Professional Documents
Culture Documents
د/فطيمة نساخ
كلية الحقوق -جامعة الجزائر
nessakh150@gmail.com
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملخص:
تأثر المشرع في تنظيم العالقة العقدية بالتصور الالتيني الذي يقوم على فكرة الحرية العقدية ،
إلى جانب تأثره بالشريعة اإلسالمية التي تعتبر من المصادر الرسمية للقانون ،فتعتبر مبادئ الشريعة
اإلسالمية مصدر رسمي طبقا للمادة األولى من القانون المدني ،إلى جانب أن الشريعة اإلسالمية هي
مصدر مادي للقانون اغترف منها المشرع الجزائري جملة من األحكام منها نظرية مريض مرض الموت
بالرجوع إلى أحكام نظرية مريض مرض الموت وفق القانون المدني ( 408ـ 409مدني) والتي وردت
وفق األحكام الخاصة المنظمة لعقد البيع ،التمسنا جملة من التباين ما بين المفهوم الشرعي والمفهوم
القانوني .
الكلمات المفتاحية :عقد ،مرض الموت ،األهلية ،إرادة المريض مرض الموت ،عيوب اإلرادة
Abstract:
The legislature has been influenced by the organization of the creed relationship with the
Latin conception, which is based on the idea of dogmatic freedom and is influenced by
Islamic sharia, which is official sources of the law, and the principles of Islamic Sharia are the
only original official source, in accordance with article 1 of the Civil Code, to Besides, the
Islamic sharia is a material source of law, from which the Algerian legislator has, among other
provisions, the theory of the patient of death disease By reference to the provisions of the
theory of the patient of death sickness in accordance with the Civil Code (408-409 Civil),
which was received according to the special provisions governing the contract of sale, we
have a variety of differences between the concept of legality and the legal concept .
Key words :Contract, Disease of death , Eligibility , Will of who has a mortal disease ,
Management defects.
يعتبر عقد البيع من أهم العقود التي يعتمد عليها األفراد في حياتهم اليومية ،فعن طريقه تتم عملية
التبادل للمنافع والخدمات ،وال يمكن ألحد أن يتجاهل أن المشرع نظم هذه الوسيلة القانونية باعتبار
مصد ار لاللتزام من جهة ووسيلة اقتصادية تتحرك بمقتضاها المعامالت الوطنية وحتى الدولية .
لقد أورد المشرع الجزائري األحكام العامة لعقد البيع من المادة 351إلى 396ثم تطرق إلى أنواعه
من المادة 397إلى ، 412وفي هذه الورقة البحثية وقع اختيارنا على نوع من أنواع عقد البيع وهو
البيع في مرض الموت لدراسة أحكامه وما أثير من إشكاالت بمناسبته خاصة من حيث تعريف مرض
الموت ومن حيث تكييف إرادة المريض مرض الموت .
إن في دراسة أحكام تصرفات مريض مرض الموت أظهر لنا تأثر المشرع الجزائري في وضع بعض
قواعد القانون المدني بأحكام الشريعة اإلسالمية التي تحتل مركزيين هامين في القانون المدني الجزائري
1
هذا من جهة ،و باعتبارها باعتبارها أولى المصادر الرسمية االحتياطية وفق نص المادة األولى منه
مصد ار ماديا لبعض أحكامه أيضا من جهة أخرى ،فهي بذلك المادة األولية لعديد من النصوص
القانونية ،حيث استمد المشرع جوهر هذه النصوص من أحكام الشريعة اإلسالمية لتفرغ في قالب تشريعي
و تدمج في نصوص القانون المدني فتطبق بعد ذلك كنصوص قانونية ،إضافة لتأثر المشرع بالقانون
الفرنسي الذي بدوره ينتمي للنظام القانوني الالتيني و الجرماني الذي اعتمده قانون نابليون.
بالرجوع إلى ما أخده المشرع الجزائري من الشريعة اإلسالمية باعتبارها مصد ار ماديا للقانون نذكر
،فجاء وفق 2
مفهوم مرض الموت الذي أورده القانون المدني الجزائري وفق المادتين 408و 409
فإن البيع ال يكون ناج از إالّ إذا
المادة 408في مضمونها أنه " إذا باع المريض مرض الموت لوارث ّ ،
أقره باقي الورثة.
أما إذا تم البيع للغير في نفس الظروف ،فإنه يعتبر غير مصادق عليه و من أجل ذلك يكون قابال
لإلبطال".
ـ ـ المادة : 1يسري القانون على جميع المسائل التي تتناولها نصوصه في لفظها أو في فحواها . 1
وإذا لم يوجد نص تشريعي ،حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة اإلسالمية ،فادا لم يوجد فبمقتضى العرف .
فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي و قواعد العدالة .
ـ ـ أخد كذلك المشرع الجزائري بمفهوم مرض الموت في قانون األسرة وذلك في المواد ، 215 ، 44 ، 204قانون 2
11/84مؤرخ في 1984/6/9يتضمن قانون األسرة المعدل والمتمم باألمر رقم 02/05المؤرخ في 27فبراير ، 2005
الجريدة الرسمية ،عدد ، 15المؤرخة في 27فبراير . 2005
- 437 -
أثر مرض الموت على عقد البيع
أما المادة 409من القانون المدني " ال تسري أحكام المادة 408على الغير الحسن النية إذا كان الغير
قد كسب بعوض حقا عينيا على الشيء المبيع " .
