Professional Documents
Culture Documents
وجود التراضي 02
وجود التراضي 02
وجود التراضي
مقدمة
خاتمة
مقدمة:
وقــد خص المشــرع الجزائــري العقــد بـ 71مــادة تقننــه في المدونــة القانونيــة ،من المــادة 54
إلى 123مكــرر ، 1نظــرا ألهميتــه .فــأغلب المعــامالت تســري في شــكل عقــود و بــاختالف
أطرافه ــا – أش ــخاص طبيعي ــة و معنوي ــة . -و العق ــد كم ــا عرف ــه الفقه ــاء ه ــو ( تواف ــق بين
إرادتين باتج ــاه إح ــداث أث ــر ق ــانوني ) ،بمع ــنى ه ــو تراض ــي بين ط ــرفين تتواف ــق إرادتيهم ــا
بالتعبير عنهما و يكون محله و سببه مشروع .
و العقــد يقــوم على ثالثــة أركــان هي :التراض ـيـ ،المحــل و الســبب ،يضــاف إليهــا عنصــر
الشــكلية في بعض العقــود حيث يشــترط القـانون ذلــك ،و سـوف نتنــاول في هــذا البحث ركن
التراضيـ من حيث وجوده.
اإلرادة ظ ــاهرة نفس ــية تتمث ــل في ق ــدرة الك ــائن المفك ــر في اتخ ــاذ موق ــف أو ق ــرار يس ــتند إلى
أس ـ ــباب واعتب ـ ــارات معقول ـ ــة ،مم ـ ــا يس ـ ــتدعي وج ـ ــود اإلدراك وحس ـ ــن الت ـ ــدبير عن ص ـ ــاحب
اإلرادة ،ويمــيز علمــاء النفس بين عــدة صــور لإلرادة ،معتمــدين في ذلــك على قــدرة وتطــور
إدراك كل كائن ،أما القانون ال يعتد إال باإلرادة الجدية .
أ -اكتساب الشخصية القانونية :األشـخاص القانونيـة نوعـان :الشـخص الطـبيعي والشـخص
االعتباري أو المعنوي ،والشخص الطبيعي هو اإلنسان ،ومنذ ســقوط نظـام الـرق الـذي كــان
يحـ ــرم العبيـ ــد من الشخصـ ــية القانونيـ ــة ،وباسـ ــتثناء بعض المحكـ ــوم عليهم ببعض العقوبـ ــات
الجنائية ،كالموت المدني ،أصبح كل إنسان ،يتمتــع بالشخصــية القانونيــة من يــوم والدتــه إلى
ي ــوم وفات ــه ،أم ــا الش ــخص االعتب ــاري فليس ل ــه وج ــود حقيقي ،فوج ــوده مف ــترض فقط .1وق ــد
نصت المادة 49قانون مدني :األشخاص االعتبارية هي:
علي فياللي ،االلتزامات (لعمل المستحق للتعويض) ،موفم للنشر والتوزيع ،الجزائر،الطبعة الثانية ،2007،ص 69 1
تقاس قدرة الفرد على القيام بتصرفات قانونية صــحيحة بوعيــه ،أي بدرجــة إدراكــه وتميــيزه
بين األمور المختلفة ،وتضمنت المواد 42إلى 44ق م القواعــد العامــة الــتي تحكم األهليــة،
وتضمن المادة 78المبدأ الذي يقضـي بـأن" :كـل شـخص أهـل للتعاقـد مـا لم تسـلب أهليتـه أو
يحــد منهــا بحكم القــانون" .ويكــون الشــخص عــديم األهليــة إذا انعــدمت لديــه اإلرادة المدركــة
كالص ــبي غي المم ــيز والمجن ــون ،أو المعت ــوه ،ومث ــل ه ــؤالء ال يمكن أن تنس ــب إليهم إرادة
1
يعتد بها القانون.
يجب أن تنصــرف إرادة الشــخص إلى إحــداث آثــار قانونيــة ،أي أن يكــون راغبــا في ارتبــاط
بحالة قانونية ،فاإلرادة الجدية هي التي يسعى الفرد خاللها إلى تحمل واجبات نحو شــخص
آخ ـ ــر ،أو اكتس ـ ــاب حق ـ ــوق على الغ ـ ــير ،أو التن ـ ــازل عن حق ـ ــوق مكتس ـ ــبة ،فيل ـ ــتزم ص ـ ــاحبها
بواجبــات تنفـذ جـبرا إذا اقتضـى األمـر ،وعلى عكس ذلــك تكـون اإلرادة إذا كـان صــاحبها ال
يرغب في تحمل واجبات
تعـ ــد النظريـ ــة األولى الـ ــتي وضـ ــعتها المدرسـ ــة الفرنسـ ــة بـ ــاإلرادة الباطنيـ ــة ،بينمـ ــا تمسـ ــكت
المدرسة الجرمانية باإلرادة الظاهرة وهي النظرية الثانية .
