Professional Documents
Culture Documents
أما مقومات القراءة فيه كثرية ،وتتبع مناهج عدة ،ولكنها تشرتك مجيعها يف أدوات ال بد منها
لضمان سالمة انلتائج ابلحثية.
1
وابلحث واملثابرة .واكن من املتوقع أن ينشغل املطلع ى
لع املنشور بهذا اجلوهر ،ويبيق األمثلة يف ادلرجات
اثلانوية ،ال سيما وأن بعض املنشغلّي باملثال هم يف الواقع ممن ينارصون جوهر املقال ،ويعيبون ى
لع أهل
جهاتلهم يف ِّ َ
حق إخوانهم من سائر َ لع أهل اجلهالة وغلوهم ،وينكرون ى َّ اجلمود مجودهم وتعصبَهم
املشتغلّي بالعلم.
ى
املشتك ،وعليه اتلالكن ،وهو املستعان. ولكن اكن ما اكن ،ى
فإل اهلل
كتاب الذهيب:
خيش اتلصادم مع انلاس ،ال سيما اجلهلة املقدلين، ى اكن اذلهيب من أهل االحتياط نلفسه،
َ
وأصحاب السطوة والسلطان ،واألتباع الراعع ،فاكن خييف بعض كتبه اليت ال يريد أن ي َّطلع عليها انلاس،
ً
ارتض( ) .وهذا األمر هو اذلي جعل عددا ممن ترجم هل ال يَذكر هذه الرسالة يف قائمة مؤلفاته،
ى إال َمن
لعدم علمه بها.
أما عن صحة نسبتها ى
إل اذلهيب ،فلم يتعرض ادلكتور رياض الطايئ للجدل ادلائر ايلوم حول ذلك،
فقد حسم األمر بأن نسب الكتاب إيله نسبة جازمة ،وهذا هو الظن به ،ألنه من خرية املحققّي
املشتغلّي بالرتاث اإلساليم ،فهو يعلم يقينًا صحة نسبة الكتاب ى
إل اذلهيب خبالف ما قاهل نوع من انلاس
ً
تقليدا أو عن هو ى من املشككّي بصحة نسبته ،إما ً
ى! وهما أو
َ
العاليئ ،وقرأه عليه ،ون َسخه بيده عن نسخة اذلهيب.
ُّ والكتاب رواه عن اذلهيب تلميذه احلافظ
ً
أيضا بضعة قرونَ ،
فيذكر ابن طولون بأنه رأ ى
ى الكتاب خبط احلافظ اذلهيب نفسه( ). ونسخة اذلهيب بقيت
ألفاظا دست فيه ليست منهَ ،ً ٌ
نوع آخر من انلاس ى
ويعنون بذلك: إل الزعم بأن يف الكتاب وهلذا جلأ
َ َ َ َ
املواضع اليت ذكر فيها شيخه ابن تيمية .وقوهلم هذا يف الوهاء كسابقه ،ويرده ما رد سابقه.
ولكن ادلكتور رياض يف مقاتله اتلحليلية اليت عقب بها ى
لع مثايل ،اكن من انلوع اثلالث اذلين لم
ينكروا صحة الكتاب ،ولم يزعموا أن بعض عباراته مدسوسة ،ولكنهم أولوا العبارات ،ولووا أعناق اللكمات.
ً ً
حكما مسبقا يف عنوان مقاتله قبل أن يرتك القارئ يقرأ حتليله ويطالع بل إن ادلكتور أعط ىى
قراءته! فقال( :واتلنويه به) ،واتلنويه هو ذكر اليشء أو الشخص باثلناء واإلشادة واإلجالل .فهل اقترص
َ
( ) ينظر بيان ذلك يف :مقدمة اتلحقيق لكتاب زغل العلم ،ملحمد بن عبد اهلل القونوي (ص.)1 - 3
َ
( ) تنظر :مقدمة اتلحقيق لكتاب زغل العلم ،ملحمد بن عبد اهلل القونوي (ص.) 1- 1
2
َ تبعا يف َموضع َّ
والمالم؟ هذا ما سـنتبـ َّيـنه هنا
اذلم َ جاء ً
لع اتلنويه بابن تيمية؟ أم أن اتلنويه َ
الكم اذلهيب ى
ى
تعال.- -إن شاء اهلل
الذهيب والنقد:
لع أحد ال يستلزم عدم الرد عليه يف أمور يستنكرها الراد ى
لع ال بد من اإلشارة ى
إل أن اثلناء ى
املردود عليه ،وهذا أمر معروف ،لكن بعض املمارسات تشعر انلاظر إيلها بأن أصحابها تغيب عن
أذهانهم مثل هذه أمور ابلديهية.
