Professional Documents
Culture Documents
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
2
لشهب حورية،1خمار نريمان
narimene.khemmar@unvi-biskra.dz ،) جامعة محمد خيضر بسكرة (الجزائر1
lechehebhouria@gmail.com ،)جامعة محمد خيضر بسكرة (الجزائر 2
.1مقدمة:
ان تصرفات المريض مرض الموت تعتبر من المسائل المهمة على الصعيد
القانوني في هذا العصر نظ ار لكثرة تطبيقاتها العملية ،لكن بالرغم من ذلك نجد أن هذا
الموضوع لم تعطه الكتابات الفقهية القانونية ما يستحق من البيان فهي درجت على معالجته
من الناحية الشرعية أو الناحية القانونية ،لكن المشرع الجزائري اعتبر هذه التصرفات من أهم
التطبيقات العلمية لنظرية تحول العقد التي نصت عليها المادة 105من القانون المدني التي
جاء فيها ":اذا كان العقد باطال أو قابال وتوافرت فيه أركان عقد اخر ،فان العقد يكون
صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت أركانه اذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف الى
ابرام هذا العقد" ،والتي استمدها المشرع من نص المادة 144القانون المدني االلماني التي
نصت على االتي ":اذا كان التصرف القانوني الباطل مشتمال على شروط تصرف قانوني
آخر ،كان هذا التصرف األخير" ،وقد استقى المشرع الجزائري حكم تصرفات المريض مرض
الموت من الشريعة اإلسالمية التي تقرر مبدأ عام" أنه ال ضرر وال ضرار في اإلسالم".
وعليه هدفت هذه الدراسة الى تسليط الضوء على أحكام تصرفات المريض مرض
الموت ،من خالل عرض تعريف تحول التصرف القانوني ،وتعريف مرض الموت دون
اهمال شروط التحول ،وحكم تصرفات المريض مرض الموت سواء العقدية أو التصرفات
باإلرادة المنفردة ،وموقف المشرع الجزائري والقضاء من هذه التصرفات ،ومنه نطرح
االشكالية اآلتية :هل عالج المشرع الجزائري تصرفات المريض مرض الموت كفاية؟ وما
موقف القضاء الجزائري تجاه هذه المسألة؟ ،والن طبيعة الموضوع هي التي تحدد المنهج
المتبع ،اتبعنا المنهج التحليلي لتحليل النصوص القانونية المنظمة لتحول العقد ،والمنهج
الوصفي لتوضيح المفاهيم المتصلة بهذا الموضوع ،ولإلجابة عن االشكالية ارتأينا تقسيم
الموضوع الى محورين:
المحور األول :مفهوم التحول ومرض الموت
المحور الثاني :حكم تصرفات المريض مرض الموت
736
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
737
خمار نريمان ،لشهب حورية
التصرفات الباطلة فقط دون التصرفات الصحيحة ،فبعد التمسك بالبطالن يمكن إجراء
التحول على العقد الباطل الذي كان قبل هذا قابال لإلبطال(رأفت الدسوقي ،ص ،)75أي
إمكانية تحول التصرفات القابلة لإلبطال شأنها شأن التصرفات الباطلة .وعليه يرى جانب
من الفقه أن العقد الباطل بطالن نسبيا الذي انتهى مصيره إلى البطالن قضاء أو اتفاقا بعد
التمسك بالبطالن يقبل أن يتحول شأنه في ذلك شأن العقد الذي ولد باطال فيجب النظر إليه
باعتباره باطال من أول األمر ،حيث يعتبرون أن العقد القابل لإلبطال هو عقد باطل وأنه
