You are on page 1of 20

‫خطة البحث‬

‫وجود التراضي‬
‫مقدمة‬

‫المبحث األول‪ :‬وجود اإلرادة‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلرادة الجدية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الصور المختلفة لإلرادة‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التعبير عن اإلرادة‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تطابق اإلرادتين‬

‫المطلب األول‪ :‬اإليجاب والقبول‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تطابق اإليجاب والقبول‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهم الصور الخاصة بتطابق اإلرادتين‬

‫خاتمة‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫وقــد خص المشــرع الجزائــري العقــد بـ ‪ 71‬مــادة تقننــه في المدونــة القانونيــة ‪ ،‬من المــادة ‪54‬‬
‫إلى ‪ 123‬مكــرر‪ ، 1‬نظــرا ألهميتــه ‪ .‬فــأغلب المعــامالت تســري في شــكل عقــود و بــاختالف‬
‫أطرافه ــا – أش ــخاص طبيعي ــة و معنوي ــة ‪ . -‬و العق ــد كم ــا عرف ــه الفقه ــاء ه ــو ( تواف ــق بين‬
‫إرادتين باتج ــاه إح ــداث أث ــر ق ــانوني ) ‪ ،‬بمع ــنى ه ــو تراض ــي بين ط ــرفين تتواف ــق إرادتيهم ــا‬
‫بالتعبير عنهما و يكون محله و سببه مشروع ‪.‬‬

‫و العقــد يقــوم على ثالثــة أركــان هي ‪ :‬التراض ـيـ ‪ ،‬المحــل و الســبب ‪ ،‬يضــاف إليهــا عنصــر‬
‫الشــكلية في بعض العقــود حيث يشــترط القـانون ذلــك ‪ ،‬و سـوف نتنــاول في هــذا البحث ركن‬
‫التراضيـ من حيث وجوده‪.‬‬

‫ومنه نطرح اإلشكالية التالية فيما يتمثل شروط وجود التراضي؟‬


‫المبحث األول‪ :‬وجود اإلرادة‬

‫اإلرادة ظ ــاهرة نفس ــية تتمث ــل في ق ــدرة الك ــائن المفك ــر في اتخ ــاذ موق ــف أو ق ــرار يس ــتند إلى‬
‫أس ـ ــباب واعتب ـ ــارات معقول ـ ــة‪ ،‬مم ـ ــا يس ـ ــتدعي وج ـ ــود اإلدراك وحس ـ ــن الت ـ ــدبير عن ص ـ ــاحب‬
‫اإلرادة‪ ،‬ويمــيز علمــاء النفس بين عــدة صــور لإلرادة‪ ،‬معتمــدين في ذلــك على قــدرة وتطــور‬
‫إدراك كل كائن‪ ،‬أما القانون ال يعتد إال باإلرادة الجدية ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬اإلرادة الجدية‬

‫أوال‪ :‬إرادة شخصية قانونية* مؤهلة‬

‫أ‪ -‬اكتساب الشخصية القانونية‪ :‬األشـخاص القانونيـة نوعـان‪ :‬الشـخص الطـبيعي والشـخص‬
‫االعتباري أو المعنوي‪ ،‬والشخص الطبيعي هو اإلنسان‪ ،‬ومنذ ســقوط نظـام الـرق الـذي كــان‬
‫يحـ ــرم العبيـ ــد من الشخصـ ــية القانونيـ ــة‪ ،‬وباسـ ــتثناء بعض المحكـ ــوم عليهم ببعض العقوبـ ــات‬
‫الجنائية‪ ،‬كالموت المدني‪ ،‬أصبح كل إنسان‪ ،‬يتمتــع بالشخصــية القانونيــة من يــوم والدتــه إلى‬
‫ي ــوم وفات ــه‪ ،‬أم ــا الش ــخص االعتب ــاري فليس ل ــه وج ــود حقيقي‪ ،‬فوج ــوده مف ــترض فقط‪ .1‬وق ــد‬
‫نصت المادة ‪ 49‬قانون مدني‪ :‬األشخاص االعتبارية هي‪:‬‬

‫‪ -‬الدولة والوالية والبلدية؛‬

‫‪ -‬المؤسسات والدواوينـ العامة‪ ،‬ضمن الشروط التي يحددها القانون؛‬

‫‪ -‬المؤسســات االشــتراكية‪ ،‬والتعاونيــات‪ ،‬والجمعيــات‪ ،‬وكــل مجموعــة الــتي يمنحهــا القــانون‬


‫شخصية اعتبارية‪.‬‬

‫ب‪ -‬أهلية التعاقد‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات (لعمل المستحق للتعويض)‪ ،‬موفم للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪،‬الطبعة الثانية‪ ،2007،‬ص ‪69‬‬ ‫‪1‬‬
‫تقاس قدرة الفرد على القيام بتصرفات قانونية صــحيحة بوعيــه‪ ،‬أي بدرجــة إدراكــه وتميــيزه‬
‫بين األمور المختلفة‪ ،‬وتضمنت المواد ‪ 42‬إلى ‪ 44‬ق م القواعــد العامــة الــتي تحكم األهليــة‪،‬‬
‫وتضمن المادة ‪ 78‬المبدأ الذي يقضـي بـأن‪" :‬كـل شـخص أهـل للتعاقـد مـا لم تسـلب أهليتـه أو‬
‫يحــد منهــا بحكم القــانون"‪ .‬ويكــون الشــخص عــديم األهليــة إذا انعــدمت لديــه اإلرادة المدركــة‬
‫كالص ــبي غي المم ــيز والمجن ــون‪ ،‬أو المعت ــوه‪ ،‬ومث ــل ه ــؤالء ال يمكن أن تنس ــب إليهم إرادة‬
‫‪1‬‬
‫يعتد بها القانون‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬انصراف اإلرادة إلى إحداث آثار قانونية‬

