Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في منهجية البحث في علم الاجتماع
محاضرات في منهجية البحث في علم الاجتماع
اإعداد:
ا ألس تاذة ادلكتورة أأمينة مساك
1
أوال
البحث االجتماعي
البحث العلمي
البحث العلمي
يندرج البحث االجتماعي في إطار البحث العلمي ،مما يجعلنا نتطرق إلى مفهوم هذا األخير
والتركيز بعدها على البحث العلمي في المجال االجتماعي.
تعريف البحث العلمي:
المعنى اللغوي :إذا حللنا عبارة البحث العلمي فنجد أنها مكونة من :البحث والعلم.
أما البحث فهو مصدر الفعل الماضي بحث ،ومعناه :طلب ،فتَش ،تقصى ،تتبع،
تحرى ،سأل ،اكتشف ...وبهذا فإن البحث هو الطلب والتفتيش وتقصي حقيقة من الحقائق،
أما العلمي فهي كلمة منسوبة إلى العلم.
المعنى االصطالحي :البحث العلمي هو التقصي المنظم بإتباع أساليب ومناهج علمية
محددة بالوقائع العلمية ،قصد التأكد من صحتها وتعديلها ،أو إضافة الجديد إليها.
وهو أيضا نشاط علمي منظم وطريقة تفكير وأسلوب للنظر في الوقائع ،يسعى إلى
كشف الحقائق معتمدا على مناهج موضوعية من أجل معرفة االرتباط بين هذه الحقائق ثم
استخالص المبادئ العامة والقوانين.
فالبحث العلمي إذن هو دراسة هدفها الوصول إلى اكتشاف وشرح وتفسير الظواهر.
" فهو نشاط فكري منظم يهدف إلى زيادة قدرة االنسان على السيطرة على الطبيعة ،باعتبار
أن السيطرة على الطبيعة تُعد هدفا أساسيا من أهداف العلم ،حيث يرى فرونسيس بيكون أنه
البد أن يخضع الباحث للطبيعة أوال قبل أن يستطيع السيطرة عليها ،أي ان فهم الطبيعة
والخضوع لقوانينها هو الخطوة األولى نحو السيطرة عليها" .وسيتم اعتماد مفهوم البحث
االجتماعي الذي نقصد به البحث العلمي في مجال علم االجتماع.
2
أنواع البحوث العلمية
للبحث العلمي العديد من األنواع تنقسم وفق التصنيفات المعتمدة في هذا المجال ،فهناك
البحوث االستطالعية ،الوصفية ،التجريبية ،التاريخية ،التقويمية .سيتم التطرق إليها بعد عرض
التصنيفات األخرى حتى نشمل كافة أنواع البحوث العلمية بصفة عامة واالجتماعية على وجه
الخصوص.
وعموما نجد التصنيف المتفق عليه المتضمن البحوث األساسية الناتجة عن البحوث
النظرية المساهمة في تطور المعرفة عموما ذات المجال االجتماعي ،والبحوث التطبيقية
الناتجة عن المجاالت التقنية وفي مجال الصناعة والتطوير التكنولوجي .إضافة إلى التصنيفات
التالية:
التصنيف األول :حسب المجال العام المرجعي.
التصنيف الثاني :حسب االستخدام.
التصنيف الثالث :حسب المعنى.
التصنيف الرابع :حسب منهج البحث.
التصنيف الخامس :حسب الدرجة (شروط البحث).
التصنيف السادس :حسب النوع
أوال
• حسب المجال المرجعي
البحوث الواقعية (الميدانية /التطبيقية) :تكون مرتبطة بالزمان والمكان ،يتعامل فيها الباحث
مع معطيات حقيقة تؤخذ من الميدان .هدفها التطبيق المباشر للمعارف العلمية المتوفرة والعمل
على حل المشاكل المتعلقة بظاهرة معينة .وبهذا فهي تعمل على إيجاد الحلول للمشاكل
الميدانية ،إضافة إلى تطوير وتنمية األساليب المتبعة في العملية اإلنتاجية المعتمدة في مختلف
المجاالت التطبيقية كالتربية والتعليم والصحة...
3
البحوث النظرية :مجردة من الزمان والمكانُ ،مدركة بالعقل .تهدف أساسا إلى التوصل إلى
الحقائق والنظريات العلمية للمساهمة في تنمية المعرفة.
وهناك نوع من البحوث يجمع بين هذين النوعين يتجسد في البحث النظري الميداني
من خالل معالجة موضوع بحث معين السيما في الدراسات االجتماعية أين يجمع الباحث من
خالل قراءاته النظريات التي توصل إليها اآلخرون ويعتمد تقنيات معينة (المالحظة ،االستمارة،
المقابلة) للتحقق من فرضياته ميدانيا.
ثانيا
• حسب االستخدام
تندرج البحوث هنا في إطار الهدف من البحث .فهناك:
البحوث الرسمية :تأخذ أساسا الطابع األكاديمي من طرف هيئات رسمية إلجراء بحث بغرض
رسمي لحل مشكلة معينة ،أو لوضع خطة أو إثراء نظرية .حيث يخضع التطبيق هنا للهدف.
وغالبا ما تدخل في هذا اإلطار مراكز البحوث.
البحوث غير الرسمية :تُنجز بغرض التدريب على البحث كتلك األعمال المنجزة في إطار
فرق البحث الجامعية.
ثالثا
• حسب المعنى
يأخذ هذا التصنيف معناه من معنى البحث في حد ذاته ،فالبحث بمعنى التنقيب يهدف
إلى كشف المعلومات دون نشرها أو تعميمها واستعمالها في حل مشكلة معينة .ويستخدم
كتمهيد لدراسة الحقة أي الدراسات االستطالعية.
4
عن العقل .في حين يجمع البحث الكامل بين التنقيب والتفسير النقدي بهدف تعميم النتائج
وحل المشكالت.
رابعا
• حسب منهج البحث
البحوث االستطالعية (االستكشافية):
تهدف إلى كشف معلومات أولية عامة عن مواضيع لم تسبق دراستها.
البحوث الوصفية (التشخيصية):
ت هدف إلى تشخيص ظاهرة معينة من خالل جمع المعلومات حولها وتحليلها بغرض
وصفها وصفا مفصال لجميع الظروف المحيطة بها .ووضع تقرير شامل عن حالتها كما هي
في الواقع .ويعتمد هذا النوع من البحوث على المنهج الوصفي التحليلي.
البحوث التاريخية :تدرس هذه البحوث ،تصف وتسجل جميع األحداث والوقائع التي
حدثت وانتهت في الزمن الماضي وتعمل على تحليلها وتفسيرها ،من أجل محاولة فهم األحداث
الحالية والتنبؤ .ويعتمد هذا النوع من البحوث على المنهج التاريخي.
البحوث التجريبية :تبحث في المشكالت والظواهر الموجودة بغرض اختبار الفروض
عن طريق التجربة والبحث عن العالقات السببية بين الظواهر بناء على المنهج العلمي.
خامسا
• حسب الدرجة
5
يعتبر هذا التصنيف كشروط البحث في تمييزه عن الدراسة والعرض حيث يرى المنهجيون أن
هذا التصنيف يكاد يكون جامعا لجميع البحوث ،حيث:
سادسا
• حسب النوع
يشتمل مجال البحث والتطوير على ثالثة نشاطات في إطار التصنيف التالي:
-1البحث األساسي:
"يدور موضوعه حول النظريات والمبادئ الـقـاعدية ويهدف إلى تطوير المعارف
الخاصة بمجال ما دون مراعاة جانب التطبيق فيه " فهو عبارة عن عمل أساسي نظري يهدف
إلى الحصول على المعرفة الجديدة حول ظواهر موجودة أو حقائق مالحظة دون أن يكون له
تطبيق خاص" ،ينشأ في الجامعات ومعاهد البحوث والمؤسسات ذات الطابع العلمي ،وكثي ار
ما يتخذ شكل المبادئ والنظريات والقوانين العامة التي توضع في دراسات وتقارير تقدم في
المؤتمرات".
وبهذا ،ينزع البحث األساسي أو ما يطلق عليه اسم "النظري" نحو الكشف الدائم
والمستمر عن أسباب الطبيعة والقوانين التي تحكمها" ،إضافة إلى أنه يزود المجتمع العلمي
الذي ينشأ في إطاره ببطاقة لدخول منتديات تتفاعل ضمنها المجتمعات العلمية األخرى".
إذن ،يقوم البحث األساسي بتحليل الخواص والتركيب والعالقات ضمن نظرة
لصياغة وفحص الفرضيات والنظريات والقوانين .ونتائج هذا النوع من البحث ليست للبيع،
ولكن يتم نشرها في مجالت أو نشرات عملية أويـتـم تعميمها إلى المعنيين بها ،وفي بعض
6
األحيان يتم إعطاء المواضيع الحساسة طابع السرية ألسباب أمنية .وهناك نوعين من الفروع
في هذا الجانب:
أ-البحث األساسي البحت :يتم القيام به من أجل التقدم العلمي دون العمل بهدف
جني فوائد اجتماعية أو اقتصادية على المدى الطويل ،ودون بذل مجهودات لتطبيق النتائج
على مسائل عملية أو نقلها إلى قطاعات مسئولة عن تطبيقه.
ب-البحث األساسي الموجه :يتم توجيهه أو اختيار موضوعه ضمن مجاالت
واسعة ذات االهتمام العام ،وتضمن التوقعات بإنتاجه قاعدة واسعة عن المعرفة التي تؤدي
إلى عمل خلفية لحل بعض التساؤالت أو االحتماالت المعروفة أو المتوقعة في المستقبل.
وتساعد عملية التعريف المنفصل للبحث األساسي الموجه في تحديد البحث االستراتيجي.
-2البحث التطبيقي :يعمل على تقديم توضيحات حول مشكلة ما قصد تطبيقها
ميدانيا".
بتحر موجه بصورة أساسية نحو أهداف
يهدف هذا النوع من البحوث "إلى القيام ّ
عملية أو تطبيق معين ،وتتجسد نتائجه بأشكال مختلفة في قطاع من قطاعات اإلنتاج
والمجتمع".
ويرى "عادل عوض" أن البحث التطبيقي يوجه إلى استثمار وتطوير نتائج البحوث
األساسية لخدمة اإلنسان ،ويمكن أن يجرى في كليات الهندسة ومعاهد البحوث التطبيقية،
متوجها لخدمة أغراض صناعية ،عسكرية وزراعية.
فهو بذلك عمل موجه للحصول على المعرفة الجديدة بشكل أساسي نحو هدف
تطبيقي في الحياة العلمية" .يهتم بالمشاكل التي يعاني مـنـها الـمجتمع كمشاكل اإلنتاج
واالختراعات والخدمات التي يساهم حلها في التقدم اإلنتاجي للمجتمع ،وتحسين أدواته باستخدام
الوسائل التقنية الحديثة في تقليل النفقات والتكاليف إزاء تضاعف اإلنتاج .وقد نشأت كلمة
التكنولوجيا من البحث العلمي التطبيقي".
إذن يتم تبني هذا الفرع من البحوث لتحديد االستخدامات المحتملة إلنجازات البحث
األساسي ،أو لتحديد أساليب جديدة إلنجاز بعض األهداف المعينة والمحددة مسبقا .يشمل
اعتبار المعرفة المتوفرة وامتدادها ألجل حل مشاكل معينة" .وفي قطاع شركات األعمال ،فان
التمييز بين الن وعين من البحوث األساسية والتطبيقية ،يمكن تعليمه بإقامة مشاريع جديدة
7
للتحري عن النتائج الواعدة ببرنامج بحث أساسي .وتصلح نتائج البحث التطبيقي لمنتج واحد
أو عـدد مـحدود مـن المنتجات ،أو العمليات اإلنتاجية أو وسائل وأنظمة اإلنتاج ،ويقوم بتطوير
األفكار في أسـلـوب عـملي ،ويتم تسجيل المعرفة والمعلومات الناتجة عنه إما كبراءة اختراع أو
تصنف ضمن السرية".