ليس هناك ضرورة للتفرقة بين البطالن المطلق والبطالن النسبي ،وأنه ليس هناك ما يمكن
تسميته بالوجود المؤقت للعقد القابل لإلبطال .ولذلك كان األجدر بالمشرع الجزائري االكتفاء
بعبارة" إذا كان العقد باطال" .أما في المرحلة الثانية ما بعد إبطال التصرف يجيز هذا الفقه
إعمال تحول العقد حيث أصبح التصرف فاقد األثر منذ نشأته مثله في ذلك مثل التصرف
الباطل(رأفت الدسوقي ،ص.)72
-اشتمال التصرف الباطل على أركان تصرف صحيح اخر :تنص 105من القانون المدني
على أنه ":إذا كان العقد باطال أو قابال لإلبطال وتوافرت فيه أركان عقد آخر ،"...ويعني
هذا النص وجود عقد جديد آخر يحل محل العقد األصلي الباطل ويكون مختلفا عنه ولكنه
يشاركه في قليل أو كثير من مقوماته الفنية ،فجميع عناصر التصرف الصحيح التي يتطلبها
القانون يجب أن تكون متوافرة في التصرف الباطل دون حاجة إلى إضافة جديدة ،إال أنه
يجب أن يكون التصرف الثاني مختلفا عن التصرف األول الباطل ،بمعنى أن يكون هناك
فرق بين التصرفين سواء من حيث اآلثار أو المضمون أو من حيث النوع ،وإال ما الفائدة
من تقرير نظام تحول التصرف القانوني إذا كانت األركان المتوافرة هي ذات األركان
الخاصة بالعقد الباطل ،وان األركان التي يجب أن تتوافر في العقد الباطل يجب أن تشكل
بذاتها عقدا آخر صحيحا من دون أي تغيير يط أر عليها كاإلضافة أو االستبدال أو
االنتقاص ،وإال امتنع في هذه الحال إجراء تحول العقد حيث سنكون أمام نظام قانوني آخر
هو تصحيح العقد (علي كاظم الشباني ،2015،ص.)127
738
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
-انصراف ارادة المتعاقدين الى التصرف الصحيح :إن اإلرادة المطلوبة إلعمال تحول العقد
هي ليست اإلرادة الحقيقية بالتأكيد ،وبالرغم من وضوح نص المادة 105من القانون المدني
التي تقصد إرادة لم تكن موجودة في يوم من األيام ،ومنذ إبرام العقد األصلي الباطل أو
القابل لإلبطال ،فال هي إرادة حقيقية ،وال هي إرادة احتياطية إنما هي نية المتعاقدين وقت
إبرام العقد األصلي ،وهي نية غير معروفة وغير حقيقية بل هي نية مفترضة أساسها
القاعدة الفقهية":أن ما ال يدرك كله ال يترك كله" ،يمكن للقاضي إثباتها عند إعمال تحول
التصرف(عبد الحي حجازي ،1982،ص ،)33فالعبرة هي بالغاية القانونية التي أرادا
تحقيقها االطراف ،فان كان التصرف الذي اتجهت إليه إرادتهما تصرفا قانونيا باطال ليس
من شأنه أن يحقق هذه اآلثار ،وكان هذا التصرف الباطل يقوم على أنقاضه تصرف آخر
صحيح يؤدي إلى تحقيق هذه اآلثار ،فليكن هذا التصرف اآلخر هو الذي اتجهت إليه إرادة
الطرفين ،فهما وقد أراد تحقيق آثار معينة ال تترتب إال بناء على هذا التصرف األخير فان
إراداتهما المفترضة بال شك قد انصرفت إلى هذا التصرف ،والقاضي عندما يستخلص هذه
اإلرادة المفترضة فانه يستقل بهذا األمر وال يخضع إلى الرقابة على اعتبار أن هذا األمر من
وسائل الواقع(عبد الحكم فودة ،ص.)465
: 2.2تعريف مرض الموت وشروطه:
سنقوم بتعريف مرض الموت ،ثم نحدد أهم شروطه فيما يلي:
1.2.2تعريف مرض الموت :لقد حاول الفقهاء االجتهاد ووضع تعريف لمرض الموت،
وتحديد شروطه إذا توافرت اعتبر المرض مرض موت ،ففقهاء المذهب المالكي يعرفون
مرض الموت بأنه":ما حكم أهل الطب بأنه يكثر الموت في مثله ولو لم يغلب" (عبد الرزاق
أحمد السنهوري ،2011،ص ،)313في حين عرفه الفقه الحنفي بأنه ":المرض الذي يغلب
فيه خوف الموت ،ويعجز معه المريض عن رؤية مصالحه خارجا عن داره ان كان من
الذكور وعن رؤية مصالحه داخل داره ان كان من االناث ،ويموت على ذلك الحال قبل
739
خمار نريمان ،لشهب حورية
مرور سنة ،سواء كان صاحب فراش أو لم يكن ،وان امتد مرضه ومضت عليه سنة وهو
على حال واحدة ،كان في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح مالم يشتد
مرضه ويتغير حاله ،ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات قبل مضي سنة يعد حاله
اعتبا ار من وقت التغيير الى الوفاة مرض الموت( اياد محمد جاد الحق ،2011 ،ص،)56
وعرفه القضاء الجزائري في ا
قرره بـ ":من المقرر شرعا أن مرض الموت الذي يبطل التصرف
هو المرض االخير اذا كان خطي ار ويجر الى الموت ،ويفقد المتصرف وعيه وتمييزه (جليلي
ابتسام ،2018 ،ص.)51
2.2.2شروط مرض الموت :حتى يمكن القول أن المرض مرض الموت ال بد من توافر
شرطين معا:
-أن يغلب فيه الهالك عادة ،ومرجع ذلك األطباء وأهل الخبرة في تحديد طبيعة المرض
الذي يغلب فيه الهالك ،وال يلزم العتبار المرض مرض موت أن يكون صاحبه طريح
الفراش طوال مدة مرضه أو أن يعجز عن الخروج أو مباشرة أعماله العادية ،فالعبرة بمرض
الموت هي غلبة الهالك ،ولذلك فان ذهاب المريض الى المحكمة أو الى عيادة الطبيب ال
ينفي أن مرضه مرض موت طالما توافرت فيه غلبة الهالك ،وهو ما جاء في ق اررات
المحكمة العليا (عبد العزيز محمودي ،2006 ،ص.)38
-أن يعقب مرض الموت ،الموت مباشرة سواء كان الموت بسببه أو بسبب آخر أفضى إليه
كالقتل أو الغرق أو الحرق ونحوه .ومفاد ذلك أن الموت إذا اتصل بالمريض كان التصرف
الذي أبرم خالله قد تم في مرض الموت حتى لو نشأ الموت عن سبب آخر كالقتل أو
الموت حرقا أو غرقا ( محمد زهدور ،1991 ،ص ،)40ومعنى هذا أن ال يشترط في مرض
الموت أن يقعد صاحبه عن قضاء حاجته أو أن يؤثر هذا المرض في قواه العقلية أو أهليته
( أنور سلطان ،1952،ص ،)437وعليه إن تصرفات الشخص تعتبر سليمة وسارية إذا
تخلف أحد الشرطين المتقدمين الن المرض لم يكن بمرض الموت.
وقد اعتبرت فكرة مرض الموت فكرة مرنة متطورة تختلف من زمان إلى آخر وفقا
لتغيرات العصر وما يواكبه من اكتشافات طبية مختلفة ،حيث توجد أمراض يغلب فيها
الخوف من الموت ،ولكنها ال تعجز المريض عن مزاولة أعماله المعتادة ،ومثال ذلك الفشل
740
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
الكلوي المزمن ،ومرض االيدز(حسني محمود عبد الدايم ،2007،ص ،)131وعليه فان
المعيار في تحديد وجود مرض الموت من عدمه هو معيار شخصي يتمثل بنشأة االعتقاد
لدى المريض بدنو األجل من عدمه وال يهم إن كان هذا الشخص شيخا أم شابا.