1-اإلرادة الباطنة :يــرى أصــحاب هــذه النظريــة المســتمدة من مــذهب الفرديــة ومبــدأ ســلطان
اإلرادة ،أن اإلرادة النفســية أي الكامنــة في النفس ،هي األصــل بــل هي الــروح ،ومــا وســائل
إظهارها والكشف عنها إال مجرد ثوب ترتديه للتعرف عليها .
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 70 1
فــالتعبير عن اإلرادة مــا هــو إال مجــرد وســيلة ماديــة البــد منهــا للكشــف عن اإلرادة ،وبالتــالي
ال يؤثر بأي شكل كـان على مضــمونها ،فـالمعنى الـذي تحملــه الكلمـة أو اإلشـارة أو اللفــظ –
تعبير اإلرادة -يعتبر قرينة بسيطة على أنه المعني الحقيقي الذي انصرفت إليه نية المعبر،
وعليــه يمكن إثبــات عكس ذلــك إذا اقتضــى األمــر .وبعبــارة أخــرى إذا كــانت اإلرادة النفســية
تختل ــف عن تل ــك ال ــتي تتض ــمنها الكلم ــة أو اإلش ــارة المس ــتعملة نتيج ــة االس ــتعمال المف ــرط أو
غ ـ ــير ال ـ ــدقيق لأللف ـ ــاظ أو الكلم ـ ــات أو اإلش ـ ــارة فلص ـ ــاحبها أن يثبت ذل ـ ــك ،ألن الع ـ ــبرة هي
باإلرادة الكامنة في النفس ،أي باإلرادة الباطنة .
تقوم هذه النظرية على مبدأ تكريس المجتمع لخدمة الفرد ،إذ أن حمايــة مصــالح الفــرد أولى
من حماية مصالح المجتمع واستقرار المعامالت .
-وف ــاة أو نقص أهلي ــة المع ــبر تس ــقط اإلرادة ول ــو ص ــدرت قب ــل وفات ــه أو ح ــدوث نقص في
أعليته؛
2-اإلرادة الظ**اهرة :تــرى هــذه النظريــة الــتي تقــدمت بهــا المدرســة األلمانيــة في منتصــف
القــرن العشــرين ،ان القــانون يهتم بالمظــاهر االجتماعيــة ال بالمظــاهر النفســية ،ومن ثم فــإن
اإلرادة الكامنـ ــة في النفس غـ ــير جـ ــديرة بالحمايـ ــة القانونيـ ــة ،فـ ــالعبرة حينئـ ــذ تكـ ــون بـ ــاإلرادة
الظاهرة فقط .
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 75 1
إن التعبير عن اإلرادة ظاهرة اجتماعية يعتد بها القانون ويحميها ،واألصــل في اإلرادة هي
تل ـ ــك المع ـ ــبر عنه ـ ــا بغض النظ ـ ــر عم ـ ــا إذا كـ ــانت مطابق ـ ــة لإلرادة النفس ـ ــية أو ال .فـ ــالمظهر
الخارجي لإلرادة المتمثل في اللفـظ أو الكتابـة أو اإلشــارة هـو العنصــر األصــلي في اإلرادة،
وهذا ما يجعل إثبات العكس أمرا مستحيال .
ترمي هـذه النظريـة إلى حمايـة المجتمــع على حسـاب المصـالح الفرديـة ،بحيث يتحمـل الفـرد
النتـ ــائج المترتبـ ــة عن سـ ــوء اسـ ــتعمال أو اختيـ ــار األلفـ ــاظ أو الكلمـ ــات للتعبـ ــير عن إرادتـ ــه،
وتترتب على هذه النظرية نتائج مغايرة للنظرية األولى منها :
-الوفاة ال تؤثر على صالحية التعبير الحاصل قبــل الوفــاة ،بحيث ينجــر أثــره وقت اتصــاله
بعلم من وجه إليه؛
1
-العبارة الواضحة تلزم القاضي واألطراف ،وال يسمح بالبحث عن النية المشتركة.
لقــد اختلــف الفقهــاء بصــدد تحديــد موقــف المشــرع من هــذه المســألة ،فمنهم من يعتقــد انــه أخــذ
مبدئيا باإلرادة الباطنة ،ومنهم من يرى العكس ،ومنهم من يرى أنه أخذ –في نفس الوقت-
باإلرادة الباطنة واإلرادة الظاهرة لوم يرجح إحداهما على األخرى .