-3التطوير التجريبي أو العملي :هو عبارة عن عمل مبرمج ،مرسوم حول تجربة
مكتسبة بواسطة البحث أو الخبرة العلمية ،موجه نحو الحصول على مواد جديدة أو منتجات
ومشتقاتها ،أو نح و عمل وسائل إنتاج جديدة وأنظمة وخدمات إلجراء تحسينات على تلك
المنتجة حاليا من حيث الكلفة اإلنتاجية والنوعية والكمية ...وفي العلوم االجتماعية يمكن
تعريف التطوير التجريبي بأنه الوسيلة لترجمة المعرفة المكتسبة عبر البحث في برامج عملية
بما في ذلك مشاريع عرض تعمل لفحص وتقييم األهداف.
إذن نستخلص ثالثة أنواع من البحوث تتمثل في:
-بحوث أساسية :تهدف إلى تقدم المعارف وزيادة حقائقها.
-بحوث تطبيقية :موجهة لتطبيق واستثمار نتائج البحوث األساسية لخدمة اإلنسان.
-بحوث التطوير التكنولوجية :تهدف إلى إدخال التحسينات واإلضافات على آلية اإلنتاج
وصوال لزيادته كما وكيفا .وال يختلف اثنان على أهمية هذا الجانب في فتح مجاالت اإلبداع
والتميز لدى األفراد والمجتمعات ،وتزويدها بإمكانية امتالك أسباب النمو على أسس قوية ،فلم
يعد البحث العلمي رفاهية أكاديمية تمارسه مجموعة من الباحثين المنعزلين ،وإنما تكمن أهميته
في الدور الفعال الذي يقوم به في تطوير المجتمعات المعاصرة على اختالف مواقعها في سلم
التقدم الحضاري ،ويساهم في العملية التجديدية التي تمارسها هذه المجتمعات لتحقيق رفاهيتها.
وبهذا تتعدى أهمية البحث العلمي في عالمنا المعاصر تقديم أسلوب البحث عن
يتمكن العلماء
مكن من صياغة استراتيجية دقيقة لـلنشاط اإلنساني ،ومن ثمة ّ
الحقيقة ُلي ّ
والباحثين من صنع الق اررات والسياسات المختلفة كل في مجال تخصصه.
وفيما يلي تصنيف آخر أل نواع البحوث االتالي:
.1البحوث االستطالعية (االستكشافية) :يكشف هذا النوع من البحوث ظواهر أو يتناول
مواضيع جديدة أو ميادين لم يتطرق لها الباحثون من قبل .أو تلك التي ال تتوفر عنها
معلومات ويجهل الباحث الكثير من جوانبها وأبعادها.
8
.2البحوث الوصفية :باعتبار أن المنهج الوصفي رمن أساسي في البحث العلمي ،واألكثر
مالءمة لدراسة أغلب المجاالت اإلنسانية واالجتماعية ،تسعى البحوث الوصفية إلى وصف
خصائص ظاهرة معينة أو موقف محدد أو قضايا اجتماعية تمت دراستها من قبل ،بهدف
الوصول إلى نتائج تصف موضوع الدراسة وتحدد خصائصها .وال تقف البحوث الوصفية
عند مجرد جمع البيانات والحقائق ،بل تعمل على تصنيفها ،تحليلها وتفسيرها الستخالص
دالالتها الكمية والكيفية بهدف الوصول إلى نتائج نهائية يمكن تعميمها.
.3البحوث التجريبية :تتميز البحوث التجريبية بالدقة واإلحكام ،وتعتمد على التجربة في
قياس أثر المتغيرات المختلفة .من خالل المالحظة المقصودة والمضبوطة.
.4البحوث التاريخية :يسجل البحث التاريخي األحداث التاريخية والوقائع التي جرت في
الماضي ،يحللها ويربطها باألحداث الحالية قصد تفسيرها .وتكمن أهمية هذا النوع من
البحوث في المقارنة بين مرحلتين زمنيتين بجمع المعلومات حولها ومعرفة امتدادها
التاريخي ومختلف النظريات التي عالجتها وتأثيرها على سلوك األفراد والمجتمعات.
.5البحوث التقويمية :البحث التقويمي هو سلسلة من األحداث والعمليات تتبع خطوات محددة
ومتسلسلة تتطلب مستوى معين من األداء وفقا لما هو متفق عليه من قبل المتخصصين
ومتخذي القرار .ومن هنا فالبحث التقويمي هو بحث إجرائي ذو طبيعة تقويمية أو تطبيقية
يستقصي ممارسات أو أنشطة أو برامج في مواقع خاصة بهدف تحسين األداء وزيادة
الفاعلية حيث يركز على ممارسة معينة (قد تكون برنامجا أو منهجا أو عملية) ،فيعمل
على تقدير ميزتها أو قيمتها ،فيقرر فيما إذا كانت ناجحة أي أنها تحقق أهدافها أو ال
بهدف اتخاذ ق اررات مستقبلية.
9
خصائص البحث االجتماعي
-التنظيم :من خالل اتباع أسلوب محدد وخطوات مدروسة للوصول إلى النتائج المرجوة
-الهدفية :تسعى كافة البحوث لتحقيق هدف معين ،وتتنوع األهداف بتنوع التخصصات
العلمية والظاهرة المدروسة .فهناك بحوث تهدف إلى وصف الظاهرة ،وأخرى إلى
تفسيرها ،ومن األهداف أيضا نجد التنبؤ ،التجريب...
-الشمولية :وتعني تغطية الموضوع المدروس ليشمل جميع جوانب البحث مع إمكانية
تعميم النتائج على ظواهر أخرى مشابهة.
-التعقيد :البحث العلمي هو سلسلة من الخطوات المتعاقبة المتداخلة سعيا لتحقيق أهداف
معينة .كما أنه يحتاج إلى مهارات من قبل الباحثين كالتدقيق ،التحليل،
التفسير...متداخلة فيما بينها أيضا.
-التراكمية :يبدأ الباحث من حيث انتهى اآلخرون ن خالل اعتماده على النتائج السابقة،
مما يركز الجهود ويمنع التكرار ويعمل على التجديد واالبتكار.
-الصدق والثبات :الصدق والثبات خاصيتين مترابطتين للبحث العلمي ،فال بد أن يكون
البحث ثابتا حتى يعبر عن صدق النتائج .فالنتائج الصادقة تنجم عن البحث العلمي
الذي تأكد له الثبات.
الصدق :يعني تفسير النتائج بدقة ،والربط بين جميع مكونات البحث النظرية والعملية.
الثبات :إمكانية إعادة نفس نتائج البحث بتكرار التطبيق.
-الدقة :التحديد الدقيق لكل إجراءات البحث ومختلف مراحله.
-الموضوعية :الحياد في إجراءات تنفيذ البحث منذ البداية إلى النتائج النهائية.
-المنطقية :اعتماد التسلسل المتوافق مع قواعد العقل واألساس السليم في مختلف مراحل
البحث.
10
مراحل البحث االجتماعي
يختلف العلماء في تحديد خطوات إعداد البحث العلمي وإج ارءات تنفيذه ،فمنهم من
يقسمها إلى ثالثة خطوات أساسية مثل ما قدمه "باشالر" فيما أطلق عليه المراحل العقلية ،أو
فصل في هذه الخطوات في ما قدمه "ريمون كيفي" وحدده في سبعة خطوات اجرائية-حيث ُ
سن ّ
المحاضرات الالحقة .-وعموما يمكن تحديد مراحل إعداد البحث العلمي كالتالي:
أوال-اختيار مشكلة البحث وتحديدها
ثانيا-مراجعة األدب النظري والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع الدراسة
ثالثا-صياغة فرضيات البحث
رابعا-تصميم مخطط البحث
خامسا-تحديد مجتمع البحث وعينة الدراسة
سادسا-جمع البيانات والمعطيات
سابعا-عرض البيانات وتحليلها
ثامنا-كتابة تقرير البحث
11
طلب من الباحث البحث في مجال معين وفق
رابعا-تكليف من جهة معينة :في حالة ما إذا ُ
ما تتطلبه المؤسسة التي ينتمي إليها
أوال-الشروط الجوهرية:
-1وجود الهدف:
يجب أن يكون البحث هادفا ،وعادة ما تهدف األبحاث التطبيقية إلى حل مشاكل تواجه األفراد
والجماعات أو تعمل على التخفيف من حدتها( .كمشاكل الفقر ،البطالة ،اإلدمان ،التلوث
البيئي ،تدني اإلنتاجية ،الرسوب والتسرب المدرسي...إلى غيرها من المشاكل التي تستوجب
البحث فيها)
-2الموضوعية:
تضمن الموضوعية وصول الباحث إلى استنتاجات واقعية بعيدة عن أهوائه حتى يخدم
األغراض العلمية.
-3قابلية التعميم:
يأخذ البحث أهميته حينما يكون قابال للتعميم على أوسع نطاق ممكن ،حتى يستفاد من
تطبيق نتائجه في مجال واسع.
-4قابلية التكرار:
أن يكون البحث قابال للتكرار يعني أن ما هو متاح للباحث الذي أجرى البحث يجب
يتفرد دون غيره بالعلم والمعرفة عن
ان يكون متاحا لغيره من الباحثين ،وال ُيعقل أن ّ
موضوع البحث.
12
-5قوة البحث نظريا وعمليا:
ويعني ذلك أال يكون البحث سطحيا قائما على نظريات ضعيفة أو تافهة ،بل يستند
على أسس نظرية وعلمية قوية ،وفرضيات قابلة لالختبار والتحقق.
-6التوازن بين الفائدة من البحث والفته:
من الضروري أن يكون البحث متوازنا من حيث الفوائد المرجوة منه مقابل الكلفة التي
ستنفق عليه .فال يعقل أن تكون نتائجه والفوائد المرجوة منه ضعيفة مقارنة مع كلفة
باهظة.
ثانيا-الشروط الشكلية:
-1االل تزام بالخطوات العلمية المتعارف عليها في كافة البحوث األكاديمية .فيختار مشكلة
واضحة ،محددة ،ويطرح عددا معقوال من األسئلة .ويصيغ الفرضيات من أسئلة بحثه
بما يحدد متغيرات دراسته .ويختار أدوات القياس المناسبة فيجمع المعطيات والبيانات،
ثم يحللها ويتخذ القرار حول صحة الفرضيات من عدمه .مع مراعاة قدرات الباحث من
النواحي العلمية ،المادية والزمنية.
-2كتابة البحث بلغة سليمة (إمالئيا ونحويا وصرفيا) ،ومفهومة تناسب الجمهور المقصود
بالبحث .وعرضه بتسلسل منطقي.
-3اعتماد عنوان شامل وواضح للبحث ،حتى يساعد القارئ على اتخاذ القرار بقراءة البحث
أو االنصراف عنه .مما يستلزم أن يدل العنوان بشكل واضح على موضوع البحث
والمتغيرات التي يعالجها ،والزمان والمكان الذي أجري فيهما هذا البحث إذا ما اقتضت
الضرورة ذلك.