ما يجول في أذهاننا في إطار هذا العمل هو إبراز أثر مرض الموت في إطار عقد البيع علما أنه
المشرع لم يحدد معنى أو تعريفا لمرض الموت ،ثم تبيان طبيعة إرادة مريض مرض الموت ومدى
اعتبارها صحيحة أم أنها إرادة معيبة أم أن األمر يتعلق بأحكام األهلية ،أم أن الوضع يخرج تماما عن
أحكام النظرية العامة للعقد مشكلة بذلك أحكاما استثنائية وهذه هي جملة التساؤالت الواردة في هذا العمل.
حقيقة إن إدماج مفهوم مرض الموت في إطار القانون المدني كان سببا في الطرح التالي وهو
استحالة إلحاقه بنظرية العقد أو األحكام العامة الخاصة بالعقد ،فكانت االستحالة في تعريفه على ضوء
المفهوم القانوني ،فلم يعرفه القانون المدني و ال حتى قانون األسرة ،فقد خال القانون المدني الجزائري
2 1
بل عرفه القضاء في بعض ق ارراته أو تعريفاً معيناً لمرض الموت من أي نص يحدد معالم معينة
والتي جاءت مخالفة لمفهوم مرض الموت المعروف في أحكام الشريعة اإلسالمية ،حيث ربطه القضاء
بأحكام األهلية وهدا يخالف أحكام مرض الموت التي جاءت في خدمة الورثة هدا من جهة ،ومن جهة
أخرى أن األمر ال يتعلق بأحكام األهلية إنما مرض الموت مجرد ضعف يعتري المريض فيحس بدنو أجله
بدلك ال يرقى إلى اعتباره مساسا بالتمييز وال بوعي الشخص ،فالمريض مرض الموت كامل األهلية
وتصرفاته صحيحة وال يمكن تطبيق أحكام القانون المدني على هده الحالة ،ودلك أن المشرع حدد على
سبيل الحصر عيوب اإلرادة وأحكام األهلية ،ومرض الموت ال يندرج في أية حالة من الحاالت المذكورة.
ـ ـ " تعتبر الشريعة اإلسالمية هي األكثر اتساعا في تنظيم تصرفات المريض مرض الموت " .كمال صمامة :تصرفات 1
المريض مرض الموت في الوصية بين الشريعة اإلسالمية وقانون األسرة الجزائري ،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،
، 2019العدد ، 01ص . 413
ـ ـ ـ عرفت بعض التشريعات الوضعية مرض الموت منها مجلة األحكام العدلية المستمدة من الفقه الحنفي حيث تنص 2
المادة " 1595هو المرض الذي يعجز فيه المريض عن رؤية مصالحه الخارجية عن داره إن كان من الذكور ،ويعجز
عن رؤية المصالح الداخلية في داره إن كان من اإلناث ،والذي يكون فيه خوف الموت في األكثر ويموت وهو على ذلك
الحال قبل مرور سنة ،سواء كان مالزما للفراش أو لم يكن ،وإذا امتد مرضه وكان دائما على حال واحد ومضى عليه
سنة يكون في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ما لم يشتد مرضه ويتغير حاله ،أما إذا أشتد مرضه
وتغير حاله وتوفي قبل مضي سنة فيعد مرضه اعتبا ار من وقت التغير إلى الوفاة مرض الموت " .
عرف القانون األردني رقم 43لسنة 1976كذلك لمرض الموت وذلك وفق المادة 1/ 543هو " المرض الذي يعجز فيه
اإلنسان من متابعة أعماله المعتادة ويغلب فيه الهالك ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة ،فإن أمتد مرضه وهو على
حالة واحدة دون ازدياد سنة أو أكثر تكون تصرفاته كتصرفات الصحيح " .سميرة توفيق صابر الجليس :مرض الموت
وأثره على عقد البيع ،دراسة مقارنة في القانون المدني المصري والقانون المدني األردني والقانون المدني المطبق في قطاع
غزة ،جامعة األزهر ،غزة ، 2017 ،ص . 20
لذلك انطالقا من أن أحكام مرض الموت الواردة في القانون المدني في القسم الثاني المعنون بأنواع البيع
،نالحظ أن المشرع لم يعرف مرض الموت فنحن إذن أمام معضلة تعريف مرض الموت ،لذلك نتناول
تعريف مرض الموت مابين الفقه الشرعي والفقه القانوني ( المبحث األول ) ،ونحن بذلك مضطرين
البحث في التكييف القانوني و الشرعي إلرادة مريض مرض الموت ومدى إمكانية إسقاط القواعد العامة
لنظرية العقد على هذه الحالة( المبحث الثاني) ،ثم نعرج بالضرورة لموقف القضاء الجزائري في مسألة
تصرفات مريض مرض الموت( المبحث الثالث).
المبحث األول :تعريف مرض الموت ما بين الفقه الشرعي والفقه القانوني
نظ ار الستحالة إيجاد تعريف لمرض الموت وذلك لضبط أحكامه وفق المنظور القانوني التشريعي،
فالقانون المدني يخلو من أي نص يعرف أو يحدد المقصود من مرض الموت ،لذلك كان البد االنتقال
إلى الفقه الشرعي لتحديد معنى مرض الموت( المطلب األول) ،ثم نستعرض جملة من التعاريف للفقه
القانوني لمرض الموت( المطلب الثاني ) .
