You are on page 1of 42

‫المقدمة‬

‫‪1‬‬
‫اعتنى المشرع بتنظيم جميع الجوانب المتعلقة بالعقد‪ ،‬وذلك من منطلق اهمية دور العقد في الحياة‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ .‬اذ ان التطورات ال‪%%‬تي ش‪%%‬هدتها المجتمع‪%%‬ات جعلت من انفت‪%%‬اح الف‪%%‬رد على االخ‪%%‬ر‬
‫ضرورة يحتمها الواقع‪ .‬حتى يضمن االنسان بقاءه ويواكب الفرد التحوالت التي يشهدها الع‪%%‬الم يوم‪%%‬ا بع‪%%‬د‬
‫يوم‪ .‬فحاجة الفرد الى االخر تفترض تنظيم العالقات الرابطة بينهما خاصة منها القانونية ال‪%%‬تي يلعب فيه‪%%‬ا‬
‫العقد دورا هاما باعتباره الوسيلة ال‪%%‬تي يق‪%%‬ع اعتماده‪%%‬ا لتنظيم ه‪%%‬ذه العالق‪%%‬ات بين االش‪%%‬خاص به‪%%‬دف تب‪%%‬ادل‬
‫الخيرات والخدمات‪.‬‬

‫والعقد هو اتفاق بين ارادتين فأكثر إلنشاء رابطة قانونية مع تعيين شروطها واثارها(‪ )1‬والمالح‪%%‬ظ‬
‫انه فى التطبيق يقع استعمال عبارتي "العقد" او "االتفاق" لتعيين نفس الشى إال انه على المستوى النظري‬
‫فان كلمة "عقد" تخصص إلنشاء االلتزام بينما لكلمة "اتفاق" م‪%%‬دلول اعم واش‪%%‬مل ويش‪%%‬مل ك‪%%‬ل تواف‪%%‬ق بين‬
‫ارادتين فأكثر بقصد احداث اثار قانونية سوءا اكان الهدف منها انشاء التزام او احالته او تغييره او انهائه‬
‫بما يجوز معه القول ان كل عقد هو اتفاق وان كل اتفاق ليس بالضرورة عقد(‪.)2‬‬

‫وبمجرد تكوين هذا العقد تكوينا صحيحا فانه يقوم مقام القانون بين طرفيه حسب ما ورد بالفص‪%%‬ل‬
‫‪ 242‬من م‪.‬ا‪.‬ع الذي يكرس قاعدة الزامية العقد تجاه المتعاقدين‪ ،‬والتي تفرض على كل منهما الوفاء بم‪%%‬ا‬
‫تعهد به مع تمام االمانة وفي صورة االخالل بشروط تكوين العقد او ش‪%%‬روط ص‪%%‬حته او ع‪%%‬دم الوف‪%%‬اء ب‪%%‬ه‪،‬‬
‫فان المشرع رتب جملة من الجزاءات المدنية التي تهدف الى ضمان مصداقية العقود والمحافظة على ثقة‬
‫المتعاملين بها في نجاعتها‪ .‬وهذا الجزاء هو البطالن بأنواعه‪ .‬بما يصح معه القول بان البطالن هو انعدام‬
‫اثار العقد بالنسبة الى المتعاقدين وبالنسبة الى الغير مما يجعل منه رادع‪%%‬ا لعم‪%%‬وم الن‪%%‬اس عن مخالف‪%%‬ة تل‪%%‬ك‬
‫الشروط في العقود واالتفاقات التي يبرمونه‪ ،‬وهذه الشروط اورده‪%%‬ا المش‪%%‬رع ض‪%%‬من الفص‪%%‬ل ‪ 2‬من م‪.‬ا‪.‬ع‬
‫والتي تنقسم الى شروط متعلقة باألشخاص وهي االهلية والرضاء وأخ‪%%‬رى متعلق‪%%‬ة بمض‪%%‬مون العق‪%%‬د وهي‬
‫المحل والسبب واوجب ليك‪%‬ون العق‪%‬د ص‪%%‬حيحا ان يك‪%‬ون الرض‪%%‬ا موج‪%‬ودا وان تت‪%‬وفر في المح‪%‬ل والس‪%‬بب‬
‫الشروط التي يفرض‪%%‬ها الق‪%%‬انون فض‪%%‬ال عن ت‪%%‬وفر الش‪%%‬كل ال‪%%‬ذي يقتض‪%%‬يه المش‪%%‬رع لبعض العق‪%%‬ود ك‪%%‬ل ه‪%%‬ذه‬
‫األركان تعتبر ضرورية وأساسية ال يمكن للعقد أن ينعقد بدونها‪.‬‬

‫وهذا الجزاء أال وهو البطالن قد اعت‪%%‬ني المش‪%%‬رع التونس‪%%‬ي بتنظيم‪%%‬ه ض‪%%‬من العن‪%%‬وان الس‪%%‬ادس من‬
‫الكاتب األول لمجلة االلتزامات والعق‪%%‬ود "في بطالن االلتزام‪%%‬ات و فس‪%%‬خها" والمش‪%%‬تمل على الفص‪%%‬ول من‬
‫‪ 325‬إلى ‪.338‬‬

‫‪1‬‬
‫االستاذ محمد الزين‪ .‬النظرية العامة لاللتزامات‪ .‬العقد‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1997‬ص ‪.39‬‬
‫‪2‬‬
‫منير العياري‪ .‬محاضرة في مادة النظرية العامة لاللتزام‪ .‬كلية الحقوق والعلوم االقتصادية والسياسية بسوسة‪ .‬سنة ‪.2011-2010‬‬

‫‪2‬‬
‫ومن هذا المنطلق فان نظرية البطالن في القانون التونسي تنقسم عموما إلى بطالن مطل‪%%‬ق وأخ‪%%‬ر‬
‫نسبي فالبطالن المطلق هو الجزاء على تخلف ركن من أركان العقد كركن الرضا أو المحل أو السبب أو‬
‫تخلف الرسمية في العقد الشكلي ويعيب العقد منذ نشأته فك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا العق‪%%‬د ول‪%%‬د ميت‪%%‬ا فال ي‪%%‬رتب أي اث‪%%‬ر من‬
‫أثاره منذ إبرامه‪.‬‬

‫أما البطالن النسبي (العقد القابل لإلبطال) فهو الجزاء على تخلف شرط من شروط ص‪%%‬حة العق‪%%‬د‪.‬‬
‫لنقص في األهلية أو عيب في الوفاء كالغلط أو التدليس أو اإلكراه أو عدم مشروعية المحل أو كان س‪%%‬بب‬
‫التعاقد مخالفا للنظام العام واألخالق الحميدة )‪.(3‬‬

‫ويقصد بالبطالن لغة الفساد وسقوط الحكم فالعمل الباطل عم‪%%‬ل ض‪%%‬ائع أو خاس‪%%‬ر أو ع‪%%‬ديم القيم‪%%‬ة‬
‫كما عرفه الفقه المصري‪.‬‬

‫أما اصطالحا فقد انقسمت اآلراء حول تحديد مفهومه ففي الق‪%%‬انون المص‪%%‬ري انحص‪%%‬ر ال‪%%‬رأي في‬
‫فريقين ‪ :‬احدهما يرى أن البطالن جزاء لتخلف أركان العق‪%%‬د واألخ‪%%‬ر ي‪%%‬رى ان‪%%‬ه وص‪%%‬ف يلح‪%%‬ق التص‪%%‬رف‬
‫فيش‪%%‬ل أث‪%%‬ره الق‪%%‬انوني‪ .‬فبتناولن‪%%‬ا للص‪%%‬ورة األولى ف‪%%‬ان من بين أهم المناص‪%%‬رين له‪%%‬ذا ال‪%%‬رأي نج‪%%‬د ال‪%%‬دكتور‬
‫السنهوري الذي يرى بان بطالن العقد هو جزاء قانوني على عدم استجماع العقد ألركانه كامل‪%%‬ة مس‪%%‬توفية‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫لشروطها‬

‫كما يرى الدكتور توفيق فرح أن البطالن جزاء لتخلف عنصر من العناصر األساسية للعقد سواء‬
‫بتخلف ركن من أركانه أو شرط من شروطه (‪.)5‬‬

‫أما بالنسبة للرأي القائل بكون البطالن وصف يلحق بالتصرف فيشل أثره الق‪%%‬انوني فلع‪%%‬ل من بين‬
‫أهم مناصري هذا الرأي الدكتور جميل الش‪%%‬رقاوي(‪ .)6‬وال‪%%‬ذي ي‪%%‬رى أن البطالن وص‪%%‬ف يلح‪%%‬ق التص‪%%‬رف‬
‫القانوني ذاته نتيجة عيب وليست جزاء وجه إلى أثاره مباشرة‪.‬‬

‫وعلى ضوء ما تقدم فانه باإلمكان ضبط تعري‪%%‬ف ش‪%%‬امل للبطالن بكون‪%%‬ه وص‪%%‬ف يلح‪%%‬ق التص‪%%‬رف‬
‫القانوني المعيب لنشاته مخالفا لقاع‪%%‬دة قانوني‪%%‬ة أو اتفاقي‪%%‬ة في‪%%‬ؤدي إلى توقي‪%%‬ع ج‪%%‬زاء يتمث‪%%‬ل في ش‪%%‬ل فاعلي‪%%‬ة‬
‫التصرف و إفقاده أثاره القانونية (‪ .)7‬باالضافة الى كونه مفهوم قانوني وموضوعي واصلي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الدكتور رمضان محمد ابو السعود ‪ .‬الدكتور همام محمد محمود زهران ‪.‬مبادي القانون ‪.‬دار المطبوعات الجامعية سنة ‪ 1998‬ص ‪.434‬‬
‫‪4‬‬
‫الدكتور عبد الحكم فودة‪ .‬البطالن في القانون المدني و القوانين الخاصة‪.‬دار الفكر و القانون الطبعة الثانية ‪ 1999‬ص‪.18‬‬
‫‪5‬‬
‫الدكتور توفيق فرح‪ .‬الوجيز في نظرية االلتزام ‪.‬ج ‪ 1‬مصادر االلتزام ‪. 1976.‬بند ‪. 118‬‬
‫‪6‬‬
‫الدكتور عبد الحكم فودة ‪.‬المرجع السابق‪ .‬ص‪. 19‬‬
‫‪7‬‬
‫‪.‬الدكتور عبد الحكم فوده ‪.‬البطالن في القانون المدني و القوانين الخاصة ‪.‬الطبعة الثانية ‪ 1999.‬ص ‪20‬‬

‫‪3‬‬
‫فال يمكن اعتبار البطالن بأنه الحالة التي يكون عليها العقد كما ذهبت إلى ذلك النظرية التقليدي‪%%‬ة‪.‬‬
‫إذ أن البطالن هو مفهوم قانوني يتمثل في الجزاء الق‪%‬انوني ال‪%‬ذي يس‪%‬لطه القاض‪%%‬ي وال‪%‬ذي يمث‪%‬ل ردة فع‪%‬ل‬
‫النظام القانوني على مخالفة العقد لقواعد التك‪%%‬وين‪ .‬كم‪%%‬ا أن للبطالن مفهوم‪%%‬ا موض‪%%‬وعيا س‪%%‬وءا في أساس‪%%‬ه‬
‫والذي يتمثل في مخالفة العقد لقواع‪%‬د التك‪%‬وين أو في هدف‪%%‬ه والمتمث‪%‬ل في إع‪%‬ادة الش‪%‬رعية المخروق‪%%‬ة‪ .‬أم‪%‬ا‬
‫المفهوم األصلي للبطالن فيتمثل في إلغاء ما رتبه من نتائج (‪.)8‬‬

‫أما فقهاء المدرسة الحديث‪%%‬ة وعلى رأس‪%%‬هم الفقي‪%%‬ه "ج‪%%‬ابيو" اعت‪%%‬بروا أن البطالن ه‪%%‬و الج‪%%‬زاء ال‪%%‬ذي‬
‫يوقعه المشرع على مخالفة قاعدة قانونية والذي يتمثل في حق النقد الذي يتمتع ب‪%%‬ه األش‪%%‬خاص تج‪%%‬اه أث‪%%‬ار‬
‫العقد‪ .‬كما ظهر اتجاه جديد نقد افتق‪%‬ار تعريف‪%‬ات المدرس‪%‬ة التقليدي‪%‬ة والمدرس‪%‬ة الحديث‪%‬ة للتن‪%‬وع معت‪%‬برا أن‬
‫الهدف من البطالن هو إعادة بناء العالق‪%%‬ات التعاقدي‪%%‬ة ال الج‪%%‬زاء وذل‪%%‬ك عن طري‪%%‬ق دوره الوق‪%%‬ائي وال‪%%‬ذي‬
‫يهدف إلى الحد من انتشار التصرفات الباطلة ليكون بذلك ضمانا قانونيا للمتعاقدين‪.‬‬

‫ويستلزم للفهم الصحيح للبطالن تمييزه عن بعض الجزاءات المدنية المشابهة له‪.‬‬

‫فبالنسبة للبطالن والفسخ ‪ :‬فان "البطالن هو جزاء عدم استكمال العقد ألركانه او ش‪%%‬روط ص‪%%‬حته‬
‫عند إبرامه‪ .‬أما الفسخ فهو جزاء عدم تنفيذ المتعاقدين للعقد الذي انشأ صحيحا")‪ (9‬وانطالقا من ذلك فان‪%%‬ه‬
‫قد يترتب عن بطالن العقد أو فسخه زوال كل أثاره وهذا وجه الشبه بين النظامين‪ .‬فالبطالن مث‪%%‬ل الفس‪%%‬خ‬
‫يؤدي إلى انتفاء الرابطة القانونية‪ .‬أما بالنس‪%‬بة لوج‪%‬ه االختالف فيتمث‪%‬ل في األس‪%‬باب ال‪%‬تي أص‪%‬ابت العق‪%‬د‪.‬‬
‫فاالنعدام بسبب البطالن يعود إلى عيب أصاب العقد في احد أركانه‪ .‬أما الفسخ فيرجع إلى عدم تنفي‪%‬ذ اح‪%‬د‬
‫المتعاقدين اللتزامه في العقد الملزم للجانبين فيزول العقد أي ينقضي وذل‪%%‬ك عن طري‪%%‬ق االنحالل وبص‪%%‬فة‬
‫رجعية‪ .‬وفي الواقع فانه يصعب التمييز بين الفس‪%%‬خ والبطالن خاص‪%%‬ة وان المش‪%%‬رع اس‪%%‬تعمل في الفص‪%%‬ول‬
‫بين ‪ 330‬و ‪ 338‬من م‪.‬ا‪.‬ع خطاء عبارة "الفسخ" للداللة على البطالن النسبي (‪.)10‬‬

‫وبالرغم من ذلك فانه لم يتدارك هذا الخلط ح‪%%‬تى عن‪%%‬د إع‪%%‬ادة تنظيم‪%%‬ه لمجل‪%%‬ة االلتزام‪%%‬ات والعق‪%%‬ود‬
‫بقانون ‪ 1987‬لسنة ‪ 2005‬المؤرخ في ‪ 15‬اوت ‪ 2005‬والمتعل‪%%‬ق بالمص‪%%‬ادقة على إع‪%‬ادة تنظيم م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬
‫أما بالنسبة للبطالن والسقوط ‪ :‬فالسقوط هو جزاء فقدان العقد لركن من أركان صحته بفع‪%%‬ل خ‪%%‬ارجي عن‬
‫إرادة المتعاقدين والحق إلبرام العقد وخالفا للبطالن الذي يكون كمبدأ عام ذي اثر رجعي فان الس‪%%‬قوط ال‬
‫يكون له هذا األثر(‪.)11‬‬

