستوى معين من البحث أن يبني بحثه على‬
‫أساس ثالث أو أربع فرضيات‪.‬‬
‫دور الفرضية وأهمتها في البحث العلمي‪:‬‬

‫‪32‬‬
‫يتمثل دور الفرضية في مراحل البحث العلمي باعتبارها األداة الرئيسية التي تجعل البحث يأخذ‬
‫وجهة علمية‪ ،‬إذ بواسطتها يبدأ مسمى البحث عن األسباب التي تؤدي إلى حدوث الظواهر حتى يعطي‬
‫التفسير الفعلي لحدوثها‪.‬‬
‫كما يظهر دور الفرضية في تبيان التداخل األساسي والترابط الوثيق بين الصياغة النظرية للبحث‬
‫وضرورة التحقق من مستوياتها النظرية عن طريق مقارنتها بعناصر من الواقع‪.‬‬
‫فالفرضية إذن تهدف إلى بناء عالقة بين وقائع معينة ‪ ،‬من خالل توجيه الباحث نحو النموذج‬
‫المنهجي الذي يتم اعتماده للدراسة الميدانية ونوع المعلومات المراد جمعها وكذا نوعية تقنيات جمع‬
‫المعطيات‪.‬‬
‫غير أنه وفي العديد من الحا الت يجد الباحث فيها نفسه غير قادر على التنبؤ‪ ،‬تُعوض الفرضية‬
‫هنا بهدف البحث أين يصرح الباحث عن غاية لجإجابة عن سؤال البحث في البحوث الكيفية‪ ،‬من خالل‬
‫وصف الظواهر التي يصعب قياسها مما ُيصعب عليه التوقع دائما لما سيتوصل إلى اكتشافه الحقا‪ ،‬فيحيط‬
‫الباحث بسؤاله دون صياغة الفرضية‪ ،‬السيما إذا استخدم المنهج التاريخي فال يستطيع أن يضع الفرضية‬
‫إال في نهاية بحثه‪ ،‬أما في بدايته فتكون لديه فقط فكرة موجهة خاضعة لتحوالت متتالية‪.‬‬
‫وقد تأخذ الفرضية أشكاال مختلفة مع احترام بعض الخصائص لتضمن قيمتها العلمية‪.‬‬
‫خصائص الفرضية‪:‬‬
‫يحترم الباحث في صياغة فرضيات بحثه ثالثة خصائص يمثلها كل من‪ :‬التصريح‪ ،‬التنبؤ‪ ،‬وسيلة‬
‫التحقق االمبريقي‪.‬‬
‫‪-1‬التصريح‪ " :‬الفرضية هي عبارة عن تصريح يوضح في جملة أو أكثر عالقة قائمة بين حدين أو أكثر"‪.‬‬
‫‪-2‬التنبؤ‪" :‬الفرضية عبارة عن تنبؤ لما سيكشفه الباحث في الواقع"‪.‬‬
‫‪-3‬وسيلة للتحقق‪ :‬يتجسد التحقق االمبريقي (الميداني) في مالحظة الواقع من خالل مقارنة االفتراضات‬
‫بالواقع‪ ،‬وتمثل الفرضية وسيلة لهذا التحقق االمبريقي من حيث مطابقة التوقعات أو االفتراضات للواقع‪ ،‬أي‬
‫الظواهر المدروسة كونها توجه المالحظة‪.‬‬
‫إذن الفرضية هي " تصريح ينبئ بوجود عالقة بيم حدين أو أكثر‪ ،‬أو بين عنصرين أو أكثر من‬
‫عناصر الواقع الذي يجب أن نتحقق فيه من الفرضية"‪.‬‬
‫أنواع الفرضيــات‪ :‬هناك نوعان من الفروض وهما‪:‬‬
‫‪-1‬الفروض التجريبية‪ :‬توحي بها المالحظات والتجارب‪ ،‬للتحقق منها‪ .‬وهذا النوع من الفروض ينتج عن‬
‫قانونا‬
‫ً‬ ‫طريق االستقراء‪ ،‬ويعبر إن كان صحيحا عن عالقة ثابتة بين ظاهرتين وإذا أيدته التجربة يصبح‬
‫يفسر مجموعة من الظواهر‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪-2‬الفروض النظرية أو الصورية‪ :‬وهي التي تستنتج من مجموعة من القوانين والنظريات واآلراء بالتأمل‬
‫واالستقرار‪ ،‬وهو الغرض الذي ال يتحقق بالتجربة على نحو مباشر حتى إذا كنا في مجال العلوم التجريبية‬
‫ألنه ليس نتيجة مالحظات وتجارب بل نتيجة تأمالت واستنباطات ال تقوم على الواقع مباشرة‪.‬‬
‫مصادر الفرضيات‪ :‬يستعين الباحث في بناء فرضيات دراسته وصياغتها في شكلها النهائي بـ‪:‬‬