لقد تولى فقهاء الشريعة اإلسالمية تعريف مرض الموت ،فعرف الفقه الحنفي مرض الموت أنه "
المرض الغالب منه الموت الذي يعجز المريض فيه عن رؤية مصالحه ،سواء أكان صاحب فراش أم لم
يكن " ،أو "هو المرض الذي يغلب فيه الهالك ،ويعجز صاحبه عن إقامة مصالحه خارج البيت إن كان
رجال ،وداخل البيت إن كان امرأة ،ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة ،سواء كان المريض مالزما
لفراشه أو لم يكن " . 1
أما عن الفقه المالكي فيرى " أنه المرض الذي ينشأ عنه الموت عادة ،وإن لم يغلب " .
أما عن المذهب الشافعي " هو المرض المخوف الذي ال تتطاول بصاحبه معه الحياة " ،وذكر الشافعية
أن المرض نوعان ،مرض مخوف أي يخاف منه الموت ،ومرض غير مخوف أي ال يخاف منه
الموت. 2
ـ ـ ـ أحمد محمد علي داود :أحكام العقد في الفقه اإلسالمي والقانون المدني ،الطبعة األولى ،دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1
انطالقا من هذه التعاريف الفقهية فإن جمهور الفقه اإلسالمي يرى أن مرض الموت هو المرض
الذي مات فيه المقرر أو الموصي مطلقا ،وبالتالي ال يمكن أن ندلي بأن المرض هو مرض الموت إال
إذا تحققت واقعة الوفاة فعال .
أما عن التعاريف المعاصرة للفقه القانوني فعرف مصطفى أحمد الزرقا مرض الموت أنه " المرض
الذي يعجز الرجل عن أعماله المعتادة وقضاء حاجاته خارج المنزل ،كالحرفة والوظيفة والمهنة ،وتعجز
المرأة عن القيام بأعمالها المعتادة داخل المنزل ،من طبخ وتنظيف وترتيب ،ويغلب فيه الهالك كمرض
السرطان،اإليدز ونزيف الدماغ ،ويتصل بالموت دون أن يستمر سنة كاملة على حال من غير ازدياد ". 2
اختصر البعض اآلخر منهم إياد محمد جاد الحق تعريف مرض الموت في أنه ما ال يتعجب من
،تناوله البعض اآلخر أنه المرض الذي يكون من شأنه خلق 3
صدور الموت منه ولو لم يكن غالبا
الشعور باليأس من الحياة ودنو األجل ،ويموت المريض على تلك الحال بسبب المرض أو غيره من
األسباب . 4
يراد بمرض الموت كذلك عند عزت كمال " هو الذي يغلب فيه خوف الموت ويعجز معه المريض
عن رؤية مصالحه خارجا عن داره إن كان من الذكور وعن رؤية مصالحه داخل داره إن كان من اإلناث
،ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة سواء كان صاحب فراش أو لم يكن وإن امتد مرضه ومضت
سنة و هو على حال واحدة كان في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ما لم يشتد مرضه
ـ ـ ـ مصطفى أحمد الزرقاء :المدخل الفقهي العام ( الفقه اإلسالمي في ثوبه الجديد ) ،الطبعة السادسة ،دار الفكر، 2
الجزء الثاني ، 1992 ،ص ، 804ذكر في مرجع ،د :حسني محمود عبد الدايم عبد الصمد :مرض الموت وأثره
على عقد البيع ،دار الفكر الجامعي ، 2011ص . 100
ـ ـ ـ ـ سارة خضر أرشيدات :البيع في مرض الموت ،جامعة الشرق األوسط ، 2014 ،ص . 15 3
ـ ـ ـ إياد محمد جاد الحق :هبة المريض مرض الموت في مجلة األحكام العدلية ،دراسة تحليلية مقارنة ،مجلة الجامعة 4
اإلسالمية ( سلسلة الدراسات اإلسالمية ،المجلد التاسع عشر ،العدد الثاني ،يونيو ، 2011ص . 524
- 440 -
نساخ فطيمة
ويتغير حاله ولكن إذا اشتد مرضه وتغير حاله ومات قبل مضي سنة يعد حالة اعتبا ار من وقت التغير
1
. إلى الوفاة مرض موت "
يراد بمرض الموت كذلك " أن يكون الشخص في حال يغلب فيها الهالك ويتوقعه هو ،وتكون تصرفاته
لخوف الموت المترقب المرصود " . 2
تناولت كذلك األستاذة حنيفي لويزة تعريف مرض الموت بأنه الحالة التي يكون فيها المريض ميئوس
منها وليس هناك أمل في الشفاء والتي تنتهي بالوفاة . 3
وفق التعاريف السالفة الذكر سواء للفقه اإلسالمي أو الفقه القانوني يمكن لنا إجمال شروط اعتبار المرض
مرض موت في : 4
أ :أن يقعد المريض عن قضاء مصالحه أي حوائجه العادية المألوفة ،وهنا ال يشترط أن يلزم المريض
الفراش
ب :أن يغلب فيه الموت أي يغلب على الظن فيه الهالك أو أن ال يكون أي أمل في الشفاء ،كحالة
المرض مرضا خطي ار والتي تعتبر من األمراض التي تكون نهايتها الوفاة .
