Professional Documents
Culture Documents
تقدمي 7 ....................................................................................................
الوايف نوحي
29 .......................... اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
ابحلاج انصر
القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى جمتمع وادي مزاب 63 .........................................
خدجية كمايسني
جتربة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس 75 .........................................................
أمحد املنادي
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية 105 .......................
مجال أبرنوص
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛
مالبسات التقييم والتأويل 153 .........................................................................
فؤاد أزروال
171 .......... الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
حممد أفقري
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة 189 .........................
حممد لعضمات
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي 209 ............................................
متنوعات
منعم بوعمالت
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية" 237 .............
تقدمي
يتناول ملف العدد السادس عشر من جملة أسيناگ موضوع "الكتابة والتأليف
ابللغة األمازيغية وحوهلا" .وهلذا االختيار أمهيته ابلنظر إىل راهنيته يف السياق التارخيي
لسريورة جتسيد رمسية األمازيغية بتنمية وتطوير الكتابة والتأليف هبا .ومن مث فإن التقائية
سهام نوعي يف تعميق
حمتوايت هذا امللف ،بتنوع مرتكزاهتا املعرفية وأوجه مقارابهتا التحليلية ،إ ٌ
حيف به من قضاايالتفكري والبحث يف املوضوع ،من جوانبه التارخيية والعلمية واألدبية ،وما ّ
وإشكاالت آنية واستشرافية.
تطورها.
جيدر التذكري ابلعامل اجلغرايف احمل ّدد لوضعها و ّ
فمن زاوية التأريخ للغة األمازيغيةُ ،
حاسم يف ما تعاقب عليه عرب التاريخ من ٌ دور
ذلك أن املوقع االسرتاتيجي جملاهلا كان له ٌ
ثقافات ،وما متّ نسجه من عالقات جتارية وسياسية ودينية وثقافية ...مع خمتلف الشعوب
والدول اجملاورة ،مشاالً وجنوابً وشرقاً ،مما ساهم يف تنويع ُحلمته اإلثنية وطبع مساته االجتماعية
متفردة ،جتلّت يف إنتاج املعرفة عرب التأليف والكتابة بلغات خمتلفة .وقد كان هلذا ٍ
خبصوصيات ّ
تنوع وتعدد ثقايف كبري ،عميق األثر على اللغات املعطى اجلغرايف ،وما ترتّب عنه من ّ
املتساكنة داخل اجملتمع املغريب وما أُسند إليها من وظائف تواصلية ،ودينية وسياسية ...كما
أن ملختلف مؤسسات اجملتمع الدينية (املساجد ،والزوااي ،واملدارس العلمية العتيقة،)...
والسياسية والقانونية (القضاء ،والفتيا ،والعرف )...الدور الكبري يف بناء أنساق الكتابة
وتنويع املنتوج املعريف وفقاً لسياقات التأليف وحلاجيات املتلقني.
ومن الواضح أن جممل هذه العناصر املتنوعة أنتجت تراكمات يف اإلنتاج وتنوعاً يف
التأليف ،تشهد عليه إسهامات األمازيغ املكتوبة يف جماالت متعددة عرب التاريخ .ففي الفرتة
القدمية ،وابلرغم من ندرة املعطيات ذات الصلة ابلكتابة يف تلك املرحلة ،فإننا ال نعدم
ِّ
متوسلة ابللغات املتداولة يف اجملال املتوسطي
إشارٍات يف املصادر إىل وجود آتليف األمازيغ ّ
وقتئذ ،ويف مواضيع متعددة ،كان أبرزها اخلطابة ،والسياسة ،والالّهوت ،واآلداب...
أما يف الفرتة الوسيطية ،فقد ساعد انتشار اإلسالم يف اجملال األمازيغي على منو ثقافة
الكتابة والتدوين ،فاهتم األمازيغ ابلعربية وبعلومها ،رغبة يف نشر تعاليم الدين اجلديد،
فنسخوا كتب السابقني ،كما أبدعوا يف التأليف ،ابلعربية وابألمازيغية ،يف حقول معرفية
متنوعة (اللغة ،والتفسري ،واحلديث ،والفقه ،واألصول ،والطب ،والرايضيات ،والفلك.)...
ب لصاحل بن طريف الربغواطي (القرن وتذكر بعض املصادر التارخيية كتاابً ابألمازيغية يُنس ُ
الثاين اهلجري /الثامن امليالدي) وضعه لقومه؛ ومل تصلنا منه إال بعض املقاطع مرتمجةً إىل
7
رجح أن يكون هذا املصنّف من أقدم الكتب املؤلفة ابملغرب على العربية .وهناك من يُ ّ
اإلطالق.
وشهدت الفرتة احلديثة ،تواصل عملية التأليف؛ حيث ظهرت اهتمامات جديدة أبرزها
إعداد قواميس مزدوجة اللغة ،لتسهيل عملية حترير الواثئق على من يتصدر هلا من القضاة
والعدول واملوثقني والفقهاء ،وكذا التعريف ابألعالم البشرية واجلغرافية ووصف أعضاء
وتعزز هذا املسار بلون من ألوان التأليف عند اإلنسان وما حييط به من أدوات وغريهاَّ ،...
األمازيغ اصطلح عليه البعض ابسم (لْمازغي) ،كان من أهدافه تبسيط املعرفة الدينية وتقريبها
من أفهام العوام .فكان التأليف ابللسان األمازيغي اترة ،ومتزيغ بعض التآليف العربية اترة
أخرى ،خاصة منها ذات الصلة بعلوم القرآن والفقه واحلديث والسرية والعقيدة والتصوف
واألذكار ،...مع أتليف يف موضوعات أخرى مثل الطب والتداوي ابألعشاب ،والفلك
والتوقيت والتنجيم ،والفالحة واحلساب...
ويف احلقبة املعاصرة ،عرفت عملية التأليف والكتابة طفرة نوعية ،بفعل انفتاح النخب
األمازيغية على علوم ومعارف جديدة وخمتلفة (اآلداب والفنون ،واللغات واللسانيات،
والتاريخ وعلوم اجملتمع ،)...فانكبوا على التأليف فيها ابللغة العربية وابللغات األوروبية ،مما
أغىن املشهد األديب والعلمي ابجملال األمازيغي.
ويف هذا اإلطار أييت ملف هذا العدد الذي يتضمن ،ابإلضافة إىل حواريْن ،أحدمها
ابلعربية واآلخر ابلفرنسية ،اثنيت عشرة مقالة ،عشرة منها ابللغة العربية واثنتان ابللغة الفرنسية،
تطرح مجلة من القضااي مرتبطة مبوضوع امللف ،وفق مقارابت خمتلفة ومن زوااي نظر متعددة؛
ومتّ ترتيبها على حن ٍو كرونولوجي ،حىت تقدم صورة تقريبية عن مسار الكتابة والتأليف عند
األمازيغ ،فضالً عن مقالني يف ابب خمتلفات.
يعرض مقال حممد يعلى أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل
ثالثةنصوص خمطوطة مغربية وسيطية ،وهي :كتاب "األنساب" لصاحل بن عبد احلليم
األيالين ،وكتاب "مفاخر الرببر" ملؤلف مغريب ما زال غري معروف ،وكالمها من القرن
8هـ14/م ،مث كتاب "شواهد اجللة" البن العريب (القرن 6هـ12/م) .متوقفاً عند مضمون هذا
الكتاب اجملموع املخطوط من املادة االجتماعية ،ابلرتكيز على ثالثة حماور رئيسية ،يتعلق أوهلا
مبصادر مادته السكانية األمازيغية ،ويتناول اثنيها جذور األمازيغ العرقية واجلغرافية ،ويقربنا
اثلثها من حركة بعض قبائلهم وانتشارها.
وخصص الوايف نوحي مقاله ملقاربة الصورة اليت ترد هبا اللغة األمازيغية يف بعض
املصادر العربية املؤلَّفة خالل العصر الوسيط .ذلك ألن موضوع األمازيغية شغل حيزاً
8
متفاواتً يف كثري من مصنَّفات الرتاث العريب ،خاصة منها التارخيية ،والبلدانية ،واملناقبية،
أساسيتني،
ْ مسألتني
ْ والفقهية ،وكتب الرتاجم والطبقات وغريها .وقد رّكز الكاتب على
مها :وضع اللغة األمازيغية يف ظل بعض األسر احلاكمة (خاصة إمارات بورغواطة وغمارة،
مث املرابطون ،واملوحدون ،فاملرينيون)؛ وكذا موقع هذه اللغة يف اهتمامات النخبة العاملة،
من خالل مخسة مناذج عابرة للعصر الوسيط.
أما مقال ابحلاج انصر فقد تناول ابلدراسة مسألة القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى
جمتمع وادي مزاب ،معترباً ما كتبه أهل منطقة مزاب يف صحراء اجلزائر من قوانني عرفيّة
هم مصدر يؤّرخ للحياة مصدراً فائق األمهيّة ،حيث إنه ،من وجهة نظر اترخيية ،يش ّكل ،أ ّ
االجتماعيّة واالقتصاديّة والسياسيّة .كما أن النصوص املتناولة تكشف عن املستوى الثقايف
لــ"النخبة" يف املنطقة طوال القرون من اخلامس عشر إىل التاسع عشر امليالديّني .وإىل ذلك
دونوا كل فقد حاول الباحث اإلجابة على مجلة من األسئلة حول ما إذا كان املزابيّون قد ّ
أعرافهم؛ ومىت كانوا يكتبون؟ وملاذا؟ وماذا مل يكتبوا؟ وملاذا؟ وغريها من األسئلة الكبرية.
وتطرقت خدجية گمايسني يف مقاهلا لنشأة الكتابة يف الشأن الديين لدى األمازيغ ّ
ودواعيها؛ فعرضت ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس ،من خالل أشكال ثالثة،
هي :التأليف ابللغة العربية ،نظماً كاأنم نثراً؛ مث ترمجة كتب من العربية إىل األمازيغية؛
جسدت كل شكل من الصرف ابللغة األمازيغية .وقد تناولت ابلتحليل مناذج َّ ِّ
والتأليف ّ
تلك األشكال.
وأفرد أمحد املنادي مسامهته ملوضوع اخلطاابت املعرفية يف حمكيات السفر ،من خالل
نص رحلي من القرن التاسع عشر حملمد الغيغائي الوريكي الذي وصف فيه جتربته خالل
احلج ،ونقل فيه مشاهداته وتقييمه ألوضاع البلدان اليت زارها ،واالخرتاعات اليت رحلته إىل ّ
شاهدها .وقد انكب املقال على تفكيك نظرة الغيغائي إىل ذاته وإىل اآلخر من خالل
نص الرحلة ،مع إجالء اآلليات املنهجية اليت م ّكنته من تقدمي معارف متنوعة ،حتمل
خطاابت تتقاطع فيها حقول كثرية ،دينية واترخيية واجتماعية وإثنوغرافية.
ويف مقال مشرتك ،واستناداً إىل معطيات ميدانية ،تناول مبارك أيت عدي واحلسن
سالو ،مناذج من املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر ،تعكس اتريخ
األمازيغ وحضارهتم هناك ،خصوصاً من خالل تلك احملفوظة بقسم املخطوطات العربية
والعجمية مبعهد األحباث يف العلوم اإلنسانية ،جامعة عبدو موموين ،مبدينة نيامي.
وحول الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية ،عرض
مجال أبرنوص ،يف مقاله ،مجلة من املالبسات احمليطة ابلتقييم والتأويل اللذيْن حظيت هبما
9
نصوص هذا األدب ،رغم قلتها ،ضمن املدوانت الفرنسية .ومن هذا املنطلق ،كشف املقال
القيمة اليت أطلقها مجلة من املزالق اليت أحاطت بفعل التوثيق ،وما ترتب عنها من أحكام ِّ
هؤالء الدارسون حول اجلوانب الفنية ألشعار الريفيني .وقد حرص الباحث على استحضار
وجهت ،حينذاك ،نشاط اخللفيات املنهجية والشروط التارخيية [االستعمارية] اليت ّ
املؤسسات البحثية الفرنسية ابملغرب.
وق ّدم فؤاد أزروال يف مقاله مقاربةً إلشكال اهلويّة وما يرتبط هبا من حتدايت ورهاانت،
من خالل حتليله رواية "نوميداي" للكاتب طارق بكاري ،اليت عاجلت مسألة اهلوية
إبداعي متميّز ،أاتح هلا تل ّقياً إجيابياً ،واعرتافاً نقدايً وأدبياً واسعاً يف حمافل
ّ األمازيغية بشكل
اإلبداع العريب .ويف هذا السياق ،تناول املقال ابلدراسة مجلة من القضااي واملوضوعات اليت
عربها بطل الرواية طفولته األمازيغية وما علِّق هبا من معطيات متصلة ابلتقاليد يستعيد ْ
دوامة األمل والقلقواألساطري والرموز التارخيية والثقافية األمازيغية ،واليت ختلّص البطل من ّ
والتمزق الذي آل إليه بعد أن ضاعت أصوله وجذوره األوىل.
وحول ظاهرة التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،وقف حممد أفقري على املنجز
الشعري الذي راكمه املبدعون املغاربة يف جمال اإلنتاج األديب املكتوب هبذه اللغة مبختلف
حمصلة الرتاكم ،من هذه املؤلفات ،مربزا معامل أوجهها وتنويعاهتا .وتناول ابلقراءة والتقييم ّ
سريورة تطورها منذ بداية التجربة إىل اليوم.
وخصص حممد لعضمات مقاله لرتمجات معاين القرآن إىل األمازيغية ،حيث قام بعرض
وتقدمي التجارب املعروفة يف هذا الباب ،مؤكداً على أمهية النص الديين يف اتريخ الرتمجة ،إ ْذ
الزمنينالقدمي واملعاصر ،مث مشلت
كان وال يزال من أوائل النصوص اليت متت ترمجتها يف ْ
الرتمجة بعد ذلك كل جماالت املعرفة وحقوهلا ،وأصبحت ممارسة ال حميد عنها فيعاملمتعدد
ومتشعِّب الثقافات.
ّ اللغات
احملرر ابلفرنسية من هذا امللف املوضوعايت فقد افتُتح مبقال فالرياي أرگيوالس أما الشق ّ
( ،)Valeria Argiolasيف موضوع "سردينيا الليبية-الرببرية يف املصادر اليواننية–الالتينية
والعربية" ،1وخصصته للحديث عن الصورة غري املعتادة اليت تقدمها املصادر اليواننية
والالتينية عن البحر األبيض املتوسط القدمي خبصوص استيطان جزيرة سردينيا .ويبدو ،من
خالل املقال ،أن املعطيات اللغوية واألنثروبولوجية اليت توفرها اجلزيرة تعكس احلقائق اليت
أوردهتا املصادر الكالسيكية .كما تؤكد املصادر العربية ،ذات األصل البيزنطي يف أغلبها،
1
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes.
10
وجود لغة ليبية-بربرية ( )libyco-berbèreيف جزيرة سردينيا .كما انقش املقال العالقة بني
االسم العريب :بربر ( )Barbarواالسم البيزنطي )Barbarikinoi( :يف اجلزيرة.
ـمازغي" ،2فقد وتطور أدبيات لْ ْ
أما مقال أبو القاسم اخلطري يف موضوع "اتمگروت ّ
ـمازغي" وعالقته ابلزوااي ،من تناول فيه األدب الديين املكتوب بتشلحيت ،واملسمى "لْ ْ
خالل منوذج احممد أو علي أوزال ،املنحدر من األطلس الصغري األوسط ،يف سياق نفيه
القسري إىل زاوية متگروت بداية القرن الثامن عشر .وقد أتى املقال مبحاولة إعادة بناء
السياقات التارخيية واالجتماعية لظهور وتطور األدب املكتوب ابألمازيغية وعرض مساته
الرئيسية ،وإبراز كيف استخدمت الزوااي هذا التقليد يف جهود التوعية والتعبئة .وتشكل
جتربة زاوية متگروت يف عالقتها إبنتاج أوزال حجة رئيسية لفهم شروط االستمرارية التارخيية
للكتابة األمازيغية قبل عصر احلماية الفرنسية ابملغرب.
وفضال عن املقاالت ،يتضمن امللف املوضوعايت ،حواراً ابللغة العربية مع حممد
أكوانض ،حتدث فيه عن اإلرهاصات األوىل للكتابة والتأليف عند األمازيغ؛ وكذا املعامل
الكربى لتجربته الشخصية يف الكتابة ابللغة األمازيغية يف املرحلة املعاصرة ،ويف اجملال
األمازيغي السوسي حتديداً .كما تناول يف حديثه احليثيات املعرفية لنشأة رابطة الكتاب
مؤسسيها ،مث آفاقها املستقبلية يف ضوء املكتسبات املتحققة والرهاانت ترياّ ،بوصفه من ّ
املطروحة.
وابمللف كذلك حوار ابللغة الفرنسية مع الباحث-الناشر رمضان عشاب ،متحور حول
عدة قضااي ذات الصلة مبجال نشر األعمال والدراسات اليت تتناول جوانب أو أبعاد من
الثقافة األمازيغية ،ومنها جتربته يف إحداث دار النشر-عشاب بتيزي وزو ابجلزائر
( ،)Editions Achabسنة ،2009وكذا الدوافع اليت كانت خلف هذا املشروع ،مث نوعية
الكتب اليت تنشرها الدار .كما حتدث عن اخليارات اليت حتكم سياسة نشر الكتاب
األمازيغي وتوزيعه .وخلص يف األخري إىل تقييم شامل حلصيلة نشر الكتاب األمازيغي
بشكل عام ،والقيمة املضافة لدار النشر -عشاب.
أما ابب "متنوعات" ،فشمل مقالني ،أحدمها ابللغة العربية ،واآلخر ابللغة ابإلجنليزية.
يف املقال األول ،استعرض منعم بوعمالت أهم مرتكزات "السياسة الرببرية" يف املغرب أثناء
احل ماية الفرنسية؛ تلك السياسة اليت متثلت وظيفتها األساسية يف االخرتاق الثقايف،
واالستقطاب العرقي ،واصطناع التفرقة بني مكوانت اجملتمع املغريب .كما أبرز املقال مكانة
2
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi.
11
هذه السياسة يف الفكر الفرنسي ،عرب مناقشة بعض الكتاابت االستعمارية املتصلة
يسوغ إعمالابملوضوع ،مع مقاربة اجلهاز املفاهيمي املهيكل "للسياسة الرببرية" ،والذي ّ
هذه السياسة يف اجملتمع القبلي بشكل خاص.
الموراي يف األمازيغية:
مقاله "احلركة املختلسة ابعتبارها صائتا ْ وانقش كرمي بنسكاس يف
مقاربة يف إطار نظرية األمثلية" 3غياب املقاطع املفتوحة اليت تقف على صائت خمتلس يف
متازيغت واتريفيت ،واقرتح كتفسري لذلك وجود قيد مينع ربط هذا الصائت بوقع أو مورة،
مسجال أن هذا القيد يلعب دوراً كبرياً يف ْحنو الوجهني اللهجيني املعنيني ابلبحث ،وهو ماِّ
ّ
نتجت عنه ظواهر صواتية ومورفو-صوتية خمتلفة؛ ففضال على عدم اللجوء إىل إقحام
يؤدي أي دور يف وزن املقاطع الصائت املختلس يف ظاهرة الزايدة ،فإن هذا الصائت ال ّ
املغلقة ،كما أنه ال يس ّد مورة فارغة يف حالة التمديد التعويضي.
ويتضمن ابب العروض نصاً ابللغة الفرنسية حملمد أغايل زاكارا ،حول كتابL’histoire du :
Nigerلكارل براس ) (Karl Prasseوحممد غبدوان ).(Ghabdouane Mohamed
ومشل ابب ملخصات الرسائل واألطروحات ،تعريفاً أبطروحة مبارك أابعزي ،عنواهنا:
مظاهر الشعرية يف شعر علي صدقي أزايكو (التناص ،االنزايح ،االنسجام) ،نوقشت
بتاريخ 10يوليوز ،2021بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،جامعة ابن زهر ،أكادير.
ويف األخري ،يسعد إدارة جملة أسيناگ وهيئة حتريرها أن تتقدم بوافر الشكر لكل من
ساهم يف إعداد هذا العدد ،قراءةً وتقييماً ملواده :احلسني اجملاهد ،ومجال أبرنوص ،وفؤاد
أمني ،وإبراهيم حباز ،وحيىي ولد الرباء،
أزروال ،وحممد أديوان ،وحممد أقضاض ،وحمم ّدو ّ
وإبراهيم القادري بوتشيش ،وعبد العزيز بودالل ،وحممد بوكبوط ،وفايزة البوكيلي ،والبشري
التهايل ،وحسن علوي حافظي ،ومليكة الزاهدي ،وحسن الطالب ،وعبد هللا فداح ،وخالد
عنسار ،وانتصار الصفاقسي ،وعبد العزيز الطاهري ،وعلي بن الطالب ،وكارليس مورسيا،
وأمحد مصلح ،وحممد املغراوي ،ومصطفى نشاط ،ومبارك ونعيم.
3
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account.
12
ملف العدد
الك ابة والتأليف ابللغة المازيغية وحولها
28 - 15 ص،2021 ،عشر العدد السادس،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-جملة أسيناگ
This paper accommodates the origin of Amazigh people and their movement
and spread through the Islamic West in three medieval Moroccan
manuscripts: "Al-Ansab" by Saleh bin Abdul Halim Al-Aylani, and
"Mafaakhir al barbar" by an unknown Moroccan author, both from the 8th
century of the Hegira / 14th century AD, and "Shawahid Al-Jilla" by Ibn al-
Arabi (6th century of the Hegira / 12th century AD). The study focuses on
three points. The first concerns the writers’ resources relating to Amazigh
demography. The second deals with the ethnic and geographical origin of
the Amazigh populations, while the third provides information on the
movement and expansion of certain tribes.
15
حممد يعلى
مقدمة
يضم اجملموع املخطوط ،الذي آثران االشتغال عليه هنا ،ورقمه :ك 11275ثالثة نصوص
خمتلفة تتناول يف جمملها اتريخ عدة قضااي ،يغلب عليها موضوع التاريخ االجتماعي للغرب
اإلسالمي .فقد تناول إشكالية تعمري مشال إفريقيا بسكاهنا األمازيغ (الرببر) وحبث أصوهلم
كون العمود الفقري األكثر حضوراً ،خصوصاً ابلنسبة وقبائلهم وتنقالهتم .وهو موضوع َّ
للكتابني األولني من هذا اجملموع ومها :كتاب "األنساب" لصاحل بن عبد احلليم األيالين،
وكتاب "مفاخر الرببر" ملؤلف مغريب ما زال غري معروف.
وجتدر اإلشارة إىل أن هذا اجملموع يطرح يف مضمونه االجتماعي إشكالية معقدة جتعل
تناول حتقيق أصول السكان األمازيغ يف املشرق واملغرب ،وتتبع منازهلم وانتشارهم بكيفية
دقيقة يف جمال الغرب اإلسالمي مشروعا مازال عزيز املنال ،رغم ما أجنز عنه من مقارابت
جادة يف حقول التاريخ واألركيولوجيا واألنثروبولوجيا والسوسيولوجيا واللسانيات ،وأخريا علم
الوراثة . 2لذا سأقف هنا عند رصد ما اكتنـزه هذا الكتاب اجملموع من مادة اجتماعية من
خالل الرتكيز على ثالثة حماور رئيسية ،يتعلق أوهلا مبصادر املعلومات املتعلقة ابلسكان والبنية
البشرية لألمازيغ ،واثنيها جبذورهم العرقية واجلغرافية ،واثلثها حبركة بعض قبائلهم وانتشارها.
-1حمفوظ يف املكتبة الوطنية للملكة املغربية ابلرابط ،حتت عنوان "كتاب األنساب أليب حيان" .وهو يضم ثالثة كتب:
"األنساب" البن عبد احلليم (ق8.ه14/م) ،و"مفاخر الرببر" ملؤلف جمهول (ق8.ه14/م) ،و"شواهد اجللة" البن العريب
(ق6 .ه12/م) .وقد أجنز كاتب هذا املقال دراسةً وحتقيقاً لكل هذا اجملموع املخطوط .وش ّكل العمل أطروحة انل هبا
نسي ( )Complutenseيف مدريد عام .1993وقد نشرها اجمللس األعلى لألحباث دكتوراه الدولة من جامعة ُكومبلوتِّ ِّ
العلمية ( )C.S.I.C.والوكالة اإلسبانية للتعاون الدويل ( ،)A.E.C.I.ضمن سلسلة "املصادر األندلسية" (Arabico-
)Hispanas Fuentesعدد ،20يف مدريد سنة .1996كما اهتم قبلي هبذا اجملموع ،وبكيفية قطاعية ،مجاعة من خرية
األساتذة الباحثني والباحثات -أوربيني ،ومشارقة ،ومغاربة -استفدت من أعماهلم ،ويف مقدمتهم األستاذ إفاريست ليفي
بروفنصال.
-2أنظر على سبيل املثال:
Shatzmiller, Maya".Le mythe d’origine berbère: aspects historiographiques et sociaux", in :
Revue de l’Occident Musulman et de la Méditerranée, 35, 1983, pp. 145-156; Camps,
Gabriel, "L’ origine des Berbères", in : Encyclopédie berbère, Aix-En-Provence, 2, 1984, pp.
14-26; Helena de Felipe, "Leyendas árabes sobre el origin de los Beréberes", in : AL-Qantara
(Madrid),vol.11, fasc. 2, 1990,pp.379-395.
العرابوي ،حممد املختار ،الرببر عرب قدامى ،منشورات اجمللس القومي للثقافة العربية ،ط ،1.روما.1993 ،
16
أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل ثالثة نصوص مغربية وسيطية
أورد يف عرض مصادره املشرقية أمساء بعض الفقهاء من التابعني مثل سعيد بن املسيب،3
وقتادة ،4وعددا من املؤرخني الكبار ،مثل البالذري ،5والطربي ،6واملسعودي .7واحتوت
مصادره األندلسية على أعالم يف ميدان التفسري واألخبار ،مثل مكي بن أيب طالب،8
والسهيلي .9وعلى فقهاء نسابة كابن حزم ،10وابن عبد الرب .11وأيضا على جغرافيني من
أصحاب املسالك مثل البكري ،12واإلدريسي.13
-3سعيد بن املسيب املخزومي القرشي (ت :)713 /64 .فقيه ،حمدث ،زاهد ،وسيد التابعني .الزركلي :األعالم ،ط،7 .
102 /3 ،1986؛ نقل املخطوط روايته من الطربي عن األصل البشري الثالثي الذي ظهر بعد الطوفان.
-4قتادة بن دعامة السدوسي البصري ،أبو اخلطاب (ت :)736 /118 .حافظ ،حمدث ،لغوي ،ونسابة .الزركلي ،نفس
املرجع189 /5 ،؛ روى عنه املخطوط نظرية توزيع ذرية أبناء نوح الثالثة على املعمور من األرض.
-5أمحد بن حيىي البالذري ،أبو العباس ( ت : )892 /279 .مؤرخ ،جغرايف ،ونسابة ،الزركلي ،نفس املرجع267 / 1 ،؛
استعمل املخطوط كتابه "فتوح البدان" وروى رأيه يف موضوع األصل العرقي لألمازيغ.
-6حممد بن جرير الطربي ،أبو جعفر (ت :)923 /310 .مفسر ،ومؤرخ ،الزركلي ،نفس املرجع69 /6 ،؛ نقل املخطوط
من كتابه "اتريخ األمم وامللوك" روايته عن أصل األمايغ ونسب بعض قبائلهم.
-7علي بن احلسني املسعودي ،أبو احلسن (ت :)957 /346 .مؤرخ ورحالة ،الزركلي ،نفس املرجع277 /4 ،؛ روى عنه
املخطوط خرب منط حياة البداوة لبعض القبائل األمازيغية.
-8مكي بن أيب طالب القريواين األندلسي (ت :)957 /437 .عامل ابلتفسري والعربية ،الزركلي ،نفس املرجع286 /7 ،؛
استقى منه املخطوط روايته عن أصل البشر.
-9عبد الرمحان بن عبد هللا السهيلي ،أبو القاسم (ت :)1185 / 581 .مفسر ،حمدث ،نسابة ،ومؤرخ .الزركلي ،نفس
املصدر313 /3 ،؛ نقل املخطوط من كتابه "التعريف واإلعالم فيما أهبم يف القرآن من األمساء واألعالم" معلومات ختص
أصل األمازيغ.
17
حممد يعلى
ومتتاز مصادره املغاربية عن سابقتيها ،وخصوصا املنسوبة إىل املغرب األقصى ،ابنقسامها
من انحية النوعية إىل صنفني :مصادر مدونة ،كان جل أصحاهبا من النسابة ،ال نعرف
عنهم شيئا ،ومازالت مصنفات بعضهم مل تصل إلينا كاملة ،وهم :هانئ بن يكون
الضريسي ،14والوراق ،15وابن محادوه الربنسي ،16وابن محادوه الصنهاجي ،17وابن القطان،18
وابن أيب اجملد املغيلي ،19وحممد بن مسعود املراكشي .20ومصادر شفوية رمبا كانت معاصرة.
-10علي بن أمحد ابن حزم ،أبو حممد (ت :)1064 / 456 .عامل أندلسي يف الفقه الظاهري والفلسفة واألنساب والتاريخ.
الزركلي ،نفس املرجع254 / 4 ،؛ نقل املخطوط من كتابه "مجهرة أنساب العرب" ،دون أن يذكره ،رأيه اخلاص عن أصل
األمازيغ ،وبيواتت بعض قبائلهم يف األندلس.
-11يوسف بن عبد هللا ابن عبد الرب النمري األندلسي ،أبو عمر (ت :)1071 /463 .حافظ املغرب وعامل ابلتفسري،
واحلديث ،واألنساب ،والتاريخ ،الزركلي ،نفس املرجع240 /8 ،؛ أخذ املخطوط من كتاب له يف " األنساب " ما رواه عن
أصل األمازيغ ومنازل بعض قبائلهم.
-12عبد هللا بن عبد العزيز البكري ،أبو عبيد ( :)1094 /487جغرايف ولغوي أندلسي معروف ،الزركلي ،نفس املصدر،
9/4؛ روى املخطوط عن كتابه " املسالك واملمـالك " أخبار أصل األمازيغ وانتقاهلم إىل بالد املغرب.
-13حممد بن حممد اإلدريسي ،أبو عبد هللا ،املشهور ابلشريف اإلدريسي (ت :)1165 /560 .من كبار اجلغرافيني الرحالة
املغاربة ،الزركلي ،نفس املرجع9 / 4 ،؛ استعمل املخطوط "كتاب رجار" وهو املشهور ابسم "نزهة املشتاق" ،ونقل عنه
أخبار نسب جالوت ومنازل زانتة واسم بعض قبائلها.
-14هانئ ابن يكون الضريسي :من كبار النسابة األمازيغ ،الذي ال نعرف عنه شيئا ،كان كتابه ،املفقود حاليا ،متداوال يف
ق ،14/8.روى املخطوط عنه نسب املصامدة وأقسامهم وتوزيع بعضهم يف املغرب األقصى .انظر الناصري ،حممد :بني
املغرب وخراسان ،مرقون ابخلزانة احلسنية رقم .386-385 / 5 ،11018
-15عبد امللك بن موسى الوراق ،أبو مروان :مؤرخ من أهل القرن الرابع للهجرة /العاشر للميالد؛ استعمل املخطوط كتابه:
املقباس يف أخبار املغرب واألندلس وفاس ،وروى عنه أخبار دخول األمازيغ إىل األندلس.
-16حممد بن محادوه الربنسي السبيت ،أبو عبد هللا (ق :)12 / 6 .فقيه ومؤرخ ،استقى املخطوط من كتابه -الذي مازال يف
حكم املفقود إىل اليوم" -املقتبس من أخبار املغرب واألندلس" املعلومات اخلاصة أبصل األمازيغ واستقرارهم يف األندلس.
-17علي بن محادوه الصنهاجي ،أبو احلسن :فقيه ،قاضي ،ومؤرخ ،معلوماتنا عنه قليلة أورد بعضها هذا املخطوط ،الذي
نقل من كتابه :النبذ احملتاجة يف أخبار ملوك صنهاجة ،انتساب صنهاجة لألصل العريب.
-18حسن بن علي ابن القطان الكتامي املراكشي ،أبو حممد (ق :)13 / 7 .كان من بني كتاب الدولة املوحدية ومؤرخيها،
حممود علي مكي ،مقدمة حتقيق كتاب "نظم اجلمان" البن القطان ،ط ،2 .بريوت ،1990 ،ص ،39 – 26استفاد
املخطوط من كتابه املذكور يف موضوع توزيع املصامدة ابملغرب األقصى.
-19حممد بن أيب اجملد املغيلي (ق5 .ه11 /م) :نسابة كبري ،فقيه وعالّمة جنهل عنه وعن مصنفه كل شيء ،اقتبس
املخطوط من كتابه "أنساب الرببر وملوكهم" عدداً كثرياً من الرواايت اخلاصة بتقسيم األمازيغ إىل جذعني كبريين ،وأبصلهم
اجلغرايف ،وسبب نزوحهم من املشرق إىل املغرب ،وأنساب مجاعة من قبائل البرت والربانس.
-20كتب الف قيه املؤرخ حممد بن مسعود املراكشي ،امللقب ابلشريف ،إىل ابن عبد احلليم -مؤلف أحد كتب املخطوط-
رسالة حول أنساب األمازيغ وما صح فيما اختلف فيه.
18
أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل ثالثة نصوص مغربية وسيطية
التقط معظمها ،بواسطة الراوية املباشرة ،عن عدد غري قليل من النسابة األمازيغ
املصامدة ،الذين كانوا -على األرجح -أحياء يف القرن الثامن اهلجري /الرابع عشر امليالدي،
ومسع منهم أخبار أصول األمازيغ وأنساهبم ،وهم :أبو إسحاق بن عبد النور احلريري الذي
روى عن أيب سعيد الكرتاري ،وأبو فارس عبد العزيز بن وين اخلري ،والشيخ أبو بكر بن
موسى ،وحيىي بن يالرزك ،وعيسى بن عبد اخلالق ،ودينار بن عبد الرمحان .21وابستثناء
األخبار اليت قدمها اجملموع املخطوط عن حياة بعضهم ،فإننا مل نقف على ترمجة أي واحد
منهم.
مهد اجملموع امل خطوط هلذه اإلشكالية بتغطية اترخيية اجتماعية ،تضمنت ظهور الكائن
البشري ،انطالقا من وجود آدم وأسرته ،وما تاله من أنبياء إىل حني وقوع طوفان نوح –
عليه السالم– الذي أفىن البشرية .مث أشار إىل أن أبناء نوح الثالثة –سام ،وحام ،وايفث–
هم أصل اجملتمع البشري اجلديد ،وأن اجلذر العام لألمازيغ املشارقة يرجع إىل حام بن نوح.22
غري أنه لفت نظر القارئ إىل وجود خالف حول حتديد مسألة هذا األصل العرقي لألمازيغ
يف إطار انتمائهم للمجتمع املشرقي ،ونبه إىل تعدد جذورهم األوىل حسب آراء خمتلفة ،كل
رأي منها نسبه إىل واحد من األشخاص اآلتية أمساؤهم دون اآلخر .وهم :جالوت ،23وقبط
-21مل نعثر يف املظان على ما ميدان برتاجم هؤالء الرجال الذين نقل عنهم املخطوط رواايهتم الشفوية اخلاصة أبنساب
وأخبار بعض قبائل املصامدة .وال تتجاوز معرفتنا هبم ما نستنتجه من نص املخطوط ،الذي نفهم منه أن اتصاله مبصادره
الشفوية مت ،على األرجح ،يف مدينيت نفيس ومراكش وحوزمها؛ انظر اجملموع املخطوط ك ،1275أوراق .27 ،26 ،25
-22املخطوط نفسه.18 ،
-23نفسه.152 ،18 ،
19
حممد يعلى
بن حام بن نوح ،24وكوش بن كنعان بن حام ،25وكنعان من العماليق ،26والعمالقة ،27وإفريق
بن إبراهيم ،28ونقشان بن إبراهيم ،29وإفريقش بن قيس ،30والنعمان بن سبإ احلمريي
اليمين.31
تكون من جمموعتـني كبريتني مها
األمازيغ يف الغرب اإلسالمي ّ أشار إىل أن جمتمع
"الربانس" و"البرت" يف رأي ،و"برنوس" و"قيس عيالن" يف رأي آخر .وقد تناسلت من
33 32
وضح قضيةكل صنف منهما شعوب ،وقبائل ،وبطون ،وأفخاذ ،وعمائر ال حتصى .كما ّ
34
دقيقة على جانب كبري من األمهية ،كانت إىل وقت قريب حمط نقاش ،تتعلق بلفظ التسمية،
حيث ذكر أن االسم الذي أطلقوه على أنفسهم هو" :بنو مازيغ" .35وورد اسم "مازيغ" -
جدهم األعلى -يف مواضع متفرقة .36أما لفظ "الرببر" فيعترب أنه اسم أطلقه عليهم "إفريقس
بن قيس" ،الذي غزا بـهم إفريقية ،37مث استعمله العرب لنفس الغرض ،وله يف كل حالة معىن
خاصا.38
ميكن تصنيف مادة اجلذور الفرعية لألمازيغ يف الغرب اإلسالمي ،الواردة يف اجملموع
املخطوط إىل صنفني :أنساب خاصة ابألفراد وأخرى تتعلق ابجلماعات.
وبـاإلمكان أيضا حصر أنساب األفراد يف أربع فئات تناولت:
20
أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل ثالثة نصوص مغربية وسيطية
أنساب بعض قدماء ملوك األمازيغ يف املشرق ،اقتصرت اإلشارة إليهم على ذكر أمساء .1
حمدودة العدد مثل جالوت ،39والنمرود.40
األولني لبعض املشهور من القبائل األمازيغية ،وعددها –عكس الفئة
ّ أنساب األجداد .2
السابقة– كثري ،مثل مصمود 41جد قبائل مصمودة ،وصنهاج أو أزانك 42جد صنهاجة،
وزانتة أو جاانات 43جد زانتة ،وكتام 44جد كتامة.
أنساب األفراد وهم أكثر عددا .فيهم األعالم املغاربيني املشهورين يف ميادين احلرب .3
واحلكم ،والفقه ،واألنساب وغريها ،مثل كسيلة ،45والكاهنة داهية ،46وطارق بن
زايد ،47وزيري بن عطية ،48ومحاد بن بلقني بن زيري بن مناد ،49وكهالن بن أيب لوا
املطماطي ،وسابق بن سليمان املطماطي .50وفيهم أنساب األمازيغ األندلسيني مثل
عبد هللا بن بلقني ،51وإمساعيل بن ذي النون ،52وحيىي بن حيىي الليثي ،53ومنذر بن
سعيد البلوطي.54
أنساب رجعت ببعض األمازيغ إىل أصول عربية ،مثل أمري املسلمني يوسف بن اتشفني .4
اللمتوين ،55واخلليفة املوحدي عبد املومن .56وأدرجت آخرين ضمن النسب الشريف،
-39املخطوط نفسه.108 ،22 ،
-40نفسه.18 ،
-41نفسه.99 ،23 ،
-42نفسه.96 ،86 ،
-43نفسه.108 ،
-44نفسه.86 ،
-45نفسه.110 ،
-46نفسه.94 ،
-47نفسه.21 ،
-48نفسه.83 ،
-49نفسه.78 ،
-50نفسه.21 ،
-51نفسه.86 ،
-52نفسه.15 ،
-53نفسه.91 ،
-54نفسه.92 ،
-55نفسه.127،
21
حممد يعلى
مثل إسناد نسب املهدي بن تومرت إىل علي بن أيب طالب 57أسوة ابلشريفني العلويني
إدريس األول مؤسس الدولة اإلدريسية وأخيه سليمان.58
وتتعلق أنساب اجلماعات أبصول القبائل واألفخاذ والبيواتت ،سواء منها اليت كانت
مستقرة يف بالد املغرب أو تلك اليت هاجرت منها حنو األندلس كاملصامدة ،59وزانتة،60
تنسب بعض وصنهاجة .61وكما سبق يف نسب األفراد ،وردت يف الكتاب املخطوط رواايت ِّ
اجلماعات األمازيغية اىل األصل العريب ،مثل أوالد أيالن املصامدة ،وبين خطاب ،وجناتة،
وصنهاجة.62
لفت املخطوط نظر القارئ ،مرة أخرى ،إىل تباين الرواايت حول حتديد املهد األول
لألمازيغ يف املشرق –تبعا الختالف اجلد األعلى الذي ينتمون إليه– مابني مثلث "اجلودي"
يف العراق" ،وفلسطني" ابلشام ،و"اليمن" يف جنوب بالد العرب .63كما يظهر االختالف
أيضا يف حتديد نوعية األسباب اليت كانت وراء هجرهتم من املشرق حنو املغرب .فهو يروي
عن دوافع استبدال األمازيغ جملتمعهم املشرقي مبجتمعهم املغريب عدة نظرايت:
أوهلا تقول إن أبناء نوح الثالثة تفرقوا بعد "الطوفان" ،فتوجه األمازيغ إىل املغرب.64
وتذهب اثنيها إىل أهنم رحلوا إىل املغرب عقب انتصار سام بن نوح وأوالده على أخيه حام
وأوالده ،يف خضم النزاع املسلح بينهما على فلسطني .65وترى اثلثها أهنم رحلوا بعد ما قـتل
داود ملكهم جالوت بفلسطني على قول .66ويف قول آخر ،إهنم تشتتوا يف البالد ،فجمعهم ُ
-56نفسه.123،
-57نفسه.117 ،
-58نفسه.113 ،
-59نفسه.97 ،95 ،28 ،27 ،26 ،24 ،23 ،
-60نفسه.107 ،85 ،84 ،82 ،22 ،21 ،20 ،
-61نفسه.107 ،94 ،86 ،
-62نفسه.100 ،97 ،94 ،24 ،22 ،
-63نفسه.108 ،22 ،14 ،13 ،
-64نفسه.111 ،110 ،
-65نفسه.110 ،9 ،
-66نفسه.111 ،20 ،16 ،15 ،
22
أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل ثالثة نصوص مغربية وسيطية
إفريقش من سواحل الشام ونقلهم اىل املغرب لغزوه .67ومفاد رابعها أن أبناء نوح الثالثة
املذكورين قد استقروا -بعد وفاة والدهم -بناحية " اجلودي" ،مث هاجر حام أبوالده إىل
الشام حيث حطوا الرحال بفلسطني ،68وأن ملك مصر "الربدشري" أمر بتعمري "بالد الواح"
-الواحات الواقعة على امتداد الصحراء الغربية ملصر– ابملصريني ،69فوفد األمازيغ بعد ذلك
على بالد النيل وبالد الواح ،لكن ملكا مصراي آخر يدعى "أمشون" طردهم منها إىل
إفريقية.70
أشار اجملموع املخطوط إىل أن البالد اليت سكنها األمازيغ بشمال إفريقية متتد ما بني آخر
عمل مصر مما يلي اإلسكندرية والبحر احمليط (احمليط األطلنطي) والسودان .71مث تناول
معضلة تعمري مشال إفريقية ابألمازيغ األوائل ،بسرد رواايت خمتلفة أيضا ،تقوم كلها على
أساس نظرية أصلهم املشرقي ،وتذهب إىل أن استقرارهم يف وطنهم اجلديد قد حصل عقب
نزوح عدة موجات بشرية قدمية ،انطلقت من املشرق حنو املغرب ،ميكن إجيازها فيما يلي:
– هجرة املوجة البشرية األوىل :وقعت بعد الطوفان ،حيث نزح حام وأوالده إىل
املغرب واستقروا أبصيال ،وسكن أحد أبنائه بسبتة وآخر بسال.72
– هجرة املوجة الثانية :بعد ما قتل داود جالوت يف فلسطني ،جلأت قبائل األمازيغ
إىل املغرب وعمرته ،مثل أوْراب اليت سكنت مدينة "وْرب" بني طنجة وأصيال.73
– هجرة موجة الكنعانيني :قادها كوش بن حام إىل املغرب األقصى.74
– هجرة موجة احلمرييني من اليمن :اختذت شكل جيش فاتح قاده "إفريقش" حنو
إفريقية ،واملغرب األوسط ،إىل طنجة.75
-67نفسه .111
-68نفسه .9 ،7
-69نفسه .17 ،16
-70نفسه.
-71نفسه.107 ،
-72نفسه.22 ،18 ،9 ،8 ،
-73نفسه.20 ،16 ،15 ،9 ،
-74نفسه.8 ،2 ،
-75نفسه.18 ،
23
حممد يعلى
تضمن اجملموع املخطوط كذلك بعض الرواايت اخلاصة هبجرة األمازيغ املسلمني من
املغرب حنو األندلس ،نتيجة حلاجة هذه األخرية إىل قوهتم العسكرية من جهة ،ولرغبتهم
االخنراط يف مسلسل اجلهاد "بدار احلرب" من جهة أخرى.
فقد انتقلت اجملموعة العسكرية األوىل إىل األندلس للمشاركة يف اجليش اإلسالمي
الفاتح ،حتت قيادة طارق بن زايد .ولبّت مجاعات اثنية أخرى دعوة اخلليفة احلكم األموي،
مث تلتها مجاعات اثلثة يف عهد احلاجب املنصور حممد ابن أيب عامر.76
ميكن حصر شكل استقرار السكان األمازيغ يف نوعني :منط احلياة ابلبادية .وقد أشار إليه
اجملموع املخطوط ،وحدد موطن استقرار بعض اجلماعات األمازيغية مثل زانتة ،77وعيّـن
منازل غريها مع التعريف هبا ،مثل املصامدة ،ومغيلة ،وصنهاجة .78ومنط حياة آخر قام يف
وعرف هبا أيضا ،مثل مدن طنجة احلاضرة 79،ذكر عنه كتابنا أمساء عدد من احلواضرّ ،
وأصيال .وكان أحياان يُظهر أمساء مؤسسي بعض املدن كقفصة ،والقريوان ،وفاس،
واتهرت ،وجباية ،واجلزائر ،ومليانة ،وقلعة بين محاد .80ويبني أحياان أخرى اختالف سبب
تسمية اجلهات املأهولة ابلسكان ،كإفريقية ،وسبتة.81
قدم اجملموع املخطوط وصفا عاما خلريطة توزيع السكان يف مشال إفريقيا ،ورسم عليها
حدود جماالت عدة جتمعات سكانية من األمازيغ الوافدين من املشرق .فذكر أن "بعضهم
نزل إبفريقية ،وبعضهم جببل ْد ْر ْن ،وبعضهم بدرعة ،وبعضهم ابلسوس األقصى .ونزل منهم
-76املخطوط نفسه.83 ،82 ،77 ،71 ،
-77نفسه.22 ،9 ،
-78نفسه.107 ،17-16 ،
-79نفسه.29 ،22 ،
-80نفسه.110-109 ،86 ،83 ،18 ،
-81نفسه.90 ،19 ،17 ،
24
أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل ثالثة نصوص مغربية وسيطية
سزطة 82حتت اجلبل دون السوس إىل جانب البحر وهم احليحيون ،ونزل ملطة عند جزول
كون جزولة (…) ،ونزل أيالن أبغمات هيالنة ،ونزل أجاان –أبو زانتة– بوادي شلف، ّ و
ونزل مصمود مبقربة طنجة ،ونزل بنو ورجتني ومغراوة أبطراف إفريقية من جهة املغرب".83
ونفه م من املعلومات اليت ساقها عن زانتة أن مركز استقرار هذه اجلماعة كان يف املغرب
األوسط ،حيث انتشر هناك من قبائلها "بنو يفرن ،ومطماطة ،ومنيلة ،وسدراتة ،وبنو مغراوة،
وبنو راشد ،وبنو مرين ،وبنو نول" .84وأن حدود منازهلا –أي زانتة– ابملغرب األوسط
كانت ،حسب الرواية اليت استقاها من اجلغرايف اإلدريسي ،ما بني اتهرت وتلمسان.85
وسيتسع جماهلا ،كما سنرى ،يف عصر ابن عبد احلليم (ق )14/8 .مؤلف "كتاب األنساب".
كما جند فيها أيضا ،من قبائل زانتة وأفخاذها ابملغرب األقصى ،عددا غري قليل ،مثل مغيلة،
ومطغرة ،وصدينة ،وبين حسان ،وفازاز ،وبرغواطة بتامسنا.86
أما املصامدة فهم –حسب اجملموع املخطوط– من اجلماعات اليت دخلت املغرب
األقصى بعدد كثري ،87وتوزعت يف "جبل ْد ْرن وحوله وببالد سوس وما يليه" ،88وهي تتكون
من قبائل ال حتصى عددا" ،منها حاحة ،رجراجة ،وريكة ،هزمرية ،هسكورة ،جذميوة،
كنفيسة ،هزرجة ،دكالة ،هنتاتة ،وبنو ماغوس".89
ضم اجملموع املخطوط مادة تناولت موضوع حركات السكان يف جمال الغرب اإلسالمي، ّ
دون أن يـبني بكيفية دقيقة دوافعها .وهي وإن وردت يف املخطوط قليلة ،وهتم تنقل عدد
حمدود من اجلماعات األمازيغية ،فإهنا ال ختلو من فائدة.
25
حممد يعلى
لقد أشار إىل تعدد جمال استقرار املصامدة يف املغرب األقصى واألندلس ،مما ميكن اعتباره
قسم قبائلها إىل
أحد مظاهر حركات السكان ،ومؤشرا أيضا على توزيعهم اجلغرايف اخلاص .و ّ
ثالث جمموعات:
استقرت اجملموعة األوىل بشمال املغرب األقصى يف بالد غمارة .ومشل جماهلا قصر
مصمودة ،وسبتة ،وتيطاويـن ،وامتد إىل حدود طنجة .وذكر أمساء قبائلها وأفخاذها ،مثل بين
كرتات ،وبين سكر ،وبين مرزوق ،وبين مسغرت ،وبين معديد ،وبين دغاغ ،وكتامة.90
وعاشت اجملموعة الثانية يف حوز مراكش .منها :وريكة ،وهزرجة ،وهسكورة ،وجالوة،
ودكـالة ،ورجراجة ،وحاحة.
وانتقلت اجملموعة الثالثة من جماهلا األصلي املغاريب إىل األندلس ،ذكر منها بين سقبان،
وبين سامل.91
ويف ما خيص زنـاتة -اليت أشران إىل حدود منازهلا آنفا -فقد وسعت هذه اجلماعة جمال
استقرارها ،انطالقا من املغرب األوسط يف اجتاه غريب ،إىل مدينة فاس ابملغرب األقصى،
حسب رواية صاحل بن عبد احلليم األيالين ،الذي قال عنهم" :وبنو زانتة ،يسكنون فحوصا
ما بني اتهرت إىل فاس ،وهم قوم رحالة ،وأكثرهم فرسان يركبون اخليل ،وهلم عادية ال
تؤمن" .92ويدل هذا على عنصرين أساسيني مرتبطني بتحركات القبائل على العموم ،ومبربر
تنقل زانتة وتوسيع جماهلا على اخلصوص .ومها ينحصران هنا يف منط حياة البداوة والرتحل
كمحرك رئيسي لتلك القبائل الزانتية حنو املغرب األقصى ،ويف آليات حتقيق انتقاهلا املتمثلة
يف قدرهتا القتالية العالية ،اليت شكلت -كما ذكران -إحدى حمركات رحيل مجاعة زانتية
أخرى من بالد املغرب إىل األندلس ،مثل بين برزال -وهم فخد من زانتة من بين يفرن-
الذين كان جماهلم "ابلزاب األسفل من إفريقية" ،وانتقل قسم منهم إىل األندلس بدعوة من
اخلليفة احلكم األموي (ق4.هـ10/م) .93كما أورد الكتاب املخطوط رواية ابن حزم
(ق ،)11/5.اليت تتعلق جبماعات وأسر أمازيغية استوطنت األندلس ،بعد ما غادر أجدادها
26
أصول األمازيغ وانتشارهم يف الغرب اإلسالمي من خالل ثالثة نصوص مغربية وسيطية
يف وقت سابق منازهلم األصلية ببالد املغرب ،وهي تنتمي إىل زانتة وصنهاجة ومصمودة
وكتامة.94
وهناك مثاالن آخران حلركة السكان ،أشار إليهما الكتاب:
وقف يف املثال األول عند وصف مجاعة مغيلة ،اليت كان أكرب جمال استقرارها يقع يف
"جبال ونشريس من عمل اتهرت" 95ابملغرب األوسط .نزل قسم منها يف إفريقية ،وقسم
آخر ابملغرب األقصى فيما يلي اتمسنا.96
وخص املثال الثاين حبركة مجاعة بين خطاب الذين تشتت فرق كثرية منهم يف املغرب
األقصى داخل جماالت قبائل أخرى .فهو يذكر أن منازل بين خطاب هؤالء كانت "يف
صنهاجة،ويف هسكورة من ملزوزة ،ويف ورغة من مكناسة ورغة ،ويف غمارة من صنهاجة
الريف".97
خـ ـ ـ ــاتـمـة
نستخلص مما سبق أن املادة االجتماعية األمازيغية اليت قدمها الكتاب املخطوط حول
أصول األمازيغ وانتشارهم يف جماله من وجهة النظر اإلسالمية ،تتميز ،من جهة ،بقيمتها
التارخيية البالغة لتقدمها من الناحية الزمنية عن عمل ابن خلدون ،وأيضاً ملا حلضورها ،إىل
جانب غريها من املصادر ،من أمهية يف إمكانية التعرف على جذور أحد املكوانت الرئيسية
هلويتنا املغاربية ،والستكمال رسم معامل صورة اتريخ جمتمعنا يف هذه املنطقة احليوية الواسعة
من حوض البحر األبيض املتوسط .وتتسم من جهة أخرى ،من الناحية املنهجية ،ابختالط
األسطورة ابحلقائق ،وابختالف الرواايت واآلراء حول بعض حقائق اترخينا االجتماعي ما بني
الفقهاء واملؤرخني والنسابة ،األمر الذي مازال حاضرا يف أعمال الباحثني املختصني واملهتمني
ابملوضوع االجتماعي املغاريب إىل وقتنا.
27
حممد يعلى
28
62-29 ص،2021 ،عشر العدد السادس،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-جملة أسيناگ
الوايف نوحي
املعهد امللكي للثقافة األمازيغية
Amazigh has received varying levels of interest in the Arab heritage works
written during the Middle Ages, especially works of historical, geographical,
hagiographical, jurisprudential, and biographical nature. This paper is meant
to shed light on the fashion in which the Amazigh language is portrayed and
addressed in some of these resources. We shall focus on two basic issues. The
first is the status of the Amazigh language during the reign of some ruling
families, such as the emirates of Barghawata and Ghomra, as well as the
States of Almoravids, Almohads, and the Marinids. The second is the attention
paid to this language by the learned elite, through five examples, namely Al-
Bakri, Al-Baydaq, Al-Idrisi, Ibn Khaldun, and Al-Ouazzan.
Key Words : Amazigh language – Middle Ages – emirates and ruling families
– learned elite
29
الوايف نوحي
مقدمة
شغل موضوع األمازيغ حيزاً معترباً يف كث ٍري من مصنفات الرتاث العريب ،خاصة منها
حضور يف
ٌ التارخيية واجلغرافية والفقهية واملناقبية ،وغريها .ذلك ألن األمازيغ كان هلم
األحداث الكربى ،خاصة فيما له صلة ابلدايانت السماوية الثالث ،ففي اليهودية جند قصة
جالوت بعد أن هزمه النيب داود عليه السالم وهجرته إىل املغرب 1.مث يف النصرانية اليت كان
عدد منهم وصل إىل بالد أتباع النيب عيسى عليه السالم يتوزعون يف األقطار ،فكان ٌ
األمازيغ ،وتسموا حبواريّي املسيح 2.أما يف اإلسالم ،فأخبارهم مجّة مفصلة يف املصادر ،إ ْذ
حضور يف كل
ٌ سامهوا بكثافة يف نشر اإلسالم يف املغرب 3ويف األندلس 4،كما كان هلم
مراحل اتريخ املغرب يف العصر الوسيط.
تقدم لنا املصادر العربية معطيات غنية عن األمازيغ ،سواءٌ من الناحية األنثروبونيمية أو
الطوبونيمية ،وغريها .فعلى سبيل املثال ،يقدم لنا ابن حوقل (ت367 .ه977/م) يف كتابه
صورة األرض ،الئحة أبمساء القبائل األمازيغية اليت استطاع احلصول عليها ،بلغ عددها 250
قبيلة ،ال يزال بعضها قائم الذات إىل الوقت احلاضر 5.أما املعطيات الطوبونيمية ،فموضوع
-1ابن عبد احلكم ،أبو القاسم عبد الرمحان املصري (ت .سنة 257هـ71-870/م) :فتوح مصر وأخبارها ،حتقيق شارل
توري ( .)1921أعادت نشره مكتبة مدبويل ،القاهرة ،ط ،1991 ،1ص.170
-2أبو الفضل ،عبد الكرمي بن سعيد (ق 10هـ16 /م) :العيون الـمُرضية يف ذكر بعض مناقب الطائفة الرجراجية ،دراسة:
عبد الكرمي كرمي ( ،)1987الرابط.
-3اخنرطت القبائل األمازيغية يف نشر الدين اجلديد منذ تعرفهم عليه .ففي زمن األدارسة ،وغداة بيعة إدريس األول ،عمد
إىل تشكيل جيش من وجوه قبائل زانتة وأوربة وصنهاجة وهوارة وغريهم ،وخرج هبم غازايً إىل بالد اتمسنا ،وغريها من
البالد .للتفصيل يف املسألة ،انظر:
ابن أيب زرع الفاسي ،على (ت726 .هـ1325 /م) :األنيس املطرب بروض القرطاس يف أخبار ملوك املغرب واتريخ مدينة
فاس ،حتقيق :عبد الوهاب بنمنصور ( ،)1999الرابط ،املطبعة امللكية ،ط ،2ص ص.24-23 :
جهزه طارق بن زايد لفتح األندلس كان بني اثين عشر ألفاً وثالثة عشر -تذكر بعض الرواايت التارخيية أن اجليش الذي ّ
4
ألف مقاتل ،منهم بضع عشرات من العرب ،محلة األلوية ،أما بقية اجلند فكانوا من األمازيغ .راجع على سبيل املثال:
الناصري السالوي ،أبو العباس أمحد بن خالد (ت1897 .م) :االستقصا ألخبار دول املغرب األقصى ،أشرف على النشر:
حممد حجي وآخرون ( ،)2001منشورات وزارة الثقافة واالتصال ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح اجلديدة ،ج ،1ص .123
-5أجنز املستشرق البولوين اتديوش ليفيتشكي ( )Tadeusz Lewickiعمالً متميزاً اشتغل فيه على القبائل األمازيغية
الواردة يف كتاب ابن حوقل ،ونشر نتائج دراسته يف مقالني مهمني:
Lewicki, Tadeusz (1959), «A propos d'une liste de tribus berbères d'Ibn Hawkal », in :
Folia orientalia, Tome. I, Fasc. 1, pp. 128-135.
Lewicki, Tadeusz (1971), «Du nouveaux sur la liste des tribus berbères d’Ibn Hawkal»,
in : Folia orientalia, Tome. XIII, pp. 171-200.
30
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
غين جداً حتفل به املصادر العربية ،ومنها العديد من أمساء املواضع اليت استقاها املؤلفون من
اجملال مساعاً من الناطقني هبا ،فاحتفظت لنا بكثري منها سليمة كما كانت تنطق ،وال يزال
أغلبها على صيغته إىل اليوم .وقد حاول أصحاب املصادر جرد اجملال األمازيغي ،فكانت
رغبتهم يف التعرف على أبعد مدى فيه قوية .وسلك اجلغرافيون والرحالة منهم مسلكاً منهجياً
وجمالياً تتبعوا فيه املسالك والطرق ،فتكون االنطالقة عادة من مكة إىل املدينة مث إىل مصر
فاملغرب.
وكلما كان الوصول إىل مدينة ،إال ويتتبع اجلغرايف أو الرحالة الطرق الرئيسة وتلك اليت
تتفرع منها ،فنجده حيدد احملاور الطرقية ،مثالً من وجدة إىل فاس ،أو من فاس إىل أغمات،
أو من سجلماسة إىل غانة ،...وهكذا جيرد لنا املواقع اليت على طول هذه احملاور ،ويصف
لنا املعطيات بدقة أحياانً ،مع الرتكيز على اإلنسان وعلى حتركاته ،وتتبع أصول القبائل
وتفرعاهتا ،وكذا احلديث عن احلياة االجتماعية وعن مكوانهتا .من غري إغفال للجانب
االقتصادي املتصل مبعاش الناس ،من مصادر املياه وأصناف املزروعات وأنواع الثمار،
واألسواق والبضائع والسكة...
تروم هذه الورقات الوقوف عند الصورة اليت تقدمها املصادر العربية ،التارخيية واجلغرافية
منها بوجه خاص ،واملؤلَّفة خالل العصر الوسيط ،عن جانب أساسي من جوانب احلضارة
األمازيغية ،وهو اللغة األمازيغية وأوضاعها اليت تقلبت فيها على مدى هذه الفرتة .متوقفاً
أساسيتني ،مها :وضع اللغة األمازيغية يف ظل بعض األسر احلاكمة (خاصة ْ مسألتني
ْ عند
إمارات بورغواطة وغمارة ،مث املرابطون واملوحدون فاملرينيون)؛ مث موقع هذه اللغة يف اهتمامات
النخبة العاملة ،من خالل مناذج مخسة عابرة للعصر الوسيط.
وأشري يف هناية هذا التقدمي إىل مجلة من املالحظات ،وهي:
-وردت اللغة األمازيغية يف املصادر اليت اشتغلت عليها أبمساء خمتلفة ،منها :العجمية،
واللسان العجمي ،والرببرية ،واللسان الرببري ،ولغة الرببر ،واللسان املغريب ،واللسان الغريب،
واللغة املرابطية ،واللسان املصمودي ،ولغة املصامدة ،واللسان الزانيت ،...لكين أستعمل يف
هذا املقال" :اللغة األمازيغية" ،مع االحتفاظ ابلتسميات الواردة يف ثنااي النصوص اليت
أعتمدها؛
-النصوص اليت مت اختيارها منوذجية فقط ،وترتاوح بني الوصف ،وجرد أمساء املواقع
وتفسريها ،وبني املعجم ،وبعض الظواهر اللغوية ،واملقارانت...؛
31
الوايف نوحي
.1اللغة األمازيغية
عرف األمازيغية أبهنا تنتمي إىل األسرة احلامية-السامية ،خاصة الفرع اللييب-األمازيغي، تُ َّ
الذي يتكون من اللغات اللّيبية واألمازيغية والغوانشية .ويُتحدَّث ابألمازيغية يف جمموعة من
6
األقطار متتد من مصر شرقاً إىل ساحل احمليط األطلنيت غرابً ،ومن الضفة اجلنوبية للبحر
7
األبيض املتوسط مشاالً إىل النيجر ومايل جنوابً.
تنقسم اللغة األمازيغية إىل ثالث أُسر كربى ،تبعاً للمجموعات القبلية اليت تتحدث هبا،
وهي ،اترخيياً :الزانتية (نسبة إىل قبيلة زانتة) ،وهي لسان جراوة ومغراوة وبين يفرن ومكناسة
وبين مرين وبين وطاس .مث املصمودية (نسبة إىل قبيلة مصمودة) وتتحدث هبا غمارة وبرغواطة
ودكالة وحاحة وهسكورة وهرغة ورگراگة وجزولة وهزمرية .وأخرياً الصنهاجية (نسبة إىل قبيلة
8
صنهاجة) ،وتسود يف صنهاجة وملتونة ومسوفة وگدالة وملطة وترغة.
ونشأت على أساس هذا التقسيم الثالثي التنويعات الكربى لألمازيغية ،وهي:
أ -تريفيت ،أو اللسان الزانيت :وتنقسم إىل قسمني ،األول يتضمن الريف مبعناه
الضيق ،والثاين يشمل القطاع الشرقي من الريف .وحتيط ابجملال اجلغرايف لرتيفيت قبيلة غمارة
9
غرابً ،واحلدود اجلزائرية شرقاً ،وقبائل الربانس وهوارة جنوابً ،والبحر املتوسط مشاالً.
ب -تشلحيت :تستعمل للتواصل اليومي يف رقعة جغرافية شاسعة ،تسمى أحياانً
بسوس يف معناه الواسع .ومتتد تقريباً بني الصويرة وتنانت يف األطلس الكبري مشاالً ،وبني
10
الصويرة وواد نون غرابً ،وطوال جمرى وادي درعة جنوابً ،وبني ورززات وتنانت شرقاً.
-6بوكوس ،أمحد (" :)1989أمازيغية" ،معلمة املغرب ،الرابط ،اجلمعية املغربية للتأليف والرتمجة والنشر ،مطابع سال ،ج،2
ص ص ،684-679:ص.679 .
-7بوكوس" :أمازيغية" (م .ن) ص.680 .
-8التازي سعود ،حممد ( :)2006اإلملام خبالصة اتريخ أرض املغارب قبل اإلسالم ،الرابط مطبوعات أكادميية اململكة
املغربية ،سلسلة :اتريخ املغرب ،الرابط ،مطبعة املعارف اجلديدة ،ص .29
-9بوكوس ،أمحد (" :)1995تريفيت" ،معلمة املغرب ،ج ،7ص ص.2352-2351 :
32
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
ج -متازيغت :تسود لدى اجملموعات البشرية القاطنة بني جبل صاغرو جنوابً وممر
اتزة مشاالً ،وجمرى وادي گرو غرابً وجمرى ملوية الوسطى شرقاً .ومن أبرز تلك اجملموعات
املتحدثة هبا :أيت واراين ،وأيت سغروشن ،وأيت يوسي ،وزمور ،وگروان ،وأيت مگيلد،
11
وزاين ،وأيت ايفلمان ،وأيت عطا.
-10بوكوس ،أمحد (" :)1995تشلحيت" ،معلمة املغرب ،ج ،7ص ص.2381-2380 :
-11بوكوس ،أمحد (" :)1995متازيغت" ،معلمة املغرب ،ج ،8ص ص.2537-2536 :
-12البكري ،أبو عبيد (ت487 .هـ1094/م) :الـمُغرب يف ذكر بالد إفريقية واملغرب (وهو جزء من كتاب املسالك
واملمالك) ،نشر :البارون دو سالن ( ،)1911ابريس ،ص.6 .
-13اإلدريسي ،أبو عبد هللا حممد ،املعروف ابلشريف اإلدريسي (ت560 .هـ1165/م) :نزهة املشتاق يف اخرتاق اآلفاق،
2ج ،حتقيق :جمموعة من الباحثني ،حتت إشراف املعهد اجلامعي للدراسات الشرقية بنابويل،1984-1970 ،I.U.O.N ،
نشر مكتبة الثقافة الدينية ،مصر (د.ت) ،ج ،1ص .278
33
الوايف نوحي
طبيعياً أن تكون قفصة هي املدينة الوحيدة اليت يتخاطب سكاهنا هبذه اللغة من بني كل
مدن الشمال اإلفريقي ،علماً أبن قفصة مدينة داخلية يف اجملال الواحي الصحراوي جنوب
إفريقية .وقد يكون الختفاء الالّتينية بعد القرن 6ه12/م عالقة ابختفاء املسيحية بدورها يف
14
الفرتة ذاهتا.
واإلشاراتن حت ّفزان على البحث يف إمكانية استمرار ألس ٍن أخرى غري العربية واألمازيغية يف
االستعمال اليومي مبناطق خمتلفة من بالد املغرب خالل العصر الوسيط .خاصة وقد ورد أن
املهدي بن تومرت اختذ له كتّاابً يعرفون بعض تلك اللغات ،كان من بينهم ملول بن ابراهيم
15
الذي "كان فصيحاً بديهاً ابأللسن ،يكتب ابلسراينية والرموزايت وغري ذلك".
-14أسكان ،احلسني (" :)2006التحوالت اللغوية ابملغرب خالل العصر الوسيط" ،ضمن :مسامهات يف دراسة الثقافة
األمازيغية ،تكرمياً لألستاذ العميد حممد شفيق ،الرابط ،مطبعة املعارف اجلديدة ،ط ،1ص ص ،113-97 :ص .99
أشكر األستاذ عبد العزيز اخلياري ،من املعهد الوطين لعلوم اآلاثر والرتاث ابلرابط ،على مساعدته يف فهم مضمون
نص ْي للبكري واإلدريسي.
ّ
-15البيذق ،أبو بكر بن علي الصنهاجي (كان حيّاً سنة 555ه1160/م) :أخبار املهدي بن تومرت وبداية دولة
املوحدين ،حتقيق عبد الوهاب بن منصور ( ،)1971الرابط ،دار املنصور للطباعة والوراقة ،ص.42 .
ويشري مارمول كرخبال إىل أن اللغة اليت تتحدث هبا قبائل صنهاجة ،ومصمودة ،وزانتة ،وغمارة ،وهوارة يف عصره (القرن
)16مكونة من العربية ،والعربية ،والالّتينية ،واليواننية ،واإلفريقية القدمية .وابلرغم من أن عصر كرخبال يتجاوز الفرتة اليت
يهتم هبا املقال ،إال أن الفكرة حتتاج لنقاش وحبث يف مدى صدقيتها.
كرخبال ،مارمول (تويف حنو سنة 1008ه1600/م) :إفريقيا ،ترمجة :حممد حجي وآخرون ( ،)1984الدار البيضاء ،مكتبة
املعارف ،ج ،1ص .115
-16القبلي ،حممد (إشراف وتقدمي) :اتريخ املغرب ،حتيني وتركيب ،منشورات املعهد امللكي للبحث يف اتريخ املغرب،
الرابط ،منشورات عكاظ ،السحب الثاين ،2012 ،ص.258 .
34
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
غري أن األمازيغية ظلت حتتفظ لنفسها مبكانة اجتماعية معتربة ،فهي لغة التداول اليومي،
ولغة العديد من "مدبري الشأن العام" خالل الفرتة الوسيطية .ومل حيدث أ ْن دخلت يف صراع
مع العربية ،حسبما يرد يف املصادر على األقل ،بل طُبعت العالقة بني اللغتني بطابع التساكن
الذي أفضى يف كثري من األحيان إىل التكامل .األمر الذي تؤكده بعض النصوص اليت
تناولت تلك العالقة ،ومن ذلك ما ورد عند الشريف اإلدريسي الذي ميّز بني اجملالني
احلضري والقروي .ففي األول يكون انتشار العربية ظاهراً ،ويتجاوز أتثريه إىل الضواحي ،فعند
ومدار ملدن املغرب األقصى ،ويسكنقطب ٌ حديثه عن فاس وانحيتها يقول" :ومدينة فاس ٌ 17
حوهلا قبائل من الرببر ولكنهم يتكلمون ابلعربية".
أما يف اجلبال والسهول ،فالتأثري يكون معكوساً ،فنجد العربية تتوارى أمام األمازيغية
"ذلك أن قبائل العرب نزلت على قبائل الرببر ،فنقلوهم إىل لساهنم بطول اجملاورة هلم حىت
صاروا جنساً واحداً" 18.فالذين نزلوا أتثروا بلسان أصحاب األرض بطول اجملاورة ،وإ ْن بدا أن
النص حيتمل الوجهني ،إال أن الضمري يعود دائماً على أقرب مذكور.
حتو ُل لسان بعض القبائل من العربية إىل األمازيغية بفعل ذات يعضد هذا الرتجيح ّ
العامل .فعند تناوله نسب زانتة ،القبيلة األمازيغية الكربى ،أشار اإلدريسي إىل أصلها العريب
تغري لساهنا بقوله" :وزانتة يف أول نسبهم عرب صرح ،وإمنا ترببروا ابجملاورة واحملالفة
وظروف ّ
19
للربابر من املصاميد".
سيتم تناول صورة اللغة األمازيغية يف املصادر العربية من خالل تتبع وضعها يف ظل مخسة
كياانت سياسية هي ،برتتيب زمين :إمارات بورغواطة وغمارة ،ودول املرابطني ،واملوحدين،
واملرينيني ،من جهة .والوقوف كذلك عند الصورة اليت حتتلها األمازيغية يف كتاابت بعض من
ميثلون النخب العاملة من جهة اثنية .وقد اخرتت منهم أاب عبيد البكري ،وأاب بكر بن علي
الصنهاجي (املعروف ابلبيذق) ،والشريف اإلدريسي ،وعبد الرمحن بن خلدون ،واحلسن
الوزان .وهذه األعالم اخلمسة عابرة للعصر الوسيط ،وتسمح كتاابهتم ابستخالص تصور عام
عن املوضوع يف تلك الفرتة.
-17اإلدريسي :نزهة املشتاق (م .س) ،ج ،1ص .246وع ّد من تلك القبائل :بنو يوسف ،وفندالوة ،وهبلول ،وزواوة،
وجماصة ،وغياتة ،وسالحلون.
-18اإلدريسي :نزهة املشتاق (م .ن) ،ج ،1ص .223
-19اإلدريسي :نزهة املشتاق (م .ن) ،ج ،1ص .257
35
الوايف نوحي
-20ابن حوقل ،أبو القاسم النصييب (ت367 .ه977/م) :صورة األرض ،نشر :كرامرز وآخرون ،ليدن،1939-1938 ،
ص.82
-21سورة إبراهيم ،اآلية.5 :
-22البكري :الـمُغرب (م .س) ،ص . 140وأورد البكري ترمجة عربية ألوائل سورة أيوب ،وهي أول سورة من كتاب صاحل.
والعبارة عند ابن حوقل" :وعمل هلم كالماً رتّله بلغتهم ."..صورة األرض (م .س) ،ص ،82ويسميه :صاحل بن عبد هللا.
-23ومنهم ابن خلدون الذي يؤكد أهنم من مصمودة ،وأهنم اجليل األول منها.
-24جمهول (كان حيّاً سنة 712هـ1312 /م) :مفاخر الرببر ،حتقيق :عبد القادر بوابية ( ،)2005الرابط ،دار أيب رقراق
للطباعة والنشر ،ط ،1ص ،139 .فقد قرر املؤلف يف زانتيتهم بقوله" :وأما بورغواطة فإن الكالم يف أخبارهم يطول ()...
وهم يف األصل من زانتة".
وهو ذات ما ذهب إليه صاحب االستبصار بقوله" :وأصلهم من زانتة" ،مضيفاً أن زعيمهم ،صاحل بن طريف "دخل إىل
بالد اتمسنا ،فوجد فيها من زانتة قوماً جهاالً ،وكان ذلك سنة 123هـ [741م] فأظهر اإلسالم والنسك حىت استفز
عقوهلم".
-جمهول (يُنسب إىل ابن عبد ربه احلفيد /ت602 .هـ1206/م) :كتاب االستبصار يف عجائب األمصار ،نشر وتعليق:
سعد زغلول عبد احلميد ( ،)1986الدار البيضاء ،دار النشر املغربية ،بغداد ،دار الشؤون الثقافية العامة ،ص .198-197
-25ابن حوقل :صورة األرض (م .س) ،ص .82
-26ابن حوقل :صورة األرض (م .ن) ،ص .82
36
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
ويبدو أن القائمني على اإلمارة البورغواطية التزموا اللّسان األمازيغي حىت يف عالقاهتم مع
غري الناطقني به ،ذلك أن احلكم املستنصر ابهلل ،اخلليفة األموي يف األندلس ،أحضر يف
جملسه املرتجم أاب موسى عيسى بن داوود املسطاسي ليشرح له مهمة أيب صاحل ّزمور بن
موسى البورغواطي الذي وفد عليه بقرطبة سنة 352ه963/م رسوالً من أيب منصور عيسى بن
27
أيب األنصار عبد هللا أمري بورغواطة وقتها.
ب -وضع اللغة األمازيغية يف ظل إمارة غمارة
يكاد وضع اللغة األمازيغية يف ظل إمارة غمارة ،إىل الشمال الغريب للمغرب ،ال خيتلف
عن مثيله يف اإلمارة البورغواطية ،من ظهور املتنبئ حاميم بن م َّن هللا (ق4-3 .ه10-9/م)،
ووضعِّه للمؤمنني به كتاابً ابللّسان األمازيغي احمللي ،الذي مل ترد تفاصيل عنه .وهو كتاب
مؤلَّف من هتاليل وابتهاالت ،ومن تعاليم خمتلفة عن تعاليم اإلسالم 28.فصارت داينة حاميم،
كما وصفها لوترنو (" )Le Tourneauتوليفة امتزجت فيها التعاليم اإلسالمية احملرفة
29
ابملعتقدات الرببرية".
كثري من نصوص كتاب حاميم، غريِّ أنه ،وعلى العكس من بورغواطة ،مل يصلنا شيءٌ ٌ
فعلى قصر تلك اليت وصلت منها ،فإن يف صيغها اختالفاً بني الذين أوردوها ،علماً أبن
سبق ذكرها هو كتاب الـمُغرب للبكري .فهل تلك املقاطع الواردة املصدر الذي كان له ْ
مرتمجةً عند البكري كانت جاهزًة ومتاحةً له؟ وما مصدر هذه الرتمجة إ ْن ثبتت؟ أم أن
البكري استعان مبن ترمجها له؟ مث ما سبب اختالف صيغ الرتمجة الواردة عند كل من البكري
30
وابن خلدون وابن أيب زرع؟ وكلها أسئلة تنسحب على كتاب بورغواطة كذلك.
-27البكري :الـمُغرب (م .س) ،ص 135-134؛ ابن عذاري املراكشي (ت .بعد 712هـ1312/م) :البيان املغرب يف أخبار
األندلس واملغرب 4 ،ج ،حتقيق :إحسان عباس ،وجورج كوالن وليفي بروفنسال ( ،)1983بريوت ،دار الثقافة ،ط .3ج،1
ص .223
-28الفيگيگي ،حسن" :حاميم" ،معلمة املغرب ،الرابط ،اجلمعية املغربية للتأليف والرتمجة والنشر ،مطابع سال،1998 ،
ج ،10ص 3287-3286؛ وقارن مبا ورد عند البكري :الـمُغرب (م.س) ،ص .100
29-Le Tourneau, Roger: “Ha-mim”, in: Encyclopédie de l’Islam, nouvelle édition, Leide,
37
الوايف نوحي
مل تدم حنلة حاميم طويالً ،فقد قتل صاحبها سنة 315ه927/م ،يف معركة ضد مصمودة
بناحية الساحل بني طنجة وأصيال 31.ومل تساعد كثرة أتباعه على استمرار مشروعه ،ابلرغم
أقروا بنبوته 32.لكن ،مع هذا ،يبقى ممكناً القول إن اعتماد
من إجابة بشر كثري له ،كلهم ّ
وبث تعاليمه يف قومه بذلك اللّسان منوذج آخر حاميم اللّسان األمازيغي يف وضع كتابهّ ،
يساعد على تكوين صورة تقريبية ملا كانت عليه اللغة األمازيغية ابملغرب يف العصر الوسيط.
شح املادة املصدرية خبصوص وضع اللغة األمازيغية خالل القرون اهلجرية األوىل ويبدو أن ّ
لن حيول دون القول حبضورها بشكل واسع إىل ح ّد بعيد بني عامة األهايل طوال هذه الفرتة،
33
وان استعمال هذه اللغة مشل كل األغراض الثقافية واحلياتية.
وظل الوضع اللغوي على حاله ،إىل أن حصل حتول نسيب زمن املرابطني بصعود صنهاجة
اجلنوب ،لتصبح لغتُهم لغة البالط والنخبة احلاكمة ،فيما احتفظت كل من قبائل مصمودة
وزانتة أبلسنتها.
ج -وضع اللغة األمازيغية زمن املرابطني
ال تسعف اإلشارات املعدودة الواردة يف املصادر الوسيطية يف تكوين صورة واضحة عن
الوضع اللغوي يف العصر املرابطي .إال أن املشهد يبدو َّ
مشكالً -سواءٌ يف مرحل ْيت الدعوة أو
الدولة -من األمازيغية الصنهاجية اليت هي لغة التواصل اليومي بني أفراد اجملتمع وبني أويل
األمر والرعااي ،ومن العربية اليت مل تعرف جت ّذراً كبرياً ،فبقيت لغة النخبة من العلماء والفقهاء
وطلبة العلم.
ووعياً من األمري يوسف بن اتشفني أبمهية اللغة العربية يف وسط يفرض عليه التعامل مع
جهات العربيةُ لغتُها ،سواء يف األندلس أو يف املشرق اإلسالمي ،وهو الذي "ال يعرف ٍ
اللّسان العريب ،لكنه كان ُجييد فهم املقاصد" 34،فقد "كان له كاتب يعرف اللغتني العربية
واملرابطية" 35،يقرأ له الرسائل الواردة عليه ،ويكتب له الصادرة منه ،خاصة تلك املتبادلة مع
-31البكري :الـمُغرب (م .س) ،ص101؛ الفيگيگي" :حاميم" (م .س) ،ص.3287
-32البكري :الـمُغرب (م .ن) ،ص .100
-33القبلي ،حممد (" :)2016الوضع اللغوي بشمال إفريقيا يف العصر الوسيط" ،حوار مع جملة أسيناگ ،ع ،11 .ص ص
،86-81ص .84
-34ابن خلكان ،أبو العباس مشس الدين أمحد (ت681 .ه1282/م) :وفيات األعيان وأنباء أبناء الزمان ،حتقيق :إحسان
عباس ( ،)1977-1968بريوت ،دار صادر ،ج.114 ،7
-35ابن خلكان :وفيات األعيان (م .ن) ،ج ،7ص.114 .
38
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
ملوك األندلس .ويظهر يف واحدة من تلك الرسائل عدم معرفة يوسف ابلعربية ،فحني شرح
له كاتبه نصها سأله يوسف رأيه فيها" ،فلما ألقى الكاتب هذا الكالم [يقصد رأيه يف
مضمون رسالة ملوك األندلس] إىل يوسف بن اتشفني بلُغته فهمه وعلم أنه صحيح ،فقال
علي كتابك ( )...فلما فرغ من كتابه،
للكاتب أجب القوم واكتب مبا جيب يف ذلك ،واقرأ ّ 36
قرأه على يوسف بن اتشفني بلسانه فاستحسنه."...
كما يرجح أن تكون اللقاءات اليت مجعت بني يوسف بن اتشفني وأمري إشبيلية ،املعتمد
بن عباد ،متت بواسطة مرتجم .وتضمنت رسالة الشقندي يف الدفاع عن األندلس 37سؤال
ِّ
املعتمد يوسف -يف أحد لقاءاهتما -عن مدى فهمه شعر مادحيه من شعراء األندلس الذين
كانوا يلقون أشعارهم بني يديهما ،فكان جواب يوسف ابلنفي ،لكنه شرح للمعتمد أنه يعلم
38
ما يريدون.
سانني يف ديوانه لتويل مهمة الكتابة
وال شك أن اختاذ يوسف للكتّاب الذين يتقنون اللّ ْ
للملوك وقادة اجليش واألجناد وغريهم ،واالستعانة ابملرتمجني لضمان حسن التواصل مع
اجللساء من امللوك وغريهم ...يع ّد من املظاهر ِّّ
املقربة لفهم وضع األمازيغية يف ذلك العصر.
د -وضع اللغة األمازيغية زمن املوحدين
اختلفت الصورة اليت تقدمها املصادر عن اللغة األمازيغية خالل العصر املوحدي اختالفاً
واضحاً عن تلك اليت قدمتها عنها يف ظل املرابطني ،ذلك أن املوحدين متيزوا منذ بداية أمرهم
39
الوايف نوحي
عما كان عليه سلفهم ،وكانوا أكثر جرأ ًة يف التعامل مع املسألة اللغوية .فهذا
مبقاربة خمتلفة ّ
املتدين للعربية لدى املصامدة ،والرامي ،من جهة
ابن تومرت الواعي ،من جهة ،ابملستوى ّ
اثنية ،لتوحيد الناس قصد إجناح مشروعه السياسي الذي ال جناح له بغريهم ،سلك طرقاً
39
ضم ن هبا نشر أفكاره بينهم ،ومن ذلك وضعه للتآليف املوجهة لألتباع ابللسان الغريب، ِّ
فقد كان أفصح أهل زمانه يف ذلك اللّسان 40.لذا ،كان "أول ما دبّر به ْأمرهم أنه ألّف هلم
كتاابً مساه التوحيد ابللسان الرببري ،وهو سبعة أحزاب ،عدد أايم اجلمعة ،وأمرهم بقراءة
حزب واحد منه كل يوم إثر صالة الصبح بعد الفراغ من حزب القرآن" 41.وتذكر بعض
الرواايت أن املهدي ألزمهم حبفظه "وقال هلم :من ال حيفظ هذا التوحيد فليس مبؤمن ،وإمنا
كافر ال جتوز إمامته وال تؤكل ذبيحته ،فصار هذا التوحيد عند قبائل املصامدة كالقرآن
هو ٌ
42
العزيز".
ويضيف صاحب احللل املوشية أن ابن تومرت وضع ألصحابه كتابني آخرين ،خمتلفني
عن السابق ذكره (أي كتاب التوحيد) ،أحدمها "مساه ابلقواعد ،وآخر مساه ابإلمامة ،مها
ودوهنما ابلعريب
أبيدي الناس إىل هذا العهد [الربع األخري من القرن 8ه44ـ14/م] ّ موجودان
وابلرببري" 43.غري أن ّأايً من الثالثة مل يصل إلينا ابلصيغة املصمودية.
40
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
ومن حرص املهدي على تسهيل تواصله مع األتباع ،وتسريع وترية أتثريه يف اجملتمع لتبليغ
آراءه للناس ،كان يتوىل تدريس كتبه للقوم بنفسه وبلساهنم ،وهو ما أشار إليه ابن خلدون يف
معرض حديثه عنه بقوله" :فنزل على قومه [إبيگليز من بالد هرغة] ،وذلك سنة مخس عشرة
ومخسمائة ،وبىن رابطة للعبادة ،واجتمعت إليه الطلبة والقبائل فأعلمهم املرشدة والتوحيد
45
ابللسان الرببري".
ومن عناية ابن تومرت ابللغة األمازيغية ،أ ْن أحدث نداءً للصالة ابللّسان املصمودي،
(صاد مشمومة بزاي :اتﮊالّيت).
بعد األذان الشرعي ابلعربية ،وهو عبارة :تصاليت اإلسالم ٌ
جره عليه هذا وغريه من الـمـُحداثت من انتقاد مجلة من العلماء والفقهاء ابملغرب
رغم ما ّ
واألندلس الذين ب ّدعوه فيها ،وأبرزهم إبراهيم الشاطيب ،الذي نسب إليه بدعاً أحدثها
ابملغرب منها " :وجوب التثويب بتصاليت اإلسالم ،وبقيام تصاليت سوردين ابردي [كذا]،
وأصبح وهلل احلمد 46،"...ومن العلماء من مل ير هبا أبساً ،مثل أمحد بن حيىي الونشريسي
47
الذي عدَّها من "املستحسن من البدع".
أعز ما يُطلب ( )...املرشدة ( )...وفيه ابللسان الغريب :السبعة أحزاب ،الدواتر [كذا] ،وهو وعبارته..." :وهي ّ
الطهارة ،عالمة املنافق أحمانت أكوصت اتزكوت ان تيتار نوفنادر ان اي العاملني[كذا] ،وغري ذلك من التعاليق
املفيدة ."...انظر:
عمار الطاليب ،اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب، -ابن تومرت ،حممد (مهدي املوحدين) :أعزّ ما يُطلب ،تقدمي وحتقيقّ :
،1985ص ( 14من مقدمة احملقق).
-45ابن خلدون ،عبد الرمحن (ت808 .هـ1406/م) :كتاب العرب وديوان املبتدأ واخلرب يف أايم العرب والعجم والرببر ومن
عاصرهم من ذوي السلطان األكرب ،بريوت ،دار الكتب العلمية ،ط ،2006 ،3ج ،6ص .268
وقد خلّص ابن النقاش منهجية ابن تومرت يف التعليم والتوجيه وصفاً بليغاً ،فقد "كان من حزمه وحرصه على هداية اخللق
سهل على الناس طرق االستدالل ،ووضع تصانيف للعقائد رفعاً لاللتباس عليهم ،وبياانً واستمرار كلمة احلق ،أن ّ
لإلشكال .وكان أييت كل قوم بلغته م ،وكل طائفة من ابهبا ،حىت لقد رأيت له عقيدة ابللّسان الرببري وابملصمودي.
ومل يزل رضي هللا عنه على ذلك إىل أن اشتهرت الطريقة الدينية واتضحت امللّة احلنيفية ."...انظر:
-ا بن النقاش ،أبو عبد هللا حممد بن أيب العباس أمحد بن إمساعيل بن علي األموي :الدرة املفردة يف شرح العقيدة املرشدة،
خمطوط ابملكتبة الوطنية للمملكة املغربية ،رقم 283ق ،و 2691ك ،ص .305نقلته عن :عبد اجمليد النجار (:)1983
املهدي بن تومرت ،حياته وآراؤه ،وثورته الفكرية واالجتماعية ،وأثره ابملغرب ،بريوت ،دار الغرب اإلسالمي ،ط،1
ص.455
-46انظر :الشاطيب ،إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي (ت790 .هـ1388/م) :االعتصام ،مطبوعات احلليب،
مصر1332 ،ه1913 /م ،ج ،1ص .207
-47الونشريسي ،أبو العباس أمحد بن حيىي (ت914 .هـ1508/م) :املعيار الـمُعرب واجلامع الـمُغرب عن فتاوي أهل إفريقية
واألندلس واملغرب ،ختريج :مجاعة من الفقهاء إبشراف حممد حجي ( ،)1981نشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
ابملغرب ،بريوت ،دار الغرب اإلسالمي ،ج ،2ص .465 ،461
41
الوايف نوحي
مل يتوقف اهتمام املوحدين ابملسألة اللغوية بوفاة املهدي ،بل ظل مهّاً صحب من ورثوا
عنه احلكم ،لذات املقاصد اليت منها حتقيق تواصل جيد مع الرعية ،سواءٌ يف ما له صلة
ابلشؤون الدينية أو الدنيوية ،فقد كانت للخليفة عبد املؤمن بن علي عناية خاصة مبؤلفات
يتوىل تدريس مسائل منها بنفسه ،فضالً عن أنه أمر من يفهمون اللّسان املهدي ،وكان ّ
48
الغريب بقراءة توحيد املهدي بذلك اللّسان.
ووصف عبد الواحد املراكشي سفر اخللفاء املوحدين وحاشيتهم وصفاً دقيقاً ،وممّا ذكر أنه
عندما ينطلق الركب يقف اخلليفة ويدعو ،مث يقرأ الطلبة حزابً من القرآن ،وشيئاً من احلديث،
49
"مث يقرأون تواليف ابن تومرت يف العقائد بلساهنم وابللسان العريب".
ويبقى احلدث الذي ميّز سياسة املوحدين حيال املسألة اللغوية ،ما أقدموا عليه غداة
دخوهلم مدينة فاس يف عهد اخلليفة عبد املؤمن ،حيث عمدوا إىل عزل خطيب جامع
وخلقاً ،وأفصحهم
القرويني ،الفقيه مهدي بن عيسى ،رغم أنه "كان من أحسن الناس خ ْلقاً ُ
لساانً وأكثرهم بياانً ( )...وقدموا مكانه الفقيه الصاحل املبارك علي بن عطية ألجل حفظه
للّسان الرببري ،ألهنم كانوا ال يقدمون للخطابة واإلمامة إال من حيفظ التوحيد ابللّسان
50
الرببري".
وهذا النص صريح يف شرط اخلطابة جبامع القرويني ،غري أننا ال نعلم إ ْن وقع تعميم ذلك
على كل منابر املغرب ،أم أن األمر بقي مقتصراً على فاس ملكانتها العلمية والروحية .رغم ما
42
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
( Alfred تسمح به خامتة النص ذاته من فهم التعميم ال التخصيص .وإىل هذا مييل ألْفرد بِّ ْل
51
،)Bellمضيفاً أن خطبة العيد كانت تلقى بذات اللسان أيضاً.
