Professional Documents
Culture Documents
نوفيال
كرة الرماد
2
بقلم
أماني حسين
3
جروب
شخابيط وردية
إبداع الحرف وعشق ألابجدية
للدخول للجروب على الفيس بوك
https://www.facebook.com/groups/shakhabeit.wardia/
4
غالف خارجي
سارة علي
قالب وتنسيق داخلى
إيمان أحمد
فريق عمل "شخابيط وردية"
5
مقدمة
ً
عندما تتكاثر املصائب يمحو بعضها بعضا ...
وتحل بك سعادة جنونية غريبة املذاق..
تستطيع عندها أن تضحك....
من قلب ال يعرف الخوف
نجيب محفوظ
6
الفصل ألاول
7
مائدة رمضانية ممتدة ككل عام
تقيمها الحاجة تحية في منزلها الذى تحيا به
مع أبنها الوحيد لتجمع بناتها وأزواجهن وأبنة
أختها وزوجها التي تقيم معها فى نفس املنزل
منزل العائلة الذى كانت تمتلك جزء منه هى
وشقيقتها رحمها هللا ..
وأشترى لها زوجها الراحل باقي املنزل من باقي
ً
الورثة ليصبح خالصا لها ولشقيقتها
خرجت من شرودها على أندفاع أبنها محمد
بمالمح غاضبة نحو حجرته تتبعه بنظراتها وهي
ً
تعلم أن شجارا على وشك ألاندالع
أغلق الباب خلفه وهو يرى زوجته مشيرة
جالسة تمسد خصالت شعرها
8
أنت ما عندكيش دم قاعدة هنا وال على بالك
ِ -
عليك حد يجيله ضيوف فييا شيخة عيب ِ
أنت أيه فاكرة أخواتي خدامين
بيته ويعمل كدا ِ
عندك
ألتفتت تواجهه ببطء
-ال يا محمد دول مش ضيوف دول أصحاب
بيت أنا اللي ضيفة ..أنا اللي بيتقال لي أعمل
أيه ..أنا اللى...
ً ً
أعتلى وجهه تعبيرا صارما أثار الرهبة في قلبها
-مش هتبطلي بقى النغمة دي...
مشيرة خروج من البيت مش هخرج هفضل
فيه ألخر يوم في عمري ...ريحي نفسك ...تحطى
حجابك ودقيقة تكوني معاهم أو شوفي
هتفطري فين النهاردة
9
خرج وتركها لحالة قهر تحدث في كل مرة
تجتمع فيه أسرته في كل مرة تحرص شقيقاته
على النيل منها بكلمات ونظرات الذعة
كيف يمكن أن تلوم غيرها وهى من فعلت
بنفسها ذلك
أبنة املدن الراقية فتاة مدللة ألسرة ليست
بالثرية ولكنها تنحدر من أصول أرستقراطية...
ٌ
أسرة كانت تتطلع لجمال أبنتهم أن تنعم عليهم
بالثراء والترتيبات لزواجها من أحد أثرياء
املجتمع ضربت بها عرض الحائط
لتتزوج من مهندس بسيط ترجع أصوله للريف
ً
ال يملك ما يؤهله أن يصبح لها زوجا في نظر
أهلها ..أصر على البقاء جوار والدته وشقيقاته
بقرية صغيرة بالقرب من القاهرة
10
ٌ
وبمنزل عائلة بالكاد تذكر به كلمة خصوصية
تبعت قلبها الذي صم أذانها عن النصائح التي
حذرتها مما تحياه ا ألن
وصمت أذانها عن النصائح املوازية التي تطلب
منها التعايش والتقرب لشقيقاته وباألخص
ألبنة الخالة راجية التي تقطن معها بنفس
باملنزل بعد أنهيار منزلها
ومنذ قدومها وهي في حالة رفض تام لها
فالكل يحيطها بهالة من الكمال
فهي راجية الكاملة العاقلة ...السيدة ألاولى في
التدبير ومراعاة الزوج وتنشأة ألاوالد ورعاية
خالتها وأحاطتها بهالة مالئكية
11
ببسمة ساخرة:
-هي الكمال يمش ي على قدمين
أو هي تكره أنها ألاختيار ألاول لزوجها ولكنها
فضلت زوجها الحالي عليه
ومشاعرها تتضارب كيف لها أن ترفض
شخص مثل محمد املهندس الجامعي لتختار
بدال منه شخص مثل جالل مدرس ثانوي ً
محدود القدرات ملادة يعتبرها الجميع مادة
تكميلية ال حاجة ألي دروس
ً
وبين غيرة حمقاء تخبرها دائما أنها ألاختيار
ألاول حتى لو أكد لها مئات املرات أنها كانت
أختيار العقل لوالدته
بينما هي أختيار القلب
12
أغمضت عينيها وتنهيدة حاملة هو حبيبها
وأختيار القلب والعقل منذ اللحظة ألاولى التي
رأته فيها
كرجل يختلف عن كل الرجال في محيطها لم
ٌيبهره جمالها كما أعتادت وال أسم عائلتها
الرنان
كان هو كل ما تريده سأمت مشاعر الزيف و
الحب املشروط بجمالها
ً
سأمت أن تكون سلعة ملن يدفع ثمنا أكبر
وحين بادلها مشاعرها لم يصبه ألانبهار كمن
ً
سبقوه بجمالها بل كان دائما ما يخبرها بأن
ً ً ً
داخلها شخصا أجمل كان واضحا صريحا
ألبعد حد
13
منذ تحركت مشاعره نحوها ذهب لوالدها
ليقتنع والدها بأنه رجل سيحفظ أبنته طوال
العمر ولكنه رفض ما إن علم بمكان منزل
الزوجية
إصرارها خلق حالة عداء باملنزل
ً
حنق والدتها ...نظرة شقيقها وأعتراضه خوفا
أن يعلم أهل زوجته املستقبلية
جعل والديها يقيما لها حفل زفاف ولكنه لم
ً
يقارن أبدا بالحفل الضخم الذي أقامه محمد
لها هنا
ما إن أنتهت أجراءات الزواج حتى أصر والدها
على رحيلها لألبد عن منزله وكلمات صارمة عن
عدم ترحيبهم بعودتها
14
ً ً
لم تغير رأيها بل أزدادت أصرارا وتمسكا به ولم
يفتر حبها له لحظة
حتى بعد عشر سنوات زواج وحتى أخر عمرها
فهو الوحيد الذي تأمنه على نفسها هي تعلم
ً
أنه لن يخذلها أبدا
ً ً
ألتقطت وشاحها و نفسا عميقا قبل أن تخرج
ً
من غرفتها وتتجه نحو املطبخ تتوقع هجوما من
وفاء ونظرة متهكمة من ثريا ومصمصة شفاه
من ناهد والنظرة الجامدة من راجية
-مابدري يا مشيرة مش تستني ملا املغرب يأذن
أبتسمت ببرود مصطنع وداخلها يموج بألف رد
فاحم
15
أنت عارفة الحمل تاعبني
-البركة فيكم يا وفاء ِ
قد أيه مش عارفة كان أيه اللي خالني أفكر في
الحمل بس
محمد بقى مصمم أجيب بنوتة على الولدين
ثريا بلهجة ساخرة:
-ريحي نفسك يا مشيرة كلنا حملنا وولدنا
وعندنا البنات وألاوالد
ً
-وهو أنا بغيظك مثال علشان تقولي كدا أنا
بقولك بس
-أستهدوا باهلل يا جماعة ..تقومي بالسالمة يا
مشيرة إن شاء هللا روحي أرتاحي وكل حاجة
أنت عايزة وأحسن هتكون زي ما ِ
أنت بتطرديني من مطبخي ومن بيتي يا راجية
ِ -
16
-شوف الولية بتلكك أزاي تصدقي تستاهلي يا
ً
راجية علشان دايما تدافعي عنها
وكزتها بمرفقها:
أسكت بقى ما تولعيهاش ...رمضان كريم
ِ -
فهمت غلط
ِ ...مشيرة حقك عليا لو
ثم أستدارت بسرعة نحو الخارج:
-أنا هظبط السالطات واملخلل على السفرة...
تعال شوفي ألاوالد سكتيهم شوية
وفاء وحياتك ِ
زمان ماما تحية صدعت
تنفست الصعداء فبخروج وفاء ألامن
سيستتب
ً
ألتفت الجميع وأنهماك بعيدا عنها ..
مساحة هي وضعتها من البداية
17
ً
وال تنوي تجاوزها يوما ما
********
مائدة عامرة بل ثالث موائد واحدة للرجال
وواحدة للسيدات وأخرى لألطفال
ً
املوائد ممتدة دائما في بيت الحاجة تحية فهي
فى رمضان وألاعياد واملواسم بداية الشهور
العربية ..مواسم الزراعة بمناسبة وبدون
ً
مناسبة هناك دائما سبب لوجودهم
تعشق تجمعهم حولها..
تستمد الحياة والطاقة من وجودهم ..تشرف
بنفسها على كل صغيرة وكبيرة
تضع قائمة الطعام لتلك الوالئم
ً ٌ
ر
تجبر بناتها على الحضو مبكرا ألعداد كل ما لذ
وطاب
18
والجميع يمتثل ألوامرها بمحبة خالصة
إال هي تشعر بالحنق ..بالغربة ..طبيعتها
املتمردة رفضت ألانصياع لتلك العادات التي
تكلفهم الكثير
رغم أن تلك الوالئم من مالها الخاص من
معاشها عن زوجها الراحل وإيجار قطعة أرض
ضخمة ولكنها تشعر بأنها وأوالدها أولى بها
فالطبيب والعالج وكل مايلزم املنزل من نفقات
من مال زوجها يرفض مساهمتها عدا الوالئم
ً
والتي يكون لها نصيبا من راتب زوجها
ً
تفاصيل أجتماعهم دائما مابين أبتسامات
ونكات بالكاد تفهمها ال تفهم لم تتعالى
الضحكات ملواقف تراها سخيفة
19
أفاقت من شرودها على وكزة من يد حماتها
فالجميع أنتهى من الطعام وبدأ رفع ألاطباق
-قومي يا مشيرة ساعدي أخواتك
زفرت حانقة بدون كلمة واحدة فهي ليس لها
أختيار ..عليها ألامتثال لقوانين املنزل وإال غضب
ً
لن ٌيحمد عواقبه أبدا
ً
فمحمد لن يتهاون أبدا من يتسبب في أغضاب
ً
والدته وخصامه لها دائما هو ألاسوء
أنصرف الرجال ألداء الصالة وبقيت السيدات
ً
لترتيب املنزل وأعداد الحلوى أنتظارا ملقدمهم
ً
لينصرف الجميع أخيرا رافضين
عرض الحاجة تحية باملكوث لوجبة السحور
20
تجلس جوارها تلتقط أنفاسها بصعوبة:
-هو لسه في حد هنا في صوت في املطبخ
-أه دي راجية صممت ترتب املطبخ قبل ما
تنزل
-طيب يابنتي يصح تقفي معاها
-يا طنط رجلي واجعاني وبعدين أنا قولت لها
ملوش لزوم هي اللي صممت
خرجت راجية تجفف يدها:
-أنا هطلع بقى ألحق أحضر لهم السحور ..أنا
حضرت لك السحور يا مشيرة يادوب تطلعيه
على السفرة ولو محتاجاني بكرة الصبح في
ترتيب البيت أنا فاضية طول النهار وبصحى
بدري
21
تشاغلت مشيرة بالنظر ألظافرها:
-مالوش لزوم فتحية جاية بكرة هتنضف
البيت كله
ران الصمت على الجميع لتكسره راجية
بأبتسامتها الحانية
-طيب كويس ...ماما عايزة مني حاجة
-أعوزك سعيدة يا بنتي تسلم أيدك تاعبينك
ً
معانا دايما
-ماتقوليش كدا تصبحوا على خير
قبلت رأسها وأنصرفت
وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة كانت مشيرة قد
ً
أبتعدت هي تعلم ما فعلته جيدا لينهض محمد
فتتمسك بيده
22
-وديني أوضتي يا محمد
-مش هتتسحري معانا
-ال مش قادرة أبقى شوية كدا وهات لي كوباية
زبادي
تستند على مرفقه تمطره بدعواتها حتى تصل
فراشها فيتجه نحو الباب
-أقفل الباب وتعال يا محمد
-خير يا أمي
-كل خير يا حبيبي ..أنت رايح تتخانق مع
مشيرة؟
-حضرتك مش شايفة بتكلم راجية أزاي ودي
مش أول مرة؟
أقتربت منه لتمسك بأذنه
23
ً
عقابها الدائم لها منذ كان طفال
-الغلط على مين؟ اللي راح حكى لها أنه كان
عايز يتجوزها والست بتغير يابني
يزفر بحنق:
-لسه مش عارفة تعيش معانا بعد كل دا وال
تطبع بطبعنا طيب وأخواتي البنات دول كمان
كنت هتجوزهم
-مراتك بتحبك وكل همها ترضيك ما تنساش
هي هنا لوحدها وأخواتك كمان لقوها خدت
جنب ما حاولوش يقربوا ..شايفة راجية جوزها
ساب بلده وأهله وجيه هنا ..