إن مرض الموت له من العالمات الواضحة و الموضوعية التي تؤكد دنو وفاة المريض مما يجعل
شك في تصرفاته ،في حين يسيطر على اإلنسان الشعور بدنو أجله وإن كان ال يفقده أهليته إال أنه
يستلزم تدخل المشرع لحماية الورثة يجعل التصرفات التي تصدر منه تبرعا وهو تحت تأثير هذا االعتقاد
تأخذ حكم الوصية سواء كان التبرع مكشوفا أو مستت ار . 5
ـ ـ عزت كمال :الوجيز في تصرفات المريض مرض الموت ،دراسة فقهية قضائية معلقا عليها بآراء الفقهاء وأحدث 1
3
Hanifi Louisa : la dernière maladie en droit civil Algérien , revue Algérienne des sciences juridiquesـ ـ ـ
économiques et politiques , n°4 , 1996 , p 540 .
ـ ـ عزت كمال ،المرجع نفسه ،ص . 78 4
إن الطرح الوارد في هذا المفهوم يتعلق بتحديد تأصيل نظرية مرض الموت التي مصدرها أحكام
الشريعة اإلسالمية و التي اقتبسها المشرع منها ،فهل يمكن إدماج نظرية مرض الموت في النظام
القانوني المتأثر و المصبوغ بالقانون الفرنسي ،بالتالي إيجاد تكييفا إلرادة المريض مرض الموت في
األحكام العامة لنظرية العقد .
نستعرض وفق هذا الطرح التكييف القانوني إلرادة مريض مرض الموت فهل إرادة مريض مرض
الموت هي إرادة معيبة فتطبق أحكام نظرية عيوب اإلرادة ،أم أن األمر يتعلق بأحكام األهلية فتطبق
أحكام األهلية المسطرة في القانون المدني ؟
نتناول إذن التكييف القانوني إلرادة مريض مرض الموت( المطلب األول ) ،ثم نعرج لموقف الفقه
اإلسالمي في مسألة تكييف إرادة مريض مرض الموت( المطلب الثاني) .
إن القانون المدني بالنسبة لألركان الواجب توفرها في العقد منها ركن التراضي ،وفيه يشترط عنصرين،
خلو اإلرادة من أي عيب من عيوب اإلرادة وهي أربعة ( الغلط ،التدليس ،اإلكراه ،االستغالل ) هذا من
جهة ،ومن جهة أخرى يشترط أن يكون الشخص القانوني كامل األهلية بمعنى بالغ راشد خالي من
العوارض والموانع وغير محجور عليه ،هذا ما يعرفه القانون المدني بخصوص اإلرادة الصحيحة التي
يعتد بها القانون ،فالطرح الوارد هو في تكييف مرض الموت من حيث اعتباره عارض من عوارض
األهلية أو عيب من عيوب اإلرادة .
بالرجوع إلى القانون المدني نظم المشرع الجزائري مرض الموت كالتالي :
ـ ـ ـ حدد المشرع مجاله أوال في عقد البيع وفق المواد 409 ، 408من القانون المدني ،وفي عقود التبرع
وفق المواد 777 ، 776من القانون المدني ،والسؤال الوارد هنا لماذا المشرع حدد تصرفات مريض
مرض الموت في هاذين الصنفين هل يعني ذلك أنه بإمكان للمريض مرض الموت أن يقوم بالتصرفات
األخرى ؟ .
علما أنه كذلك وفق المادة 408فرق المشرع بين حالتين :
الحالة األولى :حالة بيع المريض مرض الموت ألحد الورثة ،فهذا البيع يعتبر غير نافد في حق باقي
الورثة إال إذا أقروه .
أضف إلى ذلك أن المشرع في تنظيم تصرفات المريض مرض الموت نظمها بأحكام خاصة ،خرج
عن النظرية العامة ،لذلك يتبادر لألذهان هنا أن المشرع ال يعتبر مرض الموت ال عيب في اإلرادة وال
مؤث ار على أهلية المريض ،وإن سلمنا بهذا يبقى السؤال وارد لماذا قرر إمكانية إبطال في نص المادة
2/ 408؟ .
ـب النسبة لتكييف إرادة مريض مرض الموت ،لم يعتبر المشرع مرض الموت عارض من عوارض
األهلية ،إنما اعتبره مؤث ار في تصرفات المريض وذلك حماية للورثة والغير ،على نقيض المشرع الفرنسي
الذي اعتبره عارض من عوارض األهلية ( مادة 909من القانون المدني ) أي العلة في مرض الموت
تكمن في ضعف القوى العقلية للمريض التي تؤدي إلى نقص أهليته ،وأن أساس عدم األهلية الوارد في
المادة 909أساسه حماية المرضى أنفسهم من استغالل من يقومون بعالجهم ومنح العطايا لهم وهم على
هذه الحالة 1معناه أن المشرع الفرنسي جعل مرض الموت عارضا من عوارض األهلية .
فأمام عجز لتطبيق األحكام العامة الواردة في القانون المدني بالنسبة لتكييف إرادة مريض مرض
الموت ،فبذلك فإننا أمام استحالة تكييف إرادة مريض مرض الموت بما أننا ال نستطيع إلحاقها بما هو
موجود من أحكام المطبقة وفق النظرية العامة والتي تعرف األحوال التي تكون وفقها اإلرادة إما معيبة أو
صحيحة ،أضف إلى ذلك ما يعرف من أحكام األهلية التي تعدم أو تنقص أهلية المتعاقد .
