You are on page 1of 12

‫القراءة الناقصة‬

‫ملوقف الذهيب من ابن تيمية‬


‫عمقا من ذي قبل‪ ،‬وهو ‪-‬قَ ً‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫طعا‪ -‬ال يرادف‬ ‫إن مصطلح "القراءة" يف الفلسفات احلديثة أصبح أكرث‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مفهومه القديم الساذج‪ ،‬فقد صار ايلوم يشمل‪ :‬اإلدراك واتلذكر واالستنتاج والربط‪ ،‬ثم اتلحليل‬
‫َ‬
‫والمناقشة( )‪.‬‬
‫املتطور‪ ،‬وال َّ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ستخدم ايلوم ى‬
‫سيما عند أصحاب الشهادات األكاديمية‬ ‫لع هذا انلحو‬ ‫ومن املتوقع أن ي‬
‫العليا‪ ،‬ألن املفرتض بهم أن يكونوا مارسوها قبل اتلخرج ى‬
‫لع األقل‪.‬‬

‫أما مقومات القراءة فيه كثرية‪ ،‬وتتبع مناهج عدة‪ ،‬ولكنها تشرتك مجيعها يف أدوات ال بد منها‬
‫لضمان سالمة انلتائج ابلحثية‪.‬‬

‫من هذه األدوات‪ :‬االستقراء‪ ،‬ثم الوصف‪.‬‬


‫فأما االستقراء فهو اذلي يعطي اتلصور الاكمل دل ى‬
‫ى القارئ للمسألة املراد حبثها‪ ،‬فقد جيد يف نص أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موقف ما ال جيده يف غريه‪ ،‬فيبّي هل إشاكال‪ ،‬أو يؤكد هل احتماال‪.‬‬
‫ثم تيجء مرحلة الوصف‪ ،‬ويه مهمة ل َمعرفة حقيقة َفهم القارئ للنصوص َ‬
‫والمواقف اليت استق َرأها‪.‬‬
‫ولك أن تتخيل بعد ذلك إن اكن القارئ قد أخفق يف االستقراء والوصف ً‬
‫معا‪ ،‬فإن ما سينتجه من‬
‫معرفة ال يصلح أن يرو ى‬
‫ى إال ى‬
‫لع سبيل انلمذجة لإلخالل بمناهج القراءة انلاقدة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫أوقفين عليها أحد األصحاب ً‬ ‫ٌ‬
‫طابلا رأيي‪ ،‬ويه بعنوان‪( :‬قراءة وحتليل نلَّص‬ ‫ومن هذا القبيل مقالة‬
‫احلافظ اذلهيب يف ذكره لشيخه ابن تيمية واتلنويه به يف كتابه "بيان زغل العلم")‪ ،‬ويه مقالة كتبها‬
‫تضمن أحد نصوص‬ ‫َّ‬ ‫لع منشور كتبته قبله َ‬
‫بيومّي‪،‬‬ ‫أستاذنا الفاضل ادلكتور رياض حسّي الطايئ تعقيبًا ى‬
‫لع اإلمام ابن تيمية‪ ،‬واكن هذا ُّ‬
‫انلص جمرد مثال‪ ،‬وهو مثال مقصود بذاته‪ ،‬ولكنه‬ ‫احلافظ اذلهيب يف الالكم ى‬
‫ليس جوهر املقال‪ ،‬ألن املقال يتلكم عن بعض طرائق أهل اتلقليد واجلهالة يف العيب ى‬
‫لع أهل االجتهاد‬
‫َ‬
‫( ) ينظر‪ :‬مفهوم القراءة‪ ،‬عمر السنوي‪ ،‬شبكة األلوكة‪www.alukah.net/sharia/0/116088 :‬‬

‫‪1‬‬
‫وابلحث واملثابرة‪ .‬واكن من املتوقع أن ينشغل املطلع ى‬
‫لع املنشور بهذا اجلوهر‪ ،‬ويبيق األمثلة يف ادلرجات‬
‫اثلانوية‪ ،‬ال سيما وأن بعض املنشغلّي باملثال هم يف الواقع ممن ينارصون جوهر املقال‪ ،‬ويعيبون ى‬
‫لع أهل‬
‫جهاتلهم يف ِّ‬ ‫َ‬
‫حق إخوانهم من سائر‬ ‫َ‬ ‫لع أهل اجلهالة‬ ‫وغلوهم‪ ،‬وينكرون ى‬ ‫َّ‬ ‫اجلمود مجودهم وتعصبَهم‬
‫املشتغلّي بالعلم‪.‬‬
‫ى‬
‫املشتك‪ ،‬وعليه اتلالكن‪ ،‬وهو املستعان‪.‬‬ ‫ولكن اكن ما اكن‪ ،‬ى‬
‫فإل اهلل‬

‫كتاب الذهيب‪:‬‬
‫خيش اتلصادم مع انلاس‪ ،‬ال سيما اجلهلة املقدلين‪،‬‬ ‫ى‬ ‫اكن اذلهيب من أهل االحتياط نلفسه‪،‬‬
‫َ‬
‫وأصحاب السطوة والسلطان‪ ،‬واألتباع الراعع‪ ،‬فاكن خييف بعض كتبه اليت ال يريد أن ي َّطلع عليها انلاس‪،‬‬
‫ً‬
‫ارتض( )‪ .‬وهذا األمر هو اذلي جعل عددا ممن ترجم هل ال يَذكر هذه الرسالة يف قائمة مؤلفاته‪،‬‬
‫ى‬ ‫إال َمن‬
‫لعدم علمه بها‪.‬‬
‫أما عن صحة نسبتها ى‬
‫إل اذلهيب‪ ،‬فلم يتعرض ادلكتور رياض الطايئ للجدل ادلائر ايلوم حول ذلك‪،‬‬
‫فقد حسم األمر بأن نسب الكتاب إيله نسبة جازمة‪ ،‬وهذا هو الظن به‪ ،‬ألنه من خرية املحققّي‬
‫املشتغلّي بالرتاث اإلساليم‪ ،‬فهو يعلم يقينًا صحة نسبة الكتاب ى‬
‫إل اذلهيب خبالف ما قاهل نوع من انلاس‬
‫ً‬
‫تقليدا أو عن هو ى‬ ‫من املشككّي بصحة نسبته‪ ،‬إما ً‬
‫ى!‬ ‫وهما أو‬
‫َ‬
‫العاليئ‪ ،‬وقرأه عليه‪ ،‬ون َسخه بيده عن نسخة اذلهيب‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫والكتاب رواه عن اذلهيب تلميذه احلافظ‬
‫ً‬
‫أيضا بضعة قرون‪َ ،‬‬
‫فيذكر ابن طولون بأنه رأ ى‬
‫ى الكتاب خبط احلافظ اذلهيب نفسه( )‪.‬‬ ‫ونسخة اذلهيب بقيت‬
‫ألفاظا دست فيه ليست منه‪َ ،‬‬‫ً‬ ‫ٌ‬
‫نوع آخر من انلاس ى‬
‫ويعنون بذلك‪:‬‬ ‫إل الزعم بأن يف الكتاب‬ ‫وهلذا جلأ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫املواضع اليت ذكر فيها شيخه ابن تيمية‪ .‬وقوهلم هذا يف الوهاء كسابقه‪ ،‬ويرده ما رد سابقه‪.‬‬
‫ولكن ادلكتور رياض يف مقاتله اتلحليلية اليت عقب بها ى‬
‫لع مثايل‪ ،‬اكن من انلوع اثلالث اذلين لم‬
‫ينكروا صحة الكتاب‪ ،‬ولم يزعموا أن بعض عباراته مدسوسة‪ ،‬ولكنهم أولوا العبارات‪ ،‬ولووا أعناق اللكمات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫حكما مسبقا يف عنوان مقاتله قبل أن يرتك القارئ يقرأ حتليله ويطالع‬ ‫بل إن ادلكتور أعط ىى‬
‫قراءته! فقال‪( :‬واتلنويه به)‪ ،‬واتلنويه هو ذكر اليشء أو الشخص باثلناء واإلشادة واإلجالل‪ .‬فهل اقترص‬