13
-1أن تعتمد مالحظته للظاهرة محل البحث على االمبريقية (من خالل التجربة) .حيث
طرح الفالسفة البريطانيون في القرنين السابع عشر والثامن عشر المبدأ التجريبي االمبريقي
(منهم "لوك" ،Lockeو"هيوم" ،Humeوبركلي )Berkeleyمن خالل اعتقادهم أن ما
مصدره الحواس هو المصدر الوحيد ،الحقيقي والشرعي للمعرفة والعلم .فحينما نقول أن الماء
عديم اللون والطعم والرائحة ...فإن الحواس هي أساس هذه المالحظات.
-2ينبغي أن تتاح المالحظة لجميع المالحظين .أي أن الباحث حينما يرى أو يسمع ،أو
يشم شيئا ،فإن ما يحس به يجب أن يراه ،ويسمعه ويشمه األخرون.
-3إمكانية الحصول على النتائج نفسها عند إعادة أو تكرار نفس البحث.
وتعتبر هذه الخصائص من صفات البحث العلمي الجيد ،حيث يتوجب على الباحث
توضيح وتفصيل كافة إجراءات بحثه والظروف التي أجرى من خاللها مالحظاته.
14
ثانيا
مراحل القطيعة
البحث العلمي
المرحلة األولى
• تصميم منهجية البحث
حدد "ريمون كيفي" ) )Raymond Quivyو )(luc van campenhoudtالخطوات اإلجرائية
للبحث العلمي في سبعة خطوات أساسية حسب الشكل الموالي:
Étape 1 La question de départ
Étape 3 la problématique
Étape 5 l’observation
15
المرحلة الرابعة :بناء نموذج التحليل ،يتم من خالله الربط االفتراضي بين مختلف متغيرات الفرضية
في نموذج متكامل قبل الوصول إلى الميدان.
المرحلة الخامسة :المالحظة.
المرحلة السادسة :تحليل المعلومات.
المرحلة السابعة :النتائج.
ومن هنا تجتمع منهجية إعداد البحوث العلمية في خطوتين أساسيتين بدءا بالمراحل العقلية التي
تتجسد من خالل المراحل االجرائية( .حيث أن المرحلة العقلية مولدة ومقولبة للمرحلة االجرائية).
وخصصنا هذه المحاضرة ألهم مرحلة يتوقف عليها البحث أال وهي سؤال االنطالق ،الذي إذا
أ حسن الباحث صياغته تمكن من بحثه ،وحدد زاوية دراسته بدقة ،ليخصص الجزء الثاني من هذه المحاضرة
لشق أساسي من المرحلة الثانية وهو اإلستكشاف من حيث القراءات ،ليتم تناول الجزئية الباقية في
المحاضرات الالحقة.
مع العلم أن تقسيمات المراحل وترتيبها يخضع إلجراءات منهجي ة البد من احترامها ،والتي تعتبر
من الركائز المهمة التي يعتمد عليها الباحث في إنجاز دراسته.
لنتناول في المحاضرة الالحقة أهم مرحلتين في إنجاز البحوث العلمية وهي بناء اإلشكالية وصياغة
فرضيات الدراسة التي نتمكن من خاللهما االنتقال من الجانب المجرد إلى الجانب الملموس اين يستخدم
الطالب مكتسباته التراكمية حول ما يتعلق بالمنهج العلمي.
وتتضمن المراحل السبعة السالفة الذكر المجسدة للمنهجية المعتمدة للبحوث مرحلتين أساسيتين
تتمثل في المرحلة العقلية التي تترجم الحقا في المرحلة اإلجرائية ،لنركز ههنا على المرحلة األولى منها.
المراحل العقلية:
تتجسد من خالل ثالثة مراحل حددها ( )Gaston Bachelardفي قوله:
" " construit et constaté ،Le fait scientifique est conquis
-Conquis sur les préjugés.
-Construit par la raison.
-Constaté dans les faits.
نفس الفكرة تطرق إليها ( )Pierre Bourdieuفي كتابه ( ،)Le métier de sociologueأين
جسدها في سيرورة عمل تنقسم إلى ثالث خطوات أساسية يجب احترام تسلسلها في ما أسماه التدرج الهرمي
لألفعال اإلبستمولوجية متمثلة في كل من:
القطيعة.
البناء.
التحقيق.
وعليه ،تتمثل المراحل العقلية فيما يلي:
16
.1مرحلة افتكاك الموضوع (.)Conquérir
.2مرحلة بناء الموضوع (.)Construire
.3مرحلة تحقيق الموضوع (.)Constater
-1نفتك الموضوع ونحدث قطيعة ليس فقط مع األفكار المسبقة بل مع العلوم األخرى كذلك لعدم وجود
فراغ فكري ونظري من حولنا مثلما قام به "إميل دوركايم" الذي افتك موضوع دراسته االنتحار من
الميدان النفسي .فالمواضيع التي يتم معالجتها في علم االجتماع غير معطاة بل تتطلب جهدا وتوت ار
فكريا ومنهجيا وابستمولوجيا لبلورتها وإعطائها البعد االجتماعي الذي يمكننا من دراستها ،إضافة إلى
اتسام الباحث باالستقاللية من معارفه السابقة.
-2بعد افتكاك الموضوع تأتي مرحلة بنائه .وال ُيعتبر الموضوع سيسيولوجيا (أي حسب مجال
التخصص) إال إذا أُخرج من دائرة الماهية ليتحول إلى شبكة من العالقات السببية ،من خالل تفكيك
الموضوع إلى أجزاء مرتبطة ارتباطا جديدا في إطار إشكالية الباحث.
-3مرحلة تحقيق الموضوع وهو ما سيتم تناوله في المحاضرات الالحقة.
كيف نختار موضوع البحث؟
تعتبر مرحلة اختيار موضوع البحث محل الدراسة مرحلة حاسمة وهامة لدى كل الباحثين على
اختالف تخصصاتهم والشهادة المحضر لها .لهذا فهي تشكل فترة قلق وحرج لهم ،حيث يصبح هذا األمر
هاجسا يؤرقهم في ظل غياب نماذج واضحة في هذا اإلطار.
فأكبر مشكلة تواجه الباحث ،هي إيجاد موضوع يتناسب مع ميوله ورغباته ،فغموض المواضيع،
وعدم استقرار رأي الباحث على موضوع معين يثير اهتمامه يترتب عنه:
-عدم إلمامه بالموضوع،
-فقدان الرغبة للقيام باألبحاث،
-قلة الجهد المطلوب لتحقيق الغايات المنشودة.
فبناء الموضوع نقطة من نقاط البحث الجوهرية واألكثر صعوبة ،باعتبارها األساس الذي يستند إليه
البحث بأكمله .حيث أكد باشالر" :أن العلم يحقق مواضيعه دون أن يجدها أبدا منجزة كليا ،إنه ال يتوافق
مع عالم يجب وصفه ،بل مع عالم يجب بناؤه ...فالواقعة تخضع للبحث وتبنى ويتحقق منها" .وعليه تبدأ
هذه المرحلة منذ ظهور فكرة البحث وتستمر خالله.
ونشير هنا أن المختصين في منهجية البحث يجزمون على أن مرحلة اختيار الموضوع حاسمة كون
أن:
االختيار يحدد نوعية نتائج البحث الحقا.
حسن االختيار يشكل دافعا وحاف از لمواصلة البحث.
نوع الموضوع المختار يحدد درجة أهمية المساهمة في إثراء البحث.
17
إذن ،فاختيار الموضوع ليس باألمر السهل ...ولذلك يستحسن أن يسأل الباحث نفسه عدة أسئلة،
تتعلق بالبحث قبل أن يشرع فيه ،وتتلخص هذه األخيرة في:
-1هل تستحوذ المشكلة على اهتمام الباحث ورغبته؟
-2هل ستضيف الدراسة التي تجول بخاطره إلى المعرفة شيئا جديدا؟
-3هل يستطيع الباحث القيام بالدراسة المقترحة؟
-4هل المشكلة نفسها صالحة للبحث والدراسة؟
-5هل سبق لباحث آخر أن سجل للقيام بهذا البحث؟
المرحلة الثانية
• جرد التراث النظري ورصد مجال البحث
كيفية االختيار ( :من أين يستقي الباحث موضوع بحثه):
يتمكن الباحث من اختيار مشكلة البحث من خالل:
-اطالعه والمامه بالتراث الفكري في تخصصه من خالل الدراسات والبحوث السابقة المتعلقة بالموضوع
أو موضوعات مشابهة.
-حضوره الفعاليات العلمية من مناقشات ،ملتقيات ،أيام دراسية والمحاضرات التي يتلقاها أثناء مساره
التكويني.
-مشاكل الساعة التي تحدث في المجتمع ويهتم بها الرأي العام.
-الموضوعات والمشاكل التي تبحثها مراكز البحوث والمخابر والهيئات والمؤسسات العلمية المتخصصة.
-تحقيق أو رفض نظرية أو قانون سابق ،أو حينما يريد التأكد من صحة بحث أو فرض معين أو عن
طريق محادثة أو نتيجة تم استنباطها من نظرية أو قانون.
-حينما يق أر مقاال يختلف فيه مع مؤلفه اختالفا بّينا.
-من الخبرات اليومية التي يعيشها الفرد ،والتي تأثر بها هو شخصيا أو أحد معارفه.
18
ومن أجل إنجاز هذه المرحلة باحترافية منهجية ،لتسهيل العمل نعتمد المخطط التالي:
كيف أختار
التمحيص االتساؤل التشاوري
الفكرة
تحضير المادة
األولية كيف أقرأ؟ القراءة واإلطالع
تعميق الموضوع
تحديد منهجية
الدراسة الميدانية الفرضيات ضبط المتغيرات
19
العوامل المؤثرة في اختيار مشكلة البحث:
-احساس الباحث بالمشكلة وشعوره بها.
-يجب أن يكون لموضوع البحث قيمة علمية.
-أصالة الموضوع وتجنب التكرار.
-توفر المصادر والمراجع العلمية والبيانات المطلوبة للمشكلة موضوع الدراسة.
-يجب أن يراعي الباحث في اختياره لموضوع بحثه كل من تخصصه ،اإلمكانات المادية والبشرية المتاحة،
إضافة إلى الزمن المحدد للبحث.
-يجب عدم اختيار مشكلة كبيرة أو متشعبة.
-يجب أن يأخذ في الحسبان الصعوبات التي يمكن أن تحيط بمشكلة بحثه مسبقا.
فكرة البحث :من أين أبدأ؟
التساؤل حول كيفية االنطالقة في البحث ،يفصل من خاللها الباحث كل من توقعه ،مجاله والهدف
منه .ويقوم الباحث فيها بطرح مجموعة من األفكار دون اشتراط ترتيبها أو تحديد عددها حيث يرجع هذا
األمر إلى ما يراه مناسبا من خالل ما كونه حول الموضوع كما تم اإلشارة إليه سابقا .وبهذا يكون الباحث
قد حدد موضوعه في فكرة أولية ،لينتقل إلى المرحلة الموالية حسب المخطط المشار إليه آنفا.
وال يمكن أن يتجاوز هذه المرحلة دون توجيهات المشرف ،والعمل معه في جلسات علمية وفق
رزنامة عمل محددة مسبقا.
كيف نختار الفكرة؟
بعد العمل األولي يدخل الباحث في مرحلة التمحيص انطالقا من التساؤل التشاوري مع نفسه ومع
المشرف والمختصين في مجاله ،وكذا كل من يرى أنهم معنيين بالدراسة أو يمكنهم مساعدته في إنجازها،
إضافة إلى شبكة القراءات حول الموضوع.
