You are on page 1of 76

‫الفصل احلادي عشر‬

‫انتهى من اجتماعو مع سلطان وأوالد عمو‬

‫وربديد ادلوعد النهائي حلفل زفاف شهم‬

‫وو َىج ٍب عاد إىل منزلو وىو يشعر ابإلرىاق‬


‫َ‬
‫والذي تب ّخر ما إن رآىا أمامو!‬

‫ذبمد مكانو على عتبة غرفتهما يناظرىا‬


‫ّ‬
‫ابنبهار فىت ابلعشرين من عمره يرى عروسو‬

‫للمرة األوىل‪..‬‬

‫مازالت ُمزن قادرة على أن زبطف أنفاسو‬

‫‪1‬‬
‫على الرغم من كل السنوات اليت عاشاىا‬

‫معا‪..‬‬

‫مازالت قادرة على أن تُنسيو العامل أبكملو‬

‫بنظرة واحدة منها وىا ىو يقف أمامها‬

‫منبهرا دبا يرى على الرغم أهنا مل تفعل أكثر‬

‫من تكحيل عينيها ابلكحل العريب وترك‬

‫شعرىا الغجري منسدال حييط بوجهها كتاج‬

‫أسود انعم والمع خيطف األبصار‪ ,‬أما عن‬

‫مالبسها فكانت ثواب منزليا رقيقا أبيض‬

‫‪2‬‬
‫اللون بورود محراء صغرية فكانت هبجة‬

‫لعينيو العاشقتني‪.‬‬

‫"مزن‪"..‬‬
‫ُ‬
‫صعب بشغف فالتفتت إليو ُمزن‬
‫مهس ُم َ‬
‫ابلك‬
‫بلهفة وىي تسرع إليو تسألو‪":‬ما َ‬
‫صعب؟ ىل تشعر بشيء؟"‬
‫ُم َ‬
‫صعب لو حبب وىو يهمس ذلا‪:‬‬
‫ضمها ُم َ‬
‫ّ‬
‫"أشعر بقليب يرذبف بني ضلوعي عشقا‬

‫صعب وقلبو وعشقو األوحد"‬


‫اي روح ُم َ‬

‫‪3‬‬
‫روحك‬
‫َ‬ ‫رمقتو حبب ٍب سألتو بدالل‪":‬أالزلت‬

‫صعب؟"‬
‫وقلبك اي ُم ً‬
‫َ‬
‫ابتسم وىو يغمزىا بعبث‪":‬أريد أن أبرىن‬
‫ِ‬
‫لك على مشاعري كل حلظة ولكين أخشى‬
‫ِ‬
‫عليك من ادللل"‬

‫قال الكلمة األخرية بتالعب فناظرتو بلوم ٍب‬

‫دفنت وجهها بصدره قائلة‪":‬الشيء أحب‬

‫لك‬
‫إيل من قُربك اي ُمصعب‪ ,‬أمل أثبت َ‬
‫ّ‬
‫يوميا؟"‬

‫‪4‬‬
‫ضمها لو بقوة وىو يقول بعبث‪":‬أريد إثباات‬
‫ّ‬
‫كل حلظة ولنبدأ من اآلن"‪.‬‬

‫***‬
‫تفرست يف‬
‫راقبتو يدخل الغرفة ببطء‪ّ ,‬‬
‫مالزلو أبمل‪..‬‬

‫لقد شاخ بتّار فجأة من بعد ما فعلتو ريفال‬

‫هبما‪ ,‬أصبح صامتا دوما‪ ,‬ال ينطق حبرف إال‬

‫إذا بدأت ىي احلديث‪ ,‬ابتعد عن اجلميع‬

‫ولوال إصرار سلطان عليو أن حيضر‬

‫‪5‬‬
‫اجتماعات شيوخ القبائل مل يكن ليخرج من‬

‫ابب ادلنزل‪.‬‬
‫زفرت بضيق وىي تُ ِ‬
‫صر أن زبرجو من تلك‬

‫العزلة اليت استكان إليها من بعد ما حدث‪,‬‬

‫مر وقتا كافيا ليتناسى ما حدث ويعود‬


‫لقد ّ‬
‫بتّار كما عرفتو وأحبتو‪..‬‬

‫فريفال أكرمها هللا ابلزواج من رجل جيد‬

‫وردبا يسازلاىا مستقبال بعد أن هتدأ النريان‬

‫تستعر داخلهما من فِعلتها‪..‬‬


‫ّ‬ ‫اليت مازالت‬

‫‪6‬‬
‫ومراد أكرمو هللا ابلزوجة الصاحلة واليت مل‬

‫تكن لتحلم أن يرزقو هللا هبا بعد فِعلتو مع‬

‫َو َىج وادلوقف الذي وضعهما فيو وقتها‪..‬‬

‫عندما تراه مع زوجتو ُرىب تشعر ابلسعادة من‬

‫أجلو‪ ..‬لقد وجد ابنها نفسو مع زوجتو‬

‫ويعيش بسعادة ورضا مل تكن تتخيّل أن تره‬

‫عليهما يوما وىي ربمد هللا على ذلك كل‬

‫حلظة وتدعو لسلطان زوج أختها كل يوم‬

‫فقد كان لو نظرة مستقبلية حقا دلا ستئول‬

‫‪7‬‬
‫عليو حياة ابنها مع ابنة الباشا‪.‬‬

‫أدركت أخريا أن كل ما حدث نتيجة‬

‫تربيتهما اخلاطئة خاصة ىي‪ ..‬دالذلا ذلما‬

‫الزائد عن احلد والذي ح ّذرىا منو بتّار نفسو‬

‫بدءا إبجابة كل طلباهتما دون نقاش أو سبييز‬

‫ومرورا دبنحهما الكثري من النقود ابلرغم من‬

‫اعًتاض بتّار على ذلك ووصوال لعدم‬

‫تصحيح أخطائهما فور حدوثها ظّنا منها أن‬

‫ما تفعلو حنان ُح ِرَمت ىي منو بطفولتها‪..‬‬

‫‪8‬‬
‫كل ىذا جعل مراد وريفال بكل تلك‬

‫األاننية اليت عانوا مجيعا تبعاهتا بدءا من‬

‫رفض مراد َلو َىج اليت ركض خلفها لسنوات‬

‫وصوال إىل ىروب ريفال للزواج دبحتال‬

‫خدعها ابسم احلب!‬

‫هنضت تستقبلو وعلى وجهها ابتسامة رقيقة‬

‫ترحب بعودتو إليها وتضم نفسها لو‬


‫زلبة ّ‬
‫علّها تشعر ابألمان الذي فقدتو أبفعال ابنها‬

‫فضمها‬
‫وابنتها وكأنو شعر دبا ديوج داخلها ّ‬

‫‪9‬‬
‫لو حبنو وىو يربّت على ظهرىا حبب يهمس‬
‫بك جوزال؟ ىل ىناك شيء يك ّد ِ‬
‫رك‬ ‫ذلا‪":‬ما ِ‬