بل ال أبعد إن قلت إن اثلناء واإلشادة واإلجالل واتلقدير (=اتلنويه) ،لكها ال تمنع من اذلم والقدح
َ
واإلاعبة للشخص الواحد ،وهذا يرسي مع حال اغلب انلاس ،فيف لك واحد منهم ما يمدح وما يذم؛ فال
غرابة إذن ،وال موجب لالستناكر.
وهلذا قال احلافظ اذلهيب يف كتابه هذا نفسه( :يف لك طائفة من علماء األمة ما يذم ويعاب) ،ويه
ى كتابه ،ى
حت جعلها ناسخ املخطوطة اكلعنوان ى
لع رأس طرتها(.)1 لع فحو ى
عبارة دالة ى
وهذا هو منهج احلافظ اذلهيب يف كثري من ترامجه للرجال واألعالم وتقييماته هلم يف سائر مصنفاته ،ولو
لع سبيلإل موسوعته" :سري أعالم انلبالء" ىأوردت األمثلة جلاءت يف كتاب مفرد ،ولكن يمكن الرجوع ى
املثال ،للنظر يف ترمجة بعض الرجال ،اذلين ى
أثن عليهم بعظيم اثلناء ثم يردفه بعبارة ( ى
لع الرغم من بدعته)
وحنوها .كما يمكن مراجعة ترمجة عمران بن حطان اخلاريج ،وترمجة أيب العالء املعري ،وترمجة الغزايل،
َ
تيمية ما َّ أظهر هذه الرتاجم َش َب ًها َ
َ َّ
سطره يف ترمجة اإلمام ابن بموقفه من ابن ولكن والرازي ،وكثري غريهم،
بالغا يف جوانب عدة ويذمه يف جوانب أخر ى ً ً َ
ى ،فيقول: حزم األندلس ،فانظر إيله وهو يثين عليه ثناء
َ َ َ ً َ َ َ َ
املعارفَ ...واكن قد َمهر أ َّوال يف األدب َواألخبَار َوالشعرَ ،وِف ابلحر ذو الفنون َو َ (اإل َمام األو َحد َ
َ ََ َ َ َ َ َ ً َ َ َ َ َّ املنطق َوأَ َ
لعلع تَأيلف ََي ُّض فيه َ َ ى كَ ،ول َقد َوقفت هل ى ثريا يل َته َسل َم من ذلجزاء الفلسفة فأثرت فيه تأ
ّ ُ َ َّ ِّ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ ٌ االعتنَاء باملنطق َوي َق ِّدمه َ َ ى
ظي، لع العلوم فتأملت هل فإنه رأس يف علوم اإلسالم متبحر يف انلقل عديم انل ر
َ َ َ َ َ َّ َ َ َ
َّ
بسط ل َسانه َوقلمه َولم يتأدب مع األئمة يف
َ لع يبس فيه َوفَرط َظاهر َّية يف الفروع ال األصول(!)َ ...و َ ََى
ْ ُ َّ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َّ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َّ َ
جنس ف رعل ره رِبَيث إرنه أع َرض عن تصان ريف ره اخلطاب ،بل فجج العبارة وسب وجدع ،فَكن جزاؤه مرن ر
( )1هذه النسخة املخطوطة من حمفوظات مكتبة برلّي ،برقم ( ،)1155وناسخها هو أحد أهل العلم من القرن احلادي عرش ،اسمه :خليل بن
ويل بن جعفر احلنيف ،نسخها عن نسخة احلافظ العاليئ تلميذ احلافظ اذلهيب.