إذ تعتبر هذه المرحلة تمهيدا للدراسة االستطالعية –االستكشافية( -ويطلق عليها في مجاالت أخرى
التحقيق األولي حول الموضوع ) ،ف يقوم الباحث بعملية التمحيص لما تحصل عليه من أفكار في المرحلة
األولى حتى يتمكن من تجسيد الفكرة القابلة للدراسة والبحث (والتي يمكن أن تعدل الحقا حسب المعطيات
المستجدة نظريا وميدانيا).
مثال:
الفكرة األولى :دراسة دور إدارة الجودة الشاملة في تنمية المورد البشري.
المؤسسة المختارة :يحدد فيها الطالب المؤسسة المعنية بالدراسة أو ما يعرف بالمجال المكاني للدراسة.
االتصال بالمؤسسة :وهي مرحلة يتأكد من خاللها الباحث من إمكانية التحقيق الميداني للفكرة المختارة،
متخذا إجراءات الحصول على رخصة إنجاز الدراسة بالمؤسسة تبعا لرخصة إجراء البحث المسلمة له من
الجامعة المسجل بها (جامعة البليدة )2والتأكد من الحصول على كل المعطيات األولية الضرورية لذلك.
20
وننوه إلى أهمية هذه المرحلة حتى ال يجد الباحث نفسه الحقا مضط ار لتغيير الموضوع نظر لعدم
تمكنه من الحصول على الموافقة والمعطيات التي تفيده في التقدم في موضوعه ،مما ال يخدمه كونه
محصو ار في مدة زمنية محددة إلنجاز موضوع بحثه.
وتمكنه هذه المرحلة من اتخاذ قرار تحديد فكرة موضوعه بصفة نهائية حتى يتسنى له االنطالق في
إجراءات معالجته ،وتسمى هذه المرحلة بالقرار المنهجي.
أهمية الدراسة:
تتوقف أهمية البحث على:
-أهمية الظاهرة التي يتم دراستها،
-قيمتها العلمية والعملية المضافة وما يمكن أن تحققه من نتائج يمكن االستفادة منها ،وما يمكن أن تخرج
به من حقائق يمكن االستناد إليها ،أي ما يمكن أن تحققه الدراسة من فائدة للعلم وللباحث وللباحثين عموما
من الناحية العلمية ،وما يمكن أن تحققه من فائدة لمجتمع من الناحية العملية والتطبيقية.
وعلى الباحث توضيح أهمية الموضوع بدقة في متن عمله إذ تتوقف عليها أهداف الدراسة.
أهداف الدراسة:
لكل دراسة أو بحث غرض يكسبه قيمته العلمية ،فالهدف من الدراسة يفهم عادة على أنه السبب
الذي قام الباحث من أجله بهذه الدراسة .والبحث الجيد هو الذي يتجه إلى تحقيق أهداف عامة غير شخصية
ذات قيمة وداللة علمية ،وتنقسم األهداف إلى نوعين:
الهدف العلمي:
ويكون أساسه رغبة الباحث في إثراء المعرفة واشباع الفضول العلمي.
الهدف العملي (التطبيقي):
والهدف هنا هو استخدام نتائج البحث وتطبيقاته للوصول إلى حل للمشكلة التي قام الباحث بدراستها،
أي تحقيق االستفادة المباشرة ب جعل العلم في خدمة المجتمع عن طريق الوصول إلى حلول للمشكالت التي
تواجه األفراد والجماعات.
بعد االنتهاء من المرحلة األولى يصل الباحث إلى أهم خطوة في البحث تتوقف عليها نوعيته ،تتعلق
عدة أسئلة من أهمها:
المحير) طارحا ّ
ّ بالسؤال األساسي للبحث (السؤال
األهمية العلمية للسؤال المطروح ،وظيفته بالنسبة للباحث والتخصص على حد سواء .وبالتالي كيفية
صياغته بما يسجد هدف وأهمية البحث.
تحويل الفكرة إلى سؤال االنطالق:
إ ن أحسن وسيلة منهجية تمكن الباحث من التحكم في الخطوات المنهجية هي القيام بعملية الضبط
والتدقيق في كل خطوة يقوم بها .فبعد اتضاح فكرة البحث لدى الباحث وتحديده للموضوع باالتفاق مع
21
األستاذ المشرف ،وبعد كل من االستشارة والقراءات المعمقة (شبكة القراءات) ،يحول فكرته األولية إلى سؤال
جوهري – رئيسي -محرك للبحث.
هذا السؤال الذي "يعبر في الوقت ذاته عن تصور للموضوع وهو موقف نظري ،وعليه فبإمكان
اختالف تفسير الموضوع وبنائه من طرف المختصين في نفس العلم باختالف السؤال المطروح".
وعلى سؤال االنطالقة أن يكون:
محي ار من الزاوية المنهجية.
ّ
عاما وواضحا.
يحمل متغيرين أو أكثر حسب الهدف المسطر للدراسة.
يحمل في طياته التحفيز على البحث واالستفسار.
ويستم سؤال االنطالقة بجملة من الخصائص من أهمها:
-1الوضوح:
الدقة واالختصار :يتضمن عدة معاني ،يفهمها الجميع بنفس الشكل.
الصياغة الجيدة :بمعنى أن تكون موجزة ،وال تتضمن افتراضات أو إجابات أو تأويالت.
-2قابلية اإلنجاز:
فالسؤال المطروح للدراسة يتوقف على إمكانيات الباحث المعرفية ،المادية والزمنية.
-3التوافق:
أ -تجنب األحكام القيمة بمعنى أن الجواب عليه ال يكون بالنسبة لنسق القيم الذي يتمتع به الباحث
وإنما موضوعي والهدف منه هو التفسير.
ب -تجنب الطابع الفلسفي الذي يصعب التحقق منه.
ت -ال بد أن يحتمل عدة إجابات ممكنة ال يمكننا أن نؤكد أحدها دون القيام بدراسة علمية.
ث -البحث فيما وجد أو ما هو موجود وليس ما يمكن أن يوجد في المستقبل (التنبؤ) ففي العلوم
االجتماعية يصعب التنبؤ بالظواهر لخصوصية الظاهرة ونسبيتها.
ج -ال يقتصر على الوصف وإنما يتعداه إلى الفهم أو التفسير.
وعليه فسؤال االنطالقة يجب أن يكون واضحا ،قابال لجإجابة ،متوافقا مع الواقع.
مثال تطبيقي:
الفكرة :دور إدارة الجودة الشاملة في تنمية المورد البشري.
تحويل الفكرة إلى سؤال االنطالق حسب هدف الباحث:
السؤال األول :كيف يساهم تبني نظام إدارة الجودة الشاملة في تدعيم مكانة الموارد البشرية في المؤسسة
الجزائرية؟
السؤال الثاني :هل تتبنى المؤسسة الجزائرية نظام إدارة الجودة الشاملة في تدعيم مكانة الموارد البشرية؟
22
من خالل السؤال األول يحاول الباحث تشخيص نظام إدارة الجودة الشاملة في المؤسسة محل
الدراسة بغرض تقييم مكانة الموارد البشرية فيها .ويجد الباحث نفسه هنا في إطار وصف للظاهرة
وتشخيصها.
انطالقا من نفس الفكرة صاغ طالب آخر سؤاله واضعا نفسه في موقع المتسائل عن تبني المؤسسة
الجزائرية نظام إدارة الجودة الشاملة ودور ذلك في تدعيم مكانة الموارد البشرية .حيث يجد نفسه في إطار
استكشافي للظاهرة هدفها معرفة تبني المؤسسة لنظام إدارة الجودة من عدمه.
إن الباحث عند صياغته لسؤال البحث األساسي سيتساءل ال محالة عن فعالية المنهجية ووضوحها.
ففي هذه الحالة يمكن اقتراح العملية التالية:
عرض سؤال البحث على مجموعة من األساتذة المختصين سواء من فريق التكوين المسجل فيه،
وهم جملة األساتذة المشرفين على عملية تكوين الطلبة ،أو أي أستاذ آخر في التخصص من
الجامعة المسجل بها أو غيرها يرى الطالب أنه يمتلك الخبرة لتوجيهه في هذا المجال ،كما يستطيع
اإلستعانة برؤساء فرق البحث واألعضاء على مستوى المخابر الفاعلة في مجال التخصص.
تمكنه من توضيح
عند االنتهاء من هذه المرحلة يمكن للباحث استخالص المالحظات المختلفة التي ّ
السؤال أكثر عند الحاجة أو االحتفاظ به إذا أثبتت العملية وضوحه وقبوله كموضوع بحث ودراسة.
ومن هنا يقرر الباحث إما أن يحتفظ به ،أو يعيد صياغته (تعديله) ،أو يتخلى عنه (تغييره).
ويتجسد هذا من خالل الشكل التالي:
من هنا نالحظ أن لسؤال البحث األساسي (سؤال االنطالقة) دو ار هاما في توجيه الباحث إلى األطر
النظرية المختلفة قصد قراءتها وتحليلها حتى يتمكن من بناء إشكالية بحث بكيفية منهجية ناجحة.
يعد سؤال االنطالقة بمثابة كاشف ( )Projecteurحقيقي يوجه الباحث إلى:
مجال البحث البيبليوغرافي للقراءة وتحليل المفاهيم األساسية للبحث.
األطر النظرية (ن ظريات ونماذج مختلفة).
االستشارة المعمقة (أهل الخبرة والتخصص).
23
ويتوج هذا السؤال في النهاية بطرح األسئلة الجوهرية لجإشكالية وبناء اإلطار النظري للبحث.
لينتقل الباحث إلى الخطوة الموالية من إنجاز بحثه:
المرحلة االستكشافية (االستطالعية):
تشمل هذه المرحل ة كل من القراءات ،المالحظة واالستشارة:
-1القراءة المعمقة والمراحل االستكشافية:
تتلخص فيما يلي:
ماذا أقرأ؟
كيف أقرأ؟
حتى نساعد الباحث على جمع المادة الخام أي مجمل المراجع المشكلة لشبكة القراءات التي تناولت
موضوع دراسته سواء أو اقتربت منه أو مراجع في التخصص ،وتكون ضرورية لبناء اإلشكالية ،والتي
يحددها من خالل تفكيكه لمختلف المفاهيم التي يتضمنها سؤال االنطالقة وكذا العالقة المطروحة في إطاره.
وسيتم توضيح بشكل مفصل كيفية استخراج المراجع (الفهرسة) واستغاللها (االقتباس والتوثيق) الحقا.
-2المالحظة واالستشارة:
ماذا نالحظ؟ أين نالحظ؟ من نستشير؟
-المالحظة والمقابالت بمختلف بأنواعها التي تناولناها في مقياس مناهج وتقنيات البحث.
-االتصال مع مختلف الخبراء والمختصين الذين لهم عالقة بالموضوع المعالج ،من أساتذة إضافة إلى
األستاذ المشرف ،وكذا المبحوثين.
وبعد جمع المعطيات المت حصل عليها من خالل هذه االجراءات يتمكن الباحث تدريجيا من بناء
إشكالية بأسس علمية بعيدة عن الذاتية واألحكام القيمية.
القطيعة األبستمولوجية (االبتعاد عن األفكار المسبقة):
تعتبر هذه الخطوة قاعدة منهجية في بناء البحث االجتماعي ،ورغم صعوبة االلتزام بها إال أنها
ضرورية في البحث العلمي لالبتعاد عن األفكار المسبقة التي تمثل عائقا ابستمولوجيا يضفي تصورات غير
موضوعية .وااللتزام بها يعني االبتعاد عن الذاتية فيعالج الباحث موضوع بحثه وكأنه يجهل عنه كل شيء
فينطلق مما تقدمه له مالحظة الوقائع ال من خالل ما يعتقد أنه يعرفه عنه .حيث تطرق دوركايم في مؤلفه
"قواعد المنهج في علم االجتماع" إلى ضرورة القطيعة االبستمولوجية التي تُدخل الباحث في عالقة مواجهة
مع االنطباع العام عند بناء الموضوع من خالل اعتبار الظواهر االجتماعية كأشياء تُبنى ليست معطاة.