وبشكل عام ،ميكن القول إن التدابري اليت اختذها اخللفاء املوحدون خبصوص اللغة
األمازيغية مل تكن من منطلق قومي عرقي ،بقدر ما كانت خلفيتها نفعية ،وأسهمت يف
عالج معضلة التواصل اللغوي يف اجملتمع .ونفس العناية أو ْلوها للّسان العريب ،فكانوا ينتخبون
ملنابرهم أبلغ اخلطباء من كبار العلماء ابلعدوتني .وعموماً ،فالبالط املوحدي ،ذي الطابع
األمازيغي األصيل ،أتثر ابلثقافة العربية ،وابلرغم من ذلك ،كان احلكام ال جيدون حرجاً يف
52
استعمال األمازيغية يف نداءاهتم وبالغاهتم حىت مي ّكنوا مستمعيهم من استيعاب خطاابهتم.
وبصفة إمجالية ،متتعت اللغة األمازيغية خالل العصر املوحدي "بوضع مؤسسايت" غري
مسبوق ،وشكل استعماهلا جتديداً قوايً مقارنة ابلعصور السابقة 53.ومل تظهر ذات العناية يف
العصور الالحقة ،وحىت اللّسانيون واملهتمون ابللّغات ال يكادون جيدون كتاابت ابألمازيغية
54
بعد العصر املوحدي.
ه -وضع اللغة األمازيغية يف ظل املرينيني
ال منلك كثرياً من املعلومات عن وضع اللغة األمازيغية 55ابملغرب يف عصر بين مرين ،فلم
تبين املرينيني
تكن عنايتهم هبا لتصل مستوى عناية املوحدين ،حىت ختلّدها املصادر .ولعل يف ّ
للنسب العريب بعض تفسري ذلك ،فمعروف أهنم يرفعون نسبهم إىل ُمضر بن نزار بن معد بن
تغري لساهنم عن العربية إىل اللغة الرببرية ما ذكره
عرب صرحيون ،والسبب يف ّ عدانن "فهم ٌ
56
علماء التاريخ وأهل املعرفة ابألنساب وأايم الناس".
-51ونصه" :وكانت خطبة اجلمعة يف مساجد املوحدين تُلقى ابللغة الرببرية ،وكذلك خطبة العيد" .انظر:
-ألْفرد بِّ ْل :الفرق اإلسالمية يف الشمال اإلفريقي ،من الفتح العريب حىت اليوم ،ترمجة :عبد الرمحن بدوي (،)1987
بريوت ،دار الغرب اإلسالمي ،ط ،3ص.265
-52تويراس ،رمحة ( :)2015تعريب الدولة واجملتمع ابملغرب األقصى خالل العصر املوحدي ،مؤسسة اإلدريسي الفكرية
لألحباث والدراسات ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح اجلديدة ،ص .224
53
-Ghouirgate, Mehdi, L'ordre almohade (1120-1269): une nouvelle lecture
anthropologique, Toulouse, Presses universitaires du Midi, 2014, p. 229.
54
- Galand, Lionel (1991) « Berbères », in : Encyclopédie de l’Islam, NE, T. I, pp. 1208-
1222, p. 1215.
-55العجمية ،أو لغة الرببر ،أو لغة املرينيني ،أو اللسان الزانيت كما يسميها مؤرخو ذلك العصر.
فصل املؤلف يف تلك األسباب يف اتيل الصفحات -ابن أيب زرع :األنيس املطرب (م .س) ،ص .365وقد ّ
56
43
الوايف نوحي
وإىل هذا يرمي شاعر أمراء بين مرين عبد العزيز امللزوزي بقوله:
فجاورت زانتة الربابرا
ْ
فصريوا كالمهم كما ترى
ّ
ما ب ّدل الدهر سوى أقواهلم
ومل يبدل مقتضى أحواهلم
فانظر كالم العرب قد تب ّدال
وحاهلم عن حاله حتوال
كذاك كانت قبلهم مرين
كالدر إذ تبني
كالمهم ّ
فاختذوا سواهم خليالً
57
فب ّدلوا كالمهم تبديالً
تبين املرينيني لألصل العريب ،بل تبنوا النسب الشريف أيضاً ،فقد
ومل يقتصر األمر على ّ
اضح أن رهاانهتم السياسية أملت عليهم
نسبهم البعض إىل اإلمام علي بن أيب طالب .وو ٌ
58
القول هبذين األصلني ،فهم يف حاجة للنسب العريب وللشرف ليصنعوا مكانتهم ،خاصة يف
بدو بعيدون عن احلضارة.
فاس ،حيث يُنظر إليهم نظرة دونية ،وأهنم ٌ
الشح امللحوظ يف األخبار عن وضع األمازيغية يف ظل حكم بين مرين، ابلرغم من هذا ّ
إال أن بعض املصادر األدبية حفظت لنا إشارات حمدودة .ومن ذلك ما ورد من املزاوجة بني
األمازيغية والعربية يف بعض األشعار ،وهي أن جيمع أحدهم بني ألفاظ عربية وأخرى أمازيغية
يف البيت الواحد .ولعل أقدم ما وصلنا من هذا اللون الشعري يعود للنصف الثاين من القرن
7هـ13 /م (أوائل العصر املريين) ،حيث ذكر ابن اخلطيب يف اإلحاطة أن الشاعر أاب فارس
عبد العزيز بن عبد الواحد امللزوزي ،السابق ذكره ،كان خياطب السالطني املرينيني بشعر
(ص ص.)368-365 :
-57امللزوزي ،أبو فارس عبد العزيز بن عبد الواحد (ت697 .هـ1297/م) :نظم السلوك يف األنبياء واخللفاء وامللوك،
نشر :عبد الوهاب بن منصور ( ،)1963املطبعة امللكية ،الرابط ،ص .68وهي أرجوزة تقع يف 1325بيتاً.
-58ابن األمحر ،أبو الوليد (ت810 .ه1407/م) :روضة النسرين يف دولة بين مرين ،نشر :عبد الوهاب بن منصور
( ،)1962املطبعة امللكية ،الرابط ،ص .8
44
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
خيلط فيه بني العربية واألمازيغية ،فقد "كان شاعراً ُمكثراً ( )...جسوراً على األمراء ،علِّق
خبدمة امللوك من آل عبد احلق وأبنائهم ،ووقّف أشعاره عليهم ،وأكثر النظْم يف وقائعهم
59
عرب ابللسان الزانيت يف خماطباهتم".
وحروهبم ،وخلط ال ُـم ّ
كما برز يف العصر املريين ذاته ،الشاعر عبد هللا الزرهوين ،املعروف ابلكفيف (تويف أواسط
(ح ْركة)
القرن 8هـ14 /م) ،الذي أنشأ قصيدة /ملحمة من 497بيتاً يصف فيها محلة ْ
السلطان أيب احلسن املريين من املغرب األقصى إىل املغرب األدىن ،سنة 748هـ1347 /م،
واليت كان يروم منها توحيد بالد املغرب .فكان الزرهوين ميزج يف شعره بني العامية املغربية
والزجل األندلسي تتخللهما مفردات أمازيغية ،وهذه مناذج منه:
وجلْبل الزان ولُوطا حرك
ْ
ما ْخالّ ال ْسبع وال ِغيالس[ 60النمر]
حىت ابخليل ردها شعرا
ومن الواد الكبري ْسقى إيسا ْن[ 61اخليل]
ما ْخالّ ال ذهب وال درا
إالّ محل يف ظْهور إيسردان[ 62البغال]
واهنزموا وحرفوا اخليمات لورا
حياموا ابلسيف عن تيسدانن[ 63النساء]
-59لسان الدين ابن اخلطيب ،حممد بن عبد هللا (ت776 .هـ1374/م) ،اإلحاطة يف أخبار غرانطة ،ج ،4حتقيق :حممد
عبد هللا عنان ( ،)1977القاهرة ،الشرکة املصرية للطباعة والنشر ،مکتبة اخلاجني ،ص .21
غري أين مل أقف يف أرجوزة نظم السلوك ،املذكورة ،على شيء من الشعر مزدوج اللغة ،ولعله يف قصائد غريها مل تصلنا.
-60الكفيف الزرهوين :ملعبة الكفيف الزرهوين ،تقدمي وتعليق وحتقيق :حممد بن شريفة ( ،)1987الرابط ،املطبعة امللكية،
ص ،73البيت .114 :وما بني القوسني املعقوفني زايدة مين لشرح الکلمات األمازيغية.
-61الزرهوين :ملعبة (م .ن) ،ص ،73البيت.116 :
-62الزرهوين :ملعبة (م .ن) ،ص ،79البيت.142 :
-63الزرهوين :ملعبة (م .ن) ،ص ،92البيت.221 :
45
الوايف نوحي
46
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
التاديل فذكر أن أليب يعزى ترمجاانً يشرح كالمه لزائريه ممن ال يفهمون اللسان 67.وأورد العزيف
68
يف دعامة اليقني عدة حوادث يف جمالس أيب يعزى حضر فيها من يرتجم عنه.
سيكون تناول صورة اللغة األمازيغية يف كتاابت النخبة املغربية الوسيطية من خالل مخسة
أمثلة ،يراعى يف إيرادها الرتتيب الزمين ،للوقوف على تطور املواقف من املسألة .املثال األول
يوضح كيفية تعامله مع األمساء األمازيغية لألماكن؛ والثاين نص من كتاب أيب عبيد البكري ّ
للبيذق الذي كان لألمازيغية حضور الفت يف أعماله؛ أما املثال الثالث فهو للشريف
س اإلدريسي الذي وضع املقابِّالت األمازيغية ألمساء النبات والعقاقري؛ والرابع مبثابة ٍ ِّ
مؤس ٍ
نص ّ ّ
ٍ
بنصوص ابحلروف العربية؛ وانتهاءً البن خلدون يف موضوع رسم بعض األصوات األعجمية
69
عرف فيها اللغة األمازيغية والقبائل الناطقة هبا.
للحسن الوزان يُ ّ
أبو عبيد هللا البكري (تويف سنة 487هـ1094/م)
بكتابيه :معجم ما استعجم من أمساء
ْ يعترب البكري جغرافياً وأديباً ونباتياً أندلسياً ،اشتهر
البالد واملواضع؛ واملسالك واملمالك .عُرفت أخباره ابلدقة والضبط ،وله عناية كبرية أبمساء
األماكن .اختار البكري لنفسه منهجاً يسلكه عند إيراده أمساء األماكن ذات األصل
األمازيغي ،فنجده يورد العلم يف صيغته األصلية ويُردفه مبعناه العريب ،توخياً منه سالمة النقل،
وإثبات املعىن الذي حيرص على إيصاله لقارئه.
وجدير ابإلشارة أن البكري مل يزر املغرب ،إمنا مكنته طبيعة عمله ابألندلس من االطالع
على "معطيات رمسية" هتم البالد ،فضالً عن اعتماده كتباً هامةً ضاعت ومل تصلنا ،من أبرزها
الوراق (ت362 .ه973/م) .فجاءت أخبار كتاب مسالك إفريقية وممالكها حملمد بن يوسف ّ
47
الوايف نوحي
البكري مفصلة ودقيقة ّأهلت كتابه ليحتل الصدارة ،بل التفرد واحلصر أحياانً يف إيراد بعض
70
األخبار.
أورد البكري يف مسالكه طائف ًة من أمساء األماكن ابألمازيغية ،تناوهلا ابلدراسة سامل شاكر
يف مقالني هامني 71.وسأكتفي هنا بنص منوذجي يتحدث فيه البكري ،وهو يصف احملور
الطرقي الرابط بني سجلماسة وغانة ،عن مواضع جغرافية متعددة ،مورداً األصل واملعىن،
تيسنت؟] تيسن [ن ْ قائالً" :فمن تيومتني إىل اتجماثت مرحلةِّ ( ،)...ومن هناك إىل أمان ّ
ؤدادن] مرحلة ،وتفسريه :بئر األايئل [تني ْ مرحلة ،وتفسريه :املاء املاحل ،ومنه إىل تنودادن ْ
( ،)...ومنه إىل تونني ان وجلّيد [تونني نوگلّيد] تفسريه :آابر األمري مرحلة ،ومنه إىل أمان
يِّسيدان ،تفسريه :ماء النعام ،ومنه إىل اجر ان ووشان [إ ْگ ْر ْن وو ّشا ْن ،أو :إ ْگر ْن وو ّْش ْن]،
72
أي :ف ّدان الذئب."...
أبو بكر بن علي الصنهاجي ،املعروف ابلبيذق (كان حيّا سنة 555ه/
1160م)
يع ّد البيذق من تالمذة املهدي بن تومرت وأنصار دعوته ،وكان ضمن من صحبوه يف
دوهنا يف
رحلة العودة من املشرق سنة 510ه1116 /م .وهوشاهد عيان على األحداث اليت ّ
الكتابني املنسوبني إليه ،ومها :أخبار املهدي بن تومرت؛ واملقتبس من كتاب األنساب يف
معرفة األصحاب 73.فقد حضر معظم غزوات املهدي ومعركة البحرية ،وكان من مرافقي
-70من ذلك مثالً ما أورده عن "بورغواطة" ،حيث يعترب كتابه املصدر األساسي الذي استقى منه الدارسون معلوماهتم عن
هذه النِّّحلة.
- Chaker, Salem (1981) : «Données sur la langue berbère à travers les textes anciens : la
71
حمل التفصيل فيه .كما كان كتابه :أخبار املهدي بن تومرت مصدراً لبعض املؤرخني الالحقني عليه ،فقد اعتمده كل من
ابن القطان يف نظم اجلمان؛ وابن عذاري يف البيان املغرب.
48
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
جيش خليفة املهدي ،عبد املؤمن بن علي يف غزو املغربني األقصى واألوسط .ولعله تويف
74
أواخر عهد عبد املؤمن.
الكتابني ابلبساطة يف التعبري ،فلغته ال تكلّف فيها ،بل هي أقرب
ْ متيزت لغة البيذق يف
للّغة الشفهية أحياانً ،فنجده خيلط اللغة العربية ابلعامية وابألمازيغية يف مجلة واحدة ،وهذا
رمبا بسبب ضعف مستواه يف العربية .ويبدو أن مهّه مل يكن سوى تدوين اخلرب أبيسر كلفة.
كتابيه بني كلمات حمدودة ،يف شكل مصطلحات، يرتاوح استعمال البيذق لألمازيغية يف ْ
ٍ
كم كبري من أمساء األماكن ِّ
وبني عبارات ومجل تتفاوت يف الطول والقصر؛ فضالً عن ّ
واألشخاص والقبائل .ومن مناذج املصطلحات ذات الداللة اخلاصة:
گ 75:ويعين املكان الواسع ،ويف االصطالح املوحدي "رحبة القصر" املخصصة -أَسارا ْ
لالستعراضات .ويقصد به يف نص البيذق :احلظرية املع ّدة لربط اخليول.
اس 76:هو طعام وليمة أو مأدبة مجاعية معروف لدى املصامدة ،يُصنع مبناسبة إنشاء أْس ْ
ْ -
التحالفات أو تقويتها خلوض احلرب ضد حلف أو قبيلة أخرى .
77
گور 78:من أنواع الذرة ،ولعله "البكري" منها (من :إِّْزو ْار ،مبعىن تقدم).
ْ -أمز ْ
-أ ْگراو 79:يعين اجملمع ،ويف النص يدل على مكان يعظ فيه اخلليفة األتباع من املوحدين.
گمي 80:لغةً :ابب الدار .لكنه يف االصطالح املوحدي ،يعين احلد الذي يفصل -إميي ن تْ ّ
81
اجملال املخصص للخليفة وأسرته داخل القصر (دار اخلليفة) عن بقية القصر.
-74البيذق ،أبو بكر بن علي الصنهاجي (كان حيّاً سنة 555ه1160/م) :أخبار املهدي بن تومرت ،حتقيق وتقدمي
وتعليق :عبد احلميد حاجيات ( ،)1986اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،ط ،2ص.11-10 .
-75البيذق :أخبار املهدي ،طبعة الرابط (م .س) ،ص.33 .
-76البيذق :أخبار املهدي ،طبعة الرابط (م .س) ،ص.81 ،56 ،33 .
-77عن دالالت أمساس ،ودوره االجتماعي عند املصامدة ،يُنظر:
اس) لدى مصامدة العصر الوسيط" ،ضمن :الرتاث الوايف نوحي (":)2019التحالف عند القبائل األمازيغية ،ورمزية (أ ْمس ْ
الالّمادي ابجلنوب املغريب ،الرابط ،دار أيب رقراق للطباعة والنشر ،ص ص.235-229 :
-البيذق :أخبار املهدي (م .س) ،ص .48 .وذكر يف (ص" :)95 .أ ْ
َسنْگار" وهو الذرة. 78
49
الوايف نوحي
50
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
وأمرهم إبعادة صنع الطعام مع إشراكه يف املسامهة فيه ،ومل يسمح هلم ابلعودة ملثل ذلك
السلوك.
ومن ذلك أيضاً ما ساقه البيذق شهاد ًة من املهدي بن تومرت يف حق الشيخ أيب مروان
اص" 87.ومعناه اجلزئي
آرص ْ
كيل ّ
دوت وْريو ْ
عبد امللك بن حيىي" :أبو مروان ديزْم يلوال ْن اتنـْب ْ
ابلتقريب" :أبو مروان مثل األسد املولود يف فصل الصيف ،"...كناية عن شجاعته وإقدامه.
وخشية التباس املعىن بسبب الكتابة ابللغة األمازيغية ،اجتهد انسخ كتاب أخبار املهدي
بن تومرت يف ضبط بعض احلروف األعجمية (الرببرية) أب ْن رسم كافاً فوق اجليم ليُعلم أهنا
88
(گاف) ،خاصة عندما ترد يف أمساء األشخاص والقبائل واألماكن وغريها.
جدير ابإلشارة أن القراءة السليمة هلذه العبارات وحتديد معانيها يقتضي تعاوانً بني
الباحثني يف التاريخ واللغة واللسانيات ،فضالً عن العودة إىل األصول املخطوطة هلذه الكتب.
ومن دون هذا ،سيجد الباحث صعوبة يف فهم كثري من هذه النصوص ،ابلرغم من أن عدداً
من عباراهتا مل يتغري رمسها ،وحتمل ذات املعىن إىل اليوم.
الشريف اإلدريسي (تويف حنو سنة 560ه1165 /م)
املعروفني :نزهة املشتاق يف اخرتاق
ْ كتابيه
اشتهر اإلدريسي بكونه جغرافياً ،من خالل ْ
اآلفاق ،الذي ألّفه بطلب من ملك صقليه رجار الثاين ( ،)Roger IIوكتاب :أُنْس املـُهج
وروض الفُرج ،الذي وضعه لولد رجار وخليفته يف احلكم ،غليامل األول (.)Guillaume I
وابلرغم من أن اإلدريسي مل يدرج على استعمال مقابالت أمازيغية ملفردات عربية يف
هذين الكتابني سوى يف مواضع حمدودة 89.إال أنه توسع يف توظيفها بشكل الفت يف كتاب
51
الوايف نوحي
اثلث ،وضعه يف األدوية والعقاقري ،وامسه :اجلامع لصفات أشتات النبات وضروب أنواع
90
املفردات من األشجار والثمار واألصول واألزهار وأعضاء احليوان واملعادن واألطيار.
ويعترب ابن أيب أصيبعة (ت668 .هـ1269/م) أول من ذكره يف معجمه عن طبقات
األطباء ،وأورده بعنوان :كتاب األدوية املفردة ،ووصف اإلدريسي أبنه "كان فاضال عاملاً
بقوى األدوية املفردة ومنافعها ومنابتها وأعياهنا" 91.كما نقل ابن البيطار (ت 646هـ1248/م)
وضمن تلك النقول يف كتابه :اجلامع ملفردات األدوية
ّ
92
عن كتاب اإلدريسي هذا مائيت مرة،
93
واألغذية.
ال يزال كتاب اإلدريسي خمطوطاً ،وتُعرف له نسختان 94،أشرف فؤاد سزگني على نشرمها
إىل بعضهما بطريقة الفاكسيميلي 95.وقد ساد االعتقاد بفقدان الكتاب قروانً ،إىل أن عثر
الطبيب األملاين ماكس مايرهوف ( ،)Max Mayerhofسنة 1928على نسخة مكتبة فاتح
ابستانبول 96،وهي مبتورة وغري مؤرخة ،ذكر انسخها أنه نقلها عن األصل الذي كتبه
اإلدريسي بيده.
ذكر اإلدريسي يف املقدمة مربرات أتليفه هذا الكتاب ومنهجه فيه ،مشرياً إىل أنه يتضمن
وصفاً أللف ومائيت ( ) 1200دواء مرتبة على حروف املعجم ،يورد أمساءها أبكثر من لغة،
ت عند ذلك هذا الكتاب ،ورتّبت مجيع أمسائه على نص حروف اجبد هوز قائالً" :فألّْف ُ
( )...ومسّيته بكتاب اجلامع لصفات أشتات النبات وضروب أنواع املفردات من األشجار
جل املصادر خمتصراً ،بصيغة :اجلامع لصفات أشتات النبات ،وأحياان ابسم :كتاب األدوية املفردة ،أو :اجلامع
-يرد يف ّ
90
52
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
و ِّالثّمار واحلشائش واألزهار واحليواانت واملعادن ،وتفسري معجم أمسائها ابلسراينية واليواننية
97
والفارسية واللطينية والرببرية".
ويف اآليت مناذج من أمساء العقاقري اليت يورد اإلدريسي مقابالهتا بعدة لغات ،منها الرببرية:
98
الرز :هـو حب نبات ( )...يـس ّمى ابلعربية :أرز ،وابلرببرية :أسنكار؛ -
99
إجاص :الشاهلوج ،وهو عيون البقر()...ابليواننية :قوقيميال ،وابلرببرية :طبط ّفا؛ -
أانغالس :اسم سرايين()...يـس ّـمى بـاليواننية :فتجورنون ،ويـس ّمى ابلعربية :مخخم، -
100
ـسمى ابلرببـرية :ايـزروالني؛
وي ّ
أثل :هو نوع من الطرفا ( )...تـس ّمى مثرته ابلعربية :العذبة ،وابليـواننية :أقاقياس، -
101
وابلرببرية :اتكوت؛
102
أقحوان :ابلعربية ( )...وابلرببرية :ألوشن؛ -
103
ـسمى ابلرببرية :ثيوتن؛أفيثمون :ي ّ -
104 ِّ
أليىن :ابليواننية :وازمان ،وبـاللطينـية وابهلندية :أومهرا ،وابلرببرية :ماكشفال؛ -
105
بردي :ابلرومية ( )...ويسمى ابلرببرية :تبوذا؛ -
106
ابقال :ابليوانين :قابش فرايمن ،ويسمى ابلرببرية :أبيون؛ -
107
بقم :ابلعربية ،وابلرببرية :بنجمارن؛ -
108
مجّار :هو الدوم ابلعربية ( )...وابلرببرية :أغازاز؛ -
109
دردار :ابلرببرية :أسكس. -
53
الوايف نوحي
110
-كمأة ابلعربية ( )...وتسمى ابلفارسية :هوده ( )...وابلرببرية :يرتفاس
تبني متلّكه اللسان
تلك كانت أمثل ًة حمدود ًة منتقاة من عمل الشريف اإلدريسيّ ،
األمازيغي ،من جهة ،فهو املنحدر من بيئة مغربية كان فيها استعمال هذا اللسان يف زمانه
(العصر املوحدي) مسألة طبيعية ،بل انلت تشجيعاً من قِّبل بعض أويل األمر .ومن جهة
تدل على وعيه أبمهية هذه اللغة واحلاجة إىل معرفتها ،لذا ،عمد إىل جعلها من أخرى ّ
اللغات املعدودة اليت وضع هبا مقابِّالت ألمساء مئات النبااتت والعقاقري الواردة يف كتابه
ماسة للغاية.
الذي تبدو احلاجة إىل حتقيقه وإخراجه ّ
عبد الرمحن بن خلدون (تويف سنة 808هـ1406 /م)
أسس ابن خلدون يف املقدمة لقاعدة توضح كيفية تعامله مع أصوات لغات غري العرب،
ومنها أصوات اللغة األمازيغية ،وطريقة كتابتها ابحلروف العربية يف كتبه ،قائالً" :وقد بقي
علينا أن نقدم مقدمة يف كيفية وضع احلروف اليت ليست من لغات العرب إذا عرضت يف
111
ألمة أخرى".ألمة من احلروف ما ليس ّ كتابنا هذا [يقصد كتاب العرب] فقد يكون ّ
مقدماً لرؤيته هذه بفرش منطقي سليم ،حني قال" :ولـمـّا كان كتابنا مشتمالً على أخبار
حروف ليست من لغة ٌ الرببر وبعض العجم ،وكانت تعرض لنا يف أمسائهم أو بعض كلماهتم
عرفنا بعد ذلك مبنهجه يف املسألةكتابتنا وال اصطالح أوضاعنا اضطُِّرران إىل بيانه" .مث ّ
112
بقوله " :فاصطلحت يف كتايب هذا على أن أضع ذلك احلرف العجمي مبا يدل على احلرفني
113
خمرجي ذينك احلرفني فتحصل أتديته".
ْ اللّذيْن يكتنفانه ليتوسط القارئ ابملنطق به بني
ومل يكتف ابن خلدون هبذا ،بل ّبني مصدره يف هذا املنهج بقوله" :وإمنا اقتبست ذلك
املصحف حروف اإلمشام ،كالصراط يف قراءة خلف ،فإن النطق بصاده فيها ِّ من رسم أهل
ودل ذلكمعجم متوسط بني الصاد والزاي ،فوضعوا الصاد ورمسوا يف داخلها شكل الزايّ ،
كل حرف يتوسط بني حرفني من رمست أان ّ
عندهم على التوسط بني احلرفني .فكذلك ُ
114
-110اإلدريسي :اجلامع (م .ن) ،ج ،2ص .106كذا ورد يف األصل ،ولعله تصحيف لكلمة :تريفاس.
أشكر السيد إبراهيم إيعزا على مساعدته يف استخراج هذه املصطلحات من النص املخطوط.
-111ابن خلدون ،عبد الرمحن (ت808 .هـ1406 /م) :املقدمة ،حتقيق :علي عبد الواحد وايف ( ،)2006القاهرة ،مكتبة
األسرة ،ط ،2ج ،1ص.327
-112ابن خلدون :املقدمة (م .ن) ،ج ،1ص.327
-113ابن خلدون :املقدمة (م .ن) ،ج ،1ص.327
-114يقصد الصاد املشمومة ابلزاي ،أو الزاي املفخمة ،ويرد رمسها يف املخطوطات أبشكال خمتلفة :رسم الصاد ويف
54
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
حروفنا ،كالكاف املتوسطة عند الرببر بني الكاف الصرحية عندان واجليم أو القاف ،مثل اسم
(بلكني) ،فأضعها كافاً وأنقطها بنقطة اجليم ،واحدة يف أسفل ،أو بنقطة القاف واحدة من
فيدل ذلك على أنه متوسط بني الكاف واجليم أو القاف ،وهذا احلرف أكثر فوق أو اثنتنيّ ،
معمماً فعله ذاك على بقية املواطن "وما جاء من غريه فعلى هذا ّ
115
ما جييء يف لغة الرببر".
القياس :أضع احلرف املتوسط بني حرفني من لغتنا ابحلرفني معاً ،ليعلم القارئ أنه متوسط
116
فينطق به كذلك ،فنكون قد دللنا عليه".
ومتحسباً ملا ميكن أن ينتج عن
ّ وقد كان ابن خلدون واعياً أبمهية هذا الذي صنع ،بل
عدمه من األضرار اليت ستلحق اللغة ،بقوله" :ولو وضعناه [يقصد احلرف األعجمي] برسم
وغريان
احلرف الواحد عن جانبيه لكنّا قد صرفناه من خمرجه إىل خمرج احلرف الذي من لغتناّ ،
117
لغة القوم".
احلسن بن حممد الوزان (تويف بعد سنة 957هـ1550 /م)
إذا كان البن خلدون قاعدته املتميزة يف كتابة األصوات األعجمية عند نقلها إىل العربية،
إمعاانً منه يف الدقة واألمانة العلمية ،فإن للوزان قيمة مضافة ال تقل أمهيةً ،فهو ينطلق يف
تعريفه للّغة األمازيغية من تصنيف القبائل الناطقة هبا ،ويدرجها ضمن من يسميهم (األفارقة
البيض) ،ويقصد هبم سكان الشمال اإلفريقي ،ابسطاً القول يف تركيبتهم ،ومساكنهم ،ولغتهم
بقوله" :ينقسم األفارقة البيض إىل مخسة شعوب :صنهاجة ،ومصمودة ،وزانتة ،وهوارة،
وغمارة ( .)...إن هذه الشعوب اخلمسة املنقسمة إىل مئات السالالت وآالف املساكن،
أي الكالم النبيل ،بينما يسميها العرب تستعمل لغ ًة واحد ًة تطلق عليها اسم :أ ْ
َوال أ ََمزيغْ ،
118
الرببرية .وهي اللغة اإلفريقية األصيلة املمتازة واملختلفة عن غريها من اللغات".
وسطها زاي صغري ،كما ذكر ،أو يف وسط الصاد نقطة ،أو يف أسفله نقطة...؛ أما يف الكتاابت املعاصرة فيستعمل هذا
احلرف (ﮊ) للداللة على الصاد املشمومة ابلزاي.
-115يقصد حرف الگاف (گ) ،ويسمى ابجليم املصرية ،أو اجليم غري املعطشة ،أو الكاف األعجمية ،أو الكاف
املثلثة ...انظر :ابن خلدون :املقدمة (م .ن) ،ج ،1ص.327
-116ابن خلدون :املقدمة (م .ن) ،ج ،1ص.328
-117ابن خلدون :املقدمة (م .ن) ،ج ،1ص.328
-118الوزان ،احلسن بن حممد ،امللقب بليون اإلفريقي (ت .بعد 957هـ1550/م) :وصف إفريقيا ،ترمجة :حممد حجي
وحممد األخضر ( ،)1983بريوت ،دار الغرب اإلسالمي ،ط ،2ج ،1ص ص.39-36 .
55
الوايف نوحي
مث انتقل ليصف تركيبة اللغة األمازيغية وما يكتنفها من ألفاظ ليست منها ،مقدماً لذلك
تفسرياً يراه راجحاً ،بقوله" :ول ّـما كانت مشتملة على عدد من املفردات العربية استدل
البعض بذلك على أن األفارقة ينتمون إىل السبئيني ،وهم سكان اليمن كما أسلفنا .لكن
أنصار الرأي املخالف يؤكدون أن هذه املفردات إمنا أدخلها العرب عندما جاؤوا إىل إفريقيا
وفتحوها .وكانت هذه الشعوب يف حالة من البداوة واجلهالة حبيث مل ترتك أي كتاب يؤيد
إحدى النظريتني .على أن هناك اختالفاً بني اللهجات ،ال يف النطق فحسب ،ولكن أيضاً
119
يف معىن كثري من األلفاظ".
وواضح أن للوزان معرفةٌ بتفاصيل املشهد اللغوي املغريب الوسيط ،حيث وصف حضور
مفسراً ذلك بعامل اجملاورة ،ألن "األفارقة الذين هم
العربية يف ألْسن بعض القبائل األمازيغيةّ ،
أقرب إىل مساكن العرب وأوثق صل ًة هبم ،هم أكثر األفارقة استعماالً للكلمات العربية يف
هلجتهم .فغمارة ،إال أقلّهم ،يستعملون العربية ،لكنها عربية رديئة ،وكذلك الشأن يف عدد
كبري من قبائل هوارة .والسبب يف ذلك أن هذه الشعوب على اتصال شفوي مستمر مع
120
العرب".
ويف املقابل ،يؤكد املؤلف أتثر العربية ابأللسن األمازيغية بفعل عامل التساكن واجملاورة
فسدت لغتهم األفارقة وظلوا على اتصال دائم هبم ُ مقرراً "ان العرب الذين عاشوا بني
أيضاّ ،
وصارت خليطاً من اللهجات اإلفريقية" .لكن هذا ال يلغي احتفاظ كل جنس هبويته
121
ابلرغم من هذا التداخل اللغوي واالمتزاج اللّسين .حىت "إن كل عريب وبربري ظل حيتفظ
بكتابة عمود نسب آابئه ،وهذا شيء من األمهية مبكان ،مي ّكن كل عدل أو حمرر عقد رمسي
122
أن يذكر اسم املعين ابألمر وأصله ،عربياً كان أو بربرايً".
خامتة
تبني من هذه اجلولة يف ثنااي بعض املصادر العربية الوسيطية أن اللغة األمازيغية حظيت
ّ
بنصيب غري قليل من انشغاالت أويل األمر ومدبري الشأن العام خالل الفرتة الوسيطية ،مع
تفاواتت بيّنة بني العصور واألسر اليت سادت فيها.
56
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
كما كان لألمازيغية أيضاً حضور عند مجلة من كتّاب ومؤلفي العصر الوسيط ،وكانت
ط اهتمامهم بشكل من األشكال .لذا ،فإن نصوص البكري ،والبيذق ،واإلدريسي ،وابن حم ّ
خلدون ،والوزان ،تكتسي أمهية كبرية يف التعرف على تصور املصادر العربية للّغة األمازيغية
وتعاملها معها.
فاألول تنبّه إىل ضرورة احلفاظ على أمساء األماكن يف لغتها األصلية (األمازيغية) ،مع نقل
معانيها إىل اللغة العربية ،وأبقى لنا بذلك كثرياً من مفردات اللغة األمازيغية اليت كانت سائدة
خالل العصر الوسيط ،واليت ما يزال جلّها حيتفظ بنفس النطق وذات املعاين إىل الوقت
الراهن .والثاين سلك منهجاً يف التأليف ،خلط فيه بني العربية واألمازيغية ،رمبا لقلة زاده من
العربية ،وجهله بكثري من مفرداهتا وتراكيبها ،لكنه حفظ لنا ترااثً لغوايً مهماً .أما الثالث فقد
أورد لنا مقابالت أمازيغية عديدة ألمساء النبااتت والعقاقري ،مثلما صنع ابللغات املعروفة يف
عصره.
وسطّر الرابع قاعدة دبّر هبا إشكاالً لغوايً قدمياً متجدداً ،يتعلق بكيفية رسم األصوات
عرب عن كل أصواهتا ل َّـما
وكتابتها .فحفظ للّغة األمازيغية ،بفضل تلك القاعدة ،حقها يف أن يُ ّ
عرفها واجتهد يف تدون ابحلرف العريب .أما خامسهم فقد وضع اإلطار العام لألمازيغية ،ف ّ
أتصيلها ،ووضع خريطة انتشارها وتوزيعها ،فشمل حديثه جماهلا ،ومميزاهتا ،وكذا الناطقني
هبا ،...وبذلك تظل هذه النصوص مفيد ًة ،ليس للباحثني يف التاريخ فحسب ،بل
للمشتغلني ابللّغات وعلوم األلسن كذلك.123
املصادر واملراجع
اإلدريسي ،أبو عبد هللا حممد بن حممد بن عبد هللا بن إدريس (ت .حنو 560هـ/
1165م) :اجلامع لصفات أشتات النبات وضروب أنواع املفردات2 ،ج (خمطوط منشور
بطريقة الفاكسيميلي) ،إبشراف فؤاد سزگني ( ،)1995معهد اتريخ العلوم العربية واإلسالمية،
يف إطار جامعة فرانكفورت ،أملانيا االحتادية.
-123يُنظر يف هذا املوضوع ،مقاال سامل شاكر املشار إليهما سابقاً (يف اهلامش رقم .)71
57
الوايف نوحي
58
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
( ،)1928مصحوابً برتمجة إىل الفرنسية ،مع تعاليق وفهارس ،ابريس ،دار گوتنر
(.)Geuthner
البيذق (نفسه) :أخبار املهدي بن تومرت وبداية دولة املوحدين ،حتقيق :عبد الوهاب بن
منصور ( ،)1971الرابط ،دار املنصور للطباعة والوراقة.
البيذق (نفسه) :أخبار املهدي بن تومرت ،حتقيق وتقدمي وتعليق :عبد احلميد حاجيات
( ،)1986اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب ،ط.2
البيذق (نفسه) :املقتبس من كتاب األنساب يف معرفة األصحاب ،حتقيق :عبد الوهاب
بن منصور ( ،)1971الرابط ،دار املنصور للطباعة والوراقة.
التازي سعود ،حممد ( :)2006اإلملام خبالصة اتريخ أرض املغارب قبل اإلسالم،
الرابط مطبوعات أكادميية اململكة املغربية ،سلسلة :اتريخ املغرب ،الرابط ،مطبعة املعارف
اجلديدة.
التميمي الفاسي ،أبو عبد هللا حممد بن عبد الكرمي (ت603 .ه1206 /م) :املستفاد يف
مناقب العبّاد مبدينة فاس وما يليها من البالد2 ،ج ،حتقيق :حممد الشريف (،)2002
منشورات كلية اآلداب بتطوان ،الرابط ،طوب بريس ،ط ،1ج.2
ابن تومرت ،حممد ،مهدي املوحدين (ت524 .ه1130 /م) :أعزّ ما يُطلب ،تقدمي
عمار الطاليب ( ،)1985اجلزائر ،املؤسسة الوطنية للكتاب. وحتقيقّ :
تويراس ،رمحة ( :)2015تعريب الدولة واجملتمع ابملغرب األقصى خالل العصر املوحدي ،مؤسسة
اإلدريسي الفكرية لألحباث والدراسات ،الدار البيضاء ،مطبعة النجاح اجلديدة ،ط.1
حافظي علوي ،حسن ( :)2007املرابطون :الدولة ،االقتصاد ،اجملتمع ،الرابط ،جذور للنشر،
ط .1
ابن حوقل ،أبو القاسم النصييب (ت367 .ه977/م) :صورة األرض ،نشر :كرامرز
وآخرون ( ،)1939-1938ليدن.
ابن اخلطيب ،لسان الدين حممد بن عبد هللا (ت776 .هـ1374/م) ،اإلحاطة يف أخبار
غرانطة ،ج ،4حتقيق :حممد عبد هللا عنان ( ،)1977القاهرة ،الشرکة املصرية للطباعة والنشر،
مکتبة اخلاجني.
59
الوايف نوحي
ابن خلدون ،عبد الرمحن (ت808 .هـ1406/م) :املقدمة ،حتقيق :علي عبد الواحد وايف
( ،)2006القاهرة ،مكتبة األسرة ،ط ،2ج.1
ابن خلكان ،أبو العباس مشس الدين أمحد (ت681 .ه1282/م) :وفيات األعيان وأنباء
أبناء الزمان ،حتقيق :إحسان عباس ( ،)1977-1968بريوت ،دار صادر ،ج.7
ابن أيب زرع الفاسي ،علي (ت726 .هـ1325 /م) :األنيس املطرب بروض القرطاس يف
أخبار ملوك املغرب واتريخ مدينة فاس ،حتقيق :عبد الوهاب بنمنصور ( ،)1999الرابط،
املطبعة امللكية ،ط.2
ابن الزايت التاديل ،أبو يعقوب يوسف بن حيىي (ت627 .ه1230 /م) :التشوف إىل
رجال التصوف ،حتقيق :أمحد التوفيق ( ،)1984منشورات كلية اآلداب ابلرابط ،الدار
البيضاء ،مطبعة النجاح اجلديدة ،ط.1
العبدري ،أبو عبد هللا حممد بن حممد (ت .بعد سنة 700ه1300/م) :رحلة العبدري،
حتقيق :علي إبراهيم كردي ( ،)2005دمشق ،دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع ،ط.2
ابن عذاري املراكشي (ت .بعد 712هـ1312/م) :البيان املغرب يف أخبار األندلس
واملغرب ،حتقيق :إحسان عباس ،وجورج كوالن وليفي بروفنسال ( ،)1983بريوت ،دار
الثقافة ،ط ،3ج.1
العزيف ،أبو العباس (ت633 .ه1236/م) :دعامة اليقني يف زعامة املتقني (مناقب الشيخ
أيب يعزى) ،حتقيق :أمحد التوفيق ( ،)1989الرابط ،مكتبة خدمة الكتاب ،ط.1
الفيگيگي ،حسن (" :)1998حاميم" ،معلمة املغرب ،الرابط ،اجلمعية املغربية للتأليف
والرتمجة والنشر ،مطابع سال ،ج ،10ص .3287-3286
القادري بوتشيش ،إبراهيم ( :)1995اإلسالم السرّي يف املغرب العريب ،القاهرة ،سينا
للنشر ،ط.1
القبلي ،حممد (" :)2016الوضع اللغوي بشمال إفريقيا يف العصر الوسيط" ،حوار مع
جملة أسيناگ ،ع ،11 .ص ص .86-81
القبلي ،حممد (إشراف وتقدمي) :اتريخ املغرب ،حتيني وتركيب ،منشورات املعهد امللكي
للبحث يف اتريخ املغرب ( ،)2012الرابط ،منشورات عكاظ ،السحب الثاين.
60
اللغة األمازيغية ابملغرب األقصى من خالل مصادر العصر الوسيط
ابن القطان املراكشي (ت628 .ه1230/م) :نظم اجلمان لرتتيب ما سلف من أخبار
الزمان ،حتقيق :حممود علي مكي ( ،)1990بريوت ،دار الغرب اإلسالمي ،ط.1
الشاطيب ،إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرانطي (ت790 .هـ1388/م):
االعتصام ،مطبوعات احلليب ،مصر1913 ،م.
كتّاب الدولة املؤمنية :جمموع رسائل موحدية من إنشاء كتّاب الدولة املؤمنية ،اعتىن
إبصدارها ليفي بروفنسال ( ،)1941مطبوعات معهد العلوم العليا املغربية ،الرابط ،املطبعة
االقتصادية.
الكفيف الزرهوين (تويف أواسط القرن 8هـ14 /م) :ملعبة الكفيف الزرهوين ،تقدمي وتعليق
وحتقيق :حممد بن شريفة ( ،)1987الرابط ،املطبعة امللكية.
مارمول كرخبال (تويف حنو سنة 1008ه1600 /م) :إفريقيا ،ترمجة :حممد حجي وآخرون
( ،)1984الدار البيضاء ،مكتبة املعارف ،ج.1
املراكشي ،عبد الواحد (ت647 .هـ1249/م) :الـمُعجب يف تلخيص أخبار املغرب ،ضبط
وتصحيح وتعليق :حممد سعيد العراين وحممد العريب العلمي ( ،)1978الدار البيضاء ،دار
الكتاب ،ط.7
املقري التلمساين ،أبو العباس أمحد (ت1041 .هـ1631/م) :نفح الطيب يف ذكر غصن
األندلس الرطيب ،حتقيق :إحسان عباس ( ،)1997بريوت ،دار صادر ،ج.3
جمهول (يُنسب البن عبد ربه احلفيد ،ت602 .هـ1206/م) :كتاب االستبصار يف
عجائب األمصار ،نشر وتعليق سعد زغلول عبد احلميد ( ،)1986الدار البيضاء ،دار النشر
املغربية ،بغداد ،دار الشؤون الثقافية العامة.
جمهول (كان حيّاً سنة 712هـ1312/م) :مفاخر الرببر ،حتقيق :عبد القادر بوابية
( ،)2005الرابط ،دار أيب رقراق للطباعة والنشر ،ط.1
جمهول (يُنسب البن مساك العاملي ،كان حيّاً سنة 783هـ1381 /م) :احللل املوشية يف ذكـر
األخبار املراكشـية ،حتقيق :سهيل زكار ،وعبد القادر زمامة ( ،)1979الدار البيضاء ،دار
الرشاد احلديثة ،ط.1
امللزوزي ،أبو فارس عبد العزيز بن عبد الواحد (ت697 .هـ1297/م) :نظم السلوك يف
األنبياء واخللفاء وامللوك ،نشر عبد الوهاب بنمنصور ( ،)1963املطبعة امللكية ،الرابط.
61
الوايف نوحي
62
74-63 ص،2021 ،عشر العدد السادس،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-جملة أسيناگ
يعترب ما كتبه أهل منطقة مزاب يف صحراء اجلزائر من قوانني عرفيّة مصدرا فائق
ذلك أنّه يش ّكل من وجهة نظر اترخييّة أهمّ مصدر يؤرّخ بشكل وثيق للحياة،األمهيّة
كما تكشف هذه النصوص عن املستوى الثقايف،االجتماعيّة واالقتصاديّة والسياسيّة
.لـ"النخبة" يف املنطقة طوال القرون من اخلامس عشر إىل التاسع عشر امليالديّني
لكن تبقى العديد من التساؤالت حباجة إىل توضيح حول حرص املزابيني على كتابة
أو- ووجود "سرية" (عادة) احلفاظ على الكثري من العادات،قانوهنم العريف من جهة
هل: بصيغة أخرى. بعدم كتابتها ألغراض خمتلفة-السريات ابملصطلح املعروف حمليا
كتب املزابيّون كلّ أعرافهم؟ مىت كانوا يكتبون؟ وملاذا؟ ماذا مل يكتبوا؟ وملاذا؟ وغريها
.من األسئلة اليت سنحاول اإلجابة عنها يف هذا املقال
التوثيق- مزاب – األعراف – اجملتمع – التدوين:الكلمات املفتاحية
The customary law texts written by the people of the Mzab region in the Algerian
desert may well be viewed of vital importance, as they, historically, constitute the
most important source chronicling closely the social, economic and political
lives. These texts also reveal the cultural level of the “elite” in the region
throughout the fifteenth and sixteenth centuries.
Many questions need, nonetheless, to be clarified concerning the Mozabites’
preservation of their culture and traditions. While they are keen to write their
customary law, the Mozabites do not exhibit the same readiness to preserve a
whole range of other traditions and customs in writing; they preserve them only
orally. This paper tries to address the preservation of the Mozabite patrimony
along a number of questions, such as: Did the Mozabites write all their customs?
When did they write their traditions? And why? What did they not write? And
why? And a number of other questions.
Key Words : Mzab – Conventions – Society – Recording – Documentation
63
ابحلاج انصر
مقدمة
ابلرغم مما ورثه أهل مزاب من الرتاث اإلابضي من خمطوطات يف غاية األمهية عن العقيدة
والفقه والتاريخ أساسا ،حرصوا على توثيق قوانينهم اليت كانت ذات صبغة عرفية حمضة ،واليت
كل بلدة أو قصر من قصور مزاب السبعة ،وذلك لقيت القبول لدى كل عشائر وأعراش ّ
كل العشائر يف صياغة القوانني ،ولكن أيضاً بفضل وزن هيئة العزابة، بفضل مشاركة ممثلي ّ
وهي اهليئة اليت تتوىل شؤون الدين والتعليم.
"بنو مزاب" أو "بنو مصعب" أو "بنو مصاب" حسب اختالف ورودها يف الكتاابت
عمروا
الصحة هو "بنو مزاب" -هم السكان األوائل الذين ّ ّ العربية -ولو أ ّن األقرب إىل
منطقة وادي مزاب منذ ما قبل التاريخ ،ومنهم أخذت املنطقة تسميتها ،ينتمون إىل الفرع
الرببري الكبري "زانتة" 1على خالف ما هو سائد وشائع لدى الكثريين وحىت لدى بعض
املزابيني أنفسهم ،أن س ّكان هذه املنطقة ينتمون إىل إثنيّة واحدة وأهنم هاجروا من تيهرت أو
وارجالن بعد سقوط دولتهم.
ينحدر بنو مزاب يف الغالب من قبيلة زانتة األمازيغيّة ،حيث حدثت ع ّدة هجرات من
مناطق خمتلفة من بالد املغرب إىل وادي مزاب الذي كان آهال ابلسكان ،وحدث ذلك
فضلت القبائل األمازيغيّة اإلابضيّة االبتعاد عن
خصوصاً خالل العصر الوسيط ،عندما ّ
مناطق الصراع يف الشمال ،واالحتماء ابلصحراء ،يف منطقة أصبحت متثّل إحدى املعاقل
األخرية لإلابضية يف املغرب األوسط (اجلزائر).)Cherifi, 2003( .
.1طبيعة القانون العريف املكتوب لدى املزابيني
تُعرف القوانني العرفيّة املكتوبة بوادي مزاب ابسم "االتفاقات" ،ذلك أهنا عبارة عن
"العزابة" وهي اهليئة اليت تشرف على أمور الدين حماضر اجللسات اليت اتّفق فيها ممثلو هيئيت ّ
أساساً ،و"العو ّام" وهم كبار العشائر ،حيث يش ّكلون على مستوى وادي مزاب جملسا
كل مدينة من كنفدراليا ،يعترب السلطة التشريعيّة والقضائيّة العليا يف املنطقة .وعلى مستوى ّ
عزابة وعو ّام املدينة ،ميثّلون اهليئة التشريعيّة
كل من ّ
لي ّمتكون من ممثّ ّ
مدن الوادي يوجد جملس ّ
والقضائيّة ،وعلى العو ّام تقع مسؤوليّة تنفيذ األحكام.
عمرت فروع هذه القبيلة املناطق الشما لية للصحراء خصوصا ،وكان بعضهم بدوا أو نصف بدو ،بينما البعض اآلخر
ّ -
1
حضرا .وقد أسس هؤالء عددا من احلواضر يف مناطق جرداء مثل :واد سوف ،واد ريغ ،ورقلة ،وغريها.
64
القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى جمتمع وادي مزاب
65
ابحلاج انصر
كل شيء ،وابلتحديد ما جانب هذه القوانني املكتوبة فإ ّن املزابيّني مل يكونوا يكتبون ّ وإىل
تعلّق بسريهم ،واملفهوم االصطالحي للسري هنا هو ما ذكره أحد شيوخ مزاب املعاصرين 2
والعارفني هبا" :لغواي ( )...من سار يسري مبعىن سلك طريقا ( )...وميكن استخدامها مجع
مؤنث سامل (سريات) وهو اللفظ املتداول يف ربوعنا )...( .ومبا أن الكلمة مبقتضى صيغتها
لتدل على تعين خطة السلوك أو طريقة التوجه اختريت على مستوى الفكر اإلابضي ّ
املرضي لتعرب عن وجهة نظرهم يف جتسيد مسار املذهب ،وتبلورت الكلمة على ّ التصرف
مرور الزمان لتصبح ذات داللة على املنهجية املفضلة للمسلك االجتماعي واكتسبت الكلمة
شكال من الرتاضي على نوعية السلوك املعتمد عرفيّا يف تنظيم اجملتمع وتكريس املفاهيم
املختارة ألخالقية التصرف" (صدقي.)3 :2003 ،
من املعروف اليوم لدى املزابيّني أن ِّسري أو نُظم اهليئات مبختلف مستوايهتا مل تُكتب يف
أغلبها ،وذلك لسببني أساسيّنيّ ،أوهلما أ ّن من يريد معرفة ِّسري األوائل يتو ّجب عليه أن
ينخرط يف اهليئة ويتعلم نظمها ،ولو أنّه قد توجد كراريس فيها بعض املعلومات تكون عند
ِّ
كراس تنُـب ِّو ْ
ين، كراس خنيل األوقافّ ،ويتم توارثه جيال عن جيل مثل ّ األول عن اهليئة ّاملسؤول ّ
كراس ل ُوْمىن (األمناء) وغريه" (احلاج سعيد.)2020 ، ّ
السري أو النظم اليت مل يكتبها ِّ
وعليه فإ ّن املمارسة هي السبيل الوحيد للحفاظ على ّ
نص
املزابيّون ،وابلتايل فإ ّن ترك ممارسة السري هو الذي يؤدي إىل نسياهنا ،وعن هذا جاء يف ّ
كرر يُنسى ،وما ال يُراجع يتالشى".عزابة غرداية مايلي" :ما ال يُ ّ
سري حلقة ّ
لكن من جهة أخرى ،فإ ّن عدم الكتابة يرتك اجملال مفتوحا الحتمال التعديل ،وحول هذه
النقطة وقع الكثري من النقاش لدى مشائخ املزابيّني يف ما ميكن تعديله من نظم احللقة ،وعنها
يقول الشيخ صدقي" :إال أ ّن عدم تدوينها بشكل التزامي شامل متّفق عليه بني القرى
املتجاورة يف ميزاب ووارجالن أحدث فيها نوعا من الضبابيّة يف حتديد ما يعترب من الثوابت
حملي ميكن تبديله أو التخلي عنه أو تطويره عريف ّ
األصيلة اليت ال حميد عنها ،وما هو منها ّ
حسب الظروف .وليتهم فعلوا على األقل يف األساسيّات لتفادي االنزالق يف املعايري املرجعيّة
ملا يعرض من مواقف" (صدقي.)4 :2003 ،
"سِّّرية" النظم ،ألنأما التفسري الثاين لعدم كتابة املزابيني لنظم هيئاهتم فهو احملافظة على ِّ
كتابتها يعترب مبثابة كشف ألسرارها وتيسري معرفة نظم اجملتمع املزايب للغري ،وهذا التخوف
-2لتفاصيل أوفر عن مصطلح "السري" ميكن العودة إىل معجم مصطلحات اإلابضية ( ،2008ج.)520 :1
66
القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى جمتمع وادي مزاب
انشئ عن ترسبات التجارب التارخيية األليمة اليت توالت على اإلابضية يف املغرب اإلسالمي،
لعل
واإلحراج الذي كانوا يلقونه ابستمرار بسبب انتمائهم املذهيب كما سيأيت بيانه الحقا .و ّ
ما حدث بني عزابة غرداية واملستشرق الفرنسي إميل ماسكراي ) (Emile Masquerayخري
نسي وهو مبعوث من طرف إدارة االحتالل، مثال على حت ّفظ املزابيني ،ولو أن هذا األخري فر ّ
كل من غرداية وبن يسقن منحه نسخاً منها. عزابة ّ
حيث رفض ّ
سجالت االتّفاقات اليت مت ّكن من احلصول عليها بعدكما حت ّدث ماسكراي عن نسخ ّ
جهد كبري ،وذلك سنة ،1878أي قبل السيطرة الفرنسية املباشرة على املنطقةـ حني قدم إىل
املهمة األركيولوجية واألنثروجغرافية اليت كلّف هبا من طرف وزارة التعليم
وادي مزاب يف إطار ّ
العمومي ( )instruction publiqueبباريس .ويف مق ّدمة حتقيقه للمخطوط اإلابضي "سري
سريّة
أبو زكرايء" قال عن سكان وادي مزاب وعن نظمه ما يلي" :املزابيّون هم الناس األكثر ّ
كل ماضيهم وحاضرهم حمتوى يف خمطوطاهتم القدمية ويف سجالت قوانينهم املوجودة يف العاملّ ،
العزابة" (.)Masqueray, 1878 بني أيدي رجال دينهم ّ
مثلما ذُكِّر أعاله فإنّه من العوامل اليت ش ّكلت لدى املزابيني على مّر الزمن شعور واجب
التح ّفظ اجتاه اآلخر غري اإلابضي ،وهو وصمة "اخلارجيّة" اليت يصّر غريهم وصفهم هبا
بسبب انتمائهم إىل املذهب اإلابضي ،سواء جهال منهم ،أو وفاء خلالفات القرون اهلجرية
التهجم على املزابيّني يف حال
خفي ،وغالبا ما يكون لتربير ّ األوىل ،أو لتحقيق غرض آينّ ّ
اخلالفات معهم ،وليست آخر األحداث األليمة اليت وقعت ض ّد املزابيّني فيما بني 2013
و 2015ببعيدة!
ابلنسبة للفرتة احلديثة تكفي العودة إىل بعض ما كتبه الرحالة العياشي عند حلوله لدى
يتعرض له املزابيّون يف
إابضيّة وارجالن ألخذ فكرة عن نظرة الغري لإلابضيّنيّ ،أما ما كان ّ
املدن الكربى يف نفس الفرتة فالواثئق تشهد على العديد من صور االحتقار ،وذلك ابلرغم
من املكانة االقتصادية الكبرية اليت كان املزابيّون يتمتّعون هبا ،السيّما يف عاصمة اإلايلة
(الشويهد .)2006 ،من أمثلة العلماء الذين صبوا نقمتهم على املزابيني بسبب مذهبهم
وقوة جتارهتم،
الشيخ بلقاسم احل ّداد الرمحوين بقسنطينة ،فبعد أن ذكر كثرة عدد بين مزاب ّ
3
يفصح عن كرهه هلم -بسبب االختالف املذهيب -ويصدر عليهم حكما جزافيّا ،كان سائدا
ط من شأهنم بقوله: آنذاك مثلما متّ تبيينه سابقا ،حيث حي ّ
-3نشأ بقسنطين ة وترىب هبا على يد زوج أمه بعد وفاة أبيه الذي علمه احلـدادة ،وكـان منكمشـا علـى نفسـه بعـد فقـد بصـره،
لذلك امتاز شعره بشدة االنتقاد .قصيدته تعود إىل سنة 1217هـ1802 /م( .قشي.)1998 ،
67
ابحلاج انصر
-4هو الداي علي شاويش حكم اإلايلة يف ما بني (1130 - 1122هـ1717 -1710 /م).
-5الكلمة احملذوفة غري مفهومة.
68
القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى جمتمع وادي مزاب
وهنالك جانب آخر من القضااي اليت مل تكن تكتب ،وهي املتصلة ابلعشائر النزيلة،
نص يوثّق ألمساء العشائر اليت متّ إنزاهلا يف
حيث ال نعثر يف نصوص االتفاقات على أي ّ
نص واحد –يف حدود ما توصلنا إليه طيلة عدة سنوات من عرش أو آخر ،وال يتوفّر سوى ّ
أي منها ،والنص عبارة عن البحث -تناول قضية إنزال عناصر جديدة ،ولكنه مل يذكر اسم ّ
مؤرخ بسنةاتفاق جلماعة غرداية جاء فيه أنّه متّ إنزال عناصر جديدة يف ص ّفي املدينة وهو ّ
1211هـ (1796م)" :واتفقوا املذكورين [كذا] على من نزل عند أوالد عمي عيسى أو عند
أوالد بسليمان"(م.خ.ع ،).حيث ال تظهر يف هذا النص أمساء العشائر أو العائالت اليت متّ
إنزاهلا ! وهو رّمبا أمر مقصود من املتّفقني لغرض ما ،رّمبا لكي ال ُحيتفظ به مل ّدة طويلة،
ويتح ّقق إدماج العناصر النزيلة ،ويُنسى مع مرور الزمن ّأهنا عناصر ليست أصيلة ،وهكذا
يتح ّقق الغرض من إنزاهلا وإدماجها.
نسي وبعدها
.3كتابة النظم العرفيّة خالل فرتة االحتالل الفر ّ
أهم ما طرأ من تغيري على وضع منطقة مزاب بعد االحتالل الفرنسي عام 1882هو لعل ّّ
يشرع ألهل املنطقة يف خمتلف شؤون احلياة ،وكذلك ّ كان الذي اب"ز م ادي و "جملس زوال
األمر جمللس املدينة ،حيث أصبح القايد الذي تعيّنه إدارة االحتالل هو "رئيس اجلماعة"،
كل مدينة ،أو ما أصبح يعرف الحقا ابجمللس ضمان (رؤساء) العشائر يف ّ تتكون من ّواليت ّ
العزابة من املشاركة املباشرة يف احلياة العا ّمة (انصر.)2015 ،
البلدي ،وبذلك أُبعدت هيئة ّ
ّ
ّأما القضاء الذي كان مرتكزا يف شيخ احللقة ،فقد أصبح خالل عهد االحتالل يف
سجالهتا
أسست خصيصا للمزابيّني نزوال عند طلبهم ،واليت ال تزال ّ "احملاكم اإلابضيّة" اليت ّ
دفاتر ذات قيمة اترخييّة قيمة عن فرتة االحتالل الفرنسي ( .)Bendrissou,2016ومن
حينها فإ ّن نصوص األحكام اليت يفصل فيها قضاة مدن مزاب السبعة ،وكذلك جملس
صة ،وذلك تدون يف سجالّت خا ّ عمي سعيد قد أصبحت ّ االستئناف املعروف مبجلس ّ
سجالت املتخاصمني فقط ،حيث مل تصلنا تدون يف ّ بعدما كانت خالل العهد احلديث ّ
اخلاصة" أو
ّ يدونون فيها نصوص األحكام" ،وقد كانت "الدفاتر خاصة ابلقضاة ّدفاتر ّ
هامة ج ّدا إلثبات احلقوق املرتتّبة عن املعامالت املختلفة من البيوع "الزمامات" واثئق ّ
ط الكاتب "شيخ يتم تدوينه فيها وبشهادة الشهود وخ ّ والوقف والقراض واهلبات وغريها ممّا ّ
العزابة ،فالتوثيق كان من بني اخلصائص العزابة" أو الكاتب الذي ُج ِّّوزت كتابته من طرف ّ ّ
اليت طبعت هبا احلياة االجتماعيّة آنذاك" (انصر.)2018:275 ،
69
ابحلاج انصر
ّأما بعد استقالل اجلزائر يف جويلية 1962وقيام الدولة الوطنيّة ،فقد تواصل تراجع
صالحيّات اهليئات مبجتمع وادي مزاب ،حيث اقتصرت أساساً على النواحي االجتماعية
مثل حتديد املهور واحلد من التجاوزات يف األفراح واملآمت (انظر امللحق).
خامتة
خلاصة الكثرية اليت
ابلرغم مما عرف به أهل مزاب من توثيق لتارخيهم بدليل املكتبات ا ّ
تزخر هبا منطقتهم ،ال تزال الكثري من النظم حبيسة الذاكرة الشفوية .وأمام التطور الكبري
الذي تشهده احلياة االجتماعية يف املنطقة تزداد حاجة اهليئات القائمة اليوم إىل تدوين
السري اليت خيشى أبناء مزاب زواهلا ،وعن هذا قال الشيخ صدقي يف هناية كتابه:ِّ
العديد من ّ
"( )...ذلك أبنين اقتصرت على ما حضرته كشاهد عيان أو تلقيته عن الثقات من الوالد–
رمحه هللا -أو عن غريه ممن يروي هذه السري على أهنا من الرتاث الذي ال حيق لنا التفريط فيه
وهللا أعلم" (صدقي.)2003:106 ،
70
القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى جمتمع وادي مزاب
املالحق
املصدر:
Subdivision de Médéa- Cercle de Ghardaïa, Kanouns des villes du
M'Zab, 27 Avril 1883.
71
ابحلاج انصر
امللحق :2صورة لكتيب خاص آبخر التعديالت املتعلقة ابألعراس مبدينة غرداية.
72
القوانني والنظم العرفية املكتوبة لدى جمتمع وادي مزاب
املصادر واملراجع
بفايفر سيمون ( ،)1974مذكرات أو حملة اترخييّة عن اجلزائر ،تق .وتع .أبو العيد دودو،
الشركة الوطنية للنشر والتوزيع ،اجلزائر.
احلاج سعيد حممد ،رئيس مجعية أيب اسحاق اطفيش للرتاث ،مراسلة شخصية بتاريخ:
.2020/2/8
الشويهد عبد هللا بن حممد ( ،)2006قانون أسواق مدينة اجلزائر ،حتقيق :انصر الدين
سعيدوين ،دار الغرب اإلسالمي ،لبنان.
علوي حسن حافظي ،)2011( ،مقالة الصواب يف بيان حال بين مزاب ،هيسبرييس
متودا ،العدد ،XLVIص ص .33 -9
قشي فاطمة الزهراء ( ،)1998قسنطينة املدينة واجملتمع يف النصف األول من القرن الثالث
عشر للهجرة (من أواخر القرن 18إىل منتصف القرن 19م) ،دكتوراه دولة ،قسم التاريخ،
جامعة تونس.
جمموعة مؤلفني ( ،)2008معجم مصطلحات اإلابضية ،وزارة األوقاف والشؤون الدينيّة-
سلطنة عمان.
300 مكتبة الشيخ عمي سعيد بغرداية (م .م .ش .ع .س ،).اخلزانة العامة ،الوثيقة رقم:
(د.غ" :)94 .رسالة مجاعة بين مزاب إىل الداي علي (ق12هـ)".
مكتبة حواش عبد الرمحان (م.ح.ع ،).امللف رقم :1344اتفاق أهل غرداية ،أواخر
مجادى سنة 1211هـ (.)1796
انصر ابحلاج ،)2018( ،النظم والقوانني العرفية بوادي مزاب يف الفرتة احلديثة ،فيما بني
القرنني التاسع والثالث عشر اهلجريني اخلامس عشر والتاسع عشر امليالديني ،مجعية الرتاث،
القرارة-غرداية-اجلزائر.
انصر ابحلاج" ،)2015( ،التطورات التارخيية للعشرية يف جمتمع وادي مزاب" ،جملة نقد
،Naqdعدد نوفمرب .2015
Salah Bendrissou (2016), Création des tribunaux ibadites en Algérie pendant
, pp 345-346.العدد, 20جملة احلياة l’époque coloniale,
73
ابحلاج انصر
74
عشر ،2021 ،ص 103-75 جملة أسيناگ ،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-العدد السادس
يتناول ٰهذا املقال ظاهرة التأليف الديين ابللغة األمازيغية يف سوسٰ ،هذا النوع من
التأليف ترجع بدايته إىل القرن السادس اهلجري ،وهي مؤلفات تتنوع اجملاالت الدينية
اليت تناولتها ،مثل العقيدة ،الفقه ،التفسري ،النصائح ،السرية ،والتصوف ...وهناك
أسباب جتعل املؤلف األمازيغي خيوض ٰهذه التجربة ،كأن يؤلف من تلقاء نفسه ،أو
بطلب من املتلقي ،أو لتكون ٰهذه الكتب مراجع يعتمد عليها يف توعية العوام .أما
أشكال التأليف ،فإما أن يقوم الفقيه األمازيغي برتمجة أو حماكاة كتاب آخر ،أو شرح
كتاب أو منظومة ،أو يؤلف ابتداء .أما عن طريقة الكتابة ،فيعتمد فيها اخلط العريب،
مع إدخال تعديالت عليه ليتناسب مع الشكل الصويت األمازيغي .وتتميز ٰهذه
املؤلفات ببساطتها ،واعتمادها على املنهج العلمي ،وصياغتها على شكل منظومات
ليسهل حفظها وتداوهلا.
املفاهيم الدالة :األمازيغية – سوس – املازغي – الدين.
Le présent article traite de l'écrit religieux en langue amazighe dans la région du
Souss. Cette pratique qui remonte au VIe siècle de l'hégire aborde différents
sujets relatifs à la religion : la doctrine, la jurisprudence, l'interprétation, les
conseils, la biographie et le mysticisme...
Diverses raisons amènent les auteurs à investir ce domaine. Ils peuvent composer
pour eux-mêmes, à la demande d’autrui ou pour que leurs ouvrages soient des
références fiables pour l'éducation du public.
Ces écrits prennent des formes différentes. Il peut s’agir d’une traduction du fiqh
en amazighe, ou d’une imitation d’un autre livre, soit d’une explication d’un texte
(livre ou poème), soit d’une vraie composition.
Pour l’écriture, la graphie arabe est adoptée, en lui apportant des
réaménagements afin de s'adapter à la phonétique amazighe.
75
خدجية گمايسني
This paper deals with religious writing in the Amazigh language in the Souss
region. This type of writing, which dates back to the 6th century AH, addresses
different religious topics, such as doctrine, jurisprudence, interpretation, advice,
biography, and mysticism among others.
There are reasons for the Amazigh author to go through this experience of
writing in Amazigh, such as writing for himself, or for some other people, or to
make his books reliable references in public education.
As for the forms the writings can take, either the Amazigh (fqih) translates or
simulates another book, or explains a book or a poem, or writes from scratch.
As for the writing script, Arabic calligraphy is adopted ; modifications are,
sometimes, resorted to adapt to the Amazigh phonetic restrictions.
These books are characterized by their simplicity. They are written along a
scientific methodology, and usually take the form of poems to make it easy fro the
readers to memorize their contents.
متهيد
، بذلوا قصارى جهدهم ملعرفة تعاليم دينهم احلنيف،بعد دخول األمازيغ يف اإلسالم
وبعد ذلك بقرون برزت منهم خنبة من العلماء تصدوا،فتمكنوا من إتقان اللغة العربية
وكان، ليسامهوا بدورهم يف نشر اإلسالم داخل وطنهم وخارجه،للتأليف يف هذا امليدان
فكتاابهتم القيمة اليت تزخر هبا املكتبات خري،ألبناء منطقة سوس الدور الكبري يف ذلك
يتمثل األول يف التأليف، تلك الكتاابت اليت اختذت شكلني خمتلفني.شاهد على ذلك
وفيهما معاً تظهر، بينما يتمثل الشكل الثاين يف التأليف ابللغة األمازيغية،ابللغة العربية
فاهتمام الباحثني والدارسني ظل منصباً ابلدرجة، لكن مع األسف.براعتهم يف النظم والنثر
بينما ظل الصنف الثاين املؤلف ابللغة، أي ما كتبوه ابللغة العربية،األوىل على الشكل األول
76
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
األمازيغية غري معروف ،وإن كان قليالً ،مقارنة مع الصنف األول ،ألن أغلبه ال يزال
خمطوطا ،1وهو يف أمس احلاجة إىل من ينفض الغبار عنه ،ابلتحقيق والدراسة والنشر ،فهو ال
يقل أمهية عن ما ألف ابللغة العربية ،ألن "البحث يف املخطوط األمازيغي سيكون مدخالً
إىل إعادة صياغة جزء من اتريخ الثقافة األمازيغية ،واستكشافاً ملا تنطوي عليه هذه الثقافة
من قضااي ومسائل إبمكاهنا أن تساعدان على إدراك بعض املشكالت الثقافية واللغوية
خاصة".2
عند تفحصنا للتآليف الدينية ابألمازيغية (لْـمازغي) ،منيز بني تلك اليت ألفها املؤلف من
صاحت 3ألمحد بن عبد الرمحن اجلشتيمي،4 تلقاء نفسه ،كما هو احلال ابلنسبة لكتاب نْ ْ
صاحت ألوزال وغريمها ،وبني تلك اليت ُوضعت بطلب من املتلقي ،من ذلك ما حدث مع ونْ ْ
ٍ
موعظة أوزال ،فبعد أن ألف كتابه "احلوض يف الفقه املالكي" ،طُلب منه أن يؤلف كتاب
:5
ويف هذا يقول
كِ ـ ـي ـ ـ َگـ ـ ـ ـ ــا ْن أيـ ـ ـ ــا ْد أنْ ـ ـ ـ ـ ْغ أ ْدرا ْن لْ ـ ـ ــم ـ ـ ِ
ـوحـ ـيـ ــبِّ ـ ـ ـيـ ْـن لْ ـ ـ َك ـ ــتَـ ــاب ـِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـِي، ُ َ َ
ـحـ ــيُ ـ ــو ْد الَقْ ـلُ ـ ـ ـ ِ
ـوِب. ِ ِ ِ
ضا ،ئـ ـ ـ ْـر ْژْمـ ـ ـ ـ ْـن ئ ـ ـ ْـم ـ ـ ـ ْزَگـ ـ ــا ْن ،ئ ـ ـ ْ ـاو ِع ـيـ ـ ـ َْن لْـ ـ ـ ـ َـمـ ْ
ِ
ـج ـبِـ ـ ـ ــي. ـت ،أ ْن ئِـ ـ ُف ــولْكيـ ْـن ئِ َگـا ْن لَ ْعـ ْ ض ـ ـ ْـم ْن تْـ َـمــا ِزيـ ـ ـ ْغـ ـ ْ س نَّـ ـ ــا ْ ْ
ِ ِ
غ َوالّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي يَـ ـ ـ ـ ــادي ِ
نَّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ْن :لْ ــفـ ـي ـ ـ ْق ـ ـ ـ ْه ُؤَكـ ـ ـ ـ ــا ْن أيْ ـ ـ ـ ـ ـالَّ ْن ْ
ـازا ئِـالَ ِهـ ــي. ـج َ أك ئ َ
ع ،أ ْد ْ ِ ـام ْن ْش ـ ْـر ْ تْ ،د الَ ْحـ ـ ـ َك ـ ْ تْـ ـ ـسـْـ ـ ـ ْكـ ـ ـ ـ ْـر ْ
ط ابليد ،سواء بيد مؤلفه أو انسخ يف عصره أو الحق على عرف الوايف نوحي الكتاب املخطوط بقوله« :املخطوط ما ُخ َّ 1
ّ
عصره وبقي على حاله ،ويقابله املطبوع ،وهو ما طُبع على اآلالت ،ووزع ونشر ،ولفظة "املخطوط" حديثة ،بعد ظهور
الطباعة؛ هلذا ال جند هلا ذكرا يف كالم املتقدمني» .اُنظر مقاله":إنتاج الكتاب املخطوط ابملغرب" ،جملة أسيناگ ،ع،7
،2012ص ص ،74-45 :ص.46 :
2املنادي ،أمحد (.)89 :2015
3اجلشتيمي ،أمحد بن عبد الرمحٰن :نصيحة اجلشتيمي ،حتقيق عمر أفا ،ترمجة :أمحد أبو زيد الگنساين ،مطبعة املعارف
اجلديدة -الرابط ،الطبعة األوىل 1434ه2013/م.
4هو أمحد بن عبد الرمحن بن عبد هللا اجلشتيمي التملي (1327-1231ه) .له عدة مؤلفات ابللغة العربية واألمازيغية.
ترجم له السوسي حممد املختار يف :سوس العاملة ،ص 205؛ ويف رجاالت العلم العريب يف سوس ،ص.108-107
5گمايسني (.)490 :2015
77
خدجية گمايسني
،131/1والسوسي حممد املختار يف رجاالت العلم العريب يف سوس ،52 :ويف املعسول ،97/16 :و ،15/19ويف سوس
العاملة.180 :
8توجد نسخة منه ابملكتبة الوطنية ابلرابط ،ضمن جمموع حيمل رقم 127ق.
78
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
79
خدجية گمايسني
واثنياً ،يف كون رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان له مرتمجون يرتمجون دين اإلسالم ملن ال
يعرف اللغة العربية ،ومل يكن عليه السالم يلزم أتباعه من غري العرب فهم دينهم ابللغة العربية
اليت قد ال يفقهون منها شيئا .ويف هذا قال أﮊانﮒ مستنكراً:11
اب ئِنَّا ْن ُؤْر ئِْزِري ئِيَا ْن َم ِاِن ْغ ئِالَّ لْ ْكتَ ْ
س لْ َما ْز ِغيِّي ِ
ين ْن ْرِِّب ئالَقـ َْوا ْم ْ
ِ
أَميْْ ْل َاي ْن ّد ْ
اسولُو ُؤ هللْ تّ ْْر ْمجَا ْن طاف َر ُس ُؤْر ئِ ْ ئ ْ
ِ
80
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
مؤسسة الفقهاء واملساجد ،واملدارس العتيقة ،والزوااي ،ومؤسسة القضاء التقليدية ،فكان
ودون ،ما
طبيعياً أن هتيمن نصوص هذه النخبة وكتاابهتا على املشهد املعريف وما أنتج فيه ّ
دامت هي صاحبة السلطة املعرفية يف اجملتمع التقليدي ذي الثقافة الشفوية".13
إذا كانت تلك هي األسباب اليت جعلت الفقهاء يؤلفون كتاابت دينية ابللغة األمازيغية،
فالسؤال يُطرح حول بداية هذا النوع من التأليف .ولإلجابة عنه ،ميكن القول إنه يصعب
حتديد اتريخ بداية أتليف الكتب الدينية ابللغة األمازيغية ،لكن ،وحسب الرواايت اليت ال
تزال تتداول ،فإن املهدي بن تومرت هو أول من ألف عقيدة أمازيغية 14يف القرن السادس
اهلجري /الثاين عشر امليالدي ،إال أنه مؤلف ال يزال مفقوداً ،ومل يتبق منه إال أبيات قليلة
متثل مطلع املنظومة ،واليت مازالت تروى شفوايًيف نواحي سوس ،وهي:15
س ُؤْر ئِِلّي بْ َال ْرِِّب ِ ِ ِ
أَيْگَان َّات ْوحي ْد دي ْغ نْ ْس ْن ئ ْ
ض ْار ئِ َما يْـ َرايِي
ول ئِ ْس َف ْاو ،ئِ ْس ْف ْل ْد ،ئ ْژ َ
س ْ ِ
َاي ْن أَيْگَا ئ ُ
سا ْن ئِگ ِ
َات افُ ،ؤالَ أَ ْم َّ وت ،ئِغَ َاما ،ئِطَّ ْ اح ُد ْ ئِگَا َو ْ
اس ْم َّق ْار ْد َاي ْن ْغ ُؤفْگ ِ ال ُؤر ْ ِ ِ
َاِن ت ئ ْرَو ْ س َاو ْ ْ أ َْر ئ َ
ول هللا اس ْر ُس ْ ف ْرِِّب أ َْرقَّ ْ
ص ْر ْ نْ ْس ْن ئِ ْس ْد ئِ ْ
مز َاال ْل َما ْد ئَِرا ْرِِّب ُؤَال َما يُوگِي ئ ْس َ
ِ
فيكون ابلتايل ابن تومرت أول من ألف هبذه اللغة ،مث تلته بعد ذلك مؤلفات كثرية .ويرى
أحد الباحثني أن الكتاب املنسوب لبورغواطة ،الذي وضعه صاحل بن طريف لقومه ابللغة
األمازيغية خالل الربع األول من القرن الثاين اهلجري /الثامن امليالدي هو أول ما متّ أتليفه
هبذه اللغة ،16ابلرغم من أنه مل تصلنا سوى مقاطع مرتمجة منه بواسطة أيب عبيد البكري.17
81
خدجية گمايسني
اشتهر الفقهاء األمازيغ الذين ينتمون ملنطقة سوس ،ابخلصوص منذ قرون ،بكوهنم يؤلفون
ابللغتني العربية واألمازيغية ،إال أن مؤلفاهتم ابألمازيغية كانت منصبة ابلدرجة األوىل على
العلوم الدينية وبنسب متفاوتة .ويف املقابل يُطرح سؤال عن احتمال وجود خمطوطات
ابألمازيغية يف مناطق أخرى من البالد .سؤال مل تكتمل عناصر اإلجابة عنه بعد ،ويف انتظار
ذلك ،سأقتصر على ما هو متوفر يف الساحة .وهذا جرد ملا وقفت عليه من املؤلفات الدينية
ابللغة األمازيغية ،املخطوط منها واملطبوع:
العقيدة
.1لْم ْاز ِّغي :إبراهيم بن عبد هللا أزانگ (ت1005 .ه1596/م).
.2شرح عقيدة سعيد بن عبد املنعم احلاحي :يبورك بن عبد هللا السماليل
(ت1058.ه1648/م).
أيت حساين ،اهلنائي الطاطي (ت1295 .ه1878/م). .3أهوال يوم القيامة :حممد ن ْ
ت :عبد الكرمي بن أمحد لقطيب التغماوي احلاحي ِّ ِّ
يخ ْر ْ
يت ْد ل ْ .4ال ْخب ْار ْن ُّدون ْ
الرگراگي (ت1299.ه1881/م).
.5البدع :احلسن بن أمحد التملي اإلراژاين (ت1308 .ه1891/م).
محن اجلشتيمي (ت1327 .ه1909/م). .6اإلميان واإلسالم واإلحسان :أمحد بن عبد الر ٰ
محن اجلشتيمي (نفسه).
ت ،أمحد بن عبد الر ٰ ِّ .7تْـ ْلطَّ ْ
صي ْف ْ
ت ْن ّ اع ْش ْ
.8منظومة يف القضاء والقدر :حممد بن عبد هللا املسفيوي (ت1329 .ه.)1911/
ِّ
ت :احممد بن حممد البوشواري. صي ْف ْ ت ْن ّ ْ .9ع ْش ِّريْن ْ
ت :ملؤلف جمهول. ِّ
يخ ْر ْ .10ال ْخب ْار ْن ل ْ
الفقه
احلوض يف الفقه املالكي :احممد بن علي أوزال (ت1162 .ه1748/م). .1
ترمجة املرشد املعني :حممد بن عبد هللا بن داود التامساويت (ت .بعد .2
1166ه1752/م).
82
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
83
خدجية گمايسني
احلديث
.1مفتاح الكالم النبوي يف حل ألفاظ حديث النووي (منظومة) هبا ترمجة األربعني حديث النووية.
حممد بن حممد أمغار التغماوي األمسوري اجلديدي احلاحي (ت1318 .ه1900/م).
.2ترمجة األربعني النووية :حممد املختار السوسي بن علي الدرقاوي (ت1383 .ه1963/م).
.3ترمجة وشرح رايض الصاحلني ابألمازيغية :عبد هللا بن علي الدرقاوي (أخوه).
.4أحاديث نبوية يف مواضيع خمتلفة :احلسن بن عبد هللا بن أبو بكر.
.5اجملموعة املباركة :حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم .بلقاسم بن حممد التازموريت.
.6ترمجة البخاري :فتح الباري يف متزيغ جتريد البخاري :احلسني جهادي الباعمراين (معاصر).
84
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
.2القصيدة البوشيكرية يف مدح الرسول صلى هللا عليه وسلم :حممد بن عبد هللا البعقيلي
األكماري (ت1282 .ه1865/م).
ترمجة نور اليقني :عبد هللا بن علي بن أمحد الدرقاوي اإللغي. .3
.4حديث املعراج وفريضة الصالة ابألمازيغية :ملؤلف جمهول.
.5اتوادا ْن ْخلِّ ْري :وهي ترمجة قسم من كتاب حممد رسول هللا حملمد رضا املصري :احلاج
حممد ابن عبد هللا بن حممد اإليراژاين البعقيلي.
هدية العاشق يف مولد سيد اخلالئق (منظومة) املدين بن حممد أمغار احلاحي. .6
85
خدجية گمايسني
بناءً على اإلنتاج العلمي يف اجملاالت الشرعية السبعة املفصلة أعاله ،وضعنا مبياانً يوضح حجم
التأليف يف كل علم ،وق ّدرانه حبساب النسب املئوية:
86
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
18هو أبو عبد هللا حممد بن علي بن إبراهيم أكبيل اإلندوزايل السوسي (ت1162ه1749/م) .ترجم له اخلليفيت ،احممد بن
عبد هللا يف :الدرة اجلليلة يف مناقب اخلليفة ،دراسة وحتقيق :أمحد عمالك ،ص ،242واحلضيكي ،حممد بن أمحد:
طبقات احلضيكي ،363/1 :والسوسي ،حممد املختار يف :سوس العاملة ،ص ،161و ،191ويف املعسول ،14/19 :ويف
رجاالت العلم العريب يف سوس ،ص .75وعند گمايسني خدجية :العقيدة والتصوف يف فكر حممد بن علي اوزال مع
ترمجة وحتقيق خمطوط حبر الدموع ،ص.23 :
19أوزال (.)28 :1977
87
خدجية گمايسني
وصفاته ،ومبعرفته تعاىل تتحقق حمبته وخشيته ،وتعظيمه والتوكل عليه .واختذت كتاابهتم
األمازيغية يف هذا العلم منهجني خمتلفة ،يتمثل املنهج األول يف التطرق جلميع القضااي العقدية
املختلفة ،يف حني أن أصحاب املنهج الثاين يفردون ابابً واحداً من أبواب العقيدة ابلتأليف،
مثل ابب الصفات اليت جيب على كل مكلف معرفتها-أي الصفات الواجبة واجلائزة
واملستحيلة يف حق هللا عز وجل ،ومن ذلك مؤلف حممد بن حممد البوشواري 20يف منظومته"
ِّ
ت" ومطلعها:
صي ْف ْ ْع ْش ِّريْن ْ
ت ْن ّ
بسم هللا الرمحن الرحيم أ ْد َان ِوي
س ئِالَ ْز ْم
وب أ ْ
ني لْ ْكتُ ْ ت ئِنِ ْ ت ْن ِّ
صي ْف ْ ْع ْش ِري ْن ْ
ت
ت ْأر ْد ْرُوونْ ْس ئِْف ْه ْم ْت ْ
س ْن ْخ ْرِِّب نْ ْ
أتْـ ْن ْ ِ
ت ئ ّْ
إن اهتمام الفقهاء األمازيغ بتعليم الناس العقيدة الصحيحة ،جعلهم كذلك يعملون على
وقايتهم من اخلرافات والشعوذة والبدع والضالل .فألفوا يف ذلك كتبا ليسهل على العوام
معرفة تلك البدع واالبتعاد عنها ،خاصة وأن بعضها انتشر بينهم حىت ظنوه أصال من أصول
الدين .ومن بني من ألفوا يف ٰهذا اجملال أبو علي سيدي احلسن بن أمحد التِّّيملي مولداً
ومنشأ اإلراژاين ،21يف مؤلف ومسه ب كتاب البدع .وقد بني سبب أتليفه هلذا الكتاب ،وهو
ابتعاد الناس عن سنة النيب صلى هللا عليه وسلم ،حا ّاثً إايهم على ضرورة الرجوع إىل الدين
الصحيح ،ويف هذا يقول:
ين ئِ َّدا ئِْب ْدِل ادايِيع ْد ئِس ُ ِ
ضوفْ ْغ ّد ْ ْ لْبَ َ ْ
غ ئِ ُجوْز أَ ْن ّاتبْـ َعا بْالَ َو ِّال ْد يِي ِوي ُؤْر أَ ْن ْ
س ُؤ ُهويِي ف ْرِِّب لْغَايْـ ْر نْ ْاسولُو ُؤ ََّللْ ْ
َر ُ
س ل َْما ْز ِغي َاي ْد نّْْف ْع ئِ َما ِزيغْ ِين
ْصا ْد ْ
ْن ق َ
20وذلك يف منظومته :عشرينت ن صيفت ،نسخة خبزانة خاصة مبدينة تيزنيت ،ص.1 :
21هو احلسن التملي ،نزيل إراﮊان (1308/1230ه) ،عامل كبري ،ترىب على يد أمحد التمكديشيت ،وبعد تعلمه بىن له مدرسة
إبراﮊان فأنزله هناك .ترجم له :السوسيفي سوس العاملة ،ص ،204 :ويف رجاالت العلم العريب يف سوس ،ص.110 :
88
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
22
Stricker, (1960 : 10).
23عصيد (.)147 :1990
89
خدجية گمايسني
وهذا يعين أن هؤالء املؤلفني سامهوا يف تطوير اللغة األمازيغية ،حيث ابتكروا جمموعة من
املصطلحات الديداكتيكية الالّزمة للقيام بتلك الوظيفة ،مثل "تي ْغ ِّري" اليت هي القراءة؛ "تِّ َّريا"
يف" أي األجبدية؛ أ ْگمّا ْي" وهو التّهجي؛ ِّ
وهي الكتابة؛ "أ َّرا" الوثيقة املكتوبة؛ "ي ْد ل ْ
َّاس" أي ضبط احلركات؛ "أ ّْس ْفتُـ ُو" ،وهو اإلمالء؛ "أ ْح ُّسو" ِّ ِّ
ني" وتعين احلركات؛ "أ ْحم ْ "تي ْدابك ْ
أي احلفظ؛ " ُّسوفْ ْغ" ويعين ختم القرآن.24أما احلروف اليت مل تضبط ابحلركات فيقولون عنها:
وري" مل يضبط الكلمة ،ومن ذلك قول الفقيه للطالب الذي ال يتقن احلفظ: "ؤْر ئِّ ْم ِّحيستا ُك ِّ
ُ
ِّ ْ
ك». ِّ ِّ
« ُؤْر أ ْد تّْفا ْغ تـْگُوري ْغ ئمي نْ ْ
اع"، ب تْـنايْ ْن"؛ الرفع" :ئِّ ْد و ْارف ْاب" ،تنوينه" :نْ ْس ْ
ِّ
أما احلركات فهي :النصب" :ئ ْد وانْص ْ
ض تْـنايْ ْن؛ السكون" :ئِّ ْد والْز ْام"، اض" ،تنوينهْ :خلْ ْف ْ اخف ْ
ِّ
"رفْ ْع تْـنايْ ْن"؛ الكسر" :ئ ْد و ْ تنوينهّْ :
ط" وإذا كان "أگمّاي" يعين التهجي أثناء القراءة، "الش ّْ
ات"؛ َّأما الشدة فهيَّ : ت"" ،لّْْزم ْ "لْْزْم ْ
ففي املقابل جند أن القراءة بسرعة تسمى" :أ ْْجم ّْرْد" ،وتكرار النص من أجل حفظه جيدا
ِّ ِّ ِّ ِّ
تيس ْ املثل ِّالقائل" :ها ْن ئ ْغ ُؤْر تْ ّك ْ ين" .وكان الفقهاء يرددون لطلبتهم يسمى" :تيغُود ِّيو ْ
ود ِّيوين ميَّا ْد ايت ها ْن تيگو ِّض ِّيوين" ،و"أر تْ ِّّكيس ِّ ِّ ِّ
ين" ،معناه أن يكرر النص ت تيغُود ِّيو ْ ْ ْ ْ ْ ْ تيغُ ْ ْ
ت" ،وهي وسيلة تستخدم لتثبيت احلفظ. اج ْ
اج" أو "ات ْكَّر ْ الذي يريد حفظه ابستعمال" :أ ْكَّر ْ
اي". أما عملية تصحيح ما كتب على اللوح أو الورقة فيسمى" :أ ّْزر ْ
وفضالً عن تطوير أولئك املؤلفني للغة األمازيغية مبنهجهم يف الكتابة ،فقد سعوا أيضاً
لتقريب اللغة العربية لألمازيغ.
90
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
ب -البساطة
إن الناظم األمازيغي أييت ابملعلومات اليت يريد تعليمها للناس أبسلوب بسيط لتكون له
جاذبية أكثر.
ج -املنهج
املالحظ أن األمازيغ يف مؤلفاهتم الدينية األمازيغية ،ال يؤلفوهنا اعتباطا ،بل سلكوا فيها
املناهج العلمية نفسها املتبعة يف املؤلفات العربية ،ويتجلى ذلك يف اآليت:
-االفتتاح ابملقدمة ،وهي اليت تضع الكتاب -املنظوم أو املنثور -يف إطاره املعريف ،فيبدأ
أوال ابلتعوذ مث البسملة واحلمدلة والتصلية ،مث عنوانه والغرض من التأليف ،والفئة املستهدفة،
مع ذكر امسه ،أي املؤلف.
محن اجلشتيمي
وعلى سبيل املثال ،ففي معرض ذكر الفئة املستهدفة ،جند أمحد بن عبد الر ٰ
يقول أبن نصيحته موجهة للفئة اخلالية من الكرب واجلدال ،ونص قوله:
ت ئِيَا ْن ْغ ُؤْر ئِِلّي
اح ْ
ص ْ ض ْم ْغ ْك َرا ْن نْ َِري ْغ أَ ْد نْ ْ
ال َع ْاونْـيِّي گيسْ أَلْبَا ِرييرب ُؤالَ ْجلِي َد ْ ِ
لْك ْ ْ
-العرض :وهو اجملال الذي يستعرض فيه املؤلف معلوماته يف املوضوع الذي من أجله
ألف كتابه.
-اخلامتة ،وهي مبثابة القفل الذي يقفل به كتابه .وهي تكون خمتصرة يعرب فيها عن
إكماله للغرض من الكتاب ،وإن كان عبارة عن منظومة يذكر عدد أبياهتا ،واترخيها ،كما
فعل أوزال يف ختام منظومته حبر الدموع ،حني ذكر اتريخ الفراغ من أتليفه ،وهو شهر ربيع
الثاين لعام 1126ه ،وكان قد بدأ ه يف الشهر الذي قبله ،وهو شهر صفر ،ذلك يعين أنه
استغرق يف أتليفه ملنظومته شهرا كامال.25
ضي يع َاتِِن ْن ْستَّا ُؤ ْع ْش ِرين بْـ ْع ْد ْميَّا ْد ئِْف ِ َرابِ ْ
ْ
ت ئِْزَو ْارِِن.