‫حبيبيت؟"‬

‫حبيبتك‬
‫َ‬ ‫انظرتو برجاء تسألو‪":‬ىل مازلت‬

‫بتّار؟"‬

‫اتّسعت عيناه بصدمة وىو يهتف هبا‪:‬‬


‫ِ‬
‫دبكانتك لدي اي جوزال بعد‬ ‫"ىل تش ّكني‬

‫كل ىذه السنوات معا؟"‬

‫هبزة من رأسها وىي تقول‪:‬‬


‫نفت ّ‬

‫‪11‬‬
‫"ال أشك‪ ,‬ولكين أحتاج أن أطمئن أنين‬

‫مشاعرك ذباىي‬
‫َ‬ ‫تتغري‬
‫بيبتك ومل ّ‬
‫مازلت ح َ‬
‫بسبب ما خضناه مؤخرا‪ ,‬أحتاج أن أشعر‬

‫ابألمان اي بتّار‪ ,‬األمان الذي مل أجده سوى‬

‫اعيك اي ابن العم"‬


‫بني ذر َ‬
‫ضمها لو بقوة وىو يهمس ذلا‪:‬‬
‫ّ‬
‫"اعذريين حبيبيت‪ ,‬لقد ابتعدت ِ‬
‫عنك الفًتة‬

‫ادلاضية رغما عين‪ ,‬كنت أراجع أفعايل معهما‬

‫فيم أخطأت حىت يفعال‬


‫وأحاول اكتشاف َ‬

‫‪11‬‬
‫قصرت‬
‫فيم ّ‬
‫ما فعال يب! حاولت أن أفهم َ‬
‫معها حىت تضع رأسي ابلوحل ولوال مؤازرة‬

‫سلطان ووقوفو معي وربكيم عقلو لكنت‬

‫أصبت ابجلنون حقا ِبفعلتها اليت كسرتين‬

‫اي جوزال‪ ..‬ابنيت كسرتين بسبب وغد‬

‫خدعها وسلّمت لو ىي كل شيء بكل‬

‫سهولة"‬

‫صمت للحظات فأخذت تربّت على ظهره‬

‫حبنو وىي بني أحضانو تسيل دموعها رغما‬

‫‪12‬‬
‫عنها وتكتم شهقاهتا حىت ال تزيدىا عليو‪..‬‬

‫ىي أكثر َمن يعلم دبا قد يعاين منو رجل‬

‫كبتّار رأمسالو كرامتو وكربايئو‪.‬‬

‫"كل شيء أصبح على ما يرام اي حبييب‪ ,‬دع‬

‫كل شيء خلف ظهرك اآلن واىتم‬

‫بنفسك‪ ..‬أال ترى كيف اصبحت؟ قليب‬

‫لك وشعرت اببتعادك‬


‫يؤدلين كلما نظرت َ‬
‫أنت تعلم أنو ليس يل سواك اي مالك القلب‬
‫َ‬
‫والروح"‬

‫‪13‬‬
‫قالت جوزال وىي تقبّلو حبنو ٍب مهست لو‬

‫لك بتّار"‬
‫بشغف‪":‬اشتقت َ‬
‫َ‬
‫تسلّم منها ادلبادرة وغرقا معا يف جلّة عشق‬

‫وردية نسيا معها كل ُمر َم ّر هبما الفًتة‬

‫ادلاضية‪.‬‬

‫***‬
‫راقبها زبطو برقتها اليت خطفت قلبو منذ‬

‫متوجة‪..‬‬
‫صغرمها وتتهادى دبشيتها كملكة ّ‬
‫خصالهتا الشقراء يتخللها بضع خصالت‬

‫‪14‬‬
‫بنية انعمة ربيط بوجهها ببشرتو البيضاء‬

‫والنمش الذي يعشقو على الرغم أنو يغيظها‬

‫بو كلما رآىا وعيناىا بلوهنما األخضر‬

‫والذي يتداخل معو الرمادي الشاحب دبزيج‬

‫ال يليق إال دبلكة قلبو‪.‬‬

‫ظل يناظرىا للحظات بصمت يتأملها وقلبو‬


‫ّ‬
‫يرذبف بني ضلوعو عشقا وما إن قرر أن‬

‫يقًتب منها ليتح ّدث معها ويبوح دبا أخفاه‬

‫داخل قلبو لسنوات قبل أن يفاتح والده‬

‫‪15‬‬
‫برغبتو ابلزواج منها حىت مسعها ذبيب اذلاتف‬

‫أتخرت يف االتصال‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫بلهفة قائلة‪َ :‬‬
‫"مل‬

‫عليك"‬
‫اي راشد؟ لقد قلقت َ‬
‫وقف مكانو مصدوما‪ ,‬ريفال رب ّدث شااب يف‬

‫اذلاتف وتبدو ملهوفة عليو بطريقة غريبة‬

‫عليها كما أن االسم الذي اندتو بو مألوفا‬

‫لو‪ ..‬أليس ىذا الشاب الذي كان ابدلشفى‬

‫وزعمت أهنا خطيبتو؟!‬

‫ىل ابنة عمو واقعة بغرام ىذا الشاب‬

‫‪16‬‬
‫وبينهما عالقة؟! ِملَ مل يتق ّدم خلطبتها إذا؟!‬

‫أهنت ادلكادلة والتفتت لتجده خلفها‬

‫فشهقت خبوف ازداد عندما أدركت من‬

‫مالزلو أنو مسع مكادلتها مع راشد فبادرتو‬

‫حبدة زبفي فِعلتها خلفها‪:‬‬

‫"كيف تتسلل للمنزل دون وجود أيب أو‬

‫مراد؟ وتقف لًتاقبين أيضا ِخفية؟ أىذه ىي‬

‫الرجولة اي ابن العم؟"‬

‫سبسك ليث أبقصى درجات ضبط النفس‬


‫ّ‬

‫‪17‬‬
‫حىت ال يدفنها مكاهنا ابحلديقة بني الزىور‬

‫اليت زرعها من أجلها يوما فقط ألنو عرف‬

‫أهنا رببها‪ٍ ..‬ب قال هبدوء سليف خيفي خلفو‬

‫كل نريان الغرية واحلمية اليت تشتعل داخلو‪:‬‬


‫"أخربيو أن يتق ّدم خلِ ِ‬
‫طبتك قريبا وإال سيعلم‬
‫عمي دبا حيدث ِ‬
‫بينك وبينو اي‪"...‬‬

‫وصمت قليال قبل أن يناظرىا بسخرية‬

‫واستهانة متابعا‪":‬اي ابنة العم"‬

‫طر ٌق على ابب غرفتو أفاقو من شروده دبا‬

‫‪18‬‬
‫دار بينو وبني ريفال قبل ىروهبا بفًتة ِ‬
‫فأذ َن‬

‫للطارق ابلدخول لتدخل والدتو بينار وىي‬

‫تبتسم لو حبنو قائلة‪":‬ألول مرة تغيب عن‬

‫الغداء ليث‪ ,‬ىل ىناك شيء بُين؟"‬

‫وضمها لو حبب مقبّال‬


‫هنض حال رؤيتها ّ‬
‫رأسها بتقدير قبل أن جياورىا على الفراش‬

‫رليبا إايىا‪":‬لقد تناولت الطعام ابخلارج مع‬

‫قتادة أمي لذا ال أشعر ابجلوع بعد‪,‬‬

‫اعذريين"‬

‫‪19‬‬
‫ربّتت بينار على وجنتو حبنو ٍب قالت هبدوء‪:‬‬

‫مرت فًتة‬ ‫لقد‬ ‫ين؟‬ ‫ب‬ ‫لتنساىا‬ ‫األوان‬ ‫ن‬‫"أمل يئِ‬


‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كبرية على ما حدث والفتاة تزوجت أيضا"‬