-يعني هو بمزاجه ماهو مقدم على شقق
ألاسكان وأول ماتجيله هاياخدها ويمشوا
24
-وأختك ثريا ما هو جوزها باع حاله وجيه
أبتدى هنا من جديد جواها بيتعذب ال عارفة
ترضيك وال مستحملة بعد أهلها
-أنا تعبت مش عارف أرضيها وال عارف أخليها
تبقى زينا
-أنت أخترت وكنت عارف أنه صعب وهي ما
كذبتش عليك وعدتك تحاول وما عرفتش
وطلبت تبعد لكن علشان خاطرك فضلت هنا
-وهفضل هنا عمري كله وهي عارفة كدا
-وهي بطولها ملهاش غيرك حاسة أننا كلنا
مبسوطين بلمتنا وهي أهلها مقاطعينها علشان
خاطرك ضحت بأهلها عوضها يابني خليك أنت
كل أهلها
25
-بعدي كتير ومفيش فايدة
-أول مرة شوفت فيها مشيرة يوم مارحنا نخطبها
قولت دي مش توبنا مش هتستحمل عيشتنا
لكن كنت متمسك بيها خوفت عليك من كسرة
القلب لكن كل يوم كنت بشوفها تيجي على
نفسها علشان خاطرك كانت بتكبر في عيني
حتى لو ما بتحبنيش هي بتحب أبني ودا يغلي
مقامها عندي أستحملها يابني بكرة ملا أموت
وتبقى هي ست البيت هتشوف واحدة تاني
أنحنى يقبل يدها:
عليك يا أمي كلنا من غيرك نتوه فى
-بعد الشر ِ
الدنيا جرى أيه يا توحة هتقلبيها نكد ليه
26
-يال روح ماتسيبش مراتك تنام من غير سحور
دي بتصوم يابني وهي خالص قربت تولد
تالقيها خايفة منك
أستقام وقد هدأت مالمحه:
-دا أنا هروح أكسر رقبتها
أبتسمت فوحيدها رغم قسوته الظاهرة يملك
ً ً
قلبا حانيا
وزوجته أبنة املدن لم تتوقع أن تحتمل كل
هذا خاصة مع قطيعة أهلها لها ..ترى كسرة
خاطرها بعد عودتها من زيارة لهم تقوم بها كلما
أشتاقت لهم ..
ترى الخيبة والهوان
فترق لحالها تغفر لها ألف غلطة
27
ً
ترفض ألانصهار في عاملهم كأنها تعاقبهم جميعا
على فراق ذويها
هي أختارت أبنها تعشقه هو وأوالدهم كل عاملها
*********
الحيرة والضياع بتفاصيلها املزعجة تحتل كيانه
تلغي عقله عن التفكير السليم
حيرة ألنه ال يستطيع تغيير طباعها املتمردة وال
ترويضها
وال جعلها تحيا كفرد من أسرته
حيرة ألنها هادئة بطبعها حلوة املعشر تتحول
فقط في وجود شقيقاته
حيرة ألنه يعلم مدى تضحيتها تركت كل ش يء
فقط من أجله
28
حيرة ألنه يعشقها بكل تفاصيلها وتمردها
صفع الباب بقوة فلم تتحرك من مكانها
متصنعة النوم بينما داخلها يرتجف
-مشيرة بطلي أستعباط فاكرة ملا تعملي نفسك
نايمة هنس ى
أزاحت الغطاء من فوقها وأنتصبت جالسة
تبادره بلهجة هجومية
ً
-طبعا ما أكيد الحاجة أخدتك أوضتها علشان
تولعها نار وأنا عملت أيه يعني!
جلس جوارها على الفراش بهدوء
-كلمة واحدة مش هقولها تاني راجية ما
تستاهلش منك املعاملة دي وال حد من
أخواتي ..سايبك العمر دا كله تكتشفي
29
بنفسك قد أيه هم ناس طيبين محتاجين
أنت مصممة تعامليهم
منك معاملة حلوة ..لكن ِ
بتعال بتدفعيهم تمن ملهمش ذنب فيه
بدأت بالبكاء:
-كلهم ماليكة وأنا الشيطان صح؟
نهض من جوارها وألتقط منامته:
عليك دي حياتي
-يابنت الناس أنا ما ضحكتش ِ
ودول أهلي
-أنا سبت أهلي علشانك ..كان مفروض....
كنت مكاني كان عمرك ماهتسيبي
-لو ِ
واملوجودين هنا ما ينفعش يدفعوا ضريبة
أختيارك
-محمد أنت قاس ي أوي عليا
30
رفع الفراش وأتخذ وضعه للنوم
-الحاجة تحية بتقولك أوعي تنامي من غير
سحور صحيني على الفجر
خرجت من غرفتها تقهر عبراتها بقوة ..تخلت
عن كبريائها وكل ما تملك من أجل البقاء
جواره
فمحمد هو كل عاملها ال تستطيع ألابتعاد عنه
فلماذا ال يكتفي هو بها كما تفعل!!
*********
31
الفصل الثاني
32
ورقة النسيم فى تعاملها وأبتسامتها
راجية....
هي التي أرتجتها أمها من الدنيا بعد وفاة كل من
سبقوها من أشقاء وشقيقات
وكانت لها نعم ألابنة والشقيقة والصديقة
وفاة والدها وهي بعد طفلة صغيرة ال تذكر حتى
مالمحه
لتعود ألام ملنزل العائلة لتنشأ راجية بين أسرتها
تنعم بحب أوالد وزوج خالتها الذي لم يفرق
بينها وبين أوالده
ً
معاش ألام الضئيل لم يكن كافيا فكانت
الخالة وزوجها نعم ألاهل والسند
33
رحلت عن املنزل لتلتحق بالجامعة رغم رفض
ً
والدتها فبنات الخالة كال منهن أكتفت بالتعليم
الثانوي وتزوجت وكونت أسرة
ساندها الزوج وأبن الخالة الذي يسبقها بعدة
سنوات وعلى وشك التخرج
كان لها نعم الشقيق والسند حتى يوم رفضت
ً
عرضه بالزواج ألرتباطها عاطفيا بجالل كان
هو أول من أعترفت له بالحقيقة
وساندها حتى أستطاعت الزواج منه
جالل زوجها وحبيبها مصادفة لقاؤهما
...شقيقته زميلتها وصديقتها كانت حلقة الوصل
ً
حب هاديء كشخصيته تماما معه تشعر بأنه
العالم ومن فيه
34
فهو ليس زوج وال حبيب فقط
هو أبنها الذي ال يجد سوى ذراعيها يلجأ لها
ينتظر مشورتها
تزوجا بعد حرب صغيرة مع الشقيقتين
ألام والخالة
وبمساندة زوج الخالة ومحمد
تفاصيل ..تفاصيل وذكريات هي ألاحب لقلبها
بيتها الصغير في العاصمة ..بأثاثه البسيط
..بالدفء الذي مأل جنباته وجالل فعل كل ما
يمكنه ألسعادها
عشقت حياتها الهادئة بين جنباته ..الزيارات
ً
الخاطفة لألهل تعشقها ولكنها دائما تعود
ملنزلها بحنين
35
وألن الحياة ال تمنحنا كل ش يء واملصائب ال
ً
تأتي فرادا أنهار املنزل الذي يحوي مسكنها
بكامله ...العش الدافيء الصغير رأت الجانب
ألايجابي نجاتها هي وصغارها لترحب بها والدتها
في مسكنها مرة أخرى كوضع مؤقت
ً
أصبح دائما فال بديل
ّ
والدي جالل بالكاد مسكنهم يكفيهم وراتب
جالل الضعيف بالكاد يكفي ألطعامهم دون
التوفير
وأنتهت حياتها الهادئة لألبد فما بين صخب
جمعتهم التي تحبها وطلبات خالتها ووالدتها
التي ال تنتهي
36
ٌ
كانت تشتاق للعودة تمني نفسها بالصبر
وبمسكن بسيط يكون لها وألسرتها الصغيرة
فقط
وفاة والدتها وزوج خالتها في شهور قليلة تلت
أنتقالها كان ضربة قاصمة أختل توازنها لفترة
حتى أستعادت نفسها
وطنا أنفسهما على املعيشة الدائمة هنا فأنتقل
جالل للعمل باملدرسة الثانوية بالبلدة بينما
ً
عملت هي أيضا بأحد مدارسها ألاعدادية
ومضت السنوات زواجها ال يوجد بها أية
منغصات سوى ضيق الحال...
الذى تنتصر عليه بالصبر والرضا
37
فقد كبر ألابناء وأزدادت نفقاتهم بينما الزوج
على نفس أصراره بمنعها من الدروس
الخصوصية لزيادة الدخل
-أيه ضايقتك؟
-ها!..
أنت مش معانا خالص
-ها أيه ِ
أبتسمت له أبتسامتها الرائقة التي يعشقها
ً
فراجية ال تعرف التعاسة طريقا لها وال يقهر
أبتسامتها أي حزن
قوية كصخرة صلدة ال تجد أشد املعاول
ً
طريقا لها
-ما تشغلش دماغك يال نتسحر الفجر قرب
فرصة بكرة أجازة ننام براحتنا
38
شوف ألاوالد على ما أجهز السفرة
أنسحب وهو يلعن نفسه ألف مرة وضيق حاله
ألاف املرات ِلم عليها أن تتحمل معاملة مشيرة
السخيفة لها لو كان فقط ألامر بيده لبنى لها
ً
قصرا وجعلها ملكته
هي ال تشكو وال تعترض ..ال تمن بطيب أخالقها
على أحد
وهذا ما يمزقه
*********
حلقاتك برجاالتك
يارب يا ربنا تكبر وتبقى قدنا....
ً
الفرح موصول بمنزل العائلة دائما وكل مناسبة
هي عيد يجمعهم
39
هي املرة ألاولى التي تشعر بكل هذا القدر من
الحب من عائلة زوجها نحوها
أو هي أصبحت عاطفية أكثر من الالزم
منذ أصرت والدة زوجها على تسمية الطفلة
"إنجي" على أسم والدتها علها تعيد الود املفقود
ً
ونظرتها لها أصبحت مختلفة تماما
حين وضعها محمد بين يديها لتحصل على
بركتها ظلت تهمس في أذنها بكلمات غير
مسموعة
ترقرقت عيناها بالدموع وهي تراها تخلع
سلسالها املفضل بمصحفه الضخم من رقبتها
لتلبسه أياها..
40
-دا أمانة في رقبتك يوم ما إنجي تتجوز تقوليلها
دي هدية تيتا تحية
-ماما تحية دا أكتير أوي
-يا أختي ألف نهار أبيض ماما طالعة منك
حلوة أوي أوعي تقولي طنط تاني كانت ماسخة
أوي
تعالت ضحكات الحضور وتقبلت بطيب خاطر
كل ماطلب منها من طقوس وعادات السبوع
ً
كانت ترفضها تماما من قبل
ربما ٌ
تقبل الجميع ألسم والدتها حتى وفاء دعت
لها أن يصلح هللا بينهم
أنظرة جديدة هي ما تراه بهم ألان؟
أم هي غشاوة زالت عن عينيها فرأت من حولها
بصورة مختلفة!
41
وضعت يدها على قالدتها ألاثيرة كل مابقى لها
من عائلتها....يجاورها سلسال الحاجة تحية
ً ً
تشعر به غريبا ولكنها ستعتاده قريبا
فقالدتها لم تفارق عنقها طيلة السنوات
املاضية تضع يدها عليها حينما تشتاق..