2
1-آراء الفقهاء
يستند أصحاب هذا الرأي على عدة أدلة نذكر منها :
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 76 1
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 78-77 2
-يتضح من مضمون المادة 59ق م أن المشرع يشترط تطابق اإلرادتين ولو كانت العبرة
بـ ـ ــالتعبير عن اإلرادتين لقـ ـ ــال المشـ ـ ــرع" :العقـ ـ ــد يتم بمجـ ـ ــرد أن يتبـ ـ ــادل الطرفـ ـ ــان تعبـ ـ ــيرين
متطابقين عن إرادتيهما ".
-تقــر المــادة 81ق م الغلــط كعيب من عيــوب الرضــا وهــذا يعــني العتــداد بــاإلرادة الباطنــة،
حيث أن الغلط هو وهم يقوم فذ ذهن الشخص .
-تشــترط المــادة 97ق م مشــروعية الســبب ،والتطــرق إلى هــذه المســألة –أي المشــروعية-
يقتضي فحص الباعث أو الدافع للتعاقد ،وهذا يعني كذلك أن العبرة باإلرادة الباطنة .
-بمقتضـى المـادة 98الفقـرة الثانيـة فـإن ..." :السـبب المـذكور في العقـد هـو السـبب الحقيقي
حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلـك ،فـإذا قـام الـدليل على صـورية السـبب "...وتفيـد أحكـام
هذه المادة أن العبرة باإلرادة الباطنة وإ ال تثبت صورية السبب .
-تلــزم الفقــرة الثانيــة من المــادة 111ق م القاضــي عنــد تأويلــه للعبــارات الغامضــة في العقــد
بالبحث عن "النية المشتركة" فالعبرة إذن هي باإلرادة الباطنة .
-أشـــار المش ــرع في المـــواد 59و 60و 61ق م إلى التعب ــير عن اإلرادة ال ــذي يقص ــد ب ــه
صراحة اإلرادة الظاهرة .
-ترتب أحكام المادة 62ق م آثار على التعبــير عن اإلرادة الصــادر من شــخص فقــد أهليتــه
أو توفي بعد ذلك ،ولو كانت العبرة بــاإلرادة الباطنــة لســقط التعبــير عن اإلرادة بمجــرد وفــاة
صاحبه أو فقدانه ألهليته .
-يشـــترط في إبطـــال العقـــد بســـبب دالت ليس أو اإلكـــراه الص ــادر من غ ــير المتعاق ــدين ،أن
يكــون المتعاقــد عالمــا بــذلك علمــا حقيقيــا أو حكميــا ،وهــذا يعــني أن أســاس العقــد هــو اإلرادة
الظاهرة .
-يلــتزم القاضــي طبقــا للمــادة 111ق م بعبــارة العقــد الواضــحة والــتي تمنعــه من البحث عن
إرادة المتعاقدين ،وهذا أن العبرة باإلرادة الظاهرة .
-تســمح المــادة 198ق م لــدائني المتعاقــدين والخلــف الخــاص –إذا كــانوا حســني النيــة -أن
يتمسكوا بالعقد الصوري،ـ أي اإلرادة الظاهرة .
-أم بخص ــوص الم ــادة 98الفق ــرة الثاني ــة ق م المتعلق ــة بالس ــبب ،فالمب ــدأ فيه ــا ه ــو االعت ــداد
باإلرادة الظاهرة ،واالستثناء هو الرجوع إلى اإلرادة الباطنة ..
كم ــا يظه ــر من الحجج الس ــالفة ال ــذكر ،وال ــتي تق ــدم به ــا الفقه ــاء دعم ــا آلرائهم ،ف ــإن أحك ــام
القــانون المــدني تتــأرجح بين نظريــة اإلرادة الباطنــة ونظريــة اإلرادة الظــاهرة ،أن الحــل في
مثل هذه الحالة يكمن في تحديد ما يعتبره من القاعدة العامة وما هــو مجــرد حالــة اســتثنائية،
ويبدو أن الفقهاء اعتمدوا هذه الطريقة بحثا عن موقف المشرع الجزائري ،ولكن األمــر في
اعتقادن ــا ليس به ــذه البس ــاطة ،ألن األحك ــام ال ــتي تض ــمنها التق ــنين الم ــدني الجزائ ــري ليس ــت
مجرد نقل آلي للحلول التقليدية ،بل صيغت في ضوء الحقائق الجديدة .