‫عقد حاجبيو متظاىرا بعدم الفهم وىو‬

‫يسأذلا‪":‬عمن تتحدثني أمي؟ ال أفهم!"‬


‫ّ‬
‫ابتسمت وانظرتو بنظرة ذات مغزى زبربه أهنا‬

‫تكشف تظاىره إال أهنا سايرتو بلعبتو قائلة‪:‬‬

‫"أربدث عن ريفال اي ليث‪ ,‬ريفال اليت‬


‫عينك عليها منذ ِ‬
‫الصغَر لتكون‬ ‫وضعت َ‬

‫‪21‬‬
‫جعلك تكرىها كما‬
‫َ‬ ‫زوجتك إال أن خطأىا‬

‫مل تكره حبياتك أحدا"‬

‫ىم ابحلديث إال أهنا أشارت إليو واتبعت‬


‫ّ‬
‫اذلدوء‪":‬أنت تشبو عمك بتّار كثريا‬
‫َ‬ ‫بنفس‬

‫اي ليث‪ ,‬على قدر قلبك الطيب احلنون إال‬

‫أنك ال تغفر األخطاء بسهولة خاصة لو‬

‫أخطاء خاصة بقلبك ومشاعرك‪ ,‬لذا مل‬

‫لك حال عودهتا ألنين‬


‫أحاول أن أخطبها َ‬
‫أنك ِعفتها بسبب فِعلتها ولكن‬
‫أعلم جيدا َ‬

‫‪21‬‬
‫حياتك بسببها‪..‬‬
‫َ‬ ‫ىذا ال يعين أن توقف‬

‫لقد تزوجت وانتهى األمر وآن األوان أن‬

‫حلياتك‬
‫َ‬ ‫تفيق من كل ذلك وزبطط‬

‫ومستقبلك‪ ,‬أن تنسى كل ما يتعلق هبا‬


‫َ‬
‫يفوتك ووقتها‬
‫َ‬ ‫وتنظر حولك لًتى مجال ما‬

‫لك‬
‫ستجد بنفسك القدرة على احلب وتعود َ‬
‫رك حق‬
‫رغبتك ابلزواج والعيش مع امرأة تق ّد َ‬
‫قدرك"‪.‬‬
‫َ‬

‫‪22‬‬
‫***‬
‫عادت بينار إىل غرفتها وىي تدعو أن يلهم‬

‫ابنها الصواب ويفيق دلستقبلو حىت يراتح‬

‫قلبها من انحيتو وترى ماذا حيدث مع غزل‬

‫بتغريىا منذ فًتة‬


‫ىي أيضا واليت تشعر ّ‬
‫وزبشى أن يكون العشق ىو السبب خاصة‬

‫إن كان ادلعشوق من خارج قبيلتهم‪.‬‬

‫عين؟"‬
‫"ما ابذلا صغريٌب مشغولة ّ‬
‫ابدرىا قسورة فابتسمت لو حبب وىي‬

‫‪23‬‬
‫منك"‬
‫تقول‪":‬مشغولة دبَن ىو قطعة َ‬
‫بتفهم ٍب قال‪":‬مازال على حالو؟"‬
‫أومأ ّ‬
‫زفرت بضيق وىي ذبيبو‪":‬حاولت أن أجعلو‬

‫يغري من األمر‬
‫يدرك أن كل ما يعيشو لن ّ‬
‫شيئا‪ ,‬البد أن يدرك ذلك جيدا حىت‬

‫يستطيع االستمرار وعيش حياتو بدال من‬

‫ىذا الركود الذي يعيشو منذ شهور على‬

‫شيء ال يستحق"‬

‫"أشم رائحة غرية نسوية يف األمر"‬

‫‪24‬‬
‫قاذلا قسورة دبرح فابتسمت رغما عنها قبل‬

‫أن تقول‪":‬أتعلم قسورة؟ على قدر حزين‬

‫على حال ليث وحىت حال ريفال وما فعلتو‬

‫بنفسها وبنا على قدر راحيت أهنا ليست من‬

‫نصيبو فهي ال تصلح لو"‬

‫رمقها قسورة بدىشة وسأذلا‪":‬إذا مل تكوين‬

‫موافقة على ريفال زوجة ل ليث؟ دلاذا؟‬

‫ماذا يعيب الفتاة؟"‬

‫أسرعت ابإلجابة‪":‬ال يعيبها شيء ابلطبع‬

‫‪25‬‬
‫على الرغم من هتورىا وسذاجتها إال أنين‬

‫أثق هبا جيدا وأعلم أن لكل ما فعلتو حدودا‬

‫ال ديكنها أن تتخطاىا مهما حدث"‬

‫صمتت للحظات قبل أن تتابع‪":‬إال أهنا ال‬

‫تصلح لو‪ ,‬ليث يريد فتاة توازن بني‬

‫مشاعرىا وعقلها‪ ..‬تفهمو ورببو وتدرك أن‬

‫لو حدودا ليس عليها أن تتخطاىا‪,‬‬

‫يتحول وقت‬
‫ليث عطوف ورحيم إال أنو ّ‬
‫غضبو وغريتو إىل وحش ال ديكن التنبّؤ برد‬

‫‪26‬‬
‫فعلو لذا َمن ستتزوج بو عليها أن تفهمو‬

‫جيدا حىت تستطيع التعامل معو مق ّدرة‬

‫عاطفتو القوية وغريتو اليت ال تُطاق ووقتها‬

‫فقط ستنعم ابلسعادة معو بكل أتكيد‪,‬‬

‫وريفال مل تكن لتفعل ذلك‪ ,‬ريفال هبا دلسة‬

‫أاننية وهتور ال تصلح أبدا مع ليث‪..‬‬

‫ستجرحو بكالمها وأفعاذلا وجيرحها برد فعلو‬

‫العنيف وسيضيع احلب إن ُو ِج َد خبضم كل‬

‫ذلك"‬

‫‪27‬‬
‫ابتسم دبرح غامزا إايىا وىو يقول‪:‬‬

‫"صغريٌب احلكيمة"‬

‫ضحكت دبرح ٍب قالت بتوق وىي تتعلّق‬

‫بعنقو بدالل‪":‬أريد حفيدا اي قسورة"‬

‫رمقها بنظرة ذات مغزى ٍب جذهبا إليو‬

‫أبخ ل ليث‬ ‫ىامسا‪":‬ما ر ِ‬


‫أيك أن أنٌب ٍ‬
‫يشجعو على الزواج سريعا؟"‬
‫ّ‬
‫ضحكت بقوة قائلة دبرح‪:‬‬

‫"موافقة"‬

‫‪28‬‬
‫***‬
‫وجدىا تبكي بغرفة آفيندار فهرع إليها جبزع‬
‫سائال إايىا‪":‬ما ِ‬
‫بك أفنان؟ ماذا حدث؟"‬