صافَ ْار ِّل ْ ور ْن َ غ ئِ ْك ّْم ْل ئِْب ُدو ْ
غ َوايُّ ْ أَ ْ
91
خدجية گمايسني
92
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
العربية .ومن هذا الصنف جند ما قام به احلامدي يف حماكاة قصيدة الربدة لإلمام البوصريي،
ويف ذلك قال:28
يدي ّْر ُسوِل ضايل ْن ِس ِ وصايْ ِري ْجلُ ْ
وه ْر ْن لْ ْف َ ْ ْ ئگرَا لْبُ َ
ني ُؤْر ْزِري ْغ َاي ْن ئگا ْن ُزونْ ْد نْـتَّاِِن تيگري ئُِفول ِ
ْك ْ
ِ ني س واو ْ ِ يغْت َدا ْ ِ
س تّْ ْش َّرافْ ِينال ئ َما ِزيغْ ْن أَ ْد ئ ْ غ نْ ّك ْ ْ َ َ گر ْْ
يدي ّْر ُسوِل. اي ْن أَس ئِ ْس ْف ْل ْد ْن ئِزاي ْد گيسْ ْحلوب ْن ِس ِ
ُ ْ َْ َ ْ ّ
وقال يف موضع آخر من املؤلَّف نفسه:29
س ئِ ْس ُم ِوِن ِ ال نْ ِ
س ْرجي ْغ ْرِِّب أَيِّي دي ْد ْ
غ أ ََو ْ ْ ادا ْ
َح َ
وس َعايِّي.
ض ْل ْن ْرِِّب يُ ْ
ور لْ َفا ْ
وج ْ أَ ِوي ْغ ْحلَا ّْق ئِنُـ ُو ْ
غ لُ ُ
والشيء نفسه جنده عند الشيخ احممد بن علي أوزال يف كتابه احلوض يف الفقه املالكي،
حيث عمل على حماكاة كتاب املختصر للشيخ خليل ،وسار على هنجه يف تبويبه لكتابه ،إال
أنه صاغه يف قالب نظمي ،وقال:30
ف لْ َما ْش ُهوِري ني ْ ض ْع ْفنِ ْ أ َْك ُؤْر أَ ِو ْ
ين الَ قـ َْو ْال ْ
ِ ِ ِ
ين الَ قـ َْو ْال ِّل ْش ْه ْرنِ ْ
ني يل أَ ْد يِي ِو ْ
سيدي ْخل ْ
اغي غ لْ ْكتاب ْن لْمو ْختاصار نْـتَّا ْن أَ ْد َّاتبـع ِ
َْ ْ َ ْ ُ َ َْ
ج -شرح كتاب أو منظومة
ومن األمازيغ من عمد إىل منظومة أمازيغية فشرحها نثرا ابللغة نفسها ،من ذلك أن
ض".
اع ْن ْحل ْاو ْ
احلسن التاموديزيت شرح كتاب احلوض يف الفقه املالكي ألوزال ،ومساه "لْم ْاجن ْ
وكتاب أوزال هو كتاب منظوم ،شرحه التاموديزيت منثورا ليسهل على العامة تفهمه .
31
93
خدجية گمايسني
خامتة
بعد هذه العجالة ،تبني أن الفقهاء األمازيغ ،ابلرغم من أهنم برعوا يف مؤلفاهتم اليت
وضعوها ابللغة العربية ،إال أهنم مل ينسوا لغتهم األم ،فألفوا هبا وترمجوا إليها العديد من
املؤلفات الدينية ،وكذلك مؤلفات يف العلوم األخرى ،مثل الطب والفلك ،...إال أن اجلانب
الذي أولوه عنايتهم الفائقة هي العلوم الشرعية؛ ألن هدفهم األساسي هو تعليم أكرب قدر
ممكن من الناطقني ابألمازيغية أمور دينهم ابلشكل الصحيح .وكان يستهدفون ،بشكل أدق،
فئة العوام ،الذين أمضوا سنوات معدودة من حياهتم يف ال ُكتّاب ،تعلموا خالهلا كيفية الكتابة
والقراءة ،فبسطوا هلم ٰهذه العلوم بلغتهم اليومية لقراءهتا وفهم مضامينها.
واملالحظ أن أغلب ٰهذه املؤلفات جاءت يف قالب نظمي ليسهل حفظها .واستطاعت
ٰهذه الكتب أن حتقق جناحا ابهرا؛ بل ال زالت حتقق نتائج إجيابية ،خاصة إذا علمنا أن
نسخاً عديدة منها تتداول يف املواسم الدينية ويف الزوااي ،...وهناك العديد من الرجال والنساء
حيفظوهنا ،ويرددوهنا مجاعياً يف بعض املناسبات الدينية واالجتماعية ،مما جعلها ترتسخ يف
أذهاهنم .وعموماً ،فإن ٰهذه املؤلفات الزالت تقوم بدورها الرتبوي والتعليمي إىل يومنا ٰهذا.
94
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
املصادر واملراجع
95
خدجية گمايسني
اهلجري إىل منتصف القرن الرابع عشر ،هيأه للطبع ونشره :رضى هللا عبد الوايف املختار
السوسي ،ط ،1مؤسسة التغليف والطباعة والنشر والتوزيع ،املنطقة الصناعية ،طريق تطوان،
طنجة.
عصيد ،أمحد (" ،)1990خطاب احلكم يف الشعر األمازيغي" ،ضمن :اتسكال ن
متازيغت ،مدخل لألدب األمازيغي ،منشورات اجلمعية املغربية للبحث والتبادل الثقايف،
مطبعة املعارف اجلديدة ،الرابط.
گمايسني ،خدجية ( :)2015العقيدة والتصوف يف فكر حممد بن علي أوزال ،مع ترمجة
وحتقيق خمطوط حبر الدموع ،مطبوعات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ،مطبعة املعارف
اجلديدة ،الرابط .ط.1
املدالوي املنبهي ،حممد ( ،)2012رفع احلجاب عن مغمور الثقافة واآلداب :مع دراسة
لعروضي األمازيغية وامللحون ،منشورات املعهد اجلامعي للبحث العلمي ،الرابط ،مطبعة كوثر
برانت.
املنادي ،أمحد (" )2015املخطوط األمازيغي مبكتبة جامعة ليدن" ،جملة أسيناگ ،املعهد
امللكي للثقافة األمازيغية ،ع ،10ص ص.100-89:
نوحي ،الوايف (" ،)2012إنتاج الكتاب املخطوط ابملغرب" ،جملة أسيناگ ،املعهد امللكي
للثقافة األمازيغية ،ع ،7ص ص.74-45 :
الرسائل اجلامعية:
اخلليفيت احممد بن عبد هللا ( ،)1998كتاب الدرة اجلليلة يف مناقب اخلليفة ،رسالة
لنيل دبلوم الدراسات العليا يف التاريخ ،حتقيق أمحد عمالك ،السنة اجلامعية ،مرقونة يف
جزأين مبكتبة كلية اآلداب الرابط.
املراجع األجنبية:
Stricker, B. H (1960), L’Océan des Pleures (Poème Berbère de Muhammad Al
Awzali), Publications de la Fondation De Goeje, n 19, E-J Brill.
96
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
97
خدجية گمايسني
98
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
99
خدجية گمايسني
100
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
101
خدجية گمايسني
102
ظاهرة التأليف الديين ابألمازيغية يف سوس
103
136-105 ص،2021،عشر العدد السادس،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-مجلة أسيناگ
تناول هذا املقال منوذجا من مناذج الكتابة الرحلية (أدب الرحالت) املنتمي إىل البادية
، يتعلق األمر ابلنص الذي دونه حممد الغيغائي.املغربية خالل القرن التاسع عشر
هذا الرحالة األمازيغي الذي نقل مشاهداته.ّرصد فيه جتربته خالل رحلته إىل احلج
، ابإلضافة إىل ذلك. واالخرتاعات اليت شاهدها،وتقييمه ألوضاع البلدان اليت زارها
يف مقابل اآلخر الذي نقل،جنح الغيغائي يف تقدمي صورة عن ذاته وعن الذات املغربية
يسعى املقال إىل، على هذا األساس.عنه صورة ترتكز على ما هو مغاير وخمتلف
وبيان خمتلف اآلليات املنهجية اليت م ّكنته،تفكيك نظرة الغيغائي إىل ذاته وإىل اآلخر
حتمل خطاابت متقاطعة بني حقول كثرية دينية واترخيية،من تقدمي معارف متنوعة
...واجتماعية وإثنوغرافية
التمثالت- املعرفة- الغيغائي- الرحلة:الكلمات املفتاحية
This paper deals with a model of travel writing (travel literature) belonging to
the Moroccan countryside during the nineteenth century. It addresses the
work undertaken by Muhammad Al-Ghighaei, in which he recorded his
experience during his journey to the Hajj. This Amazigh traveler transmitted
what he saw and assessed the conditions of the countries he visited, and the
inventions he witnessed. In addition, Al-Ghighaei succeeded in providing an
image of himself and of the Moroccan self, vis-à-vis the other and his/her
difference. With the above as background, the paper intends to dismantle Al-
Ghighaei’s view of himself and the other, and to clarify the various
methodological mechanisms that enabled him to provide diverse knowledge,
that intersects many religious, historical, social and ethnographic fields.
105
أمحد املنادي
مقدمة
يش ّكل أدب الرحلة موردا مهما من موارد املعرفة اإلنسانية ،نظرا ملا يشتمل عليه هذا
األدب من متون وخطاابت مت ّد حقوال معرفية كثرية مبادهتا املتنوعة والغنية ،من قبيل التاريخ
واألدب واإلثنولوجيا وغريها .فإذا كان حقل األدب على سبيل املثال يتناول النصوص الرحلية
بوصفها جماال للكشف عن اخلطاب اجلمايل والفين يف الرحلة ،فإن التاريخ ،مبا هو تدوين
و"ختييل" للوقائع واألحداث والعمران ،لن يعدم يف هذه النصوص ما يفيد الكتابة التارخيية يف
س ّد ثغراهتا أو ملء بياضاهتا ،خاصة ملـّا يتجه القصد إىل التأريخ الشامل للمجتمع يف جوانبه
ومستوايته املتعددة ،بعيدا عن الثنائية املهيمنة فيما مضى على هذه الكتابة :اهلزمية
واالنتصار.
ولعل التشعبات املعرفية واملنهجية اليت سلكتها االجتهادات احلديثة يف حقل التاريخ،
بتنويع االنشغاالت لتشمل الذهنيات واالجتماعيات والدينيات ،وما إىل ذلك من بنيات
اجمل تمعات وأبعادها ،جيعلنا نفرتض أن احلدود بني النص الرحلي أو الكتابة الرحلية من جهة،
الوهم .وليس بِّدعا أن يلجأ
ضرب من الزيف و ْ ْ وبني الكتابة التارخيية من جهة أخرى إمنا هي
ٍ
وجمتمعات ما ،أو مرحلة املؤرخ إىل سجالت الرحلة لتقصي ما يعوزه من معطيات حول ٍ
دول
ت ِّ
مل تنل حظها من النقل والتدوين من قبل املؤرخني ،كما تُنبؤان عن ذلك جتربة فريدة اعتُرب ْ
شاهدة على مركزية النص الرحلي يف التدوين التارخيي ،والقصد هنا إىل جتربة "رحلة ابن
فضالن" ودورها يف التأريخ ملرحلة يف اتريخ روسيا .فالرسالة اليت دوهنا الرحالة أمحد بن
فضالن (ت960 .م) "تصف بالد الروس والبلغار واألتراك يف القرن العاشر للميالد ،وصفا ال
يكاد يقع إال يف هذا املصدر ،والروس أنفسهم عادوا إليه وقرؤوه ودرسوه ونشروا منه
وترمجوه ...وجعلوه يف مصادرهم الثمينة كمرجع أساسي ال غىن عنه .وهم ما يزالون منذ
سنني عديدة يعودون إليه . ..ففيه أمساء وأعالم ،وفيه ألبسة وأطعمة ،وعادات وتقاليد،
تتكشف رموزها وإشاراهتا عن أشياء جديدة كلما أنعم املستشرقون نظرهم يف قراءة النص،
وحل مشكالته".1
ويف تقليب غوامضه ّ
يهمنا من هذا التمثيل إاثرة االنتباه إىل أمهية النصوص الرحلية وحاجة العلوم االجتماعية
واإلنسانية األخرى إليها ،وخاصة التاريخ ،حيث يلجأ إليها املؤرخ "إلجياد أجوبة عن بعض
اجلوانب يف ما هو اجتماعي ،وثقايف ،وذهين ،وفكري ،وديين ،وصويف ،فتتحول الرحلة بذلك
1رسالة ابن فضالن يف وصف بالد الرتك واخلزر والروس والصقالبة سنة 309هـ921 /م ،ص .8 -7
106
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
حيوهلا إىل نصوص مركزية حامسة ...إذ توفّر مادةإىل نوع من املصادر األولية ،جتعل املؤرخ ّ
عن أحوال السفر وظروفه والطرق ووسائل النقل ،الربية منها والبحرية ،والتنظيم واألمن،
والقبائل واملدن ،واملوانئ ،والعادات والتقاليد ،واملساجد واألضرحة والزوااي ،وتقدم معلومات
دميغرافية وطوبوغرافية مهمة".2
وجتدر اإلشارة يف هذه التوطئة إىل أن الدوافع الكامنة وراء الرحالت خمتلفة ،نتج عنها
تنوع وغىن يف تصانيف أدب الرحلة ،ما ْبني رحالت جغرافية وأخرى علمية أو ح ّجية أو
سفارية أو غري ذلك .ومما مييز بالد املغرب أن الرحالت احلجية أو احلجازية نشطت فيه
فقدمت خدمات
ْ بشكل الفت منذ قرون ،حىت إن الدولة املغربية ْأولت هلا اهتماما خاصا،
متنوعة ملا يُعرف ب"رْكب احلاج املغريب" ،3الذي أسسه أبو حممد صاحل املاجري
حتول يف ما بعد إىل "مؤسسة رمسية تضم (ت 632 .هـ) أواسط العهد املوحدي ،والذيّ 4
العلماء ورجال الدولة واهلدااي واألموال والوقف" .وهكذا كان االهتمام منصبا على أتسيس
رابطات عديدة يف خمتلف املناطق ،مبثابة مراكز استقبال ،ينزل فيها احلجاج قبل رحلتهم وبعد
عودهتم .وبذلك نشأت أنواع كثرية من الركب أمهها الركب الفاسي ،والركب املراكشي،
والركب السجلماسي ،والركب البحري ،والركب الشنقيطي...
ولذلك فإن أشهر الرحالت احلجية يف التاريخ احلديث يعود بعضها إىل مغاربة أمازيغ ،أو
على األقل نشأوا يف حضن الثقافة املغربية األمازيغية ورضعوا من لباهنا ،نذكر منها" :رحلة
العبدري" (1289م) حملمد العبدري احلاحي؛ ورحلة "ماء املوائد" (1661-1663م) املشهورة
برحلة العياشي ،أليب سامل العياشي ،من أيت عياش إحدى القبائل األمازيغية املتامخة ألحواز
سجلماسة؛ ورحلة اليوسي (1691-1690م) للحسن بن مسعود اليوسي الصنهاجي؛
و"الرتمجانة الكربى يف أخبار املعمور ّبرا وحبرا" أليب القاسم الزايين (ت1833 .م) ،من قبائل
زااين؛ و"الرحلة احلجازية" أليب عبد هللا حممد بن أمحد احلضيكي (ت1775 .م) من قبيلة
أمانوز السوسية؛ و"هداية امللك العالّم إىل بيت هللا احلرام1684( "...م) للهشتوكي أمحد بن
حممد بن يعزى اجلزويل التملّي؛ ورحلة حممد الغيغائي الوريكي اليت كانت إىل الداير املقدسة
مرتني ،خالل سنيت 1847م و 1857م.
2مصطفى الغاشي ،املؤرخ والرحلة أو كيف تتصدر الرحلة مدونة املؤرخ؟ ،أسطور ،ص.238
3يُنظر يف هذا الصدد حممد املنوين ،من حديث الركب املغريب.
4مصطفى الغاشي م س ،ص .241
107
أمحد املنادي
وسنكتفي يف هذا املقال ابلوقوف عند جتربة الرحالة الغيغائي من خالل رصد خطابه
الرحلي وما ينطوي عليه من معارف متنوعة وغنية ،ومتثالت تعكس وجهة نظر و ٍ
احد من
مثقفي البادية يف مغرب القرن التاسع عشر.
نص الرحلة يف أصله خمطوط حمفوظ ابملكتبة الوطنية للمملكة املغربية حتت رقم 98ج يف 446صفحة من احلجم ّ
5
املتوسط .وتوجد نسخة أخرى للمخطوط يف اخلزانة احلسنية حتت رقم ،10948يف 454صفحة من احلجم املتوسط.
وقد مت حتقيقه مرتني :التحقيق األول ،أجنزه حسن أنش اد يف إطار أطروحة انل هبا شهادة الدكتوراه ،بشعبة التاريخ ،كلية
اآلداب والعلوم اإلنسانية ابلرابط ،السنة اجلامعية ،2006-2005بعنوان "رحلة الغيغائي حملمد بن عبد هللا الغيغائي،
دراسة وحتقيق" .وصدر هذا العمل حتت عنوان "رحلة الغيغائي من أهم الرحالت احلجازية املغربية خالل القرن ،19حملمد
بن عبد هللا الغيغائي ،كان حيا عام ( ،)1865/1282دراسة وحتقيق ،وذلك ضمن إصدارات دار أيب رقراق للطباعة
والنشر ابلرابط ،سنة .2000
أما التحقيق الثاين ،فأجنزه سليمان القرشي ،ونشره بعنوان "من املغرب إىل احلجاز عرب أورواب ،1857حممد الغيغائي العمري
الوريكي" ،وطبع سنة 2018عن دار السويدي للنشر والتوزيع ،أبو ظيب ،اإلمارات.
6حممد املختار السوسي ،املعسول ،ج ،9ص .153
7سليمان القرشي ،من املغرب إىل احلجاز عرب أورواب ،1857حممد الغيغائي الوريكي ،ص .30
8علي صدقي أزايكو ،رحلة الوافد ،ص .74
108
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
هنتانة ،أكرب قبائل مصمودة يف العصر الوسيط .9حنن إذن أمام رحالة أمازيغي اللسان
تعززه مؤشرات يف النص الرحلي من قبيل إشارته والنشأة حبكْم االنتماء القبلي واجملايل ،وهذا ّ
إىل نظْم قصيدتني طويلتني ابللسان األمازيغي ،10وأتثره يف أسلوب الكتابة بلغته األم .يقول
يف هذا الشأن" :وكنت يف سفري يف املرة األوىل نظمت على لساين الرببري قصيدتني؛ األوىل
تدل على ما يقع من السرور للوفود عند رؤية املدينة املنورة ووصفها ()...؛ مث األخرى مثلها
صنفتها حني اخلروج من املدينة وتوديع الرسول صلى هللا عليه وسلم ،وضمنتها تنقيل النور يف
آابء املختار (ص) من آدم عليه السالم إىل أبويه ( ،)...فهي يف غاية احلسن والرتكيب
وأنواع احملاسن واأللفاظ يف امللحون ،وهي طويلة حنو ثالمثائة بيت" .11إنه مؤشر قوي على
أمازيغية لسان الرحالة ،بل ودوره يف تعزيز اإلبداع األديب ابللغة األمازيغية يف عصره .ولو قُ ّدر
للقصيدتني مقاومة عوامل الضياع واالنداثر ،لكان ضمن حصيلة تراثنا الشعري اليوم منوذج
متميز من التأليف الرحلي ،شعر الرحلة ابللغة األمازيغية.
كما يُستنتج من التعريف املوجز أن الغيغائي يسعى إىل أتصيل نسبه الشريف ،وإثبات أنّه
من ساللة يرتفع أصلها إىل إدريس بن عبد هللا الكامل .ولعل النزوع حنو هذا النوع من
التأصيل ينطوي على هاج س البحث عن شرعية دينية مستمدة من آل البيت ،ومن مث ما
وجيلّهم .12إنه سند
يرتتب عنها من مكانة وامتياز يف وسط اجتماعي وثقايف يوقّر الشرفاء ُ
مي ّكن أصحابه من سلطة متعددة األبعاد ،يظهر سحرها يف طريقة تلقي الناس ما يصدر عن
الشريف من قول أو سلوك أو عمل.
أما قراءة نص الرحلة وما حييل عليه من معطيات ،فتمنحنا إمكانية استنتاج ثالثة أبعاد
مهمة ترسم صورة عن شخصية الغيغائي؛ يتعلق البعد األول ابلتكوين املوسوعي للرحالة ،كما
تدل عليه غىن املصادر اليت يستمد منها معرفته (املصادر التارخيية والفقهية واألدبية وكتب
الرتاجم والطبقات ،)...مث االستطرادات واملعلومات الكثرية واملتنوعة اليت أوردها يف رحلته.
ومما يعزز هذا األمر استعمال املؤلف ملؤشرات لغوية وتعبريية تربهن على موسوعيته ،نذكر
منها العبارات اآلتية ..." :يف خرب يطول بنا جلبه"؛ " ...ولوال الطول لذكران ما وقع يف
9البيذق ،أخبار املهدي بن تومرت وبداية دولة املوحدين ،ص ،37هامش .63
10من املؤسف أن القصيدتني اللتني نظمهما الرحالة ابللغة األمازيغية ضاعتا ومل يصلنا منهما شيء على غرار كثري من
النصوص اليت مل جتد طريقها إىل التدوين والتوثيق ،كما هو شأن بعض املتون الدينية اليت وصلتنا خمطوطة.
11نص الرحلة ،ص .35
12للتوسع يف مكانة األشراف ابملغرب يراجع :خالد بن أمحد الصقلي ،جوانب من اتريخ األشراف ابملغرب وحتقيق
أنساهبم ،جملة الذخائر ،ص .18 -3
109
أمحد املنادي
ذلك"؛ " ...ولوال اإلطالة لكثرت األمثلة"؛ " ...ونقتصر من كالمه ،ونرجع عن سريه ،إذ
حيتاج إىل أتليف مستقل"؛ "وحاصل األمر واختصاره أن"؛ "ونرجع بعون هللا إىل ما حنن
بصدده من الطريق" .أما البعد الثاين يف شخصية الرحالة فريتبط بنزوعه الصويف الذي يعكسه
الكم اهلائل من أعالم التصوف املذكورين يف النص ،وحرص الغيغائي على زايرة أضرحة
بعضهم يف منطلق الرحلة وأثنائها ،واإلشادة هبم واإلعجاب بكراماهتم .وأما البعد الثالث
الرحالة ،ويتجسد يف مؤشرات منها:فيتمثل يف احلس البيداغوجي والذوق الفين عند ّ
ينم عن وعي الغيغائي أبمهية
– اعتماد الرسومات التوضيحية يف نص الرحلة ،مما ّ
اخلطاب األيقوين والوسائط اجلمالية يف تقريب الفكرة أو املضمون إىل املتلقي .من
هيكلي اببور البحر (الباخرة) ،واببور الرب
ْ ذلك تعزيزه للرحلة برسومات تصور
(القطار) يف سبع قطع متتابعة؛ وشكْل مصور ْتني ملواد التلغراف؛ وصفة الكعبة
املشرفة واملسجد النبوي والبقيع.
– تفضيله للمطبعة املصرية يف سياق مقارنتها مبطابع اهلند وتركيا ،بناء على معيار فين
مجايل ،خلصه يف صحة منشوراهتا وجودة مدادها ،منوها ابملصححني العاملني هبا.
– عنايته جبمالية املظهر وأتثري ذلك يف حتديد طبيعة السلوك لدى الناس وتشييد
متثالهتم ،كما يتضح يف نُصحه للحاج بضرورة لبس الثياب احلسنة الفاخرة خاصة
عند ركوب "البابور" ،وعند الدخول إىل مدائن الروم" ،وإذا رأوه نظيفا نقيا بثيابه
احلسنة وهيئته اجلميلة هابوه وعظموه ورفعوا ق ْدره وقضوا حوائجه ،وأشاروا إليه
ابإلجالل ،وإذا رأوه رث الثياب موسخا سخروا به وحقروه وهنروه" (ص .13)63
ينتمي الغيغائي ،من حيث الزمن التارخيي ،إىل القرن التاسع عشر .ففي أواسطه كانت
رحلتاه إىل احلج ،األوىل سنة 1263هـ1847 /م ،والثانية سنة 1274هـ1858 /م ،مما يعين أن
والدته كانت على األرجح أواخر القرن الثامن عشر ،خاصة وأنه أدرك الذين حجوا أثناء
محلة انبوليون على مصر ( ،)1801-1798كما يشري إىل ذلك يف رحلته .ومل يرتك الرحالة
من آاثر شاهدة عليه سوى هذا النص الرحلي الذي انل إعجاب معاصريه ،حىت إن عبد هللا
اجلشتيمي(1310-1224هـ) نظم قصيدة يقرظ فيها رحلة الغيغائي ،استهلها بقوله "...
وبعد ،فقد وق ْفت على ما صاغه صوغ الترب األمحر ،ونظمه انتظام الدر واجلوهر أخوان يف هللا
وحمبنا من أجله الفقيه ذو امللكة أبو عبد هللا سيدي حممد بن عبد هللا الغيغائي التنصغريت ،يف
13اعتمدان يف اإلحاالت اخلاصة ابالستشهادات املأخوذة من نص الغيغائي على ِّذكر رقم الصفحة مباشرة بعد االستشهاد.
واملرجع املعتمد هو التحقيق الذي نشره سليمان القرشي ،واملذكور يف هامش سابق.
110
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
رحلته للمشرق ذهااب وإاياب ،فوجدهتا عدمية النظري ،بديعة النقول والتحرير ،حمتوية على أغرب
ال غرائب ملا تضمنته من تواريخ وأخبار وعجائب ،وقد سلك فيها سبيل السالمة واالحتياط،
خالية من التعقيد واالطناب واالرتباط .14"...تعكس هذه الشهادة النقدية يف حق الرحالة
من أحد علماء عصره ،القيمة االعتبارية للغيغائي وسط جمايليه من مثقفي القرن التاسع عشر
وعلمائه من جهة ،وأمهية نصه الرحلي ،خاصة على مستوى ما حيمله من خطاب يتسم
ابلغرابة والفرادة كما سنرى ذلك بعد حني.
وأما من حيث الزمن الثقايف ،فقد متيز عصر ّ
الرحالة الغيغائي بسمتني تعكسان حالة
التوتر اليت طبعت نفسية املغاربة وهم يسعون إىل جتاوز أزمات املاضي واملضي حنو املستقبل،
والقصد هنا إىل ِّمس ْيت االستنهاض واالنتكاس.
اجلهود املبذولة من قبل السلطان عبد الرمحان بن هشام
ُ فحالة االستنهاض ،الشاهد عليها
من أجل النهوض ابلثقافة والعلوم يف املغرب ،منطلِّقا من إصالح التعليم بوصفه مدخال
للنهوض املنشود ،فأصدر ظهريه 15املعروف حول إصالح نظام الدراسة والتحصيل جبامعة
القرويني ،مما "يدل على إدراك عميق سليم" 16متيز به السلطان يف نظرته إىل أمهية العناية
ابحلياة الفكرية ودورها يف مشروع إصالح اجملتمع .وهكذا ،انربى ،بعد تسوية املشاكل
الداخلية واستتباب االستقرار ،لتقومي ما الحظه من خلل يف مناهج التدريس يف هذه
املؤسسة العلمية اليت حيج إليها طلبة العلم من كل األحناء .وكان للظهري السلطاين الذي نشره
"أتثري ظاهر يف إحياء علوم التفسري واحلديث ،وإذكاء الرغبة فيهما ( )...وأتثر الفقه أيضا
وسرت فيه نسمة احلياة فلم يبق قاصرا على نصوص ْ بروح املنشور فانتعش بعد االنتكاس،
الفقهاء اجملردة ،وأقوال اخلالفيني غري املسندة ،وذلك بفضل انتشار كتب السلف واالطالع
على آاثر األقدمني مع حسن النظر يف الكتاب والسنة" .17مل يقتصر األمر على املعارف
الدينية والعلوم الشرعية وحدها ،بل امتدت العناية حنو اإلبداع األديب شعرا ونثرا ،فنشطت
احلركة األدبية ،وازدهرت الكتابة ،خاصة على مستوى قرض الشعر ونظْمه ،كما تؤكد ذلك
املصادر املتعلقة بتاريخ الدولة العلوية خالل القرن التاسع عشر ،ويف مقدمتها كتاب اجليش
111
أمحد املنادي
اآلاثر السلبية عند بعض النخب ،إىل عائق نفسي يؤثر بشكل مباشر يف تشييد رؤية اآلخر
عرب عن هذه احلالة يف نصه الرحلي قائال: ومتثل صورته ،كما هو شأن حممد الغيغائي حني ّ
"ومن ذا خياصم النصارى اليوم ويغالبهم ،لِّعلُّو كلمتهم وقوة شوكتهم يف البحار واملراسي ،ويف
الثغور واملراسي" (ص .)74
اثنيا ؛ تبعات اهلزمية النفسية ،بفعل أتثري التفوق الغريب حضاراي .فقد متيزت أورواب مطلع القرن
التاسع عشر ابنتشار نتائج الثورة الصناعية ،وتوسع شبكة السكك احلديدية ،وما يتصل هبا
من انتعاش األنشطة التجارية والصناعية وحركة النقل ،وغري ذلك من مظاهر التقدم
والعصرنة .وال شك أن هذه التحوالت اليت عرفتها املدنية الغربية ،وحالة التفوق اليت تولدت
عنها ،كان هلا وقع كبري يف طبيعة العالقة اليت نسجتها الدول األوروبية مع بلدان العامل
اإلسالمي خالل القرن التاسع عشر ابلذات ،حيث "أخذت املدنية الغربية أتيت مثراهتا،
فاستخدمت القوة البخارية ،مث القوة الكهرابئية ،وتوصلت هبما إىل خمرتعات كثرية وعظيمة،
18أبوعبد هللا حممد أكنسوس ،اجليش العرمرم اخلماسي يف دولة أوالد موالان علي السجلماسي.
19ليفي بروفنصال ،مؤرخو الشرفاء ،ص .145
20أمحد كايف ،مشاريع اإلصالح السياسي ابملغرب يف القرنني التاسع عشر والعشرين ،ص .41
112
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
قلبت األوضاع ،وقربت األبعاد ،ورفعت مقام الغرب عاليا" .21وهكذا جتاوزت أبعاد هذه
النهضة وأتثرياهتا حدود اجملال األورويب لتصل إىل بلدان اجلوار" ،وكان املغرب ،حبكم قربه
الشديد من أورواب ،من بني الدول املتوسطية اليت كان عليها أن تواجه تلك املؤثرات وتتفاعل
معها ،مبا ميكن أن يضمن هلا البقاء واحلفاظ على هويتها الثقافية واحلضارية".22
113
أمحد املنادي
بعون هللا نفعل ما قلتم ،غري أين لست أهال لذلك ...ولـ ّما أحلّ علي األحبة املذكورون ذلك،
عن يل أن علي ابلعود والرجوع لتلك املراسمّ ...من هللا ّ
بقيت متشوقا ملا هناك ،إىل أن ّ
أساعفهم وأساعدهم ،لعل هللا يكمل رجائي ورجاءهم .ولـ ّما رأيت يف كتاب علم النصرة يف
حتقيق إمام البصرة لإلمام القاضي قال يف آخره :روي عن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم من
ترك ورقة من العلم ينتفع به الناس حالت بينه وبني النارّ .
فلعل أن يكون يف هذه املقالة
معزو ألصحابه ،إال ما كان من أخبار الطريق ،واخلرببعض ذلك ،إذ كثري ما يف هذه الرحلة ّ
كله أاي كان حيتمل األمريْن .نسأل هللا تعاىل اإلعانة والتوفيق"(ص .)35-33
يضعنا الرحالة هنا أمام أم ٍر ذي ابل ،يتعلق مبسألة دوافع التأليف املعهودة يف الكتاابت
العربية القدمية ،حيث كان املؤلفون يبسطون يف تصدير مصنفاهتم دواعي الكتابة والتصنيف،
يف سياق األدبيات املالزمة للتدوين والتأليف .وقد صار هذا تقليدا متبعا يف آتليف املغاربة
خاصة يف ابب الرحالت احلجية ،فصار األمر عتبة نصية يستهل هبا الرحالة تقييده رحلته،
يبسط فيها حوافز اخلوض يف الكتابة عن التجربة الرحلية .وعلى سبيل املقارنة ميكن اإلحالة
على الرحالة العبدري احلاحي (ت 700هـ1300/م) يف رحلته املشهورة ،اليت تعد من النصوص
املؤسسة ألدب الرحلة املغريب ،واليت استهلها حبيثيات التأليف مربزا غايته ومنهجه يف ذلك:
ورسم ما تيسر رمسُه"فإين قاصد بعد استخارة هللا سبحانه ،إىل تقييد ما أمكن تقييدهْ ،
وتسويده ،مما مسا إليه الناظر الـمـُطرق يف خرب الرحلة إىل بالد املشرق ،من ِّذكر بعض
ُ
أوصاف البلدان ،وأحوال من هبا من ال ُقطان ،حسبما أدركه احلس والعيان ،وقام عليه
ابملشاهدة شاهد الربهان ...مسطرا ملا رأيته ابلعيان ،ومقررا له أبوضح بيان ،حىت يكون
املتشوف ،ويقف منه على بُغيته السائل
السامع لذلك كاملبصر ...فتُشفى به نفس املتطلع ّ
تعرف ....وأضيف إىل ذلك ما يضطر إليه التبيان ...حىت يكون التأليف يف اببه ُمغنيا، الـ ُم ّ
وعن االفتقار إىل غريه ُمستغنيا" .من الواضح إذن أن العبدري كان حمكوما ابلرغبة يف إنتاج
23
مرجع جامع مانع يف اببه ،يق ّدم جلمهور القراء معرفة يقينية قائمة على املشاهدة والربهان،
بوصفهما مؤشرين قويني على صدق اخلرب ويقينه ،مما يفرتض معه أن الرحالة يف تقييده كان
يصدر عن خطة للتأليف مرسومة مسبقا ،مع ما يعنيه ذلك من تفكري ْقبلي يف اسرتاتيجيات
الكتابة والتلقي وفقا للسياق السوسيو-ثقايف للرحالة .وإذا كان العبدري يرمي من وراء
مشروعه يف الكتابة عن الرحلة إىل حماولة إشفاء غليل ّقرائه ،واالستجابة النتظاراهتم خبصوص
مشاهداته ،مع ما يستتبعه ذاك من ضمان وضع اعتباري لعمله هذا يف حقل التأليف يف
114
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
وصف البلدان وأحوال ساكنيها ،فإن الغيغائي الوريكي خالف ذلك ،مل يكن ليكتب أو
حىت ليف ّكر يف الكتابة ،لوال أ ْن طُلب منه ذلك ،إذ ليس من عادته الكتابة والتأليف ،وبفضل
هذا الطلب (الكتابة حتت الطلب) صار يف ُمكنة األجيال الالحقة بعد جيل الرحالة
االطالع على نص رحلي ،حيمل "وجهة نظر" الغيغائي حول أحداث الرحلة ومشاهداته
نصه أعاله ،يكشف الغيغائي عن حافزين مهمني كاان وراء خالهلا .هكذا ،وانطالقا من ّ
والدة نصه الفريد يف الرحلة:
ومتصوفة
ّ األول حافز غريي؛ يتمثل يف االستجابة لطلب األحبّة (وهم خنبة من فقهاء ّ
عصره )24الذين أحلّوا عليه ابلكتابة حىت يفيد الناس وخيربهم مبشاهداته رمبا يكون ذلك
"دليال" ينفعهم ويستأنسون به ،خاصة ملن أراد خوض جتربة الرحلة من أجل احلج.
الثاين حافز ذايت؛ يكمن يف طمع الغيغائي يف النجاة من النار ،انطالقا من حرصه على
تقاسم املعرفة مع اآلخرين ،والتحرز من دائرة املوصوفني بكتمان العلم ،كما يستفاد من
أصل به هذا احلافز.
احلديث النبوي الذي ّ
إهنا عملية مزاوجة ،يف مقاصد التأليف املباشرة ،بني حتقيق مصلحة غريية وأخرى ذاتية ،مل
جيرؤ معهما الغيغائي ،عكس العبدري ،على تبين اإلطالقية يف املعرفة (ن ْقل اخلرب) ،بل بقي
حريصا على مراعاة النسبية مهما كان اخلرب" :واخلرب كله أاي كان حيتمل األمريْن" .هكذا
يتعزز تواضع املؤلف ومراعاة قدره ،الذي يُستفاد من مفتتح مقاصد التأليف ،ابحتمالية
القصور يف نقل اخلرب ،مما يرسم جانبا آخر من شخصية الغيغائي العلمية ،املتسمة ابلسمتني
املتأصلتني يف أخالق فقهاء البادية املغربية .وموازاة مع ذلك ،فإن توطئة الرحالة
املذكورتني ّ
احملكومة مبا هو بيداغوجي(مساعدة القارئ على فهم سياق التأليف) ،تفتح اجملال لتمثّل
طبيعة العالقة املميزة اليت جتمع الغيغائي مبثقفي عصره ،مبا يسمح ابلقول إن الرحالة كان
ابلفعل منوذجا جمسدا للتواصل العلمي بني مثقفي البادية ومثقفي املدينة (خنبة مراكش) ،كما
تؤكد ذلك حيثيات التأليف الظاهرة ،حيث كان حممد األمني الصحراوي "ومعه خنبة من
مراكش قد أحلوا على املؤلف يف تدوين أخبار رحلته ،فجاء هذا االقرتاح يسم الكتاب بطابع
مصدر إعالمي موجه من البادية إىل املدينة املغربية ،وابخلصوص يف النقط احلساسة من
24هذه النخبة هلا ابع يف املعارف الفقهية واللغوية والتارخيية وغريها .وقد ترجم هلا مؤرخو ومرتمجو العصر ،منهم العباس بن
حل مراكش وأغمات من األعالم" ،وحممد غريط يف كتابه "فواصل اجلمان يف إبراهيم السماليل يف كتابه "اإلعالم مبن ّ
أنباء وزراء وكتاب الزمان"...
115
أمحد املنادي
مشاهدات الرحالة اليت أاثرت اهتمامه ،ويتعلق األمر حبديث الغيغائي عما عرفه أواسط القرن
التاسع عشر من تفوق منجزات أوراب التقنية ،مث انعكاس ذلك على واقع املسلمني".25
إن الوجه الظاهر يف علة التأليف ال ميكن أبي حال أن يكون مستغنيا بنفسه عن علة
ضمنية ،تعكسها طبيعة اخلطاب احملمول يف النص الرحلي وأبعاده املتنوعة ،وحتملنا على
وسوده الغيغائي ،هل هو جمرد أتليف عن الرحلة إىل احلج،
االستفهام حول ما قيّده ومجعه ّ
ْيبسط معلومات حول الرحلة ومسارها ،وما يلزم احلاج معرفته ألداء مناسكه ،أم أنه كتاب
ينم عن وعي اترخيي بدور املثقف ومسؤوليته يف الكتابة عن عصره؟ يف املعرفة ينتج خطااب ّ
نفسر تقاطع خطاابت معرفية كثرية داخل النص الرحلي للغيغائي؟ أليس ذلك دليال مباذا ّ
عل ى أن القصد الضمين من التأليف هو اإلسهام يف إنتاج املعرفة اخلاصة ابلعصر ،على غرار
ما يفعله املؤرخ والفقيه واألديب وغريهم من خنب األمة ومثقفيها؟
116
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
وسم خطاب الغيغائي بكونه منتجا للمعرفة اإلشارةُ إىل طبيعة النص الرحلي، إن املراد من ْ
وما حيمله من معارف متعددة متزج بني أنساق نصية متباينة من حيث الوضع األجناسي ،من
قبيل الشعر واحلكاية والسرية الذاتية وغريها من التعبريات املدرجة اترخييا يف خانة األدب؛
وأخرى خمتلفة من حيث تصنيفاهتا وموضوعاهتا ،من قبيل التاريخ واجلغرافيا واإلثنوغرافيا
والفقه واحلديث واألخالق ،وغريها من النصوص اليت حتيل على حقول معرفية كثرية .وإذا
كان هذا الزخم املعريف احملمول يف نص الغيغائي دليال على البعد املوسوعي يف شخصيته،
لكون الرحلة "حافلة ابملعلومات التارخيية والسياسية واالجتماعية والفقهية" ،27فإن اللجوء إىل
الرحلة كشكل للكتابة والتأليف ،أسعف املؤلف يف بسط ذخريته املعرفية اليت اكتسبها من
مجعت بني خربته املستمدة من مساره العلمي وجتربته يف احلياة ،وبني مشاهداته ْ مصادر
خالل جتربته الرحلية حنو الداير املقدسة ،خاصة وأن الكتابة الرحلية هي من جنس األشكال
األدبية املنفتحة ،اليت تستوعب خمتلف أجناس الكتابة وأنواعها وتتفاعل معها ،وتعيد إنتاجها
ضمن سياقات تعبريية جديدة ،حتددها طبيعة النص الرحلي ووقائعه .ولعل هذه الطبيعة هي
اليت تش ّكل مصدر ثراء الكتابة الرحلية وغناها وجتعلها محالة خطاابت ومعارف ،تصنع فرادة
الرحلة بني أشكال القول األديب املعهودة.
117
أمحد املنادي
فيهم ُمشاهد ال يُنكر وال ُجياحد" (ص )50؛ "وهذا قد رأيته بعيين وشاهدته من احلجاج
بنفسي" (ص )63؛ "ولقد عاينت ذلك" (ص )69؛ "وهااتن احلالتان شهدانمها معا" (ص
وصف هذا اجلامع ،وقد قلنا إنه فوق الوصف ،وقال الناس:
)72؛ "وهذا ما ظهر يل من ْ
ليس اخلرب كالعيان" (ص ... )112
اثنيا :املقايسة واملقارنة؛ وهي قاعدة جليلة خاصة يف علم التاريخ .وليس غريبا أن يعرتف
ابن خلدون بضرورهتا يف ميدان فن التاريخ ،يقول "فلذا حيتاج صاحب هذا الفن إىل العلم
بقواعد السياسة وطبائع املوجودات ،واختالف األمم والبقاع واألعصار يف السري واألخالق
والعادات والنحل واملذاهب وسائر األحوال ،واإلحاطة ابحلاضر من ذلك ،ومماثلة ما بينه
وبني الغائب من الوفاق ،أو ْبون ما بينهما من اخلالف" .28لقد استوعب الغيغائي أمهية
املقايسة ودورها الفعال يف تشييد التمثالت أو هدمها ،فلجأ إليها بوصفها تصورا قائما على
رصد االختالفات بني ثقافتني أو جمتمعني ،ومن مت إعادة النظر يف بعض املواقف اليت متثّـلها ْ
البعض جتاه موطن الغيغائي وثقافته ،ولذلك جنده يُعلي يف سياق املقايسة من قيمة بلده يف
مقابل إبراز مشكالت اآلخر ومواطن ضعفه .وهنا تش ّكل مدينة مراكش وبالد املغرب بؤرة
الرؤية اليت ينظر هبا الرحالة إىل اآلخر ،وجيري من خالهلا مقايساته ومقارانته .وهذه مناذج
ألوجه املقايسة اليت أقامها الغيغائي يف نصه الرحلي:
أرخص يف أحواز مراكش ،وأغلى يف غريها من البقاع األقوات واألطعمة
"فليس يف هذه البالد اليت ذكران من بغداد إىل الشام واصطنبول والروم ،حىت تونس وفاس
وغريها أرخص من هذه احلضرة احلوزية املراكشية زرعا وحلما ومسنا وفاكهة وزيتا ...ويف هذا
الزمان اللحم مبصر أبربعة قروش ...والسمن خبمسة أواقي ...وكذلك بفاس يبلغ اللحم
ألربعة أواقي ...واللحم اليوم مبراكش بثمانية أوجه إىل ستة ...فانظر هذا الرخص من
اخلصب الذي خص هللا به هذه املدينة املباركة " (ص )49 ،48
أرخص يف مراكش وأغلى يف مصر البهائم وعلفها
املسن يف مصر مبائتني رايل إىل ثالمثائة رايل ،والبغلة كذلك ،واحلمار بستني
"جتد الفرس ّ
رايال ،...وقد وقع الغالء يف البهائم مبراكش حىت بلغ احلمار اجليد الستني والسبعني إىل
التسعني ال غري ،...وكذلك علف الدواب مبراكش ونواحيها أكثر وأرخص مرمى به يف
األرض واخلالء ،ولقد جتد الزرع مبصر والصعيد تتعجب من أكداسها وتدخل البقعة اليت
118
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
حتك به أذنك .وتدخل الدشور واملدن والفنادق ...فال أزيل منها الزرع ،فما ترى فيها ما ّ
ترى تبنة وال حصيدة وال ربيعة ايبسة ،وتبيت اإلبل مبنزل من املنازل وتصبح وال ترى فيه ما
تنقي به أسنانك ...وبالدان املغربية لو أزيل الزرع من فدان لبقيت احلصيدة واخلصب أتكل
منه البهائم عاما كامال ،وهذا يدل على أن هذه البالد أوسع وأخصب وأرخص وأجود
وأسخى وأنعم من تلك البالد" (ص )50 ،49
االخنداع ابملظاهر الروم واملسلمون
"فإهنم –يقصد الروم -يسخرون مبن رأوه مسكينا غري متجمل ابلثياب الرفيعة النقية ،وحنن
معاشر اإلسالم إذا رأينا املسلم رث الثياب أو ليس له ثياب نظن به خريا أو نقول زاهدا أو
مسكينا ،والكفار لعنهم هللا املسكني عندهم حمقور ومهجور" (ص )63
تفو ُق السلطان املغريب على السلطان العثماين يف تدبري العالقة مع
ّ السياسة والرايسة
اآلخر
"ولكن هذا السلطان -أي عبد احلميد -دفع بعض ذل (املسكوف) – أي الروس– وجلب
لنفسه ومملكته ذليلني من هذين اجلنسني أذهلما هللا ،حيث استعان هبما وأطلعهما على
عورته ،أدام هللا لنا حياة سلطاننا اإلمام اهلمام موالان عبد الرمحان بن هشام ،وواصل عزه
وخلد ملكه ،ألنه رضي هللا عنه اشتغل ابملكائد العقلية واحليل الفكرية مع هؤالء األرجاس
الكالب الضارية األجناس ،وحيله معهم صانه هللا فائقة ،وخدائعه هلم رائعة" (ص )81
عزة املغرب يف مقابل ذل املشارق وغريهم العالقة مع الروم
"وكذلك بلدان املغرب اجلواين فإنه منور من النور النبوي ومصون ابلسر اإلهلي ،ال بقوة وال
بعدة ،بل بربكة األولياء املوجودين به إىل غابر الدهر ،وما سوى ذلك قد عمه ذل الروم
سيما املشارق كلها وبالد الرتك والعجم ...فمن رأى املشارقة وغريهم وما هم فيه من الذل
للنصارى يتعجب وحيمد هللا تعاىل ويشكره على سكناه هبذا الغرب اجلواين ،ويبالغ يف خدمته
ونصره هلذا السلطان الشريف احلسين" (ص )108
الوحدة الدينية يف املغرب مقابل التفرقة املذهبية يف املشرق اجملال الديين
"وهذا الغرب اجلواين سلطانه علوي شريف ،ودين واحد منيف ،ومذهبه مذهب واحد...
وأما أهل املشرق فأمم كثرية ،وطوائف متفرقة ،وأداين خمتلفة واعتقادات فاسدة وأحكام
متباينة" (ص )125 ،124
119
أمحد املنادي
اثلثا :الرواية؛ وترتكز آلية الرواية عند الغيغائي على خاصيتني :أوالمها املقابلة املباشرة ،حيث
حيرص الرحالة على استقصاء املعلومات واألخبار من األشخاص مباشرة ،فينقل احلوارات اليت
جيريها معهم يف موضوعات شىت؛ واثنيتهما أن الرواية عنده ال تُبىن للمجهول إال ما ندر ،بل
يُسند كل قول لقائله فيحرص على ذكره ابالسم أو الصفة أو ما يشري إىل صحة اخلرب املنقول
عنه .ومم ا استعمله الغيغائي من العبارات الدالة على الرواية ابخلاصيتني املذكورتني،
امللفوظات اآلتية ..." :فإان سألنا املتزوجني مبصر فقالوا( "...ص )114؛ " وقال لنا الفقيه
ابن الطوير( "...ص )114؛ "فسألنا عن هذه العادة فقالوا( "...ص )127؛ "وقد ذكر لنا
الفقيه الطويب( "...ص )126؛ "على ما حكاه لنا الفقيه سيدي حممد بن عبد هللا املغريب
ابإلسكندرية" (ص )130؛ "وذكر لنا هذا أهل اإلسكندرية" (ص )131؛ "إذ مسعناه ممن
حضره مثل الشيخ الفقيه أيب عبد هللا املراكشي ...ومثل الشيخ حممد اإلسكندري كالمها
ثقة" (ص .)133
رابعا :التوثيق؛ فباإلضافة إىل إسناد اخلرب إىل صاحبه على مستوى الرواية ،جند حرص
الغيغائي الشديد يف كتابته الرحلية على توثيق جممل املعطيات واإلفادات اليت يوردها يف نصه،
سواء تعلقت مبا شاهده أثناء الرحلة ،أو ما ُحكي له من مرافقيه أو ممن التقى هبم أو زارهم
خالل سفره ،أو ما استذكره واسرتجعه يف نطاق االستدالل على أمور حتتاج إىل دليل ،أو
سياق املقايسة ،أو ما أورده من استطرادات وشواهد شعرية أو نثرية أو غري ذلك ،فينسب
ومرجحا
كل شيء إىل مصدره .وقد سلك الرحالة منهجا خاصا يف نقل اخلرب وإثباته متحراي ّ
بشكل عقالين ،كما يُستنتج من قوله "وهذا اخلرب نسرده وخنتصره حبول هللا ،إذ فيه للناس
أقوال ،ونذكر منه إن شاء هللا ما حتقق خربه وتكرر وشاع عند أهل العقل ،واملعتنني ابملعرفة
واألحوال والنقل ،مثل أهل مكة وغريهم من أهل البلد ،إذ سألنا كل واحد حىت حترر عندان
وحتقق لدينا منه ما يكفينا من أمر ذلك( "...ص )152؛ ومن قوله أيضا " ...على ما
حكاه الناس من ذلك ،وتكرر لدينا ،ومسعناه من غري واحد ممن له عقل وخربة ومعرفة...
فأخذان من اخلرب ما اتفقوا فيه ،وتركنا ما اختلفت به األقوال ،وكثر فيه اللغط واألحوال".
خامسا :االستقصاء والدقة يف الوصف؛ وهي آلية تنم عن دقة املالحظة عند الغيغائي،
وقدرته الفائقة على التقاط اجلزئيات والتفاصيل ،وتقدميها إىل املتلقي أبسلوب جيعله ميسك
مبكوانت املوصوف وكأنه يراه رأي العني .ت ّبني ذلك بوضوح يف الوصف اإلثنوغرايف الذي
خص به خمتلف الشعوب والثقافات واألمصار اليت مر منها أو صادفها يف رحلته ،ويف
الوصف الذي خص به منجزات أورواب التقنية ،بشكل يدل على معرفته الذكية والعميقة
وصفه الدقيق على الوسائل التقنية واملنجزات
بواقع أورواب املتقدمة .يف هذا الصدد انصب ْ
120
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
اآلتية :البابور (الباخرة) واببور الرب (القطار) والسلك (التلغراف) واملطبعة ومعامل الفحم
احلجري .ففي وصفه للبابور مل يكتف بذكر ما التقطته عينه وهو يف الباخرة ،إمنا عزز خطابه
الوصفي بذكر مجلة من املعطيات اليت تندرج يف ابب الثقافة اخلاصة ابلباخرة .ولو أعدان
ترتيب مكوانت الوصف لوجدانها مشلت :اتريخ ظهور البابور؛ قصة ابتداع البابور؛ صانع
البابور؛ الشركة صاحبة البابور؛ حقوق امللكية الصناعية؛ طريقة تشغيل البابور؛ املكوانت
والعناصر املوجودة فيه؛ العاملون فيه؛ مثنه؛ شروط ركوبه؛ أصناف اخلدمات فيه؛ الضيق
واحلرج الذي حيصل عند ركوبه؛ أجواء املرح فيه؛ احتكاره يف البداية من لدن امللوك وانتقاله
يف ما بعد إىل التجار ؛ عالقة املغاربة ابلبابور؛ مسارات البابور البحرية ...وقد فعل الشيء
الرب ،حيث ركز على تسمياته وطريقة اشتغاله ،ونقل نفسه يف وصف القطار الذي مساه اببور ّ
تفاصيل وجزئيات عن سكة القطار من حيث وضعُها ومكوان ُهتا ،وكأنه متخصص يف صناعة
هذا النوع من التقنيات.
نت اآلليات املذكورة الغيغائي من االمتالك اجليد ملوضوعه ،وتقدميه من خالللقد م ّك ْ
خطاب أديب رتّب فيه جمموع املعارف اليت حرص على إيصاهلا إىل املتلقي ،مستثمرا ذخريته
املعرفية املكتسبة يف جماالت خمتلفة ،مما جعل نصه الرحلي مصدرا من مصادر معرفة العصر
وأحواله ،كما يتضح من العناوين اآلتية:
املعرفة التارخيية
يكتشف الناظر يف اخلطاب الرحلي للغيغائي أن املؤلف وهو يكتب رحلته كانت حتركه
اتب عنهواجس متعددة يف مقدمتها هاجس التأريخ مبعناه الشامل ،فيتحول الرحالة من ك ٍ
الذات موثٍّق لتجربتها الرحلية ،إىل مؤرخ حيرص على أن يكون صاحب شهادة اترخيية،
يستجمع فيها كل املعطيات اليت تفيد يف وضع اتريخ عام للمجتمعات واألنظمة اليت حظيت
ابهتمامه خالل السفر .وقد أثرى هذا اهلاجس التارخيي املعارف اليت نقلها الغيغائي ،وجعلها
جعلت من نصه مصدرا مهما يف التاريخ أبنواعه املتعددة: ْ تالمس جوانب وأبعادا متنوعة
التاريخ السياسي ،والتاريخ الديين ،والتاريخ االجتماعي ...إن انفتاح النص الرحلي واستيعابه
ألجناس القول وأشكاله املتباينة ،فسح اجملال أمام الغيغائي لتقدمي معطيات اترخيية على
صبغت نصه بطابع الوثيقة التارخيية ،حيث صار املتلقي أمام نص متعددْ شكل استطرادات
األصوات ،يتجاور فيه صوت الرحالة األديب مع صوت الفقيه وصوت املؤرخ وصوت
اإلثنوغرايف...
121
أمحد املنادي
ولعل أبرز مثال على شهادة الغيغائي التارخيية أنه كتب عن وقائع مبكة بوصفه شاهد
عيان على بعضها ،وحمققا ومدققا يف ن ْقل ما رواه الناس له مما مل يكن عليه شاهدا ،يقول:
"ووجدان ابلينبوع خرب ما وقع جبدة يف آخر شوال عام 1274ه ،وهذا الواقع الذي وقع جبدة
هال الناس هوال عظيما وخافوا منه ّبرا وحبرا ،وذلك أن أهل جدة قتلوا النصارى املعاهدين
عندهم اجلالسني وكالء للخرب والتجارة ،وسبب ذلك أن رجال من أهل اهلند أو اليمن من
عدن ،وهو فم اهلند اليت ملكها يف هذا الوقت اجليل النكليزي منذ سنني ،وكان يتجر مع
رجل من النصارى ويسافر معه ،وهلذا الرومي سفينة ،وللرجل املسلم غالم ملكه على العادة،
وجعل يسافر ويتجر يف البحر أعواما فأعتقه سيده وملك أمواال من البحر ألنه رئيس معلم،
ومات سيده وبقي يتجر مع الرومي املذكور ،فلما كان يف هذا العام قام هذا اململوك املعتوق
فنبذ دين النصارى ونبذه إايه ونصر السلطان عبد اجمليد ،29ونزع من سفينته عالم 30الروم
وعلق هبا عالم السلطان املذكور .فلما رجع من سفره إىل جدة نظر صاحبه إىل السفينة وإذا
فيها عالم اإلسالم ...وعمد إىل السفينة وكسر عالم السلطان ...ووصل هذا اخلرب
املسلمني ...ودخلتهم الغرية اإلسالمية ...فلما شاع عند الناس أن كبريهم هو الذي أمره
بفعله ذلك ...راودوا الباشا أن يرتكهم يشفون غيظهم منهم ...وأرسل إليهم هو عسكريني
فضرهبما الرومي القنصو 31ابلرصاص من داخل داره ،فحينئذ اجتمع املسلمون ودخلوا
عليه ...وملا قتلوهم عمدوا إىل دايرهم وأمواهلم فنهبوها عن آخرها ...وملا قدم الباشا الكبري
من مكة وجد هذا الواقع واألمر املفضح قبض من حضر القتل ومن ابشره( "...ص ،150
.)151
وبعد سرد الوقائع ابلتفصيل ،واليت تصرفنا يف نقلها ،ع ّقب على ذلك بقوله" :ووقوع هذا
يف آخر شوال املذكور ،وبعضه يف أايم التشريق والناس مبىن ،والبعض وقع يف آخر الشهر من
ذي احلجة ،ونسرده إن شاء هللا متواليا ابختصار ،إذ كان منه ما وقع قبل وصولنا كقتل
النصارى املذكورين ،ومنه ما وقع وحنن مبكة مثل ضرب النصارى إايها ابملدافع( "...ص
سرد
.)152وبعد أتكيد الرحالة على منهجه الدقيق يف نقل اخلرب وروايته ،اسرتسل يف ْ
تدخل السلطان وإعطائه األمر إبلقاء القبض تفاصيل املعركة وما ترتب عنها ،خاصة بعد ُّ
على من قتلوا الروم من املسلمني ،إىل أن يقول" :وملا رجعنا من زايرة املدينة املنورة ورسول هللا
(ص) سيد ا لربرة ،ووردان ينبوع البحر ،التقينا من سجناء أهل جدة ستة وثالثني رجال ،كل
122
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
اثنني منهم يف كبل واحد ،قدم هبم ابشا وارد من طرف السلطان محلهم إىل اصطنبول ،وركبنا
معهم يف البابور الوارد من جدة محل احلاج ومحل معه هؤالء السجناء( "...ص .)155
ومن مآيت غىن نص الغيغائي ابألخبار التارخيية ،حرصه على التعريف ابلسالطني
هم ابحلديث عن بلدة ،أو مجاعة بشرية ،أو عمران ،أو عادة اجتماعية واألنظمة كلما ّ
وثقافية معينة،كما يف سياق تفسريه ألصل اللباس األسود وانتشاره مبصر ،وإحالته على اتريخ
ابن خلدون يف ترمجته لصالح الدين األيويب ،قائال" :وصالح الدين بن أيوب املصري قدس
هللا روحه ونور ضرحيه ،مكث يف اخلالفة حنو أربع وعشرين سنة كلها يف الفتوحات ابلشام
وأحوازها ،وهو الذي أخرج اإلفرنسيس من دمياط بعدما أخذها وحصنها وكسر عساكره،
وقبض ملكهم وسجنه بدار الطواشي بدمياط حىت أخذ فيه أمواال وأسارى .ومن أراد فضائل
هذا اخلليفة وسريته ،فليطالع اتريخ ابن خلدون ،فإنه استوىف أخباره" (ص .)116وكذلك
الشأن يف حديثه عن بالد مصر بوصفها حمطة مهمة يف مسار الرحلة ،جنده ينقاد حنو السرد
التارخيي ،فيخصص صفحات ي ْذكر فيها ُحكم حممد علي ابشا وخلفائه ،وما متيزوا به من
خصال سياسية واجتماعية وغريها.
املعرفة الدينية
يش ّكل هذا النوع من املعرفة مصدرا من مصادر غىن رحلة الغيغائي وعالمة مميزة هلا،
ابعتبار ما حتيل عليه من إفادات هلا قيمتها على مستوى فهم اإلطار الفكري والروحي احملدد
لعالقة الرحالة بعصره .ولعل أصول اخللفية املعرفية للغيغائي ،وطبيعة شخصيته امليالة إىل
اخلطاب الديين ،ح ّفزا الرحالة حنو بناء جزء من خطاب رحلته على قضااي وإشارات من
صميم انشغاالته الدينية بشكل عام .وانطالقا من رصدان لتجليات اخلطاب الديين ومكوانته
يف النص ،ميكن إعادة تركيب احلضور القوي هلذا النسق املعريف وفق مكو ْنني نعتربمها دليال
على النزوع الديين للكتابة عند الغيغائي:
أوال :النزوع الفقهي من خالل احلضور الالفت لفقه النوازل يف الرحلة ،بوصفه جماال من
جماالت نبوغ خنبة الفقهاء املغاربة ،خاصة يف بالد سوس وأحوازها .يتضح هذا اجلانب يف
وقائع وأحداث من قبيل ُحكم الشرع يف ركوب البابور ،ابعتبار ما الحظه الرحالة من مظاهر
االزدحام والضيق أثناء الصعود إليه ،وانتشار األوساخ والنجاسة فيه ،وما يرتتب عن ذلك من
استحالة قيام الفرد بواجبه الديين ،أو قضاء حاجته الطبيعية .وقد استغرب الغيغائي عدم
تؤدى إال ابلطهارة
الركاب ألداء الصالة يف وقتها "ظنّا منهم أن الصالة ال ّانضباط بعض ّ
123
أمحد املنادي
الكاملة بدانً وبُقعةً ،وال ينظرون إىل الضرورة وأهنا تبيح احملظورات ،فيرتكون الصالة رأساً حىت
خيرجون" (ص .) 65يف سياق هذا الوضع املأزوم يف البابور ،أورد الرحالة حكما فقهيا يف
النازلة يتعلق بتحرمي ركوب البابور على هذه الشاكلة" ،فقيل حيرم ركوبه على هذه الوجوه
كلها كما أفىت به شيخ وقته ...أبو عبد هللا عليش شيخ املالكية استفتيناه يف ذلك فأفىت
بتحرمي ركوبه على هذه الكيفية" (ص .)65
ومن القضااي الطارئة ضمن مستجدات العصر اليت وقف عندها الرحالة وتناوهلا خبلفية
الشاي ومدى مشروعيته من الناحية الدينية .فقد اضطر الغيغائي إىل فقهية ،قضية ُشرب ّ
استدعاء األدلة يف سبيل التأصيل الشرعي هلذه املادة اليت هي جزء من نظام األطعمة
املوصوفة يف نص الرحلة ،مبا هي دليل على نعم هللا على الناس يف ظل سلطان اإلسالم
املعظم ابن هشام" ،ومن مجلة هذه النعم العظام ...هذا األاتي (الوندريز) املشروب اللذيذ
العزيز ،الذي سنح به الوقت ،وعجز عن إحصاء وصفه القول والنعت ،وهو شراب مباح،
من هللا به على عباده املومنني فاستغنوا به من فضله العميم عن
وال إمث فيه وال ُجناح ،الذي ّ
لعم شراب األقداح جل البطاح" (ص ،)56مث أورد شراب اخلمر ،ولوال جوده بوجوده ّ
قصيدة شعرية للفقيه احلاج محدون الفاسي (ت1817 .م) أنشدها للسلطان موالي سليمان
بعدما اراتب يف ُشرب الشاي ،وع ّقب على القصيدة بقوله "إىل غري ذلك مما قيل فيه من
األشعار واألقوال يف إابحته وأصله" (ص .)56
وحكم الشرع يف التدخني، ومما استأثر ابهتمام الرحالة حتليال وتعليال ،مسألة الدخان ُ
تلكم املسألة اليت انلت جهدا معتربا من االنشغال الفقهي للغيغائي ،حيث أفرد هلا فصال
خاصا" :يف ِّذكر الدخان وهي التباغا عندان ."...فبعد أن ق ّدم ما يشبه وصفا أنثروبولوجياّ
للدخان ،سرد مجلة من اآلراء واالجتهادات الفقهية حول التدخني ،مع ْميله إىل الرأي الذي
حيرم الدخان ،كما جتلى يف تعقيبه على احلجاج املغاربة الذين يُنكرون على املشارقة، ال ّ
وحتديدا املصرينيُ ،شرهبم للدخان" :وأما أصحابنا أهل املغرب من احلجاج فإهنم إذا رأوهم
وما هم عليه من شراب هذا الدخان ينكرون عليهم ويكرهوهنم غاية الكره ...ويضحكون
ممن يشربه من فقهائهم ...فإذا قلت هلم الدخان ليس حبرام ،وإمنا هو مكروه أو مباح حبسب
اجتهاد الفقهاء يكفرونك أو يزندقونك ،وذلك لقلته أو عدمه ببالدهم ،سيما جبال دران
[يقصد :درن] ،وشاع عندان ابملغرب ،عند العامة ،ما صدر عن شيخنا اإلمام ابن انصر
رضي هللا عنه يف كراهيته ملن يستعمله ،وذلك ملا أدى إليه اجتهاده ،وبنوا عليه أقواال وصرحوا
بتحرميه بال دليل من كتاب وسنة صحيحة إال ما كان من النقول الضعيفة أو الباطلة من
األوراق احملرفة أو املصحفة"(ص .)119ولقد كان موقف املغاربة هذا مناسبة استصحب فيها
124
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
الغيغائي آراء الفقهاء بشكل مفصل ،وأبسلوب يزاوج بني البُعد األنثروبولوجي والبُعد الفقهي
يف موضوع الدخان والتدخني .ومما يلفت النظر يف هذا السياق الفقهي ،النزعة النقدية اليت
متيّز هبا الغيغائي يف تقييم موقف املغاربة من التدخني ،مزيال القناع عن وجه التناقض يف
ُحكمهم على األشياء دون االنتباه إىل أمهية تقدير األحكام الشرعية وفقا للقواعد الفقهية
املشهورة .وهكذا برر الرحالة إسهابه يف هذا اخلطاب الفقهي برغبته املبطنة يف إعادة ترتيب
مراتب األحكام يف ذهنية املغاربة ،واستشعارا منه خلطورة انقالب موازين احلكم يف
أكثرت الكالم يف الدخان لِّما رأيت من أصحابنا املغاربة ينكرون مستجدات العصر" :وإمنا ْ
عليهم غاية اإلنكار كما قلنا ،ويرون شراب الدخان من أكرب الذنوب ...ودليله أهنم يهيّنون
السرقة والنهب والغيبة والزان وخطف أموال الناس واملضاربة ،وهذه األشياء كلها أعظم من
شرب الدخان ،وهي عندهم أسهل وأهون منه ،لِّما يعتادونه من هذه األمور ووجدوا عليها ْ
أهلهم كعوائدهم ومناكرهم هم يف األعياد واألعراس .والدخان ال يعتادونه وال أيلفونه ،ولذلك
عظّموا فعله ،وك ّفروا أهله لعدم التمييز بني احلرام واملباح واملكروه" (ص .)124
بسط احلكم الفقهي يف مستجد آخر يتعلق ابلقهوة وعلى النهج نفسه سار الرحالة يف ْ
تعالت الذين مييلون إىل كراهيتها ،واستهجان بوصفها مالزمة لشرب الدخان ،مستعرضا ّ
جمالسة متعاطيها ،استنادا إىل مراجع فقهية مغربية ،من قبيل السيد أمحد البدوي الفاسي،
وأمحد زروق ،واإلمام اليوسي وغريهم .ولعل التأويالت اليت يقرأ هبا الغيغائي سلوكات الناس
ومواقفهم وتوجهاهتم تعطي انطباعا أبننا إزاء خطاب يقوم على املعرفة األنثروبولوجية بواقع
الناس وحياهتم االجتماعية ،كما سيأيت بيان ذلك يف فقرة الحقة.
اثنيا :إسهام نص الرحلة يف رسم اْلريطة الدينية يف عصر الرحالة ،مبا جيعل خطاب
الغيغائي مسامهة أو مصدرا جلزء من التاريخ الديين واملذهيب خالل القرن التاسع عشر .فمنذ
انطالق الرحلة تتوارد املعطيات املتصلة ابألضرحة والزوااي ،والطرق الصوفية ،واملذاهب الدينية
والفقهية ،سواء يف املغرب أم يف البقاع اليت عربها الرحالة متجها إىل احلج .إننا بصدد رصيد
من املعلومات اليت تفيد يف متثّل جغرافيا دينية على قاعدة املتون الرحلية .فقبل انطالق
مكر ٍس يف أدبيات الرحلة ،والقصد هنا ٍ
املوكب الرحلي حنو وجهته املشرقية ،يبدأ الوفد بتقليد ّ
تربكا وتعظيما هلم .وكلما وقف الرحالة على موقع أو
إىل زايرة األضرحة ومقامات الصلحاءّ ،
لبسط معارفه املوسوعية حول رجاالت الزوااي ،وشيوخ التصوف، مقام إال واغتنم الفرصة ْ
وصفوة العلماء والفقهاء .فالرحلة بدأت بزايرة السادات املدفونني أبغمات ،وكانت مناسبة
وذكر ما يتصف به أولياؤها من فضائل الصفات وسعة للحديث عن رجاالت هذه احلضرةِّ ،
العلم ،وما يُنسب إليهم من كرامات .ومن هؤالء السادات الشيخ العالمة الويل سيدي حممد
125
أمحد املنادي
بن سعدون األندلسي ،والويل السيد أبو مهدي ،وأبو عبد هللا اهلزمريي ،وأبو حممد سيدي
عبد اجلليل بن وحيالن ،وسيدي يعقوب الدغوغي ...وكل هذا تربكا هبم وانتفاعا أبسرارهم
وأنوارهم ومعارفهم .وقد وقف الرحالة كثريا عند احلضرة املراكشية الزاخرة ابملرجعيات الدينية
والروحية ،واصفا أهلها ابلقول" :أما ما كان من أمر الدين والعبادة فلهم حظ وافر من ذلك،
وهلم مساجد كثرية ،وجوامع عامرة عظيمة ابلعبادة تدرس فيها العلوم ،والصلوات واألذكار يف
كل األوقات ،وسرد اآلاثر ،وهلم طوائف وأوراد يلقوهنا ويذكرون هللا تعاىل هبا ،فمنها الطائفة
الناصرية وهي الكثرية ،ومنها التهامية ،ومنها املختارية ،والقادرية ،والغازية ،ومنها
التيجانية( "...ص .)50
يف هذا السياق ،يرصد الغيغائي مظاهر العبادة والتدين عند املراكشيني ،مع تقدميه لعدد
معترب من فضالء مراكش وفقهائها القدماء واملعاصرين ،وما يتميزون به ُخلقا و ِّعلما
(الصفحات .)53-51 :وتش ّكل "الزايرة" يف مسار الرحلة عنصرا اثبتا حيثما مّر الركب أو
نزل" :ويف ليلة األربعاء بِّْتنا ببلد الشياضمة ...مث مرران على ضريح الويل األكرب الشهري
سيدي سعيد ...فزران وتربكنا منه ،ونذكرهم وما بلغنا من خربهم( "...ص " .)58وممن زران
هبا –يقصد اإلسكندرية -من السادات األعالم بعد الشيخ عبد هللا األمغاري ،اإلمام
وزْران إبزائه
البوصريي رمحه هللا ...مث زران بعده الشيخ اإلمام العارف أاب العباس املرسيُ ...
سيدي ايقوت العرشي رمحه هللا ...،والفقيه الفاكهاين واإلمام الزاييت واإلمام الفاسي...
وكذلك زران قرب نيب هللا دانيال عليه السالم ،وقربه مشهور هبا يف دهليز حتت جامع تنزل إليه
من حنو عشرين درجة ،وهبذه املدينة من الفضالء والسادات غري هؤالء ،وفيها بعض الفقهاء
مثل( "...ص .)79 ،78ويقدم الغيغائي خالل مروره ابإلسكندرية صورة عن الطوائف
الدينية ابملدينة ،وأماكن العبادة فيها ،متقمصا دور اإلثنوغرايف ،إن جاز التعبري ،يف حرصه
على نقل تفاصيل هذه التشكيالت الدينية ،وما يتصل هبا من معطيات يف جمتمع تتعدد فيه
املمارسات الدينية.
عما ي ْشبه خريطة املذاهب الفقهية وأعالمها يف
يتعزز هذا اخلطاب الديين حبديث الرحالة ّ
بالد مصر ،مشريا إىل ظاهرة تعدد املذاهب وما يرتتب عنها من انعكاسات يف عدة جماالت.
ففي القضاء ،تصدر األحكام وفقا النتماء القاضي املذهيب؛ ويف األزهر جتد اإلمام الراتب
ابألزهر مالِّكيا ،واإلمام يوم اجلمعة شافعيا؛ ويف جمال تلقي املعارف الدينية تكون جمالس
الرحالة إىل
الوضع الديين املتعدد ّ
ُ العلوم وفقا ألهل كل مذهب على حدة .وقد دفع هذا
معتزا ابلوحدة الدينية
استحضار بالده املغرب واملقايسة بني البلدين يف اجملال الديينّ ،
واملذهبية للمغرب ،ونزوع أهله إىل االعتدال" :وهذا الغرب اجلواين سلطانه علوي شريف،
126
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
ودين واحد منيف ،ومذهبه مذهب واحد ال مذاهب ،وال معتزل ،وال خوارج ،وال مانع وال
روافض ،وال جاحد وال معاند ،إال ببعض املواضع من الثغور فيه معاهد ...وأما أهل املشرق
فأمم كثرية ،وطوائف متفرقة ،وأداين خمتلفة ،واعتقادات فاسدة ،وأحكام متباينة( "...ص
.)125 ،124
املعرفة اإلثنوغرافية
ميثّل البعد اإلثنوغرايف يف رحلة الغيغائي ركيزة اخلطاب الوصفي فيها .وإذا كان موضوع
اإلثنوغرافيا كما هو متعارف عليه أكادمييا هو "الـوصـف الـدقـيـق واملرتابط لثقافات اجملتمعات
اإلنسانية" 32فإن بؤرة نص الغيغائي تكمن يف الوصف الثقايف ابعتباره جوهر اإلثنوغرافيا،
كما هو معهود يف جممل كتب الرحالت عرب التاريخ .وإذا كانت القيمة املضافة للنص
الفعال لعملية التلفيظ verbalisationيف نقل مشاهدات الرحلي عموما تتأسس على الدور ّ
نص الغيغائيالرحالة ومالحظاته العينية ،وحتويلها إىل خطاب قابل للتلقي والقراءة ،فإن ّ
ووصفه الثقايف إىل ملفوظات ،وأبسلوب جيعل قارىء النص حيول مشاهداته ْ استطاع أن ّ
وسم الغيغائي بصفة اإلثنوغرايف يتمثل ما هو مرئي وكأنه ُ ٍ
شاهد عيان .ليس القصد هنا إىل ْ
اب الصطالح احلديث ،ولكن التأكيد على أن كل اجلوانب اليت تناوهلا يف وصفه لألماكن
واجملتمعات اليت زارها حموريةٌ يف الوصف اإلثنوغرايف للشعوب والبلدان .ونورد هنا للتمثيل
بعض اجملاالت واجلوانب اليت تناوهلا الوصف:
جمال املدينة/العمران :حظيت املدينة يف خطاب الغيغائي ابهتمام كبري على مستوى
الوصف اإلثنوغرايف ،سواء منه ما يتعلق ابلوصف اجلغرايف ،أم ابلوصف الثقايف .يف هذا
ست مدن مبثابة حمطات رئيسية يف رحلته بدءا مبراكش ،فالصويرة،الباب ،وقف الرحالة على ّ
مرورا مبالطة ،مث اإلسكندرية والقاهرة ،وانتهاء مبكة .مل تكن مدينة مراكش نقطة انطالق
الرحلة فقط ،بل إهنا اخللفية اليت يرى من خالهلا الغيغائي العامل كما أشران إىل ذلك سابقا،
ولذلك كان من الطبعي أن يق ّدمها وكأهنا مدينة استثنائية يف كل شيء" ،فهي من أعظم
مدائن اإلسالم وأفضلها علما وعمال وصالحا وخريات جسام ،واسعة األقطار واألكناف،
كثرية الربكات من كل األنواع واألصناف ،واسعة الرحاب ،عامرة النواحي واألجناب ،مربعة
األشكال ،مزيلة األتراح واألنكال ،كثرية املياه واألشجار ،وأصناف الزروع واألزهار ،وهبا من
كل الفواكه والثمار ،ومن أطيب اللحوم وأصناف األطيار ،ومما ال حيصى كثرة من األنعام
32أدب الرحالت ،حسني حممد فهيم ،سلسلة عامل املعرفة ،1989 ،الكويت ،ص .35
127
أمحد املنادي
وأجناس اخليل والدواب واإلبل زادها هللا خريا على خريها ،ومن كل مكروه صاهنا وأهلها"
الرحالة واملكان ،وجيعل
ينم عن وجود عالقة وجدانية خاصة بني ّ (ص .)47إنه وصف ّ
القارئ يتمثل املدينة ويتخيّلها وكأهنا قطعة من اجلنة يف األرض .ولذلك حرص الغيغائي على
اإلملام مبختلف امليزات اليت متيزها عن غريها من مدن العامل ،يف سعتها وسعة ُدورها وشوارعها
وأسواقها وأفنيتها وأجنيتها .يف هذا املقامْ ،يعقد الرحالة مقارانت بني ما يتمتع به ساكنة
املدينة احلمراء من راحة السكن واتساعه ،وبني ما تعانيه ساكنة مدن كثرية يف املشارق وبالد
النصارى من معاانة بسبب ضيق السكن وغالئه .وللتمثيل على هذه املفارقة ،يذكر أن أهل
احلمراء اللمتونية يسكن الواحد منهم دارا واسعة "وبيوات كثرية وال فوقه وحتته من يزامحه ،وإذا
تزوج ابن عزل نفسه عن أبيه حياء ،أو وقع له غيار مع ولده أو صهره ...فارقه من يومه أو
ساعته لوجود الدُّور وموضع السكىن شراء وكراء برخاء ،وأين هذا من ذاك؟" (ص .)48بعد
املعرب للداير املراكشية ينتقل الرحالة إىل احلديث عن أقواهتا وأطعمتها وفاكهتها
هذا الوصف ّ
ومثارها وهبائمها وساكنتها أبسلوب ينطوي على معرفة دقيقة بتفاصيل حياة املراكشيني
وتشعباهتا.
ّ
أما مدينة الصويرة ،فلم تنل من الوصف اإلثنوغرايف غري خطاب الكرامة الذي يستدعيه
ِّذكرها ،حيث "شاع على ألسنة الناس أن ساكنها سعيد ،ومن مات هبا فهو شهيد ،ومن
طغى فيها فإنه ميوت ابحلديد" (ص )59؛ زايدة على اإلشارات التارخيية إىل ابنيها وما يتميز
ني ومودة وبشاشة وسرور" ،وأكثرهم برابر به مناخها من طيب اهلواء ،وساكنتُها من ل ٍ
السوس ،ليس بوجوههم عسوف وال عبوس" (ص .)60وابالقتصاد نفسه يف الوصف تعامل
الغيغائي مع مدينة مالطة مشريا إىل موقعها اجلغرايف وسط البحر ،وما هبا من خريات ونِّع ٍم،
ابإلضافة إىل فوائد تتعلق بلغة أهلها ،ووقوعها حتت سيادة اإلجنليز ،وموقعها االسرتاتيجي
جتاراي وعسكراي يف البحر املتوسط.
وخالفا هلاتني املدينتني ،فإن اإلسكندرية والقاهرة كانتا بؤرة الوصف يف ما يتعلق ابحلديث
مسك اجلوانب املهمة يف حياة عن بالد مصر ،ويف وصفهما جتلّت قدرة الغيغائي وذكاؤه يف ْ
اجملتمع امل صري ،وتقدميها يف صورة حية ميتزج فيها الوصف اجلغرايف ابلوصف الثقايف
واالجتماعي ،كما يبدو من العناصر املوصوفة اآلتية :بنيان اإلسكندرية وعمارهتا؛ مرسى
اإلسكندرية؛ أولياؤها وصلحاؤها وفقهاؤها؛ تشكيالهتا االجتماعية (إثنوغرافيا األجناس)
وامللل املوجودة فيها؛ فئة النصارى املاسكة ابملواقع واملناصب املهمة يف اجملتمع املصري؛
الصنائع واحلرف وما يالزمها من طقوس؛ جينيالوجيا القاهرة (ابنيها وكيف بناها وسبب
جامع ابشا حممد بن علي وهو من عجائب الدنيا ،وطريقة بنائه وهندسته ومقارنة تسميتها)؛ ِّ
128
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
ذلك بغريه من اجلوامع؛ جتهيزات اجلامع وثرايته وأفرشته وما حييط به؛ أزهار مصر وأشجارها؛
وفرجاهتم...
أحوال املصريني ومعاشهم وعالقاهتم االجتماعية ْ
أما مدينة مكة اليت تُع ّد حمطة الوصول يف الرحلة ،فوصفها الرحالة وصفا ميتزج فيه البعدان
الروحي واملادي ،بوصفها مكاان يستمد بركته من قدسيته ومركزيته يف املمارسة التعبدية عند
املسلمني .وقد انصب الوصف يف مكة جبانب بركتها على اخلريات واملظاهر اليت جتعل منها
لدال" :ومكة هي جنة بقعة ال يضاهيها مكان يف الدنيا ،كما هو خمتزل يف هذا امللفوظ ا ّ
الدنيا وحضرهتا ،وهبا ما تشتهيه األنفس وتستحسنه العقول ،وما تت ّنعم به األجسام ،وزادت
ابلربكة على ذلك والكثرة من كل شيء ويزيد وال ينقص" (ص .)166
جمال التقنيات :ارتبط احلديث عن تقنيات العصر يف كتب الرحلة ابلدهشة اليت أاثرهتا نتائج
الثورة الصناعية وأتثريها يف نفوس املشارقة واملغاربة ،يف سياق اكتشاف اآلخر األورويب .ولعل
الغيغائي كان من أهم الرحالني الذين وقفوا على التفاصيل الدقيقة وهم يرصدون ِّ
ويصفون ّ
مظاهر التقدم عند الغربيني ،واليت تُربهن عليها هذه التقنيات احلديثة املن ِّتقل بعضها إىل بلدان
املغرب واملشرق .ومن أبرز ما حظي ابلوصف عند الغيغائي البابور (الباخرة) الذي وقف،
إضافة إ ىل ما أشران إليه يف فقرة سابقة ،على أبعاد إثنوغرافية وأنثروبولوجية هلذه اآللة
العصرية ،والقصد هنا إىل نظام الرتاتبية داخل الباخرة و ِّ
املعادل للرتاتبية االجتماعية ،حيث
القمرة خاصة بفئة اجتماعية من الناس ،مع ما تستلزمه من عناية وشروط رفاه مناسبة:
"والقمرة من البابور مبثابة القبة الزاهية من البيت احلبور ،مزوقة مزينة أبنواع الزينة والفرش
احلسنة الفاخرة الرفيعة ،مع ّدة لألكابر وأهل التجارة وأرابب الثروة والنظافة والنقاوة ...وهلا
رجال واقفون للخدمة ...نصارى حداق معلمون وأبيديهم بعض املسوح واملناديل ،ميسحون
هبا كل ما رأوا ولو خنامة أو بصاقا( "...ص .)60
مفصال يف آلة التلغراف مبا هي تقنية حديثة تعوض الطريقة التقليدية
كما توقف الغيغائي ّ
يف نقل اخلرب ،إذ صار إبمكان مستعمليه االقتصاد يف زمن الرتاسل والتواصل .ومل ي ُفته أن
يعرب عن إعجابه هبذا اإلجناز التقين وما أحدثه من أتثري يف حياة اجملتمع ،حىت ع ّده من
ّ
معجزات العصر" ،وهذا السلك أيضا من العالمات الرابنية واالستنباطات العقلية ،فسبحان
من يلقي يف القلوب ما شاء مىت شاء" (ص .)85
وكذلك الشأن ابلنسبة لبابور الرب (القطار) ،الذي انل إعجاب الرحالة خاصة يف طريقة
استعماله من طرف املصريني .ولذلك أفرد هلذه اآللة فقرات وصف فيها ابلدقة كل ما يتعلق
129
أمحد املنادي
ابلقطار ،من حيث أصلُه وتسميته وطريقة اشتغاله ،ومكوانته ،وس ّكته اليت ميشي عليها،
ونظام استعماله من طرف املسافرين ،وما يقتضيه ذلك من إجراءات وعادات.
ومن عالمات العصر املوصوفة آلة الطباعة ،حيث كان مروره مبصر مناسبة للوقوف،
معاينةً ،على الطباعة وما أحدثته يف الواقع الثقايف والعلمي للناس .فلم ي ُفته أن يصف آلة
الطباعة ،ودارها (مطبعة بوالق) ،واألنظمة املوازية هلا من قبيل توزيع الكتب ونشرها ،ونظام
التصحيح والتدقيق اللغوي هبا ،واللجان العلمية املن ّقحة لكتبها ،مث د ْور املطبعة يف نشر
الكتاب ِّ
وتناقل املعارف وتبادهلا بني الروم واإلفرنج واملسلمني.
جمال الطّباع واألخالق :إن قارئ نص الغيغائي جيد نفسه أمام فقرات ُهتىيء له املؤلِّّف وكأنه
لم يبحث يف الطباع واملميزات األخالقية ِّ
على ق ْدر من الدراية بعلم الطباع ،من حيث هو ع ٌ
للفرد وعالقة ذلك ابجملتمع والبيئة .لقد م ّكنت طريقة الوصف اليت انتهجها الرحالة يف هذا
اجملال من توفري معطيات يف الطباع والسلوك تكتسي بُعدا أنثروبولوجيا (أنثروبولوجيا
األخالق) يساعد على فهم شخصية اجملتمعات املوصوفة وقراءة سلوكاهتا .ويستوقفنا يف هذا
بسطه لطباع أهل احلضرة املراكشية ،واستغراقه يف ِّذكر أخالقهم املضمار على سبيل التمثيل ْ
وسلوكهم حنو اآلخرين ،مع إجراء مقارنة بينهم وبني أهل فاس ،فاملراكشيون "أفضل الناس
عشرية ،وألينهم عريكة ،وأوسعهم صدورا ،وأكرمهم وأكثرهم سرورا ...ال متجربين وال
متكربين ،يفرحون ابلقريب ويولفون الغريب ...وذلك لقرب ألفتهم للناس ،وميلهم إىل
القريب وإىل حبه وتوليته دون غريهم من الناس ،فإن الغريب عندهم حمقور ،وبعيد الوطن
مرتوك مقهور .انظر إىل فاس وأمثاهلا فإن القريب عندهم مهمول ،وقوله عندهم غري مقبول،
وإن ملئت يده متاعا ،وحسن هلم أخالقا وطباعا ،وهذا الطبع فيهم غريزي ،وليس ببديهي"
(ص .)50
بل إن الغيغائي يذهب بعيدا يف الوصف السلوكي والسيكولوجي للمجتمع ،إن جاز
التعبري ،مفسرا السلوك والطباع بعوامل خارجية ،كما يتضح يف وصف طباع أهل الصويرة
وأتثري البيئة يف أخالقهم ،فاملدينة "طيبة اهلواء مزيلة عن القلب اجلوى ،معتدلة الطبيعة بني
احلرارة والربودة ،أهلها أهل لني ومودة ،وبشاشة وسرور وحمبة" (ص .)60ولعل الشيء نفسه
فعل الرحالة وهو يسرب أغوار اجملتمع املصري ،يصف أخالق املصريني ويصنفهم وفقا
لطبائعهم وما يصدر عنهم من مواقف وتصرفات يف خمتلف األحوال .وكان للنساء املصرايت
حظ وفري من وصف الرحالة الذي أبرز ميزاهتن عن غريهن يف فنون التواصل وقواعده ،وما
تنطوي عليه طبائعهن يف جمال املعامالت االجتماعية.
130
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
جمال الزواج :يف ابب الزواج يقدم الغيغائي ،خالل وصفه اجملتمع املصري ،سرية إثنوغرافية
هلذا احلدث االجتماعي انقال تفاصيله الدقيقة ،بدءا بتجهيز العروس وما يرافق ذلك من
رصد بعض السلوكات اليت مل طقوس وعادات ،وانتهاء بقدوم العروسة إىل بيت الزوج ،مع ْ
ُيرق بعضها مزاج الرحالة ،خاصة يف سياق املقارنة بني مصر واملغرب يف بعض الظواهر
املصاحبة للزواج ،كما تعكس ذلك املؤشرات التعبريية اآلتية" :وأما أهل املغرب فإهنم مينعون
بناهتم من التزويج حىت يتعنسن ،سيما أهل الثروة منهم ،أو من له أدىن جاه ومال يرتك بنته
أو أخته إىل أن متشط الشيب عن رأسها ...وعندهم فعلة قبيحة شنيعة ...وهذا أمر عجيب
وهو عندان هني مهمل" (ص .)126وقد كان وصف الزواج ِّ
وذكر مراسيمه مناسبة لتقدمي
بعض أشكال الفرجة عند املصريني وطرق االحتفاء لديهم ،مع الوقوف على معطيات هلا
صلة أبصول هذه الفرجات ومصادرها.
جمال األطعمة واألشربة :ش ّكلت عناصر التغذية ونظامها حمورا من حماور اهتمام الغيغائي يف
وصفه اإلثنوغرايف للمجتمعني املغريب واملصري .فرحلته تضع أمام القارئ رصيدا من املعطيات
اإلثنوغرافية واألنثروبولوجية حول أصناف األطعمة واملواد الغذائية املتداولة يف القرن التاسع
عشر ،خاصة يف مدن مراكش وفاس والصويرة وبالد مصر ،مع ما يتصل بنظام التغذية من
إحا الت على االنتماء االجتماعي وتراتبيته (نظام التغذية لدى طلبة األزهر ،وارتباط أنواع
من األكل ابخلواص والكرباء يف اجملتمع املصري) .وحيسن اإلشارة يف هذا السياق إىل
االهتمام الذي أواله الغيغائي ملاديت الدخان (اتابغا) والقهوة ابعتبارمها طارئتني على أغذية
اجملتمعات املوصوفة ،وتنطواين على حتوالت اجتماعية وسلوكية يف زمن الرحالة .ففي مصر
انتشر تعاطي الدخان حىت صار مالزما للرجل واملرأة معا ليال وهنارا" ،وترى الرجل جيري
وعمود الدخان طالع من فيه ،أو هو انئم وقضيب الدخان ال ينزعه من فيه ...والنساء
كذلك يشربنه ،وبعضهن يف األزقة واألسواق والشواب فضال عن العجائز ...وهو (أي
الدخان) من التنباك ،يعين طابة ،وهي تباغا بلغتنا ...ومن مل يشرب هذا الدخان فليس
عندهم بشيء ،ويتفاخرون بكثرة شربه سيما أكابرهم وأهل الثروة ،وت ْلقى الرجل املسكني مل
يلبس إال ما يواري به عورته ،وهو ال يفارق هذا الدخان فما استفاده ينفقه فيه" (ص .)118
أما عن الدخان يف املغرب ،فقد رصد الرحالة رحلة هذه البلوى وانتقاهلا إليه مستندا يف ذلك
إىل معطيات اترخيية ،مع توصيفه ملا أضافه املغاربة للدخان من مشتقات ،خاصة طابة
املسحوقة "اليت عمت هبا البلوى ابملغرب شيوخا وشباان ،سيما املدينة البيضاء فاس ونواحيها،
وجبال الزبيب يشموهنا فقيها ونقيها حىت النسوان" (ص .)120وكذلك األمر ابلنسبة للقهوة
اليت هي "أخت الدخان يف املشارق ومرافقته يف األزقة والشوارع والنمارق ،فبهما تلذذهم...