‫‪ 8‬انيس الدلهومي ‪.‬اثار العقد الباطل ‪.‬مذكرة لنيل شهادة الماجستار ‪ 2008‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 9‬القاضي صالح الضاوي ‪.‬مجلة االلتزامات والعقود بعد اعادة تنظيمها وفقا للقانون عدد ‪ 87‬لسنة ‪ 2005‬المؤرخ في ‪ 15‬اوت ‪. 2005‬‬
‫شرح وتحيين وتعليق مع فقه القضاء‪ .‬مجمع االطرش للكتاب المختص تونس ‪ 2009‬ص‪. 114‬‬
‫‪ 10‬المنجي طرشونة ‪.‬محاضرات في القانون المدني لطلبة السنة الثانية حقوق كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة‪ 1994-1993.‬ص ‪. 133‬‬
‫‪ 11‬محمد محفوظ ‪.‬دروس في العقد‪ .‬مركز النشر الجامعي ‪.‬تونس ‪ 2004‬ص ‪.237‬‬

‫‪4‬‬
‫أما بالنسبة للبطالن وعدم النفاذ ‪ :‬ف‪%%‬ان البطالن يتم‪%%‬يز بك‪%%‬ون العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل منع‪%%‬دم الوج‪%%‬ود قانون‪%%‬ا‬
‫وينتج أثره بين المتعاقدين ومنعدم بالنسبة للغير (فصل ‪ 450‬م‪.‬ا‪.‬ع)‪.‬‬

‫أما في ما يخص البطالن والعقد الموقوف ‪ :‬فالعقد الموقوف هو العقد الذي انعق‪%%‬د ص‪%%‬حيحا لت‪%%‬وفر‬
‫عناصر االنعقاد فيه وعناصر الصحة فيه إال انه يعتمد عناصر المل‪%‬ك واألهلي‪%‬ة مث‪%‬ال عق‪%‬د القاص‪%‬ر وبي‪%‬ع‬
‫ملك الغير الذي يبقي موقوفا حتى إج‪%%‬ازة المال‪%%‬ك وينتمي العق‪%%‬د الموق‪%%‬وف إلى الفق‪%%‬ه ولم يس‪%%‬تعمل المش‪%%‬رع‬
‫عبارة العقد الموقوف لكن أثرها ثابت في عدة فصول قانونية ‪.‬‬

‫كما يجب التمييز بين البطالن واالنعدام ‪ :‬الذي ظه‪%%‬ر نتيج‪%%‬ة لقاع‪%%‬دة "ال بطالن ب‪%%‬دون نص" حيث‬
‫ذهب فقهاء المدرسة التقليدي‪%%‬ة إلى اعتب‪%%‬ار أن المش‪%%‬رع رأى من غ‪%%‬ير الض‪%%‬روري التنص‪%%‬يص على بطالن‬
‫بعض التصرفات القانونية والتي بالرغم من خطورته‪%%‬ا فإنه‪%%‬ا ال تع‪%%‬د باطل‪%%‬ة ب‪%%‬ل منعدم‪%%‬ة وال حاج‪%%‬ة للحكم‬
‫ببطالنها ويبدو جليا ان فقه القضاء التونسي قد اخذ بذلك في بعض قراراته وأحكام‪%%‬ه(‪ .)12‬وإن ك‪%%‬ان الفق‪%%‬ه‬
‫الحديث يكاد يجمع على عدم جدوى هذا المفهوم‪.‬‬

‫بالرغم من أن البطالن يتسلط على كامل العقد وببطالن األصل فيه يبطل ك‪%%‬ل م‪%%‬ا التح‪%%‬ق ب‪%%‬ه من‬
‫التزامات تابعة على معني الفص‪%%‬ل ‪ 326‬فق‪%%‬رة ‪ 1‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬ف‪%%‬ان هنال‪%%‬ك ح‪%%‬االت ال ينص‪%%‬ب فيه‪%%‬ا البطالن‬
‫على كامل عناصر العقد‪ ،‬بل قد يقتصر فيها البطالن على جزء من العقد‪ .‬أي أن مخالفة القانون ال تش‪%%‬مل‬
‫العقد بأكمله بل تنحصر في شق أو شرط منه‪ .‬وهو ما يعرف بالبطالن الجزئي أو ما يعبر عنه بانتقاص‬
‫العقد حيث يتم انطالقا من ذلك استبعاد الجزء الباطل ويظل الباقي صحيح باعتباره عق‪%%‬د مس‪%%‬تقل ويتحق‪%%‬ق‬
‫ذلك في الحاالت التي ال يكون العقد فيها باطال بأكمله وإنما يك‪%%‬ون ب‪%%‬اطال أو ق‪%%‬ابال للبطالن في ج‪%%‬زء من‪%%‬ه‬
‫وصحيح في الجزء األخر‪.‬‬

‫وبدراستنا لنظرية البطالن الجزئي ال نسهى عن األصول التاريخية لها فنظري‪%%‬ة البطالن الج‪%%‬زئي‬
‫أو ما تعرف بانتقاص العقد هي نظرية ألمانية األصل جاء بها الفصل ‪ 139‬من المجل‪%%‬ة المدني‪%%‬ة األلماني‪%%‬ة‬
‫ووقع تبنيها من قبل اغلب التش‪%%‬اريع االخ‪%%‬رى لع‪%%‬ل أبرزه‪%%‬ا الق‪%%‬انون الفرنس‪%%‬ي ال‪%%‬ذي اعتن‪%%‬ق نظري‪%%‬ة عام‪%%‬ة‬
‫لإلنقاص بتضمنه العديد من النصوص المتفرقة التي تأخ‪%‬ذ بفك‪%‬رة االنتق‪%‬اص ومن بينه‪%‬ا فص‪%%‬الن يحظي‪%‬ان‬
‫بأهمية خاصة اذ على ضوئهما استطاع القضاء الفرنسي ان يش‪%%‬يد نظري‪%%‬ة متكامل‪%%‬ة لفك‪%%‬رة اإلنق‪%%‬اص وه‪%%‬و‬
‫الفص‪%%‬ل ‪ 900‬من الق‪%%‬انون الم‪%%‬دني الخاص‪%%‬ة ببطالن الش‪%%‬روط ال‪%%‬واردة في التبرع‪%%‬ات (الش‪%%‬روط المخالف‪%%‬ة‬
‫للقانون واألخالق تبطل ويصح التصرف)‪ .‬ك‪%%‬ذلك الفص‪%%‬ل ‪ 1172‬الخاص‪%%‬ة ببطالن الش‪%%‬روط ال‪%%‬واردة في‬
‫التصرفات بعوض‪( .‬يبط‪%%‬ل ك‪%%‬ل التص‪%%‬رف إذا أدرج ب‪%%‬ه ش‪%%‬رط باط‪%%‬ل وك‪%%‬ان ه‪%%‬ذا الش‪%%‬رط ه‪%%‬و ال‪%‬دافع على‬

‫‪12‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 11251‬مؤرخ في ‪ 22‬افريل ‪.1985‬‬

‫‪5‬‬
‫التعاقد)‪ .‬هذا باإلضافة إلى أن القانون السويسري يضع عدم اإلبطال الكلي كمب‪%%‬دأ في الفص‪%%‬ل ‪ 20‬الفق‪%%‬رة‬
‫‪ 2‬من المجلة المدنية‪ .‬ويعد القانون التونسي من ابرز القوانين التي تبنت هذه النظرية وكرستها بالفص‪%%‬ول‬
‫‪ 326‬و‪ 327‬من م‪.‬ا‪.‬ع إال أن هذا الفصل األخ‪%%‬ير لم يلقى حظ‪%%‬ه في التط‪%%‬بيق رغم االهتم‪%%‬ام الكب‪%%‬ير ال‪%%‬ذي‬
‫أواله الفقه الحديث والمقارن بنظرية البطالن الجزئي وهو ما جعله وجهة للنقد المؤسس على عدم تط‪%%‬بيق‬
‫هذا الفص‪%%‬ل‪ .‬وأي‪%%‬ا ك‪%%‬انت األنظم‪%%‬ة والق‪%%‬وانين المكرس‪%%‬ة لنظري‪%%‬ة البطالن الج‪%%‬زئي فإنه‪%%‬ا ته‪%%‬دف إلى حماي‪%%‬ة‬
‫االستقرار التعاقدي للمعامالت‪.‬‬

‫أما من الناحية العملية فان للبطالن الج‪%%‬زئي قيم‪%%‬ة اقتص‪%%‬ادية واجتماعي‪%%‬ة هام‪%%‬ة رغم ن‪%%‬درة تط‪%%‬رق‬
‫الفقه وفقه القضاء إلي‪%%‬ه فعلى المس‪%%‬توي االقتص‪%%‬ادي فع‪%%‬وض إس‪%%‬قاط كام‪%%‬ل االل‪%%‬تزام وم‪%%‬ا ي‪%%‬ترتب علي‪%%‬ه من‬
‫اخالالت بالمعامالت والذي يؤثر بصفة مباشرة على الجانب االقتص‪%%‬ادي‪ ،‬ف‪%%‬ان ه‪%%‬ذا الج‪%%‬زاء يس‪%%‬عى ق‪%%‬در‬
‫المستطاع إلى الح‪%%‬د من هات‪%%‬ه األض‪%%‬رار ولع‪%%‬ل االحتف‪%%‬اظ بالعالق‪%%‬ة التعاقدي‪%%‬ة ول‪%%‬و بص‪%%‬فة جزئي‪%%‬ة خ‪%%‬ير من‬
‫إسقاطها بأكملها‪ .‬هذا باإلضافة إلى األهمية الكبرى لهذا الجزاء على المستوي االجتماعي ذلك ان‪%%‬ه يعطي‬
‫للطرف الضعيف أكثر ضمانات لمنع الطرف القوي في االلتزام من التفصي من التزاماته‪.‬‬

‫أما على المستوي النظري فقد أثار البطالن الجزئي بعض النق‪%%‬د من قب‪%%‬ل الفقه‪%%‬اء مث‪%%‬ل ‪Jacques‬‬
‫‪ GHESTIN‬فقد اعترضوا عليه واعتبروا انه خروج صريح على قاعدة وحدة العقد‪ .‬ولقد رفضت بعض‬
‫القرارات في فقه القضاء الفرنسي تطبيق الفسخ (البطالن) الجزئي معللة رأيها بأنه‪%%‬ا "ال تس‪%%‬مح باس‪%%‬تبدال‬
‫أحكام جديدة وإن كانت عادلة مكان االلتزامات ال‪%%‬تي تك‪%%‬ون الرابط‪%%‬ة القانوني‪%%‬ة وال‪%%‬تي بنش‪%%‬أتها عن اإلرادة‬
‫الجماعية ال يمكن تغيرها إال بالرضا المتبادل ‪."...‬ه‪%%‬ذا االع‪%%‬تراض على الفس‪%%‬خ الج‪%%‬زئي ال يمكن التس‪%%‬ليم‬
‫بوجاهته‪.‬فمبدأ وحدة العقد مبدأ ال يؤخذ على إطالقه‪ .‬فإذا أص‪%‬اب البطالن الج‪%‬زئي ج‪%‬زءا من مح‪%‬ل العق‪%‬د‬
‫على سبيل المثال وكان هذا المحل مما تجوز قس‪%%‬مته اقتص‪%%‬ر الفس‪%%‬خ على الج‪%%‬زء غ‪%%‬ير المنف‪%%‬ذ وبقى العق‪%%‬د‬
‫سليما‪ .‬وهذا ما اقتضته أحكام م ا ع على مستوي الفصول المتعلقة بالعقود الخاصة‪ .‬كذلك نجد هذا التوجه‬
‫لدى المشرع الفرنسي في إطار الفصل ‪ 1722‬مجلة مدنية فرنسية‪.‬‬

‫ونظرية انتقاص العقد أو ما يسمي بـ"‪ " la rédaction du contrat‬هي حسب األستاذ محمد‬
‫حسين صورة من صور البطالن الجزئي كبطالن ش‪%%‬رط في العق‪%%‬د‪ .‬وب‪%%‬ذلك يقتص‪%%‬ر البطالن على الش‪%%‬رط‬
‫الباطل فقط ويبقي العقد صحيحا(‪ .)13‬هذا باإلضافة إلى أن تجنب البطالن الش‪%%‬امل ال يتحق‪%%‬ق بتوس‪%%‬ل إرادة‬
‫األطراف بقدر ما يتحقق بتدخل القاضي المباشر في تطهير العقد وشد أجزاءه المتبقية ش‪%%‬دا وثيق‪%%‬ا لتنس‪%%‬جم‬
‫أجزاءه الصحيحة في عقد صحيح وهذا ما رآه األستاذ سامي الجربى (‪.)14‬‬
‫‪13‬‬
‫محمد حسين الوجيز في نظرية االلتزام‪ .‬مصادر االلتزامات وأحكامها في القانون المدني الجزائري ‪ 1988‬ص ‪.89‬‬
‫‪14‬‬
‫سامي الجربي ‪.‬تفسير العقد مركز النشر الجامعي سنة ‪ 1999‬ص ‪.506‬‬

‫‪6‬‬
‫ويبقي القاضي في القانون التونسي مناط تق‪%‬دير البطالن الج‪%%‬زئي تمام‪%%‬ا كم‪%%‬ا ه‪%%‬و الح‪%%‬ال علي‪%%‬ه في‬
‫الق‪%%%‬انون السويس‪%%%‬ري بحيث يت‪%%%‬نزل الفص‪%%%‬ل ‪ 518‬من م‪.‬ا‪.‬ع منزل‪%%%‬ة الفص‪%%%‬ل ‪ 2‬من مجل‪%%%‬ة االلتزام‪%%%‬ات‬
‫السويسرية‪ .‬ويعتبر حسن النية شرط مفترض افترضه القضاء السويسري والقضاء األلماني وتلتقي عمليا‬
‫مع مفهوم األمانة في القانون التونسي‪ .‬فالبطالن الجزئي ال يقدم تجنبا للمحافظة على مصالح الطرف سئ‬
‫النية وإنما ييسر هذا المبدأ على المتعاقد الذي يطالب باإلبطال الج‪%%‬زئي الحص‪%%‬ول على ذل‪%%‬ك بع‪%%‬د أن يثبت‬
‫سوء نية الطرف المقابل‪ .‬فالفقه يجيز للمدين حسن النية أن يطلب الفس‪%%‬خ على ج‪%%‬زء من العق‪%%‬د وال يج‪%%‬يز‬
‫شي من ذلك للمدين سيء النية(‪.)15‬‬