ومن هنا يتزود الباحث بخلفية نظرية من خالل اإلطار النظري المرجعي ومختلف التقنيات التي يواجه بها
الحس المشترك ،ألن هذه القطيعة ال تتحقق إال بجعل مسافة بين الموضوع والتصورات الجاهزة عنه.
مثال تطبيقي:
ليكن سؤال البحث األساسي التالي:
24
كيف يساهم تبني نظام إدارة الجودة الشاملة في تدعيم مكانة الموارد البشرية في المؤسسة الجزائرية؟
تفكيك السؤال:
المفاهيم األساسية:
oالجودة الشاملة.
oنظام الجودة الشاملة.
oإدارة الجودة الشاملة.
oجودة الخدمة.
oالمواصفة الدولية :اإليزو .ISO
oثقافة الجودة.
oالموارد البشرية.
oتنمية الموارد البشرية.
oالمؤسسة الجزائرية.
نالحظ أن تحل يل السؤال األساسي للبحث أعطى لنا مجاالت معينة وهي:
oإدارة الجودة الشاملة.
oمعايير ونماذج إدارة الجودة الشاملة.
oتنمية الموارد البشرية في إطار الجودة الشاملة.
على هذا األساس يقوم الباحث بتحديد مجاالت البحث البيبليوغرافي قصد القراءة واالطالع وذلك
من خالل البحث عن المراجع األساسية التي تعالج الموضوع بطريقة مباشرة والتي يمكن أن نعبر عنها
بأمهات الكتب.
مثال تطبيقي:
إدارة الجودة الشاملة في تنمية المورد البشري
كتب:
-أبو النصر محمد مدحت ،إدارة وتنمية الموارد البشرية :اإلتجاهات المعاصرة .القاهرة :مجموعة النيل
العربية.2007 ،
-بلوط إبراهيم حسن ،المبادئ واإلتجاهات الحديثة في إدارة المؤسسات .بيروت :دار النهضة العربية،
ط .2005 ،1
-حجازي حافظ محمد ،إدارة الموارد البشرية ،اإلسكندرية :دار وفاء للطباعة والنشر.2005 ،
-الحداد ابراهيم عواطف ،إدارة الجودة الشاملة .عمان :دار الفكر للنشر والتوزيع ،ط .2009 ،1
25
المذارات والرسائل:
-بلعلوي شكري" ،واقع إدارة الموارد البشرية في المؤسسة الثقافية الجزائرية –دراسة ميدانية للمؤسسات الثقافية
لمدينة قسنطينة" .مذكرة ماجستير تخصص علم اجتماع تنمية وتسيير الموارد البشرية ،جامعة منتوري
قسنطينة.2008-2007 ،
مقاالت علمية في مجالت متخصصة:
-Ministère de l’Enseignement Supérieur et de la Recherche Scientifique، Assurance Qualité dans
l’enseignement supérieur, Zineddine Berrouche, Youcef Berkane, « L’implémentation d’un système
d’assurance qualité : Difficultés et solutions ». CIAQES INFO. Publication de la Ciaqès, janvier- février
2014.
البحث البيبليوغرافي:
يتطلب من الباحث الحصول على المراجع التي تخدم بها مع التركيز على المراجع الحديثة دون
إهمال أمهات المراجع في التخصص.
وتختلف طريقة جمع المعلومات من موضوع إلى آخر:
-بالنسبة للمعلومات الموجودة في المكتبة يستخرجها الباحث من المراجع كالكتب والمقاالت العلمية.
-بالنسبة للمعلومات الموجودة خارج المكتبة ،تحتم على الباحث اعتماد منهجية علمية يتحصل من خاللها
على المعلومات التي تفيده في بحثه من خالل المقابالت والمالحظات... ،
لذا ومهما يكن من أمر فإن مرحلة تحضير المادة األولية (القراءة والتحليل) تعتبر من المراحل
الهامة التي ال يمكن بأي حال من األحوال إهمالها.
26
تذاير:
يعتبر اختيار موضوع البحث وتحديد عنوانه من أصعب مراحل البحث السوسيولوجي ،لعدم
وجود قاعدة واضحة في هذا اإلطار .وعلى الطالب مراعاة ما يلي:
يكون الطالب
-1التفكير في موضوع الدراسة منذ السنوات األولى للتكوين الجامعي ،حتى ُ
فكرة حول الموضوع تتط ور عبر الزمن ،ينتقل من خاللها من المالحظة الساذجة إلى
المالحظة السوسيولوجية وفق إطار نظري معين.
-2التفكير في استراتيجية البحث وفق خطة علمية ،بما فيها:
-اختيار الزميل الذي سيعمل معه الحقا واختيار األستاذ المشرف على العمل.
-تحديد مجاالت الدراسة :الزماني ،المكاني والبشري (العينة).
-الوسائل المادية والبيداغوجية .فالوسائل المادية تحددها المصاريف التي يتطلبها إجراء
البحث ،في حين تتمثل الوسائل البيداغوجية في المراجع المتوفرة حول الموضوع الممثلة
لشبكة القراءات حوله لتحديد المسألة العالقة التي لم يتم التطرق إليها وسيتم معالجتها في
البحث .واالبتعاد عن المواضيع ذات األبعاد المتشعبة.
عدة ،المهم أن يتماشى مع اهتماماته وميوالته.
-3قد يختار الطالب موضوع بحثه ألسباب ُ
-4في البداية يكون الموضوع مبهما وأفكاره متداخلة ،فيحاول الطالب ترتيبها في مسودة عمل
يحدد من خاللها كل من أهمية الموضوع وقابلية دراسته حسب إمكانيات الطالب والمنهجية
المتبعة والتقنيات المعتمدة ،مع مراعاة:
-انتقاء القراءات السابقة بما يخدم موضوعه،
-االعتماد على احصائيات تخدم الموضوع،
-االنطالق من فرضية يبني عليها االجراءات المنهجية لمعالجة موضوعه.
27
المرحلة الثالثة
• االشكالية
" االشكالية هي مساءلة نظرية للواقع أو الظاهرة التي يريد الباحث دراستها ،مما يجعل اإلطار
النظري مرجعية تفتح اآلفاق لجإجابة على سؤال االنطالقة...فتأخذ االشكالية نوعا من المقاربة النظرية
المحددة التجاه البحث من خالل بناء مفاهيمي يضفي عليها صفة العلمية".
إن محتوى اإلشكالية يعكس البناء النظري للبحث الذي يعتبر ركيزته األساسية ،إذ ال يمكن التقدم
في المراحل المنهجية في سيرورة البحث من دون هذا البناء النظري الذي تتوقف على صحته البحث في
الحس
األسباب والعناصر التفسيرية الموضوعية وتحليلها الحقا كونه يشكل أداة ابستمولوجية في القطيعة مع ّ
المشترك.
بنــاء اإلشكاليـــة:
ال توجد وصفة أو قاعدة ثابتة لكيفية صياغة وتحرير اإلشكالية ،بل األمر مرتبط أكثر بمكتسبات
الباحث الفكرية والعملية ،من خالل معرفة كيفية استغالل مكاسب المرحلة االستكشافية من استعراض
األدبيات وقراءات وجوالت استطالعية ،وكيفية توظيف نتائجها بما يؤدي إلى إيجاد أسلوب يمكنه من
التناول النظري المالئم لمشكلة البحث وكيفية التعامل مع المفاهيم التي استخدمها.
وسواء ُعرضت فكرة اإلشكالية في مقدمة الع مل أم أدرجت منفصلة كما هو معتاد السيما في
الدراسات األكاديمية بمختلف تخصصاتها ،فهناك إجراءات واضحة يتبعها الباحث في بنائها ،ينتقل فيها من
العام إلى الخاص في تناوله للظاهرة قيد الدراسة.
فقد يتطرق إلى سيرورة تطورها عالميا ،ثم يتدرج لتناولها عربيا ،ليخلص في األخير لخصوصية
المشكلة المدروسة في المجتمع الجزائري وإن أمكن في المجال المكاني للدراسة .كما يستطيع االستغناء عن
الطابع العالمي للظاهرة واالقتصار على تواجدها عربيا وجزائريا ،وقد يكتفي الباحث بعرض مشكلة دراسته
في الجزائر فقط ،متناوال سيرورتها التاريخية وفق الخطة التي يتفق فيها الباحث مع المشرف .بما يكفل
تناول جذور المشكلة وفق تسلسل واضح ودقيق ،يبزر التدرج والوضوح في تناول المشكل المدروس ،ويوضح
أهداف البحث ككل.
وعلى الباحث أن يكون دقيقا وعميقا في صياغة اإلشكالية ،ومقنعا وسلسا في طرحها ،حتى يلفت
القارئ لمتابعتها ثم اإليمان بوجودها ،أي استشعارها ،فكلما كانت المشكلة واضحة زاد اإليمان بوجودها،
ألن تحدي الباحث يكمن في إحساس القارئ بمشكلته واقتناعه بها ،اعتمادا على معايير البحث العلمي
الرصين ،المتميز بوحدة الموضوع واستم ارره التلقائي ،بما يجذب القارئ ويضيف له قيمة علمية.
28
وقد يستعين الباحث بنتائج بعض الدراسات ليستشهد بها في بناء إشكاليته ،إضافة إلى إحصائيات
يؤكد بها طرحه حسب ما تقتضيه الضرورة ،لكن ننصح هنا بعدم االقتصار على االقتباس ،ألن إضافة
الباحث هي أساس إشكاليته.
ويرى موريس أنجرس أنه البد من تدقيق مشكلة البحث أي طرح سؤال متصل بالموضوع (سؤال
اإلنطالقة) وجعله جدي ار بالتقصي بالواقع ،ويتم هذا التدقيق من خالل أربعة أسئلة رئيسية تسمح بذلك وتتمثل
في:
السؤال األول" :لماذا نهتم بالموضوع؟" ،يسمح هذا السؤال بضبط وتحديد القصد واألسباب التي دفعت
الباحث إلى اختياره.
السؤال الثاني" :ما الذي نطمح بلوغه؟" ،حيث يحدد الهدف.
السؤال الثالث" :ماذا نعرف إلى حد اآلن؟" ،يؤدي إلى القيام بحوصلة السؤال حول المعارف المكتسبة خالل
استعراض األدبيات.
أما السؤال الرابع واألخير" :أي سؤال بحث سنطرح؟" ،والذي يسمح بالطرح الدقيق لسؤال البحث الذي
سيوجه كل طريقة البحث المقبلة .الذي يستوجب توفر الحد األدنى من المعرفة بالنظريات التي لها عالقة
بالفرع العلمي المعني أو النظريات الكالسيكية أو الحديثة في التخصص .بما يضمن تصنيفا أوليا لمشكلة
البحث ،تنظيمها حسب ما توفره هذه النظريات من آفاق التفسير والفهم.
إن مثل هذ ه األسئلة باعتبارها محطات رئيسية في مسعى بناء اإلشكالية ،قد نجدها في هذه المرحل ة
أو تلك من مراحل البحث العلمي ،أي هي ليست حصرية في اإلشكالية ،لكن أهميتها هنا تكمن في مساعدتها
للباحث –خاصة المبتدأ -في تخطي العوائق الذاتية والموضوعية في مرحلة ال تزال تدرك على أنها أصعب
مرحلة في البحث االجتماعي.