‫‪ -1‬مالحظات مختلفة حول الواقع المعاش‪ ،‬باعتبار أن األسئلة التي توجه الباحث تستلهم عادة من‬
‫خالصة هذه المالحظات‪.‬‬
‫‪ -2‬مجموع المعارف المتراكمة من خالل البحوث السابقة‪.‬‬
‫حدود الفرضية‪:‬‬
‫تعتمد الفرضية حدودا غير مبهمة‪ ،‬دقيقة‪ ،‬ذات معنى وتكون حيادية‪.‬‬
‫حدود غير مبهمة‪:‬‬
‫"ينبغي أن تكون الحدود المستعملة غير مبهمة‪ ،‬ال تترك أي مجال للشك أثناء تأويلها"‪.‬‬
‫حدود دقيقة‪:‬‬
‫بعيدة عن كل غموض‪ ،‬فعملية توحيد المعنى والدقة تسهالن تعريف كل حد ضروري أثناء العمليات‬
‫الالحقة‪.‬‬
‫حدود دالة‪:‬‬
‫ذات معاني‪ ،‬فحدود الفرضية تُعلمنا عن بعض الوقائع وعن نوع من التصور لهذه الوقائع‪ ،‬حيث‬
‫تنحدر تصورات الواقع من نظريات ساهمت في توضيح الفرضية وتوجيهها‪ .‬ألن الفرضية في العلم مستنبطة‬
‫استقرء الفرضية‪،‬‬
‫ا‬ ‫عادة من نظرية توفر اإلطار التفسيري للظواهر التي نريد دراستها‪ ،‬كما أن الواقع يؤدي إلى‬
‫ومن هنا نستقي المعرفة من البحوث السابقة أو المالحظات الخاصة والمتأنية التي سلطها الباحث على‬
‫الواقع‪.‬‬
‫وبهذا تكون الفرضية مبنية في إطار معرفي أي غير مستقلة عن اإلرث العلمي السابق عن وجودها‪،‬‬
‫وبعبارة أخرى تعكس اإلطار النظري الذي أختاره الباحث فإذا أختار الباحث دراسة تشخيصية فيجب أن‬
‫تبنى الفرضيات في نفس االتجاه‪.‬‬
‫حدود حيادية‪:‬‬
‫ال ينبغي صياغة حدود الفرضية في شكل تمنيات أو أحكام شخصية حول الواقع‪ ،‬ومن هنا ينبغي‬
‫ويحقق بذلك شرط الموضوعية‪،‬‬‫على الباحث مراقبة أحكامه حتى ال يعقد أو يعرقل صياغة الفرضيات‪ُ ،‬‬
‫فالفرضية ال تعتمد على بعض التعابير مثل‪" :‬من األفضل أن تكون‪ "...‬أو " من المرغوب فيه‪."...‬‬
‫شروط بناء وصياغة الفرضيات‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫حتى نضمن أن الفرضية التي توصلنا إلى صياغتها ستحقق الدور الذي حدده لها البحث العلمي‬
‫البد أن تتوفر على الشروط اآلتية وفق الحدود المذكورة سابقا‪:‬‬
‫المعقولية‪" :‬يجب أن تكون الفرضية معقولة‪ ،‬أي لها عالقة وثيقة بالظاهرة التي تريد تفسيرها‪ ...‬كما ال يجب‬
‫أ ن تستدل على حقيقة بديهية‪ ...‬يرجع الطابع المعقول إلى مالءمتها بالنسبة إلى الظاهرة التي ندرسها"‪.‬‬
‫الوضوح والتبسيط‪ :‬يجب أن تكون جملة الفرضية واضحة وال تحتوي صيغة مبهمة غير مفهومة‪ ،‬وعلى‬
‫الباحث تجنب التراكيب الغامضة لغويا ومعرفيا‪ ،‬وأن يراعي الدقة في عرضها‪ .‬فيجب أن تكون الفرضية‬
‫مبنية بشكل واضح ودقيق‪ ،‬وتحمل متغيراتها داللة علمية واضحة تعكس مجال الدراسة‪ ،‬أي مرتبطة بشكل‬
‫واضح ومباشر باإلشكالية‪.‬‬
‫التأكيد أو التجذير النظري‪ :‬باعتبار أن الفرضية مترابطة مع اإلشكالية‪ ،‬يكمن أهمية تحقيق هذا الشرط من‬
‫طرف الباحث كضمان إلمكانية تفسير تتجاوز الحالة الخاصة للظاهر لتأخذ طابعا عاما‪.‬‬
‫قابلة للتحقق أو اإلختبار‪ :‬يجب أن نتمكن من مقارنتها بعناصر الواقع‪ ،‬وذلك باستعمال أدوات التحقيق‪.‬‬
‫أنواع المتغيرات في الفرضية‪:‬‬
‫باعتبار أن الفرضية هي عالقة تفسيرية سببية بين متغيرين (على األقل) أحدهما سبب في وجود‬
‫اآلخر في شكل تصريح واضح وغير مبهم ومعقول ومرتبط بإطار نظري وأساسا قابل لالختبار كما أكدنا‬
‫عليه سابقا‪.‬‬
‫والمتغيرات نوعان‪:‬‬
‫‪-1‬المتغير التابع‪ :‬وهو المتغير الذي نبحث عن تفسير أسباب ظهوره إذ يمثل مشكلة البحث التي نريد‬
‫دراستها‪.‬‬
‫‪-2‬المتغير المستقل‪ :‬وهو المتغير الذي نحاول أن تفسر به وجود المتغير األول (التابع)‪ .‬باعتباره المؤثر‬
‫المفسر‪.‬‬
‫و َ‬
‫فالفرضية إذن هي‪:‬‬
‫عالقـــة بين المتغير التابع (الظاهرة موضوع الدراسة التي برزت في مشكلة البحث) والمتغير‬
‫المستقل (الذي يفترض أن يكون السبب في ظهور هذه المشكلة‪ ،‬يلجأ إليه الباحث لبناء نموذج التحليل أي‬
‫محاول تفسير مشكلة البحث)‪.‬‬
‫مثال توضيحي‪:‬‬