‫رمقتو حبزن وىي تقول‪":‬أريد ابنيت اي قيس‪,‬‬

‫أريد آفيندار"‬

‫زفر خبفوت قبل أن يضمها لو حبب وىو‬


‫يقول‪":‬أمل تكوين ِ‬
‫أنت َمن أقنعين أن أتركها‬

‫مع َو َىج يف الوطن؟ لقد كنت رافضا بُعدىا‬

‫قلت‪"...‬‬ ‫ِ‬
‫ولكنك ِ‬ ‫عنّا‬

‫‪29‬‬
‫قاطعتو قائلة بنشيج‪":‬فعلت ذلك من‬

‫أجلها‪ ,‬لقد كانت تتعلّق بسراب يؤذيها وال‬

‫علي أن أبعدىا عن‬


‫ّ‬ ‫واجبا‬ ‫كان‬ ‫لذا‬ ‫يفيدىا‬

‫كل ما ىو مؤمل ولكين أفتقدىا كثريا"‬

‫فضمها لو حبنو‬
‫قالت اجلملة األخرية ببكاء ّ‬
‫وىو يقول‪":‬ما ر ِ‬
‫أيك أن نعود للوطن‬

‫اي أفنان؟"‬

‫رمقتو أفنان بدىشة وىي تسألو‪:‬‬

‫ومكانتك‬
‫َ‬ ‫"كيف اي قيس؟ أليس ىنا عملك‬

‫‪31‬‬
‫اليت تعبت لسنوات حىت تصل إليها و‪"...‬‬

‫قاطعها قيس قائال أبمل‪":‬لقد تعبت من الغُربة‬

‫اي أفنان‪ ,‬مل أعد مراتحا بعيدا عن وطين‬

‫وقبيليت‪ ,‬عندما عدت لزفاف ريفال ومراد‬

‫شعرت أننا ابتعدان كثريا‪ ..‬يكفي أن ابنتنا‬

‫نشأت بعيدا عن وطننا وقبيلتنا‪ ,‬آفيندار ال‬


‫تريد العيش ىنا ِ‬
‫وأنت من البداية مل تراتحي‬

‫ىنا‪ ,‬إذا ما الذي سيجعلين أحتمل الغربة‬

‫أكثر أكثر؟"‬

‫‪31‬‬
‫عليك اي قيس؟‬
‫"ولكن ألن يؤثّر ىذا َ‬
‫مهما حدث ال أريد لتعبك طوال سنوات‬

‫أن يذىب ُسدى؟"‬

‫قالت أفنان وىي ترمقو بتساؤل قَلِق فابتسم‬

‫ذلا حبب وىو يقول‪":‬لقد اكتفيت اي أفنان ومل‬

‫أعد أريد شيئا سوى العودة لوطين وقبيليت‪..‬‬

‫والتقلقي لن تؤثر عودٌب على عملي وحىت‬


‫لو حدث ال أىتم بشيء ِ‬
‫سواك وابنتنا"‬

‫‪32‬‬
‫***‬
‫بك حاًب؟ منذ كنت مع حسن وحيدر‬
‫"ما َ‬
‫وأنت شارد‪ ,‬ىل ىنا شيء حبييب؟"‬

‫سألتو أدلاسة بقلق فابتسم ذلا حبب وىو‬

‫يقول‪":‬ال حبيبيت أفكر فقط بشيء"‬

‫رفعت حاجبيها قائلة بغرية‪":‬وما ىو ىذا‬

‫مين أستاذ حاًب؟"‬


‫الشيء الذي أيخذك ّ‬
‫ضحك عاليا وىو جيذىا إليو مقبّال وجنتها‬

‫ٍب قال‪":‬ال شيء ابلعامل كلو يستطيع أن‬

‫‪33‬‬
‫أيخذين ِ‬
‫منك اي قلب حاًب ونبضو"‬

‫صمت للحظات وانتظرت ىي بوحو الذي‬

‫مل يتأخر‪":‬حسن وحيدر يريدان الزواج"‬

‫ابتسمت أدلاسة بسعادة وىي تقول‪:‬‬

‫"حقا حاًب؟ إنو خرب جيد جدا"‬

‫ٍب صمتت وىي ترمقو بعدم فهم وتسألو‪:‬‬

‫"ولكن دلاذا تقوذلا هبذه النربة احلزينة‬

‫ادلًتددة؟"‬

‫أطرق حاًب برأسو يف صمت ٍب قال‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫"يريدان أن يناسبا الزىرانية اي أدلاسة"‬