‫يجب أن تنصــرف إرادة الشــخص إلى إحــداث آثــار قانونيــة‪ ،‬أي أن يكــون راغبــا في ارتبــاط‬
‫بحالة قانونية‪ ،‬فاإلرادة الجدية هي التي يسعى الفرد خاللها إلى تحمل واجبات نحو شــخص‬
‫آخ ـ ــر‪ ،‬أو اكتس ـ ــاب حق ـ ــوق على الغ ـ ــير‪ ،‬أو التن ـ ــازل عن حق ـ ــوق مكتس ـ ــبة‪ ،‬فيل ـ ــتزم ص ـ ــاحبها‬
‫بواجبــات تنفـذ جـبرا إذا اقتضـى األمـر‪ ،‬وعلى عكس ذلــك تكـون اإلرادة إذا كـان صــاحبها ال‬
‫يرغب في تحمل واجبات‬

‫المطلب الثاني‪ :‬الصور المختلفة لإلرادة‬

‫هناك نظريتين ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬عرض النظريتين‬

‫تعـ ــد النظريـ ــة األولى الـ ــتي وضـ ــعتها المدرسـ ــة الفرنسـ ــة بـ ــاإلرادة الباطنيـ ــة‪ ،‬بينمـ ــا تمسـ ــكت‬
‫المدرسة الجرمانية باإلرادة الظاهرة وهي النظرية الثانية ‪.‬‬

‫‪1-‬اإلرادة الباطنة ‪:‬يــرى أصــحاب هــذه النظريــة المســتمدة من مــذهب الفرديــة ومبــدأ ســلطان‬
‫اإلرادة‪ ،‬أن اإلرادة النفســية أي الكامنــة في النفس‪ ،‬هي األصــل بــل هي الــروح‪ ،‬ومــا وســائل‬
‫إظهارها والكشف عنها إال مجرد ثوب ترتديه للتعرف عليها ‪.‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪70‬‬ ‫‪1‬‬
‫فــالتعبير عن اإلرادة مــا هــو إال مجــرد وســيلة ماديــة البــد منهــا للكشــف عن اإلرادة‪ ،‬وبالتــالي‬
‫ال يؤثر بأي شكل كـان على مضــمونها‪ ،‬فـالمعنى الـذي تحملــه الكلمـة أو اإلشـارة أو اللفــظ –‬
‫تعبير اإلرادة‪ -‬يعتبر قرينة بسيطة على أنه المعني الحقيقي الذي انصرفت إليه نية المعبر‪،‬‬
‫وعليــه يمكن إثبــات عكس ذلــك إذا اقتضــى األمــر‪ .‬وبعبــارة أخــرى إذا كــانت اإلرادة النفســية‬
‫تختل ــف عن تل ــك ال ــتي تتض ــمنها الكلم ــة أو اإلش ــارة المس ــتعملة نتيج ــة االس ــتعمال المف ــرط أو‬
‫غ ـ ــير ال ـ ــدقيق لأللف ـ ــاظ أو الكلم ـ ــات أو اإلش ـ ــارة فلص ـ ــاحبها أن يثبت ذل ـ ــك‪ ،‬ألن الع ـ ــبرة هي‬
‫باإلرادة الكامنة في النفس‪ ،‬أي باإلرادة الباطنة ‪.‬‬

‫تقوم هذه النظرية على مبدأ تكريس المجتمع لخدمة الفرد‪ ،‬إذ أن حمايــة مصــالح الفــرد أولى‬
‫من حماية مصالح المجتمع واستقرار المعامالت ‪.‬‬

‫وتترتب على هذه النظرية عدة نتائج نذكر منها ‪:‬‬

‫‪ -‬الغلط عيب من عيوب الرضا وهو مبطل للعقد؛‬

‫‪ -‬وف ــاة أو نقص أهلي ــة المع ــبر تس ــقط اإلرادة ول ــو ص ــدرت قب ــل وفات ــه أو ح ــدوث نقص في‬
‫أعليته؛‬

‫‪ -‬المقصود بتأويل العبارة الغامضة هو البحث عن نية المتعاقد؛‬


‫‪1‬‬
‫‪ -‬السبب في التصرفات القانونية هو الدافع للتعاقد‪.‬‬

‫‪2-‬اإلرادة الظ**اهرة ‪ :‬تــرى هــذه النظريــة الــتي تقــدمت بهــا المدرســة األلمانيــة في منتصــف‬
‫القــرن العشــرين‪ ،‬ان القــانون يهتم بالمظــاهر االجتماعيــة ال بالمظــاهر النفســية‪ ،‬ومن ثم فــإن‬
‫اإلرادة الكامنـ ــة في النفس غـ ــير جـ ــديرة بالحمايـ ــة القانونيـ ــة‪ ،‬فـ ــالعبرة حينئـ ــذ تكـ ــون بـ ــاإلرادة‬
‫الظاهرة فقط ‪.‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪75‬‬ ‫‪1‬‬
‫إن التعبير عن اإلرادة ظاهرة اجتماعية يعتد بها القانون ويحميها‪ ،‬واألصــل في اإلرادة هي‬
‫تل ـ ــك المع ـ ــبر عنه ـ ــا بغض النظ ـ ــر عم ـ ــا إذا كـ ــانت مطابق ـ ــة لإلرادة النفس ـ ــية أو ال‪ .‬فـ ــالمظهر‬
‫الخارجي لإلرادة المتمثل في اللفـظ أو الكتابـة أو اإلشــارة هـو العنصــر األصــلي في اإلرادة‪،‬‬
‫وهذا ما يجعل إثبات العكس أمرا مستحيال ‪.‬‬

‫ترمي هـذه النظريـة إلى حمايـة المجتمــع على حسـاب المصـالح الفرديـة‪ ،‬بحيث يتحمـل الفـرد‬
‫النتـ ــائج المترتبـ ــة عن سـ ــوء اسـ ــتعمال أو اختيـ ــار األلفـ ــاظ أو الكلمـ ــات للتعبـ ــير عن إرادتـ ــه‪،‬‬
‫وتترتب على هذه النظرية نتائج مغايرة للنظرية األولى منها ‪:‬‬

‫‪ -‬الغلط ال يفسد الرضا؛‬

‫‪ -‬الوفاة ال تؤثر على صالحية التعبير الحاصل قبــل الوفــاة‪ ،‬بحيث ينجــر أثــره وقت اتصــاله‬
‫بعلم من وجه إليه؛‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬العبارة الواضحة تلزم القاضي واألطراف‪ ،‬وال يسمح بالبحث عن النية المشتركة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف المشرع‬