‫‪-1‬للموارد البشرية تمثالت إيجابية لمفهوم التميز اإلداري في المؤسسة الجزائرية‪.‬‬

‫للموارد البشرية تمثالت إيجابية لمفهوم التميز اإلداري في المؤسسة الجزائرية‬

‫‪35‬‬
‫المتغير التابع‬ ‫المتغير المستقل‬
‫‪-‬ب‪-‬‬ ‫‪ -‬أ‪-‬‬

‫العالقة ذات إتجاه إيجابي‬


‫إذا أخذنا بالتوضيح الفرضية األولى نجد أن الباحث من خالل هذه الفرضية أراد أن يختبر العالقة‬
‫بين المتغير (أ) و المتغير (ب) ليرى إن كانت هناك فعال عالقة إيجابية بينهما وما هو مستوى شدتها‬
‫(منعدمة‪ ،‬ضعيفة‪ ،‬متوسطة أم قوية)‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬‬
‫• المفاهيم‬
‫تعريف المفاهيم‪:‬‬
‫قبل عرض بعض تعاريف المفهوم ننوه بالتداخل الموجود بين كل من المفهوم والمصطلح‪.‬‬
‫فالمصطلح‪ :‬هو ما اصطلح (أي اتفق) عليه الجميع‪ ( ،‬مثال كلمة "‪ "ALO‬تستعمل في جميع الدول‪ ،‬للداللة‬
‫على بدء االتصال الهاتفي)‪.‬‬
‫أما المفهوم يختلف من مجتمع إلى آخر‪ ،‬مثال مفهوم السرقة هو ظاهرة سلبية في المجتمع اإلسالمي‬
‫عموما‪ ،‬لكنه عند الهنود يدل على صفة اكتمال الرجولة‪ ،‬وعند مجتمعات أخرى يعبر عن الخفة‪...‬‬
‫وهو « مجموعة الرموز التي يستعين بها الفرد لتوصيل ما يريده من معاني لغيره من الناس‪ ،‬فمن‬
‫السهل التعبير عن المفاهيم الملموسة ومن الصعب أيضا التعبير عن بعض المفاهيم التي تحتاج إلى كثير‬
‫من التحديد‪ ،‬وكثي ار ما يرتبط المفهوم بالتعريفات السابقة كما يتحدد بتجديد الخصائص البنائية والوظيفية‬
‫له"‪.‬‬
‫ويرى "موريس أنجرس" أنه تصور ذهني عام ومجرد لظاهرة أو أكثر وللعالقات الموجودة بينها‪،‬‬
‫وهو يعبر على بعض الحدود المستعملة في طرح السؤال‪ ،‬أو الفرضية أو هدف البحث والتي تمثل في الواقع‬
‫تصورات ذهنية لمجموعة متنوعة من الظواهر التي نريد مالحظتها‪ ...‬إذن يتعلق األمر هنا بتصور ذهني‬
‫مكون حول واقع معين‪ .‬ويظهر هنا التسلسل في اإلنتقال من الفكرة إلى المفهوم‪.‬‬
‫فكلمة الفقر مثال هي تجريد يلخص لنا في الواقع عددا من األشخاص أو األشياء‪ ،‬يشتركون في‬
‫بعض السمات ويختلفون عن فئات أخرى من األشخاص أو األشياء مما يجعلهم مصنفين تحت نفس‬
‫التسمية‪ ،‬وبهذا يجمع المفهوم عددا معينا من العناصر في نفس الكلمة أو اللفظ‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫أما الفكرة فهي مجموعة صور ذهنية حدسية غير واضحة‪ ،‬تعبر عن معرفة أولية غير منظمة وغير‬
‫مدققة‪ ،‬وغالبا ما ترتبط بتعابير غير واضحة بأسلوب اللغة العامة‪.‬‬
‫وهناك من يعتبر المفهوم على أنه أحد الرموز األساسية في اللغة (والتي تعتبر أداة لالتصال)‪،‬‬
‫ويمثل بطريقة تجريدية شيئا معينا أو إحدى خصائص هذا الشيء أو الظاهرة‪.‬‬
‫فكل موضوع علمي له مفاهيمه المتميزة والخاصة بعملية االتصال والبحث‪ ،‬بحيث يستطيع العلماء‬
‫أن ينقلوا لزمالئهم وللجمهور المعلومات والخبرات المختلفة عن طريق هذه المفاهيم‪.‬‬
‫إذن‪:‬‬
‫المفهوم هو عنصر أساسي لكل المالحظات‪ ،‬يمثل تصور عقلي وتجريدي بإنتقاء مجموعة من‬
‫المظاهر الخاصة‪ ،‬ويمكن تغيير معناه تبعا لمقصد الدراسة‪ .‬ويمكن االنطالق من الفكرة (العامة) إلى المفهوم‬
‫(التخصيص والتدقيق للفكرة) عن طريق تصور محدد للواقع المراد دراسته‪ ،‬وبهذا يوضح المفهوم الفكرة‬
‫المبهمة‪ ،‬فإذا تكلمنا عن فكرتي الغنى والفقر‪ ،‬فيجب أن تتحول كلمتي غني وفقير إلى مفهوم يمكن قياسه‬
‫بمؤشرات واقعية تترجم بأرقام‪ ،‬ويقتضي التحول من الفكرة إلى المفهوم التحول من التصور العام إلى التصور‬
‫الخاص‪.‬‬
‫األهمية العلمية للمفهوم‪:‬‬
‫يمكننا في الدراسة االستطالعية مثال تصور وجود مالحظة دون فرضية أولية وبالمقابل‪ ،‬هناك‬