أملاستها الباردة تمنحها قوة لتحتمل فراقهم
كيف أستطاعوا أن يكونوا بتلك القسوة وهي
من كانت مدللتهم ألاثيرة
تمر ألايام غيرت فيها الكثير بينما لم تغير من
قسوتهم
تمر ألايام ويزداد حنينها وأشتياقها لهم بينما
يزداد جفاؤهم لها
تمر ألايام وال تعتاد فراقهم
42
وال تكف عن املحاوالت في التواصل معهم
بدعم زوجها ومصاحبته لها في البداية ولكنه
يعود كل مرة بجرح غائر فى كرامته
حتى أخبرها أنه أكتفى لن يحاول منعها أعادة
ً
املحاولة ولكنه لن يصطحبها مجددا
الجلسة التي تجمعهم على املائدة أصبحت
مفضلة لديها الحاجة تحية تشيد بطعامها
بينما محمد يشاكسها ويسخر منها من أسماء
أكالتها تسحب منه الطعام بغيظ فيعود
ليستسلم والصغار حولها جلسة عائلية دافئة
-بأقولك أيه يا مشيرة مش أن ألاوان يابنتي
تاخدي والدك وتروحي تزوري أهلك
-والدي أل يا ماما هي حرة في نفسها
43
طأطات رأسها بحزن ولم تستطع التفوه بكلمة
فقد غص حلقها بالعبرات:
-ووالدها هي كمان يا محمد دا ألاوالد دول
بيلينوا قلب الحجر خليهم يروحوا يابني
يمكن ربنا يجعل الصلح على أيديهم
-وهي ناقصها أيه من غيرهم
-أخص عليك وأنا اللي كنت بأقول عليك
بتفهم ..هو أنا يا واد لو مت هتنساني هتقول
مش ناقصني حاجة هم مراتك ووالدك
هيغنوك عني..
-يا أمي مش قصدي بس ألاوالد لو سمعوا اللي
أنا سمعته هيكرهوهم العمر كله
-أنا مش عايزة أروح
44
معاك
ِ -اليابنتي هتروحي دا واجب وخدي إنجي
دلوقت
ِ بالش ألاوالد
-شوفي عايزة تروحي أمتى هتفق لك مع السواق
بأبتسامة أمل ورجاء دعمتها الحاجة تحية
أستقبلتها والدتها التي تركتها تنتظر ألكثر من ربع
ساعة قبل أن تدخل عليها تتهادى وتتخذ
ً
مقعدا في أقص ى الغرفة متجاهلة يدها
املمدودة
-أذيك يا مشيرة وال أقولك يا أم ....
-إنجي يا ماما أسمها أنجي
أختلجت عيناها لثوان وببسمة هازئة:
-والفالحين بقى هيعرفوا ينطقوه
45
أقتربت منها بأبنتها تحاول ملرة أخيرة:
-شوفي يا ماما دي شبهك أوي بضمها بحس
بيك بنتي غالية عليا أوي يا ماما ال يمكن أتخلى
ِ
عنها مهما تعمل
عليك العمر دا كله ..عمرك ما
ماصعبتش ِ
حسيتي أنك نفسك تاخديني في حضنك زي ما
با أحس
أنت جاية عايزة أيه!
-مشيرة ِ
بتلومينا على أيه! ..
على العيشة الهباب اللي أختارتيها ..مشيرة
أجمل بنات العيلة اللي رفضنا أبن سفير وقولنا
تستاهل ألاحسن تختار فالح وياريته فالح غني ..
معيشك عيشة زفت
46
-ماما محمد مش فقير وال محتاج يمكن مش
مليونير لكن موفرلي أحسن عيشة وعندي
شغالة و....
تتطلع لها بأشمئزاز:
-أحسن عيشة واضح من منظر لبسك ومنظر
أيدك
ضمت أبنتها لها وزفرت بقوة مستسلمة
فالكالم لن يجدي وعلى القلوب أقفالها ..
قلوب لن تلين
-مفيش فايدة ..ممكن أشوف بابا
-هو مش عايز يشوفك ..بتفكريه بخيبته أنه
فيك وفي ألاخر أضطر يجوزك بدل ماوثق ِ
تفضحينا
47
-عمري ما كنت هفضحكم ..كان نفس ي
أتشرف بيكم ومحمد يشرف أي حد ..
بتعمل أيه هنا؟
ِ أنت
ِ -
ألتفتت لشقيقها متحفز املالمح ...تتطلع له
بعدم تصديق أرتبكت تبحث عن الكلمات لم
تجد سوى
-ماجد ..دي إنجي بنتي
لم يلق عليها حتى نظرة واحدة
وأنت جاية بقى تعايريني أن معنديش والد
-أه ِ
دلوقت
ِ لحد
هو دا أقص ى طموحك تأكلي وتعاشري وتخلفي
زي البهايم اللي عايشة وسطهم
48
-ماجد أنت أزاي تفكر كدا ..أنا جاية أفرحكم
جاية أ...
-مشيرة مفيش وقت للكالم وألافضل ماتجيش
تاني أحنا فهمنا الكل أنك هاجرتي ومراتي
دلوقت
ِ وأهلها جايين
تطلعت لوالدتها كأنها تتوقع منها مساندة ولكنها
ً
بدال من ذلك أشاحت بوجهها
-ماما.....
سمحت ولو الزم تيجي كلمينا
ِ أتفضل لو
ِ -مشيرة
ألاول وألافضل ماتجيش
بخطوات مرتبكة أقرب للركض أتخذت طريقها
نحو الخارج ألقت بنفسها في سيارة عم ياسين
العجوز الطيب ..
49
يستأجر لها محمد سيارته في كل مرة تقوم بها
بنفس الزيارة
شهد خيباتها وكسرتها مرات عديدة
على الرغم من عدم تفوهه بكلمة واحدة ولكنها
كانت ترى نظرة دعم ومواساة
تكبح عبراتها بقوة تجاهد أال تنهار تشعر بأن
الطريق ال ينتهي
كل ما تريده فقط ألانهيار
الدرجات القليلة بكاء الصغيرة خطواتها التي
بالكاد تحملها تنهار على فراشها وصغيرتها
جوارها طرقات الحاجة تحية هي أخر ما تريده
ألان ولكنها في النهاية جففت وجهها
50
بمحاولة أبتسامة تشق وجهها:
-أتفضلي يا ماما
أبتسمت وتجاهلت وجهها املحتقن فمالمح
خيبة ألامل جلية على وجهها
-هاتي إنجي وحشتني
-حاضر يا ماما أرضعها بس وأجيبهالك على
طول
دلوقت ريحي شوية يا بنتي
ِ -ال مترضعيهاش
ماتقلقيش عليها معايا
زفرت بقوة ووضعت يدها كعادتها مكان قالدتها
تلتمس منها الدعم لتظهر مالمح الرعب جلية
على وجهها
فالقالدة ليست بمكانها
51
ً
تساقطت عبراتها مجددا وهي تبحث عنها بلهفة
تفتش الفراش ألابسطة درجات السلم القليلة
حتى مدخل املنزل
مكاملة هستيرية لزوجها
لم يجدها السائق وال توجد بأي مكان
ربما سقطت بمنزل ذويها
أو سقطت في الطريق
أدراكها لضياعها وحزن لم يعد له معنى
غصة ستظل تشعر بأملها
ربما هي أشارة لها ألن تودع حياتها القديمة
لألبد
52
الفصل الثالث
أدراكنا للواقع....
معايشته أو ألاستسالم له
نتمنى لو ملسنا أحالمنا بيدنا ولكننا في النهاية
نسقط
ونتحطم
وتتحطم أحالمنا على صخرة الواقع
يوم أن ندرك أننا وصلنا لنقطة النهاية
وستمض ي بنا الحياة كما أعتدنا
يتغير املسار ..نعود أدراجنا لنقطة الصفر
الحياة عادت لطبيعتها مع بعض التغيير
53
فمشيرة املتمردة أصبحت أهدأ
نشأ بينها وبين الحاجة تحية عالقة ود وصداقة
أصبحت هي ألاقرب إليها وشقيقاته حالة من
الهدنة غير املعلنة وراجية ال تعلم هي فقط
تتجنبها قدر ألامكان
ظنت أن الحياة ستمض ي بها لألبد على نفس
النهج ولكن ألاقدار لها رأي أخر
سقطت الحاجة تحية فريسة املرض
ظلت جوارها طيلة الوقت هو الخوف ...
ً
الخوف أن تفقدها هي أيضا
ربما أدركت متأخرة دورها في حياتها
كانت نعم السند دون أنتظار مقابل وال حتى
نظرة أمتنان
54
تبحث في عينيي زوجها وشقيقاته عن من
يطمأنها أنها بخير فال تجد سوى الحزن سكن
العيون
ً
املرض أجهز عليها سريعا وكأنه أنتظر أن تشعر
ً
بحبها فأقسم أن يختطفها هي أيضا
بنشيج مكتوم تجمعوا حولها بينما هي غائبة في
عالم أخر تحادث شقيقتها وزوجها الراحلين
تفيق لثوان تبتسم راضية
جمعتهم في حياتها وهاهي تخش ى املوت فيتفرق
الجمع
-مالكم زعالنين كدا ليه دا أنا فرحانة هرتاح
أنا تعبت تعبت أوي ...
أبو محمد كمان فرحان بيضحك لي
55
تعالى النشيج املكتوم من وفاء التي أسرعت
بالخروج قبل أن تنفجر باكية
ربتت راجية يدها بحنان:
-أرتاحي يا ماما هتبقي زى الفل
ضغطت على يدها بضعف:
-ماتقسيش على اللي منك يا راجية
أغمضت عينيها مرة أخرى
-محمد ..محمد ..ماتبعدش ..راجية يا محمد
..راجية ملهاش غيركم يابني
أقترب منها محمد وهو يكبت عبراته بقوة
-ماتخافيش ياماما كلنا جنبك
56
لم تنتظر باقي كلماتها لم تستمع لكلماتها وهي
ً
توصيه بها أيضا
فقط خرجت حانقة من الغرفة ..
ً
راجية ..راجية ..دائما راجية هي من تستحق
الدعاء ...الوصية ألاخيرة...
رغم سهرها جوارها طيلة ألاشهر املاضية ..
عالقة بطريقة ما تغلغلت لقلبها هاهي تصر
للحظة ألاخيرة أن تحطم كل هذا في لحظة
واحدة ..
تستجمع نفسها بقوة تقنع نفسها بأنها سكرات
املوت تتجه نحو حجرتها مرة أخرى
تتجمد خطواتها فقد علت أصوات الصراخ
والعويل وصوت محمد املختنق يصرخ بهن أن
يتوقفن
57
وجه الحاجة تحية الذي خط الزمان فوقه
تجاربه مشرق رغم أن الحياة فارقته
أبتسامة راضية ووجه مستسلم
ماتت الحاجة تحية ..عمود البيت الذي إن
تهاوى سقط فوق رؤوسهم
تقف جوار زوجها وعبراتها تنساب دون توقف
تضع يدها فوق كتفه ال تعلم أتلتمس من أمان
أم تهديه مساندة
تطلع نحوها وكفكف دموعه بسرعة:
ٌ
-مشيرة أكيد مش هتقدري تحضري الغسل
ممكن تتأكدي أنهم يجهزوا البيت واملضيفة
للمعزين هنصلي عليها الضهر بأذن هللا
58
هزت رأسها بتفهم ودون كلمة واحدة كانت تعد
ما كانت ستفعله الحاجة تحية هي ألان سيدة
هذا املنزل ...
***********
يوم الحزن بألف عام
ً ً
يمر بطيئا ثقيال
رغم أن كل ما يحتاجه ألانفراد بنفسه ولكن
الواجب الثقيل بأستقبال املعزين أجبره على
الوقوف طيلة اليوم
كلها كلمات تعزية لم يدرك أغلبها
فهو رجل عليه التحمل والصبر
أستقبل مصابك كرجل ال تبكي وال تنهار
البكاء للنساء فقط
59
والرجال رجال ال يسمح لهم
كل ما كان يحتاجه في نهاية يومه حمام دافيء
وفراش
ليس فراشه املعتاد بل فراش والدته يشتم
رائحتها يبكيها كطفل صغير يشعر بقربها مجرد
أن وضع رأسه على وسادتها شعر كأنه ألقى
بنفسه في أحضانها
دموعه تنساب تبلل وسادتها
أغمض عينيه بقوة وهو يشعر بها تتسلل إلى
جواره
أحاطته بذراعها
-روحي نامي في أوضتك يا مشيرة
-أنا محتاجة أكون جنبك
60
-وأنا محتاج أكون لوحدي
-أحنا واحد يامحمد أنا جزء منك
ً
أنتفض جالسا:
-مش عايز أسمع حد ومحتاج أكون لوحدي
فاهمة وال أل
بصوت باك:
-أل مش فاهمة ..لكن فاهمة أن حزني أكبر
منك ..فاهمة أن كان عندك أم أديتك كل
حاجة وأنا معرفتش يعني أيه حنية غير منها أن
ملا أبتديت أعرف أنا غلطت قد أيه
راحت مني
ربنا بيعاقبني علشان معرفتش قيمتها الوقت دا
كله
61
أنت عندك أخواتك يعوضوك لكن أنا
معنديش غيرك يعوضني عنها أنا محتاجاك
أكتر
ألقت نفسها بين ذراعيه وبدأت بأنين خافت
تعالت لبكاء وعبراتها تنساب كشالل كأنها لم
تبك من قبل تبلل كتفه وهو يضمها أليه
وتنسال من عينه عبرات صامتة تهديه سالم
نفس ي
***********
هو التجمع ألاول منذ وفاتها
الكل يغالب عواطفه
نظرات حزينة ملكان جلستها املفضل
ونظرات زائغة في املكان
62
حاولن قدر ألامكان أقناع محمد بالعدول عن
رأيه وألانتظار حتى مرور ألاربعين على ألاقل
ولكنه أصر على أبراء ذمته
ألتففن حول املائدة حتى راجية ومشيرة أصر
على تواجدهن
-أمي هللا يرحمها وصتني البيت وألارض
يتقسموا بشرع ربنا أما عن الدهب فهي كتبت
ورقة بنصيب كل واحدة
فتح الصنوق الخشبي أمامهن وبدأ في وضع
القطع التي أوصت بها لكل واحدة
الكل يتمتم بالدعاء للوالدة بينما تحجرت
عيناها على القطعة ألاخيرة املوجودة
63
قطعة ذات أملاسة المعة رفعت يدها بتلقائية
نحو عنقها لتجد سلسال الحاجة تحية بدال
منه
تلتقط القطعة ألاخيرة بسرعة بصوت عال
-أيه اللي جاب دي هنا؟
توقفت نظرات الجميع بدهشة على القطعة
التي تمسك بها
بلهجة ساخرة:
-أيه مش عارفين دا أيه!