وعلى هذا األساس اعتبر المشرع الجزائري مرض الموت واقعة مادية تثبت بكافة
طرق اإلثبات بما في ذلك البينة والقرائن ،وتنهض الشهادات الطبية دليال قويا ال سيما تلك
الموقعة في مصالح الطب الشرعي المؤهلة لذلك ،وغالبا ما يركن قضاة الموضوع لهذه
الوسيلة ويعتبرونها دليال حاسما في الدعوى ،ويقع عبءاإلثبات طبعا على الورثة ان تصرف
مورثهم قد صدر في مرض الموت عمال بنص المادة 776الفقرة الثانية من القانون المدني
(فتحي حسن مصطفى ،1992 ،ص.)120
.3حكم تصرفات المريض مرض الموت:
ان أي شخص يمكن له أن يتصرف في ماله لمن يريد حال صحته دون قيد على
حريته في ذلك وال يحق ألحد مراجعته أو مجرد االعتراض عليه ،ولكن هذا نجده مختلف مع
المريض مرض الموت ،الذي قيد الشرع ثم القانون تصرفاته في ماله ،لذا كان الزما أن
نوضح حكم تصرفات المريض مرض الموت سواء كان معاوضة أو تبرعا وفقا للقانون ،وهذا
ما سنبينه كاآلتي:
1.3حكم بيع المريض مرض الموت:
لقد وضع المشرع الجزائري تنظيما خاصا لحكم بيع المريض مرض الموت،
فنصت المادة 408من القانون المدني الجزائري على اآلتي ":إذا باع المريض مرض الموت
لوارث ،فان البيع ال يكون ناج از إال إذا أقره باقي الورثة .أما إذا تم البيع للغير في نفس
الظروف فانه يعتبر غير مصادق عليه ومن أجل ذلك يكون قابال لإلبطال".
تجدر اإلشارة أن المشرع عندما نظم المواد المتعلقة بالبيع في مرض الموت و
اآلثار التي تترتب على ذلك إنما قصد بيع المريض الذي فيه التبرع ألنه يفترض أن البيع
حقيقته هبة مستترة وأن المريض لم يقبض ثمنا من المشتري ،وأن الثمن المذكور في العقد
إنما هو ثمن صوري أي البيع بغير ثمن أصال ولكن هذه القرينة البسيطة أو الفرض قابل
741
خمار نريمان ،لشهب حورية
إلثبات العكس ،وقد علق األستاذ عبد الرزاق أحمد السنهوري على هذا قائال ":وال يقال أن
البيع يكون باطال ويتحول إلى هبة صحيحة ،بل العقد هبة مكشوفة رأسا"( محمد صبري
السعدي ،2008 ،ص.)488
ومن القرائن القوية على الصورية أن يكون عجز المشتري عن دفع الثمن واضحا
كل الوضوح بحيث ال يعقل أن يكون البائع قد أخذ األمر على محمل الجد ،وأن الثمن
المذكور في العقد ليس إال ثمنا صوريا والعقد ليس إال تبرعا .وعلى المشتري لينقض هذه
القرينة أن يثبت أنه فعال دفع ثمن المبيع ال يقل عن قيمته فان لم يستطع أن يثبت أنه دفع
ثمنا ما للمريض اعتبر هذا البيع هبة بغير ثمن وكان لها حكم الوصية ال البيع الجدي إذا
كان مشتمال على عناصر الوصية ،أما إذا كان التصرف األصلي وهو البيع ال يشتمل على
العناصر الالزمة لصحة ونفاذ الوصية فانه يظل باطال وال يتحول إلى وصية (صاحب عبيد
الفتالوي ،ص ،)220وعلى هذا األساس فالبيع في مرض الموت إما أن يكون بثمن ال يقل
عن قيمة المبيع وفي هذه الحالة يعتبر البيع صحيحا نافذا في حق الورثة دون حاجة إلى
إجازتهم سواء كان البيع لوارث أو لغير وارث (عبد الرزاق أحمد السنهوري ،2011،ص
،)329أو بثمن يقل بما ال يجاوز ثلث التركة فإذا أثبت المشتري أنه دفع ثمنا للمبيع وأثبت
مقدار ما دفع ،وكان هذا المقدار يقل عن قيمة المبيع وقت الموت بما ال يجاوز ثلث التركة،
فان البيع هنا أيضا يكون صحيحا نافذا في حق الورثة ،ويستوي في ذلك أن يكون البيع
لوارث أو لغير وارث (علي كاظم الشباني ،2015 ،ص ،)456وذلك حسب التفصيل اآلتي:
1.1.3حكم بيع المريض مرض الموت لوارثه :وفقا للفقرة األولى من المادة 408من
القانون المدني فان بيع المريض مرض الموت لوارثه يكون صحيحا بين العاقدين ،ولكنه