‫لقــد اختلــف الفقهــاء بصــدد تحديــد موقــف المشــرع من هــذه المســألة‪ ،‬فمنهم من يعتقــد انــه أخــذ‬
‫مبدئيا باإلرادة الباطنة‪ ،‬ومنهم من يرى العكس‪ ،‬ومنهم من يرى أنه أخذ –في نفس الوقت‪-‬‬
‫باإلرادة الباطنة واإلرادة الظاهرة لوم يرجح إحداهما على األخرى ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪1-‬آراء الفقهاء‬

‫‪1-1-‬أنصار اإلرادة الباطنة ‪:‬‬

‫يستند أصحاب هذا الرأي على عدة أدلة نذكر منها ‪:‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪76‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪78-77‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪-‬يتضح من مضمون المادة ‪ 59‬ق م أن المشرع يشترط تطابق اإلرادتين ولو كانت العبرة‬
‫بـ ـ ــالتعبير عن اإلرادتين لقـ ـ ــال المشـ ـ ــرع‪" :‬العقـ ـ ــد يتم بمجـ ـ ــرد أن يتبـ ـ ــادل الطرفـ ـ ــان تعبـ ـ ــيرين‬
‫متطابقين عن إرادتيهما "‪.‬‬

‫‪-‬تقــر المــادة ‪ 81‬ق م الغلــط كعيب من عيــوب الرضــا وهــذا يعــني العتــداد بــاإلرادة الباطنــة‪،‬‬
‫حيث أن الغلط هو وهم يقوم فذ ذهن الشخص ‪.‬‬

‫‪-‬تشــترط المــادة ‪ 97‬ق م مشــروعية الســبب‪ ،‬والتطــرق إلى هــذه المســألة –أي المشــروعية‪-‬‬
‫يقتضي فحص الباعث أو الدافع للتعاقد‪ ،‬وهذا يعني كذلك أن العبرة باإلرادة الباطنة ‪.‬‬

‫‪-‬بمقتضـى المـادة ‪ 98‬الفقـرة الثانيـة فـإن ‪..." :‬السـبب المـذكور في العقـد هـو السـبب الحقيقي‬
‫حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلـك‪ ،‬فـإذا قـام الـدليل على صـورية السـبب‪ "...‬وتفيـد أحكـام‬
‫هذه المادة أن العبرة باإلرادة الباطنة وإ ال تثبت صورية السبب ‪.‬‬

‫‪-‬تلــزم الفقــرة الثانيــة من المــادة ‪ 111‬ق م القاضــي عنــد تأويلــه للعبــارات الغامضــة في العقــد‬
‫بالبحث عن "النية المشتركة" فالعبرة إذن هي باإلرادة الباطنة ‪.‬‬

‫‪2-1-‬أنصار اإلرادة الظاهرة ‪:‬‬

‫يستدل أصحاب هذا الرأي بالحجج التالية ‪:‬‬

‫‪-‬أشـــار المش ــرع في المـــواد ‪ 59‬و ‪ 60‬و‪ 61‬ق م إلى التعب ــير عن اإلرادة ال ــذي يقص ــد ب ــه‬
‫صراحة اإلرادة الظاهرة ‪.‬‬

‫‪-‬ترتب أحكام المادة ‪ 62‬ق م آثار على التعبــير عن اإلرادة الصــادر من شــخص فقــد أهليتــه‬
‫أو توفي بعد ذلك‪ ،‬ولو كانت العبرة بــاإلرادة الباطنــة لســقط التعبــير عن اإلرادة بمجــرد وفــاة‬
‫صاحبه أو فقدانه ألهليته ‪.‬‬
‫‪-‬يشـــترط في إبطـــال العقـــد بســـبب دالت ليس أو اإلكـــراه الص ــادر من غ ــير المتعاق ــدين‪ ،‬أن‬
‫يكــون المتعاقــد عالمــا بــذلك علمــا حقيقيــا أو حكميــا‪ ،‬وهــذا يعــني أن أســاس العقــد هــو اإلرادة‬
‫الظاهرة ‪.‬‬

‫‪-‬يلــتزم القاضــي طبقــا للمــادة ‪ 111‬ق م بعبــارة العقــد الواضــحة والــتي تمنعــه من البحث عن‬
‫إرادة المتعاقدين‪ ،‬وهذا أن العبرة باإلرادة الظاهرة ‪.‬‬

‫‪-‬تســمح المــادة ‪ 198‬ق م لــدائني المتعاقــدين والخلــف الخــاص –إذا كــانوا حســني النيــة‪ -‬أن‬
‫يتمسكوا بالعقد الصوري‪،‬ـ أي اإلرادة الظاهرة ‪.‬‬

‫‪-‬أم بخص ــوص الم ــادة ‪ 98‬الفق ــرة الثاني ــة ق م المتعلق ــة بالس ــبب‪ ،‬فالمب ــدأ فيه ــا ه ــو االعت ــداد‬
‫باإلرادة الظاهرة‪ ،‬واالستثناء هو الرجوع إلى اإلرادة الباطنة ‪..‬‬

‫‪2-‬اإلرادة التي يمكن التعرف عليها (موقف المشرع الجزائري من النظريتين )‬

‫كم ــا يظه ــر من الحجج الس ــالفة ال ــذكر‪ ،‬وال ــتي تق ــدم به ــا الفقه ــاء دعم ــا آلرائهم‪ ،‬ف ــإن أحك ــام‬
‫القــانون المــدني تتــأرجح بين نظريــة اإلرادة الباطنــة ونظريــة اإلرادة الظــاهرة‪ ،‬أن الحــل في‬
‫مثل هذه الحالة يكمن في تحديد ما يعتبره من القاعدة العامة وما هــو مجــرد حالــة اســتثنائية‪،‬‬
‫ويبدو أن الفقهاء اعتمدوا هذه الطريقة بحثا عن موقف المشرع الجزائري‪ ،‬ولكن األمــر في‬
‫اعتقادن ــا ليس به ــذه البس ــاطة‪ ،‬ألن األحك ــام ال ــتي تض ــمنها التق ــنين الم ــدني الجزائ ــري ليس ــت‬
‫مجرد نقل آلي للحلول التقليدية‪ ،‬بل صيغت في ضوء الحقائق الجديدة ‪.‬‬

