Professional Documents
Culture Documents
February 2020: Preprint
February 2020: Preprint
net/publication/339213163
CITATIONS READS
0 43,156
1 author:
Mehaoui Karima
Ecole Normale Supérieure de Béchar
26 PUBLICATIONS 0 CITATIONS
SEE PROFILE
Some of the authors of this publication are also working on these related projects:
ﺳﻮرة "اﻟﻘﻤﺮ" أﻧﻤﻮذﺟﺎ.اﻟﺘﻜﺮار ﻓﻲ اﻟﻘﺮآن اﻟﻜﺮﻳﻢ دراﺳﺔ ﺻﻮﺗﻴﺔ ﻟﺨﺼﺎﺋﺺ اﻟﺘﻜﺮار وأﺛﺮه ﻓﻲ اﻟﺴﺎﻣﻊ. View project
All content following this page was uploaded by Mehaoui Karima on 06 January 2021.
مطبوعة بيداغوجية
لمقياس
تقديم:
نظرا لألهمية التي يكتسيها أدبنا الجزائري الحديث والمعاصر ،فإن حاجة طلبتنا ماسة لالطالع على
الخلفيات التاريخية واالجتماعية والموضوعاتية والفنية التي انبنى عليها ذلك األدب الذي واكب بدايات
العصر الحديث وصوال إلى المرحلة المعاصرة ،حيث يتعرف الطالب من خالل محاور المقياس على أهم
األشكال األدبية التي ظهرت حديثا في أدبنا القومي .ويلقي نظرة على الظروف واألحداث التي كان لها الفضل في
إنشاء عدد من األنواع األدبية ،وكذا دور األدب الجزائري في تصوير الحياة التي عاشها الجزائريون في مختلف
المراحل الزمنية .والتطورات التي طرأت على عدد من الفنون األدبية كاالنتقال من الشعر العمودي إلى الشعر
الحر ،ونشأة فنون أدبية حديثة كالقصة القصيرة والرواية.
2
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
الفهرس:
الموضوعات
الصفحة
تقديم9..........................................................................................................................................
المقدمة 6......................................................................................................................................
تمهيد8....................................................................................................................................................................
إطاللة على الحركة الفكرية والثقافية والسياسية منذ دخول االستعمار وحتى االستقالل9............................
تمهيد01....................................................................................................................................................................
الشعر الوجداني11..................................................................................................................................................
الشعر الثوري11......................................................................................................................................................
3
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
تمهيد11....................................................................................................................................................................
شعر األزمة88...........................................................................................................................................................
النثرالجزائري الحديث85...............................................................................................................
أدب الرحلة81..........................................................................................................................................................
الرحلة السياسية88.................................................................................................................................................
تمهيد10....................................................................................................................................................................
5
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
مقدمة:
إن المتأمل لتاريخ الجزائر الحديث يجده متنوعا وثائرا على مر الزمن .لقد تضافرت الظروف السياسية
واالجتماعية والثقافية لتجعل من الشعب الجزائري على مدار قرنين من الزمن يصنع الحدث ويفاجئ
الجميع ،في الوقت الذي ظن فيه كثير من الناس أن األمة الجزائرية إلى زوال وحلت محلها أمة أخرى تدعي أنها
صاحبة األرض ورائدة الحضارة والتطور.
لقد تميزت األمة الجزائرية منذ 0881م بتمسكها بأصالتها وتشبثها بأرضها ،وكل هذا نجده منعكسا في تراثها
األدبي على مر التاريخ .وعلى الرغم من جهود المستعمر المضنية من أجل القضاء على أي أثر للثقافة
الجزائرية ،إال أننا ظفرنا بعدد من اآلثار األدبية التي تنتمي إلى مرحلة ما قبل وأثناء االحتالل في القرن التاسع
عشر ،متمثلة في بعض القصائد والمقطوعات الشعرية وكتب صورت الحياة الجزائرية خالل تلك الفترة.
ومن شعراء هذه المرحلة نذكر محمد بن الشاهد وقدور بن رويلة واألمير عبد القادر ،هؤالء الذين نقل لنا
شعرهم صورا عن تلك المرحلة من تاريخنا .ونأسف لعدم وصول كثير من النصوص األدبية بسبب إتالف
االستعمار والزمن لعدد كبير من هذا التراث األدبي الزاخر.
تميزت بدايات القرن التاسع عشر بوجود عدد من األدباء الذين ذكرهم التاريخ وسجلوا بصمتهم في األدب
الجزائري الحديث نذكر منهم حمدان بن عثمان خوجة صاحب كتاب "المرآة" الذي كتبه من أجل تعريف
المستعمر باألمة الجزائرية وبأنها أمة لها تاريخها وأصالتها وشعبها المتمسك بوحدته وتاريخه .وكذلك نذكر
المفتي محمد بن العنابي الذي كان شاعرا وكاتبا وقف في وجه المستعمر من أول وهلة مما أدى إلى سجنه ثم
نفيه إلى مصر ،وقد نفي عدد من أعالم الجزائر إلى مناطق عدة من العالم كثير منهم ما زال طي النسيان.
ومع بدايات القرن العشرين بدأت النهضة تسري في أوساط الجزائريين بعد مرحلة طويلة من الخمول
والجهل واألمية ،لتكتشف الجزائر طاقاتها الكامنة فظهر من الشعراء والكتاب من قام بأعباء النهضة
ومقاومة االحتالل بكل وسائل الكفاح المتاحة آنذاك ونذكر من رواد هذه المرحلة؛ محمد السعيد الزاهري
والهادي السنوس ي ،وعمر بن قدور الجزائري ومفدي زكريا ومحمد البشير اإلبراهيمي وابن باديس وثلة غير
قليلة من أمثال هؤالء كان لهم الفضل في إحياء األدب العربي في الجزائر.
6
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
هذه محاضرات تتناول بصفة ميسرة مراحل تطور األدب العربي في الجزائر خالل العصر الحديث
والمرحلة المعاصرة شعرا ونثرا ،في محاولة للطالع طالب المدرسة العليا لألساتذة على أهم أعالم األدب
الجزائري في هذه المرحلة ،وأشهر المؤلفات األدبية والفكرية .ومن خالل حصص األعمال الموجهة يتاح
للطالب االقتراب من النصوص األدبية الجزائرية وتحليلها ودراستها ومعرفة خصائصها اللغوية واألدبية .على
أمل أن يزداد االهتمام باألدب الجزائري الذي ما زال يخئ الكثير من المفاجتت للباحثين التائقين للمغامرة
واالستكشاف.
7
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
تمهيد:
األدب الجزائري هو كل منظوم ومنثور أنتجه أدباء الجزائر منذ نشوء الدولة الجزائرية الحديثة إلى
يومنا هذا .ويعد كثير من الدارسين تاريخ دخول االستعمار الفرنس ي ( )0881للجزائر تاريخا لنشوء الدولة
الجزائرية الحديثة؛ على اعتبار أن الجزائر قبل هذا التاريخ كانت تابعة للدولة العثمانية سياسيا .وقد توفرت
الجزائر على أدب وأدباء لم يصلنا عنهم إال القليل النادر خاصة ما تعلق بالمرحلة االستعمارية وما قبلها .لكن
الدارس المتمعن والباحث الجاد يستطيع إيجاد عدد من النماذج األدبية التي تمثل هذه المرحلة أو تلك،
وباجتهاده ومدارسته لهذه النماذج يستطيع استخالص نظرة عامة حول األدب الجزائري في هذه المرحلة
الزمنية التي تعد من أهم مراحل الجزائر الحديثة.
الحداثة من الحديث ،ونعني به كل ما هو حديث الوجود زمنيا ،واصطالحا جاءت من اللفظة األجنبية
Modernismeوهو مصطلح حديث « يدل على الجديد والميل إلى المعاصرة ،وليس مذهبا معينا ،ولكنه
اتجاه جديد مهمته مصارعة القديم باسم الجديد ،والتحرر من إسار القوالب والمضامين التي مض ى عليها
الزمان 1».وكثيرا ما ترتبط الحداثة بالمعاصرة ،فيرتبط كل منهما باآلخر ،ومن الدارسين من يساوي بينهما فكل
أدب حديث يعد معاصرا ،مادام فيه تجديد وإبداع.
ُ
أما قولنا أدب جزائري حديث فنعني به كل أدب نظما كان أو نثرا أنتج خالل العصر الحديث للدولة
الجزائرية الحديثة ،ويتعلق األمر بالقرنين الماضيين؛ القرن التاسع عشر والقرن العشرين أي منذ احتالل
فرنسا لألرض الجزائرية ،ألن الهوية الجزائرية بدأت معالمها في الظهور منذ تلك المرحلة ،وهي حديثة نسبيا
بالنسبة للمرحلة المعاصرة ،فال يمكن إدراجها في إطار األدب الجزائري القديم.
والمعاصرة من المعاصر وكالهما من العصر ،أي أن الشخص المعاصر ينتمي إلى العصر الذي نعيشه
ُ
ونتفاعل فيه ،واألدب المعاصر هو األدب الذي أنتج في العصر الحاضر .والمعاصر بالمفهوم األدبي القديم
ُ
الحدث الذي ُيعاصر شاعرا أو حدثا ،وينبغي بالتالي أن يتميزا بصفات متشابهة ،فالبحتري «هو الشاعر أو
1محمد التونجي .المعجم المفصل في األدب .ج .1دار الكتب العلمية .بيروت .ط1111 .20:ه1111 /م .ص.911 :
8
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
معاصر ألبي تمام ،وأبي فراس معاصر للمتنئي .كما أن الشعوبية عاصرت نكبة البرامكة 1».ومصطلح
المعاصرة والمعاصر أصبح يدل على المرحلة األخيرة من العصر الحديث ،بحيث يكون الشيخ البشير
اإلبراهيمي ،مثال ،ينتمي إلى العصر الحديث ،بينما أحالم مستغانمي أديبة جزائرية معاصرة.
إطاللة على الحركة الفكرية والثقافية والسياسية منذ دخول االستعماروحتى االستقالل:
إن التعريج على حال الحركة الفكرية والثقافية والسياسية خالل هذه المرحلة ليس باألمر الهين أو
اليسير؛ وبخاصة أنها مرحلة طويلة متعددة األحداث ومعقدة المسارات .لقد مر الشعب الجزائري منذ دخول
االستعمار بمراحل متعددة ،تشكلت من خاللها شخصيته المتفردة ،وهذا راجع إلى تنوعها وقساوتها في
ا لوقت ذاته .فبعد أن كانت الجزائر ،سياسيا ،والية عثمانية تخضع للحكم العثماني الذي كان سائدا في كثير
من الدول العربية واإلسالمية ،أصبحت مقاطعة مستعمرة خاضعة لنظام االستعمار الفرنس ي ،يطبق عليها
النظام االستيطاني الذي يعد اإلنسان الجزائري مواطنا من الدرجة الثانية أو الثالثة ،ويعتبر األرض الجزائرية
ُ
أرضا فرنسية تستباح خيراتها كلها بمقتض ى القانون االستعماري.
عندما دخل االستعمار الفرنس ي إلى الجزائر وجد الشعب الجزائري شعبا مثقفا ومتعلما ،ونسبة األمية فيه
تكاد تكون منعدمة ،وهذا بشهادة الفرنسيين أنفسهم وعدد من المستشرقين والرحالة الذين زاروا الجزائر
آنذاك .وعدد المكتبات في الجزائر كان ال يحص ى ،حيث بذل الجزائريون في بداية االحتالل جهدهم في
ُ
الحفاظ على إرثهم العلمي واألدبي ،غير أن وحشية االستعمار كانت أقوى من إصرارهم فأحرقت المكتبات
والكتب مع أصحابها في كثير من الحواضر الجزائرية .ولم يبق لنا اليوم من ذلك اإلرث إال ما هو مسروق
ومعروض في المتاحف الفرنسية ،أو ما هو مخبوء ومجهول في مكتبات عدد كبير من الزوايا القديمة والبيوت
العتيقة التي مازالت بحاجة إلى نفض الغبار عنها وإحيائها وتقديمها للباحث الجزائري.
والجدير بالذكر في بداية المرحلة االستعمارية أن الجزائريين لم يتوانوا في الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم
وعرضهم ،فقامت المقاومة تلو المقاومة ،مما أتعب المستعمر وأنهك قواه فلم يتمكن من احتالل الجزائر
بسهولة ،ولم تكن الجزائر لقمة سائغة له .وهذه المقاومة الضارية صورها الشعراء واألدباء ،فلم يصلنا منها
ما يشفي الغليل بسبب طول مكوث االستعمار في أراضينا ،وتقصيرنا في التنقيب عن آثارها .ولم ينج منها إال ما
رحل مع األمير عبد القادر وحاشيته إلى المنفى ،أو نزر يسير تناقلته بعض الكتب.
ومع دخول القرن العشرين دخلت الجزائر مرحلة جديدة في تاريخها غيرت موازين القوى وأصبح الجزائري
بمعداته البسيطة وزاده القليل قادرا على تغيير الحياة السياسية والثقافية والفكرية لصالحه رغم شراسة
االستعمار وتصديه للحركة الثقافية والسياسية الناشئة .لقد هاجر عدد ال يستهان به من الجزائريين إلى
تونس وإلى القاهرة لطلب العلم ،وعادوا بثقافة البأس بها وفكر متفتح ،وعزيمة قوية لتغيير الوضع في
الجزائر .فتأسست أحزاب سياسية ،وجمعيات فكرية ،وأصدرت مجالت وصحف باللغة العربية والفرنسية
من أجل نشر الوعي بين الجزائريين الذين أنهكهم االستعمار الطويل لبالدهم.
إن تغير المستوى الفكري والثقافي لدى الجزائريين خالل القرن العشرين هو الذي مهد لقيام الثورة
التحريرية الكبرى التي أرغمت االستعمار على االندحار من بالدنا في جويلية 0911م .وانتشار العلم والمعرفة
في أوساط الجزائريين الذين كانوا يعانون من الجهل واألمية والفقر جعلهم يقتنعون بعدالة قضيتهم وبقدرتهم
عل تحقيق هدفهم المنشود .كما أن الجهد الذي بذلته جمعية العلماء المسلمين في تنوير عقول الجزائريين
وتصحيح معتقداتهم كان له الدور البارز في تحقيق المبتغى الكبير وهو االستقالل ،االستقالل الفكري الذي
ولد فيما بعد االستقالل السياس ي بفضل الثورة الكبرى.
هو األدب الذي ينتمي إلى المرحلة الممتدة بين 0881م و نهايات القرن العشرين .ومن الدارسين من
يجعله بين تاريخ احتالل الجزائر من طرف فرنسا إلى غاية نهاية الستينات من القرن العشرين .ويعد ما بعد
هذه المرحلة أدبا معاصرا ،على اعتبار أن عددا من أدباء المرحلة األخيرة ما زال معاصرا .لكن األدب
الجزائري الذي ينتمي إلى بدايات العصر الحديث قليل جدا بل نادر والسبب األول في ذلك هو االستعمار،
الذي كان هدفه األساس ي محو األمة الجزائرية من الوجود واستبدالها بأمة فرنسية على غرار ما فعلته كثير
من الدول االستعمارية آنذاك.
إن دخول فرنسا إلى مدينة الجزائر سنة 0881م ،يعد نكبة حقيقية للجزائر وشعبها في مجاالت الحياة
كلها « ،فقد كان حادث احتالل الجيش الفرنس ي لمدينة الجزائر صدمة عنيفة هزت نفوس الجزائريين األحرار
من األعماق ،بل هزت نفوس المغاربيين جميعا حيث وجد لهذا االحتالل صدى في الشعر التونس ي وشعر
المغرب األقص ى يومئذ فضال عما كتبه أدباء الجزائر وشعراؤها أمثال :حمدان بن عثمان خوجة ،ومحمد بن
10
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
الشاهد ،وقدور بن رويلة ،واألمير عبد القادر وآخرون ،فظهر في شعر هؤالء جميعا الشعور القومي الوطني
التحرري ربما ألول مرة في تاريخ الثقافة الجزائرية1».
وقد عبر الشاعر محمد بن الشاهد عن المأساة التي ألمت بالشعب الجزائري من جراء االحتالل في شعر
يفيض ألما وحسرة منه قوله:
أموت وما تدري البواكي بقصتي * * وكيف يطيب العيش واألنس في الكفر
فيا عين جودي بالدموع سماحة * * ويا حزن شيد في الفؤاد وال تسر
لقد كان لالستعمار الفرنس ي دور كبير في تدني المستوى الثقافي والفكري وخاصة منه األدبي في الجزائر،
وقد تضافرت األسباب البتعاد الجزائريين عن العلم ،ليس في طلبه ،ولكن في تطويره واالرتقاء به ،فظل يراوح
مكانه نافرا من كل جديد ،بل ساده الضعف وأثرت فيه العامية« ،فرغم محاوالت الجزائريين أن يفكوا
الحصار الذي ضربه من حولهم االحتالل األجنئي ،فإن األدب العربي في الجزائر قد تطبع بطابع خاص نتيجة
ضعف اللغة العربية وندرة االحتكاك بتجارب اآلخرين ،ومن هنا لم تتقدم فنون األدب الحديثة في الجزائر
كالقصة والمسرحية والنقد2».فغدا األدب خاليا من اإلبداع في كثير من أحواله بسبب انشغال كثير من
الجزائريين بمقاومة فرنسا ومحاربتها ،في سلسلة مقاومات شعبية لم تتوقف حتى بدايات القرن العشرين
الذي أطل على الجزائر بوجه جديد تسربت معه بعض التغييرات كان لها أثر في تغيير الفكر واألدب في هذه
المرحلة .لقد تعرضت الثقافة العربية في الجزائر منذ دخول المستعمر إلى محنة بالغة القسوة«إذ لم
يستهدف االستعمار استيطان األرض ،واغتصاب خيراتها فقط ،ولكنه عمد كذلك إلى فصل الشعب الجزائري
عن جذوره ،وقطع أواصره العربية اإلسالمية ،وذلك بالقضاء التدريجي المتعمد على اللغة العربية والثقافة
اإلسالمية ،ومصادرة الحريات العامة ،واالستعاضة عنها بنشر ثقافته ولغته ،وصحافته الناطقة بترائه3».
ثم جاءت بدايات القرن العشرين لتلبس الجزائر ثوبا جديدا لم تلبسه من قبل ،هو ثوب التجديد في
الحياة في شتى مجاالتها وإن لم يكن تجديدا كامال أو مشابها للتجديد الذي حدث في الشرق وفي الغرب .وها هي
ذي األحزاب والجمعيات تتأسس لتحاول بدورها إحداث تغيير في الحياة الجزائرية مهما كان بسيطا لعل
المواطن الجزائري في كل مستوياته يرتقي شيئا ما إلى مصاف الحداثة المتأججة في كل مكان .وعن النهضة
العربية في الجزائر نجد الشيخ محمد البشير اإلبراهيمي يقول«:النهضة العربية في الجزائر بجميع فروعها ،وفي
1عثمان حشالف .محاضرات في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر .المدرسة العليا لألساتذة في آلداب اإلنسانية ببوزريعة .مادة األدب الجزائري
للتكوين عن بعد .السنة الثانية جامعي .ص.21 :
2أبو القاسم سعد الله .دراسات في األدب الجزائري الحديث .دار الرائد للكتاب .الجزائر .ط0222 .20 :م .ص.20 :
3محمد صالح الجابري .األدب الجزائري المعاصر .ط .21 :دار الجيل .بيروت0220 .م1100 /ه .ص.11 :
11
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
مقدمتها نهضة األدب العربي ،وليدة الخمس الثاني من هذا القرن الميالدي ،وقد سبقتها إرهاصات وتباشير
كلها لم تسبق ابتداء هذا القرن ،وسبقها كذلك تقدم مشهود في عربية القواعد ،اضطلع به نفر استطاعوا
بوسائلهم الخاصة أن ينفلتوا من الحواجز التي وضعها االستعمار الفرنس ي عن قصد في سبيل التعليم
العربي ،فنفرت طائفة قليلة منهم إلى مصر ،ورجعت بزاد من القواعد العربية وسعت به مداها في ذلك القطر
المرزوء في جميع مقوماته ومنها اللسان العربي ،ونفرت طائفة أخرى كثيرة العدد إلى جامع الزيتونة بتونس1».