غير نافذ في حق باقي الورثة إال إذا أقروه ،فان أقروه أصبح نافذا في حقهم من وقت إبرام
التصرف ،وان رفضوه يكون غير صحيح ويترتب عليه بطالن العقد وبهذا قضت المحكمة
العليا التي جاء في قرارها ":من المقرر أنه إذا باع المريض مرض الموت لوارث فان البيع ال
يكون ناج از إال إذا أقره باقي الورثة ،ومن ثم فان القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد إساءة في
742
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
تطبيق القانون" ،لكن قد يحدث أن يقر بعض الورثة التصرف وال يقره آخرون وفي حال أقر
بعض الورثة البيع وبعضهم لم يقره وكان البيع يقبل التجزئة ينفذ البيع في حصص من أقروه
من الورثة ،وال ينفذ في حصص من لم يقر البيع بالنسبة إلى أنصبتهم ،ويترتب على ذلك أن
يلتزم المشتري بأن يرد إلى التركة ذلك القدر كله أو بعضه الذي يخص الورثة الذين لم يقروا
البيع أو قيمته(سارة خضر ارشيدات ،2011 ،ص.)46
2.1.3حكم بيع المريض مرض الموت لغير وارثه :نصت الفقرة الثانية من المادة 408
من القانون المدني على ما يلي ":أما إذا تم البيع للغير في نفس الظروف ،فانه يعتبر غير
مصادق عليه ومن أجل ذلك قابال لإلبطال".
األصل أنه يجوز بيع المريض في مرض موته لغير وارثه بثمن المثل أو بغبن
يسير ،وال يعد الغبن اليسير محاباة عند عدم استغراق الدين ،فإذا باع المريض في مرض
موته لغير الوارث بغبن فاحش نقصا في الثمن ،فهو محاباة تعتبر من ثلث ماله ،فان
خرجت من ثلث ماله بعد الدين بأن كان الثلث يفي بها لزم البيع ،وان كان الثلث ال يفي بها
بأن ازدت عليه يكون محال للطعن ،و يخير المشتري بين أن يدفع للورثة الزائد إلكمال ما
نقص من الثلثين أو يفسخ البيع (سعاد إبراهيم صالح ،1991،ص .)180
وواضح من المادة 776من القانون المدني الجزائري أن جميع تصرفات المريض
مرض الموت تعتبر وصية ،وقد أدرج المشرع الجزائري الوصية في قانون األسرة فقد نصت
المادة 184منه على اآلتي ":الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع ،ثم
جاءت المادة 185من نفس القانون محددة الجزء الموصى به من التركة ووضعت حكما لما
بقي من التركة (.عبد الحميد محمود البعلي ،2009 ،ص .)18
فالمشرع الجزائري عمم فأعطى حكم الوصية لكل عمل قانوني يصدر في مرض
الموت سواء كانت معاوضة أو تبرعا فاعتبره وصية مستترة ،وان كان هذا الفرض قابال
إلثبات العكس ،فالعبرة إذن بالقصد أي بالنية وليس بظاهر العقد أو شكله والمعروف أن
743
خمار نريمان ،لشهب حورية
هذه المسألة خاضعة لسلطة وتقدير قاضي الموضوع ،الن التصرف إذا انطوى صراحة على
معنى التبرع فال صعوبة في األمر إذ تسري عليه أحكام الوصية ومثال ذلك الهبة ،أما إذا
كان التصرف في ظاهره معاوضة وادعى أحد الورثة أنه تبرع ،وأثبت ذلك بالطرق المخولة
قانونا سرت أحكام الوصية وال تسري أحكام المعاوضات التي تبرم في مرض الموت( محمد
أحمد البديرات ،2006،ص (،)78حمدي باشا عمر ،2004 ،ص.)65
2.3حكم هبة المريض مرض الموت:
عقد الهبة هو عقد تمليك اإلنسان ماله لغيره في الحياة بال عوض في الحال كما
يطلق عليه لفظ الصدقة على الهبة التي يراد بها وجه هللا ،وهبة التودد التي يراد بها التودد
والمحبة أي يقصد بها وجه المخلوق ،وهبة الثواب على هبة العوض ،واعتبرها المشرع
الجزائري في المادة 202من قانون األسرة بأنها":الهبة تمليك بال عوض ،ويجوز للواهب أن
يشترط على الموهوب له القيام بالتزام يتوقف على انجاز الشرط" .