‫فانسحاب البطالن على كامل العقد غالبا م‪%‬ا يحمي مص‪%%‬الح الط‪%‬رف المس‪%‬تفيد من الش‪%‬رط الباط‪%‬ل‬
‫ويحرم الطرف األخر من فوائد ذلك العقد‪ .‬وللفهم الص‪%%‬حيح للبطالن الج‪%%‬زئي وجب تحدي‪%%‬د مع‪%%‬ني "بطالن‬
‫بعض االلتزام" الذي يتحدد بالرجوع إلى الفق‪%%‬ه األلم‪%%‬اني‪ .‬حيث يالح‪%%‬ظ الفقي‪%%‬ه "‪ " STAUDINGER‬أن فق‪%%‬ه‬
‫القضاء بألمانيا قد عرفه من هذا المنطلق بأنه "جمل‪%%‬ة المقتض‪%%‬يات ال‪%%‬تي يمكن لالل‪%%‬تزام أن يبقي قائم‪%%‬ا بع‪%%‬د‬
‫حذفها منه بوصفه التزاما مستقال "‪.‬‬

‫وهذا ما يدفع للقول بان البطالن يعد جزئيا على معنى الفصلين ‪ 139‬ألماني و‪ 327‬تونسي كلم‪%%‬ا‬
‫أمكن بجزء االلتزام الذي لم يعتره الخلل الموجب لبطالن بعضه األخر أن يكون له وج‪%%‬ود ذاتي(‪ .)16‬ه‪%%‬ذا‬
‫المفه‪%%‬وم الموس‪%%‬ع "لبطالن بعض االل‪%%‬تزام" أعطى بع‪%%‬دا كب‪%%‬يرا ألحك‪%%‬ام الفص‪%%‬ل ‪ 139‬من المجل‪%%‬ة المدني‪%%‬ة‬
‫األلمانية وت‪%‬رتب عن‪%‬ه تع‪%‬دد ص‪%%‬ور البطالن الج‪%‬زئي فى الق‪%‬انون األلم‪%‬اني إلى ج‪%‬انب حال‪%‬ة قي‪%‬ام االل‪%‬تزام‬
‫االصلى فى صورة بطالن االلتزام التابع الوارد بالفصل ‪ 326‬فق‪%%‬رة ‪ 2‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬ف‪%%‬ان الفص‪%%‬ل ‪ 139‬من‬
‫القانون المدني األلماني يشمل حاالت أخرى لعل أبرزها حالة العقد المتعدد األطراف (العقد الذى ال يبطل‬
‫بصفة كلية إذا بطل فى حق احد أطرافه)‪ .‬والعق‪%%‬ود المختلط‪%%‬ة (تجم‪%%‬ع بين ع‪%%‬دة عق‪%%‬ود وبطالن بعض‪%%‬ها ال‬
‫يترتب عنه بطالن البقية‪ .)...‬إلى جانب تعديل االلتزام المغالي فيه بنسبة ما زاد عن قيمته الحقيقي‪%‬ة بحيث‬
‫ال يبطل من االلتزام إال بعضه‪ .‬كذلك االنعدام الجزئي للسبب‪.‬‬

‫إال انه وأيا كانت األنظمة والق‪%%‬وانين المكرس‪%%‬ة لنظري‪%%‬ة البطالن الج‪%%‬زئي فإنه‪%%‬ا ته‪%%‬دف إلى حماي‪%%‬ة‬
‫االستقرار التعاقدي للمعامالت وإرساء القواعد واآلليات الهادف‪%%‬ة إلى اإلبق‪%%‬اء على الوج‪%%‬ود الق‪%%‬انوني للعق‪%%‬د‬
‫حرصا على أن تبقى العقود التي اعتراها خلل في احد عناصرها أو بنودها عرضة لالن‪%%‬دثار األم‪%%‬ر ال‪%%‬ذي‬
‫يلح‪%%‬ق الض‪%%‬رر ب‪%%‬األطراف المتعاق‪%%‬دة والغ‪%%‬ير ويقلص عنص‪%%‬ر الثق‪%%‬ة في التعام‪%%‬ل ويفض‪%%‬ى اعتم‪%%‬اد نظري‪%%‬ة‬
‫‪ 15‬سليمان مرقص‪ .‬الوافي في شرح القانون المدني‪.2.‬في االلتزامات المجلد األول‪ .‬نظرية العقد‪.‬الطبعة الرابعة‪ .‬منشورات مكتبية‪ .‬صادر‬
‫‪ 1987‬ص ‪.653‬‬

‫‪ 16‬غالية بالكحلة‪ .‬الوفاء الجزئي بااللتزام‪ .‬مذكرة لنيل شهادة الماجستار فى الحقوق‪ .‬اختصاص قانون خاص‪ .‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‬
‫بتونس ‪ 2006-2005‬ص ‪.102‬‬

‫‪7‬‬
‫البطالن الجزئي إلى تصيير العقد الباطل في بعض أجزاءه قائم مقام العقد الص‪%%‬حيح وت‪%%‬وجب ل‪%%‬ذلك ت‪%%‬وفر‬
‫الشروط الالزمة والتي في غيابها ليس لنا الحديث عن هذه النظرية دون السهو عن م‪%%‬ا ي‪%%‬ترتب عليه‪%%‬ا من‬
‫أثار وهو ما يجعلنا نطرح اإلشكالية التالية‪ :‬ماهو النظام القانوني لنظرية البطالن الجزئي للعقود ؟‬

‫وهو ما سوف نحاول استجالءه من خالل التطرق لشروط قيام البطالن الجزئي في الجزء األول‬
‫قبل دراسة أثار البطالن في الجزء الثاني‪.‬‬

‫الجزء األول‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫شروط قيام البطالن‬
‫الجزئي‬

‫لتحليل شروط إعمال نظرية البطالن الجزئي وجب بدءا تعريف انتقاص العقد بصفة وج‪%%‬يزة في‬
‫القانون التونسي والقوانين المقارنة‪ .‬فبالنسبة لنظرية االنتقاص في القانون التونسي فقد نص عليها الفص‪%‬ل‬
‫‪ 327‬م‪.‬ا‪.‬ع ال‪%%‬ذي ورد ب‪%%‬ه أن "بطالن بعض االل‪%%‬تزام يبط‪%%‬ل جميع‪%%‬ه إال إذا أمكن‪%%‬ه أن يق‪%%‬وم ب‪%%‬دون الج‪%%‬زء‬
‫(‪)17‬‬
‫الباطل فيستمر بصورة عقد خاص" ويرجع اصل هذه الكلم‪%%‬ة إلى الفص‪%%‬ل ‪ 139‬من المجل‪%%‬ة األلماني‪%%‬ة‬
‫حيث أن العقد يعد منتقصا كلما أمكن لجزء االلتزام الذى لم يعتره خلل يوجب البطالن أن يكون له وجود‬
‫مستقل‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫محمد الزين النظرية العامة لاللتزامات ‪-1.‬العقد سنة ‪.1993‬ص ‪.226‬‬

‫‪9‬‬
‫إال أن عبارات الفصل ‪ 327‬م‪.‬ا‪.‬ع قد جاءت عامة ومطلقة وذلك يعني ش‪%‬موليتها لحال‪%‬ة البطالن المطل‪%‬ق‬
‫والبطالن النسبي وهذا نفس التمش‪%%‬ى ال‪%%‬ذي قررت‪%%‬ه العدي‪%%‬د من التش‪%%‬ريعات المقارن‪%%‬ة لع‪%%‬ل أبرزه‪%%‬ا م‪%%‬ا ج‪%%‬اء‬
‫بالمادة ‪ 143‬من القانون المدني المصري" إذا كان العقد في شق منه باطال او ق‪%%‬ابال لإلبط‪%%‬ال فه‪%%‬ذا الش‪%%‬ق‬
‫وحده هو الذي يبطل‪"...‬‬
‫بالرغم من ذلك فانه وجب اإلشارة إلى ان بعض التشريعات األخرى قد تولت التفري‪%%‬ق بين حال‪%%‬ة‬
‫البطالن المطلق وحال‪%%‬ة البطالن النس‪%%‬بي في خص‪%%‬وص إمكاني‪%%‬ة قي‪%%‬ام العق‪%%‬د منتقص‪%%‬ا لع‪%%‬ل أبرزه‪%%‬ا الق‪%%‬انون‬
‫العراقي والقانون السويسري وكذلك المغ‪%%‬ربي‪ .‬وباعتب‪%%‬ار أن البطالن الج‪%%‬زئي ه‪%%‬و البطالن ال‪%%‬ذي يص‪%%‬يب‬
‫االلتزام التابع دون المس بااللتزام األصلي او البطالن الذي يقتصر على بعض أجزاء العقد دون أن يمت‪%%‬د‬
‫إليها كاملة‪ .‬ويفسر س‪%%‬عي المش‪%%‬رع لإلبق‪%‬اء على العق‪%‬د ول‪%%‬و بج‪%%‬زء بإرس‪%%‬اء القواع‪%‬د واآللي‪%%‬ات الهادف‪%%‬ة إلى‬
‫اإلبقاء على الوجود القانوني للعقد حرصا على أن تبقى العقود ال‪%‬تي يش‪%‬وبها خل‪%‬ل ي‪%‬وجب إبطاله‪%‬ا قائمت‪%‬ا‪.‬‬
‫فالبطالن الجزئي يعد الطري‪%%‬ق الوس‪%%‬ط بين البطالن الكام‪%%‬ل والص‪%%‬حة الكامل‪%%‬ة للعق‪%%‬د ف‪%%‬إذا ت‪%%‬وفرت ش‪%%‬روط‬
‫إعماله كاملة فان ذلك يعفين‪%‬ا من إع‪%‬دام العق‪%‬د ويحاف‪%‬ظ على المص‪%‬الح المتبادل‪%‬ة لألط‪%‬راف علم‪%‬ا وان‪%‬ه من‬
‫البديهي أن المتعاقدان عند إبرامهما لعقد ما كانوا ليتوقعوا إعدام ذل‪%‬ك العق‪%‬د ب‪%‬ل أن إرادتهم تتج‪%‬ه بدرج‪%‬ة‬
‫أولى أن لم نقل بدرجة مطلقة إلى تنفيذ االلتزامات المتبادلة وتحقي‪%%‬ق المص‪%%‬الح التعاقدي‪%%‬ة إال ان‪%%‬ه وإلعم‪%%‬ال‬
‫نظرية البطالن الجزئي وجب توفر شروط معينة ومحددة سنتطرق لها بعد دراسة الح‪%‬االت الحائل‪%‬ة دون‬
‫إعمال هذه النظرية‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬حاالت تعذر قيام العقد منتقص‬

‫يمكن القول بأنه لقيام العقد منتقصا وجب توفر شروط تمكن من قيام العقد منتقصا أي قائما بدون‬
‫جزئه الباطل وهو ما يعني مدى قابلية العقود للتجزئة‪ .‬ذلك ان‪%%‬ه إذا ك‪%%‬ان العق‪%%‬د غ‪%%‬ير قاب‪%%‬ل للتجزئ‪%%‬ة س‪%%‬واء‬
‫ألسباب موضوعية كانت او ذاتية فان إمكانية هذا القيام تنعدم وهو ما سيدفعنا إلى دراسة األسباب الذاتي‪%%‬ة‬
‫بعد دراسة األسباب الموضوعية في مرحلة أولى‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫فقرة اولى ‪ :‬األسباب الموضوعية‬

‫لعل من ابرز األسباب الموض‪%%‬وعية ال‪%‬تي تح‪%‬ول دون قي‪%‬ام العق‪%‬د منتقص‪%%‬ا هي تعل‪%‬ق الخل‪%‬ل ال‪%‬ذي‬
‫يعتري العقد بأحد أركانه الجوهرية (أ) كذلك استحالة الفصل المادي أو التجزئة مادي‪%%‬ا بين الج‪%%‬زء الفاس‪%%‬د‬
‫والجزء السليم(ب)‪.‬‬

‫تعلق الخلل الذي يعتري العقد بأحد أركانه الجوهرية‬ ‫ا‪.‬‬

‫يعتبر هذا الس‪%%‬بب من بين اب‪%%‬رز األس‪%%‬باب الحائل‪%%‬ة دون قي‪%%‬ام العق‪%%‬د منتقص‪%%‬ا أي الحائل‪%%‬ة دون إعم‪%%‬ال‬
‫نظرية البطالن الجزئي‪ .‬ومن هذا المنطلق فانه وجب تحديد األركان الجوهرية ال‪%%‬تي يرتك‪%%‬ز عليه‪%%‬ا العق‪%%‬د‬
‫والتي كرسها الفصل ‪ 2‬من م‪.‬ا‪.‬ع أال وهي األهلية‪ ،‬الرضا‪ ،‬المحل والسبب وانطالقا من ذلك أمكن تقس‪%%‬يم‬
‫هذه األركان إلى أركان تتعلق بشخص المتعاقد وأخري تتعلق بمضمون التعاقد‪.‬‬

‫األركان المتعلقة بشخص المتعاقد‬ ‫‪‬‬

‫تعد األهلية الركن األول واألساسي لقيام العقد ويظهر ذل‪%%‬ك من خالل احتالل‪%%‬ه للمرتب‪%%‬ة األولى في‬
‫ترتيب أركان العقد في الفصل المذكور سابقا‪ .‬وقد خص المشرع التونسي هذا الركن بقسم خ‪%%‬اص ص‪%%‬لب‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع من الفصل ‪ 3‬إلى الفصل ‪ 17‬من م‪.‬ا‪.‬ع واألهلية عموما هي قدرة الش‪%%‬خص على اكتس‪%%‬اب الحق‪%%‬وق‬
‫وتحمل االلتزامات ولقد اقتضي الفصل ‪ 3‬من م‪.‬ا‪.‬ع أن "كل شخص أهل لإللزام واالل‪%%‬تزام م‪%%‬ا لم يص‪%%‬رح‬
‫القانون بخالفه"‪ .‬معنى ذلك أن األص‪%%‬ل ه‪%%‬و تمت‪%%‬ع ك‪%%‬ل ش‪%%‬خص بأهلي‪%%‬ة التعاق‪%%‬د وان القي‪%%‬ود ال‪%%‬تي ت‪%%‬رد على‬
‫األهلية ينبغي أن يكون مصدرها األحكام القانونية الصريحة علما وأن أحكام األهلي‪%%‬ة له‪%%‬ا عالق‪%%‬ة ووطي‪%%‬دة‬
‫بالنظام العام بمعني انه ال يجوز لألطراف االتفاق على مخالفتها وأن المحكم‪%%‬ة ملزم‪%%‬ة بإثارته‪%%‬ا من تلق‪%%‬اء‬
‫نفسها أي حتى دون أن يطلب منها األطراف ذلك‪.‬‬

‫ويميز القانون عموما بين أهلية الوجوب وأهلية األداء وهو ما سنتعرض له الحقا‪.‬‬

‫أما الرضا كركن أساسي لقيام العقد وجب أن يكون موجودا باعتباره ج‪%%‬وهر للعق‪%%‬د وه‪%%‬و م‪%%‬ا يع‪%%‬بر‬
‫عنه الفصل ‪ 3‬من م‪.‬ا‪.‬ع بكونه تالقي إرادتين أو أكثر على أركان‪%%‬ه‪ .‬ف‪%%‬اإلرادة هي ال‪%%‬تي تح‪%%‬دد مح‪%%‬ل العق‪%‬د‬
‫وهي الوعاء لبقية أركان العقد وال معني لمحل أو سبب إال بالرجوع إلى اإلرادة‪ .‬لذلك فان انعدام الرضا‬
‫يوجب البطالن المطلق عمال بأحكام الفص‪%%‬لين ‪ 2‬و من ‪ 325‬م‪.‬ا‪.‬ع ووجب ك‪%%‬ذلك أن يك‪%%‬ون غ‪%%‬ير معيب‪.‬‬
‫وق‪%%‬د نظم المش‪%%‬رع عي‪%%‬وب الرض‪%%‬اء أخ‪%%‬ذا بعين االعتب‪%%‬ار ض‪%%‬رورة حماي‪%%‬ة اإلرادة من جه‪%%‬ة واس‪%%‬تقرار‬