‫عنصر أساسي لكل مالحظة‪ ،‬هو المفهوم‪.. .‬الذي ال يقتصر على كونه مساعدا على اإلدراك‪ ،‬بل هو‪:‬‬
‫‪ -‬وسيلة للتصور‪،‬‬
‫‪ -‬يهيكل الحقيقة المدروسة‪،‬‬
‫‪ -‬يدقق الخصائص المميزة والمعبرة للظواهر محل الدراسة‪،‬‬
‫‪ -‬يوجه البحث من خالل تحديد نقطة انطالق الجانب الميداني للدراسة‪،‬‬
‫‪ -‬يسمح بمالحظة بعض مظاهر الحقيقة‪،‬‬
‫‪ -‬يسلط الضوء على الروابط القائمة بين الظواهر المالحظة وبعض النظريات‪،‬‬
‫ومن كل هذا نستخلص ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬يمثل المفهوم فكرة‪ ،‬على األقل تكون مجردة‪ ،‬أو رمز يعين أو يمثل حقيقة على األقل واسعة"‪.‬‬
‫‪"-‬المفهوم النظري ليس كيانا غامضا‪ ،‬مبهم‪ ،‬لكنه البحث عن تعريف دقيق يعطي معنى للعالقات المالحظة"‬
‫‪ -‬المفهوم هو تجريد‪ ،‬وهو معنى لظاهرة والسياق المأخوذ منها‪.‬يمكن أن يغير المعنى من دراسة إلى أخرى‬
‫وفق تصورنا له‪ .‬فغالبا ما يؤدي غموض العبارات التي يصادفها الباحث تحديد تعاريفه الخاصة بها‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ -‬يتغير معنى المفهوم من تخصص إلى آخر‪ ،‬فمفهوم االيديولوجية مثال ال يحمل نفس المعنى في العلوم‬
‫السياسية وعلم االجتماع‪.‬‬
‫ولذلك فمن الضروري أن يحدد الباحث المفاهيم المعتمدة في في بحثه‪ ،‬وأن يتمسك بتعاريفه طوال‬
‫بحثه‪ .‬ويجب أن يظهر االتساق وأال يستعمل نفس المفاهيم لتمثيل حقائق أو ظواهر مختلفة‪ .‬يعرف الباحث‬
‫ويشرح كل مفهوم حتى نعرف بدقة ما الذي يقصده وما الذي ينوي تحليله‪ .‬وبطريقة ملموسة يقدم تعريفا‬
‫وشرحا مفصال للمتغيرات المعتمدة في صياغة فرضيات بحثه‪.‬‬
‫كيفية تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫اإلطار النظري للبحث يحتوي على عدد كبير من االصطالحات‪ ،‬وعليه‪" :‬فإن كل كلمة تكون‬
‫م صد ار الختالفات في الفهم تعد مصطلحا ينبغي توضيحه وإيراد تعريف إجرائي محدد‪ ،‬حتى ال يحدث‬
‫اللبس في مفهوم هذا المصطلح‪ ،‬ويخصص لهذه الخطوة محو ار واضحا في الفصل األول ألي بحث‬
‫علمي‪ ،...‬وهناك تعريف لغوي للمصطلح إال أن هذا ال يعني وضوح المصطلح‪ ،‬لذا ينبغي مناقشته من‬
‫أكثر من جانب من خالل التعريف اإلجرائي حتى نزيل الغموض حوله ونوضحه للقارئ"‪.‬‬
‫وتبرز هنا فكرة نحت المصطلح لتبين الغاية من هذه الخطوة لتفادي اللبس فيها وذلك بإبرازها‬
‫ومناقشتها بدقة وتفصيل‪ ،‬فيطرح الباحث في دراسته عدة تعاريف نظرية لمفهوم ما‪ ،‬وقد يعتمد تعريفا من‬
‫هذه التعاريف في بحثه‪ ،‬إذا ما وجده مناسبا تماما‪ ،‬كما قد يأخذ من كل تعريف ما يجده مناسبا ويركبه مع‬
‫ما يعتمده من تعاريف أخرى‪ ،‬وإذا وجد أن التعاريف المعروضة ال تناسب ما يريد الوصول إليه من اتخاذه‬
‫لهذا المفهوم الذي طرحه فيلجأ إلى تحديد التعريف اإلجرائي له‪.‬‬
‫فهناك طريقتان لبناء المفهوم‪:‬‬
‫‪ -1‬االنتقال من األفكار إلى المفاهيم‪ ،‬االنتقال من التصور العام إلى التصور الخاص الدقيق (الطريقة‬
‫االستنباطية )‪.‬‬
‫‪ -2‬االنتقال من المالحظات الجزئية المباشرة للواقع المدروس‪ :‬من الخاص إلى العام (الطريقة االستقرائية)‪.‬‬
‫فدقة المفاهيم مرتبطة ب داللتها الكمية التي يمكن قياسها إجرائيا وتحليها إحصائيا (من خالل‬
‫المؤشرات الكمية)‪.‬‬
‫كما نجد أن العديد من الدراسات تعتمد طريقة معينة في تحديدها للمفاهيم المعتمدة في الدراسة‬
‫والتي سندرجها فيما يلي ‪-‬مع االشارة أن الطالب ليس مجب ار على اعتمادها بنفس الطريقة‪ ،‬وإنما عليه احترام‬
‫تخصصه وطبيعة موضوعه مع التأكيد دوما على التعريف االجرائي‪:-‬‬