إن الغلــط كعيب من عيــوب الرضــا هــو احــد الحجج الــتي دفــع بهــا أنصــار اإلرادة الباطنــة،
ولكن عن ــد الت ــدقيق في أحك ــام ه ــذا العيب تبط ــل ه ــذه الحج ــة ،فالم ــادة 81ق م تعت ــد بالغل ــط
الجوهري ،وقد عرفت الفقرة الثانيـة من المـادة 82ق م الصـفة الجوهريـة للشـيء على أنهـا
تلك التي...":يراها المتعاقدان جوهرية ،أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد وحســن
النية ".
فالعبرة إذن ليست بنظرة وإ رادة أحد المتعاقدين دون اآلخر ،وإ نمــا بنظرتهــا المشــتركة الــتي
يتم االتفــاق عليهــا ،إنهــا اإلرادة الــتي كشــف عنهــا المتعاقــدان وتبادالهــا ،وإ ذا لم يحصــل في
هذا الشأن اتفاق تكون العـبرة بظـروف العقـد وحسـن النيـة .وهكـذا ففي كلتـا الحـالتين تسـتبعد
النظرية الذاتيــة وفي نفس الــوقت اإلرادة الباطنــة الــتي ينفــرد بهـا أحــد المتعاقــدين ،والحاصــل
أن المشرع أخذ بالغلط ،ولكن أعطاه مفهوما جديدا .
لق ــد دف ــع أنص ــار اإلرادة الباطن ــة ك ــذلك بأحك ــام الم ــادة 2-111ق م المتعلق ــة بتأوي ــل العق ــد،
وال ــتي تل ــزم القاض ــي ب ــالبحث عن الني ــة المش ــتركة ،إال أن المش ــرع ح ــدد طريق ــة البحث عن
هذه النية بوضعه بعض المعالم منها ،طبيعة التعامل ،والثقة ،واألمانة ،والعرف .والغــرض
من هــذه المعــالم الــتي يلــزم القاضــي بإتباعهــا هــو الحــد من تعســف أحــد المتعاقــدين في تأويــل
إرادتــه كمــا تســمح بــذلك نظريــة اإلرادة الباطنــة ،وتكــون العــبرة بــاإلرادة الباطنــة شــريطة أن
تكــون مطابقــة لمــا تقتضــيه طبيعــة المعاملــة ،والثقــة ،واألمانــة ،وحســن النيــة بين المتعاقــدين.
1
وبعبارة أخرى فالعبرة تكون باإلرادة الباطنة المجردة من كل غش وأنانية.
وإ ذا كـ ــان المقصـ ــود بالسـ ــبب هـ ــو البـ ــاعث ،األمـ ــر الـ ــذي يسـ ــمح بـ ــالقول إن العـ ــبرة بـ ــاإلرادة
الباطنة ،فـإن القضـاء بعـد تـردد أصـبح يشـترط بالنسـبة لعقـود المعاوضـة علم المتعاقـد الثـاني
بعد مشروعية الباعث إلبطال العقد .
إضافة إلى كل هذا فإن المشرع يلــزم القاضــي في تقديراتــه المختلفــة بــالرجوع إلى معطيــات
موض ــوعية ك ــالعرف ،والعدال ــة ،والثق ــة .ولن يتم تحقي ــق ه ــذه العدال ــة العقدي ــة الجدي ــدة ال ــتي
يرغب فيهـا المشـرع عن طريــق وضــع قواعـد أو أحكـام اسـتثنائية –لمعالجــة مسـاوئ نظريـة
اإلرادة الظــاهرة ،أو اإلرادة الباطنــة -وإ نمــا بوضــع تصــور جديــد لإلرادة يكــون أكــثر حــدة
علي علي سليمان ،النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري) ،الطبعة السابعة ،ديوان 1
فاإلرادة التي يعتد بها هي إذن اإلرادة الباطنة الخالية من كل غش والتي تتفـق مـع العـرف،
وظروف المعامالت ،والثقة التي يرجوها كل متعاقد .
إن هــذه المعــايير الموضــوعية هي الــتي تمكننــا من الكشــف عن مــدلول اإلرادة بغض النظــر
عن رغبـ ــة المتعاقـ ــدين ،وبالتـ ــالي فـ ــإن المشـ ــرع لم يأخـ ــذ ال بـ ــاإلرادة الظـ ــاهرة وال بـ ــاإلرادة
الباطنــة المحضــة ،وإ نمــا يأخــذ بمــا يســمى بــاإلرادة الــتي يمكن التعــرف عليهــا ،عنــد التعبــير
1
عنها.