األصل إذا كان الواهب صحيحا وكان أهال للتبرع جاز له أن يهب ماله كله أو
بعضه لمن يشاء سواء كان أصال له ،أم فرعا ،أم قريبا أو أجنبيا ولو كان مخالفا لدينه ،وله
إمكانية أن يفصل بين الحق العيني وحق االنتفاع والدين لدى الغير ،فالمبدأ هو إطالق الهبة
وهو ما نصت عليه المادة 205من قانون األسرة التي جاء فيها ":يجوز للواهب أن يهب كل
ممتلكاته أو جزءا منها عينا أو منفعة أو دينا لدى الغير" (فاطمة أسعد ،2015،ص.)413
غير أن الجدل قائما حول نصاب الهبة ،حيث يرى بعض الفقه أن الهبة ال تصح
أن تتجاوز حد النصاب الذي يحق للواهب أن يتصرف فيه قياسا على الوصية ،ويرى
البعض اآلخر من الفقه أنه يجوز التصرف بطريق الهبة خارج مرض الموت دون تقييد
التصرف ،ولو ترتب عليها حرمان الورثة كلهم أو بعضهم من الميراث أو المساس بأنصبتهم
فيه ،بمعنى أنه ال تقيد حرية التصرف بالهبة إال في مرض الموت وعلى ذلك فالشخص
كامل األهلية صاحب المال له أن يهب من المال ما شاء حتى ولو جرد أوالده من احتمال
استحقاقهم للميراث ،إذ الثابت أنه ال ميراث إال بعد واقعة الوفاة ،لكن رغم ذلك ال تصل حرية
الشخص إلى تقسيم تركته حال حياته.
744
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
ويبدو أن الرأي الثاني هو األقرب إلى الصواب كونه وضع رغم إطالق حرية
التصرف في الهبة استثناء بتقييدها إذا كان الشخص في مرض الموت ،فهو قيد من حرية
هذا األخير قصد حماية حق الورثة وعدم اإلضرار بهم.
لكن إذا كان الواهب مريض مرض الموت فتسري أحكام الوصية على هبته،
ونصت على هذا الحكم المادة 204من قانون األسرة التي جاء فيها ":الهبة في مرض
الموت ،واألمراض والحاالت المخيفة ،تعتبر وصية" ،نالحظ أن المشرع الجزائري أضاف
حالة لم يتطرق لها الفقه اإلسالمي ألحقها بمرض الموت فيما سماها بالحاالت المخيفة،
ولعل هذا الوصف هو حكم غريب يحتاج إلى تفسير من قبل القضاء من خالل االجتهاد .
.4خاتمة:
تمثل المادة 105من القانون المدني الجزائري أن األساس القانوني لتحول العقد
في التشريع الجزائري ،الذي يعتبر تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية من أهم
التطبيقات العملية لهذه المادة ،حيث توصلنا في ختام هذا البحث الى جملة من النتائج
واالقتراحات ،نوردهما فيما يلي:
• النتائج:
أ .تبني المشرع الجزائري لنظرية تحول العقد كمبدأ عام يتناغم مع المبدأ من اقرار هذه
النظرية ،حيث يوسع سلطة القاضي في التقليل من حاالت البطالن.
ب .قصر المشرع الجزائري المادة 105من القانون المدني على العقد دون باقي التصرفات
القانونية مخالفا بذلك النص االصلي وهو المادة 140من القانون االلماني التي جاءت
واسعة النطاق شاملة لجميع التصرفات القانونية.
ت .إن تصرفات المريض مرض الموت تعتبر من أهم التطبيقات لفكرة تحول العقد ،رغم أن
مرض الموت لم ينل نصيبه الكافي من البحث أو التفصيل باستثناء ما كتب في البيع
وإذا كان التشريع الجزائري قد تناول بيع المريض مرض الموت فانه لم يعالجه بنصوص
745
خمار نريمان ،لشهب حورية
صريحة كشراء هذا المريض وإجازته وإق ارراته سواء كانت لوارث أو غير وارث ،وما إلى
ذلك من معامالته األخرى واكتفى ببيان الحكم العام في جميع تصرفات هذا المريض.