‫‪38‬‬
‫‪-1‬ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم (المعنى) اللغوي‪ ،‬من خالل االعتماد على المعاجم‪ .‬واالصطالحي‬
‫من خالل االعتماد على مختلف المؤلفات التي تناولت المفهوم‪ ،‬ومن ثم اإلجرائي الذي يوضح قصد الطالب‬
‫من كل مفهوم وحوصلة كل المفاهيم الفرعية لالنتهاء بمفهوم إجرائي للدراسة ككل توضح بدقة حدود البحث‪.‬‬
‫‪-2‬ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم نظريا بمعنى أخذ عدة تعاريف لمفكرين وباحثين اعتمدوا على نفس‬
‫المفهوم الوارد في دراسته‪ ،‬ومن ثم تحديد المفهوم اإلجرائي‪.‬‬
‫‪-3‬ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم نظريا وذلك بالقيام بعملية تركيب واستنباط منها ومن ثم اخذ‬
‫التعريف األكثر تناسبا مع الدراسة‪.‬‬
‫‪-4‬ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم وفقا للتخصص المدروس مثال إذا كنا في دراسة نفسية اجتماعية‬
‫فنحدد المفهوم السوسيولوجي وكذا النفسي‪ ،‬وإن كنا في دراسة قانونية نعتمد المفهوم القانوني‪ ،‬وهكذا‪...‬‬
‫ومن هنا يعتمد البحث العلمي على نوعين من التعاريف وهي‪:‬‬
‫‪-1‬التعريف المفهومي‪ :‬يتضمن استخدام مفاهيم لشرح مفاهيم أخرى‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ :‬فإن التعريف‬
‫المفهومي لظاهرة العنف السياسي يمكن أن يكون‪ :‬السلوك العدواني نحو المؤسسات السياسية‬
‫واألشخاص‪ ،‬وقد يكون له تعريف آخر‪ ،‬كما أن التعريف المفهومي للذكاء يمكن أن يأخذ عدة تعاريف منها‪:‬‬
‫"القدرة على حل المشكالت"‪" ،‬القدرة على التفكير بطريقة مجردة "‪ ،‬بمعنى أننا نعتمد على تعريف المفهوم‬
‫بمفاهيم أخرى أكثر بساطة في معظم األحيان‪ ،‬وال يمكن لنا أن نرفضها خاصة إذا كانت متعارضة فهي‬
‫أفكار لمفكرين آخرين‪.‬‬
‫‪-2‬التعريف اإلجرائي‪ :‬هو الذي يغطي أو يصل الفجوة بين مستوى نظري وفكري ومستوى امبريقي معين‬
‫معبر عنه بأحد المفاهيم ‪ ،‬بناء على القصد من استعماله من طرف الباحث‪،‬‬
‫وعادة تكون هذه المفاهيم عبارة عن متغيرات أساسية في الدراسة البد من تحديدها سواء كانت‬
‫مستقلة أو تابعة‪.‬‬
‫إذن يعتبر تحديد المفاهيم من أهم متطلبات البحث العلمي‪ ،‬ألنه ليس هناك اتفاق بين العلماء‬
‫والباحثين حول مفهوم واحد ألغلب المصطلحات‪ ،‬وانطالقا من هذا‪ ،‬يتعين على الباحث تقديم تعريفات‬
‫إجرائية ألهم المفاهيم الرئيسية المرتبطة بالدراسة‪.‬‬
‫وفي علم االجتماع يستحسن اعتماد تعريف إجرائي لكل مفهوم ويعتبر تعريفا فرعيا حيث يجمع‬
‫الباحث في األخير جميع التعاريف اإلجرائية الفرعية في تعريف إجرائي للدراسة ككل يبين من خالله ما‬
‫الذي يريد الوصول إليه من خالل عمله وبهذا يكون قد حدد بدقة الهدف من دراسته من جهة وأعطى فكرة‬
‫عنها للقارئ مبتعدا بذلك عن كل التأويالت‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫صعوبات تحديد المفاهيم‪:‬‬
‫إن تحديد المفاهيم ليس باألمر السهل وصعوبة هذا التحديد ترجع لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تنشأ المفاهيم نتيجة لخبرة اجتماعية مشتركة‪ ،‬ولما كانت هذه الخبرات تختلف باختالف األفراد‬
‫والجماعات والمجتمعات ومصادر المعرفة‪ ،‬فإن مفهوم المصطلحات هو بدوره يختلف من فرد آلخر ومن‬
‫بيئة ألخرى‪.‬‬