‫إن الغلــط كعيب من عيــوب الرضــا هــو احــد الحجج الــتي دفــع بهــا أنصــار اإلرادة الباطنــة‪،‬‬
‫ولكن عن ــد الت ــدقيق في أحك ــام ه ــذا العيب تبط ــل ه ــذه الحج ــة‪ ،‬فالم ــادة ‪ 81‬ق م تعت ــد بالغل ــط‬
‫الجوهري‪ ،‬وقد عرفت الفقرة الثانيـة من المـادة ‪ 82‬ق م الصـفة الجوهريـة للشـيء على أنهـا‬
‫تلك التي‪...":‬يراها المتعاقدان جوهرية‪ ،‬أو يجب اعتبارها كذلك نظرا لشروط العقد وحســن‬
‫النية ‪".‬‬
‫فالعبرة إذن ليست بنظرة وإ رادة أحد المتعاقدين دون اآلخر‪ ،‬وإ نمــا بنظرتهــا المشــتركة الــتي‬
‫يتم االتفــاق عليهــا‪ ،‬إنهــا اإلرادة الــتي كشــف عنهــا المتعاقــدان وتبادالهــا‪ ،‬وإ ذا لم يحصــل في‬
‫هذا الشأن اتفاق تكون العـبرة بظـروف العقـد وحسـن النيـة‪ .‬وهكـذا ففي كلتـا الحـالتين تسـتبعد‬
‫النظرية الذاتيــة وفي نفس الــوقت اإلرادة الباطنــة الــتي ينفــرد بهـا أحــد المتعاقــدين‪ ،‬والحاصــل‬
‫أن المشرع أخذ بالغلط‪ ،‬ولكن أعطاه مفهوما جديدا ‪.‬‬

‫لق ــد دف ــع أنص ــار اإلرادة الباطن ــة ك ــذلك بأحك ــام الم ــادة ‪ 2-111‬ق م المتعلق ــة بتأوي ــل العق ــد‪،‬‬
‫وال ــتي تل ــزم القاض ــي ب ــالبحث عن الني ــة المش ــتركة‪ ،‬إال أن المش ــرع ح ــدد طريق ــة البحث عن‬
‫هذه النية بوضعه بعض المعالم منها‪ ،‬طبيعة التعامل‪ ،‬والثقة‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والعرف‪ .‬والغــرض‬
‫من هــذه المعــالم الــتي يلــزم القاضــي بإتباعهــا هــو الحــد من تعســف أحــد المتعاقــدين في تأويــل‬
‫إرادتــه كمــا تســمح بــذلك نظريــة اإلرادة الباطنــة‪ ،‬وتكــون العــبرة بــاإلرادة الباطنــة شــريطة أن‬
‫تكــون مطابقــة لمــا تقتضــيه طبيعــة المعاملــة‪ ،‬والثقــة‪ ،‬واألمانــة‪ ،‬وحســن النيــة بين المتعاقــدين‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وبعبارة أخرى فالعبرة تكون باإلرادة الباطنة المجردة من كل غش وأنانية‪.‬‬

‫وإ ذا كـ ــان المقصـ ــود بالسـ ــبب هـ ــو البـ ــاعث‪ ،‬األمـ ــر الـ ــذي يسـ ــمح بـ ــالقول إن العـ ــبرة بـ ــاإلرادة‬
‫الباطنة‪ ،‬فـإن القضـاء بعـد تـردد أصـبح يشـترط بالنسـبة لعقـود المعاوضـة علم المتعاقـد الثـاني‬
‫بعد مشروعية الباعث إلبطال العقد ‪.‬‬

‫إضافة إلى كل هذا فإن المشرع يلــزم القاضــي في تقديراتــه المختلفــة بــالرجوع إلى معطيــات‬
‫موض ــوعية ك ــالعرف‪ ،‬والعدال ــة‪ ،‬والثق ــة‪ .‬ولن يتم تحقي ــق ه ــذه العدال ــة العقدي ــة الجدي ــدة ال ــتي‬
‫يرغب فيهـا المشـرع عن طريــق وضــع قواعـد أو أحكـام اسـتثنائية –لمعالجــة مسـاوئ نظريـة‬
‫اإلرادة الظــاهرة‪ ،‬أو اإلرادة الباطنــة‪ -‬وإ نمــا بوضــع تصــور جديــد لإلرادة يكــون أكــثر حــدة‬

‫علي علي سليمان‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري)‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان‬ ‫‪1‬‬

‫المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.80‬‬


‫وانسجاما‪ ،‬ولكن باإلرادة الباطنة كما يفهمها الغير‪ ،‬وهذا يتطلب ثقــة متبادلــة بين المتعاقــدين‬
‫والنية الحسنة منها‪.‬‬

‫فاإلرادة التي يعتد بها هي إذن اإلرادة الباطنة الخالية من كل غش والتي تتفـق مـع العـرف‪،‬‬
‫وظروف المعامالت‪ ،‬والثقة التي يرجوها كل متعاقد ‪.‬‬

‫إن هــذه المعــايير الموضــوعية هي الــتي تمكننــا من الكشــف عن مــدلول اإلرادة بغض النظــر‬
‫عن رغبـ ــة المتعاقـ ــدين‪ ،‬وبالتـ ــالي فـ ــإن المشـ ــرع لم يأخـ ــذ ال بـ ــاإلرادة الظـ ــاهرة وال بـ ــاإلرادة‬
‫الباطنــة المحضــة‪ ،‬وإ نمــا يأخــذ بمــا يســمى بــاإلرادة الــتي يمكن التعــرف عليهــا‪ ،‬عنــد التعبــير‬
‫‪1‬‬
‫عنها‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التعبير عن اإلرادة‬