‫َ‬
‫( ) ينظر بيان ذلك يف‪ :‬مقدمة اتلحقيق لكتاب زغل العلم‪ ،‬ملحمد بن عبد اهلل القونوي (ص‪.)1 - 3‬‬
‫َ‬
‫( ) تنظر‪ :‬مقدمة اتلحقيق لكتاب زغل العلم‪ ،‬ملحمد بن عبد اهلل القونوي (ص‪.) 1- 1‬‬

‫‪2‬‬
‫َ‬ ‫تبعا يف َموضع َّ‬
‫والمالم؟ هذا ما سـنتبـ َّيـنه هنا‬
‫اذلم َ‬ ‫جاء ً‬
‫لع اتلنويه بابن تيمية؟ أم أن اتلنويه َ‬
‫الكم اذلهيب ى‬
‫ى‬
‫تعال‪.-‬‬ ‫‪-‬إن شاء اهلل‬

‫الذهيب والنقد‪:‬‬
‫لع أحد ال يستلزم عدم الرد عليه يف أمور يستنكرها الراد ى‬
‫لع‬ ‫ال بد من اإلشارة ى‬
‫إل أن اثلناء ى‬
‫املردود عليه‪ ،‬وهذا أمر معروف‪ ،‬لكن بعض املمارسات تشعر انلاظر إيلها بأن أصحابها تغيب عن‬
‫أذهانهم مثل هذه أمور ابلديهية‪.‬‬

‫بل ال أبعد إن قلت إن اثلناء واإلشادة واإلجالل واتلقدير (=اتلنويه)‪ ،‬لكها ال تمنع من اذلم والقدح‬
‫َ‬
‫واإلاعبة للشخص الواحد‪ ،‬وهذا يرسي مع حال اغلب انلاس‪ ،‬فيف لك واحد منهم ما يمدح وما يذم؛ فال‬
‫غرابة إذن‪ ،‬وال موجب لالستناكر‪.‬‬

‫وهلذا قال احلافظ اذلهيب يف كتابه هذا نفسه‪( :‬يف لك طائفة من علماء األمة ما يذم ويعاب)‪ ،‬ويه‬
‫ى كتابه‪ ،‬ى‬
‫حت جعلها ناسخ املخطوطة اكلعنوان ى‬
‫لع رأس طرتها(‪.)1‬‬ ‫لع فحو ى‬
‫عبارة دالة ى‬

‫وهذا هو منهج احلافظ اذلهيب يف كثري من ترامجه للرجال واألعالم وتقييماته هلم يف سائر مصنفاته‪ ،‬ولو‬
‫لع سبيل‬‫إل موسوعته‪" :‬سري أعالم انلبالء" ى‬‫أوردت األمثلة جلاءت يف كتاب مفرد‪ ،‬ولكن يمكن الرجوع ى‬
‫املثال‪ ،‬للنظر يف ترمجة بعض الرجال‪ ،‬اذلين ى‬
‫أثن عليهم بعظيم اثلناء ثم يردفه بعبارة ( ى‬
‫لع الرغم من بدعته)‬
‫وحنوها‪ .‬كما يمكن مراجعة ترمجة عمران بن حطان اخلاريج‪ ،‬وترمجة أيب العالء املعري‪ ،‬وترمجة الغزايل‪،‬‬
‫َ‬
‫تيمية ما َّ‬ ‫أظهر هذه الرتاجم َش َب ًها َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫سطره يف ترمجة اإلمام ابن‬ ‫بموقفه من ابن‬ ‫ولكن‬ ‫والرازي‪ ،‬وكثري غريهم‪،‬‬
‫بالغا يف جوانب عدة ويذمه يف جوانب أخر ى‬ ‫ً ً‬ ‫َ‬
‫ى‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫حزم األندلس‪ ،‬فانظر إيله وهو يثين عليه ثناء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫املعارف‪َ ...‬واكن قد َمهر أ َّوال يف األدب َواألخبَار َوالشعر‪َ ،‬وِف‬ ‫ابلحر ذو الفنون َو َ‬ ‫(اإل َمام األو َحد َ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ً َ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫املنطق َوأَ َ‬
‫لع‬‫لع تَأيلف ََي ُّض فيه َ َ ى‬ ‫ك‪َ ،‬ول َقد َوقفت هل ى‬ ‫ثريا يل َته َسل َم من ذل‬‫جزاء الفلسفة فأثرت فيه تأ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ َّ َ ٌ‬ ‫االعتنَاء باملنطق َوي َق ِّدمه َ َ ى‬
‫ظي‪،‬‬ ‫لع العلوم فتأملت هل فإنه رأس يف علوم اإلسالم متبحر يف انلقل عديم انل ر‬
‫َ َ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫َّ‬
‫بسط ل َسانه َوقلمه َولم يتأدب مع األئمة يف‬
‫َ‬ ‫لع يبس فيه َوفَرط َظاهر َّية يف الفروع ال األصول(!)‪َ ...‬و َ‬ ‫ََى‬
‫ْ ُ َّ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ‬ ‫َ َ َّ َ‬
‫جنس ف رعل ره رِبَيث إرنه أع َرض عن تصان ريف ره‬ ‫اخلطاب‪ ،‬بل فجج العبارة وسب وجدع‪ ،‬فَكن جزاؤه مرن ر‬

‫(‪ )1‬هذه النسخة املخطوطة من حمفوظات مكتبة برلّي‪ ،‬برقم (‪ ،)1155‬وناسخها هو أحد أهل العلم من القرن احلادي عرش‪ ،‬اسمه‪ :‬خليل بن‬
‫ويل بن جعفر احلنيف‪ ،‬نسخها عن نسخة احلافظ العاليئ تلميذ احلافظ اذلهيب‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫َ َ َ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ ٌ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ‬
‫َجاعة مرن األئ رم رة وهجروها ونفروا مرنها وأحرقت يف وقت‪ ،‬واعتن بها آخرون من العلماء وفتشوها‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ٌَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ً ََ‬ ‫َ ً َ َ ًَ ََ ً‬
‫َ‬
‫انتقادا واستفادة وأخذا ومؤاخذة ورأوا فيها ادلر اثلمّي ممزوجا يف الرصف باخلرز المهّي‪ ،‬فتارة يطربون‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ين‬ ‫انلرث‪َ .‬وفيه د ٌ‬