لكن لنا أن نقول أنه تعتبر من الصعوبات التي واجهت المشرع في إدماج أحكام مرض الموت في
القانون المدني ،هذا القانون الذي يحدد توقيع الجزاء بالنسبة للبطالن النسبي في حاالت معينة منها
وجود عيب في اإلرادة العقدية أو نقص األهلية ،هنا المشرع يحدد إمكانية المطالبة بإبطال العقد ،لكن
في مرض الموت لم نعرف لماذا المشرع قرر هذا الجزاء أي إبطال العقد وفق المادة 2/ 408الذي جاء
1
- Parade jean : la condition civil du malade , thèse de doctorat , Paris , 1963
. ذكر في مرجع حسني محمود عبد الدايم عبد الصمد ،المرجع السابق ،ص 173
فإذا فرضنا أن مرض الموت يشكل عيب في الرضاء ،فكان على المشرع أن يقرره في كل العقود أي
في النظرية العامة للعقد ،نفس االستنتاج يكون في حالة إذا اعتبره يؤثر على األهلية ،لكن المشرع نظم
تصرفات مريض مرض الموت في أحكام خاصة معناه خرج به من النظرية العامة المنظمة للعقود فأدمجه
في العقود الخاصة تحت عنوان أنواع البيع ،لكنه وقع في مأزق لما تعرض لإلبطال في المادة .2/408
أضف إلى ذلك بالرجوع إلى نص المادة 2/408باللغة الفرنسية نالحظ أنها تعرضت لمصطلح sans
consentement valableأي بدون رضاء صحيح معناه أي أن أساس القابلية لإلبطال على عيب شاب
الرضا ،فبالضرورة يكون التصرف مشوب بنفس العيوب إذا تصرف ألحد الورثة وال يصحح باإلجازة من
طرف الورثة ،وذلك تطبيقا أن من شرع اإلبطال لمصلحته فله فقط التنازل عنه أو يجيزه أي التصرف
القابل لإلبطال .
إال أن نص المادة 2/ 408باللغة العربية يختلف عن النص الفرنسي في أساس الجزاء ،فيقول النص
العربي يعتبر التصرف غير مصادق عليه ومن أجل ذلك يكون قابال لإلبطال ،من هنا فوفق النص
العربي يكون أساس القابلية لإلبطال هو أن البيع غير مصادق عليه فممن تصدر هذه المصادقة ؟
والغريب أنه مصطلح غريب على أحكام القانون المدني .2
لم يعتبر المشرع مرض الموت مساسا بإرادة المريض بل إرادته صحيحة ،وما مرض الموت إال ضعف
لكن هذا الضعف ال يعدم ال إرادته وال ذكائه ،فالمريض مرض الموت ليس بالضرورة مجرد من قدراته
النفسية الضرورية لنشاطه القانوني.
من هنا ليس لنا أن نجزم أن في تقرير اإلبطال في المادة 2/ 408أن المشرع اعتبر مرض الموت
من عوارض األهلية أو عيب من عيوب اإلرادة ،ألنه إذا كان العقد قابل لإلبطال فلمن يكون الحق في
اإلبطال ؟ علما أن اإلبطال جزاء مقرر إما لوجود عارض من عوارض األهلية أو لقصر أو لعيب من
عيوب اإلرادة ،فالمشرع في أحكام بيع المريض مرض الموت لم يحدد سبب قابلية العقد لإلبطال بالتالي
نحن أمام استحالة تكييف إرادة المريض مرض الموت .
ـ ـ ـ " هناك من يرى أن تقرير هذا الحكم بالبطالن وفق الفقرة الثانية من المادة 408هو إبطال من نوع خاص يهدف 1
إلى تقييد الشخص في التصرف في أمواله لمصلحة الورثة " .حوحو يمينة :عقد البيع في القانون الجزائري ،دار بلقيس ،
الجزائر ،الطبعة األولى ، 2018 ،ص . 210
ـ ـ ـ علي علي سليمان :ضرورة إعادة النظر في القانون المدني الجزائري ،ديوان المطبوعات الجامعية ، 1990 ،ص 2
. 129
- 444 -
نساخ فطيمة
المطلب الثاني :التكييف الشرعي إلرادة مريض مرض الموت
إن المذاهب الفقهية اختلفت في تكييف إرادة مريض مرض الموت ،فيرى كل من المذهب الحنفي
والحنبلي أن مرض الموت عارض من عوارض األهلية وأنه ينقص من أهلية األداء لضعف ذمته أي
المريض وتعلق حق الغرماء بأمواله وقرب انتقال ملكيته إلى الورثة ،لذلك تحد تصرفاته ويصبح
كالمحجور عليه ،وتعتبر تبرعاته بحكم الوصية التي تقيد بالثلث ،ولغير وارث لتعلق حق الورثة بأمواله
من وقت الموت ،كما تصبح بقية التصرفات موقوفة على إجازة الغرماء (الدائنين) لتعلق حقهم بأمواله
وتفضيلهم على غيرهم ". 1
أما بالنسبة للمذهب المالكي والشافعي فإن أن مرض الموت ال يعتبر عارضا من عوارض األهلية ،
وأن تصرفات المريض بشكل عام صحيحة ونافذة و الزمة ،ألن المرض ال يؤثر على أهلية المريض ،
وال تضعف ذمته ،وال تقيد حريته وواليته ،وال يحد من تصرفه ،وال ينتقل محل الدين من الذمة إلى
المال ،وال يتعلق حق الورثة بماله وتركته إال بعد وفاته . 2
لقد انتقل الجدل في أحكام مريض مرض الموت إلى القضاء الجزائري ،وفيه وجدنا عدم استقرار
القضاء بالنسبة لتكييف إرادة مريض مرض الموت( المطلب األول ) ،لكن هذا لم يمنع القضاء من
المحاولة والسعي لتعريف مرض الموت في بعض الق اررات ( المطلب الثاني) .