‫عم"‬‫ابتسمت أدلاسة بفرحة وىي تقول‪":‬والنِ‬


‫َ‬
‫ٍب عقدت حاجبيها بريبة سائلة إايه‪:‬‬

‫"وأنت غري موافق على االختيار؟"‬

‫حرك رأسو بنفي قائال‪":‬على العكس لقد‬


‫ّ‬
‫سعدت ابختيارمها إال أنين أخشى أن‬

‫يُرفَضا"‬

‫رمقتو حبرية وىي تسألو‪":‬ودلاذا يتم رفضهما؟‬

‫وىل سيجد الزىرانية مثل حسن وحيدر‬

‫‪35‬‬
‫ليطلبا بناهتم؟"‬

‫"أيب‪"...‬‬

‫قال حاًب بًتدد فقاطعتو أدلاسة حبزم‪:‬‬

‫ضاللك القدمي؟‬
‫َ‬ ‫"اي إذلي حاًب! أالزلت على‬

‫أمل تتعلّم شيئا شلا عانينا منو؟ أمل تدرك أن ما‬

‫عانيتو معو حيدث مع الكثري غريك وىذا ال‬

‫منك أبدا"‬
‫يقلل َ‬
‫زفر حاًب بقوة ٍب قال‪":‬لقد حاوال اذلرب من‬

‫إيل كل ذكرايٌب‬
‫حبهما اي أدلاسة‪ ,‬لقد أعادا ّ‬

‫‪36‬‬
‫وىرويب لسنوات من ذكرى شبيو رجال‬

‫حطّم داخلي الكثري ويبدو أنو فعل ادلِثل‬

‫معهما وأكثر‪ ..‬لوال أنين مسعتهما مصادفة‬

‫مل أكن ألعلم شيئا عن األمر وظننتهما‬

‫طبيعيني ال يعانيان شيئا"‬

‫ربّتت أدلاسة على وجنتو حبنو وىي تقول‪:‬‬

‫"البد أن تؤازرمها اي حاًب‪ ,‬البد أن يدركا أن‬

‫قيمتهما دبا حيققاه وأن احلكم سيكون‬

‫والد ُدفِ َن منذ سنوات وواراه‬


‫عليهما ال على ٍ‬

‫‪37‬‬
‫الثرى‪ ..‬البد أن ربكي ذلما ما عانيتو بسبب‬

‫تفكريك مثلهما قدديا والسنوات اليت أضعتها‬

‫من عمران بسبب تفكري عقيم ال أمهية لو"‬

‫ضمها لو حبب وىو يقول‪":‬لقد أخربهتما‬

‫ابلفعل وأقنعتهما أن يفكرا جيدا وال يرتكبا‬

‫خطأ كالذي كاان سيفعالنو عندما حاوال‬

‫اذلرب عن حبهما بفتاتني سلتلفتني ظنّا منهما‬

‫أهنما ديكنهما النسيان ببساطة"‬


‫صمت للحظات ٍب سأذلا‪":‬ما ر ِ‬
‫أيك أن‬

‫‪38‬‬
‫تفاربي مشوخ ابألمر وذبعليها تستطلع رأي‬

‫الرجال قبل التقدم رمسيا حىت ال حيدث أي‬

‫حساسية إذا ًبّ رفضهما ألي سبب"‬

‫انظرتو بذىول قبل أن تضربو على كتفو‬

‫ىاتفة بغيظ‪":‬كيف أقنعتهما ابهلل عليك إذا‬

‫نفسك غري مقتنع؟"‬


‫َ‬ ‫كنت‬

‫قهقو حاًب عاليا قبل أن حياول إفهامها‬

‫وجهة نظره‪":‬أقصد لو كان ىناك حديث بني‬


‫أوالد العم على الفتيات ِ‬
‫أنت تعلمني أهنم‬

‫‪39‬‬
‫ضلون الزواج بينهم أكثر"‬
‫يف ّ‬
‫أومأت إبدراك ٍب قالت‪":‬سأساعدك ولكن‬

‫ما ادلقابل؟"‬

‫رمقها بدىشة قبل ان يهتف دبرح‪:‬‬


‫"يبدو ِ‬
‫أنك ذبلسني مع لؤلؤة كثريا مؤخرا‬
‫ِ‬
‫فصرت تتحدثني مثلها"‬

‫ضحكت عاليا وىي تقول‪":‬سأخربىا"‬


‫ِ‬
‫أرجوك إال ىي‪ ,‬ستفسد‬ ‫توسلها دبرح‪":‬الاا‪,‬‬
‫ّ‬
‫الزجية على الشابني ووقتها سيكون ذنبهما‬

‫‪41‬‬
‫ِ‬
‫برقبتك ِ‬
‫أنت"‬

‫***‬
‫شقيقك ادلخدوع‬
‫َ‬ ‫"الطفل احلامل بو زوجة‬

‫طفلك أم طفلو؟"‬
‫َ‬
‫ال يستطيع وصف ما يشعر بو هبذه‬

‫اللحظة‪..‬‬

‫أحقا خزامى تسألو ىو ىكذا سؤال؟!‬

‫غسان الباشا تتهمو ابنة عمو وربيبتو‬


‫ىو‪ّ ,‬‬
‫وحبيبتو اليت مل يعشق سواىا أنو خائن‬

‫‪41‬‬
‫ولِ َمن؟ لشقيقو الوحيد؟!‬

‫ال يعلم ىل يضرهبا على جرأهتا ابهتامو بتلك‬

‫التهمة اخلسيسة أم جييبها هبدوء زلاوال‬

‫ضبط نفسو حىت ال يقتلها بيديو العاريتني‪..‬‬

‫وبينما ىو يف ّكر فيما ديكنو أن يفعلو أمام ما‬

‫ّاهتمتو بو وصلو صوهتا ادلشمئز‪:‬‬

‫"أتفكر بكذبة ما؟ ال تقلق حىت لو أجبتين‬

‫قك فقد رأيتكما معا بعيين‬


‫ابلنفي لن أص ّد َ‬
‫ولكين ظننت أن عالقتكما انتهت ما إن‬

‫‪42‬‬
‫تزوجت حبرب"‬

‫يهزىا بغضب عارم وىو‬


‫أمسك بذراعها ّ‬
‫يهتف هبا‪":‬ىل تعي ما تنطقني بو اي خزامى؟‬

‫ىل تعي ما تتهميين بو اي ابنة عمي؟‬

‫أىذا اختبار لضبط النفس مثال؟ أم ىي‬


‫أقدمت عليها ِ‬
‫ألنك رافضة الزواج‬ ‫ِ‬ ‫خدعة‬

‫مين؟"‬
‫ّ‬
‫رمقتو ابستهانة دون خوف من غضبو ظاىراي‬

‫على األقل ٍب قالت‪":‬ليس ىناك خدعة‬

‫‪43‬‬
‫أيتك معها ابدلزرعة منذ‬
‫ابألمر‪ ,‬لقد ر َ‬
‫أحضانك تقبّلك بسفور‬
‫َ‬ ‫سنوات‪ ,‬رأيتها بني‬

‫وأنت على ما يبدو مستمتعا بقبلتها فلم‬


‫َ‬
‫ربرك ساكنا"‬
‫ّ‬
‫عقد حاجبيو بعدم فهم وىو حياول تذكر ما‬

‫تقولو وسرعان ما أدرك أنو حقا حياول تذكر‬

‫شيء مل حيدث من األساس!‬

‫أسيشك بنفسو بسبب حديث ىذه البلهاء‬

‫أمامو؟ ىو مل يقرب احلرام حبياتو فكيف لو‬

‫‪44‬‬
‫أن خيون شقيقو مع َمن أحبها لسنوات؟‬

‫بل كيف لو أن خيون ىو ربو ٍب حبو وعشقو‬


‫الذي استوطن قلبو منذ ِ‬
‫الصغَر وىو الذي‬

‫وىبها قلبو منذ محلها بني ذراعيو ل ّفة صغرية‬

‫محراء أذّن أبذهنا وقبّلها حبنو وىو يعدىا أن‬

‫حيميها طوال العمر حىت من نفسها‪..‬‬

‫وىا ىي عشقو أمامو تتهمو بتهمة تطري هبا‬

‫الرقاب دون تردد وال يعلم كيف ذلا أن‬

‫تكون على يقني أنو ىو َمن رأتو بل ورأتو مع‬

‫‪45‬‬
‫زوجة شقيقو!‬

‫"اي إذلي!"‬

‫يهزىا‬
‫غسان من بني أسنانو قبل أن ّ‬
‫ىتف ّ‬
‫بقوة ىاتفا هبا‪":‬أفيقي خزامى‪ِ ,‬‬
‫أنت تتحدثني‬