‫انلظم َو َّ‬‫انلقل َوَيسن َّ‬ ‫مجة َوجييد َّ‬ ‫مر ًة يَعجبو َن َومن َت َف ُّرده يَهزؤون‪َ ...‬و َاك َن يَنهض بعلوم َ َّ‬ ‫َو َّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِّ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫لع العلم فال نغلو فري ره(!)‬ ‫اسة َولز َم َمْنهل مكبا َ َ ى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خري‪َ ،‬ومقاصده مجيلة َوم َصنفاته مفيدة‪َ ،‬وقد َزهد يف الرئ‬
‫َ‬ ‫َو ٌ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َى َ َ َ َ‬ ‫َ َْ َ ْ ُ‬
‫َوال َنفو عنه(!)‪ ،‬وقد أثن عليه قبلنا الكبار)‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫اذلهيب مع اجلمااعت أيضا‪ ،‬وليس مع األفراد فحسب‪ ،‬فها هو يف كتابه‬ ‫ومثل هذا املنهج انتهجه‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫مدحا ً‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ونصحا؛ فذك َر القراء واملحدثّي‬ ‫وذما‬ ‫نفسه "زغل العلم" يَذكر الطوائف ويعمل فيهم تقييمه ونقده‬
‫ً‬
‫وانلحاة واملناطقة واحلكماء وغريهم وأفرد للك مدرسة فقهية فصال‪ ،‬وبالغ يف ذم بعضهم بما ال يذم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأنكر ما ال ينكر‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فهذا منهج اذلهيب يف ترامجه وتقييمه لألشخاص واجلمااعت‪ ،‬فليدكر‪ ،‬وال يغض عنه الطرف يف‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫صواب إن ال َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫زتم صاحبه اتلحري ادلقيق‪ ،‬واتلحليل السليم‪ ،‬ولم يتعد ال‬ ‫أعالم دون أعالم‪ ،‬وهو منهج‬
‫مدحا وال ً‬
‫قدحا‪ ،‬واهلل يساحمه فيما أخطأ فيه اجتهاده‪.‬‬ ‫ً‬

‫الذهيب وابن تيمية‪:‬‬


‫ناء عظيم‪ ،‬ى‬
‫حت‬ ‫لع شيخه ابن تيمية‪ ،‬وإنه َثل ٌ‬
‫ال يستطيع اعقل دليه ذرة إدراك أن ينيف ثناء اذلهيب ى‬
‫َ‬
‫وخالفه ينسبين ى‬ ‫َ‬ ‫قال اذلهيب نفسه يف ترمجته املفردة البن تيمية‪َ ( :‬‬
‫إل اتلغايل فيه)‪ ،‬ولكنه مع‬ ‫ومن نابذه‬
‫ذلك ييع أن من أصحاب ابن تيمية َمن يرميه باتلقصري يف وصفه‪ ،‬ألنهم يعلمون خمالفته هل‪ ،‬وبعضهم‬
‫َ‬
‫ستغرب موقفهم هذا‪ ،‬وهو شنيع‪.‬‬ ‫ألنهم ممن يغالون يف شيخهم فال ي‬
‫ُّ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫اذلهيب هل‬ ‫حت أفرد‬ ‫وفكره‪،‬‬ ‫لع عرش قلب اذلهيب‪ ،‬وشغل باهل‬ ‫وبادئ القول يف هذا أن ابن تيمية تربع ى‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫سرية مستقلة يف رسالة مفردة‪ ،‬كما أطال انلفس يف ترمجته هل يف "ذيل تاريخ اإلسالم"‪ ،‬كما ترجم هل يف‪" :‬تذكرة‬
‫احلفاظ" و"املعجم املختص" و"معجم الشيوخ" و"الع َب" و"طبقات املحدثّي" و"دول اإلسالم" و"اإلعالم بوفيات‬
‫فضال عن رثائه هل‪ ،‬وذكره وذكر بعض مواقفه ومسائله يف مصنفاته األخر ى‬‫ً‬
‫ى‪.‬‬ ‫األعالم"‪ ،‬وغريها‪،‬‬
‫َّ‬
‫اذلهيب شديد اتلعظيم لشيخه ابن تيمية‪،‬‬ ‫وهذا يدل داللة قاطعة ‪-‬قبل أن ننظر يف حمتواها‪ -‬ى‬
‫لع أن‬
‫ولكن عندما نقرأ لك هذه الرتاجم وانلصوص‪ ،‬ال خياجلنا شك فيما حوته من أحاكم وأوصاف أطلقها‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اذل ِّم َ‬ ‫اذلهيب ى‬
‫والمالم‪ .‬وال إشَكل يف هذا وال تناقض في ره إن اكن ما يذمه‬ ‫لع شيخه تندرج حتت باب‬

‫‪4‬‬
‫َ‬ ‫يستحق َّ‬
‫اذلم‪ ،‬واكن ما يلومه عليه يستأهل َ‬ ‫ُّ‬
‫المالم‪ ،‬فإبراز هذه انلصوص ليس من قبيل رضب الكم العلماء‬
‫ً‬
‫واردا ى‬ ‫َ‬
‫لع العلماء كسائر البرش‪.‬‬ ‫بعضه باآلخر‪ ،‬فاذلهيب هنا غري متناقض املوقف‪ ،‬وإن اكن اتلناقض‬

‫وإن من غرائب األمور أن ختتلف األنظار يف نص طويل‪ ،‬بل أكرث من نص‪ ،‬بل هل ما يشهد هل‬
‫ى للقائل نفسه؛ فانلص الطويل مظنة الرتاكيب املتنوعة من َ‬
‫مجل فعلية واسمية‬ ‫ويعضده يف الكتب األخر ى‬
‫يوجد فيها حاسم‪ ،‬بل حاكم‬ ‫وضمائر وحروف‪ ،‬ال يمكن أن تشارك لكُّها يف عملية االشتباه‪ ،‬بل ال بد أن َ‬
‫ُّ‬
‫َيكم الفهم ويوحده‪ ،‬وينيف عنه الشبَه والظنون‪.‬‬
‫ٌ‬
‫كتاب أجر ى‬ ‫َ‬ ‫اذلهيب َ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ى عليه اذلهيب بعض‬ ‫موضعّي وهو‬ ‫ابن تيمية يف كتاب "زغل العلم" يف‬ ‫وقد ذكر‬
‫بعت بتحقيق حممد عبد‬ ‫اتلعديالت عندما أبرزه اإلبرازة اثلانية‪ ،‬ويه اليت أخذها عنه احلافظ العاليئ‪ ،‬وط َ‬
‫اهلل القونوي‪ .‬وأما اإلبرازة ا ى‬
‫ألول اليت ال ختتلف عنها يف يشء ذي بال إال بعض اتلهذيب يف العبارات يف‬
‫ً‬
‫ابتداء‪ :‬حممد زاهد الكوثري‪ ،‬ثم حممد نارص العجيم‪.‬‬ ‫اثلانية وإاعدة ترتيب بعض الفقرات‪ ،‬فقد حققها‬
‫ى‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫األول‪:‬‬‫انلصوص مرتبة حبسب ورودها يف الكتاب‪ ،‬مقارنا ما بّي اإلبرازة اثلانية و‬ ‫وسأورد‬