131
أمحد املنادي
وهبما إكرامهم ملن أرادوا كرامته ،فإ ْن انولك الرجل قضيب الدخان أو فنجاان من القهوة...
فقد أدى لك مجيع احلقوق ...وهكذا يشرهبا األكابر واألمراء" (ص .)122وقد انتقلت
وعمت أقطاره "وكثرت اليوم مبراكش ،وطاملا حصر القهوة على غرار الدخان إىل املغرب ّ
احلكام أمرها واجتهدوا يف دفعها ،ومل تزدد إال كثرة ،والناس فيها إال رغبة" (ص .)124
33مما يعزز البعد السياسي يف خطاب الغيغا ئي مواقفه املبثوثة يف ثنااي النص الرحلي ،من قبيل مناصرته للسلطان عبد
الرمحان بن هشام واحلكم العلوي الشريف ابملغرب بشكل عام؛ وإعجابه بسياسة حممد ابشا يف مواجهة الروم؛ وتفسريه
ألسباب هزمية املسلمني أمام النصارى...
34خالد زايدة ،مالحظات حول تطور النظرة اإلسالمية إىل أورواب ،الفكر العريب ،عدد ،31سنة ،1983ص .135
35م.ن ،ص .128
132
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
العدو املشؤوم" (ص )62؛ "..والكفار " ...وكذلك عند نزوله ودخوله لبعض مدائن الرومّ ،
لعنهم هللا" (ص )63؛ " ...وتليها كنيسة النكليز أدام هللا ذهلم" (ص )81؛ " ...ولكن هذا
السلطان –أي عبد احلميد -دفع بعض ذل املسكوف وجلب لنفسه ومملكته ذليلني من
هذين اجلنسني -أي أجناس الروم يف اإلسكندرية -أذهلما هللا ،حيث استعان هبما وأطلعهما
على عورته ،ادام هللا لنا حياة سلطاننا اإلمام اهلمام موالان عبد الرمحان بن هشام ،ألنه رضي
هللا عنه اشتغل ابملكائد العقلية واحليل الفكرية مع هؤالء األرجاس الكالب الضارية
األجناس" (ص )81؛ " ...وكنا نسأله عن سرية اإلفرنسيس دمره هللا فيجيب عما رأى
ومسع من أحواله" (ص )82؛ "ومن دانءة هذا القطر املصري ِخدمتهم النصارى ،وإذا ركب
النصراين مشى الفالحون أمامه وخلفه" (ص )83؛ "فإين رأيت يف اتريخ ابن خلدون ...أن
سبب لباس السواد يف النصارى ،لعن هللا مجيعهم( "...ص )116؛ "والروم املقتولون من
األجناس الثالثة املسك والنكليز وفرانسيس لعنهم هللا" (ص )151؛ "مث إن النصارى لعن هللا
ودمرهم( "...ص .)152 دينهم ّ
ال شك أن للسياقني التارخيي والسياسي أثرمها الفعال يف بناء تصورات الغيغائي ورؤاه يف
ما خيص عالقته ابآلخر ،كما أن اإلطار املرجعي ،متمثال يف اإلسالم أبفقه الثقايف املغريب،
يش ّكل مصدر إهلام للرحالة وهو يكتب عن اآلخر ،وحياول أن ُمي ْوقع ذاته املغربية مقارنة مع
ذوات أخرى مغايرة ،ويف ظل هذه املقارانت اليت جيريها الغيغائي جنده ينتصر دائما للذات
تفوق اآلخر وقوته املادية .وميكننا عموما استخالص أن الغيغائي ابلرغم من إقراره أحياان ُّ
يشيّد متثالثه بناء على ثالثة عناصر:
أوال ،التصورات الذهنية اليت استقاها الرحالة من التاريخ والواقع ،خاصة ما يتصل ابلوقائع
العدو؛
اليت توحي هبزمية املسلمني أمام اآلخر ّ
اثنيا ،املقارانت اليت جيريها الغيغائي بني مشاهداته أثناء الرحلة وبني املرجع املعيار املتمثل يف
املغرب ومراكش ،حبيث يصري جمال االنتماء اجلغرايف والثقايف بؤرةً موِّّجهة لنظرة الرحالة ،ومرآةً
يرى من خالهلا الغري؛
اثلثا ،الغريية مبا هي انتصار للذات من خالل إبراز خصوصيات اآلخر املختلف ،ابلرتكيز
على اجلوانب املبخسة فيه ،واملظاهر املنقصة من صورته.
133
أمحد املنادي
خامتة
يف خامتة هذا املقال ،خنلص إىل أن حممد الغيغائي الوريكي ميثل منوذجا من مناذج مثقفي
البادية املغربية يف القرن التاسع عشر ،استطاع بفعل عوامل عدة ،يرجع بعضها إىل طبيعة
نصا رحليا
تكوينه وبعضها اآلخر إىل السياق التارخيي والثقايف الذي عاش فيه ،أ ْن يكتب ّ
يرصد فيه جتربته الذاتية خالل رحلته إىل احلجاز .ويف الوقت الذي كان الغيغائي يكتب عن
ذاته ،كان يف اآلن نفسه يسعى إىل كتابة اآلخر ،فشيّد من خالل جتربته تلك صورة عن
الذات املغربية عموما ،وعن ذات الرحالة خصوصا ،مستفيدا مما تتيحه الكتابة الرحلية من
إمكاانت وصفية ترتكز على ما هو مغاير إثنوغرافيا وأنثروبولوجيا.
لقد مثّـلت الذات املغربية آبفاقها املتنوعة مركز التفكري والنظر عند الغيغائي ،وهو بذلك
متثيل للنموذج املتمركز حول الذات يف مقابل الرؤية املتمركزة حول اآلخر ،واليت سادت
كتاابت كثري من الرحالة املسلمني واألجانب .إن نص الغيغائي جاء حافال خبطاابت متنوعة
تعكس موسوعيته على مستوى املعارف التارخيية والدينية واالجتماعية ،واليت كشفت يف
ينم عن امتالكه أدوات منهجية حس منهجي ّ عما يتميز به الرحالة من ّ بسطها ّ طريقة ْ
وحتليلية ،م ّكنته من تفكيك املعارف والظواهر اليت تناوهلا يف نصه ،تفكيكا ال يقل قيمة ع ّمن
صدرون يف مقارابهتم عن املناهج احلديثة .ولعل مأْتى متيز النص الرحلي للغيغائي ،جبانب ما يْ
ينطوي عليه من متثّ ٍل للذات وللغري ،ما يزخر به من خطاابت معرفية متعددة املشارب
واملصادر ،وما حيمله من هواجس تعكس أفق خنبة من خنب املغرب املثقفة زمن الغيغائي.
134
النص واملعرفة يف حمكيات السفر :الغيغائي الوريكي ورحلته احلجازية
املراجع
ابن خلدون ،)2004( .املقدمة ،حتقيق عبد هللا حممد الدرويش ،ط ،1دمشق ،دار
يعرب.
ابن فضالن ،)1960( .رسالة ابن فضالن يف وصف بالد الرتك واخلزر والروس والصقالبة
سنة 309هـ921 /م ،حتقيق سامي الدهان ،دمشق ،املطبعة اهلامشية.
األخضر ،حممد ،)1977( .احلياة األدبية يف املغرب على عهد الدولة العلوية (-1075
،)1894-1664 /1311ط ،1الدار البيضاء ،دار الرشاد احلديثة.
أكنسوس ،أبو عبد هللا حممد ،)1918( .اجليش العرمرم اخلماسي يف دولة أوالد موالان
علي السجلماسي ،فاس.
بروفنصال ،ليفي ،)1977( .مؤرخو الشرفاء ،تعريب عبد القادر اخلالدي ،الرابط،
مطبوعات دار املغرب للتأليف والرتمجة والنشر.
البيذق ،أبو بكر بن علي الصنهاجي ،)1971( .أخبار املهدي بن تومرت وبداية دولة
املوحدين ،الرابط ،دار املنصور للطباعة والوراقة.
التازي ،عبد اهلادي ،)2005( .رحلة الرحالت :مكة يف مائة رحلة مغربية ورحلة ،اجلزء
الثاين ،الرايض ،مؤسسة الفرقان للرتاث اإلسالمي.
التاسافيت ،عبد هللا بن إبراهيم ،رحلة الوافد ،حلظات من اتريخ أدرار ن درن (أطلس
مراكش) وسوس يف القرن 12اهلجري 18 /امليالدي ،حتقيق علي صدقي أزايكو ،الرابط،
منشورات كلية اآلداب والعلوم االنسانية ابلقنيطرة ،سلسلة نصوص وواثئق رقم ،1مطبعة
املعارف اجلديدة.
زايدة ،خالد" ،)1983( .مالحظات حول تطور النظرة اإلسالمية إىل أورواب" ،الفكر
العريب ،عدد ،31ص .136 -128
السوسي ،حممد املختار ،)1961( .املعسول ،ج ،9الرابط ،مطبعة الشمال األفريقي.
الصقلي ،خالد بن أمحد" ،)2002( .جوانب من اتريخ األشراف ابملغرب وحتقيق
أنساهبم" ،جملة الذخائر ،العددان 11و ،12السنة الثالثة ،ص .18 -3
135
أمحد املنادي
العبدري ،)2005( .رحلة العبدري ،حتقيق علي إبراهيم كردي ،ط ،2دمشق ،دار سعد
الدين للطباعة والنشر والتوزيع.
الغاشي ،مصطفى" ،)2020( .املؤرخ والرحلة أو كيف تتصدر الرحلة مدونة املؤرخ؟" جملة
أسطور ،عدد ،11ص .251 -238
الغيغائي ،حممد ،)2018( .من املغرب إىل احلجاز عرب أورواب ،1857حتقيق سليمان
القرشي ،أبوظيب ،اإلمارات ،دار السويدي للنشر والتوزيع.
القبلي ،حممد( .إشراف وتقدمي) ،)2011( ،اتريخ املغرب – حتيني وتركيب ،الرابط،
منشورات املعهد امللكي للبحث يف اتريخ املغرب ،مطبعة عكاظ اجلديدة.
كايف ،أمحد ،)2013( .مشاريع اإلصالح السياسي ابملغرب يف القرنني التاسع عشر
والعشرين ،القاهرة ،دار الكلمة للنشر والتوزيع.
كنون ،عبد هللا ،)1961( .النبوغ املغريب يف األدب العريب ،ج ،1ط ،2بريوت ،دار
الكتاب اللبناين.
املنوين ،حممد ،)1953( .من حديث الركب املغريب ،تطوان ،مطبعة املخزن.
املنوين ،حممد ،)1985( .مظاهر يقظة املغرب احلديث ،الدار البيضاء ،ج ،1ط،2
منشورات اجلمعية املغربية للتأليف والرتمجة والنشر.
املنوين ،حممد ،)2000( .الفقيه املنوين أحباث خمتارة ،الرابط ،منشورات وزارة الشؤون
الثقافية.
136
151-137 ص،2021، العدد السادس عشر،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-مجلة أسيناگ
Manuscripts are one of the most important cultural and scientific legacies of
the Republic of Niger. They are a major indicator of its history and of the
attachment of its tribes to knowledge. This study is meant to shed light on
some Amazigh manuscripts that are observed in the libraries of this country,
in particular in the document library of the Department of Arab and Ajami
Manuscripts at the Institute of Research in Human Sciences (IRSH) of
Niamey. We try to address some of the contributions that these manuscripts
have on the history and civilization of the Tuareg nomad people who live in
the great Sahara.
خالل مهمة علمية بقسم املخطوطات العربية والعجمية مبعهد األحباث يف العلوم،نضجت فكرة نشر هذا املقال 1
منهم، مجعتين ببعض الباحثني هبذا القسم.2019 نونرب2 أكتوبر و26 وذلك ما بني، جبامعة نيامي ابلنيجر،اإلنسانية
. فقبل الفكرة مشكورا، الذي اقرتحت عليه البحث يف موضوع املخطوطات املتعلقة ابألمازيغ هبذا القسم،سالو احلسن
137
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
تعترب دول إفريقيا جنوب الصحراء من املناطق اإلفريقية اليت تزخر بعدد وافر من
املخطوطات املكتوبة ابحلرف العريب .اشتهرت هبا مدن كثرية ،مثل :أغدس ()Agadez
ابلنيجر وشنقيط ( )Chinguetمبوريتانيا ،وتنبكت ( )Tombouctouمبايل ،وكتسينا
( )Katsinaبنيجرياي .حضي هذا الرتاث ابهتمام عدة ابحثني ،داخل القارة اإلفريقية
وخارجها؛ تشرتك دراساهتم يف الرتكيز على دور هذه املخطوطات يف نشر وترسيخ احلضارة
العربية يف بالد السودان؛ خصوصا اللغة العربية والدين اإلسالمي واملذهب املالكي وقراءة
القرآن الكرمي برواية ورش .من مناذج هذه الدراسات :تلك اليت ألفها حسن موالي حول:
"املخطوطات اإلسالمية مبعهد األحباث يف العلوم اإلنسانية جبامعة نيامي" ،سنة 2004م،
وآدما أدايبو ( ،)Adama Adiabouيف موضوع" :املخطوطات العربية اإلسالمية النيجريية"،
2015م؛ مث سالو احلسن () Salou El-Hassanيف قضية "املخطوطات العربية يف النيجر،
كنوز يف طي النسيان"2019 ،م .كما سبق لدجيبو هاماين )Djibo Hamani) ،أن كتب
حول "املصادر العربية املتعلقة ابلطوارق يف إفريقيا جنوب الصحراء" ،سنة .1981
استغلت هذه املخطوطات ألجله ،تعترب هذه األخرية أيضا إىل جانب البعد العريب الذي ْ
مادة خصبة لقضااي أخرى ال تقل أمهية ،مثل البعد األمازيغي يف اتريخ وحضارة بالد
السودان ،إ ذ تزخر مبعلومات مهمة حول القبائل األمازيغية القاطنة هبذا البلد ،واملصطلح
عليها ابلطوارق ،مبا يف ذلك أنساهبا ومؤثراهتا احلضارية وما أقامته من ممالك وإمرباطورايت
هبذه البلد.2
تروم هذه املسامهة ،جرد مناذج من املخطوطات اليت تعكس اتريخ وحضارة األمازيغ يف
دولة النيجر ،خصوصا من خالل تلك احملفوظة بقسم املخطوطات العربية والعجمية مبعهد
األحباث يف العلوم اإلنسانية ،جامعة عبدو موموين ،مبدينة نيامي؛ املسامهة اليت نتمىن أن
تكون إضافة جديدة إىل ما سبق أن أنتجه الباحثون النيجرييون يف هذا اجلانب ،من خالل
حتقيقهم لبعض املخطوطات املتعلقة ابألمازيغ يف بالدهم.3
تشكل قبائل الطوارق نسبة مهمة ضمن ساكنة إفريقيا جنوب الصحراء ،تنقسم من الناحية اجلغرافية إىل مخسة فيدراليات 2
وهي :كل أجيري ( )KelAjjirيف الشمال الشرقي وكل اهكار ( )KelAhaggarيف الشمال وكل آيري ( )Kel Aïrيف
اجلنوب الشرقيي ،وكل تدمكا ( )KelTadmekaيف اجلنوب الغريب ،وكل اتكريك رايت ( )Kel Tagaryga-Raytيف
الوسط .أنظر:
Johannes, Nicolaisen, Structures politiques et sociales des Touaregs de l’Air et de l’Ahaggar,
Nouvelle éditions de l’Institut de recherches Humaines, Niger 1982, p 21-22.
3لقد سبق أن حقق ابحثون نيجريون بعضا من هذه املخطوطات ،منها" :اتريخ أبلغ وغريها من املناطق" ،للشيخ عيسى
بن منصور األغاليل ،حققه وترمجه إىل اللغة الفرنسية ،حسن موالي ،و"أجوبة حمررة عن أسئلة مقررة يف جواب الشيخ
138
املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر :مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية
شيصمص" ،للشيخ عثمان بن فودي ،حققه أيوب الوايل .أنظر سالو ،احلسن" ،أحوال منطقة أزواغ ،من مرحلة ما قبل
االستعمار إىل عام " ،1960منشورات دار لوتس للنشز احلر ،القاهرة ،2019،ص.85
4
Dominique, Casajus, Écritures ordinaires en pays touareg, Revue française d’anthropologie,
n 201, 2012, p1-2.
5إبراهيم بن عبد هللا أزانك" ،منظومة تزانكت للحسن التاموديزيت" ،دراسة وحتقيق وتعريب حممد اهلاطي ،الرابط.2015 ،
6
Maman, Saley, les Touaregs du passé au futur, Revue internationale d'anthropologie et de
sciences humaines, n 41-42, 1996, p68.
7
Djibo, Hamani, l’Islam au Soudan Central, Histoire de l’Islam au Niger, du VIIe au XIXe
Siècle, l’Harmattan, Paris 2007, p.75.
8
Bunus, Suzanne, Recherches sur les centres urbains d’Agadez et d’In-Gal, Revue de Monde
Musulman et de la Méditerranée, n11, 1972, p52.
9سالو ،احلسن أحوال منطقة أزواغ ،من مرحلة ما قبل االستعمار إىل عام ،1960ص .87
139
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
10
Urvoy, Yves. Chroniques d’Agades, Journal des Africanistes; Année 1934, n 4-2.p146.
11
Bunus, Suzanne, Recherches sur les centres urbains d’Agadez et d’In-Gal, Revue de
Monde Musulman et de la Méditerranée, n11, 1972, p53.
12
Bernus, Edmond, Vallet d’Aawagh, Niger, Etudes Nigériennes, n 57, 1954, p36.
13نبيل ،بناغا هليدو :االستعمار واحلركات الصوفية يف بالد السودان الغريب ،رسالة املاجستري ،شعبة أصول الدين -جامعة
الزيتونة ،2003ص.5
14
Finn, Fuglestad, Les révoltes des Touareg du Niger, (1916-1917), Cahiers d'études
africaines, vol 13, n 49, 1973, p108-109.
140
املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر :مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية
15
Hassane, Moulaye, Les Manuscrits Ajami de Département des Manuscrits Arabes et Ajami
de l’IRCH, l’Université de Niamey, in Les Manuscrits Arabes et A’jAjami dans la Région
Soudano- Sahélienne, Institut des Etudes Africaines, Rabat, 2006, p86.
16حس ،موالي ،فهرس املخطوطات اإلسالمية املوجودة مبعهد األحباث يف العلوم اإلنسانية ،النيجر ،لندن مؤسسة الفرقان
للرتاث اإلسالمي ،ج ،1سنة ،2004ص .23-22
141
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
دمرغو" للشيخ حسني بن احلاج األغدسي ،من دمرغوا ،وخمطوط"نبذة من اتريخ إماجغ ْن
وك ْل السوق" من أتليف مهدي بن الصاحل الشريف.
تنضـ ــاف إىل املخطوطـ ــات السـ ــابقة الـ ــذكر ،خمطوطـ ــات أخـ ــرى مهمـ ــة ،جمهول ـ ــة املؤلـ ــف،
يكتسـ ــى مض ـ ــموهنا أمهيـ ــة كب ـ ــرية يف حضـ ــارة الط ـ ـوارق ،منهـ ــا"اتريخ أزواد يف أخب ـ ــار الرباي ـ ــيش
وحـ ُـروهبم" وخمطــوط "معاهــدة بــني الت ـوارق وســنغي" وخمطــوط "اتريــخ ســالطني آهــري مــن أهــل ُ
أغيغي وتعزرت"17.
جلبت هذه املخطوطات من جهات خمتلفة داخل النيجر وخارجه ،لكن تلك اليت مجعت
يف بالد اآليري وأزواغ عموما ،هي اليت تشكل األغلبية ،مثل مدينة أكدس املصنفة حاليا،
لسبب كثرة الرتاث املخطوط هبا ،ترااث عامليا لليونسكو ومدينة تكدا ومدينة بلما
( ،18)Bilmaاليت استطاعت أن تكون لنفسها خصوصيات حملية ،منها تطويع اخلط املغريب
املشهور ببالدالسودان وتعويضه خبطوط حملية ،يصطلح عليها ابخلط السوداين والسوقي نسبة
إىل كل السوق مبايل احلالية.19.
ْ
.3بعض من حضارة الطوارق من خالل خمطوطات هذا القسم
ليس من السهل إحصاء كل املعلومات اليت تقدمها هذه املخطوطات حول اتريخ
وحضارة الطوارق ،فهي تزخر إبشارات مهمة حول موروثهم الثقايف يف شىت العلوم ،مثل
التاريخ واآلداب واحلياة السياسية واالجتماعية واالقتصادية ،غري أننا سنكتفي يف هذا احملور
ابلرتكيز على بعض املعلومات اليت توفرها حول القضااي اآلتية:
أصـ ـ ــل الطـ ـ ــوارق :يشـ ـ ــكل هـ ـ ــذا اجلانـ ـ ــب املوضـ ـ ــوع الرئيسـ ـ ــي يف كثـ ـ ــري مـ ـ ــن هـ ـ ــذه
املخطوطــات ،اخنرطــت يف اجلــدال القــائم حــول األصــول األوىل لألمــازيغ ،مبــا فــيهم الط ـوارق،
وكيــف اســتقروا يف مشــال إفريقيــا وبــالد الســودان؛ حيــث يشــكل األصــل املشــرقي هلــؤالء القاســم
املشــرتك بــني أغلــب أصــحاهبا ،خصوصــا األصــل الفلســطيين واليمــين .تبنــاه صــاحب كتــاب"
ـودي ،حيــث ذكــر البقــول النواطــق يف شــأن الرببــر والطـوارق" ،حملمــد بِّــل بــن عثمــان بــن حممــد فُـ ِّ
ُ
أن األصــل األول لألمــازيغ هــو بــالد فلســطني" ،خرجـوا منهــا متــوجهني إىل املغــرب حــىت انتهـوا
17حول رقم تصنيف هذه املخطوطات داخل قسم املخطوطات العربية والعجمية ،أنظر اجلدول أسفله.
18
Aboubacar, Adamou, Agadez et sa région, études nigériennes, n 44, 1976, p1-50.
19قاسم ،السمرائي ،اتريخ اخلط العريب وتطوره ،مركز مجعة املاجد ،ديب ،1999 ،ص.31
142
املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر :مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية
إىل لوبيا ومراقبة .فتفرقوا هناك فتقدمت زانتة ومغيلة إىل املغرب وسكنوا اجلبال وتقدمت لواتـة
فســكنت أرض ط ـرابلس ...وانتشــروا حــىت بلغ ـوا الســوس" .20أيــد هــذا األصــل أيضــا صــاحب
خمطوط" :حبث عن قبيلة متْغُ ْـر ابلنيجـر" ،حيـث أشـار إىل أن هـذه القبيلـة الطاريقيـة" :أول مـن
خــرج منهــا مــن الــيمن اإلمــام حيــىي" .21هــذا ابإلضــافة إىل خمطوطــات أخــرى هلــا نفــس املوقــف
ـوق" حيــث اعتــرب األمــازيغ" مــن ذريــة بربــر بــن مثــل خمطــوط" نبــذة عــن اتريــخ إمـ ِّ
ـاج ْغ ْن وكـ ْـل السـ ْ
قيس بن غيالن".22
نظ ــام تولي ــة احلك ــم :حتت ــوي ه ــذه املخطوط ــات عل ــى معلوم ــات مهم ــة ح ــول ه ــذا
اجلانــب ،جــاءت فيهــا إشــارات حــول أمســاء الســلطنات الــيت حكمــت مشــال النيجــر ،وأمســاء
امللوك الذين تعاقبوا عليها ،ومدة حكمهـم وغـزواهتم مبـا يف ذلـك نظـام تـوريثهم للحكـم ،حيـث
ال يتــوىل الســلطنة لــديهم ســوى مــن كانــت أمــه متسلســلة النســب23؛ ومــن املخطوطــات الــيت
تناولــت هــذا اجلانــب :خمطــوط "كلــوي ونبــذة عــن اتريــخ معركــة تعـواج وأصــل ســندل" ،جمهــول
املؤلف ،مث خمطـوط "سـالطني آهـري" ،تتبـع هـذا األخـري أمسـاء ملـوك سـلطنة هـؤالء ومـدة حكـم
كل واحد منهم ،وأمساء أمهاهتم والقبائل الـيت ينحـدر منهـا كـل ملـك ،وذلـك يف الفـرتة املمتـدة
ما بني سنة 807هجرية إىل 1325هجرية.
االحتكام إىل األعراف :ممـا ورد يف بعـض هـذه املخطوطـات أيضـا :بعـض اإلشـارات
حــول االع ـراف املنظمــة للحيــاة االجتماعيــة عنــد الط ـوارق ،خصوصــا تلــك املنظمــة لعالقــات
املســتقرين ابلرحــل وعــادات الــزواج والــوالدة والعقــوابت العرفيــة املفروضــة علــى املخــالفني هلــذه
ودي " ،البقول النواطق يف شأن الرببر والطوارق" ورقة ،3-2رقمه يف قسم املخطوطات 20حممد بِّل بن عثمان بن حممد فُ ِّ
ُ
العربية واألعجمية .273
21مصطفى اب غا" ،حبث عن قبيلة متْغُْر يف بيلْما (النيجر) "،ورقة .4- 1يوجد يف قسم املخطوطات حتت رقم .34
22ال نريد أن ندخل يف اجلدال القائم حول هذه النظرية ،وال حول األسباب اليت جعلت أصحاب هذه املخطوطات
يتبنوهنا ،لكن يف احلقيقة هي نظرية سياسية واجتماعية ،أكثر مما هي حقيقة اترخيية .تشبث هبا الكثري من النسابة مبا
فيهم األمازيغ ،نظرا للمكانة الروحية للمشرق يف قلوهبم ،كمنبع للدين واحلضارة ،وملا ترسخ لديهم من كون النسب
القريشي ،شرط من شروط اخلالفة؛ هلذا يتبناه كل من له الرغبة يف الرائسة واحلكم .تشبث به األمازيغ وحىت أهل
السودان ،أنظر حممود كعت ،اتريخ الفتاش ،ص 54وعبد الرمحان السعدي ،اتريخ السودان ،ص .2انظر أيضا:
Hélène Claudot-Hawad, Des États-Nations contre un peuple : le cas des Touaregs, Revue
des mondes musulmans et de la Méditerranée, Année 1987, n44, p50.
23يشكل خمطوط "سالطني أهيري من أهل اغيغي وهتزرت" من منوذج املخطوطات اليت تتبعت أمهات سالطني بالد اآليري،
حيث أكد أن ابن أخت السلطان هو الذي يرث احلكم .أنظر الصفحات .8 ،5 ،4 ،2:يوجد هذا املخطوط بقسم
املخطوطات العربية والعجمة حتت رقم.1751.
143
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
االعراف .يعترب صاحب خمطوط "اتريخ دمرغو" ،الشيخ حسني بن الشيخ االقـدزي ،أهـم مـن
فصل يف هذا اجلانب ،فقد حتدث عـن العـرف املـنظم للعالقـات بـني الرحـل واملسـتقرين ،حيـث
قــال ":عــادة بــني الت ـوارق واألعــاجم والربابــر ...وأمــا حكــم إذا اختلــف أصــحاب البســتان يف
التخــوم يف أول التعمــري مـ ِّـن الســابق واملســبوق ،فــإن يتســاواي يف التخــوم وإذا مل تكــن يف البلــد
طريــق الــدواب ،وتري ـد ســد الغــنم إىل املراعــي يف وقــت االزدراع وحــاكم األرض يقــدم الــدواب
ويســري إىل أيــن شــاء ،حــىت إذا انتهــى إىل املرعــى ويكــون أثــره هــو الطريــق ويـُـؤمر صــاحب الــزرع
بقطع زرعه وخيلي الطريق" .24كما حتدث عن العرف املنظم لطقوس الـزواج والـوالدة واإلنفـاق،
حيــث قــال يف الكســوة" :وإذا اختلــف الــزوج والزوجــة يف الكســوة وال حكــم لــزوج يف الكســوة
إال الكســوة األوىل ،ولــيس عليــه كســوهتا إال أن يعطيهــا "شــحمة؟" للفتــل لتكتســى بنفســها"25
كمـا قــال حــول اجلهــاز املتعلـق ابلــزواج" :وإذا أويت عروســة إىل بيــت عروسـها يقرهنــا آابؤهــا مــع
صــداقها وأيت ــون بــه إىل الــزوج" .26أمــا حــول أول والدة ،فقــد أشــار إىل أن امل ـرأة "إذا ول ــدت
بكرا أول والدهتما ،يؤتى إليها تسع دجاجات وتيس من املعز وثالثة كؤوس فيهـا دخـن وملـح ً
امســه فــوتى مــع فلفــل وكزبــرة ،ويف ســابع اليــوم مــن الــوالدة وال يــذبح شــاة العقيقــة حــىت يعطــون
عصبة الزوج اثنان زراع من ساواي"27
خامتة
لقد حاولنا من خالل ما سبق ،سرد بعض مناذج من الرتاث املخطوط املتعلق ابألمازيغ
يف إفريقيا جنوب الصحراء؛ خصوصا ذلك احملفوظ يف قسم املخطوطات العربية والعجمية
مبدينة نيامي النيجريية .وقفنا عند بعض املناطق اليت جلب منها ،وبعض القضااي األمازيغية
اليت تعكسها ،مبا يف ذلك مهارة علماء الطوارق يف بعض فنون املعرفة املتداولة آنذاك ،واحلياة
السياسية واالجتماعية والثقافية عند هؤالء؛ وابلرغم من أننا مل نتصفح سوى نزر قليل من
هذه املخطوطات ،نؤكد على أهنا جديرة ابالهتمام والتحقيق والنشر ابعتبارها مرجعا ال حميد
عنه لدراسة البعد األمازيغي يف حضارة بالد السودان.
24خمطوط "اتريخ دمرغو" ،من أتليف الشيخ حسني بن الشيخ األقدري الورقة رقم .5يوجد يف قسم املخطوطات العربية
والعجمية حتت رقم .44
25املصدر نفسه والورقة نفسها.
26املصدر نفسه ،الورقة .6
27املصدر نفسه ،الورقة رقم.6
144
املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر :مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية
املالحق
ملحق1
جدول :خمتارات من خمطوطات مركز املخطوطات العربية والعجمية املتعلقة ابالمازيغ.
رقمه نوع اخلط املؤلف عنوان املخطوط
"فتح القدوس يف جواب ابن املختار بن أمحد الكنيت الويف ،ت عام
325 مغريب
1236-1811م عبد هللا الكنسوس"
"اتريخ الطوارق والسنغي"
384 مغريب العتيق بن سعد الدين السوقي
(نسخة خبط املؤلف)
550 مغريب جمهول "أمساء أمراء الطوارق"
"كتاب يف اتريخ قبائل الرببـر
ْ ْ أمحد بن حممد بن أمحد بن حبت الغالوي
1024 مغريب والعجم والعرب يف ص ْحراء
الشنقيطي .ت 1883-1301
املغرب والتّكُْرور"
1215 مغريب حممد بن عبد هللا "أصل سلطنة "د ْورا" بنيجرياي"
الشيخ املختار الكنيت
"أجوبةُ ّ
املختار بن أمحد بن أيب بكر الكنيت الوايف عن أسئلة أمري م ِّ
1324 مغريب اسن أمحد
(الكبري) ،ت 1811-1226م
ب"
ل ُّ
1325 مغريب أمحد أكاد بن حممد بن حممد بن أمحد اتريخ السوقيني
"اتريخ أزواد يف أخبار الرباييش
1326 مغريب جمهول
وحُروهبم"
ُ
ف احل ِّّق املعتمد فيما وقع"سْي ُ
عمر بن سعيد الفويت الطُّوري الكد ِّوي
بني عمر بن سعيد ال ُفويت وبني
1391 مغريب التجاين ،املعروف بتال
أمري ماسن أمحد بن أمحد بن
ت 1863-1280م ِّ
املخالفة و ِّ
احلروب" ب من لّ
145
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
"ضياء احلكام فيما هلم وعليهم عبد هللا بن حممد بن فودي بن عثمان بن
1513 مغريب مشكول
صاحل فودي ،ت 1829-1245 من األحكام"
1740 مصوفة أمساء بنت عثمان بن حممد بن فودي ،ت حول "قصيدة
مغريب مشكول
1280هـ1864/م. السودان"
"وثيقة معاهدة بني الطوارق
1746 مغريب جمهول
اهلوسا"
و ْ
"ذكر الوقائع التارخيية يف منطقة
1751 مغريب أبو بكر بن الطاهر بن اتشييت
آهري"
"اتريخ سالطني "غ ْوبر" ونبذة
1752 مغريب جمهول
من اتريخ "آد ْر"
"ضبط معرفة قبائل "كلوي"
1754 مغريب مشكول ونبذة من معركة "تعواج" وأصل جمهول
"سندل"
اتريخ سالطني آهري من أهل
1756 مغريب جمهول
"أغيغي" و"تعزرت"
صحراوي "نبذة من اتريخ إماجغن وكل
1937 ْ ْ مهدي بن الصاحل ،الشريف
مشكول السوق"
ارق األنوار
الئل اخلريات وشو ُ
"د ُ
2034 حممد بن سليمان بن داود بن بشر اجلزويل
مغريب يف ِّذكر الصالة على النيب
السماليل الشاذيل،ت 870هـ1426/م.
املختار"
"ترمجة العالمة أمحد اباب
2087 مشرقي جمهول
التنبكيت"
"أصل سلطنة أهري وسلطنة
2301 مغريب مشكول جمهول
بـ ْرنُو"
2041 مغريب مشكول "ذكر بعض الوقائع يف منطقة جمهول
146
املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر :مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية
اغدس"
"خالفة أسرة "أغيعي،
7 مغريب مشكول وتعزرت" من طوارق أهري جمهول
(النيجر)"
34 "حبث عن قبيلة متغر يف بيلما
مغريب مصطفى اب غا
(النيجر)"
40 مغريب مشكول جمهول "أول أتسيس سلطنة أهري"
44 مغريب واضح حسن بن احلاج األغدسي "اتريخ دمرغو"
61 مغريب ابراهيم حسن سعيد "سكان املغرب قبل اإلسالم"
62 إمرباطورية عبد الرمحن بن عبد هللا بن عمران بن عامر اتريخ "موجز
مغريب مشكول
السعدي ت سنة 1066هـ1656/م. السنغي"
"كاوسن وحرب كلوي مع اتنودي بن البخاري بن األجل التنبكيت
64 مغريب
األغدسي أمزورك"
"نبذة عن أمساء ملوك لبتاكو
79 مغريب جمهول
وسند"
80 مغريب "مراسالت بني طوارق وسنغي" :صديق بن حممد األمني
"نبذة اترخيية فيها خرب أول من
87 مغريب جمهول
سكن أزواد"
"جمموعة من رؤاي الشيخ أمان
139 مغريب بن إالجن (أحد أولياء أما بن أفاجن
أغدس)"
"النقول النواطق يف شأن الرببر حممد بلو بن عثمان بن حممد بن فودي،
273
املتوىف سنة 1253هـ1837 /م والطوارق"
(اعتمد يف إجنازه على املعاينة املباشرة وعلى فهرس املخطوطات االسالمية املوجودة مبعهد االحباث يف
العلوم االنسانية ،النيجر).
147
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
"تنبيه االخوان على أحوال أرض السودان" "اتريخ سالطني أهري من أهل إغيغي وتعزرت"
148
املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر :مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية
" معاهدة بني التوارق وسنغي " "مصباح الظالم يف تواريخ أعيان القرن الرابع
عشر أبغدس"
149
مبارك ايت عدي -سالو احلسن
البيبليوغرافيا
أب غا ،مصطفى " ،قبيلة متْغُْر يف بي ْلما (النيجر) " ،يوجد يف قسم املخطوطات العربية
والعجمية ،حتت رقم .34
األقدزي ،حسني بن الشيخ" ،اتريخ دمرغو " ،يوجد يف قسم املخطوطات العربية
والعجمية حتت رقم.44 :
أزانﮒ ،إبراهيم بن عبد هللا ،شرح منظومة تزانگت" للحسن التاموديزيت ،دراسة وحتقيق
وتعريب حممد اهلاطي ،منشورات املعهد امللكي للثقافة االمازيغية ،الرابط.2015 ،
سالو ،احلسن ،املخطوطات العربية يف النيجر ،كنوز األمة يف طي النسيان ،مطبعة نور
للنشر أملانيا ،طا.2019 ،1
سالو ،احلسن ،أحوال منطقة أزواغ ،من مرحلة ما قبل االستعمار إىل عام ،1960
منشورات دار لوتس للنشر احلر ،ط ،1القاهرة.2019 ،
القشاط ،حممد سعيد ،من قيادات اجلهاد اإلفريقي ،حممد كاوسن ،منشورات مركز مجال
بن حوبرب للدراسات ،ديب ،ط .1999 ،1
موالي ،حسن ،فهرس املخطوطات االسالمية املوجودة مبعهد االحباث يف العلوم
االنسانية ،النيجر ،مطبوعات مؤسسة الفرقان للرتاث االسالمي ،لندن ،ج ،1ط.2004 ،1
150
مناذج خمتارة من قسم املخطوطات العربية والعجمية:املخطوطات العربية املتعلقة ابألمازيغ يف دولة النيجر
151
169-153 ص،2021، العدد السادس عشر،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-مجلة أسيناگ
The traditional Rif literary texts that hold in the French colonial period works are
not numerous. However, this rarity did not prevent Berberizers of the time from
analyzing these texts in order to identify their specificities, interpret their
contents and evaluate their aesthetics.
This study attempts to review the conditions under which these texts were
collected and transcribed while pinpointing the pitfalls that accompanied the
documentation of the texts and its impact on subsequent studies. It also intends to
question the conditions which have given rise to the value judgments made by
these researchers about the artistic value of the Rif poetry. Finally, it addresses
the unspoken in the interpretations relative to the confessions in these texts.
We will be tackling this task while observing the methodological foundations and
the historical (colonial) conditions which at the time oriented the work of French
scientific institutions in Morocco.
Key Words : Poetry – Amazigh – Rifan – Record – Colonial era – Context –
Evaluation
Les textes littéraires rifains traditionnels qui ont trouvé place dans les ouvrages
datant de la période coloniale sont peu nombreux. Or, leur rareté ne pouvait
empêcher les berbérisants de l’époque de les analyser en vue d’en relever les
caractéristiques, interpréter les contenus et évaluer l’esthétique.
La présente étude tente de circonscrire le contexte de leur collecte et de leur
transcription tout en mettant en lumière les pièges qui ont accompagné l’activité
de documentation et ses retombées sur les études ultérieures. Elle vise également
à questionner les conditions qui ont occasionné les jugements de valeur émis par
ces chercheurs sur la valeur artistique de la poésie rifaine. Elle aborde enfin le
non-dit des interprétations portant sur l’aveu dans ces textes.
Nous nous attelons à cette tâche sans oublier les fondements méthodologiques et
les conditions historiques (coloniales) qui ont orienté, à l’époque, le travail des
institutions scientifiques françaises au Maroc.
Mots-clés : Poésie – amazighe – rifain – notation – époque coloniale – contexte –
évaluation
153
مجال أبرنوص
مل يكتب ألدب الريفيني التقليدي أن يستفيد من فضيلة التدوين إال سنة ،1858متأخرا
بقرن ونصف عن بواكري التدوين الغريب اليت عرفها األدب األمازيغي ،1كما مل يكتب له أن
حيظى بنفس العناية اليت حظيت هبا آداب جماالت أمازيغية أخرى ،لذا مل تُـستنقذ منه غري
نتف قليلة موزعة بني الشعر واحلكاية ،جاء جمملها ،يف هيئة متون استقرائية ضمن مؤلفات
ودراسات تنشد وصف اللسان وتستغور اإلنسان واجملال ،وترصد املزاج اجلماعي ،مستنكفة
عن البحث يف أدبية النصوص يف ذاهتا .أما عن حيثيات ضعف احلركة التدوينية اليت عرفها
الريف فهي مجاع وقائع وخصوصيات متتزج فيها التفاصيل التارخيية واجلغرافية ،وتتضافر فيها
البواعث والنتائج ،وإن بدت ،يف تركيبها وتفاعلها ،أشبه بروافد ومسيالت تصب مجيعها يف
عامل رئيس هو حجم الصعاب اليت كانت تنتصب أمام املستكشفني األوروبيني الراغبني يف
ولوج اجملال ،واليت يوجزها قول موليرياس " :)1931-1855( Mouliérasال ميكن ألي أورويب
أن يتباهى بكونه عرب الريف ،فهذه املنطقة جمهولة وغامضة ،وقد ظلت حمتفظة بسرها
ومغطاة حبجاب منيع" (موليرياس.)46 :2007 ،
غري أن ندرة النصوص مل تكن لتمنع بعض الدارسني من مباشرة التأويل وعقد املقارانت
وصياغة األحكام الفنية ،حىت أن غري العارف خيال أن املتون األدبية اليت اختذت عينات حبثية
قد حازت من الرحابة والتنوع ما مينحها صفة التمثيلية ،واحلال أهنا نصوص ال متثل سوى
نفسها ،أو شيئا يسريا من مسات أدب اجملال الذي مجعت منه ،أو من مسات األدب الذي
متاثل آاثره فياجلنس واملوضوع واإليقاع وغريها من املتغريات الفاعلة يف تعيني اهلوية الفنية.
1يؤكد إميل الووست E.Laoustأن الفضل يف تدوين أول نص ريفي شفوي يعود للمستمزغ الفرنسي أدولف هانوتو
AdolpheHanoteauاملتخصص يف الشأن اللغوي والثقايف القبائلي ،وذلك عام ،1858وحتديدا يف مؤلفه الذي تناول
فيه القواعد النحوية للهجة القبائلية (Essai degrammaire kabyle, Ed Bastide, Alger, 1858, pp.350-
،)352والنص من املأثور احلكائي لقبيلة قلعية ،دونه الباحث ابعتماد احلرف الالتيين ،إىل جانب نصوص مأخوذة من
هلجات أمازيغية أخرى ،هبدف إظهار مقدار التماثل القائم بني الفروع اللهجية األمازيغية املختلفة
(.)Laoust,1926 :79
بعد انصرام نصف قرن على ذلك ،سيتكفل ص .بياراني بنشر نصوص حكائية منتمية إىل ثالث قبائل ريفية (مثسمان،
وأيثسعيذ ،وقلعية).)Biarnay, 1910 :427-437( ،
أما أوىل النصوص األمازيغية اليت مت نشرها أبورواب فقد كانت أبمسرتدام ،سنة ،1715وقد نشرها األب نوسرت Pater
Nosterإىل جانب نصوص أخرى بلغات خمتلفة قام بتنضيدها "جون شامربالين ،"JohnChamberlayneوذلك
لغاايت تبشريية .وهي نصوص فاقدة للقيمة األدبية (اجلمالية) ،إذ ال تعدو أن تكون عينة لسانية Echantillon
linguistiqueكاشفة لبعض مسات أمازيغية اجلنوب .أما أوىل املدوانت األمازيغية الشفوية األدبية فقد كان فضل ختليدها
للمستمزغ "و.ب .هودسون ،" W.B. Hodgsonوهي تتضمن مخس أغان وسبع حكاايت قبائلية ،وذلك سنة 1829
(.)Galand-Pernet, 1998 :1
154
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
تنكب هذه اإلحاطة مبا قيل عن املدوانت الشعرية الريفية ،وحتديدا مبا خطه
مستمزغو 2فرنسا الكولونيالية خبصوص مسات هذا الشعر ومضامينه؛ سالكة طريق الرصد
النقدي للتأويالت واألحكام موضوع احلديث ،كما تراهن علىاستدعاء الشروط واملالبسات
املوضوعية اليت أحاطت بعملية اجلمع والتدوين ،واستحضار طبيعة اخللفيات املنهجية والغائية
اليت وجهت فعل الدراسة والتأويل.
مالبسات اجلمع والتدوين؛ مزالق وتداعيات .1
شكل وصف اللسان أعز مطالب الدراسات االستمزاغيةالكولونيالية اليت مهت جمال
الريف ،إذ ابدر الرعيل األول من الدارسني إىل مجع املتون املعجمية واألدبية ،بغرض اختاذها
مادة الستقراء اخلصائص اللسانية املميزة لتنويعات الريف األمازيغية ،وهؤالء ابحثون
منخرطون يف مشاريع حبثية تؤطرها برامج عمل مؤسسية ال ختفى حمركاهتا االستعمارية ،يعنينا
منهم ،ختصيصا ،تلك الفئة اليت ضمنت أحباثها متوان أدبية ،سواء تلك اليت اكتفت بتدوين
النصوص وترمجتها ،أم تلك اليت أفردت حماور لتأويل املضامني ورصد املقومات الفنية
واجلمالية اليت تنطوي عليها هذه النصوص.
يفضي النظر السوسيولوجي إىل مالحظة انتماء هؤالء إىل إحدى مجاعتني؛ عسكريون
من أطر احلماية الذين اهتموا بوصف اللهجات الريفية قصد تسهيل عملية تعلمها ،ومن بني
هؤالء ص .بيارانيوأ .رينيزيو ،ول .جوستينار ،وجامعيون ال خيفى حضور اهلاجس العلمي يف
أعماهلم البحثية ،ويف طليعتهم ر .ابصي وإ .الووست (األزرق .)82 :2010 ،أما عن
ا حليثيات اليت أحاطت جبمع املتون اللسانية واألدبية فيبدو أهنا كانت مشوبة حبس التحرج،
وموصومة بفقد العفوية ،تعكس مناخ التوجس الذي يفرتض أن يسود يف ظل حماورة
استخبارية جتري بني عسكري (أو جامعي) أورويب ورجال من عوام األهايل .كما يظهر أن
اجلمع كان يتم بعيدا عن الريف ،وأن الفضل فيه يعود لريفيني مهاجرين عابرين أو مقيمني
مبجال االستعمار الفرنسي ،وهكذا جلأ ص .بياراني إىل ريفيني مقيمني بطنجة معرتفا بعدم
كفاية جمموعاته من النصوص ،قائال هبذا الصدد" :كنت أمين نفسي ،أن أخصص هذا
القسم [من املؤلف] لنوع من األنطولوجية اليت كان أيمل اشتماهلا على نصوص متثل كل
نستعمل اللفظ ترمجة للفظ الفرنسي ،Les berbérisantsوالذي يطلق على املتخصصني يف الدراسات األمازيغية، 2
155
مجال أبرنوص
قبائل الريف .منتخبات من هذا القبيل يسهل مجعها بطنجة حيث نلتقي مبهاجرين من كل
مناطق الريف" (.)Biarnay, 1917: II-III
أما أ .رينيزيو A. Renisioفلم يتح له مجع املتون من جماهلا احلاضن إال بدايراليزانسنيني،
حيث أقام لفرتة طويلة مكنته من إذابة اجلليد الوجداين املنقود آنفا ،وهو ما جعله يظفر
بنصوص شعرية أشد متثيال للمواضيع ،بدليل ما جاء يف مدوانته من نصوص ذات إحياءات
إيروتيقية .وهو يقول يف سياق توثيق مالبسات اجلمع:
«جزء كبري من كتابنا هذا يتعلق بدراسة هلجة اليزانسنيني .لقد أاتح لنا طول مقامنا بني
ظهرانيهم دراسة لغتهمبتفصيل ،كما مسح لنا أن أنخذ من أفواههم ،أثناء طوافنا املتكرر
ابلقبيلة ،جمموعة من النصوص .أوردان يف هذا املؤلف أجود لقطاهتا.
ويف السياق نفسه ،أتيحت لنا دراسة هلجات الريف (حبصر املعىن) بفضل جلوئنا إىل
خمربين (رواة) مومسيني انتقيناهم من بني أحذق الريفيني العابرين قبيلة بين يزانسن يف طريقهم
للعمل ابجلزائر.
ميمنا وجهنا ،بعدها ،صوب املغرب الغريب ،وقمنا بتوسيع دائرة مالحظاتنا لتشمل هلجات
صنهاجة السراير ،وقد اختذان خمربين من بني بعض أهايل هذه القبائل الذين كانوا سجناء سنة
،1925أو من الذين وفدوا إىل فاس ليستقروا هبا منذ بضع سنوات»
(.)Renisio, 1932: XII
يبدو لفظ السجناء صادما إىل حد بعيد ،فعملية اجلمع متت هنا يف خضم اجلرب واإلكراه،
ويف ظل انتهاك فاضح لشرط التعاون اإلرادي للرواة ،كما لو أن األمر يتعلق أبخذ عينات
من مواد ال بتدوين إفادات قولية .يالحظ الدارس أيضا أن األمر يتعلقبإفادات رجالية ،وما
نظنه كان سهال أمام الباحثني إجراء مقابالت مع نسوة ريفيات يف ظل احملاذير الصارمة
لالتصال بني اجلنسني داخل جمتمع تقليدي حمافظ .أثر هذا اإلقصاء القسري يف مسألة
اهلوية اجلندرية للرواة البد أن يرخي بظالله على هوية النصوص اجملموعة ،وخباصة يف حالة
األشعار النسائية كما هو حال شعر احلب واالستزواج ،إذ ال يبدو من الصواب االطمئنان
لوساطة الرجال يف نقل ملفوظات نسائية الذوات واملتخيل واهلواجس واحملركات والغاايت.
عملية التدوين ،أيضا ،البد أن توضع موضع أتمل حبثي ،فقد متت يف إطار درجة التزام
متفاوتة بقيود إحدى اإلمالئيات املدركة ،وهكذا اعتمد أ .رينيزيو ،مثال ،صيغة تدوينية
تتأرجح بني الكتابتني الفونيتيكية (اليت حتاكي املنطوق) والفونولوجية(اليت ال تويل ابال
زل تدوينه يف كثري من لالختالفات الصوتية إال ما امتلك منها صفة التمييزية) ،كما َّ
156
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
املطبقاتواملدغمات،ومل يلتزم أبيةأوفاق موحدة يف الوصل والفصل اإلمالئي ،3وهو ما رفع من
حاالت االختالل القرائي اليت تسم مدوانته (أبرنوص ،)25: 2016 ،بل إن الرسم الكتايب
كان مسؤوال عن نشوء استقراءات غري دقيقة خبصوص الشعر الريفي التقليدي ،منثل هلا،
هنا ،مبا عرضه الباحث عبد هللا بونفور ،4والذي انتهى بعد إعماله لقواعد القياس العروضي
Règles de mesure métriqueإىل القول خبضوع هذا النمط الشعري لتماثل عددي خاص
قوامه وجود أحد عشر مقطعا يف كل بيت ( .)Bounfour, 1999 : 146-147وهو قول
غري دقيق بدليل شذوذه عن قاعدة إمجاع الباحثني الذين قاربوا عروض النظم الريفي ،والذين
وقفوا على بنائه اإلثين عشري (يتكون االيزيل الريفي من بيتني شعريني يضمان اثين عشر
مقطعا) (.)Elmedlaoui, 2006: 161-191
إىل جانب هذه االختالالت ذات الطبيعة الفونوغرافية يالحظ الدارس خفوت العناية
بسياقات النصوص اجملموعة ،وعدم انشغال الباحثني بتوثيق مناسباهتا إال يف ما ندر ،5إضافة
3وهكذا أمهل الباحث الصوامت النفثية Les spirantsاليت متيز أمازيغيات الشمال مجيعها ( tazizwitعوض
،)ṯazizwiṯلكنه ظل حريصا على إثبات احلركة املختلسة Le schwaيف كل مواقعها داخل املقاطع ،مبا يف ذلك
موقعها يف مفتتح املقطع (.)ennes
أما خبصوص األخطاء املوصولة إلىمسألة تفكيك سلسلة القول ،فقد جلأ الباحث يف حاالت عديدة إىل إدماج األدوات
األحادية القطعة (مورفيمات :حدثية-زمنية ،وظيفية )...يف كلمات الفئات الكربى (أمساء ،أفعال )...اليت تتحكم فيها،
حبيث تشك ل جسما خطيا واحدا ،متأثرا ،على األرجح ،إبمالئية اللغة العربية (اليت يتم فيها إدماج بعض األدوات املشار
إليها مع كلمات متعلقة هبا ،ومن أمثلتها الضمائر املتصلة مثال ،وبعض حروف اجلر) .وهكذا كتب الباحث مثال:
izenzišemعوض izzenzišem
dedduxanعوضḏdduxxan
وهو م ا أدى إىل نشوء التباسات قرائية عديدة مردها إىل اختالف وضعية هذه األدوات يف اللغة األمازيغية عن نظرياهتا من
اللغات ذات القرابة من الناحية التنميطية (العربية الفصحى والعربية)" ،إذ أن جممل هذه األدوات غري اثبتة تركيبيا ،مبعىن
أهنا تتنقل ،يف بعض السياقات احملددة بدقة تركيبيا ،وتصعد لكي تلتصق بعنصر قبل-فعلي يف متام مستهل
القضية"(اعمر وآخرون.)91 :2010 ،
4اشتغل الباحث استقراء حلكمه املشار إليه على إيزري دونه أ .رينيزيو على هذا النحو:
a tarbat iṣobħen isiɣ eddnub ennes
amen tisi telɣemt erħil ellel ennes
وهو اإليزري الذي ميكن تدوينه (فونولوجيا) ،درءا لكل التباس قرائي حمتمل ،على هذا الشكل:
a tarbat iṣubħen, isiɣ ddnun nnes
amen tisi telɣemt rrħil n ellal nnes
5يقر بياراني ابلصعاب اليت تنتصب أمام الباحث حال جهله بسياق النصوص ،قائال يف هذا الصدد:
157
مجال أبرنوص
إىل عدم تبيني الغموض احملدق بكثري من أمساء األعالم ،وبعدد من املشريات التارخيية
واجلغرافية اليت حتبل هبا ،واليت ُجتهل بواعث استدعائها من قبل الشعراء والشواعر .مثة ،ببعض
اإلجياز ،نزعة لسانية ظاهرة يف توثيق اجملموعات الشعرية ،ابملعىن الذي يتبدى منه أن هاجس
الباحثني كان توفري عينات من ملفوظات األهايل واختاذها متوان استقرائية لوصف أحناء
اللهجات وأنظمتها اللسانية املختلفة.
مطب التمثيلية وسعة التأويل
صامويلبياراني؛ ُّ .2
يدين مأثور الريف إىل ص .بياراني بعملني مهمني؛ دراسته املوجزة حول أشعار الريف
الغنائية ( ،)1915ومصنفه التفصيلي حول هلجات الريف ( ،)1917وقد تضمن العمالن
نصوصا مذيلة برتمجاهتا ،قام الرجل جبمعها يف فرتات خمتلفة من أفواه خمربين منتمني إىل قبائل
أيث ورايغلوإيبقوينوأيث توزينوإيقلعينومثسمانوإكبدانن ،مصنفا إايها ابعتبار اللهجات الفرعية
للمخربين ،ومقسما إايها إىل فئتني :أ) األساطري واحلكاايت املندرجة حتت الفولكلور مع
وصف للعادات احمللية أو مواضعات األخالق النثرية .ب) األشعار الغنائية الشعبية املنظومة
يف شكل أبيات واحللقات واألقوال املأثورة املسجوعة (.)Biarnay, 1917: II-III
اتبع الباحث يف مسلكه التدويين قواعد الكتابة الفونيتيكية ،فجاءت الرسوم اخلطية قريبة
من منطوق الرواة ،وهو ما أكسب نصوصه درجة انقرائية أيسر ،وإن أدى ذلك ،يف املقابل،
إىل بروز صعاب يف فهم املكتوب؛ ألن عيب هذا املسلك هو تسجيل كل أشكال التمايز
الصويت يف نطق األلفاظ ذات األصل الفونولوجي الواحد ،إىل حد التشويش على مستوايت
القرابة القائمة بينها ،مع ما ميكن أن يؤدي إليه ذلك من شيوع االعتقاد ابنعدام الصلة بني
هذه األلفاظ ،ومن مث احتمال عدم فهم مدلوالهتا من قبل القارئ غري املستنأنس مبنطوق غري
قبيلته أو مجاعته.6
يف معظم احلاالت ،يزي د اإلحياء الكثيف يف األشعار من صعوبة فهمها ،والكثري من النصوص تظل مبثابة ألغاز ابلنسبة
لألجنيب عن املدشر الذي ال يعرف شيئا عن املناسبات اليت أوحت هبا ،واألحداث اليت حفزت قرائح الشعراء .أحد خمربينا،
الذي يتحدر من "إيبقوين" ،والذي يقطن بطنجة ،يزور مسقط رأسه على رأس كل سنة .وقد أسر لنا أنه جيد نفسه غريبا
يف بلدته ،وأنه يعجز عن فك شفرة التلميحات اليت تتضمنها اإليزران إال بعد إطالعه على شروحات قبلية
(بياراني.)2016:46/1915،
6إذا كان مفيدا ذكر حسنات هذه الصيغة التدوينية فهي ابلتأكيد توثيق التحقق الصويت للنص ،ألهنا متكننا من كشف
السمات الصوتية ،واحملافظة على خصوصيات التنويعات اللهجية اليت تعود إليها النصوص ،ومن مث املساعدة على التوثيق
الدقيق للمجموعات األدبية .أما عيوهبا فليست بعيدة عن هذه املزااي ،بل منبثقة عنها ،ومالزمة هلا ،وأشدها أثرا تلك
الصعاب اليت تنتصب أمام الريفوفونيني (وغريهم من األمازيغوفونيني) غري الناطقني بلهجة النص .وال سيما تلك الناشئة
158
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
أما يف مضمار املعىن والتأويل فقد عمد الباحث إىل إجراء قراءة موضوعاتية يف عدد من
مدوانته الشعرية ،مطلقا للسانه العنان ليصدر أحكاما عديدة خبصوص القيمة الفنية
للنصوص ،غري مرتدد يف صياغة التعميمات االختزالية ،حيث استهلها بقوله:
«استطعنا مجع ما يقارب ستني مقطعا شعراي تتضمن معطيات عديدة ،نقلها إلينا رواة من
كال اجلنسني ،يتحدرون من قبائل ريفية ثالث :مثسمان ،وأيثورايغن ،وإيبقوين .دون أن نعثر
يف أي واحد منها على ثراء اإلهلام وما ساوقه من املزااي األدبية اليت متيز قصائد سوس أو
أحيدوساألطلس .Ahidousولذلك ال جند من حرج يف القول إن األشعار الريفية املغناة ال
متلك منفسحا إبداعيا كبريا» (بياراني.)33 :2016/1915،
مث ال يلبث أن يتابع ،ختصيصا ،يف الطريق نفسه قائال" :يبدو الشيوخ سائرين على أثر
شعراء الرتوابدور القدامى Troubadoursوالشعراء اجلوالني ،Trouvèreوهم حمرتفون
مأجورون .أما أشعارهم فال متلك ،عموما ،قيمة فنية كبرية .إذ تفتقر يف الغالب إىل اإلهلام"
(نفسه.)44:
قبل أن يعمد إىل التخفيف من إطالقية حكمه يف موضع آخر ،جمراي متييزا بني شعر
الرجال (إميذايزن) وشعر النساء ،حيث يقول:
«أما املقاطع الغنائية اليت تغنيها الفتيات اليافعات فتكون أحياان من إبداعهن اخلاص،
وغالبا من إبداع نسوة أكرب سنا .وهي تصل يف بعض األحيان إىل مستوى التحف الفنية.
املرأة الشاعرة ال تغرتف ،كما يفعل الشيخ ،إهلامها من خارج ذاهتا اخلاصة .وهي ال تنظم
الشعر ارتزاقا.
هي ال تعرف جيدا قواعد العروض ،ولكنها تعرب عن فكرها اخلاص ،ومشاعرها الفردية.
آاثرها الفنية ليست منظومة ألجل اجلمهور الكبري :إهنا تنظم وتغين لنفسها ،وألجل جاراهتا
وصديقاهتا .وال حيصل إال بعد حني إليزري القى جناحا داخل دائرة ضيقة أن يتم التقاطه من
قبل فتيات ايفعات ،وأن يردد من قبلهن يف غضون االحتفاالت العامة .ابختصار ،ميكن أن
نستشعر صدقا أكرب ،ومشاعر جياشة ،وشعرية أقوى يف إبداعات النساء ،مقارنة مع "إيزران"
عن االختالفات اللسانية القائمة بني الفروع اللهجية الريفية ،وحتديدا ما كان منها ذا طابع صيايت-صريف وصيايت-تركييب،
ألنه كثري االطراد ،ومن أمثلته املورفيمات الوظيفية ومورفيمات الظرف (الدالة على :املكان ،والزمان ،والكم واملقادير)...
(أبرنوص .) 2015:81 ،وعموما فإن الكتابة الفونيتيكية تزيد من توسيع دائرة االختالفات القائمة بني الفروع اللغوية
األمازيغية؛ ألهنا تربز التغيريات الصياتية اليت تنتج على مستوى السطح ،وال تغوص إىل التمثيالت التحتية اليت تكشف
حدا أعلى من التقاطعات (نفسه).
159
مجال أبرنوص
وضوحا» (نفسه-44: الشيوخ .إن إبداعاهتن تعكس ،يف تقديران ،الروح الريفية على حنو أشد
.)45
ال يبدو حديث الباحث عن شعر إميذايزن موضوعيا وال ذا حجية .إذ يسهل على الناقد
األديب املتخصص يف اآلداب الشفهية أن يلحظ امتالك نصوص هؤالء ملستوايت معتربة من
األدبية (اخليال والتصوير واإلحياء واإليقاع وغريها من مظاهر االنزايح) .أما ما يتبدى من
تسرع الباحث يف تبخيس قيمة نصوص الشيوخ فلعله راجع إىل تبخيسه احملايث غري املدرك
ملهام الوساطة واخلدمة (اإلبداع التكسيب) اليت كان يقوم هبا الشيوخ ،إذ تبدو أشعارهم
تكرارية أبدعت سلفا حتت طلبات مستشرفة ،قبل أن توضع حتت إشارة الزبناء-احلاضرين.
كالم الرجل عن شعر النساء ،وإن بدا متوازان يف تقييم فنية النصوص ،فإنه غري دقيق يف
قوله إهنن ال ميلكن معرفة جيدة بعروض النظم ،ذلك أن أشعارهن ال تعكس شيئا من
الضعف املوصوم إال ما كان استثناء ال خيصهن دون غريهن .وعموما فالراجح أن يكون مرد
احلكم إىل ما الحظه الباحث من الطابع العرضي (غري االحرتايف) لشاعرية النساء ،واتصافها
بصمات الصدق والعفوية ،خبالف حال شعر إميذايزن ،ونعين احتمال أن ينظر إىل هذه
الصفات ابعتبارها مربرا يسوغ مترد النساء على قيود النظم أو عدم إيالئها ما تستحقه من
العناية.
أما خبصوص أتويل املدوانت الشعرية ،فيبدو ص .بياراني جريئا يف صوغ املعاين ال
يلجمه حتفظ ،مأخوذا هباجس إعادة تركيب احليثيات الدرامية اليت أفرزت النصوص ،مقحما
إايها يف خط التفسري ،وهكذا يقول عن إحدى مدوانته الشعرية الغامضة اليت جتري بعض
أحداثها فيكنف طيور ثالثة (الباز والعوسق واحلجلة):
«الباز والعوسق يرمزان ،هنا ،إىل الزوج والعشيق ،أما احلجلة فهي املرأة املشتهاة .يف اخلتام
ينتهي القرار هبذه األخرية إىل إابحة لعبة اإلغواء ،معتذرة عن ذلك؛ أما زوجها ،ورغم غلبة
الشك عليه ،فإنه ال يبادر إىل إبقائها بعيدة عن مغرايت التسلية واملسامرة .لذلك ،ختربه
الزوجةأهنا ليست "جنمة" ،وأهنا مهما بلغت من العفة والتمنع فهي لن تقاوم عرضا كهذا الذي
قدم هلا» (نفسه.)59 :
من املؤكد أن اخلروج ابلتأويل إىل هذه املساحة الرحبة أمر يستدعي وجود مؤشرات
وإضاءات ،وهو ما يعدمه النص املطروق ،مث إانلباحث ال يعرض يف طريقه أي قرينة لفظية
أو صورية (منطقية) ،وال أي شاهد إثنوثقايف مساعد لتسويغ أتويالته إال ما بدا له إشارة
تزكي تفسريه القصصي (السردي) ملضمون النص ،ومن ذلك حديثه املتعسف ،يف هذا
160
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
التأويل حتديدا ،عن وجود جنمة يف بوح الشاعرة (الذات املتكلمة)؛ ألهنا تالئم قصة التأويل،
واحلال أن النص تضمن لفظ ،imežniاملشتق من فعل ،ženn7والذي ليس له ابلنجمة
صلة.
وعموما ،فمن خالل أتمل التأويالت اليت منحها ص .بياراني جملموع النصوص اليت دوهنا
ودرسها ضمن مقاله املشار إليه ،يتضح أن الباحث ال يعوزه اخليال األديب وال مهارة التحليل
اخلطي والداليل للنصوص ،غري أن هذه املزية ال تعين أنه قد ظل يف منأى عن القراءات
املتعسفة لعدد من املقاطع الشعرية .ذاك أن الباحث قام ،بوعي أو بدونه ،إبسقاط خصائص
الشعر الفرنسي (الشفوي واملكتوب على حد سواء) على النصوص الريفية الواقعة حتت
انظريه .وهو ما يتجلى يف إصراره على اعتبار هذه النصوص كتال مرتاصة ذات وحدة
مضمونية منظومة عل ى حنو فردي من قبل مبدع معني الذات والصفات .واحلقيقة أن هذه
النصوص مجاعية اإلنشاء تتداخل فيها نصوص ورواايت عديدة على حنو تشعيب ،مما جيعل
من مهمة التحليل اخلطي عمال مشواب بقدر مناملنهاجوية ،اليت يتم فيها فرض تصور خارجي
سابق على النص ،وكذا حتميل هذا األخري ما ال حيتمله من البنيات والدالالت .وهو النزوع
نفسه الذي يستشف من تصرف الباحث إزاء رمزية امللفوظات ،إذ ليس يف املقال ما يدل
على حبث ص .بياراني يف الدالالت اإلثنوسيميولوجية أللفاظ الطري والوحيش وغريها من
الذوات والكياانت املطردة يف مدوانته الشعرية ،بل مثة شواهد كثرية على إسباغ الباحث
إحياءات من صميم ثقافته اخلاصة على كياانت وذوات ذات خصوصية رمزية.
هنري ابصي؛ احلكم والتأويل فرعان عن تصور املزاج اجلمعي .3
7متدَّد على األرض ،جثم ،انم (للحيوان) ،أوى (.)Serhoual, 2001-2002: 241
161
مجال أبرنوص
يعترب املؤلف عالمة فارقة يف اتريخ البحوث الكولونيالية؛ ابلنظر إىل ندرة األعمال اليت انربت
قبله إىل مجع النصوص يف ذاهتا ولذاهتا حبثا ،فقط ،عن قيمتها األدبية (.)Boukous, 2005:7
غري أن هذا العمل ،على ما حازه من التقريظ ،يظل حمل انتقادات عديدة ابعثها أحكام
القيمة العديدة اليت مل يتوان الباحث يف إطالقها على طول مصنفه البحثي ،ذلك أن جدوله
العام وتوصيفاته اخلاصة مرتبطة ،على حنو عميق ،ابملقاربة النظرانية ( Théorétiqueالتطورية
واالنتشارية) واإليديولوجية (االستعمارية) ( Bounfour, 1994 :63-70, cité par Merolla,
،)2006:42وهو ما يتبدى من خالل مجلة من التقييمات القدحية ،فهو يقول «إن االختزال
الطبيعي للتيمات إىل أدىن تفاصيلها خاصية تسم كل اآلداب الشعبية ابلعامل ،بيد أهنا أشد
جتليا لدى األمازيغ قياسا بغريهم؛ ألن هذا العرق ال حيوز خياال متقد احليوية"
(.)Basset, 1920: 127
ويستطرد مربرا ما يعتربه قصرا يف النفس احلكائي لدى األمازيغ:
« إهنا ،بالشك ،ضرورة انشئة عن طبيعة اجلمهور الذي تتوجه إليه هذه احلكاايت؛ مجهور
انفعايل يف الغالب ،تواق إىل احلركة ،يستضجر الوصف ،حىت وإن كان متقنا ،ألنه يقطع
خيط احلركة .إهننفس اجلمهور ،عندان ،الذي يطالع رواية فرتاه يقفز إىل آخر صفحاهتا ليتعرف
النهاية [ ،]..والذي حيكم على الكتاب من خالل حبكته ال من خالل قوة الفكر الكامنة
فيه ،وال دقة التفاصيل أو قيمة األسلوب الذي مييزه .إنه اجلمهور الذي يتشكل من األطفال
والنساء ذوات املستوى الثقايف احملدود» (.)ibid.
«يف حضرة مجهور راوية احلكاايت األمازيغية جيب أن تكون احلركة متأرجحة ،مع
وضعيات مشار إليها بكلمة ،وحوار قصري وختطيطي .أما تتابع األحداث فال حاجةإىل
اإلتيان به على حنو منطقي جدا ،فأمهية األحداث كامنة يف عددها .عدا ذلك فإن احلضور
يفهم ابلتلميح ،وهو العارف ،قبال ،مضمون احلكاية أو شيئا مياثلها .مث إن خياله ،وبسبب
حمدوديته ،يهرع إىل ملء الفراغات بيسر شديد ،ويعاود إنشاء املقاطع املبتورة ،وهو ال ينتبه
أبدا إىل ما يذهلنا من افتقار احلكاية لالتساق .وطاملا أن احلركة ما تزال مستمرة فهو ال
يطلب شيئا أكثر .إن ذهنه املستأنس يتابع احلكاية بغري جهد يذكر» (.)ibid.: 127-128
كل هذه القصائد [من املأثور الكتايب للقرن الثامن عشر ( ])18مل تنشر بعد .لكننا
نستطيع أن نفرتض ،رغم ذلك ،أهنا ال حتبلبسعة كربى على مستوايت األصالة والفكر والتعبري
(.)ibid. :80
162
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
يتعلق األمر ،كما هو ابد ،أبحكام قيمة هتم املضامني واجلماليات ،وهي أحكام تفيض
بذاتية مع يبة ميكن التصدي هلا مبحاجة نقدية تتعرض هلذه األحكام واحدا تلو اآلخر ،ذاتية
نبه إليها مستمزغون غربيون يف اجملال املطروق نفسه ،يف طليعتهم ابوليت غاالنبريين Paulette
Galand-Pernetود .مريوال ،Daniela Merollaاللتان أاثرات زالت الباحث وحتيزاته
التحكيمية يف غري م ا حمل ،بل ووقفتا على عدد من اخللفيات اليت وجهت املشروع النقدي
الكولونيايل برمته .وهكذا انتصبت ب .غ .بريين ( )1998معرتضة على رأي نقدي اعتنقه
هنري ابسي خبصوص عروض الشعر املنظوم أبمازيغية اتشلحيت ،قائلة هبذا الصدد" :على
هذا النحو ،ميكن أن نفسر اختالف التأويالت ،وخباصة تلك اليت عرضها هنري ابسي،
بعدم كفاية التحليل ،وأيضامبا يصيب الغريب عن ثقافة ما ،عندما يقتبس من ثقافته اخلاصة
منوذجا مقرتحا ،ويدفع به إىل االنسحاب على عروض نظميجهلهويتوخى حتليله (.)p.199
ومبوجب هذا البون اجلاري بني ثقافيت الدارس واملدروس ،عمدت الباحثة نفسها ()1998
إىل توصيف بعض مالبسات استقبال النص األمازيغي يف الوسط الغريب قائلة":ترتبط
املشكلة ،إذا ،ابلنسبة الستقبال اآلاثر األمازيغية ابلوسط الغريب ،بطبيعة التكوين األديب
للقارئ ،ونوعية اإلصدار وشكل الرتمجة املقرتحة ،وابلتصنيف احملتمل لألثر املعروض للقراءة
داخل أو خارج حقل أديب .الواقع أن مفهوم األدب يتعلق لزوما بنظام ثقايف معني (.)p.35
يف ضفة هذا الرأي ،أيضا ،تقبع د .مريوال ،اليت مل ترتدد يف نقد النزوع اإلثنومركزي الذي
انطلق منه هـ .ابسي يف كثري من قراءاته وأتويالته ،بل ومل جتد حرجا يف اعتبار ذلك دليل
ازدراء ٍ
وتعال غري مقبولني ،إذ تقول:
«طاملا أن اإلنتاجات "الشعبية" كانت تعترب مبثابة مرآة تعكس ثقافة منتجيها وفكرهم،
فمن السهل أن نفهم أن االنطالق من تبخيس اإلنتاجات األدبية الشفوية يقود إلىازدراء
منتجيها وثقافتهم» .هذا امليل ،الذي لوحظ قبال مع رينيه ابسي ،غدا صرحيا جدايف مؤلف
هنري ابسي الذي يدعم هذا املنزع التقليداين Archaïsantملا ميكن اعتباره رومانسية حمافظة
(.)Merolla, 2006 :44
لنرتك مسألة األحكام العامة جانبا ،ولنرتبص حبديث هـ .ابسي عن الشعر الريفي
التقليدي ،ووجهة نظره خبصوص قيمة هذا الشعر اجلمالية وخمزونه التأويلي .ولعل أول ما
يالحظه القارئ هو عدم ختصيص الباحث حملور خاص بشعر هذا اجملال األمازيغي أسوة
ابجملاالت األمازيغية األخرى (سوس ،واألطلس ،والقبائل ،والطوارق) ،واكتفاؤه بتوزيع حديثه
عنه عرب حماور خمتلفة من مؤلفه على حنو عرضاين ،وحتديدا ضمن حماور ثالثة هي :العروض
163
مجال أبرنوص
واملوسيقى ،والسهرات الشعرية والرقص الغنائي ،وإيزالن األطلس املتوسط ،وهي احملاوراملوزعة
عرب فصلي :خصائص الشعر األمازيغي ،والشعر األمازيغي املغريب.
بيد أن عمال قرائيا آخر للباحث قد يفيدان يف هذا املضمار ،يتعلق األمر مبقامل نشور
مبجلة التقاليد الشعبية ،)1918( ،Traditions populairesأجنزه سنتني قبل صدور مصنفه
اجلامع ،جاء يف هيئة مواكبة بيبليوغرافية وتقدمي مفصل للعمل الذي أجنزه ص .بياراني
( ،)1917مرفق إبحاالت مطردة على مقال هذا األخري حول الشعر الريفي املغىن (،)1915
حىت إن هـ.ابسي قال عن مقاربته للنصوص الشعرية الريفية من زاوية النظر األدبية ،إمنا هي
جمردتكثيف خلالصات ص.بياراني الواردة مبقاله املذكور ( .)Basset, 1918 :283ولإلفادة
فإن مضمون مقال هـ .ابسي الذي نتحدث عنه هنا ال يعدم صالت مبضمون حديثه عن
الشعر الريفي ضمن مؤلفه اجلامعحول األدب األمازيغي ،سواء على سبيل التكرار أم على
سبيل متاثل األفكار ،لكنه ال يعدم ،أيضا ،أتويالت فريدة غري مدرجة هبذا املؤلف أو بغريه.
حري بنا أن نتابع احلديث عن الصالت البحثية اليت جرت بني الرجلني ،وإن شئنا الدقة
قلنا احلديث عما يدين به هـ .ابسي لزميله ص .بياراني يف مضمار األدب الريفي التقليدي.
إن املنت املرجعي الذي استند إليه هـ .ابسي يف قراءته ألدب الريفيني مل خيرج عن مدوانت
ص .بياراني ،كما أن شروحه التيماتية ظلت حبيسة األطر الداللية اليت رمسها هذا األخري،
بل إن أحكامه ،أيضا ،خبصوص املستوى الفين للنصوص ليست غري سري على أثر أحكام
ص .بياراني اليت أثرانها آنفا.
ليس من الصعب مالحظة حديث هـ .ابسي املطرد عن شراسة الريفيني وخشونة طبعهم
وشدة أبسهم ،وقيامه املتكرر ابستدعاء صفات مزاجهم اجلمعي أثناء حديثه عن خمتلف
أشكال تعبريهم القويل وغري القويل ،وهكذا فإن الرجل ال خيفي دهشته من تداول الريفيني
حكاية "ميّا ميمونة اثگناوث" (الصوفية) ،حيث يقول" :يبدو من املدهش أن تتداول
أسطورة مماثلة من قبل ساكنة خشنة كما هو حال الريفيني .يستشف من هذا أال وجود
ملنطقة ،مهما بدت شديدة التخلف واخلشونة ،مل تبلغها القداسة عن طريق بساطة الفضيلة
ونقاء القلب" (.)Basset, 1920: 275
كذلك يفعل موجها عنايته صوب الشعر ،حيث يتوقف مستنطقا أشعار احلرب الغنائية:
[ ]..هي أشعار احلرب الغنائية ،يتم إنشادهاسريا يف الطريقإىل العدو .صيحات احلرب
املوزونة والتقليدية ،شديدة القصر يف الغالب ،تتشكل من صرخات متبوعة اببتهاالت موجهة
164
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
للويل ،ومن صيغ ال تنطوي على دالالت كربى ،لكنها حتمل تناغمات حادة ،هتدف إىل
ترويع اخلصم.
األمازيغ مجيعهم ،على األرجح ،ال يعرفون هذه األشعار؛ أماالريفيون ،أشد األمازيغ ميال
للقتال ،فإن هذه األشعار حتوز لديهم صفات مميزة جدا)ibid.: 324( .
بل إن هذا املنزع يكاد يصبح هوسا مالزما لكل حديث عن إبداعات الريفيني ،وهكذا
يعمد الرجل كل مرة إىل التذكري بصفات الشراسة والضراوة اليت تسم الريفيني ،يف نظره .حىت
وهو ميتدح حيازهتم لقدر من رهافة اإلحساس األديب ،فهو ال جيد غضاضة يف اإلحالة على
حدة املزاج الريفي وقساوة طباعه .يقول يف مقاله املذكور (:)1918
«حتوز احلكاايت [اليت مجعها ص .بياراني يف مؤلفه املذكور] ( )...ذلك املظهر الذي
افرتضنا مالزمته حلكاايت هذه القبائل ،واليت تعترب من بني أشد القبائل خشونة واألقل حتضرا
من بني القبائل األمازيغية .إنه اإلحساس نفسه الذي متنحه إايان النصوص الشعرية الكثرية اليت
تضمنها املؤلف ( ،)..واليت تظهر أن اإلحساس الشعري مالزمللسجية األمازيغية ،وأن شعر
هذه القبائل األشد ضراوة ،والذي تغنت به يف احلرب كما يف احلب ،قد استطاع أن حيوز
مجاليات حقيقية جدا؛ بل وإن كثريا مما قيل يف احلب حازمستوايت تفصيل ورقة يف املشاعر مل
نكن نتوقع العثور عليها)p. 283( ».
تشي العبارة األخرية من شهادة هـ .ابسي ببعض حيثيات تقييمه وأتويله للنصوص
الشعرية الريفية ،إذ يتبدى ،واضحا ،صدى صوت ص .بياراني ،وتنكشف التمثالت القبلية
اجلاهزة اليت استبطنها الباحث ،على األرجح ،من خالل معايناته ذات احلافزيةاإلثنوغرافية،
ومن خالل مقروئه من الكتاابت االستكشافية اليت مهت الريف أواخر القرن التاسع عشر
( )19وبداية القرن العشرين ( ،)20وحيث يتحول الرصد إىل حمفل انطباعات وأتويالت ذاتية
تنتصب فيها الذائقة الثقافية-الشخصية معيارا لتقييم اجلماليات ،بل وحيث تتم "حماكمة"
شعرية شفاهية بقوانني الشعر الكتايب.
قد يعرض الباحث عن ذكر الطباع وذم السجااي ،ملتفتا إىل مجاليات الفتة تسرتعي هواه،
وخباصة يف شعر النساء ،كما يفعل يف هذين املوضعني:
كثريا ما حتوز هذه القطع القصرية [إيزران] صفات مجال كربىبسبب شحنتها الالذعة اليت
تن زل مثل ضرابت السوط على ظهر عدو ،أو غرمي أو امرأة لعوب ،أو حلظة التعبري عن رغبة
165
مجال أبرنوص
مطبوعة دوماببعض التوحش ،منطوية على نربات شجية ،وهي نربات كثرية احلضور ،والسيما
يف الشعر الذي تنظمه النساء)Basset, 1918: 284( ".
()...وهو ما يظهر واضحا [مناسبة النص لنوع االحتفال] من خالل قراءة هذه
القصيدة ،اجلميلة جدا ابملناسبة ،واليت تتغىن هبا ايفعات أيث مثسمان ابلريف؛ فهي تقوم
على قصدية ،وتنطوي على فأل سيء أوسخرية يف غري موضعها ،ألهناتعرب عن شكوى
امرأة شغفها ابن عمها حبا ،لكنهاأجربت على الزواج بشيخ عجوز)ibid.:320( .
لكن ص .بياراني ،إذ يثين على بعض اجلماليات ،فهو يظلمشدودا إىل البحث عن
ضراوة البوح ،مرتبصا ببؤر التوتر اللفظي الذي يستثري أانهاإلثنولوجية املهووسة ابلغريب
واملدهش .إهنعاجز عن التخلص من شرنقة معايريالتحكيم اجلمايل اليت نشأ عليها ،قلماجيعل
الوصف يف منأى عن أتويل أو حتكيم انطباعيمحايثني ،أبعد ما يكون عن قيود القراءة
املوضوعية اليت تنشد النفاذ إىل بواطن النصوص بغري عتاد منهجي معياري .لقد الحظ
الباحث ،يف موضع آخر من مؤلفه ،وجود تفاوت جلي يف القيمة الفنية بني ما مجعه
أ.هانوتو )1897-1814( A. Hanoteauمن املأثور الشعري القبائلي ،وبني ما مجعه
س.بوليفا )1931-1865( S. Boulifaمن اجلنس نفسه يف زمن الحق ،وقد كان حقيقا به،
آنذاك ،أن يسائل حيثيات عملية اجلمع إمجاال ،لكن الرجل مل يفعل ،بل افرتضحصول تطور
(مزعوم) يف اإلنتاج األديب القبائلي؛فعوض إرجاع "األبيات الرديئة" اليت مجعها أ.هانوتو إىل
عجز اجلنرال الفرنسي عن الوصول إىل الشعراء األكثر متثيلية ،سلك هـ.ابسي مسلكا ينسجم
مع مضمون أحكامه العامة ،معتربا إايهاتعبريات شاهدة على ما اعتربه ترااث شعراي أمازيغيا
(رديئا) ساد يف املاضي)Merolla, 2006 :51( .
ابجلملة ،يبدو هـ .ابسي منضبطا لتقاليد التلقي الفرنسي الكولونيايل آلداب
املستعمرات ،أما عمله موضوع احلديث فليس جمرد خالصة عاكسة ملتحصل معارف العصر،
ولكنه أيضا مثال شاهد على تلكم الفئة من الدراسات الكولونيالية اليت قامت بصياغة
موضوعها ،كما فعلت هنا مع األدب األمازيغي ،مقللة من شأنه ومبخسة إايه ،وذلك
بسبب اإلطار التأويلي والتحكيم اإليديولوجي الذي مس ،بعمق ،وصف املواد املدروسة
وأتويالهتا ( .)ibid.لقد ابح هـ .ابسي حبجم الغموض احملدق إبيزران الريفيني ،قائال إن
فهمها يستعصي على من ال ميلك مفتاحها ( ،)Basset, 1917: 284فهل أمكن الرجل
حيازة هذا املفتاح؟ ما من شك أن مفتاح الباحث قلما الءم نصوصه املوصدة ،وأنه ،بذلك،
كان واحدا من الذين يصدق عليهم قول جوليان كراك :)2007-1910( Julien Gracq
166
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
"ماذا تقوله للذين إذا ظنوا أهنم ميتلكون مفتاحا ،فإهنم ال يراتحون إال بعد أن يشكلوا عملك
يف هيئة قفل"(.)Gracq, 1974: 161
خالصة
وقفنا من خالل السالف عرضه على قدر من املالبسات اليت أحاطت بعمليات مجع
وتدوين النصوص الشعرية الريفية التقليدية خالل الفرتة الكولونيالية ،وكشفنا عن بعض املزالق
املتصلة بعملية التقييد ووصف املناسبات اليت أوحت ابإلبداع ،مع ذكر أثر ذلك على
الدراسات الالحقة اليت اختذت هذه املدوانت متوان الستقراء السمات الفنية املختلفة.
وقفنا أيضا على بعض مالبسات التحكيم اجلمايل الذي أخضعت له النصوص الشعرية،
وكيف مت التصرف إزاءها كما لو كانت نصوصا ذات متثيلية مالئمة ،واحلال أن األمر
يتعلقبنُـتف شعرية قليلة مجعت ،يف الغالب األعم ،من خارج سياقها وجماهلا احلاضنني ،ومن
أفواه رجال (خمربين) قيض هلم أن يُوجدوا يف حميط الباحثني جامعي النصوص ،يف ظل شروط
غري علمية ،يف الغالب ،حتيط هبا شبهة التعاون الالإرادي للرواة.
نبهنا ،بعرض الشواهد ،إىل زلل األحكام ورحابة التأويالت اليت صاغها ص .بياراني وهـ.
ابسي ،كما سجلنا مالحظات موازية موجزها استناد الباحثني إىل عدة منهجية من صميم
مكتسباهتما املعرفية املطبوعة خبصوصية األدب الغريب (الكتايب) ،وجلوؤمها إىل اسقاطات غري
سليمة مل يتم فيها مراعاة الفروق الثقافية اجلارية يف هذا املضمار .كما سلطنا الضوء على
التأرجح الالفت لـ هـ .ابسي بني النص ومزاج منتجيه ،ونزوعه إىل الرتبص ابأللفاظ والنربات
طمعا يف تزكية متثالته القبلية خبصوص الريفيني وطباعهم.
ميكن أن نقول ،بكثري من اليقني ،إن كتاابت هؤالء مثال انصع كاشفعن مسات
الكتاابت االستعمارية ذات املنزع االثنومركزي ،غري أن ذلك ال يعين أبي حال أهنا كتاابت
غري ذات قيمة علمية ،وأال حاجة إىل استدعائها عند مباشرة دراسات يف املوضوع ،بل إن
ما يعنيه ذلك هو وجوب تعريضها ملشرح الدرس العلمي ،ببيان سياقها وحتري خلفياهتا
التارخيية املختلفة ،حىت يتاح إدراك وجهها الذايت غري الربيء ،من الزاوية األكادميية ،وفرزه
عن أوجه علمية عديدة ال ختفى أمهيتها على عموم املنشغلني ابلبحث يف املوضوع كما يف
اجملال.
167
مجال أبرنوص
البيبليوغرافيا
أبرنوص ،مجال ،)2015( .الشعر األمازيغي التقليدي مبنطقة الريف؛ مجع وتدوين
وتعريب وتصنيف ودراسة ،دكتوراه ،جامعة حممد األول وجدة ،كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية.
أبرنوص ،مجال (" ،)2016من هنات التوثيق االستمزاغي ملأثور الريف وصنهاجة
السراير" ،جملة تيدغني ،ع ،5.س.4
األزرق ،نورة" ،)2010( .بعض مظاهر االئتالف واالختالف يف هلجات الريف" ،ضمن:
مسامهات يف دراسة منطقة الريف ،منشورات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ،الرابط.
اعمر ،مفتاحة ،بوحجر عائشة وآخرون ،)2010( .خط وإمالئية األمازيغية ،ترمجة فؤاد
ساعة ،منشورات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ،الرابط.
اجملاهد ،احلسني ،)1991( .ابسي هنري[ ،معلمة املغرب] ،مج ،3منشورات اجلمعية
املغربية للتأليف والرتمجة والنشر ،مطابع سال.
موليرياس ،أوغست ،)2007( .املغرب اجملهول ،ترمجة عز الدين اخلطايب ،منشورات
تيفراز ،احلسيمة.
صامويل ،بياراني (" ،)2016مالحظات حول الشعر الشعيب الريفي املغىن" ،ترمجة
وتعليق :مجال أبرنوص ،ضمن جرس العشرية ،مقاالت كولونيالية حول الريف اإلثنوثقايف،
مطبعة القبس ،الناضور.
Basset, H. (1918), « Bibliographie ; S. BIARNAY, Étude sur les dialectes
berbères du Rif ; lexique, textes et notesde phonétique (Publications de la Faculté
des lettresd'Alger, t. LIV), I vol. in-8° XV-59o p. Paris, Leroux, 1917 ». In La
revue des Traditions Populaires, 33e Année, Tome XXXIII, N° 11-12, Nov.-
Déc.
Basset, H. (1920), Essai sur la littérature des Berbères, J. Carbonel, Alger.
Basset, H. (2005), Boukous, Ahmed (préf), Essai sur la littérature des Berbères
(Réédition), Paris, IbisPress, n°32.
Biarnay, S. (1910), « Étude sur les Bettioua du Viel-Arzeu », Revue africaine, t.
LIV, p. 427-437.
168
الشعر األمازيغي الريفي التقليدي بعيون مستمزغي فرنسا الكولونيالية؛ مالبسات التقييم والتأويل
Biarnay, S, (1915), « Notes sur les chants populaires du Rif », in : Les archives
berbères, Publication du Comité d’Etudes Berbères de Rabat, V.1- Fascicule 1,
P.26-43.
Biarnay, S. (1917), Étude sur les dialectes berbères du Rif (Ibeqqoyen, Ait
Ouriaghel, Ait Touzin, Temsaman, Ikebdanen, Ait Itteft), Paris, Leroux.
Bounfour, A. (1999), Introduction à la littérature berbère : la poésie, Louvain,
Peeters.
Bounfour, A. (1994), Le Noeud de la langue : langue, littératureet Société
berbères au Maghreb, Éditeur : Edisud/INALCO, Paris.
Elmedlaoui, M. « Questions préliminaires sur le mètre de la chanson rifaine »,
Etudes et documents berbères, N 24 (Décembre 2006), Paris.
Galand-Pernet, P. (1998), littératures berbères, des vois des lettres, Presse
universitaire de France, Paris.
Gracq, J. (1974), Lettrines 2, Edition Corti, Paris.
Hanoteau, A. (1958), Essai de grammaire kabyle, Ed Bastide, Alger.
Laoust, É. (1926), « Le dialecte berbère du Rif », Rif et Jbala. Éd. du Bulletin de
l'Enseignement public du Maroc.
Merolla, D. (2006), De l’art de la narration tamazight (berbère) 200 ans d’études :
état des lieux et perspectives, Edition PEETERS, Paris-ouvrain.
Renisio, A. (1932), Étude sur les dialectes berbères des Beni Iznassen, du Rif et
des Senhaja de Srair, Rabat, Publications de l’Institut des Hautes
ÉtudesMarocaines.
Serhoual, M. (2001-2002), Dictionnaire tarifit-français, Thèse de doctorat d’Etat
ès lettres, Université Abdelmalek Essaâdi, Tétouan.
169
188-171 ص،2021،عشر العدد السادس،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-مجلة أسيناگ
This novel, which goes under the title Numidia, intends to contribute to the
debate that holds on the Amazigh question in Morocco as well as on the issues
inherent in the challenges facing Amazigh culture; it is also meant to answer
the major questions posed by Amazigh identity, of most concern here its
protection and recognition. This is undertaken along a narrative process which
associates the real and the imaginary, the fates of the characters and their
ambitions as well as the struggle for values and the challenges faced. The novel
is dominated by the voice of the hero who tries to restitute the "Amazigh"
childhood he lived in the village of "Ighrem". To achieve this, he makes avail of
his memory to present us with a world rich not only in traditions and myths but
also in historical and cultural Amazigh symbols. The resort to these memories
may well be viewed as a refuge for him to escape the coming fate of suffering,
anguish and heartbreak after losing his authenticity and original roots.