‫‪11‬‬
‫المعامالت من جهة أخري لذلك حصر المشرع الحاالت التي يكون فيها عيب من عيوب الرض‪%%‬ا وض‪%%‬بط‬
‫نظامها القانوني بحيث ال تؤدي عيوب الرضا إلى إبطال العقد إال متى توفرت شروط معينة‪.‬‬

‫األركان المتعلقة بمضمون التعاقد‬ ‫‪‬‬

‫يعد المحل من بين األركان الجوهرية للعقد والمتعلق‪%%‬ة بمض‪%%‬مون التعاق‪%%‬د ذل‪%%‬ك ان‪%%‬ه وجب ان يك‪%%‬ون‬
‫موجودا معينا وخاصة ممكنا من حيث طبيعته أو من حيث القانون‪ .‬ف‪%%‬إذا انتفى المح‪%‬ل بط‪%‬ل العق‪%‬د بطالن‪%‬ا‬
‫مطلقا وهذا ما اقره األستاذ محمد الزين كذلك استنادا إلى فقه القضاء وب‪%%‬االخص الق‪%%‬رار التعقي‪%%‬بي الم‪%%‬دني‬
‫ع‪%%%‬دد ‪ 1597‬الم‪%%%‬ؤرخ في ‪ 20‬نوفم‪%%%‬بر ‪ 1979‬باالض‪%%%‬افة الى ك‪%%%‬ل من الفص‪%%%‬لين ‪ 2‬و ‪ 325‬من م‪.‬ا‪.‬ع‬
‫والفصل ‪ 64‬من نفس المجلة والمتعلق بالتعاقد في محل غير ممكن‪.‬‬

‫الى جانب ركن المحل نجد ركن السبب من األركان الجوهري‪%%‬ة ل‪%%‬ذلك فق‪%%‬د وجب أن يك‪%%‬ون الس‪%%‬بب‬
‫جائزا‪ .‬ويفهم ذلك انطالقا من منطوق الفصل ‪ 67‬من م‪.‬ا‪.‬ع الذي جاء فيه أن "االل‪%%‬تزام المب‪%%‬ني علي غ‪%%‬ير‬
‫سبب او علي سبب غير جائز ال عمل عليه"‪ .‬واالل‪%‬تزام ال‪%‬ذي ال عم‪%‬ل علي‪%‬ه ه‪%‬و االل‪%‬تزام الباط‪%‬ل بطالن‪%‬ا‬

‫مطلقا (فصل ‪.)18( )325‬‬

‫عموما فان غياب احد هذه األركان أو حدوث خلل بها فانه ليس لنا الح‪%%‬ديث عن انتق‪%%‬اص العق‪%%‬د او‬
‫قيام الجزء الصحيح مستقال‪ .‬وانحالل الجزء الفاسد بل انه بتخلف احد هذه األركان تختل صحة العقد(‪.)19‬‬

‫استحالة الفصل المادي او التجزئة ماديا بين الجزء الفاسد و الجزء السليم‬ ‫ب‪.‬‬

‫الى جانب تعلق الخلل بركن جوهري من أركان العقد فإننا نجد اس‪%%‬تحالة التجزئ‪%%‬ة بين الج‪%%‬زء الفاس‪%%‬د‬
‫والجزء السليم في العقد من بين اهم األسباب التى تحول دون قيام العقد منتقص‪%%‬ا ك‪%‬البيع بثمن جملي واح‪%‬د‬
‫لعدة أشياء‪ .‬حيث ال يمكن فرز ثمن المبيع الباط‪%‬ل عن ثمن بقي‪%‬ة المبيع‪%‬ات ن‪%‬ذكر الح‪%‬االت ال‪%‬تي ج‪%‬اء به‪%‬ا‬
‫الفصل ‪ 1475‬من م‪.‬ا‪.‬ع والذي جاء فيه ان "الصلح ال يقبل التجزئة فبطالن ج‪%%‬زء من‪%%‬ه او فس‪%%‬خه ي‪%%‬ترتب‬
‫عليه بطالن جميع الصلح أو فسخه"(‪ )20‬وانطالقا من هذا الفصل نستنتج ان الق‪%%‬انون ق‪%%‬د يف‪%%‬رض في بعض‬
‫الح‪%%‬االت المعيب‪%%‬ة علي ض‪%%‬رورة انس‪%%‬حاب البطالن على كام‪%%‬ل العق‪%%‬د وه‪%%‬ذا م‪%%‬ا اكدت‪%%‬ه محكم‪%%‬ة التعقيب في‬
‫قراره‪%%‬ا ع‪%%‬دد ‪ 9036‬الم‪%%‬ؤرخ في ‪ 30‬نوفم‪%%‬بر ‪ 1954‬وال‪%%‬ذي ج‪%%‬اء في‪%%‬ه ان "الص‪%%‬لح في إجمال‪%%‬ه ال يقب‪%%‬ل‬

‫‪18‬‬
‫محمد الزين‪ .‬المرجع السابق‪ .‬طبعة سنة ‪ 1993‬ص ‪.200‬‬
‫‪19‬‬
‫االستاذ منير العياري‪ .‬محاضرات في مادة النظرية العامة لاللتزامات‪ .‬سنة ‪.2011-2010‬‬
‫‪20‬‬
‫محمد الزين‪ .‬المرجع السابق الذكر‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1997‬ص ‪ 246‬و‪ .247‬وطبعة سنة ‪ 1993‬ص ‪.228‬‬

‫‪12‬‬
‫التجزئ‪%%‬ة عمال بالفص‪%%‬ل ‪ 1475‬م‪.‬ا‪.‬ع بس‪%%‬حبه علي من ش‪%%‬ارك في‪%%‬ه وبطالن‪%%‬ه في ح‪%%‬ق من لم يكن طرف‪%%‬ا‬
‫فيه"(‪.)21‬‬

‫وبدراستنا لألسباب الموضوعية الحائلة دون قيام العقد منتقصا او الحائلة دون تكييف العمل القانوني‬
‫او االجرائي بكونه بطالن جزئي فان ذلك يدفعنا للتساؤل حول ماهية األسباب الذاتية‪.‬‬

‫فقرة ثانية ‪ :‬األسباب الذاتية‬

‫ان تعذر التجزئة ألسباب ذاتية لها عالقة وثق‪%‬ة ب‪%‬إرادة المتعاق‪%‬دين حيث ان ك‪%‬ل من الفص‪%‬ل ‪139‬‬
‫من المجلة المدنية االلمانية والفصل ‪ 327‬من م‪.‬ا‪.‬ع يرتكزان على قرينة عدم تجزئة العقد‪.‬‬

‫فالمفترض قانونا والبديهي ان ارادة االطراف وجهت لتحقيق كامل العق‪%‬د ال ج‪%‬زءا من‪%‬ه حيث ان‪%‬ه‬
‫وجب على من يتمسك بالبطالن الجزئي أن يثبت ب‪%‬ان معاق‪%%‬ده م‪%‬ا ك‪%‬ان ل‪%‬يرفض اب‪%‬رام العق‪%‬د ب‪%‬دون جزئ‪%‬ه‬
‫الباطل لو علم وقت التعاقد بوجود سبب بطالن‪.‬‬

‫ونستنتج من ذلك وجوب دحض قرين‪%%‬ة االف‪%%‬تراض الق‪%%‬انوني ب‪%%‬ان ارادة االط‪%%‬راف وجهت لتحقي‪%%‬ق‬
‫كامل العقد ال جزءا منه للحديث عن بطالن جزئي وطالما انه لم يكن بإمك‪%%‬ان الق‪%%‬ائم إثب‪%%‬ات أن معاق‪%%‬ده م‪%%‬ا‬
‫كان ليرفض ابرام العقد بدون الجزء الباطل فيه فانه ليس لنا الحديث عن بطالن جزئي‪.‬‬

‫فاألصل ه‪%‬و ان "بطالن بعض االل‪%‬تزام يبط‪%‬ل جميع‪%‬ه" وذل‪%‬ك ب‪%‬الرجوع لك‪%‬ل من الفص‪%‬لين ‪327‬‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع ونظيره الفصل ‪ 139‬م‪.‬م‪ .‬ألمانية وفي هذا االطار فان الق‪%%‬انون السويس‪%%‬ري في فص‪%%‬له ‪ 20‬فق‪%%‬رة ‪2‬‬
‫والذي جاء فيه" اذا لم يكن العقد فاسدا إال في بعض بنوده‪ .‬فان هذه البن‪%%‬ود تبط‪%%‬ل لوح‪%%‬دها إال إذا ت‪%%‬بين أن‬
‫العقد ما كان ليبرم بدونها" ويقارب الفقه األلماني من حيث الصياغة الواردة بالفصل ‪ 139‬ولكن‪%%‬ه يغ‪%%‬ايره‬
‫من جهة كون القانون السويسري يجعل البطالن الجزئي هو القاعدة واالص‪%%‬ل على خالف الفص‪%%‬ل ‪139‬‬
‫الذي جاء فيه "بطالن بعض االلتزام يبطل جميعه"‪.‬‬

‫فالقانون السويسري قد اقر بالفصل ‪ 20‬فقرة ‪ 2‬قاعدة موضوعية صرفة ال تقوم على استقراء‬
‫نية االطراف معتمدا في ذلك على العمل القضائي كما ذهب إلى ذلك سيمالر في بحثه س‪%%‬وءا في تعرض‪%%‬ه‬
‫الى القانون السويسري أو األلماني (‪.)22‬‬

‫‪ 21‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 9036‬مؤرخ في ‪ 30‬نوفمبر ‪ 1954‬مجلة القضاء والتشريع عدد ‪ 9‬و‪ 10‬لسنة ‪ 1960‬ص وما يليها‪.‬‬
‫‪ 22‬سامي الجربى‪ .‬تفسير العقد‪ .‬مركز النشر الجامعي سنة ‪ 1999‬ص ‪.505‬‬

‫‪13‬‬
‫حيث ان القانون السويس‪%%‬ري يض‪%%‬ع البطالن الج‪%%‬زئي في م‪%%‬دار العم‪%%‬ل القض‪%%‬ائي فق‪%%‬د اق‪%%‬ر األس‪%%‬تاذ‬
‫سامي الجربى أن "تجنب البطالن الشامل ال يتحقق بتوسل ارادة االطراف بقدر ما يتحقق بتدخل القاض‪%%‬ي‬
‫المباشر في تطهير العقد وشد اجزائه المتبقية شدا وثيقا " (‪.)23‬‬

‫وعموما يبقي القاضي مناط تقدير البطالن الجزئي في القانون التونسي كم‪%%‬ا ه‪%%‬و الح‪%%‬ال علي‪%%‬ه في‬
‫القانون السويسري حيث يتنزل الفصل ‪ 518‬م‪.‬ا‪.‬ع منزلة الفصل ‪ 2‬من االلتزامات السويسرية مع ت‪%%‬دقيق‬
‫لسلطة القاضي في ذلك )‪.(24‬‬

‫فالقاضي هو الذي يقوم بتفسير ارادة المتعاقدين وإذا تبين له انطالقا من ذلك التفس‪%%‬ير ان التجزئ‪%%‬ة‬
‫تتعارض مع ما اتجهت اليه ارادة المتعاقدين فانه يكون من المستوجب عليه في ه‪%%‬ذه الحال‪%%‬ة االمتن‪%%‬اع عن‬
‫(‪)25‬‬
‫‪.‬‬ ‫القضاء بالتجزئة‬

‫فالحكم بقيام العقد من عدمه يخضع عموما لتقدير القاض‪%%‬ي ال‪%%‬ذي يح‪%%‬دد م‪%%‬دى حس‪%%‬ن ني‪%%‬ة الط‪%%‬رف‬
‫الذي ط‪%‬الب ب‪%‬البطالن الج‪%‬زئي‪ .‬فتحلي‪%‬ل ني‪%‬ة االط‪%‬راف يلعب دورا كب‪%‬يرا في الوص‪%%‬ول الى تحدي‪%‬د نط‪%‬اق‬
‫البطالن علما وان نظرية البطالن الجزئي تقوم على نفس االساس في القانون الفرنسي(‪.)26‬‬

‫وعموما فانه يجب ان ال ننسي الغاية من اقرار هذا التوجه التشريعي اال وهو امكاني‪%%‬ة قي‪%%‬ام العق‪%%‬د‬
‫منتقصا كلما توفرت الش‪%%‬روط المس‪%%‬توجبة ل‪%%‬ذلك والمتمثل‪%%‬ة في نظ‪%%‬ر المش‪%%‬رع الى انق‪%‬اذ العق‪%‬د من البطالن‬
‫وضمان االستقرار التعاقدي واضفاء اكثر مرونة مما يوفر المزيد من النجاعة‪.‬‬

‫الجزئي‬ ‫البطالن‬ ‫اعمال‬ ‫شروط‬ ‫الثاني ‪:‬‬ ‫المبحث‬


‫اذا كان العقد في شق منه باطال او قابال لإلبطال فهذا الشق وحده هو الذي يتسلط على كامل العقد بجمي‪%%‬ع‬
‫اجزائ‪%%‬ه ولع‪%%‬ل اله‪%%‬دف من ذل‪%%‬ك رغب‪%%‬ة المش‪%%‬رع في انق‪%%‬اذ العق‪%%‬د وتف‪%%‬ادي البطالن الكلي س‪%%‬عيا الس‪%%‬تقرار‬

‫‪ 23‬سامي الجربي‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.506‬‬


‫‪ 24‬سامي الجربي‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.507‬‬
‫‪ 25‬نعمان لمشالي‪ .‬الجزاءات المدنية في المادة العقدية‪ .‬رسالة التخرج من المعهد االعلي للقضاء سنة ‪.2008- 2007‬‬
‫‪ 26‬محمد الزين‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.229‬‬

‫‪14‬‬
‫المعامالت لكن يشترط إلعمال تلك النظرية قيام شرطان حيث يتمثل االول في قابلي‪%%‬ة العق‪%%‬د او التص‪%%‬رف‬
‫للتجزئة (‪ )1‬أما الثاني فيتعلق بعدم تعارض االنقاص مع إرادة المتعاقدين (‪.)2‬‬

‫فقرة اولى ‪ :‬قابلية العقد او التصرف للتجزئة‬

‫باعتبار ان قابلية العقد للتجزئة من الشروط االساسية التي يرتكز عليها البطالن الجزئي فل‪%%‬و اعتبرن‪%%‬ا‬
‫على سبيل المث‪%%‬ال ان هب‪%%‬ة اق‪%%‬ترنت بش‪%%‬رط غ‪%%‬ير مش‪%%‬روع او ان بيع‪%%‬ا ورد على ع‪%%‬دة اش‪%%‬ياء وتس‪%%‬لط غل‪%%‬ط‬
‫جوهري بشان شي منها ففي كلت‪%‬ا الح‪%‬التين ف‪%%‬ان البطالن ال يص‪%%‬يب إال الش‪%‬ق ال‪%‬ذي تس‪%‬لط علي‪%‬ه البطالن‬
‫وانطالقا من ذلك يبطل الشرط المقترن بالهبة بطالنا مطلقا ويبطل البيع بالنس‪%%‬بة للش‪%%‬ئ الواق‪%%‬ع في‪%%‬ه الغل‪%%‬ط‬
‫ويظل ما بقي من العقد صحيحا باعتباره عقدا مستقال بذاته م‪%%‬ا لم يتم اثب‪%%‬ات العكس من ط‪%%‬رف من ي‪%%‬دعي‬
‫البطالن (‪.)27‬‬