‫النص األول‪:‬‬
‫َ‬
‫كنت حمقا‪ ،‬وال تنازع يف مسألة ال تعتقدها‪،‬‬ ‫قال احلافظ اذلهيب‪(( :‬اح َذر المراء يف َ‬
‫ابلحث وإن‬
‫َ َ‬
‫وت منه َكفافًا ال عليك وال لك؛ َ‬ ‫ََ‬ ‫واح َذر الك َ‬
‫ب‪ ،‬والع َ‬
‫فواهلل ما رمقت‬ ‫جب بعلمك‪ ،‬فيا سعادتك إن َن‬
‫َ‬ ‫أوس َع ً‬ ‫بعيين َ‬
‫تعال‪ ،‬وقد تعبت يف َوزنه‪،‬‬
‫ى‬ ‫ى ً‬
‫ذاكء من الشيخ ِّ‬
‫تيق ادلين ابن تيمية رمحه اهلل‬ ‫علما وال أقو ى‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫آل إيله أمره من َ‬
‫المقت هل واالزدراء به واتلكفري‪،‬‬ ‫َ‬
‫رأيت(‪ )1‬ما‬ ‫حت َمللت‪ ،‬وقد‬
‫سنّي متطاولة‪ ،‬ى‬ ‫َ‬ ‫وفتشته يف‬
‫نتيجة العجب‪ ،‬وفَرط الغرام يف رئاسة املشيخة‪ ،‬واالزدراء باألئمة الكبار‪ ،‬وما َ‬‫َ‬ ‫ُّ‬
‫دفع اهلل عنه‬ ‫وذلك لكه‬
‫َ‬
‫أكرث؛ فال تكن يف َريب من ذلك)) [طبعة القونوي (ص ‪.])1 -1‬‬ ‫وعن أمثاهل َ َ‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫واضح‪ ،‬فاملؤلف َيذر صاحبَه من (املراء واملنازعة) ومن (الكب والعجب)‪،‬‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مستقيم‬ ‫ٌّ‬
‫عريب‬ ‫الكم‬ ‫وهذا‬
‫ً‬
‫لع شيخه ابن تيمية‪ ،‬يف طريقة املراء واملنازعة‪ ،‬واليت يه عنده من دالئل الكب‬‫ورضب هل مثاال طاملا اعبه ى‬
‫صدر اذلي لَم يرش ى‬
‫إل أصحابه ال‬
‫ى َ َ‬
‫لع الضمري املذكور (هو)‪ ،‬وليس لع الم‬ ‫والعجب‪ .‬ويه أوصاف تعود ى‬
‫بإظهار وال بإضمار‪ ،‬فهو لم يَذكر َمن هم أصحاب (املقت واالزدراء واتلكفري)‪ ،‬ال باسم ظاهر وال بضمري‪،‬‬
‫ى ى‬
‫لع‬ ‫ى أن هذا املقت واالزدراء واتلكفري اذلي جر ى‬ ‫فالالكم لكه عن َ‬
‫بطل املثال‪ ،‬وهو ابن تيمية‪ ،‬فاذلهيب ير ى‬

‫أول‪ ،‬ألنه خياطب صاحبَه باألمر وانليه كما يف أول العبارة وِف سائر عبارات الكتاب‪.‬‬
‫لع اخلطاب ى‬
‫(‪ )1‬جتوز بالضم والفتح‪ ،‬والفتح ى‬

‫‪5‬‬
‫متساويا‪ ،‬بل إن ما َ‬
‫دفعه‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫جزاء‬ ‫ابن تيمية هو نتيجة ما فيه من كب وعجب‪ ،‬وهلذا اكن هذا جزاؤه‪ ،‬ولكنه ليس‬
‫ى عليهم هو بعض ما يستحقونه‪.‬‬‫ى عليهم‪ ،‬فإن اذلي جر ى‬ ‫اهلل عنه وعن أصحابه َ‬
‫أكرث مما جر ى‬
‫َ‬ ‫هكذا ي َ‬
‫فهم الكم اذلهيب‪ ،‬وال سبيل ى‬
‫فهم آخر هل‪ .‬وقد كنت عجبت من قبل حّي طالعت بعض‬
‫إل ٍ‬
‫الكم رواد املنتديات اإللكرتونية القديمة‪ ،‬وما قاهل بعضهم من أن املقصود بذلك خصوم ابن تيمية‪ ،‬وأن‬
‫سقيم منهم‪ ،‬ما كنت أحسب أن يَه َم فضيلة ادلكتور رياض‬ ‫ٌ‬ ‫لع ابن تيمية‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫فهم‬ ‫انلص هذا كَّه ٌ‬
‫ثناء ى‬
‫فعل‪ ،‬فال بد من زيادة بيان لعله يراجع ما َوه َم فيه‪ ،‬ولعل َمن قرأَ َ‬
‫الكمه‬ ‫الطايئ ويتاب َعهم عليه؛ فما دام أنه َ‬
‫َ َ‬
‫بال اتهاماتهم يل بالع َ‬
‫جمة أو‬ ‫تتضح هل الصورة وال يغرت بذلك اتلأويل واتلحليل! وحينها يدرك بعضهم و‬
‫لع َمرأ ى‬
‫ى ادلكتور وإعجابه!‬ ‫ال َهو ى‬
‫ى! ى‬

‫لع هذا انلحو(‪:)1‬‬ ‫ى‬


‫األول‪ ،‬فقد جاء ى‬ ‫نفسه يف اإلبرازة‬‫انلص َ‬ ‫والسبيل األول حلل هذا الْناع‪ ،‬أن نراجع َّ‬
‫َ‬ ‫ابلحث وإن َ‬ ‫((اح َذر الم َ‬
‫راء يف َ‬
‫كنت حمقا‪ ،‬وال تنازع يف مسألة ال تعتقدها‪ ،‬واحذر اتلكب‪ ،‬والعجب بعملك‪،‬‬
‫ى ً‬ ‫أوسع ً‬
‫علما وال أقو ى‬ ‫فواهلل ما رمقت عيين َ‬ ‫ً‬
‫كفافا ال عليك وال لك؛ َ‬ ‫َ َ‬
‫ذاكء من رجل‬ ‫فيا سعادتك إن َنوت منه‬
‫َ‬
‫يقال هل‪ :‬ابن تيمية‪ ،‬مع الزهد يف املأكل وامللبس والنساء‪ ،‬ومع القيام يف احلق واجلهاد بكل ممكن‪ ،‬وقد تعبت‬
‫َّ‬
‫والشام َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ومقتته نفوسهم‬ ‫سنّي متطاولة‪ ،‬فما وجدت قد أخ َره بَّي أهل مرص‬ ‫َ‬ ‫حت َمللت‪ ،‬يف‬ ‫وفتشته ى‬ ‫يف َوزنه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وازدروا به وكذبوه وكفروه إال الك َ‬‫َ‬
‫ب‪ ،‬والعجب‪ ،‬وفرط الغرام يف رئاسة املشيخة‪ ،‬واالزدراء بالكبار‪ ،‬فانظر‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫املساحمة‪ ،‬فقد َ‬ ‫ى‬ ‫الظهور‪ ،‬نسأل َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫قام عليه أناس ليسوا بأورع منه‪ ،‬وال أعلم‬ ‫تعال‬ ‫اهلل‬ ‫كيف وبال ادلاعوي‪ ،‬وحمبة‬
‫بتقواهم‬‫منه‪ ،‬وال أزهد منه‪ ،‬بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وآثام أصدقائهم‪ ،‬وما سلَّطهم اهلل عليه َ‬
‫ُّ‬ ‫أكرث‪ ،‬وما َ‬
‫جر ى‬ ‫دفعه اهلل عنه وعن أتباعه َ‬ ‫وجالتلهم‪ ،‬بل بذنوبه‪ ،‬وما َ‬
‫عليهم إال بعض ما يستحقون‪ ،‬فال‬ ‫ر‬ ‫ى‬
‫َ‬
‫تكن يف َريب من ذلك)) [طبعة العجيم (ص‪.]) 1- 5‬‬
‫وهذا نَ ٌّص قاطع ادلاللة‪ ،‬ال سيما أنه َ‬
‫حسم األمر بقوهل‪( :‬بل بذنوبه)‪ ،‬فهو يَعنيه (هو = ابن تيمية) ال‬
‫ى عليهم إال بعض ما يستحقون) فإن أقرب مذكور قبلها‪ :‬ابن‬ ‫(هم = أعداؤه)‪ ،‬وكذلك عبارة‪( :‬وما جر ى‬
‫لع هذا‪.‬‬ ‫ى‬
‫املعن إال ى‬ ‫تيمية وأتباعه‪ ،‬وال يستقيم‬
‫َ‬
‫وكذلك قوهل (فما وجدت قد أخره إال الكب‪ ،)...‬فإنما يتأخر اإلنسان بذنبه هو‪ ،‬ال بذنب غريه‪ ،‬ال‬
‫سيما إن اكن هذا ذنبًا من حنو العجب والكب‪ ،‬فال يمكن لغريك أن يؤخرك بعجبه وكبه‪ ،‬وإنما تتأخر‬