دا الكوليه بتاعي اللي أقنعتوني أنه ضاع عند
أهلي ألن محدش من أهل البلد بيقبل على
نفسه
64
ران الصمت على الجميع فال يوجد تفسير
واحد لوجوده في صندوق والدتهم وهي من
سألت الجميع عنه
-مش قادرين تتكلموا ..طيب فسروا لي ليه
كانت سايباني أتعذب وهي عارفة أنه أخر
حاجة من ريحة أهلي كانت عايزاني أنساهم!
حد يقولي لييه عملت كدا ..ليه كانت من
القسوة تاخد حاجة غالية عليا!
أنتزعت بقسوة السلسال الذهبي و أمسكت
بالقطع الذهبية التي وضعها محمد أمامها
وألقتها بطول ذراعها وصرخت بهستريا
مسمحاك
ِ -مش عايزة منك حاجة يا تحية وال
مش هسامح في وجع قلبي وال سرقتك ليا ...
65
أنت بتتكلمي عن أمي ..أمي ال يمكن
-أخرس ي ِ
تسرقك أكيد في حاجة غلط
-أنا هخرس ..هخرس على طول يا محمد ..
هخرس ألن ماليش حد ال هقدر أبعد عن
والدي وال ليا مكان أروح له ..هخرس ألن اللي
بعت الدنيا علشانه هيبيعني في لحظة
لو قولت الحقيقة
أنسحبت وتركت الجميع على حالهم ال أحد
يعرف سبب ما حدث وال يوجد تفسير واحد
ً
يمكن أن يتقبله أيا منهم
هرعت نحو غرفتها تبكي ...تدفن رأسها فى
وسادتها وتبكي
66
ً ً
تبكي عمرا ضائعا في منزل تظاهر لفترة أنه
تقبلها ..تبكي حياة أعتقدت لغبائها أنها
أصبحت جزء منها
تبكي إمرأة أصرت أن تنتقم على معاملتها لها
حتى بعد أن فارقت الحياة
تبكي القادم الذي ال تعرف كيف سيكون ولكن
ً
ما تعرفه أنها لن تعود كما كانت أبدا فالخذالن
أتى من موضع الثقة
************
إنهار السقف وتشتت الشمل
رغم دعواته املتكررة لشقيقاته
فالكل فضل ألابتعاد
َ
ضمانا ألستقرار حياة شقيقهم
67
فمشيرة أصبحت كأتون مشتعل تهدد باألنفجار
في أية لحظة
كان لديها قدر من التوجس بتفرقهم ولكن ليس
بتلك السرعة
ً
حاولت مرارا أن تكون من تجمعهم مرة أخرى
ولكن كل محاوالتها باءت بالفشل
فمشيرة أعتزلت الجميع حتى زوجها جعلت لها
ً
وألوالدها حدودا باملنزل
شرطها الوحيد ألستئناف حياتها الزوجية
مغادرة املنزل دون عودة
تشعر بغصة بحلقها وألم ينحر قلبها كلما رأته
شاحب الوجه كأنه فقد الرغبة بالحياة ال يعلم
كيف ٌيبرأ ساحة والدته وال كيف يستعيد
زوجته
68
أبتسمت وهي تفتح له الباب:
ً
-أهال يا محمد حماتك بتحبك
ً
أبتسم ساخرا:
-ما لقتيش غير دي
شعرت باألحراج لينقذها جالل
-تعال يا محمد راجية عاملة لنا بط من اللي
قلبك يحبه
-ماليش نفس يا جالل أتغدوا أنتم هستناكم في
الصالون
تبادلت النظرات مع جالل الذي تبعه
-هعمل شاي وأحصلكم
الصمت يعم املكان فقط دخان التبغ يعبأ
املكان
69
-مالك يا أخويا شكلك تعبان أوي
-هطلقها
-طالق أيه بس أستهدى باهلل يا جدع ما أنت
عارف الستات ودماغهم راضيها شوية وخالص
-مش عارف أراضيها على حساب أمي
-يا محمد مشيرة طيبة بس هي حست أن ماما
تحية ضحكت عليها
ألتفت نحوها بغضب:
-راجية هي أمي ممكن تعمل كدا؟
-أل ..لكن ممكن تكون غلطة ...أو...
تدخل بسرعة قبل أن يشتعل غضب محمد
أكثر
70
دلوقت خراب البيت
ِ -محمد اللي حصل حصل
مش بالساهل في أوالد وحياة
-قول لي أعمل أيه وهي مصرة على إهانة أمي
ومصرة أكتر تسيب البيت
-أنا هحاول أتكلم معاها تاني يمكن ربنا يهديها
-مفيش فايدة كلكم حاولتم وهي مصرة ..أنا
اللي تاعبني مش هقدر أوفرلها شقة في مكان
محترم من غير ما أبيع نصيبي في ألارض
-أنت أول واحد وقف في وش ثريا ملا حبت تبيع
نكس رأسه
-معنديش بديل ال هأقدر أسيب هنا وال قادر
أجيب شقة من غير ما أبيع ..الطالق حل
وألاوالد معاها لحد ما يوصلوا السن
71
وبعد كدا يرجعوا ألصلهم وبيت أبوهم
-وال تقدر أنت بتموت فيها
رفع رأسه وعادت النظرة الصارمة لعينه
-بأموت أكتر من حزني على أمي ال قادر أبرأها
وال هي قابلة تسامحها ..بحلم بأمي كل يوم
بتطبطب عليا لكن وشها كله حزن
توقفت للحظات بعينين ذاهلتين:
-دا نفس اللي بشوفه
ً
لبضع لحظات لم ينطق أيا منهم
-يبقى أنا صح كل واحد يروح لحاله وأمي ترتاح
-عمر خالتي ماهترتاح وأنت تعبان أصبر أديها
فرصة شهر كمان يمكن ربنا يصلح الحال
72
ً ً
بدا يائسا وهو ينسحب عائدا ملنزله
كمن نثر ملح على جرح شعرت بالعجز
باألنكسار
تتوجه لغرفة صغارها تدعوهم للغذاء الذي
ً
فقدت شهيتها له تماما
-باسم يال الغدا شوف أخواتك و..
كل ألاالم تهون وال يهون على قلب أم رؤية
حزن صغيرها
ومن لها في هذا العالم سواهم هو وشقيقه
وشقيقته
رجلها الصغير يحاول التشبث بتصرفات الكبار
ينس ى أن يستمتع بطفولته مازال في الثانية
عشر تبتسم وهي تراه يغالب دموعه حين تنهره
73
ألمر ما يتفطر قلبها وهي تراه ألان البد أن ألامر
فوق أحتماله
أثار رعبها وهي تراه يدفن وجهه بين راحتيه
ويبكي أقتربت بهدوء وقلبها يصرخ لتعرف مابه
ضمته لها فزاد النشيج والنحيب
-أنا أسف يا ماما
ً
متصنعة هدوءا ال تملكه
-أسف على أيه يا حبيبي...مالك يا قلب ماما
-أصل ..خالو محمد صعبان عليا
تنفست الصعداء وبدأت بمسح عبراته بكف
يدها
-صعبان علينا كلنا لكن هنعمل أيه هي دي
الحياة يوم حلو ويوم مر ..كله بيعدي
74
ماتقلقش خالو محمد قوي
-لكن هو مالوش ذنب
-عارفة حبيبي ..خالتي هللا يرحمها بقى محدش
عارف أسبابها
ً
قامت من جواره تنشد هروبا وقد غص حلقها
والعبرات تهدد بالسقوط ..ولكنها توقفت بل
توقف الزمن وهي تستمع لكلماته
-و ال تيتا كمان ليها ذنب
عادت أدراجها تجلس جواره دون كلمة واحدة
ً
تنتظر تفسيرا
والتفسير صادم ..صادم لها كأم ..كأنسانة...
تفسير وضعها في حمم باطن ألارض وأغلق
عليها
75
-أنت اللي....
-القيته على السلم أخدته بس كنت رايح
الدرس قولت ملا أرجع هرجعه..
ً
أنفجر بالبكاء مجددا وهي مازالت تتصنع
الهدوء وهي ترى عالمات الخوف جلية على
وجهه
-ومارجعتوش ليه؟
-فكرت أخده أبيعه وأروح مع أصحابي الرحلة
و أصرف براحتي و ...ماما صدقيني كان مجرد
تفكير وبعدها قولت هرجعه خفت يفكروا أني
أخدته
وماحدث بعدها هو مجرد تفكير طفل مرتعب
خاف أن يلقيه بأي مكان
76
فيعثر عليه أحدهم فيضيع لألبد
فكانت علبة الحاجة تحية هي ألاقرب ليده وهو
يناولها الدواء
مرضها وتوالي ألاحداث كان أكبر من أستيعابه
وكلمات محمد اليوم أيقظت شعوره بالذنب
-ماما أنا....
توقف تنظر إليه ذاهلة أتجهت نحو غرفتها
جلست على فراشها شاحبة الوجه العينين
شاخصتين في الفراغ
زوجها يوجه لها الكالم دون أن تعي ما يقول
أضطر معه أن يهزها بقوة علها تفيق القلق
ً
أحتل كيانه فهو لم يرها أبدا بتلك الحالة من
قبل
77
-راجية ردي عليا في أيه
رفعت رأسها تتطلع إليه كأنها تراه ألول مرة لم
تتفوه بكلمة وال يطرف لها جفن باردة كالثلج
شاحبة كاملوتى
بصعوبة بدأت تمتم بكلمات كأنها الهزيان لم
يتبين منها سوى القليل
-باسم سرق...أل...أل ...هو غلط...مش عارفة
عمل كدا ليه ...ياحبيبي هو خايف ..أنا
معرفتش..ومحمد
بدأت ألانهيار والبكاء أرتمت بين ذراعيه ترتعد
ضائعة ..خائفة تبحث عن أمانها بين ذراعيه
لم يتبين كلماتها بوضوح أو هو تبين ولكن في
ً
مرحلة ألانكار مثلها تماما
78
وضعها بالفراش دثرها باألغطية علها تهدأ لم
ً ً
يسأل مجددا لم يطلب تفسيرا يخش ى ما
ستقوله
يخش ى املواجهة..تجنبها طيلة حياته
تذهب في نوم عميق ..عادتها في الهروب جلس
جوارها ينتظر ال يعلم ما ينتظره
أينتظر أستيقاظها أم ينتظر ما ستقوله أم هو
كعادته عاجز وينتظر منها حل مشكالته
هو يخش ى حتى الذهاب لغرفة أبنه ليعلم ما
بها
يخش ي أن ما سيقوله لن يكون له رد
79
الفصل الرابع
80
ربت رأسها بحنو
ً
-مش عارف يا راجية ..أتعودت أنك دايما
بتطمنيني أول مرة أحس بالعجز
أمسكت يده بقوة ..حيرتها ضياعها لن تجد
تحك له ما حدث ...كعادتها
سواه يمكن أن ِ
ربما ستجد حل مشكلتها مجرد أن تخبره بها ..