3
َ َ َ َ َّ َ َ َ َ ى َ َ َ َ َ َ َْ ُ َ َ َ ٌ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ
َجاعة مرن األئ رم رة وهجروها ونفروا مرنها وأحرقت يف وقت ،واعتن بها آخرون من العلماء وفتشوها
َ َ ََ ٌَ َ َ َّ ً َ َ َّ ُّ َ َ َ ً ََ َ ً َ َ ًَ ََ ً
َ
انتقادا واستفادة وأخذا ومؤاخذة ورأوا فيها ادلر اثلمّي ممزوجا يف الرصف باخلرز المهّي ،فتارة يطربون َ َ
4
َ يستحق َّ
اذلم ،واكن ما يلومه عليه يستأهل َ ُّ
المالم ،فإبراز هذه انلصوص ليس من قبيل رضب الكم العلماء
ً
واردا ى َ
لع العلماء كسائر البرش. بعضه باآلخر ،فاذلهيب هنا غري متناقض املوقف ،وإن اكن اتلناقض
وإن من غرائب األمور أن ختتلف األنظار يف نص طويل ،بل أكرث من نص ،بل هل ما يشهد هل
ى للقائل نفسه؛ فانلص الطويل مظنة الرتاكيب املتنوعة من َ
مجل فعلية واسمية ويعضده يف الكتب األخر ى
يوجد فيها حاسم ،بل حاكم وضمائر وحروف ،ال يمكن أن تشارك لكُّها يف عملية االشتباه ،بل ال بد أن َ
ُّ
َيكم الفهم ويوحده ،وينيف عنه الشبَه والظنون.
ٌ
كتاب أجر ى َ اذلهيب َ
ُّ َ
ى عليه اذلهيب بعض موضعّي وهو ابن تيمية يف كتاب "زغل العلم" يف وقد ذكر
بعت بتحقيق حممد عبد اتلعديالت عندما أبرزه اإلبرازة اثلانية ،ويه اليت أخذها عنه احلافظ العاليئ ،وط َ
اهلل القونوي .وأما اإلبرازة ا ى
ألول اليت ال ختتلف عنها يف يشء ذي بال إال بعض اتلهذيب يف العبارات يف
ً
ابتداء :حممد زاهد الكوثري ،ثم حممد نارص العجيم. اثلانية وإاعدة ترتيب بعض الفقرات ،فقد حققها
ى ً َ
األول:انلصوص مرتبة حبسب ورودها يف الكتاب ،مقارنا ما بّي اإلبرازة اثلانية و وسأورد
النص األول:
َ
كنت حمقا ،وال تنازع يف مسألة ال تعتقدها، قال احلافظ اذلهيب(( :اح َذر المراء يف َ
ابلحث وإن
َ َ
وت منه َكفافًا ال عليك وال لك؛ َ ََ واح َذر الك َ
ب ،والع َ
فواهلل ما رمقت جب بعلمك ،فيا سعادتك إن َن
َ أوس َع ً بعيين َ
تعال ،وقد تعبت يف َوزنه،
ى ى ً
ذاكء من الشيخ ِّ
تيق ادلين ابن تيمية رمحه اهلل علما وال أقو ى
َ َ َّ
آل إيله أمره من َ
المقت هل واالزدراء به واتلكفري، َ
رأيت( )1ما حت َمللت ،وقد
سنّي متطاولة ،ى َ وفتشته يف
نتيجة العجب ،وفَرط الغرام يف رئاسة املشيخة ،واالزدراء باألئمة الكبار ،وما ََ ُّ
دفع اهلل عنه وذلك لكه
َ
أكرث؛ فال تكن يف َريب من ذلك)) [طبعة القونوي (ص .])1 -1 وعن أمثاهل َ َ
ِّ ٌ
واضح ،فاملؤلف َيذر صاحبَه من (املراء واملنازعة) ومن (الكب والعجب)،ٌ ٌ
مستقيم ٌّ
عريب الكم وهذا
ً
لع شيخه ابن تيمية ،يف طريقة املراء واملنازعة ،واليت يه عنده من دالئل الكبورضب هل مثاال طاملا اعبه ى
صدر اذلي لَم يرش ى
إل أصحابه ال
ى َ َ
لع الضمري املذكور (هو) ،وليس لع الم والعجب .ويه أوصاف تعود ى
بإظهار وال بإضمار ،فهو لم يَذكر َمن هم أصحاب (املقت واالزدراء واتلكفري) ،ال باسم ظاهر وال بضمري،
ى ى
لع ى أن هذا املقت واالزدراء واتلكفري اذلي جر ى فالالكم لكه عن َ
بطل املثال ،وهو ابن تيمية ،فاذلهيب ير ى
أول ،ألنه خياطب صاحبَه باألمر وانليه كما يف أول العبارة وِف سائر عبارات الكتاب.