معايير بنــاء اإلشكاليــة:
تطرح عملية بناء اإلشكالية عدة صعوبات منهجية ترتبط أساسا بغياب صيغة معينة أو مقياسا
تقيد بها،
واضحا يلتزم الباحث بتطبيقه .غير أن ذلك ال يعني غياب شروط ومعايير ُيلزم الباحث بال ّ
"فاإلشكالية هي بلورة تناول نظري لمشكلة البحث بلغة معينة هي لغة المفاهيم.
وكما ذكرنا سابقا ال نمتلك نموذجا جاه از لذلك ،وعلى األرجح أن تتهيكل على شكل نص تقديم
) (texte introductifيختلف عن المقدمة من حيث طبيعة الخطاب ،وجرت العادة أن تُختتم بتساؤالت
توجه الباحث" .إضافة إلى جملة من المعايير نوجزها فيما يلي:
-1قابلية مشكلة البحث للحل وفق اإلمكانات المتاحة:
قبل بناء الباحث إلشكالية بحثه البد أن يتحقق من توفر الوسائل واإلمكانيات والمراجع الكفيلة
بمعالجة الموضوع المختار الذي يكون قابال للحل من خالل جمع البيانات وترتيبها على نحو منطقي
لتفسيرها.
29
-2الوضوح واالبتعاد عن الغموض:
يجب على الباحث أن يوضح موضوع بحثه ،حتى ال يكون غامضا ،مبهما وعاما ،ألن الغموض
وعمومية الموضوع تؤثران سلبا على بناء إشكالية الدراسة.
-3تحديد الموضوع بدقة يتبع تحديد الدقيق لسؤال االنطالقة.
-4حصر المشكلة في عناصر واضحة لمعرفة البيانات الواجب جمعها ،فالهدف الرئيسي من اإلشكالية هو
إبراز المشكل المراد دراسته بوضوح مستغال ما آلت إليه شبكة القراءات حول الموضوع ووضعها في إطار
نظري ومفاهيمي معين.
ويتطلب في بنائها التحديد الدقيق لنوع الدراسة نظرية كانت أم امبريقية حسب ما يريد الباحث
إنجازه ،وكذا األهداف المحددة لذلك .مع ضرورة اتباع األساليب المنهجية التي تتطلبها الدراسة.
-5أسلوب بناء اإلشكالية يجب أن يكون واضحا بسيطا ،سلسا ،يبرز من خالله الباحث المفاهيم المفتاحية
المحركة للبحث ،والتي يمكن أن تدخل الحقا ضمن المفاهيم الي يكون مطالبا بتحديدها نظريا وإجرائيا،
مستعمال أسلوبا علميا في التخصص بعيدا عن األسلوب األدبي ،واألحكام القيمية.
-6يشتمل بناء اإلشكالية مفاهيم المقاربة النظرية ،ونموذج تحليلها.
-7تنتهي صياغة اإلشكالية بأسئلة تجسد موضوع البحث ويتحدد من خاللها الزوايا –الجوانب-المعنية
بالدراسة والتي تمهد لصياغة أجوبة مؤقتة في شكل فرضيات.
-8تحترم أسئلة اإلشكالية ما يلي:
شمولها على متغيرات الدراسة ،أن تكون واضحة ،مختصرة ،قابلة لجإجابة ،تنتقل من العام إلى
الخاص( .أنظر المثال التوضيحي السابق)
-9صياغة اإلشكالية ال يكون نهائيا ،بل مؤقتا ،يتدرب عليها الطالب فيخطئ ويصيب ،ويكون ذلك بناء
على توجيهات المشرف ،وحسب كل من القراءات ومعطيات الجانب الميداني بالتوازي .حيث يتم تعديلها
باستمرار وفق المستجدات التي يطرحها الجانب النظري والميدان ،وفي أي مرحلة من مراحل البحث عكس
تحديد موضوع البحث الذي يجب أن يحدد بطريقة واضحة ودقيقة وباالتفاق مع المشرف من البداية ،فبمجرد
تسجيل الموضوع في اإلدارة ال يمكن للطالب تعديله إال من خالل محضر يوافق عليه فريق التكوين ويدون
في محضر خاص ،حتى ال يجد الطالب صعوبة في إجراءات المناقشة الحقا.
تذايـــر:
تعبر االشكالية على المسألة العالقة التي لم يتم التطرق إليها من طرف الباحثين الذين تناولوا جانبا
من الظاهرة التي يعالجها الباحث كموضوع دراسة.
وتبنى على أساس دعامتين أساسيتين وهما:
30
-تقنيات جمع المعطيات -شبكة القراءات
(المالحظة ،اإلستمارة ،المقابلة)... ، -الدراسات السابقة
االطــــــار
االطــــار
النظــــــــري
الميــــــداني
(البحث الوثائقي)
31
أ-ثالثا
بناء نموذج التحليل ب-
أوال
• الفرضيات
لكل بحث إطار مرجعي يتضمن عناصر ينبغي على الباحث أخذها بعين االعتبار أثناء تخطيطه
لمعالجة موضوع دراسته .وإطار عملي يعتبر هو اآلخر عنص ار هاما في البحث كونه يحدد ما يصبو إلى
تحليله للتحقق من فرضياته ،ومن هنا وجب إنجازه بدقة.
فبعد أن ينتهي الباحث من أهم خطوة في بحثه وهي بناء إشكالية الدراسة ،وتحديده لتساؤالتها ،يجد
نفسه أمام خطوة أك ثر أهمية ،والتي تتطلب الدقة أكثر منه ،وهي محاولة إيجاد حلول (إجابات) مؤقته لتلك
التساؤالت ،ويكون بهذا الطرح قد انتقل إلى السيرورة العملية لتجسيد هذه األسئلة حتى تصبح قابلة للمالحظة،
ويتحقق ذلك من خالل اقتراح إجابة لها ،بدءا بتحويلها إلى فرضيات ومن ثم تحديد مفاهيمها إلعطائها
الطابع الملموس .وبهذا ننتقل من الجانب العام والمجرد إلى الجانب الملموس للبحث من خالل تحديد
عناصر من الواقع لجإجابة عنه.
بناء الفرضيات:
تضفي الفرضية الطابع الملموس لسؤال البحث ...إذ أنها تعتبر تفسير مؤقت للظاهرة أو مشكل
البحث تختار من بين عدة تفسيرات ممكنة ،كما أنها تعتبر حل مقترح له ،وهو مؤقت يحتاج إلى إثبات
صحته من عدمها (قبول أو رفض الفرضية) ،عن طريق الميدان أو التجريب.
فال توجد وصفة جاهزة أو قاعدة قارة يجب اتباعها في صياغة الفرضيات ،إنما األمر يتعلق أكثر
بمدى احترام شروط بنائها وصياغتها .فالباحث غير مجبر على وضع عدد كبير من الفرضيات بل يبقى
الدراسة) التي تفرض عليه عددا معينا ،إضافة إلى تقييم الوسائل المنهجية
هذا مرتبط بطبيعة بحثه (أهداف ّ
المتوفرة لديه الختبارها ،إذ ال يعقل مثال لباحث مبتدئ على مستوى معين من البحث أن يبني بحثه على
أساس ثالث أو أربع فرضيات.
دور الفرضية وأهمتها في البحث العلمي:
32
يتمثل دور الفرضية في مراحل البحث العلمي باعتبارها األداة الرئيسية التي تجعل البحث يأخذ
وجهة علمية ،إذ بواسطتها يبدأ مسمى البحث عن األسباب التي تؤدي إلى حدوث الظواهر حتى يعطي
التفسير الفعلي لحدوثها.
كما يظهر دور الفرضية في تبيان التداخل األساسي والترابط الوثيق بين الصياغة النظرية للبحث
وضرورة التحقق من مستوياتها النظرية عن طريق مقارنتها بعناصر من الواقع.
فالفرضية إذن تهدف إلى بناء عالقة بين وقائع معينة ،من خالل توجيه الباحث نحو النموذج
المنهجي الذي يتم اعتماده للدراسة الميدانية ونوع المعلومات المراد جمعها وكذا نوعية تقنيات جمع
المعطيات.
غير أنه وفي العديد من الحا الت يجد الباحث فيها نفسه غير قادر على التنبؤ ،تُعوض الفرضية
هنا بهدف البحث أين يصرح الباحث عن غاية لجإجابة عن سؤال البحث في البحوث الكيفية ،من خالل
وصف الظواهر التي يصعب قياسها مما ُيصعب عليه التوقع دائما لما سيتوصل إلى اكتشافه الحقا ،فيحيط
الباحث بسؤاله دون صياغة الفرضية ،السيما إذا استخدم المنهج التاريخي فال يستطيع أن يضع الفرضية
إال في نهاية بحثه ،أما في بدايته فتكون لديه فقط فكرة موجهة خاضعة لتحوالت متتالية.
وقد تأخذ الفرضية أشكاال مختلفة مع احترام بعض الخصائص لتضمن قيمتها العلمية.
خصائص الفرضية:
يحترم الباحث في صياغة فرضيات بحثه ثالثة خصائص يمثلها كل من :التصريح ،التنبؤ ،وسيلة
التحقق االمبريقي.
-1التصريح " :الفرضية هي عبارة عن تصريح يوضح في جملة أو أكثر عالقة قائمة بين حدين أو أكثر".
-2التنبؤ" :الفرضية عبارة عن تنبؤ لما سيكشفه الباحث في الواقع".
-3وسيلة للتحقق :يتجسد التحقق االمبريقي (الميداني) في مالحظة الواقع من خالل مقارنة االفتراضات
بالواقع ،وتمثل الفرضية وسيلة لهذا التحقق االمبريقي من حيث مطابقة التوقعات أو االفتراضات للواقع ،أي
الظواهر المدروسة كونها توجه المالحظة.
إذن الفرضية هي " تصريح ينبئ بوجود عالقة بيم حدين أو أكثر ،أو بين عنصرين أو أكثر من
عناصر الواقع الذي يجب أن نتحقق فيه من الفرضية".
أنواع الفرضيــات :هناك نوعان من الفروض وهما:
-1الفروض التجريبية :توحي بها المالحظات والتجارب ،للتحقق منها .وهذا النوع من الفروض ينتج عن
قانونا
ً طريق االستقراء ،ويعبر إن كان صحيحا عن عالقة ثابتة بين ظاهرتين وإذا أيدته التجربة يصبح
يفسر مجموعة من الظواهر.
33
-2الفروض النظرية أو الصورية :وهي التي تستنتج من مجموعة من القوانين والنظريات واآلراء بالتأمل
واالستقرار ،وهو الغرض الذي ال يتحقق بالتجربة على نحو مباشر حتى إذا كنا في مجال العلوم التجريبية
ألنه ليس نتيجة مالحظات وتجارب بل نتيجة تأمالت واستنباطات ال تقوم على الواقع مباشرة.
مصادر الفرضيات :يستعين الباحث في بناء فرضيات دراسته وصياغتها في شكلها النهائي بـ:
-1مالحظات مختلفة حول الواقع المعاش ،باعتبار أن األسئلة التي توجه الباحث تستلهم عادة من
خالصة هذه المالحظات.
-2مجموع المعارف المتراكمة من خالل البحوث السابقة.
حدود الفرضية:
تعتمد الفرضية حدودا غير مبهمة ،دقيقة ،ذات معنى وتكون حيادية.
حدود غير مبهمة:
"ينبغي أن تكون الحدود المستعملة غير مبهمة ،ال تترك أي مجال للشك أثناء تأويلها".