ستجد الدعم والقوة سينتشلها من هوة
الضياع سيضع قدمها على أول الطريق
ولكن سفينته غرقت جوارها والحيرة أحتلت
كيانهم
ً
ليلة لم يعرف النوم طريقا لجفونهم املثقلة
ً
كال منهم يتطلع لألخر عله يجد لديه الحل
81
-املوضوع دا محدش يعرف بيه ..باسم
هيتعاقب ..لكن يفضل سر بيننا
-ومحمد وبيته اللي هيتخرب
-وال هيتخرب وال حاجة هو يجمد شوية وهي
هتقبل وتعيش
-وخالتي وبرائتها؟
-وأبنك ومستقبله؟
-وعقاب ربنا
-ربنا تجاوز لنا عن ألاكراه
-ومن يكتم شهادة!....
-عايزة تقولى اللي حصل! ..عايزة تشوفي الكل
وهو بيبعد عنك وعن والدك..مستنية ملا تقولي
الكل هيصقف لك على شجاعتك
82
محمد وأخواته أول ناس هيبقوا خايفين
يدخلوا أبنك بيوتهم ..لو حاجة ضاعت
ً
هيبصلوه دايما بشك
فكرت في أبنك لو املوضوع وصل املدرسة
ِ
وأكيد هيوصل مش هنقدر نعيش ومعندناش
بديل
-دا طفل مين ممكن يحاسبه
-الكل هيحاسبه ويحاسبنا معاه ..هيدوسوا
أنت في بلد صغيرة
علينا ِ
ً
الكلمات رغم قسوتها حقيقية تماما ..بيدها
ستقض ي على مستقبل أبنها ربما لألبد
حزينة كعادتها حينما تزورها في منامها الذي
بالكاد تغفو في يومها لبضع دقائق
83
تهديدات زوجها بالعواقب تقض ي مضجعها
"ماتقسيش على اللي منك"
كانت أخر كلماتها لها وصيتها التي لم تعرف
كيف تفسرها
هل كانت تعلم ؟ هل كانت توصيها بالصمت!
الجحيم الذي تحياه ألان أشد وطأة مما
توعدها به
هي على يقين سيتفهم الجميع
ليسوا مجرد أوالد خالة ولكنهم السند والعون
ً
لها دائما في كل محنة
وأتخذت قرارها رغم كل العواقب
رغم كل الخوف والرهبة التي شعرت بها
دون علمه فلتبقيه طي الكتمان
84
ً
ربما لن يعلم أبدا
كانت تظنها سهلة ..سهولة حديثها الدائم معهم
..موضع أسرارها ومحل ثقتها
الجميع يتطلع نحوها ..ينتظر ملعرفة سبب
جمعتهم
مشيرة نافذة الصبر والبقية بين ترقب و خوف
مما ستقول
التوقعات برحيلها عن املنزل جعلت قلوبهن
ً ً
تخفق عاليا وكال منهن بدأت تحضر لهجومها
عليها علها تمنعها من املغادرة
أنت جمعتينا علشان تسكتي
-مش فاهمة ِ
وال مفروض نخمن ِ
أنت عايزة أيه؟
85
النظرات الساخطة من الجميع نحوها لم
ً
تعيرها أهتماما فهي أعتادتها
لتقاطع ثريا الصمت والتكهنات الدائرة في
مخيلة الجميع
-مالك يا راجية قولي حبيبتي وشك أصفر
وعينك زايغة هتقولي ملين غيرنا
تبحث عن الكلمات فال تجد ما تقوله وال كيف
ستبدأ ..تفكر في التراجع ألف مرة وتعود
للتطلع لصورة خالتها فتستجمع قواها تحاول
أن تجلي صوتها فتخرج الكلمات
-أنا كنت طالعة على السلم ..أل كنت نازلة
وبعدين....
86
توقفت ال تعلم كيف تكمل ما أنتوته ليظلم
وجه محمد
أنت عايزة تمش ي من البيت يا راجية
ِ -
أنسابت دمعة على وجهها
-أمش ي أروح فين!
بنفاذ صبر:
-أمال في أيه؟
الصمت يلف الجميع فقد توقفت مخيلتهم عن
العمل أغمضت عينيها أستجمعت شجاعتها
الهاربة مرة أخرى
-شهيرة أنا اللي القيت الكوليه على السلم
ونسيت وحطيته في علبة ماما تحية
87
توقفت تلتقط أنفاسها ران الصمت على
الجميع حتى مشيرة تطلعت لها في البداية
بدهشة ثم نهضت وبلهجة ساخرة
-ههههههه أيه التمثلية الخايبة دي....
نظرت ملحمد بأتهام
-أاااااه علشان كدا كل يوم عندهم بترتبوا
للفيلم الهابط دا ..
محمد ريح نفسك حياتنا مش هترجع إال لو
سبت البيت دا
ألتفتت لتغادر فسابقتها راجية تلتقط
املصحف الكبير من مكانه
-مشيرة أقسم باهلل أن خالتي ما كانت تعرف أن
الكوليه في علبتها ومحمد أول مرة يسمع الكالم
دا
88
وضعت املصحف مكانه وهي ترتجف والعيون
ً
محدقة بها اللهجة صادقة ومشيرة تعلم يقينا
ألان أنها صادقة
ولكن مالذي بيدها تفعله ألان توافق أنها
وجدته ونست كذبة حمقاء ال يصدقها طفل
صغير
هو أول من خرج من بئر الحيرة الذي وضعتهم
به راجية بنبرة عالية وهجوم
أنت حلفتي أن أمي
-أنا مش مصدق الكالم دا ِ
عملت
ِ أنت اللي
ما تعرفش لكن ماحلفتيش أن ِ
كدا
-يا سالم مش مصدق ..ملا أختك وفاء قالت
أن أنا اللي حطتيه علشان أمش ي من البيت
ما سمعتش أنك أعترضت
89
-مشيرة مش وقته الكالم دا ..راجية أنا عايز
معاك لوحدنا
ِ أتكلم
نظر للجميع نظرة محذرة
-الكالم دا ما يطلعش برا وال حتى ألوالدكم
جحيم أشتعل بها وهو ينسحب براجية للغرفة
املجاورة ال يصدق ..يبحث عن برائتها ..يريد
أن تظل النقية ..مكتملة الصفات ال يشوبها
جرمها ..أختياره ألاول
أندفعت نحو حجرتها يتأكلها الغضب ..تبحث
عن وسيلة ألنتقامها
كل السبل تؤدي لخسارة محمد وهي تفعل
املستحيل للخروج به من هذا املنزل
تعلم أنه لن يتخلى عنها فليس لها سواه
90
فتزيد الضغط وحين أعتقدت أنه الن
وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من حلمها ها
ً
هي راجية تظهر بقصتها التي لم يصدقها أيا
منهم
*************
يتجنب النظر أليها والكالم معها منذ ليلة أمس
سمع وفاء وهي تلومها على أعترافها
هي وصلت ملا تريد ما بين مصدق ورافض
ألعترافها هي مرتاحة الضمير أبنها بمنأى عن أي
أتهام
وأبرأت ذمة خالتها
وجالل طبعه الهاديء املسالم لن يستطيع
معها أن يظل على خصامه
91
ً ً
نوما متقطعا وراحة لن تجدها قبل أن يعود
كل ش يء كما كان
وصباح أقبل بالتصميم على أنهاء كل ش يء
وحان وقت العقاب ألبنها ومهمة أخيرة
طرقات على باب مشيرة بعد أنصراف محمد
لعمله
ترسم أبتسامة مترددة على وجهها وألاخرى
ً
تنظر لها شذرا
-تسمحيلي أدخل؟
أبتعدت عن الباب دون كلمة واحدة وجلست
ً
تضع ساقا فوق ألاخرى بكبرياء ..تجلس راجية
جوارها بهدوء
تلتقط أنفاسها بصعوبة
92
تتأمل وجه مشيرة وقسماته القاسية
-أنا عارفة أني غلطانة في حقك جيت أعتذر
-أووه ميرس ي لذوقك في حاجة تاني
تجاهلت طريقتها املهينة في الحديث
-أنا حطيته فى علبة خالتي خفت يضيع
ونسيت تعب خالتي و...
بأبتسامة ساخرة:
-ملا كانوا بيقولوا راجية ما بتعرفش تكذب
مكنتش بصدقهم
نهضت تواجهها بقامتها الفارعة
أنزوت في مقعدها شعرت معها بأنها تضائلت
أكثر وهي تصرخ بها
93
-وشك واضح عليه الكذب ..أقولك أنا
الحقيقة ..لقيتي الكوليه حاولتي تبيعيه
ماعرفتيش ..مين في بلدكم كلها معاه تمنه
رجعتي زي الخايبة ترجعيه
أنت خايبة للدرجة وال كان قصدكبس هو ِ
بتمثل
ِ كنت
أالقيه ونرجع نقع في بعض تاني ِ ..
أنك فرحانة ألن عالقتنا بقت كويسة ..
خبث ومكر كنت عارفة من البداية وش املالك
دا وراه حاجة
-أحلفلك.....
ً
رفعت عينيها تواجه مشيرة ولكنها بدال من ذلك
أصطدمت بعيني أمرأة أخرى ..تقف في أقص ى
ركن الغرفة تستمع
94
ً
أمرأة لن تكتفي أبدا بما سمعته ولن تبقي ما
ً ً
سمعته سرا أبدا
تتبعت مشيرة نظرتها املرتعبة لتجد فتحية
أبتسمت ساخرة وعادت لجلستها
أنت أسفة وأنا ما قبلتش
-من غير حلفان ِ
أسفك أتفضلي بقى
لثوان شعرت باألس ى لخطوات راجية ولكنها
عادت تنهر نفسها فهي عاشت نفس ألاحساس
من قبل ولم ترحمها
ً
وألاهم أن أسطورة راجية ستتحطم أخيرا
ً
ففتحية ستقوم باملطلوب تماما
***********
95
كيف يمكن أن يتبدل الحال بين ليلة وضحاها
من أسرة لها أحترامها وتوقيرها بالبلدة
لنظرات إتهام طالت الجميع
فاألم املربية الفاضلة
متهمة بالسرقة ومن أقرب الناس لها
أنتشر الخبر كالنار في الهشيم
الكل يعلم
الكل صنع قصته الخاصة
عن أنتقام من زوجة ألاخ حتى الشقيقات
أصبحن مشتركات في الجريمة
وأضعف ألاقوال هو كيد النساء
96
كرة رماد قذفتها زوجته بقوة ومع أشتداد الريح
عادت
بل لم تغادر مكانها
هي فقط أرتدت في وجوههم
لوثت الجميع ..أعمت أعينهم
زكمت بها أنوفهم
أحتلت مالمحهم مرارتها
كانت كعلقم
وشذراتها أحرقت املتبقي
ً ٌ ً
تركت ندوبا بأرواحهم لن تمحى أبدا
97
ً
ورشة املدرسة الصناعية والطلبة كال يجد ما
يشغله بينما هو غائب بعقله ينتظر ألاسوء
فكل يوم يمر يزداد عزلة
ً
وراجية تزداد شحوبا
خرج من أفكاره على صوت طالب لديه يطلب
منه شرح ألستخدام ماكينة الخراطة
-أااه
جرح يده دون قصد ينظر لقطرات الدم وهي
تسيل
يبحث عن ما يطبب به جرحه فلم يجد
يهرع الطالب فيحضر له ألاسعافات الالزمة
يميل على أذنيه بعد أن أنتهى
-على فكرة يا أستاذ جالل الواد محسن سرق
98
مفك من الورشة وحطه في شنطته
-أنت شوفته؟
-أه وهللا يا أستاذ
-لو طلعت بتكذب هخصم منك 01درجات
أتجه نحو الطالب وطلب حقيبته وبالفعل
أخرجه من الحقيبة
-أنت بتسرق مدرستك اللي بتعلمك بكرة تيجي
ومعاك ولي أمرك
بسمة جانبية ساخرة ولهجة متهكمة:
-خالص بقى يا أستاذ مالوش الزمة
-طيب علشان طريقتك دي هحولك لناظر
املدرسة وكمان هسقطك في مادتي
99
بوقاحته بطريقة موحية:
-كل دا علشان مفك أمال لو سرقت علبة
دهب و أملاظ كنت هتعمل فيا أيه؟
توقف وهو ينظر له بينما ألتف الطلبة حول
زميلهم النظرات ساخرة ..نظرات أدانة ..
ً
نظرات يعرف معناها جيدا ...
ً
عاد صامتا كعادته في الفترة ألاخيرة
لم يعاتبها على ما قالته ..لم يعترض بالكلمات
رفض تناول الطعام ..وأغلق باب حجرته دونها
هو ال يعاقبها على قوتها
ولكن يعاقب نفسه على ضعفه
ً
لم يستطع يوما أن يواجه و ال يجد حل مشكلة
100
راجية هي من تستطيع ..
راجية هي من تقدر
هو فقط حمل زائد ...