‫غسان‪ ,‬أان مل أقرب احلرام أبدا‪ ,‬حىت‬


‫مع ّ‬
‫ِ‬
‫أجرحك بنظرة وتتهميين‬ ‫ِ‬
‫أنت ابنة عمي مل‬

‫اآلن أنين خسيس أخون شقيقي مع زوجتو؟‬


‫كيف ِ‬
‫لك أن تقويل ىذا؟ كيف؟"‬

‫ىتف الكلمة األخرية بقهر جعلها ترمقو‬

‫‪46‬‬
‫بًتدد‪..‬‬

‫ىي واثقة أهنا رأتو ذلك اليوم فكيف لو أال‬

‫يتذكر؟‬

‫كيف لو أن يبدو صادقا ىكذا وكأنو بريء‬

‫حقا!‬

‫ابتعد عنها ملسوعا وكأنو أدرك فقط هبذه‬

‫اللحظة أنو ديسك هبا وىي ليست حاللو‬

‫بعد ٍب أدار السيارة وعاد من حيث أتيا وما‬

‫إن أوقف السيارة حىت أخربىا جبمود‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫"عقد القران بنهاية األسبوع والزفاف بعد‬

‫االختبارات"‬

‫ترجل من السيارة دون كلمة أخرى‬


‫ٍب ّ‬
‫وتركها دبكاهنا رباول فهم ما حدث وىي‬

‫هتمس‪":‬كيف لو أن يكون صادقا ىكذا‬

‫وقد رأيتو بعيين؟"‪.‬‬

‫***‬
‫"سؤال واحد وأريد اإلجابة عليو على‬

‫الفور‪:‬ىل اجلنني خيص راشد أم سواه؟"‬

‫‪48‬‬
‫انتفضت ريفال جبنون وىي هتتف بو‪:‬‬

‫"ما ىذا الذي تسألين إايه؟ ىل جننت؟‬

‫أال تعرف َمن أان؟ أان ريفال بتّار الزىراين‬

‫اي ابن الباشا‪ ,‬لست أان َمن تُسأل ىذا‬

‫السؤال‪ ..‬أان لست فتاة من الشارع حىت‬

‫تسألين عن ىوية والد الطفل غري ادلوجود‬

‫من األساس؟"‬

‫أثلج صدره رد‬


‫عقد حاجبيو بعدم فهم وقد َ‬
‫فعلها رغما عنو‪ ..‬يعلم أهنا ابنة شيوخ وأن‬

‫‪49‬‬
‫عالقتها مع راشد وىروهبا كان خطأ ال‬

‫يُغتَ َفر إال أنو مل يظن أبدا أهنا قد تصل‬

‫بعالقتها إىل ىذا احلد من اخلطأ لذا عندما‬

‫أخربتو والدتو عن محلها اثر جنونو‪..‬‬

‫كيف تكون حامال وىو مل يلمسها‬

‫من األساس؟!‬
‫"إذا دلاذا قالت الداية ِ‬
‫أنك‪"...‬‬

‫قاطعتو ريفال بغضب‪":‬ألهنا محقاء‪ ,‬مل أوافق‬

‫أن تلمسين من األساس وكل ما أخربهتا بو‬

‫‪51‬‬
‫أن عادٌب الشهرية مل ِ‬
‫أتت منذ تزوجت وىي‬

‫والدتك دون فهم‬


‫َ‬ ‫أسرعت بزف البشارة إىل‬

‫ودون أن تسمع ابقي كالمي"‬

‫ذباىل امحرار وجنتيها ما إن أدركت ما‬

‫أخربتو بو عن عادهتا بعفوية وسأذلا‪:‬‬


‫ِ‬
‫كالمك؟"‬ ‫"وما ىو ابقي‬

‫"إهنا غري منتظمة لدي‪ ,‬لذا كنت أتناول‬

‫دواءا جلعلها تنتظم ومل أتناولو منذ قبل‬


‫زواجنا بقليل لذا مل ِ‬
‫أتت وحدث يل‬

‫‪51‬‬
‫االضطراب ادلعتاد والذي ظنّو اجلميع محال"‬

‫ال يعلم ِملَ أراد أن يشاكسها ويسأذلا‬


‫(من ىي غري ادلنتظمة واليت مل ِ‬
‫أتت) إال أنو‬ ‫َ‬
‫كبح تساؤالتو ادلرحة واليت ال تناسب‬

‫عالقتهما أبدا ٍب أخربىا هبدوء‪:‬‬


‫"غدا سنذىب للطبيبة لتصف ِ‬
‫لك شيئا‬

‫ووقتها خنربىم أن الداية أخطأت ابألمر"‬

‫أومأت دون حديث ووجهها يشتعل خجال‬

‫من احلديث الذي تناواله وما إن مهّت‬

‫‪52‬‬
‫بسؤالو مىت سيعوان إىل ادلنزل حىت عال‬

‫طرق الباب ودخلت والدتو اببتسامة حنونة‬

‫زبربه برجاء‪":‬اقضيا الليلة ىنا بُ َين"‬

‫ارتبك كل من غازي وريفال وكالمها ينظران‬

‫يتوسط الغرفة‪..‬‬
‫إىل الفراش الضيّق الذي ّ‬
‫دبنزذلما الفراش واسع وديكنهما النوم‬