Key Words : culture – Amazigh – Moroccan novel – Memory – Patrimony
171
فؤاد أزروال
إن سؤال "اهلوية" ،مبا جره من جدل التفسريات وصراع حول الصياغات وحتديدها يف
املغرب إابن العقود األخرية ،قاد املبدعني واألدابء حنو البحث عن القيم والتعبريات اليت ترسخ
شعور االنتماء إىل مجاعة منمازة ،هلا موقعها اخلاص واملغاير يف عامل طاملا افرتضت أهنا تنتمي
إليه ،لكن يف وضعية تبعية أو يف حالة "رجع صدى" ،مما دفعهم إىل إعادة صياغة خطاب
أديب جديد مشيد على اقرتاح سبل مستحدثة يف االرتباط ابلتقاليد والتاريخ والرتاث والثقافة،
يف إطارها احمللي الوطين.
وكانت الرواية املغربية منأهم األجناس الرائدة اليت عادت إىل املتون والسجالت الفنية
واألدبية املغربية من أجل استثمارها يف بناء دالالت ومشاعر االنتماء ،ووجدت يف الرتاث
األمازيغي ذاكرة ثرية وقوية يف التعبري عن الوعي احلديث ابلذات ،ويف استعادة خصوصيات
التاريخ والثقافة واجملال واإلنسان ،وراهنت عليها ابعتبارها إحدى مالمح رسم خطوطها يف
الفصل مع سواها ،ويف ترصيص أس وجداين قوي يف التجربة التخييلية يعضد االقرتاحات
البنائية والشكلية يف حماوالهتا التجاوزية والتجريبية.
وقد حاولت هذه الرواية استعادة ما ختتزنه الذاكرة األمازيغية بصفتها حلظة وجودية للذات
الضائعة يف عاصفات اخلطاابت اهلوايتية القائمة على التهميش واإلقصاء وقهرايت اإلسكات
والتبعية ،وابعتبارها اسرتاتيجية متاحة إلعادة صياغة الذات وهويتها يف مسار مضاد يسعى
لتقويض التمثيالت املؤسلبة اليت أنشأهتا الثقافة املهيمنة واخلطاابت الرمسية حول هذه الذات.
وهكذا جند الرواية املغربية تستعيد جمموعة من املفردات املضيئة يف الرتاث والثقافة األمازيغيني،
وبكثري من التحيز واالنتصار هلا يف سياقات من الرتميز اليت تعيد ترتيبها ضمن األنساق
التقييمية واألساليب التمثيلية ،ويف سياقات من اإلحاالت على "الذات وما تواجهه من
ضروب التهميش واالنسحاق" (خضرواي ،(237 :2017 ،وما حتاوله من إمساع صوهتا بعد
عقود طويلة من العنف الثقايف والسياسي ،ألجل قهره وحصاره يف اهلامش الضيق من احلياة.
وإن هذه االستعادة ألجزاء من صوت الذات األمازيغية يف الرواية املغربية املعاصرة،1
جعلت السرد يشتبك بصوت السلطة السياسية والثقافية ،ويطرح "منظورا إبداعيا خمالفا
وحواراي ،يتفاعل فيه التخييلي ابلتارخيي ،وتتواجه فيه أصوات املركز واهلامش ،الذات
واجلماعة ،القامع واملقموع" (بوعزة ،(99 :2014 ،كما يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري اليت
اختريت ضمن القائمة القصرية للجائزة العاملية للرواية العربية "البوكر" سنة ،2016وحازت،
يف السنة نفسها ،على جائزة املغرب للكتاب ،صنف السردايت واحملكيات.
172
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
إذا كانت الشخصية يف الرواية ،بشكل عام ،هي العنصر احملوري الذي تتقاطع عنده كافة
العناصر الشكلية األخرى ،ويكون أشبه ابلقلب النابض للسرد (موير ،)237 :فإن شخصية
"البطل" ،بشكل خاص ،هي اليت هتيمن على جل األحداث ،وهي اليت ال حتضر األمكنة
واألزمنة إال خلدمتها وإظهارها ،وال تعمل الشخصيات األخرى اليت تتفاعل معها إال على
إبراز تكوينها النفسي واالجتماعي والفكري .وتكون لصورهتا دائما وظيفة اإلابنة عن
السياقات االجتماعية والثقافية املعقدة واملتداخلة ،والتعبري عن الرؤى اخلاصة للعامل والوجود
يف احلقبة اليت تنتمي إليها الرواية.
والبطل يف رواية "نوميداي" (بكاري ،)2015 ،كما صاغه السارد ،هو نتاج يتم عاشه طفال
وتب عاشه مراهقا يف املدينة ،واغرتاب عاشه شااب بفرنسا ،مما شكل لديه تصارعا يف القريةّ ،
قواي يف هويته ،تتقاتل فيها األحاسيس واملشاعر املتضاربة يف االنتماء دون حسم أو انتصار
جلانب على حساب آخر؛ فظل ضائعا وممزقا بني ما كانه طفال لقيطا ويتيما يف بيئة أمازيغية
بقريته األوىل "إغرم" ،وبني ما صاره مراهقا يف مدينة فاس ،وسط أسرة تبنته وغريت امسه
وقست عليه ،وبني ما امتدت به هذه الصريورة وهو شاب ابلبالد وابملهجر .فقد ظل دائما
هو "أوداد" الصغري الذي مل يغادره أبدا متصارعا مع "مراد" الذي حتول إليه بطريقة قسرية
تنطوي على الكثري من السلطة واالحتيال" :تبناين بشكل رمسي مستغال يف ذلك منصبه
وعالقاته يف وزارة الداخلية ،وكذا سجلين يف "كناش احلالة املدنية" اخلاص به ،وغري امسي
بطريقة ذكية من أوداد إىل مراد" (طارق ،بكاري .)140 :2015 ،وهذا ما خلف أثرا مدمرا
يف وجدانه وكينونته ،مل يستطع التعايش معه أبدا.
فبسبب هذا التبين ،وبسبب ما حلق امسه األمازيغي "أوداد" ،الذي استبدل ابالسم العريب
"مراد" ،تفجرت األزمة يف هوية الطفل ،وظهرت ـ ألول مرة ـ بوادر التمزق النفسي يف ذاته،
ألن هذا التحول يف االسم ـ والذي رافقه حتول يف املكان والبيئة ـ هو ،يف عمقه ،حتول يف
اهلوية الفردية ،السيما وأنه مل يتم بشكل تدرجيي ،ومل يهتم ابحلفاظ على املركز األساس
للذات الذي يبقى ويستمر يف تشكيل اهلوية الفردية (وهلبورن ،)96 :2010 ،فأحس الطفل،
مذاك ،بتهديد قوي هلويته ،هتديد أتى من استبدال االسم األول الذي أطلق عليه متزامنا مع
تغيري املكان الذي ولد ونشأ فيه ،ولذلك ظل يوقع امسه اجلديد ،أو يردده ،مقروان دائما
ابالسم األمازيغي األول مرتمجا إىل العربية "مراد الوعل" ،أي "مراد أوداد" ،ابعتبار ذلك
وسيلة دفاع ضد التهديد الذي شعر به ،وبصفته تشبثا أبصله األول الذي شكل وجوده.
173
فؤاد أزروال
إال أن البطل عاش ،مع ذلك ،عجزا كامال يف التحكم يف ذاته ويف توجيهها ،ومل يستطع
تقديرها أو بناءها وهي تنمو وتتطور ،مما أوقعه يف أزمات نفسية متواصلة قادته إىل حاالت
من اهللوسات املرضية ،واليت كانت تغذيها ابلطاقة والقوة نساء متعددات اتصل هبن ،إذ
كانت كل واحدة منهن تؤجج الصراع داخله بتعزيز جانب واحد من انتمائه دون بقية
اجلوانب ،وكان ضحيتهن .فمع الفرنسية "جوليا" والعربية اليسارية "نضال" يربز االنشداد إىل
اجلانب العريب ،ويظهر يف احلوارات أو يف املنولوجات اخلاصة ،ذلك أن األوىل تبحث فيه عن
مشرق "ألف ليلة وليلة" الساحر والعجائيب ،بينما الثانية تبحث فيه عن الشاب الثائر واملتمرد
القادم من اهلامش ،ألهنا تنتمي لتيار فكري أيديولوجي ذي نزوع قومي عريب .أما مع
"خولة" ،الفتاة العربية العادية ،فقد كان يضيع متاما وسط عواصف من عقد الذنب
املتواصلة ،بسبب العالقة امللتبسة والقوية اليت مجعت بينهما.
وبسبب هذا التمزق اهلواييت ،وبسبب عدم القدرة على استيعاب ظروف الطفولة القاسية
واملعذبة ،دخل البطل يف حالة إنكار غامضة يف ما يتعلق هبويته األمازيغية ،فحاول أن خيفي،
أو يتناسى انتماءه إىل الفضاء الذي منا وترىب فيه صغريا ،فلم يستطع ـ ابلتايل ـ أن حيقق
االتزان النفسي وأن يتوحد مع ذاته ،وال الوصول إىل مرحلة التقبل ،رغم عودته إىل منشأ
طفولته وفضاءاهتا.
وتظهر أعراض هذه احلالة اإلنكارية يف تذكره الدائم حملاولة انتحاره صغريا ،ويف إعادة
اإلقدام عليها ابلطريقة نفسها إهناء لعذاابته يف النهاية ،ويف ختيالته املستمرة حول احلياة اليت
كان سيعيشها لو أن أمه مل تتخل عنه ،أو لو تقبله أهل "إغرم" كما وجدوه .ويظهر أيضا
بقوة يف بناء وهم تعويضي لكل النساء السابقات ،جتلى واضحا يف شخصية "نوميداي" امللكة
األمازيغية اخلرساء اليت صنع منها بديال لكل األخرايت لعلها تنقذه مما يقاسيه ،وحترره مما
متثله كل األخرايت له ،ومما ميثله هو ابلنسبة هلن.
وقد تشكل هذا اإلنكار لدى البطل منذ أن كان صغريا ،متخذا صفة آلية دفاعية ،وقد
كان زمنها ضعيفا ال يقدر مواجهة التهديدات اليت كان يستشعرها .أما يف كربه ،مل تعد ذات
فعالية كبرية ،إذ ظلت الذكرايت ومشاعر الذنب هتامجه وتنهكه .وكانت أتيت حاالت اهلذاين
اليت كان يدخل فيها لتخرج ما كان يكبته يف الشعوره الباطن ،وما كان خيفيه فيه من أسرار
ال حيب البوح هبا .ففي هذه احلاالت كانت تنهار لديه سلطة الرقيب وال يعود من اإلنكار
جدوى ،فيظهر ما ترسب يف األان من مرحلة الطفولة ،وتستعيد الذات احلديث ابألمازيغية
اليت استقرت يف مناطق غائرة من النفس ضمن نطاق النكوص واالنكسار:
174
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
" -قال :لقد عشقتك جنية الوادي "سيدة احلصان" ،وأرادت أن متتلكك لألبد...
ابملناسبة أخربين :هل تتقن احلديث ابللغة األمازيغية؟ ابغتين السؤال ،فأجبت
مراوغا :ال ،فانطلقت أساريره بفرح فجائي ،وصاح كأنه حقق نصرا أو فتحا مبينا:
هللا أكرب ..هللا أكرب ،لقد حدثتنا البارحة ابألمازيغية ،كانت تتحدث من خاللك
وأمست نفسها "سيدة احلصان" .قل يل أكنت تراها يف الوادي؟ (بكاري:2015 ،
.)360
" -قال يل بعد مقدمة مملة :بعد إذنك أستاذ ،أريد أن أسألك على أال حتسب سؤايل
ضراب من الفضول ،هل أنت أمازيغي؟ اقصد هل تتحدث األمازيغية بطالقة؟
وأخذت نفسا عميقا من سيجاريت ،خطر يل أن أكاشفه ابحلقيقة ،لكن رغبة ما
مبهمة بداخلي أحلت علي أن أشحذ رواية الفقيه وجنية اجلبل ،فأجبت :إطالقا.
فبدت على مالحمه عالمات االستغراب ،وقال وقد شرعت يف االنسحاب إيذاان من
أن نقاشنا انتهى :البارحة ...وقاطعته حبدة ،لكي أختلص من وجع جديد ضقت به
ذرعا :أعرف ،أعرف( "...بكاري.)380 :2015 ،
" -بعد ان لبينا دعوة محيد وعائلته ،هذه العائلة اليت جتشمت طيلة السهرة احلديث
ابلعربية ونسيتين ،مل تكلف نفسها عناء االلتفات إىل وعل لقيط ينام يف الرفوف
املهملة لذاكرهتم .كنت مأخوذا أبطفال محيد الثالثة ،رمبا ألهنم كانوا جيرونين أكثر
من أي شيء إىل مستنقع طفوليت ،كانوا يكركرون بشكل احتفايل ،وتصلين
وشوشاهتم ابألمازيغية ،فال أجد صعوبة يف فهمها ،وعلى الرغم من انين كنت أفتعل
البسمة وأحاول ما استطعت أن أضمر احلزن الثاوي داخلي ،إال أن جمرد التفاتة
إليهم كانت كفيلة إبرابك لغيت وإسقاط تلك البسمة ...كانوا مالئكة إغرم".
(بكاري... )158 :2015 ،
ويف خضم هذا الصراع الداخلي املؤمل كانت احلدود بني األان" /مراد" الشاب واألان
الطفل" /أوداد" ضيقة وغامضة ،وكانت مشحونة ابضطراب شديديف احلواس واملشاعر،
وغامرة ابلقلق إزاء هوية مزقها واقع حياة عنيفة وغري مستقرة ،تشكلت عرب مزيج من العوامل
والتأثريات اليت مل تنسجم ومل تتصاحل ،فظلت األان "أوداد" تتوارى ،أو ختفى ابعتبارها العنصر
األضعف يف شخصية البطل مبا تعاقب عليها من أحداث ومصائب ،وكانت األكثر إاثرة
للقلق واالضطراب لديه ويف أعماق "مراد" الذي صار إليه ،ابعتبارها اجلذر األول واألصيل
يف بناء هذه الشخصية .وهكذا يكون الطفل "أوداد" األمازيغي جمرد وجه ممسوخ للشاب
175
فؤاد أزروال
والرجل مراد " :وأخربك أن أوداد الوعل الذي ال انفك أحدثك عنه ،ما هو إال الوجه املسخ
ملراد" (بكاري ،)152 :2015 ،وأحياان يكون مشاهبه أو صديقه الويف" :كربان معا ،وجلسنا
معا على طاولة املدرسة" (بكاري ،)19 :2015 ،وأحياان أخرى يكون هو نفسه أطفال قريته:
"كم كنت أشبههم ،وكم هم أان" (بكاري... )172 :2015 ،
من خالل مسار حياة البطل ،تقارب هذه الرواية قضية عودة الذات الضائعة إىل أصوهلا
حبثا عن الصفاء والسكينة ،وحبثا عن حلظات تكوهنا وتشكلها األوىل بكل سعاداهتا
ومواجعها اليت توارت بعيدا يف الذاكرة حد النسيان .وتقارب قضية األان واآلخر يف الذات
الواحدة وقد تشظت بني كياانت متعددة تشكلت عرب اتريخ طويل من الشروخ والتشوهات
والقلق ،وامتدت من رحلة الطفل األمازيغي اليتيم "أوداد" ،إبحدى القرى اجلبلية النائية؛ إىل
رحلة التبين من لدن عائلة مبدينة فاس ،غريت امسه إىل "مراد" ،وقست عليه أكثر مما قست
عليه الظروف واألقدار من قبل؛ مث رحلة االغرتاب بفرنسا حيث سيفقد األمان ،ويسقط
فريسة األمراض النفسية والبدنية معا.
والرواية ،يف بنائها السردي ،سفر قاس من احلاضر إىل املاضي ألجل استعادة اهلوية
الضائعة ،وحماولة لبناء اتريخ حياة الطفل األمازيغي الذي مل تبق منه إال ذكرايت بعيدة
وغائمة .يقول السارد يف بداية حكيه بعبارات مشحونة ابلرموز واالستعارات:
" -كنت أعلم أنين اقرتف بعوديت اجملنونة إىل هذه القرية خطأ فادحا ،وأن العودة ال بد
أن حترك على بسخط كل ذكراييت الراسبة .أعود إىل إغرم مضرجا أبوجاع جديدة،
أعود ألوقظ تعبا قد خلته إىل وقت قريب قد انطفأ هنائيا ...يف إغرم ،هذه القرية
الغريبة واجلميلة ،سيشتعل فتيل الذاكرة ("...بكاري.)11 :2015 ،
..." -لكنهم كلهم ال يرون يف إغرم أبعد من أنوفهم ،هذه القرية لن يفهم سحرها
ومجاهلا إال من اخرتقت قلبه حقن أفيوهنا .جلسنا إىل طاولة ،انديت حممد ،فهرول
إيل :صباح اخلري سي مراد ،أأتمر بشيء؟ صباح اخلري ،من فضلك أريد فطورا أمازيغيا
اصيال( ".بكاري.)15 :2015 ،
" -سأحكي لك فيما بعد عن غريب مر من هنا طفال ،وجدوه متلفعا يف بياض بعد أن
ختلت عنه إحداهن ،وأمسوه أوداد وهي كلمة أمازيغية تعين الوعل" (بكاري:2015 ،
... )19
176
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
وتعتمد الرواية يف هذا السفر على آلية االسرتجاع اليت -كما هو شأن مجيع
االسرتجاعات -تقع خارج القصة األصلية للرواية ،وأتيت لتمأل الفجوات اليت خيلفها السرد
(حبراوي )121 :1999 ،واملتوارية يف أعماق الذاكرة ،ولتخرج إىل النور ما استقر يف األعماق
املظلمة من النفس ،وكل ما ترسب فيها مما تعلق ابألمازيغية بعد سنوات طويلة من البعد
واهلجران.
يقول روالن ابرط" :تنبغي مساءلة اسم العلم دائما بعناية ،ألنه ،إذا جاز القول ،أمري
الدوال .فإحياءاته االجتماعية والرمزية غنية" (نقال عن حممد ،العماري .)99 :2001 ،ويف
الكتابة الروائية ال ختضع أمساء األعالم "لنفس القواعد واإلكراهات اليت ختضع هلا يف احلياة
االجتماعية الواقعية .إذا كانت السمة التعريفية اجلوهرية يف اسم العلم هي ختصيص وتعيني
مرجع متفرد ،فإن هذا املرجع يف العامل الروائي ال وجود له إال ابعتباره كائنا ختييليا ،أو "كائنا
من ورق" ،على حد تعبري ابرط .وهو ما يرتتب عنه أن كاتب الرواية ميلك قدرا أكرب من
احلرية واملبادرة يف انتقاء أمساء شخصياته وصياغتها ،من ذلك الذي تنتجه احلالة املدنية ،فهو
يستطيع اللجوء إىل األمساء املتداولة يف الواقع ،لكنه يستطيع كذلك توليد أمساءه اخلاصة،
جاعال من التسمية نسقا مسيائيا حافال ابإلحياءات والرموز" (العماري..)99 :
ويف رواية "نوميداي" ،اختريت أمساء الشخصيات بدقة وعناية فائقتني لتؤدي وظائف رمزية
غنية ،ولتشكل عالمات نصية حتمل دالالت تعكس هوايت حامليها وخصائصهم الذاتية،
فخضعت بذلك لقوانني وأساليب حمكمة يف الصياغة واالقرتاح .ففي أكثر من مكان يركز
السارد /البطل على عملية التسمية ابعتبارها مؤشرا قواي على حقيقة اهلوية لدى
الشخصيات ،السيما شخصية البطل ،ويعرب عن ذلك ،مثال ،يف قوله" :وامسوه أوداد وهي
كلمة أمازيغية تعين الوعل .كربان معا ،وجلسنا معا إىل طاولة واحدة يف املدرسة ...إنه أوداد"
(بكاري ،)19 :2015 ،و"كربت كوعل بني أجراف اجلبل احلادة ،حرا طليقا ،وهلذا السبب
أطلقت علي القرية اسم أوداد ،واليت تعين الوعل ابلعربية" (بكاري .)218 :2015 ،وحينما
يتم االلتفاف على هوية هذا البطل /الطفل ألجل طمسها واستبداهلا أبخرى غريبة أتسيسا
على القوة واحليلة ،يكون املدخل الرئيس لذلك أيضا هو االسم نفسه" :تبناين بشكل رمسي
مستغال يف ذلك منصبه وعالقاته يف وزارة الداخلية ،وكذا سجلين يف "كناش احلالة املدنية"
اخلاص به ،وغري امسي بطريقة ذكية من أوداد إىل مراد" (بكاري.)140 :2015 ،
177
فؤاد أزروال
إن أمساء أهم شخصيات هذه الرواية تلعب دورا كبريا يف حتديد انتمائها اهلواييت
لألمازيغية ،ويف إبراز طبيعة هذه اهلوية وامتداداهتا اللغوية والتارخيية واالجتماعية ،وقد ابتدع
خيال الكاتب هلذا الغرض العديد من األمساء ،كاسم البطل "أوداد"؛ واستعار أخرى من
التاريخ والرتاث ،كاسم احملبوبة املتخيلة للبطل "نوميداي"؛ ووظف غريها من األمساء املتداولة يف
الواقع واملرتبطة بنثرية سجالت احلالة املدنية (العماري ،)102 :2001 ،كاسم "احمند" األب
األول ابلتبين للبطل.
ولعل يف اإلشارة داخل الرواية إىل أن االسم "أوداد" كلمة أمازيغية ،ويف شرح معناها
ابلعربية "الوعل" ،ويف التأكيد عليها بعبارة "إنه أوداد" ،حماولة من السارد يف تركيز االنتباه
على هذا االسم ابعتباره عالمة مركزية واثبتة يف النص" :وامسوه أوداد وهي كلمة أمازيغية تعين
الوعل .كربان معا ،وجلسنا معا إىل طاولة واحدة يف املدرسة ...إنه أوداد" (بكاري:2015 ،
.)19ويزداد إحياء هذه االسم أكثر حينما تتشابك العالقة بني حامله وشخصية احملبوبة
الومهية واآلسرة اليت مسيت بـ"نوميداي" ،واليت وصفت أبهنا امللكة األمازيغية اخلرساء ،ويف
عالقته مع امسه اجلديد "مراد" الذي أطلق عليه قسرا وحتريفا ،والذي يعين يف اللغة العربية
املرغوب واملأمول ،ومع حبيبته األوىل املسماة "خولة" ،اليت انتحرت بعد حب صادق
وعاصف .وهنا ،إذا كان اسم "نوميداي" يتناسق مع املرجعية الذاتية للبطل وميتد معها ،فإن
اسم مراد يشكل رمزا أو إحياء إىل ما يراد أو يؤمل أن حتول إليه هذه املرجعية بعد طمس
أصلها وجوهرها احلقيقيني .أما اسم "خولة" الذي معناه يف العربية الظبية الصغرية ،فيلمح إىل
أن السارد /البطل كان حياول جر صاحبته إىل مرجعيته األصلية ،كما جرى مع كل النساء
األخرايت ملا تبعنه إىل قريته األمازيغية "إغرم" ،فحىت جوليا الفرنسية ظلت بعد أن عرفت
امسه األصلي تناديه ابلوعل" :احبك اي وعلي"(بكاري ،)150 :2015 ،وكان هو يراها أيضا
غزالة ،فيصفها بذلك كل مرة" :كانت أروع من غزالة" (بكاري ،)155 :2015 ،ـ و"تفر
كغزالة" (بكاري... )157 :2015 ،
ومن جهة أخرى ،فربغم أن االسم الذي سيلتصق ابلبطل فيما بعد هو "مراد" ،فقد
ظلت لفظة "أوداد" ملحقة به مرتمجة يف تسمية مركبة "مراد الوعل" ،وظل هذا "الوعل
األمازيغي" ميتلئ ابلدالالت واملعاين داخل مسار السرد ،وظل يشكل صورا متعددة من
سلوكاته وأحاسيسه من خالل التعابري االستعارية املتنوعة من قبيل :ـ "قفزت من السرير خبفة
وعل" (بكاري ،)113 :2015 ،ـ "ما أتعب نوم الوعول" (بكاري ،)163 :2015 ،ـ "أحس
أن شيطاان أمحر الوجه ذا قرون وعلية يقبع داخلي ويبقر أحشائي كلما انفجر
ضاحكا"(،بكاري"،)118 :2015 ،وشيطان ذو القرون الوعلية داخلي أمحر" (بكاري،
178
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
" ،)121 :2015ما أبشع ان يطعن الوعل يف حريته ...أن يسجن خلف قضبان قفص
حديدي يف حديقة احليوان" (بكاري" ،)142 :2015 ،كان حنني الوعل دائما للجبل ومحرته
العنيفة للوادي وصخوره الصماء الصلبة للحقول وخضرهتا تتناسل يف الروح وتبحث اجلسد
إحساسا فجا ابحلرية" (بكاري... )133 :2015 ،
وال شك أن التصاق صفة "الوعل" ابالسم البديل "مراد" هو من أجل متييزه عن كل من
حيمل مثل هذا االسم البديل ،الذي هو اسم "مستورد ذو نكهة شرقية" (حبراوي:1990 ،
،)248ومن أجل التذكري ابالسم األول وبكل ما خيتزله من معان ودالالت ،وابلسمات اليت
اكتسبها يف مراحله األوىل.
أما اسم "نوميداي" الذي اختاره البطل للحبيبة األخرية واملتومهة ،فهو ذو كثافة اترخيية
وهوايتية حتددها العبارة اليت تلتصق هبا دوما"امللكة األمازيغية اخلرساء" .وهي كما يقول
الكاتب نفسه" :نوميداي ال ينقص كمال حسنها سوى صوهتا الغائب ،أن تكون خرساء،
فلألمر أكثر من رسالة جيدر أن تفهم على رأسها ما يتعلق ابلثقافة األمازيغية ،جبماليات
الثقافة األمازيغية ،اليت غالبا ما تكون صامتة أو تدفع إىل الصمت"(بكاري) .ويؤكد السارد
هذا التفسري بلغة جمازية قائال" :وألنين ال أعرف امسها من جهة ،وألن مالحمها تقول ،مبا ال
يدع الشك ،إ هنا أمازيغية ،فقد فكرت أن أمسيها ابسم إحدى امللكات األمازيغية اليت
انقرضت منذ زمن غابر ،أن أمسيها "نوميداي" ،نعم نوميداي .هذه امللكة اليت ال أدري أين
نسيت مملكتها ...عودي ،ففي القلب لك مملكة جديدة" (بكاري.)222 :2015 ،
ويتحدد قطاع كبري من الداللة اهلوايتية األمازيغية يف اسم "نوميداي" مبوقع شخصيتها
داخل نسيج عالقاهتا مع الشخصيات النسائية األخرى ،فهي تبدو فرصة خالص من
التشتت والضياع اللذين متارسهما النساء األخرايت على البطل أوداد ،السيما شخصييت
جوليا ونضال .ويف ذلك يقول الكاتبأيضا" :أما عن نوميداي اخلرساء ،امللكة األمازيغية اليت
تتخفى وراءها مملكة "نوميداي" التارخيية ،فال يفوتين أن أذكر ابلسياقات السردية اليت
استدرجتنا إليها؛ هي حضرت عموما بعد أن بلغ ابلبطل االعتالل النفسي مبلغا كبريا ،وبعد
تظهر بني الواقع واخليال حبيث ال يدري البطل إن كانتأن أصيبت دواخله هبشاشة مفرطةُ ،
حتضر يف األخري ابعتبارها اجلمال الكامل
من حلم ودم أم جمرد هلوسة من هلوسات البطلُ ،
واملنشود ،خرسها الذي قد يبدو مظهرا من مظاهر النقص إن هو إال إحدى صفات الكمال
ابلنسبة لبطل أحوج ما يكون ملن يسيخ السمع لوجعه العتيد بدل أن يرهق مسعهه بثرثرة دون
جدوى" (بكاري).
179
فؤاد أزروال
وهلذا ،ال ميكن أن يكون الكاتب قد اختار هذا االسم األمازيغي ،أي نوميداي ،بكل
خلفياته التارخيية واألسطورية عنواان لروايته اعتباطا أو صدفة ،بل اختاره من حيث هو "الفتة
داللية ذات طاقة مكتنزة ،ومدخل أويل البد منه لقراءة النص" (العالق،)173 :1997 ،
ولتوجيه آفاق االنتظارات إىل األفكار واملعاين اليت تود الرواية اإلفصاح عنها.
أولت الرواية عنصر املكان أمهية كربى ،وجعلت منه احملدد الرئيس هلوية البطل ولطبيعة
تفاعل الشخصيات معه ،ومركز احلدث األساس وشكل امتداده يف األحداث األخرى اليت
جرت أبماكن أخرى .بل وأبعد من ذلك ،رمست من خالله صراعا بني هوية أصلية تشكلت
عرب االنتماء األويل إليه وبني هوايت أخرى تشكلت فيما بعد من خالل التحرك يف أمكنة
أخرى دون أن متحو األوىل ،أو تكون بديال هلا" :غادر إغرم ،لكنها ظلت مزروعة داخله
وظل مسكوان هبا" (بكاري" ،)132 :2015 ،حني قفلنا راجعني ،مجعت جلوليا قصفة من
"أزير" هذه النبتة املنتشرة بكثرة على هذا التل أبرجيها الغريب واجلميل يف آن ،سكنت
وجداين ..وعلى الرغم من أنين تركت إغرم صغريا ،إال أن هذا العبق ظل يصطحب داخلي
ويرقص جبنون ويفيض حنينا"(بكاري... )175 :2015 ،
فقرية "إغرم" ،اليت تعين تسميتها ابألمازيغية القصر أو احلاضرة ،هي املكان الوحيد الذي
احتضن كل األحداث .ومل حتضر األماكن األخرى ،كفاس والدار البيضاء وابريس ،إال عرب
فعلتها حوافز قائمة بفضاءات "إغرم" .لذلك ،فهذه القرية ليست اسرتجاعات أو ذكرايت ّ
جمرد مكان جيسد مرحلة من مراحلحياة البطل ،بل هو ابلنسبة إليه كل الوطن ،واألم
املفقودة ،واالنتماء احلقيقي الوحيد .يقول الكاتب "لكن إغرم ،هذه القرية اليت أدمنها البطل،
بقدر ما استنطقت وجعه استنطق مجاهلا واترخيها ،وذاكرة أهلها وحكاايهتم العجائبية ،وهنا
ط رواية نوميداي اللثام عن بعض األشياء النادرة والعميقة يف الثقافة األمازيغية واملوروث
متي ُ
الشعيب األمازيغي" (بكاري) .وهذا ينم على أن الرواية حتاول أن تستعيد العديد من عناصر
الثقافة األمازيغية األصيلة املنسية واملبخسة عرب استنطاق ذاكرة املكان ،وعرب جعل البطل
"مراد الوعل" منشغال دوما مبديح الفضاء األمازيغي واإلحلاح على وصفه وحتديد هويته
األمازيغية من خالل أشيائها وفنوهنا وانسها :إغرم قرييت الفاضلة ،مملكة اجلنة ،إغرم ،إغرم
هدوء مليكة يف عرشها األخضر ،وحدها إغرم ال ختون ...
180
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
ويتجاوز فضاء إغرم ،يف هذه الرواية ،كونه ذو داللة جغرافية إىل فضاء ذي دالالت
ثقافية ووجدانية ،متألها أحداث الرواية برموز هوايتية من خالل عالقة البطل أبجزائه
وعناصره ،ألهنا جعلت منه مكاان مفعما ابأللفة وفاعال يف احلماية ،وأييت "مزجيا من املكان
احلاضر ومكان الذكرى ،وال أييت إال عند إيصال طريف السلك السالب املكان احلاضر
والسلك املوجب املكان الذكرى ،ويتم توليد مكان اثلث" (النابلسي )15 :1994 ،ذي بعد
نفسي وطابع حنني رومانسي .ولذلك عاد إليه البطل هراب من انتكاساته ومتزقاته يف األماكن
والفضاءات األخرى ،اليت تتسم بكوهنا معادية ومهددة لتماسك ذاته" :هي املدينة اليت نفيت
اليها بعد إغرم" (بكاري" ،)129 :2015 ،من الصعب أن يعيش وعل يف املدينة من دون أن
يتحول إىل كلب ضال أو هر" (بكاري" ،)133 :2015 ،املدينة ترفض أمثايل وأمثال
مصطفى وابطال الرواايت اليت كان خيتارها يل" (بكاري 144 :2015 ،ـ " .)145قلت
ملصطفى ذات حديث شجي؛ متنيت لو أحرق تلك املدينة مبا فيها ومن فيها" (بكاري،
... )145 :2015
وألن الصراع يف دواخل البطل كان بني الطفل األمازيغي اليتيم وبني الشاب والرجل
اللذين حتول إليهما ،فقد كان املكان يضغط بقوة على وعيه ليجري مقارانت بني فضاء
الطفولة بقرية "إغرم" وبني الفضاءات اليت عرب فيها فيما بعد ،فينحاز بكثري من بالغة
التفضيل لألول ابعتباره مكاان جاذاب ،وابعتبار الثانية أمكنة طاردة مليئة ابلنفور واألمل
واالمشئزاز:
" -حني قفلنا راجعني ،مجعت جلوليا قصفة من "أزير" هذه النبتة املنتشرة بكثرة على
هذا التل أبرجيها الغريب واجلميل يف آن ،سكنت وجداين ..وعلى الرغم من أنين
تركت إغرم صغريا ،إال أن هذا العبق ظل يصطحب داخلي ويرقص جبنون ويفيض
حنينا .املدن ،كل املدن املغربية تستنبت أزير وينجحون يف ذلك ،لكنه يبقى نسخة
رديئة وأقل أرجيا ،بل وسرعان ما يبهت لونه ويصبح ايبسا سريع االنكسار ،أما أزير
إغرم فإن لونه األخضر القامت ال يغريه اختالف الفصول ،كما أن رائحته هتاجم األنف
بشراسة وتبقى ومشا يف الذاكرة" (بكاري.)175 :2015 ،
..." -تلقفتين املدينة كهدية من السماء ،فتحت أضلعي كأهنا تفك خيوط اهلدية ،فما
وجدت غري قلب مدمى ،مل ترأف به بل دقت فيه العديد من املسامري الغليظة وردت
األضلع إىل حيث كانت ،كأمنا مل تفعل ابلقلب ما فعلت ...وأسلمتين لنزيف موجع
ال ينقطع" (بكاري.)139 :2015 ،
181
فؤاد أزروال
..." -أطلعين على وجه املدينة احلقيقي للمدينة .كنت أملح الذين يعظون الناس
وينصحوهنم هنارا ،وهم سكارى تتقاذفهم اجلدران ليال ،فكيف ينهون عن شيء
وأيتون مبثله؟ أي خراء هذا الذي يقبع داخل مجامجهم .أي روائح للزبل تتبخر من
أفواههم الواعظة .يف ليل املدينة العاهرة ،مسعت صراخ بعض النساء وهن يضربن أو
يغتصب .رأيت اللوايت يتسللن ليال إىل منازل أخرى ،وأتملت السكارى وهم يعربدون
ويضربون كل شيء جيدونه أمامهم السيما أكياس القمامة .رأيتهم يتبولون على
األرصفة واجلدران أو يصطفون أمام أبواب املومسات ويدخلون تباعا ،ليل املدينة
يعري اجلسد املسخ للقبيلة اليت تعيش داخل كل فرد ،هذا اجلسد املسخ الذي مت
السعي على مر قرون إىل مواراته يف أثواب بيضاء ال تصلح له بل ،وال تزيدهإال
بشاعة .اغتالت املدينة أفراحي املؤقتة" (بكاري.)145 :2015 ،
وحىت ملا ركزت الرواية ،يف بعض اجلوانب ،على مرجعية القرية الواقعية ،كانت تبين
دالالت هوايتية ابمتياز ،ابعتبارها جزءا من الوجود أو الكينونة الذاتية واجلماعية ألشخاص
وأسر وقبائل تتحدد هويتها بفضائها ،وتستمد خصائصها منها ،وتضيع خارجها:
" -والليل ...هذا املتغطرس اجلبار ،كيف جيثم على صدر إغرم ودون أن تلعنه أو تنتفض
يف الوقت الذي يقاومه آيت مرغاد هناك يف أعايل اجلبال ،يزعجون هدوءه بتلك
النريان اليت يوقدوهنا حول خيمهم ..بقع انرية فوق اجلبل هي كل أثرهم يف هذه
احلياة ،اليت تعاملهم حبياد اتم"( ،بكاري،)223 :2015 ،
" -إغرم مل تتغري كما مخنت ،وصباحاهتا الصيفية متشاهبة إىل درجة ينتفي معها مفهوم
الزمن .اجلبل ال يزال شاخما كعهدي به وقطعان البقر ال زالت تسعى بني احلقول ،أما
املعاول ،معاول الفالحني الكادحني ،فإهنا تعلو لتطاول اجلبل وهتوي ابخلصب
واحلياة ،حىت الوجوه الصلبة اليت تتعانق فيها السمرة ابحلمرة مل تتغري ،ال زالت تتصب
عرقا وتتطلع بني فينة وأخرى إىل األعايل ،كأهنا تنتظر حبيبا قد يعود .أهل إغرم
متشاهبون إىل حد مزعج" (طارق ،بكاري... )49 :2015 ،
وألن املكان ليس جمرد فضاء فارغ ،و"لكنه مليء ابلكائنات وابألشياء ،واألشياء جزء من
املكان ،وتضفي عليه أبعاد خاصة من الدالالت" (سيزا ،)48 :2002 ،فإن البطل ظل
يستنطق مجال العديد من أهل القرية والكثري من عناصرها وهو يؤكد على صفتها األمازيغية
اليت متيزها ،ويرسم من خالهلا مظهرا خلفيا هبيا ابلصور اجملازية والتشبيهات املعربة:
182
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
مثلت األغنية األمازيغية التقليدية أهم عنصر حافظ على الثقافة واهلوية األمازيغيتني،
وكان هلا الفضل األكرب يف استمرارمها وبقائهما خالل عقود طويلة .بل ،إن بعض ألوان هذه
األغنية يعد عالمة ابرزة ومائزة ،إذ مبجرد مساعها يتبني انتماؤها وفضاؤها اجلغرايف والثقايف.
ولعل من بني أمهها فن "متاوايت" الشهري ،والذي يصنف ضمن أغاين اجلبال ،وينتشر مبنطقة
األطلس املتوسط.
ويورد الباحث سعيد املولودي جمموعة من التوصيفات اليت عرف هبا أهم الباحثني يف
األدب والفن األمازيغيني فن "متاوايت" كالتايل" :فقد حددها عمر أمرير ابلقول :بيت شعري
183
فؤاد أزروال
واحد يغنيه من وهبه هللا صوات مؤثرا ،وقد يغىن هذا النوع لتسلية النفس يف الوحدة والعمل،
أما حممد شفيق فيعرفها كما يلي :أما اثماوايت فمدلوهلا اللغوي هو الرفيقة أو املرافقة اليت
ترافق املسافر يف سفره عرب اجلبال والوهاد وكل إنسان منفرد عن القوم ،فيطلق العنان حلنجرته
ويصدح متغنيا بفقرة من نظمه أو من نظم غريه مادا لكل نغمة أكثر ما ميكن املد (.)...
وحيدها احلسني اجملاهد ابلقول :عبارة عن موال طويل النفس على غرار تزرارت .وهي الشكل
الغنائي الذي يظهر فيه حسن الصوت والتحكم يف اللحن واألداء وبراعة املغين يف تلوين
النغم وامليلودراما" (املولودي ،)70 :2018 ،ويضيف الباحث" :فعال هي أبرز األشكال
الشعرية األمازيغية املغناة ابألطلس املتوسط ،ضمن شروط صارمة منها أن يكون الصوت
فيها منفردا وأن يكون هذا الصوت صافيا وقواي ،وأن يتوفر على طول نفس امتدادي
واستثنائي" (املولودي .)70 :2018 ،وهذا االستثناء يف عنصر األداء الذي شددت ـ وتشدد ـ
عليه كل التقييدات والتعاريف هو الذي جيعل من هذا الفن عالمة ابرزة واستثنائية يف الثقافة
األمازيغية ،وهذا الصفاء واالمتداد ،مبا حيمالنه من قوة وتشويق مثريين ،مها ما جعاله يوظف
يف العديد من الكتاابت اإلبداعية واإلنتاجات الفنية الوطنية والدولية ،منها اعتماد الفيلم
األمريكي " 8مم "2على أانشيدها وأنغامها يف موسيقاه التصويرية يف أغلب املشاهد ،ألجل
إضفاء أبعاد مجالية متفردة تثري أعمق األحاسيس وأصدقها.
ويف رواية "نوميداي" ،يفتنت البطل بفن "اتماويت" ،فيقول" :انطلق صوت املغنية
األمازيغية بدواي جاحما وحامسا كضربة قاضية ،تقول املغنية يف ما يعرف بـ "اتماوايت" وهو
موال نسائي شجي عادة ما تستهل به األغاين األمازيغية :اي صديقيت فلتبك /واي أنت اي
حبييب سآتيك يوما /ولو أنك عين بعيد /ستناديك يوما قدمي /فعلت ما بوسعي ومل
أقنعك ابلبكاء /فلتبك ...فلتبك /فقد حان ما توقعته /كأين اطلعت على الغيب /
وأظهر حبييب الغدر /من بعد ما عشقته.
هذا ما كانت تقوله كلمات املوال ،لكنها رفقة ذلك الصوت القوي الصلب ورفقة
جراحات الكمنجات تصري حىت حبلى أبلف معىن ومعىن ،بل وتتشظى هذه الكلمات
وتفصح أكثر مما يفصح ظاهرها ،وتسقط من يسمعها يف شرك اهلواجس .أما إذا كان قلبه
رخوا بفعل كدمات احلياة ،فيمكن أن يبكي أو خير مغشيا علية " ...اتماوايت" وهج يشع
ويعرش يف أعماق األمازيغ ،واتج ملن يغنيه ،ووجع لذيذ من يسمعه ،وانفذة تتصاعد كأهنا
أعمدة دخان حالكة فوق مداخن محام عتيق" (بكاري75 :2015 ،و.)76
فيلم 8مم ،من إخراج جويل شوماخر ،وسيناريو أندري كيفني ووكر ،أنتج سنة .1999 2
184
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
ولعل "متاوايت" ـ كما عربت عن ذلك الرواية ـ ليست جمرد فن موسيقي وغنائي عاد ،وإمنا
هي وسيلة ذات طاقة هائلة على إاثرة الذكرايت واستغوار أعماق الباطن اإلنساين املظلمة
واملتوارية ،وهي كذلك عالمة ميكن االستدالل هبا على االنتماء حني أضيف إىل حمموهلا
الداليل القائم بعد سيميائي ،وملا انفك من املعىن الذايت حنو معاين أخرى ألداء وظائف
أخرى (عياشي ،)40 :2018 ،من خالل التعريف والتوطني والرفع من قيمتها مع ربطها
أبصحاهبا األمازيغ.
وإن هذا األثر املدمر الذي مارسه مساع "متاوايت" على نفسية البطل ،ترجع جذوره إىل
حنني دفني إىل الوطن وسط شعور كثيف من القلق والالانتماء ،وتستخدمه عذاابته "لرتسيخ
الذات ،ومقاومة ما تشعر به من اقتالع على صعيد الواقع" (خضراوي.)190 :2017 ،
ولذلك ،ال عجب أن يعرب سارد آخر يف رواية أخرى انلت الكثري من اإلعجاب والنجاح،
وهي رواية "املغاربة" ،عن هذا الفن ابلطريقة نفسها ،إذ يقول ..." :بفرح يشبه فرحي تدفق
صوت آت من بعيد ،من اجلبال العالية ،احندر مع األودية السحيقة ،وتتبع جماري املياه
العنيفة ،وختطى الفجاج ووصل ...بدأ خافتا يف البداية مث تعاظم حىت شلين متاما فبقيت
مبهورا .أوقد انرا يف اهلشيم وها هو حيركها لتستعر وتلتهم كل ما حييط هبا.
مسعت وأان أالحق احلروف ،حرفا حرفا ،والكلمات ،كلمة كلمة" ،اتماويت" حزينا،
ذلك اإلنشاد األمازيغي الذي يتنازل فيه اجلبل الغامض املهيب عن كربايئه ويسكن كلمات
حزينة تفتت احلصى واملرارات والغصص وتذروها يف الريح ،صوت القمم العالية اليت تشرئب
فيه النفس لتصل لآلخر البعيد هناك يف الضفة األخرى من الوادي ،أو يف الدوار القريب ،أو
يف املراعي وراء قطعان احلقول اخلضراء ،أو ليصل إىل اجلراح العميقة اليت مللم سطحها الزمن
ونثر فوقها نسياان كاذاب .بقيت مسمرا وآنية املاء يف يدي معلقة وحائرة بني جسمي
والسطل .حركة واحدة وسأفسد هذا اجملرى السري الذي يوصل يل الصوت نقيا صقيال كأنه
نداء حياة أخرى ممكنة" (جويطي.)189 :2016 ،
وأتيت قوة االفتتان بفن "متاوايت" ،عادة ،من قدرهتا على التعبري عما يدور يف خلد
اإلنسان جتاه احلياة والوجود من مشاعر احلنني الدفينة ممزوجة بلذة احلواس واخليال ،أثناء
الوحدة يف السفر أو التواجد خبالء اجلبال .وهو الوضع نفسه الذي جيد فيه "أوداد" ذاته
حينما يكون وحيدا ينهشه املرض واحلنني املدمر إىل الطفولة الضائعة.
وليس تعلق البطل بـ "متاوايت" ،أو ابألغنية األمازيغية عموما ،بسبب ما تثريه يف نفسه
من مشاعر وأحاسيس ،وما تستدعيه يف ذاكرته من عادات وتقاليد آانء احلصاد والعرس
185
فؤاد أزروال
واملواسم فحسب ،بل وأيضا بسبب إدراكه العميق أبهنا العنصر الذي ظل وحده يقاوم ألجل
إظهار الثقافة األمازيغية وهويتها على مر عقود طويلة ،إذ يقول عن املوسيقى األمازيغية بـ
"إغرم" .." :مل يغري الزمن من مالحمها ،ال زالت تندفع جترح يف طريقها كل شيء" (بكاري،
.)324 :2015
خــالصـ ــة
حتتفي رواية "نوميداي" ابألمازيغية من خالل االنتصار لفضاءاهتا وتراثها ورموزها التارخيية
والثقافية ،ومن خالل التغين بفنوهنا وتقاليدها وقيمها االجتماعية واحلضارية ،وذلك من
خالل بناء سردي يقوم على رحلة البطل من حاضره املتشظي واملؤمل إىل ماضيه حني كان
طفال ،ومن أمكنة اغرتابه إىل موطن نشأته وجذوره األوىل ،لعله يقبض على املركز األساس
واألول لذاته ليعيد بناء هويته اليت تعرضت للتشويه والتمزيق .فلم تكن الرواية بذلك جمرد
قصة خيالية وأحداث ختييلية ،بل كانت خطااب شامال يطرح العديد من القضااي
واإلشكاالت املرتبطة ابملسألة األمازيغية ،كعالقة األان واآلخر يف مسار التصارع والتعايش
معا ،واألنساق االجتماعية بني االستقرار والتحول ،والرتاث يف غناه ويف هتميشه ،وتشكيل
اهلوية واحلفاظ عليها يف إطار التعدد ...
جاءت الرواية ثرية ابإلحاالت إىل كم زاخر من مفردات الرتاث والثقافة األمازيغيني،
مرات ابلتصريح واإلابنة ،ومرات عديدة ابلتلميح واجملاز ،فأشارت إىل الكثري من األساطري
واخلرافات والفنون الشعبية األمازيغية األصيلة ،وإىل الكثري من أمناط العيش املستقرة للقبائل
واألسر يف البادية األمازيغية ،واحملطات التارخيية بشخصياهتا وأحداثها وآاثرها ...مما جيعل
منها "كتابة" توازي الكتاابت العملية والفكرية حول املسالة األمازيغية ،ومتتاز عنها إبمكانية
استثمارها بوصفها وثيقةميكن مقاربتها ودراستها من خالل زوااي ومناهج خمتلفة ،ويف حقول
معرفية متعددة.
186
الكتابة عن األمازيغية إبداعيا ،الذات واهلوية يف رواية "نوميداي" لطارق بكاري
املصادر واملراجع
أ ـ املصادر
طارق ،بكاري ( ،)2015نوميداي ،دار األدب للنشر والتوزيع ،بريوت ،لبنان ،الطبعة .1
عبد الكرمي ،جويطي ( ،)2016املغاربة ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب،
الطبعة .1
ب ـ املراجع
إدريس ،اخلضراوي ( ،)2017سردايت األمة ،ختييل التاريخ وثقافة الذاكرة يف الرواية
املغربية املعاصرة ،منشورات إفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة .1
أودين ،موير ،بناء الرواية ،ترمجة إبراهيم الصرييف ،دار اجلليل للنشر ،دون اتريخ وطبعة.
جريار ،جينيت ( ،)1997خطاب احلكاية ،ترمجة حممد معتصم وآخرون ،منشورات
اجمللس األعلى للثقافة ،القاهرة ،مصر ،الطبعة .2
هارملبس ،وهلبورن ( ،)2010سوشيوجليا الثقافة واهلوية ،ترمجة حامت محيد حمسن،
منشورات دار ديوان للطباعة والنشر والتوزيع ،دمشق ،سورية ،الطبعة .1
حسن ،حبراوي ( ،)1990بنية الشكل الروائي ،الفضاء ،الزمن ،الشخصية ،منشورات
املركز الثقايف العريب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة .1
طارق ،بكاري" ،األدب غري معين بشكل كبري ابألمل وإمنا لقول احلقيقة" ،حوار ،املوقع
اإللكرتوين.www.alwatan.com :
187
فؤاد أزروال
حممد ،بوعزة ( ،)2014سردايت ثقافية ،من سياسة اهلوية إىل سياسات االختالف،
منشورات االختالف ،اجلزائر ،منشورات ضفاف /دار األمان ،الرابط ،املغرب ،الطبعة .1
منذر ،عياشي" ،ابختني ومشكلة اللغة بني الرواية والواقع" عالمات ،املغرب ،العدد ،49
.2018
علي ،جعفر العالق ( ،)1997الشعر والتلقي ،دراسات نقدية ،دار الشروق لنشر
والتوزيع ،عمان ،األردن ،الطبعة .1
شاكر ،النابلسي ( ،)1994مجاليات املكان يف الرواية العربية ،املؤسسة العربية للدراسات
والنشر ،بريوت ،لبنان ،الطبعة .1
188
207-189 ص،2021،عشر العدد السادس،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-مجلة أسيناگ
ميثل التأليف األديب مبختلف تنويعات اللغة األمازيغية ابملغرب جتربة جديدة تؤرخ
القائم على العفوية،لبداية انتقال اخلطاب األديب األمازيغي من نسق األدب الشفوي
، واإلنتاج اجلماعي واألداء الغنائي أو اإلنشادي والقيم املتوارثة،والتلقائية واالرجتال
إىل مستوى اإلبداع،وعلى شروط إبداعية خاصة مرتبطة بزمان ومكان حمددين
ويتأسس، وأبحاسيسها ووعيها مبختلف القضااي،الفردي الذي حيتفي بتجربة الذات
ويعتمد الفعل الكتايب اإلنشائي والطباعة والنشر،على قصدية واعية وختطيط مسبق
من اجلمهور املتعلم والقارئ،ملتلق مفرتض ٍ وسيلة للتواصل األديب اإلبداعي املوجه
.واملتذوق لألدب
من،وحتاول هذه املسامهة الوقوف عند التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية
خالل تتبع املنجز الشعري الذي راكمه املبدعون املغاربة يف جمال اإلنتاج األديب
189
حممد أفقري
املكتوب هبذه اللغة مبختلف أوجهها وتنويعاهتا ،وإجناز قراءة يف الرتاكم احلاصل يف
هذه املؤلفات ،ورصد سريورة تطورها منذ بداية هذه التجربة إىل اليوم.
الكلمات املفتاحية :ابداع -شعر -أمازيغية -سريورة – تطور -حصيلة.
امسه فرج بن نصر النفوسي ،من علماء الدولة الرستمية ،فيها أخذ العلم عن اإلمام أفلح بن عبد الوهاب ،لكنه اختلف 1
معه وعارضه وانشق عنه ،لكن حركته مل تعمر طويالً .اشتهر ب ــ"نفَّاث" ،وهو لقب أطلقه عليه املعارضون ألهنم يرونه
ينفث يف األمساع بدعته املضللة .يقول الدرجيين يف "طبقات املشايخ ابملغرب"" :استحوذ نفاث على أهل اجلبل
[نفوسة] ،واستفزازه إايهم أبن يدعوهم إىل ما أحدث من التبديل ،واعتقد من تضليل" .أبو العباس أمحد بن سعيد
الدرجيين" ،طبقات املشائخ ابملغرب" ،حتقيق إبراهيم طالي ،مطبعة البعث ،قسنطينة ،اجلزائر ،ج 2ص .314
أنظر ترمجة للمهدي النفوسي يف "كتاب طبقات املشائخ ابملغرب" أليب العباس أمحد بن سعيد الدرجيين ،ج ،2ص 2
190
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
ويف الشعر والنظم رمبا تكون مؤلفات أبو سهل النفوسي (ق 3هـ9 ،م) امللقب ابلفارسي
هي األقدم ،حيث يشري الشماخي يف "كتاب السري" إىل قول شائع بني الناس مفاده :من
أراد شعرا ابلرببرية فعليه بشعر أيب سهل امللقب ابلفارسي ،وأن هذا األخري "دون هلم [ألهل
الدعوة] اثين عشر كتااب وعظا وتذكريا وختويفا نظما بلغة الرببر [ ]...احرتق الباقي حني
أخذت قلعة بين درجني ومل يبق إال ما حفظ فجمع ما حتصل يف الصدور فكان أربعة
وعشرين اباب" (الشماخي.)245-244 :1987 ،
وهناك مؤلف خمطوط آخر يعود إىل القرن الثالث اهلجري (التاسع امليالدي) وهو "كتاب
مدونة إابضية يف شرح الفقه اإلسالمي ،وهو قيد الدراسة منذ سنوات من قِّبل
الرببرية" ،وهو ّ
احملقق اإليطايل املتخصص يف األمازيغية ،بريموندو برونياتيلـي Vermondo Brugnatelliمن
جامعة ميالنو -بيكوكا ( ،Universitàd iMilano-Bicoccaونشر خبصوصه عدة أحباث
ودراسات.3
هــذه املعطيــات تؤكــد أن التــأليف والكتابــة ابللغــة األمازيغيــة أقــدم مم ـا كــان يتــداول ،وهــي
كفيلــة بتعــديل اآلراء الــيت تعتــرب أن كــل النصــوص أو املؤلفــات األمازيغيــة املتداولــة قبــل الق ـرن
العاشر اهلجري /السادس عشر امليالدي مفتقدة.
ومما متيزت به تلك املؤلفات الشعرية والنظمية أهنا مكتوبة ابحلرف العريب ،وأن أغلبها
مرتبط ابملذهب اإلابضي ،خصوصا جببال نفوسة بليبيا ،أما يف سوس فإن أحد الباحثني
يرجح أن ترجع اإلرهاصات األوىل مليالد هذا النمط إىل مطلع العصر املوحدي (1121م-
1269م) ،لكنه مل ينتعش إال يف فرتة السعديني(1659-1554م) ،وأن أول منظومة هي
"العقيدة املباركة" للشيخ سعيد بن عبد املنعم احلاحي املتوىف سنة 953هـ1546 /م بعد
منظومة ابن تومرت املفقودة (اهلاطي.)36 :2015 ،
ومن النماذج اليت تذكرها املصادر منظومة حتكي قصة "فتح افريقية" .يقول حممد املختار
السوسي متحداث عن كتاب مبتور عثر عليه يف قرية من قرى إليغ" :وفيه أيضا قصة فتح
افريقية بنظم شلحي ،وهي ملحمة أشادت بشهامة عبد هللا بن جعفر ،وهو بطل القصة يف
ست صفحات ،وهذه امللحمة منتشرة ،فقد مسعتها يف األسواق كثريا ما يتلوها أصحاب
احللق" (السوسي ،بدون اتريخ ،)120 :ومنظومة أخرى حتكي قصة خراب مدينة اتمدولت
التارخيية ،وجزء منها ما يزال يتداول نظما إىل اآلن.
191
حممد أفقري
4
ومن أهم مناذج هذا النوع ،املتداولة واملؤثرة يف حياة الناس إىل اآلن ،منظومة "احلوض"
حملمد ؤعلي ؤبراهيم أوزال /حممد بن علي أكبيل اهلوزايل (ت ـ 1126هـ) املعروف يف أوساط
العامة ب ـ "أوزال" ،وهي منظومة دينية مطولة يف أكثر من تسع مائة بيت ،سار فيها على هنج
خمتصر الشيخ خليل ،5وقد متكن من تطويع اللغة األمازيغية للتعبري عن املعاين الدينية املختلفة
من عقيدة وفقه وعبادات ومعامالت ،فضال عن ترمجة اآلايت القرآنية واألحاديث النبوية
وشرح معانيها.
وينطبـق األمــر أيضـا علــى منظومـة "حبــر الـدموع" 6للمؤلــف نفسـه ،وهــي يف أكثـر مــن ســت
مائـة بيـت ،ذات أبعــاد وعظيـة وتوجيهيــة ترمـي إىل الرتبيـة والتزكيــة مـن خــالل الرتغيـب يف اجلنــة
والرتهيب من العذاب ،واحلث على األخالق الكرمية وعلى فعل اخلري.
العامل عند األمازيغ ابملغرب ،ابحلرف العريب على وهلذا ميكن القول إن اإلنتاج الكتايب ِّ
األقل ،ظل يسري جنبا إىل جنب مع اإلبداع الشفوي الشعيب ،وإن بوترية غري منتظمة حبسب
املناطق والفرتات؛ إال أنه رغم أمهية هذا التقليد الكتايب املتوارث فهو "مل يسمح بوالدة ممارسة
ثقافية متجذرة يف اجملتمع تسمح برتسيخ الكتابة هبذه اللغة [األمازيغية] ويتم بواسطتها إنتاج
ونقل معارف عامة بني األجيال داخل مؤسسات ،مما جعل هذه املمارسة حتصر أساسا بني
أوساط بعض املتعلمني يف األوساط الدينية" (بويعقويب.)146 :2019 ،
4كتاب "احلوض يف الفقه املالكي ابللسان األمازيغي للشيخ سيدي احممد ؤعلي أوزال" ،حققه وعلق عليه الرمحاين عبد هللا
اجلشتيمي ( ،)1984-1934وصدر عن دار الكتاب ابلدار البيضاء سنة 1977ضمن منشورات اجلمعية املغربية
للبحث والتبادل الثقايف يف 255صفحة.
5يعترب خمتصر الشيخ خليل من أهم املختصرات الفقهية يف الفقه املالكي ،بل رمبا كان أشهرها على اإلطالق يف القرون
املتأخرة ،ويشهد لذلك عناية العلماء به وعكوف طالب العلم على حفظه ودراسته.
6خمطوط حبر الدموع مت حتقيقه مرتني :حققه عمر أفا سنة 2009وصدر بعنوان "حبر الدموع ابللغتني األمازيغية والعربية"،
أتليف حممد بن علي اهلوزايل ،ترمجة إبراهيم شرف الدين ،وصدر عن مطبعة النجاح اجلديدة ابلدار البيضاء .وحققته
أيضا الباحثة خدجية گ مايسني يف إطار حبثها لنيل دبلوم الدراسات العليا بشعبة الدراسات اإلسالمية ابلرابط إبشراف
حممد األمني اإلمساعيلي وحممد أديوان سنة ،1999وصدر يف كتاب مستقل سنة 2015ضمن منشورات املعهد امللكي
للثقافة األمازي غية بعنوان "العقيدة والتصوف يف فكر حممد بن علي أوزال ،مع ترمجة وحتقيق خمطوط حبر الدموع".
192
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
وتشكل تلك الكتاابت املوروثة بواكر التأليف األديب النظمي ابللغة األمازيغية ،ويعد
الفقهاء أهم روادها .وهذا يؤشر على أن الشعر مبعناه الدقيق مل يبدأ بعد ،7فهو يف شقه
املكتوب مرتبط مبجاالت الدين والعلوم الدينية ،وأنه جمرد أداة لتبسيط هذه العلوم وحفظها
وتبليغها للناس وترغيبهم فيها ،ويف شقه الشفوي مل يكن له موضوعه املستقل كذلك ،فهو
مرتبط يف نشأته بظواهر وطقوس جمتمعية تتداخل فيها مكوانت عديدة من مقول شعري
وموسيقى ورقص وفرجة.
املدوانت الشعرية
يعترب التدوين الكتايب لنصوص األدب الشفوي مبثابة متهيد وقنطرة عبور حنو األدب
األمازيغي احلديث /املكتوب ،وميكن القول إن تدوين الشعر األمازيغي حتكمت فيه دوافع
وأهداف خمتلفة ،تراوحت بني أهداف دينية توجيهية عند الفقهاء واملتصوفة ،8وغاايت
إثنوغرافية تسجيلية عند بعض املستمزغني من أمثال أرسني رو ،وأسرة گاالن ،وجيستينار،
وابسي ،9وما ميكن تسميته بدوافع استشهادية نفعية عند بعض اجلامعيني يف حبوثهم الذين
يدونون الشعر من أجل االستشهاد به لوضع قواعد لغوية ولسانية.10
7يستثىن الشاعر سيدي محو الطالب الذي أجنبته ظروف خاصة جنهل الكثري من تفاصيلها ،ولوال كتاب األستاذ عمر أمرير
"الشعر األمازيغي املنسوب إىل سيدي محو الطالب" ،لبقيت شخصية هذا الشاعر أقرب إىل األسطورة منها للحقيقة،
فشعره يتجاوز مرحلته التارخيية خبرقه للنموذج السائد ،ألنه ابلرغم من وظيفته التعليمية والتوجيهية فهو حيتفي ابملقومات
الفنية واجلمالية للفن الشعري.
8خلف الفقهاء واملتصوفة رصيدا مهما من املدوانت واملنظومات املخطوطة ،حنن يف حاجة اآلن ،أكثر من أي وقت
ويقوم إبحصائه وفهرسته وحتقيقه ونشره.
ينقب عن كنوزهُ ، مضى ،ملن ُ
9من أعمال هؤالء:
- Roux, A. (1990), Poésie populaire berbère (Maroc du Sud-Ouest/ Igedmiwen),
transcrits, traduits et annotés par Abdallah Bounfour, Paris, Editions du CNRS.
- Galand-Pernet, P. (1972), Recueil de poèmes chleuhs, Paris, Klincsiek.
- Laoust, E. (1949), Contes berbères du Maroc, Paris, Larose.
- Basset, H. (1920), Essai sur la littérature des Berbères, Alger, Carbonnel.
- Justinard, Liopold. « Poèmes chleuhs recueillis dans le Sous », Revue du Monde
Musulman, Paris, 1925, p 63-107.
وميكن االطالع على بيبليوغرافيا عناوين ما مت تدوينه من نصوص شفوية شعرية ونثرية من لدن املستمزغني ضمن العمل اليت
أعده لعمارة بوگشيش:
193
حممد أفقري
وعلى الرغم من اختالف هذه الفئات الثالث البارزة اليت سامهت يف تدوين الشعر
األمازيغي ،وتباين منطلقاهتا ومساعيها ،فإن القاسم املشرتك الذي جيمع بينها هو أهنا ال
تعترب التدوين هدفا يف حد ذاته ضمن مشاريعها ،وهذا ال يعين أهنا غري ذات قيمة ،فهي من
املصادر األساس للشعر األمازيغي ،إال أن ما يهمنا الرتكيز عليه هنا هو أن الشعر ال ُجيمع
ويُدون لذاته؛ بل ابعتبار ذلك جمرد وسيلة لتحقيق أهداف أخرى ،أو بعبارة أخرى إن
التدوين هنا ما يزال يتحرك يف حدود الالوعي ،11وأنه مل يستطع مالمسة الوعي أبمهية
التدوين وفلسفته إال يف حدود هناية السنوات الستني من القرن املاضي ،عندما صدر كتاب
"أماانر" سنة 1968الذي دون فيه أمحد أمزال حوايل سبعني مقطوعة من منتخبات الشعراء
األمازيغ الرواد ابجلنوب ،خاصة الشعراء الروايس.
ِّ
"مؤسسا ابلنظر إىل دوره الرايدي يف فك
ويعترب كتاب "أماانر" ،يف هذا اإلطار ،عمال ّ
العقد ،وحترير بعض اإلرادات ،واقتحام حقل الكتابة /التدوين خارج الدائرة الفقهية
التقليدية" (اوسوس ،)41 :2010 ،على الرغم مما ميكن مالحظته من أن صاحب هذه
املبادرة املبكرة ال ميتلك العدة املنهجية الضرورية للتعامل مع الرتاث الشعري الشفوي ،بل
يبدو أنه ال ينطلق أصال من أية خلفية نظرية مؤطرة الشتغاله ،فعمله صادر عن "تعاطف
خجول مع إنتاج فين مل يكن جيد بعد مشروعية التواجد احلر واملعلن على الساحة الثقافية
الرمسية" (عصيد.)53 :2015 ،
وميثل تدوين الشعر األمازيغي وطبعه بداية انتقال جوهري يف مساره ،ومقدمة لتكسري
الكثري من ثوابت النسق اليت قام عليها وأتسيس نسق آخر ،ومن ذلك انتقاله على مستوى
التلقي أو االستهالك من ثقافة األذن والسماع إىل ثقافة العني والبصر والقراءة .ومن شأن
هذا التدوين أيضا أن جيعل الكتابة ابألمازيغية مسألة مألوفة ثقافيا ،وأن يساهم يف تنمية
مهارات قراءة األدب وتذوقه لدى اجلمهور األمازيغي املتعلم.
Bougchiche, L. (1997), Langues et Littératures berbères des origines à nos jours, Bibliographie
internationale, Paris, Awal-Ibis Press.
10جند العديد من األحباث اجلامعية اليت تتصل موضوعات حبثها بقضااي لغوية ولسانية ،يذيلها أصحاهبا ابملتون األدبية
الشفوية اليت يستشهدون هبا للدفاع عن أطروحاهتم ،ألهنم بذلوا جهدا يف مجعها وتدوينها ،ورمبا لكي يوفروا للقارئ
النصوص اليت بنوا عليها اجتهاداهتم لكي يستطيع حماورهتم ومناقشتهم.
11أشري ،من ابب تفادي اللبس ،أنين أقصد بلفظ الالوعي غياب خلفية ُمدركة حترك فعل التدوين.
194
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
وميكن التعرف عل ى حصيلة اجملهود املبذول من أجل مجع الشعر األمازيغي وتدوينه
ونشره ،والرتاكم املنجز بدءا من كتاب "أماانر" إىل اآلن من خالل اجلرد اآليت:
معلومات عنها عناوين املصنفات السنة
-صدر عن املطبعة املركزية ابلرابط.
-يضم اثنتني وسبعني مقطوعة شعرية
لرواد الشعراء الروايس ابجلنوب املغريب أماانر ،ألمحد أمزال. 1968
أمثال احلاج بلعيد وبوبكر أنشاد وحممد
ألبنسري.
-صدر عن مطابع دار الكتاب ابلدار
البيضاء.
الشعر املغريب األمازيغي (هلجة سوس) - ،يضم قصائد للحاج بلعيد وبوبكر 1975
أزعري وبريك بن عدي املتوگي وعمر لعمر أمرير.
بوومارك ورقية ْ واهروش وحلسن
الدمسرية.
-صدر عن مطبعة التيسري ابلدار
البيضاء.
الشعر األمازيغي املنسوب إىل سيدي
-مجع مادته يف إطار حبث لنيل دبلوم 1986
محو الطالب ،لعمر أمرير.
الدراسات العليا إبشراف األستاذ عباس
اجلراري سنة .1985
195
حممد أفقري
196
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
197
حممد أفقري
198
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
199
حممد أفقري
ابلرغم من أمهية هذه احلصيلة فهي ما تزال جد متواضعة مقارنة مع غزارة املوروث الشعري
األمازيغي ومكانته العريقة .وميكن التمييز بني األعمال اليت مجعت ودونت ونشرت قبل
مأسسة األمازيغية ابملغرب ،وهي أقل من عشرة أعمال ،وارتبطت ابملبادرات الفردية جملموعة
من الرواد املؤسسني أمثال أمحد أمزال وعمر أمرير وحممد مستاوي ،واليت اجته أغلبها حنو
تدوين شعر ّروايس ،وبني أعمال رأت النور بعد االعرتاف الرمسي ابألمازيغية ومأسستها وهي
اليت صدرت عن املعهد امللكي للثقافة األمازيغية بدءا من هناية العشرية األوىل من األلفية
الثالثة ،ووصل عددها إىل أربعة وعشرين عمال ،وأغلبها من إعداد أمحد املنادي وإدريس
أزضوض ،والعديد منها اعتمد ذاكرة الشاعر مصدرا لتدوين شعره يف إطار تظاهرة "إقامة
الشعراء" اليت ينظمها املعهد مبقره ابلرابط كل سنة ويستدعى هلا الشعراء التقليديني/
الشفاهيني ،وبعضها مبثابة حصيلة مشاريع جلمع املوروث الشفوي وتدوينه لفائدة املعهد يف
إطار التعاقد مع ابحثني ومهتمني من خارجه ،والبعض اآلخر مت مجعه من امليدان ،ومتيزت يف
عمومها بطابعها املنهجي الدقيق وانفتاحها على العديد من األنواع الشعرية الشفوية مبختلف
جهات املغرب.
200
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
مل نتمكن من اإلطالع على العمل البيبليوغرايف الذي أصدره حممد حيىي قامسي بعنوان "بيبليوغرافيا اإلبداع األديب 12
األمازيغي املغريب ( ،") 2016-1968وهو كتاب مرفق مبجلة آفاق اليت يصدرها احتاد كتاب املغرب ،العدد /90يونيو
،2018ألن العدد ،لسبب ما ،مل يوزع يف املكتبات واألكشاك على الصعيد الوطين.
201
حممد أفقري
ارتباطا ابلضوابط املنهجية السابقة نعترب أن أول عمل شعري فردي مكتوب ومنشور هو
ديوان "إسكراف"(القيود أو األغالل) حملمد مستاوي ،وذلك سنة ،1976وأقدم نص شعري
فيه يعود اترخيه إىل سنة .1963
وقد ظهر بعد مثاين سنوات من صدور كتاب "أماانر" ألمحد أمزال السالف الذكر،
والذي ينتسب إىل جتربة التوثيق والتدوين وصناعة املنتخبات ،وبعد ديوان "إموّزار" الذي
أصدرته اجلمعية املغربية للبحث والتبادل الثقايف سنة 1974جملموعة من الشعراء يف نسخة
حمدودة التداول.
أما سياق ظهور هذه التجربة وتبلورها اترخييا واجتماعيا؛ فريتبط بتحوالت عديدة ،كان
من أمهها انتقال أطروحة اهلوية من املبادرات الفردية إىل التدافع القائم على الوعي العصري،
والذي تعزز بتأسيس مجعيات ومؤسسات ثقافية وانطالق أنشطتها مبختلف مناطق املغرب
(املنادي.)7 :2018 ،
هذا االنتقال يف منط الوعي يعد ،بشكل أو آبخر ،نتيجة للتحوالت املختلفة اليت مست
بنيات اجملتمع املغريب يف ظل االحتالل وبعد أتسيس الدولة الوطنية احلديثة ،وانطالق حركة
حتديث اجملتمع املغريب كله ،وانتشار التعليم احلديث الذي مكن املتعلم األمازيغي من التعرف
على اللغات األخرى واالنفتاح على إنتاجاهتا األدبية والثقافية .وهكذا كان األدب األمازيغي
احلديث واملعاصر وجها من أوجه استجابة األديب األمازيغي ملقتضيات احلداثة كما جتلت
يف آداب اللغات والثقافات اليت احتك هبا (عصيد /135 :1992 ،عصيد-29 ،2015 ،
.)30
خالصات واستنتاجات
بلغت احلصيلة اإلمجالية لعناوين الدواوين املنشورة خالل الفرتة املمتدة بني 1974سنة
ظهور أول جمموعة شعرية مكتوبة ابألمازيغية وبني هناية سنة 2019ثالمثائة جمموعة شعرية.
وبتأملنا يف هذه احلصيلة من جوانب متعددة خنلص إىل جمموعة من النتائج ،نوجزها يف
اإلشارات اآلتية:
-عرف إصدار الدواوين الشعرية املكتوبة ابللغة األمازيغية ابملغرب ،يف عمومه ،تطورا
مستمرا خالل العشرايت املتتالية ،على الرغم من تفاوت هذا التطور من سنة
ألخرى ،ومن عشرية ألخرى؛ ونوضح ذلك من خالل توزيع احلصيلة املنجزة على
سنوات صدورها:
202
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
سنوات السبعني
1979 1976 1974 سنوات السبعني
1 1 1 عدد اجملموعات الشعرية
3 اجملموع
سنوات الثمانني
1989 1988 1987 1986 سنوات الثمانني
1 2 1 1 عدد اجملموعات الشعرية
5 اجملموع
سنوات التسعني
1999 1998 1997 1996 1995 1994 1993 1992 1991 سنوات التسعني
اجملموعات
3 4 5 4 1 4 1 1 1
الشعرية
24 اجملموع
سنوات العشرية األوىل من األلفية الثالثة
2009 2008 2007 2006 2005 2004 2002 2001 2000 السنوات
اجملموعات
21 8 6 5 3 7 4 1 1
الشعرية
56 اجملموع
سنوات العشرية الثانية من األلفية الثالثة
2019 2018 2017 2016 2015 2014 2013 2012 2011 2010 السنوات
اجملموعات
27 21 21 31 25 16 19 11 18 23
الشعرية
212 اجملموع
203
حممد أفقري
-يرتبع الشعر على قائمة األجناس األدبية األخرى املكتوبة ابألمازيغية من حيث عدد
اإلصدارات ،متقدما على القصة القصرية ( 140جمموعة قصصية) ،والرواية (70
رواية) ،واملسرح ( 40نصا مسرحيا تقريبا ابحتساب النصوص املوجهة لألطفال)؛
-رغم أمهية الرتاكم املنجز مقارنة بتاريخ التجربة وحجم التحدايت اليت صادفتها ،فإنه ما
يزال ضعيفا مقارنة مبا راكمه الشعر املغريب املكتوب ابللغات األخرى ،حيث وصل
عدد اجملموعات الشعرية املكتوبة ابلعربية منذ سنة 2016إىل أكثر من ألفي جمموعة
حسب بعض األحباث البيبليوغرافية (قامسي)2016 ،؛
-وصل عدد الشعراء الذين صدرت هلم دواوين شعرية مائة وستني ( )160شاعرا
وشاعرة .مائة ( )100منهم مل يصدروا إال ديواان واحدا؛
-أييت يف مقدمة الشعراء األكثر إصدارا للدواوين الشعرية كل من عياد أحليان والطيب
أمـگرود وعبد هللا املناين بستة دواوين لكل واحد ،يليهم كل من حممد مستاوي
واحلسن املساوي وعبد السالم نصيف وعبد احلكيم بقي خبمسة دواوين لكل واحد؛
-نسجل حضورا مهما لإلصدارات الشعرية النسائية ،حيث وصلت حصيلة ما أجنزته
املرأة األمازيغية الشاعرة إىل ثالث وأربعني ( )43جمموعة شعرية أصدرهتا إحدى
وعشرون ( )21شاعرة .وأول جمموعة رأت النور وخرجت إىل الوجود هي "يسرمذ أيي
واوار" (علمين الكالم) لفاضمة الورايشي سنة 1998؛ وأتيت خدجية أروهال وصفية
عز الدين يف املقدمة من حيث عدد الدواوين املنشورة أبربعة دواوين لكل واحدة ،مث
فاطمة فائز ولطيفة إد املودن وخدجية إيكن بثالثة دواوين لكل واحدة منهن ،كما
نسجل أن أغب الشاعرات (أكثر من النصف 12-شاعرة )-مل يصدر هلن ،حلد
اآلن ،إال ديوان شعري واحد؛
-ابستثناء أربعة دواوين شعرية هي" :إسكراف" و"اتضصا د إمطّاون" حملمد مستاوي،
و"أنزووم" ملوحا مالل ،فإن مجيع الدواوين طبعت طبعة
ُ و"أغبالو" لعلي شوهاد"،
واحدة؛
-جند دواوين شعرية مشرتكة بني أكثر من شاعر ،ويتعلق األمر بديوان "أنعيبار" املشرتك
بني أمحد عصيد وإبراهيم لشكر ،وديوان "تيم ّقا ن فاد" املشرتك بني عبد هللا املناين
وحممد اوسوس ،وديوان "أزواگ گر تگوريوين" ،وهو عبارة عن رسائل شعرية بني
عياد أحليان وخدجية أروهال؛
204
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
-بعض اجملموعات الشعرية مجعت بني النصوص الشعرية اإلبداعية وبني تدوين أمناط
شعرية شفوية ،كما هو حال ديوان "إغري ن وانوض" إلبراهيم أيت شرغني؛
-بعض الدواوين مرفقة أبقراص مضغوطة ( )CDتتضمن قراءة النصوص بصوت
"توجوت اتقبورت" خلدجية يكن ،وديوان
الشاعر(ة) نفسه (ا) ،ومن مناذجها ديوان ّ
"تيفراس" خلدجية أروهال؛
-صدرت األعمال الشعرية الكاملة لشاعر واحد هو حممد مستاوي سنة 2010بعنوان
"مسوس إدليسن ن متدايزين" ،لكنها مل تعد كاملة بصدور ديوان جديد للشاعر سنة
2019بعنوان "أملو ن مترزيـگين"؛
-نسجل تعدد جتنيسات اجملموعات الشعرية وتنوعها انطالقا من امليثاق النصي املثبت
يف الغالف ،فنجد الصيغ املأخوذة من العربية مثل "ديوان شعر أمازيغي" اليت اعتمدها
حممد مستاوي يف ديوانه األول "إسكراف" الذي دشن به جتربة الديوان الشعري
احلديث يف األمازيغية ،واحتفظ ابلصيغة نفسها يف ديوانه األخري "أملو ن مترزيـگين"
الصادر سنة ،2019ومن الصيغ املماثلة اليت وظفها بعض الشعراء "شعر أمازيغي"،
و"ديوان شعر أمازيغي معرب" ،و"ديوان شعري أبمازيغية الريف" ،و"ديوان احملاورات
الشعرية"؛ ومن الصيغ الفرنسية املستعملة نذكرRecueil de poèmes amazighs ":
،"traduits en françaisو" ،"Recueil de poèmes en tamazightو" Poèmes en
،"amazighsبل إن األلفاظ األمازيغية نفسها الدالة على الشعر أو اجملموعة الشعرية مل
تسلم بدورها من التعدد واالضطراب ،رغم انتشار مصطلح "تيمدايزين" أكثر من
غريه .ومن املصطلحات اليت ترددت يف أغلفة الدواوين" :أمارگ" ،و"أمود"،
و"أسفرو" ،و"إزران" ،و"اتوشكينت ن متدايزين" ،و"اتدال ن متدايزين" ،و"تيرباتني ن
ؤمارگ".
أوردان يف هذا املقال معطيات أولية تتصل بتاريخ األدب والكتابة عند األمازيغ ،وعرضنا
للمجهود الذي بذل من أجل مجع املوروث الشعري وتوثيقه ونشره ،من خالل جرد
للمؤلفات يف هذا املوضوع ،وبعد ذلك انطلقنا حنو إجناز قراءة يف التأليف الشعري احلديث،
بدءا بطرح أسئلة البداية والتأسيس مرورا جبرد احلصيلة املنجزة وصوال إىل استخالص نتائج
وإجناز قراءات وجرد ظواهر صاحبت هذا الديوان.
وللموضوع زوااي متعددة يصعب حصرها يف مقال خمتصر كهذا ،بيد أن املعطيات اليت مت
التطرق هلا توضح أن التأليف الشعري املكتوب ابألمازيغية يشهد تزايدا مستمرا ،سواء يف
205
حممد أفقري
شقه املرتبط بتدوين األدب القدمي أو ابإلبداع احلديث ،لكن يف املقابل ما تزال تقف يف
طريقه عقبات بنيوية وسياقية كثرية تتصل بوضعية األمازيغية ككل يف مجيع جماالت احلياة
بشكل عام وابلتعليم بكل مراحله بشكل خاص.
املراجع
أفقري ،حممد ،واملنادي ،أمحد ( ،)2012بيبليوغرافيا اإلبداع األديب األمازيغي ابملغرب
( ،)2010-1968الرابط ،منشورات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية.
اوسوس ،حممد (" ،)2010بعض املالمح العامة للتجربة الشعرية الشبابية األمازيغية احلديثة
بسوس" ،جملة أسيناﮒ ،عدد مزدوج ،5-4ص .45-41
أعشي ،مصطفى ( ،)2002جذور بعض مظاهر احلضارة األمازيغية خالل عصور ما قبل
التاريخ ،الرابط ،منشورات مركز طارق بن زايد ،مطبعة فيديربانت.
بويعقويب ،احلسني ( ،)2019املسألة األمازيغية يف املغرب واجلزائر ،اجلذور والرهاانت
خالل قرنني ونيف ،XIX-XXأگادير ،سوس للطباعة.
الدرجيين ،أيب العباس أمحد بن سعيد (بدون اتريخ) ،طبقات املشايخ ابملغرب ،حتقيق
ابراهيم طالئي ،قسنطينة ،اجلزائر ،مطبعة البعث ،ج( .2صيغة )PDF
(décembre2019) https://books-library.online/free-443382097-download
اهلاطي ،حممد ( ،)2015املخطوط االمازيغي يف اجملال السوسي ،شرح منظومة "تزانگـت"
للحسن التاموديزيت ،دراسة وحتقيق وتعريب ،الرابط ،منشورات املعهد امللكي للثقافة
األمازيغية.
شفيق ،حممد ( ،)1989حملة عن ثالثة وثالثني قران من اتريخ األمازيغيني ،الرابط ،دار
الكالم.
حنداين ،حممد (" ،)1992مدخل لكتابة اتريخ األدب األمازيغي" ،اتسكال ن متازيغت:
مدخل لألدب األمازيغي ،أعمال امللتقى األول لألدب األمازيغي املنظم ابلدار البيضاء يومي
17و 18ماي ،1991الرابط ،منشورات اجلمعية املغربية للبحث والتبادل الثقايف ،مطبعة
املعارف ،ص .53-43
206
التأليف الشعري املغريب املكتوب ابألمازيغية ،منجزه ومالحمه العامة
محام ،حممد ("،)2004تقدمي الندوة" ،أعمال اليوم الدراسي املخطوط األمازيغي ،أمهيته
وجماالته الذي نظمه املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ابلرابط يوم 11أكتوبر ،2003الرابط،
منشورات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ،ص .13-7
اليفرين ،أبو زكراي حيىي ( ،)1900املفردات األمازيغية القدمية ،دراسة يف املصطلحات
الدينية األمازيغية يف مدونة ابن غامن ،حتقيق أ .بوسوترو ،ترمجة وتقدمي مومحد ؤمادي ،ليبيا،
منشورات مؤسسة اتوالت الثقافية( .كتاب رقمي)
(الرابط:
http://www.mediafire.com/file/1kehm5hkhd14ti1/mufradat_mutuellemaroc.net.
(pdf/file )2019/12/10
املنادي ،أمحد ( ،)2018الشعر األمازيغي احلديث ،دراسة يف جتربة التأسيس ،الرابط ،دار
السالم.
السوسي ،حممد املختار (بدون اتريخ) ،خالل جزولة ،تطوان ،املكتبة املهدية ،ج.3
الشماخي ،أمحد بن سعيد بن عبد الواحد ( ،)1987كتاب السري ،حتقيق أمحد بن سعود
السيايب ،سلطنة عمان ،منشورات وزارة الرتاث القومي والثقافة ،ج.1
عصيد ،أمحد (" ،)1992هاجس التحديث يف النص الشعري األمازيغي املكتوب" ،جملة
آفاق ،ع.1992/1
عصيد ،أمحد ( ،)2015دراسات يف األدب األمازيغي ،الرابط ،منشورات املعهد امللكي
للثقافة األمازيغية.
قامسي ،حممد حيىي ( ،)2016بيبليوغرافيا الشعر املغريب املعاصر ،2016-1932الرابط،
منشورات وزارة الثقافة.
BRUGNATELLI, Vermondo (2011) "Études sur le "Kitâb al-Barbariya" (manuscrit
d'un texte ibadite médiéval,
https://www.academia.edu/1702492/%C3%89tudes_sur_le_Kit%C3%A2b_al-
_Barbariya_manuscrit_dun_texte_ibadite_m%C3%A9di%C3%A9val
BRUGNATELLI, Vermondo (A paraître), "Un témoin manuscrit de la
« Mudawwana d’AbūĠānim » en berbère", in Manuscrits Arabo-Berbères, Journée
d’études du 15 novembre 2011 (Paris) file:///D:/disque%20dure%2026-11-
2019/filiere%20etude%20amazighe%20agadir/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82
%D8%B1%D8%B1/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8
%A9%20%D8%B9%D9%86%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D
8%A7%D8%B2%D9%8A%D8%BA/Kitab_al_Barbariyya-preprint%20(1).pdf
(décembre 2019).
207
مجلة أسيناگ ،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-العدد السادس عشر ،2021،ص 225-209
يهدف هذا العمل إىل التعريف على حنو عام ابجملهود املبذول يف جمال ترمجة معاين
القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ،من خالل اإلشارة إىل بعض املعطيات التارخيية
املتعلقة ابلرتمجة الدينية عند األمازيغ ،وسرد بعض النماذج اليت مت إجنازها يف هذا
اجملال ،مث تقدمي حصيلة ترمجات معاين القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ،ويتعلق األمر
أبربع ترمجات ،ثالث منها كاملة لكل من احلسني جهادي ،سنة ،2003ورمضان
آيت منصور ،سنة ،2006وحاج ْحمْنْد ْحمْنْد طِّيّب ،سنة ،2013وترمجة جزئية ِّلكمال
انيت ْزرّاد ،سنة .1996
الكلمات املفتاحية :القرآن الكرمي – اللغة األمازيغية – الرتمجة
This paper aims to shed light on the efforts made in translating the meanings of
the Noble Quran into the Amazigh language. We will present historical data
related to the Amazigh experience in religious translation. We will focus on four
translations of the meanings of the Noble Quran into Amazigh. Three of them are
translations of the Quran in its entirity : the first one is written by Al-Hussein
Jouhadi, in 2003, the second one is accommodated by Ramadan Ait Mansour in
2006, the third one elaborated by Hajj Mhand Mhand Tayyib in 2013. The fourth
is a partial translation made by Kamal Nait Zerrad in 1996.
مقدمة
تكتسي الرتمجة الدينية أمهية ابلغة يف اتريخ الرتمجة ،حيث إن النص الديين كان وال يزال
من أوائل النصوص اليت متت ترمجتها يف الزمن القدمي واملعاصر .فقد اقرتنت الرتمجة
فيبدايةاألمرابلنصوص الدينية ،مث مشلت بعد ذلك كل جماالت املعرفة وحقوهلا ،وأصبحت
ومتشعِّب الثقافات.
ّ ممارسة ال حميد عنها يف عامل متعدد اللغات
209
حممد لعضمات
ويع ّد هذا النوع من الرتمجة من أعرق أصناف الرتمجة يف اتريخ البشرية؛ إذ ميكن القول إهنا
أقدم أنواع الرتمجة التحريرية؛ ذلك أ ّن "الرتمجة يف الشرق كما يف الغرب بدأت دينية" .1فقد
بدأت الرتمجة يف الصني القدمية برتمجة الكتب الدينية من السنسكريتية 2إىل اللغة الصينية،
حيث "يرجع اتريخ الرتمجة الصينية إىل سنة 1100ق.م .ومنذ هذه الفرتة ،عرفت الصني
موجات كثرية من الرتمجة ،من بينها ترمجة السوفرا (التعاليم السنسكريتية)" ،3كما أن "من
اآلاثر اليت ُوجدت ،ترمجة الرومان للنظام الديين اإلغريقي عام 300قبل امليالد" ،4ابإلضافة
إىل أ ّن مرتمجي اإلمرباطورية الرومانية واإلغريقية قد نقلوا التّوراة واإلجنيل يف عصور قدمية جدا.
ولذلك فإن "الرتمجة الدينية بشكل مؤَّكد كانت سابقة على الرتمجة األدبية ( )...وال يشك
أحد يف الدور األساسي الذي لعبته يف احلضارات ،مثل حضارة اليوانن القدمية ،وبشكل
أقوى يف اإلمرباطورية الرومانية".5
ترمجة معاِن القرآن الكرمي .1
تُع ّد ترمجة النص الديين إذن جمال التح ّدايت واجلدل ابمتياز ،السيما فيزمن العوملة
والصراعات اإليديولوجية والدينية والطائفية .وال شك أن دراسة النص الديين عموما ،والقرآن
جيران إىل اخلوض يف العديد من القضااي الكرمي ِّبشكل خاص يف عالقته ابلرتمجةّ ،
ال ُـمست ْشكلة ،من قبيل الفوارق والعقبات الثقافية اليت تكتنف النص الديين أثناء ترمجته إىل
لغة أخرى ،إضافة إىل اخلصائص واملميزات اللغوية والبالغية اليت يزخر هبا النص الديين،
والسيما النص القرآين .إن أكرب صعوبة ظلت تواجه املرتمجني ،هي تلك املتعلقة برتمجة
1موانن ،جورج ( ،)1994املسائل النظرية يف الرتمجة ،ترمجة لطيف زينون ،دار املنتخب العريب ،بريوت ،الطبعة األوىل،
ص.12.
2السنسكريتية لغة قدمية يف اهلند ،وهي لغة خاصة ابلطقوس اهلندوسية والبوذية واجلاينية ،توجد يف اهلند وجنوب شرق
آسيا ،وهي إحدى اللغات الرمسية للهند.
3
Sun, Min (2010), La traduction de la littérature québécoise en Chine - état des lieux et
perspectives, thèse présentée à la Faculté des Etudes Supérieures de l'Université Laval,
Département de Langues, Linguistique et Traduction, Faculté des Lettres Université Laval
Québec, p.6.
- )www.theses.ulaval.ca/2010/27418/27418.pdf (Page consultée le 04-06-2020
4نيومارك ،بيرت ( ،)2002اجتاهات يف الرتمجة ،ترمجة حممد إمساعيل صيين ،جامعة امللك سعود ،داراملريخ للنشر ،ص.13.
5
Van Hoof, Henri (1991), Histoire de la traduction en occident, Editions Duculot, Paris,
p.13.
210
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
النصوص الدينية بشكل عام ،وترمجة القرآن الكرمي بشكل خاص ،فإذا كان اخلطأ يف ترمجة
أضر.
غريها من النصوص ضارا ،فهو يف النص الديين ّ
وتع ّد ترمجة القرآن الكرمي عملية ابلغة التعقيد ،ابلنظر إىل حجم الصعوابت واملشاكل اليت
تنطوي عليها عملية الرتمجة ،نظرا للمكانة االعتبارية اليت حيظى هبا القرآن الكرمي ابعتباره نصا
مقدسا ،ونظرا خلصائصه البالغية املميزة .وتزداد هذه الرتمجة تعقيدا ،عندما يتعلق األمر
برتمجة القرآن الكرمي إىل لغة مثل اللغة األمازيغية ،اليت وإن قـلّت فيها الفوارق الثقافية
والدينية ،فإن التباينات اللغوية القائمة بينها وبني اللغة العربية ،تظل عقبة كؤودا ،يصعب
جتاوزها ،السيما يف ظل الوضع الذي تعيشه األمازيغية ،ابعتبارها لغة مازالت يف طريقها إىل
االنتقال من الشفاهة إىل لغة الكتابة ،وتدشني جهود التوحيد واملعرية هلذه اللغة ،مع ما
يصاحب هذا االنتقال من إشكاالت متشعبة ،تالمس مجيع بنيات اللغة من صرف وحنو
وتركيب ومعجم وغريها.