‫ولقد جاء بالفصل ‪ 2‬م‪.‬ا‪.‬ع "من اركان العقد الذي يترتب عليه تعم‪%%‬ير الذم‪%%‬ة ان يك‪%%‬ون القص‪%%‬د من‬
‫العقد م‪%‬اال معين‪%‬ا يج‪%‬وز التعاق‪%‬د علي‪%‬ه"‪ .‬إلى ج‪%‬انب ذل‪%‬ك ي‪%‬رى األس‪%‬تاذ محم‪%‬د ال‪%‬زين أن وج‪%‬ود المح‪%‬ل او‬
‫الموضوع يعد من اركان العقد االساسية والمقصود بالمحل هو محل االلتزام ال محل العقد‪.‬علما وان لك‪%%‬ل‬
‫التزام محال‪ .‬وبطالن جزء من العقد قد يمس هذا المحل بما ينقص من قيمت‪%%‬ه نقص‪%%‬ا محسوس‪%%‬ا او يص‪%%‬يره‬
‫غير صالح لالستعمال فيما اعد له ويقصد بالمحل ال فقط االشياء المادية ب‪%%‬ل ايض‪%%‬ا الخ‪%%‬دمات او االمتن‪%%‬اع‬
‫عن عمل التي تضمنها االتفاق على مع‪%%‬ني الفص‪%%‬ل ‪ 62‬م‪.‬ا‪.‬ع والفص‪%%‬ل ‪ 1126‬م‪.‬م‪.‬ف وق‪%%‬د يمكن المح‪%%‬ل‬
‫القاض‪%%‬ي من تق‪%‬ييم ع‪%‬دم التنفي‪%%‬ذ وق‪%%‬د يغني‪%%‬ه في بعض الح‪%%‬االت عن البحث في ارادة االط‪%%‬راف حيث يكفي‬
‫مقارنة م‪%%‬دى ع‪%%‬دم التنفي‪%%‬ذ (البطالن) بالنس‪%%‬بة لكام‪%%‬ل المح‪%%‬ل للحص‪%%‬ول على معطى واقعي لتق‪%%‬دير البطالن‬
‫وتحديد التعويض‪ .‬وبناءا على ذلك فان اعتماد المحل من قبل القاضي لتقدير البطالن الجزئي يعد معي‪%%‬ارا‬
‫موضوعيا يستقل عن ارادة االطراف‪.‬‬

‫وقد يكون المحل غير صالح لالستعمال فيم‪%%‬ا اع‪%%‬د ل‪%%‬ه لعيب يلح‪%%‬ق بمح‪%%‬ل االل‪%%‬تزام والعيب حس‪%%‬ب‬
‫الفصل ‪ 647‬م‪.‬ا‪.‬ع هوا لذي "ينقص من قيمة المبيع نقصا محسوسا او يصيره غير صالح الستعماله فيما‬
‫اعد له بحسب نوعه او بمقتضي العقد"‪ .‬ويقدر هذا النقص بالنظر الى كام‪%%‬ل المح‪%%‬ل فق‪%%‬د يك‪%%‬ون يس‪%%‬يرا او‬
‫جسيما لكنه في كلتا الحالتين يؤثر على محل العقد‪.‬‬

‫فالبطالن الجزئي قد اثار بعض النقد من قبل الفقهاء أبرزهم "جاك جستان" حيث اعترضوا علي‪%%‬ه‬
‫واعتبروا انه خروج على قاعدة وحدة العقد(‪ .)28‬ورفض‪%‬ت بعض الق‪%‬رارات في فق‪%‬ه القض‪%‬اء الفرنس‪%‬ي تط‪%‬بيق‬

‫‪27‬‬
‫انور طلبة‪ .‬انحالل العقود‪ .‬المكتب الجامعي الحديث‪ .‬طبعة ‪ 2004‬ص ‪.262‬‬
‫‪28‬‬
‫انور طلبة‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.262‬‬

‫‪15‬‬
‫البطالن الجزئي‪ .‬نفس التوجه نجده لدى المشرع الفرنسي بالفصل ‪ 1722‬م‪.‬م‪.‬ف‪ .‬ف‪%%‬إذا ك‪%%‬ان مح‪%%‬ل العق‪%%‬د‬
‫غير قابل لالنقسام وبطل شق منه فان العقد كل‪%%‬ه يبط‪%%‬ل ويتح‪%%‬ول الى عق‪%‬د اخ‪%%‬ر ام‪%%‬ا اذا ك‪%%‬ان المح‪%%‬ل ق‪%%‬ابال‬
‫لالنقسام وبطل شق من العقد فهذا الشق وحده هو الذي ي‪%‬زول فينتقص من العق‪%‬د ويبقى ش‪%‬ق العق‪%‬د االخ‪%‬ر‬
‫ص‪%%‬حيحا م‪%%‬تى لم يكن للش‪%%‬ق الباط‪%%‬ل اث‪%%‬ر على قص‪%%‬دهما من التعاق‪%%‬د‪ .‬وقب‪%%‬ول األط‪%%‬راف ب‪%%‬ه وفي ص‪%%‬ورة‬
‫رفضهما يبطل كامل العقد‪ .‬وعموما فانه يتضح مما سبق انه يشترط إلعم‪%%‬ال نظري‪%%‬ة البطالن الج‪%%‬زئي ان‬
‫يكون الجزء المتبقي من العقد قابال للوجود المستقل في حال تسلط االبطال على جزء منه‪.‬‬

‫الى جانب ذلك فانه وجب توفر العناصر القانونية االساسية الالزم‪%%‬ة في الج‪%%‬زء المتبقي من العق‪%%‬د‬
‫للحديث عن بطالن جزئي‪ .‬ووجب كذلك ان ال يؤثر استبعاد الجزء الباطل على تكييف العقد حيث ان‪%%‬ه اذا‬
‫حدث مثل هذا التغيير نكون بصدد تحول العقد والمقصود به انه إذا ك‪%%‬ان هن‪%%‬اك تص‪%%‬رف باط‪%%‬ل ويتض‪%%‬من‬
‫عناص‪%%‬ر تص‪%%‬رف اخ‪%%‬ر ص‪%%‬حيح ه‪%%‬ذا يح‪%%‬ول التص‪%%‬رف الباط‪%%‬ل الى تص‪%%‬رف ص‪%%‬حيح اذا ت‪%%‬بين ان ارادة‬
‫المتعاقدين كانت تنصرف الى ابرام هذا العقد كبطالن كمبيالة ال تستوفي ش‪%%‬روطها الش‪%%‬كلية حيث تتح‪%%‬ول‬
‫الى سند دين عادي وحيث انه ال يتم اعمال هذه النظرية (تحول العقد) إال في حالة وج‪%%‬ود مج‪%%‬ال إلعم‪%%‬ال‬
‫البطالن الجزئي‪ .‬والواقع ان التحول وسيلة فنية تستهدف االبق‪%%‬اء على الرابط‪%%‬ة العقدي‪%%‬ة الباطل‪%%‬ة في ث‪%%‬وب‬
‫جديد مختلف عن العقد المقصود اصال‪ .‬فالتحول يرد على وص‪%%‬ف العق‪%%‬د او تكييف‪%%‬ه وطبيعت‪%%‬ه ام‪%%‬ا البطالن‬
‫الجزئي فيرد على كم العقد دون المساس بطبيعته‪ .‬فتحول العقد يجوز فقط في حالة بطالن كامل العق‪%%‬د او‬
‫اذا كان هناك شق باطل في العقد المقصود اصال او كان من شان استبعاد هذا الشق الباطل تغي‪%%‬ير طبيع‪%%‬ة‬
‫العقد او تكييفه‪.‬‬

‫فإذا كان من الممكن فصل الشق الباطل دون تغيير طبيعة العقد فانه يتم انق‪%%‬اص العق‪%%‬د اي اعم‪%%‬ال‬
‫البطالن الجزئي وليس التحول‪.‬‬

‫فقرة ثانية‪ :‬عدم تعارض اإلنقاص مع ارادة المتعاقدين‬

‫ان يكون المحل مما يقبل االنقسام بطبيعته ال يكفي إلبط‪%%‬ال العق‪%%‬د في ج‪%%‬زء من‪%%‬ه م‪%%‬ع بق‪%%‬اء الج‪%%‬زء‬
‫المتبقي قائما‪ ،‬بل وجب كذلك ان ال تؤثر او باألحرى ال تتعارض عملية االنتقاص مع مقصد المتعاق‪%%‬دين‪،‬‬
‫وباعتبار ان اساس العقد هو مبدأ سلطان االرادة ويعنى ذلك ان االرادة كفيلة لوحدها بإنشاء العقد وتحدي‪%%‬د‬
‫اثاره القانونية‪ ،‬وهو ما يعبر عنه بالحرية التعاقدية فان االرادة هنا تلعب دورا كبيرا في تحديد مال العقد‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫حيث انه من البديهي ان يهدف المتعاقدان عادة من العقد الذي يبرماه الى كل ال يتجزأ و الى وحدة واح‪%%‬دة‬
‫متكاملة‪ .‬وهذا م‪%%‬ا يظه‪%%‬ر من خالل الفص‪%%‬ل ‪ 327‬من م‪.‬ا‪.‬ع "بطالن بعض االل‪%‬تزام يبط‪%%‬ل جميع‪%%‬ه إال اذا‬
‫امكنه ان يقوم بدون الجزء الباطل فيستمر بصورة عقد خاص‪."...‬‬

‫كذلك المادة ‪ 142‬من القانون المدني المصري والتى جاء فيه‪%%‬ا ان‪%%‬ه "اذا ك‪%%‬ان العق‪%%‬د في ش‪%%‬ق من‪%%‬ه‬
‫باطل او قابال لإلبطال فهذا الشق وحده هو الذي يبطل إال اذا تبين ان العقد ما كان ليتم بغ‪%%‬ير الش‪%%‬ق ال‪%%‬ذي‬
‫وقع باطال او قابال لإلبطال فيبطل العقد كله"‪ .‬ومفاد ذل‪%‬ك ان‪%‬ه اذا لم يقم من ادعى البطالن ال‪%‬دليل على ان‬
‫الشق الباطل او القابل لإلبطال ال ينفصل عن جملة التعاقد يقتصر البطالن على الشق الباطل وحده ويبقي‬
‫الباقي من العقد صحيح‪ .‬فأحكام االنتقاص ليس‪%%‬ت إال تفس‪%%‬ير إلرادة المتعاق‪%%‬دين ل‪%%‬ذلك ت‪%%‬وجب المس‪%%‬اواة بين‬
‫المتعاقدين حسب االستاذ انور طلبة‪.‬‬

‫وبما ان الموجب قانونا ان يكون االنتقاص متفقا مع ارادة المتعاقدين ففي صورة عدم اتفاق ارادة‬
‫االطراف على االنتقاص والرضاء به فان العقد ال ينتقص ب‪%%‬ل يبط‪%%‬ل كل‪%%‬ه بجمي‪%%‬ع اجزائ‪%%‬ه وذل‪%%‬ك في ح‪%%‬ال‬
‫اثبات احد اطراف العقد ان العقد ما كان ليتم بغير الشق المس‪%‬لط علي‪%‬ه البطالن ك‪%‬ان يثبت المش‪%‬تري لع‪%‬دة‬
‫اشياء ان الصفقة ما كانت لتتم بغ‪%‬ير االج‪%‬زاء ال‪%‬تي وق‪%%‬ع فيه‪%‬ا الغل‪%‬ط في ه‪%‬ذه الحال‪%‬ة يبط‪%‬ل العق‪%‬د (ال‪%‬بيع)‬
‫ككل(‪ .)29‬فاإلعمال الجزئي للعقد ال يجب ان يفرض على طرفيه ورغما عن ارادتهما‪ .‬فالفص‪%%%‬ل ‪ 327‬من‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع يوجب قرينة عدم قابلية التصرف القانوني للتجزئة واالنقسام إال ان هذه القرينة تعتبر بس‪%%‬يطة قابل‪%%‬ة‬
‫إلثبات العكس من خالل ارادة اطرافه وه‪%‬ذه االرادة تع‪%‬د معي‪%‬ارا اساس‪%‬يا فى تحدي‪%‬د االختي‪%‬ار بين بطالن‬
‫التصرف كله او االكتفاء بإنقاصه‪ .‬وتدقيقا لمفهوم االرادة فقد عرف األس‪%%‬تاذ محم‪%%‬د ال‪%%‬زين الرض‪%%‬ا بكون‪%%‬ه‬
‫"توافق ارادتين او اكثر إلنشاء عالقة قانونية ملزمة تنصرف اثارها مباشرة الى كل طرف متعاق‪%%‬د "(‪.)30‬‬
‫الجدير بالمالحظة ان الرضا او باالحرى االرادة هي من االركان االساسية النعقاد العقد فبغي‪%%‬اب االرادة‬
‫ليس لنا الحديث عن قيام عقد او رابطة قانونية كذلك ليس لنا الحديث عن امكانية انقاص من عدمها‪.‬‬

‫وخالفا للفقه الفرنسي الذى يعتمد قابلية التص‪%%‬رفات القانوني‪%%‬ة للتجزئ‪%%‬ة فان‪%%‬ه بإمك‪%%‬ان االط‪%%‬راف ان‬
‫ينصوا صلب التصرف على عكس هذه القاعدة وذلك بتضمينه بندا ينص على ان التصرف ك‪%%‬ل ال يتج‪%%‬زآ‬
‫والقاضي فى هذه الحالة ملزم ب‪%%‬احترام ه‪%%‬ذا البن‪%%‬د فال يمكن‪%%‬ه االس‪%%‬تناد على تفس‪%%‬ير االرادة للحكم ب‪%%‬البطالن‬
‫الجزئي لوجود بند ينص على استحالة التجزئة ‪.‬‬

‫كما اقر الفقيه سميله (‪ )Simler‬أن العديد من الفقهاء اعتبروا انه فى صورة علم االط‪%%‬راف عن‪%%‬د‬
‫ابرامهم لتصرفهم بتعيب جزء منه فان الجزء الصحيح فقط يتمتع بقيمة قانونية فهذه الحالة ال تعد ص‪%%‬ورة‬
‫‪29‬‬
‫الدكتور رمضان ابو السعود والدكتور همام محمد زهران‪.‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.449‬‬
‫‪30‬‬
‫محمد الزين‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬طبعة سنة ‪ 1997‬ص ‪.216‬‬