أدت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين دورا بارزا في محو األمية عن الشعب الجزائري ،وبذلك أتاحت
لكثير من ش باب الجزائر فرصا للنهوض بالعربية وآدابها ،فظهر أعالم منهم محمد العيد آل خليفة ،والشيخ
أحمد سحنون ،ومفدي زكريا .ومن أعالم الجزائر أيضا محمد بن إبراهيم ولعله صاحب أول رواية عربية وهي
"حكاية العشاق" والتي سبقت رواية زينب ب 11سنة ،هذه الرواية التي حققها أبو القاسم سعد الله في
السبعينيات من القرن الماض ي ،ومن أدباء العصر الحديث في الجزائر أحمد رضا حوحو الذي يرجع له
الفضل في إرساء القصة القصيرة والمسرح في الجزائر .ومحمد بن أبي شنب عالم من علماء الجزائر في بدايات
القرن العشرين الذي أتقن لغات عديدة ونال شهادة دكتوراه دولة من القسم األدبي من كلية اآلداب بجامعة
الجزائر سنة 0911م ،وكان موضوع األطروحة "أبو دالمة حياته وشعره" باللغة الفرنسية .ألف عدة كتب
وحقق الكثير من املخطوطات ،يقول في مدح الجزائر:
هلم بنا نحو الجزائر يا فتى فقد * * ضاق بي حالي وأقعدني الوجد
أفيقوا بني أمي عمي برقي المشارف * * وجدوا وكدوا في اكتساب المعارف.
عبر األدب الجزائري مراحل زمنية متغيرة األحداث سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ،فعبر في كل مرة عن
آالم وآمال الشعب الجزائري؛ بدءا بالثورة المباركة التي كان لها الفضل في تحرير الجزائر من المستعمر
الغاشم ،إ لى سنوات االستقالل األولى التي كانت تحديا آخر كاد االختالف فيه بين األخوة أن يفتك بالبالد ومن
عليها ،لتأتي مرحلة السبعينيات بما لها وما عليها .وهذه المرحلة األخيرة اتسمت بازدهار أدبي عبر عنها وعن
التحوالت التي عاشتها البالد آنذاك ،ومن الدارسين من يبدأ التأريخ لألدب الجزائري المعاصر من هذه
المرحلة .غير أني أرى أنها تعد امتدادا لما قبلها من مراحل ويمكن أن تمثل األدب الحديث ،ألن األدب
1أحمد الطالب اإلبراهيمي .آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي.ج .20دار الغرب اإلسالمي .بيروت .ط1112 .21:م .ص( .000 :تصدير لكتاب
أبي القاسم سعد الله" ،محمد العيد آل خليفة :رائد الشعر الجزائري في العصر الحديث" ،دار المعارف ،القاهرة1101 ،م).
12
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
المعاصر يمثل أدب المرحلة الراهنة وأدب السبعينيات يعد أدبا مختلفا كليا ،وفي شتى النواحي ،عن أدب
المرحلة الراهنة والتي تنتمي إلى العشرية األخيرة من القرن العشرين وما تبعها من أدب األلفية الثالثة .خاصة
وأن مرحلة األلفية الثالثة تجاوزت بشكل سريع ورهيب القرن العشرين كليا .أما مرحلة الثمانينات من القرن
الماض ي فتعد نقطة تحول كبرى في تاريخ الجزائر المعاصر وأدبها.
يمثل األدب الجزائري المعاصر ،مرحلة جديدة في مسار التطور األدبي الجزائري والعربي بشكل عام.
حيث نلحظ له تطورا على الصعيدين الموضوعي والفني ،وذلك تبعا للتغير الحاصل في الحياة االجتماعية
واالقتصادية ،بناء على التغيرات التي طرأت في الحياة السياسية أواخر الثمانينيات «.إن الواقع االجتماعي
الذي تغير تغيرا عاما فرض على الشعراء أن يكتبوا نصا جديدا ..نصا هو ابن المرحلة ،وليس غريبا عنها.
يؤسس ويجرب في الوقت نفسه .والنص المعاصر ال ُيحدد من خالل الشكل وحده ،وإنما من خالل الشكل
ًّ
عصريا؛ بيد أن هذا ال يمنع أن يعيش الناص عصره والمضمون معا )...( .وهل يمكن أن يكون الناص إال
ي بحكم الثقافة التراثية1». مشدودا في الوقت ذاته بحبال عصور غبرت من خالل ارتباطه بالماض
ُ
وبناء على التقسيم الذي ذكرناه سابقا فإن كل أدب جزائري أنتج خالل المرحلة الممتدة بين أواخر القرن
العشرين إلى يومنا هذا يعد أدبا جزائريا معاصرا ،ومن أهم رواده نذكر الطاهر وطار ،وواسيني لعرج ،والطاهر
يحياوي ،ورشيد بوجدرة ،وأمين الزاوي ،وربيعة جلطي و أحالم مستغانمي.
لقد دخلت فرنسا إلى الجزائر مستعمرة ومدمرة ،في وقت كان الجزائريون يعيشون حياة رقي وازدهار في
شتى الميادين ،أما العلم والثقافة فكانت في أفضل حاالتها ،مثلما يشهد على ذلك بعض الرحالة األوربيين،
بحيث كان الجزائريون كلهم متعلمون ومثقفون؛ يقول "فيلهلم شيمبر"(0818 -0811م) أحد الرحالين
األلمان حين مر بالجزائر سنة 0880م « :لقد بحثت قصدا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة،
غير أني لم أعثر عليه ،في حين وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا» 2لقد كانت الجزائر في أحسن أحوالها
الثقافية قبيل االحتالل ،لكن بعده بقليل بدأ التدهور يسود البالد في كل مجاالت الحياة وعلى رأسها املجال
1عبد الغاني خشنة .إضاءات في النص الجزائري المعاصر .دار األلمعية للنشر والتوزيع .قسنطينة .ط0219 .21 :م .ص22 :
2أبو العيد دودو.الجزائر في مؤلفات الرحالين األلمان .الشركة الوطنية للنشر والتوزيع .الجزائر1120 .م .ص.19 :
13
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
العلمي والثقافي ،حيث حارب الفرنسيون التعليم العربي واإلسالمي ،واحتوى بعض الزوايا وضمها إلى صفه،
كما استولى على األوقاف اإلسالمية وسيرها وفق رؤيته االستعمارية االستيطانية.
تعود أصول األدب الجزائري الحديث إلى النصف األول من القرن التاسع عشر ،حيث كان هذا األدب
مرتبطا بصنوه العربي في المشرق؛ فقد استلهم األدباء الجزائريون أدبهم من التراث العربي على غرار إخوانهم
المشارقة .ومن رواد األدب الجزائري في هذه المرحلة األمير عبد القادر الذي كانت له آثار تدل على براعة
الجزائريين وبالغتهم آنذاك وتمكنهم من العربية وتشبعهم بالثقافة اإلسالمية « ،في فترة كانت الثقافة العربية
والحركة األدبية في الجزائر ذات حيوية ،كما كان التعليم منتشرا والعربية سليمة من العجمة والضعف ،وهو
الوضع الذي بدأ يتراجع بمجيء االحتالل ،حيث بدأت تشيع األمية بتوطد االحتالل ،ويضعف المستوى األدبي
بانزواء رجال األدب أو صمتهم وهجرة بعضهم 1».ومن أبرز كتاب وأدباء هذه المرحلة الكاتب حمدان بن
عثمان خوجة صاحب كتاب "المرآة" ،والمفتي الجزائري محمد بن العنابي الذي كتب شعرا ونثرا الذي واجه
االحتالل منذ أيامه األولى حتى سجن ثم نفي إلى مصر حتى توفي فيها سنة 0810م ،ومن الشخصيات البارزة في
هذه المرحلة قدور بن رويلة الذي التحق بجيش األمير عبد القادر ثم اتخذه األمير كاتبا له .وقع أسيرا في يد
الفرنسيين سنة 0818م لينفى بعدها إلى المدينة المنورة ،وبقي مراسال لألمير عبد القادر يبعث له بشعره
ومنه قوله:
ُ ُ
واحسرتي واضيعتي واخيبتي *** إن لم أكن بفداكم أتل َّقب
«غير أن زعامة الحركة األدبية عموما تبقى في هذه الفترة أيضا لألمير عبد القادر ( )0888 -0811خصوصا
بشعره الذي اختلفت ألوانه :ثوريات واخوانيات(كذا) وغزليات ،فخرا وتصوفا وتأمال ووصفا2».
بعد نفي األمير عبد القادر ورجال العلم واألدب وهجرة بعضهم اآلخر ،ساد الركود في ميادين شتى أهمها
ميدان الثقافة واألدب ،بل إن حركة التعليم بدأت في االختفاء وحتى الحس الوطني بدأ في التضاؤل شيئا
فشيئا ،بسبب إخفاق كل الثورات التي كانت تشتعل هنا وهناك في ربوع الجزائر الشاسعة .لقد يئس أكثر
الجزائريين وسط الجهل واألمية والفقر المتفش ي في كل مكان ،وضعف المستوى األدبي بسبب ذلك كله.
عمر بن قينة.في األدب الجزائري الحديث .تاريخا وأنواعا ،وقضايا وأعالما .ديوان المطبوعات الجامعية .الجزائر .ط0221 .20:م .ص.10: 1
14
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
وحتى نمثل لألدب في هذه المرحلة التي اتسمت بالضعف في شتى املجاالت خاصة في جانب اللغة
واألسلوب ،حيث طغت العامية على الفصحى ،نذكر رواية "حكاية العشاق في الحب واالشتياق" لصاحبها
محمد بن ابراهيم ،التي يصنفها بعض الدارسين في إطار الحكايات الشعبية بسبب العامية التي تخللتها،
والرداءة في تركيب أحداثها « ،وكان يمكن اعتبارها رواية فنية لطولها ومسارها القصص ي ،ونمو األحداث فيها،
لوال ضعف التقنية القصصية ،وضعف الحبكة ،وترهل الصياغة ،وقد شاعت فيها العامية الجزائرية ،وهي
من العناصر التي أخلت بالعمل وحرمته من أن يحمل اسم (رواية) في فترة متقدمة ،حين كتابته سنة
0819م1».ألجل هذا تبقى هذه القصة شاهدة على األذى الذي ألحقه االحتالل الفرنس ي بالثقافة الجزائرية،
بلغتها وأدبها فضال عن اقتصادها وشعبها.
يقول أبو القاسم سعد الله في إحدى مقاالته متحدثا عن الدور الذي أداه االستعمار الفرنس ي في تحطيم
كيان الجزائر األدبي « :وإذا كان االستعمار قد أفاد بعض البالد العربية حين نقل إليها المطبعة والصحف
واملجالس العلمية ونحو ذلك ،فإنه في الجزائر كان على عكس ذلك تماما لم يأت لينشر حضارة وإنما جاء
ليسلب أفكار شعب ،ويزور تاريخه ويحطم كيانه ويستغل ثروته ،وبذلك تعرضت شخصية األدب التي ظلت
محتفظة بمقوماتها ومالمحها إلى هزات عنيفة كادت تفقدها تلك المقومات والمالمح2».
يمكن أن نحدد المرحلة التي بدأ فيها النهوض الفكري أو ما يسمى بالوعي اإلصالحي ،بنهايات القرن
التاسع عشر؛ حيث أدت إلى ذلك مجموعة عوامل مختلفة لخصها أبو القاسم سعد الله في ثالثة عوامل
سماها المؤثرات ،وهي المؤثر العربي ويعني به المشرق ،والمؤثر الوطني ،والمؤثر الغربي .أما عمر بن قينة
فتحدث عن عوامل داخلية وعوامل خارجية« .فمن العوامل الخارجية إدراك الجزائريين الذين كانوا يترددون
على أوروبا وفرنسا خصوصا الفروق الظالمة بين سياسة (فرنسا) في وطنها ،وسياستها في (الجزائر) كما لعبت
الصلة بالشرق العربي دورا بارزا بفضل الصحف والنشريات التي كانت تسرب إلى التراب الوطني3».ومن بين
هذه الصحف والنشريات نذكر صحيفة "المؤيد" المصرية التي كانت تدعو إلى اليقظة وحب الحرية والثورة
على االستبداد االستعماري .كما أن أحداث احتالل فرنسا لتونس سنة 0880م واحتالل بريطانيا لمصر سنة
0881م واحتالل إيطاليا لليبيا سنة 0900م األثر البالغ في هذه النهضة ،أو االستفاقة لدى الجزائريين في تلك
المرحلة.
أما المؤثر الوطني ،أو ما يسمى العامل الداخلي ،فيتمثل في عدد من الشخصيات الوطنية التي نالت
قسطا من الثقافة والوعي ،بدأت في التحسيس بضرورة االستفاقة والنهوض من هذا السبات العميق الذي كاد
أن يودي بالشخصية الجزائرية ويقض ي على هويتها ،ومن هذه الشخصيات نذكر الشيخ عبد القادر املجاوي
(0818م0901 -م) الذي كتب رسالة بعنوان "إرشاد المتعلمين" سنة 0811م ،دعا فيها الجزائريين إلى نبذ
الركود وإلى اليقظة واألخذ بأسباب الحضارة الحديثة .كان لهذا الشيخ دور رائد في الرقي بالعربية والتصدي
لآلفات االجتماعية والخرافات والعادات السيئة .له كتب عديدة في اللغة والبالغة في األخالق واالقتصاد
والسياسة وفي علم الكالم وفي علم الفلك« .لقد كان (املجاوي) كشخصية فكرية مقدمة إلرهاصات فكرية
أذنب(كذا) بميالد واقع آخذ في االنتعاش ،ساعدت عليه مرونة في سياسة (فرنسا) كما تمثلت بالخصوص في
عهد (شارل جونار) بعد تعيينه ألول مرة حاكما عاما على الجزائر (1».)0900 -0918
ومن الشخصيات البارزة في هذه المرحلة نذكر أيضا أبو القاسم الحفناوي (0811م0911 -م) صاحب
كتاب "تعريف الخلف برجال السلف) ،ومحمد بن أبي شنب (0819م0919 -م) الباحث الجامعي الذي حصل
على الدكتوراه من جامعة الجزائر برسالتين األولى عن الشاعر العباس ي أبي دالمة والثانية عن األلفاظ التركية
والفارسية في الدارجة الجزائرية« .وقد ألف بالعربية والفرنسية ،فأنجز مجموعة كبيرة من البحوث
والدراسات كما حقق آثارا أدبية من أهمها أو أهمها رحلة الورتالني (نزهة األنظار في فضل علم التاريخ
واألخبار)2».
أما في الشعر فقد تميزت هذه المرحلة بظهور بعض الشعراء ذكر منهم عمر بن قينة ثالثة هم محمد بن
عبد الرحمن الديس ي (0811م0910 -م) وعاشور بن محمد بن عبيد الخنقي (0811م0919 -م) وعمر بن
قدور الجزائري (0881م0981 -م) يقول عنهم « :وإن التقى هؤالء الثالثة في تكوينهم الديني ،واتجاههم
اإلسالمي ،فإنهم يختلفون بمستويات في الرؤية إلى بعض القضايا كما يختلفون في مواقفهم وطبيعة تفاعلهم
مع األحداث الوطنية خاصة والعربية واإلسالمية عامة ،تبعا لنشأة كل واحد ومحيطه ،وطبيعة صالته
ونشاطه أيضا3».
عرفت الجزائر الصحافة منذ السنوات األولى لالحتالل الفرنس ي .حيث صدرت أول جريدة ناطقة باللغتين
العربية والفرنسية سنة 0811م وهي جريدة "المبصر"؛ أنشأها االحتالل ناطقة باسمه يصدر فيها تشريعاته
وأوامره اإلدارية .وفي بدايات القرن العشرين «تغافلت إدارة االحتالل عن الصحافة الوطنية العربية)..( ،
فسمحت لها بالحياة واالنتعاش في بداية األمر ،ثم ما لبثت أن أقامت العثرات والحواجز في سبيلها ،وعملت
على عرقلة انتشارها وزاحمتها بإنشائها صحفا عربية مأجورة إلى جانبها 1».وفيما يلي سرد ألهم الجرائد الوطنية
التي صدرت خالل هذه المرحلة:
جريدة "الجزائر" ،أصدرها الرسام الجزائري عمر راسم سنة 0918م ،لكن السلطة الفرنسية
أوقفتها وصادرتها بعد أن صدر منها عددان فقط.
جريدة "الحق" ،صدرت بوهران سنة 0900م ،ولكنها وئدت هي األخرى في مهدها.
جريدة "الفاروق" ،أصدرها الشيخ عمر بن قدور الجزائري ،سنة 0908م ،لم تعمر هذه الجريدة
أكثر من عام وبضعة أشهر وصادرها االستعمار.
جريدة "ذي الفقار" ،أصدرها عمر راسم سنة 0908م في شكل مجلة ،وعمل فيها على نشر أفكار
محمد عبده ،عطلتها فرنسا في بداية الحرب العالمية األولى.
جريدة "اإلقدام" ،أصدرها األمير خالد سنة 0909م ،ناطقة باللسانين العربي والفرنس ي.
جريدة "المنتقد" ،أصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 0911م ،أسبوعية ،لكن السلطات
الفرنسية أوقفتها في سنتها األولى ،أخلفها اإلمام ابن باديس بجريدة أخرى أطلق عليها اسم
"الشهاب" واستمرت في نضالها إلى بداية الحرب العالمية الثانية.
إن انتشار الصحافة الوطنية في الجزائر كان له األثر البالغ في نمو الوعي التحرري والثقافي لدى
الجزائريين ،كما ساعد على التخلص من الجهل واألمية والخمول والرضا بواقع الحال ،مما أدى إلى انتفاضة
عامة ضد الواقع االستعماري األليم الذي تحمله هذا الشعب مدة طويلة من الزمان ،على الرغم من أن هذه
الصحافة لم تتح لها الفرص الكافية ،بل تصدى لها المستعمر بكل أنواع المنع والمصادرة والتوقيف .وقد
كان الحظ األوفر في هذه الصحافة للمقاالت التي تختص بالقضايا الدينية واالجتماعية.
كان للصحافة العربية ،هي األخرى ،دور بارز في تطور الصحافة الوطنية؛ «ولعل تسرب بعض الصحف
واملجالت العربية من المشرق إلى الجزائر ،رغم العزلة المفروضة على الجزائر ،هو الذي ساعد على نمو
الصحافة العربية ودفعها قدما إلى األمام .كما ساهم في إغناء التجارب األدبية وتنشيطها2».