‫أوال‪ :‬التعبير الصريح والتعبير الضمني في ضوء الفقه‬

‫‪-1‬الفق ــه التقلي ــدي ‪ :‬يتمث ــل التعب ــير الص ــريح للفق ــه التقلي ــدي في التعب ــير باللف ــظ أو الكتاب ــة أو‬
‫اإلشارة‪ ،‬بينما يعتبر اتخاذ موقف تعبـيرا ضـمنيا‪ ،‬وقــد يسـتخلص من الصـيغة الـتي اسـتعملها‬
‫المش ـ ــرع في الم ـ ــادة ‪ 60‬ق م‪ ،‬حيث أش ـ ــار في بداي ـ ــة األم ـ ــر إلى اللف ـ ــظ والكتاب ـ ــة واإلش ـ ــارة‬
‫المتداولة عرفا‪ ،‬ثم أضاف حالة اتخاذ موقف بقوله‪..." :‬كما يكــون باتخــاذ موقــف‪ ."...‬وتفيــد‬
‫ه ــذه الص ــيغة التمي ــيز بين الح ــالتين‪ ،‬وق ــد يقص ــد بالحال ــة األولى التعب ــير الص ــريح وبالحال ــة‬
‫‪2‬‬
‫الثانية التعبير الضمني‪.‬‬

‫‪-2‬الفقه الحديث ‪ :‬يرى الفقه الحديث أن التعبير عن اإلرادة يتكون من عنصرين ‪:‬‬

‫‪-‬عنصر مادي يتمثل في اللفظ أو الكلمة أو اإلشارة المتداولة بين الناس أو الموقــف المتخــذ‬
‫‪.‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪81‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪83‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪-‬وعنصـر معنـوي يتمثـل في نيـة المعـبر‪ ،‬أي الغـرض من اسـتعمال هـذه األلفـاظ أو الكلمـات‬
‫أو المواقف ‪.‬‬

‫حيث يكون التعبير صريحا كلمــا انصــرفت نيــة المعــبر إلى الكشــف عن إرادتــه‪ ،‬حيث يكــون‬
‫الغـ ــرض من الكلمـ ــة أو الكتابـ ــة أو اإلشـ ــارة أو الموقـ ــف المتخـ ــذ هـ ــو اإلعالن والكشـ ــف عن‬
‫اإلرادة‪ ،‬بينمــا يكــون التعبــير ضــمنيا إذا لم تنصــرف نيــة الشــخص عنــد كالمــه أو إشــارته أو‬
‫كتابته أو اتخاذه لموقف إلى الكشــف واإلعالن عن اإلرادة‪ ،‬إال أن اإلرادة تظهــر من الكلمــة‬
‫أو اإلشارة أو الموقف المتخذ لغرض آخر ‪.‬‬

‫وقد تستخلص هــذه الفكـرة كـذلك من المـادة ‪ 60‬ق م‪ ،‬حيث أشـار المشــرع في الفقـرة األولى‬
‫إلى التعبـ ــير الصـ ــريح‪ ،‬وأجـ ــاز في الفقـ ــرة الثانيـ ــة التعبـ ــير الضـ ــمني دون تعريـ ــف‪ .‬بومـ ــا أن‬
‫التعب ــير س ــواء أك ــان ص ــريحا أو ض ــمنيا يك ــون دائم ــا باللف ــظ أو الكتاب ــة أو اإلش ــارة أو اتخ ــاذ‬
‫‪1‬‬
‫موقف‪ ،‬يمكننا القول إن المشرع قد أخذ كذلك برأي الفقه الحديث‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التعبير الصريح والتعبير الضمني في ضوء األحكام القانونية*‬

‫لقد أعطى المشرع بعض الصور للتعبير الضـمني‪ ،‬منهــا مــا جـاء في المـادة ‪ 318‬ق م الــتي‬
‫تنص ‪..." :‬ويعتــبر إقــرارا ضــمنيا أن يــترك المــدين تحت يــد الــدائن مــاال لــه مرهونــا رهنــا‬
‫حيازي ــا تأمينه ــا للوف ــاء بال ــدين"‪ .‬فبالنس ــبة له ــذه الحال ــة يعت ــبر الموق ــف ال ــذي اتخ ــذه الم ــدين –‬
‫والمتمثــل في تــرك مالــه تحت يــد الــدائن‪ -‬هــو تعبــير ضــمني‪ ،‬ولقــد أخــذ المشــرع بنفس الحــل‬
‫في المادة ‪ 590‬ق م‪" :‬إذا انتهى عقد اإليجار وبقي المستأجر ينتفع بالعين المؤجرة مــع علم‬
‫الم ــؤجر اعت ــبر اإليج ــار ق ــد تج ــدد بالش ــروط األولى‪...‬ويعت ــبر ه ــذا التجدي ــد الض ــمني مج ــرد‬
‫امتــداد لإليجــار األصــلي‪ "...‬ويتمثــل التجديــد الضــمني في موقــف المســتأجر الــذي اســتمر في‬
‫االنتف ــاع بــالعين الم ــؤجرة‪ ،‬ولق ــد اســتقر رأي المش ــرع على نفس الحــل في المــادة ‪ 959‬ق م‬
‫الــتي تقضــي بأنــه ‪..." :‬يجــوز أن يحصــل التنــازل ضــمنا بتخلي الــدائن باختيــاره عن الشــيء‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزامات‪" ،‬النظرية العامة للعقد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪84‬‬ ‫‪1‬‬
‫المرهــون‪ ،"...‬وتنص المــادة ‪ 192‬من انــون األســرة‪" :‬يجــوز الرجــوع في الوصــية صــراحة‬
‫أو ضمنيا‪ ،‬فالرجوع الصريح يكون بوسائل إثباتها والضمني يكون بكــل تصــرف يســتخلص‬
‫منه الرجوع فيها "‪.‬‬

‫وخالصة القول يبـدو أن المشـرع‪ ،‬في ضـوء هـذه األحكـام‪ ،‬قـد أخـذ بـالتعريف التقليـدي الـذي‬
‫يبدو أن التعبير الصريح هو الذي يتم عن طريق اللفظ أو الكتابة أو اإلشارة‪ ،‬بينما ينحصر‬
‫‪1‬‬
‫التعبير الضمني في اتخاذ موقف ال يدع شكا في داللته‪.‬‬