ً
ألول مرة يتخذ قرارا دون الرجوع أليها
جمع مالبسه القليلة بعد أنصرافها لعملها
ورحل
رحل دون تبرير...
رحل دون أن يتعلق به صغار وزوجة مطالبين
بالبقاء
بقاء لن يتحمله
لن يقدم حماية وال أن يقف في وجه الجميع
وال حتى أضعف ألايمان توفير مكان بديل
للهروب والبدء من جديد
101
ً ً ً
فليرحل وحيدا قبل أن يصبح عبأ أضافيا عليها
فما بين قوتها وشجاعتها وضعفه
مات الكثير......
************
" سامحيني يا راجية أنا مش بنفس قوتك وال
قادر أتحمل أعيش كدا بحلك من أي وعد أو
ألتزام ناحيتي لحد ما أقدر أرجع بمكان يبعدنا
عن كل دا
أو تالقي الحل ألاسرع حد يقدر يحميكي"
تهاوت في مقعدها وهي تقرأ لكلمات القليلة
لم يهزمها كل ما مرت به
ولكن جالل هزمها
102
نست أن محمد يقف أمامها
فأنهارت وتساقطت عبراتها
تخلى عنها في الوقت الذي تحتاج مساندته
لم تطلب الكثير
فقط بعض الدعم حتى يمر كل هذا
حتى يجد الجميع قصة جديدة
كانت تعلم أنه سيمر
من القسوة أن يتخلى عنها بعد أن تخلت بنات
خالتها عنها
فقد طالتهن ألاتهامات معها
أشارت بالورقة ملحمد الذي قرأ سطورها
القليلة بسرعة
103
لم يكن يدري كيف يخبرها بما يحمله لها
-راجية ..جالل بعت معايا قسيمة الطالق
ً
تطلعت له كأنها لم تصنع فارقا
هي فقط كلمة النهاية
بصوت واهن:
-ممكن تتفضل أنت
وأنت كدا
-مش هسيبك ِ
-أنا كويسة
-راجية كفاية هروب بقى ..مش ِ
أنت اللي
لت كدا ومش عايزة تقولي الحقيقة
عم ِ
-أيوا يا خالو مش ماما اللي عملت كدا أنا اللي
عملت
-باسم أخرس وأدخل جوا
104
بصوت باك:
-ال يا ماما كله الزم يعرف أنا هقول للناس كلها
ضمته أليها بقوة
-ال يا قلب ماما ماتقولش حاجة خالص ..
خالص كل حاجة هتبقى كويسة
تطلع نحو محمد الذي ضمه أليه بدوره كلمات
مهدئة مطمئنة ونظرة صارمة لراجية بمجرد
أنصرافه
قولت أنا كنت هتصرف
-ليه ما جتيش ِ
-كنت هتعمل أيه هترجع لخالتي برائتها أزاي..
خالتي برائتها كان الزم ترجع قدام الكل..
كان الزم ترجع أنت ومشيرة
-كنت هتصرف هنسأل شيخ ..هقنع مشيرة ..
هعمل أي حاجة
105
-كنت أقنعتها الشهور اللي فاتت ..مشيرة عمرها
ماهتقبل كالم كان الزم حاجة حقيقية قدامها
..صدقني لو كنت قولت باسم مكنتش
هتصدق
-يا راجية....
أوقفته بيدها:
-اللي حصل حصل ..وصدقني أنا ضميري مرتاح
وكل دا هيعدي
ً
وقف حائرا ال يعرف ماذا يفعل حتى املساندة
ال يستطيعها
كيف يكمم ألافواه ..كيف يمنع نظرات الهمز
واللمز
106
هو يعلم مجتمع النساء بقريته ويعلم أنها تالقي
الكثير
حتى شقيقاته لم يسلمن والكتهن ألالسنة
ومنعهن أزواجهن من زيارة راجية أو الحديث
معها
ً
حتى وفاء ألاشد دفاعا عنها توقفت عن زيارتها
هوة ساحقة سقط بها ال يعرف كيف يخرج
منها والبقية تتعلق بقدمه زوجته التي ترى أن
لها كل الحق في أنتقامها
راجية التي تحملت فوق طاقتها كان يمكن أن
تصمت لألبد ولن يعلم أحد
هي فقط قررت أن تنقذ حياته تبريء ساحة
والدته
107
ً
بينما هو يقف عاجزا عن سحبها من القاع
وزوج هارب من املواجهة
ألول مرة يرى نظرة ألانكسار في عينيها تقتله وال
يستطيع الدفاع عنها
بل يستطيع سينس ى الجميع مع الوقت فقط
ً ً
سيتذكرون شيئا واحدا أنها زوجته
-تتجوزيني يا راجية؟
تطلعت نحوه بدهشة في البداية كأنها أخطأت
السمع
أغمضت عينيها بقوة:
تشعر باملهانة في داخلها
أصبحت تدعو للرثاء حتى محمد يطلب منها
ً
زواجا ال يريده
108
ً ً
ألتقطت نفسا عميقا:
-أنزل بيتك يا محمد ..مفيش واحد بيتجوز
أخته
-جوازنا هيخرس الكل أكبر دليل على براءتك
-ماتشغلش بالك شوية وهيسكتوا
ً
سقطت عينيها على كلمات الرسالة مجددا
-عايز تساعدني؟
-مستعد ألي حاجة
-أشتري شقتي وسبني أسافر أرجع القاهرة تاني
-مستحيل
-دا الحل الوحيد
-مش هسيبك تعيش ي لوحدك وال ..
109
-مش هبقى لوحدي جوزي ووالدي هيبقوا
معايا
-جوزك!! دا سابك دا جبان..
ً
رفعت أصبعا محذرة
-جالل أطيب وأحن راجل في الدنيا وهيرجع
أستطردت قبل أن يعترض
-من فضلك أنا أخترت حياتي ..أشتري الشقة
أو سيبني أبيعها دي املساعدة الوحيدة اللي
محتاجاها منك
الغضب سيطر عليه
-مش هيحصل يا راجية ..مش هيحصل
ً
صفع الباب وخرج غاضبا
110
ماهذا ألارث الثقيل؟
تحيطه النساء من كل جانب
عاطفة تحركهن دون عقل أو منطق
لو فقط لم تتشبث راجية بمنطقها أو تخلت
مشيرة عن غيرتها الحمقاء
أيتخلى هو عن الجميع وينس ى وصية والدته ..
ينتقل للحياة في املدينة يبتعد عن القيال
والقال
ولكن كيف هو جذوره تمتد في هذه القرية
سافر أبتعد ولكنه لم يجد مكان يحتضنه كما
يجد هذا هنا
رغم املساويء فهنا أصله و أهله
كل هذا سينتهي
111
إن وقع له أو لعائلته مكروه سيجد الجميع
جواره
زفرة حانقة وهو يجدها تقف أمامه ونظرات
الغضب تطل من عينيها
-كنت عندها بتعمل أيه؟ بتدور على برائتها ..
عايز تبرأها وخالص حتى لو على حسابي
صعبانة عليك أوي
أقترب منها وأمسك ذراعها بقسوة أملتها
عليك أن أمي
-عارفة يا مشيرة اللي مصبرني ِ
عليك
وصتني ِ
بعد عملتك السودا دي كان أول حاجة الزم
ً
أعملها أطلقك وكان هيبقى رد مناسب جدا
والكل هيقول محروقة من الطالق وبتكذب...
112
شوفتي برائتها سهلة أزاي
أفلت ذراعها وأتجه نحو غرفته ثم توقف
-راجية أطلقت يارب تكوني مبسوطة
أسقط في يدها ...الذهول ومالمح الصدمة
أحتلت مالمحها وهو ينسحب
لم تتصور أن ألامور ستصل لهذا الحد ..كل
ما أرادته أن تجعل الجميع يراها على حقيقتها
كل ما أرادته أحساس بالتفوق عليها
هي بكل جمالها وسطوتها السابقة على القلوب
ً ً
في محيطها كانت دائما أمام راجية مواطنا من
الدرجة الثانية
ألانبهار الذي كانت تنشده في حديث الجميع
عنها لم تجده
113
ً ً
بل كان أنبهارا حقيقيا من الجميع براجية كيف
توازن بين بيتها وعملها ورعاية خالتها
واملجامالت و ...و...
والكثير ..الكثير
ملاذا وضعها الجميع بتلك املقارنة السخيفة
معها؟
أو ربما هي من وضعت نفسها غيرة حمقاء
أحتلتها
هي دمرت حياتها ..بداخلها يقين بأن راجية
ليست لصة
ولكن أختالقها ملا حدث ال ٌيقنع طفل صغير
دمرت حياتها ..بندم حقيقي من داخلها كيف
تعيد لها حياتها
114
نعم هي تعمدت أن يعرف الجميع ولكن لم
تعتقد للحظة أن تصل ألامور لهذا الحد
يتأكلها شعور الندم ألول مرة تدرك فداحة ما
فعلت
ليعود شيطانها ويتصاعد غضبها مرة أخرى
راجية ألان متاحة ..ألاختيار ألاول ..أختيار
العقل
فالقلب ثبت فشله ..ال هو مازال يحبها لم يتخل
عنها بعد كل ما فعلت ..تعلم قوة حبه لها
ولكن....
هي ألان متاحة لرجل تحركه حميته ملن حوله
من النساء
115
الفصل الخامس و ألاخير
116
أغمضت عينيها تحاول التماسك أمام صغارها
تذهب لعملها كل يوم
تواجه التلميحات والنظرات املترصدة بأبتسامة
ذابلة
تزرع في قلوب صغارها ألامل كل يوم
تدعو هللا أال يتلوث نقاؤهم بشرور من حولهم
تحتمل وتحاول التماسك قدر ألامكان
بداخلها حنين لزوج كان يحتوي كل هذا
ً
ولكن غضبها منه يتصاعد يوما بعد يوم
تعلم أنه يجبن عن مواجهتها
أحبته وما زالت رغم ضعفه ..لين طبع رفضه
الجميع في البداية
117
ولكنه كان من تريد هي ال تحتمل زوج كمحمد
ألامر الناهي
ولكن حدث ماحذرها منه الجميع
تخلى عنها حين فاق ألامر قدرته
تعلم أنه سيعود ..
ولكن هل ستعود معه !...؟
قامت بوهن تصارع أفكارها تستجمع قواها
تبحث عن ألهاء داخل مطبخها
تحضر وجبة لصغارها تبحث عن مكوناتها التي
ال تعرفها
تستفيق على صوت صفع الباب
تخرج لترى باسم يسرع نحو غرفته
ممزق املالبس ..أشعث الشعر يعلوه الغبار
118
أسرعت نحوه لترى ما به
هالها ما رأت من الجروح وأثار ألاظافر تغطي
وجهه شفاه دامية ونظرات شوهها الخذالن
تضمه لصدرها بقوة تتسائل عما به وهي تعلم
ً
ألاجابة جيدا
تعلمها من خبرات سابقة
أو تعلمها بقلبها فأبنها الهاديء كوالده لن
ينفعل إال لسبب جلل
يتصنع القوة يكبح عبراته طيلة الطريق ولكنها
سقطت ما إن ضمته والدته
ربما عليها أن تجعله يتوقف عن كونه لين ..
ربما عليه أن يدرك حقائق الحياة
قليل من قسوتها وقوتها قد يخلق بداخله قوة
119
-أنا مش رايح املدرسة تاني
أمسكت به من كتفيه بقوة:
-طول عمرك بتحاول تبقى راجل عارف يعني
أيه راجل ..راجل يعني قوة ..يعني مواجهة..
يعني يقف في وش الكل طاملا الحق معاه
-دول بيقولوا...
-مهما يقولوا أنت عارف الحقيقة أنت أقوى
منهم أنت راجل يا باسم راجل بيستحمل
ً
أشاح بوجهه و أنهار باكيا
أنت السبب
-أنا السبب أنا...ال ِ
كان الزم تسمعي كالم بابا
كان الزم ماتقوليش كان مفيش حاجة حصلت
120
عادت لتمسك به بقوة
-كان في ربنا هيحاسبنا هيجي يوم وحد يتهمنا
أننا سرقنا هنبقى متهمين من غير مانعمل
حاجة ..كل كلمة وكل حق صاحبه عاجز يرده
ربنا بيرجعه ...