لع اخلطاب ى
( )1جتوز بالضم والفتح ،والفتح ى
5
متساويا ،بل إن ما َ
دفعه ً ً
جزاء ابن تيمية هو نتيجة ما فيه من كب وعجب ،وهلذا اكن هذا جزاؤه ،ولكنه ليس
ى عليهم هو بعض ما يستحقونه.ى عليهم ،فإن اذلي جر ى اهلل عنه وعن أصحابه َ
أكرث مما جر ى
َ هكذا ي َ
فهم الكم اذلهيب ،وال سبيل ى
فهم آخر هل .وقد كنت عجبت من قبل حّي طالعت بعض
إل ٍ
الكم رواد املنتديات اإللكرتونية القديمة ،وما قاهل بعضهم من أن املقصود بذلك خصوم ابن تيمية ،وأن
سقيم منهم ،ما كنت أحسب أن يَه َم فضيلة ادلكتور رياض ٌ لع ابن تيمية ،وهذا ٌ
فهم انلص هذا كَّه ٌ
ثناء ى
فعل ،فال بد من زيادة بيان لعله يراجع ما َوه َم فيه ،ولعل َمن قرأَ َ
الكمه الطايئ ويتاب َعهم عليه؛ فما دام أنه َ
َ َ
بال اتهاماتهم يل بالع َ
جمة أو تتضح هل الصورة وال يغرت بذلك اتلأويل واتلحليل! وحينها يدرك بعضهم و
لع َمرأ ى
ى ادلكتور وإعجابه! ال َهو ى
ى! ى
ُّ
( )1مّيت االختالف بوضع خط حتت اللكمات ،وإن اكن بعض اخلالف من باب فروقات الن َسخ وليس من باب تعدد اإلبرازات.
6
َ َ
جبك وكبك ،فيمقتك انلاس .وهذا يف اغية الوضوح ،إال إذا َ
حج َ َ
ب الكب بعض القراء عن الرتاجع أنت بع
ََ َ
واالنتباه ،وأخذتهم األنفة عن املراجعة واتلصحيح.
وهذا انلص وما أجراه عليه املؤلف من احلذف واتلهذيب يف اإلبرازة اثلانية ،ال يغري من أصل
َ َ َ ً
وأتباعه ،وِف اإلبرازة اثلانية األول َ
ابن تيمية ى قصد يف اإلبرازة املعن شيئًا ،ويستحيل عقال أن يكون قد
ى
يغري وجهته ى
إل خصوم ابن تيمية وأعدائه.
وهذا االتهام الشديد من اذلهيب البن تيمية لم يكن يف هذا َ
الموضع فحسب ،بل هل ما يشهد هل يف
ً ى من كتبه األخر ى
مواضع أخر ى
ى -سيأيت ذكرها الحقا.-
ٌ
ومن باب حسن الظن باذلهيب -وهو أهل هل -فإنه ما قال ما قاهل عن ابن تيمية إال بعد مشاهدات عدة،
َ
وطول تفتيش يف شخصيته ،ووزن تلرصفاته ومواقفه -كما رصح هنا ،-فوجد أن من صفات ابن تيمية -اليت
لع هذه لع األكابر ،واحلدة يف ابلحث واملناظرة؛ فحلل شخصيته ً
بناء ى رصح بذكرها :-ازدراء اخلصم ،والرد ى
لع حنو ما َ
ذكر بعض احلكماء أن فوجد أنها إنما تصدر عن أهل الكب والعجب وحميب الظهور( ،)5ى األوصاف َ
من أسباب الغضب واحلدة :العجب ،واملماراة ،والكب( .)1وهلذا قال اذلهيب يف كتابه "الكبائر" (صُّ َ ( :)53
أش
َ الكبَ :من تكب ى
لع العباد بعلمه ،وتعاظم يف نفسه بفضيلته ،فإن هذا لم ينفعه علمه).