1محمد مهداوي.هموم الكتابة في األدب العربي الحديث في الجزائر على أيام االحتالل .ديوان المطبوعات الجزائرية .الجزائر0212 .م .ص.10 :
2هموم الكتابة في األدب .محمد مهداوي .ص.12 :
17
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
تمهيد:
لقد تضافرت العوامل السياسية والثقافية واإلصالحية في انتقال الجزائر من حال االنتكاسة إلى حال
النهضة والوعي في شتى مجاالته؛ «فالجانب السياس ي الذي أعطى لنفسه مسحة من التغاض ي وإرخاء الزمام،
وأسلوب التودد ولو بالوعود الكاذبة ،أعطى الفرصة النتعاش األمل ،وتوثب بعض الحركات ثقافيا وسياسيا،
برهن فيها المواطن على أنه أذكى من المستعمر في استغالل التغاض ي وإرخاء الزمام 1».لقد فجرت هذه
الظروف مكامن القوة في الشعب الجزائري ،فنشطت الصحافة ،وانتعش الطموح إل نيل بعض الحقوق.
كما أن هذه الظروف شجعت اإلصالح الديني الذي انتعشت مشاريعه وتطلعاته ،فطالب بحرية التفكير
وحرية النشر ،وطالب بالحقوق باسم اإلخاء والعدل والمساواة« .وقد وجد األدباء في العنصر السياس ي
بوجهيه ،2مجاال للقول ،والكتابة ،فتأرجح أدبهم بدوره بين سياسة التودد واللوم والعتاب ل"فرنسا األم"،
وبين خيبة الظن ،والشعور باليأس في غمرة الصلف المتمادي ،وعقدة االستعالء المزمنة3».
بعد الحرب العالمية الثانية ،ازدادت الجزائر انفتاحا على العالم الخارجي؛ عربيا وإسالميا وأوروبيا؛
حيث تنامى الحس الوطني بين الجزائريين ،بفضل الصحافة ،والحجاج ،والجنود ،والمهاجرين في فرنسا،
« كما غذت هذا الحس الوطني ببعده القومي الواضح سياسة الغرب في الهيمنة على العالم اإلسالمي ومنه
الوطن العربي ،فكان من مظاهر ذلك مثال إنهاء (الخالفة العثمانية) في ( )0911والتنافس األوروبي في
فضاءات النفوذ واقتسام المواقع في الوطن العربي4».
بدأت حركة اليقظة الوطنية في االتساع ابتداء من عشرينيات القرن العشرين ،فظهرت حركات سياسية
وثقافية مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية األولى ،ومنها على سبيل المثال حركة األمير خالد ،التي ناورت
االستعمار الفرنس ي منذ "0911م" ،وبعده "نجم شمال إفريقيا" سنة "0911م" الذي مثله مصالي الحاج .كما
تأسست "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" في 1ماي 0980م كرد على احتفال فرنسا بمرور قرن على
احتاللها للجزائر ..« .مما أشعل فتيل صراع فكري بين الفكر الوطني القائم على العربية واإلسالم والجزائر من
جهة ،وبين سياسة االستعمار ،والفكر الموالي له وكذا الفكر الطرقي من جهة أخرى5».
1صالح خرفي.الشعر الجزائري الحديث .المؤسسة الوطنية للكتاب .الجزائر1121 .م .ص.11 :
2بوجهيه :يعني وجه اإلغضاء وإرخاء اليد ،ووجه الحيطة والحذر والتشديد.
3صالح خرفي .الشعر الجزائري الحديث .ص.01 :
4عمر بن قينة .في األدب الجزائري الحديث .ص.01 :
5المرجع نفسه .ص.02 :
18
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
إلى جانب حركات اإلصالح السياسية والدينية والفكرية ،ظهرت ونمت في الجزائر حركة أدبية ،عكست
هذا الواقع المتنامي في مجاالته املختلفة على الرغم من القمع والمواجهة الشرسة له من قبل االستعمار
ودعاة الفرونكوفونية« .إن الحركة األدبية ذات صلة وثيقة بالوضع الوطني واالجتماعي ،فقد كان األديب دائما
ضمير األمة ،وصدى همومها وآمالها ،ولسانها المعبر عن معاناتها وطموحها .يرصد جوانب الخير والشر فيها،
فيبارك تلك عموما ،ويعرض بهذه ويدينها غالبا ،مبشرا بمثل العمل واملحبة والوفاء ،داعيا إلى سعادة اإلنسان
وصون كرامته ،وكرامة وطنه ،معلنا عداءه لكل أشكال الظلم والقهر وكل أساليب المصادرة التي تتعرض لها
حرية األفراد واألوطان1».
شعر اإلصالح هو الشعر الذي يأخذ على عاتقه دور اإلصالح في شتى مجاالته؛ االجتماعية والسياسية
والدينية ،فاإلصالح معناه تقويم الش يء وإزالة الفساد عنه ،وقد قامت الحركة اإلصالحية في الجزائر ،منذ
تأسيسها في بدايات القرن العشرين ،بالعمل على إصالح ما أفسده االحتالل وما أوقعه الجهل واألمية من خلل
في الدين وفي شتى مسائل الحياة االجتماعية .وقد تأسست جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 0980م،
لتكمل مسيرة بدأها مصلحون جزائريون ،من قبل ،أمثال الحفناوي ،واملجاوي ،وبن أبي شنب ،لكنها واصلت
مسيرتهم ،ونظمت عملهم ،وكتبت لها الحياة بعدهم ،لتشع بنورها على الجزائر كلها« .وقد كان الشعر حتى
مطلع القرن ،يلتقي التقاء عفويا مع الخطوط اإلصالحية التي حددتها الجمعية فيما بعد ،ويستنكر بدافع من
االلتزام الذاتي ،والتجاوب الفردي ،ما كان يشيع في الجزائر من ضاللة وانحراف ديني .وقد برز في هذا املجال
(عبد الحليم بن سماية) و(محمد بن مصطفى بن الخوجة) و(عمر بن قدور) و(المولود بن الموهوب)
و(اللقاني السائح)2».
والنضال هو الجهاد والمواجهة والتضحية بالغالي والنفيس من أجل القضية األساسية لدى الشعب
الجزائر وهي الحرية واالستقالل والتخلص من ربقة االستعمار التي دامت طويال .فالشعر الجزائري الحديث«
بمختلف مضامينه وطرائق تعبيره شعر نضال ووطنية ،وإصالح اجتماعي وفكري وسياس ي ،يستهدف القضية
الوطنية في أوسع مجاالتها ،وأبعد أبعادها 3».وإن أدخل الشعر النضال في أغراضه اإلصالحية فإن اإلصالح
والنضال يتداخالن ،ألن المصلح مناضل حتى وإن كان مجال إصالحه دينيا أو علميا أو ثقافيا .لكن من أجل
الدقة العلمية سنفصل بين شعر اإلصالح وشعر النضال في الدراسة .فنعتبر الشعر الذي تناول مواضيع
إصالحية في الدين والفكر والثقافة ،شعرا إصالحيا ،أما الشعر الذي تناول مواضيع وطنية وثورية وسياسية
شعرا نضاليا.
كانت االنطالقة األولى للشعر في هذا املجال هي كشف أدعياء الدين الذين شوهوا صورة اإلسالم لدى
العامة ومزجوها باألوهام والخرافات والبدع ،وقد راع الشعراء تقبل الناس لهذه الدعاوي الباطلة ،واألفكار
الغريبة والمنطق الرديء ،ومن هؤالء الشعراء شاعر الجزائر آنذاك محمد السعيد الزاهري الذي يقول في
إحدى قصائده:
ُ ُ ُ ُ
تط ُيع شيخا لها في كل ما زعما كانوا طوائف ش َّتى ،كل طائفة
ُهو َّادعى الغيب ،قالوا أحك ُم ُ
الحكما إن قال إني (ولي) ص َّد ُق ُ
وه ،وإن
قليلة ،هت ُفوا يا أعلم ُ َّ
العلما وإن تعلم بعض الش يء تهجية
ُ
فال محالة ،معذور وقد أثما وإن ُهو ارتكب الفحشاء فاضحة
وال غرابة في هذا ،وال جرما أو احتس ى الخمر ،قالوا إ َّنها عسل
دعا شعراء اإلصالح إلى طلب العلم َّ
وحببه إلى النفوس ،مرافقين في ذلك لجمعية العلماء المسلمين في
السعي ملحو األمية عن الشعب الجزائري والرقي به علميا وفكريا ومن ذلك نجد شاعر الجزائر محمد العيد آل
خليفة يقول:
ُ العل ُم ُسل ُ
من شئت أو ذد عن حياضك وادفع الوجود ف ُسد به
طان ُ
20
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
وقد دعا شعراء الجزائر ،في هذه المرحلة ،إلى التمسك بالقرآن الكريم ،واالهتداء بهديه ،فجاءت منهم قصائد
تترنم بذكره ،ومنها قصيدة ملحمد العيد آل خليفة خاطب بها طالبه في مدرسة (الشبيبة اإلسالمية) بقوله:
وكان للعروبة نصيب من جهد شعراء الجزائر الداعين إلى اإلصالح في جزائر العروبة واإلسالم .وقد
ابتهجوا بتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي ناضلت من أجل إحياء عناصر الهوية الجزائرية،
وفي ذلك يقول "الزاهري":
لقد أدى شعر اإلصالح دورا رئيسا في نشر الوعي والحث على طلب العلم وتحبيب السير على هدي محمد
عليه الصالة والسالم ،واجتناب ما استحدث من خرافات وبدع ،والتحلي باألخالق الفاضلة .فكان أداة في يد
المصلحين الذين انتقلوا بالجزائر وشعبها من مرحلة االنتكاسة الفكرية والثقافية ،إلى مرحلة الوعي الفكري
والوطني ومرحلة العمل واالجتهاد في سبيل إحياء الشخصية الوطنية ،والثورة على املحتل فكريا وسياسيا
وعسكريا.
في بداية العشرينات من القرن الماض ي ،بدأ الشعر في الجزائر مرحلة جديدة؛ بحيث ازدهر من حيث
الكم ومن حيث النوع .كثر الشعراء وكثر اإلنتاج الشعري ألنه وجد طريقه إلى النور بواسطة الصحف
واملجالت التي كانت تصدر من حين آلخر إضافة إلى حركة الوعي الثقافي التي بدأت تنمو شيئا فشيئا ،فأصبح
في الجزائر إقباال على القراءة لم يكن معهودا من قبل .وشجع المصلحون هذا الجانب ،بالتركيز على الوظيفة
التي ينبغي للشاعر أن يؤديها خدمة لوطنه ولقضية شعبه ،فأصبحت قضية الوطن فوق كل اعتبار ،ناضل
الشعراء في سبيل إحيائها في قلوب الجزائريين ،وحثهم على الحياة من أجلها والتضحية في سبيل تحقيقها.
21
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
تطور الشعر في هذه المرحلة ،وتطورت معه بعض األغراض ،إن لم نقل كلها ،فغرض "الفخر" مثال ،اتخذ
منحى وطنيا «ناضجا حارا؛ فشاع الشعر السياس ي ـ ـ ـ ـ ـ القومي ،والرمزي ،وغير ذلك 1».واندمج الغرض
اإلصالحي بالغرض النضالي /الوطني ،في أكثر من مناسبة ،وأصبحت المناسبات الدينية متنفسا وفرصة
للتوعية السياسية والوطنية ،ومنها مناسبات المولد النبوي التي كان الشعراء يغتنمون فيها فرصة االحتفال
إلرسال أفكارهم ومشاعرهم اتجاه ماضيهم وحاضرهم رغبة في استرجاع مستقبلهم من قبضة املحتل .وهذه
إحدى المناسبات المولدية يدعو فيها الشاعر محمد العيد آل خليفة شباب الجزائر إلى االقتداء بمحمد عليه
الصالة والسالم في بطولته وجهاده ،ليربط بين الدين والوطن ،ليكون الدين داعيا للثورة واسترجاع الحق
المغتصب:
َّ ُُ َّ
وبخلق ـ ـ ـ ـ ــه أتخـ ـ ـ ـل ـ ـ ـق ُبمحـ ـ َّـمد أتع ـ ـ ــل ـ ـ ــق
ل ،ودين ـ ـه ،بي أليـ ـ ـ ـق بالرسـ ـ ــو َّإن َّ
التعلق َّ
صد ُر العـ ـ ُدو ،و ُيرش ـ ـ ـق أنا نبلةُ ،يرمى بها
«إن الشعر اإلصالحي الذي سبقت اإلشارة إليه ،كان إرهاصا للشعر السياس ي ،ألنه كان وخزا للضمير النائم
على الذل والهوان ،يهمس بالنضال حينا ويصرخ بالجهاد حينا آخر ،إلى أن تبلورت القصيدة وغدت تتحدث
صراحة على تحرير البالد 2».لقد مثل الشعر النضالي الجزائري نسبة كبيرة جدا في مجموع الشعر الذي قيل في
هذه المرحلة ،وبات كل شاعر جزائري يناضل بقلمه وموهبته من أجل تحرير الجزائر ،وال أظن أن شاعرا
جزائريا ،وبخاصة في نهاية هذه المرحلة ،جرى بشعره عكس هذا التيار المتدافع نحو الحرية واالنعتاق.
ب .الشعرالوجداني:
الشعر الوجداني هو الشعر الذي يعنى بالوجدان والمشاعر الداخلية معبرا عنها وعن أحوالها وخلجاتها
بكل حرية ،إذا ما أخذنا بعين االعتبار المفهوم المباشر لكلمة "وجداني" .أما إذا أردنا نسبة هذا الشعر إلى
االتجاه األدبي المعروف باالتجاه الوجداني ،الذي عادة ما يرتبط باالتجاه الرومانتيكي الغربي الذي تعددت
أسماؤه وتياراته؛ فإنه يصعب علينا تحديد مالمحه بدقة ،ألنه اتجاه غربي مرتبط بظروف اجتماعية
وسياسية مختلفة تماما عما هي عليه عند العرب ،ناهيك عن الجزائر«.إن تسمية هذا التيار تتباين بين دارس
عربي وآخر ،فمنهم من يطلق عليه اسم الرومانسية تبعا للمصطلح الغربي ومنهم من يفضل الرومانتيكية .وقد
ظهر هذا التيار في أوروبا ،في النصف األول من القرن التاسع عشر .ويمكن تعريفه بصورة مبسطة على النحو
يء1». التالي :هو ثورة على التيار التقليدي املحافظ ،ودعوة إلى التعبير عن عاطفة اإلنسان الفرد قبل كل ش
أكثر ما يميز شعراء هذا االتجاه هو الشعور بالحرية ،والتعبير عن عواطفهم وخلجات دواخلهم بكل
تلقائية بعيدا عن أي رقابة ،وبهذا المفهوم يمكن أن نقول أن عددا من شعراء الجزائر اتبعوا هذا االتجاه
وعبروا عنه ،انطالقا من بعض مبادئه كالحرية وتصوير العواطف اإلنسانية ومناجاة الطبيعة واالندماج بها.
غير أنه ال ينبغي للدارس أن يعتقد في لحظة من اللحظات أن الشاعر العربي وبخاصة منه الجزائري قد تمثل
هذا التيار الغربي بحذافيره ،وإنما استلهم منه ما هو بحاجة إليه لتطوير فنه استجابة لمتطلبات عصره
وحاجاته النفسية والوطنية.
وكلما تحدثنا عن االتجاه الوجداني في الشعر تراءى لنا موضوع الغزل على رأس قائمة الموضوعات
المعبر عنها في هذا التيار؛ فمن أهم العواطف اإلنسانية التي تجتاحه عاطفة الحب التي تنشأ بين طرفين،
فتجد لها متنفسا في الشعر تعبيرا مباشرا أو غير مباشر .وقد عرف الشعر العربي بقديمه وحديثه هذا
الغرض ،غير أن االتجاه الوجداني عبر عنه بشكل مختلف نوعا ما ،فبينما ركز القدامى على الشكل
والعواطف الظاهرة ،ركز الوجدانيون على العواطف الداخلية وصوروها ،كما كان تركيزهم على المعاناة
واآلثار السلبية لهذه التجربة .أما النزعة الوجدانية الغزلية «في الشعر الجزائري (فقد) عاشت حبيسة عاملين
متضافرين :المأساة االستعمارية ،والتقاليد القومية 2».والمتميز في الشعر الجزائري أنه على الرغم من
ضعفه في تصوير عواطف الغزل والبوح بها ،كان متميزا قويا في التعبير عن القضية الوطنية مصورا عواطفه
الذاتية اتجاهها.
لقد عزف كثير من الشعراء الجزائريين عن موضوعات الغزل بسبب التضييق الشديد من قبل السلطة
االجتماعية المتحكمة آنذاك« ،ولم تكن التقاليد وحدها ولكن المأساة أيضا التي لعبت الدور الرئيس ي في هذا
المضمار الخانق وتلك هي التي كانت التعلة التقليدية لشعراء الجزائر في عزوفهم عن الشعر العاطفي،
وتشنيعهم على الالهي به من زمالئهم 1».قال محمد اللقاني السائح سنة 0911م:
ُ أال فدع َّ
فتلك طريقة المستهترينا التغزل في غوان
وجد شعراء الجزائر في االتجاه الوجداني مجاالت غير الغزل تغنوا فيها بالطبيعة والحرية والمعاناة
اإلنسانية ،هذه الموضوعات التي كانت تدفعهم إلى قول الشعر بسبب الواقع المزري الذي كانوا يعيشونه،
والحياة البائسة التي كانت تثقل كواهلهم« .وعلى يد شعراء هذا التيار ،تحرر الشعر العربي من موضوع
المدح والرثاء والهجاء ،وغيرها من الفنون الشعرية الموروثة )...( .وكما تحرر في المضمون والرؤية والموقف،
تحرر كذلك في الشكل لغة وموسيقى وخياال2».وكان شعراء الجزائر قد عرفوا هذا االتجاه وعبروا عن بعض
رؤاهم فيه منذ عشرينيات القرن العشرين .وتمثلت مظاهره في رفض كثير من هؤالء الشعراء لكل مظاهر
التقليد والجمود في الشعر والنثر ،ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بكتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر"
ملحمد الهادي السنوس ي الزاهري (0911-0911م) ،كما يمثل هذا االتجاه بشكل كبير كتاب "بذور الحياة"
للشاعر رمضان حمود الذي صدر سنة 0911م ،وهو كتاب نقدي يضم عددا من المقاالت تتحدث عن
الشعر وفوائده وعن الترجمة وتأثيرها في األدب ،ودعاة التجديد.
أبدع شعراء الجزائر شعرا وجداني االتجاه متعدد األشكال والمضامين ،معبرين به عن مأساتهم
ومعاناتهم تحت وطأة االستعمار؛ فقد«هاموا بالطبيعة والوطن ،كما تنفست نماذجهم آهات وعكست زفرات
معلنة أو مكتومة ،كما طربوا ألشواق الحب ...وتاقوا لألمل ،مثلما عبروا وطنيا وذاتيا عن طموحات كابية،
وانكسارات حادة 3».وقد ذكر عمر بن قينة في كتابه "في األدب الجزائري الحديث" ثالثة شعراء جزائريين مثلوا
هذا االتجاه ،وهم مبارك جلواح (0918م0918 -م) ومحمد األخضر السائحي (0908م 1111م) ،وأبو القاسم
خمار (0980م) .هؤالء الشعراء الثالثة مثلوا االتجاه الوجداني في هذه المرحلة من تاريخ األدب الجزائري.
ونظموا شعرا اختلفت مضامينه ،واشتركوا في التعبير عن مشاعر الحب المغمورة حزنا وألما ،ووصف
المعاناة واإلذالل الذي عاشه الجزائريون آنذاك.