أنت غلطت وكلنا بنغلط أخدت عقابك وأنا
كمان أختارت أخد عقابي
ألن كان الزم أكون أقرب من كدا منك ..كان
الزم أعرف أمتى التطلع لغيرك دخل دماغك
-أحنا خسرنا كل حاجة حتى بابا سابنا
-بابا محتاج وقت يبعد وهيرجع
أبتسمت أمام مالمحه الغاضبة غضب أصبح
موجه نحوها
121
ربما هذا ما سيحطمها بالفعل نظرات باسم
اليوم وسيف باألمس حتى الصغيرة نورا التي
بالكاد أكملت السادسة من عمرها تسألها
ببراءة
"يعني أيه حرامية"
زفرت الهواء من صدرها بقوة ونهضت من جوار
أبنها
ألتقطت وشاحها وأتجهت صوب الباب بنظرة
ً
لم يرها مخلوقا من قبل في عينيها ..خطوات
غاضبة ووجهة محددة وهدف لن تحيد عنه
ً
ربما أن ألاوان وعليها أن تجد للجميع حديثا
ً
أخرا
***********
122
الحب هو رجل و إمرأة يتقنان الجنون هي
أنوثتها طاغية
وهو رجولته قاتلة
تتذكر حين سمعت تلك املقولة بعد معرفتها
ً
بمحمد بمدة قصيرة أنها ناسبتهم تماما هو
الرجل القوي الذي جعلها الترى سواه
وهي......تقف تتأمل نفسها باملرآة تنظر
ً
ملنحنياتها التي زادت جماال وفتنة بعد الحمل
وألانجاب قميص وردي شفاف وعطر نفاذ
ربما ليس الطريق ألامثل ملحمد ولكنه سد
أمامها كافة الطرق للصلح تمسك بحالة
الرفض التي أعلنتها ..
أعتذرت ..طلبت الصفح مرات عديدة ولكنه
بقى على صمته تباعده
123
ولكن ربما يناسبه الدالل الليلة نظرة عينيه لها
بها شوق لم ينجح في أخفائه قبل أن تراه
ً
يداعب صغاره ويرفع صغيرتهما عاليا بفرحة
قلب أب يسمع ألول مرة كلمة "بابا" منها يزيد
ً
فداللها دونا عن شقيقيها
يسحب الصغيرة من مهدها لتنام جواره ليلة
بعد ليلة وهي ال تملك أن تعترض
ربما أصبحت الصغيرة عزاؤه الوحيد طيلة فترة
خصامهما
رأته بوضوح ..بفراسة أنثى تعلم متى يلين
زوجها ربما أن ألاوان بدك حصونه بقوة
فهناك في الحصن برزت نقطة ضعف
124
أبتسمت لنفسها مرة أخيرة وأطمئنت على نوم
صغيرتها
كانت على حق نس ى أو تناس ى أن يغلق الباب
تعلم أنه ينتظرها وهي لم تتأخر
حجرة والدته التي نقل أليها كل أمتعته
فتحت الباب ووقفت خلفه تتطلع نحوه وقد
عبأ دخان سجائره الغرفة
ً ً
أصطنعت سعاال خفيفا وهي تقترب منه
-حد يعمل في نفسه كدا كل دا دخان
-روحي على أوضتك يا مشيرة
ً
الصوت الهاديء أختلف كثيرا عن الصوت
الغاضب أو الالمبالي الذي كان يحادثها به طيلة
الفترة السابقة
125
شجعها أكثر على ألاقتراب جلست جواره
ووضعت يدها على ظهره بصوت هامس
-وحشتني
شعرت بثقل أنفاسه وتصلب جسده تحت
ً
أصابعها لثوان لكنه أنتفض واقفا وأبتعد
ألقص ى الغرفة
-عايزة أيه يا مشيرة شايفاني أهبل وبريالة
هتضحكي عليه بقميص نوم
أقتربت منه مرة أخرى بخطوات بطيئة ونظرة
مشجعة ال تحيد عن عينيه
-أل يا محمد أنا حسيت أنك محتاج لي ندهت
لي حسيت بيك فجيت
-ها ببساطة كدا! والخراب اللي سببتيه
126
وقفت على أطراف أصابعها لتضع قبلة خفيفة
على ذقنه
-أصلحه ..قولي أصلحه أزاي وأنا أصلحه
ً
وضع يده يبعدها قليال
-أخواتي ..تروحي لكل واحدة فيهم بيتها في النهار
تاخدي زيارة
ً
أزاحت يده جانبا
-وأعزمهم على الغدا كمان
-وراجية!
ً
توقفت وظهر الغضب جليا على وجهها
-مالها راجية مفروض أروح لها هي كمان!!..
ً ً
توقفت فهي ال تبغي جدالا جديدا
127
ً
هي تريد عودة وهو مهيأ لها تماما
-ممكن تعزمها يا محمد وأوعدك هبقى ظريفة
معاها لكن أوعى تطلب مني أعتذار أو...
توقفت على صوت الطرقات العالية ورنين
الجرس املتواصل هرع بتوجس للخارج ليجد
راجية تقف بالباب
-راجية خير في أيه
-أنا أسفة يا محمد عارفة أنك بتنام الضهر
لكن....
تتطلع ملشيرة التي وقفت متخصرة ببهائها
بقميصها الشفاف برونق من أعتادت حياة
الرفاهية
ببساطة أستعادت حياتها ..أستعادت زوجها
128
ٌ
غافلين عن الحياة التى دمرت
نسيت كل ما كانت تنوي قوله تحولت نظراتها
من الخجل وألارتباك لنظرات مشتعلة قاسية
كتفت ذراعيها أمام صدرها وواجهت مشيرة
بقوة
-محمد لو لسه عايز تتجوزني أنا موافقة
توقف الزمن توقفت الحياة من حولهما هي
ً
أتت في الوقت املناسب تماما وقت كانت على
أستعداد للتنازل حتى عن كرامتها ألجله
ً
وهاهو قد تجاهلها تماما
تجاهل كل ما ربط بينهما
كل ما تعاهدا عليه
129
ووقفت هي هناك كعادتها كأنها صاحبة املنزل
ولكن تغيرت نظرتها ..تبدلت نظرة البراءة
ألخرى قوية متحجرة
ليست هي
إمرأة أخرى أكثر شراسة
-أدخلي يا راجية أحنا لسه كنا بنتكلم
ومشيرة...
-أيه غيرت رأيك ..هتعمل أيه هتعتذر! ألاعتذار
مبقاش كفاية يا محمد
ً
حاولت املقاومة ولكن رغما عنها تساقطت
عبراتها
-مراتك دمرتني ..ودمرت حياتي وسكت قولت
بكرة تعرف أن اللي حصل مجرد غلطة
130
لكن اللي يجي جنب والدي....
-والدك!! مالهم والدك يا راجية
-مش من حق حد يسأل عليهم ..محمد قدامك
حل من أتنين يا تشتري شقتي وتسبوني أمش ي
من هنا يا تتجوزني وتثبت للناس كلها غلطهم
ً
أخيرا أستطاعت النطق بلهجة ساخرة
-وكدا الناس هتبطل كالم عنك
-أل كدا الناس هتالقي موضوع جديد تتكلم فيه
وبدل ما أبقى حرامية هبقى خطافة رجالة
ربما عرض عليها ألامر بالفعل ولكنه كان
ً
متأكدا أنها سترفض ولكن هاهي تضعه أمام
أمرواقع
ً
أمر ربما لم يضعه في الحسبان أبدا
131
أنت بتقو ِل أيه
أنت مش عارفة ِ
-راجية ِ
-عمري ما كنت عارفة قد النهاردة ..عدتي
قدامها شهر وتخلص شهر تجيلي والحل معاك
ً
أشتعلت أكثر وهي تراه مستسلما ملا تقول كأنها
أصبحت بالفعل سيدة املنزل لم يعترض فقط
ً
يقف هناك جامدا
-يا سالم ولو معملش حاجة منهم هتعملي أيه؟
نظرت لها بسخرية
-تبقي معرفتيش محمد
ً
أنصرفت وتركتها في دوامة ..بل هي تعرفه جيدا
-محمد أتكلم قول حاجة أنت طلبت تتجوزها
ً
فعال
132
صرخت بقوة:
-أنت هتجنني ساكت ليه أنطق ..مارمتهاش برا
ليه
-أقول أيه ..!...مش عايزة تنتقمي من وهم في
دماغك أهو بقى حقيقة
هتجوز راجية علشان أحميها ..أحميها من
نارولعتيها ومش عارفين نطفيها
-طلقني يا محمد
أنت عمرك ما قدرتي تعيش ي
-حاضر يا مشيرة ِ
عيشتنا يمكن دا الصح من حقك تعيش ي زي
أتعودت
ِ ما
من بكرة هشوف مشتري لألرض وهوفر لك
بيك عمري ما ههينك
مكان يليق ِ
133
وال أجبرك على وضع مش عايزاه
بصوت خافت:
-بتبيعني يا محمد وأنا اللي بعت الدنيا علشانك
دوست على
ِ -أشتريتك سنين طويلة ...سنين
أهلي وكانوا هم اللي بيدورولك على عذر
أشتريت خاطرك أستحملت دلعك وكل مرة
أقول عقلت ترجعي أسوء من ألاول
أنصرف نحو غرفته ثم أستدار مرة أخرى لها
بصوت يقطر مرارة
-أنا أشتريتك سنين طويلة تعرفي تشتريني يا
مشيرة
مرة واحدة بس ...
134
تركها وحيدة وأتجه نحو غرفته وأوصد بابه
دونها هذه املرة هي لم تكن تنوي أن تتبعه
وقفت فقط تتأمل ما حولها بصدمة
تحاول فقط أن تستوعب حقيقة ما حدث
ألول مرة تشعر بفداحة تضحيتها بغباء قلبها
الذي تبعته
بعالم الترف الذي باعته لتحصل على لطمة
من عالم قاس ي أختارته بنفسها
سترحل بمنتهى البساطة ستصبح راجية سيدة
املنزل وسيدة قلب زوجها ..
تصرخ صغيرتها بفراشها فتحملها بقلب مرتجف
تضمها أليها علها ببرائتها تهديها الحل
135
ً
من يعلم ربما تنجب له صغارا وينساها وينس ى
صغارها
ً
أحبته حبا أعمى منذ اللحظة ألاولى
وال تستطيع ألابتعاد عنه وألان هو من يبعدها
ضمت صغيرتها لصدرها وحاولت أن تغفو
ً
ولكن هل يجد النوم سبيال إلى قلب متعب
ً
العقل يعمل كمرجال ضخم يموج بشتى
ألانفعاالت هي لن تستسلم ولن تترك محمد
لسواها
وضعت يدها بعفوية على قالدتها هي سبب كل
هذا تعلقها بها ..خلعتها من عنقها وألقت بها
جوارها
أحتضنت أبنتها بقوة و نامت
أو هي بالكاد غفت أو هي لم تنم
136
ً
فما رأته كان يبدو حقيقي تماما
الحاجة تحية تجلس على طرف فراشها جوار
باسم تربت رأسه بحنو تبتسم كأنها تطيب
خاطره وبينهما قالدتها نفس املكان الذي ألقت
به القالدة منذ ثوان
أنتفضت من فراشها تبحث عنها وجدت قالدتها
بالفعل مكانها
ً
هي هناك تشعر بها هل ما رأته حلما بالفعل!..
ضوء النهار املتسرب من النافذة جعلها تنهض
ً
مجددا
ترتدي مالبسها ..تعد أبنتها
تطرق باب محمد بقوة
ينظر لها بدهشة وهي مستعدة للخروج
137
تحمل أبنتها بحقيبتها
-أنا رايحة أزور أهلى هأخد أنجي معايا وألاوالد
خد بالك منهم أو وديهم عند حد من أخواتك
لو الزم تروح شغلك
-أستني هكلم السواق
هزت رأسها وأتجهت نحو باب الخروج ستقف
هذا الوقت في مدخل املنزل
ال تستطيع مواجهته ألان وال الدخول في أي
نقاش
أستوقفها
-مشيرة ...هترجعي؟
-هرجع يا محمد ..هرجع ومعايا الحل
138
أتجهت نحو الخارج قبل مزيد من النقاش قبل
أن يصر أن يعلم ماذا تنتوي
خرجت لتجد باسم تستند شقيقته الصغرى
على كتفه وهو يدفع بها الدراجة الصغيرة
هالها ما رأت وجهه من تمأله الجروح كدمة
زرقاء أحتلت عينيه ورباط ضاغط يظهر من
تحت سرواله القصير من يمكن أن يفعل هذا
بطفل
تتفهم ألان أسباب ثورة راجية هي تبحث عن
حمـاية لصغارها
توقفت وهي تتطلع نحو باسم
الذي تحاش ى النظر أليها
139
أستقلت السيارة بسرعة هي أدركت ألان ما
حدث الحكاية الغير منطقية تترابط ألان أمام
عينيها
من كان يدخل ويخرج غرفة الحاجة تحية! من
كان يناولها أدويتها و صندوق الحلوى الذي
تحتفظ به في دوالبها
من كان يمكنه أن يصدق حكاية راجية إال
عقل طفل صغير
ً
وإمرأة ال تعرف للكذب طريقا
**********
ألاختيار بين أمرين أحالهما مر
ماذا عن تمسكك بخيوط املاض ي
تأبى أن تتنازل عنها
140
ٌ
ولكن عليك أن تختار قبل أن تفرض عليك
بالقوة
صعدت الدرجات القليلة ومنحت بياناتها
للسكرتيرة لتدخل بسرعة يستقبلها شقيقها
بوجه مكفهر
-أزاي تيجي هنا مش قولت ...