لع األعيان ،فهو من مزالق األقدام ،ألنه ال يكاد ي َ ٌ
قول َ
عرف إال جممل اعم ،أما تْنيله ى وهذا
َّ ى َ
وأن لبرش أن يَستطيعه! إنما يمكنه أن َيذر من احلدة نفسها ومن الغضب لع خبايا القلوب،باالطالع ى
لع أصحابهما أن يستعمالنها يف غري مواضعها العزيزة ،وال يبين عليهما لوازم أعمال ويعيب ىذاتهَ ،
ّ القلوب كما نشاهده ايلوم من صنيع بعض املنتسبني ى
إل العلم الرشيع واتلدين اإلساليم ،ممن نصبوا
ّ ّ
كشافات خلبايا انلفوس وضمائر القلوب! تأيلًا ى
لع اهلل جل يف عاله. أنفسهم
النص الثاني:
عت يف األصول وتوابعها من َ
المنطق بالمرء ،فإن بَ َر َ
أول َقال احلافظ اذلهيب(( :والسالمة والعافية ى
َ واعتصمت َ
َ َ
مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، واحلكمة والفلسفة وآراء األوائل وحمارات العقول،
ى َ
رتبة الشيخ ِّ َ َّ
ولف َ
تعال ،وقد تيق ادلين ابن تيمية ،رمحه اهلل قت بّي العقل وانلقل ،فما أظنك يف ذلك تبلغ
ً حمقق الكتاب يف إبرازته اثلانية :حممد عبد اهلل القونوي ،فقد ً
ٌّ ( )5وهذا ما َّ َ
عقدا فصال يف مقدمة الكتاب دلراسة موقف اذلهيب من فرسه به
ٌ
ابن تيمية ،وأنا مستفيد من بعض نقوالته هناك.
نظر :مَكرم األخالقَ ، َ
للنسيف (ص.) 1- 1 ( )1ي
7
َ َ
آل إيله أمره ،من اإللزامات ابلاطلةَ ، َ
لع طريق السلف،والهجم القبيح عليه ،وقد اكن قبل ذلك ى رأيت ما
َ ثم صار بعد ذلك ى ّ
لع ألوان؛ فعند مجاعة من العلماء هو دجال أفاك ،وعند آخرين من عقالء األفاضل هو
َ ٌ َ
مبتدع فاضل بارع ،وعند أخرين هو مظلم األمر َمكسوف ،وعند عوام أصحابه هو حايم حوزة ادلين
وحامل راية اإلسالم وحميي السنة انلبوية .واهلل املستعان)) [طبعة القونوي (ص.])15-11
وهذا انلص يف الوضوح أكرث من سابقه ،وي َ
الحظ أنه قسم آراء انلاس يف ابن تيمية ى
لع أربعة أقسام،
قطعا ليس قول عوام أصحاب ابن تيمية ،وال قول َمن اتهموه وقَول اذلهيب هو أحدها -وال بد ،-وهو ً
ٌ
اذلهيب أصحابَه القائلّي بأن ابن
ُّ َ
امتدح مظلما مكسوفًاَ ،
فبيق قول ً بادلجل واإلفك ،وال قول من يَ َرونه
تيمية (مبتدع فاضل بارع) ،وهذا ما تؤكده عباراته يف كثري من املواضع اليت َ
ترجم فيها البن تيمية.