كثيرا ما مزج شعراء االتجاه الوجداني في الجزائر بين عواطف الحب ومشاعر المعاناة االستعمارية والرغبة
في الثورة عليها ،فقد نظم الشاعر أبو القاسم خمار قصيدته "زهراء" في دمشق سنة 0918م ،فعبر فيها عن
شوقه للحبيبة ممتزجا بشوقه للوطن ،فقال:
وقد لخص محمد مهداوي سمات الشعر الوجداني في الجزائر بقوله« :فالشاعر الوجداني ،اتسم في
الشعر الجزائري الحديث ،بنظرة متشائمة للحياة ،فلم ير منها إال الجوانب المظلمة .لذلك فهو حين يلتجئ
إلى الطبيعة ،ال ليهرب من واقع الحياة المأساوي ،وإنما ليبثها حزنه وآالمه ومأساته ،وقلما نجد خروجا عن
هذا المنحى1».
ج – الشعر الثوري:
احتضن الشعر الجزائري موضوعات الثورة قبل اندالعها ،وقصيدة رمضان حمود "عالم نلوم الدهر"،
على سبيل المثال ،أدل دليل على ذلك ،فقد دعا شعراء الجزائر إلى الثورة ضد املحتل ،ونذكر منهم محمد
العيد آل خليفة واألخضر السائحي وأحمد سحنون والهادي السنوس ي .وكثير من هؤالء الشعراء الذين مهدوا
للثورة بقصائدهم الثورية خفت صوتهم بعد اندالعها ،واألسباب التي دعت إلى ذلك متعددة ومختلف في
تحديدها .يرى صالح خرفي أن للمستعمر دور في إخماد صوتهم« :وشعراء آخرون خنقت أصواتهم الداوية
رصاصات الجالد ومقاصله( ،األمين العمودي) (عبد الكريم العقون) (الربيع بوشامة) ،فاكتس ى ركب الصمت
بهم روعة وجالال ،وكأنهم أبوا إال أن يقدموا الدليل القاطع على أن الشعر قد بلغ ذروة الصدع الثوري ،حيث
تختفي األصداء في األبعاد الالنهائية1».
ومن الدارسين من رأى أن هذا الصمت الذي ميز عددا من شعراء الجزائر في هذه المرحلة سببه رغبة
منهم في إخالء الميدان للغة الرصاص ،فهذا مفدي زكريا ينظم قصيدة بعنوان "وتعطلت لغة الكالم" من
سجن بربروس ،مؤكدا على قداسة الصمت في هذا الموقف العظيم.
ويطل (مفدي) على الثورة الجزائرية ،إطاللة (أبي تمام) على فتح عمورية:
ف أصد ُق لهجة من أح ُرف ُكتبت ،فكان ب ُ
يانها اإلب ُ
هام
َّ ُ
السي
ُ
والن ُار أصد ُق ُح َّجة ،فاك ُتب بها ما شئت ،تصع ُق عندها األحال ُم
َّ
على الرغم من هذا (الصمت) الذي اعترى شعراء الجزائر إبان الثورة ،فقد صرخ من أعماقهم صوت الثورة
ورافقها عدد من الشعراء الذين مازالت قصائدهم شاهدة على بطوالت الثوار في ساحة الوغى« .إن النص
الذي يواكب الحدث ،ويسجل الواقعة ،لن ينتظر منه إال أن يكون صدى ،وبالرغم من المواكبة الملحة التي
فرضتها الثورة ،فإن الشعر في الجزائر برهن على أعمق من رجع الصدى ،وظل متعلقا برسالته السابقة في
االستشراف 3».وديوان مفدي زكريا "اللهب المقدس" مثال على الشعر الذي واكب الثورة وكان لسانا صادقا
لها.
صور الشعر الثوري واقع الثورة في ساحات الوغى وواقع السجون بكل ما فيه من ألم ومعانات وصمود وقوة،
وهذا مفدي زكريا من ديوان اللهب المقدس يقول وهو سجين:
في دولة األدب َّ َّ ُ
الرفيع نظام حية شاعر يسمو به هذي ت
ُ
يال ُه وهفت به لحم ُاكم األح ُ
الم أسرى بها من (بر ُبروس) خ
السالسل ،والرف ُ ُ َّ
اق ن ُ
يام وق ُع َّ غ َّنى بها في الليل يعزف لحنها
َّ ُ
دقاته األوز ُان واألنغ ُام والقل ُب باأل َّنات يقط ُع بحرها
وإذا ما أردنا معرفة الخصائص الفنية لشعر الثورة الجزائرية فيمكن تلخيصه في النقاط التالية بحسب
محمد مهداوي:
نعني بالشعر الجزائري المعاصر ،ههنا ،الشعر الذي نظم في مرحلة مابعد االستقالل ،وبخاصة في
السبعينات وما بعدها ،على الرغم من أنني أرى أن هذه المرحلة ينبغي أن تضم إلى مرحلة الشعر الجزائري
الحديث؛ لبعدها الزمني عن المرحلة الراهنة واختالف واقعها السياس ي واالجتماعي اختالفا جذريا عن
المراحل التي لحقته ،ويعد نقطة تحول كبيرة في تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر .ولعل إدراج املختصين هذه
27
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
المرحلة ضمن الشعر الجزائري المعاصر راجع إلى أن عددا من رواده مازالوا بين ظهرانينا اليوم ومازالوا
يكتبون وينظمون شعرا حتى ولو تغيرت مضامينه بتأثير من الواقع المتغير.
لقد شهد الواقع الجزائري في مرحلة السبعينات تغيرا واضحا في السياسات المتبعة من قبل الدولة وفي
الواقع االجتماعي المتنامي .وال ينكر أحد أن الجزائر بعد الستينات غير الجزائر في الستينات.فقد «شهدت
الجزائر في أواخر الستينات وأوائل السبعينات تحوالت هامة في الميادين االجتماعية ،واالقتصادية
والثقافية ،وشهدت أحداثا ثورية ،وإنجازات معتبرة مثل تأميم الثروات المعدنية ،والثورة الزراعية ،والتسيير
االشتراكي للمؤسسات ،وانتشار التعليم وديمقراطيته ،والطب املجاني ،وغيرها من التحوالت الهامة التي
تدخل في إطار الثورات الثالث ،الصناعية ،والزراعية ،والثقافية 1».إن هذه التحوالت الكبرى في ميادين الحياة
املختلفة كان لها أثر بالغ في الميادين الثقافية ومنها األدبية وبخاصة في مجال الشعر المنظوم خالل هذه
المرحلة وما بعدها.
لقد اتسمت المرحلة السابقة لهذه المرحلة بالركود والجمود ثقافيا ،وتكاد تنعدم فيها اإلنتاجات األدبية
وذلك راجع إلى عدة عوامل لسنا بصدد الحديث عنها .ولكن النتيجة الحتمية التي كان ينبغي لها أن تظهر هي
ردة الفعل الطبيعية المعاكسة لذلك الواقع ،فقد نهضت الساحة الثقافية وسعت إلى تغيير الواقع وتشجيع
اإلنتاج األدبي والشعري منه بخاصة ،وذلك بإصدار عدد من املجالت التي أخذت على عاتقها دور تحريك
الواقع الراكد وتحويل الدفة إلى مجال أرحب وأوسع يتنافس فيه الشعراء والمثقفوون في التعبير عن واقعهم
ومشاعرهم ،وإثراء المتن العربي الجزائري ،وخلق متلقين لهذا الفن الذي بدأ يولد من جديد بعد أن دفن
تحت أنقاض الشقاق والمشاكل التي عقبت مرحلة االستقالل .ومن هذه الصحف واملجالت المتخصصة
نذكر مجلة آمال التي كانت تصدرها وزارة اإلعالم منذ سنة 0919م وتخصصت في نشر أدب الشباب ،وجريدة
الشعب الثقافي ثم األسبوعي ،وهي تابعة لجريدة الشعب صدرت سنة 0911م ثم سنة 0911م ،ومجلة الجاهد
األسبوعي واملجاهد الثقافي ،ومجلة القبس الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية في مارس 0911م خلفا
للمعرفة2.
وفي ظل هذه التغيرات التي شهدتها الساحة الثقافية في مرحلة السبعينات ظهرت طائفة من الشعراء
الشباب رفعوا راية التغيير ،وأخذوا على عاتقهم مسؤولية النهوض بالشعر الجزائري العربي« ،فظهرت أسماء
1محمد ناصر.الشعر الجزائري الحديث .اتجاهاته وخصائصه الفنية .)1120 ،1100( .ط .20 :دار الغرب اإلسالمي .بيروت0220 .م .ص.100 :
2ينظر محمد ناصر .الشعر الجزائري الحديث .ص.611 :
28
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
جديدة لم تكن معروفة من قبل ،برز من بينها اتجاهان اثنان ،اتجاه يكتب الشعر العمودي والحر ،ويحاول
التجديد في إطاره ،مثل مصطفى الغماري ،ومحمد بن رقطان ،وجمال الطاهري )...( ،واتجاه انصرف إلى
الشعر الحر ،وأعلن القطيعة بينه وبين الشعر العمودي ،مثل أحمد حمدي ،وعبد العالي رزاقي ،وأزراج عمر،
وحمري بحري ،وأحالم مستغانمي1».
لقد اتسمت هذه المرحلة بارتباط األدب بما يسمى باإليديولوجية ،حيث يعبر كل أديب في أدبه عن
أيديولوجيته التي يتبعها أو يدعو إليها .وقد الحظنا أن الشعر في الجزائر خضع لمفهوم الجيلية ،حيث تجدنا
نقول هذا شعر جيل الثورة وجيل ما قبل الثورة ،إلى غير ذلك من األجيال المتتابعة«.وقد أدى هذا التقسيم
إلى بروز صراعات ومواقف متباينة حول بنية النص ورسالته2».
في مرحلة السبعينيات تغير الواقع السياس ي ومعه الواقع االجتماعي تغيرا ملحوظا ،مما دفع باألدباء إلى
تتبع هذا التغيير ،وانعكاسه في إبداعاتهم األدبية ،وظهر تحول كبير على المستوى الفكري والفني ،فصورت
القصيدة السبعينية هذا الواقع الذي اصطبغ بصبغة إيديولوجية .ويمكن التعرف على اإليديولوجيات
املختلفة التي عبر عنها أصحابها في قصائدهم من خالل العناوين مثلما نجدها بقوة في المضامين؛ ومن بين
هذه العناوين نذكر" :قائمة المغضوب عليهم" ألحمد حمدي ،و" الكتابة في لحظة عري" ألحالم مستغانمي،
و"خضراء تشرق من طهران" ملحمد مصطفى الغماري .هذه العناوين مثال ،تستفز القارئ ،وتدفعه التخاذ
موقف ما ،وقراءة القصيدة.
انقسم األدباء الجزائريون في هذه المرحلة إلى فريقين يساريين ويمثلون الرؤية االشتراكية السائدة آنذاك
ويمينيون ويمثلون الرؤية اإلسالمية التي تستمد جذورها من الدين .وقد أثرت اتجاهاتهم الفكرية والسياسية
في أعمالهم األدبية تأثيرا واضحا حتى كادت تنزع عنها جماليتها الفنية« .لأليديولوجية نمط يختلف عن الشعر
والفن عموما ،غير أنه ال يمكن تجاهل ذلك الترابط بين الطرفين ،ذلك أن الشعر موقف جمالي من الواقع
وهو كذلك خطاب بين المرسل والمرسل إليه ،إال أن لكل منهما موقعه ومنظوره 3 ».لقد اتخذ النص الشعري
في مرحلة السبعينات موقفا من الواقع ،كان في أغلبه ثائرا على الوضع االجتماعي السائد مطالبا بالتغيير ،وقد
عبر عن هذا االتجاه شعراء اليسار بخاصة .ويمكن أن نلخص خصائص الشعر السبعيني من حيث
المضمون في النقاط التالية:
تميز الشعر السبعيني من الناحية األسلوبية بسيطرة النزعة األيديولوجية التي أثرت سلبا على لغة
النصوص وجماليتها الفنية؛ إلى درجة «أصبح فيها النص الشعري بمثابة فقرة سياسية ويتضح ذلك من خالل
التركيز على نمط معين من األلفاظ والتراكيب المتعلقة باأليديولوجية 1».لقد اتسمت النصوص الشعرية
بالطابع السياس ي حتى أصبحت تشبه الالفتات السياسية وفيما يلي بعض النماذج:
ال نريد جمهورية ملكية /من أين لك هذا /كفرنا بالدولة ألن الجوع كفر/
إن لجوء الشاعر إلى لغة الشعارات ،دليل على سطحية النظرة لديه ،وبعده عن عمق الشعر وشعرية
المواقف ،وجمالية اإلبداع ،لقد كانت هذه الظاهرة آفة في شعر السبعينات ،وقد أثرت على المستوى
اللغوي واألسلوبي ،ويمكن أن نلخص الخصائص األسلوبية لشعر السبعينات فيما يلي:
إن التجربة الشعرية السبعينية وعلى الرغم من كل سلبياتها ،كانت بحق محاولة للنهوض باللسان العربي،
ومرحلة البد منها للشروع في بناء أرضية شعرية جديدة ستكون ذات خصائص متفردة بعد أن تعمق رؤاها
وتنمي تجربتها.
يمثل شعر الثمانينات نقلة نوعية في مسار الشعر الجزائري الحديث .فقد أصبح أكثر نضوجا وعمقا،
وأكثر شعرية من سابقه في السبعينات .وتحرر شيئا فشيئا من الواقعية االشتراكية ،متأثرا بتيار الرومانسية،
مما أدى إلى ظهور المعجم الوجداني في معظم األشعار التي كتبت في هذه المرحلة ،وهذه النقلة دفعت
الشاعر إلى أن ينحى منحى الفردية والتعبير عن المشاعر الداخلية والتحرر من صوت الجماعة الذي ظل
مهيمنا طيلة المرحلة السابقة.
كما ظهر في هذه المرحلة اتجاه جديد في الشعر اتسم بسمة إسالمية متأثرا بما سمي بالصحوة
اإلسالمية ،وسيطر عليه قاموس شعري خاص سماه النقاد قاموس( الواقعية اإلسالمية) ،ومثلت هذا
االتجاه قصائد محمد ناصر ،ومصطفى الغماري ،وعيس ى لحيلح ،وحسين زيدان ،وغيرهم .وفي مقابل
الواقعية اإلسالمية استمر شعر الواقعية االشتراكية التي تهجو الواقع وتتمثله ،إلى درجة استعمال العامية
واأللفاظ النابية .وبين هاتين الواقعيتين نشأ صراع إيديولوجي أفرز ظاهرة غريبة ،هي ظاهرة السباب ،ولعلها
كانت نتيجة حتمية لتأثر شعرائنا بفئة من الشعراء المشارقة الذين كان شعرهم ينحو منحى مبتذال داعيا إلى
تبسيط اللغة وتقريبها إلى لغة العامة حتى سقطت في أدنى من ذلك.
لقد ظهر في شعر الثمانينات عيب من عيوب الشعر الحديث وهو ما أطلق عليه بعض الدارسين اسم
"الواقعية اللغوية" وهو استعمال لغة الشارع واأللفاظ البذيئة .لقد وجدت هذه الظاهرة في شعر السبعينات
ولم يخل منها شعر الثمانينات ،الذي اتسم بتوجهه نحو نقد الواقع واتهام اآلخر والوصول إلى درجة السباب.
«و قد ساعد على ذلك تبلور مفاهيم الصراع الثقافي بين تيارين أساسيين متناقضين يتجاذبان مساحة
النقاش الفكري و اإليديولوجي :أ -تيار عروبي إسالمي يريد أن يؤكد على ضرورة االنتماء الحضاري من خالل
المغيبة في فترة السبعينيات بوصفها مرجعيات متأصلة. ُ الرجوع إلى األصول
ب -و تيار الئكي يساري يريد أن يحافظ على المكاسب املحققة في المرحلة السبعينية ودعمها خوفا من
ضياعها نظرا الهتزاز البنية اإليديولوجية لهذه المرحلة في أذهان الجيل الجديد من المثقفين1».
تسببت التغيرات السياسية واالجتماعية والثقافية في مرحلة الثمانينات في الجزائر في إحداث صراع
فكري وإيديولوجي وصل حد العنف بين التيارين المتضادين آنذاك « .إن المتمعن في جل الكتابات الشعرية
لشعراء هذه المرحلة سيالحظ بالضرورة تغير إشكاليات الطرح الفكري والجمالي على المستوى اإلبداعي
1عبد القادر رابحي .شعرية ما بعد السبعينيات و استحضار المرجعيات المغيّبة في النص الشعري الجزائري المعاصر .مجلة أصوات الشمالhttp://www.aswat- .
elchamal.com/ar/?p=98&a=23839
32
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
وظهور البوادر األولى للتغير الذي طال البنية االجتماعية والثقافية في نصوصهم الشعرية .وذلك من خالل
تلقف هؤالء الشعراء لمتغيرات المرحلة التاريخية واستشراف متالتها المستقبلية في نصوصهم1».
ثم إن مرحلة التسعينات في الجزائر جاءت بعد زلزال عنيف هز البنية االجتماعية والسياسية والثقافية
عقب أحداث أكتوبر 0988م ،هذا الزلزال الذي تصدع بسببه كل ثابت واهتزت معه معالم المشهد الثقافي
الجزائري الذي لم يكن مكتمال منذ االستقالل ،وانعكاسا لهذا الواقع جاء شعر التسعينات ليؤكد حقيقة
األزمة التي بدأت تتغلغل في كل تفاصيل المشهد الجزائري «.نصطدم منذ البداية ،ونحن نريد أن نتقرب من
هذه التجربة بهذه اإلشكالية التي تحكم قصيدة التسعينات الجزائرية :كيف نتجاوز اليأس لنكتب؟ ،وكيف
نكتب لنتجاوز اليأس؟ ،هذه هي المعادلة التي تحكم حتى شعرية هذه التجربة .اليأس ومداراته ،هي األسئلة
املحرجة التي تنطرح أمام الشعر 2»...إذن كان الشاعر الجزائري في مرحلة التسعينات يصارع اليأس ،ويحاول
أن يجد مخرجا من تلك األزمة الخانقة ،التي كانت تقتل كل ش يء ،وتأتي على األخضر واليابس ،تغتال األمل
وتحطم منابع النور.
ث -شعراألزمة:
على الرغم من أن أحداث أكتوبر شكلت منعطفا هاما في تاريخ الجزائر الحديث ،أدى إلى انفتاح وتعددية
سياسية ،كان الشعب يطمح إليها ،إال أنها انفتحت على مشاكل ومصاعب لم تكن في الحسبان دفع ضريبتها
الواقع الجزائري بكل أطيافه«.فاللوحة الثقافية في الجزائر خالل العشرية األخيرة من األلفية الثانية تبقى
غائبة ،فاألزمة جمدت المشروع الثقافي ،وعرف اإلنتاج الثقافي والفكري تراجعا كبيرا نظرا لحالة عدم
االستقرار التي شهدتها البالد 3».وعلى الرغم من ذلك فإن هذه المرحلة لم تخل من إنتاج أدبي عبر عنها
وتمثلها بكل جوانبها القاتمة والمعتمة والملطخة بدماء األبرياء ،وبكل ما فيها من انكسارات وتصدعات
أصابت أعماق الشخصية الجزائرية لتحولها إلى ش يء آخر يحمل معه األمل ويصر على الحياة.