أوقفته بيدها وجلست قبل مزيد من ألاعتراض
-أنا جاية ألخر مرة بعد كدا مش هأجي وال
هتشوفوني إال لو حبيتم يعني...
ألتقطت القالدة من حقيبتها ورفعتها أمامه
ً
-أنا هبيع الكوليه وطبعا أنت عارف
ممكن تجيب كام
-أيه الباشمهندس بعد مابيعك أهلك
141
هيبيعك أخر حاجة محترمة تملكيها
-من غير كالم كتير وتضييع وقت هتشتري وال
أروح لحد من اللي كانوا عايزينها أنت عارف
قيمتها كويس
-أنا مش معايا مبلغ زي دا ِ
أنت عايزة تفضحينا
و...
-أهل مراتك عندهم ولو كلمتها دلوقتي هتالقي
الفلوس عندك هي كانت هتموت عليها
-خالص سيبيهالي وأنا هشوف طريقة أمهد لها
وأقولها أزاي
-مفيش تمهيد وال طريقة أنا لو خرجت من هنا
من غير الفلوس هروح لحد يقدر قيمتها
الفعلية
142
أستقامت لتتجه نحو ألاريكة تطعم صغيرتها
أمام عينيه الغاضبة تستمع لكل ألاكاذيب التي
سردها على مسمع زوجته تتخيل عينيها
تومضان من الفرحة
-ساعة والفلوس تكون عندك ..أعملي حسابك
دا هيكون أخر اللي بيننا
ً
أرخى الليل سدوله حين أخذت السيارة مجددا
ً
طريقها نحو البلدة ..اليوم كان أكثر من مرهقا
ولكن عالقاتها القديمة ببعض الصديقات
ً
أفادتها كثيرا لتجد بغيتها بسرعة
تعود وقد أنهكها التعب حتى أنها غفت في
السيارة
صعودها الدرجات القليلة نحو مسكن راجية
-ممكن أدخل
143
كادت أن تصفع الباب بوجهها ..تصرخ بها
تخبرها أن ترحل ولكنها أبتعدت فصغارها
بالجوار
دخلت بتردد لتجلس على أقرب مقعد تتطلع
نحو الصغار وجلستهم أمام شاشة التلفاز
-باسم ممكن أطلب منك طلب..أنزل ألعب مع
أسر وعمر وقول لخالو محمد يطلع ...خد بالك
منهم
تراقب أنصراف الصغار فهي رغم كل ش يء لم
تحاول للحظة أن تخلق بينهم عداوة ومشيرة
بدورها أو محمد ال تدري فالصغار لم
ً
ينقطعوا يوما عن بعضهم البعض
144
-خير يا مشيرة ؟ أعتقد مفيش بيننا كالم يتقال
طلباتي واضحة..
-أنا كمان جاية بعرض واضح محمد يطلع بس
وهتكلم في كل حاجة
دقائق مرت ثقيلة حتى ظهر محمد في مدخل
الباب بنظرات قلقة في البداية ثم متسائلة عن
جمعتهم
وضعت صغيرتها ثم نهضت تخرج بعض
ألاوراق من حقيبتها
-دا عقد شقة تمليك ..في مكان كويس مساحة
معقولة وعلى السكن على طول أسم املشتري
لسه فاض ي وزي ما خيرتينا يا راجية ألاختيارين
أهم قدامك عقد الشقة ومحمد
145
لم تتردد لثانية واحدة أختطفت عقد الشقة
تتطلع له بحب
تلك الورقات القليلة ستعيد لها حياتها هدوئها
ً
الذي حلمت به طويال
-راجية أختارت يا محمد وأنت...
تجاهل كالمها
أنت عارفة طول عمرك زي أختي واللي
-راجية ِ
أنت متأكدة من أنك عايزة
يرضيك يرضينا ِ
ِ
تسيبي البلد
-أنا مش عايزة غير حياتي وجالل يرجع لي
-هترجعي يا راجية! أيه هتروحي تتحايلي عليه؟
-أل هو هيرجع ..أنا متأكدة أنه هيرجع وأنا
هستناه
146
وزي ما مشيرة سابت الدنيا علشان تفضل
جنبك ..حق جالل عليا أعيش في املكان اللي
يريحه وهو عمره ما أرتاح هنا
أنصرفا وبداخله ألف سؤال ومئات عالمات
ألاستفهام تدور في رأسه
أمسك بمرفقها بقوة يسحبها نحو غرفتهما
ولكنها سحبت يدها أتجهت نحو الصغار
جلست جوار باسم تربت على رأسه ضمته أليها
وقبلت جبهته بصوت هامس ال يسمعه سواهما
-باسم ..تيتا تحية بتقولك هي مش زعالنة منك
رفع رأسه نحوها فأستطردت
-أنا مش عارفة أنت كنت مزعلها في أيه
بس هي قالت لي أقولك أنها مش زعالنة
147
ودا سر بينكم مش الزم حد يعرفه
تطلع باسم نحوها وهو يبتسم أشراقة وجهه
رغم كل الجروح التي تعلوه بعثت رجفة فرح في
قلبها
-كملوا لعب يا أوالد
ً
سحبها مجددا بأستسالم تام منها هذه املرة
تشعر باألنهاك
ً
كل ماتريده فراشها ونوم عميق بعيدا عن
أستجوابه ونظراته الغاضبة
جبت فلوس الشقة منين يا مشيرة أخدتي
ِ -
أخوك
ِ فلوس من
خلعت وشاحها لتريه عنقها الخالي من قالدتها
-روحت أرجع أخر حاجة كانت ربطاني بيهم ..
148
بعتها علشان أعرفك أني شارياك ..يمكن كنت
مستنية منك تعمل كدا..تقولي هشوف لراجية
مكان ..
ً
طأطأ رأسه أرضا هو يعلم مدى تعلقها بها
تضحيتها هذه ربما تغفر لها كل ش يء أقترب منها
-ما كنتش أقدر أعمل كدا ..ما اقدرش أقولها
أتفضل برا بلدك وبيتك..راجية زيها زي أخواتي
ِ
البنات وأنا بالنسبة لها زي أخوها لو عرفتيها
عرفت أنها ال يمكن تسرق
ِ كنت
كويس ِ
وضعت يدها بينها وبينه مشاعر ألاسف تعلو
وجهها
-عرفت بس عرفت متأخر ..غلطت كتير وأنت
سامحتني ..كلكم سامحتوني..
149
لكن اللي مش ممكن أسامح فيه أنك فكرت
تتجوز واحدة غيري
أبتسم وضمها أليه فعادت لألبتعاد وبلهجة
جادة
-أنا مش بهزر ..أنا كان جوايا نار من راجية
دلوقت
ِ مجرد أنك فكرت تتجوزها قبلي ..
محتاجة أنس ى أنك كنت هتعمل كدا
قبل جبينها وأتجه نحو الباب
-أرتاحي وخدي وقتك كلنا محتاجين وقت نقدر
نسامح ونغفر ويمكن نقدر ننس ى
-محمد عايزة سلسلة ماما تحية
***********
150
الخاتمة
151
نغمض عينينا بألم حين مرور طيفها
ً ً
تستنشق نفسا عميقا فهدوء املكان حولها
يبعث على الراحة
تأتي كلما أستطاعت في الصباح الباكر وتجلس
حتى الظهيرة
بين قبري والديها فاملكان يبعث سكينة وراحة
في نفسها
ً
تحاول أن ال تلتقي بأيا كان
هي تركت هذا املكان خلفها ربما منذ شهور
قليلة ولكنها تشعر بها سنوات بعيدة
تتذكر يوم أستعدادها لألنتقال ..عودة جالل
وعقد شقة ألاسكان بيده
عودة تقبلتها بكثير من املرار
152
دموع الرجاء في عيني صغارها
نظراته املتوسلة كرهتها ..كرهت أن ينطفأ أكثر
في عينيها قبلت به
ربما تجاوزت ولكن لم تعف
تلوث قلب راجية ..أصبحت بداخله نقطة
سوداء
ً
ربما عوضها قليال منزلها الجديد أثاثه البسيط
ً
..حياة هادئة أفتقدتها طويال
ولكنها رفضت أن تترك املسكن الذي وفرته له
مشيرة
هي دفعت ثمنه من روحها
ً
هو خالصا لها سيمنحها ألامان بين جدرانه
وجالل لم يعترض
153
املهم راحتها ..
عادت ..ربما لم تعد كسابق عهدها مع جالل
ولكن من يدري فاأليام كفيلة برأب الصدع أو
ً ٌ
حتى تنبت زهورا بين شروخها تجملها
قامت لتروي نباتات الصبار حول القبرين
-أنا لسه روياهم من يومين
توقفت وهي تتطلع ملشيرة ثم عادت تجلس
مكانها ساهمة
-أيه مستغربة ..أصل أنا وماما تحية بقينا
أصحاب أوي
جلست جوارها سقطت عبرة من مقلتيها
مسحتها بسرعة
154
-ضيعت كتير من عمري بدور على راحة كانت
جنبي طول الوقت الغريب لقيت دا املكان
الوحيد اللي بالقي في راحتي
-إذا ضاقت الصدور فزوروا القبور
-علشان كدا كنت برتاح ملا بأجي هنا ..عارفة يا
راجية أنا عمر ما كان ليا أصدقاء باملعنى
ً
الفعلي لكلمة صديقة..كانت عالقات دايما
تافهة مين فينا تغيظ التانية أكتر
أنت ووفاء كنت بغير
كنت بشوف عالقتك ِ
وأقول ليه ماعنديش أصحاب زيك ..أنا غبية
عمري ما فكرت لحظة نبقى أصدقاء أكيد كنا
هنبقى قريبين أوي..
أنت بتفهمي الكل وبتسامحي الكل
ِ
كنت هتفهميني وتستحمليني
أكيد ِ
155
لم تعلق فليس هناك ما يقال هي لم تجد حتى
الطاقة للرد عليها نهضت من مكانها تشاغلت
بترتيب مالبسها
-أنا الزم أمش ي
-أنا أتغيرت ياراجية عرفت قد أيه كنت قاسية
معاك
ِ وأنانية
علي قد ما أنا حاسة أني أتولدت من جديد ..
حاسة في جدار أتبنى بيني وبين محمد مش
عارفة أتجاوزه وال أهده يمكن الجدار دا ذنبك
أنك لسه ما سامحتنيش نفس ي تسامحيني
نفس ي نبقى أصحاب ....لو جيت أزورك هتفتحي
لي الباب ..؟
-أنا مش مالك و الجرح لسه بينزف
156
ّ
خلى كل حاجة زي ماهي يا مشيرة على ألاقل
دلوقت كل ما أشوفك هفتكر كل لحظة وحشة ِ
مريت بيها بسببك ومين عارف يمكن يوم
تالقيني أنا اللي بخبط على بابك
ألتفتت لتغادر
-راجية ...هستنى اليوم دا وعارفة أنه مش
هيكون بعيد
غادرت دون كلمة وأبتسامة حزينة شوهت
مالمحها الجميلة
ً
من يدري ماذا يحدث غدا
فهي الحياة تتبدل من حال إلى حال في ثوان
ويبقى لكل منا إنكساراته وهزائمه التي تترك
بصمتها على روحه
157
ربما تمنحه النضج والقوة ولكن قد تسلبه
ألامان
هي الحياة تمنح وتسلب
والقوي فقط من يعبرها بخطوات واثقة
وقلب سليم
تمت بحمدهللا
أماني حسين
القاهرة في 2120/2/9
نبذة عن الكاتبة:
أماني طه حسين
خريجة كلية التجارة جامعة القاهرة
من محافظة القاهرة
أعمال تم نشرها إلكترونيا:
-رواية أسيرة
158
-نوفيال كي الننس ى
-رواية ذكرى
-عاشقة (قصة قصيرة)
-رواية دموع قلب
-رواية دموع عشق
-نوفيال إمرأة من ملح
-نوفيال بالعودة
-ساحرة (قصة قصيرة)
-رواية صفحات مغلقة
-حكايا ألايام (مجموعة قصص قصيرة)
-نساء خلف صفحات التاريخ
159