المطلب األول :عدم استقرار القضاء في تكييف إرادة مريض مرض الموت
ظهر التباين و اضطراب في ق اررات المحكمة العليا في مسألة مرض الموت ،حيث جاء في حيثيات
قرار المحكمة العليا " أن القضية تدور حول إبطال تصرف في حالة مرض الموت وفي هذا الصدد فإن
المعروف فقها واجتهادا أن المرض الذي يبطل التصرف هو المرض األخير إذا كان خطي ار يجر إلى
الموت و به يفقد المتصرف وعيه وتمييزه وبحسب ذلك فعلى الطاعنين بأن يثبتوا بأن البائع لم يملك تمييزه
وال صحة عقله وأن المرض األخير الذي انتابه أدى إلى تصرف باطل ولكن قضاة الموضوع اقتنعوا بما
وضع أمام أيديهم من أدلة أن المرض األخير لم يكن مرضا من شأنه أن يفقد المتصرف مراقبة المال "،3
هنا نالحظ أن القضاء اعتبر أن مرض الموت عارض من عوارض األهلية وهذا يعتبر خروجا عن
ـ ـ ـ حسني محمود عبد الدايم عبد الصمد ،المرجع السابق ،ص . 169،170 1
ـ ـ ـ حسني محمود عبد الدايم عبد الصمد ،المرجع نفسه ،ص . 171 2
ـ ـ ـ قرار رقم ، 33719المؤرخ في ، 1984/07/09المحكمة العليا ،غرفة األحوال الشخصية ،المجلة القضائية ، 3
في قرار آخر قررت المحكمة العليا نقض قرار المجلس حيث جاء في حيثياتها " أنه كان البد على
1
،وهنا اعتبر القضاء أن األمر يتعلق قضاة المجلس مناقشة الحالة الصحية التي كان عليها البائع "
بالحالة الصحية.
إن كان التناقض وعدم االستقرار القضاء في إطار عقد البيع ظاه ار ،فإن األمر كذلك في عقد الهبة ،
حيث جاء في حيثيات قرار من المحكمة العليا " أن مرض الواهب هو حالة مادية ظاهرة ال يمكن إخفاؤها
ويجوز إثباتها بشهادة الشهود زيادة على الشهادات الطبية المحتج بها " ، 2وكأن األمر هنا بتعلق بأحكام
األهلية .
في قرار آخر لكنه ال يتعلق بعقد البيع بل بعقد الهبة ،حيث جاء في حيثيات القرار موقف مغاير عن
الموقف السابق " أن الموكل كان حين عقد الهبة مريضا بالسرطان كما هو ثابت من المستندات و هو
مرض يغلب فيه الهالك وقد دخل المستشفى في 23ديسمبر ، 1996وقد الزمه المرض حتى مات به
في 17أوت 1997ولما كان ذلك فإن الموكل ال يستطيع أن يؤدي بنفسه العمل الذي وكل فيه ،متى
كان غير سليم العقل وقت مباشرة العقد لذلك ال تصح الوكالة حتى وإن كان سليم العقل وقت تحريرها ،
3
،هنا في إطار حيثيات هذا القرار نالحظ أن المحكمة العليا لم تربط مرض لذلك تعتبر الهبة باطلة "
الموت الذي أصاب الموكل الواهب المريض بالسرطان بأحكام األهلية .
وما يمكن مالحظته في سرد بعض ق اررات المحكمة العليا أنه االختالف الوارد في تكييف مرض
الموت دليل على عدم إمكانية انسجام مفهوم مرض الموت المفهوم الشرعي مع أحكام القانون المدني .
من هنا فوفق المحكمة العليا وكأن األمر يتعلق بأحكام األهلية فهي ال تأخذ بواقعة الوفاة المباشر بعد
المرض ،بل البد أن يكون المتوقي أصيب في قدراته العقلية والجسدية . 4
ـ ـ ـ قرار رقم ، 62156المؤرخ في ، 1990/07/09المحكمة العليا ،الغرفة المدنية ،المجلة القضائية ، 1991 ،عدد 1
، 4ص . 68
ـ ـ ـ قرار رقم ، 197335المؤرخ في ، 1998/06/16المحكمة العليا ،غرفة األحوال الشخصية ،المجلة القضائية ، 2
تعرض القضاء الجزائري وبالتحديد " المحكمة العليا " في ق ارراتها إلى تعريف مرض الموت وذلك في
جملة من الق اررات التي نتناولها وهذا ما يؤكد أن القضاء عمل على تعريف مرض الموت خالفا للمشرع
الذي تجاهله في أحكام القانون المدني .