‫‪ -‬قد يكون لبعض المفاهيم أكثر من معنى كمفهوم الثقافة مثال‪.‬‬
‫‪ -‬هناك ألفاظ غير دقيقة وغير محددة‪.‬‬
‫‪ -‬قد يجد الباحث نفسه أمام مفاهيم جديدة التي لم يسبق ألحد غيره استخدامها‪.‬‬
‫وفي كل هذه الحاالت السابقة يجد الباحث نفسه مضط ار لوضع تحديد خاص لمفهوم دراسته يطلق‬
‫عليه اسم المفهوم اإلجرائي‪.‬‬
‫هذا إضافة إلى بعض الصعوبات التي قد يدخل فيها الجانب الذاتي للباحث كضعف التكوين مثال‬
‫أ و الموضوعي كعدم االتفاق على طريقة منهجية في ذلك مما يجعل الباحث حائ ار حول المفاهيم التي‬
‫يعتمدها وطريقة طرحها وعددها وترتيبها‪.‬‬
‫ايفية بناء المفاهيم‪:‬‬
‫بعد بناء االشكالية وصياغة الفرضيات‪ ،‬ينتقل الباحث إلى عملية اجرائية يحدد من خاللها متغيرات‬
‫ملموسة تسمح باختبار الفرضيات المصاغة من خالل بناء المفاهيم (أهم متغيرات الدراسة) واالنتقال من‬
‫التجريد إلى الملموس‪ ،‬أو هي النزول من السلم التجريدي عندما ننتقل من مفاهيم نظرية مركزية إلى مفاهيم‬
‫فرعية تمثل خصوصيات أو صفات ملموسة أكثر من المفهوم المركزي‪.‬‬
‫وهناك اختالف في هذا المجال‪ Lazarsfeld ،‬يرى بوجود أربعة مراحل للمتابعة‪ ،‬في حين أن‬
‫‪ُ Tremblay‬يقر بوجود مرحلتين وسندرج الطريقتين في هذه المحاضرة‪ .‬حيث يمكن للباحث في علم‬
‫االجتماع أن يلجأ في بنائه للمفاهيم إلى اإلجراء العملي الذي وضعه بول الزارسفيلد لالنتقال من المفهوم‬
‫التجريدي النظري إلى المفهوم العملي الملموس‪ ،‬ويتكون هذا اإلجراء من أربع خطوات أساسية وهي‪:‬‬
‫تصور المفهوم وتمثله في صورة ذهنية‪:‬‬
‫المفهوم هنا هو عبارة عن "تصور ذهني عام يتقدم في صورة ما"‪ ،‬ونعني بذلك أننا ُندركه ويتم‬
‫استيعابه ذهنيا من خالل تشخيص سلوكات معينة تُجمع ُليعبر عنها علميا‪.‬‬
‫نأخذ كمثال‪:‬‬
‫مفهوم الرضا الوظيفي ال يدل على ظاهرة أو واقع يقع تحت المالحظة‪ ،‬بل هو بناء ذهني مجرد أي‬
‫غير ملموس يترجم ذهنيا مستويات معينة من الواقع االجتماعي كغيره من المفاهيم األخرى‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫تخصيص المفهوم أو تحديد ابعاده‪:‬‬
‫يتم فيها االنتقال من المجرد إل ى الملموس‪ ،‬أي التعبير عن المفهوم المجرد الذي ال نالحظه مباشرة‬
‫في الواقع الملموس بمستويات من الواقع تشكل مكونات له‪ .‬باعتبار أن المفهوم عموما عبارة عن" مجموعة‬
‫معقدة من الظواهر وليس من ظاهرة بسيطة يمكن مالحظتها مباشرة"‪ .‬باعتبار أن للمفهوم الواحد عدة أبعاد‪.‬‬
‫مؤشرات بعد المفهوم‪:‬‬
‫المؤشر هو ما يالحظه الباحث في الواقع والذي يمكن من خالله تحديد بعد معين‪ ،‬يساعده في‬
‫استعمال تقنيات جمع المعطيات (االستبيان والمقابلة) مما يسمح بالتحقق من الفرضية (باعتبار أن المؤشر‬
‫يتحول إلى أسئلة وفق التقنية المعتمدة)‪ .‬وهنا أيضا ال ينتظر الباحث أن يجد المؤشرات الخاصة بمفاهيمه‬
‫موضوعة سلفا‪ ،‬بل يصل إلي ها من خالل دراسته االستطالعية‪ ،‬ويستحسن وضع أكبر عدد من المؤشرات‬
‫لكل مفهوم‪.‬‬
‫الدليل‪ :‬هو نوع من الحوصلة أو التلخيص الجامع لجملة مؤشرات بعد المفهوم‪.‬‬
‫ونعتمد ما قدمه الزميل سعيد سبعون حول هذه المراحل في المثال التالي‪:‬‬
‫الفرضية‪ :‬يؤثر التذمر المهني في مردودية االنتاج‪.‬‬
‫التذمر المهني‬
‫مفهوم ‪1‬‬