‫ُّ‬
‫(‪ )1‬مّيت االختالف بوضع خط حتت اللكمات‪ ،‬وإن اكن بعض اخلالف من باب فروقات الن َسخ وليس من باب تعدد اإلبرازات‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جبك وكبك‪ ،‬فيمقتك انلاس‪ .‬وهذا يف اغية الوضوح‪ ،‬إال إذا َ‬
‫حج َ‬ ‫َ‬
‫ب الكب بعض القراء عن الرتاجع‬ ‫أنت بع‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫واالنتباه‪ ،‬وأخذتهم األنفة عن املراجعة واتلصحيح‪.‬‬

‫وهذا انلص وما أجراه عليه املؤلف من احلذف واتلهذيب يف اإلبرازة اثلانية‪ ،‬ال يغري من أصل‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً‬
‫وأتباعه‪ ،‬وِف اإلبرازة اثلانية‬ ‫األول َ‬
‫ابن تيمية‬ ‫ى‬ ‫قصد يف اإلبرازة‬ ‫املعن شيئًا‪ ،‬ويستحيل عقال أن يكون قد‬
‫ى‬
‫يغري وجهته ى‬
‫إل خصوم ابن تيمية وأعدائه‪.‬‬
‫وهذا االتهام الشديد من اذلهيب البن تيمية لم يكن يف هذا َ‬
‫الموضع فحسب‪ ،‬بل هل ما يشهد هل يف‬
‫ً‬ ‫ى من كتبه األخر ى‬
‫مواضع أخر ى‬
‫ى ‪-‬سيأيت ذكرها الحقا‪.-‬‬
‫ٌ‬
‫ومن باب حسن الظن باذلهيب ‪-‬وهو أهل هل‪ -‬فإنه ما قال ما قاهل عن ابن تيمية إال بعد مشاهدات عدة‪،‬‬
‫َ‬
‫وطول تفتيش يف شخصيته‪ ،‬ووزن تلرصفاته ومواقفه ‪-‬كما رصح هنا‪ ،-‬فوجد أن من صفات ابن تيمية ‪-‬اليت‬
‫لع هذه‬ ‫لع األكابر‪ ،‬واحلدة يف ابلحث واملناظرة؛ فحلل شخصيته ً‬
‫بناء ى‬ ‫رصح بذكرها‪ :-‬ازدراء اخلصم‪ ،‬والرد ى‬
‫لع حنو ما َ‬
‫ذكر بعض احلكماء أن‬ ‫فوجد أنها إنما تصدر عن أهل الكب والعجب وحميب الظهور(‪ ،)5‬ى‬ ‫األوصاف َ‬
‫من أسباب الغضب واحلدة‪ :‬العجب‪ ،‬واملماراة‪ ،‬والكب(‪ .)1‬وهلذا قال اذلهيب يف كتابه "الكبائر" (ص‪ُّ َ ( :)53‬‬
‫أش‬
‫َ‬ ‫الكب‪َ :‬من تكب ى‬
‫لع العباد بعلمه‪ ،‬وتعاظم يف نفسه بفضيلته‪ ،‬فإن هذا لم ينفعه علمه)‪.‬‬
‫لع األعيان‪ ،‬فهو من مزالق األقدام‪ ،‬ألنه ال يكاد ي َ‬ ‫ٌ‬
‫قول َ‬
‫عرف إال‬ ‫جممل اعم‪ ،‬أما تْنيله ى‬ ‫وهذا‬
‫َّ‬ ‫ى َ‬
‫وأن لبرش أن يَستطيعه! إنما يمكنه أن َيذر من احلدة نفسها ومن الغضب‬ ‫لع خبايا القلوب‪،‬‬‫باالطالع ى‬
‫لع أصحابهما أن يستعمالنها يف غري مواضعها العزيزة‪ ،‬وال يبين عليهما لوازم أعمال‬ ‫ويعيب ى‬‫ذاته‪َ ،‬‬
‫ّ‬ ‫القلوب كما نشاهده ايلوم من صنيع بعض املنتسبني ى‬
‫إل العلم الرشيع واتلدين اإلساليم‪ ،‬ممن نصبوا‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كشافات خلبايا انلفوس وضمائر القلوب! تأيلًا ى‬
‫لع اهلل جل يف عاله‪.‬‬ ‫أنفسهم‬

‫النص الثاني‪:‬‬
‫عت يف األصول وتوابعها من َ‬
‫المنطق‬ ‫بالمرء‪ ،‬فإن بَ َر َ‬
‫أول َ‬‫قال احلافظ اذلهيب‪(( :‬والسالمة والعافية ى‬
‫َ‬ ‫واعتصمت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف‪،‬‬ ‫واحلكمة والفلسفة وآراء األوائل وحمارات العقول‪،‬‬
‫ى‬ ‫َ‬
‫رتبة الشيخ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ولف َ‬
‫تعال‪ ،‬وقد‬ ‫تيق ادلين ابن تيمية‪ ،‬رمحه اهلل‬ ‫قت بّي العقل وانلقل‪ ،‬فما أظنك يف ذلك تبلغ‬
‫ً‬ ‫حمقق الكتاب يف إبرازته اثلانية‪ :‬حممد عبد اهلل القونوي‪ ،‬فقد ً‬
‫ٌّ‬ ‫(‪ )5‬وهذا ما َّ َ‬
‫عقدا فصال يف مقدمة الكتاب دلراسة موقف اذلهيب من‬ ‫فرسه به‬
‫ٌ‬
‫ابن تيمية‪ ،‬وأنا مستفيد من بعض نقوالته هناك‪.‬‬
‫نظر‪ :‬مَكرم األخالق‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫للنسيف (ص‪.) 1- 1‬‬ ‫( ‪ )1‬ي‬