-1الفق ــه التقلي ــدي :يتمث ــل التعب ــير الص ــريح للفق ــه التقلي ــدي في التعب ــير باللف ــظ أو الكتاب ــة أو
اإلشارة ،بينما يعتبر اتخاذ موقف تعبـيرا ضـمنيا ،وقــد يسـتخلص من الصـيغة الـتي اسـتعملها
المش ـ ــرع في الم ـ ــادة 60ق م ،حيث أش ـ ــار في بداي ـ ــة األم ـ ــر إلى اللف ـ ــظ والكتاب ـ ــة واإلش ـ ــارة
المتداولة عرفا ،ثم أضاف حالة اتخاذ موقف بقوله..." :كما يكــون باتخــاذ موقــف ."...وتفيــد
ه ــذه الص ــيغة التمي ــيز بين الح ــالتين ،وق ــد يقص ــد بالحال ــة األولى التعب ــير الص ــريح وبالحال ــة
2
الثانية التعبير الضمني.
-2الفقه الحديث :يرى الفقه الحديث أن التعبير عن اإلرادة يتكون من عنصرين :
-عنصر مادي يتمثل في اللفظ أو الكلمة أو اإلشارة المتداولة بين الناس أو الموقــف المتخــذ
.
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 81 1
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 83 2
-وعنصـر معنـوي يتمثـل في نيـة المعـبر ،أي الغـرض من اسـتعمال هـذه األلفـاظ أو الكلمـات
أو المواقف .
حيث يكون التعبير صريحا كلمــا انصــرفت نيــة المعــبر إلى الكشــف عن إرادتــه ،حيث يكــون
الغـ ــرض من الكلمـ ــة أو الكتابـ ــة أو اإلشـ ــارة أو الموقـ ــف المتخـ ــذ هـ ــو اإلعالن والكشـ ــف عن
اإلرادة ،بينمــا يكــون التعبــير ضــمنيا إذا لم تنصــرف نيــة الشــخص عنــد كالمــه أو إشــارته أو
كتابته أو اتخاذه لموقف إلى الكشــف واإلعالن عن اإلرادة ،إال أن اإلرادة تظهــر من الكلمــة
أو اإلشارة أو الموقف المتخذ لغرض آخر .
وقد تستخلص هــذه الفكـرة كـذلك من المـادة 60ق م ،حيث أشـار المشــرع في الفقـرة األولى
إلى التعبـ ــير الصـ ــريح ،وأجـ ــاز في الفقـ ــرة الثانيـ ــة التعبـ ــير الضـ ــمني دون تعريـ ــف .بومـ ــا أن
التعب ــير س ــواء أك ــان ص ــريحا أو ض ــمنيا يك ــون دائم ــا باللف ــظ أو الكتاب ــة أو اإلش ــارة أو اتخ ــاذ
1
موقف ،يمكننا القول إن المشرع قد أخذ كذلك برأي الفقه الحديث.
لقد أعطى المشرع بعض الصور للتعبير الضـمني ،منهــا مــا جـاء في المـادة 318ق م الــتي
تنص ..." :ويعتــبر إقــرارا ضــمنيا أن يــترك المــدين تحت يــد الــدائن مــاال لــه مرهونــا رهنــا
حيازي ــا تأمينه ــا للوف ــاء بال ــدين" .فبالنس ــبة له ــذه الحال ــة يعت ــبر الموق ــف ال ــذي اتخ ــذه الم ــدين –
والمتمثــل في تــرك مالــه تحت يــد الــدائن -هــو تعبــير ضــمني ،ولقــد أخــذ المشــرع بنفس الحــل
في المادة 590ق م" :إذا انتهى عقد اإليجار وبقي المستأجر ينتفع بالعين المؤجرة مــع علم
الم ــؤجر اعت ــبر اإليج ــار ق ــد تج ــدد بالش ــروط األولى...ويعت ــبر ه ــذا التجدي ــد الض ــمني مج ــرد
امتــداد لإليجــار األصــلي "...ويتمثــل التجديــد الضــمني في موقــف المســتأجر الــذي اســتمر في
االنتف ــاع بــالعين الم ــؤجرة ،ولق ــد اســتقر رأي المش ــرع على نفس الحــل في المــادة 959ق م
الــتي تقضــي بأنــه ..." :يجــوز أن يحصــل التنــازل ضــمنا بتخلي الــدائن باختيــاره عن الشــيء
علي فياللي ،االلتزامات" ،النظرية العامة للعقد ،مرجع سابق ،ص 84 1
المرهــون ،"...وتنص المــادة 192من انــون األســرة" :يجــوز الرجــوع في الوصــية صــراحة
أو ضمنيا ،فالرجوع الصريح يكون بوسائل إثباتها والضمني يكون بكــل تصــرف يســتخلص
منه الرجوع فيها ".