‫‪17‬‬
‫للبطالن الجزئي وال مجال بالتالى إلعمال االنقاص فيها‪.‬‬

‫واالشكال المطروح فى هذا االطار يتعلق بتحدي‪%%‬د ه‪%%‬ذه االرادة وكي‪%%‬ف س‪%%‬نعرف اذا ك‪%%‬ان اط‪%%‬راف‬
‫التصرف س‪%‬يبقيان على الش‪%‬ق الص‪%%‬حيح اذا بط‪%‬ل الش‪%‬ق الفاس‪%‬د‪ .‬فبن‪%‬اءا على مقتض‪%%‬يات الفص‪%%‬ل ‪ 327‬من‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع فانه يكون تقدير القاضي فى اجتهاده معيارا لتحديد مال التصرف الباطل جزئيا‪ .‬فهو يحاول تحدي‪%%‬د‬
‫ما يمكن ان تتجه اليه ارادة طرفي التصرف لو انهما علما بالتعيب الذي يبطل التصرف فى شق منه فق‪%%‬ط‬
‫ام انهما كان سيرفضان ابرام التصرف كله‪ .‬وباإلجابة عن ذلك يصبح بإمكان القاضي تحديد الح‪%%‬ل س‪%%‬واء‬
‫باإلنق‪%%‬اص او ب‪%%‬البطالن الكام‪%%‬ل ويس‪%%‬مى ه‪%%‬ذا الح‪%%‬ل في الفق‪%%‬ه االلم‪%%‬اني ب‪%%‬البحث عن االرادة المفترض‪%%‬ة‬
‫وهذه التسمية تحتوي نفس مضمون الحل الذي اقتضاه الفص‪%%‬ل ‪327‬‬ ‫‪la volonte hypothétique‬‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬فكال الحلين يعطيان القاضي سلطة تقدير ما يمكن ان تكون عليه ارادة االطراف عن‪%%‬د قي‪%%‬ام ال‪%%‬نزاع‬
‫والتي تمكنه من النظر في جملة من المعطي‪%‬ات واالعت‪%‬داد باله‪%‬دف المقص‪%‬ود من التص‪%‬رف وم‪%‬دى حس‪%‬ن‬
‫(‪)31‬‬
‫‪.‬‬ ‫النية من عدمه‬

‫فالقاضي يسهر على تصحيح العقد وتحويره بإزالة الشق الباط‪%%‬ل في‪%%‬ه ويجس‪%%‬م االرادة المثالي‪%%‬ة من‬
‫خالل العقد‪ .‬والبطالن ال يمتد الى كل العقد اذا كانت نية االطراف ق‪%‬د انص‪%‬رفت الى تجزئ‪%‬ة بن‪%‬وده وع‪%‬دم‬
‫ربطها بوثاق يشدها جميعا وإال اجتاحها البطالن بأكملها كلما تس‪%%‬لط على اح‪%%‬داها‪ .‬لكن‪%%‬ه ق‪%%‬د يمت‪%%‬د البطالن‬
‫الى العقد بكامله في الحاالت التي يكون الشق الباطل هو الباعث والدافع الى التعاقد وال يشترط ان يك‪%%‬ون‬
‫الشق الباطل دافعا لكل من المتعاقدين‪ .‬بل يكفي ان يتضح ان ايا من المتعاقدين ما كان ليقب‪%%‬ل بغ‪%%‬ير الش‪%%‬ق‬
‫المعيب‪ .‬ويجب على القاضي ان يتحرى ارادة االطراف ليتبين عما اذا كان سيتم ابرام العق‪%%‬د ل‪%%‬و لم يوج‪%%‬د‬
‫الشق الباطل‪ .‬واإلرادة المقصودة هي االرادة المحتمل‪%%‬ة ألن‪%%‬ه في الغ‪%%‬الب ال ي‪%%‬دور ب‪%%‬ذهن المتعاق‪%%‬دين توق‪%%‬ع‬
‫البطالن فإذا تبين علم االطراف ساعة اب‪%%‬رام العق‪%%‬د ببطالن ش‪%%‬ق او ش‪%%‬رط من‪%%‬ه ك‪%%‬ان قرين‪%%‬ة على ارتض‪%%‬اء‬
‫البطالن الجزئي‪.‬‬

‫وقد كرس المشرع التونسي موقف الفقه الحديث الذي يرى ضرورة تدخل القاض‪%%‬ي بغض النظ‪%%‬ر‬
‫عن الجزاء المدني المسلط على العقد‪ .‬ويقع هنا عبئ االثب‪%%‬ات على من يتمس‪%%‬ك ببطالن العق‪%%‬د بأكمل‪%%‬ه ف‪%%‬إذا‬
‫تبين للقاضي ان سبب البطالن قاصر على شرط او شق منه فان‪%%‬ه على القاض‪%%‬ي ان يعم‪%%‬ل احك‪%%‬ام البطالن‬
‫الجزئي‪.‬‬

‫إال انه وبالرجوع لموقف محكمة التعقيب الذي جاء في قرارها عدد ‪ 8293‬الم‪%%‬ؤرخ في ‪ 11‬اكت‪%%‬وبر‬
‫‪ 1960‬انه ليس للمحكمة ان تثير من تلقاء نفسها الخلل الذي يمكن ان يعتري العقد المع‪%%‬روض عليه‪%%‬ا م‪%%‬ا‬

‫‪31‬‬
‫هدي جلولي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.15‬‬

‫‪18‬‬
‫دام الخصوم لم يتعرضوا لذلك ولم يكن الخلل مما يهم النظ‪%%‬ام الع‪%%‬ام(‪ )32‬ذل‪%%‬ك ان القاض‪%%‬ي وان ك‪%%‬ان يمل‪%%‬ك‬
‫سلطة تقدير مدى وجود العيب من عدمه ضمن العقد موضوع ج‪%%‬زاء البطالن الج‪%%‬زئي إال ان ذل‪%%‬ك يمنع‪%%‬ه‬
‫من اثارة البطالن من تلقاء نفسه لتعلقه في هذه الصورة بالمصلحة الخاصة ألفراد‪.‬‬

‫عبء اثبات االرادة‬ ‫‪‬‬

‫ويبقي عبء اثبات االرادة عموما ملقى على عاتق المتمس‪%‬ك بإبق‪%‬اء الج‪%‬زء الص‪%‬حيح وقص‪%‬ر البطالن‬
‫على الجزء المعيب دون المطالبة بإبطال كامل العقد‪ .‬ومن هذا المنطلق فان االمر ينحصر فى التالي‪:‬‬

‫إما اقتناع القاضي ب‪%%‬ان التص‪%%‬رف الق‪%%‬انوني ك‪%%‬ان س‪%%‬يبرم ب‪%%‬الرغم من بطالن الج‪%%‬زء وب‪%%‬ذلك يكتفي‬ ‫‪-‬‬
‫بإنقاص التصرف بدال من ابطاله كله‪.‬‬
‫وإما أن يقتنع بان التصرف لم يكن سيبرم بدون جزءه الباطل فيبطل كامل التصرف‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫اما اذا تعذر على القاضي اعتماد اي من الحلين السابقين بسبب تن‪%‬اقض الحجج ال‪%‬تي يتمس‪%‬ك به‪%‬ا ك‪%‬ل‬
‫من طرفي التصرف ويكون على القاضي فى هذه الحالة الحكم ب‪%%‬البطالن الكلي اعم‪%%‬اال للفص‪%%‬ل ‪ 327‬من‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع الذي يفترض فى حالة الشك بطالن التصرف بأكمله وليس الجزء الباطل فقط و هذا االفتراض يعد‬
‫نسبيا ألنه عموما قل ان يصعب على القاضي الوصول الى احد الحلين السابقين‪.‬‬

‫إال ان بعض الفقهاء االلمان قد انتقدوا القرينة ال‪%%‬تي ج‪%%‬اءت به‪%%‬ا الم‪%%‬ادة ‪ 139‬ونظيره‪%%‬ا الفص‪%%‬ل ‪327‬‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع واستندوا في ذلك الى فرض عبء االثبات على المتنازعين‪ .‬بي‪%%‬د ان الق‪%‬انون االلم‪%%‬اني يف‪%‬رض على‬
‫المتمس‪%%‬ك باإلنق‪%%‬اص اقام‪%%‬ة ال‪%%‬دليل على تفض‪%%‬يل الط‪%%‬رف االخ‪%%‬ر االنق‪%%‬اص على البطالن اي اثب‪%%‬ات انع‪%%‬دام‬
‫مصلحته المشروعة في التمسك بالبطالن الكلي وذلك بالرغم من كون ان القانون االلماني يكرس انتقاص‬
‫التصرفات بدرجة اولى إال انه من االوفق القاء عبء االثبات على المطالب بالبطالن ال على من يط‪%%‬الب‬
‫باإلنقاص(‪.)33‬‬

‫خالصة الجزء االول‬


‫‪32‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 8292‬مؤرخ في ‪ 11‬اكتوبر ‪ .1960‬مجلة القضاء والتشريع لسنة ‪ 1960‬ص ‪ 154‬وما يليها‪.‬‬
‫‪33‬‬
‫هدي جلولي‪ .‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.18‬‬

‫‪19‬‬
‫باعتبار ان البطالن هو الجزاء الفع‪%‬ال لض‪%‬مان اح‪%‬ترام قواع‪%‬د تك‪%‬وين االلتزام‪%‬ات التعاقدي‪%‬ة‪ .‬فمن‬
‫البديهي انه يعد بصفته تلك ذا طابع ردعى‪ .‬إال أن هذه الحماي‪%‬ة له‪%‬ا نط‪%‬اق معين ثم ان فاعليته‪%‬ا مح‪%‬دودة‪.‬‬
‫فالبطالن ال يتعلق إال بتكوين االلتزام خالفا للفسخ الذي يعد جزاء لعدم تنفيذ اح‪%%‬د الط‪%%‬رفين لعق‪%%‬د ت‪%%‬وافرت‬
‫فيه االركان والشروط القانونية المستوجبة لصحته بي‪%%‬د ان ه‪%%‬ذه الص‪%%‬بغة الردعي‪%%‬ة ق‪%%‬د ال تك‪%%‬رس االح‪%%‬ترام‬
‫المطلق لقواعد تكوين االلتزام حيث انه قد يعم‪%‬د اح‪%‬د ط‪%‬رفي االل‪%‬تزام لالس‪%‬تناد الى ه‪%‬ذا الج‪%‬زاء اال وه‪%‬و‬
‫البطالن للتفصي من التزاماته وه‪%‬و م‪%‬ا دف‪%%‬ع المش‪%‬رع الى ايج‪%‬اد حال عملي‪%‬ا لض‪%%‬مان االس‪%‬تقرار التعاق‪%%‬دي‬
‫وحماية المصالح التعاقدية والحد من تقليص عنصر الثقة في التعامالت وارساء القواعد وااللي‪%%‬ات الهادف‪%%‬ة‬
‫الى االبقاء على الوجود القانوني للعقد‪ .‬وقد كرس ه‪%%‬ذا الح‪%%‬ل بالفص‪%%‬ل ‪ 139‬من المجل‪%%‬ة المدني‪%%‬ة االلماني‪%%‬ة‬
‫ونظيرها الفصل ‪ 327‬م‪.‬ا‪.‬ع والذي يفهم منهما ان البطالن ال ينصب على كامل العق‪%%‬د في الح‪%%‬االت ال‪%%‬تي‬
‫يكون باإلمكان فيها قيام العقد صحيحا في احد اجزائه‪.‬‬

‫فاعتماد نظرية البطالن الجزئي قد يفضي إلى تصيير العقد الباط‪%%‬ل في اكمل‪%%‬ه ص‪%%‬حيحا في بعض‬
‫اجزائه إال انه وللح‪%%‬ديث عن ذل‪%%‬ك وجب ت‪%%‬وفر الش‪%%‬روط الالزم‪%%‬ة وال‪%%‬تي ليس لن‪%%‬ا في غيابه‪%%‬ا الح‪%%‬ديث عن‬
‫انتقاص للعقد‪ .‬بيد انه وقبل التعرض لهذه الشروط استوجب علينا بدءا ان حددنا االسباب الحائلة دون قيام‬
‫هذه النظرية بحيث تنقسم هذه االسباب الى اس‪%%‬باب موض‪%%‬وعية كتعل‪%%‬ق الخل‪%%‬ل ب‪%%‬ركن ج‪%%‬وهري من ارك‪%%‬ان‬
‫العقد وهي االهلية الرضا المحل والسبب‪ .‬كذلك استحالة الفصل المادي بين الجزء الفاسد والج‪%%‬زء الس‪%%‬ليم‬
‫من بين االسباب الحائلة دون تكريس نظرية البطالن الجزئي فقابلية العقد للتجزئة تعتبر الشرط االساس‪%%‬ي‬
‫والفاصل بين امكانية اعمال نظري‪%%‬ة البطالن الج‪%%‬زئي واالبق‪%%‬اء على العق‪%%‬د في اجزائ‪%%‬ه الص‪%%‬حيحة واتالف‬
‫االجزاء الفاسدة وبين تسليط البطالن على كامل العقد واعتباره كأن‪%%‬ه لم يكن وذل‪%%‬ك بس‪%%‬بب تعل‪%%‬ق عناص‪%%‬ر‬
‫العقد ببعضها البعض واستحالة الفصل بين اجزائها كالبيع بثمن جملي واح‪%%‬د لع‪%%‬دة اش‪%%‬ياء الى ج‪%%‬انب ذل‪%%‬ك‬
‫فان من االسباب الموض‪%%‬وعية الحائل‪%%‬ة دون انتق‪%%‬اص العق‪%%‬د هي تنص‪%%‬يص الق‪%%‬انون في ح‪%%‬االت معين‪%%‬ة على‬
‫ضرورة انسحاب البطالن علي كامل العقد مثل ما جاء به الفصل ‪ 1475‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬الى ج‪%%‬انب االس‪%%‬باب‬
‫الموضوعية نجد في مرتبة ثانية االسباب الذاتية والتي تتعلق بقرينة عدم تجزئة العقد اي وج‪%%‬وب دحض‬
‫قرينة االفتراض القانوني بان ارادة االطراف قد وجهت لتحقيق كام‪%‬ل العق‪%‬د ال ج‪%‬زءا من‪%‬ه للتحص‪%%‬ل على‬
‫بطالن جزئي للعقد‪.‬‬

‫وبشرحنا لألسباب الحائلة دون قيام العقد منتقصا انتقلنا الي تحديد شروط اعمال البطالن الجزئي‬
‫والتي تتلخص في قابلية العقد او التصرف للتجزئة كش‪%‬رط اول ك‪%‬ان يك‪%‬ون المح‪%‬ل مم‪%‬ا يقب‪%‬ل التجزئ‪%‬ة او‬

‫‪20‬‬
‫القسمة بطبيعته حيث انه اذا لم يكن مح‪%%‬ل العق‪%‬د قاب‪%%‬ل للقس‪%%‬مة والتجزئ‪%%‬ة ال يس‪%%‬عنا اعم‪%%‬ال نظري‪%%‬ة البطالن‬
‫الجزئي‪ .‬الى جانب توفر العناصر القانونية االساس‪%%‬ية الالزم‪%%‬ة في الج‪%%‬زء المتبقي من العق‪%%‬د اي ان يك‪%%‬ون‬
‫الجزء القائم مستقال وصحيحا متضمنا للعناصر القانونية الالزمة لقيام وص‪%%‬حة العق‪%%‬ود ه‪%%‬ذا باإلض‪%%‬افة الى‬
‫عدم تأثير استبعاد الجزء الباطل على تكييف العقد وإال اصبحنا بذلك في اطار الحديث عن تحول العقد‪.‬‬