‫‪7‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫آل إيله أمره‪ ،‬من اإللزامات ابلاطلة‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫لع طريق السلف‪،‬‬‫والهجم القبيح عليه‪ ،‬وقد اكن قبل ذلك ى‬ ‫رأيت ما‬
‫َ‬ ‫ثم صار بعد ذلك ى‬ ‫ّ‬
‫لع ألوان؛ فعند مجاعة من العلماء هو دجال أفاك‪ ،‬وعند آخرين من عقالء األفاضل هو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫مبتدع فاضل بارع‪ ،‬وعند أخرين هو مظلم األمر َمكسوف‪ ،‬وعند عوام أصحابه هو حايم حوزة ادلين‬
‫وحامل راية اإلسالم وحميي السنة انلبوية‪ .‬واهلل املستعان)) [طبعة القونوي (ص‪.])15-11‬‬
‫وهذا انلص يف الوضوح أكرث من سابقه‪ ،‬وي َ‬
‫الحظ أنه قسم آراء انلاس يف ابن تيمية ى‬
‫لع أربعة أقسام‪،‬‬
‫قطعا ليس قول عوام أصحاب ابن تيمية‪ ،‬وال قول َمن اتهموه‬ ‫وقَول اذلهيب هو أحدها ‪-‬وال بد‪ ،-‬وهو ً‬
‫ٌ‬
‫اذلهيب أصحابَه القائلّي بأن ابن‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫امتدح‬ ‫مظلما مكسوفًا‪َ ،‬‬
‫فبيق قول‬ ‫ً‬ ‫بادلجل واإلفك‪ ،‬وال قول من يَ َرونه‬
‫تيمية (مبتدع فاضل بارع)‪ ،‬وهذا ما تؤكده عباراته يف كثري من املواضع اليت َ‬
‫ترجم فيها البن تيمية‪.‬‬
‫ى‬
‫األول‪ ،‬واليت تأيت أهميتها إليضاح املقصد عند‬ ‫ً‬
‫وضوحا أن تقرأه كذلك يف اإلبرازة‬ ‫ومما يزيد انلص‬
‫َمن لم يتضح هل‪ ،‬وليس العتماد اللفظ األول وتبنيه‪ ،‬وإال ما احتاج اذلهيب ى‬
‫إل تعديله وإخراجه يف إبرازة‬
‫وانتق العبارات َ‬ ‫َ‬
‫فحسب‪.‬‬ ‫ى‬ ‫املعن وعك َسه‪ ،‬وإنما هذب األلفاظ‬
‫ى‬ ‫ى‪ ،‬ولكن يستحيل أن يكون غري‬ ‫أخر ى‬
‫َ‬ ‫ى َ‬ ‫ى‬
‫برعت يف األصول وتوابعها من‬ ‫أول بك‪ ،‬فإن‬ ‫األول‪(( :‬والسالمة والعافية‬ ‫قال اذلهيب يف اإلبرازة‬
‫واعتصمت َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول‬ ‫المنطق واحلكمة والفلسفة وآراء األوائل وجمازات العقول‪،‬‬
‫رتبة ابن تيميـة‪ ،‬وال ‪-‬واهلل‪َ -‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ولف َ‬ ‫َّ َ‬
‫تقربها‪ ،‬وقد‬ ‫قت بّي العقـل وانلقـل‪ ،‬فما أظنك يف ذلك تبلغ‬ ‫السـلف‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رأيت ما آل أمره إيله من احلط عليه واهلجر واتلضليل واتلكفري واتلكذيب ‪ِ-‬بق وبباطل‪ ،-‬فقد اكن قبل‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ظلما َمكسوفا عليه قتمة ‪-‬‬‫لع حمياه سيما السلف‪ ،‬ثم صار م ً‬ ‫يدخل يف هذه الصناعة منو ًرا مضيئًا‪ ،‬ى‬ ‫أن‬
‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أفااك ً‬ ‫ً‬
‫اكفرا ‪-‬عند أعدائه‪ ،-‬ومبتدًع فاضال حمققا بارًع ‪-‬عند طوائف‬ ‫عند خالئق من انلاس‪ ،-‬ودجاال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وحميي السنة ‪-‬عند عوام أصحابه‪ ،-‬هو ما‬ ‫من عقالء الفضالء‪ ،-‬وحامل راية اإلسالم وحايم حوزة ادلين‬
‫َ‬
‫أقول لك)) [طبعة العجيم (ص ‪.])1 -1‬‬
‫في َ‬
‫الحظ هنا تأكيده أن اذلم والقدح ى‬
‫لع ابن تيمية‪ ،‬منه ما هو (حق) ومنه ما هو (باطل)‪ ،‬وال سيما‬
‫فيما يتعلق بأصول ادلين ‪-‬حيث سياق الالكم هنا‪.-‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ستهجن صدوره منه يف هذا انلص‪ ،‬وإنما هو موقف ثابت‬ ‫وموقف اذلهيب هذا ليس طارئا يك ي‬
‫لع غلط ادلخول يف علم الالكم‪ ،‬وأنه من بدع‬‫الموضع إال للتنبيه ى‬ ‫عنده‪ ،‬وما قال هذا الالكم يف هذا َ‬
‫َ‬
‫اخللف‪ ،‬اذلي يكون تركه من حسن إسالم املرء ‪ -‬ى‬
‫لع حد قوهل‪.-‬‬

‫‪8‬‬
‫ُ‬
‫ورضره وبيل"‪.‬‬ ‫أما علم املنطق‪ ،‬فيقول عنه يف رساتله هذه (ص‪" :)11‬نفعه قليل‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ينظر فيها من يريج فالحه‪ ،‬وال يركن‬ ‫وأما علم الفلسفة فيقول فيه (ص‪" :)13‬احلكمة الفلسفية ما‬
‫َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ى‬
‫إل اعتقادها من يلوح َناحه‪ ،‬فإن هذا العلم يف شق وما جاءت به الرسل يف شق‪ ،‬ولكن ضالل من لم‬
‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫در ما جاءت به الرسل بالفلسفة أشد مرن ضالل من علرم شيئا من اإلسالم‪ ،‬فوا غوثاه باهلل‪ ،‬إذا اكن‬ ‫ي ر‬
‫َ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ى َ‬
‫لع الفالسفة قد حاروا ول رقتهم كسفة‪ ،‬فما الظن باملردود عليهم! وما دواء هذه‬ ‫اذلين قد انتدبوا للرد‬
‫ً‬
‫لع أيدي القائلني بها بما يردعهم‪ ،‬إذ ادلين ما زال اكمال‬ ‫العلوم إال الرق واإلعدام من الوجود‪ ،‬واألخذ ى‬
‫َ‬
‫حت عر َبت هذه الكتب‪ ،‬ونظر فيها املسلمون"!‬
‫ى‬

‫ى‬ ‫َ‬
‫بالغ َ‬ ‫ُّ‬
‫األول‪ ،‬فقال‪" :‬وما دواء هذه العلوم وعلمائ رها والعاملني بها‬ ‫أكرث يف اإلبرازة‬ ‫اذلهيب قد‬ ‫بل اكن‬
‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ً َ ً‬
‫وغلو فوق غلو‪ ،‬حنمد اهلل أنه تْنه عنه يف‬ ‫شطط‪،‬‬ ‫رعلما وعقدا إال احلريق واإلعدام من الوجود"!! وهذا‬
‫اإلبرازة األخر ى‬
‫ى‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ومناقشة رأيه يف هذه العلوم ليس هذا موضعها‪ ،‬وهو يف ذلك خمالف ومباي ٌن لرأي شيخه ابن تيمية‬
‫ى َّ‬
‫ى أن العلم‬ ‫يف هذه العلوم‪ ،‬ال سيما يف كتابَيه "در تعارض العقل وانلقل" و"منهاج السنة"‪ ،‬فابن تيمية ير‬
‫إل (الفلسفة‬‫لع مذاهبها املختلفة (من أنفع األمور)(‪ ،)3‬إذ بذلك يصل املرء ى‬ ‫بالفلسفة واالطالع ى‬
‫فمن تبحر يف َ‬
‫المعقوالت‪ ،‬ومّي بّي ابلينات والشبهات‪،‬‬ ‫احلقيقية) و(الفلسفة الصحيحة)(‪ .) 5‬ويقول‪َ ( :‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكما عظمت‬ ‫تبّي هل أن العقل الرصيح أعظم األشياء موافقة ملا جاء به الرسول ص ى‬
‫ُ‬
‫ل اهلل عليه وسلم)( )‪.‬‬‫معرفة الرجل بذلك‪ ،‬عظمت موافقته للرسول ص ى‬