‫منفصلني بكل راحة حىت لو بغرفة أخرى‬

‫ولكن ىنا كيف سيتدبران أمرمها؟!‬

‫حاول غازي االعًتاض إال أن والدتو بنظراهتا‬

‫‪53‬‬
‫ادلتوسلة جعلتو يوافق رغما عنو فابتسمت‬

‫بك بُين‬
‫والدتو بسعادة وىي تقول‪":‬ابرك هللا َ‬
‫ورزقك السعادة كما أسعدتين"‬

‫غادرت والدتو فنظر إىل ريفال اليت تقف‬

‫مكاهنا ابرتباك ٍب قال‪":‬ىل تريدين االغتسال‬

‫أوال؟"‬

‫رفضت حبركة من رأسها فدخل ىو إىل‬

‫احلمام وظلّت ىي جالسة على الفراش‬

‫حبرية‪ ..‬كيف ستنام جواره هبذا الفراش‬

‫‪54‬‬
‫الضيق؟ بل إن الثوب الذي ترتديو أسفل‬

‫العباءة كان قصريا وكاشفا ذبلس بو دبفردىا‬

‫ابدلنزل ومل ترتدي مثلو أمامو أبدا فماذا‬

‫ستفعل اآلن؟‬

‫ىل تنام ابلعباءة؟ أم تتظاىر ابلالمباالة وتنام‬

‫ابلثوب حىت تراتح بنومها؟!‬

‫زفرت بقوة قبل أن تقرر أن زبلع العباء‬

‫ظن أهنا دعوة لو‬


‫وتبقى ابلثوب حىت لو ّ‬
‫ستحرك بو أي مشاعر‬
‫ّ‬ ‫ولو أهنا ال تظن أهنا‬

‫‪55‬‬
‫عدا البُغض‪.‬‬

‫ال تعلم ِملَ شعرت ابحلزن عندما ف ّكرت‬

‫ىكذا!‬

‫ماذا يهمها منو إن بَغضها أم ال؟!‬

‫ردبا ألهنا اعتادت احلب والدالل من اجلميع‬

‫وكان أول شخص يعاملها بقسوة وكره!‬

‫أجل ىذا ىو السبب بكل أتكيد‪..‬‬

‫اراتحت لتفسريىا الساذج وخلعت العباءة‬

‫وأسدلت شعرىا كما ربب بنومها ٍب‬

‫‪56‬‬
‫استلقت سريعا على الفراش وجعلت ظهرىا‬

‫مقابال للحمام الذي دخلو منذ قليل وىي‬

‫تدعو هللا أن تنام سريعا قبل خروجو إال أن‬

‫دعاءىا مل يُستَ َجب على ما يبدو فقد خرج‬

‫بعد حلظات من احلمام ليجدىا تنام على‬

‫حافة الفراش تكاد تسقط من عليو فكبح‬

‫ضحكة متسلية وىو يتساءل‪ ..‬كيف لفتاة‬

‫خبجلها وارتباكها حبضرتو أن تكون جريئة‬

‫وتفعل مثلما فعلت؟!‬

‫‪57‬‬
‫ألقى ادلنشفة اليت كان جيفف هبا شعره‬

‫جانبا ٍب استلقى جوارىا على الفراش فوجد‬

‫نفسو ملتصقا هبا رغما عنو‪ ,‬الفراش ضيق‬

‫ابلفعل وكان ابلكاد يكفيو دبفرده فكيف‬

‫إذا جاورتو؟!‬

‫لتتجمد نظراتو‬
‫ّ‬ ‫رفع الغطاء ليجذبو فوقو‬

‫عليها وىو يرى ما ترتديو أو ردبا ال ترتديو!‬

‫فعلى ما يبدو أن زوجتو ادلصون نسيت ابقي‬

‫مالبسها ابدلنزل وعليو أن حيتمل النوم‬

‫‪58‬‬
‫جوارىا بل ملتصقا هبا وىي هبذا ادلظهر‬

‫كيف؟ ال يعلم! ولكنو يعلم شيئا واحدا‪..‬‬

‫أنو حيتاج لكل ضبط النفس داخلو حىت ال‬

‫يفعل ما اتق لفعلو حادلا وقع بصره عليها‬

‫انئمة على فراش عزوبيتو‪.‬‬

‫زفر خبفوت وىو يستغفر زلاوال إشاحة بصره‬

‫عنها إال أن صوات ساخرا صدح بداخلو‬

‫(أتستغفر ألنك تنظر لزوجتك اي غازي؟‬

‫إهنا حاللك اي رجل)‬

‫‪59‬‬
‫سواك اآلن"‬
‫"ال ينقصين َ‬
‫سبتم بنزق وعيناه سبران عليها رغما عنو‪..‬‬

‫طعمة ابللون‬
‫بداية من خصالهتا الشقراء ادلُ ّ‬
‫الكستنائي وادلُس َدلة دون رابط الشعر‬

‫ادلعتاد مرورا ابلثوب األسود ادلهلك‬

‫ألعصابو والذي يكشف أكثر شلا خيفي‬

‫حبمالتيو الرفيعتني بظهر مكشوف أظهر‬

‫النمش الذي يزيّنو وبكل أتكيد الصدر أيضا‬

‫مكشوف كالظهر‪..‬‬

‫‪61‬‬
‫ووصوال لساقيها الظاىرتني من الثوب‬

‫القصري والذي ابلكاد يصل إىل ما قبل‬

‫ىزه لألعماق ىو اخللخال‬


‫الركبتني وما ّ‬
‫الذىيب الذي تزيّن بو قدمها الصغرية الرقيقة‬

‫والذي وجد يديو تتسابقان للمسو لوال أن‬

‫كبح زمامهما بكل ما أوٌب من قوة فأسدل‬

‫الغطاء عليها مرة أخرى وىو يكاد يلقيها‬

‫عن الفراش قبل أن يفلت زمامو وأيخذىا‬

‫متذوقا رقتها اليت سحرتو منذ‬


‫بني ذراعيها ّ‬

‫‪61‬‬
‫اليوم األول الذي رآىا بو‪.‬‬

‫زفر بقوة وىو يعطيها ظهره يستغفر بصوت‬

‫عل النوم يزوره هبذه الليلة الغرباء إال‬


‫ّ‬ ‫خافت‬

‫أن تقلّبها على الفراش جواره مل دينحو فرصة‬

‫لنزعها من تفكريه فالتفت ذلا وحبركة واحدة‬

‫أحاطها بذراعيو ومع شهقتها ادلصدومة‬

‫لوجودىا هبذا ادلكان دون سابق إنذار‬

‫خاصة مع صدره العاري أخربىا‪:‬‬

‫"اىدأي‪ ,‬لن أفعل شيئا‪ ,‬فقط حىت نستطيع‬

‫‪62‬‬
‫النوم براحة فالفراش ضيق كما ترين وال‬

‫سبيل للنوم عليو إال هبذه الطريقة"‬

‫وعلى الرغم من أنو ال يوجد أطول أو أح ّد‬

‫من لساهنا إال أهنا مل تستطع أن تنطق بكلمة‬

‫وىي ذبد نفسها بني ذراعيو فجأة وجهها‬

‫يتفرس دبالزلها بدوره‬


‫مقابال لوجهو الذي ّ‬
‫لتجده يطيل النظر دلكان النمش والذي‬

‫تكرىو بقوة والذي طادلا أغاظها بو ليث‬

‫ابن عمها قسورة‪..‬‬

‫‪63‬‬
‫"إالم تنظر؟"‬
‫َ‬
‫سألتو حبدة فابتسم عندما أدرك مقصدىا‬

‫وسبب ضيقها‪ ,‬احلمقاء! أال تعلم أن ىذا‬

‫النمش يعطيها مظهرا طفولية بريئا ويزيدىا‬

‫مجاال على مجاال؟!‬

‫(مجاذلا!)‬

‫يبدو أنو أصابتو لوثة ما إذا كان أتثّر هبا هبذا‬

‫الشكل وىو الذي مل يكن يطيقها منذ فًتة‬

‫قصرية!‬

‫‪64‬‬
‫"إنو مجيل"‬

‫خرجت الكلمة منو دون وعي فاصطبغ‬

‫وجهها ابللون األمحر والذي جيعلو مبهورا هبا‬

‫مين"‬
‫لتقول خبفوت الئم‪":‬ال تسخر ّ‬
‫رفع حاجبيو بدىشة وىو يقول‪":‬دلاذا أفعل؟‬
‫إنو يليق ِ‬
‫بك حقا‪ ..‬أال تالحظني ذلك؟"‬