التصدع أصاب النص الشعري كذلك؛ « ويبدو أنه انزياح يفتح أمام القصيدة الشعرية الجديدة،
إمكانات لغوية لم تكن متوفرة قبل ذلك على اإلطالق ،لكن كثيرا ما كان ينغلق هذا االنزياح على ذاته ،ليجعل
من إمكانات التواصل أمرا مستعصيا ،إن لم يكن مستحيال وهذا يعني بالضرورةَّ ،أن النص الشعري
1المرجع نفسه.
2محمد عبيدو .الشعر الجديد في الجزائر .الحوار المتمدنhttp://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=182575&r=0 .
3عبد الغاني خشة .إضاءات في النص الجزائري المعاصر .ص.10:
33
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
الجزائري ،من خالل رحلته كان يواصل عملية التصدع 1»..،هذا التصدع أسس لقصيدة جديدة ،تعبر عن
الواقع المتصدع وتهفو إلى واقع أكثر استقرارا وأمانا .ومن الشعراء الذين نظموا شعرا في هذه المرحلة نذكر
عز الدين ميهوبي ،ويوسف شقرة ،وأحمد شنة ،بحيث سجلوا صفحات من تاريخ هذه المرحلة رغم قساوتها.
«وهكذا أصبح نظم الشعر في "العشرية السوداء" محاولة لتجاوز المألوف وتحوال مستمرا للبحث عن بريق
أمل للخالص من هذه األزمة ،والتشبث بكل معنى يوحي باألمن والفرجة من هذا الحصار المضروب على
الشعر والشعراء2».
نشر بعض شعراء هذه المرحلة قصائدهم في الصحف واملجالت منها جريدة الشعب والشروق ،في غياب
تام لدور الطباعة والنشر .ومن الشعراء الذين عبروا عن هذه المرحلة القاتمة الشاعر أحمد شنة ،الذي
يقول في إحدى قصائده:
وال تنتظر
كان شعر األزمة يحاول تبرير واقع األزمة ،فظهرت نماذج شعرية صورت هذا الواقع في سعي إلى التنفيس
والتخفيف ،ولعله أمر طبيعي أن يعبر المبدع بصدق عن ألم دفين ومعاناة ال تكاد تنتهي .كما أن الشاعر في
تلك المرحة كان يشعر بضرورة التعبير عن هذا الواقع ألنه كان يرى أنه واجب ،ويتمثله دفاعا عن الضحيا
الذين قضوا في تلك األزمة« .فكانت القصيدة مشروع مقاومة من نوع آخر يحمل خطابا ذا طابع فني جمالي
يكشف خفايا المصاب الجلل 1».وبهذا انقضت هذه المرحلة بأوجاعها وخلفت شعرا ينزف دما يذكرنا بمرارة
حقبة تعلم منها الجزائريون دروسا مؤلمة.
.1النثرالجزائري الحديث.
تمهيد:
أدب الرحلة هو ذلك األدب الذي كتب أثناء رحلة ما أو بعدها معبرا عنها وساردا لتفاصيلها ومجريات
أحداثها .ظهر هذا الفن منذ قرون عندما أصبحت الكتابة فنا وأصبحت الرحلة متعة وأصبحت لهذه
الرحالت أهداف متعددة(اجتماعية ،ثقافية ،علمية ،استعمارية )..،بعدما كانت الرحالت ذات هدف
اقتصادي وتجاري في أغلب األحوال .تطور هذا الفن شيئا فشيئا حتى أصبح يقارب الشكل القصص ي ،لذلك
يعرفه بعض الدارسين بأنه لون أدبي ذو طابع قصص ي 2والفرق بينه وبين القصة هو أنه ذو فائدة لعدد من
الدارسين في تخصصات مختلفة فيستفيد منه الباحث في التاريخ والباحث في علم االجتماع والباحث في
الجغرافيا والباحث في األدب .ويقترب أدب الرحلة من السيرة الذاتية في كثير من جوانبه« ،فهو وصف في
النهاية لكل ما انطبع ( )..في ذهن الرحالة ،عبر مسار رحلته ،وفي احتكاكه باملحيط؛ يتتزر في ذلك الواقع
والخيال ،وأسلوب القص والحقائق العلمية التاريخية والجغرافية واالجتماعية والنفسية وغيرها3».
ا
عرف العرب الرحلة منذ العصر الجاهلي بحثا عن الكأل والماء ومن أجل التجارة؛ قال تعالى ﴿:إ إإليال إف
ا ا َّ ْ ا ْ ْاا ُق ارْ
ف ( 4﴾)9وبعد الفتوحات اإلسالمية ازدادت الحاجة إلى الرحلة الشت إاء والصي إ
ش ( )0إإيال إف إهم إرحلة إ
ٍ ي
لمعرفة البلدان والمسالك واملحطات وأحوال الناس االقتصادية واالجتماعية وأوضاعهم اإلدارية والسياسية
وغيرها« .وسرعان ما برزت الرحلة كفن أدبي مدون ابتداء من القرن الثالث الهجري بجهود بارزة ،من بينها
عمل (اليعقوبي) أي العباس أحمد بن يعقوب المتوفى سنة (181ه) أو (191ه) صاحب كتاب (البلدان) الذي
عبر فيه عن شغفه بالرحلة ،وتطلع لمعرفة األوطان ،وكذا معاصره (البالذري) أي أحمد بن يحي المتوفى
(111ه) صاحب (فتوح البلدان)»5
عرف أدب الرحلة عند العرب في القرن التاسع عشر خطوة جديدة كانت منعرجا حقيقيا في مسار فن
الرحلة العربية؛ عند اتصال الرحالة العرب بالحضارة الغربية الغازية تفاعلوا معها تفاعال خاصا ،وفي
مقدمتهم الثنائي رفاعة الطهطاوي (0810م0818 /م) و خير الدين التونس ي(0801م0891 /م) اللذان
استفادا من فرصة الذهاب إلى أوروبا واالطالع على الواقع األوروبي وما أفرزته الثورة الفرنسية ،بخاصة ،من
أفكار تحررية وثورية ،مما جعلهما يقترحان األخذ بإيجابياتها.
فن أدب الرحلة الجزائري في هذه المرحلة يحتاج إلى دراسات متمعنة وبحوث فاحصة تستجلي غوامضه،
خاصة وأن هذه المرحلة ابتليت فيها الجزائر باالستعمار الذي سلبها كثيرا من خيراتها ومنها ميراثها العلمي
واألدبي الذي كان مخزونا في مكتباتها التي أحرقت« .ولعل مما يلفت النظر أن فن الرحلة كأثر مكتوب في
(الجزائر) شهد انحسارا في هذا القرن عن سابقه (الثامن عشر) الذي شهد نشاطا معتبرا في المناخ الجديد
الذي برزت فيه المطبعة 1».لكن على الرغم من ذلك فإنه يمكننا العثور على بعض الرحالت المكتوبة التي
تؤرخ بشكل متواضع لهذا الفن في هذه المرحلة التاريخية ويمكن أن نقسمها بحسب نوع الرحلة إلى:
اعتاد الجزائريون على الذهاب إلى الحج في رحلة طويلة اعتبرها الكثيرون رحلة العمر إذ هي هدف كل
مسلم قادر ،وقد كانت يومها رحلة صعبة شاقة طويلة األمد؛ يزور أثناءها الحاج عددا البأس به من الدول
العربية ،فيستفيد عدة فوائد منها ،إلى جانب تأدية فريضة الحج .وكان العلماء وطلبة العلم أكثر الناس
استفادة من هذه الرحلة إلى جانب محئي االستكشاف والباحثون عن المغامرة .لقد كانت رحلة الحج فرصة
لهؤالء للكتابة والتدوين تخليدا لما عاشوه في هذه الرحالت من لحظات تركت في أنفسهم أثرا .من هؤالء نذكر
محمد أبو راس الناصر الجزائري (0181م0811/م) كتب رحلته التي كانت إلى الحج تحت عنوان" :فتح اإلله
ومنته في التحدث بفضل ربي ونعمته" .عاش الكاتب حياة فقر وعسر فعانى كثيرا في حياته ،ولم يمنعه هذا
من الكتابة والتأليف ،ألف كتبا في الفقه والتاريخ واألدب واألخبار واألنساب.
ولد محمد أبو راس الجزائري بمعسكر في الغرب الجزائري ،أخذ مبادئ العلم والفقه على شيوخها ،ثم
ارتحل إلى المغرب ليواصل طلب العلم في جوامعها .فلم يلبث حتى صار علما من علماء معسكر .حج حجتين
كانت األولى سنة (0111ه0189 /م) والثانية سنة (0111ه0800 /م) .هاتين الرحلتين مكنتاه من التعرف على
كثير من المناطق والبلدان في وطنه الجزائر والوطن العربي ،نذكر منها (مصر) و(الحجاز) و(الشام)
و(فلسطين) .كتب رحلته وهو في الثمانين لخمس بقين له من عمره فقد وافته المنية سنة (0811م).
تميز أدب الرحلة في هذه المرحلة بطغيان السيرة الذاتية عليها ،حيث يطنب الكاتب في الحديث عن
سيرته الذاتية خالل حديثه عن رحلته ،وهذا ما يالحظ على رحلة أبي راس الجزائري التي طغت عليها السيرة
الذاتية إال من باب واحد أفرده للرحلة وهو الباب الثالث من خمسة أبواب كلها حديث عنه وعن كتبه
ودراساته .لقد شغل أديبنا االهتمام بأكثر ش يء يشده كلما حل ببلد هو علماؤها ،فقد بذل جهده في البحث
عن العلماء واالتصال بهم والجلوس إليهم بل وحتى مناظرتهم « ،فلم يستهوه كثيرا ذوو سلطان وال مال ،وتكبر
سعادته كل ما اكتشف مستوى علميا رفيعا لدى علماء البلد ،وتعظم تلك السعادة حين يجد نفسه منتصرا
في جلسات المناظرة والنقاش1».
جاءت هذه الرحلة في قالب سردي تقريري في أكثره ،لكنها لم تخل من األخطاء النحوية واالستطراد .لكنها
مازالت شاهدة على طبيعة الحياة االجتماعية والثقافية في تلك المرحلة كما أنها تعطينا صورة واضحة عن
طبيعة العالقات التي كانت قائمة بين أبناء األمة العربية آنذاك.
يهتم الرحالة في هذا النوع بكتابة المعالم الجغرافية والتاريخية للمناطق التي قام بزيارتها ،فيساعد
بذلك القارئ على استكشاف المناطق واألماكن املختلفة واالطالع على عاداتها االجتماعية ولغتها وأماكن
تواجدها .إن هذا النوع من الرحالت يروم استكشاف المناطق املختلفة والتعرف على جغرافيا المكان وتاريخ
السكان واستطالع الطرق المؤدية إلى كل منها ،وكمثال على هذا نذكر رحلة الحاج بن الدين األغواطي الذي
كتب رحلته في القرن التاسع عشر بين (0811م و0819م) والتي كان عنوانها "رحلة األغواطي في شمال إفريقيا
والسودان والدرعية".
شخصية ابن الدين االغواطي غامضة من الناحية التاريخية ،وكل ما يعرف عنه أنه كانت له عالقة مع
مساعد القنصل األمريكي في الجزائر في الفترة ما بين (0811م و0819م) وفي هذه الفترة طلب منه هذا
المساعد المدعو (ويليام ب .هودسون) كتابة هذه الرحلة مقابل مبلغ مالي غير معلن ،ولعله ألغراض
استشراقية .قام هودسون بترجمة هذه الرحلة التي كتبها ابن الدين األغواطي بالعربية إلى االنجليزية .وبقي
النص العربي مجهوال ،لكن بفضل الدكتور أبي القاسم سعد الله تمت إعادة ترجمة هذه الرحلة إلى اللغة
العربية في نحو تسع عشرة صفحة1.
كان (هودسون) مهتما بتاريخ المنطقة وعاداتها ولغاتها ،وبخاصة منها البربرية ،وكان اهتمامه بهذه الرحلة
ظاهرا في كتاباته التي نشرها فيما بعد .وعن أهمية هذه الرحلة يقول أبو القاسم سعد الله« :رغم ما قلناه عن
صاحب هذه الرحلة فإنها ،كنص تاريخي ،هامة جدا ،فهي تحتوي على معلومات طيبة اجتماعية واقتصادية
وجغرافية وساللية ولغوية...عن المناطق التي تحدث عنها .وقد ذكر هودسون أن هذه الرحلة تحتوي على
معلومات لم يسبق لألوروبيين أن عرفوها ،حتى أولئك الذين رحلوا وكتبوا عن إفريقيا2».
والظاهر من خالل هذه الرحلة ،بحسب أبي القاسم سعد الله ،أن صاحبها لم يزر كل المناطق التي ذكرها
ألن وصفه لها كان محدودا ويدل على أنه سمع عنها فقط ،لكنه كان بارعا في وصف تلك المناطق التي زارها،
وبخاصة التي مر بها أثناء رحلته إلى الحج .كانت انطالقة هذه الرحلة من األغواط؛ فوصفها بسورها املحصن
وواديها الذي يقسمها ق بليا إلى قسمين ،وأبوابها ولغة سكانها العربية ومالبسهم الصوفية ومنتوجها من التمر
والعنب والتين .مر بعدة مدن شماال وغربا وجنوبا حتى وصل إلى مالي وتمبوكتو ثم قفل راجعا ليواصل رحلته
إلى الدرعية العاصمة األولى للدولة السعودية الوهابية .فيذكر ما مر به من مدن مثل قابس وطرابلس وجربة
التونسية ،وكان وصفه لهذه المد ن مثلما سبق في وصفه لمدينة األغواط وسكانها ولغتهم وأكلهم والمسافات
التي تفصل بين كل مدينة وأخرى .وهكذا كانت رحلة األغواطي سجال تاريخيا واجتماعيا وثقافيا وجغرافيا
يستفيد من كل من أراد التعرف على المنطقة ولعله سهل بهذا على المستعمرين احتالل المنطقة بأكملها.
بعد سنة فقط من كتابته لهذه الرحلة.
الرحلة السياسية:
الرحلة السياسية هي التي تسعى إلى تطبيق أهداف سياسية مثلما فعلت فرنسا مع "سليمان بن صيام"
و"أحمد ولد قاد"؛ اللذان ذهبا في رحلة إلى باريس تحت إشراف اإلدارة الفرنسية بغرض تحسين صورة فرنسا
لدى الجزائريين وترغيبهم في طاعتها واتباع سياستها.
كتب سليمان بن صيام رحلته سنة (0811م0119 /ه) تحت عنوان "سليمان بن صيام إلى بالد فرانسة"
والمعروفة بالرحلة الصيامية .بدأت من مليانة مرورا بالجزائر العاصمة في اتجاه باريس .وصف في رحلته كل
1ينظر األغواطي الحاج بن الدين .مجموع رحالت .رحالت جزائرية .9رحلة األغواطي الحاج بن الدين .تحق :أبو القاسم سعد الله .المعرفة الدولية
للنشر والتوزيع .الجزائر .طبعة خاصة0211 .م .ص.22 :
2أبو القاسم سعد الله .رحلة األغواطي الحاج بن الدين .ص.20 :
38
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
ما وقع تحت نظره في األرض الفرنسية بإعجاب شديد ،حيث شدته مظاهر الحضارة والتطور التي كانت
سائدة آنذاك في بلدان أوروبا .أما رحلة "بن قاد" كانت تحت عنوان "الرحلة القادية في مدح فرنسة وتبصير
أهل البادية" انطلق فيها من وهران إلى فرنسا وكان قبلها قد قام برحلتين اثنتين إلى فرنسا .وقد بدا في هذه
الرحلة شوقه الشديد لزيارة فرنسا من جديد ،فلم يتحدث عن المناظر داخل الوطن الجزائر وال رحلته فيها
وإنما كان مهتما بالحديث عن فرنسا وعن شوقه لها .وقد وصف مدينة باريس بمدينة "الحسن واإلحسان"
وركز اهتمامه في وصف مظاهر الحفاوة وحسن االستقبال في المدينة الجميلة وقد شده كثيرا شعار الثورة
الفرنسية "الحرية واألخوة والمساواة".
علق عمر بن قينة في كتابه "في األدب الجزائري الحديث" على هاتين الرحلتين بقوله«:إذن فإن رحلة (ابن
قاد) تتفق مع رحلة ( ابن صيام) في االنبهار بالحياة الفرنسية بوجهها السياس ي والصناعي واالجتماعي ،كما
تتفق معها في الدعاية السافرة لالحتالل ،لكن بإضافة لدى (ابن قاد) تتمثل في النقطة التي كتب فيها تحت
عنوان (عرض حال) الذي ختم به الرحلة ظنا منه أن ذلك الحيف في الجزائر هو من فعل اليهود والمعمرين
الذين يستغلون األرض واإلنسان ،يصادرون تلك ويضطهدون هذا ويشردونه وليس من خطط االحتالل الذي
ينجز كل ش يء بحساب ،حتى زيارة (ابن قاد) وأمثاله هي بحساب لتكريس "فضائل" االحتالل و"تلميع" وجه
املحتل1».
مع مطلع الثالثينيات من القرن العشرين بدأت تنتعش الرحلة في الجزائر داخليا وخارجيا ،لكن بحس
وطني وقومي وسياس ي .ويممت وجهها نحو الدول العربية ابتداء من سنة 0981م .هذا النشاط الذي جاء بعد
ركود في أدب الرحلة منذ بدايات القرن العشرين ،اتسم بنشاط في رحالت متتالية نحو مدن الوطن املختلفة
شرقا وغربا ،شماال وجنوبا ،معززا برحالت إلى الدول العربية املجاورة مثل تونس والمغرب والدول العربية
األخرى كمصر وسوريا والعراق« .وإن بلغ عدد الذين كتبوا رحالت أساسية ونشروها في هذا اإلطار نحو
عشرة ....فإن عدد الرحالت كثير وحجمها يختلف اختالفا كبيرا من كاتب إلى آخر كما تختلف مستويات
التعبير وطرائقه بينهم ،وكذا االهتمامات والمشارب والمقاصد إضافة إلى اختالف األقطار وتعددها2».تتمثل
المرحلة الممتدة بين 0981م 0911م فترة نهوض ووعي في أوساط الشعب الجزائري بمختلف فئاته ،أسهمت
في هذا النهوض عوامل كثيرة .وتميزت هذه المرحلة بنشاط ثقافي منقطع النظير رغم التضييق والمنع الذي
عانت منه الصحف واملجالت العربية الجزائرية وجمعية العلماء المسلمين التي بذلت جهدا في توعية الشعب
الجزائري وتثقيفه وتعليم ناشئته .وتكللت هذه المرحلة باندالع الثورة المسلحة في نوفمبر 0911م التي جاءت
ثمرة كفاح سياس ي وثقافي استمر منذ بدايات القرن العشرين .وكان للرحلة دور أساس ي في نمو الوعي الثوري
قبل الثورة وفي دعمها وحشد التأييد لها ماديا ومعنويا بعد اندالعها.
لقد مثل عمر بن قينة ألدب الرحلة في هذه المرحلة برحلتي عبد الحميد بن باديس وأحمد توفيق المدني.
فكانت رحلة األول إلى تونس بمناسبة إحياء ذكرى أحد أساتذة الشيخ الذين درسوه في جامع الزيتونة .ورحلة
الثاني كانت واحدة من عدد هائل من الرحالت التي قام بها ممثال عن جمعية العلماء المسلمين وسفيرا للثورة
المسلحة في عدد من الدول العربية والغربية .كانت رحلته التي نمثل بها لهذا الموضوع إلى المغرب األقص ى
بمناسبة عودة الملك محمد الخامس إلى وطنه بعد المنفى.