.2مدخل إىل الرتمجة الدينية عند األمازيغ
الرب ْغواطي ،6وضع لقومه "قرآان" ابللغة
ذكرت بعض املصادر التارخيية أن صاحل بن طريف ُْ
األمازيغية" ،يقرؤونه يف صلواهتم ويتلونه يف مساجدهم ،وزعم أنه نزل عليه ،وأنه وحي من هللا
تعاىل إليه ،ومن شك يف ذلك فهو كافر .والقرآن الذي شرع هلم مثانون سورة مساها هلم
أبمساء النبيني وغريهم ،منها :سورة آدم وسورة نوح وسورة فرعون ،وسورة موسى وسورة
هارون وسورة بين إسرائيل ،وسورة األسباط وسورة أيوب وسورة يونس ،وسورة اجلمل وسورة
الديك وسورة احلجل ،وسورة اجلراد وسورة هاروت وماروت وسورة إبليس ،وسورة احلشر
وسورة غرائب الدنيا ،وفيها العلم العظيم بزعمهم" .7وأورد البكري كلمات مرتمجة من أول
سورة أيوب وهي استفتاح كتاهبم كما يقول ،8كما أورد الثعاليب مقطعا مماثال من أول سورة
َّاريخ كان ظُ ُهور صاحل بن طريف الربغواطي الَّ ِّذي ّادعى النُّـبُـ َّوة 6ذكره الناصري يف االستقصا ،حيث قال "ويف هذا الت ِّ
ِّ ِّ
بتامسنا من بِّالد الْمغرب ْاألقْصى على ساحل الْب ْحر الْ ُمحيط فيما بني سال وآسفي ،وبرغواطة بطن من املصامدة على
ما حقَّقهُ ابْن خلدون ،وكان أبوهُ طريف يكىن أاب صبيح ،وكان من قواد ميسرة اخلفري الْقائِّم بدعوة الصفرية ،وملا انقرض
أمر ميسرة ب ِّقي طريف قائِّما ِّأب ْمر برغواطة بتامسنا ،ويـُقال إِّنَّه تنبأ أيْضا وشرع هلُم الشَّرائِّع ،مثَّ هلك ووىل مكانهُ ابْنه
اخل ْري ،مثَّ انْسلخ من آايت هللا، صاحل هذا ،وقد كان شهد مع أبِّيه حروب ميسرة .قال ابْن خلدون وكان من أهل الْعلم و ْ
وانْـتحل د ْعوى النُّـبُـ َّوة ،وشرع هلُم ال ّداينة الَِّّيت كانُوا علْيـها من بعده ،وِّهي م ْعُروفة ِّيف كتب املؤرخني.
7الناصري ،أمحد بن خالد أبو العباس ( ،)2014االستقصا ألخبار دول املغرب األقصى ،حتقيق حممد السيد عثمان ،دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ج ،1.ص.97.
8البكري ،أبو عبيد ( ،)2003املسالك واملمالك ،حتقيق مجال طلبة ،دار الكتب العلمية ،بريوت ،ط ،1.ج،2.
ص.324.
211
حممد لعضمات
أيوب" :ابسم هللا الذي أنزل هللا به كتابه إىل الناس ليبني به أخباره .قالوا علم إبليس القضية.
أىب هللا ليس يطيق إبليس كما يعلم هللا .أي شيء يغلب األلسن يف األقولة؟ ليس يغلب
األلسن يف األقولة إال هللا بقضائه أاب اللسان الذي أرسل به احلق إىل الناس .أعين ما مات.
أنظر حممدا كان حني عاش استقام الناس كلهم الذين صحبوه وملا مات فسد الناس .كذب
من يقول :إن احلق يستقيم وليس مث رسول هللا" .9ورغم إيراد املصادر التارخيية هلذا املؤلَّف،
إال أنه مل يصلنا منه شيء ابألمازيغية ،عدا مقاطع مما ذكران بعضها مرتمجة إىل اللغة العربية،
ولعل هذا الكتاب أقرب إىل التأليف وإعادة الكتابة ،منه إىل الرتمجة.
قام األمازيغ بدور كبري يف خدمة اإلسالم ،من خالل مسامهاهتم العلمية سواء ابللغة
العربية أو األمازيغية ،وذلك ألمهيتها يف نشر العلوم اإلسالمية ،بل ظهرت اهتمامات جديدة
أبرزها إعداد القواميس املزدوجة اللغة لتسهيل عملية حترير الواثئق على من يتصدر هلا من
القضاة والعدول واملوثقني والفقهاء ،وكذا التعبري عن األعالم البشرية واجلغرافية وأعضاء
اإلنسان وما حييط به من أدوات وغريها ،...وتعزز هذا املسار بلون من ألوان التأليف الذي
اصطلح عليه البعض اسم سعى إىل تبسيط املعرفة الدينية وتقريبها من أفهام العوامْ ،
(لْمازغي) ،فكان التأليف ابللسان األمازيغي اترة ،ومتزيغ بعض التآليف العربية اترة أخرى،
خاصة منها ذات الصلة بعلوم القرآن والفقه واحلديث والسرية والعقيدة والتصوف واألذكار،
وموضوعات أخرى مثل الطب والتداوي ابألعشاب ،والفلك والتوقيت والتنجيم ،والفالحة
واحلساب وغري ذلك.
انطلقت الكتاابت األمازيغية من العلم واملعرفة الشرعية ،تلك املعرفة املتداولة يف املدارس
العلمية ،واليت حيُول اجلهل ابلعربية دون وصوهلا إىل عموم الناس ،فع ِّمل األمازيغ على ترمجتها
وتقريبها إىل عقوهلم ،عن طريق الشرح والتفسري والتمثيل ،كشرح خمتصر الشيخ خليل ألوزال
منظوما ابألمازيغية ،ومساه احلوض ،وكذا "حبر الدموع" ،وشرح حلسن أُبراهيم أعروس البن
عاشر ،وترمجة احلامدي لقصيدة الربدة ،وترمجة كتاب "عمدة البيان يف فروض األعيان"
للشيخ عبد الرمحن األخضري ،وترمجة سيدي أمحد الطاليب املعدري لرسالة "عقد اجلمان ملريد
العرفان" يف الرتبية الصوفية ،للشيخ سيدي علي الدرقاوي ،وترمجة املختار السوسي لكتاب
"األنوار السنية" البن جزي ،وكتاب "األربعني النووية" ،وترمجة احلاج عبد هللا الدرقاوي
اإللغي لكتاب "رايض الصاحلني" ،وكتاب "نور اليقني" يف السرية النبوية ،وترمجة عبد احلميد
9الثعاليب عبد العزيز ( ،)1990اتريخ مشال افريقيا من الفتح اإلسالمي إىل هناية الدولة األغلبية ،حتقيق أمحد بن ميالد
وحممد إدريس ،ط ،2.دار الغرب اإلسالمي ،بريوت ،ص.ص.152-151.
212
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
بن احلسني الصويف لرسالة ابن أيب زيد القريواين "تيليال يف تشليح الرسالة القريوانية" ،وترمجة
جلزء من كتاب "جمموع األمري" ،10مساه "اتفوكت ن الدين" أي الشيخ سيدي علي الدرقاوي ٍ
مشس الدين" ،ترمجه منظوما ،مقتفيا خطوات التامدوزيت يف شرحه حلوض اهلوزايل ،موجها
إايه إىل مريديه (الفقراء) ،حيفظونه ويستعينون به يف دينهم" ،11وغريها من الرتمجات التفسريية
األخرى.
تقدمي حصيلة ترمجات معاِن القرآن الكرمي إىل األمازيغية .3
قد تكون ترمجة القرآن إىل اللغة األمازيغية ،من بني أوىل الرتمجات اليت متت يف التاريخ.
فحسب ما أشار إليه لويس ماسينيون ) (Louis Massignonيف تقدميه لرتمجة حممد محيد
هللا للقرآن الكرمي إىل اللغة الفرنسية ،فإنه "يف إحدى حماضراته ابلقاهرة ،حول اجلغرافية
العربية ،حتدَّث السيد غيدي ) (Guidiعن ترمجة أمازيغية للقرآن ،متَّت يف السنة 127
فصل".12
للهجرة ،إال أنه مل يصلنا منها شيء ُم َّ
عرف التاريخ األمازيغي ظهور "قرآن" ابللغة األمازيغية ،غري أن األمر هنا ال يتعلق برتمجة
للقرآن ،بقدر ما يتعلق ابلتأليف وإعادة الكتابة ،فقد "خرج نيب من قبيلة بورغواطة سنة 127
أسس داينته ،كما فعل للهجرة ،وكان يعيش يف الساحل األطلسي ،يف منطقة جنوب سال ،و ّ
الرسول مبكة .واقتداء بنيب اإلسالم ،ألّف قرآان ،إال أن قرآنه هذا ،كتاب مقدس مستوحى
ابللغة األمازيغية".13
واألكيد يف هذا املوضوع ،أن عملية الرتمجة إىل اللغة األمازيغية مل تكن وليدة اليوم ،بل
هي تقليد شفوي قدمي يف املدارس الدينية ابملغرب ،وهو إحدى أهم أساليب تل ّقي القرآن
الكرمي عند األمازيغ ،فها هو الفقيه املغريب حممد بن احلسن احلجوي ،يستند إىل ذلك لتربير
جواز ترمجة القرآن الكرمي ،إذ يقول" :تل ّقيت بعض الطّلبة الذين يعلّمون القرآن للرببر ببالدان،
10منظومة شعرية يف الفقه تتألف من عشرة آالف بيت ،من أتليف حممد بن حممد بن أمحد بن عبد القادر بن حممد
املصري املالكي ،املتوىف سنة 1232ھـ1816 /م.
11السوسي ،املختار ،املعسول ،جزء ،19ص ،14.وأيضا رجاالت العلم العريب يف سوس ،ص.187.
12
Muhammad Hamidullah (1963), Le Saint Coran, Editeur Hadj mohamed Noureddine Ben
Mahmoud, Club Français du Livre, p.p.37-38.
- http://www.lenoblecoran.fr/wp-content/uploads/Le-Saint-Coran-Traduction-de-M.-
Hamidullah-Version-originale-Fr-1959.pdf(Page consultée le 07-06-2020).
13
– Basset, Herni (1920), Essai sur la littérature des Berbères, Ancienne Maison Bastide
Jourdan, Éditeur J. Carbonel, Alger, P.62.
213
حممد لعضمات
14احلجوي ،حممد بن احلسن ( ،)1933ترمجة القرآن العظيم ،جملة املغرب ،ع ،13.ص.4.
15السوسي ،حممد املختار ( ،)2014املعسول يف اإللغيني وأساتذهتم وتالمذهتم وأصدقائهم السوسيني ،اجمللد ،5دار
الكتب العلمية ،بريوت ،ص.ص.60-59.
16شفيق ،حممد ( ،)1995ملاذا قيل كل مرتجم خذول ،مطبوعات أكادميية اململكة املغربية ،سلسلة "الندوات" الرتمجة
العلمية ،ندوة جلنة اللغة العربية ألكادميية اململكة املغربية ،طنجة 12-11دجنرب ،1995ص.25.
17هناك ترمجة للمرحوم بوستة حمند أمزاين من اجلزائر ،وهي غري كاملة ،وتناولت أجزاء أو آايت متفرقة ،حسبما ذكر الشيخ
طيب حمند يف مقالة له حتت عنوان "ترمجات يف امليزان وحرية بني البوح والكتمان" ،لكنه مل يقف على هذه الرتمجة.
وهناك أيضا ترمجة جزئية أجنزهتا جلنة مشرتكة بني احملافظة السامية لألمازيغية ووزارة الشؤون الدينية واألوقاف ابجلزائر،
مشلت سورة الفاحتة وحزب سبّح ابسم ربك األعلى ،على شكل قرص مضغوط ونص مكتوب ابحلرف الالتيين.
214
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
واحدة ،مثل مسألة ترمجة أمساء السور ،18وبالغة التقدمي والتأخري ،19وحدود الربح واخلسارة
يف ترمجة معاين القرآن الكرمي ،20أو من خالل دراسات حتليلية مقارنة ،مثل قضية املشرتك
اللفظي يف القرآن الكرمي ،21وترمجة ضمري الفصل ابعتباره شكال من أشكال التوكيد يف
القرآن الكرمي.22
23 أ" .ترمجة معاِن القرآن الكرمي ابللغة األمازيغية" ،للحسني جهادي
صدرت هذه الرتمجة سنة ،2003عن مطبعة النجاح اجلديدة ابلدار البيضاء ،وهي أول
ترمجة كاملة للقرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ابملغرب ،24وصدورها "يش ّكل ابلفعل حمطة
18يُنظر لعضمات ،حممد ( ،)2018إمعان النظر يف ترمجة أْساء السور :دراسة حول ترمجة معاِن القرآن الكرمي
ابألمازيغية ،جملة الدراسات األمازيغية ،العدد ،2خم ترب الدراسات واألحباث يف الثقافة واللغة األمازيغية ،جامعة ابن زهر،
كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ،أكادير ،ص.ص.28-7.
19يُنظر لعضمات ،حممد ( ،)2017دراسة يف التقدمي والتأخري :منوذج ترمجة معاِن القرآن الكرمي ابألمازيغية جلهادي
احلسني الباعمراِن ،ضمن كتاب أعم ال امللتقى الدويل الذي نظمته جامعة األمري عبد القادر للعلوم اإلسالمية بقسنطينة
ابجلزائر ،بتاريخ 17-16أبريل ،2017حول "جهود ترمجة معاين القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية :الواقع واالفاق"،
منشورات اجمللس األعلى للغة العربية ،ص.ص.176-145.
20يُنظر لعضمات ،حممد ( ،)2015الربح والضياع يف ترمجة معاِن القرآن الكرمي ابللغة األمازيغية :ترمجة جهادي
احلسني منوذجا ،أحباث يف األمازيغية ،أعمال األايم الدراسية املنظمة يومي 30و 31ماي 2013برحاب كلية اآلداب
والعلوم اإلنسانية أبكادير ،ص.ص.46-29 .
21يُنظر لعضمات ،حممد ( ،)2018املشرتَك اللفظي يف ثالث ترمجات ملعاِن القرآن الكرمي ابللغة األمازيغية :لفظ الفتنة
منوذجا ،ضمن كتاب أعمال املؤمتر الدويل اخلامس يف ترمجة معاين القرآن الكرمي ،يف موضوع" :املرجعيات اليهودية
واملسيحية يف ترمجات معاين القرآن الكرمي" ،والذي نظمه خمترب الرتمجة وتكامل املعارف ،كلية اآلداب والعلوم االنسانية
مبراكش 21 - 20 ،فرباير ،2018عامل الكتب احلديث ،األردن ،ص.ص.182-173.
22يُنظر لعضمات ،حممد ( ،)2018منوذج من أساليب التوكيد يف القرآن الكرمي :ترمجة ضمري الفصل إىل اللغة
األمازيغية (دراسة حتليلية مقارنة لثالث ترمجات) ،ضمن كتاب أعمال املؤمتر الدويل السنوي األول يف موضوع" :قضااي
معاصرة يف الدراسات اللغوية واألدبية واجلمالية :التحوالت والرهاانت" ،والذي نظمه مركز املوىل إمساعيل للدراسات
واألحباث يف اللغة واآلداب والفنون مبكناس 29 - 28 ،مارس ،2018منشورات مقارابت للنشر والصناعات الثقافية،
فاس ،ص.ص.217-209.
23جهادي احلسني الباعمراين ،من مواليد 1942ابلدار البيضاء ،حافظ للقرآن الكرمي ،وجماز يف التاريخ .اشتغل يف التعليم
ما يزيد عن األربعني سنة .ساهم يف كتابة املوسوعة املغربية "معلمة املغرب" ،وأصدر سنة 1997ديواان شعراي أمازيغيا
بعنوان "تيمااترين" ،مث صدرت له بعد ذلك جمموعة من الرتمجات إىل اللغة األمازيغية ،منها كتاب "اتغاراست نـ ورقاس
نـ ريب" ،وهو ترمجة لسرية الرسول صلى هللا عليه وسلم ،مث صدر له سنة 2003كتاب "ترمجة احلديث القدسي ابللغة
األمازيغية" ،كما صدر له يف السنة ن فسها ،كتاب "ترمجة معاين القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية" .أصدر سنة 2007
كتاب "فتح الباري يف متزيغ جتريد البخاري ابللغة األمازيغية" ،وصدر له سنة ،2014كتاب بعنوان "منوذج املقاومة
املغربية يف دولة برغواطة األمازيغية" ،كما صدر له سنة 2016كتاب "من ذاكرة سوس وبصمات احلاضر :منوذج آيت
ابعمران".
24رغم حديث املصادر التارخيية عن ترمجات سابقة ،إال أنه مل يصلنا منها إال ما ورد مرتمجا إىل العربية يف املقتطفات القليلة
املعروفة عند الناصري والبكري والثعاليب وغريهم.
215
حممد لعضمات
سوسيو-ثقافية من ذوات العيار التارخيي الثقيل يف فضاء الثقافة املغربية" ،25وهو كذلك "لبنة
ركينة يف صرح الثقافة املغربية املعاصرة" ،26هذه "اللبنة اجلديدة ،اليت أضافها إىل صرح ثقافتنا
املغربية والعربية ،وسد هبا فراغا غري مربر يف مكتبنا وتراثنا" .27وتزامن صدور هذه الرتمجة مع
إصدار جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف لرتمجة سورة الفاحتة واألجزاء الثالثة
األخرية (قد مسع وتبارك وعم) إىل األمازيغية يف السنة نفسها ،لصاحبها السيد حاج حمند
حمند طيب.
يبلغ عدد صفحات الرتمجة 427صفحة ،مقاس ( ،)24×17وحتتوي على مقدمة ِّ
املرتجم
يف ثالث صفحات ،وصفحة مسَّاها "تنبيه" ،وضع فيها سبع مالحظات وإضاءات منهجية
حول الرتمجة ،وورد النص املرتجم بعدها خاليا من احلواشي ،مث تاله فهرس السور.
ُكتبت هذه الرتمجة ابخلط العريب ،واقتصر املؤلف يف هذا الكتاب ،على نشر نص الرتمجة
األمازيغية دون النص القرآين ،خالفا ألغلب ترمجات القرآن الكرمي ،اليت يرد فيها النص
القرآين يف صفحة ،وترد الرتمجة يف الصفحة املقابلة ،آية آبية ،لتيسري الرجوع إىل النص القرآين
يف صيغته األصلية ،قصد تسهيل عملية الفهم ،غري أن املرتجم استدرك هذا األمرنِّسبيًّا،
ابعتماده الرتقيم الرتتييب نفسه لآلايت يف املصحف ،مما تتأتى معه إمكانية الرجوع إىل النص
القرآين من خالل الرقم الرتتييب لكل آية.واعتمد املرتجم يف هذا الكتاب رواية ورش عن انفع،
وهي الرواية املعتمدة ابملغرب.
استعمل األستاذ احلسني جهادي الباعمراين يف عنوان ترمجتهلفظ "معاين" ،على غرار ما
فعله الشيخ سي حاج حمند حمند طيب .ويف هذا املوضوع يقول حممد محيد هللا" :هناك
مؤلفون من أهل عصران مينعون استعمال كلمة الرتمجة للقرآن ،وال أرى ملاذا؟ ألن السلف من
مشارق األرض ومغارهبا استعملوا هذا املصطلح بدون ن ِّك ٍري منذ أقدم العصور اإلسالمية،
والرتمجة معناها نقل معاين كالم من لغة إىل أخرى ،والذي يقرتح مصطلح "ترمجة معاين"
تكرار بدون حاجة" ،28غري أن أغلب الرتمجات ت ِّرد هبذا االسم ،غالبًا حىت ال يُظ َّن أبهنا
25املدالوي املنبهي ،حممد (" ،)2012رفع احلجاب عن مغمور الثقافة واآلداب؛ مع صياغة لعروضي األمازيغية
وامللحون " ،جامعة حممد اخلامس ،منشورات املعهد اجلامعي للبحث العلمي ،الرابط ،مطبعة كوثر برانت ،ص.174.
26نفسه.
27الراضي ،اليزيد ،مالحظات على ترمجة معاِن القران الكرمي إىل اللغة األمازيغية للحسن جهادي.
( https://elyaziderradi.blogspot.com/2009/10/blog-post_08.htmlاتريخ الدخول18 :مارس)2020
28محيد هللا ،حممد ( ،)1986فهم القرآن ملن ال ينطق بلغة الضاد ،حبث مقدم يف الندوة العاملية حول ترمجة معاين القرآن
الكرمي ،إسطنبول ،ص.51.
216
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
قرآن ،وتنبيها للقارئ إىل أن األمر يتعلق فقط برتمجة "للمعاين" ،وأن هذه الرتمجة ليست
مجيعا يف
عمل الناس ً بديال عن القرآانلكرمي ،وهي بذلك ال حتُ ُّل حملَّه ،ذلك أن "جراين ِّ
فهم ُِّحيلّوهنا حمل أصوهلا إذا شاؤوا ،ويستغنون هبا عن تلك الرتمجات على هذا االعتبارُ ،
األصول ،بل قد ينس ْون هذه األصول مجلة ويغيب عنهم أن الرتمجات ترمجات ،فيحذفون
أصل أو كأنه ال أصل ِّ
لفظ ترمجة من29االسم ويُطْلقون عليها اسم األصل نفسه ،كأمنا الرتمجةُ ٌ
هناك وال فرع" .
ُجنزت "ابللغة األمازيغية" ،إال أنه مل يُ ِّشر إىل
ورغم أن املرتجم أشار إىل أن هذه الرتمجة أ ِّ
انتماء هذه الرتمجة إىل أي من الفروع اللغوية األمازيغية ابملغرب ،على غرار الرتمجات
األمازيغية األخرى اليت سنأيت على ذكرها.
اختار جهادي ،على غري عادة املرتمجني ،عنواان فرعيا لرتمجته ،هو "نور على نور" ،اقتبسه
اَّللُ لِّنُ ِّ
ورِّه من يشاءُ﴾ ،30مث وردت حتته ﴿نور على نُوٍر يـ ْه ِّدي َّ
على األرجح من قوله تعاىلٌ :
مباشـرة ،ترمجة هذا العنوان الفرعي إىل اللغة األمازيغية ،مكتوبةً خبط تيفينـاغ
[ⵜⵡⴰⴼⵉⵜⴼⵜⵡⴰⴼⵉⵜ] ،ولعل جهادي أراد جعل هذه الكتابة هبذا احلرف ،مبثابة هوية بصرية
مميِّّزة هلذه الرتمجة ،ولرمبا هي أيضا صدى العتماد حرف تيفيناغ كنظام لكتابة اللغة
األمازيغيةبشكل رمسي ابملغرب ،31أما بقية النص املرتجم ،فقد ُكتِّب كلُّه ابحلرف العريب،
املرتجم هذا احلرف على حد قوله" ،لعلَّه يصل إىل غالبية أبناء الشعب الذين واستعمل ِّ
يكتبون ابحلرف العريب".32
مل يذ ُكر املرتجم يف كتابه أي مرجع ابالسم ،لكنه حتدث ابملقابل ،وبشكل عام ،عن
اس تفادته من ترمجات سابقة ملعاين القرآن الكرمي إىل بعض اللغات ،كما استعان ابملشهور من
التفاسري؛ حسب رواية ورش؛ وأمهات املراجع واملصادر يف اللغة العربية ،دون حتديد أمسائها،
29الزرقاين ،حممد عبد العظيم (د.ت) ،مناهل العرفان يف علوم القرآن ،ط ،3.مطبعة عيسى البايب احلليب وشركاؤه ،ج،2.
ص.117.
30سورة النور ،اآلية .35
31مت اعتماد حرف تيفيناغ كنظام لكتابة اللغة األمازيغية يف 10فرباير ،2003بعد التوصية اليت قدمها جملس إدارة املعهد
امللكي للثقافة األمازيغية للملك حممد السادس يف هذا الشأن ،وقد مر هذا احلدث قبل شهرين ونيف من صدور ترمجة
معاين القرآن الكرمي لألستاذ احلسني جهادي الباعمراين.
َّ
32جهادي احلسني الباعمراين ،صاحب ترمجة معاين القرآن الكرمي ابللغة األمازيغية يتحدث عن قصة مؤلفه ،حوار أجراه
مصطفى عنرتة مع املرتجم ،وهو منشور يف موقع احلوار املتمدن ،على الرابط التايل:
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=16907&r=0
217
حممد لعضمات
هذا ابإلضافة إىل االعتماد على أقوال الصحابة والراسخني يف العلم وما أخذه عن شيوخه،
وذلك على وجه العموم ودون تفصيل.
ُسوة مبن سبقوه من قام احلسني جهادي برتمجة القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ،أ ْ
األمازيغ الذين نقلوا أمهات الكتب الفقهية وغريها إىل اللغة األمازيغية ،فـوصل املاضي
ابحلاضر ،من خالل إحيائه هلذا التقليد األصيل .وقد طرح جهادي سؤال الغاية من هذه
الرتمجة يف مقدمة كتابه ،واعترب أن القرآن الكرمي خياطب الناس كافة" ،ومن ح ِّّق كل شخص
تيسر من القرآن ويفهمه ،ومن املفيد لإلسالم أن يُرتجم عليه ،أن يقرأ ما ّ بل من الواجب
ويبلَّغ للعامل أمجع" .33فوظيفة هذه الرتمجة إذن تبليغية ،ومن شأهنا "أن تساعد ( )...على
يتخصص يف العلوم الدينية.
ّ فهم مباشر ملن ال يعرف سوى األمازيغية .وقد تفيد من مل
تعمق يف علوم القرآن ،فقد يستعني هبذا العمل وكذلك من توقَّف عن الدراسة مبكرا ،أما من َّ
عند احلاجة .واهلدف إذن ،هو املسامهة يف تيسري فهم معاين القرآن قدر االستطاعة" .ولعل
34
تقاليد التلقي السماعي عند األمازيغ ،تسري يف هذا االجتاه ،إذ من املمكن أن تكون هذه
الرتمجة وسيلة لتقريب النص القرآين إىل الناس يف الفضاءات الدينية والعلمية .ولكي تتحقق
استفادة األمازيغ الذين ال يعرفون القراءة والكتابة من هذه الرتمجة ،كان من األفيد أن تُرفق
ب ُق ْرص ُم ْدمج حيوي تسجيال صوتيا هلا ،حىت يتم ّكن من ال يُ ِّتقن سوى األمازيغية وال
يستطيع قراءة الرتمجة ابحلرف العريب أو غريه ،من مساع الرتمجة وفهم معانيها ،على غرار ما
خص ترمجته
فعله رمضان آث منصور يف ترمجته للقرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ،حينما ّ
املكتوبة هذه بقرص ُم ْدمج ،ملن يوّد االستماع إليها مقروءة.
33جهادي ،احلسني الباعمراين ،ترمجات معاين القرآن ابللغة األمازيغية ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الدار البيضاء،2003 ،
ص.3.
34جهادي ،احلسني الباعمراين ،املرجع السابق ،ص.3.
218
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
ب" .القرآن الكرمي وترمجة معانيه إىل اللغة األمازيغية (اللهجة القبائلية)" ،للشيخ
35 سي حاج حمند حمند طيب
صدرت هذه الرتمجة سنة ،362013عن جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف
ابملدينة املنورة .وهي أيضا ترمجة كاملة ملعاين القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ،وابللهجة
القبائلية ابجلزائر ،وقد تبنّـْتها وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد يف اململكة
العربية السعودية.
يبلغ عدد صفحات الرتمجة 1126صفحة ،مقاس ( ،)22×15وحتتوي على مقدمة من
صفحتني ابللغة العربية ،بقلم الشيخ صاحل بن عبد العزيز بن حممد آل الشيخ ،وزير الشؤون
اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد ،املشرف العام على جممع امللك فهد لطباعة املصحف
الشريف ،تلتها ترمجة هذه املقدمة نفسها إىل األمازيغية يف صفحتني أيضا ،مث مقدمة املرتجم
ابللغة العربية ،حتدث فيها عن مسرية هذه الرتمجة قبل الطبع ،ومراحل التصحيح والتمحيص،
وهي أيضا يف صفحتني ،تـلْتها كلمة للمرتجم ،حتدث فيها عن سريته ،وقيمة هذه الرتمجة،
املرتجم أيضا صفحتني للحديث حول خطة العمل املتَّـبعة يف هذه صص ِّ وكيفية ِّ
إجنازها .وخ َّ
الرتمجة .وبعد ذلك ِّيرد النص القرآين يف الصفحة اليمىن ،وت ِّرد الرتمجة مقابلةً له يف الصفحة
اليسرى ،مشفوعةً عند الضرورة ببعض التوضيحات يف أسفل الصفحة ،مث تاله فهرس أمساء
السور وبيان امل ّكي واملدين منها.
ُكتِّب عنوان الرتمجة ابللغتني معا ،األول ابللغة العربية ،وهو "القرآن الكرمي وترمجة معانيه
إىل اللغة األمازيغية (اللهجة القبائلية) ،وعنوا ٌن آخر يف صفحة الغالف الثانية ابألمازيغية،
ليث} ،وُكتِّبت هذه الرتمجة
يس غاللّغة ْامتازيغث {ا ْستُـ ْقپايْ َّْ ِّ
وهو "لُْقران العظيم ذُتـ ْرج ْم ال ْمعايْن ْ
ابحلرف العريب.
ُ 35ولِّد يف 02يونيو ، 1934مبنطقة القبائل شرق اجلزائر العاصمة ،وهو من شيوخ زواوة ،حافظ للقرآن الكرمي ،حفظ الكثري
من الشعر القبائلي ،وهو كاتب له أيضا .التحق سنة 1953مبعهد ابن ابديس بقسنطينة ،حاصل على شهادة اإلجازة
يف األدب العريب سنة ،1966ومت تعيينه أستاذا يف السلك الثانوي .ويف سنة 1970حصل على شهادة الكفاءة يف
التفتيش الرتبوي ،وشغل منصب مفتش يف التعليم ،ويف سنة 1977اشتغل أستاذا مساعدا يف جامعة تيزي وزو ،ويف عام
،1985اشتغل بفرنسا مفتشا لدى أبناء اجلالية ملدة أربع سنوات ،مث عاد بعدها إىل اجلزائر ليشتغل مفتشا حىت سن
التقاعد .وبعدها شغل مهمة اإلشراف على جملس يف أحد املساجد بتعاون مع مديرية الشؤون الدينية واألوقاف بتيزي
امليسر لكالم هللا املوقَّر ابألمازيغية (القبائلية)" الصادر سنة ،2019
وزو .وله عدة مؤلفات من أمهها كتاب "التفسري َّ
وكتاب "القرآن الكرمي وترمجة معانيه إىل اللغة األمازيغية (اللهجة القبائلية)".
36سبق جملمع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف أن نشر سورة الفاحتة واألجزاء الثالثة األخرية (قد مسع وتبارك وعم)
وترمجة معانيها إىل اللغة األمازيغية لنفس ِّ
املرتجم ،وذلك سنة .2003
219
حممد لعضمات
املرتجم ضمن خطة العمل اليت اتبعها يف الرتمجة ،اعتماد رواية ورش عن انفع ،وهي التزم ِّ
الرواية املنتشرة يف اجلزائر ،كما التزم حسب قوله بعدم إغفال أية كلمة من املنت القرآين دون
أن يُدرج معناها يف الرتمجة ،مع ضرورة اعتماد رأي مفسر ما يف كل آية ترتجم ،واإلبقاء على
الكلمات األمازيغية املقرتضة من العربية مىت كانت مفهومة ،إضافة إىل االلتزام حبدود الرتمجة
وعدم التوسع فيها حىت ال تتحول إىل تفسري .أما فيما خيص الداللة ،فقد اعتمد ِّ
املرتجم،
حسب قوله ،الرتمجة ابملعىن عند تعذر الرتمجة ابلكلمة املفردة ،كما أفرغ ُوسعه يف اعتماد
الكلمات الشائعة واملشرتكة تعميما للفائدة.
37 ج "LEQWṚAN S TMAZIƔT" .لرمضان آث منصور
صدرت هذه الرتمجة سنة ،2006عن دار النشر زرايب ابجلزائر ،بدعم من وزارة الثقافة
اجلزائرية .38وهي أيضا ترمجة كاملة ملعاين القرآن الكرمي ابللغة األمازيغية .ويبلغ عدد صفحاهتا
491صفحة ،مقاس ( )23×15.5وحتتوي على مقدمة املرتجم يف صفحة واحدة ابللغة
الفرنسية ،تالها فهرس أمساء السور مكتوبةً ابحلرف الالتيين إىل جانب حرف تيفيناغ يف أربع
املرتجم أن حرف تيفيناغ هو النظام األصلي اخلاص بكتابة يعترب ِّ صفحات ،ويف هذا اإلطار ِّ
األمازيغية ،وأن استعمال احلرف الالتيين جمرد مرحلة انتقالية .وبعد فهرس أمساء السور ،ترد
ترمجة معاين النص القرآين إىل األمازيغية ابحلرف الالتيين أوال يف الصفحة اليسرى ،وحبرف
تيفيناغ بعده يف الصفحة اليمىن املقابِّلة ،وذُيِّّلت الرتمجة برسالة شكر من وزير الشؤون الدينية
واألوقاف ،يـُثْين فيها على جهود املرتجم.
تتميز هذه الرتمجة بتوفرها على قرص مضغوط ،حيتوي على ملفات صوتية ،ملن يود
االستماع إليها مقروءة ابألمازيغية ،ممن ال يتقن القراءة ،أو الذين يفضلون السماع على
القراءة.
ولد سنة 1937بتيز هيبل بتيزي وزو ودرس فيها ،كما درس بباريس ،وحصل على الدكتوراه يف العلوم ،وهو ابحث 37
متخصص يف الطاقة الشمسية ،وعمل أستاذا يف الكيمياء جبامعة اجلزائر ،وهو أيضا مدير حبث يف وزارة التعليم العايل
والبحث والعلمي ابجلزائر.
38
Kamel Chachoua, Radiographie de trois traductions du Coran en kabyle, Revue des
Mondes Musulmans et de la Méditerranée, Université de Provence, 2010, Féminismes
islamiques, 128, pp.231-245, P.232.
220
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
استعمل املرتجم املعجم األمازيغي ملنطقة القبائل ابجلزائر ،ويفرتض يف ترمجته حسب قوله،
أن تُفهم لدى عموم األمازيغ مبنطقة القبائل واملناطق األمازيغية القريبة منها ،39واعتمد على
معجم » «Dalletيف حتديد داللة األلفاظ وكذا إمالئيتها.
Essai de traduction partielle du coran en berbèreلكمال انيت زراد
40
هي ترمجة جزئية لنص القرآن الكرمي ،وهي جزء تطبيقي ضمن أطروحة الدكتوراه ،حتت
عنوان "حماولة يف ترمجة جزئية للقرآن ابألمازيغية (معجم املفردات الدينية والتوليد)" ،واليت
أجنزها الباحث كمال انيت ّزراد ،ابملعهد الوطين للغات واحلضارات الشرقية بباريس سنة
،411996حتت إشراف األستاذ سامل شاكر ،ومشلت هذه الرتمجة 49سورة من السور
القصار ،42مكتوبة ابحلرف الالتيين.
وتندرج ترمجة كمال انيت زراد يف إطار معرفة أوسع ابللغة األمازيغية مبختلف فروعها
اللغوية ،ويف جماهلا اجلغرايف الكبري ،قصد "النهوض هبذه اللغة وانتقاهلا من الشفاهة إىل
الكتابة" ،43كما تندرج أيضا "يف إطار اهتمامه بتاريخ األداين يف أمهيتها ابلنسبة للغة
األمازيغية يف حيثيات انتقاهلا إىل فضاء الكتابة ،فبواسطتها ميكن إدماج قاموس أمازيغي
جامع ) ،(lexiquepan-berbèreوتسهيل عملية تداوله بني اجملموعات اللسانية األمازيغية
ملا للقرآن من حضور يومي يف نشاطها الثقايف" ،44السيما وأن املعجم الديين األمازيغي املبين
39
Ibid.
ُ 40ولِّد سنة 1950مبنطقة القبائل ابجلزائر ،وهو حاصل على دكتوراه يف اإللكرتونيات الدقيقة ابملعهد الوطين لتقنيات العلوم
وعلْم اللهجات) ،حيث حصل بغرينوبل بفرنسا سنة ،1995وهو أيضا متخصص يف اللسانيات األمازيغية (الرتكيب ِّ
ِّ
على دكتوراه يف اللسانيات األمازيغية سنة 1996ابملعهد الوطين للغات واحلضارات الشرقية بباريس ،وعُ ّني ابحثا مبعهد
اللسانيات اإلفريقية بفرانكفورت أبملانيا ،ويف عام 2003حصل على شهادة التأهيل للبحث ابملعهد الوطين للغات
واحلضارات الشرقية بباريس ،ومت تعيينه سنة 2009أستاذا للتعليم العايل ،وهو مدير وحدة البحث يف اللغات والثقافات
يف مشال إف ريقيا والشتات بنفس املعهد بباريس .له الكثري من املؤلفات ،وأمهها ابللغة الفرنسية كراسة تصريف األفعال
القبائلية الصادر سنة ،1994والنحو املعاصر ( 1علم الصرف) سنة ،1995والنحو املعاصر ( 2الرتكيب) سنة ،1996
وكتاب النحو املعاصر للقبائلية سنة ،2001ومعجم اجلذور األمازيغية سنة ،2002واللسانيات األمازيغية وتطبيقات
سنة ،2004ومعجم األمساء األمازيغية سنة ،2005وكتاب حنو إصالح معرية القبائلية سنة ،2012وعدة كتب
ومقاالت أخرى حول اللغة األمازيغية.
41نشرها مركز الدراسات احلامية السامية مبيالنو اإليطالية ،سنة .1998
42مشلت هذه الرتمجة اجلزئية سورة الفاحتة إضافة إىل سورة امللك والناس وما بينهما من السور.
43 Nait
-Zerrad, Kamal, Essai de Traduction Partielle du Coran en Berbère (Vocabulaire
Religieux et Néologie), Thèse de Doctorat, Institut National des Langues et Civilisations
Orientales, Paris, sous la direction de Salem CHAKER, Mai 1996, P.7.
44آيت بلقاسم ،أفوالي ،ترمجة القرآن إىل االمازيغية :تقدمي حملاولة كمال انيت زراد ،جملة تيفاوت ،ع.1995 ،5.
221
حممد لعضمات
أساسا على االقرتاض من العربية ،مل يكن متجانسا ومتماثال بني كل الفروع اللغوية
األمازيغية ،45أضف إىل ذلك "أن الرتمجة بني األمازيغية والعربية قد تتميز ببعض الصعوابت
املرتبطة بطبيعة اللغة األمازيغية ابعتبارها حديثة العهد ابلكتابة".46
ورغبةً منه يف جتاوز مسألة االقرتاض املكثَّف من العربية يف جمال املعجمية الدينية
املرتجم على ثالث واجهات أساسية ،بدأها ابلوصف الدقيق للغة، األمازيغية ،اشتغل ِّ
الستنباط قواعدها يف جمال التوليد املعجمي ،خصوصا ما يتعلق ابالشتقاقات واملرَّكبات
والتقاب الت الفونيمية بني اللهجات وداخل اللهجة نفسها ،تلته دراسة معمقة لبنية اللغة
وبشكل خاص تنظيم امللفوظ األمازيغي ،مث أخريا اقرتاح نظام متكامل للكتابة والتدوين،
يراعي كل الفروع اللغوية القبائلية وابقي الفروع اللغوية األمازيغية األخرى ،47وذلك انطالقا
من تصوره للغ ة األمازيغية ،حيث يرتكز على الفرع اللغوي ألمازيغية منطقة القبائل ابجلزائر،
مع السعي حنو استشراف أمازيغية مشرتكة من خالل عملية توليد املفردات اجلديدة من
جذور الفروع اللغوية املختلفة ،كاملزابية والشاوية والقبائلية والطارقية والشلحة وغريها.
خامتة
وإن كان الغرض من هذا العمل ،هو التعريف على حنو جمم ٍل ابجملهود الذي بُ ِّذل يف جمال
ترمجة معاين القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية ،فإننا نُ ِّرجع االختالفات القائمة بني هذه
الرتمجات إىل اختالف سياقات إجنازها ،واختالف اسرتاتيجيات الرتمجة من ِّ
مرتجم آلخر،
سواء فيما يتعلق ابحلرف كأداة للكتابة ،أو ما له عالقة بطرق التفاوض مع النص األصلي
الستضافته يف اللغة األمازيغية ،أو حىت ما له عالقة أيضا بوظائف النص املرتجم ،وما يرتتب
http://www.tawalt.com/wp-content/uploads/afulay_quran_aytzerrad.gif
45
Naït-Zerrad, Kamal, Lexique religieux berbère et néologie : un essai de traduction partielle
du Coran, Milano: Centro studi camito-semitici: Associazione culturale berbera in Italia,
1998, P.61.
46بلويل ،فرحات ،ترمجة النص املكتوب من اللغة األمازيغية إىل العربية ،أعمال امللتقى الدويل الثاين حول اللغة األمازيغية
من التقليد الشفوي إىل حقل اإلبداع والتأليف (مسار ورهاانت) 18-17 ،أبريل ،2013قسم اللغة والثقافة األمازيغية،
جامعة أكلي حمند أوحلاج ابلبويرة ،ص.37.
47
Nait-Zerrad, Kamal, Essai de Traduction Partielle du Coran en Berbère (Vocabulaire
Religieux et Néologie), Thèse de Doctorat, Institut National des Langues et Civilisations
Orientales, Paris, sous la direction de Salem CHAKER, Mai 1996, P.P.7-8.
222
ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية :عرض وتقدمي
عن ذلك من اعتماد ملنهج التوطني الذي يعطي األولوية لنص الوصول ،أو منهج التغريب
الذي يـ ُه ُّمه كثرياً الوفاءُ للنص األصلي ولو كان ذلك على حساب النص األصلي.
البد إذن من ضرورة وضع "دليل ملرتمجي القرآن الكرمي ابألمازيغية" ،يتم فيه تقعيد
األسس النظرية واملناهج التطبيقية أثناء عملية الرتمجة ،كما هو احلال ابلنسبة لدليل مرتمجي
اإلجنيل ،ويكون هذا الدليل مرجعا مهما ابلنسبة ملرتجم القرآن الكرمي إىل اللغة األمازيغية،
وينطبق احلال على ابقي اللغات أيضا ،والبد أن يصاحبه أيضا جمهود كبري على مستوى
موجهة للمرتمجني ،ابإلضافة إىلمبسطة ومرّكزة للقرآن الكرمي ،وتكون َّ
إعداد تفاسري أمازيغية َّ
إعداد معجم ثنائي اللغة ،عريب أمازيغي ،متخصص يف املعجم الديين ،يتم فيه حصر جمموع
األلفاظ القرآنية ،وتفسريها ووضع املقابل األمازيغي هلا.
هذا فضال عن إنشاء قاعدة بياانت حول ترمجة القرآن الكرمي ابألمازيغية ،والعمل على
تطوير برامج الرتمجة املسعفة ابحلاسوب ،وتزويدها؛ انطالقا من قاعدة البياانت؛ مبختلف
املراجع واملعينات اليت من شأهنا أن تـُي ِّّسر عمل املرتمجني إىل هذه اللغة .وأخريا البد لعمل من
هذا احلجم ،أن ينخرط فيه املرتمجون واخلرباء واملهتمون حتت إشراف مؤسسات تعىن برتمجة
القرآن الكرمي إىل األمازيغية ،حبيث يكون اإلشراف على مشاريع ترمجة القرآن مجاعيا،
ويساهم فيه متخصصون يف العلوم الشرعية ،مبا فيها علوم القرآن ،ابإلضافة إىل متخصصني
يف اللغة العربية واللغة األمازيغية.
قائمة املراجع
القرآن كرمي
223
حممد لعضمات
أبريل ،2013قسم اللغة والثقافة األمازيغية ،جامعة أكلي حمند أوحلاج 18-17 ورهاانت)،
ابلبويرة.
الثعاليب عبد العزيز ( ،)1990اتريخ مشال افريقيا من الفتح اإلسالمي إىل هناية الدولة
األغلبية ،حتقيق أمحد بن ميالد وحممد إدريس ،ط ،2.دار الغرب اإلسالمي ،بريوت.
جهادي ،احلسني ( ،)2003ترمجة معاين القرآن الكرمي ابللغة األمازيغية ،مطبعة النجاح
اجلديدة ،الدار البيضاء.
احلجوي ،حممد بن احلسن ( ،)1933ترمجة القرآن العظيم ،جملة املغرب ،ع.13.
محيد هللا ،حممد ( ،)1986فهم القرآن ملن ال ينطق بلغة الضاد ،حبث مقدم يف الندوة
العاملية حول ترمجة معاين القرآن الكرمي ،إسطنبول.
الزرقاين ،حممد عبد العظيم (د.ت) ،مناهل العرفان يف علوم القرآن ،ط ،3.مطبعة عيسى
البايب احلليب وشركاؤه ،ج.2.
السوسي ،حممد املختار ( ،)2014املعسول يف اإللغيني وأساتذهتم وتالمذهتم وأصدقائهم
السوسيني ،اجمللد ،5دار الكتب العلمية ،بريوت.
شفيق ،حممد ( ،)1995ملاذا قيل كل مرتجم خذول ،مطبوعات أكادميية اململكة املغربية،
سلسلة "الندوات" الرتمجة العلمية ،ندوة جلنة اللغة العربية ألكادميية اململكة املغربية ،طنجة
12-11دجنرب.
املدالوي املنبهي ،حممد ( ،)2012رفع احلجاب عن مغمور الثقافة واآلداب؛ مع صياغة
لعروضي األمازيغية وامللحون ،جامعة حممد اخلامس ،منشورات املعهد اجلامعي للبحث
العلمي ،الرابط ،مطبعة كوثر برانت.
موانن ،جورج ( ،)1994املسائل النظرية يف الرتمجة ،ترمجة لطيف زينون ،دار املنتخب
العريب ،بريوت ،الطبعة األوىل.
الناصري ،أمحد بن خالد أبو العباس ( ،)2014االستقصا ألخبار دول املغرب األقصى،
حتقيق حممد السيد عثمان ،دار الكتب العلمية ،بريوت.
نيومارك ،بيرت ( ،)2002اجتاهات يف الرتمجة ،ترمجة حممد إمساعيل صيين ،جامعة امللك
سعود ،دار املريخ للنشر.
224
عرض وتقدمي:ترمجات معاين القرآن إىل األمازيغية
املراجع األجنبية:اثنيا
Basset, Herni (1920), Essai sur la littérature des Berbères, Ancienne Maison
Bastide – Jourdan, Éditeur J. Carbonel, Alger.
Kamel Chachoua, Radiographie de trois traductions du Coran en kabyle, Revue
des Mondes Musulmans et de la Méditerranée, Université de Provence, 2010,
Féminismes islamiques, 128, pp.231-245.
NAIT-ZERRAD, Kamal, Essai de Traduction Partielle du Coran en Berbère
(Vocabulaire Religieux et Néologie), Thèse de Doctorat, Institut National des
Langues et Civilisations Orientales, Paris, sous la direction de Salem CHAKER,
Mai 1996.
Naït-Zerrad, Kamal, Lexique religieux berbère et néologie : un essai de
traduction partielle du Coran, Milano: Centro studi camito-semitici:
Associazione culturale berbera in Italia, 1998.
Van Hoof, Henri (1991), Histoire de la traduction en occident, Editions
Duculot, Paris.
Sun, Min (2010), la traduction de la littérature québécoise en chine - état des
lieux et perspectives, thèse présentée à la Faculté des Etudes Supérieures de
l'Université Laval, Département de Langues, Linguistique et Traduction, Faculté
des Lettres Université Laval Québec.
املواقع اإللكرتونية:اثلثا
مالحظات على ترمجة معاين القران الكرمي إىل اللغة األمازيغية للحسن، اليزيد،الراضي
:جهادي
https://elyaziderradi.blogspot.com/2009/10/blog-post_08.html
Muhammad Hamidullah (1963), Le Saint Coran, Editeur Hadj mohamed
Noureddine Ben Mahmoud, Club Français du Livre.
http://www.lenoblecoran.fr/wp-content/uploads/Le-Saint-Coran-Traduction-
de-M.-Hamidullah-Version-originale-Fr-1959.pdf
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=16907&r=0
225
مجلة أسيناگ ،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-العدد السادس عشر ،2021،ص 233-227
ابلرغم من أن األمازيغ يعتربون من الشعوب السباقة إىل اخرتاع أجبدية خاصة للغتهم منذ
زمن قدمي يربو على ثالثني قران ،وتعلن مكتشفات حديثة عن أزمنة أبعد من ذلك ،فإن
األغلبية الساحقة من الناس اعتقدوا وما زال الكثري منهم يعتقدون أن األمازيغية لغة شفوية،
مل تعرف يف اترخيها الكتابة ،وما زال بعض الغموض يلف البداايت األوىل للكتابة عند
األمازيغ القدامى ،كما يلف اترخيهم كله .فلقد آثر قدماء الكتاب من األمازيغ أن ينتسبوا
للشعوب اليت ألّفوا بلغتها ،سواء كانت يواننية أو التينية يف القدمي أو كانت عربية بعد دخول
العربية إىل بالد األمازيغ بدخول االسالم.
وقد عين هؤالء كثريا برتاث الشعوب األخرى اليت امتحوا من تراثها وافتخروا بكوهنم أتقنوا
لغات تلك الشعوب .فها هو أبوليوس املادوري العامل والكاتب األمازيغي األصل -صاحب
احلمار الذهيب ،واملرافعة وغريها من املؤلفات اليت مل يصل إلينا منها إال القليل -يفتخر أبنه
بعد إتقانه اللغة اليواننية ،واعتمادا على نفسه ،أتقن اللغة الالتينية إىل درجة أنه ألف هبا كتبه
اليت وصلت إلينا ،وابلرغم من اعرتافه أبنه نوميدي جيتويل وأن ذلك ال يضريه وال ينقص من
قدره ،فإنه مل يشر ولو مرة واحدة إىل تراث بلده ،ومن ذلك اللغة.
إن األجبدية األمازيغية اليت أومأت إليها آنفاً ،كانت تسمى اخلط اللويب أو اللييب ،وهو
اخلط الذي تفرعت عنه أجبدية تيفيناغ احلالية .وقد انتشر هذا اخلط عرب البالد اليت استوطنها
األمازيغ واستمر وتطور عرب التاريخ أحياان .وإذا كان منحصراً كخط لكتابة اللغة األمازيغية
يف أقطار املغرب الكبري يف وقت ما ،فإنه ظل معموال به عند قبائل الطوارق األمازيغية ،حىت
اكتشفه األوروبيون يف العصر احلديث.
مل تصل إىل الباحثني يف عصران نصوص طويلة مكتوبة هبذه األجبدية ،ولكن عبارات
قصرية ،كأمساء األشخاص ،وشواهد القبور ،أو أبيات شعرية غرامية .وإذا كان بعض الباحثني
قد ذهب إىل أن هذا اخلط مستمد من اخلط البونيقي ،فإن األكثرية منهم يرون أنه اخرتاع
227
حممد أكوانض
حملي صرف ،ألنه وجد قبل وصول الفينيقيني إىل مشال إفريقيا ،كما وجد أحياان يف أماكن
بعيدة عن التأثري البونيقي ،زايدة على أن نقاط التشابه بني اخلطني ضعيفة.
وإذا أمكن للباحثني اليوم أن يتحدثوا عن اخلط اللويب بيقني ،فألنه وصل إلينا منقوشاً
على صخور صلدة صانته من عبث األيدي وتقلبات الزمن ،الشيء الذي مل يكن ممكناً
ابلنسبة للنصوص الطويلة اليت كانت تكتب عادة على مواد أقل مقاومة من الصخر .وهناك
إشارات اترخيية تؤيد أنه قد أبيدت أجزاء من هذا الرتاث املكتوب وأمهلت حىت فقدت أجزاء
أخرى منه ابألمازيغية عرب التاريخ .فقد وردت عبارة يف ثنااي كتاب "وصف إفريقيا" للكاتب
املعروف احلسن الوزان املشهور بليون اإلفريقي ،تؤيد ذلك إذ يقول" :ويف الوقت الذي كان
حكم إفريقيا بيد املبتدعة الفارين من خلفاء بغداد ،أمروا إبحراق مجيع كتب األفارقة املتعلقة
ابلتاريخ والعلوم ،متومهني أن اإلبقاء على هذه الكتب ،من شأنه أن يرتك األفارقة على خنوهتم
القدمية ويدعوهم إىل الثورة واالرتداد عن اإلسالم" (وصف إفريقيا ،ص.)70-69
ويتأكد ما ذهب إليه الوزان عندما نطرح السؤال عن مصري املؤلفات املكتوبة ابللغة
األمازيغية يف القرون املبكرة لدخول اإلسالم إىل بالد األمازيغ ،تلك املؤلفات اليت حتدث عن
بعض منها الكاتب التونسي عثمان الكعاك قائال" :ويف هذا العصر األول ،ألف مؤرخو
الرببر تصانيفهم يف الطبقات والسري ابلرببرية دون غريها ،إال أن هذه التصانيف قد ضاعت،
وإمنا اعتمدها من أتى بعد هؤالء فوضع كتب الطبقات والسري مثل :الوسياين والدرجيين
والشماخي والربادي .ويظهر أن هذا الطور األول يبتدئ من أوائل القرن الثاين وينتهي يف
أواخر القرن الثالث .والطور الثاين هو الطور العريب الرببري الذي يوافق ظهور احلكومة العربية
الرببرية مثل احلكومة الزيرية بتونس واحلمادية ابجلزائر ،ففي هذا العصر ،مجع الكتاب بني
اللغتني يف تصانيفهم .وهذا الطور يبتدئ من أوائل القرن الرابع وينتهي يف أوائل السادس.
والطور الثالث هو الطور العريب البحت ،فقد صنف أصحاب الطبقات والسري ابلعربية
دون غريها ،وإن أقحموا عدة مفردات بربرية بني السطور"( .الرببر ،ص ،49-48 :دار النشر
اتوالت) .وقد استمرت الكتابة ابللغة األمازيغية خاصة يف منطقة اتشلحيت إىل الوقت
الراهن ،وكانت ابحلرف العريب .وعندما أحدث املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ابملغرب،
اضطلع مبهمة حتقيق ونشر بعض هذه املؤلفات من قبيل :خمطوط سرية األكابر يف ذكر
بعض لغة الربابر ملؤلف جمهول ،والرتمجة األمازيغية للربدة لعبد هللا بن حيىي احلامدي ،ومها من
حتقيق أمحد املنادي ،مث ما قام به عمر أفا من حتقيق البعض اآلخر منها ون ْشره .وقد شرع يف
إجناز عمل مهم يتمثل يف جرد ملا هو مكتوب ابللغة األمازيغية ابحلرف العريب ،صدر منه
228
حوار امللف
اجلزء األول ،ضمن منشورات املعهد امللكي للثقافة األمازيغية حتت عنوان" :الدليل اجلذاذي
للمخطوطات والواثئق األمازيغية ،املصادر املكتوبة ابحلرف العريب يف منطقة سوس" .لكن
الكثري مما هو مؤلف ابللغة األمازيغية ابد أو أبيد ،أو ال يزال البعض منه يف أيدي من ال
يدركون أمهيته أو يضنّون ابلكشف عنه.
ولعل اجلائزة اليت يرصدها املعهد امللكي للثقافة األمازيغية للمخطوط األمازيغي قمينة أبن
تشجع من ميتلكون هذه املخطوطات على الكشف عنها .وإذا كان مستبعداً أن يعثر اليوم
عن الكتاب الديين للبورغواطيني ،ألن خصومهم يف العقيدة من املرابطني واملوحدين استأصلوا
تراثهم ،فلماذا مل تصل إلينا مؤلفات حممد بن تومرت مؤسس الدولة املوحدية ابلرغم من أن
مؤلفه ابللغة العربية "أعز ما يطلب" حمقق ومنشور؟
إن التأريخ للكتابة عند األمازيغ مشروع ضخم يقع على عاتق املثقفني املغاربيني مجيعهم،
ولعل صرح املغرب الكبري الذي حتلم به األجيال يتقوى إبجناز مثل هذه املشاريع اليت تؤكد
الرتابط والتالحم بني أقطاره.
.2يُالحظ يف الوقت الراهن أن الكتابة ابللغة األمازيغية مل تعد مقتصرة على اجلهود
الفردية للمبدعني والكتاب هبذه اللغة ،بل تطور األمر إىل اخنراط مجاعي يف
التجربة من خالل العمل املدِن بوصفه آلية حديثة من آليات عصرنة اجملال
تريا ،اليت رسخ قدمها
الثقايف ودمقرطته .ومبا أنكم من مؤسسي رابطة الكتاب ّ
يف سريورة نشر الكتاب ابللغة األمازيغية وتشجيع املبدعني هبا ،ما هي احليثيات
املعرفية لنشأة هذه التجربة املدنية ،وكيف ترون مستقبلها على ضوء املكتسبات
املتحققة والرهاانت املطروحة؟
إذا كانت جتربة الكتابة احلديثة ابألمازيغية تعود إىل األربعينيات من القرن املاضي يف
اجلزائر ،فإهنا مل تبدأ يف بلدان املغرب إال يف هناية الستينيات من نفس القرن ،عندما أتسست
اجلمعية املغربية للبحث والتبادل الثقايف يف الرابط ،فأصدرت أول نشرة داخلية حتت عنوان
"أراتن" ،مث تلتها كتاابت أخرى مثل الديوان الشعري األول الذي أصدرته اجلمعية للشاعر ّ
حممد مستاوي بعنوان "ئسكراف" ،مث حتقيق اجلزء األول من مؤلف أوزال املعنون
ب"احلوض" ،وقد توىل حتقيقه املرحوم اجلشتيمي .وقد دأبت اجلمعية على إثراء املكتبة
األمازيغية بنشر اإلبداعات ابللغة األمازيغية ،والدراسات حوهلا ابلعربية والفرنسية وأحياان
229
حممد أكوانض
ابألمازيغية ،وكانت أول مجعية أمازيغية اختذت هلا موقعاً يف املعرض الدويل للنشر والكتاب يف
الدار البيضاء.
اجتهت منظمة اتماينوت على العموم اجتاهاً آخر ،فقد عنيت ابجلانب احلقوقي ،فرتجم
األستاذ إدبلقاسم االعالن العاملي حلقوق اإلنسان إىل اللغة األمازيغية ،ووثيقة 169لألمم
املتحدة ،مث ترمجت مدونة األسرة كما سبق أن أشرت إىل ذلك ،مث األعراف األمازيغية ،هذا
جبانب إبداعات أخرى.
أما مجعية اجلامعة الصيفية أبكادير ،فقد اضطلعت بنشر الدراسات العلمية حول الثقافة
واحلضارة األمازيغية وكان هلا الفضل يف خلق التواصل بني املهتمني ابلثقافة األمازيغية ليس يف
املغرب فحسب ،ولكن يف أقطار املغرب الكبري ويف دول أورواب .يف هذا اجلو ،ظهرت
مبادرات فردية يف اإلبداع األديب األمازيغي يف كل مناطق املغرب ،من شعر وقصة ورواية...
بظهور املعهد امللكي للثقافة األمازيغية ،الذي يعترب استجابة ملطلب طاملا رفعته احلركة
األمازيغية ،فقد تطورت هذه الكتابة وانتقلت انتقاالً نوعياً ،حيث دخلت الكتابة إىل مرحلة
التأسيس الرمسي والفعلي هلذه الكتابةُ ،فر ّسم احلرف املؤهل للكتابة ،ووضعت املعاجم
املختلفة ،وضبطت القواعد االمالئية للكتابة ،مث مجعت ودونت أجزاء مهمة من الرتاث
الشفوي ،ووضعت الكتب املدرسية ،وأحدثت جوائز للثقافة األمازيغية بكل أشكاهلا ،ومنها
اإلبداع األديب...
يف هذه الظروف تولدت فكرة إنشاء كيان مجعوي يلم مشل من حيملون ه ّم اإلبداع ابللغة
األمازيغية ،وكان من دواعي ذلك:
.1الشعور أبنه آن األوان لكي تكون هنالك هيئة جتمع من سبق هلم أن أبدعوا هبذه اللغة،
بدل أن يشكلوا جزراً منقطعةً عن بعضها ،كل يبدع حسب طريقته اخلاصة.
.2طول انتظار حتقق إنشاء هيئة وطنية للكتاب ابألمازيغية بعد أن كان عدة مرات على
رأس جدول أعمال كثري من اجلمعيات ،وحلد اآلن ،ملا يتحقق بعد.
.3عدم قدرة اجلمعيات األمازيغية على مواكبة تطور الكتابة ابألمازيغية ،ألن هذه اجلمعيات
أخذت تنوء حتت ثقل مهماهتا املتعددة ،ومن ذلك اجلانب احلقوقي والرتافعي للقضية
األمازيغية ،فكان ال بد من هيئة أو هيئات جهوية للكتاب تستجيب ملتطلبات املرحلة.
.4العمل لتأسيس جتربة إبداعية حداثية تنفتح على األجناس األدبية احلديثة مثل القصة
واملسرح والرواية واملقالة اليت مل تكن معروفة يف األدب األمازيغي من قبل.
230
حوار امللف
.5التأسيس لكتابة متتح من األصالة األمازيغية العريقة وتستلهم رموزها الثقافية ،وبدل أن
تكون اتبعة للشرق أو الغرب ،تنفتح على التجارب الكونية يف اإلبداع األديب .فماذا
حققت هذه اهليئة من أهدافها إىل حدود اليوم؟
عملت ظروف مساعدة لصاحل اهليئة على أن حتقق جزءاً ال أبس به من مشاريعها الثقافية.
من ذلك:
– روح التضافر ونكران الذات لدى مسريي الرابطة وتغاضيهم عن اهلفوات البسيطة
من أجل أن يبقي اإلطار متماسكا فعاال.
– كوهنم مجيعا مبدعني ابللغة األمازيغية وممن محلوا هم الثقافة األمازيغية يف اإلطارات
السابقة.
– الدعم املادي واملعنوي خاصة من وزارة الثقافة ومن املعهد امللكي للثقافة األمازيغية،
من خالل دعمهما لطبع الكتاب األمازيغي الذي تنشره الرابطة ،ومن خالل اجلوائز
اليت متنح للكاتبات والكتاب الذين تنشر هلم الرابطة مما يشجعهم على مزيد من
املثابرة على اإلبداع والتجويد.
-االنفتاح على جامعة ابن زهر أبكادير من خالل شعبة اللغة األمازيغية وآداهبا بتنظيم
لقاءات أدبية مشرتكة ،وإنتاج منشورات مشرتكة بني أساتذة اجلامعة والناشطني يف الرابطة.
لقد وضعت الرابطة خمططا مرتابط احللقات من أجل حتقيق األهداف اليت رمستها ،وأبرزها
حتقيق تراكم يف جمال اإلبداع األديب ابللغة األمازيغية ،يتكون هذا املخطط من مخسة حماور:
.1تكوين الشباب يف جمال بعض األجناس األدبية النثرية ابخلصوص مثل القصة القصرية،
واملسرح والرواية واملقالة .ينقسم التكوين إىل حصتني ،يف األوىل يقدم اإلطار النظري،
وتعطى النماذج اجليدة املنجزة ابللغة األمازيغية ،وأحياانً ابللغات احلية .ويف احلصة الثانية
اليت أتيت بعد فرتة يقدم فيها املتكونون إبداعاهتم اليت يتكفل األستاذ املسؤول
بتصحيحها ،فتختار من بني اإلبداعات مناذج تنشر فيما بعد يف منشور خاص يتضمن
نصوصاً أخرى لكتاب سبق هلم أن كتبوا يف نفس اجلنس األديب.
.2التكوين يف جمال القواعد اإلمالئية لكتابة اللغة األمازيغية ،وهي القواعد اليت وضعها
اللسانيون ورمسها املعهد امللكي للثقافة األمازيغية وشعب الدراسات األمازيغية يف بعض
اجلامعات الوطنية .وهذا التكوين أساسي ،ألن أغلب الكتاب ابألمازيغية كانوا يكتبوهنا
بطرق خمتلفة.
231
حممد أكوانض
.3ختضع اإلبداعات اليت تتوىل نشرها الرابطة جملموعة من املعاجلات :منها القراءة األولية
لإلبداع للتأكد من صالحيته للنشر ،مث عملية التصحيح واملراجعة.
.4تنظيم لقاء سنوي يتمحور حول إحدى قضااي األدب األمازيغي ،يستدعى إليه ابحثون
من خمتلف جهات الوطن ،وحيضره املهتمون بقضااي األدب األمازيغي وخاصة املبدعني
منهم .وخالل اللقاء توزع اجلوائز على الذين فازوا يف املسابقة الوطنية يف اإلبداع
األمازيغي الذي دأبت الرابطة على تنظيمه منذ انطالقتها .وأهم ما يف اجلائزة طبع العمل
اإلبداعي للفائزين يف املسابقة ،مع هدية تتمثل يف جمموعة من الكتب اإلبداعية من
منشورات الرابطة.
.5إقامة معارض خمتلفة من أجل التعريف ابلكتاب األمازيغي وتقريبه من القارئ ،وهكذا
شاركت الرابطة يف كل دورات املعرض الدويل للنشر والكتاب الذي يقام سنواي يف الدار
البيضاء منذ نشأته ،ويف كل املعارض اجلهوية اليت تنظمها املندوبيات اجلهوية للثقافة،
ابستثناء املعرض األخري الذي أقيم يف مدينة طاطا .ويف كثري من معارض الكتاب اليت
تقام يف كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية جبامعة ابن زهر أبكادير.
.6تنظيم لقاءات قرائية نقدية يف األعمال اإلبداعية اليت تنشرها الرابطة حبيث ترتاوح بني
أربعة أو مخسة لقاءات يف السنة على األقل .جتمع املقاالت اليت يشارك هبا املتدخلون يف
هذه اللقاءات مع مداخالت األساتذة املشاركني يف اللقاءات السنوية للرابطة لتنشر فيما
بعد.
ومنذ سنة 2010إىل اليوم ،أي ما يقارب إحدى عشرة سنة ،أصبحت حصيلة منجزات
الرابطة كما يلي:
.1أحد عشر لقاء أدبياً وطنياً مع منح جوائز املسابقة األدبية ،ويف ثالثة منها ،مت تكرمي
بعض الرواد املبدعني يف هذه اجملاالت :القصة القصرية والنقد األديب وأدب الطفل؛
.2تسعة لقاءات تكوينية يف تقنيات كتابة القصة القصرية واملقالة األدبية ،والنص
املسرحي؛
مثانية لقاءات تكوينية يف جمال القواعد اإلمالئية لكتابة اللغة األمازيغية؛ .3
عدة لقاءات يف القراءة النقدية يف األعمال اإلبداعية اليت نشرهتا الرابطة؛ .4
نشر 208كتاب إبداعي يف خمتلف األجناس األدبية ،توزعت هكذا: .5
232
حوار امللف
و8 أ 94 -جمموعة قصصية 71 ،منها إبداع فردي ،و 11جمموعة موجهة للطفل،
جمموعات اشرتك يف إبداعها ،و 4جمموعات مرتمجة من األدب العاملي؛
إبداع و3 منها إبداع فردي ،و 3موجهة للطفل، 43 ديواان شعراي، 49 ب-
مجاعي؛
ج 32 -رواية 25 ،منها إبداع فردي ،و 7رواايت مرتمجة من األدب العاملي؛
موجهان و2 نصوص مرتمجة، و7 منها إبداع فردي، 11 نصاً مسرحياً، 20 د-
للطفل؛
هـ 4 -جمموعات من املقاالت النقدية؛
و 3 -جمموعات من املقاالت األدبية اشرتك يف إبداعها؛
ز 3 -حكاايت 1 ،مدونة ،و 2مرتمجتان؛
إضافة إىل ذلك ،هناك ترمجة كتاب "النيب" للكاتب اللبناين جربان خليل جربان ،وترمجة
كتاب "كليلة ودمنة".
ساهم يف إبداع هذه احلصيلة 73كاتبا ،و 21كاتبة ،األغلبية الساحقة منهم من الشباب.
ال بد من اإلشارة إىل أنه جبانب هذه االجنازات ،مشروعات أخرى مل توفق الرابطة أو ملا
توفق يف إجنازها ،منها أن يكون هلا مقر ملمتلكاهتا خاصة الكتب ،ومنها إصدار جملة أدبية،
وتنظيم معرض للكتاب األمازيغي على الصعيد املغاريب يف أكادير ،وتنظيم جائزة لتشجيع
قراءة األدب األمازيغي ...
233
متنوعات
258-237 ص،2021، العدد السادس عشر،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-مجلة أسيناگ
In the period extending between 1912 and 1956, the French protectorate
administration in Morocco was interested in the question of indigenous
management among other things. To achieve the best indigenous management
possible, it relied on a vision whose central thrust is the assimilation of the
human factor in an overall colonial project. The French protectorate realized
that the submission of the population both militarily and politically is the prelude
to the domination of the indigenous space. Indeed, this concept prompted colonial
France to produce a management policy that targets man and his space. This is
how the Berber policy appeared, a policy which centers on cultural infiltration,
ethnic polarization and the generation of dispersion between the different
components of Moroccan society. This policy was followed to persuade the
Moroccans to doubt their national identity. In this paper, we shall address the
French protectorate policy with regard to Berber along two levels: The first level
is meant to evince the importance of Berber policy in the French thought as
illustrated by writings of the colonial era. The second is an approach to the
conceptual device which evinces this Berber policy and which allows its
activation on the ground by spreading the factors of dissension and congestion in
Moroccan tribal society.
237
منعم بوعمالت
de gestion qui vise l’homme et son espace. C’est ainsi que « la politique
berbère » voit le jour, et qui a pour objectif essentiel l’infiltration culturelle, la
polarisation ethnique et l’engendrement de la dispersion entre les composants de
la société marocaine. Tout cela a été instauré afin de persuader l’homme
marocain à douter de son identité nationale. A partir de là, nous allons exposer
les principaux piliers de « la politique berbère » au Maroc du protectorat
français, et ce à deux niveaux. Le premier, en démontrant la place primordiale de
la « politique berbère » dans la pensée française illustrée par des écrits de l’ère
coloniale. Le second est une approche du dispositif conceptuel qui véhicule cette
politique berbère et qui permet son activation sur le terrain en répandant les
facteurs de dissensions, de congestion dans la société tribale marocaine.
238
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
تقدمي
1830 منذ أن تزايدت أطماع الفرنسيني يف املغرب ،وخاصة بعد احتالهلم للجزائر سنة
وانتصارهم على املغاربة يف معركة إيسلي سنة ،1844وهم جيتهدون يف وضع إسرتاتيجيات
هتدف إىل التحكم يف اإلنسان واجملال .ولعل ذلك ،ما دفع اإلدارة االستعمارية ،إىل فتح
الباب أمام ابحثيها لدراسة اجملتمع املغريب تفكيكا وحتليال .ومن هؤالء الباحثني ،نذكر على
سبيل املثال ال احلصر؛ "شارل دو فوكو" وكتابه "التعرف على املغرب ،1"1884 -1883و
"أوغست مو ِّلرياس" يف مؤلفه "املغرب اجملهول" ،2و"إدموند دويت" وإصداره "مهام يف املغرب:
يف القبائل" ،3و"روبري مونطاين" ،ودراسته "الرببر واملخزن يف جنوب املغرب" ،4و"ميشو بلري"
الذي شغل منصب رئيس قسم السوسيولوجيا مبصلحة الشؤون األهلية ،وقد سبق له أن
حتدث يف "ندوة منظمة لفائدة األقسام التحضريية للشؤون األهلية" ،5عن ميكانيزمات
التدبري األهلي يف املغرب ،مبينا اآلليات املفصلية هلذا النسيج االجتماعي ،وكيفية استيعابه
هبدف السيطرة عليه .لقد شكل هؤالء وغريهم ،أداة معرفية هيأت للحماية الفرنسية،
األرضية العملية للتحكم واالستغالل ،عرب املسامهة يف إنتاج نظرايت استعمارية من
قبيل":السياسة اإلسالمية" و"السياسة األهلية" ،والسياسة القائدية" ،و"السياسة الرببرية".
ليس القصد هنا ،أن حنلل كل سياسة على حدة ،وإن كانت كلها تصب يف خانة سعي
سلطة االحتالل الفرنسي إىل التدخل املباشر يف تنظيم شؤون األهايل .بل إن مسعاان ،هو
الوقوف عند ما نعتربه حجر األساس يف األدبيات االستعمارية الفرنسية يف بالد املغرب؛ أال
وهي "السياسة الرببرية" ،اليت ارتكزت عليها احلماية يف حماولة منها لشق البنية العالئقية
املتماسكة للمغاربة .صحيح ،أن التشريعات الفرنسية مل تتحدث عن هذا املفهوم .وذلك ألن
"السياسة الربيرية" ،هي جزء من اإلطار املرجعي املسمى ابلسياسة األهلية .واليت قامت،
على ضرورة مراعاة خصوصيات وتقاليد املستعمرات .6كما أن العديد من الكتاابت
1
)(De Foucauld (CH), 1888
2
)(Mouliéras (A), 1895
3
)(Doutté (E), 1914
4
)(Montagne (R), 1930
5
)(Michaux (B), 1927
( 6احساين ،2005 ،ص)217 .
239
منعم بوعمالت
االستعمارية ،حتدثت عن هذه السياسة نصا كوسيلة لتثبيت احلماية يف املناطق األمازيغية،
وكممارسة للسيطرة والتحكم يف اإلنسان األمازيغي.7
من هنا ،تربز أمهية مقاربة هذه السياسة زمن احلماية الفرنسية ،سواء على مستوى التصور
النظري ،أو على مستوى حتديد مسات اخلطاب املعتمد يف امليدان .ومن أجل الوصول إىل
هذه الغاية ،سنشتغل ضمن حمددات تضبط إطار هذه الدراسة وتتمثل يف:
-إن تعامل فرنسا مع األمازيغ ينطلق من مبدأ "فرق تسد" ،فهي تدعي عدم جتانس
الرتكيبة السكانية للمجتمع املغريب .ومن مثة ،تسمح للفاعلني املنفذين على أرض
الواقع ،ابلتسرب إىل مكون معني ضمن هذا اجملتمع وهم األمازيغ ،وحتسيسهم
بوجود اختالفات تفصلهم عن املكوانت األخرى خاصة العرب منهم.
-إن هذه السياسة تعتمد على شبكة من املفاهيم ،تتفاعل فيما بينها لتشكل ما ميكن
أن نسميه نسقا ،تتحدد وظيفته املركزية يف كبح أي اندماج أو ترابط بني مكوانت
اجملتمع املغريب .وتسعى جاهدة ،إىل طرح بذور التشكيك وغياب الثقة بني أفراد
الوطن الواحد.
انطالقا من هذا التصور ،حرصنا على تناول املوضوع يف قسمني؛ قسم أول ،يستعرض
بعض املالحظات حول سياسة فرنسا اجتاه األمازيغ ،وإسقاطاهتا يف القطاعات الدينية
واالجتماعية والسياسية .القسم الثاين ،ينكب على تتبع أهم املفاهيم اليت تصوغ هذا الفكر
االستعماري والذي يشكل يف جممله" ،كتلة" يتم استحضارها لتفعيل املشروع الفرنسي وسط
األهايل.
أوال :مالحظات حول "السياسة الرببرية" يف الفكر الفرنسي االستعماري:
شكلت هذه السياسة ،املوجهة إىل السكان املغاربة األمازيغ أساسا ،آلية حمورية لتفتيت
اجملتمع املغريب خالل فرتة احلماية الفرنسية .وقد قامت ،على احرتام العادات والتقاليد صوراي،
والعمل على تناسقها مع اإلصالحات اإلدارية والسياسية اليت تقوم هبا اإلدارة الفرنسية،
واحلرص على حل مجيع املشاكل اخلاصة ابألحوال الشخصية (اإلرث) ،أو املعامالت
التجارية (بيع وشراء العقار) ،وخمتلف النزاعات عن طريق العرف .8يتضح من ثنااي هذا
التصور املبسط ،أن هناك رغبة فرنسية يف خلق ازدواجية داخل اجملتمع املغريب ،من خالل
التدبري عرب العرف لشؤون فئة معينة من السكان ممثلة يف األمازيغ" .إذ العرف عند الرببر ،هو
7
(Marty (P), 1925). (LeGlay (M), 1920-1921).
8
)(Ageron (Ch.R), 1971, p. 57
240
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
الذي يسوس مجيع معامالت احلياة املدنية" .9وتربز أمهية هذا اإلجراء الفرنسي ،يف توسيع
دائرة اختصاص القضاء "غري الديين" للقواد والباشوات ،على اعتبار "أن املتقاضني حيبذون
القضاء املخزين املرن والسريع ،أكثر من القضاء الشرعي" .10إضافة إىل تكريس وأتكيد
سلطة املؤسسات العرفية "الرببرية" يف القبائل املغربية ،فإن فرنسا كانت حريصة على عدم
إلزام األمازيغ ال ابإلدارة املخزنية ،وال ابلقانون املدين الفرنسي .11إهنا الثغرة ،اليت اخرتقت
منها سلطات االحتالل جسم اجملتمع املغريب ،فتمت هلا السيطرة على الوضع القضائي لدى
املغاربة ،بتحفيز وتشجيع القضاء املخزين "املرن" ،واستبعاد وجتاوز القضاء الشرعي
"املتعصب" يف رأيهم ،واستقطاب واحتضان القضاء العريف الذي بلغ ذروته مع "الظهري
الرببري".
إن البحث يف بعض مالمح "السياسة الرببرية" ،يقودان إىل الرغبة الفرنسية االستعمارية يف
إذكاء اخلالف واالنقسام بني األمازيغي والعريب ،ابلقول مثال "إن إسالم الرببر ال يتعدى
الطقوس وحركات اجلوارح" .12والقول أحياان أخرى" ،إن اإلسالم وجد الرببر متدينني
ابلنصرانية ،وأن العرب أكرهوهم على اعتناق اإلسالم" .13واالسرتسال ،يف احلديث عن
"خصوصية لدى السكان الرببر" .14واعتبار أهنم ،وهم الذين يشكلون أساس السكان
األ هليني" ،متوحشون ،مشاغبون ،غري خاضعني ،يعيشون يف جبال األطلس الصعبة البلوغ،
مستقلون عن السلطة املركزية" .15مل تبخل احلماية يف أدبياهتا االستعمارية ،عن اإلشارة دوما
إىل أن "الرببر عصاة" .كما أن مسؤويل احلماية ،غالبا ما يعتمدون أسلوب التقليل من شأهنم
هبذا الوصف "إن بربر األطلس رعاة" .16صحيح أن هذه األوصاف ،ال صلة هلا بقاموس
ِّ
املستعمرة .إال أن اللجوء إىل هذا املعجم التحقريي، احلداثة الذي يفرتض أن تتبناه فرنسا
كان من أجل هتميش األهايل .فما هو الرابط الذي جيمع بني هذه اإلدعاءات االستعمارية؟
9
)(Dumas (P), 1922, p. 19
10
)(Hardy (G), 1922, p. 195
11
Ibid., p. 197
( 12العروي .2009 ،ص)590 .
( 13بنعدادة.2003 ،ص)187 .
14
)(Michaux(B), 1927, p. 4
15
)(Sainte-Beuve, 1903, p. 34
16
)(Guillaume (Général), 1946, p. 32
241
منعم بوعمالت
مل تكن "السياسة الرببرية" انبعة من فراغ ،بل أسست هلا كتاابت سياسية وسوسيولوجية،
وأحباث يف شىت مناحي احلياة املغربية .إذا نظران إىل هذه الكتاابت ذات النزعة الكولونيالية،
سنجدها تتوزع على حماور ثالثة:
أ -مراجع مرتبطة ابلظاهرة االستعمارية يف املغرب ومنها :كتاب "التعرف على
املغرب "1884-1883لصاحبه "شارل دوفوكو" .وهو عبارة ،عن رحلة استكشافية قادته إىل
العديد من املناطق يف البالد .كانت خالصتها ،هي تقدمي تشخيص دقيق ملختلف األماكن
اليت مر منها ،يف اجلوانب العمرانية واجملتمعية والسياسية واجلغرافية وغريها .فساهم بذلك ،يف
إنشاء رصيد معلومايت للمشروع االستعماري الفرنسي ابملغرب .وضمن نفس االهتمام،
يتناول كتاب "مهام يف املغرب يف القبائل" ،مشاهدات "إدمون دويت" ،عامل االجتماع ،يف
رحلته ما بني مراكش وفاس .متحداث ،عن العادات والتقاليد واألصول والطقوس االحتفالية
واجلنائزية .واليت شكلت ،مدخال للمستعمر الفرنسي إلرساء اسرتاتيجية للتدبري والتنظيم يف
أوساط األمازيغ خصوصا.
ومن منظور آخر ،يقدم كتاب "املسألة املغربية دراسة جغرافية ،سياسية وعسكرية" ملؤ ِّلفه
"سانت بوف" صورة عامة لوضعية املغرب قبل احلماية .يضم املؤلّف ،حديثا عن السياسة
األوروبية اجتاه املغرب .قبل أن ينتقل الكاتب ،لرصد العالقة الفرنسية املغربية وتطورها منذ
سنة 1870إىل غاية احتالل توات سنة .1900وبنفس التوجه ،يقدم "إرنست فالوت" يف
كتابه "احلل الفرنسي ملسألة املغرب" ،17قراءة يف وضعية البالد جغرافيا وسكانيا ودينيا.
ويضم الكتاب ،وصفا مهما للمدن الرئيسية ،وهيكلة املخزن ،واالمكانيات االقتصادية اليت
تتوفر عليها البالد .وألن الكتاب ،تزامن صدوره مع أجواء الصراع االستعماري الفرنسي
االجنليزي سنة ، 1904فقد تضمن فصال عن اهتمامات االجنليز يف املغرب ،يف مقابل
الطموحات الفرنسية مقدما حلوال "للمسألة املغربية".
ووفق ذلك ،أييت كتاب "مبادئ االستعمار والتشريع االستعماري"" 18ألرثر جريو" ،بقراءة
قانونية ملسألة االستعمار ،واصفا العناصر الرئيسية للتشريع االستعماري ،يف جمرى حتليلي
يعتمد املقارنة بني خمتلف التجارب االستعمارية .إهنا حماولة من الكاتب ،لتحديد
االختالفات ،وفهم ال توجهات .مؤكدا على أن نوع االستعمار ،هو الذي حيدد اخليارات
17
)(Ernest (F), 1904
18
()Girault (A), 1904
242
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
املؤسساتية والنماذج القانونية املعتمدة .أما كتاب "مغرب احلماية" ،19فسعى فيه "رجينالد
كان" أن يظهر تفوق فرنسا يف املغرب عرب إبراز إجنازاهتا يف ثالثة مستوايت وهي :مسار
عمليات التهدئة ،وتنظيمات ومهام احلماية ،والعناصر املسامهة يف تطور املغرب (موانئ،
خطوط االتصال ،سياحة.)...،
ويبقى كتاب "هنضة املغرب عشر سنوات من احلماية ،"1922-1912من أهم الكتاابت
ذات الطابع الدعائي .حيث حرص جمموعة من املؤلفني ،على مقاربة مواضيع يف التاريخ
واجلغرافيا والدين ومؤسسات احلماية واملخزن والتهدئة والقضاء والصحة وغريها من اجملاالت،
واليت تظهر "النهضة" اليت حققها املغرب زمن احلماية الفرنسية .يف املقابل ،يعترب كتاب
"املغرب يف مواجهة االمربايليات 20"1956-1415من الكتاابت املهمة اليت غطت فرتة
حامسة من اتريخ املغرب .إذ وثق فيها "شارل أندري جوليان" ،ردود فعل املغاربة اجتاه القوى
االمربايلية اليت مارست ضغوطا كبرية ومتنوعة على املخزن ،من أجل إخضاعه والنيل من
سيادته.
ب -دراسات مرتبطة بسياسة فرنسا األهلية :وعلى رأسها حماضرة "ميشو بلري"
الذي حتدث يف "ندوة منظمة لفائدة األقسام التحضريية للشؤون األهلية" ،عن ماهية
السياسة األهلية وأدوارها يف خدمة املشروع الفرنسي ابملغرب .ابعتباره ،أحد منظريها
ومنتجي سياستها على أرض الواقع .لقد أكد الكاتب هذه اخلالصة ،يف مستهل حماضرته
ابإلشارة إىل أن "السياسة األهلية كموضوع ،شكلت منذ سنوات اهلدف النهائي جلميع
أحباثه املغربية" .ويتقاطع كتاب "السياسة األهلية يف املغرب"" 21لبيري ابرون" ،مع حماضرة
"ميشو بلري"يف مقاربة موضوع التدبري األهلي عرب رؤية قوامها؛ احلفاظ على العادات،
واحلفاظ على النظام يف القبائل ،واحلفاظ على االبتسامة بتعبري اجلنرال "ليوطي" .وعلى هذا
األساس ،حيل ل الكاتب إبسهاب عميق اجلوانب احلياتية للمجتمع املغريب ،وكيفية التعامل
والسيطرة عليها.
أما كتاب" ،غزو املغرب املسألة األهلية" 22فيتضمن إشارات قوية ملسألة التدبري األهلي.
فبعد أن تطرق "روين ميليت" ،لبداايت غزو فرنسا للمغرب ،وأجواء التفاوض مع أملانيا
واسبانيا .سينتقل ،إىل تتبع الوضع الداخلي للبالد .موضحا السياسة اليت اعتمدها اجلنرال
19
()Kann (R), 1921
20
()Julien (Ch.A.), 1978
21
) ))Parent (P), )n.d.
22
)(Millet (R), 1913
243
منعم بوعمالت
"ليوطي" ،والعمل الكبري الذي أجنزه .واحلديث هنا ،عن "املسألة األهلية" اليت تناوهلا الكاتب
ليس يف املغرب فقط ،بل يف اجلزائر وتونس كذلك متسائال هل كان أهايل إفريقيا ضحااي؟
مربزا ،تطلعاهتم للمستقبل.
ت -أحباث مرتبطة بسياسة فرنسا "الرببرية" ،ويف هذا السياق يعترب كتاب "الرببر
واملخزن يف جنوب املغرب" "لروبري مونطاين" ،من بني الدراسات اإلثنوغرافية املهمة للقبائل
األمازيغية مبنطقة سوس ،وجمموع التحوالت السياسة اليت عرفتها هذه القبائل يف عالقتها مع
السلطة املركزية .عالقة ،أظهر فيها الكاتب املخزن كأنه "عدو للقبيلة بسعيه إىل حتطيم
مؤسساهتا سواء ابختالق األمغارات ،أو من خالل زرع ورعاية أسباب الشقاق بني الوحدات
التقليدية" .23وبنفس املنطق ،يف دراسة موضوع األمازيغ ابملغرب .يطرح "فكتور بكيه" يف
كتابه "الشعب املغريب الكتلة الرببرية" ،تصوراته لتفعيل "السياسة الرببرية" عرب خطوات
إجرائية منها":احلرص على افتعال صراع دائم بني العرب واألمازيغ ،والعمل على شرعنة
األعراف والتقاليد األمازيغية وجعلها تتوافق وتوجهات "السياسة الرببرية" ،إضافة إىل إطالق
سياسة تعليمية تتطابق وسياسة اإلحلاق اليت تتبناها مؤسسة احلماية".24
أييت كتاب "الرببر املغاربة وهتدئة األطلس املتوسط "1933-1912للجنرال "كيوم" ،ليتوج
عمل مفكري االستعمار الفرنسي ابملغرب .يركز هذا املؤلف ،على عمليات التهدئة ابألطلس
املتوسط والصعوابت اليت واجهت تقدم اجليش الفرنسي يف جمال جغرايف صعب .يف املقابل،
يقدم توجيهات لكيفية التعامل مع العنصر األمازيغي عرب مصلحة الشؤون األهلية .وهو ما
يوضحه ،بشكل جلي "موريس لوكلي" يف مقاله "املد الرببري اجلندي املغريب" ،25والذي
يناقش فيه "املسألة الرببرية" "منتقدا اسرتاتيجية املقيم العام "ليوطي" يف تدبري هذا الشأن.
ومقرتحا ،استيعاب اجلندي املغريب ضمن املؤسسة العسكرية الفرنسية" .هي دعوة
لالستيعاب ،سيحرص "شارل روبري أجريون" على حتليلها يف مقاله املعنون "ابلسياسة الرببرية
يف مغرب احلماية "1934-1913ابستعراض مفهومها .حيث اعتربها امتدادا "للسياسة
القبائلية" ابجلزائر .وقد قسم الكاتب مقاله إىل قسمني؛ قسم أول يتضمن رصدا جملموع
التمثالت اخلاصة ابإلنسان األمازيغي ،واليت على أساسها مت وضع هذه السياسة .وقسم
244
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
اثين ،يقدم كرونولوجيا تقعيد "السياسة الرببرية" منذ سنة 1913إىل سنة 1930اتريخ صدور
"الظهري الرببري".
انطالقا من توضيحنا للفروقات بني خمتلف الكتاابت االستعمارية اليت اعتمدان عليها،
نقول إن االستنتاجات تكاد تكون واضحة .فأغلب األحكام اجلاهزة اليت أصدرهتا هذه
الدراسات ،انبعة يف اعتقادان من رغبة كامنة يف العقل الفرنسي لتشويه صورة اإلنسان
األمازيغي ،وبث التعارض والفرقة بينه وبني اإلنسان العريب .فاحلديث عن "الرببر" كرعاة،
وعصاة ومتوحشني ومشاغبني ويعيشون يف شقاء...خيدم هذا التوجه ،خبلق نوع من
االختالف ،أو لنقل نوع من التمييز بني الطرفني ،ينتهي يف املنظور االستعماري ،إبقصاء
طرف على حساب طرف آخر ،أو على األقل ،تفضيل طرف على حساب اآلخر.
وإذا ما حاولنا االنتقال إىل مستوى أعمق يف التحليل ،نقول إن هذه الكتاابت تنطوي
على قاعدة إحداث انقالب يف البنية اجملتمعية املغربية يف خمتلف مستوايهتا .بدءا وأساسا
ابجلانب الديين ،مع ما حيتويه هذا اجلانب من محولة إميانية ومساوية مقدسة؛ مرورا ابجلانب
االجتماعي ،وما يضمه من معطيات اللغة والعادات والثقافة عموما؛ وصوال إىل اجلانب
السياسي ،وما ميلك من مرجعية احلكم والسلطة.
إن التدقيق يف تقاطعات هذه املستوايت ،وأتثريها على اإلنسان املغريب ،يدفعنا إىل تبين
استنتاج مفاده؛ أن مقاصد "السياسة الرببرية" هي تكسري وحدة اإلنسان املغريب ،بضربه يف
صميم كينونته ،إن صح التعبري .ففي اجلانب الديين ،جند أنه من مجلة ما استهدفته السياسة
الرببرية هو إقامة حواجز نفسية بني األمازيغي والعريب ،ابلتشكيك يف إسالم األول ،واهتام
الثاين بفرض "دينه" ابلقوة على اآلخر .وغاية احلماية ،هي إحداث توتر بني الطرفني،
ابستغالل مرجعيتني خمتلفتني :عربية إسالمية ،وأمازيغية عُرفية.