وخالصة القول يبـدو أن المشـرع ،في ضـوء هـذه األحكـام ،قـد أخـذ بـالتعريف التقليـدي الـذي
يبدو أن التعبير الصريح هو الذي يتم عن طريق اللفظ أو الكتابة أو اإلشارة ،بينما ينحصر
1
التعبير الضمني في اتخاذ موقف ال يدع شكا في داللته.
علي علي سليمان ،النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري) ،مرجع سابق ،ص 85 1
المبحث الثاني :تطابق اإلرادتين
أوال :اإليجاب
هـو العـرض الصـادر من شـخص يعـبر بوجـه جـازم عن إرادتـه في إبـرام عقـد معين ،بحيث
إذا ما اقترن به قبول طابق له انعقد العقد م( 54و 59م .ق)
وعليه ينعقد العقد في كثير من الحاالت بنــاء على دعـوة موجهـة من أحـد الطــرفين أو دعــوة
موجهة إلى الجمهور كـاإلعالن عن البضـائع عن طريـق الصـحف .أو العـرض في وجهـات
1
المحالت .غير أن الدعوة إلى التفاوض ال تعد إيجابا رغم أنه يشكل عمل مادي.
ثانيا :القبـول
هــو التعبـير البـات عن إرادة الطـرف الـذي وجــه إليـه اإليجــاب ،فهــو اإلرادة الثانيــة في العقـد
إذ ال ينعق ــد العق ــد إال باتف ــاق إرادتين وعلى ه ــذا األس ــاس ف ــإن لص ــحة القب ــول يس ــتلزم ت ــوفر
2
شروط إلحداث أثر قانوني.
الحري**ة في القب**ول :ه ــذا يع ــني أن الم ــوجب ل ــه يس ــتطيع أن يقب ــل اإليج ــاب أو يرفض ــه كم ــا
يكــون لــه أن يدعــه يســقط ألن األصــل هــو الحريــة في التعاقــد ،غــير أن حريــة من يوجــه إليــه
اإليجـ ــاب في قبولـ ــه أو رفضـ ــه ليسـ ــت مطلقـ ــة في جميـ ــع األحـ ــوال ،وإ نمـ ــا هي مقيـ ــدة بعـ ــدم
صيمود مخلوف ،نظرية االلتزامات ،مقياس القانون المدني ،السنة الثانية فرع قانون العالقات االقتصادية الدولية، 1
ويشــترط في القبــول الــذي ينعقــد بــه العقــد شــرطان أساســان :أن يكــون مطابقــا لإليجــاب ،وأن
يتم قبل سقوط اإليجاب .
ومعناه صدور القبول بالموافقة على كل المسائل التي تضمنها اإليجاب ،ويســتوي أن تكــون
هـ ــذه المسـ ــائل رئيسـ ــية أو ثانويـ ــة ،فـ ــالقبول يجب أن يكـ ــون جوابـ ــا" بنعم" عن اإليجـ ــاب م( .
66،65م .ق ) ،وأن االتفاق الذي يعد له محال المتعاقدين أو أحدهما بـإبرام عقـد معين في
المستقبل ال يكون له أثر إال إذا عينت جميـع المســائل الجوهريــة للعقــد المـراد إبرامـه والمـدة
التي يجب إبرامه فيها م( 171م .ق ) .وإ ذا اشترط القانون بتمام العقد استيفاء شكل معين
فهذا الشكل
معناه أنه يجب أن يكون اإليجاب ما يزال قائما ،فإذا كــانت هنـاك مــدة لإليجـاب صـريحة أو
ضمنية تعين أن يصدر
القبول قبل فوات هذه المدة ،وإ ال اعتبر إيجابا جديدا .
وإ ذا كان اإليجاب قد صدر في مجلس العقد ولم تحدد لـه مـدة ،فيجب أن يصـدر القبـول قبـل
1
انفضاض مجلس العقد.
قلنــا ســابقا بأنــه ال ينعقــد العقــد إال إذا أتى القبــول مطابقــا لإليجــاب تمــام المطابقــة .غــير أن
اقــتران القبــول باإليجــاب قــد تختلــف ظروفهمــا بحســب مــا إذا كــان العاقــدان يجمعهمــا مجلس
1
واحد أم يقيمان في مكانين مختلفين .
-أ المتعاقـ ــدين حاضـ ــرين :يقصـ ــد باتحـ ــاد مجلس التعاقـ ــد وأن يكـ ــون التعاقـ ــد بين حاضـ ــرين
بمع ــنى أن يجم ــع العاق ــدين مك ــان واح ــد فيكون ــان على اتص ــال مباش ــر بحيث ال تك ــون هن ــاك
فــترة زمنيــة تفصــل بين صــدور القبــول وعلم المــوجب بــه واألصــل أن يســتوي في ذلــك أن
عقد المجلس حقيقيا أو حكميا بالتعاقد بالتليفون .