حدود دقيقة:
بعيدة عن كل غموض ،فعملية توحيد المعنى والدقة تسهالن تعريف كل حد ضروري أثناء العمليات
الالحقة.
حدود دالة:
ذات معاني ،فحدود الفرضية تُعلمنا عن بعض الوقائع وعن نوع من التصور لهذه الوقائع ،حيث
تنحدر تصورات الواقع من نظريات ساهمت في توضيح الفرضية وتوجيهها .ألن الفرضية في العلم مستنبطة
استقرء الفرضية،
ا عادة من نظرية توفر اإلطار التفسيري للظواهر التي نريد دراستها ،كما أن الواقع يؤدي إلى
ومن هنا نستقي المعرفة من البحوث السابقة أو المالحظات الخاصة والمتأنية التي سلطها الباحث على
الواقع.
وبهذا تكون الفرضية مبنية في إطار معرفي أي غير مستقلة عن اإلرث العلمي السابق عن وجودها،
وبعبارة أخرى تعكس اإلطار النظري الذي أختاره الباحث فإذا أختار الباحث دراسة تشخيصية فيجب أن
تبنى الفرضيات في نفس االتجاه.
حدود حيادية:
ال ينبغي صياغة حدود الفرضية في شكل تمنيات أو أحكام شخصية حول الواقع ،ومن هنا ينبغي
ويحقق بذلك شرط الموضوعية،على الباحث مراقبة أحكامه حتى ال يعقد أو يعرقل صياغة الفرضياتُ ،
فالفرضية ال تعتمد على بعض التعابير مثل" :من األفضل أن تكون "...أو " من المرغوب فيه."...
شروط بناء وصياغة الفرضيات:
34
حتى نضمن أن الفرضية التي توصلنا إلى صياغتها ستحقق الدور الذي حدده لها البحث العلمي
البد أن تتوفر على الشروط اآلتية وفق الحدود المذكورة سابقا:
المعقولية" :يجب أن تكون الفرضية معقولة ،أي لها عالقة وثيقة بالظاهرة التي تريد تفسيرها ...كما ال يجب
أ ن تستدل على حقيقة بديهية ...يرجع الطابع المعقول إلى مالءمتها بالنسبة إلى الظاهرة التي ندرسها".
الوضوح والتبسيط :يجب أن تكون جملة الفرضية واضحة وال تحتوي صيغة مبهمة غير مفهومة ،وعلى
الباحث تجنب التراكيب الغامضة لغويا ومعرفيا ،وأن يراعي الدقة في عرضها .فيجب أن تكون الفرضية
مبنية بشكل واضح ودقيق ،وتحمل متغيراتها داللة علمية واضحة تعكس مجال الدراسة ،أي مرتبطة بشكل
واضح ومباشر باإلشكالية.
التأكيد أو التجذير النظري :باعتبار أن الفرضية مترابطة مع اإلشكالية ،يكمن أهمية تحقيق هذا الشرط من
طرف الباحث كضمان إلمكانية تفسير تتجاوز الحالة الخاصة للظاهر لتأخذ طابعا عاما.
قابلة للتحقق أو اإلختبار :يجب أن نتمكن من مقارنتها بعناصر الواقع ،وذلك باستعمال أدوات التحقيق.
أنواع المتغيرات في الفرضية:
باعتبار أن الفرضية هي عالقة تفسيرية سببية بين متغيرين (على األقل) أحدهما سبب في وجود
اآلخر في شكل تصريح واضح وغير مبهم ومعقول ومرتبط بإطار نظري وأساسا قابل لالختبار كما أكدنا
عليه سابقا.
والمتغيرات نوعان:
-1المتغير التابع :وهو المتغير الذي نبحث عن تفسير أسباب ظهوره إذ يمثل مشكلة البحث التي نريد
دراستها.
-2المتغير المستقل :وهو المتغير الذي نحاول أن تفسر به وجود المتغير األول (التابع) .باعتباره المؤثر
المفسر.
و َ
فالفرضية إذن هي:
عالقـــة بين المتغير التابع (الظاهرة موضوع الدراسة التي برزت في مشكلة البحث) والمتغير
المستقل (الذي يفترض أن يكون السبب في ظهور هذه المشكلة ،يلجأ إليه الباحث لبناء نموذج التحليل أي
محاول تفسير مشكلة البحث).
مثال توضيحي:
35
المتغير التابع المتغير المستقل
-ب- -أ-
ثانيا:
• المفاهيم
تعريف المفاهيم:
قبل عرض بعض تعاريف المفهوم ننوه بالتداخل الموجود بين كل من المفهوم والمصطلح.
فالمصطلح :هو ما اصطلح (أي اتفق) عليه الجميع ( ،مثال كلمة " "ALOتستعمل في جميع الدول ،للداللة
على بدء االتصال الهاتفي).
أما المفهوم يختلف من مجتمع إلى آخر ،مثال مفهوم السرقة هو ظاهرة سلبية في المجتمع اإلسالمي
عموما ،لكنه عند الهنود يدل على صفة اكتمال الرجولة ،وعند مجتمعات أخرى يعبر عن الخفة...
وهو « مجموعة الرموز التي يستعين بها الفرد لتوصيل ما يريده من معاني لغيره من الناس ،فمن
السهل التعبير عن المفاهيم الملموسة ومن الصعب أيضا التعبير عن بعض المفاهيم التي تحتاج إلى كثير
من التحديد ،وكثي ار ما يرتبط المفهوم بالتعريفات السابقة كما يتحدد بتجديد الخصائص البنائية والوظيفية
له".
ويرى "موريس أنجرس" أنه تصور ذهني عام ومجرد لظاهرة أو أكثر وللعالقات الموجودة بينها،
وهو يعبر على بعض الحدود المستعملة في طرح السؤال ،أو الفرضية أو هدف البحث والتي تمثل في الواقع
تصورات ذهنية لمجموعة متنوعة من الظواهر التي نريد مالحظتها ...إذن يتعلق األمر هنا بتصور ذهني
مكون حول واقع معين .ويظهر هنا التسلسل في اإلنتقال من الفكرة إلى المفهوم.
فكلمة الفقر مثال هي تجريد يلخص لنا في الواقع عددا من األشخاص أو األشياء ،يشتركون في
بعض السمات ويختلفون عن فئات أخرى من األشخاص أو األشياء مما يجعلهم مصنفين تحت نفس
التسمية ،وبهذا يجمع المفهوم عددا معينا من العناصر في نفس الكلمة أو اللفظ.
36
أما الفكرة فهي مجموعة صور ذهنية حدسية غير واضحة ،تعبر عن معرفة أولية غير منظمة وغير
مدققة ،وغالبا ما ترتبط بتعابير غير واضحة بأسلوب اللغة العامة.
وهناك من يعتبر المفهوم على أنه أحد الرموز األساسية في اللغة (والتي تعتبر أداة لالتصال)،
ويمثل بطريقة تجريدية شيئا معينا أو إحدى خصائص هذا الشيء أو الظاهرة.
فكل موضوع علمي له مفاهيمه المتميزة والخاصة بعملية االتصال والبحث ،بحيث يستطيع العلماء
أن ينقلوا لزمالئهم وللجمهور المعلومات والخبرات المختلفة عن طريق هذه المفاهيم.
إذن:
المفهوم هو عنصر أساسي لكل المالحظات ،يمثل تصور عقلي وتجريدي بإنتقاء مجموعة من
المظاهر الخاصة ،ويمكن تغيير معناه تبعا لمقصد الدراسة .ويمكن االنطالق من الفكرة (العامة) إلى المفهوم
(التخصيص والتدقيق للفكرة) عن طريق تصور محدد للواقع المراد دراسته ،وبهذا يوضح المفهوم الفكرة
المبهمة ،فإذا تكلمنا عن فكرتي الغنى والفقر ،فيجب أن تتحول كلمتي غني وفقير إلى مفهوم يمكن قياسه
بمؤشرات واقعية تترجم بأرقام ،ويقتضي التحول من الفكرة إلى المفهوم التحول من التصور العام إلى التصور
الخاص.
األهمية العلمية للمفهوم:
يمكننا في الدراسة االستطالعية مثال تصور وجود مالحظة دون فرضية أولية وبالمقابل ،هناك
عنصر أساسي لكل مالحظة ،هو المفهوم.. .الذي ال يقتصر على كونه مساعدا على اإلدراك ،بل هو:
-وسيلة للتصور،
-يهيكل الحقيقة المدروسة،
-يدقق الخصائص المميزة والمعبرة للظواهر محل الدراسة،
-يوجه البحث من خالل تحديد نقطة انطالق الجانب الميداني للدراسة،
-يسمح بمالحظة بعض مظاهر الحقيقة،
-يسلط الضوء على الروابط القائمة بين الظواهر المالحظة وبعض النظريات،
ومن كل هذا نستخلص ما يلي:
-يمثل المفهوم فكرة ،على األقل تكون مجردة ،أو رمز يعين أو يمثل حقيقة على األقل واسعة".
"-المفهوم النظري ليس كيانا غامضا ،مبهم ،لكنه البحث عن تعريف دقيق يعطي معنى للعالقات المالحظة"
-المفهوم هو تجريد ،وهو معنى لظاهرة والسياق المأخوذ منها.يمكن أن يغير المعنى من دراسة إلى أخرى
وفق تصورنا له .فغالبا ما يؤدي غموض العبارات التي يصادفها الباحث تحديد تعاريفه الخاصة بها.
37
-يتغير معنى المفهوم من تخصص إلى آخر ،فمفهوم االيديولوجية مثال ال يحمل نفس المعنى في العلوم
السياسية وعلم االجتماع.
ولذلك فمن الضروري أن يحدد الباحث المفاهيم المعتمدة في في بحثه ،وأن يتمسك بتعاريفه طوال
بحثه .ويجب أن يظهر االتساق وأال يستعمل نفس المفاهيم لتمثيل حقائق أو ظواهر مختلفة .يعرف الباحث
ويشرح كل مفهوم حتى نعرف بدقة ما الذي يقصده وما الذي ينوي تحليله .وبطريقة ملموسة يقدم تعريفا
وشرحا مفصال للمتغيرات المعتمدة في صياغة فرضيات بحثه.
كيفية تحديد المفاهيم:
اإلطار النظري للبحث يحتوي على عدد كبير من االصطالحات ،وعليه" :فإن كل كلمة تكون
م صد ار الختالفات في الفهم تعد مصطلحا ينبغي توضيحه وإيراد تعريف إجرائي محدد ،حتى ال يحدث
اللبس في مفهوم هذا المصطلح ،ويخصص لهذه الخطوة محو ار واضحا في الفصل األول ألي بحث
علمي ،...وهناك تعريف لغوي للمصطلح إال أن هذا ال يعني وضوح المصطلح ،لذا ينبغي مناقشته من
أكثر من جانب من خالل التعريف اإلجرائي حتى نزيل الغموض حوله ونوضحه للقارئ".
وتبرز هنا فكرة نحت المصطلح لتبين الغاية من هذه الخطوة لتفادي اللبس فيها وذلك بإبرازها
ومناقشتها بدقة وتفصيل ،فيطرح الباحث في دراسته عدة تعاريف نظرية لمفهوم ما ،وقد يعتمد تعريفا من
هذه التعاريف في بحثه ،إذا ما وجده مناسبا تماما ،كما قد يأخذ من كل تعريف ما يجده مناسبا ويركبه مع
ما يعتمده من تعاريف أخرى ،وإذا وجد أن التعاريف المعروضة ال تناسب ما يريد الوصول إليه من اتخاذه
لهذا المفهوم الذي طرحه فيلجأ إلى تحديد التعريف اإلجرائي له.