‫"أان أكرىو"‬

‫قالت بطفولية فابتسم حبنو وكأنو يتح ّدث‬

‫مع بيداء ابنة حرب ابن عمو‪..‬‬

‫‪65‬‬
‫"ىل تعرفني ماذا أُطلِق عليو؟"‬

‫سأذلا غازي فرمقتو بفضول تنتظر إجابة‬

‫السؤال بلهفة فتابع بصوت أجش‪:‬‬

‫"قبالت ادلالئكة"‬

‫اتّسعت عيناىا ابنبهار طفويل فابتسم لرباءهتا‬


‫الواضحة ٍب قال بنفس النربة‪":‬إنو يز ِ‬
‫يدك‬

‫مجاال حقا كما أنو عالمة من عالمات مجال‬

‫ادلرأة"‬

‫أسبلت أىداهبا خبجل ووجدت نفسها تضع‬

‫‪66‬‬
‫وجهها على صدره ابستكانة وتغمض عينيها‬

‫وعلى وجهها ابتسامة بلهاء من حديثو ٍب‬

‫ليلتك غازي"‬
‫قالت خبفوت‪":‬طابت َ‬
‫يقرهبا لو‬
‫وفوجئ ىو برد فعلها قبل أن ّ‬
‫بعفوية ويغمض عينيو رليبا إايىا‪:‬‬
‫ِ‬
‫"وليلتك ريفال"‪.‬‬

‫***‬
‫"شادن‪"..‬‬

‫انداىا ما إن رآىا زبرج من ابب منزذلم‬

‫‪67‬‬
‫وتدخل يف الشارع اجلانيب الذي يفصل بني‬

‫منزليهما ببقعة ىادئة ال يرامها هبا أحد‬

‫فالتفتت إليو شادن بدىشة وىي تقًتب‬

‫منو سائلة‪":‬حيدر؟ ىل ىناك شيء؟‬

‫ىل خاليت أدلاسة خبري؟"‬

‫ابتسم لقلقها الواضح على زلياىا قبل أن‬

‫يومئ قائال‪":‬مجيعهم خبري إال أان"‬

‫رمقتو بعدم فهم وىي تسألو‪:‬‬

‫"دلاذا؟ ماذا حيدث معك؟"‬

‫‪68‬‬
‫"قليب يؤدلين اي غزالة‪ ..‬فهل ِ‬
‫لك أن تداويو؟"‬

‫قاذلا بصوت مبحوح من العاطفة ورأهتا ىي‬

‫واضحة بعينيو فارذبفت وقلبها يرعد داخل‬

‫صدرىا وزاغت عيناىا ابرتباك وىي تسألو‬

‫خبفوت‪":‬ال أفهم! ماذا تريد حيدر؟"‬

‫وويل لو من حروف امسو من بني شفتيها‬

‫ادلرذبفتني!‬

‫وويل لو لو ف ّكر أن يستبدذلا أبخرى وىي‬

‫مالكة لقلبو وروحو بل إن قلبو ينبض ابمسها‬

‫‪69‬‬
‫كل حلظة فكيف ُخيِّ َل لو أنو يستطيع‬

‫االبتعاد عنها أو االرتباط بسواىا؟!‬

‫"ىل تعرفني ِِبَ أشعر عندما تنطقني امسي‬

‫هبذه الطريقة؟"‬

‫سأذلا وىو يقًتب منها خطوة دون وعي‬

‫فرجعت ىي خطوة للخلف وىي ترمقو بريبة‬

‫دون أن ذبرؤ على التساؤل فادلشاعر اليت‬

‫سبوج بعينيو قادرة على سلبها أنفاسها ال‬

‫صوهتا فقط وىو مل ينتظر سؤاذلا بل اتبع‬

‫‪71‬‬
‫بنفس النربة اليت جعلت ارتباكها يزداد‪:‬‬

‫"أشعر أنين أريد أن أتذوق كل حرف من‬

‫حروفو ببطء وتل ّذذ وأان أدعو أال تنتهي‬

‫حروف امسي أبدا"‬

‫اتّسعت عيناىا بصدمة من جرأتو فهتفت بو‬

‫حبدة‪":‬ىل جننت حيدر؟ ما الذي هتذي بو؟‬

‫ىل تدرك ما تقول؟"‬

‫زفر حبرارة وىو حياول سبالك أعصابو اليت‬

‫تشتعل كلما رآىا ٍب قال‪":‬أجل‪ ,‬جننت‬

‫‪71‬‬
‫عندما ظننت أنو ديكنين الزواج ِ‬
‫بغريك حىت‬
‫ِ‬
‫سكنت‬ ‫ِ‬
‫أنساك وقد‬ ‫ِ‬
‫أنساك ولكن كيف‬
‫ِ‬
‫وسلبت روحي؟"‬ ‫بنبضي‬

‫صمت للحظة ٍب قال بنربة غريبة‪:‬‬


‫يدك من ِ‬
‫والدك الليلة اي غزالة‬ ‫"سأطلب ِ‬

‫ومن األفضل ِ‬
‫لك أن توافقي ىذه ادلرة‪..‬‬

‫ال تكرري ما حدث قبال اي غزالة فرد فعلي‬

‫لن يكون لطيفا أبدا"‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫***‬
‫يسري بشرود رافقو منذ علم بقرار عمو قيس‬

‫ابلعودة إىل الوطن هنائيا وتفكري والده ِبفعل‬

‫ادلثل رغم أتجيلو للقرار قليال من أجل إهناء‬

‫دراستو ىو واتليا ووجود مشاري أيضا إال‬

‫أنو بقرارة نفسو ال يريد العودة اآلن‪..‬‬

‫ال يريد أن يرى آفيندار لفًتة علّها تنساه‬

‫فرغما عنو جرحها تلك ادلرة ومل يسامح‬

‫نفسو أبدا ولكن رغما عنو حقا‪ ..‬ال يريدىا‬

‫‪73‬‬
‫أن تُضيع حياهتا ىباءا فهو لن يراىا سوى‬

‫أخت صغرية لو مثل اتليا لذا يريدىا أن‬

‫تنساه حىت تستطيع أن زبترب احلب احلقيقي‬

‫والذي سيجعلها تشرق ال تذبل كما فعل‬

‫ىو هبا‪.‬‬

‫زفر بغضب من نفسو وصوت من داخلو‬

‫يهتف بو الئما‬

‫(ما هبا ابنة عمك اي ساىد؟ إهنا فتاة رقيقة‬

‫ونشأت أمام عينيك وتعرف عنها كل شيء‬

‫‪74‬‬
‫تقريبا‪ ..‬دلاذا ال تشعر ذباىها أبي شيء؟!)‬

‫وجييب ىو الصوت حبزن (لقد حاولت حقا‬

‫أن أحبها‪ ,‬حاولت أن أنظر إليها كفتاة ردبا‬

‫أتزوج هبا إال أنين مل أستطع فماذا أفعل؟!‬

‫ال أريد أن أظلمها معي‪ ..‬أريدىا أن تعيش‬

‫حياهتا لتجد احلب احلقيقي الذي تستحقو‬

‫لذا كان البد من بعض القسوة يف التعامل‬

‫حىت تفقد األمل يب هنائيا)‬

‫ىبط عن مكان ادلشاة حىت يقطع الشارع‬

‫‪75‬‬
‫إال أنو مل ينتبو لتلك السيارة اليت جاءت‬

‫مسرعة فصدمتو بقوة وألقتو على بُعد عدة‬

‫أمتار وآخر ما مسعو قبل أن يفقد الوعي‬

‫صرخة خائفة وصوت يسألو‬

‫أنت خبري؟!)‬
‫(ىل َ‬
‫هناية الفصل‬

‫‪76‬‬

You might also like