‫تأكيد موقف الذهيب من ابن تيمية‪:‬‬


‫َ‬
‫رئيستّي‪:‬‬ ‫يمكن تلخيص املوقف السليب لذلهيب من شيخه ابن تيمية يف نقطتّي‬
‫األول‪ :‬ما يتعلق بأصول ادلين مما أداه ى‬
‫إل رميه بابلدعة وأنه صار ى‬
‫لع غري طريق السلف‪ ،‬وسببها‬ ‫ى‬
‫ادلخول يف صناعة الفالسفة واملتلكمّي!‬
‫واثلانية‪ :‬ما يتعلق باألخالق‪ ،‬يف كونه اكنت فيه حدة وشدة وغضب وطعن يف األكابر‪ ،‬فأد ى‬
‫ى هذا‬

‫َ‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬منهاج السنة‪ ،‬البن تيمية ( ‪.) 1 /‬‬
‫َ‬
‫(‪ ) 5‬ينظر‪ :‬منهاج السنة‪ ،‬البن تيمية ( ‪.) 13- 11/‬‬
‫( ) درء اتلعارض العقل وانلقل‪ ،‬البن تيمية (‪.) 1/1‬‬

‫‪9‬‬
‫باذلهيب ى‬
‫إل أن يتهمه بالعجب والكب وحب الظهور!‬
‫ومما يؤكد هذا املوقف ما اكن يلمح إيله أو يرصح ببعضه يف مواضع أخر ى‬
‫ى من كتبه‪ .‬وهذه‬
‫مقتطفات منها( )‪:‬‬

‫‪ .‬قال اذلهيب عن ابن تيمية‪( :‬مع أّن خمالف هل يف مسائل أصلية وفرعية)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .‬وقال عن أصحاب ابن تيمية المتعصبّي هل‪( :‬فإن احلب َيملهم ى‬
‫لع تغطية هناته‪ ،‬بل قد يعدونها‬
‫حماسن)‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .‬وقال‪( :‬اكن تعرتيه حدة يف ابلحث‪ ،‬وغضب‪ ،‬وشظف للخصم‪ ،‬تزرع هل عداوة يف انلفوس)‪.‬‬
‫ً‬ ‫َ َ ْ َ ً‬
‫يها َمأجور‪ ،‬ومقتصدهم‬
‫وأفعاال‪ ،‬منصفهم ف َ‬ ‫‪ .1‬وقال‪( :‬فأصحابه وأعداؤه قد ينقمون َعليه أخالقا‬
‫يها َمأزور‪ ،‬واغيلهم َمغرور)‪.‬‬
‫يها َمعذور‪ ،‬وظالمهم ف َ‬
‫ف َ‬

‫‪ .1‬وقال‪( :‬اكن ال يرجع‪ ،‬وال يلوي ى‬


‫لع ناصح)‪.‬‬
‫‪ .1‬وقال‪( :‬هو برش هل ذنوب وخطأ)‪.‬‬
‫‪ .5‬وقال‪( :‬لو الطف اخلصوم ورفق بهم ولزم املجاملة وحسن املاكملة‪ ،‬لاكن لكمة إمجاع)‪.‬‬
‫‪ .1‬وقال‪( :‬فيه قلة تؤدة وعدم مداراة ً‬
‫اغبلا)‪.‬‬
‫‪ .3‬وقال‪( :‬قد يعظم جليسه مرة‪ ،‬ويهينه يف املحاورة مرات)‪.‬‬
‫‪ . 5‬وقال‪( :‬تأملوا منه بسبب ما هو معهود من تغليظه وفظاظته وفجاجة عبارته وتوبيخه األيلم‬
‫املبيك املنيك املثري للنفوس‪ ،‬ولو سلم من ذلك لاكن أنفع للمخالفّي)‪.‬‬

‫الذهيب والرمز‪:‬‬
‫من اعدة احلافظ اذلهيب يف صناعة الرتاجم‪ ،‬أنه اكن يرمز ببعض الرموز أثناء ترمجة معارصيه أو َمن هلم‬
‫َ‬
‫أثر يف املعارصين هل‪ ،‬وسبب ذلك اخلشية من بعض أصحاب الفنت واجلهالة‪ ،‬وبعض َمن هلم سطوة وطغيان‪.‬‬
‫مثال ذلك قوهل‪( :‬ما لك ما يعلم يقال) وحنوها‪ ،‬وهذه َّ‬
‫تفط َن هلا ابن حجر وهو اخلبري باذلهيب‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫َ‬
‫نظر‪ :‬تاريخ اإلسالم (‪ .)555/ 1‬وذيل تاريخ اإلسالم (ص ‪ .) 5- 1‬واملعجم املختص (ص‪ .) 1‬واذليل ى‬
‫لع طبقات النابلة‪ ،‬البن رجب‬ ‫( )ي‬
‫ً‬
‫(‪ 1 3-13 /1‬ناقال الكم اذلهيب)‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ّ‬
‫ى‬
‫خيش اغئلة اتلرصيح فيه)( )‪.‬‬ ‫لع َمن‬
‫الط ى‬ ‫لع اعدته يف الرمز ى‬
‫إل‬ ‫(هذا الكم اذلهيب ى‬

‫أيضا ما حاكه عنه تلميذه العاليئ ‪-‬راوي كتاب "زغل العلم"‪ -‬أنه اكن إذا لم َيقدر ى‬
‫لع‬
‫ً‬
‫ومن ذلك‬
‫َ‬
‫اتلرصيح بعيب أحد‪ ،‬فإنه يقول يف ترمجته‪( :‬واهلل يصلحه)(‪.) 1‬‬
‫خيف ى‬
‫لع القارئ املطلع‪،‬‬ ‫ى‬ ‫وقد استعمل اذلهيب هذه العبارة يف ترامجه البن تيمية وبعض أتباعه‪ ،‬وال‬
‫حت قال اذلهيب يف رساتله اليت أفردها يف‬ ‫ً‬
‫عداء نشأ بّي اذلهيب وبعض أتباع اإلمام ابن تيمية‪ ،‬ى‬ ‫أن ثمة‬
‫ترمجته‪( :‬مع أّن قد أوذيت لالكيم فيه من أصحابه)‪ ،‬ولذلهيب رسالة مفردة يف أصحاب ابن تيمية‪ ،‬أسماها‪:‬‬
‫"القبان" بمع ى‬
‫ن املزيان‪ ،‬ويه من اآلثار املفقودة(‪.) 1‬‬
‫َ‬
‫ومع هذا اتلحرز يف إظهار رسالة "زغل العلم"‪ ،‬إال أنها ‪-‬فيما يبدو‪ -‬قد بلغ خبها زميله ابن قيم‬
‫أحلق ابن القيم بنونيته بيتّي يعرض فيهما باذلهيب ورساتله‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫َ‬
‫طالعها‪ ،‬وذللك َ‬ ‫اجلوزية‪ ،‬وربما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أوقح احليوان‬ ‫فعل المباهت‬ ‫رايم البيء بدائه ومصابه‬
‫هو َرضبه فاع َ‬ ‫َّ َ‬
‫جب ذلي ابلهتان‬ ‫بالزغل اذلي‬ ‫كمعري انلاس‬
‫َ‬ ‫وال ى‬
‫خيف ما اكن بّي اذلهيب وابن القيم من جفوة شديدة‪ ،‬ويه ليست من قبيل اختالف اتلخصص‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫متجها‬ ‫لع قوهل بأن اذلهيب اكن‬ ‫كما حاول ادلكتور رياض أن يقول يف قراءته اتلحليلية‪ ،‬حيث ى‬
‫بن ذلك ى‬
‫حنو اتلصنيف يف اتلاريخ والرتاجم‪ ،‬بينما ابن تيمية اكن متصديًا لذلب عن أصول ادلين واملناظرة والردود‪،‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شديدا ى‬
‫لع خصومه‪ ،‬غليظا يف مناظراته‪ .‬ثم قال‪( :‬إذا فهم هذا‪ ،‬وجه‬ ‫مما جعل اذلهيب يراه حادا يف طبعه‪،‬‬
‫الكم اذلهيب يف اإلمام ابن القيم بنحو توجيه الكمه يف شيخ اإلسالم)!‬