رحلة عبد الحميد بن باديس (0889م0911 /م) إلى العاصمة التونسية في ربيع األول (0811ه0981 /م)
من أجل إحياء ذكرى أستاذه الشيخ (البشير صفر) مسهما بمحاضرة تحت عنوان "في سبيل الوحدة" وكان
عنوان رحلته "في تونس العزيزة" .وقد ألح في محاضرته على الوحدة المغاربية .أما رحلة أحمد توفيق المدني
األولى كانت في نوفمبر 0911م إلى المغرب األقص ى بمناسبة عودة الملك محمد الخامس من المنفى إلى
الرباط .نشر الكاتب رحلته تحت عنوان" :ولسوف يعطيك ربك فترض ى" ،وقد قام الكاتب بهذه الرحلة لتهنئة
الملك بالعودة ممثال لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ضمن وفد يتكون من رئيسها (العربي التبس ي)
ونائبه(محمد خير الدين) وأمين ماليتها (عبد اللطيف سلطاني) وأمينها العام (أحمد توفيق المدني).
عبر في رحلته عن أحاسيسه الصادقة اتجاه الشعب المغربي الشقيق وملكه ،كما بلغ إخوانه المغاربة
مشاعر الشعب الجزائري الفرحة بعودة الملك من منفاه واستقالل المغرب من قبضة املحتل« .وكما برز هنا
موقف (المدني) القومي والسياس ي ،برز أسلوبه األدبي في الوصف الجيد لمظاهر البهجة البادية في الحركات
والعيون كما تجسدت في جو االحتفال ،مثلما أجاد نقل مختلف األحاسيس والمشاعر العامة والخاصة ،وقد
سمت تلك المشاعر محلقة في فضاءات إنسانية مفعمة تتزرا وتوددا وصفاء نفس وسعادة غامرة1».
كثرة الوصف.
غلبة األسلوب التقريري والسيرة الذاتية.
ُ
عكست رحالت القرن 09ميوالت كتابها لكنها في بعض األحيان كانت تخضع ألغراض خارجة عنها.
كان لالستعمار يد في بعضها.
الخصائص الشكلية:
غلبة اإلطناب.
التكلف وغلبة الصنعة اللفظية.
الضعف اللغوي .واستعمال الدارجة.
األسلوب المباشر في التعبير.
خالل القرن العشرين:
كانت الرحلة ذات بعد قومي وطني وسياس ي.
عبرت عن المكان والزمان والعواطف والمشاعر.
كثرة الرحالت وقلة الرحالت المكتوبة.
تنوع األساليب من كاتب آلخر.
تنوع الرحلة الواحدة واختالف مواضيعها من سياسية ودينية واستكشافية.
توفرت على الصدق الموضوعي والصدق العاطفي.
رحالو هذا القرن شخصيات سياسية وثقافية ذات مكانة في املجتمع الجزائري ولها أثر في تاريخ
الجزائر الحديث.
تعدد األقطار التي زارها رحالو هذا القرن والدول العربية كانت حاضرة بقوة.
غالبا ما كان هدف الرحلة طلب الدعم للثورة المسلحة في الجزائر.
كان لهذه الرحالت فضل في االنتقال بالمستوى الثقافي الجزائري إلى الرقي الفكري واألدبي.
الخصائص الشكلية:
تمهيد:
القصة جنس أدبي حديث النشأة نسبيا ،لكن جذوره ضاربة في عمق التاريخ اإلنساني؛ إذ ال تخلو أمة من
ظاهرة القص التي نشأت مع نشوء الثقافة االجتماعية اإلنسانية ،والفطرة االجتماعية تقتض ي وجود فعل
القص لتلبية حاجات نفسية تنفيسية لألفراد والجماعات .وقد عرف العرب في الجاهلية ما سمي بأخبار
العرب وأيامهم؛ حيث كان يجتمع الناس في مناسبات معينة ،يتحلقون حول قاص يروي لهم تلك األخبار
بطريقة مشوقة ومثيرة للمتعة يتسامرون بسماعها .وهكذا كل أمة كان لها فنها الشعئي الذي يستند على فعل
السرد ،لكن قد تختلف األساليب والطبوع في العملية السردية.
و القرآن الكريم حافل بالقصص التي أراد من خاللها الله سبحانه وتعالى تعليم اإلنسان وتربيته وفق
منهج يتوافق وطبائع النفس البشرية التي تميل إلى تتبع األحداث والشخصيات واالستمتاع بفك رموزها
واإلفادة من العبر المرجوة من ورائها .فجعل القرآن القصة«إحدى وسائله في تحقيق غاياته ،من إثبات
الوحي ،وتأكيد الرسالة ،وتأصيل الدعوة اإلسالمية ،ولكنها ال تجيء عمال فنيا مستقال ،وإنما تخضع للغايات
التي يهدف إليها1».
والقصة بمفهومها الحديث «تروي حدثا بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية ،أو الكتابة ،ويقصد بها
اإلفادة ،أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها ،وتضافر أحداثها وأجوائها التخييلية
والواقعية2».و القصة جنس أدبي يعد الحدث فيه عنصرا أساسيا ،والشخصية القصصية عنصر ثان
جوهري يقوم بدور هام فيعطي الحدث زخمه ويدفع به نحو التطور والنمو ،أما الحبكة فهي تقنية أساسية
لم تعد ذات شأن في القصة الفنية المعاصرة.
عرف العرب أصول القصة أو ما يشبهها منذ العصر الجاهلي متمثلة في أخبار العرب وأيامهم ،وفي
العصور اإلسالمية المتتالية فيما بعد عرفوا القصص القرآني وأسلوب المقامات ،لكن شكلها الفني المتطور
ارتبط بالقرن العشرين متأثرة بالقصة األوروبية حدثا وشخصيات .فقد ذهب بعض النقاد«إلى أن القصة
العربية في موضوعاتها ،ومضامينها واحتوائها على السير والتاريخ ترجع بأصول ثابتة إلى األدب العربي دون
1الطاهر أحمد مكي .القصة القصيرة .دراسة ومختارات .دار المعارف .القاهرة .ط1111 .22:م .ص.00 :
2شريبط أحمد شريبط .تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ( .)1120 ،1112منشورات إتحاد الكتاب العرب1112 .م .ص.12 :
42
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
نزاع ،ولكنها كشكل أدبي محدد المعالم واضح القسمات لديه منهجه وأصوله ،فإنها تعود إلى التراث
ي الغربي الحديث1». القصص
كانت مصر األسبق في الدول العربية التي أسهمت في إرساء قواعد هذا الفن منذ الثلث األول من القرن
العشرين؛ فكان لجهود محمود تيمور ،وعبد القادر المازني ،وطه حسين أثر في ظهور هذا الفن بشكله
الحديث .ولعل أول نص أدبي عربي نضجت فيه مالمح التقنيات الغربية ،هو رواية "زينب" ملحمد حسين
هيكل ،التي صدرت سنة 0901م .وهناك اختالف في هذا الموضوع بين الدارسين.
بدأ هذا اللون األدبي في الجزائر متعثرا ،فارتبط بالحكاية والمقامة والمقالة القصصية ،أكثر من كونه
قصة فنية ناضجة .وتتمثل املحاوالت األولى في قصة "المناظرة بين العلم والجهل" لعبد الرحمن الديس ي سنة
0918م « ،وقد لجأ الكاتب إلى هذا الضرب القصص ي توقا إلى إشاعة حيوية في الحياة األدبية الراكدة ،وقد
شرعت تتنفس بصعوبة منذ أواخر القرن التاسع عشر ،فاستمد في هذا اإلطار القصص ي ،عناصر في القص،
هي مزيج بين شكل الحكاية ،والمقالة القصصية االجتماعية ،والمقامة األدبية ،مع بروز واضح لسمات هذه
األخيرة2».
ُ
بعد ازدهار الصحافة الوطنية في الجزائر ،فتح املجال واسعا للنتاج األدبي ،ونشطت بذلك المقالة
القصصية ،إلى جانب الحكاية العامية ،والحكاية األدبية ،والحكاية الدينية .ومن املجالت التي اهتمت باإلنتاج
األدبي نذكر "المنتقد" ،و"الشهاب" ،و"البصائر" ،لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ،و"الشعلة" ألحمد
رضا حوحو .ويمكن أن نمثل لهذه المرحلة بقصة "السعادة البتراء" ملحمد بن العابد الجاللي (0911 ،0891م)
التي نشرها في مجلة "الشهاب" باسمه المستعار "رشيد" وهي حكاية قصصية أو مقالة قصصية تسرد قصة
موظف لدى اإلدارة الفرنسية ُرزق ولدا وهو في الخمسين من عمره بعد يأس أسماه "محمدا" ،وفي اليوم ذاته
ُرزق جاره بنتا أسماها سعاد ،وتدور أحداث القصة حول عالقة تطورت منذ الصغر بين محمد وسعاد
اتسمت بحب عفيف لينتهي بالزواج برضا الوالدين.
وقد كان للجاللي جرأة في معالجة موضوع كهذا في مجلة معروفة بمحافظتها واتجاهها الديني ،األمر الذي
جعل صاحبها "ابن باديس" يعلق في الهامش على موضوع الزواج القائم على الحب ،وتأكيد أن اإلسالم مبني
على المعرفة والرض ى .وهناك من يرى أن أول قصة جزائرية يمكن أن نؤرخ بها للقصة القصيرة بمفهومها
1شريبط أحمد شريبط .تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية .ص.11 :
2عمر بن قينة .في األدب الجزائري الحديث .ص.101 :
43
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
الحديث هي قصة "فرانسوا والرشيد" ملحمد السعيد الزاهري ،وهناك اختالف أيضا بين الدارسين في تحديد
أول قصة جزائرية في العصر الحديث .وقد ذهب شريبط أحمد إلى أن أول مجموعة قصصية طبعت كانت
ملحمد السعيد الزاهري وهي بعنوان " اإلسالم بحاجة إلى دعاية وتبشير" وذلك سنة 0811ه0918 /م .إذ يرى
عبد الملك مرتاض أن أول من ألف قصة في الجزائر هو محمد السعيد الزاهري إذ يقول «:شهد الشهر
السابع من سنة خمس وعشرين من هذا القرن ميالد القصة الجزائرية على يد محمد السعيد الزاهري ،الذي
نشر في "جريدة الجزائر" محاولة قصصية عنوانها "فرانسوا والرشيد" .ومنذ ذلك اليوم والقصة الجزائرية
تدرج ،ثم تحبو ،ثم تنهض على ساقيها ،ثم تتطور بها الحياة ،وتتقدم بها السبل إلى غاية الفن القصص ي
خطوات شاسعة1».
وقد اتخذت النشأة القصصية في الجزائر دورا إصالحيا صريحا ،ونذكر من روادها "محمد السعيد
الزاهري" في تصديه للفكر التبشيري التنصيري من جهة ،وتعرضه بأولئك الذين يزعمون علما بالدين وهم في
ُ
أميتهم وجهلهم غارقون« .ويعد هذا الفن أبرز الفنون األدبية رواجا ونضجا في األدب الجزائري المعاصر،
وذلك بعدما تقلص سلطان الشعر عقب الحرب العالمية الثانية فاسحا املجال لألنواع األدبية الجديدة،
وخاصة القصة لتقوم بتصوير حياة اإلنسان الجزائري في تطوره الفكري ونموه االجتماعي والحضاري خالل
حرب التحرير وعهد االستقالل 2».وقبل أن تصل القصة الجزائرية إلى مرحلة النضج سارت جنبا إلى جنب مع
المقالة القصصية التي كانت تسعى إلى هدف واحد هو اإلصالح االجتماعي.
1عبد الملك مرتاض .القصة الجزائرية المعاصرة .المؤسسة الوطنية للكتاب .الجزائر .1112 .ص.22 :
2شريبط أحمد شريبط .تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة .ص.20 :
3المرجع نفسه .ص.02 :
44
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
في مطلع الخمسينات أحدث أحمد رضا حوحو ثورة في مفهوم القصة القصيرة ،وذلك بعدما استفاد من
تجربته السابقة في التعامل مع الحدث القصص ي وشخصياته ،إضافة إلى ثقافته المعرفية والنظرية في اآلثار
الغربية ،فتطلع إلى التنظير في القصة ،حاول فيه أن يحدد شكليا مالمح الحدث القصص ي والبطولة في
القصة ،وعلى مستوى المضمون ينبغي أن يكون للقصة هدف ،وأن توجه أخالقيا واجتماعيا .وصدرت
مجموعته القصصية األولى بعنوان "صاحبة الوحي" حيث قال في مقدمتها إنه لم يلجأ إلى الخيال بل انتزع
شخصياته المعروفة من واقع معلوم.
بعد اندالع الثورة التحريرية الكبرى سنة 0911م ظهرت القصة الجزائرية القصيرة بشكل ناضج مع
استمرارية واضحة لشكل الحكاية والمقالة القصصية لدى بعض المبدعين مثل "أحمد بن عاشور" حيث
كانت لغتها مباشرة في التعبير والوصف ،لم تخرج في موضوعاتها عن المضمون اإلصالحي الثوري .ومن أمثلة
ذلك "لصوص جبناء" و"تستاهل" و"في يوم إيقاف الحرب" ،و"ال أفارق الجزائر"« 1.استعمل األدباء
الجزائريون في أيام الثورة التحريرية أشكاال قصصية عديدة عرفها األدب العربي في أثناء نهضته الحديثة ،وقد
وجدوا فيها أساليب جيدة للتعبير عن أفكارهم ومشاعرهم ،وأحداث بالدهم .كما اكتشفوا أنها تملك قدرا
كبيرا من أدوات التعبير الفني التي تمكنهم من تصوير المعارك وكفاح الشعب ومهاجمة قوات الجيش
ي2 ». الفرنس
أما القصة القصيرة بمفهومها الفني المعروف فبدأت تظهر وتتطور في الخمسينات ومشارف الستينات
بأقالم عديدة من بينها قلم "أحمد رضا حوحو" و"أبو القاسم سعد الله" و"الطاهر وطار" و"أبو العيد دودو"
وغيرهم ،حتى أصبحت القصة الجزائرية أكثر قوة وتأثيرا وأثبتت موقعها في الساحة الفنية والثقافية فنيا
وفكريا.
كان للقصة الجزائرية في مرحلة ما بعد الثورة التحريرية خصائص فنية تميزها عن بقية الكتابات
القصصية من قبل؛ حيث اتخذت وجهة جديدة مسايرة للظروف المغايرة التي فرضتها الثورة التحريرية
الكبرى على الواقع الجزائري « .والذي يهمنا هنا أن العديد من نماذج هذه المرحلة اتصف بعناصر القصة
الفنية ومقوماتها كاإليحاء والرمز واالبتعاد عن األسلوب الخطابي ،وعن األسلوب المباشر في السرد واهتم
1قامت مجلة (آمال) التابعة لوزارة اإلعالم والثقافة الجزائرية بنشر معظم محاوالت (أحمد بن عاشور) في عدد كملحق مستقل في نوفمبر 1121م.
(ينظر عمر بن قينة .في األدب الجزائري الحديث .ص)111 :
2شريبط أحمد شريبط .تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية .ص.122 :
45
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
الكتاب ببناء الشخصية فلم تعد الشخصية ذات بعد واحد ،إما رمزا للخير وإما رمزا للشر على نحو ما كانت
عليه في القصة اإلصالحية ،وإنما صارت تعبر عن الحياة اإلنسانية وحقيقتها حيث يمتزج فيها الخير والشر1».
بعد الستينات اتضحت معالم القصة الجزائرية القصيرة؛ فتطورت فيها الشخصيات انسجاما وتناغما،
كما أن بناء الحدث أصبح أكثر وضوحا وجاذبية ،وأصبح األسلوب عربيا صافيا .أما األماكن واألزمنة فتعددت
وتطورت مؤذنة بنشأة الرواية الجزائرية الحديثة .وقد ظهرت مجموعات قصصية لكتاب جزائريين نهاية
الخمسينيات وبداية الستينيات في تونس والقاهرة ثم في الجزائر بعد االستقالل ،نذكر منها" :دخان من قلئي"
للطاهر وطار و"ظالل جزائرية" لعبد الحميد بن هدوقة" و"نفوس ثائرة " للركيئي و"على الشاطئ اآلخر" لزهور
ُ
ونيس ي ،و"بحيرة الزيتون" ألبي العيد دودو« .وهي مجموعات تضم إنتاجا كتب معظمه في الخمسينات،
وبعضه في مطلع الستينات ،وكان أغلبه على مستوى قصص ي فني جيد ،مع استمرار فيه لنماذج الفترة األولى
من النشأة ،غير أنه يعكس عموما تطورا جيدا باتت فيه القصة الجزائرية نوعا أدبيا معتبرا في النثر الجزائري
الحديث2».
لقد تطورت القصة الجزائرية في النصف الثاني من الخمسينيات تطورا ملحوظا من حيث عدد الكتاب
والمادة القصصية ،ثم في الستينيات تم النضج الفني للقصة على الرغم من غياب بعض األسماء القصصية
من الساحة الفنية لكنها تدعمت بظهور أسماء جديدة تلت هذه المرحلة أمثال :أبو العيد دودو والطاهر
وطار وعبد الحميد بن هدوقة وزهور ونيس ي ،هؤالء الذين كان لهم أثر واضح في السبعينيات ثم الثمانينيات
من القرن الماض ي« .ونشير هنا أيضا إلى مسألة أخرى جديرة بالمعالجة والتناول وهي أن معظم كتاب القصة
قد تحولوا بعد االستقالل ( )0911إلى الكتابة في فنون أدبية أخرى ،أو توقف بعضهم عن الكتابة األدبية
لسنوات عديدة ،إما بسبب الظروف الحياتية الجديدة وإما لتغير حوافز الكتابة التي كانت قبل االستقالل
شكال من أشكال النضال ضد المستعمر 3».وخالصة القول في هذا الصدد هي أن القصة القصيرة في األدب
الجزائري الحديث نشأت على أيدي أدباء جيل الثورة وتطورت بفضل جهودهم4.
إن نشأة الرواية الجزائرية الحديثة غير مفصولة عن نشأة الرواية في الوطن العربي كله ،وقد تأثرت
الرواية العربية ومنها الجزائرية بالرواية األوروبية ،كما أن هذه النشأة تختلف في ظروفها من قطر عربي إلى
آخر ،غير أن جذورها مشتركة ،ترجع إلى القصص القرآني والسيرة النبوية ،كما أنها تعود إلى مقامات بديع
الزمان الهمداني (818هـ898 ،هـ) ومقامات الحريري (111هـ111 ،هـ) التي ترجمت إلى عدة لغات منها
اإلنجليزية والفرنسية واأللمانية فضال عن الفارسية والتركية.
إن اتصال العرب في العصر الحديث بالغرب أنتج تأثرا كبيرا بالمناهج الغربية الحديثة والنظريات
األدبية والفكرية والفلسفية التي أدت إلى ثورة في املجال األدبي والفني عند الغربيين وكان لها انعكاس واضح
على ثقافة األدباء والمفكرين العرب الذين أتيحت لهم فرصة الدراسة في الغرب أو الحياة لمدة زمنية هناك،
فجاءوا بأفكار مستحدثة أدت إلى تطور في مجال الكتابة األدبية« .فنشأة الرواية العربية ومنها الجزائرية لم
تأت من فراغ ،إذن ،فهي ذات تقاليد فنية وفكرية في حضارتها ،كما أنها ذات صلة تأثرية ما بهذا الفن كما
عرفته (أوروبا) في العصر الحديث ،خصوصا بعد شيوع مصطلح الواقعية1».