يمكن قراءة تعريف مرض الموت في القرار الصادر من المحكمة العليا " حيث أنه متفق عليه فقها
وقضاء أن مرض الموت هو الذي يغلب فيه الهالك ويتصل به الموت فعال وأنه لذلك يشترط القول أن
يكون الشخص قد أبرم التصرف وهو يعاني من مرض يؤدي في الغالب إلى الموت ،وأن يتصل الموت
بالمرض بحيث ال تفصل بين المرض والوفاة فترة شفاء واحدة " . 2
كما ورد قرار عن المحكمة العليا والذي جاء في حيثياته ما يلي " أن ما يعيبه الطاعن عن القرار
المطعون فيه ،ليس في محله ،ذلك أن قضاة الموضوع قد بينوا وبأسباب كافية ،أن الواهب تصرف في
مرض الموت ،وأثبتوا بتوافر ثالثة شروط فيه وهي :أن يقعد المرض صاحبه عن قضاء مصالحه ،
3
،وفي نفس وأن يغلب فيه الموت ،وأن ينتهي بالموت ،وقد تأكدوا من توافر الشروط الثالثة "
الموضوع أي في عقد تبرعي الذي هو عقد الهبة وفي قرار آخر الذي جاء في حيثياته " حيث أن مرض
ا لموت هو المرض الذي يغلب فيه هالك المريض ،بحيث يشعر بدنو أجله ،وينتهي بوفاته ،وتقدير
ذلك هي مسألة واقع تخضع لتقدير قاضي الموضوع ،على القضاة بيان نوع المرض ،وهل كان الهالك
فيه غالبا وقت التصرف ،وقد ذكر قضاة المجلس أن الهالك كان قبل وفاته يعاني من مرض السرطان
ومرض الزهايمر ،وأنه توفي بعد أن بقي مدة تحت اإلنعاش ،كما أثبته لديهم الشهادات الطبية المرفقة
ـ ـ ـ إياد محمد جاد عبد الحق ،المرجع السابق ،ص . 528 1
ـ ـ ـ ـ قرار غير منشور ،مؤرخ في ، 2004/7/21المحكمة العليا ،الغرفة المدنية . 2
ـ ـ ـ قرار غير منشور ،مؤرخ في ، 2005/11/23المحكمة العليا ،غرفة األحوال الشخصية . 3
وفي قرار آخر نلتمس تعريفا آخ ار لمرض الموت حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي " أن الواهب
كان مريضا مرض الموت وأن مرضه يدخل ضمن األمراض الخطيرة والمخيفة طبقا للمادة 204من
قانون األسرة ،حيث أن عقد الهبة موضوع النزاع تم تحريره في حالة المرض المشار إليه ،وأن المادة
204من قانون األسرة صريحة للغاية إذ تنص على أن الهبة في مرض الموت واألمراض المخيفة تعتبر
،وبالرجوع إلى أحكام المادة 204من قانون االسرة فلنا أن نعتمد معيار األمراض المخيفة 2
وصية "
كأمراض موت ،ووفق القرار الوارد فإن الواهب كان مصاب بمرض عضاال ومزمنا ،وأن الواهب أجرى
عقد الهبة بعد أربع ة أيام من خروجه من المستشفى ،وأنه لم يشفى بل أعقبته الوفاة مباشرة وهذا ما استند
عليه الورثة للطعن في قرار مجلس قضاء بسكرة الصادر بتاريخ . 2002/02/11
يمكن أن نستنتج أن في ق اررات المحكمة العليا اجتمعت فيها التعاريف على الشروط المحددة في الفقه
اإلسالمي ال عتبار أن المرض هو مرض الموت ،وهي أن يقعد المريض مرض الموت عن قضاء
حاجاته ،وأن يغلب في المرض خوف الموت ،وأن تتحقق واقعة الوفاة فعال وهذه الشروط المحددة من
طرف الفقه اإلسالمي بالنسبة لمرض الموت .
وفق ما تقدم حول تكييف مرض الموت وموقف كل من القانون والقضاء من هذه المسألة ،ما يمكن
أن نستنتجه أن مرض الموت مفهوم أخد من الشريعة اإلسالمية ،حاول المشرع إدماجه في القانون
المدني ،لكن في تطبيق أحكام مرض الموت من طرف الجهات القضائية اختلطت المفاهيم فكان
االضطراب في ق ارراتها وذلك بخلط أحكام هذا المفهوم مع أحكام األهلية وعيوب اإلرادة ،وذلك ألن
المشرع في نقل األحكام الشرعية المتعلقة بمرض الموت لم نفهم من موقفه هل أراد في تقرير األحكام
الشرعية على أصلها وفق لما هو مقرر في الفقه اإلسالمي ،أو أن المشرع أراد فقط مجرد اقتباس فأورد
أحكاما جديدة ؟
لذلك فإذا أخدنا بالرأي األول أي تقرير األحكام الشرعية على أصلها وفق ما هو مقرر في الشريعة
اإلسالمية معناه أنه يجوز الخروج عن النصوص القانونية وعدم التقيد بحرفيتها ،وأما إذا أخدنا بالرأي
الثاني أي أن المشرع أراد مجرد اقتباس فمعنى ذلك أن نقف عند حد النصوص القانونية وال نتعداها.3
ـ ـ ـ قرار غير منشور ،مؤرخ في ، 2008/06/18المحكمة العليا ،الغرفة المدنية . 1
ـ ـ ـ قرار مؤرخ في :، 2005/06/15المحكمة العليا ،غرفة األحوال الشخصية و المواريث ،نشرة القضاة ،2006 ، 2
إن قراءة أحكام مرض الموت في ضل القانون المدني توحي أنه هناك صعوبات واجهت القضاء ،
وذلك في أن المشرع أصال لم يعرف مرض الموت خالفا لبعض التشريعات المقارنة ،ولم يوضح في
نص المادة 2/408ما هو أساس إبطال العقد ،هذا الموقف الذي أدى إلى وجود ق اررات قضائية كيفت
مرض الموت عارض من عوارض األهلية يؤثر على التمييز والعقل ،وهذا المفهوم بعيد عن األهداف من
تقرير أحكام مرض الموت والتي في مجملها حماية حقوق الورثة والدائنين ،وذلك ليتمكن الدائنون من
استيفاء ديونهم ،ولكي ال يتمكن هو أي المريض مرض الموت من تضييع حق الورثة في تركته سي ار
وراء رغبة دافعة إليثار بعض الورثة مخالفا بذلك أحكام اإلرث ،أو اندفاعا وراء محبة أو شهوة بإعطاء
من ال يستحق أكثر مما له هو بحكم الوصية ،أو تدفعه مغاضبة بعض الورثة بمحاولة حرمانه من
ميراثه بعد موته " 2هذا هو تصور أحكام مرض الموت عند الفقه اإلسالمي .