ى
األول ،واليت تأيت أهميتها إليضاح املقصد عند ً
وضوحا أن تقرأه كذلك يف اإلبرازة ومما يزيد انلص
َمن لم يتضح هل ،وليس العتماد اللفظ األول وتبنيه ،وإال ما احتاج اذلهيب ى
إل تعديله وإخراجه يف إبرازة
وانتق العبارات َ َ
فحسب. ى املعن وعك َسه ،وإنما هذب األلفاظ
ى ى ،ولكن يستحيل أن يكون غري أخر ى
َ ى َ ى
برعت يف األصول وتوابعها من أول بك ،فإن األول(( :والسالمة والعافية قال اذلهيب يف اإلبرازة
واعتصمت َ
َ َ َ
مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول المنطق واحلكمة والفلسفة وآراء األوائل وجمازات العقول،
رتبة ابن تيميـة ،وال -واهللَ - َ َ َّ
ولف َ َّ َ
تقربها ،وقد قت بّي العقـل وانلقـل ،فما أظنك يف ذلك تبلغ السـلف،
َ َ َ
رأيت ما آل أمره إيله من احلط عليه واهلجر واتلضليل واتلكفري واتلكذيب ِ-بق وبباطل ،-فقد اكن قبل
َ ً ُ
ظلما َمكسوفا عليه قتمة -لع حمياه سيما السلف ،ثم صار م ً يدخل يف هذه الصناعة منو ًرا مضيئًا ،ى أن
ً ًّ ً ً ً
أفااك ً ً
اكفرا -عند أعدائه ،-ومبتدًع فاضال حمققا بارًع -عند طوائف عند خالئق من انلاس ،-ودجاال
َ َ َ َ
وحميي السنة -عند عوام أصحابه ،-هو ما من عقالء الفضالء ،-وحامل راية اإلسالم وحايم حوزة ادلين
َ
أقول لك)) [طبعة العجيم (ص .])1 -1
في َ
الحظ هنا تأكيده أن اذلم والقدح ى
لع ابن تيمية ،منه ما هو (حق) ومنه ما هو (باطل) ،وال سيما
فيما يتعلق بأصول ادلين -حيث سياق الالكم هنا.-
َ ً
ستهجن صدوره منه يف هذا انلص ،وإنما هو موقف ثابت وموقف اذلهيب هذا ليس طارئا يك ي
لع غلط ادلخول يف علم الالكم ،وأنه من بدعالموضع إال للتنبيه ى عنده ،وما قال هذا الالكم يف هذا َ
َ
اخللف ،اذلي يكون تركه من حسن إسالم املرء -ى
لع حد قوهل.-
8
ُ
ورضره وبيل". أما علم املنطق ،فيقول عنه يف رساتله هذه (ص" :)11نفعه قليل،
َ ُ َ ُ ُ
ينظر فيها من يريج فالحه ،وال يركن وأما علم الفلسفة فيقول فيه (ص" :)13احلكمة الفلسفية ما
َ َ ّ ُ َ ى
إل اعتقادها من يلوح َناحه ،فإن هذا العلم يف شق وما جاءت به الرسل يف شق ،ولكن ضالل من لم
ً َ َ ُّ َ
در ما جاءت به الرسل بالفلسفة أشد مرن ضالل من علرم شيئا من اإلسالم ،فوا غوثاه باهلل ،إذا اكن ي ر
َ ْ َ َْ َ ى َ
لع الفالسفة قد حاروا ول رقتهم كسفة ،فما الظن باملردود عليهم! وما دواء هذه اذلين قد انتدبوا للرد
ً
لع أيدي القائلني بها بما يردعهم ،إذ ادلين ما زال اكمال العلوم إال الرق واإلعدام من الوجود ،واألخذ ى
َ
حت عر َبت هذه الكتب ،ونظر فيها املسلمون"!
ى
ى َ
بالغ َ ُّ
األول ،فقال" :وما دواء هذه العلوم وعلمائ رها والعاملني بها أكرث يف اإلبرازة اذلهيب قد بل اكن
ٌ َ ٌ ً َ ً
وغلو فوق غلو ،حنمد اهلل أنه تْنه عنه يف شطط، رعلما وعقدا إال احلريق واإلعدام من الوجود"!! وهذا
اإلبرازة األخر ى
ى.