ومن الروايات التي تؤرخ للرواية الجزائرية الحديثة رواية "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة .وهي
الرواية التي يكاد يجمع عليها الدارسون والنقاد بأنها البداية الفعلية للرواية الجزائرية الناطقة باللغة
العربية .كتبت هذه الرواية أثناء مرحلة سياسية حساسة وخاصة في تاريخ الدولة الجزائرية المستقلة ،وبعد
مخاض طويل ومعاناة تلت سنة االستقالل الذي أعقبته سنوات عديدة من محاولة معالجة الحالة المزرية
التي ورثتها الجزائر من االحتالل الطويل الذي أنهكها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .صدرت هذه
الرواية في (1نوفمبر 0911م) في نفس السنة التي تم فيها التحضير إلصدار قانون الثورة الزراعية الصادر
رسميا في ( 8نوفمبر 0910م).
«إذن هذا هو الجو الذي تنفست فيه (ريح الجنوب) طالئعه ،وقد جرت أحداثها في الريف ،بمنطقة
تقترب من الهضاب العليا بين جنوب الوطن وشماله ،حيث تقبع قرية رعوية صغيرة يقطنها (عابد بن
القاض ي) ذو األراض ي الفالحية واألغنام 2»..وتتمحور هذه الرواية حول هذه الشخصية املحورية التي تمثل
مالك األرض الذي يستحوذ على كل ش يء ويحرم من حوله وينتهز كل فرصة ألغراضه الشخصيةـ في الوقت
الذي جاء فيه قانون الثورة الزراعية مضادا لطموحاته الالمتناهية« .ومما يجدر ذكره أن فترة السبعينات
وإن غلب فيها التوجه المضموني في الكتابات األدبية والنقدية ،إال أنها الفترة التي تكثف فيها اإلنتاج باللغة
العربية وكانت تأسيسا سمح بظهور وتكوين كوكبة من األدباء ،أصبحت لهم مكانة محترمة3».
أما مرحلة الثمانينات والتسعينات ،فقد لوحظ تحول في مسار الرواية نحو محاولة تجاوز المواضيع
الثورية بالمفهوم االجتماعي إلى ثورة على مستوى األفكار في تجربة تسعى إلى تخطي المألوف بسبب تغير
األوضاع السياسية وتدهور الحالة االقتصادية مما أنتج صراعا أيديولوجيا عصف بالحياة الفكرية واألدبية.
وفي هذه المرحلة توجه الروائيون نحو الشرق أو نحو الغرب ليجدوا لهم مكانة بين هؤالء أو أولئك رغبة في
التطور والتغيير« .ولعل اإلضافة النوعية التي جاءت بها البنيوية هي أنها نبهت إلى ضرورة انتشال األدب من
الفجاجة الواقعية والتسطيح ومكنت النقاد من استخدام أدوات راقية في التعامل مع النصوص 3».مما أدى
بالروائيين والنقاد على حد سواء يتجهون نحو تجديد النص األدبي والسمو به إبداعيا وفنيا؛ ومن املحاوالت
نذكر رواية واسيني األعرج "وقع األحذية الخشنة" سنة 0980م ،ورواية "نوار اللوز" سنة 0881م ،حيث
استثمر فيها التناص مع تغريبة ابن هالل وكتاب "المقريري" "إغاثة األمة لكشف الغمة"1.
اتسمت األعمال الروائية في الثمانينات بخاصة بسمة التمرد أو الرغبة في التمرد على الواقع وعلى القيم
السائدة وعلى كل ماهو نمطي ،وحتى على املحظور في أحيان كثيرة .فرواية "زمن التمرد" للحبيب السايح سنة
0981م ،تدل من عنوانها على هذا المفهوم ،ونذكر على سبيل المثال رواية "عزوز الكابران" لمرزاق بقطاش
سنة 0989م ،التي«يقف فيها شيخ الجامع وهو شخصية من شخصيات الرواية يعد رمز للتيار السلفي
المتضامن مع النزعة الوطنية ،ممثال للفكرة الوطنية الموحدة في الجوانب األيديولوجية المتباينة ،في هذه
الرواية يلتقي المعلم وهو من الشخصيات األساسية بهذا الشيخ في الزنزانة وقت صالة الظهر حيث يؤنب
شيخ الجامع هذا المعلم ويخبره بأنه غير راض عليه ،ألنه في رأيه ال يعلم األطفال ما ينبغي تعليمه وهو أن
يعلمهم الحقيقة وكذا التمرد على حاكم مثل "عزوز الكابران" 2».على أن هذه السمة تعد سمة عامة ،مع
وجود عدد من الرويات التي لم تختلف عن روايات النشأة في سذاجتها وواقعيتها المفرطة.
استمرت الكتابة الروائية في التسعينات بخطى متعثرة ،لكنها مثلت اتجاها جديدا فرضه الواقع المتأزم،
على الرغم من أن إرهاصات هذا التوجه الجديد كانت بادياته منذ الثمانينات التي كانت حبلى بالتغييرات
الهائلة التي عصفت بالجزائر وشعبها من شتى النواحي« .وما تردد في روايات التسعينات تصوير وضعية
المثقف الذي وجد نفسه سجين(كذا) بين نار السلطة وجحيم اإلرهاب ،وسواء كان أستاذا أم كاتبا أم
صحفيا أم رساما أم موظفا ،فإنهم يشتركون جميعا في المطاردة والتخفي وهم يشعرون دوما أن الموت
يالحقهم3».
ومن الرويات التي مثلت هذه المرحلة نذكر على سبيل المثال؛ رواية "سيدة المقام" لواسيني األعرج،
ورواية "تاء الخجل" لفضيلة فاروق ،ورواية"الشمعة والدهاليز للطاهر وطار ،ورواية "تيميمون" لرشيد
بوجدرة ،كلها روايات كتبت في العشرية السوداء وصورت الواقع الفظيع الذي عاشه الشعب الجزائري
بمختلف أطيافه وطبقاته .والواقع أن مرحلة التسعينات تجلت فيها املحنة وفرضت حضورها بقوة في الكتابة
األدبية4.
تطورت الرواية الجزائرية منذ نشأتها ،فتتبعت مسارا متصاعدا من حيث الجماليات الفنية؛ بحيث
انتقلت تدريجيا من البساطة واللغة المباشرة التي تصف الواقع أو تعيد تصويره بطريقة بدائية بعيدة عن
الرؤية الفنية المبدعة في كثير من األحيان إلى اللغة الفنية التي توحي بأكثر من معنى وتجنح إلى عوالم خفية
وتتطلع إلى العجائبية .لقد تميزت روايات السبعينات بالشجاعة في الطرح والمغامرة الفنية التي عززها
االستقالل واتجاه املجتمع إلى االستقرار ،فظهرت الرواية بثوب فني جديد ،جمع الروائيون بين اإلبداع
والسياسة فجاءت رواياتهم مثقلة بالهم السياس ي ومعبرة عنه في أغلب األحوال .وإغراق الرواية في هذا الجانب
أفقدها كثيرا من فنياتها .وبدت أعمال هذه الفترة تأريخا لكل المتغيرات والتطورات التي وقعت في الجزائر.
وذلك أن أكثر الروائيين انخرطوا في المدرسة الواقعية االشتراكية.
في الثمانينات تغير كثيرا حال الرواية الجزائرية ،وبخاصة من الناحية الفنية حيث أصبحت أكثر نضجا،
وجمالياتها اللغوية بدأت في التطور مستفيدة من تقنيات الرواية الجديدة على الصعيدين العربي والعالمي.
لكن سيطرة البعد األيديولوجي أثر بشكل واضح على محاوالت الخروج بالرواية من الشكل التقليدي الواقعي
إلى شكل فني أكثر تحررا وجمالية.
وخالصة األمر في الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية أنها أعادت صياغة املجتمع بوصفه «كيانا موضوعيا
يتميز بوجوده المستقل عن الذات .لكن هذا الوجود ليس مفصوال تماما عن الذات المبدعة أو تحركه
حتمية ميكانيكية ،وإنما هي عالقة مؤسسة على صلة جدلية وثقى بين األدب والواقع ،صلة تعترف بدور
األدب في عملية التغيير وإنه ال قيمة لنص أدبي ال يحركه هاجس التغيير1».
قائمة المصادروالمراجع:
أبو العيد دودو.الجزائر في مؤلفات الرحالين األلمان .الشركة الوطنية للنشر والتوزيع .الجزائر.
0911م
أبو القاسم سعد الله .دراسات في األدب الجزائري الحديث .دار الرائد للكتاب .الجزائر .ط.11 :
1111م.
أحمد الطالب اإلبراهيمي .آثار اإلمام محمد البشير اإلبراهيمي.ج .11دار الغرب اإلسالمي .بيروت.
ط0991 .10:م.
األغواطي الحاج بن الدين .مجموع رحالت .رحالت جزائرية .8رحلة األغواطي الحاج بن الدين .تحق:
أبو القاسم سعد الله .المعرفة الدولية للنشر والتوزيع .الجزائر .طبعة خاصة1100 .م.
شريبط أحمد شريبط .تطور البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة ( .)0981 ،0911منشورات
إتحاد الكتاب العرب0998 .م.
صالح خرفي.الشعر الجزائري الحديث .المؤسسة الوطنية للكتاب .الجزائر0981 .م.
الطاهر أحمد مكي .القصة القصيرة .دراسة ومختارات .دار المعارف .القاهرة .ط0999 .18:م.
عبد الغاني خشنة .إضاءات في النص الجزائري المعاصر .دار األلمعية للنشر والتوزيع .قسنطينة.
ط1108 .10 :م
عبد الملك مرتاض .القصة الجزائرية المعاصرة .المؤسسة الوطنية للكتاب .الجزائر0991 .م.
عثمان حشالف .محاضرات في الشعر الجزائري الحديث والمعاصر .المدرسة العليا لألساتذة في
آلداب اإلنسانية ببوزريعة .مادة األدب الجزائري للتكوين عن بعد .السنة الثانية جامعي
عمر بن قينة.في األدب الجزائري الحديث .تاريخا وأنواعا ،وقضايا وأعالما .ديوان المطبوعات
الجامعية .الجزائر .ط1119 .11:م
محمد التونجي .المعجم المفصل في األدب .ج .0دار الكتب العلمية .بيروت .ط0109 .11:ه0999 /م.
محمد صالح الجابري .األدب الجزائري المعاصر .ط .10 :دار الجيل .بيروت1111 .م0111 /ه.
محمد ناصر.الشعر الجزائري الحديث .اتجاهاته وخصائصه الفنية .)0911 ،0911( .ط .11 :دار
الغرب اإلسالمي .بيروت1111 .م.
محمد مهداوي.هموم الكتابة في األدب العربي الحديث في الجزائر على أيام االحتالل .ديوان
المطبوعات الجزائرية .الجزائر1101 .م
مخلوف عامر.الرواية والتحوالت في الجزائر" .دراسات نقدية في مضمون الرواية المكتوبة بالعربية".
منشورات إتحاد الكتاب العرب .دمشق.1111 .
يوسف وغليس ي .في ظالل النصوص .تأمالت نقدية في كتابات جزائرية .جسور للنشر والتوزيع.
الجزائر .ط0188 .11 :ه1101 /م.
51
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
عامر رضا .تجليات أدب املحنة في الشعر الجزائري المعاصر .مجلة الحقيقة .جامعة أدرار .العدد
.11
سعيد بوسقطة .القصيدة السعينية بين الخطاب الشعري واإليديولوجي .الجزائر
http://www.startimes.com/?t=26715639
شادية بن يحيى .الرواية الجزائرية ومتغيرات الواقع.
https://www.diwanalarab.com/spip.php?page=article&id_article=37074
عبد القادر رابحي .شعرية ما بعد السبعينيات و استحضار المرجعيات المغيبة في النص الشعري
الجزائري المعاصر .مجلة أصوات الشمال.
http://www.aswat-elchamal.com/ar/?p=98&a=23839
المالحق:
هذه بعض األعمال الموجهة التي قام بها طلبة المدرسة العليا لألساتذة الثالثة متوسط والثالثة ثانوي ،دفعة
،1108 /1101وهي مجموعة نصوص أدبية شعرية ونثرية جزائرية قدمت لهم من أجل تحليلها ودراستها
بأسلوبهم الخاص ،أوردها هنا كما هي:
النص األول:
«قال (السعيد الزاهري) في ترجمة حياته " :أرى الجزائر في أنياب بؤس يمضغها مضغا ،وأراها في فقر يأكلها
أكال لما ،وأراها بعد ذلك تتخبط في جهالة عمياء ،وتعمه في ضالل مبين ،فال أستطيع مع ذلك صبرا ،أراها
كذلك فيذوب لها فؤادي رقة وحزنا ،وتذهب نفس ي عليها حسرات ،إنه ليكاد يقض ي علي الكمد ،ويقتلني
األس ى ،إذا أنا تذكرت ما كان لوطني من العزة والشرف ،وما كان له من السيادة على الفرنجة ،ثم أراه صار
بعد ذلك كله إلى الذلة والهوان».
52
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
يقول األمين العمودي أحد شعراء الطليعة في كتاب شعراء الجزائر للزاهري:
«أما حياتي فحياة كل مسلم جزائري ،حياة بال غاية وال أمل ،حياة من ال يأسف على أمسه ،وال يغتبط بيومه،
وال يثق في غده».
دراسة الطلبة:
تحليل نص للكاتب الجزائري السعيد الزاهري من كتاب "شعراء الجزائرفي العصرالحاضر" لمؤلفه:
محمد الهادي السنوس ي الزاهري.
تمهيد:
يعد كتاب "شعراء الجزائر" ملحمد الهادي الزاهري" من أوائل الكتب التي ألفت في بداية القرن العشرين،
وتتحدث عن أدباء الجزائر في تلك المرحلة .لقد اجتهد الهادي الزاهري في جمع ما تمكن من تراجم لشعراء
جزائريين عاصرهم ،مؤديا بذلك دورا لم يقم به من كانوا قبله خدمة للجزائر وأدبها.
جاء في ترجمة السعيد الزاهري لنفسه في هذا الكتاب قوله« :حضرة أخي سيدي محمد الهادي السنوس ي
الزاهري حياك الله وبياك من ولي حميم .دعوتني أن أكتب إليك عن حياتي وأرسل إليك بديوان شعري
وبرسمي الشمس ي فلم أر بدا من إجابة ما تدعوني إليه 1».بعد تلبيته الدعوة ،دخل مباشرة في حديثه عن
حياته لكنه استهلها بقوله«:كتبت إليك عن حياتي ما يصلح ـ ـ فيما أرى ـ ـ ـ أن يكون ترجمة عني تصور للقاري ما
أنا أعالجه من المتاعب وما أالقيه من تكاليف األيام .سئمت الحياة وأنا ال أزال في أيام الشباب فال أكاد أبصر
ما بقي لي من العمر إال سوادا حالكا 2»..ليأتي بعد ذلك مباشرة النص المعني بالدراسة.
التعريف بالكاتب:
شعراء الجزائر في العصر الحاضر .الجزء األول منه .جامعه وناشره ومفسر ألفاظه محمد الهادي الزاهري .المطبعة التونسية .ط .21 :تونس.
11001م .ص.00 :
2المرجع نفسه.
53
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
ولد محمد السعيد الزاهري عام 0801ه ـ 0899م في قرية ليانة بوالية بسكرة ،وفيها استهل تعلمه على
يدي كوكبة من علماء أسرته ،يأتي على رأسهم :جده ألبيه الشيخ علي بن ناجي ،وعمه عبد الرحيم بن ناجي،
والشيخ محمد بن ناجي ،والشيخ علي بن العابد ،وغيرهم ،ثم قصد الشيخ عبد الحميد بن باديس لينهل
العلم على يديه ،فأقام في مدرسته أربعة عشر شهرا.
كتب الزاهري مقاالت كثيرة في صحف الشرق ،سيما" الرسالة "و"المقتطف "و"الفتح ".باإلضافة إلى
كتاباته الكثيرة في صحف بلده الجزائر ،ومن أهمها مجلة" الشهاب "الشهيرة ومجلة" األمة "و"النور "وغيرها.
ومن شعره قوله:
التحليل
السعيد الزاهري هو كاتب جزائري عاصر االستعمار الفرنس ي ،خلف لنا موروثا أدبيا عن تلك المرحلة،
والنص الذي بين أيدينا يمثل مرآة عاكسة لحياة الكاتب االجتماعية ،نجده يتحسر على الجزائر وما آلت إليه
من ذل وهوان ،بعد ما كانت في عزة و شرف .فوصف لنا ما حل بالجزائر من فقر و جهل و ظلم و طغيان.
ألفاظ النص قوية وواضحة ،وأسلوبه راق ،مما يدل على اإلمكانيات األدبية للكاتب وتمكنه من اللغة
العربية ،كما استعمل مفردات قرآنية (أكال لما ،تعمه ،حسرات ،ضالل مبين ) وهذا إن دل على ش يء فإنما
يدل على التأثر بالقرآن الكريم والتعلق بالدين اإلسالمي ،رغم مساعي فرنسا إلى طمس الهوية الجزائرية .طغى
على النص األسلوب الخبري ،فالكاتب يسعى إلى إيصال فكرة عن الواقع المعيش في بدايات القرن العشرين.
النص يعج بالبيان والبديع فالكاتب يسعى لتبسيط الصورة لدى المتلقي ،كما نلمح في النص تكرارا
لبعض المفردات في محاولة من الكاتب إلى تأكيد الوضع المزري للجزائر ،باإلضافة إلى أن النص تكثر فيه
األفعال وهذا دليل على التغير و االستمرارية .
و في األخير فإن السعيد الزاهري أراد من خالل هذا النص إيصال رسالتين أساسيتين ،فاألولى واقع الجزائر
إبان االستعمار ،والثانية وجود أدباء متميزين وقتئذ.
كانت الجزائر تعيش في أمان ورفاهية وحالة اقتصادية مزدهرة ،وبعد دخول االستعمار الفرنس ي أرض
بالدنا تغيرت الموازين في جميع املجاالت ،فعاشت الجزائر حالة بؤس شديد جراء االستعمار الفرنس ي،
54
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
وانعكس ذلك على الحياة بمختلف اتجاهاتها وبذلك تراجعت الجزائر في النواحي االقتصادية االجتماعية
والثقافية والصحية.
فالكاتب الزاهري يتأسف ويتحسر على هذه الوضعية الجديدة التي آلت إليها بالده خاصة عند تذكره الحالة
التي عاشتها قبل ذلك.
والنص غزير بالجانب الفني ،فقد وظف الصور البيانية ومثال ذلك قوله" :أرى الجزائر في أنياب بؤس
يمضغها مضغا :وهي استعارة مكنية ،ومن املحسنات البديعية الطباق بين" :العزة و الذلة" ،و اقتباسات من
القرآن الكريم في قوله ":أكال لما" "،في ظالل مبين" ،كما نجد غلبة األفعال المضارعة في النص الدالة على
الحركة واالستمرار.
وقد ُوفق الكاتب في تصوير الحالة التي عرفتها الجزائر في حقبة االستعمار وهو ما يعكس المستوى الثقافي
ُ
والمعرفي الذي تميز به كتاب الجزائر ُومثقفيها.