ويف اجلانب االجتماعي ،ترمي "السياسة الرببرية" إىل أتكيد االختالف اللغوي ،وترسيخ
التباعد الثقايف مبا هو عادات وتقاليد ،للوصول إىل إحداث شرخ يف البنية اجملتمعية املغربية،
يكون مقدمة إلحداث فجوة بني مكوانت الشعب املغريب .وهنا ،حتضر أمامنا الرتكيبة اللغوية
كعامل يف أتجيج الصراع ،بني لسان عريب ولسان أمازيغي ،ليفسح اجملال للسان الفرنسي
للهيمنة .يقول مدير قطاع التعليم زمن احلماية "هاردي" :جيب منح األهايل الوسائل للعيش
يف جو العامل املعاصر ،وتطوير نشاطهم واكتساهبم للصيغ واآلليات اليت تسمح ابحلصول على
245
منعم بوعمالت
فوائد ضرورية ،كل هذا يف إطار احلفاظ على فكرهم وعاداهتم كما حيلو هلم .إنعاش بدون
استئصال ،تنوير بدون ضياع ،وجعلهم يشعرون أبننا نريد مصلحتهم".26
أما يف اجلانب السياسي ،فتبتغي "السياسة الرببرية" تصوير اإلنسان األمازيغي على أنه
متوحش ،مشاغب ،غري متحضر ،مستقل عن السلطة املركزية ،ويرفض االنصياع هلا معتربا
قبيلته هي وطنه .27وهذا ما يؤكده "سانت بوف" بقوله" :إن وطن املغريب ،هي قبيلته اليت
هي حدود شعوره التضامين ،إذ إن خارج عشريته ال يرى إال االختالف واألعداء .من هنا،
جاءت هذه االنتفاضات كتعبري عن رفضه املساس ابستقالليته أو حثه على املسامهة يف دفع
عرب "جرمان عياش" عن رفضه هلذه القراءة الضرائب ويف تسيري دواليب الدولة " .لقد ّ
28
بقوله" :إن إعادة نقل صورة املغرب بنقيضيه بالد املخزن وبالد السيبة ،من الكتاابت
االستعمارية إىل الكتاابت التارخيية احلديثة ،يشكل عائقا أمام تقدم البحث".29
وعموما ،فالتصور الفرنسي "للسياسة الرببرية" ،ينبع من دراسة متعددة ملختلف جوانب
اجملتمع املغريب ،قبل الوصول إىل تصريف نتائج هذه الدراسة يف شكل هيمنة على أرض
الواقع ،عرب سياسة "أبوية وصارمة" بتعبري "رجينالد كان" ،30و"مبرونة متكن من التكيف مع
عدد ال حمدود من الوضعيات املختلفة والطبائع" ،حسب "أرثور جريولت" .31وهذا ما
يوضحه "دانييل ريفي" بقوله" :يف معظم األحيان ،يعتمد ضباطنا وجنودان فيما بينهم الطرق
احلياتية اخلاصة ابألهايل؛ قلة احلركات ،السالم بتقبيل اإلهبام ،التعود على اجللوس القرفصاء
وملدة طويلة ،والتحرك بوقار وعزة نفس ،كما أننا مسحنا بتقبيل اليد" .32إهنا سلوكات ،حتاول
أن تنخرط يف صلب النسيج االجتماعي األمازيغي .من خالل االنتماء للسكان ،وحماولة
التموضع إىل جانبهم للوصول يف النهاية إىل تشريح احلقل القبلي األمازيغي .إذن ،فالفكرة
األساسية اليت ال ينبغي أن تغيب عن أذهاننا يف هذا التحليل ،هي أن "السياسة الرببرية"
26
)(Hardy (G), 1922, p. 203
27مل تسلم كتاابت بعض مؤرخي القرن 19من املغاربة من مثل هذه التوصيفات ،من ذلك ما جنده عند حممد أكنسوس،
وأبو القاسم الزاايين ،وحممد املشريف ،وعلى وجه اخلصوص ،أمحد الناصري (أنظر كتاب االستقصا ،اجلزء ،7ص،68 :
183 ،180 ،175-173 ،146واجلزء ،8ص ،152 ،80 :و ،123منشورات وزارة الثقافة واالتصال( )2001 ،هيئة
التحرير).
28
)(Sainte-Beuve, 1903, p. 37
) 29جرمان ،1986 ،ص )146
30
()Kann (R), 1921, p. 53
31
()Girault (A), 1904, p. 638
32
()Rivet (D), 1988, p.53-54
246
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
ترادف وتكافئ مفهوم التفرقة ،املبنية على الصرامة أحياان ،واملرونة يف أحيان أخرى ،تبعا
لوضعية القبيلة املستهدفة.
ومم ا يلفت االنتباه يف هذا السياق ،هو االقتناع التام للكتاب الفرنسيني بعدالة املشروع
االستعماري يف املغرب ،وأبمهية السياسات املرتبطة به ،وعلى رأسها "السياسة الرببرية" ،يف
مساعدة البالد على النهوض والتقدم .وهذا واضح مثال ،فيما أورده الكاتب الفرنسي "بيري
ابرون" يف مؤلفه "السياسة األهلية يف املغرب" ابلقول" :إن لفرنسا اليت استقرت يف املغرب
واجبات وحقوق ،ال يهمين إذا كان جميئها عن حق أو ابطل ،فأان أتصور الوقائع فقط ،إذ ال
ميكن أن نغري احلاضر ابنتقادان املاضي .وجدت فرنسا هنا شعبا له حسنات صلبة ،وكثريا من
األخطاء ،فتحملت مسؤوليته".33
لسنا يف حاجة ،ملناقشة املنطق الذي يتحدث به هذا الكاتب عن االحتالل الفرنسي
للمغرب ،حماوال القفز عن جرم الغزو ،الذي يصوره أمرا واقعا ،والذي جترمه كل القوانني
الدولية وترفضه كل الشعوب ،إىل حديثه عن الواجب واحلق واملسؤولية الفرنسية اجتاه شعب
مليء ابألخطاء.
خنتم القسم األول من هذا العمل ،مبحاولة عقد مقارنة بسيطة بني ما أوردانه من
مالحظات حول "السياسة الرببرية" يف املغرب ،واملمارسة الفرنسية هلذه السياسة يف اجلزائر.
يف هذا السياق ،ميكن أن نستعرض التجربة الفرنسية ابجلزائر من خالل االستعانة بنموذجني
من الكتاابت االستعمارية .والبداية ،مع كتاب "استعمار اجلزائر" لصاحبه "أونفنتان" الذي
يكشف فيه عن التوجه الفرنسي يف التعامل مع القبائل اجلزائرية قائال" :إننا غزوان ،فينبغي
علينا تدبري غزوتنا...إنه واجب وضرورة ابلنسبة للسلطة الفرنسية ،أن تنظم وحتكم وتدير
القبائل اخلاضعة" .34ومنطق هذا التدبري ،يقتضي "العمل على حل هذه القبائل ،وتقسيمها
إىل فرق مستقلة عن بعضها ،حبيث ال ينبغي أن نؤسس ال شيخا وال قائدا كبريين .علينا ،أن
نعطي لكل فرقة تنظيما مستقال وربطها ابستعجال ابلسلطة الفرنسية" .35ويف ضوء هذا
التوجه ،يطرح "إرنست مريسيي" يف كتابه "املسألة األهلية يف اجلزائر" تصوره للتعامل مع
القبائل يف اجلزائر ابلقول":أهنا غري انضجة ملمارسة النظام الدميوقراطي ،فهم ال يعرفون إال
احلكم االستبدادي .وهم يف حاجة إىل الشعور أبهنم حمكومون بسلطة عليا ال ميكن الوصول
33
))Parent (P), )n.d.), p. 6
34
()Enfantin, 1873, p. 336
35
Ibid., p.384
247
منعم بوعمالت
إليها" .36ويشدد الكاتب ،يف أحد مقاطع كتابه ،على أنه "من الصعب الكشف عن
تفكريهم ،واحلصول منهم على شيء من الثقة إال إذا تكلمنا لغتهم ،واعتمدان شكال أفكارهم
الستدراجهم لالنكشاف لنا".37
يتضح من خالل هذه اآلراء ،أن هناك نزوعا فرنسيا حنو تقمص دور الوصي على األهايل
عموما واألمازيغ يف املناطق القبلية خصوصا .إهنا رغبة ،يف تغيري وضع ،وجتاوز واقع ،وإرساء
منظومة فكرية تستمد خطاهبا من مفردات؛ التقسيم والتحطيم ،واالستبداد ،واالستدراج.
وعليه ،نستنتج أن هناك تطابقا إىل حد كبري بني الرؤية الفرنسية يف التعاطي مع األمازيغ
يف املغرب ،ونظريهتا يف اجلزائر .وهذا ما أكدته بعض الكتاابت االستعمارية ،عندما اعتربت
"السياسة الرببرية" امتدادا "للسياسة القبائلية" يف اجلزائر .38وهو ما عرب عنه أيضا ابحثون
مغاربة ،ومنهم عبد هللا العروي بقوله ":اكتسبت اإلدارة الفرنسية يف اجلزائر جتربة واسعة
وظفتها يف تونس مث املغرب" .39ويضيف عبد احلميد احساين قائال" :شعرت اإلقامة العامة
إبمكانية استغالل االختالفات بني "العرب" و"الرببر" .وعملت لذلك على ما مسي ابلكتلة
الرببرية الوسطى ،على تطبيق سياسة بربرية تذكر مببادئ "السياسة القبائلية" .وانبنت هذه
السياسة على احملافظة على األعراف األمازيغية ،وأتسيس حماكم عرفية ،وعلى تطوير
اإلميازيغن "خارج إطار اإلسالم والثقافة العربية اإلسالمية" ،والعمل على حماربة اللغة العربية
وفرض اللغة الفرنسية يف املنطقة عن طريق أتسيس مدارس فرنسية-بربرية".40
اثنيا :يف البحث عن املفاهيم املهيكلة "للسياسة الرببرية":
إن "السياسة الرببرية" ،يف بعدها العرقي/العنصري ،تشكل ضرورة للحماية الفرنسية
ابملغرب ،وهي تصبو إىل خلق وضع غري طبيعي بني مكوانت اجملتمع املغريب .ولنا يف هذا
الصدد ،ما أورده العقيد "هيوت" مثال واضح عن عمل هذه السياسة ،أيقونة احلماية ،إذ
يوضح:
"حنن يف بالد الرببر وعلينا القيام بسياسة بربرية ،وعلينا أن حنذر من اإلسقاطات املبكرة
واليت ستؤدي بنا إىل تصورات إقصائية .صحيح أن كلمة خمزن ْتؤذي مساع الرببر ،وهل ينبغي
36
)(Mercier )E(, 1901, p.100-101
37
Ibid., p. 211-212
38
)(LeGlay (M),1935
( 39العروي ،2009 ،ص)578 .
( 40احساين ،2005 ،ص)218 .
248
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
التواطؤ معهم يف هذا النفور ،وننكر السلطة الطبيعية؟ فعال ،ال .فما رفضوه ومل يقبلوه هو
العنف وضعف املخزن .وهلذا ،سنعمل على إسقاط هذه الظنون ونؤكد هلم أن خمزن اليوم هو
خمزن عادل ومتسامح .إن الشيء الوحيد ،الذي يتمسك به الرببر هو تنظيمهم االجتماعي
وعاداهتم اخلاصة .وقوام السياسة الرببرية احلقيقية ،هو احرتام هذا التنظيم وهذه العادات
والعمل على تناسق إصالحاتنا اإلدارية معها .فال نُعني هلم قضاة إال إذا طلبوا ذلك ،وتستمر
العادة يف معاجلة قضااي األحوال الشخصية والعقارية واخلالفية...وال بد لنا من قواد ،فهم
املتحدثون ابسم القبيلة ،ووسيط بيننا وبني السكان ،مع عدم التقليل من أمهية اجلماعة ،اليت
ميكن للرببر ضمنها مناقشة مصاحل القبيلة ...ينبغي على ضابط املخابرات ،دراسة دقيقة،
والبحث أو إحداث تصدع يف الكتلة املعادية ،لكي تنساب دعوته السلمية ،ويقيم عالقات
سواء ابإلقناع أو ابملال ،لكسب مودة بعض زعماء القبائل الذين سيصبحون ابلنسبة إليه،
موطئ قدم خللق فرق مؤيدين للتهدئة .وابلتايل ،التسويق لفكرة االستسالم .كيف ميكن
زعزعة عناد غري اخلاضعني؟ إقناعهم أبهنم سيصبحون سعداء ،وسيغتنون وسيحافظون على
عاداهتم التقليدية .وإذا مل تنجح هذه السياسة األهلية ،وحججها مع املتشددين من السكان،
يتدخل العمل العسكري كمعاون للعمل السياسي".41
إن اعتمادان على هذا النص ،يهدف إىل التقرب من آلية اشتغال "السياسة الرببرية".
فهذا النموذج املقدم ،يعترب يف نظران بيئة مصغرة لعمل هذه السياسة ،تنطق وتعرب عن البيئة
الكربى املمثلة يف بالد املغرب .وابلتايل ،ففهم هذا النموذج سيمكننا من اكتساب رؤية
أوضح لعمل هذه السياسة يف عموميتها.
عندما نبدأ بتحديد املفاهيم اليت بين عليها هذا النص ،سنجد أنفسنا أمام احلقل
املفاهيمي التايل" :بالد الرببر" ،و"املخزن" ،و"التواطؤ" ،و"النفور" ،و"التنظيم االجتماعي"،
و"العادات التقليدية" ،و"العرف" ،و"تصدع الكتلة" ،و"القبيلة" و"الدعوة السلمية" ،و"فكرة
االستسالم" .إهنا أهم املصطلحات اليت يضمها هذا اخلطاب االستعماري ،واليت هي جزء
من عملية صنع السياسة الرببرية .بل هي ،ذلك القالب اجلاهز الذي تستخدمه مؤسسة
احلماية ،يف التعامل مع مكون األمازيغ يف اجملتمع املغريب .فإلقاء نظرة على هذه اجملموعة
الداللية ،يبني لنا جبالء اللحام الذي جيمع بني عناصرها.
أول مصطلح نصطدم به ،يف تناولنا "للسياسة الرببرية" يتمثل يف "بالد الرببر" ،وما هلذا
املفهوم من دالالت التصنيف والتموضع واالنتقائية العرقية والتميز عن ابقي مناطق املغرب.
41
)(Huot (Lieutenant-colonel), 1922, p. 179-180-181
249
منعم بوعمالت
وقلما جند دراسة فرنسية حول مغرب احلماية ،ال تستخدم هذا املصطلح .هكذا جند "روبري
مونطاين" مثال "يتساءل عن كيفية أتسيس هذه اإلقطاعية الرببرية" ،42وبنفس املنطق يتحدث
"موريس لوكلي" عن "الكتلة الرببرية املشكلة للمجتمع املغريب" ،43ويؤكد "فكتور بيكيه" عن
"أن اجملتمع املغريب هو جمتمع بربري" .44يف مقابل هذا التدفق املصطلحي االستعماري،
ترتسخ لدينا القناعة أبن هناك رغبة فرنسية أكيدة إلحداث انقسام عرقي وجمايل يف البنية
اجملتمعية املغربية" ،فبالد الرببر" سيقابلها ابلتأكيد "بالد العرب" .وهو ما خيدم مصلحة
االستعمار ،الذي جيد يف بيئة االنقسام والتجزيء والنعرات العرقية فرصته لالستغالل .كل
ذلك ،يف سياق اعتبار اجملتمع املغريب أبنه "شذر قبائل متناحرة" .يقول العروي":ما إن
فرضت احلماية على املغرب حىت ظهرت بوادر ما مسي ابلسياسة الرببرية .وانطالقا من 1914
ُرمست خريطة املناطق الرببرية اليت مل يكن دخلها بعد أي جندي فرنسي واعتربت أهنا ال
ختضع مبدئيا لسلطة املخزن".45
ابالنتقال إىل مفهوم "املخزن" ،46يتضح أن هناك صيغة حتريضية يف حديث العقيد
"هيوت" ،عندما يقول" :صحيح أن كلمة خمزن تؤدي مساع الرببر" .هل هو حديث عارض
أعقبه تلميع صورة هذا املخزن العادل واملتسامح؟ كال ،إنه حديث مسؤول ،من أحد كبار
القادة العسكريني الذي شغل منصب مدير مصلحة الشؤون األهلية ومصلحة االستخبارات.
وابلتايل ،نريد أن نؤكد هنا ،أن "السياسة الرببرية" قامت على فكرة استغالل محاس العنصر
األمازيغي لفكرة "استقالله وحريته" .لتُذكر ،أو مبعىن أصح ،لتوقظ وحتيي يف ذاكرة هؤالء
األمازيغ معاانهتم السابقة مع املخزن ،عندما كان يوجه محالته العسكرية لتأديب قبيلة أو
استخالص ضريبة .يشري "العروي" يف هذا اإلطار ،إىل "أن رجال املخزن اعتمدوا أحكاما
قاسية يف حق األمازيغ خالل القرن 19وبداية القرن .47"20
أما احلديث عن مصطلحي "التواطؤ" و"النفور" ،فهو حديث عن قاموس استعماري
مليء هبذا النوع من الكلمات ،اليت توظف يف خلق جو معني يف اجتاه خدمة تصور حمدد.
هكذا ،جند العقيد "هيوت" يتساءل "هل ينبغي التواطؤ مع الرببر يف هذا النفور من املخزن؟"
42
)(Montagne (R), p. 9
43
)(Leglay (M), 1935
44
)(Piquet (V), 1925
( 45العروي ،2009 ،ص)590 .
( 46جادور ،2011 ،ص )383
( 47العروي ،2016 ،ص)224 .
250
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
إنه سؤال العارف ،الذي يتوخى جتنب احلقيقة ويبحث عن اخليال .فاحلقيقة ،هي أن التواطؤ
واالحنياز وغياب املصداقية وغريها من املعاين املماثلة ،موجودة بل ومرغوب فيها من
املستعمر .فقد أورد "بول ابسكون"" :إن احملتل كتب إثنوغرافيا انتهت بتوضيح االختالفات
اجلهوية احلقيقية ،هبدف صريح هو استغالهلا للتقسيم" .48أما اخليال ،فهو ذلك الكم اهلائل
من عبارات "إن فرنسا ال حتركها اآلراء املسبقة املعادية للدين اإلسالمي ،بقدر ما تريد ازدهار
املغرب" ،49أو إن "املغرب سيكون غدا اجلزء اجلميل والغين من إفريقيا الشمالية...إذا كان
العامل طاووسا ،فإن املغرب ذيله" .50أما "النفور" ،فهو حتصيل حاصل للتواطؤ ،فاالحنياز
لط رف على حساب آخر ،ابستقطاب البعض وجتاهل البعض اآلخر ،يولد مشاعر النفور
وعدم القبول وغياب الرغبة يف التعاون أحياان .بل ،وميهد الطريق إىل التعاون مع املستعمر،
الرابح األكرب من هذه السياسة .يوضح "عالل الفاسي" هذه الصورة ابلقول ":إذا ِّحيل بني
الرببر وبني العرب ،بني كل ما جاء به العرب من لغة وقضاء وثقافة ،فالربابرة سيمسون
بوجداهنم اخلاص ،وسيبحثون عن الروحانية القدمية اليت جاءهتم هبا روما من قبل ،وليس من
البعيد أن يتمسحوا .وبعد ذلك ،فسنجد منهم العامل القوي ملعاضدة االندماج يف فرنسا،
اليت حتررهم من سيطرة العرب الروحية والزمنية".51
نواصل تفكيكنا للبناء املفاهيمي الذي قامت عليه "السياسة الرببرية" ،فنتوقف عند
مفاهيم "التنظيم االجتماعي" و"العادات اخلاصة" ،و"العرف" .إهنا الشعارات اليت رفعتها
هذه السياسة ،يف حماولتها بث التفرقة بني مكوانت الشعب املغريب .عندما راهنت مؤسسة
احلماية ،ابسرتاتيجيتها التفكيكية ،على طرح هذه العناوين الرباقة ،متحدثة عن تنظيم
اجتماعي خاص ابألمازيغ ،يقوم على تقديس حياة القبيلة ،وإقامة جمتمع له مميزاته
االقتصادية (الزراعة والرعي) ،والعسكرية (الغزو والتوسع) .ويف اجلانب املتعلق ابلعادات
والتقاليد ،تصدح الكتاابت الفرنسية ،إبيعاز من منظري "السياسة الرببرية" ،بعبارات
االختالف واخلصوصية والتميز اليت تطبع عادات األمازيغ خبالف عادات العرب .وهو ما
يعين ،رغبة فرنسية يف تشييد بناء عازل بني املكونني األساسيني للشعب املغريب ،أساسه
اختالف األمناط االجتماعية ،وتباعد الطباع الثقافية ،وحتكم املمارسات العرفية" .وال شك
48
)(Pascon (P), 1980, p. 189
49
)(Ernest (F), 1904, p. 150
50
)(Conférence sur le Maroc, 1904, p. 8
( 51الفاسي ،2003 ،ص (162
251
منعم بوعمالت
أن مثل هذه األفكار ،ختدم مصاحل مهندسي السياسية االستعمارية الراغبني يف استغالل
االختالف املوجود بني األمازيغ والكتلة العربية اإلسالمية".52
نصل إىل مفهوم "تصدع الكتلة" ،الذي نعتربه مطلب "السياسة الرببرية" .فكل ما قلناه،
عن الطموح الفرنسي يف عزل وتصنيف اجملتمع املغريب إىل "بربر" و"عرب" .والرغبة ،يف تشويه
صورة اإلنسان األمازيغي ابعتباره متمردا ،ومتوحشا ،وغري متحضر ،واإلستغالل الفاحش
لصورة "املخزن" يف ذاكرة القبائل املغربية ،والتواطؤ الفاضح مع طرف دون آخر ،حسب ما
تقتضيه املصلحة الفرنسية ،والعزف على نغمة التباين االجتماعي والثقايف بني الطرفني .كل
ذلك يصب يف خانة واحدة؛ هي إحداث تصدع يف الكتلة املغربية .أو مبعىن آخر ،خلخلة
موازينها القائمة واملرتكزة على وحدة العرب واألمازيغ وانصهارمها.
يف حديثنا عن القبيلة ،ندرج مناقشة "العروي" هلذا املفهوم ،فهو يشري إىل أن هذا
الرحل الرحالة ،أي على نظاماملصطلح "يعين أشياء خمتلفة جدا ،نطلق الكلمة على تنظيم ّ
اجتماعي شامل يالئم وحده احمليط الصحراوي الصرف .ونطلقها على سكان اجلبال ،أي
على جمموعة قواعد ختص املعيشة والسلطة وهتدف أساسا إىل ضمان التوازن بني األسر.
ونطلقها أخريا على سكان السهول واهلضاب ،أي على تنظيمة أسامي ورموز تصلح فقط
لتصنيف التجمعات السكنية .كلمة واحدة نعرب هبا عن مضامني خمتلفة".53
أتسيسا على هذا التصور ،يبقى من الضروري توضيح نظرة بعض الكتاابت االستعمارية
للقبيلة واألمازيغ عموما .يف هذا الصدد ،يعترب كتاب "الرببر واملخزن يف جنوب املغرب"
"لروبري مونطاين" من الدراسات التحليلية املهمة اليت تناولت مفهوم القبيلة األمازيغية ،حيث
جنده يعترب أن "انضمام العشائر بعضها إىل بعض ثالثة أو أربعة وأحياان مثانية أو عشرة أيخذ
اسم قبيلة" .ويضيف ،إهنا "جمموعة من الكنطوانت يتغري عددها ما بني ثالثة إىل إثنا عشر،
هلا أرض حمددة ،وإسم ،وبعض العادات املشرتكة ،ويف نفس الوقت ليست هلا مؤسسات
سياسية واضحة" .54ويرى "مونطاين" أن "هذه الكتلة املسماة قبيلة ،ال تظهر وحدهتا إال يف
املناسبات االستثنائية عندما تكون استقاللية الكنطوانت مهددة من طرف املخزن ،فيجتمع
احملاربون للدفاع عن البالد" .إهنا وحدة يعتربها الكاتب" ،تقوم على ارتباط دائم يوحد هذه
252
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
الكنطوانت ،وهو رابط يشهد على الثوابت التارخيية السم القبيلة .ويتميز يف غالب األحيان
بوجود شعور أخوة غامض".55
وبنفس التوجه ،حياول "لويس رين" يف كتابه "جذور الرببر دراسات لغوية وإثنولوجية" ،أن
يتبني أصول األمازيغ وامتداداهتم ،رغم اعرتافه بصعوبة األمر حيث يقول":ابلتأكيد لسنا
قادرين ابلنسبة ألصل الرببر ،تقدمي جمموعة من احللول اليت تستند على أسس متينة لصياغة
حقيقة اترخيية" .ويضيف" ،لكننا ومنذ اآلن نتبني وبوضوح اخلطوط العريضة اليت ستكتب
يوما ابالعتماد على عدد من اجلغرافيني ،واليت تكشف عن هجرة الرببر األوىل عرب آسيا
وأورواب وعلى ختوم األورال إىل سهول الصحراء".56
وهنا ،نتوقف عند مقارنة سريعة بني ما أورده "لويس رين" ،وما جاء يف بعض الكتاابت
االستعمارية األخرى ومنها كتاب "دليل الرببر املغاربة هلجة الشلوح" للضابط الفرنسي
"جوستينار" الذي يرى "أن هناك ساللتني رئيسيتني يف مشال إفريقيا :الساللة الرببرية والساللة
العربية .إن الساللة الرببرية هي أصيلة يف هذا البلد الذي مساه بعض ال ُكتاب الرببري" .57كما
انربى الكولونيل "سيمون" ،يف مقال له بعنوان "دراسات بربرية يف املغرب وتطبيقاهتا يف
السياسة واإلدارة" لتأكيد هذه اخلالصة قائال":يتفق مجيع ال ُكتاب أبن سكان مشال إفريقيا
هم معظمهم بربر ،ولذلك نطلق أحياان تسمية الرببرية على هذه البقعة الشاسعة".58
ماذا ميكننا أن نستنتج من هذه الكتاابت؟ لقد "طُرحت القبيلة دائما كعائق واقعي
وموضوعي سواء يف حماولة التسرب الفرنسي ،أو يف حماولة ما اصطلح عليه ابلتهدئة" .59مت
توظيف القبيلة ،كمفهوم وكواقع للتحكم يف اإلنسان األمازيغي ،وبدون جدوى .لذا ،فنحن
نتلمس أسس ومرتكزات "السياسة الرببرية" يف انطالقها من فكرة مركزية عمادها أن تفعيل
هذه السياسة يف امليدان ،يقتضي أوال الوعي ابجملال واإلنسان اللذين يتشكالن يف القبيلة.
بناء عليه ،فتحت مؤسسة احلماية ،الباب أمام ابحثيها لدراسة هذا احلقل القبلي وما يشمله
من رأس مال لغوي أمازيغي وثقايف ،لفهم املكون األمازيغي يف اجملتمع املغريب .فأُنتجت
دراسات حوهلما ،مبضامني الفوضى والتمرد والتفكك وغموض األصول وغياب الوحدة .وهو
55
Ibid., p. 159
56
))Rinn (L), 1989, p.185-186
57
))Justinard (L), 1914, p.159
58
))Simon (H), 1915, p.7
( 59اهلروي ،2010 ،ص)54 .
253
منعم بوعمالت
ما يتماشى ،مع ما أوردانه من مالحظات حول مفهوم "السياسة الرببرية" يف الفكر
االستعماري الفرنسي.
وملا مل تعط هذه السياسة النتائج املرجوة منها ،يف تفتيت وحدة مكوانت اجملتمع املغريب
وإقامة احلواجز بينها .تفتقت ذهنية املستعمر الفرنسي ،لتنتج لنا الوسيلة العملية للوصول إىل
هذا "التصدع" ،واملتمثلة يف ما مسي "ابلظهري الرببري" .لن خنوض يف حتليل هذا الظهري،
وتبعاته على اجملتمع املغريب .ويكفي يف هذا الصدد ،أن نسوق ما أورده "شارل أندري
ُجليان" حول هذا املوضوع قائال" :مت إبعاد املخزن عن أشغال جلنة رجال القانون املكلفني
بوضع التغيريات املمكن إحداثها على القضاء الرببري ،وقد انتهوا إىل كتابة مشروع يعرتف
ابألهلية القضائية للجماعة ،وحيدد صالحيات احملاكم العرفية ،وهو نفس التوجه السياسي
لليوطي املساند حلفظ العرف .ومل يكن األمر كذلك يف الشأن اجلنائي ،الذي نقل الرببر إىل
القضاء الفرنسي ،مما حرم السلطان من أهم امتيازات سلطته .وقع سيدي حممد النص يف 16
ماي ،1930إما بغري علم ،بسبب عدم حتذير حاشيته له ،أو أنه اختار االستسالم للضغوط
امللحة للمقيم لوسيان سان .لقد انتبه مؤلفو الظهري إىل أمهية اإلصالح ومل يدركوا
انعكاساته...لقد رأى فيه املثقفون إرادة إللغاء الشرع لتسهيل إقامة املسيحية".60
أنيت إىل صورة أخرى ،يف سلسلة املفاهيم اليت نعتربها مؤطرة "للسياسة الرببرية" ،واجملسدة
يف "الدعوة السلمية" و"فكرة االستسالم" .وهنا نطرح السؤال؛ ما هو وضع املصطلحني،
أوال ،يف سياسة تقوم على شحذ بواعث االنقسام واستغالل مظاهر االختالف ،واليت تؤدي
إىل جعل اآلخر عدوا .وابلتايل ،إقصائه يف نظر املستعمر .اثنيا ،التنوع يف نظران والذي هو
واقع حال اجملتمع املغريب على مر العصور ؟
ال بد من االنطالق يف إجابتنا ،من استحضار معىن "الدعوة السلمية" و"فكرة
اإلستسالم" .فنقدم تصورا ألحد الكتاب الفرنسيني جاء فيه":لقد حصل اليوم إمجاع يف
.61
فرنسا يف شأن املغرب ...علينا أن ندخل سلميا ،ونطبق ما نسميه الدخول السلمي"
ونضيف قول كاتب آخر":ليس هناك ما مينع املغريب والفرنسي من التفاهم على مجيع
األصعدة- .حيث ال يقحم الدين -ويكفي أن يلتزم كل واحد مكانه ويعامل اآلخر كما
هو" .62ويعزز اجلنرال "بيجو" كل ما سبق ابلقول" :ال نستعمر إال ابألمن .واألمن ال حنصل
60
()Julien (Ch.A.), 1978, p. 160
61
)(Conférence sur le Maroc, 1904, p. 24
62
)(Kann (R), 1921, p. 52
254
املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية :رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية"
عليه إال ابلسلم" .63يف مجيع هذه النماذج ،هناك معاين السلم والتفاهم واألمن .ويف مجيع
هذه احلاالت ،هناك دعوة ضمنية إىل هنج أسلوب السلم واحلوار يف استعمار املغرب!
للوصول ابألهايل إىل فكرة االستسالم للمشروع االستعماري الفرنسي .لكننا نعود لنتساءل،
هل هناك استعمار سلمي؟ ال ختلو إجابة أحد الكتاب الفرنسيني على هذا السؤال من
بالغة ،إذ عرب بدقة عن السياسة الواقعية لالستعمار":ابستمرار ،علينا أن حنارب بيد وحنكم
أبخرى .ماهي احلماية احلقيقية؟ هي يد من حديد يف قفاز انعم".64
تلك ،يف نظران ،هي املرتكزات اليت بنت عليها احلماية معاين الدعوة السلمية وفكرة
االستسالم .أما ارتباط املصطلحني "ابلسياسة الرببرية" ،فيتجلى يف استخدام املفهومني كي ٍد
حتكم (احلماية) ،وكقفاز انعم (السياسة الرببرية) .أو بصيغة أخرى ،بث انطباع إجيايب لدى
املغاربة عراب وأمازيغا مبنافع االستعمار وجدواه ،وأبمهية ما أقامه االحتالل وأجنزه من مشاريع.
وهذه مسؤولية ضابط املخابرات أو الضابط األهلي ،خط التماس األول "للسياسة الرببرية"
يف أوساط األهايل .وقد رسم العقيد "هيوت" ،الطريق الذي ينبغي أن يسلكه ضباط احلماية
للشؤون األهلية الستقرار االستعمار ابملغرب قائال" :ال يعول ضابط املخابرات كثريا على
مساندة اجليش ،بل قد يطلب الثبات لسنوات ،أبساليب سياسته األهلية ،دون أن يفقد
اهليمنة املعنوية اليت متنحها سياسة فعالة".65
خامتة
بعد حماولتنا استعراض مالمح "السياسة الرببرية" يف مغرب احلماية الفرنسية على مستوى
اخلطاب واملفهوم ،نستطيع أن نقدم بعض االستنتاجات يف ثالث مستوايت:
.1إن النظر "للسياسة الرببرية" من الزاوية الكولونيالية ،يُفقد التحليل جزءا من صورته
الكاملة ،على اعتبار أنه حتصيل حاصل (الغزو يفرتض التدبري) .فاستكمال الصورة،
حيتاج إىل مقارابت مغربية نقدية ،ونقطة االنطالق يف هذه العملية ،هو تشجيع
البحث العلمي .إذ يالحظ ،غياب دراسات مغربية أكادميية حول "السياسة الرببرية"
وأتثرياهتا حاضرا.
63
)(Bernard (A), 1922, p. 30
64
)(Millet (R), 1913, p. 159
65
)(Huot (Lieutenant-colonel), 1922, p. 181
255
منعم بوعمالت
.2إن "السياسة الرببرية" ،كانت هلا القدرة على أن تتطور وتتفاعل مع احمليط الذي
متارس فيه .وابلتايل ،فهي قد تعطي نتائج "إجيابية" للمستعمر ،إذا توفرت هلا الشروط
املوضوعية املناسبة .فالتخلف ،والتفكك ،وضعف االرتباط ابجلماعة واجملال
(األرض) ،عناصر تساهم يف إجياد بيئة خصبة لتفعيل هذه السياسة .يف املقابل،
تتعطل هذه األخرية وتصبح غري قادرة على النمو والتغلغل يف وسط رافض ومتضامن،
تعلو فيه قيم الوطنية والتماسك القبلي/العائلي/األسري.
.3إن "السياسة الرببرية" ،قد اعتمدت على استثمار ثنائيات يف اجملتمع املغريب ،وحتويلها
من عناصر قوة إىل مواطن ضعف .هبدف الوصول ابلفرد ،إىل مستوى تشكيكه يف
انتماءه لوطنه ودينه ومجاعته .ومثال ذلك ،ما تقدمه الكتاابت االستعمارية من
ثنائيات :بربر/عرب ،عربية/أمازيغية ،شرع/عرف ،بالد املخزن/بالد السيبة،
سهل/جبل .إهنا تقابالت متس هوية اإلنسان املغريب يف املستوايت العرقية واللغوية
والدينية والسياسية واجملالية .كما أن هذه التجاذابت ،تعمل على إحداث ما ميكن أن
"األهلي" ،الذي تصوره "السياسة
ّ نسميه "عقدة" على املستوى النفسي/الثقايف لدى
الرببرية" ضعيفا أو مظلوما أو مقهورا أو خمتلفا أو متميزا .فيسهل على املستعمر
الفرنسي ،طرح البديل ،وهو اإلحلاق واالستيعاب واإلدماج ضمن مشروع احلماية
الفرنسية ابملغرب.
املراجع املعتمدة
بنعدادة آ ،2003 ،.الفكر اإلصالحي يف عهد احلماية (حممد بن احلسن احلجوي
منوذجا) ،الدار البيضاء ،املركز الثقايف العريب.
بوزويتة س ،2007 ،.االحتالل العسكري الفرنسي للمغرب دراسة يف اإلسرتاتيجية
العسكرية ،1934-1912الرابط ،منشورات املندوبية السامية لقدماء املقاومني وأعضاء جيش
التحرير.
جادور م ،2011 ،.مؤسسة املخزن يف اتريخ املغرب ،الدار البيضاء ،مؤسسة امللك عبد
العزيز آل سعود للدراسات اإلسالمية والعلوم اإلنسانية ،منشورات عكاظ.
احساين ع" ،2005 ،.السياسة االستعمارية واألمازيغ" ،موسوعة احلركة الوطنية واملقاومة
وجيش التحرير ابملغرب ،اجمللد األول ،اجلزء األول الكفاح الوطين يف مواجهة االستعمار .ص
219-217
256
" رمزية ومفهوم خطاب "السياسة الرببرية:املغرب خالل فرتة احلماية الفرنسية
257
منعم بوعمالت
258
مجلة أسيناگ ،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-العدد السادس عشر ،2021،ص 263-259
مقتضيات عامة
تقبل األعمال العلمية األصلية اليت مل يسبق نشرها
يتعني إرفاق كل عمل مقرتح للنشر بتصريح ابلشرف من مؤلّفه ،يفيد أبنه عمل
أصلي مل يسبق عرضه للنشر يف دورية أو مطبوعة أخرى.
املتضمن عرضاً أو قراءةً ملؤلَّف منشور أن يق ّدم قراءة نقدية
ّ يشرتط يف املقال
ألحد املؤلٌفات حديثة النشر ،كتااب كان أو دورية أو غري ذلك ،بوضعه يف
سياق جمموع اإلصدارات حول املوضوع املعين.
يتعني على املؤلّف التعهد بعدم قيامه إبرسال مقاله إىل جمالت أخرى .كما
يتنازل عن كل احلقوق املتعلقة ابملقال لصاحل جملة أسيناﮒ ،ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-نذكر
منها حقوق النسخ والتوزيع جبميع اللغات ويف مجيع البلدان وعلى مجيع وسائل
اإلعالم املعروفة اآلن أو يف املستقبل.
كل مقال تنشره اجمللة يصبح ملكا هلا ،وكل نسخ أو ترمجة ألحد املقاالت
يتطلب إذان خطّيا مسبقا من مديرية اجمللة .ويلتزم املؤلّف بعدم نشر ذات املقال
يف مكان آخر دون إذن خطّي مسبق من مديرية اجمللة.
تعرب األحباث واملقاالت املنشورة عن أفكار وآراء أصحاهبا ،وال متثل ابلضرورة
وجهة نظراجمللة أو املؤسسة اليت تصدرها .ويبقى املؤلف املسؤول األوحد عن
التعابري الواردة يف مقاله ،وعن مضمون مسامهته ،ودقة االستشهادات واملراجع.
ويف حالة إقتباسه ونسخه ملقاطع أو نسخه لبياانت حممية مبوجب حق املؤلف،
يتعني عليه احلصول على إذن خطي من اصحاب احلقوق وإرسال نسخة منه
إىل مديرية اجمللة.
إن استخدام كل أو جزء من حمتوايت جملة أسيناﮒ ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-جيب أن يتم
اإلشارة إىل اجمللة يف املراجع الببليوغرافية (مع بيان اسم اجمللة والعدد وسنة
النشر) .كما مينع منعا كليا النسخ الكلي أو اجلزئي إلحدى مواد اجمللة ألغراض
جتاري بدون إذن خطّي مسبق من مديرية اجمللة.
259
ال ترد أصول املواد إىل أصحاهبا سواء قبلت أم مل تقبل ،كما ال ترجع املقاالت
غري املنشورة ألصحاهبا ،وال تلتزم اجمللة إبشعارهم بذلك.
260
وسائل اإليضاح
ترقّم اجلداول ابلرتتيب ،داخل املنت .ويكون التعليق أعالها.
ترقّم الرسومات والصور داخل املنت ،متتابعة .ويُعلق أسفلها.
261
توضع عناوين مقاالت الدورايت ،وكذا فصول الكتب ،وغريها من مقتطفات
املراجع ،بني مزدوجتني.
تشمل اإلحاالت على مقاالت اجملالت والدورايت ،على التوايل ،وابلرتتيب،
امسي الكاتب العائلي والشخصي ،وسنة النشر ،وعنوان املقال بني مزدوجتني،
مث اسم اجمللة ،ورقم اجمللّد ،والعدد ،ورقم كل من الصفحة األوىل والصفحة
األخرية .ويتم الفصل بني هذه اإلشارات بفواصل.
مثال :أزايكو صدقي ،علي (" ،)1971مشاكل البحث التارخيي يف املغرب" ،الكلمة ،عدد
،2ص .40-25
تشمل اإلحاالت على مقاالت الصحف واجلرائد ،فقط ،عنوان املقال بني
مزدوجتني ،مث اسم الصحيفة ،ومكان النشر واتريخ العدد ورقم الصفحة.
مثال" :احلقوق الثقافية واملسألة األمازيغية" ،السياسة اجلديدة ،الرابط 22 ،أكتوبر ،2002
ص .8
لإلحالة على فصول كتب مجاعية ،يشار إىل امسي الكاتب العائلي والشخصي،
مث عنوان الفصل ،فمرجع الكتاب بني قوسني معقوفني […].
مثال :شفيق ،حممد (" ،)1989إمازيغن"[ ،معلمة املغرب[ ،اجلمعية املغربية للتأليف والرتمجة
والنشر ،سال.
لإلحالة على أعمال ندوة أو مناظرة ،يشار إىل عنوان واتريخ الندوة أو املناظرة.
مثال :الراجحي ،عبده (" ،)1984النحو العريب واللسانيات املعاصرة" ،البحث اللساين
والسيميائي ،أعمال ندوة نظمتها كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ابلرابط ،أايم 7و 8و9
ماي ،1981الرابط ،ص .164-153
لإلحالة على أطروحات جامعية ،تعتمد نفس األعراف ابلنسبة للكتب ،مع
اإلشارة إىل كون العمل أطروحة جامعية ،وإىل نظامها (دكتوراه دولة ،دكتوراه
السلك الثالث ،إخل ،).وإىل اجلامعة األصلية.
مثال :جودات ،حممد ( ،)2002تناصية األنساق يف الشعر األمازيغي ،دكتوراه،
جامعة احلسن الثاين عني الشق ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية.
262
يتعني اإلشارة إىل
لإلحالة على مراجع ابملواقع اإلليكرتونية (ّ ،)webographie
،URLواتريخ آخر رجوع إىل صفحة الويب .pageweb
مثال( ،http//fr.wikipedia.org/wiki/langue construite :اتريخ زايرة املوقع )..../../..
اهلوامش واالستشهادات
يف حالة ما قرر صاحب املقال استخدام االختصارات لإلشارة إىل بعض
العناوين اليت غالبا ما يتكرر استخدامها يف النص ،يتوجب شرح وتوضيح
املختصرات ،يف اهلامش ،عند أول استخدام.
يف حالة توافراهلوامش ،تثبت أبسفل الصفحة وليس يف هناية املقال ،وترقّم
ابلتتابع.
االستشهادات :عندما يكون االستشهاد يف أقل من مخسة أسطر ،يوضع بني
مزدوجتني " "...داخل النص .وحني يتعلق األمر ابستشهاد ضمن استشهاد
آخر ،يستعمل هالالن منفردان " ."....'.....'.....أما االستشهاد الذي
يتجاوز مخسة أسطر ،فيق ّدم دون مزدوجتني ،مع احنياز نصه عن حاشية نص
املقال ،وببعد واحد بني سطوره.
التصرفات أو التعديالت يف االستشهاد (إغفال كلمات أو مجل أو
توضع مجيع ّ
حروف ،إخل ).بني معقوفني […].
العناوين الفرعية :ميكن تقسيم النص إىل فقرات وأجزاء ابستعمال عناوين فرعية
ابلبنط العريض.
احلروف املائلة :تستعمل احلروف املائلة بدال من تسطري الكلمات واجلمل املراد
إبرازها.
263
1
Revue de l’Institut royal de la culture amazighe
Numéro 16 – 2021
Asinag-Asinag est une revue scientifique et culturelle marocaine dédiée à l’amazighe avec
ses composantes linguistique et civilisationnelle. Elle est plurilingue et multidisciplinaire et
comprend des dossiers thématiques, des articles, des entretiens, des comptes rendus, des
résumés de thèses, des créations littéraires et des chroniques bibliographiques. La revue
Asinag-Asinag est une revue indexée, dotée d’un comité scientifique et ouverte à la
communauté scientifique nationale et internationale.
© IRCAM
Dépôt légal : 2008 MO 0062
ISSN : 2028-5663
...... – Rabat 2021
4
Sommaire
Présentation ...................................................................................................... 7
Dossier : L’écriture en et autour de l’amazighe
Valeria Argiolas
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes............... 15
Varia
Karim Bensoukas
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh:
An Optimality-theoretic Account ....................................................................... 61
Comptes rendus
Mohamed Aghali-Zakara : L’histoire du Niger t.1 et t.2, Berber Studies Rüdiger
Köppe Verlag. Köln by Karl-G. Prasse & Ghabdouane Mohamed ........................ 93
Présentation
7
À l’époque moderne, la pratique de l’écriture s’est poursuivie, et de nouvelles
préoccupations ont ainsi émergé, telles que la confection de glossaires bilingues,
pour rendre aisée la rédaction de documents par les magistrats, les ‘adouls, les
notaires et les foqahaâ’, ou encore pour asseoir une nomenclature de noms propres,
humains et géographiques, ainsi que pour désigner les organes du corps humain et
son environnement. Cette dynamique scripturale a été consolidée par le
développement d’un genre particulier de dissertation visant à simplifier et à
vulgariser la connaissance théologique et la rendre intelligible pour les masses ;
tradition communément dénommée l-mâzġî. Elle consiste tantôt en la rédaction
directement en amazighe, tantôt en la réécriture en amazighe d’œuvres en langue
arabe. Les œuvres concernées relèvent essentiellement du registre religieux, dont les
sciences du Coran, le fiqh, le ḥadîth, la tradition du prophète (sîra), la théologie, le
soufisme, les psalmodies (aḏkâr), mais également d’autres thèmes variés, tels que la
médecine, la pharmacopée, l’astronomie, l’astrologie, l’agronomie, le calcul…
L’ère contemporaine a connu une nette mutation qualitative, que l’on doit à
l’émergence d’élites animées par l’ouverture sur de nouvelles sciences et nouveaux
savoirs et par leur assimilation (lettres, arts, langues, linguistique, histoire, sciences
sociales et pédagogiques…). Elles se sont ainsi attelées à la dissertation et à l’écriture
en langue amazighe comme en d’autres idiomes ; activité qui a eu une incidence
salutaire sur le paysage amazighophone en matière littéraire et scientifique.
Si, à travers leur longue histoire, les Amazighes ont pu manifestement apporter une
contribution conséquente sur l’étendue du savoir humain, comme en témoignent des
indices cités par les sources et les textes manuscrits et édités, ils ont également été,
tout au long de l’histoire, l’objet de recherche et d’écriture, notamment durant les
siècles derniers. En effet, la langue amazighe, sa culture, ses expressions artistiques
et littéraires et son espace civilisationnel ont toujours suscité l’intérêt des chercheurs
et des scientifiques de diverses langues et nationalités. Nonobstant les visées et
inclinaisons sous-tendant certains de ces écrits sur l’amazighe et sa culture, dans
différents contextes, il n’en demeure pas moins que le cumul disponible de ces écrits
constitue par sa richesse une réelle plus-value tant quantitative que qualificative, qui
apporte au champ des sciences humaines de nouvelles connaissances et approches
dignes d’exploration, de lecture et surtout d’évaluation.
Ainsi donc, c’est dans la perspective d’une mise au point sur la dynamique de
l’écriture dans le domaine amazighe à travers les différentes époques de son histoire,
et pour être au fait des écrits de l’Autre sur la langue et la culture amazighes, que le
dossier thématique du présent numéro d’Asinag est consacré à cette question. La
teneur de la livraison soulève et traite des questions afférentes audit dossier, selon
différentes approches et sous divers angles de vue. Elle se décline en deux entretiens,
l'un en arabe et l'autre en français, et douze articles, dont dix en arabe et deux en
français, outre deux articles dans la rubrique Varia. L’agencement de ces matières
suit une logique chronologique susceptible de refléter une image approximative de
la genèse et de l’évolution de la pratique scripturale chez les Amazighes.
8
L'article de Mohammed Yaâlā porte sur trois manuscrits de l’époque médiévale, à
savoir « al-Ansab » de Saleh bin Abdu el-Halim al-Aylani, « Mafākhi al-barbar »
(auteur anonyme) et « Chawahid al-Jilla » d’Ibn al-Arabi. Traitant principalement de
l’histoire sociale de l’Occident musulman, ces manuscrits s’intéressent à la
problématique du peuplement du nord de l’Afrique par les Amazighes (Brbères) et
à la recherche sur leurs origines, leurs tribus et leurs déplacements. Aussi cet article
s’articule-t-il autour de trois axes principaux : 1) Sources d’information relatives aux
habitants et à la structure humaine des Amazighes, 2) Origine ethnique et
géographique des Amazighes, 3) Mouvement et expansion de certaines de leurs
tribus.
La contribution d’El Ouafî Nouḥi consiste en une revisite de certaines sources arabes
écrites en amazighe durant le Moyen Âge, eu égard à la présence de l’amazighe, bien
qu’à d’inégales proportions, dans de nombreux ouvrages du patrimoine arabe,
notamment d’histoire, de géographie, d’hagiographie, de jurisprudence (fiqh), de
biographies et strates sociales, entre autres. L’auteur met l’accent sur deux questions
essentielles : d’une part, le statut de la langue amazighe sous le règne de certaines
familles (les émirats des Burġwaṭa et des Ġomara, puis les dynasties almoravide,
almoḥade et Mérinide) ; d’autre part, la place de cette langue parmi les
préoccupations de l'élite savante, et ce à partir de cinq modèles au courant du Moyen
Âge.
La question des lois et systèmes coutumiers, transcrits chez la communauté de la
vallée du M'zab, dans le désert algérien, est abordée dans l’article de Belhaj Nasser.
L’auteur considère que les matériaux du droit coutumier sont des sources
inestimables et d’une extrême importance. Ils sont ainsi, du point de vue historique,
l’une des principales sources d’information sur la vie sociale, économique et
politique de cette région. Au niveau culturel, les textes analysés révèlent le niveau
intellectuel des « élites » de la région, tout au long de la période allant du XVe au
XIXe siècle. L’étude tente d’apporter des réponses à une série de questions connexes
telles que : les Mozabites ont-ils transcrit toutes leurs coutumes ? Quand ont-ils
écrit ? Et pourquoi ? Et qu'ont-ils écrit ? Et pour quelle raison ? Et bien d'autres
questions.
Dans sa contribution, Khadija Gmaissine s'interroge sur l’émergence et la motivation
de la production écrite religieuse chez les Amazighes. Aussi a-t-elle exposé
l’expérience de cette tradition dans le Souss, à partir de trois cas de figure : la
composition, en vers ou en prose, en arabe littéraire ; la traduction de l’arabe vers
l’amazighe, puis l’écriture et la création en amazighe. L’auteure a ensuite procédé à
l’analyse des différents aspects de chacune des trois formes d’écriture.
Les discours à portée cognitive dans les relations de voyages sont traités dans
l’article d’Ahmed Elmounadi, à partir d’un récit du XIXe siècle, écrit par l’illustre
voyageur Mohammad al-Ġiġâî al-Warîkî. Il y est relaté son expérience de voyage à
la Mecque pour l’accomplissement du Hajj, assortie de ses témoignages et
observations à propos de la situation dans les contrées parcourues, ainsi que les
9
inventions qu’il y a pu observer. Outre la présentation de l’œuvre, l’article soumet à
une analyse critique la vision déclinée dans le texte d’al-Ġiġâî, sur sa propre
personne et sur les autres. Ce faisant, il procède à une reconstruction des mécanismes
et procédés qui ont rendu aisée la saisie et la maîtrise d’une somme de connaissances
diversifiées croisant plusieurs disciplines, notamment la théologie, l’histoire, la
société et l’ethnographie.
Dans leur article conjoint, M’barak Ait Addi et Al-Hassan Salou ont mis à
contribution des données de leurs recherches de terrain, pour analyser des exemples
de manuscrits arabes relatifs aux Amazighes au Niger. Ces documents, qui reflètent
l’histoire et la civilisation des Amazighes, sont conservés au Département des
manuscrits arabes et étrangers relevant de l’Institut des recherches en sciences
humaines, à l’Université Abdou Moumouni, à Niamey.
Dans le champ littéraire, Jamal Abarnous traite dans son article, de la poésie rurale
traditionnelle d’expression tarifite, au prisme de la vision de berbérisants de la
France coloniale. Il met en évidence un certain nombre d’équivoques qui
caractérisent l’évaluation et l'interprétation portant sur les quelques textes
disponibles de cette littérature dans les corpus écrits en langue française. Ainsi, sont
soulevés et analysés les écueils qui ont occasionné des jugements de valeur portés
par ces auteurs sur les aspects esthétiques de la poésie des rifains. Ce faisant, l’article
évoque également les arrière-fonds méthodologiques et les circonstances historiques
[coloniales] qui sous-tendent l’action des institutions françaises de recherche établies
alors au Maroc.
Dans le même domaine littéraire, Fouad Azaroual entreprend dans sa contribution
une analyse thématique de la problématique de l’identité et des défis et enjeux qu’elle
implique, à partir de la lecture critique du roman d’expression arabe intitulé Numidia,
de son auteur Tariq Bekkari. Dans cette œuvre, la question de l’identité amazighe est
abordée avec une prouesse créative qui lui a valu une réception critique apologique
et une large audience littéraire auprès des cercles de création littéraire arabes.
L’article développe les thèmes et les questions qui tourmentent le héros, à partir de
ses souvenirs d’enfance, en milieu amazighe. Aussi se remémore-t-il moult faits et
évènements de sa culture maternelle, dont traditions, légendes, symboles historiques
et culturels. Ces éléments salutaires sont autant de bouées qui prémunirent le héros
des aléas de son sort chargé de douleur, d'anxiété et de déchirement, suite à la perte
de ses origines et de ses racines.
La composition poétique marocaine d’expression amazighe a fait l’objet de la
contribution de Mohamed Afakir qui retrace l’essentiel des productions écrites par
des créateurs marocains, dans cette langue et ses variantes. À partir d’une lecture
qualitative des textes, il retrace le processus de l’évolution de cette production depuis
son avènement à nos jours.
Dans le domaine de la traduction vers l’amazighe, l’article de Mohammed Laadimat
traite des traductions des « sens » du Coran en amazighe, en exposant les différentes
expériences en la matière. Ce faisant, il met l’accent sur l’importance du texte
10
religieux dans l’historiographie de la traduction car il fut et demeure parmi les
premiers textes traduits aux époques antique et contemporaine. C’est par la suite que
la traduction s’étendit à l’ensemble des champs de connaissance ; elle devint alors
une pratique incontournable dans un monde multilingue et multiculturel.
Dans le volet en langue française du dossier thématique, le premier article est dû à
Valeria Argiolas ; il a pour thème : la Sardaigne libyco-berbère dans les sources
gréco-latines et arabes. L’auteure y traite de l’image non conventionnelle véhiculée
par les sources gréco-latines sur la Méditerranée antique relativement à l’occupation
de l’île de Sardaigne. Ainsi, il semblerait que les données linguistiques et
anthropologiques qui ressortent de l'île concordent avec les réalités rapportées par
les sources classiques. Qui plus est, des sources arabes, pour la plupart d'origine
byzantine, iront confirmer l'existence d'une langue libyco-berbère dans l'île. Par
ailleurs, l’article discute de la relation entre le nom Barbar et le nom byzantin
Barbarikinoi en Sardaigne.
Le second article, d’Aboulkacem El Khaṭîr, intitulé « Tamegrout et le
développement de la tradition de lmazghi », aborde des aspects de la littérature
religieuse écrite en tachelḥit, dite l-mazghi, et de son rapport aux zaouïas. A cet effet,
il prend pour exemple le cas du lettré M'ḥammed ou ‘Alî Aouzâl, originaire de
l’Anti-Atlas central, dans le contexte de son exil forcé à la zaouia de Tamegrout, au
début du XVIIIè siècle. L'auteur procède ainsi à un essai de reconstitution des
circonstances historiques et sociales de l'émergence et du développement de la
littérature écrite en amazighe. En présentant les principales caractéristiques de cette
littérature, il informe sur la manière dont les zaouïas ont utilisé cette tradition dans
leurs efforts de sensibilisation et de mobilisation. L'expérience de la zaouïa de
Tamegrout, en relation avec la production d'Awazl, est en soi un argument majeur
pour comprendre les conditions de la continuité historique de l'écriture en amazighe
avant l’instauration du protectorat français au Maroc.
Outre les articles, le dossier thématique comprend un entretien, en langue française,
établi Ramadan Achab, chercheur et éditeur. Il porte essentiellement sur des
questions relatives au domaine de l’édition des études et travaux sur des aspects de
la culture amazighe. Il rapporte sa propre expérience, aux « Éditions Achab », à Tizi-
Ouzou, en Algérie, en évoquant les motivations du lancement du projet, depuis 2009.
Il rappelle également la ligne éditoriale de la maison et les options de la politique de
publication et de distribution du livre amazighe. Il conclut par une évaluation globale
du bilan de la diffusion du livre amazighe, en mentionnant la valeur ajoutée des
Editions - Achab.
Un autre entretien, en arabe, est effectué auprès de Mohamed Akounad. Ce dernier
y rappelle les premières circonstances de l’avènement de l'écriture chez les
Amazighes, de manière générale, ainsi que les traits saillants de sa propre expérience
d’auteur en langue amazighe à l’ère contemporaine, et notamment dans le Souss. Il
a également évoqué les soubassements cognitifs de l’émergence de l’Alliance des
11
écrivains en amazighe, Tirra, dont il est cofondateur, ainsi que ses perspectives
d’avenir, au regard des acquis réalisés et des défis à relever.
La rubrique Varia contient deux articles, l'un en arabe et l'autre en anglais. Le
premier article, de Moneim Bouâmlat, présente les principaux fondements de la
« Politique berbère » au Maroc pendant le protectorat français. Cette politique, avait
notamment comme finalité principale la pénétration culturelle, les velléités ethniques
et le façonnement de la désunion des composantes de la société marocaine. L'article
met en évidence le statut de ladite politique dans la pensée française, à partir de la
discussion de certains écrits coloniaux sur le sujet. En outre, il y est développé une
approche du dispositif conceptuel structurant la « Politique berbère », et qui permet
la mise en œuvre de cette politique dans la société tribale notamment.
Dans le domaine de la linguistique amazighe, l’article de Karim Bensoukas, intitulé
“Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh : An Optimality-theoretic Account »,
aborde le phénomène de l’éviction de l’occurrence du schwa en syllabe ouverte, dans
les variantes tamazight et tarifit. L’auteur propose comme explication l’intervention
d’une contrainte qui interdit l’association du schwa à une more ; de même,
l’omniprésence de ladite contrainte dans la grammaire des parlers concernés n’est
pas sans générer d’autres phénomènes phonologiques et morpho-phonologiques
apparemment non reliés. Il souligne en outre que le schwa ne participe jamais à un
phénomène d’augmentation par épenthèse vocalique ; il ne contribue pas au poids
des syllabes fermées pour des raisons d’accentuation, et ne remplit pas non plus une
more vacante en cas d’allongement compensatoire.
Dans la rubrique des comptes rendus, M. Aghali Zakara présente l’ouvrage intitulé
L’histoire du Niger de Karl Prasse et Ghabdouane Mohame. Quant au volet des
résumés de thèses, une note de lecture porte sur la thèse de M’barek Abaâzî intitulée
Les aspects poétiques dans la poésie de Ali Sidqî Azaykou (intertextualité, écarts et
harmonie), soutenue en juillet 2021, à la Faculté des Lettres et des Sciences
Humaines, Université Ibn Zohr à Agadir.
Enfin, la Direction et le Comité de rédaction de la revue Asinag tiennent à exprimer
leurs vifs remerciements à tou(te)s les chercheur(e)s qui ont bien voulu apporter leur
précieuse contribution à la réalisation du présent numéro : El Houssaïn El Moujahid,
Jamal Abarnous, Mohammed Adiouan, Mohammed Akoudad, Hassan Alaoui
Hafidi, Ibrahim Al-Qadirî Bochîch, Khalid Ansar, Hassan At-Taleb, Fouad
Azaroual, Brahim Bahaz, Ali Bentaleb, Mohamed Bokbot, Abdelaziz Boudlal, Faïza
Boukili, Abdelaziz Ettahiri, Malika Ezzahidi, Abdellah Faddah, Mohamed
Maghraoui, Ahmed Moslah, Mohammadou Meyine, Carles Murcia, Mostafa
Nachat, Yahya Ould Elbara, Intisar Sfaxi, Al-Bachir Tahali, Mbark Wanaïm.
Asinag - ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ
12
Dossier
L’écriture en et autour de l’amazighe
Asinag-Asinag, 16, 2021, p.15-30
A non-conventional image of the Ancient Mediterranean emerges from the Greek and
Latin sources about the settlement of Sardinia. Next to the Greek, The Phoenicians and
the Punic, the Etruscans and the Roman as major actors, some peoples, identifiable as
autochthones from the North of Africa, appear on scene. They are called Libyans, Mores,
Moroses, et, by Cicero, Afri. Some Sardinian anthropological and linguistic data seem
to witness the echo of the facts related. The Arabic sources, for the most part considered
of byzantine origin, confirm a Libyco-berber presence in the island. A connection
between the Arabic ethnonym Barbar and the Byzantine ethnonym Barbarikinoi in
Sardinia is proposed.
Les sources grecques et latines sur le peuplement de la Sardaigne évoquent une image
non-conventionnelle de la Méditerranée antique. A côté des Grecs, des Phéniciens et des
Puniques, des Étrusques et des Romains en tant qu'acteurs historiques majeurs, des
peuples identifiables comme autochtones du nord de l'Afrique apparaissent sur scène.
Ces derniers sont appelés Libyens, Maures, Maurouses et, par Cicéron, Afri. Des
données linguistiques et anthropologiques provenant de la Sardaigne semblent
témoigner en écho les faits relatés par les sources classiques. Les sources arabes,
considérées en grand partie d'origine byzantine, confirment une présence libyco-berbère
dans l'île sarde. Une connexion entre l'ethnonyme arabe Barbar et l'ethnonyme byzantin
Barbarikinoi en Sardaigne est également proposée ici.
15
Valeria Argiolas
16
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
17
Valeria Argiolas
18
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
de Nora (daté normalement du IX-VIIIe siècle av. J.-C.) (Guzzo-Amadasi, 1976 :88),
il y a mention de l’île en tant que Šrdn, selon l'interprétation la plus accréditée chez
les épigraphistes. La tradition de cette origine mythique des ancêtres des Sardes et
de l’appellation même de Sardaigne sera reprise sans additions significatives pendant
les siècles suivants par Soline (IIIe siècle ap. J.-C.) qui fait explicitement référence à
Timée et Salluste, et par Isidore (IVe siècle ap. J.-C.).
Les historiens s’accordent pour identifier le Σαρδώ de Pausanias avec le Sardus Pater
dont la monnaie romaine portait l’effigie (cf. Moscati, 1988 : 54 ; Mastino,
1992 :34), et dont témoignent les ex-voto et les inscriptions bilingues punico-latines
du temple d’Antas, dans la Sardaigne sud-occidentale, d’époque phénico-punique
(V-IVe siècle av. J.-C.) et romaine (Ier siècle ap. J.-C.). Dans le récit de Pausanias
(X), après un certain temps, des Λίβυες « passèrent encore une fois » en Sardaigne.
La flotte des Libyens ne chassa pas les indigènes ; au contraire, ces derniers les
accueillirent plus à cause de leur supériorité que pour bienveillance. (...). Ensuite,
plusieurs migrations auraient eu lieu de la Grèce, d’Ibérie et d’Asie Mineure (...).
Les Grecs dans le nord et les Africains installés au sud, les deux parties étaient en
situation d’équilibre ; les deux populations étaient séparées par le fleuve Tyrse.
Enfin, après plusieurs années, les Libyens passèrent encore une fois en Sardaigne en
plus grand nombre, et commencèrent une guerre contre les Grecs. Les Grecs furent
entièrement anéantis, ou bien très peu d’entre eux restèrent dans l’île : les Troyens
se réfugièrent dans les endroits montagneux et gardent le nom des Ilienses bien qu’ils
ressemblent aux Libyens physiquement, pour l’armure et pour leurs us et coutumes.
[trad. Perra, 1988 : 33]
La réverbération d’un impact quelque peu brutal avec des populations d’Afrique du
Nord, arrivées au centre-nord de la Sardaigne dans une période antérieure à la
conquête punique du sud de l’île, ne survit-elle pas dans la célébration d’un rite au
cœur de la Barbagia la plus archaïque ? Le souvenir d’une débâcle de guerre serait
évoqué lors d’une représentation rituelle, dans une sorte de cérémonie très vivace
dans l'imaginaire et dans la pratique socialisante collective. Deux masques
s'opposent en défilant solennellement à travers les rues du village barbaricien de
Mamoiada, les Mamuthones et les Issohadores. Les premiers avec un masque de
douleur en bois et déguisés en bœufs, sont « domptés » par les Issohadores, les
lancers de lazzi, qui les entourent au pas rythmique d’une marche, et qui, en les
fustigeant, les obligent à serrer les rangs. D'après l'interprétation classique de
l’anthropologue Marchi (1956 : 1356), ce rituel évoque l'événement de l’arrêt de
l'avancée des sos Moros [les Arabo-musulmans] en Sardaigne. Selon
l’anthropologue Turchi (communication personnelle), il faudrait y voir plutôt la
spécificité d'une influence méditerranéenne égéo-orientale et balkanique, plus
spécifiquement dionysiaque, en relation avec des rites de fécondité agraire qui
remonteraient au Néolithique. Certains éléments peuvent, toutefois, se prêter à une
interprétation allégorique, là où au rite ancestral, plus profond, se serait superposé
un fait de guerre, et plus précisément la mémoire d’une conquête des populations
autochtones par « l’étranger ». L’intégration consécutive à la conquête aurait fait en
19
Valeria Argiolas
20
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
I, 166 mais aussi Thucydide, I, 13, 6, Antiochos cité par Strabon, VI, 1, 1, Justin,
XVIII, 7, 1 et XLIII, 5, 2). A une date comprise entre 541 et 535 av. J.-C, les
Carthaginois et les Étrusques entrent en guerre contre les Grecs Phocéens qui avaient
cherché à fonder la colonie d'Alalia en Corse : les Grecs sont obligés de fuir. La
bataille d’Alalia mettra fin à la politique expansionniste grecque et établira la
répartition de la Méditerranée occidentale entre les alliés Carthaginois et Étrusques,
auxquels iront, respectivement, le contrôle de la Sardaigne et de la Corse. Une
intervention carthaginoise de défense des colonies phéniciennes de l'île sarde étant
désormais exclue (cf. Bartoloni, 1987 : 70), ce massacre de Grecs (ou de leurs alliés
en Sardaigne) dont nous parle Pausanias, en conséquence de l’avancée des Libyens,
peut avoir un sens politique en relation aux événements de la Bataille d’Alalia.
Même si on n’en a pas trouvé de traces concrètes, l'hypothèse d’une ancienne
présence grecque en Sardaigne a été prise en considération par les historiens. Compte
tenu des données de la toponymie (cf. Hubschmid, 1953 : 45) et surtout des résultats
les plus récents de la recherche paléoanthropologique (Cavalli Sforza, 1988 : 34),
« il n'est guère possible de penser que la Sardaigne ait été exclue du mouvement
commercial grec et des Ions de Phocée et d’Alalia en particulier. Des recherches
ultérieures pourront jeter une lumière plus claire, mais il est certain que désormais
on ne peut plus rejeter l'hypothèse que la même Olbia de Sardaigne ait connue, même
pour une période brève, une présence grecque. Il semble pourtant vraisemblable que
la tradition littéraire rend compte d'événements historiques quand elle parle d'un
déplacement de colons grecs [...] » (Meloni, 1975 : 65). Comme l'a dit Gras (1995 :
23), « à côté de la Méditerranée du silence, telle que l’évoquait Hérodote à propos
du commerce sur les côtes africaines, apparaît ainsi progressivement, au cours de
l’Antiquité, une Méditerranée de cris de guerre qui retentissent de plus en plus
souvent. C’est ce cri (alalé) qui donne le nom à la cité phocéenne d’Alalia, signe
d’un nom forgé après coup, au moment où les Phocéens quittent la Corse ».
Le rite de l’incubation, dont nous parle Aristote (384 av. J.-C.- 322 av. J.-C), dans
un passage devenu célèbre sur la relativité de la conception du temps :
« Le temps n’existe plus pour les Sardes qui s’endorment près des sépultures à leurs
héros » (Physica, IV, 11), se prête à être rapproché aux rites des anciens peuples
nord-africains. Hérodote (IV) rapporte que les « Libyens Nasamones » allaient pour
la divination dans les sépulcres des ancêtres, ils s’y recueillaient en prière et puis
s’endormaient : les visions eues pendant leur sommeil étaient à eux des présages ».
Selon Pomponius Mela, qui écrivait dans l'année 43 ap. J.-C., les Augiles de la
Cyrénaïque méridionale s’endormaient à côté des tombes de leurs ancêtres (Géogr.
I, 53). La même tradition est attestée chez les « Mégabares » nord-africains par
Diodore de Sicile (Ier siècle av. J.-C.) (Hist. Univ. XVII, 22-53) et Strabon (60 av.
J.-C. - 24 ap. J.-C.) (Géo. XVII, 787). Bien que l'incubation se retrouve aussi chez
les Grecs, la spécificité et la continuité historique de ce genre de pratique rituelle en
Afrique du Nord est un trait permanent depuis la préhistoire jusqu’aux temps
modernes chez les populations berbérophones (cf. Camps, 1997 : 252).
Procope de Césarée nous a transmis la notice de la déportation en Sardaigne d’une
21
Valeria Argiolas
22
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
(2003 : 34), mais elle a intéressé plusieurs historiens et anthropologues dans le passé.
Camps (1955 : 77) a proposé de voir dans le nom Barbar l’ancien ethnique
autochtone « Bavares ». L’objection de Modéran (2003 : 44) est que les Arabes les
auraient rencontrés, sur leur chemin de conquête du nord de l’Afrique, beaucoup plus
tard par rapport à l’année 642 ap. J.-C., année où « le vainqueur de l’Egypte, Amr b.
al As faisait vraisemblablement son entrée dans le monde berbérophone en
rencontrant, à l'intérieur de la Cyrénaique, les Lawâta » (Modéran, 2003 : 34).
Rouighi (2011 : 69) émet une hypothèse. Dans les sources grecques (Périple de la
mer Érythrée - Ier siècle), Barbar désigne les habitants d’une région de l’Égypte à
proximité de la mer Rouge qui prend le nom de « mer barbar » chez Ptolémée (90
ap. J.-C. - 168 ap. J.-C.). Les habitants de cette région de l’Afrique de l’est étaient
connus par les Arabes préislamiques. Le poète Imru’ al-Qays (VIe siècle), parmi
d’autres, parlerait de ces Barbar dans un poème cité par Ibn Khaldūn dans la
Muqaddimah. Notre contribution au débat sur la désignation des « barbares »
d’Afrique se base sur un parallélisme avec la Sardaigne antique et médiévale. Il nous
semble, toutefois, préalable de poser la question de l’identification des Mauri - terme
généralisé au IVe siècle ap. J- C.- aux Barbar. Est-il toujours admis par les historiens
qu’« en fait les Berbères des Arabes sont les Maures des Romains » (Camps, 1996 :
45) ? Ou les Arabes ont appliqué leurs critères de classement des peuples sur la base
ethnique (les généalogies) et tribale selon leur propre tradition d'historiens ? Comme
souligné par Modéran (2003 : 89), la première occurrence sûre du mot Barbar devait
se trouver dans l'œuvre d'Ibn al-Kalbī (VIIIe siècle), puisqu’Ibn Khaldūn rapporte
qu'il distinguait les Kutāmā et les Sanhādja des « tribus berbères ». Le silence des
auteurs latins sur les généalogies tribales ou sur un ancêtre éponyme (d’influence
grecque ou arabe) est, d’après Modéran, « assez troublant ». Il se demande : « ne
disaient-ils rien des généalogies tribales parce qu’elles ne correspondaient
simplement pas à leur conception plus territoriale de la définition d’une communauté
humaine ? ». En Ifrîqiŷa, les Arabes ont distingué plusieurs éléments : les Rūm, les
‘Afāriq et les Barbar. Schirmer (1892 :72) a été le premier à proposer une étymologie
latine (˂ lat. Barbari) de l’ethnonyme arabe Barbar. L'acception d’un Autre
« dépourvu d’éducation » de la forme grecque βάρϐαρος, aurait été historiquement
assimilée par la culture romaine et, bien qu’avec une distance critique, par le
Christianisme, à travers Augustin d'Hippone (ep. 199). Ce dernier définit comme
barbarae gentes les tribus maures non évangélisées mais l'évangélisation n'était pas
toujours un trait discriminant (cf. Gebbia, 1986 : 115). Le sens de « l’exclusion »
propre au grec βάρϐαρος semble absent dans le correspondant latin BARBARI. Le
modèle culturel d’assimilation de Rome conquérante est à la fois intégrationniste
(dans les institutions) et culturaliste (dans la « tolérance » envers les cultes étrangers
et la coutume des peuples). Il innovait par rapport au modèle grec, où le « barbare »
restait en dehors de la πόλις et devait être tenu à distance. Comme le rappelle Sini
(2006 : 78), « nell’intero arco del suo sviluppo storico dalla civitas all’impero, la
res publica romana – e la sua religione politeista - è sempre stata caratterizzata
dalla continua esigenza (e preoccupazione) di integrare l’“alieno” : dèi, uomini,
spazi terrestri; divinità dei vicini e divinità dei nemici, cerchi concetrici sempre più
23
Valeria Argiolas
24
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
21). Selon Modéran (2003 : 33), l’opposition entre gens et civis chez Corippe (La
Johannide, chant IV, VI, VIII) est significative des termes culturels qui opposaient
Maures et Romains en guerre : « elle exprime véritablement la vision corippéenne
des rapports byzantino-berbères au VIe siècle, qui a toutes les chances, étant donné
la nature et le public du poème, d’être aussi la vision officielle de l’Empire ».
Cependant, comme mis en évidence par Gaudemet (1992 : 45), « le concept même
de civitas dans les siècles IV et V est privé de son aura au profit de celui de populus ».
La civitas romana, susceptible d’être définie en tant qu’ensemble d’hommes libres
qui décident sans contrainte de former une communauté politico-religieuse organisée
(cf. Cicéron De legibus 1.23) perd son « essence juridique » (Gaudemet, 1992 : 24)
à partir de la constitutio antoniniana (212 ap. J.-C.). Si, par rapport à Rome et à son
histoire, le terme civitas finit par avoir une vêture fiscale et juridique, dès la
constitutio antoniniana, la citoyenneté étant attribuée à tous les habitants libres de
l'empire, le terme civitas désigne un centre habité. Un rapprochement syntagmatique
entre l’ensemble de cives, civitas, et le fait « barbare » - Civitatates Barbariae - est
attesté en Sardaigne. Le premier document latin, dans lequel apparaît l'expression
Civitatates Barbariae, est une épigraphe dédicatoire du siècle Ier av. J.-C. Elle est
considérée comme une sorte de document de pacification forcée des populations de
la Sardaigne centrale sous l’empereur Tibère. Les sources relatives aux Civitates
Barbariae ne remontant pas au-delà de l'âge tibérien, « on doit croire, avec Ettore
Pais, que c'est depuis le principat augustinien que les autochtones de la Sardaigne
centrale n'étaient plus appelés Ilienses ou Iolaei parce qu’appelés par le péjoratif «
barbares » (Zucca, 1989 : 56). Le terme civitas désignait, durant l'âge impérial,
l'ensemble des cives, en devenant ainsi le synonyme de populus, voire d'un concept
qui véhiculait en latin l'idée de différentes tribus qui partageaient une même affinité
ethnique (cf. Irmscher, 1994 : 88). Selon Irmscher (1990: 297), “bezeichnete der
Grieche Claudian, den man den letzen großen lateinischen Dichter genannt hat den
Mauren Gildo als barbarus und sprach von dessen Aushungerungspolitik
gegenhuber Rom, er wage zwischen Leben und Hunger mit berberischem Hochmut:
praebere cibos vitamque famemque librat barbarico fastu. Das war so in der Zeit
des Kirchenvaters Augustin. In die Epoche Justinians aber gehört der Epiker
Corippus der selbst aus Afrika geburtig, in seinem Lob freis des kaiserlichen Feldern
Johannes die Turbe Maurorum Barbarisch nennt”.
En Afrique, « les interventions du pouvoir impérial romain, directes ou indirectes,
ont pour effet d’affaiblir les cadres tribaux et d’accélérer un processus
d’acculturation individuel ou collectif. Des gentes tendent à s’organiser en civitates.
Cette évolution se traduit par un changement de vocabulaire : les gentiles forment
désormais un populus et sont dirigés par des principes civitatis » (Kotula, 1985 :
210). Civitatates Barbariae est attesté en Sardaigne pour une période où civitates
avait la connotation de « peuple » et pas celle de « centre habité », d’après l’étude
de Irmscher (1994 : 137). C’est dans le contexte des civitates barbariae que doit être
interprété l’ethnique sarde « Barbariciens » attesté chez Procope (La guerre contre
les Vandales II, XII, 39-45).
25
Valeria Argiolas
Les habitants de Sardaigne étaient considérés comme « Qawm min al-Ifrānğ [Peuple
du Pays des Francs] » par an-Nuwayrī (1268-332 ap. J.-C.) (Hist. du Maghreb) et
explicitement de la même « race » des Berbères par Ibn Khaldūn (1332-1406 ap. J.-
C.) (Hist. des Berbères). Pour l’historien arabe al-Idrīsī (1100-1165 ap. J.-C.) (4),
« ...Wa ahl ğazirat Sardāniya fī al asl Rūm Afāriqa mutabarbirūn mutawaḥišūn min
ağnās ar-Rūm wa hum ahl nağida wa ḥazm lā yufariqūn assilāḥ » [...(et) les
habitants de l’île de Sardaigne sont des Rūm Afāriq « mutabarbirūn », de la même
origine des Romains, (et) ils sont un peuple brave et qui ne se sépare jamais des
armes] ». Selon Contu (2003 : 540), « le participe « mutabarbirūn », qu’Idrīsī utilise
en référence à tous les habitants de Sardaigne, se prêterait à être traduit par « ils
devenaient des barbares », si la source de l’historien arabe était Timée ou Dédore,
ou « Barbariciens », si la référence était le nom couramment utilisé par les Byzantins
en tant que terme ethnique pour la Sardaigne centrale dès les siècles V-VI ap. J.-C.
Pendant les siècles V-VI ap. J.-C., « Barbariciens » devenait le nom couramment
utilisé par les Byzantins afin de distinguer les habitants de la BARBARIA de
Sardaigne (˃ sard. Barbagia) de ceux provenant des aires latinisées, appelées ainsi
RȎMĀNIA (˃ sard. Romangia). Le terme Romania est attesté dans les textes latins
à partir des années 330-340 ap. J.-C, le terme étant toujours employé par opposition
aux « barbares extérieurs » (cf. Inglebert, 2005). En réalité, l’ambiguïté à laquelle se
prête, dans le texte supra, le mot « mutabarbirūn » est celle entre « barbares » et
« Berbères », une ambiguïté entièrement due à la traduction dans des langues de
travail qui connaissent et le mot « barbares » et le mot « Berbères ». Il n'en est pas
ainsi en arabe classique, qui connaît le seul Barbar dans le sens de l'ethnonyme
« Berbère ». La structure syntagmatique de civitates barbariae et de Μαυρούσιον
έθνη chez Procope répond, en partie, à la question historique concernant la
connotation du lat. BARBARI dans la langue des Byzantins en Afrique et en
Sardaigne qui doivent être considérés comme les sources des Arabes.
5. Les sources classiques révèlent une conscience historique et littéraire de la
présence en Sardaigne des populations autochtones du nord de l’Afrique appelées
Libyens, Maures, Maourouses et Afri (chez Cicéron). Les sources arabes confirment
l’existence d’un espace libyco-berbère en dehors de l’Afrique en relation au fait
« barbare » en Sardaigne. Il est possible de poser un parallèle entre des « barbares »
de Sardaigne reconnus d’origine « africaine » non punique et les « barbares »
d’Afrique chez les Romains, les Byzantins et les Arabes, les Civitates Barbariae
étant documentées dans ce même espace libyco-berbère en dehors de l'Afrique des
sources classiques, la Sardaigne antique et tardo-antique.
Bibliographie
Les sources classiques
Aristote, (2005), Œuvres. Éthiques, Politique, Rhétorique, Poétique, Métaphysique
Collection Bibliothèque de la Pléiade, Gallimard, Paris.
Augustin d’Hippone (1968), Corpus scriptorum Augustinianorum, Augustinianum,
26
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
Rome.
Cicéron, Marcus Tullius Cicero (1827), Œuvres Complètes, édition publiée par Jos.
-Vict. Le Clerc, 3Tomes, Paris.
C.I.L. = Corpus Inscriptionum Latinarum
Corippe, (2007), La Johannide ou Sur les guerres de Libye, Jean Christophe
Didderen (traducteur) et Christian Teurfs (préface et commentaires), Errance, coll.
« Biblioteca », Paris.
Diodore de Sicile, (1972), Bibliothèque Historique, I, Les Belles Lettres, Paris.
Hérodote - Thucydide, (2003), Œuvres complètes, Gallimard, coll. « Pléiade »,
Paris.
Isidore de Séville (1945), Isidorus Hispaniensi, Laboratorios del Norte de Espana,
Barcelona.
M. Iuniani Iustini, (1985), Epitoma historiarum Philippicarum Pompei Trogi
accedunt prologi in Pompeium Trogum post Franciscum Ruehl iterum edidit Otto
Seel, Leizpig, Teubner.
Nicolas de Damas (2011), Histoires, Recueil des coutumes, Vie d’Auguste,
Autobiographie. Traduit par E. Parmentier et F. P. Barone, Les Belles Lettres, Paris.
Pausanias (1987), Description de la Grèce, Traduction Jean Pouilloux, texte établi
par Michel Casevitz, Les Belles Lettres, Paris.
Pline l'Ancien, (2013), Histoire naturelle, Éditée par Stéphane Schmitt, Paris,
Gallimard, coll. « Bibliothèque de la Pléiade »
Polybe (1971), Histoires - Commentaire de M. Molin, Texte établi par Jules Albert
de Foucault, Traduit par Eric Foulon, Les Belles Lettres, Paris.
Pomponius Mela, (1988), Chorographie, texte établi, traduit et annoté par Alain
Silberman, Paris, Les Belles Lettres.
Procope de Cesarée (1990), La Guerre contre les Vandales, trad. et commenté par
Denis Roques, Les Belles Lettres, Paris.
Ptolomée (1828), Traité de géographie (8 livres). - Traduction française de Halma
N., édition Ebherhart, Paris.
Salluste (1865), Oeuvres completes avec la traduction de la collection Panckouke par
C. Dourozoir, Garnier frères, Paris.
Silius Italicus, (1979-1992), La guerre punique, trad., Les Belles Lettres, Paris.
Strabon, (1867), Géographie - trad. Amédée Tardieu, Gallimard, Paris.
Varron, (1997), Économie rurale, trad. J. Heurgon et Ch. Guiraud, Les Belles
Lettres, coll. des Universités de France, Paris.
27
Valeria Argiolas
Ibn Khaldūn, (1956), Histoire des Berbères et des dynasties musulmanes de l'Afrique
septentrionale, traduite de l'arabe par de Slane, P. Geuthner, Paris.
Idrīsī (Al- Idrīsī), (1983), Al-Qârat̋ al-ifriqiyyat̋ wa ğazîrat̋ al-Andalus, Al-Ğazâ'ir,
Dîwân al-mat ̣bû'ât al-ğâmi'iyat̋).
Nuwayrī (An-Nuwayrī), (1923-1949), Nihāyaẗ al-arab fi funūn al-adab, Al-Qāhiraẗ,
Dār al-kutub al-miṣ riyyaẗ.
28
La Sardaigne libyco-berbère dans les sources gréco-latines et arabes
29
Valeria Argiolas
30
Asinag-Asinag, 16, 2021, p.31-46
Tamegrout et le développement
de la tradition de lmazghi
El Khatir Aboulkacem-Afulay
IRCAM, Rabat
Inscrite dans le sillage des études qui mettent en rapport la littérature religieuse
écrite notamment en tachelhit, appelée lamzghi, et l’action des zaouïas, cette
contribution se propose de situer la production de Mhend Ou Ali Awzal, savant
originaire de l’Anti-Atlas central, dans le cadre précis de son exil forcé au sein de
la zaouïa de Tamegrout dirigée alors par le Cheikh Sidi Ahmed Benasr, au début du
XVIIIe siècle. Après avoir restitué les contextes historiques et sociaux de
l’apparition et du développement d’une littérature écrite en amazighe et présenté ses
traits majeurs, nous nous sommes attelé à montrer comment les zaouïas, devenues
des acteurs importants dans la vie locale à partir du XVIe siècle, ont instrumentalisé
cette tradition dans leur action de rayonnement et de mobilisation. La présentation
de l’expérience de la Maison de Tamegrout mise en rapport avec la production
d’Awzal, développée dans les derniers paragraphes, constitue un argument majeur
pour la compréhension des conditions de la continuité historique d’une écriture en
amazighe avant l’établissement du protectorat au Maroc.
31
El Khatir Aboulkacem-Afulay
32
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
1
Mouvement politico-idéologique et produit des opinions élaborées par ceux qui se sont
retirés de l’armée d’Ali Ibn Talib, gendre du Prophète et quatrième khalife, après la guerre
de Siffin (Vida, 1978 : 1106-1109).
33
El Khatir Aboulkacem-Afulay
Prophète qui étalent leurs faits nobles et les présentent comme les sauveurs d’une
religion en déclin, l’action de ce mouvement s’est caractérisée par une intense
production littéraire en amazighe. Ainsi, les chroniques ibâdites regorgent
d’informations qui nous permettent de voir comment l’action de leurs premières
Imamats était très bénéfique pour ce genre de production religieuse. A titre
d’exemple, les Rustumides, après avoir établi l’Imamat de Tahert, ont encouragé
l’écriture en amazighe (Bekri, 2005). Abou Sahl, qui est originaire de la montagne
de Nefoussa (Tripolitaine) et savant célèbre classé suivant la hiérarchie de la doctrine
dans la cinquième classe -ṭabaqa- a composé, à lui seul, plus de douze ouvrages dans
cette langue. Très éloquent dans cette langue, il assurait aussi la fonction du
traducteur au Rustumide Aflah à Tahert2. C’est en ce sens que le kharidjisme, avec
ses différentes branches et recompositions, en s’inscrivant dans des actions de
compétition politique et idéologique, est amené à écrire en amazighe. Ce contexte
constitue une structure d’opportunité favorable à une propagande et, par-delà, à la
mobilisation des détenteurs du savoir pour la production en langues locales. C’est
dans ce cadre précis que l’idée d’écrire a émergé et cette technique, en adoptant les
matériaux de la culture de l’autre, a été utilisée à des fins idéologiques et politiques
pour la conquête du pouvoir. L’écriture est ainsi une activité située. Répondant à des
demandes exprimées, elle est intimement liée aux stratégies politiques de ces
mouvements de contestation.
Dans un autre contexte et quelques siècles après, l’expérience de la dynastie des
Almohades illustre aussi l’utilisation politique de l’écriture en amazighe. Dès la
manifestation de son ambition politique, le Mahdi Ibn Toumert, théoricien et
initiateur du mouvement, a produit deux textes fondateurs dans « la langue
occidentale », suivant les termes utilisés par l’historiographe de la dynastie Al
Baidaq. Au-delà des besoins de communication pour la diffusion de la doctrine,
l’apprentissage de ces textes est posé comme un critère de définition. D’après le
Raoudh el-Kirtas (anonyme, 1860 : 250), le Mahdi a ordonné l’apprentissage du
thaouhid (doctrine de l’unicité), qui est un opuscule divisé en chapitres et sections
pour en faciliter l’assimilation par cœur, et en fait un signe de distinction. Suivant
ses propres termes, cités dans le même ouvrage, « Quiconque ne suivra pas ces
maximes ne sera point Almohade, mais bien infidèle avec lequel on ne fera pas sa
prière, et on ne mangera pas la chair des animaux tués par ses mains ». La récitation
des opuscules du maître trace ainsi une frontière qui sépare les Almohades des autres,
et en particulier les ennemis politiques et doctrinaux, les Almoravides. Dans la même
stratégie du marquage politique, les nouveaux maîtres ont instauré la maîtrise de la
langue amazighe comme condition d’accès à la charge de khatib à Fès. Il est possible
de multiplier les exemples, mais la présentation de ces deux expériences montre que
le fait d’écrire et de diffuser l’écrit est un acte significatif et fondamental, il participe
de la stratégie politique. Il est donc en partie légitime de constater l’importance du
2
Pour d’amples informations sur cette production, voir Ad Darjini (1974) ; Lewicki (1934 :
275-296 ; 1936 : 267-285 ; 1961 : 1-134 ; 1966 : 227-229) ; Motylinski (1907 : 69-78 ;
1895 :15-72) et Ould-Braham (1988 :5-28).
34
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
rôle qu’il a joué dans les modalités opératoires des mouvements en quête de pouvoir
dynastique dans leur campagne et dans l’organisation du pouvoir après sa conquête.
Mais, à partir de ce siècle, la modification des représentations faites sur la légitimité
politique a des effets non seulement sur la conduite sociale et politique des tribus,
mais aussi sur leur production culturelle et ses usages. L’écrit en amazighe n’est plus
un habit du pouvoir suprême, il est de plus en plus confiné dans les stratégies des
mouvements maraboutiques. En effet, et à partir du XVIe siècle, les zaouïas sont
devenues de véritables acteurs dans le champ social et politique. Au-delà de leur
implication dans les compétitions dynastiques qui ont abouti à la fois à l’affirmation
du principe du chérifisme comme critère d’accès au pouvoir et à sa consolidation par
la réussite des Alaouites, elles se sont imposées comme figures centrales du jeu local
et de l’intellectualité rurale.
3
A propos d’Aznag, voir, outre le travail cité d’Amahan, Boogert (1995 : 120 ;1997 : 93-
102).
4
D’après el-Oufrani (1889 : 342-345), Abdellah a pris le commandement de la zaouïa après
la mort de son père Said, survenue en 1546. Pour rallier les masses de la montagne, surtout
que la maison est entraînée dans un rapport de forces inégal caractérisant les concurrences
dynastiques, il a composé un traité bilingue arabo-amazighe sur les terreurs de la vie future
et s’est employé à l’enseigner aux pèlerins qui affluaient de toute part sur la zaouïa.
35
El Khatir Aboulkacem-Afulay
5
Ces lettres sont échangées entre, d’une part, les chefs de la zaouïa de Dila dans le Moyen-
Atlas et le saâdien as-Shaykh ben Zaydan et, d’autre part, l’alaouite Mohammed ben Chérif
et le dilaite Mohammed al-Hajj. Elles ont été rapportées par l’historien an-Naciri dans le
quatrième volume de sa monumentale histoire du Maroc (Sadki, 1990 : 25).
36
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
seuls chérifs est déjà profonde chez les uns et les autres. Il serait très intéressant
d’ailleurs de savoir dans quelle mesure ce facteur a contribué à refouler, chez les
Imazighen de l’Atlas, même quand ils sont puissants, toute aspiration au pouvoir
suprême » (Sadki, 1990 : 25). Il établit ainsi une relation entre le refoulement des
forces de renouvellement rurales et l’affirmation du principe généalogique comme
déterminant dans les logiques de légitimation politique. Ne cherchant plus à
renouveler le pouvoir central, les forces du renouvellement se contentent de
maintenir un jeu d’équilibre régional et de résister à toute tentative sérieuse de
concentration du pouvoir politique6. Inscrites dans une situation que caractérise
l’absence de tout projet de renouvellement politique après l’épuisement de la rivalité
dynastique, les zaouïas sont confinées avec leurs modes opératoires dans les
mécanismes de la vie locale et communautaire et dans les rivalités internes entre les
principaux prétendants à la sainteté.