ث .ان تصرفات المريض مرض الموت واقعة مادية يجوز اثباتها بجميع طرق االثبات بما
في ذلك البينة والقرائن ويعتبر الوارث خلفا عاما.
ج .للمحكمة سلطة تقديرية في التحقق من اصابة الشخص المريض مرض الموت كما لها
سلطة تقديرية للتحقق من جدية التصرف أو انطوائه على التبرع وفقا لظروف كل
دعوى.
• اإلقتراحات:
أ .تعديل نص المادة 105من القانون المدني لتشمل كافة التصرفات القانونية ،وعدم
االكتفاء بالنص على العقد فقط.
ب .أن ينص المشرع الجزائري على غرار المشرع العراقي والمصري لتعريف جامع مانع
لمريض مرض الموت بحيث ال يبقى بقية لقائل على الصعيد القضائي أو الفقهي.
ت .من خالل استعراض المادة 105من القانون المدني نجدها قد نصت على ":إذا كان
العقد باطال أو قابال لإلبطال وتوافرت فيه أركان عقد آخر ،فان العقد يكون صحيحا باعتباره
العقد الذي توافرت أركانه ،إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد"،
وحيث ذهب غالبية الفقهاء كما تبين لنا من خالل البحث إلى القول بأن العقد القابل لإلبطال
هو عقد صحيح ومنتج آلثاره ،لذا نجد أن المشرع الجزائري لم يكن موفقا في إيراده لعبارة
( أو قابال لإلبطال) حيث ال يمكن تحول العقد القابل لإلبطال ،كونه عقدا صحيحا ومرتبا
آلثاره ،ومن ثم نرى أنه من األجدر حذف هذه العبارة من نص المادة وجعلها مقصورة على
العقود الباطلة فقط دون العقود القابلة لإلبطال ،كما هو الحال بالنسبة ألصل المادة في
القانون المدني األلماني.
746
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
ث .لزوم إصدار تشريع مستمد من الفقه اإلسالمي ،ويحدد بشكل صريح وواضح حقيقة
مرض الموت وجميع تصرفات المريض مرض الموت دون االكتفاء ببيع فقط نزوال عند
متطلبات الواقع االجتماعي.
.5قائمة المراجع:
• املؤلفات:
-أنور سلطان ،العقود املسماة شرح البيع واملقايضة ،دراسة مقارنة يف القانونني املصري
واللبناين ،دار نشر الثقافة ،الطبعة الثالثة ،مجهورية مصر العربية.1952 ،
-حسين حممود عبد الدامي،مرض املوت وأثره على عقد البيع ،دراسة معمقة ومقارنة ابلفقه
اإلسالمي،دار الفكر اإلسالمي،اإلسكندرية،مجهورية مصرالعربية.2007،
-محدي ابشا عمر ،عقود التربعات ،اهلبة ،الوصية ،الوقف،دار هومة ،اجلمهورية اجلزائرية
الدميقراطية الشعبية.2004 ،
-رأفت الدسوقي ،حتول العقد الباطل إىل تصرف صحيح ،دار للنشر والربجميات ،مجهورية
مصر العربية ،دار الكتب القانونية ،مجهورية مصر العربية.
-سعاد إبراهيم صاحل ،أحكام املرياث والوصية يف الشريعة اإلسالمية ،دار الضياء ،مجهورية
مصر العربية.1991،
-صاحب عبيد الفتالوي ،حتول العقد الباطل إىل تصرف صحيح ،دار الكتب القانونية،
دار للنشر والربجميات ،مجهورية مصر العربية.
-عبد احلكم فودة،موسوعة البطالن يف القانون املدين وقانون العقوابت ،البطالن يف القانون
املدين والقوانني اخلاصة،البطالن يف قانون املرافعات،بطالن القبض على املتهم ،البطالن يف
قانون اإلجراءات اجلنائية وفقا ألحدث أحكام حمكمة النقض.