إن هذا النص النثري الذي بين أيدينا يعود للكاتب الجزائري محمد السعيد الزاهري أحد مؤسس ي
المدرسة اإلصالحية وأحد أعالم الجزائر البارزين ،حيث وصف فيه المعاناة التي شهدتها الجزائر أثناء
االستعمار الفرنس ي.
و ما يمكننا مالحظته في هذا النص النثري هو أن صاحبه قسمه إلى ثالثة أقسام ،حيث إن كل قسم يعبر
عن موضوع وفكرة معينة ،بأسلوب سلس ،فنجد أوال وصف لما كانت تعيشه الجزائر أثناء االستدمار
الفرنس ي من مأساة ومعاناة ،حيث أنه يقول ":أرى الجزائر في أنياب بؤس يمضغها مضغا" .أما القسم الثاني
فعبر فيه الكاتب عن مشاعره اتجاه الوضع الذي يعيشه وطنه مما أظهر النزعة الوطنية لديه .أما بالنسبة
للفكرة األخيرة فقد عبرت عن حسرة الكاتب بسبب ما آلت إليه الجزائر بعدما كانت عروسا وأميرة للبحر
األبيض المتوسط وبعدما كانت تعيش في عز و شرف.
ورغم االستعمار والتجهيل ظل الشعب الجزائري محافظا على روحه اإلبداعية ،حيث يعتبر السعيد الزاهري
من بين الذين لم يستسلموا بل غيروا طريقة المواجهة إلى المقاومة بالكلمة والقلم.
تبوأ الكاتب والشاعر محمد السعيد الزاهري مكانة مرموقة في التاريخ الجزائري الحديث والمعاصر ،فقد
حظي برصيد أدبي واسع وأفق علمي عالي ،مما أهله أن يكون منافسا لكبار األدباء كطه حسين والرافعي
55
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
وأمثالهما حيث عاش الزاهري للجزائر جاعال لها قلمه السيال ولسانه القوال ،لنصرتها منذ أن فتح عينيه على
المعاناة التي كان يعيشها الشعب الجزائري تحت وطأة االستعمار؛ فبادر باالنضمام إلى جمعية العلماء
المسلمين وعين عضوا في مجلسها اإلداري وأبدى عناية فائقة بالصحافة لما لها من دور فعال في توعية
الشعب وتحريره من قيود المستعمر المستبد .شارك بقلمه نثرا وشعرا لينقل لنا األوضاع المزرية التي واكبها
الجزائريون آنذاك ،مخلفا بذلك إرثا فكريا وثقافيا غزيرا لعل أهمها كتابه "شعراء الجزائر" الذي يعد دليال
على مدى انشغاله بقضايا وطنه ،وإخالصه الكبير لشعبه فالمتصفح لنصه هذا يجده يعكس لنا صورة
واضحة وجلية عن معاناة الشعب الجزائري على الصعيد االجتماعي من بؤس وفقر وجهل ،مستعينا باأللفاظ
المقتبسة من القرآن الكريم (أكال لما ،ضالل مبين ،ال أستطيع مع ذلك صبرا ) التي ترصد مدى تشبعه
بالدين اإلسالمي وتفقهه فيه ،وموظفا عبارات بسيطة تجمع بين الجزالة والقوة وأسلوبا يفيض رصانة وتألق،
فيه باثا
أحاسيسه المفعمة بالحزن واألس ى اتجاه وطنه (تذهب نفس ي عليها حسرات ،يقض ي علي الكمد ،يقتلني
األس ى .)...وقد صاغ الكاتب كل ما جاء في نصه من أفكار ودالالت في شكل صور بيانية (أنياب بؤس ،يذوب لها
فؤاذي )...ومحسنات بديعية العزة=الذلة ،أكال ،لما .)...وبناء على ما سبق يمكننا القول أن السعيد الزاهري
قد أبدع في إيصال فكرة مفادها أن الشعب الجزائري عانى من شتى أنواع الظلم والقهر الطغيان التي مارسها
االحتالل الفرنس ي في حقه منذ أن وطأت أقدامه أرض الجزائر ،األمر الذي أثار في نفسيته الحسرة بعدما
كانت الجزائر تتمتع بالسيادة والشموخ على كل الدول بمن فيهم فرنسا.
فوج األمل
لقد مرت الدولة الجزائرية أثناء االستعمار الفرنس ي بواقع مأساوي يسوده الكثير من الظلم واالستبداد،
وذلك مادفع الكاتب الجزائري " السعيد الزاهري" إلى كتابة نصه ،مبينا فيه الواقع المعيش آنذاك للدولة
الجزائرية.
56
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
يصف الكاتب حالة املجتمع وما تعرض إليه من بؤس ،و فقر ،وجهل وضاللة فهو يبين بذلك ما يلم به من
حرقة وغيرة على وطنه وحزنه وتحسره ،لما يحل به من استنزاف خيراته ،و استعباد شعبه بعد الحرية
والكرامة التي كانت تسوده.
أما من الجانب الفني فقد اعتمد على األسلوب الخبري والنمط الوصفي ،وذلك من خالل توظيف ضمائر
الغائب كقوله « وأراها بعد ذلك تتخبط في جهالة عمياء » واألحوال والنعوت للتعبير عن حالته وحالة وطنه
وذلك في« :وتذهب نفس ي عليها حسرات ،يقتلني األس ى » إضافة إلى الصور البيانية كقوله«يمضغها مضغا».
كما اعتمد الكاتب لغة سهلة وواضحة وبالغية جلية المعاني ،و كل ذلك ألقى جمالية ورونقا على النص.
و يمكن القول في األخير أن هذا النص نموذج تصويري ،لما عاشته الجزائر أثناء االستعمار من االضطهاد
وامتهان لكرامتها ،وهذا ما أثر على نفسية الكاتب.
فوج األقص ى
يقدم الكاتب الجزائري" السعيد الزاهري" في نصه وصفا لحالة الشعب الجزائري إبان االستعمار
الفرنس ي ،فلم يبخل بقلمه في التعبير عن حالته النفسية حيث أصابه األس ى بسبب ما رآه من ويالت
االستعمار والذل الذي يعيشه الشعب الجزائري.
يصف لنا الكاتب الحالة التي آلت إليها الجزائر من ضعف وهوان في عهد االستعمار بعدما كانت تتمتع
بالعزة والشرف ،مما أثار في نفسية الكاتب غيض وحسرة وألم مثل كل جزائري غيور على وطنه ويتضح ذلك
من خالل ألفاظه وعباراته في النص.
يندرج النص ضمن المقام التاريخي الذي يتزامن مع مرحلة االستعمار الفرنس ي للجزائر ،حيث اعتمد على
توظيف الصور البيانية لتوضيح الحالة وتشخيصها كما قام باالقتباس من القرآن الكريم الذي يدل على
تشبعه بالثقافة الدينية ،كما استخدم الكاتب األساليب الخبرية التي تناسب النمط الوصفي ،و نالحظ قوة
األلفاظ التي تعبر عن غضب الكاتب وحزنه معا.
وفي األخير يتجلى لنا دور األدباء في تصوير معاناة الشعب الجزائري.
فوج المتميزات
تحدث السعيد الزاهري في نصه عن حالة الجزائر المزرية أثناء االحتالل الفرنس ي ،فكيف كانت نظرته
لهذه النكسة التي أصابت بالده ؟
57
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
صور لنا الكاتب من خالل نصه هذا تحسره على األوضاع المأساوية التي ألمت بالشعب الجزائري؛ من فقر
مدقع وأمية كادت تمحو مقومات الجزائريين المتمثلة في السيادة ،و العروبة ،واإلسالم .وهذا ما بث في نفسه
الشعور بالحزن الشديد واألس ى ،وما جعله يتذكر ما كانت عليه الجزائر من العزة والشرف ،وما آلت إليه من
الذلة والهوان .
58
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
اقتباس من سورة فاطر قال الله تعالى(:فال تذهب نفسك عليهم املحسنات البديعية :
عليها حسرات
حسرات)
طباق إيجاب العزة والذلة
طباق إيجاب الشرف والهوان
من خالل هذا النص استطاع "السعيد الزاهري" أن يجسد لنا صورة الجزائر آنداك من خالل أسلوبه الرفيع
ومفرداته املختارة لذلك الوضع.
النص الثاني:
رثاء الجزائر
59
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
٭ ٭
دراسات في األدب الجزائري الحديث .أبو القاسم سعد الله .ص01 :
دراسة الطلبة:
تمهيد:
نظم هذه القصيدة أحد شعراء الجزائر في السنوات األولى الحتالل الجزائر من قبل فرنسا ،وقام بترجمتها
إلى الفرنسية أحد الجزائريين بعد طلب من توماس كامبل ،الشاعر والكاتب السكوتلندي ،صاحب كتاب
"رسائل من الجنوب" الذي تحدث فيه عن أدب الجزائر وثقافتها آن ذاك .وقام هذا األخير بترجمتها إلى
اإلنجليزية ،ليترجمها في القرن العشرين أبو القاسم سعد الله إلى العربية.
وفيما يلي دراسة تحليلية قام بها طلبتي لهذا النص ،ذو األهمية البالغة في تاريخ الجزائر األدبي الذي ينتمي
إلى المرحلة االستعمارية األولى في مطلع القرن التاسع عشر .والتحليل تم بعمل جماعي من قبل الطلبة ،كل
فوج على حدا ،تجسدت فيه الروح الجماعية والتنسيق الجيد.
تحليل القصيدة:
الفوج األول
60
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
يعتبر موضوع القصيدة موضوعا هاما ،لكنها فقدت روعتها بسبب الترجمة .تصف هذه القصيدة معاناة
الشعب الجزائري وبشاعة االحتالل الفرنس ي ،ومن خالل ألفاظه وعباراته تتضح لنا نفسية الشاعر الحزينة
والمتأثرة بجرائم االحتالل وما يدل على ذلك ( :دمع ،جراح ،يضمد)....،
الترجمة السيئة للنص أخرجت القصيدة عن منظومتها الشعرية وجعلتها تشبه إلى حد بعيد نصا نثريا ،كما
أنها أخرجتها عن النظام العروض ي المعروف ،والدليل على ذلك أن األبيات تختلف من شطر آلخر ،وغير مرتبة
ترتيبا سليما ،أما اللغة فأساليبها بسيطة في التعبير وألفاظها وعباراتها سيئة التركيب.
رغم انحراف القصيدة عن أصالتها العربية إال أنها استطاعت أن تؤكد على وجود الروح الوطنية عند أفراد
الشعب الجزائري في وقت مبكر جدا.
الفوج الثاني
َّ
الملحة لتوماس كامبل في البحث عن األدب الملحمي والرومانتيكي ،في جنوب الكرة األرضية، َّإن َّ
الرغبة
دفعته إلى ترجمة هذا النص الجزائري ،الذي كتب في بدايات االحتالل الفرنس ي للجزائر ،ويحاول الشاعر من
تعرضت لالستعمار الفرنس ي فاستنزف خيراتها ،واستعبد شعوبها بعد خالل هذه األبيات رثاء مدينته التي َّ
العزة والحرية التي كانت تعيشها ،والقصيدة تعكس لنا نفسية الشاعر الحزينة والكئيبة التي تمثل حالة كل
جزائري حر غيور على وطنه.
َّإن ترجمة هذا النص من العربية إلى الفرنسية ثم من الفرنسية إلى اإلنجليزية ثم من اإلنجليزية إلى العربية
أفقدته كل جماله ورونقه ،بل أفقدته سالمة تركيبه وألفاظه ،وجميع خصائصه الفنية.
النص الثالث:
دراسة الطلبة:
الفوج األول
األمير عبد القادر من أبرز الشخصيات الجزائرية ،لم يكن رجل سياسة وجهاد فحسب ،بل كان رجل علم
وفكر وأدب؛ فقد سخر لسانه وقلمه لنصرة شعبه ووطنه الجزائر .تناول في تجربته الشعرية كل أغراض
61
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
الشعر من غزل وفخر إلى غاية الشعر النضالي .اتبع في منهجه الشعري اإلطار التقليدي للقصيدة ،ويعد من
فعرف بشهامته وبطوالته من جهة وروعة فكرهرواد النهضة األدبية الحديثة .اتسم بزعامة السيف والقلم؛ ُ
من جهة أخرى .ومن روائع قصائده "بنا افتخر الزمان".
استهل الشاعر مطلع قصيدته بافتخاره بشجاعة شعبه ،ومسارعته لتلبية استغاثة المظلوم ،متصديا
لكل األمور والمصاعب لبلوغ الهدف المنشود .أما في الشطر الثاني من القصيدة فهو يفتخر بصيته الذائع في
كل زمان ومكان ( عصر ،مصر) ،وبأخالقه الحميدة مثل :التنزه عن اللؤم ،واقتران األقوال باألفعال وعدم
الغدر وعدم الكذب .وفي نهاية القصيدة يفتخر األمير بأخالقه السامية من عفو وسماحة ،ويعتز بجذوره
الممتدة إلى نسب الرسول صلى الله عليه وسلم وتداول ذكرها عبر العصور.
الفوج الثاني
األمير عبد القادر زعيم ثوري وسياس ي ،من مواليد (0111ه – 0811م) بالقيطنة غرب معسكر ،كان كاتبا
وشاعرا .أسس الدولة الجزائرية الحديثة وهو شاعر وأديب ،تصدى لالحتالل بالكلمة والقلم ،كما تصدى لها
بالسالح ،فهو من رواد النهضة األدبية ،وأوائل الذين نفضوا الغبار عن القصيدة العربية القديمة ،له مؤلفات
منها" :رسالة إلى الفرنسيين" ،و"ذكر الغافل" .توفي سنة 0888م بدمشق ،ومن أجمل قصائده في الفخر
قصيدة "بنا افتخر الزمان".
نجد الشاعر من خالل األبيات الخمسة األولى يفتخر بشجاعة رجاله ،ومدى إقدامهم على إغاثة
المستغيث .حيث اعتمد على األسلوب الخبري ،والنمط الوصفي؛ ويتضح ذلك من خالل األفعال الماضية
نحو( :ركبنا و خضنا) ،كما وظف بعض الصور البيانية التي أضافت رونقا وجماال للقصيدة .أما في األبيات
الموالية اعتز األمير بالشخصية الجزائرية وخصالها الحميدة ،ممثال لذلك بنفسه .وقد وظف خالل ذلك
األسلوب الخبري واإلنشائي كاالستفهام والتعجب ،كما استعمل ضمير المتكلم "نحن" للداللة على شمولية
الخصال الحميدة في الشعب الجزائري ،غير أنه استعمل ضمير "أنا" للداللة على تحمله مسؤولية أقواله التي
تصدقها أفعاله ،ولعله متجنبا في ذلك مسؤولية تعميم تلك األقوال على الناس جميعا .أما بالنسبة
للمحسنات البديعية نجد جناس ناقص ( عصر و مصر ) ومن الصور البيانية نجد ( :رفعنا ثوبنا عن كل لؤم)
فهي كناية عن صفة الشرف.
و في األخير يبين افتخاره واعتزازه باألصل العربي ونسبه القرش ي وعظمة رجاله بألفاظ جزلة متينة تنتمي إلى
القاموس العربي القديم وبأسلوب سلس وواضح .وما نخلص إليه هو أن الشاعر قام باالفتخار في قصيدته
بشهامة الرجال الجزائريين ورقي أخالقهم واعتزازه بنسبه العربي عامة والقرش ي خاصة.
62
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
ولد بقرية الديس قرب مدينة بوسعادة سنة 0111ه0811/م ،كان محيطه دينيا طرقيا ،يتبعون طريقة
الشيخ الهامل ،لذلك نجد له مدائح كثيرة مدح بها مشايخ الزاوية الهاملية بالخصوص؛ فالمديح يحتل
مساحة بارزة في ديوانه منة الحنان المنان الذي ال يزال مخطوطا .وله شعر في التهاني واإلخوانيات والرثاء
والغزل .وقد أجاد أكثر في فني المديح والغزل .ومن أفضل غزلياته سينيته المعروف بالباريسية التي يقول
فيها:
ُ َّ
تألق البرق من بين الحناديس يا ُحسن مبسمها الشهي إن ضحكت
وال فهمت في المعنى سوى ديس ي أشر ُت للوصل أن صلي فما فهمت
مدح الرسول صلى الله عليه و سلم ،كما مدح رجال الدين واإلدارة وغيرهم ،كان طابعه تقليديا وهو أمر ال
ينفي اإلضافة الشكلية والمضمونية في تنويع صيغ التعبير وأنواع االهتمام .لقد نوع الديس ي أساليب التعبير
في شعره بنصيب من التراث الشعري العربي القديم؛ حيث كان له شعر في مختلف األغراض المعروفة.
التقى مع الديس ي في االنتماء الطرقي العام ,لكنه اختلف معه في األسلوب ،فالديس ي رجل متواضع ،أما
عاشور فطرقي متطرف ،ولد في خنقة سيدي ناجي سنة 0111ه0811/م ،تعلم في الجزائر وتونس .درس في
زاوية الهامل كان بينه وبين الديس ي خالف ،خاصة بعد صدور كتاب عاشور المسمى "منار األشراف" ،الذي
بالغ فيه إلى درجة اإلسراف ،في مدح األشراف بشكل خرج فيه عن المنطق والعقل والدين ،فتصدى له
الديس ي بكتابه "هدم المنار" معرضا بغلوه واندفاعه في مدح األشراف حقا وباطال ،يقول عمر بن قينة«:
لقد كان عاشور سيد القافية ،ورجل العبارة القوية ،واألداء البليغ ،كما كان الطرقي المتفاني فخلف ديوانين
أساسيين ديوانه الشعري الذي ال يزال مخطوطا وكتابه "مناراألشراف" المطبوع ».i
ولد سنة 0881م بالجزائر العاصمة ،شاعر وصحفي ومناضل قلما وفكرا و عمال تلقى تعليمه في الجزائر
ومصر وتونسُ ،عرف باتجاهه اإلصالحي ودفاعه عن قضايا األمة اإلسالمية والعربية .أنشأ جريدة الفاروق
63
محاضرات في األدب الجزائري الحديث والمعاصر
سنة 0908م ،فعبرت عن فكره وأسهم بها في نضاله ضد أشكال الظلم واالضطهاد االستعماري وكان شعاره في
كتاباته قوله :
ديني ووجداني ُ
وحب بالدي سان ثالثة ب ُفؤادي
قلئي ل ُ
نشر عدة قصائد له في جريدته الفاروق منها "دمعة على الملة" التي يقول فيها:
ُ
السمحاء هو ُل فناها
وقد دوخ َّ أيا ق ُ
وم ما تحلو لقلئي حياته
ُ
وخوفي عليها ال أر ُيد سواها ُبكائي عليها ال على الخل والحمى
ُ ُ
شدادا و قد ه َّم الق ُ
ضاء لقاها أضيعت ،فضاع املج ُد منا ولم نكن
نشر أعمدة في صحف عربية بمصر وسوريا وتونس ،كما نشر في صحف تركية.
« لقد كان عمر بن قدور الجزائري صحفيا وكاتبا وشاعرا بحس وطني وقومي وإسالمي ناضج ،ترك بصماته
الواضحة في الحركة الصحفية واألدبية الجادة بروحها العربية في أوائل القرن العشرين».ii
خالصة :
من خالل هذه الدراسة نستنتج أن شعراء هذه المرحلة كان لهم دور بارز في النهضة
والوعي اإلصالحي رغم اختالف وجهات نظرهم وأساليبهم من طرقي سني وطرقيمتشدد
64