ٌ
ومناقشة رأيه يف هذه العلوم ليس هذا موضعها ،وهو يف ذلك خمالف ومباي ٌن لرأي شيخه ابن تيمية
ى َّ
ى أن العلم يف هذه العلوم ،ال سيما يف كتابَيه "در تعارض العقل وانلقل" و"منهاج السنة" ،فابن تيمية ير
إل (الفلسفةلع مذاهبها املختلفة (من أنفع األمور)( ،)3إذ بذلك يصل املرء ى بالفلسفة واالطالع ى
فمن تبحر يف َ
المعقوالت ،ومّي بّي ابلينات والشبهات، احلقيقية) و(الفلسفة الصحيحة)( .) 5ويقولَ ( :
ُ ّ ً
ل اهلل عليه وسلم ،وكما عظمت تبّي هل أن العقل الرصيح أعظم األشياء موافقة ملا جاء به الرسول ص ى
ُ
ل اهلل عليه وسلم)( ).معرفة الرجل بذلك ،عظمت موافقته للرسول ص ى
َ
( )3ينظر :منهاج السنة ،البن تيمية ( .) 1 /
َ
( ) 5ينظر :منهاج السنة ،البن تيمية ( .) 13- 11/
( ) درء اتلعارض العقل وانلقل ،البن تيمية (.) 1/1
9
باذلهيب ى
إل أن يتهمه بالعجب والكب وحب الظهور!
ومما يؤكد هذا املوقف ما اكن يلمح إيله أو يرصح ببعضه يف مواضع أخر ى
ى من كتبه .وهذه
مقتطفات منها( ):
.قال اذلهيب عن ابن تيمية( :مع أّن خمالف هل يف مسائل أصلية وفرعية).
ّ .وقال عن أصحاب ابن تيمية المتعصبّي هل( :فإن احلب َيملهم ى
لع تغطية هناته ،بل قد يعدونها
حماسن).
ً
.وقال( :اكن تعرتيه حدة يف ابلحث ،وغضب ،وشظف للخصم ،تزرع هل عداوة يف انلفوس).
ً َ َ ْ َ ً
يها َمأجور ،ومقتصدهم
وأفعاال ،منصفهم ف َ .1وقال( :فأصحابه وأعداؤه قد ينقمون َعليه أخالقا
يها َمأزور ،واغيلهم َمغرور).
يها َمعذور ،وظالمهم ف َ
ف َ
الذهيب والرمز:
من اعدة احلافظ اذلهيب يف صناعة الرتاجم ،أنه اكن يرمز ببعض الرموز أثناء ترمجة معارصيه أو َمن هلم
َ
أثر يف املعارصين هل ،وسبب ذلك اخلشية من بعض أصحاب الفنت واجلهالة ،وبعض َمن هلم سطوة وطغيان.
مثال ذلك قوهل( :ما لك ما يعلم يقال) وحنوها ،وهذه َّ
تفط َن هلا ابن حجر وهو اخلبري باذلهيب ،فقال:
َ
نظر :تاريخ اإلسالم ( .)555/ 1وذيل تاريخ اإلسالم (ص .) 5- 1واملعجم املختص (ص .) 1واذليل ى
لع طبقات النابلة ،البن رجب ( )ي
ً
( 1 3-13 /1ناقال الكم اذلهيب).