ب-التعاقــد بين غــائبين أو بالمراســلة :إن التعاقــد بين غــائبين هــو الــذي ال يجمــع المتعاقــدين
في مجلس واح ــد يجع ــل بينهم ــا اتص ــاال مباش ــرا حيث تك ــون هن ــاك ف ــترو زمني ــة تفص ــل بين
صدور القبول وعلم الموجب به .
ويقــع التعاقــد بين غــائبين عن طريــق المراســلة أو الــبرق أو رســول وقــد يصــدر القبــول في
مكان ويتم العلم به في مكان آخر ،ومن هنا يثور التساؤل عن زمان وعن مكان التعاقد .
وق ــد انقســم الفق ــه بين نظريــتين :نظريــة إعالن القبــول والتـ ــي تــرى ب ــأن العقــد ينعق ــد بقبــول
اإليجــاب ممن وجــه إليـه ونظريــة تســليم القبـول والـتي تـرى بــأن العقــد ينعقــد في الــوقت الــذي
يتس ــلم في ــه الموج ــه فعال القب ــول وق ــد أخ ــذ المش ــرع الجزائ ــري في الم ــادة . 67ق م نظري ــة
العلم الحكمي الذي يستخلص من وصول القبول إلى الموجب.)....
وتــبرز أهميــة تحديـد زمـان االنعقــاد في معرفــة الـوقت الـذي يبــدأ فيـه تنفيــذ االلـتزام ،ومعرفـة
بدء سريان تقادم االلتزام المترتب على العقد .
مجــدي فتحي ،محاضــرات ثانيــة علــوم قانونيــة وإ داريــة ،مقيــاس اإللتزامــات ،قســم الحقــوق ،جامعــة زيــان عاشــور الجلفــة، 1
،2010-2009ص .359
وهي المقص ــود بالتطبيق ــات الخاص ــة بالتراض ــي وأهم ــا النياب ــة في التعاق ــد ،الوع ــد بالتعاق ــد،
التعاق ــد بطري ــق الميزاني ــة ،التعاق ــد ب ــالعربون ،عق ــود اإلذع ــان وأخ ــيرا العق ــود المفروض ــة أو
2
الموجهة:
-أ النيابة في التعاقد :النيابة هي إبــرام شـخص يسـمى النــائب عمــال قانون ــيا لحس ــاب شـخص
آخ ـ ــر وباس ـ ــمه يس ـ ــمى األص ـ ــيل بحيث ينتج ه ـ ــذا العم ـ ــل الق ـ ــانوني آث ـ ــاره مباش ـ ــرة في ذم ـ ــة
األصيل .
وتنقسم النيابــة من حيث مصـدر سـلطة النــائب إلى اتفاقيـة وقضــائية وقانونيــة ،ويشــترط لقيـام
النياب ــة أن تح ــل إرادة الن ــائب مح ــل إرادة األص ــيل م ( 73م .ق) وأن يتعاق ــد الن ــائب باس ــم
األصيل وأخيرا أن يكون التعاقد في حدود السلطة المخولة للنائب م( 74إلى .77م .ق)
ب-الوعــد بالتعاقــد :الوعــد بالعقــد وفــق مــا تصــرح بــه المــادة . 71ق م ،اتفــاق بعــد بموجبــه
كال المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل ،فالوعد بالتعاقد عقــد بمعــنى الكلمــة
يمهد بإبرام عقـد آخـر وهـو العقـد الموعـود بـه وهـذا الوعـد قـد يكـون ملزمـا لجـانبين ،كمـا قـد
يكون ملزما لجانب واحــد ،والوعـد بالتعاقــد في حقيقتــه القانونيـة هــو عقـد ملــزم بجـانب واحـد
هــو الواعــد الــذي يلــتزم في مــدة محــددة بــإبرام العقــد إذا أعلن الوعــود لــه إرادتــه خالل هــذه
المدة في إبرامه م( .71م .ق)
ويشـترط النعقـاد الوعـد بالتعاقـد أن تعين فيـه جميـع المسـائل الجوهريـة للعقـد المـراد إبرامـه.
وأن نعين المــدة الــتي يجب خاللهــا إظهــار الرغبــة في التعاقــد ،وكــذلك مراعــاة الشــكلية الــتي
يشترطها القانون وإ ال كان باطال .
جـ-التعاقد بطريــق المزايــدة أو المناقصـة :ج ــاء في نص الم ــادة . 69ق م علــى أن ــه :ال يتم
العقد في المزايدات ،أال يرسو المزاد ويسقط المزاد بمزاد أعلى ولو كان باطال.