-عبد احلي حجا زي ،النظرية العامة لاللتزام وفق القانون الكوييت ،املصادر اإلرادية العقد
واإلرادة املنفردة ،دراسة مقارنة ،مطبعة اجلامعة الكويتية ،الكويت.1982،
747
خمار نريمان ،لشهب حورية
-عبد الرزاق أمحد السنهوري ،الوسيط يف شرح القانون املدين اجلديد ،اجلزء األول،
مصادر االلتزام ،اجمللد األول ،نظرية االلتزام بوجه عام ،دار النهضة العربية ،الطبعة الثانية،
القاهرة ،مجهورية مصر العربية.2011 ،
-عبد العزيز حممودي ،رد التحايل على أحكام املرياث يف التشريع اجلزائري ،التصرف يف
مرض املوت والتصرف مع االحتفاظ ابحليازة واملنفعة مدعم بتطبيقات قضائية،دار قصر
الكتاب ،البليدة ،اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية.2006 ،
-علي كاظم الشباين ،حتول العقد يف نطاق القانون املدين ،منشورات احلليب احلقوقية،
الطبعة األوىل ،بريوت ،لبنان.2015،
-فتحي حسن مصطفى ،امللكية ابملرياث يف ضوء الفقه والقضاء ،دار منشأة املعارف،
اإلسكندرية ،مجهورية مصر العربية.1992 ،
-حممد زهدور ،الوصية يف القانون املدين اجلزائري والشريعة اإلسالمية ،دار املؤسسة
الوطنية للكتاب ،اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية،1991 ،
-حممد صربي السعدي ،الواضح يف شرح القانون املدين ،النظرية العامة لاللتزامات،
مصادر االلتزام ،العقد واإلرادة املنفردة ،دراسة مقارنة يف القوانني العربية ،دار اهلدى،عني
مليلة ،اجلمهورية اجلزائرية الدميقراطية الشعبية.2008 ،
• األطروحات:
-عبد العزيز مصطفى اخلالد ،العقد املوقوف واألحكام املتعلقة به يف الفقه اإلسالمي،
أطروحة دكتوراه،كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ،جامعة أم القرى ،اململكة العربية
السعودية.1989 ،
-جليلي ابتسام ،تصرفات املريض يف مرض املوت،مذكرة ماجستري،كلية احلقوق ،اجلزائر،
.2018
-سارة خضر ارشيدات ،البيع يف مرض املوت ،مذكرة ماجستري،كلية احلقوق ،جامعة
الشرق األوسط.2014 ،
748
تحول تصرفات المريض مرض الموت الى وصية
-فاطمة أسعد ،نظرية العقد املوقوف يف الفقه اإلسالمي وتطبيقاهتا يف القانون املدين
اجلزائري ،دراسة مقارنة ،أطروحة دكتوراه يف العلوم،كلية احلقوق،جامعة تيزي وزو ،اجلزائر،
.2015
- Olivier cornay, la conversion des actes juridique, thèse
Lausanne, 1937.
- Philippe Simler, la nullité partielle des actes juridique, thèse,
Librairie générale de droit et de jurisprudence, paris, 1969.
• املقاالت:
-أ ايد حممد جاد احلق ،هبة املريض مرض املوت يف جملة االحكام العدلية ،سلسلة
الدراسات اإلسالمية ،جملة اجلامعة اإلسالمية ،اجمللد التاسع عشر ،العدد الثاين.2011 ،
-حم مد أمحد البديرات ،مدى اعتبار مرض االيدز مرض موت وأتثريه يف تصرفات املريض
يف القانون املدين األردين والفقه اإلسالمي ،دراسة مقارنة ،جملة جامعة جرش للعلوم
االقتصادية والقانونية ،اجمللد اثنان وعشرون ،العدد األول.2006،
• املداخالت:
-عبد احلميد حممود البعلي ،دراسة متهيدية يف حتول العقود يف الفقه والقانون ،دراسـة
مقارنة وموازنة ،مؤمتر املصارف اإلسالمية بني الواقع واملأمول (31ماي إىل03
جوان ،)2009دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخلريي ،ديب ،اإلمارات العربية املتحدة.
749