‫انتظارات‬ ‫المحيط الخارجي‬ ‫عالقات العمل‬ ‫ضروب سلوك العامل‬ ‫ظروف العمل‬
‫العامل‬
‫(بعد‪)5‬‬ ‫(بعد‪)4‬‬ ‫(بعد‪)3‬‬ ‫(بعد‪)2‬‬ ‫(بعد‪)1‬‬

‫ظروف العمل تتحدد من خالل المؤشرات التالية‪:‬‬


‫‪ -‬االضاءة‪ ،‬التهوية‪ ،‬النظافة‪ ،‬مكان العمل‪ ،‬أدوات العمل‪ ،‬حوادث العمل‪ ،‬منصب العمل‪ ،‬توقيت‬
‫العمل‪( .‬الدليل‪ :‬االطار الفيزيقي للعمل)‪.‬‬
‫ضروب سلوك العامل تتحدد من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬التغيب‪ ،‬الكبح‪ ،‬التسكع‪ ،‬االضراب‪ ،‬التخريب‪ ،‬عدم االنضباط‪ (....‬الدليل‪ :‬مقاومات العامل)‪.‬‬
‫عالقات العمل تتحدد من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬الرسمية‪ ،‬تمثيل نقابي‪ ،‬مطالب مهنية‪ ،‬نوعية االتصال‪ ،‬إشراك العامل في اتخاذ القرار‪ (...‬الدليل‪:‬‬
‫جو العمل)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المحيط الخارجي يتحدد من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬وسائل النقل‪ ،‬السكن‪ ،‬ارتفاع األسعار‪ ،‬عوائق بيروقراطية‪( .‬الدليل‪ :‬العوامل الخارجية للعمل)‪.‬‬
‫انتظارات العامل تتحدد من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬هشاشة منصب العمل‪ ،‬عدم الرضى عن األجر‪ ،‬عدم الرضى عن المسؤول‪ ،‬تلبية الحاجيات‪ ،‬تمييز‬
‫مهني‪( .‬الدليل‪ :‬تحقيق الذات أو تثمين المنصب)‪.‬‬
‫مردودية االنتاج‬
‫مفهوم ‪1‬‬

‫(بعد‪)2‬‬ ‫بعد ايفي‬ ‫(بعد‪)1‬‬ ‫قياس امي‬

‫منتوج من‬ ‫كمية االنتاج المحصل عليها عدد الساعات لتحقيق هذه الكمي‬ ‫الميزانية المخصصة‬
‫دون عيوب‬
‫مؤشرات‬
‫النوعية‬ ‫فعالية في االنتاج‬
‫(دليل‪)2‬‬ ‫(دليل‪)1‬‬

‫إجرائية المفاهيم‪ :‬بعدما تم عرض خطوات ‪ Lazarsfeld‬سندرج الطريقة الثانية ‪ Tremblay‬فالمتغيرات‬


‫المعتمدة في صياغة الفرضيات يمكن اعتبارها كمفاهيم نظرية‪ .‬والسيرورة متواصلة فالفرضيات في نفس‬
‫السياق تكون أصيلة ويمكن التحقق منها‪ .‬ومن هنا بما أن المتغيرات أو المفاهيم هي مكونات للفرضيات‬
‫مما يحتم امتالكها لنفس الخصائص‪.‬‬
‫حتى نتمكن من التعريف بفرضية معينة (بمتغيراتها ومفاهيمها) يجب التمكن من االنتقال من المجرد‬
‫إلى الملموس بما يعرف بإجرائية المفاهيم‪.‬‬
‫إجرائية المفاهيم هي العملية التي يتم من خاللها تحويل مفهوم نظري إلى إجرائي أي يمكن مالحظته‬
‫وقياسه‪.‬‬
‫ملموس‬ ‫مجرد‬
‫مفهوم إجرائي‬ ‫مفهوم نظري أو متغير‬
‫تهدف إجرائية المفاهيم إلى‪:‬‬
‫‪ -‬جعل موضوع التحليل ملموسا بواسطة العناصر المالحظة بطريقة مباشرة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪ -‬محورة المالحظات حول عدد من العناصر‪.‬‬
‫‪ -‬قياس المتغيرات المدروسة‪.‬‬
‫‪ -‬إقامة عالقة بين المفاهيم‪.‬‬
‫ص‪ 90‬إجرائية المفاهيم تتم حسب ‪ Tremblay‬في مرحلتين كما ذكرنا سابقا هما‪:‬‬
‫‪ .1‬تحديد أهم أبعاد كل مفهوم‪.‬‬
‫‪ .2‬تتبع مؤشرات كل بعد‬