En un mot, le changement des idéologies légitimant l’accès au pouvoir politique et
l’apparition d’autres signes extérieurs et mobilisateurs ainsi que l’affirmation d’un
cléricalisme citadin, né de l’installation des exilés de la Reconquista avec son style
et ses langages, ont sensiblement écarté cette pratique scripturaire de la sphère du
pouvoir central, pour être progressivement adoptée et utilisée par les marabouts dans
leurs modalités d’action. En s’imposant comme figures dominantes du jeu social et
politique local depuis cette période, la pratique a accompagné leur mouvement et
tribulations. Pour marquer l’identité d’une maison naissante ou en expansion, ou
d’un saint en compétition durant les périodes de succession, on charge souvent un
lettré, disciple ou proche, pour composer une œuvre en amazighe. L’œuvre permet
de faire entrer cette figure montante de la sainteté dans la mémoire du groupe. Elle
est en ce sens un témoignage d’une nouvelle conquête, un rappel d’une pratique, le
signe d’une différenciation et/ou la marque d’un renouveau confrérique. C’est dans
ce contexte qu’on peut comprendre comment les zaouïas ont joué un rôle important
dans l’évolution de la production lettrée en amazighe, en particulier dans le parler
tachelhit. Qu’en est-il alors de l’apport de la zaouïa de Tamegrout ?
6
Le même historien, dans un autre article sur les avis juridiques émanant des lettrés
marocains du XVIIe siècle à propos du statut légal des structures sociales rurales, s’est
efforcé d’élucider les nouveaux enjeux provoqués par le changement des rapports entre la
culture et la société dans le monde rural. Le principe de légitimité politique étant résolu,
les savants ruraux tendent à remplacer cette préoccupation théorique par une autre, plus
imposante : le statut légal des institutions avec lesquelles ils doivent composer (voir Sadki
Azayku, 2002 : 185-238).
37
El Khatir Aboulkacem-Afulay
la vallée de Draa, dans le territoire de la tribu de Fezouata. Elle est créée au mois de
Ramadan de l’an 983 de l’hégire (1575), par Sidi Abou Hafs Amr ben Ahmed El
Ansari, membre d’une zaouïa d’importance relative connue sous le nom de Sid Nnas7
et disciple de nombreuses autorités mystiques auprès desquelles il a détenu la qualité
de transmetteur du wird (chapelet et prière) de la voie chadilite comme Aboulqassim
El-Ghazi (m.1574).
Après une période de succession irrégulière, comme celle d’Abdellah Ben Hocine
El-Roqqi (m.1631) et d’Ahmed Ben Ibrahim El Ansari (mort assassiné en 1642),
petit-fils du fondateur de la zaouïa, Tamegrout ne commence à se constituer en foyer
important dans la hiérarchie religieuse et scientifique et à établir une lignée stable et
durable qu’avec la prise de direction par Sidi M’hammed Benasr (1603-1674), en
1645, dans des conditions que nous n’allons pas détailler ici8. Bien qu’il n’ait pas de
liens de parenté avec la famille des fondateurs de la zaouïa, Sidi M’hammed, en
convertissant ses compétences de professeur de sciences religieuses, qui sont son
principal capital et atout majeur, a réussi à conquérir les commandes de la zaouïa.
Mais les hostilités des parents, qui revendiquent la succession par voie héréditaire,
l’amènent à mettre en œuvre les stratégies d’alliance matrimoniale et épouse, en
secondes noces, la veuve et parente du dernier chef Sidi Ahmed Ben Brahim, Hafsa
Bent Abdallah El Ansaria.
« Personnalité complète », aux dires de Jacques Berque (2001 : 41), il a acquis une
renommée aussi bien scientifique que mystique et fait de la modeste zaouïa une
maison attractive et imposante. Celle-ci devient un foyer de rayonnement et attire
désormais une pléiade de savants et d’autorités de l’époque à la fois pour
l’acquisition des sciences et l’insertion dans la chaine de la transmission mystique.
L’exemple de Lahcen Al Youssi (Berque, 2001), qui est venu y recevoir de la science
et de la mystique et devenir le célèbre disciple de la zaouïa, illustre mieux son
importance à cette époque.
C’est de son dernier mariage avec Hafsa que va naître son fils Ahmed, dit al-
Khalifa/le successeur, qui devrait succéder à son père à la tête de la maison après la
mort de ce dernier en 1674 à l’âge de 71 ans. Il a conquis, suivant les propos de
Berque (2001 : 45), « comme organisateur de l’ordre, savant et voyageur, plus de
renommée encore que son père ». Les deux maîtres et aventuriers dans les voies de
la science et de l’effluve mystique ont donné une impulsion profonde à cette modeste
maison qui ne tarda pas à se transformer en force religieuse, sociale et politique
pesante et considérable refusant, même si elle n’a jamais exprimé de réelle ambition
politique, de professer dans les prêches rituels de la prière du vendredi les noms des
7
A propos de cette zaouïa, voir Hajji (1976, t. II : 542-544).
8
Certaines études ont détaillé les péripéties de cette accession à la direction mystique de la
zaouïa. Voir Amalek (2006, t. I : 89-110), Bodin (1918 : 259-295) et Spillman (2011 : 185-
224).
38
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
9
D’après Bodin (1918 : 269), « Il se refusa toujours à mentionner dans la khotba du vendredi
le nom du Sultan Moulay ach-Cherif, disant que la pratique d'appeler la bénédiction divine
sur qui que ce fût dans le prône du vendredi était une innovation à la Sounna. Moulay
Chérif lui envoya une lettre de menaces. Sidi M'hammed se contenta de retourner la lettre
même au pied de laquelle il avait écrit : « A ta guise ! tu ne feras que mettre fin à cette vie
mortelle ». Les relations ont resté généralement indifférentes jusqu’en 1761 quand la
maison, en la personne de son chef Youssef Ben Mohamed El Kébir (m.1197), a prêté
serment de fidélité à Sidi Mohammed ben Abdallah lors de son intronisation, (ibid. : 276).
10
avec ses interventions dans les conflits locaux entre tribus comme arbitre et conciliatrice
et parfois même entre les membres de la famille régnante des Alaouites notamment entre
deux fils du Sultan Moulay Ismaël qui se faisaient la guerre dans l'oued Dra (Bodin, 1918 :
290-291).
11
Bodin (1918 : 287) rapporte cette légende : « Un notable des Fechtala venait ordinairement
conduire des moutons dans le Drâa et descendait dans la zaouïa. Quelques individus vivant
de brigandage menacèrent un jour de le détrousser. Ce marchand se trouvant précisément
avoir sur lui des sommes considérables, le cheikh Ahmed ben Ibrahim leur fit demander
de le laisser passer sans l'attaquer, mais ils s’y refusèrent. Le Fechtali prolongeant son
séjour dans la zaouïa, le cheikh Ahmed lui donna l'ordre de partir ; « Monseigneur, dit
l'homme, j'ai peur que ces gens-là ne m'ôtent la vie », « Tu n'as rien à craindre, lui affirme
le Saint ». Le marchand se mit donc en route et, arrivé à un certain endroit, il fut attaqué
par ces brigands qui l'entourèrent, lui et ses compagnons. Ils se trouvaient dans cette
situation critique lorsque, soudain, un lion énorme et d'une forme terrifiante, chargeant les
brigands, les dispersa, chacun fuyant seul de son côté. Or, jamais auparavant on n'avait vu
de lion en cet endroit. Dieu sauva ainsi cet homme, en dépit de leurs mauvais desseins ! ».
39
El Khatir Aboulkacem-Afulay
12
La présence de ce genre d’établissements et leur distribution géographique équilibrée tout
le long de la région grâce à l’action des zaouïas et des communautés locales ont permis la
reproduction des classes de lettrés locaux à travers les siècles sans dépendre des politiques
du pouvoir central. Il est d’ailleurs important de mettre en rapport les origines sociales
rurales de la dynastie Mérinide et sa volonté de former sa propre classe de savants dans la
compréhension de l’introduction de ces institutions à la ville de Fès.
40
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
13
A propos de la méthode adoptée dans l’enseignement dans la zaouïa et les matières
programmées, voir Amalek (2006, t. II : 275-319).
14
Outre le nombre important des copies de ses œuvres qui se trouvent dans les bibliothèques
aussi bien publiques que privées, l’œuvre d’Awzal a bénéficié des éditions depuis la fin du
XIXe siècle, voir Luciani (1897), Stricker (1960), al-Jishtimi (1977), Boogert (1992 : 121-
137 ; 1997) et Afa et Charaf Eddine (2009).
41
El Khatir Aboulkacem-Afulay
Hormis quelques bribes recueillies dans les écrits des biographes du Sud comme
Mokhtar Soussi (1961, t. 14 : 315 et t. 16 : 201 ; 1984 : 191 ; 1989 : 75) et Houdaigui
(2006, t. II : 363), qui était un de ses élèves, et reprises par les contemporains comme
Ahmed El Adaoui (al-Jashtimi, 1977 : 14-22), Jouad (1987 : 27-41) et Van Den
Boogert (1992 : 121-137 ;1997), nous ne disposons pas d’assez de matériaux sur la
vie et la trajectoire d’Awzal. Né probablement vers 1670 à Lqsbt, village situé dans
Ikbiln, une des principales fractions de la tribu des Indouzal (Anti-Atlas méridional),
Awzal devait suivre, comme ses semblables, les pas d’une enfance rurale de
l’époque : initiation aux techniques de l’écriture dans l’école coranique
communautaire, apprentissage par cœur des versets du Coran selon le rythme et la
méthode locaux, initiation aux travaux agricoles, aux rites et divertissements….
Mais sa vie est bousculée suite à un événement tragique. Il s’est en effet trouvé, après
avoir commis un meurtre, dans l’obligation de quitter son village et de chercher un
lieu pour s’exiler en attendant le pardon de la famille de la victime, suivant les
dispositions de la coutume pénale locale. Il débarque à Tamegrout qui se présente à
lui, suivant ses propres termes, comme une citadelle imprenable, agadir. Il y arrive
sous le règne d’Ahmed Al Khalifa et probablement à une date antérieure à l’an 1700,
celle-ci coïncidant avec l’écriture de son premier ouvrage en arabe intitulé Mahamiz
al-ghaflan.
En trouvant refuge et traitement convenable dans la zaouïa, il a consacré sa vie à
l’étude et au service du maître des lieux, qui est aussi son protecteur, Sidi Ahmed
Benasr. Manifestant des compétences scientifiques et une habileté à écrire aussi bien
en arabe qu’en amazighe, Sidi Ahmed le Khalifat, engagé paraît-il dans une
compétition avec ses demi-frères et rivaux qui se sont lancés dans la fondation de
zaouïas dans d’autres endroits, lui ordonne, en s’inspirant des actions et des
stratégies des autres maisons de l’Atlas comme celle des Ayt Ouissaâden, de
composer une œuvre en amazighe. En guise de réponse à cette demande et de
reconnaissance de l’autorité et des bienfaits du maître, Awzal, en prenant comme
modèle une œuvre antérieure qui n’est que les traités de religion composée plus d’un
siècle plus tôt de Brahim Aznag, il compile sa première œuvre sous forme d’un texte
versifié sur les pratiques rituelles intitulée le haoud/l’abreuvoir, et ce en 1707. Les
motivations sont claires et annoncées dès les premiers vers. L’auteur reconnaît en
effet que sans la bénédiction du maître, ni le savoir acquis ni l’intelligence ne sont
suffisants pour accomplir une telle tâche15. Et dans la deuxième partie du haoud,
compilée en 1709 et consacrée aux transactions et relations sociales, il affirme qu’il
n’avait pas au départ l’intention de s’attaquer à cette partie de la doctrine religieuse.
15
ⵙⵉⴷⵉ ⵃⵎⴰⴷ ⵓ ⵎⵓⵃⵎⵎⴰⴷ ⴰ ⵛⵛⵉⵅ ⵏ ⴷⵔⴰ-ⵢⵉ
ⵍⴱⵔⴽⵜ ⵏⵏⵓⵏ ⴰⴼ ⴰ ⴼⵜⵜⵓⵏ ⴰⵢⴰⴷ ⵖ ⵏⴱⴷⴰ
ⵓⵔ ⴷ ⵍⵄⵉⵍⵎ, ⵓⵍⴰ ⴰⴼⵓⵍⵙ ⴰⵢⴰⴷ ⵏⵓⴼⴰ
ⵍⵄⵏⴰⵢⵜ ⵏ ⵙⵉⴷⵉ ⵃⵎⴰⴷ ⴰ ⵜ ⵉⵃⴰⵎⴰ ⵍⴱⴰⵔⵉ
ⴰⴷ ⴰⵏⵅ ⵉⵣⵣⵉⵖⵣⵉⴼ ⵕⴱⴱⵉ ⵖ ⵍⵄⵎⵎⵔ ⵏⵏⵙ ⵉⵣⴰⵢⴷ ⴰⵙ
ⵖ ⵍⵅⵉⵔ ⵉⴼⴽ ⴰⵙ ⵕⵕⴹⴰ ⵏⵏⵙ ⵉⴼⵓⴽⴽⵓ ⵜ ⵉ ⵍⴱⴰⵍⴰ.
42
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
C’est son maître qui lui a ordonné la composition de cette œuvre, devenue suivant la
classification établie de sa production, la partie II du haoud. Il dit :
ⴷⵖⵉ ⴷ ⴰⵖ ⵉⴽⵎⵎⵍ ⵍⵎⵓⵔⴰⴷ ⴷ ⵍⵎⵇⵚⵓⴹ c’est ici où prend terme mon intention
ⵉⵏⵡ
ⴰ ⵍⴰⵄⵡⴰⵏ ⵏ ⵕⴱⴱⵉ ⴷ ⵍⴱⵔⴽⵜ ⵏ ⵛⵛⵉⵅ ⴰⴷ ⵏ avec l’aide de Dieu et la bénédiction
ⴷⵔⴰ-ⵢⵉ du maître de Dra
ⵙⵉⴷⵉ ⵃⵎⴰⴷ ⴱⵏⵏⴰⵚⵕ ⴷⴰ ⵢⵓⵚⵚⴰⵏ ⴰ ⵉⴽⵎⵎⵍ Sidi Ahmed Bnasr, qui a ordonné de
terminer le travail
ⵉⵎⵎⴰ ⵏⴽⴽⵉⵏ ⵓⵔ ⴰⴽⴽ ⴹⵎⵄⴰⵅ ⵉⵙ ⵉⵣⵡⴰⵔⵉ quant à moi, je n’avais au départ
d’ambition
que d’évoquer les cinq piliers de la
ⴱⵍⴰ ⵙⵎⵎⵓⵙ ⵍⵇⴰⵡⴰⵄⵉⴷ ⵍⵍⵉ ⴱⵔⵅ-ⵉ/
religion
En outre, il compose deux autres textes, un sur l’exhortation et l’édification intitulée
Baḥr ad-dumuɛ [Océan des pleurs] en 1714 et un éloge à son cheikh Sidi Ahmed. La
date de la compilation de ce poème d’éloge et de remontrance, naṣiḥa, n’est pas
connue, mais il ne devait pas excéder 1717, correspondant à la mort de Sidi Ahmed
Benasr. Si les premiers écrits ne sont qu’une traduction relativement aménagée de
l’abrégé de Khalil sur la doctrine malékite, nourrie de la consultation des autres
œuvres maîtresses et inspirée du travail d’Aznag, les deux derniers textes
s’inscrivent dans l’univers du soufisme. On ne connaît pas d’autres textes d’Awzal
après son retour au pays natal une fois le pardon des parents de la victime acquis. Il
semble en effet que l’univers de l’enseignement n’est pas propice à une telle activité.
L’intégration de cet univers signifie ainsi l’abandon de la fonction d’auteur et la
réappropriation du statut d’enseignant, de notaire et de consultant.
Après le retour au village, Mohamed Ou Ali Awzal a dédié sa vie à la transmission
de la science en organisant et développant l’enseignement dans la mosquée de sa
localité et en intervenant dans le débat juridique qui a marqué la vie intellectuelle de
la région à cette époque en tant qu’arbitre et consultant. Il suffit de citer le nom de
Mohamed Ben Ahmed Hudaigui (m.1775) comme l’un des disciples et étudiants
d’Awzal, qui est un des principaux auteurs des biographies des savants de la région
et de son époque, pour se rendre compte de l’importance de l’enseignement dispensé
par notre auteur. Il a également fondé une lignée scientifique, formée de savants, de
juristes et d’enseignants, au sein de laquelle la chaîne de la transmission s’est
maintenue jusqu’au vingtième siècle d’après Mokhtar Soussi16. Sa mort est survenue
en 1749.
Revenons donc à ses écrits produits au sein de la zaouïa de Tamegrout et ce qui les
caractérise. Nous avons présenté rapidement les quatre écrits qu’Awzal nous a
16
Soussi (1961, t. 11 : 315) qualifie la famille d’Awzal de lignée scientifique, mais il n’a pas
pu, dit-il, réunir les biographies de ses hommes.
43
El Khatir Aboulkacem-Afulay
légués. Le premier est consacré aux obligations rituelles, le deuxième aux règles
structurant les transactions et rapports sociaux, le troisième est une œuvre
d’exhortation et le quatrième est un poème d’éloge à son saint protecteur. La
comparaison de cette production avec les expériences précédentes montre que, bien
que l’auteur se soit inspiré largement de Brahim Aznag, ses écrits se distinguent par
certains traits particuliers. Si au niveau du style, Awzal manifeste un talent dans le
respect de la métrique et dans le langage poétique, au niveau de la forme, il s’inscrit,
comme Aznag, dans la compilation de textes versifiés. Les textes que nous
connaissons de la période antérieure sont soit des lexiques bilingues comme celui
d’Ibn Tunart soit des textes bilingues en arabe et des explications en amazighe
comme la moudaouana d’Ibn Ghanim et kitab taouhid, attribué à l’un des fils de Sidi
Abdelanâim El Hahi qui se trouve à la Bibliothèque nationale du royaume du Maroc.
Au-delà, il a orienté lmazghi vers une spécialisation thématique. La lecture des traités
d’Aznag montre la diversité des thèmes et des champs réunis dans une même œuvre
alors qu’Awzal a distingué, en compilant quatre livres différents, le domaine des
obligations rituelles, des pratiques, de l’édification et de l’éloge. L’étude des genres
produits après Awzal ne peut que confirmer l’affirmation de cette tendance vers la
spécialisation.
C’est pourquoi nous pouvons dire que, depuis le XVIe siècle, les zaouïas sont
devenues le lieu par excellence de la production et du développement de la tradition
lmazghi. Dans ce cadre, Tamegrout avait joué un rôle capital. Outre la diffusion
élargie de la tradition grâce à un réseau puissant et ordonné de succursales aux autres
régions et surtout de l’Anti-Atlas en inspirant à son tour les autres voies et confréries,
il a réussi, en la personne de Sidi Mohamed Ou Ali Awzal qui est disciple et célèbre
auteur de cette tradition, à améliorer et à fixer le modèle de référence de composition
des œuvres en amazighe proposé par Aznag et à initier la spécialisation thématique.
Bibliographie
Ad Darjini, A. (1974), Tabaqat al-Mashayikh bi lmaghrib (les Classes des savants
ibadites au Maghreb), Costantine, Imprimerie al Baât.
Afa, O. et Charaf E. (2009), Bahr ad-doumouâ en deux langues amazighe et arabe,
Casablanca, Imprimerie an-Najah al-Jadida.
al-Jishtimi, A. (1977), al-Hawd fi lfiqh al-maliki bi llisan al-amazighi, Casablanca,
Dar al-Kitab.
Amahan, A. (1993), « L’écriture en tachelhit est-elle une stratégie des zaouïas », in
Drouin et Roth (Eds), A la croisée des études libyco-berbères, mélanges offerts à
Lionel Galand et Paulette Galand-Pernet, Paris, p.437-449.
Amalek, A. (2006), Certains aspects de l’histoire de la zaouïa nassirite. De la
fondation à la mort du Cheikh Mohamed El Hanafi 1642-1907 (en arabe), Rabat,
Publications du ministère des Habous et des Affaires islamiques.
44
Tamegrout et le développement de la tradition de lmazghi
45
El Khatir Aboulkacem-Afulay
46
Asinag-Asinag, 16, 2021, p. 47-58
Vous avez fondé les Editions Achab en 2009, une maison d’édition qui a multiplié
ses efforts en vue de la publication des travaux et des études traitant tel(s)
aspect(s) ou telle(s) dimension(s) de la culture amazighe. Quelles sont les
motivations d’une telle entreprise ?
1
Enseignant-chercheur, auteur, éditeur, Editions Achab, Tizi-Ouzou, Algérie.
47
Entretien avec Ramdane Achab
est tout simplement remarquable. Le FDB est par ailleurs à l’origine des bases
modernes de la notation usuelle en caractères latins.
Cela ne signifie pas, cependant, que la langue tamazight était « prise en charge »
pendant l’époque coloniale. Elle a au contraire reculé pendant cette période, comme
le prouvent des enquêtes linguistiques ainsi qu’un certain nombre d’autres écrits.
C’est pendant cette même période que la société traditionnelle berbère s’est
effondrée, la Kabylie vers la fin du 19ème siècle (défaite de 1871), le monde touareg
au début du 20ème (conquête du Sahara). Recul de la langue, isolement accru des
différentes régions berbérophones les unes par rapport aux autres, avec comme
conséquence une accentuation des écarts linguistiques, etc.
Ce panorama très rapide doit être complété par l’évocation, très rapide elle aussi, de
quelques autres grands auteurs autochtones : Jean El Mouhoub Amrouche (1906-
1962), Belaïd N At Ali (1909-1950), Marguerite Taos Amrouche (1913-1976),
Mouloud Feraoun (1913-1962), Malek Ouary (1916-2001), Mouloud Mammeri
(1917-1989), etc.
A partir de l’indépendance de l’Algérie (1962), et même avant, l’environnement
politique et idéologique est globalement très hostile à l’amazighité, tous domaines
confondus : langue, culture, histoire, civilisation, identité. Les entreprises nationales
SNED (Société nationale d’édition et de diffusion) et OPU (Office des publications
universitaires) ont le monopole de l’édition : contrôle du contenu et contrôle de
l’instrument linguistique qui exclut toute velléité d’éditer en tamazight. Même un
grand auteur comme Mammeri, à l’instar de quelques autres, se voit contraint de
publier en France ses travaux sur la langue, la littérature et la culture amazighes (Les
Isefra de Si Muhend en 1969, Tajerrumt en 1976, Poèmes kabyles anciens en 1980,
l’Ahellil du Gourara en 1985, etc.). Des auteurs qui ont « osé » proposer leurs
travaux en/sur tamazight à la SNED, entreprise d’Etat, se sont vu répondre
négativement par le « département des langues étrangères » de l’entreprise.
Quelques rares exceptions sont à signaler :
le FDB a continué à publier ses travaux jusqu’à la mise sous scellés de ses
locaux à Alger en 1976, par le ministère algérien de l’Intérieur ;
un recueil de poésies mozabites à été imprimé à Ghardaïa en 1985 ;
Mammeri a fait imprimer au Centre de Recherches Anthropologiques,
Préhistoriques et Ethnographiques (CRAPE) (dont il était directeur) son
Précis de grammaire berbère et le tout premier tirage de l’Amawal n tmaziγt
tatrart, le lexique de néologismes sorti à Alger en 1974 avant son édition en
bonne et due forme en France en 1980.
Signalons rapidement les publications clandestines des années 1970 : Bulletins Iṭij,
Taftilt et Itri notamment. Signalons également la revue clandestine Tafsut (1981-
1989), revue emblématique du mouvement culturel berbère qui avait plusieurs
séries : une série ordinaire (14 numéros), une série spéciale Etudes et débats (3
48
L’écriture en langue amazighe et autour de l’amazighe
49
Entretien avec Ramdane Achab
Une autre observation concerne l’existence d’un lectorat d’écrits amazighes notés en
caractères latins, très limité sur le plan du nombre, dès le début du 20ème siècle, voire
au 19ème siècle, même si, comme chacun sait, la langue amazighe était et reste
toujours une langue essentiellement orale. Ce premier lectorat de textes amazighs
notés en caractères latins était tout naturellement constitué d’autochtones qui ont
fréquenté les écoles françaises, à partir du milieu des années 1870.
50
L’écriture en langue amazighe et autour de l’amazighe
51
Entretien avec Ramdane Achab
52
L’écriture en langue amazighe et autour de l’amazighe
Vous avez tout à fait raison de parler du nombre non négligeable de jeunes qui
écrivent en langue amazighe. Je pense que les maisons d’édition existantes n’arrivent
plus à faire face, à cause, bien sûr, de la modicité des moyens dont elles disposent.
D’année en année, il se crée d’ailleurs de nouvelles maisons d’édition. Il faut bien
évidemment saluer cette arrivée de jeunes auteurs, pour toutes les raisons du monde.
Avec eux, Tamaziγt se renouvelle et s’installe dans la durée. Qu’il s’agisse de la
production écrite, de l’intérêt pour la langue en général, ou du mouvement
revendicatif, la présence et l’implicaton des jeunes constituent une véritable source
de jouvence, un jaillissement de vie et d’innovations de toutes sortes.
Il y a un renouvellement profond des genres : le roman, la nouvelle et le théâtre
s’ajoutent à la poésie qui appartenait déjà à la littérature orale. Des livres pour enfants
remplacent d’une certaine façon le conte qui n’existe plus ou presque plus dans sa
configuration traditionnelle. Des études, des essais, des dictionnaires, des
terminologies en langue amazighe sont publiés. Des auteurs explorent les sciences
exactes (mathématiques, sciences physiques, informatique…), les sciences
naturelles, telle ou telle partie de la médecine, etc. La production audio-visuelle
s’installe petit à petit, malgré la modicité des moyens. Des incursions prometteuses
sont faites dans les systèmes informatiques et l’internet… avec absence totale de
moyens…
Pour en revenir aux œuvres écrites par des « jeunes », nous avons édité des poèmes
de Katia Touat (Ijeγlalen n tudert), de Mexluf n At Qasi U Sɛid (Taḥbult n tatut) et
de Mourad Bakir (Timiqwa), un roman de Kaysa Khalifi (Iḥulfan), des nouvelles de
Murad Irnaten (Di lǧerra-k ay awal…), de Noufel Bouzeboudja (D tayri kan), de
53
Entretien avec Ramdane Achab
Tilyuna Su (Souad Chibout) (Asikel) et d’Asafar Lihi (Tudmawin n yiwen yiḍ), des
chroniques de Tahar Ould Amar (Tafunast i itteẓẓgen pétrole).
Parmi les « jeunes » un peu moins jeunes, nous aimerions évoquer deux livres
d’Ameziane Kezzar (traduction-adaptation d’œuvres françaises et traduction-
adaptation de l’œuvre de Georges Brassens), les poèmes d’Ali Akkache, une étude
de Ramdane Lasheb sur la poésie féminine pendant la guerre de libération (1954-
1962), une traduction par Muhend Belmadi d’une pièce de théâtre de Mohammed
Dib, un roman de Belkacem Meghzouchene sur l’insurrection de 1871, un mémoire
de critique cinématographique de Larbi Oudjedi, deux livres de Bahia Amellal, un
manuel de langue d’Amirouhe Chelli, une traduction collective d’une pièce de
théâtre de Molière (Tixurdas n Saɛid Weḥsen).
Enfin, l’œuvre bilingue de la poétesse Hadjira Oubachir, un livre-témoignage de
Nadia Mohia consacré à sa propre famille, un livre du sociologue Brahim Salhi sur
la citoyenneté et l’identité en Algérie, un livre de Camille Lacoste-Dujardin sur la
Kabylie, trois romans et un essai de Aumer U Lamara, un roman de Djamal Benaouf,
deux livres de Rachid Ali Yahia, un dictionnaire d’hydronymie de Cheriguen, un
dictionnaire toponymique et historique de Haddadou, un travail universitaire
d’Ahsène Taleb sur les locutions verbales kabyles, un livre de Khadidja Djama sur
l’histoire de sa propre famille algéro-marocaine et l’histoire de la radio kabyle
d’Alger, un livre en kabyle de sciences physiques de niveau supérieur de Mohand
Mokhtari, une traduction, par Hocine Haroun, d’une pièce de théâtre de Sartre, un
livre de Hend Sadi sur La colline oubliée de Mammeri, des contes modernes écrits
par Akli Kebaïli, un dictionnaire de proverbes de Ṛemḍan At Menṣur (Amawal n
yinzan), un roman (La Sainte) de Mohammed Attaf, un livre collectif sur les bijoux,
des chroniques journalistiques d’El-Houari Dilmi.
Continuité et renouvellement, la langue elle-même change bien évidemment, comme
toutes les langues, à pas feutrés, imperceptiblement si l’on ne prête pas attention.
54
L’écriture en langue amazighe et autour de l’amazighe
l’auto-dithyrambe, mais un lectorat est en train de naître sous nos yeux, de naître ou
de renaître si l’on intègre le fait que l’édition amazighe existe depuis le 19ème siècle.
Le bassin de lecteurs possède de nos jours une assise objective (universités,
étudiants, enseignants, élèves) qui vient s’ajouter en le consolidant fortement au
bassin traditionnel constitué par les seuls passionnés. Petit à petit également, se
constitue une critique littéraire de plus en plus sérieuse, de plus en plus en plus
objective parce qu’adossée au savoir académique dispensé à l’université. Les médias
s’ouvrent de plus en plus au livre amazigh, les cafés littéraires et autres conférences,
les salons du livre, les librairies : le livre amazigh a indéniablement conquis une
place qu’il s’agira bien sûr de confirmer, de prolonger sur la longue durée, de
consolider et d’élargir. Tous les genres sont maintenant représentés à l’écrit : poésie,
romans, nouvelles, théâtre, études, essais, livres pour enfants…
Les difficultés aussi sont toujours là, des difficultés de toutes sortes, des pesanteurs,
des forces d’inertie et des résistances au sein même des communautés
berbérophones, qui font que l’édition en langue amazighe est un véritable défi, un
combat au corps à corps, quotidien.
La valeur ajoutée ? C’est aux lecteurs et au public de façon générale d’en juger. Je
reste personnellement très attaché à la ligne que je me suis fixée : la qualité de la
langue avant tout, la diversité linguistique à l’intérieur du domaine amazigh afin de
permettre aux lecteurs de voir des publications écrites dans d’autres variétés
dialectales, de s’y intéresser, pourquoi pas de les découvrir en les lisant, de prendre
conscience des proximités et des écarts, de ressentir ne serait-ce que vaguement l’air
de famille qui se dégage des mots, des racines, des expressions, malgré les mots
inconnus ou méconnaissables, des syntaxes étranges, malgré tous les obstacles sur
lesquels continue de trébucher notre patrimoine linguistique commun.
C’est à la découverte de ce patrimoine qu’il faut convier nos lecteurs, un patrimoine
orphelin qui ne demande qu’à se relever et qui n’a personne d’autre que nous pour
le prendre par la main et le mener à bon port.
Mai 2019
55
Entretien avec Ramdane Achab
Annexe
Publications des Editions Achab
(2009-2019)
56
L’écriture en langue amazighe et autour de l’amazighe
57
Entretien avec Ramdane Achab
58
Varia
Asinag-Asinag, 16,2021, p.61 - 90
Karim Bensoukas
LLAC Laboratory/2LACS Research Center
Mohammed V University in Rabat- FLHS
It has commonly been pointed out that Tamazight and Tarifiyt avoid the
appearance of schwa in open syllables. We take this restriction as a starting point
and propose a constraint that bans the association of schwa with a mora. This
constraint is so pervasive in the grammar of the Amazigh dialects concerned that
other apparently unrelated phonological and morpho-phonological phenomena
ensue from it. First, schwa never participates in a vowel epenthesis augmentation
phenomenon. Second, it does not contribute to the weight of closed syllables for
stress reasons. Finally, it does not participate in compensatory lengthening to fill
a vacant mora.
Mots-clés: More, schwa, voyelle non moraïque, poids des syllabes, amazighe
*
This paper is an Optimality-Theoretic formalization of the basic idea in “A Note on the
absence of schwa from open syllables in Amazighe”, a paper I presented at the study day La
Langue Amazighe: Approche Linguistique, FLHS, Ben M’Sik, Casablanca, 18 March 2004,
a complete and updated version of which is published as Bensoukas (2017a). For their
comments on a presentation based on this paper, I would like to thank the participants and
audience at the conference Mother Tongues and Linguistics (in honor of Prof. Jilali Saib),
FLHS, Rabat, 21-22 February 2013. The analyses contained herein have been presented in
various places, some in collaboration with N. Amrous and A. Boudlal. At various points, I
benefited from discussions with and comments from A. Adnor, N. Amrous, A. Boudlal, M.
Chtatou, R. Faizi, N. Fehri, E.M. Iazzi, and M. Marouane. I also benefited from the comments
of Asinag reviewers. The usual disclaimer applies.
61
Karim Bensoukas
1. Introduction
As opposed to the full vowels [i, u, a], schwa never occurs in open syllables in
Amazigh, definitely a particularity of schwa and apparently a commonality of
Tamazight and Tarifiyt dialects of Amazigh (Saib, 1976a-b; Guerssel, 1976; Chtatou,
1982; Bensoukas, 2017a among others). To this effect, Saib (1976b) formalizes a
constraint *ǝ], spelt out as *Cǝ, *ǝCV, *VCǝ, *ǝCǝ, *ǝGǝ (where G stands for a
geminate consonant).1
After further scrutiny, it turns out that schwa is exceptional in further respects: (i) Schwa
syllables are treated by the stress system as light, (ii) schwa never participates in
augmentation of morphological stems, and (iii) a special compensatory phenomenon
never resorts to schwa. Since syllable weight is what these phenomena share, it seems
that schwa eschews all contexts where vowel weight is at stake. As a unifying account
for the behavior of schwa, the proposal I will advance is that epenthetic schwa is a non-
moraic vowel (Bensoukas, 2006/2007, 2017a; Bensoukas and Boudlal, 2012a-b; Shih,
2018).
Using parallel Optimality Theory (OT) (Prince and Smolensky, 1993/2004; McCarthy
and Prince, 1993, 1995, 1999), I formalize the proposal in terms of constraint interaction
(§2). A markedness constraint against the association of schwa with a mora is high-
ranking in the grammar of Amazigh, thus ruling out any configuration containing a
moraic schwa. Such a constraint is not relevant to full vowels, the markedness constraints
on their being associated to moras being low-ranking. Evidence for my proposal
constitutes the bulk of §3 and §4. In §3, syllabification and stress assignment reveal that
(i) schwa is an epenthetic vowel which shuns open syllables, and quite interestingly that
(ii) schwa syllables, although closed, are treated by the stress system as light. In §4, two
weight sensitive phenomena are discussed which never resort to schwa: prosodic
augmentation of morphological stems through vowel epenthesis (in most dialects) and
the diphthongization ensuing from a compensatory lengthening phenomenon (CL) in
Tarifiyt. In §5, I make suggestions for future research.
2. The proposal
1
Tashlhit data is not considered in this paper. Tashlhit has been argued to have a different
syllable structure, with consonants playing the role of the nuclear element of consonant-only
syllables, thus overriding the need for schwa epenthesis (Dell and Elmedlaoui, 1985, 2002;
Boukous, 1987, 2009; Prince and Smolensky, 1993/2004; Ridouane, 2008, 2016; Hdouch,
2012, among others). For syllable weight in Tashlhit, see Jebbour (1996, 1999) as well as
Dell and Elmedlaoui (2017).
62
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
(Hyman, 1985; McCarthy and Prince, 1986, 1993; Hayes, 1989; Zec, 1988; Gordon,
2004, 2006, among others): A light syllable contains a single mora (1a), while a heavy
syllable contains two (1b-c) (Hyman, 1985; McCarthy and Prince, 1986, 1993; Hayes,
1989):
(1) Light (L) vs. heavy (H) syllables:
a. L = []: b. H = []: c. H = []:
C V C V C VC
A further distinction is drawn between distinctive and coerced weight (Morén, 1999,
2003). Long vowels and diphthongs have distinctive vowel weight underlyingly and
are associated with two moras (Rosenthall, 1994; Selkirk, 1990; Katada, 1990),
making their syllables heavy. In contrast, coerced weight results from phonological
activity, as in the case of (i) augmenting a word to satisfy minimality requirements,
(ii) CL, or (iii) assigning a mora to a coda through Weight-By-Position (WBP)
(Hayes, 1989).
I also assume the basic tenets of parallel OT (Prince and Smolensky, 1993/2004;
McCarthy and Prince, 1993, 1995, 1999), in which the mapping of input onto output is
governed by the interaction of potentially violable, universal constraints on output well-
formedness. These constraints are basically of two kinds: Markedness constraints and
faithfulness constraints. McCarthy (2007: 264) describes OT as having two
components. The ‘operational component’- the Generator function (GEN) of OT- is
claimed to be part of Universal Grammar, to have access to the primitives of
phonological representation and to be endowed with Freedom of Analysis. It can thus
provide for a given input an infinite set of candidate analyses ({Cand1, Cand2,…,
Candn}). The ‘constraint component’ of OT, called Evaluation (EVAL), assesses the
well-formedness of these candidates against a hierarchy of constraints in a parallel and
inclusive fashion. Only one candidate is optimal, the one best satisfying EVAL by
incurring minimal violations of the constraints.
Generally, the demands of constraints may result in a ‘conflict’ which is resolved by
ranking the constraints on a language particular basis. Accordingly, a particular
grammar may be viewed as a ranked hierarchy of universal constraints. Ranking
constraints with each other is based on constraint arguments as in the following two-
by-two tableau :
63
Karim Bensoukas
Two candidates are evaluated. (2a) violates the dominant constraint, the one to the
left of the top row. (2b) violates the lower ranked constraint. Each candidate incurs
one violation mark indicated by ‘*’ in the corresponding cell. However, violating the
higher ranked constraint is fatal (indicated by ‘*!’). The symbol ‘’ indicates the
optimal candidate.
With this background in mind, I will show that, instead of treating the constraint *ǝ]
as a primitive, its effect is obtained through the interaction of constraints on moraic
well-formedness, with the association of schwa to a mora being ruled ill-formed.
In my analysis, vowels remain faithful to their underlying moraicity, but I will argue
that, in all events, schwa does not have an associated mora. The basic interaction in this
context is one between the markedness constraint *µ/V (a family of constraints) and
MaxLink-Mora [SEG] (after Morén, 1999, 2003):
Since only schwa seems not to be allowed in open syllables, I suggest splitting the
constraint *µ/V into more specific markedness constraints as in (5a). The constraint
most relevant in the present analysis is *µ/ə, formulated in (5b). The fact that all
vowels except schwa can appear in open syllables calls for ranking them with respect
to faithfulness as in (5c):
2
The idea that schwa is not mora-bearing is also suggested in Al Ghadi (1994) for Moroccan
Arabic. For a comparative approach to the facts of schwa in Moroccan Arabic and Amazigh,
see Bensoukas and Boudlal (2012a-b) and Bensoukas (2019).
64
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
This ranking will ensure that schwas never get moraic, a markedness effect. The full
vowels may get associated with moras, given that the relevant markedness constraints
are dominated.
The next subsections, devoted to fine-tuning the proposal, will deal with the internal
structure of schwa syllables and the issue of variable syllable weight inherent in the
proposal.
C ə C C ə C C ə C
In (6a), the coda consonant of schwa syllables is appended to the syllable node. As
far as our constraint is concerned, this representation is as ill-formed as the one in
(6b). As shown further below, (6b) is infelicitous in another respect: Schwa is
exclusively associated with a mora, as is the coda consonant. Such a configuration
does not match the data to be considered, namely stress assignment, morphological
augmentation and CL. We are left with only structure (6c) to consider.
My analyses below will in fact be consistent with a representation such as (6c). On
the one hand, although they are closed, schwa syllables are treated as light by the
stress system of Goulmima Tamazight (GT). On the other hand, morphological
augmentation and CL, both of which involve syllable weight encoded in mora-count,
do not resort to schwa. In these very cases, that role is assigned to the full vowel [a],
or one of its variants in the case of augmentation. It is crucial that the constraint */ə
is violated only when a mora is associated exclusively with schwa, as in (3b) or in
(6a-b), for that matter. Contrariwise, when the mora associates with both schwa and
a following consonant, the constraint */ə is not violated. This understanding of the
constraint *µ/ə is a determining factor in considering [CəC] to be a light, mono-
moraic syllable.
65
Karim Bensoukas
On this understanding, light (closed) schwa syllables contrast with heavy closed
syllables headed by a full vowel. This results in a situation of variable closed syllable
weight, the concern of the next section.
C ə C C a/i/u C
I will now try to sketch an analysis of the moraic constituency of Amazigh syllables,
extending and refining that in Bensoukas (2006/7) (see Bensoukas and Boudlal,
2012a-b). I start with the simplest type possible, i.e. open and closed syllables whose
nuclei are underlying full vowels. Bear in mind my assumptions that vowels are
underlyingly associated with a mora and that weight can be distinctive or coerced. In
the case at hand, distinctive weight is contributed by the underlying moras associated
with vowels, while coerced weight is the result of WBP, the requirement that codas
be moraic.
In the constraint-based analysis I propose, vowels remain faithful to their underlying
moraicity and the moraicity of coda consonants leads to a violation of the markedness
constraint against consonantal moras. (8) gives the relevant constraints along with
their ranking. Ranking (8b) is justified, for one thing, by the fact that an underlying
vowel mora is preserved, breaching the markedness constraint against vowel
moraicity. For another, coda consonants are associated with a mora, violating the
faithfulness constraint and the markedness constraint against consonants being
moraic.
(8) Mora structure in Amazigh:
a. Weight constraints:
*µ/V: Do not associate a mora with a vowel (after Morén, 2003)
*µ/C: Do not associate a mora with a consonant (after Morén, 2003)
WeightByPosition (WBP): Coda consonants must surface as moraic (after Hayes,
1989)
66
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
MaxLink-Mora [V]: (stated in (4) above with SEG but repeated here with V for
ease of exposition) A particular vowel segment affiliated with a mora
underlyingly should remain affiliated with a mora on the surface.
DepLink-Mora [SEG]: A segment that does not have a mora underlyingly should
not have a mora on the surface (after Morén, 2003)
b. Ranking:
MaxLink-Mora [V], WBP » *µ/V, DepLink-Mora [C], *µ/C
Tableau (9) for the word [açal] ‘soil’ shows that the candidate incorporating the
underlying vowel mora and simultaneously assigning a mora to the coda consonant
is the winner (the dotted line indicates constraints that are not ranked with respect to
one another):
(9)
/aµçaµl/ MaxLink- WBP *µ/V DepLink- *µ/C
Mora [V] Mora [C]
a. a.çál *!* *
b. aµ. ç áµ l *! **
c. aµ. ç áµ lµ ** * *
In order that the bimoraicity of a closed syllable with a full vowel be ensured, we need to
rank the constraint *APPEND, which bans syllabifying segments as syllable appendices
(represented as CǝC), over */C, as in Rosenthall and Hulst (1999: 503) (after Sherer,
1994). Next, we need to account for what it is that prevents a closed syllable with a full
vowel from having a branching mora and, therefore, sparing violation of */C. For this
purpose, I incorporate into the hierarchy IdentLink-Mora, which demands identity
between input and output association to moras.3 IdentLink-Mora plays a different role
from MaxLink-Mora, which requires that an underlying mora link be present in output
forms. IdentLink-Mora is violated whenever an underlying association to a mora is
altered, as in the case where one mora is doubly associated to two segments. A case in
point is a vowel associated underlyingly with a mora and sharing its mora with a following
consonant (represented below as C[VC]). This is in favor of high-ranking IdentLink-
Mora with respect to */C, as in (10). APPEND and IdentLink-Mora are not ranked with
respect to one another.
(10) a. Constraints:
*APPEND (APP): Do not syllabify segments as syllable appendices.
IdentLink-Mora: An underlying mora link and its output correspondent must
be identical.
3
The constraint IdentLink-Mora is inspired from Morén (1999, 2003), in which the
constraints DepLink-Mora and MaxLink-Mora are proposed.
67
Karim Bensoukas
With respect to the ranking (10b), only candidate (11a), whose coda is associated with
a mora, wins as it satisfies both IdentLink-Mora and *APPEND, while only
minimally violating the dominated constraint */C.
The next issue in relation to variable syllable weight in Amazigh is the source of the
mora that surfaces in a closed schwa syllable. I will contemplate three scenarios. First,
the vowel has its own mora in compliance with the precept of moraic theory that
vowels are underlyingly associated with a mora. In my account, even candidates that
come underlyingly with a moraic schwa, in compliance with Richness of the Base
(Prince and Smolensky, 1993/2004), will be ruled out by the constraint *µ/ǝ
dominating MaxLink-Mora[V]:
(12)
Input: aµ z ǝµ n *µ/ǝ MaxLink-Mora[V]
a. aµ . z ǝµ n *!
b. aµ . [z ǝ n]µ *
As the description and analysis of stress facts below will show, a closed syllable with
schwa is light. The only representation consistent with this behavior is to have schwa
and the following consonant share a mora as in (12b). This sharing calls for the low
ranking of the constraint against branching moras, namely NoSharedMora:
(13) NoSharedMora: A mora must not be doubly linked to segments. (Morén, 1999
and references therein)
A markedness constraint on the types of mora-to-segment association,
NoSharedMora is violated by any doubly associated mora. The work this constraint
does is different from the one IdentLink-Mora does, since IdentLink-Mora requires
faithfulness to underlying mora associations, while NoSharedMora simply rules out
a doubly associated mora. In the present case, epenthetic schwa and the following
consonant share a mora. In this specific instance, faithfulness is not at stake;
accordingly, IdentLink-Mora is not relevant. On the basis of the ranking IdentLink-
Mora, *APP » */C, to which NoSharedMora is added as a dominated constraint, let
us compare the candidates in (14) for optimality:
68
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
According to this ranking, the optimal candidate is the one with mora-sharing since
the candidate that has schwa and a coda to each of which a mora is associated incurs
a fatal violation of */C.
The second possibility consists in treating schwa as moraless and the mora of the
closed syllable as being contributed by the coda through WBP. Recall my assumption
that schwa’s being associated with a mora together with the following consonant does
not violate */ǝ, violation of which is only incurred by a one-to-one mapping of
schwa to a mora:
One objection to this analysis is that it does not conform to the essence of WBP as
postulated in Hayes (1989), whereby the presence of a first mora is a prerequisite for
the assignment of a second mora. OT not being based on such serialism, one might
regard WBP as a constraint on output forms. In this case, what matters more is
whether the output has a moraic coda or not, without worrying about the process
behind this association. I do still reject the second possibility on the basis of its not
conforming to the essence of WBP, and also because the third possibility seems to
me to be simpler.
The third possibility is to consider the presence of the mora as a requirement of
prosodic licensing. Given the Strict Layer Hypothesis (Selkirk, 1984), Zec (1988)
argues that the relationship between the root node and the higher syllabic node has to
be mediated by the moraic node. In moraic theory, onsets are associated directly to
the syllable node in the models proposed by Hayes (1989) and McCarthy and Prince
(1993). The rime constituent should be dominated by a mora. In this case, schwa and
the following consonant are both parsed by the mora, and that is the way they get
associated with the syllable node. The point here is that if no mora is supplied to parse
the unsyllabified consonants, the Parse-Seg constraint is violated. I have
demonstrated above that this constraint is high-ranking in the hierarchy. Schwa is
69
Karim Bensoukas
needed because consonant clusters are not tolerated in the varieties of Amazigh
resorting to schwa epenthesis (i.e. Tamazight and Tarifiyt).4
In the remainder of the paper, I will show that */ǝ is so pervasive in the grammar of
the language that weight-sensitive activity in various phonological and prosodic
morphological areas (see for example Ryan, 2016) ensues from it, as I show in §3.2,
§4.1, and §4.2.
Two pieces of evidence show that schwa is epenthetic in Amazigh: (i) in words that
are morphologically related, schwa is either absent or located in different places in
the words in question (16); and (ii) with a few exceptions, schwa has a very
predictable distribution (17). The data is from Faizi (2002: 100-11).
4
Shih (2018) distinguishes three types of schwa syllables: (i) a minor syllable with non-moraic schwa
[Cə], (ii) the mono-moraic schwa syllable [Cə], and (iii) the bi-moraic schwa syllable [Cəː].
Commenting on the phonetic properties of moraless schwa, the author states that it has minimal
duration and largely varies in vowel quality as opposed to the other two types. In terms of
representation, syllables with non-moraic schwa can have one of three configurations, in which schwa
is directly dominated by the syllable node, in conformity with Itô and Mester’s (2003) “hierarchical
locality restriction on markedness constraints”, according to which “if a markedness constraint
mentions prosodic node p, it may mention nodes at p-1 and p-2, but not nodes at other levels” (ibid.:
16). The configurations are: [Cə], [CəC] [CəC]. Shih’s representations differ largely from mine in
two respects. First, schwa can be dominated directly by the syllable node, which is not possible under
the Strict Layer Hypothesis assumed in this paper. Second, the consonant closing a schwa syllable can
bear a mora.
70
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
Because MAX is ranking higher than DEP, vowel epenthesis is favored over segment
deletion. The constraint ONS is dominated by Align-L so that it does not ban word-
initial onsetless syllables. Finally, the constraint No-Coda is not ranked with respect
to ONS.
71
Karim Bensoukas
Now, I deal with syllables with schwa as a nucleus. Again, consonants are not deleted
when unsyllabifiable; rather, schwa is epenthesized. Schwa epenthesis reveals that both
Parse-Seg and MAX dominate the faithfulness constraint DEP, which militates against
vowel epenthesis.5 In (20), the competing candidates for the word [azǝn] ‘to send’ are
assessed:
(20)
/azn/ Parse-Seg MAX DEP No-Coda
a. az *!
b. az.n *! *
c. a.zn *!
d. a.zən * *
I assume that complex margins are not allowed, in compliance with *Complex.
Following Boudlal (2001), I establish a distinction between (i) a major syllable (21a),
whose nuclear element is a full vowel (schwa included), and (ii) a minor syllable
(21b), consisting exclusively of a moraic consonant:
(21) a. b.
µ
µ
C V
C
What interests us at the moment is the light minor syllable in (21b) which is
dominated by a consonantal mora, and which leads to the violation of a constraint
banning minor syllables (i.e. *Min-). To ensure that schwa is epenthesized before
the final consonant in CCC roots, I posit an alignment constraint (Align-R-Maj-)
requiring that the right edge of the stem be aligned with the right edge of a major
syllable. The constraints needed to account for epenthesis in CCC roots as well as
their respective ranking are given in (22) below:
I assume that the constraint Align-R-Maj- must dominate DEP to force schwa
epenthesis between the last two consonants of triconsonantal words. Ranking DEP
5
Both the constraints MAX and PARSE-Seg are needed since they perform different
functions. MAX ensures that all input segments appear in the output, while PARSE-Seg
requires them to belong to syllables and, thus, triggers schwa epenthesis between consonants
that would otherwise remain unsyllabified and, consequently, be adjoined to the foot or
PrWd. In [az.n], for example, Parse-Seg is violated by the final consonant not belonging to a
syllable.
72
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
above *Min- ensures that a form such as *Cǝ.CǝC is ruled out (a form that could also
be ruled out, as in (25) because it contains schwa in an open syllable); a form such as
C.CǝC, which attributes the minor syllable status to the initial consonant is ruled in, in
spite of its violating the lower ranked constraint *Min-.
The result of this constraint interaction is shown in the GT word bdər ‘mention’. The
winner is candidate (23b), with a minor syllable, while candidates (23c-d) lose, both
breaching *Complex. To save space, I do not include in the tableaux the high-ranking
constraints MAX and Parse-seg.
(23)
/bdr/ *Complex Align-R- DEP *Min- No-coda
Maj-
μ
a. bəd.r *! * * *
b. bμ.dər * * *
c. bdər *! * *
d. bədr *! * *
Not considered in this tableau is the candidate *bədər. It could readily be ruled out
because of the double violation of DEP it incurs. More importantly, it would not
survive as it has schwa in an open syllable, an issue I take up immediately with a
clearer case in (24).
Although schwa is inserted to ensure proper syllabification, it is never inserted if an
open syllable is the result. The constraint hierarchy established thus far makes the
wrong prediction as to the optimal output of a word like taməɣra ‘marriage
ceremony’:
(24)
/tamɣra/ *Complex Align-R-
Maj- DEP *Min- No-coda
a. tamɣ.ra *! * *
b. ta.məɣ.ra * *
c. tam.ɣə.ra * *
As it stands, the hierarchy yields two optimal analyses which tie on all constraints
including DEP. This calls for an additional constraint to untie the situation by ruling
in a syllable like [məɣ] while ruling out one like [ɣə].
In explaining this incongruity, I build on the idea that schwa is not mora-bearing (as
in (5b) above). There, I suggested splitting the constraint *µ/V into *µ/ə, *µ/a, *µ/u,
and *µ/i, with *µ/ə being undominated since only schwa does not seem to be allowed
in open syllables. With the constraint *µ/ə, the tie is resolved as in (25):
(25)
/tamɣra/ *µ/ə *Complex DEP *Min- No-coda
a. ta.məɣ.ra * *
b. tam.ɣə.ra *! * *
73
Karim Bensoukas
To sum up, the fact that schwa eschews open syllable contexts is accounted for
through a markedness constraint against the association of schwa to a mora: Schwa
occurring in an open syllable is the equivalent of having a moraic schwa, a fatal
violation of the high-ranking *µ/ə. I now turn to another type of evidence for the
proposal.
74
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
(28) Stress in words with full vowel syllables and schwa syllables:
a. Schwa closed syllable and heavy syllable:
ád.fəl ‘snow’ a.zúz.zər ‘winnowing’
íç.ni.wən ‘twins’ áw.ma.tən ‘brothers’
b. Schwa closed syllables and light syllables:
í.nəɣ.mi.sən ‘news’ í.ma.zi.ɣən ‘Amazigh people’
í.xa.ta.rən ‘great (masc. pl.)’ í.ɣər.ḍa.jən ‘mice’
tí.səl.li ‘stone’ tú.dərt ‘life’
í.ɣən.ça ‘illness’ tá.məɣ.ra ‘marriage’
í.məg.gu.ra ‘last (masc. pl.)’ í.məz.wu.ra ‘first’
á.ʒən.ʒa.ṛi ‘blue (masc. sg.)’ tí.məg.gu.ra ‘last (fem. pl.)’
tí.ɣəm.mu.ṛa ‘corners’
In (28a), for instance, we expect at first blush the last syllable in each one of the words
to bear primary word stress. However, this seems never to be the case in GT. This
issue is addressed in § 3.2.2.
Given the hypothesis that schwa is not mora-bearing, the facts of GT word stress are
systematic and receive a simple account. In (28a), as in (26), the heavy syllable attracts
stress. In (28b), when the word contains more than one light syllable, the initial syllable
is stressed, which is quite reminiscent of (27b). On the opposite assumption that schwa is
moraic, on a par with the full vowels, GT stress facts will be extremely difficult, if not
impossible, to account for.
Following Walker (1996), who assumes a foot-free account using relative prominence to
locate syllable heads, the analysis of the GT stress facts I present (essentially that in
Bensoukas and Boudlal, 2012a-b) relies on syllable weight, peripherality and non-finality
to determine prominence. The constraints needed to account for stress facts are given in
(29a) and their ranking is provided in (29b):
75
Karim Bensoukas
76
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
(31)
/taraza/ Pk-Prom Align-L Align-R Non-finality
(́, PrWd) (Pk, PrWd)
a. tá.ra.za *
b. ta.rá.za *! *
c. ta.ra.zá *! *
/tama/
a. tá.ma *
b. ta.má *! *
Ranking (29b) also accounts for words with schwa syllables, with one proviso: the
inclusion of *μ/ə in the hierarchy. This will be shown in the following section.
Now, let us consider one word from each of the classes in (32). First is the word
azúzzər ‘winnowing’, which consists of a medial heavy syllable flanked by a light
syllable on the left edge and a schwa syllable on the right edge. Candidate (33d),
which has a bimoraic, heavy schwa syllable mistakenly emerges as optimal instead
of the correct candidate, (33a). As it stands, the stress constraint hierarchy cannot rule
this candidate out:
(33)
/azuzzr/ Pk-Prom Align-L Align-R Non-
(́, PrWd) (Pk, PrWd) finality
a. a.zúz.zərμ *!
b. á.zuz.zərμ *! *
c. a.zuz.zə́rμ *! *
d. a.zuz.zə́μrμ *
77
Karim Bensoukas
In words such as táməɣra ‘marriage ceremony’, the ranking selects the optimal
candidate (34a) so long as we assume that the schwa syllable is light. If it is heavy,
the winner is the candidate with stress on the schwa syllable, i.e. (34d).
(34)
/tamɣra/ Pk-Prom Align-L Align-R Non-
(́, PrWd) (Pk, PrWd) finality
a. tá.məɣμ.ra *
b. ta.mə́ɣμ.ra *! *
c. ta.məɣμ.rá *! *
d. ta.mə́μɣμ.ra *
Recall from my discussion above that schwa never occurs in an open syllable, in
satisfaction of the high-ranking constraint *μ/ə, which rules out schwas that carry a
mora. If the two cases above are reconsidered with the constraint *μ/ə included in
the evaluation, candidates (33d) and (34d) are now ruled out because of their fatally
violating *μ/ə:
(35)
/azuzzr/ *μ/ə Pk- Align-L Align-R Non-
Prom (́, PrWd) (Pk, PrWd) finality
a. a.zúz.zərμ *
b. á.zuz.zərμ *! *
c. a.zuz.zə́rμ *! *
d. a.zuz.zə́μrμ *! *
(36)
/tamɣra/ *μ/ə Pk- Align-L Align-R(Pk, Non-
Prom (́, PrWd) PrWd) finality
a. tá.məɣμ.ra *
b. ta.mə́ɣμ.ra *! *
c. ta.məɣμ.rá *! *
d. ta.mə́μɣμ.ra *! *
I now deal with the second type of evidence in support of the proposal, i.e.
augmentation and CL.
78
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
(37) illustrates this general process by examples from intensive aorist (IA) verb
morphology. In most cases, [a] is epenthesized stem-prefinally, with a vowel copying
process sometimes replicating the root vowel (Basset, 1929; Dell and Elmedlaoui, 1991;
Bensoukas, 2001a-b, 2002, 2004, 2017b among others).6
The core idea of the analysis is that this morphologically governed epenthesis aims at
making the last syllable of the stem heavy (Bensoukas (2001a), which itself is built
on the insight in Bensoukas (1994) and Jebbour (1996)). This illustrates weight
coercion driven by a prosodic morphological requirement. The process applies
minimally; accordingly, it crucially fails to apply to bases whose ultimate syllable is
heavy as well as to those in which a hiatus would ensue from vowel epenthesis.
Additionally, stem-final syllable heavy weight is ensured by assigning a mora to the
final consonant through WBP (Hayes, 1989; Rosenthall and Hulst, 1999).
In my account, forms like those in (38a) are well-formed by virtue of having a prefinal
epenthetic vowel that supplies a mora. This mora and the one gained through WBP
make the stem achieve the mandatory augmentation:
(38) Amazigh morphologically motivated epenthesis:
a. Stem: # b. Stem: #
/frɣ/ ttfraɣ *ttfrəɣ
/βzg/ ttβzag *ttβzəg
/ħlls/ ttħllas *ttħlləs
/gn/ ggan *ggən
On the contrary, unattested forms like *ttfrəɣ (38b) have an epenthetic non-moraic
vowel. Although the syllables ultimately associate with a mora, this is not sufficient
enough moraic material to satisfy augmentation.
6
The epenthetic vowel is [a] (frɣ/tt-fraɣ ‘be crooked’) or a copy of a root vowel (bbaqqi/tt-
baqqaj ‘explode’; xinss/tt-xinsis ‘sob’; susm/tt-susum ‘be silent’). The items in (37) will be
further subject to schwa epenthesis, and the output form of ttfraɣ, for example, is [ttəfraɣ].
79
Karim Bensoukas
(39) a. µµ]Stem: The right edge of the stem must correspond to a heavy syllable.
b. Ranking: *µ/ə, µµ]Stem » DEP-V
(40)
/frɣ, IA/ *µ/ə µµ]Stem DEP-V
a. tt-frɣ *!
b. tt-fraµɣµ *
c. tt-frəɣµ *! *
d. tt-frəµɣµ *!
(40a), the faithful candidate, does not satisfy the augmentation requirement. The
candidates with schwa are both ill-formed: (40c), with an epenthetic schwa, falls short
of final bimoraicity, and (40d) satisfies it by fatally having an underlying moraic
schwa. Candidate (40b), with only a minimal violation of DEP-V, is the optimal
candidate.
In short, my argument is that schwa’s incapacity to bear a mora is far from being
concomitant with the prosodic morphological coerced weight requirement.
Accordingly, schwa epenthesis, as an option to coerce prosodic morphological
weight, is largely eschewed, once again an effect of *µ/ə.
The third piece of evidence for my proposal comes from Tarifiyt CL, another weight
sensitive process. According to this process, a would-be coda [r] is deleted and the
preceding vowel is lengthened (when V=a) or diphthongized (when V=i, u). The
purpose of this section is to show that, due to its being non-moraic, schwa does not
participate in Tarifiyt CL.7
7
The way I conceive of CL is concomitant with the widely held view of the process (DeChene
and Anderson, 1979; Hayes, 1989 among others). The process is considered unitary, involving
segment loss followed by the lengthening of an adjacent segment. This situation has been referred
to as ‘local CL’, as opposed to ‘non-local CL’, a process that involves the lengthening of a vowel
that is not adjacent to the deleted segment. In light of this distinction, the Tarifiyt case is
characterized as a case of local CL. Tarifiyt dialects show variation with respect to CL. The
diphthongization facts are those of Ait Oulichek Tarifiyt and Ath Sidhar Tarifiyt. In Iharassen
Tarifiyt, for example, long mid vowels ε: and ɔ: are attested instead of the diphthongs (see
Amrous and Bensoukas, 2004, 2006/2007; Iazzi, 2001, 2018 for a more detailed analysis and
80
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
(41a-b-c) stand for the three classes of Tarifiyt CL. The first column of (41) contains
what I assume to be the URs. The second column contains items deleting coda [r] and
lengthening or diphthongizing the preceding vowel.8 The third column shows that [r]
in an onset position is maintained. In (42), autosegmental representations show how the
Tarifiyt CL process applies.
(42)
a. Vowel lengthening: b. Diphthongization:
ð̣ a r Ø ð̣ a j u r Ø j ɔ a
further references). Also, the [r] in question is totally different from the [r] which is the
phonetic realization of an underlying /l/. In /ul/ ‘heart’, phonetically realized as [ur], the coda-
r is maintained (for details, see the aforementioned references).
8
Vowel lengthening and diphthongization subsequent to r-drop seem to be different, yet I think
of them as a unitary process to which I refer as CL for the lack of a better term (see Amrous and
Bensoukas, 2006/7). This position is founded since in moraic theory, long vowels and diphthongs
form a ‘natural class’ by virtue of their being associated with two moras (e.g. Rosenthall, 1994;
Selkirk, 1990; Katada, 1990).
81
Karim Bensoukas
*Coda-r, a coda condition, bans the occurrence of coda [r]. According to PosCorr
(Topinzi, 2006, 2012 and references therein), an input segment may delete, but its
position is preserved through a mora. These interact with *VWT, a markedness
constraint banning long vowels and diphthongs (this constraint is split into
*Diph(thong) and NoLongVowel[Low] in (44) below). Two more higher-ranking
markedness constraints not listed for space reasons, along with the candidates
incurring their violation, are NLV[High] and NLV[Mid], which ban long high and
long mid vowels.
Tableaux (44a-b-c) show how the constraint hierarchy works with respect to both
vowel lengthening and the two cases of diphthongization:
(44) a. Vowel lengthening: a:
/ð̣ar/ *Coda-r PosCorr *Diph NLV [Lo] ID-WT
a. ð̣ar *!
b. ð̣a *!
c. ð̣a: * *
b. Diphthongization: ɔa
/jur/ *Coda-r PosCorr *Diph NLV [Lo] ID-WT
a. jur *!
b. ju *!
c. jɔa * *
c. Diphthongization: ɛa
/aʕʃmir/ *Coda-r PosCorr *Diph NLV [Lo] ID-WT
a. aʕʃmir *!
b. aʕʃmi *!
c. aʕʃmɛa * *
The two cases of diphthongization are the ones relevant to the behavior of schwa.
Although Tarifiyt has schwa epenthesis as a phonological process for syllabification
purposes (e.g. Chtatou, 1982, 1991), schwa is not used in CL. If the high-ranking *µ/ə
is included in the hierarchy, this behavior is immediately predictable. Illustration is
provided in tableaux (45a-b):
(45) a. ɔə diphthongization
/jur/ *µ/ə *Coda-r PosCorr *Diph ID-WT
a. jur *!
b. jɔa * *
c. jɔə *! * *
82
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
b. ɛə diphthongization
/aʕʃmir/ *µ/ə *Coda-r PosCorr *Diph ID-WT
a. aʕʃmir *!
b. aʕʃmɛa * *
c. aʕʃmɛə *! * *
As I have just shown, Tarifiyt CL provides additional support for the proposal that
schwa is not moraic. It is worth mentioning at this point that there is another facet of
Tarifiyt CL, which I omitted from the discussion so far. Although presenting a
complexity, this aspect of CL gives credence to the non-moraicity of schwa. A sequence
/Cr/ is never syllabified as [Cər]: [r] is deleted and compensated for by a long vowel.
Examples are /amrwas/ [ama:was, *amə:was] ‘debt/dowry’, /asrðun/ [asa:ðun,
*asə:ðun] ‘mule’ and /aɣrð̣a/ [aɣa:ð̣a, *aɣə:ð̣a] ‘mouse’. Crucially, a /CC/ sequence in
which C is any consonant other than /r/ is syllabified with schwa epenthesis between
the two consonants. Whatever analysis is provided for this case, it remains certain that
schwa does not participate in the weight-sensitive phenomenon of CL. Again, a
situation in which schwa is moraic is banned in Amazigh.
To sum up, in addition to syllabification and word stress facts, which treat schwa as
being non-moraic (§3), two prosodic phenomena provide additional support to my
proposal. First, the prosodic morphological operation of vowel epenthesis never resorts
to schwa to augment Amazigh stems. Second, schwa never participates in the CL
phenomenon of Tarifiyt. What these two aspects have in common is their being weight-
sensitive phenomena.
83
Karim Bensoukas
2002: 271-2). Accordingly, what is perceived as a schwa vowel is just an effect of temporal
organization of gestures, according to the author. The facts of MA are more complicated by
the generalization reached in the instrumental study in Ali, Lahrouchi and Ingleby (2008).
Their exploratory study reveals that schwa in MA occurs in open syllables.
Let us now clarify how relevant this research on MA is to the facts of Amazigh analyzed
in this paper. In Bensoukas and Boudlal (2012a-b), a lengthy comparison of the behavior
of schwa in GT and MA is undertaken. The authors claim that the behavior of schwa is
more or less similar in the two languages with respect to syllable structure, stress and
syllable weight. One aspect that is emphasized is the fact that schwa does not occur in
open syllables in either language. The research undertaken by Gafos (2002) and Ali,
Lahrouchi and Ingleby (2008) seems to belie the findings in Bensoukas and Boudlal
(2012a-b).
It may as well be the case that the schwa I treat in this paper as epenthetic is in fact an
intrusive vowel, an idea which is not novel to the literature on Amazigh phonology; an
example is Idrissi (1992), who entertains the idea that schwa is an excrescent (intrusive)
vowel. A conception of the problem along these lines will treat the presence of the schwa-
like sound as an articulatory requirement. Accordingly, the seemingly schwa-like sound is
not a phonological unit, let alone one that is associated with a mora, a concept used to
encode vowel weight. It is clear that further investigation is in order in this respect.
The more serious challenge is that an analysis in terms of vowel intrusion may require a
whole-sale revision of the available models of Amazigh syllable structure. One very
intricate aspect of syllabification is the fact that Tashlhit resorts to consonant syllabicity,
so that some words may consist entirely of consonants only, syllabified around
consonantal syllable peaks (Boukous, 1987, 2009; Dell and Elmedlaoui, 1985, 2002,
among others). The even interesting generalization that the dialects of Amazigh differ
along this dimension needs revision. In Ridouane (2008, 2016) and Hdouch (2012), for
example, it is suggested that the dialects not resorting to schwa epenthesis as a means of
improving syllable structure resort to consonant syllabicity to avoid clusters of
unsyllabifiable consonants. Findings of recent research about Tashlhit by Ridouane and
Cooper-Leavitt (2019) relating to schwa also have to be taken in to consideration. One
immediate implication of the intrusion analysis is that Tashlhit syllable structure and that
of Tamazight/Tarifiyt are the same, more or less. Guerssel (1985), for instance, deals with
the syllable structure of Ait Seghrouchen Tamazight using the model of consonant
syllabicity. In addition, a wholesale revision of the work in prosodic morphology is
required under such a move, and only future research can enlighten us about these issues.
84
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
6. Conclusion
The present paper has dealt with the so often pointed out fact that schwa never occurs
in an open syllable in Amazigh in general. The proposal I have argued for is that,
unlike the full vowels of the language, schwa is a non-moraic vowel. This is encoded
in a constraint against the association of schwa to a moraic node.
This constraint is so pervasive in the grammar of the language that activity in various
phonological and prosodic morphological areas ensues from it. First, it bans schwa
from occurring in open syllables. Second, it inhibits schwa from contributing to the
weight of closed syllables for the sake of stress assignment. Third, it makes schwa
ineligible for participating in morphological-prosodic weight sensitive vowel
epenthesis. Last, it hampers schwa from filling a vacant mora to satisfy a requirement
of CL. As a result, the proposal brings together Amazigh prosodic and prosodic
morphological phenomena that seem at first sight to be quite unrelated.
Finally, the analysis in terms of vowel intrusion seems to open other paths for
explaining the behavior of schwa in Amazigh. To what extent this option works for
Amazigh and what changes it will induce on the whole gamut of prosodic (including
morphological) phenomena in the language is an issue left for future research.
References
Abdel-Massih, E.T. (1968), Tamazight verb structure: a generative approach,
Indiana University Publications, Bloomington.
Adnor, A. (1995), Stress assignment in Idaw Tanane Tashlhit (a metrical approach),
D.E.S. thesis, MV University, FLHS, Rabat.
Al Ghadi, A. (1994), « An OT account of Moroccan Arabic prosody », ms.
University of Delaware.
Ali, A., M. Lahrouchi and M. Ingleby (2008), « Vowel epenthesis, acoustics and
phonology patterns in Moroccan Arabic », in Fletcher, J. et al. (eds.), Interspeech
2008, pp. 1178-1181.
Amrous, N. and K. Bensoukas (2004), « Tarifiyt long vowels and diphthongs:
independent phonemes or simple phonetic variants of the basic Amazighe vowels?
» in Boumalk, A. and M. Ameur (eds.), Standardisation de l’amazighe, IRCAM,
Rabat, pp. 117-139.
Amrous, N. and K. Bensoukas (2006/7), « Coerced vowel weight in Tarifiyt Berber: a
comparison of three dialects », Languages and Linguistics N°18/19, pp.1-30.
Basset, A. (1929), La langue berbère. Morphologie. Le verbe- Etude de thèmes,
Leroux, Paris.
85
Karim Bensoukas
86
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
Chtatou, M. (1982), Aspects of the phonology of a Berber dialect of the Rif, Ph.D.
dissertation, SOAS, London.
Chtatou, M. (1991), « Syllable structure in Tarifit Berber », Langues et Littératures
N°9, pp. 27-60.
De Chene, B. and S.R. Anderson (1979), « Compensatory lengthening », Language
N°55, pp. 505-35.
Dell, F. and M. Elmedlaoui (1985), « Syllabic consonants and syllabification in
Imdlawn Tashlhiyt Berber », JALL N°7, pp. 105-130.
Dell, F. and M. Elmedlaoui (1991), « Clitic ordering, morphology and phonology in the verbal
complex of Imdlawn Tashlhiyt Berber (part II) », LOAPL N°3, pp. 77-104.
Dell, F. and M. Elmedlaoui (2002), Syllables in Tashlhiyt Berber and in Moroccan
Arabic, Dordrecht, Kluwer.
Dell, F. and M. Elmedlaoui (2017), « Syllabic weight in Tashlhiyt Berber », in
Newman, P. (ed.), Syllable weight in African languages, Benjamins, Amsterdam, pp.
83-95.
Faizi, R. (2002), Stress and syllabicity in Goulmima Tamazight Berber: a metrical
approach, Doctoral dissertation, MV University, FLHS, Rabat.
Faizi, R. (2009), « An acoustic study of stress in Amazigh », Languages and
Linguistics N° 23, pp.1-14.
Faizi, R. (2011), « Stress systems in Amazigh: A comparative study », Asinag N°6,
pp. 115-127.
Faizi, R. (2017), « Amazigh and Moroccan Arabic in contact: The effects on stress
assignment », Asinag N°12, pp. 29-39.
Gafos, A.I. (2002), « A grammar of gestural coordination », NLLT N°20, pp. 269-337.
Gordon, M. (2004), « Syllable weight », in Hayes, B., Kirchner, R. and D. Steriade (eds.),
Phonetically-based phonology, CUP, Cambridge, pp. 277-312.
Gordon, M.K. (2006), Syllable weight- phonetics, phonology and typology, New
York, Routledge.
Guerssel, M. (1976), Issues in Berber phonology, MA Thesis, University of Washington.
Guerssel, M. (1985), « The role of sonority in Berber syllabification », Awal N°1,
pp. 81-110.
Hall, N. (2006), « Cross-linguistic patterns of vowel intrusion », Phonology N°23,
pp. 387-429.
Hayes, B. (1989), « Compensatory lengthening in moraic phonology », LI N°20, pp.
253-306.
87
Karim Bensoukas
88
Schwa as a Non-moraic Vowel in Amazigh: An Optimality-theoretic Account
89
Karim Bensoukas
Shih, S-H. (2018), Non-moraic schwa: phonology and phonetics, Ph.D. dissertation,
The State University of New Jersey Rutgers.
Topintzi, N. (2006), « A (not So) paradoxical instance of compensatory lengthening:
Samothraki Greek and theoretical implications », Journal of Greek Linguistics N°7,
pp. 71-119.
Topintzi, N. (2012), « Compensatory lengthening », ms. Universität Leipzig. [www.uni-
leipzig.de/⁓topinzi/papers/MFM20_CL.pdf; retrieved on 1/6/ 2013.]
Walker, R. (1996), « Prominence-driven stress », ms., University of California, Santa
Cruz.
Zec, D. (1988), Sonority constraints on prosodic structure, Ph.D. dissertation, Stanford
University.
Zoll, C. (1995), « Licensing and directionality », ms., University of California, Berkeley.
90
Comptes rendus
Asinag-Asinag, 16,2021, p. 93-97
Karl-G. Prasse & Ghabdouane Mohamed. L’histoire du Niger t.1 et t.2, Berber
Studies Rüdiger Köppe Verlag.Köln.Volume 53 – 2019.
Cette contribution bilingue sur l'histoire du Niger, par nos regrettés Ghadouane
Mohamed et Karl-G. Prasse, mérite d'être considérée. Elle comprend deux tomes
l'un en français et l'autre en langue touarègue. Elle est destinée à l'enseignement de
l'histoire nationale dans les écoles nigériennes qui enseignent à la fois le français et
les langues nationales, dont le touareg.
Le Professeur Karl-G. Prasse, est un chercheur bien connu dans le domaine berbère,
ou amazigh, en raison de la qualité de ses nombreux travaux sur la langue touarègue
qui en fait partie. Une recension complète en a été établie par H. Stroomer dans le
Supplément de Berber Studies volume 53 (p. 13-33).
La qualité et l'étendue de ses études universitaires en linguistique ont d'abord
concerné l'arabe et l'hébreu au Danemark, puis le berbère et l'amharique à Paris, à
Rome l'amharique et le somali. De retour à Copenhague, il enrichit son domaine
chamito-sémitique avec l'égyptien ancien. Cette formation très étendue et
complémentaire l'avait bien préparé pour le poste de professeur d'arabe et de berbère
à Copenhague.
L'UNESCO le chargea en 1966 d'écrire une grammaire touarègue et il participa en
1966 et en 1968 à l'élaboration d'un alphabet latin aménagé pour l'enseignement,
l'écriture et l'alphabétisation en langues nationales, au Burkina, au Mali et au Niger.
Son domaine linguistique et culturel incluait aussi les domaines allemand, russe,
anglais et italien. Ses connaissances dans ces domaines aussi vastes, furent
reconnues et honorées dans la sphère universitaire nationale et internationale.
Son intérêt pédagogique le fit participer très activement à la création d'une école
primaire à Amataltal (1999-2010) dans la région d'Agadez au nord du Niger. Il
participa ainsi aux activités de coopération autant qu'il pouvait.
A ses travaux sur la langue touarègue, furent associés ses fidèles collaborateurs
Ghoubeïd Alojaly, Akhmedou Khamidoun, Ekhya ăgg-Ălbostan ăg-šidyăn, et
Ghadouane Mohamed.
Cet ouvrage, qu'il put mener à son terme avant sa mort, comprend donc deux
volumes, le tome I est en touareg de l'Ayr (l'Aïr) de la région d'Agadez au Niger, le
tome II est la version française. Les auteurs en expliquent la construction : c'est le
texte français qui est l'original dont la traduction en touareg a été réalisée avec la
participation de ses collaborateurs. On verra que cette composition peut expliquer
qu'aux difficultés habituelles de toute traduction qui doit tenir compte de l'écart
culturel, se sont ajoutées celles que constitue le passage du texte français au touareg
et non du texte oral touareg à sa transcription.
93
Cet ouvrage bilingue du pays nigérien implique les diverses populations locutrices
des différentes langues, dont le touareg, dans un projet pédagogique annoncé.
La chronologie des faits historiques, élaborée à partir des travaux d'« historiens de
profession », ne prétend pas apporter de nouveaux témoignages, mais considère les
faits historiques sous « un angle touareg » issus des traditions orales touarègues,
c'est-à-dire de la mémoire des acteurs qui constituent la population. A ce titre, le
texte associe le répertoire diachronique et les interventions mémorielles. Cette
participation de la société touarègue concerne l'histoire du Hoggar algérien et du
Mali pour les périodes contemporaines à partir du XIXè s.
Les onze chapitres chronologiques s'ouvrent sur un aperçu de l'Humanité des
périodes pré-historiques, puis évoquent l'origine des Berbères dont font partie les
Touaregs. Ensuite, sont évoquées les périodes de la haute Antiquité, de l'Egypte des
millénaires de 3000 à 1500 av. J.-C., l'expansion de Carthage et Rome, Byzance et
Garama, jusqu'à la naissance de l'Islam et sa diffusion au Sahara Central entre 700
et 1400 de notre ère. Cette étape concerne l'arrivée des tribus touarègues dans l'Aïr
- 700-1000 - puis celles des Issandalan, des Inessufa, des Kel-Geres entre 1000 et
1400.
C'est après l'an 1000 que les Empires noirs s'organisent : l'empire du Mali des
Malinkés en 1100, conquis par les Touaregs en 1438, puis par les Songhays en 1450
; le domaine Haoussa de 1000 à 1500 ; le domaine Toubou avec le puissant groupe
des Kanuris au XIXè s.
Le chapitre V reprend la diachronie de l'Aïr, de 1400 à 1600, l'arrivée des Kel-
Ferwan et d'autres groupes touaregs comportant des tribus maraboutiques, qui ont
participé à la diffusion de l'Islam. Ils ont été chassés d'Agadez en 1700 par les
Iwellemmedan Kel-Denneg, plaque tournante de l'Aïr conquise en 1515 par les
Songhays.
Les chapitres suivant évoquent, de 1600 à 1920, l'organisation de ces multiples
sociétés, et les luttes internes pour le pouvoir. Les XIXè et XXès., voient
l'installation des conquêtes coloniales à partir des années 1920 jusqu'en 1960, année
de l’indépendance du Niger.
Le dernier chapitre évoque de 1960 à 2000, l'installation des structures de la
politique postcoloniale et la succession des différents pouvoirs présidentiels issus
d'élections, alternant avec des coups d'Etat militaires jusqu'en 2010.
Cet inventaire historique en français est donc repris en touareg pour l'enseignement
dans cette langue nationale. L'examen des deux versions concerne les problèmes de
l'écriture dans l'alphabet déjà mentionné, pour la transcription, et ceux de la langue.
L'absence de certains termes lexicaux dans la langue propre à une société nomade
nécessite soit de faire des emprunts aux langues de contact, soit d'utiliser le stock
lexical de cette langue de nomades en utilisant des unités lexicales qui ont une
94
proximité sémantique, et par l'adjonction possible de ses marques grammaticales par
exemple :
− asihar "rendez-vous" > "conférence"
− aməsənsa "fait de disposer ensemble" > "index, liste"
− tugdat "égalité" > "assimilation (phonétique)"
Ces exemples montrent le recours au lexique touareg avec extension du champ
sémantique. Ce processus est bien connu dans toutes les langues et a l'avantage d'être
facilement compris.
Ici, on constate que les néologismes nécessaires résultent principalement d'emprunts
à l'arabe de contact, langue de prestige connue des auteurs. Eventuellement, les
emprunts sont faits aussi au français et au haoussa. Dans les deux cas, on constate
une adaptation phonétique qui facilite l'intégration à la langue touarègue. Un certain
nombre de ces emprunts risquent cependant d'être inintelligible aux lecteurs et aux
élèves en particulier. Recourir, par facilité, à l'emprunt ne se justifie pas quand la
langue et les usagers peuvent utiliser des termes connus qui peuvent être identifiés :
on relève aussi des approximations sémantiques à l'origine de contre-sens comme
pour l'emprunt à l'arabe.
-aləstiɣmar (alestighmar) qui est traduit à la fois par "indépendance" et
"colonisation" et aussi alestiqlal "indépendance".
Par exemple, l'expression culturelle, agoras wa yəbsosăɣăn traduit "forêt
clairsemée", or, agoras connote, en fait, "brousse arbustive", qui ne correspond pas,
en français, à "forêt". En touareg, on utilise le terme efəy/efăy "étendue boisée de
grands arbres", en français "forêt, bois".
Autres types d'approximation dans le texte en français qui sont retrouvés dans le
texte touareg : l'homme de la préhistoire est passé de la position horizontale à la
position verticale quand il est devenu plantigrade. Ce concept est expliqué par "ses
jambes ressemblent à celles de l'homme" ; l'expression est malheureuse, comme celle
de "position très droite" pour "verticale".
Mais, ce qui gêne le plus, dans la reconstitution de la période préhistorique, est de
présenter comme avéré des faits que les préhistoriens communiquent prudemment.
Puis, de les modérer par des expressions approximatives telles que "sans doute",
"probablement"... Ailleurs, enseigner et affirmer "le frère contemporain le plus
proche de l'homme est le chimpanzé" (p. 17). Cette expression fait allusion à
l'« évolution des espèces », généralement inconnue ou rejetée.
La transcription du texte français en touareg se fait donc avec l'alphabet latin
aménagé, élaboré par des linguistes, depuis l'indépendance, et revue à la lumière des
récentes recherches dans ce domaine. Cet alphabet a été conçu en tenant compte des
particularismes phonétiques des différentes langues nationales. En touareg, une
attention particulière est accordée à l'assimilation et à la segmentation.
95
L'assimilation est une réalisation phonétique qui concerne certaines consonnes en
contact :
le plus souvent, la dernière d'un mot en contact avec la première du mot suivant.
La première modifie la seconde et la rend "semblable" :
d + n – > n^n ; ad nənnu > an^nənnu " nous dirons" ; mais ad ənnăɣ "je dirai".
Dans le deuxième exemple, le d de la particule modale ad n'entraîne pas
d'assimilation car il n'est pas en contact avec une consonne. En effet, pour que
l'assimilation se produise, il faut qu'il y ait une situation syntaxique qui le permette,
ce qui n'est pas le cas.
C'est le même procédé à l'intérieur d'un mot, particulièrement fréquent avec les mots
féminins caractérisés le plus souvent par t ––– t :
– ɣ + t > q + q amajaɣ > tamajaɣt > tamajaq "femme touarègue" ;
allaɣ > tallaɣt > tallaq "lance, petite lance"
Autrement dit, ici, l'assimilation des deux consonnes en contact ne dépend pas de la
situation syntaxique ; elle n'est donc pas aléatoire mais permanente et se note à
l’écrit.
On peut rapprocher cette assimilation de ce qui se passe à l'oral en arabe avec alif :
le lam de l'article al- précédant une consonne solaire créant une assimilation jamais
écrite, comme par exemple :
al-šams > [aš-šams] "le soleil", la consonne l s'assimile et se réalise – š-š–
al-nâs > [an-nâs] "les hommes", la consonne l s'assimile et se réalise – n-n–
On peut de même rapprocher de l'assimilation ce qui se passe en français (pour des
raisons différentes) avec la "liaison", réalisée à l'oral mais non écrite, quand certaines
consonnes sont proches des voyelles :
un ^ oiseau –– n + o –– réalisé [unoiseau]
des^années –– s + a –– réalisé [dèszannées]
96
Dans la transcription officielle suivante, les scolaires distinguent mieux les diverses
unités syntaxiques :
əd kəllu nn iri n tăwăqqast ta nn əsuf.
Il en est de même dans ce second exemple.
Ewərrəx ən-musănăn ən-tərəwət d-əwərrəx ən-musănăn n-ăttarix, "datation
archéologique et datation historique".
En transcription officielle on écrirait :
Ewərrəx ən musănăn ən tərəwət d əwərrəx ən musănăn n ăttarix.
Il est évident que si l'auteur avait pu relire cette épreuve, un certain nombre de
coquilles aurait été corrigé. Cependant, les élèves d'Amataltal et les autres scolaires
destinataires de cet ouvrage utile, ne lui en seront pas moins reconnaissants. En effet,
Karl-G. Prasse a été et demeurera pour tous, comme l'un des plus grands spécialistes
de la langue touarègue. Grâce à son travail acharné, le monde amazigh, et touareg
en particulier, dispose d'une somme de connaissances prodigieuses contenues dans
ses multiples productions scientifiques.
Cet ouvrage est un véritable support pédagogique pour l'Histoire du Niger "Attarix
wa n Nijer" en langue touarègue car les scolaires y trouveront les principaux repères
historiques que les auteurs se sont efforcés de synthétiser.
Ce premier ouvrage incitant à promouvoir la temajaq, "le touareg", une des langues
nationales du Niger, encouragera sans doute de nouvelles publications en langues
nigériennes dans les autres matières d'enseignement. C'est un pari pédagogique,
véritable défi à relever pour l'emploi confirmé des langues africaines et nigériennes,
notamment dans le système éducatif.
Quelles que soient les divergences qu'il est toujours bon de mentionner, et en dépit
de quelques "coquilles", cet ouvrage est le témoignage d'une ancienne et chaleureuse
connaissance de la société touarègue et d'une empathie incontestable.
Mohamed AGHALI-ZAKARA
97
Asinag-Asinag, 16,2021, p 99-102
Conditions générales
Tout article proposé doit être original.
Tout article proposé doit être accompagné d’une déclaration de l’auteur certifiant
qu’il s’agit d’un texte inédit qui n’est pas soumis à une autre publication.
Le compte rendu de lecture doit avoir pour objet la lecture critique d’une
publication récente (ouvrage, revue ou autres) en la situant dans l’ensemble des
publications portant sur le thème concerné.
Les auteurs s’engagent à ne pas soumettre simultanément leurs textes à d’autres
revues. Les auteurs confèrent un droit irréversible de reproduction et de diffusion
de leurs articles à la revue Asinag, dans toutes les langues, dans tous les pays et sur
tous médias connus ou à venir.
Un article publié par la revue Asinag devient sa propriété et ne peut être ni reproduit
(sur tous médias connus ou à venir), ni traduit sans autorisation de la direction de
la revue. L’auteur s’engage à ne pas le publier ailleurs sans l’autorisation préalable
du directeur de la revue.
Les idées et opinions exprimées sont celles de leurs auteurs et n’engagent en rien la
revue. Les auteurs sont ainsi responsables des propos qu’ils expriment dans leurs
articles, du contenu de leurs contributions, de l’exactitude de leurs citations, de leurs
références et du droit légal de publier le matériel proposé. Ils ont la responsabilité
d’obtenir la permission écrite, si nécessaire, de reproduire des données protégées
par copyright, et devront faire obligatoirement parvenir à la direction de la revue le
formulaire d’autorisation dûment rempli et signé.
Toute utilisation de tout ou partie du contenu de la revue Asinag par une tierce
personne doit être accompagnée de sa notice bibliographique et doit être clairement
référencée (indiquant le nom de la revue, le numéro et l’année d’édition concernés).
La reproduction partielle ou intégrale des articles, sans autorisation écrite, à des fins
commerciales est strictement interdite.
Les textes non retenus ne sont pas retournés à leurs auteurs. Ceux-ci n’en seront pas
avisés.
99
Guide de rédaction de la revue ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-Asing
Présentation de l’article
Une page de couverture fournira le titre de l’article, le nom, le prénom, l’institution,
l’adresse, le numéro de téléphone, le numéro de fax et l’adresse électronique de
l’auteur. Seuls le titre de l’article, le nom et le prénom de l’auteur et le nom de son
institution doivent figurer en tête de la première page du corps de l’article.
Les articles seront envoyés par courrier électronique sous forme de fichier attaché
en format Word ou RTF (Rich Text Format) à l’adresse suivante :
« asinag@ircam.ma ».
L’article ne dépassera pas 40.000 caractères (Bibliographie et moyens d’illustration
compris).
Le texte sera rédigé en police Times New Roman, taille 11, interligne exactement
12, sur des pages de format (17x24). Le texte en tifinaghe doit être saisi en police
Tifinaghe-ircam Unicode, taille 11, téléchargeable sur le site Web de l’IRCAM
http://www.ircam.ma/lipolicesu.asp. Pour la transcription de l’amazighe en
caractères latins, utiliser une police Unicode (Gentium, par exemple).
Le titre est d’environ 10 mots et peut être suivi d’un sous-titre explicatif. Il sera
rédigé en gras, de police Times et de taille 14.
Les articles sont accompagnés de deux résumés, ne dépassant pas 10 lignes, dont
l’un en anglais. Ils sont suivis de mots clés (7 au maximum) décrivant le contenu
de l’article et disposés en fonction de leur apparition dans l'article.
Moyens d’illustration
Les tableaux sont appelés dans le texte et numérotés par ordre d’appel. La légende
figurera en haut des tableaux.
Les figures et les images sont appelées dans le texte et numérotées par l’ordre
d’appel. La légende sera donnée en dessous des figures.
100
Guide de rédaction de la revue ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-Asing
Dans le cas de plusieurs publications d’un auteur parues la même année, les
distinguer à l’aide de lettres de l’alphabet en suivant l’ordre alphabétique (1997a,
1997b, etc.).
Ex. : Cadi, K. (1987), Système verbal rifain, forme et sens, Paris, SELAF.
Ex. : Peyrières, C. (2005), « La recette de notre caractère », Science & Vie Junior,
n° 195, p. 48-51.
101
Guide de rédaction de la revue ⴰⵙⵉⵏⴰⴳ-Asing
Les références aux thèses : elles sont similaires aux références aux ouvrages, on
ajoute l’indication qu’il s’agit d’une thèse, en précisant le régime (Doctorat
d’Etat, Doctorat de 3ème cycle, …) et l’université.
Ex. : Hebbaz, B. (1979), L’aspect en berbère tachelhiyt (Maroc), Thèse de Doctorat de
3ème cycle, Université René Descartes, Paris V.
Italique : éviter de souligner les mots, utiliser plutôt des caractères en italique.
Si l’auteur emploie des abréviations pour se référer à certains titres qui reviennent
souvent dans l’article, il devra les expliciter dès leur premier usage.
Ex. : Institut Royal de la Culture Amazighe (IRCAM)
102