‫علي علي سليمان‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام (مصادر االلتزام في القانون المدني الجزائري)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪85‬‬ ‫‪1‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تطابق اإلرادتين‬

‫المطلب األول‪ :‬اإليجاب والقبول‬

‫أوال‪ :‬اإليجاب‬

‫هـو العـرض الصـادر من شـخص يعـبر بوجـه جـازم عن إرادتـه في إبـرام عقـد معين‪ ،‬بحيث‬
‫إذا ما اقترن به قبول طابق له انعقد العقد م( ‪ 54‬و ‪ 59‬م‪ .‬ق)‬

‫وعليه ينعقد العقد في كثير من الحاالت بنــاء على دعـوة موجهـة من أحـد الطــرفين أو دعــوة‬
‫موجهة إلى الجمهور كـاإلعالن عن البضـائع عن طريـق الصـحف‪ .‬أو العـرض في وجهـات‬
‫‪1‬‬
‫المحالت‪ .‬غير أن الدعوة إلى التفاوض ال تعد إيجابا رغم أنه يشكل عمل مادي‪.‬‬

‫يكون التعبير عن اإلرادة إيجابا متى توفر الشرطان اآلتيان ‪:‬‬

‫‪ -‬أن يكون التعبير دقيقا ومحددا ؛‬

‫‪ -‬وان يكون باتا من جهة أخرى (يعبر عن اإلرادة القطعية ‪).‬‬

‫ثانيا‪ :‬القبـول‬

‫هــو التعبـير البـات عن إرادة الطـرف الـذي وجــه إليـه اإليجــاب‪ ،‬فهــو اإلرادة الثانيــة في العقـد‬
‫إذ ال ينعق ــد العق ــد إال باتف ــاق إرادتين وعلى ه ــذا األس ــاس ف ــإن لص ــحة القب ــول يس ــتلزم ت ــوفر‬
‫‪2‬‬
‫شروط إلحداث أثر قانوني‪.‬‬

‫الحري**ة في القب**ول‪ :‬ه ــذا يع ــني أن الم ــوجب ل ــه يس ــتطيع أن يقب ــل اإليج ــاب أو يرفض ــه كم ــا‬
‫يكــون لــه أن يدعــه يســقط ألن األصــل هــو الحريــة في التعاقــد‪ ،‬غــير أن حريــة من يوجــه إليــه‬
‫اإليجـ ــاب في قبولـ ــه أو رفضـ ــه ليسـ ــت مطلقـ ــة في جميـ ــع األحـ ــوال‪ ،‬وإ نمـ ــا هي مقيـ ــدة بعـ ــدم‬

‫صيمود مخلوف‪ ،‬نظرية االلتزامات‪ ،‬مقياس القانون المدني‪ ،‬السنة الثانية فرع قانون العالقات االقتصادية الدولية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫جامعة التكوين المتواصل‪ ،‬مركز قسنطينة‪ ،‬التكوين عن بعد‬


‫المرجع نفسه‬ ‫‪2‬‬
‫التعسف في استعمال رخصة الرفض‪ ،‬وذلك إذا كان هو الذي دعا الموجب إلى التعاقــد بعــد‬
‫أن حدد شروطه ‪.‬‬

‫ويشــترط في القبــول الــذي ينعقــد بــه العقــد شــرطان أساســان‪ :‬أن يكــون مطابقــا لإليجــاب‪ ،‬وأن‬
‫يتم قبل سقوط اإليجاب ‪.‬‬

‫‪-‬أ مطابقة القبول لإليجاب ‪:‬‬

‫ومعناه صدور القبول بالموافقة على كل المسائل التي تضمنها اإليجاب‪ ،‬ويســتوي أن تكــون‬
‫هـ ــذه المسـ ــائل رئيسـ ــية أو ثانويـ ــة‪ ،‬فـ ــالقبول يجب أن يكـ ــون جوابـ ــا" بنعم" عن اإليجـ ــاب م‪( .‬‬
‫‪ 66،65‬م‪ .‬ق )‪ ،‬وأن االتفاق الذي يعد له محال المتعاقدين أو أحدهما بـإبرام عقـد معين في‬
‫المستقبل ال يكون له أثر إال إذا عينت جميـع المســائل الجوهريــة للعقــد المـراد إبرامـه والمـدة‬
‫التي يجب إبرامه فيها م( ‪ 171‬م‪ .‬ق )‪ .‬وإ ذا اشترط القانون بتمام العقد استيفاء شكل معين‬
‫فهذا الشكل‬

‫يجب أن يطبق أيضا على االتفاق المتضمنـ الوعد بالتعاقد ‪.‬‬

‫ب‪-‬صدور القبول قبل سقوط اإليجاب ‪:‬‬

‫معناه أنه يجب أن يكون اإليجاب ما يزال قائما‪ ،‬فإذا كــانت هنـاك مــدة لإليجـاب صـريحة أو‬
‫ضمنية تعين أن يصدر‬

‫القبول قبل فوات هذه المدة‪ ،‬وإ ال اعتبر إيجابا جديدا ‪.‬‬

‫وإ ذا كان اإليجاب قد صدر في مجلس العقد ولم تحدد لـه مـدة‪ ،‬فيجب أن يصـدر القبـول قبـل‬
‫‪1‬‬
‫انفضاض مجلس العقد‪.‬‬

‫مخلوف صيمود‪ ،‬مرجع سابق‬ ‫‪1‬‬


‫المطلب الثالث‪ :‬تطابق اإليجاب والقبول‬

‫قلنــا ســابقا بأنــه ال ينعقــد العقــد إال إذا أتى القبــول مطابقــا لإليجــاب تمــام المطابقــة‪ .‬غــير أن‬
‫اقــتران القبــول باإليجــاب قــد تختلــف ظروفهمــا بحســب مــا إذا كــان العاقــدان يجمعهمــا مجلس‬
‫‪1‬‬
‫واحد أم يقيمان في مكانين مختلفين ‪.‬‬