‫المفهوم‬

‫بعد‬ ‫بعد‬ ‫بعد‬

‫مؤشر‬ ‫مؤشر‬ ‫مؤشر‬

‫أبعاد المفهوم هي العناصر المكونة له أو مكوناته المختلفة‪.‬‬


‫أول عملية تتمثل في تمييز العناصر المك ونة للمفهوم المقدم بهدف تحويله لجملة من الفئات‪ .‬فغالبا ما‬
‫يكون المفهوم معقدا في التحديد‪ ،‬ولهذا فعادة ما نستعين بعدة أبعاد للوصول إلى ذلك‪.‬‬
‫مؤشرات بعد من أبعاد المفهوم يمكن مالحظتها مباشرة وقياسها‪.‬‬
‫تهدف العملية الثانية لعرض أبعاد مفهوم معين عن طريق مكونات نالحظها مباشرة ونقيسها‪،‬‬
‫فالطابع الملموس للمؤشر يجعل منه مؤش ار جيدا‪ .‬وهنا أيضا نجد أن من الضروري اعتماد العديد من‬
‫المؤشرات لتمثيل مختلف أبعاد المفهوم‪.‬‬
‫مثال تطبيقي‪ :‬لنحاول تحديد المفاهيم اإلجرائية في العالقة بين احتياجات التكوين في مجال الصناعة‬
‫وتنافسية المؤسسة‪.‬‬
‫من الضروري معرفة طبيعة العالقة القائمة بين المتغيرات المعتمدة‪ ،‬وتحديد أي منها يؤثر على‬
‫اآلخر‪ ،‬مع اإلشارة إلى احتمال وجود العديد من المتغيرات التابعة في فرضية بحث‪ .‬ولنفترض فرضية‬
‫البحث التالية‪ :‬احتياجات التحسين المعبر عنها من طرف العمال في شركة مرتبطة بتنافسهم‪ .‬فكلما كانت‬
‫الصناعة تنافسية ظهر اإلحساس بالحاجة إلى التكوين‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫المتغير التابع‪ :‬احتياجات التحسين ( التكوين)‬ ‫‪-‬‬
‫المتغير المستقل‪ :‬التنافسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فبعدما تم توضيح المتغيرات‪ ،‬تأتي مرحلة المفاهيم االجرائية في توضيح العالقة بين احتياجات التكوين في‬
‫الصناعة وتنافسية المؤسسة‪.‬‬
‫احتياجات التكوين (التحسين)‪ :‬نعترف بوجود احتياجات للتحسين عند العمال حينما يكون هناك‬
‫فارق بين التكوين المكتسب وما هو مطلوب منهم لممارسة مهنتهم اما ينبغي‪.‬‬
‫التنافسية‪ :‬تلخص قدرة المؤسسة لمواجهة المنافسة برفع إنتاجها وتقليص تكلفة عملياتها‪ .‬ومن‬
‫المعتاد أن يتحقق هذا من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬التغيرات التكنولوجية (أي من خالل االنتهاج التدريجي آللية ومعلومات كل من المعدات‬
‫واالجراءات)‪.‬‬
‫‪ -‬التغيرات التنظيمية‪( :‬أي التغييرات في بنية وهيكل المؤسسة سواء تعلق األمر بالوظائف‬
‫اإلدارية أو االنتاج)‪.‬‬
‫‪ -‬تغيرات السوق ‪( :‬أي التغيرات في السلع أو الخدمات حتى تجيب على تطلعات كل من‬
‫المستهلكين‪ ،‬الزبائن الجدد أو المنافسين)‪.‬‬
‫وفيما يلي عرض إلجرائية المفاهيم في هذا المثال وفق الخطة التالية‪:‬‬
‫التنافسية‬
‫(مفهوم ‪)1‬‬

‫تغيرات السوق‬ ‫التغيرات التنظيمية‬ ‫التغيرات التكنولوجية‬


‫بعد ‪3.1‬‬ ‫بعد ‪2.1‬‬ ‫بعد ‪1.1‬‬

‫زبائن‬ ‫سلع‬ ‫نمط العمل فلسفة التسيير‬ ‫قسم‬ ‫سلع‬ ‫معدات‬


‫(مؤشر ‪( )1.3.1‬مؤشر ‪)2.3.1‬‬ ‫(مؤشر ‪( )2.1.1‬مؤشر ‪( )1.2.1‬مؤشر ‪)2.2.1‬‬ ‫(مؤشر ‪)3.1.1‬‬
‫(مؤشر ‪)1.1.1‬إج ارءات ومناهج‬
‫(مؤشر ‪)2.1.1‬‬

‫‪44‬‬
‫احتياجات التحسين‬
‫(مفهوم ‪)2‬‬

‫الخبرة المهنية‬ ‫التكوين المطلوب( المرجو)‬ ‫التكوين المكتسب‬


‫بعد ‪3.2‬‬ ‫بعد ‪2.2‬‬ ‫بعد ‪1.2‬‬

‫التخصص‬ ‫التوافر‬ ‫النمط‬ ‫المنصب المهني‬ ‫التمدرس‬


‫(مؤشر ‪)1.3.2‬‬ ‫(مؤشر ‪)2.2.2‬‬ ‫(مؤشر ‪)1.2.2‬‬ ‫(مؤشر ‪)2.1.2‬‬ ‫(مؤشر ‪)1.1.2‬‬

‫‪45‬‬

You might also like