11
ّ
ى
خيش اغئلة اتلرصيح فيه)( ). لع َمن
الط ى لع اعدته يف الرمز ى
إل (هذا الكم اذلهيب ى
أيضا ما حاكه عنه تلميذه العاليئ -راوي كتاب "زغل العلم" -أنه اكن إذا لم َيقدر ى
لع
ً
ومن ذلك
َ
اتلرصيح بعيب أحد ،فإنه يقول يف ترمجته( :واهلل يصلحه)(.) 1
خيف ى
لع القارئ املطلع، ى وقد استعمل اذلهيب هذه العبارة يف ترامجه البن تيمية وبعض أتباعه ،وال
حت قال اذلهيب يف رساتله اليت أفردها يف ً
عداء نشأ بّي اذلهيب وبعض أتباع اإلمام ابن تيمية ،ى أن ثمة
ترمجته( :مع أّن قد أوذيت لالكيم فيه من أصحابه) ،ولذلهيب رسالة مفردة يف أصحاب ابن تيمية ،أسماها:
"القبان" بمع ى
ن املزيان ،ويه من اآلثار املفقودة(.) 1
َ
ومع هذا اتلحرز يف إظهار رسالة "زغل العلم" ،إال أنها -فيما يبدو -قد بلغ خبها زميله ابن قيم
أحلق ابن القيم بنونيته بيتّي يعرض فيهما باذلهيب ورساتله ،فيقول: َ
طالعها ،وذللك َ اجلوزية ،وربما
َ َ
أوقح احليوان فعل المباهت رايم البيء بدائه ومصابه
هو َرضبه فاع َ َّ َ
جب ذلي ابلهتان بالزغل اذلي كمعري انلاس
َ وال ى
خيف ما اكن بّي اذلهيب وابن القيم من جفوة شديدة ،ويه ليست من قبيل اختالف اتلخصص
ً َ
متجها لع قوهل بأن اذلهيب اكن كما حاول ادلكتور رياض أن يقول يف قراءته اتلحليلية ،حيث ى
بن ذلك ى
حنو اتلصنيف يف اتلاريخ والرتاجم ،بينما ابن تيمية اكن متصديًا لذلب عن أصول ادلين واملناظرة والردود،
َ ً ً
شديدا ى
لع خصومه ،غليظا يف مناظراته .ثم قال( :إذا فهم هذا ،وجه مما جعل اذلهيب يراه حادا يف طبعه،
الكم اذلهيب يف اإلمام ابن القيم بنحو توجيه الكمه يف شيخ اإلسالم)!
وليك نتمكن من تطبيق نصيحة ادلكتور رياض ،علينا أن نقرأ الكم اذلهيب يف ابن القيم ،فقد قال
َ َ َ َّ اَّلل يصلحه َوي َو ِّفقهَ ،سم َع َميع من َ َ
مج َ َ َّ
اعةَ ،وت َصد َر لالشتغالَ ،ونرش عنه يف ترمجته يف "املعجم املختص"( :و
َ َ َّ َ العلمَ ،ولَك َّنه مع َج ٌ
لع األمور .غف َر اَّلل هل). يء َ َ ى
العقل َجر ٌب ب َرأيه َسيئ َ
11
ى َ
بعّي اذلهيب أنه (سيئ العقل)؟! ى ألمر خمتلف ،فإنه قد ير ى
القيم ،ولك واحد منهم تصد ى
ختامًا:
إن اتلوجيهات اليت عملها ادلكتور رياض للنصوص ،يه توجيهات ال حمل هلا يف الواقع ،ويه تعب عن
مثايلة خيايلة ،ال نعيشها ،وال نريد للطلبة أن يعيشوها؛ فاخلالفات الشخصية والعلمية واقعة منذ زمن
الصحابة ى
حت يوم انلاس هذا ،فكم رأينا يف أيامنا هذه من تالمذة يذمون شيوخهم أقبح اذلم ،أو العكس ،أو
ما َيدث بّي األقران ،ولك منهم من املشتغلّي بالعلم وا َ
ملتصدين خلدمة الرشيعة يف ظاهرهم؛ فال حاجة نلا
باملثايلات اليت أرهقت ادلعوة ،وزورت اتلاريخ ،وشلكت صدمات نفسية دل ى
ى املقبلّي ى
لع العلم.
واملنهجية الواقعية ال تسهم يف إسقاط األعالم ،فال يستطيع منصف أن يقول :اتركوا اذلهيب اذلي
يطعن بابن تيمية ،كما ال يقول :أسقطوا ابن تيمية اذلي بدعه اذلهيب واتهمه يف أخالقه!
ولكن بالعلم واإلنصاف نستطيع أن ننظر فيما اختلفوا فيه ،ونعرف المحق منهم من املبطل ،مع
االستفادة من اجلميع ،واالعرتاف بفضلهم وسابقتهم ،وندعو اهلل نلا وهلم باملغفرة والرمحة ،إنه هو الغفور الرحيم.
وكتب
ُ َ ّ َ ّ
السنوي
عم ر ر
الموصل َ
المحروسة بمدينة َ
يللة اعشوراء سنة 11ه َ
(َ ) 1
ذكر ذلك اتليق الفايس يف ترمجة ابن القيم ،يف كتابه :إيضاح بغية أهل ابلصارة.
12