-د التعاق ـ ــد ب ـ ــالعربون :العرب ـ ــون مبل ـ ــغ من الم ـ ــال (أو منق ـ ــول من ن ـ ــوع آخ ـ ــر) يدفع ـ ــه أح ـ ــد
المتعاقــدين لآلخــر وقت التعاقــد ،هــو ظــاهرة شــائعة االســتعمال يقصــد بهــا أمــا أن العقــد قــد تم
نهائيا وأن الهدف من دفع العربون هو ضمان تنفيذه .وأما احتفاظ كل من المتعاقدين بخيار
العدول عن العقد ويحدد مقدما مقدار التعويض الذي هو العربون .وقد أخذ الفقـه الجزائـري
بداللة الدول اقتداء بالقــانون الفرنسـي ،ومن ثم يكـون حكم العربــون في ق.ج أنــه يؤخـذ أوال
بما اتفق عليه المتعاقدان فإن سكتا عن داللة العربون اعتبر مقابال للحق في العدول .
هـ-عقد اإلذعان:عقد اإلذعـان هــو الـذي ينفـرد فيــه أحــد المتعاقــدين بوضــع شــروطه بحيث ال
يك ــون للتعاق ــد اآلخ ــر أن يقب ــل ه ــذه الش ــروط كله ــا أو يرفض ــها كله ــا ،ومن أمثل ــة ذل ــك عق ــود
االشـ ــتراك في الكهربـ ــاء والغـ ــاز والميـ ــاه وعقـ ــود النقـ ــل والتـ ــأمين والعمـ ــل في المشـ ــروعات
الكبرى وهي ظاهرة في التطور االقتصادي الحديث .
ولق ــد اعت ــبر المش ــرع الجزائ ــري عق ــود اإلذع ــان عق ــودا حقيقي ــة م( 70م .ق) وراعى في
تطبيقها أن العقد شريعة المتعاقدين .
على إثـر التطـور االقتصـادي واالجتمـاعي ،وتقـدم الصـناعة وجميـع رؤوس األمـوال تـدخلت
الدولــة في توجيــه القواعــد األساســية والشــروط في عقــود النقــل والتــأمين واإليجــار والمرافــق
العام ـ ــة وس ـ ــمية ه ـ ــذه العق ـ ــود ب ـ ــالعقود الموجه ـ ــة كم ـ ــا أظه ـ ــرت الفك ـ ــرة إلى العق ـ ــود ب ـ ــالعقود
المفروضــة أو الخيريــة .كعقــود التنميــة والعقــود الجماعيــة الــتي تهــدف إلى تحقيــق المصــلحة
العامة.
خاتمة:
وفي الخت ــام ن ــرى أن وج ــود التراض ــي ه ــو من أس ــس العق ــد وقوام ــه .فه ــو تواف ــق إرادتين
باتجاه إحداث األثر القانوني و االرتباط بعالقة مقصودة وعن إدراك .فإرادة الشــخص هي
الـ ــتي توجهـ ــه إلى إحـــداث األثـ ــر القـــانوني كمـــا أن التعب ــير عنهـ ــا هـ ــو ال ــذي يظهرهـ ــا للع ــالم
الخـــارجي بعـــد مـــا كـــانت عبـــارة عن حالـــة نفســـية حيث وجب أن توج ــه إلى ش ــخص معين
ويمكن التعبــير عنهــا بالصــورة الــتي يمكن التعــرف عليهــا وقت صــدورها فكــل إيجــاب يقابلــه
قبول يتم به العقد متى وصل إلى علم من صدر منه اإليجاب .
قائمة المراجع:
علي فياللي ،االلتزام ــات (لعم ــل المس ــتحق للتع ــويض) ،م ــوفم للنش ــر والتوزي ــع ،الجزائ ــر،
الطبعة الثانية ،2007،ص 69
علي علي سـ ـ ــليمان ،النظريـ ـ ــة العامـ ـ ــة لاللـ ـ ــتزام (مصـ ـ ــادر االلـ ـ ــتزام في القـ ـ ــانون المـ ـ ــدني
الجزائري) ،الطبعة السابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،2007 ،ص .80
ص ــيمود مخل ــوف ،نظري ــة االلتزام ــات ،مقي ــاس الق ــانون الم ــدني ،الس ــنة الثاني ــة ف ــرع ق ــانون
العالقات االقتصادية الدولية ،جامعة التكوين المتواصل ،مركز قسنطينة ،التكوين عن بعد
مجدي فتحي ،محاضرات ثانيــة علــوم قانونيــة وإ داريــة ،مقيــاس اإللتزامــات ،قســم الحقــوق،
جامعة زيان عاشور الجلفة2010-2009 ،