خاتمة
حقيقة أن القانون المدني تظهر فيه نزعتين ،النزعة ذات الجذور الالتينية الجرمانية من جهة ،والنزعة
الدينية اإلسالمية أحيانا في بعض األحكام الواردة في القانون المدني ،فتناولنا إحدى هذه المفاهيم التي
اقتبسها المشرع من الشريعة اإلسالمية وهو مفهوم مرض الموت وأثره على عقد البيع ،ونظ ار لالختالف
الواسع والجدري ما بين النزعتين ،ظهرت اإلشكاالت في مدى تطابق مفهوم مرض الموت مع األحكام
العامة الواردة في القانون المدني ذي الجذور الالتينة و الجرمانية .
فتأكد العجز واالستحالة في تعريف مرض الموت وفق المفهوم القانوني ،أضف إلى ذلك استحالة
تكييف إرادة مريض مرض الموت مع ما هو موجود من أحكام في القانون المدني الشريعة العامة ،أضف
إلى ذلك ركزت الجهات القضائية على أحكام األهلية وعيوب اإلرادة وكأن أحكام مرض الموت قررت
لحماية المريض وهذا ما يعرفه القانون المدني عكس ذلك فأحكام مرض الموت قررت أصال لمصلحة
الورثة ال لمصلحة المتصرف نفسه .
أضف إلى ذلك فلو كان مريض مرض الموت ناقص األهلية لكان تصرفه تبرعا باطال بطالن مطلق إذا
لم يكن للوارث ،ألن تصرفه يعتبر ضا ار به ضر ار محضا .
ـ ـ ـ ـ حسني محمود عبد الدايم عبد الصمد ،المرجع السابق ،ص . 209 1
أضف إلى أن القانون المدني يجسد مفاهيم مخالفة للمفاهيم الواردة في النظام اإلسالمي ،وذلك لتأثره
بالقانون الفرنسي الذي يخضع بدوره للنظام الالتيني الجرماني ،من هنا لم يكن باإلمكان دمج هذه
األحكام في القانون المدني مما شكل صعوبات عند التطبيق ،واختالف الق اررات القضائية في تكييف
إرادة المريض مرض الموت دليل على عدم إمكانية االنسجام مابين النظامين ،ألن لكل نظام نقطة
االنطالق تختلف عن اآلخر ،وقد يرجع سبب عدم إمكانية انسجامه إلى أن تكريس أحكام القوانين
المجاورة منع من ولوج أحكام الشريعة اإلسالمية إلى المنظومة القانونية ،هذا ما يستدعي ضرورة توحيد
موقف القضاء ورفع االختالفات الواردة في ق ارراته القضائية .
لنا أن نقول أن أحكام تصرفات مريض مرض الموت أحكام خاصة مستثناة عن األحكام المنظمة لعقد
البيع ،فيظهر األمر جليا في القواعد المنظمة لهذا النوع من التصرفات ،فهي تصرفات موقوفة على
إجازة الورثة هذا من جهة ،ومن جهة أخرى نالحظ أن إرادة المريض مرض الموت إرادة محدودة وال
تعتبر إرادة معيبة وما األحكام المطبقة على هذا النوع من التصرفات إال حماية لمصلحة الغير و ليس
حماية للبائع .
أوال /المصادر
ـ ـ األمر رقم 75ـ ـ 58المؤرخ في 20رمضان عام 1395الموافق 26سبتمبر سنة 1975المتضمن القانون المدني ،
المعدل والمتمم ،الجريدة الرسمية ،العدد ، 78الصادرة بتاريخ 30سبتمبر . 1975
ـ ـ ـ ـ قانون 11/84مؤرخ في 1984/6/9يتضمن قانون األسرة المعدل والمتمم باألمر رقم 02/05المؤرخ في 27فبراير
. 2005 ، 2005الجريدة الرسمية ،عدد ، 15المؤرخة في 27فبراير
أ :الكتب
ـ ـ ـ أحمد محمد علي داود ،أحكام العقد في الفقه اإلسالمي والقانون المدني ،الطبعة األولى ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،
الجزء األول . 2011 ،
ـ ـ ـ اإلمام محمد أبو زهرة ،الملكية ونظرية العقد في الشريعة اإلسالمية ،دار الفكر العربي . 1976 ،