‫‪-‬أ المتعاقـ ــدين حاضـ ــرين‪ :‬يقصـ ــد باتحـ ــاد مجلس التعاقـ ــد وأن يكـ ــون التعاقـ ــد بين حاضـ ــرين‬
‫بمع ــنى أن يجم ــع العاق ــدين مك ــان واح ــد فيكون ــان على اتص ــال مباش ــر بحيث ال تك ــون هن ــاك‬
‫فــترة زمنيــة تفصــل بين صــدور القبــول وعلم المــوجب بــه واألصــل أن يســتوي في ذلــك أن‬
‫عقد المجلس حقيقيا أو حكميا بالتعاقد بالتليفون ‪.‬‬

‫ب‪-‬التعاقــد بين غــائبين أو بالمراســلة‪ :‬إن التعاقــد بين غــائبين هــو الــذي ال يجمــع المتعاقــدين‬
‫في مجلس واح ــد يجع ــل بينهم ــا اتص ــاال مباش ــرا حيث تك ــون هن ــاك ف ــترو زمني ــة تفص ــل بين‬
‫صدور القبول وعلم الموجب به ‪.‬‬

‫ويقــع التعاقــد بين غــائبين عن طريــق المراســلة أو الــبرق أو رســول وقــد يصــدر القبــول في‬
‫مكان ويتم العلم به في مكان آخر‪ ،‬ومن هنا يثور التساؤل عن زمان وعن مكان التعاقد ‪.‬‬

‫وق ــد انقســم الفق ــه بين نظريــتين‪ :‬نظريــة إعالن القبــول والتـ ــي تــرى ب ــأن العقــد ينعق ــد بقبــول‬
‫اإليجــاب ممن وجــه إليـه ونظريــة تســليم القبـول والـتي تـرى بــأن العقــد ينعقــد في الــوقت الــذي‬
‫يتس ــلم في ــه الموج ــه فعال القب ــول وق ــد أخ ــذ المش ــرع الجزائ ــري في الم ــادة ‪ . 67‬ق م نظري ــة‬
‫العلم الحكمي الذي يستخلص من وصول القبول إلى الموجب‪.)....‬‬

‫وتــبرز أهميــة تحديـد زمـان االنعقــاد في معرفــة الـوقت الـذي يبــدأ فيـه تنفيــذ االلـتزام‪ ،‬ومعرفـة‬
‫بدء سريان تقادم االلتزام المترتب على العقد ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهم الصور الخاصة بتطابق اإلرادتين‬

‫مجــدي فتحي‪ ،‬محاضــرات ثانيــة علــوم قانونيــة وإ داريــة‪ ،‬مقيــاس اإللتزامــات‪ ،‬قســم الحقــوق‪ ،‬جامعــة زيــان عاشــور الجلفــة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،2010-2009‬ص ‪.359‬‬
‫وهي المقص ــود بالتطبيق ــات الخاص ــة بالتراض ــي وأهم ــا النياب ــة في التعاق ــد‪ ،‬الوع ــد بالتعاق ــد‪،‬‬
‫التعاق ــد بطري ــق الميزاني ــة‪ ،‬التعاق ــد ب ــالعربون‪ ،‬عق ــود اإلذع ــان وأخ ــيرا العق ــود المفروض ــة أو‬
‫‪2‬‬
‫الموجهة‪:‬‬

‫‪-‬أ النيابة في التعاقد‪ :‬النيابة هي إبــرام شـخص يسـمى النــائب عمــال قانون ــيا لحس ــاب شـخص‬
‫آخ ـ ــر وباس ـ ــمه يس ـ ــمى األص ـ ــيل بحيث ينتج ه ـ ــذا العم ـ ــل الق ـ ــانوني آث ـ ــاره مباش ـ ــرة في ذم ـ ــة‬
‫األصيل ‪.‬‬

‫وتنقسم النيابــة من حيث مصـدر سـلطة النــائب إلى اتفاقيـة وقضــائية وقانونيــة‪ ،‬ويشــترط لقيـام‬
‫النياب ــة أن تح ــل إرادة الن ــائب مح ــل إرادة األص ــيل م ( ‪ 73‬م‪ .‬ق) وأن يتعاق ــد الن ــائب باس ــم‬
‫األصيل وأخيرا أن يكون التعاقد في حدود السلطة المخولة للنائب م( ‪ 74‬إلى ‪ .77‬م‪ .‬ق)‬

‫ب‪-‬الوعــد بالتعاقــد‪ :‬الوعــد بالعقــد وفــق مــا تصــرح بــه المــادة ‪ . 71‬ق م‪ ،‬اتفــاق بعــد بموجبــه‬
‫كال المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل‪ ،‬فالوعد بالتعاقد عقــد بمعــنى الكلمــة‬
‫يمهد بإبرام عقـد آخـر وهـو العقـد الموعـود بـه وهـذا الوعـد قـد يكـون ملزمـا لجـانبين‪ ،‬كمـا قـد‬
‫يكون ملزما لجانب واحــد‪ ،‬والوعـد بالتعاقــد في حقيقتــه القانونيـة هــو عقـد ملــزم بجـانب واحـد‬
‫هــو الواعــد الــذي يلــتزم في مــدة محــددة بــإبرام العقــد إذا أعلن الوعــود لــه إرادتــه خالل هــذه‬
‫المدة في إبرامه م( ‪ .71‬م‪ .‬ق)‬

‫ويشـترط النعقـاد الوعـد بالتعاقـد أن تعين فيـه جميـع المسـائل الجوهريـة للعقـد المـراد إبرامـه‪.‬‬
‫وأن نعين المــدة الــتي يجب خاللهــا إظهــار الرغبــة في التعاقــد‪ ،‬وكــذلك مراعــاة الشــكلية الــتي‬
‫يشترطها القانون وإ ال كان باطال ‪.‬‬

‫جـ‪-‬التعاقد بطريــق المزايــدة أو المناقصـة‪ :‬ج ــاء في نص الم ــادة ‪ . 69‬ق م علــى أن ــه‪ :‬ال يتم‬
‫العقد في المزايدات‪ ،‬أال يرسو المزاد ويسقط المزاد بمزاد أعلى ولو كان باطال‪.‬‬