‫اما الشرط الثاني فيتمثل في عدم تعارض االنق‪%%‬اص م‪%%‬ع ارادة المتعاق‪%%‬دين باعتب‪%%‬ار ان االرادة هي‬
‫اساس قيام العقد ككل فعملية انق‪%%‬اص العق‪%%‬د او التجزئ‪%%‬ة تس‪%%‬توجب تواف‪%%‬ق ارادة المتعاق‪%%‬دين‪ .‬فقابلي‪%%‬ة العم‪%%‬ل‬
‫الق‪%‬انوني للتجزئ‪%‬ة هي انعك‪%‬اس للعالق‪%‬ة ال‪%‬تي اراد االط‪%‬راف اقامته‪%‬ا بين مختل‪%‬ف اج‪%‬زاء العم‪%‬ل الق‪%‬انوني‬
‫باعتبار ان التجزئة ال تكون إال تعبيرا عما اراده االطراف‪.‬‬

‫الي جانب ذلك فان القاضي يلعب دورا هاما في التحري علي ارادة االطراف ليتبين عما اذا ك‪%%‬ان‬
‫سيتم ابرام العقد لو لم يوجد الشق الباطل‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الجزء الثـــــاني ‪:‬‬

‫أثــــار قيام البطالن‬


‫الجزئي‬

‫لقد حرص المشرع على محو جميع اثار العق‪%%‬ود المخالف‪%%‬ة للنظ‪%%‬ام الع‪%%‬ام واالخالق الحمي‪%%‬دة وذل‪%%‬ك‬
‫ب‪%%‬الرجوع للفص‪%%‬ل ‪ 77‬من م‪.‬ا‪.‬ع مت‪%%‬أثرا في ذل‪%%‬ك بك‪%%‬ل من الفص‪%%‬لين ‪ 817‬و‪ 819‬من المجل‪%%‬ة المدني‪%%‬ة‬
‫االلمانية‪ .‬وبالرغم من االختالف القائم بين كل من البطالن المطلق والبطالن النس‪%%‬بي في ع‪%‬دة ج‪%%‬وانب إال‬
‫انهم‪%%‬ا يتح‪%%‬دان من حيث كونهم‪%%‬ا يمثالن الج‪%%‬زاء الم‪%%‬دني عن مخالف‪%%‬ة ش‪%%‬روط ص‪%%‬حة وتك‪%%‬وين العق‪%%‬د‪.‬‬
‫ومن جهة اخري من حيث النتائج التي قد تترتب على كالهما وبالرجوع الى المب‪%%‬دأ ف‪%%‬ان البطالن المطل‪%%‬ق‬

‫‪22‬‬
‫هو االنع‪%‬دام الت‪%‬ام اي ال ت‪%‬ترتب علي‪%‬ه اي‪%‬ة اث‪%‬ار‪ .‬في حين ان العق‪%‬د الباط‪%‬ل بطالن‪%‬ا نس‪%‬بيا اي العق‪%‬د القاب‪%‬ل‬
‫لإلبطال يرتب اثارا الى حين الحكم بزواله‪.‬‬

‫وقد تعرض المشرع التونسي الى اثار كل من البطالن المطلق والبطالن النسبي ضمن الفص‪%%‬ول‬
‫‪ 325‬و‪ 336‬من م‪.‬ا‪.‬ع ويفهم انطالقا من الفصول المذكورة انفا وجود قاعدة اساسية مفاده‪%%‬ا زوال اث‪%%‬ار‬
‫العقد الباطل بصفة رجعية ويتضح ذلك من خالل عبارات كل من الفص‪%%‬ل ‪" : 325‬ليس لالل‪%%‬تزام الباط‪%%‬ل‬
‫من اصله عمل وال يترتب عليها شى إال استرداد م‪%%‬ا وق‪%%‬ع دفع‪%%‬ه ‪ ."...‬وعب‪%%‬ارات الفص‪%%‬ل ‪" 336‬اذا فس‪%%‬خ‬
‫االلتزام عاد الطرفان الى ما كان عليه عند التعاقد"‪.‬‬

‫ورغم التكريس الواضح لهذه النظرية‪ .‬إال ان ثبوت مبدأ زوال اثار العقد الباطل بصفة رجعي‪%%‬ة ال‬
‫ينفي وجود استثناءات هامة حسب االستاذ محمد الزين‪.‬‬

‫المبحث االول‪ :‬زوال العقد بأثر رجعي‬

‫من المسلم به قانونا توفر اتفاق على احداث اثر قانوني للعقد الم‪%%‬برم‪ ،‬بغض النظ‪%%‬ر عن م‪%%‬ا اذا‬
‫كان هذا االثر سلبيا او ايجابيا فهو رغم ذلك ال يهم غ‪%%‬ير المتعاق‪%%‬دين‪ ،‬وال يتعل‪%%‬ق بغ‪%%‬ير مص‪%%‬الحهم بدرج‪%%‬ة‬
‫اولى‪ .‬وما من شك ان الغير االجنبي اصال عن العقد وهو من لم يكن طرفا فيه او خلفا الح‪%%‬د متعاقدي‪%%‬ه ال‬

‫‪23‬‬
‫ينصرف اليه اثر العقد ما دام بعيدا عن دائ‪%‬رة التعاق‪%‬د اال ان‪%‬ه يت‪%‬اثر ب‪%‬ه كم‪%‬ا يمكن ان يحتج ب‪%‬ه علي‪%‬ه وفي‬
‫بعض االحيان قد ينصرف اثر العقد اليه فيكسبه حقوقا واالدل على ذلك صورة االشتراط لمصلحة الغير‪.‬‬

‫بذلك نالحظ ان العقد تتعلق به مصالح تتسم بالتعدد والتشعب‪ .‬وهو ما ال يغنينا على االقرار بان‪%%‬ه‬
‫ليس من الهين الغاء و اعدام االثار المترتبة عنه عند وقوعها تحت طائلة البطالن‪ ،‬لما ينتج عن ذلك من‬
‫ضرر ينال من حقوق االطراف واخالفهم والغير‪ .‬وضمان الستقرار االوض‪%%‬اع التعاقدي‪%‬ة ت‪%‬وجب التعام‪%‬ل‬
‫مع اثار البطالن خاصة منها المتعلقة بازالة الوجود القانوني للعقد‪ ،‬اي االث‪%%‬ار ال‪%%‬تي ت‪%%‬رتبت عن‪%%‬ه بش‪%%‬كل‬
‫رجعي ول‪%%‬ذلك فان‪%%‬ه وجب التمي‪%%‬يز بين ص‪%%‬ورة ع‪%%‬دم تنفي‪%%‬ذ االلتزام‪%%‬ات التعاقدي‪%%‬ة وبين ص‪%%‬ورة تنفي‪%%‬ذ ه‪%%‬ذه‬
‫االلتزامات‪.‬‬

‫فقرة اولى ‪ :‬في حال عدم تنفيذ العقد‬

‫عندما يصرح القاضي ببطالن العقد يصبح هذا االخير عديم االثر في المستقبل‪ .‬اال ان جزاء‬
‫البطالن له اثر رجعي اي ان البطالن يحول دون انتاج العقد الثاره في الماضي اذ يصبح العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل‬
‫وكانه لم ينشا اطالقا بين المتعاقدين‪ .‬وبالتالي فال يمكنه ان ينشا اي التزامات على كاهل اي طرف منهما‪.‬‬
‫والمقصود باالثر الرجعي للبطالن هو عودة االطراف الى الحالة التي كانا عليه‪%‬ا قب‪%‬ل اب‪%‬رام العق‪%‬د علم‪%‬ا‬
‫وان االثر الرجعي للبطالن ينسحب سواءا كان البطالن مطلق‪%%‬ا او نس‪%%‬بيا بمع‪%%‬ني ان‪%%‬ه ال وج‪%%‬ود لتمي‪%%‬يز بين‬
‫كليهما من حيث االثار اي بعد التصريح ببطالن العقد‪ ،‬الذي يليه عموما ارجاع االطراف الى الحالة ال‪%‬تي‬
‫كانا عليها قبل ابرام العقد‪ .‬اال ان‪%‬ه اذا لم ينف‪%‬ذ العق‪%‬د اي لم تص‪%%‬در اي التزام‪%‬ات تعاقدي‪%‬ة من اح‪%‬د طرفي‪%‬ه‬
‫وحكم ببطالن ذلك العقد فان ذلك ال يطرح اي اشكال ما دام لم تنفذ اي من االلتزامات‪ .‬وهذا ما اكد علي‪%%‬ه‬
‫االستاذ عاطف النقيب بقوله انه ‪":‬اذا حصل االبطال قبل انفاذ العقد فانه ال يثير اش‪%%‬كاال اذ يبقى ك‪%%‬ل ش‪%%‬ي‬
‫على حاله و ال محل لتنفيذ عقد باطل ‪"...‬‬

‫فقرة ثانية ‪ :‬في حال تنفيذ العقد‬

‫لقد اقتضي الفصل ‪ 336‬من م‪.‬ا‪.‬ع ان‪%‬ه "اذا فس‪%‬خ االل‪%‬تزام ع‪%‬اد الطرف‪%‬ان الي م‪%‬ا ك‪%‬ان علي‪%‬ه عن‪%‬د‬
‫التعاقد‪ .‬ويجب حينئذ علي كل منهما ان يرد لصاحبه ما قبضه منه بموجب العقد الذكور او من جرائه ‪"..‬‬

‫‪24‬‬
‫ويتحد البطالن النسبي مع البطالن المطلق في هذا االثر اذ نص الفصل ‪ 325‬من م‪.‬ا‪.‬ع على ان‪%%‬ه‬
‫"ليس لاللتزام الباطل من اصله عمل وال يترتب عليه شي اال استرداد م‪%%‬ا وق‪%%‬ع دفع‪%%‬ه بغ‪%%‬ير ح‪%%‬ق بم‪%%‬وجب‬
‫ذلك االلتزام ‪"...‬‬

‫وقد نص الفصل ‪ 138‬من القانون المدني العراقي على انه "‪...‬ف‪%%‬اذا بط‪%%‬ل العق‪%%‬د يع‪%%‬اد المتعاق‪%%‬دان‬
‫الى الحالة التي كانا عليها قبل العق‪%‬د ‪ ."...‬ونفس ه‪%‬ذا التمش‪%‬ي ال‪%‬تزم ب‪%‬ه ك‪%‬ذلك الق‪%‬انون الم‪%‬دني المص‪%%‬ري‬
‫ضمن الفصل ‪.142‬‬

‫يتضح من خالل ذلك ان العقد القابل لالبطال اذا تقرر بطالن‪%%‬ه يعت‪%%‬بر كان‪%%‬ه لم يكن ف‪%%‬تزول اث‪%%‬اره‬
‫بصفة رجعية‪ .‬وهو ما يعني استرداد ما وقع دفعه بغ‪%%‬ير ح‪%%‬ق او بم‪%%‬وجب العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل وه‪%%‬ذا م‪%%‬ا كرس‪%%‬ته‬
‫محكم‪%%‬ة التعقيب في العدي‪%%‬د من قراراته‪%%‬ا حيث ج‪%%‬اء في قراره‪%%‬ا ع‪%%‬دد ‪ 12897‬الم‪%%‬ؤرخ في ‪ 17‬م‪%%‬ارس‬
‫‪ 1986‬ان "االلتزام الباطل ال يترتب عليه سوى استرداد ما وقع قبض‪%%‬ه بغ‪%‬ير ح‪%‬ق طبق‪%‬ا الحك‪%‬ام الفص‪%%‬ل‬
‫‪ 325‬من م‪.‬ا‪.‬ع (‪.) 34‬‬

‫نتبين بذلك انه اذا قضت المحكمة ببطالن العقد ف‪%%‬ذلك يع‪%%‬ني ض‪%%‬رورة اع‪%‬ادة الط‪%%‬رفين الى الحال‪%%‬ة‬
‫ال‪%%‬تي كان‪%%‬ا عليه‪%%‬ا قب‪%%‬ل ابرام‪%%‬ه وليس من ت‪%%‬اريخ الحكم ب‪%%‬البطالن فق‪%%‬ط‪ .‬ف‪%%‬األثر ال‪%%‬رجعي للبطالن يق‪%%‬ع علي‬
‫االلتزام بكامله وهذا ما كرسه المش‪%%‬رع التونس‪%%‬ي في ك‪%%‬ل من الفص‪%%‬لين ‪ 326‬و‪ 327‬من م‪.‬ا‪.‬ع حيث ان‪%%‬ه‬
‫يسلط البطالن علي كامل االلتزام اي االصلي و توابعه‪.‬‬

‫"فااللتزام الباطل من اصله ال يترتب عليه شي إال استرجاع ما دفع بغير حق بم‪%%‬وجب تنفي‪%%‬ذه‪"...‬‬
‫(‪.)35‬‬

‫ذلك ان العقد الباطل عقد معدوم ال ينتج اثارا وال يترتب عليه شى ما عدا رد ما وق‪%%‬ع دفع‪%%‬ه ف‪%%‬إذا‬
‫كان العقد بيعا وتقرر بطالنه رد المشتري المبيع الي البائع ورد الب‪%%‬ائع الثمن الى المش‪%%‬تري ويك‪%%‬ون ب‪%%‬ذلك‬
‫الرد بمثابة تنفيذ لعقد ملزم لجانبين و لكن بصفة عكسية والرد يكون ردا عينيا او ما يسمى بالرد المترتب‬
‫عن نظام البطالن وهو رد قانوني جبري كرسته اغلب التشاريع وكذلك فقه الضاء من ذلك ما اكدت عليه‬
‫محكمة التعقيب في قرارها عدد ‪ 62642‬المؤرخ في ‪ 15‬اكتوبر ‪ 1998‬ال‪%%‬ذي ج‪%%‬اء في‪%%‬ه ‪" :‬اذا ك‪%%‬ان في‬
‫المصنوع عيب واختار المستاجر فسخ العقد وتعويض الضرر فان الفسخ يوجب ارج‪%%‬اع الط‪%%‬رفين للحال‪%%‬ة‬

‫التي كانا عليها قبل العقد ‪.)36("...‬‬


‫‪ 34‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 12897‬مؤرخ في ‪ 17‬مارس ‪ .1986‬نشرية محكمة التعقيب لعام ‪ 1986‬القسم المدني‪.‬‬
‫‪ 35‬قرار مدني عدد ‪ .6929‬مجلة القضاء والتشريع عدد ‪ 5‬لسنة ‪ 1950‬ص ‪.49/379‬‬
‫‪ 36‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 62642‬مؤرخ في ‪ 15‬اكتوبر ‪ .1998‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ 198‬القسم المدني الجزء الثاني ص ‪ 119‬وما‬
‫يليها‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وباعتبار ان االل‪%‬تزام ب‪%‬الرد من النت‪%‬ائج القانوني‪%‬ة لبطالن العق‪%‬ود إال ان محكم‪%‬ة التعقيب الفرنس‪%‬ية‬
‫اعتبرت ان اس‪%‬اس ال‪%‬رد يرج‪%‬ع الى البطالن في ذات‪%‬ه‪ .‬اذ ان وص‪%‬ف العق‪%‬د ب‪%‬البطالن يع‪%‬ني انع‪%‬دام االث‪%‬ار‬
‫القانونية للعقد الباطل‪ .‬فإذا انعدمت االثار تعين الرجوع بالمتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاق‪%%‬د‬
‫(‪.)37‬‬