‫وليك نتمكن من تطبيق نصيحة ادلكتور رياض‪ ،‬علينا أن نقرأ الكم اذلهيب يف ابن القيم‪ ،‬فقد قال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫اَّلل يصلحه َوي َو ِّفقه‪َ ،‬سم َع َميع من َ َ‬
‫مج َ‬ ‫َ َّ‬
‫اعة‪َ ،‬وت َصد َر لالشتغال‪َ ،‬ونرش‬ ‫عنه يف ترمجته يف "املعجم املختص"‪( :‬و‬
‫َ َ َّ َ‬ ‫العلم‪َ ،‬ولَك َّنه مع َج ٌ‬
‫لع األمور‪ .‬غف َر اَّلل هل)‪.‬‬ ‫يء َ َ ى‬
‫العقل َجر ٌ‬‫ب ب َرأيه َسيئ َ‬

‫فهل نوجه هذا انلص ى‬


‫لع حنو ما داع إيله ادلكتور رياض يف نصوص اذلهيب عن ابن تيمية‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ُّ‬
‫تلخصص ابن‬ ‫ٌ‬
‫مغاير‬ ‫املقصود بعبارة (معجب برأيه) هو خصم ابن القيم؟! أو نقول‪ :‬ألن ُّ‬
‫ختص َص اذلهيب‬

‫( ) ادلرر الَكمنة‪ ،‬البن حجر (‪.) 1 /1‬‬


‫َ‬
‫(‪ ) 1‬ينظر‪ :‬طبقات الشافعية‪ ،‬للسبيك ( ‪.) /‬‬
‫(‪ ) 1‬ذكرها السخاوي يف كتابه‪ :‬اإلعالن باتلوبيخ (ص‪.) 55‬‬

‫‪11‬‬
‫ى َ‬
‫بعّي اذلهيب أنه (سيئ العقل)؟!‬ ‫ى ألمر خمتلف‪ ،‬فإنه قد ير ى‬
‫القيم‪ ،‬ولك واحد منهم تصد ى‬

‫هذه توجيهات ال تتجه‪ ،‬وال أساس هلا يف الواقع سو ى‬


‫ى الوهم‪ ،‬وال حمل هلا يف العلم‪ ،‬واتلحليل اللغوي‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ومن يراجع كتب اتلاريخ يَعلم أن احلافظ اذلهيب اكن هل رأي ناقد ألسلوب اإلمام ابن تيمية وبعض‬
‫ى به ى‬
‫إل اإلعالن‬ ‫لع رأسهم ابن القيم اذلي اكن شديد احلماس دلعوة شيخه ابن تيمية‪ ،‬مما أد ى‬ ‫أصحابه‪ ،‬و ى‬
‫عنه بمسائل كثرية منتقدة‪ ،‬أثارت انلاس ى‬
‫لع ابن تيمية‪ ،‬وأدخلته يف حمن‪ ،‬وأوذي هو وأصحابه بسببه(‪.) 1‬‬
‫َ‬ ‫ولعل هذا هو اذلي جعل اذلهيب يطلق فيه عبارة‪( :‬سيئ العقل)‪ ،‬وحاشا أن يوافَق ى‬
‫لع ذلك‪ ،‬مع أن العقل‬
‫ً‬
‫قد يقرص أحيانا فيترصف اإلنسان خبالف احلكمة وابلصرية‪ ،‬لكن ال نعمم عليه القول بسوء العقل إال‬
‫إذا اكنت تلك سجيته وهذا حاهل‪.‬‬

‫ختامًا‪:‬‬
‫إن اتلوجيهات اليت عملها ادلكتور رياض للنصوص‪ ،‬يه توجيهات ال حمل هلا يف الواقع‪ ،‬ويه تعب عن‬
‫مثايلة خيايلة‪ ،‬ال نعيشها‪ ،‬وال نريد للطلبة أن يعيشوها؛ فاخلالفات الشخصية والعلمية واقعة منذ زمن‬
‫الصحابة ى‬
‫حت يوم انلاس هذا‪ ،‬فكم رأينا يف أيامنا هذه من تالمذة يذمون شيوخهم أقبح اذلم‪ ،‬أو العكس‪ ،‬أو‬
‫ما َيدث بّي األقران‪ ،‬ولك منهم من املشتغلّي بالعلم وا َ‬
‫ملتصدين خلدمة الرشيعة يف ظاهرهم؛ فال حاجة نلا‬
‫باملثايلات اليت أرهقت ادلعوة‪ ،‬وزورت اتلاريخ‪ ،‬وشلكت صدمات نفسية دل ى‬
‫ى املقبلّي ى‬
‫لع العلم‪.‬‬

‫واملنهجية الواقعية ال تسهم يف إسقاط األعالم‪ ،‬فال يستطيع منصف أن يقول‪ :‬اتركوا اذلهيب اذلي‬
‫يطعن بابن تيمية‪ ،‬كما ال يقول‪ :‬أسقطوا ابن تيمية اذلي بدعه اذلهيب واتهمه يف أخالقه!‬

‫ولكن بالعلم واإلنصاف نستطيع أن ننظر فيما اختلفوا فيه‪ ،‬ونعرف المحق منهم من املبطل‪ ،‬مع‬
‫االستفادة من اجلميع‪ ،‬واالعرتاف بفضلهم وسابقتهم‪ ،‬وندعو اهلل نلا وهلم باملغفرة والرمحة‪ ،‬إنه هو الغفور الرحيم‪.‬‬

‫وكتب‬
‫ُ َ ّ َ ّ‬
‫السنوي‬
‫عم ر ر‬
‫الموصل َ‬
‫المحروسة‬ ‫بمدينة َ‬
‫يللة اعشوراء سنة ‪ 11‬ه َ‬

‫(‪َ ) 1‬‬
‫ذكر ذلك اتليق الفايس يف ترمجة ابن القيم‪ ،‬يف كتابه‪ :‬إيضاح بغية أهل ابلصارة‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like