‫مخلوف صيمود‪ ،‬مرجع سابق‬ ‫‪2‬‬


‫ولذلك فإن البيوع االختيارية التي تتم عن طريـق المـزاد بصـفة علنيـة أو سـرية (في صـورة‬
‫مصــاريف مغلقــة) يعتــبر مــا يصــدر من المكلــف بــالمزاد هــو مجــرد دعــوة إلى التعاقــد‪ ،‬أمــا‬
‫اإليجــاب فهــو التقــدم بالعطــاء الــذي يســقط بعطــاء يزيــد عليــه‪ ،‬ولــو كــان هــذا العطــاء اآلخــر‬
‫باطال ‪.‬‬

‫‪-‬د التعاق ـ ــد ب ـ ــالعربون‪ :‬العرب ـ ــون مبل ـ ــغ من الم ـ ــال (أو منق ـ ــول من ن ـ ــوع آخ ـ ــر) يدفع ـ ــه أح ـ ــد‬
‫المتعاقــدين لآلخــر وقت التعاقــد‪ ،‬هــو ظــاهرة شــائعة االســتعمال يقصــد بهــا أمــا أن العقــد قــد تم‬
‫نهائيا وأن الهدف من دفع العربون هو ضمان تنفيذه‪ .‬وأما احتفاظ كل من المتعاقدين بخيار‬
‫العدول عن العقد ويحدد مقدما مقدار التعويض الذي هو العربون‪ .‬وقد أخذ الفقـه الجزائـري‬
‫بداللة الدول اقتداء بالقــانون الفرنسـي‪ ،‬ومن ثم يكـون حكم العربــون في ق‪.‬ج أنــه يؤخـذ أوال‬
‫بما اتفق عليه المتعاقدان فإن سكتا عن داللة العربون اعتبر مقابال للحق في العدول ‪.‬‬

‫هـ‪-‬عقد اإلذعان‪:‬عقد اإلذعـان هــو الـذي ينفـرد فيــه أحــد المتعاقــدين بوضــع شــروطه بحيث ال‬
‫يك ــون للتعاق ــد اآلخ ــر أن يقب ــل ه ــذه الش ــروط كله ــا أو يرفض ــها كله ــا‪ ،‬ومن أمثل ــة ذل ــك عق ــود‬
‫االشـ ــتراك في الكهربـ ــاء والغـ ــاز والميـ ــاه وعقـ ــود النقـ ــل والتـ ــأمين والعمـ ــل في المشـ ــروعات‬
‫الكبرى وهي ظاهرة في التطور االقتصادي الحديث ‪.‬‬

‫ولق ــد اعت ــبر المش ــرع الجزائ ــري عق ــود اإلذع ــان عق ــودا حقيقي ــة م( ‪ 70‬م‪ .‬ق) وراعى في‬
‫تطبيقها أن العقد شريعة المتعاقدين ‪.‬‬

‫‪-‬و العقود المفروضةـ أو الموجهة ‪:‬‬

‫على إثـر التطـور االقتصـادي واالجتمـاعي‪ ،‬وتقـدم الصـناعة وجميـع رؤوس األمـوال تـدخلت‬
‫الدولــة في توجيــه القواعــد األساســية والشــروط في عقــود النقــل والتــأمين واإليجــار والمرافــق‬
‫العام ـ ــة وس ـ ــمية ه ـ ــذه العق ـ ــود ب ـ ــالعقود الموجه ـ ــة كم ـ ــا أظه ـ ــرت الفك ـ ــرة إلى العق ـ ــود ب ـ ــالعقود‬
‫المفروضــة أو الخيريــة‪ .‬كعقــود التنميــة والعقــود الجماعيــة الــتي تهــدف إلى تحقيــق المصــلحة‬
‫العامة‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬

‫وفي الخت ــام ن ــرى أن وج ــود التراض ــي ه ــو من أس ــس العق ــد وقوام ــه ‪ .‬فه ــو تواف ــق إرادتين‬
‫باتجاه إحداث األثر القانوني و االرتباط بعالقة مقصودة وعن إدراك ‪ .‬فإرادة الشــخص هي‬
‫الـ ــتي توجهـ ــه إلى إحـــداث األثـ ــر القـــانوني كمـــا أن التعب ــير عنهـ ــا هـ ــو ال ــذي يظهرهـ ــا للع ــالم‬
‫الخـــارجي بعـــد مـــا كـــانت عبـــارة عن حالـــة نفســـية حيث وجب أن توج ــه إلى ش ــخص معين‬
‫ويمكن التعبــير عنهــا بالصــورة الــتي يمكن التعــرف عليهــا وقت صــدورها فكــل إيجــاب يقابلــه‬
‫قبول يتم به العقد متى وصل إلى علم من صدر منه اإليجاب ‪.‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫علي فياللي‪ ،‬االلتزام ــات (لعم ــل المس ــتحق للتع ــويض)‪ ،‬م ــوفم للنش ــر والتوزي ــع‪ ،‬الجزائ ــر‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،2007،‬ص ‪69‬‬

‫علي علي سـ ـ ــليمان‪ ،‬النظريـ ـ ــة العامـ ـ ــة لاللـ ـ ــتزام (مصـ ـ ــادر االلـ ـ ــتزام في القـ ـ ــانون المـ ـ ــدني‬
‫الجزائري)‪ ،‬الطبعة السابعة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص ‪.80‬‬

‫ص ــيمود مخل ــوف‪ ،‬نظري ــة االلتزام ــات‪ ،‬مقي ــاس الق ــانون الم ــدني‪ ،‬الس ــنة الثاني ــة ف ــرع ق ــانون‬
‫العالقات االقتصادية الدولية‪ ،‬جامعة التكوين المتواصل‪ ،‬مركز قسنطينة‪ ،‬التكوين عن بعد‬

‫مجدي فتحي‪ ،‬محاضرات ثانيــة علــوم قانونيــة وإ داريــة‪ ،‬مقيــاس اإللتزامــات‪ ،‬قســم الحقــوق‪،‬‬
‫جامعة زيان عاشور الجلفة‪2010-2009 ،‬‬

You might also like