فهناك طريقتان لبناء المفهوم:
-1االنتقال من األفكار إلى المفاهيم ،االنتقال من التصور العام إلى التصور الخاص الدقيق (الطريقة
االستنباطية ).
-2االنتقال من المالحظات الجزئية المباشرة للواقع المدروس :من الخاص إلى العام (الطريقة االستقرائية).
فدقة المفاهيم مرتبطة ب داللتها الكمية التي يمكن قياسها إجرائيا وتحليها إحصائيا (من خالل
المؤشرات الكمية).
كما نجد أن العديد من الدراسات تعتمد طريقة معينة في تحديدها للمفاهيم المعتمدة في الدراسة
والتي سندرجها فيما يلي -مع االشارة أن الطالب ليس مجب ار على اعتمادها بنفس الطريقة ،وإنما عليه احترام
تخصصه وطبيعة موضوعه مع التأكيد دوما على التعريف االجرائي:-
38
-1ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم (المعنى) اللغوي ،من خالل االعتماد على المعاجم .واالصطالحي
من خالل االعتماد على مختلف المؤلفات التي تناولت المفهوم ،ومن ثم اإلجرائي الذي يوضح قصد الطالب
من كل مفهوم وحوصلة كل المفاهيم الفرعية لالنتهاء بمفهوم إجرائي للدراسة ككل توضح بدقة حدود البحث.
-2ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم نظريا بمعنى أخذ عدة تعاريف لمفكرين وباحثين اعتمدوا على نفس
المفهوم الوارد في دراسته ،ومن ثم تحديد المفهوم اإلجرائي.
-3ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم نظريا وذلك بالقيام بعملية تركيب واستنباط منها ومن ثم اخذ
التعريف األكثر تناسبا مع الدراسة.
-4ضرورة االعتماد على تحديد المفهوم وفقا للتخصص المدروس مثال إذا كنا في دراسة نفسية اجتماعية
فنحدد المفهوم السوسيولوجي وكذا النفسي ،وإن كنا في دراسة قانونية نعتمد المفهوم القانوني ،وهكذا...
ومن هنا يعتمد البحث العلمي على نوعين من التعاريف وهي:
-1التعريف المفهومي :يتضمن استخدام مفاهيم لشرح مفاهيم أخرى ،وعلى سبيل المثال :فإن التعريف
المفهومي لظاهرة العنف السياسي يمكن أن يكون :السلوك العدواني نحو المؤسسات السياسية
واألشخاص ،وقد يكون له تعريف آخر ،كما أن التعريف المفهومي للذكاء يمكن أن يأخذ عدة تعاريف منها:
"القدرة على حل المشكالت"" ،القدرة على التفكير بطريقة مجردة " ،بمعنى أننا نعتمد على تعريف المفهوم
بمفاهيم أخرى أكثر بساطة في معظم األحيان ،وال يمكن لنا أن نرفضها خاصة إذا كانت متعارضة فهي
أفكار لمفكرين آخرين.
-2التعريف اإلجرائي :هو الذي يغطي أو يصل الفجوة بين مستوى نظري وفكري ومستوى امبريقي معين
معبر عنه بأحد المفاهيم ،بناء على القصد من استعماله من طرف الباحث،
وعادة تكون هذه المفاهيم عبارة عن متغيرات أساسية في الدراسة البد من تحديدها سواء كانت
مستقلة أو تابعة.
إذن يعتبر تحديد المفاهيم من أهم متطلبات البحث العلمي ،ألنه ليس هناك اتفاق بين العلماء
والباحثين حول مفهوم واحد ألغلب المصطلحات ،وانطالقا من هذا ،يتعين على الباحث تقديم تعريفات
إجرائية ألهم المفاهيم الرئيسية المرتبطة بالدراسة.
وفي علم االجتماع يستحسن اعتماد تعريف إجرائي لكل مفهوم ويعتبر تعريفا فرعيا حيث يجمع
الباحث في األخير جميع التعاريف اإلجرائية الفرعية في تعريف إجرائي للدراسة ككل يبين من خالله ما
الذي يريد الوصول إليه من خالل عمله وبهذا يكون قد حدد بدقة الهدف من دراسته من جهة وأعطى فكرة
عنها للقارئ مبتعدا بذلك عن كل التأويالت.
39
صعوبات تحديد المفاهيم:
إن تحديد المفاهيم ليس باألمر السهل وصعوبة هذا التحديد ترجع لألسباب التالية:
-تنشأ المفاهيم نتيجة لخبرة اجتماعية مشتركة ،ولما كانت هذه الخبرات تختلف باختالف األفراد
والجماعات والمجتمعات ومصادر المعرفة ،فإن مفهوم المصطلحات هو بدوره يختلف من فرد آلخر ومن
بيئة ألخرى.
-قد يكون لبعض المفاهيم أكثر من معنى كمفهوم الثقافة مثال.
-هناك ألفاظ غير دقيقة وغير محددة.
-قد يجد الباحث نفسه أمام مفاهيم جديدة التي لم يسبق ألحد غيره استخدامها.
وفي كل هذه الحاالت السابقة يجد الباحث نفسه مضط ار لوضع تحديد خاص لمفهوم دراسته يطلق
عليه اسم المفهوم اإلجرائي.
هذا إضافة إلى بعض الصعوبات التي قد يدخل فيها الجانب الذاتي للباحث كضعف التكوين مثال
أ و الموضوعي كعدم االتفاق على طريقة منهجية في ذلك مما يجعل الباحث حائ ار حول المفاهيم التي
يعتمدها وطريقة طرحها وعددها وترتيبها.
ايفية بناء المفاهيم:
بعد بناء االشكالية وصياغة الفرضيات ،ينتقل الباحث إلى عملية اجرائية يحدد من خاللها متغيرات
ملموسة تسمح باختبار الفرضيات المصاغة من خالل بناء المفاهيم (أهم متغيرات الدراسة) واالنتقال من
التجريد إلى الملموس ،أو هي النزول من السلم التجريدي عندما ننتقل من مفاهيم نظرية مركزية إلى مفاهيم
فرعية تمثل خصوصيات أو صفات ملموسة أكثر من المفهوم المركزي.
وهناك اختالف في هذا المجال Lazarsfeld ،يرى بوجود أربعة مراحل للمتابعة ،في حين أن
ُ Tremblayيقر بوجود مرحلتين وسندرج الطريقتين في هذه المحاضرة .حيث يمكن للباحث في علم
االجتماع أن يلجأ في بنائه للمفاهيم إلى اإلجراء العملي الذي وضعه بول الزارسفيلد لالنتقال من المفهوم
التجريدي النظري إلى المفهوم العملي الملموس ،ويتكون هذا اإلجراء من أربع خطوات أساسية وهي:
تصور المفهوم وتمثله في صورة ذهنية:
المفهوم هنا هو عبارة عن "تصور ذهني عام يتقدم في صورة ما" ،ونعني بذلك أننا ُندركه ويتم
استيعابه ذهنيا من خالل تشخيص سلوكات معينة تُجمع ُليعبر عنها علميا.
نأخذ كمثال:
مفهوم الرضا الوظيفي ال يدل على ظاهرة أو واقع يقع تحت المالحظة ،بل هو بناء ذهني مجرد أي
غير ملموس يترجم ذهنيا مستويات معينة من الواقع االجتماعي كغيره من المفاهيم األخرى.
40
تخصيص المفهوم أو تحديد ابعاده:
يتم فيها االنتقال من المجرد إل ى الملموس ،أي التعبير عن المفهوم المجرد الذي ال نالحظه مباشرة
في الواقع الملموس بمستويات من الواقع تشكل مكونات له .باعتبار أن المفهوم عموما عبارة عن" مجموعة
معقدة من الظواهر وليس من ظاهرة بسيطة يمكن مالحظتها مباشرة" .باعتبار أن للمفهوم الواحد عدة أبعاد.
مؤشرات بعد المفهوم:
المؤشر هو ما يالحظه الباحث في الواقع والذي يمكن من خالله تحديد بعد معين ،يساعده في
استعمال تقنيات جمع المعطيات (االستبيان والمقابلة) مما يسمح بالتحقق من الفرضية (باعتبار أن المؤشر
يتحول إلى أسئلة وفق التقنية المعتمدة) .وهنا أيضا ال ينتظر الباحث أن يجد المؤشرات الخاصة بمفاهيمه
موضوعة سلفا ،بل يصل إلي ها من خالل دراسته االستطالعية ،ويستحسن وضع أكبر عدد من المؤشرات
لكل مفهوم.
الدليل :هو نوع من الحوصلة أو التلخيص الجامع لجملة مؤشرات بعد المفهوم.
ونعتمد ما قدمه الزميل سعيد سبعون حول هذه المراحل في المثال التالي:
الفرضية :يؤثر التذمر المهني في مردودية االنتاج.
التذمر المهني
مفهوم 1
انتظارات المحيط الخارجي عالقات العمل ضروب سلوك العامل ظروف العمل
العامل
(بعد)5 (بعد)4 (بعد)3 (بعد)2 (بعد)1
41
المحيط الخارجي يتحدد من خالل:
-وسائل النقل ،السكن ،ارتفاع األسعار ،عوائق بيروقراطية( .الدليل :العوامل الخارجية للعمل).
انتظارات العامل تتحدد من خالل:
-هشاشة منصب العمل ،عدم الرضى عن األجر ،عدم الرضى عن المسؤول ،تلبية الحاجيات ،تمييز
مهني( .الدليل :تحقيق الذات أو تثمين المنصب).
مردودية االنتاج
مفهوم 1
منتوج من كمية االنتاج المحصل عليها عدد الساعات لتحقيق هذه الكمي الميزانية المخصصة
دون عيوب
مؤشرات
النوعية فعالية في االنتاج
(دليل)2 (دليل)1
42
-محورة المالحظات حول عدد من العناصر.
-قياس المتغيرات المدروسة.
-إقامة عالقة بين المفاهيم.
ص 90إجرائية المفاهيم تتم حسب Tremblayفي مرحلتين كما ذكرنا سابقا هما:
.1تحديد أهم أبعاد كل مفهوم.
.2تتبع مؤشرات كل بعد
المفهوم
43
المتغير التابع :احتياجات التحسين ( التكوين) -
المتغير المستقل :التنافسية. -
فبعدما تم توضيح المتغيرات ،تأتي مرحلة المفاهيم االجرائية في توضيح العالقة بين احتياجات التكوين في
الصناعة وتنافسية المؤسسة.
احتياجات التكوين (التحسين) :نعترف بوجود احتياجات للتحسين عند العمال حينما يكون هناك
فارق بين التكوين المكتسب وما هو مطلوب منهم لممارسة مهنتهم اما ينبغي.
التنافسية :تلخص قدرة المؤسسة لمواجهة المنافسة برفع إنتاجها وتقليص تكلفة عملياتها .ومن
المعتاد أن يتحقق هذا من خالل:
-التغيرات التكنولوجية (أي من خالل االنتهاج التدريجي آللية ومعلومات كل من المعدات
واالجراءات).
-التغيرات التنظيمية( :أي التغييرات في بنية وهيكل المؤسسة سواء تعلق األمر بالوظائف
اإلدارية أو االنتاج).
-تغيرات السوق ( :أي التغيرات في السلع أو الخدمات حتى تجيب على تطلعات كل من
المستهلكين ،الزبائن الجدد أو المنافسين).
وفيما يلي عرض إلجرائية المفاهيم في هذا المثال وفق الخطة التالية:
التنافسية
(مفهوم )1
44
احتياجات التحسين
(مفهوم )2
45