‫إال انه توجد نظرية في القانون الروماني تمنع المتعاقد الذي ك‪%%‬ان بطالن العق‪%%‬د لع‪%%‬دم المش‪%%‬روعية‬
‫اتيا من جهته ليس له استرداد ما وفاه من التزامه كدفع شخص لمبلغ من المال المرأة قص‪%%‬د اقام‪%%‬ة عالق‪%%‬ة‬
‫غير مشروعة فإذا قضي ببطالن هذا االتفاق فان ه‪%%‬ذا الش‪%%‬خص ال يس‪%%‬تطيع اس‪%%‬ترداد م‪%%‬ا دفع‪%%‬ه وفق‪%%‬ا له‪%%‬ذه‬
‫النظرية‪ .‬نفس الجزاء المسلط في حال االتفاق على ارتكاب جريمة مقابل مبلغ معلوم‪.‬‬

‫وقد انتقلت هذه القاعدة الى القانون الفرنس‪%%‬ي رغم اقتص‪%%‬ار تطبيقه‪%%‬ا على العق‪%%‬ود المخالف‪%%‬ة لآلداب‬
‫العامة دون المخالفة للنظام العام وذلك لم يمنع القانون المصري من تكريس هذه النظرية في نص مشابه‬
‫بيد انه تم الغائه بتعلة عدم توافقه مع منطق البطالن القاضي بإعادة المتعاقدين الى الحالة التى كانا عليه‪%%‬ا‬
‫قبل العقد (‪.)38‬‬

‫فبطالن العق‪%%‬د ب‪%%‬أثر رجعي يجع‪%%‬ل من العق‪%%‬د كأن‪%%‬ه لم يكن ولم يوج‪%%‬د ق‪%%‬ط بغض النظ‪%%‬ر عن كون‪%%‬ه‬
‫بالنسبة الى المتعاقدين او الغير كما ذكرنا سابقا والغير هنا ليس من كان اجنبيا عن العقد بل المقص‪%%‬ود ب‪%%‬ه‬
‫هو كل من اكتسب حقا على العين محل العقد الباطل واالشخاص الذين لهم حقوق تت‪%%‬أثر بص‪%%‬حة العق‪%%‬د او‬
‫ببطالنه وبعبارة اخري هم الخلف الخاص للمتعاقدين‪ .‬والخلف الخاص هو الذي يخل‪%%‬ف المتعاق‪%%‬د في عين‬
‫معينة بالذات او في حق عيني عليها فالمشتري هو الخل‪%%‬ف الخ‪%%‬اص للب‪%%‬ائع والمنتف‪%%‬ع ه‪%%‬و الخل‪%%‬ف الخ‪%%‬اص‬
‫للمالك في حق االنتفاع وعموما فان اثار العقد ال تستقر بين كال المتعاقدين فقط فالبطالن له اث‪%%‬ر مطل‪%%‬ق‬
‫بالنسبة للكافة‪.‬‬

‫والقاع‪%%‬دة ان البطالن ل‪%%‬ه اث‪%%‬ر رجعي ليس في عالق‪%%‬ة المتعاق‪%%‬دين فق‪%%‬ط ب‪%%‬ل وبالنس‪%%‬بة للغ‪%%‬ير ايض‪%%‬ا‬
‫وواضح ان اطالق قاعدة االثر ال‪%%‬رجعي للبطالن ي‪%%‬ؤدي الى ع‪%%‬دم اس‪%%‬تقرار المع‪%%‬امالت واالض‪%%‬رار بالثق‪%%‬ة‬
‫واالئتمان ذلك ان قاعدة االثر الرجعي للبطالن اي امتداد نطاق البطالن على كامل االلتزام وسريانه ب‪%%‬أثر‬
‫رجعي الينفي وجود استثناءات هامة‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫انيس دلهومي ‪ :‬المرجع سابق الذكر ‪.‬ص ‪.18‬‬
‫‪38‬‬
‫الدكتور رمضان ابو السعود و الدكتور همام محمد زهران ‪ :‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪ 446‬و ‪.447‬‬

‫‪26‬‬
‫فق‪%‬د تنش‪%%‬ا ص‪%%‬عوبات عملي‪%%‬ة عدي‪%%‬دة اذا ق‪%%‬ام الطرف‪%%‬ان في العق‪%‬د الباط‪%%‬ل او كالهم‪%%‬ا بتنفي‪%%‬ذ العق‪%‬د او‬
‫الشروع في تنفيذه بما يجعل هذا االلتزام ال يتطابق م‪%‬ع الواق‪%‬ع وتص‪%‬بح قاع‪%‬دة الرجعي‪%‬ة غ‪%‬ير ق‪%‬ادرة على‬
‫محو اثار العقد بصفة مطلقة وذلك اما بسبب استحالة مادية محضة تعود اساسا الى ن‪%%‬وع االل‪%%‬تزام الباط‪%%‬ل‬
‫او الن القانون اقتضى صراحة استثناء الرجعية او تحديد مقدار ما يمكن رده في حاالت معينة وهذا دليل‬
‫على ان العقد الباط‪%‬ل ق‪%%‬ادر على اح‪%‬داث اث‪%‬ار قانوني‪%‬ة ب‪%‬الرغم من بطالن‪%‬ه وه‪%‬ذا م‪%‬ا اك‪%‬دت علي‪%‬ه محكم‪%‬ة‬
‫التعقيب في قرارها عدد ‪ 23712‬المؤرخ في ‪ 4‬جوان ‪ 2003‬الذي جاء فيه ان ‪" :‬العقد الباطل ال وجود‬
‫له منذ البداية وال تصححه المصادقة واالجازة وال يسقط الدفع ببطالنه اما العقد القابل لالبطال فهو يرتب‬
‫اثاره كالعقد الصحيح في مرحلة اولى‪.)39( "...‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬نسبية االثر الرجعي للبطالن‬

‫لقد الحظ بعض الفقهاء ومنهم الفقي‪%%‬ه ‪ J-PIEDELIVRE‬ان تص‪%%‬ور اس‪%%‬تثناءات لقاع‪%%‬دة الرجعي‪%%‬ة مثلم‪%%‬ا‬
‫ذهب اليه الفقه السائد يعني بالضرورة قبول الفكرة التي مفاده‪%%‬ا ان العق‪%‬د الباط‪%%‬ل ق‪%%‬ادر على اح‪%%‬داث اث‪%%‬ار‬
‫قانونية بالرغم من بطالنه‪ .‬فقد اعتبر هذا الفقيه ان ه‪%%‬ذه الفك‪%%‬رة خاطئ‪%%‬ة تمام‪%%‬ا معت‪%%‬برا ان المع‪%%‬دوم ال ينتج‬
‫‪39‬‬
‫قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 23712‬مؤرخ في ‪ 4‬جوان ‪ 2003‬نشرية محكمة التعقيب لعام ‪ 2003‬الجزء الثاني المدني العام ص ‪ 37‬وما يليها‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫عنه شى وال يمكنه بحكم طبيعت‪%‬ه إح‪%‬داث اي اث‪%‬ر ق‪%%‬انوني فاآلث‪%‬ار ال‪%‬تي ق‪%%‬د ت‪%‬ترتب عن العق‪%‬د أحيان‪%‬ا رغم‬
‫بطالنه ال ترد وال تعتبر استثناء لقاعدة الرجعية حسب هذا الفقيه‪ .‬بل ان هذه اآلثار المترتبة هي وليدة ما‬
‫تبقي صحيحا من ذلك العقد ووجود هذه اآلثار دليل على بقاء جزء من العقد صحيحا‪.‬‬

‫وقد نتج عن هذا التحليل ان ما يعتبره الفقه استثناء يعد في منطق هذه النظرية حالة بطالن جزئي‬
‫للعقد‪ .‬إال ان هذه المحاولة الجريئة بقيت منعزلة في الفقه وفي القانون المقارن‪ .‬وهذا يث‪%‬ير التس‪%‬اؤل ح‪%‬ول‬
‫احتمال انحياز المشرع التونس‪%%‬ي له‪%%‬ا لم‪%%‬ا نص علي‪%%‬ه بالفص‪%%‬ل ‪ 326‬فق‪%%‬رة ‪ 1‬م‪.‬ا‪.‬ع)‪ .(40‬فح‪%%‬االت البطالن‬
‫الجزئي التي تعلق بها هذا النص يختلف نطاقها عن نطاق البطالن الجزئي بمعن‪%%‬اه التقلي‪%%‬دي‪ .‬وال‪%%‬ذي اق‪%%‬ره‬
‫المشرع التونسي بالفصل ‪ 327‬م‪.‬ا‪.‬ع أخذا عن الفصل ‪ 139‬من المجلة المدنية األلمانية‪ .‬إال ان‪%%‬ه تتط‪%%‬ابق‬
‫االلتزامات الالحقة التي تبقي قائمة بع‪%%‬د زوال البطالن األص‪%%‬لي حس‪%%‬بما أورده الفص‪%%‬ل ‪ 326‬فق‪%%‬رة أولى‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع مع نطاق استثناءات قاعدة الرجعية التي ال يبررها ايضا بناء على م‪%%‬ا اجم‪%%‬ع علي‪%%‬ه الفق‪%%‬ه الس‪%%‬ائد إال‬
‫)‪(41‬‬
‫ونخلص بدراس‪%%‬ة‬ ‫"الق‪%%‬انون" (‪ )1‬أو االس‪%%‬تحاالت المادي‪%%‬ة ال‪%%‬تي يرج‪%%‬ع س‪%%‬ببها إلى "االل‪%%‬تزام"(‪)2‬‬
‫المسؤولية المدنية الناجمة عن بطالن العقد( ‪.)3‬‬

‫فقرة أولى ‪:‬الحاالت التي يقتضي فيها القانون بقاء أثار العقد الباطل‬

‫تدخل المشرع في عدة حاالت للح‪%%‬د من اث‪%%‬ار البطالن وذل‪%%‬ك ام‪%%‬ا مراع‪%%‬اة لمص‪%%‬الح من تعاق‪%%‬د عن‬
‫حسن نية (أ) أو لفائدة قاصري األهلية (ب) أو دفاعا عن الغير الذي تضرر من العقد الباطل (ج)‪.‬‬

‫حالة المتعاقد حسن النية‬ ‫ا‪.‬‬

‫لدراسة هذه الحالة وجب بدءا التعرض لمفهوم الحائز بشبهة وهو من ح‪%%‬از م‪%%‬ال غ‪%%‬يره دون ان يعلم‬
‫عدم صحة سند حوزه أي حاز مال غيره بموجب عقد باطل دون علمه ب‪%%‬ذلك‪ .‬فق‪%%‬د اهتم المش‪%%‬رع بوض‪%%‬عه‬
‫ويظهر ذلك جليا من خالل الفصل ‪ 44‬م‪.‬ح‪.‬ع (‪ .)42‬وهذا تكريس صريح لنس‪%%‬بية االث‪%%‬ر ال‪%%‬رجعي للبطالن‬
‫فرغم بطالن سند الحوز إال ان‪%%‬ه ي‪%%‬رتب مجم‪%%‬وع أث‪%%‬ار س‪%%‬الفة ال‪%%‬ذكر‪ .‬وه‪%%‬ذا يع‪%%‬د اس‪%%‬تثناء أراد المش‪%%‬رع ب‪%%‬ه‬
‫‪40‬‬
‫فصل ‪ 326‬فقرة أولى ‪ :‬إذا بطل االلتزام األصلي بطل ما التحق به من االلتزامات إال إذا اقتضي نوعها او القانون ما يخالف ذلك "‪.‬‬

‫‪ 41‬تفسير أحكام الفقرة ‪ 1‬من الفصل ‪ 326‬م ا ع باعتبارها تكريس للنظرية التي تبنها الفقيه ‪ J-PIEDELIVRE‬قد يكون مقبوال خاص‪%%‬ة وان ظه‪%%‬ور‬
‫هذه النظرية تزامن تاريخيا مع الفترة التي تم أثناءها إعداد م ا ع هذا كما أورده األستاذ محمد الزين‪.‬‬

‫‪ 42‬الفصل ‪ 44‬م ح ع " من حاز مال غيره بشبهة فليس عليه ان يرد من الغلة إال ما كان موجودا منها وقت القيام عليه من مستحقها و ما حصل‬
‫له منها من ذلك التاريخ‪ .‬وعليه مصروف الحفظ واالستغالل‪ .‬والحائز بشبهة هو الحائز بوجه ال يعلم عيبه"‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫اجتناب إثقال كاهل من تصرف في شى عن حسن نية على انه مالك إال ان هذا االستثناء يختل‪%%‬ف اختالف‬
‫تام عن الوضعية ال‪%%‬تي ج‪%%‬اء به‪%%‬ا الفص‪%%‬ل ‪ 42‬وهي وض‪%%‬عية الغاص‪%%‬ب ال‪%%‬ذي اوجب علي‪%%‬ه المش‪%%‬رع رد م‪%%‬ا‬
‫غصبه من عين مع جميع ما حصل عليه او ما كان سيحصل عليه من الغلة من‪%%‬ذ وض‪%%‬ع ي‪%%‬ده على الش‪%%‬يء‬
‫(‪.)43‬‬

‫حالة قاصري األهلية‬ ‫ب‪.‬‬

‫يعرف االستاذ محمد كمال شرف الدين األهلية بكونها " قدرة الشخص على تحمل االلتزامات وعلى‬
‫اكتساب الحقوق وممارس‪%%‬تها "‪ .‬ويف‪%%‬رق اغلب الفقه‪%%‬اء بين ن‪%%‬وعين من االهلي‪%%‬ة وهم‪%%‬ا اهلي‪%%‬ة االداء واهلي‪%%‬ة‬
‫الوجوب‪ .‬فأما االولي فيعرفها األستاذ محمد الزين بأنها صالحية من له حق عل ممارسته بنفس‪%%‬ه‪ .‬وتنع‪%%‬دم‬
‫اهلية االداء لدى الشخص الطبيعي في صورتين تتحدان في فقدان القدرة على التمييز لدى ص‪%%‬احب الح‪%%‬ق‬
‫وهي صورة الصغير غير المميز والمجنون(‪ .)44‬اما اهلية الوج‪%%‬وب فهي ق‪%%‬درة الش‪%%‬خص لتمت‪%%‬ع ب‪%%‬الحقوق‬
‫وتحمل الواجبات التي يقررها القانون ووجب ان تكون اهلية الوجوب كاملة التصالها بالشخصية القانونية‬
‫فبانعدامها تنعدم الشخصية القانونية‪.‬‬

‫وانطالقا من ذلك فان المفعول الرجعي للبطالن ال ينسحب بصفة مطلقة على قاصر االهلية اذا تعاقد‬
‫مع رشيد متمتع بكامل اهليته وتحصله على حكم يقضي ببطالن ذلك العقد‪.‬‬

‫ويفهم من الفصل ‪ 13‬م‪.‬ا‪.‬ع(‪ )45‬أن القاصر ال يكون ملزما إال بالقدر الذي انتف‪%%‬ع ب‪%%‬ه من ج‪%%‬راء العق‪%%‬د‬
‫الباطل وتعتبر المنفعة حاصلة في صورة إنفاق المال في مصاريف الزمة أو مصاريف نافعة وك‪%%‬ذلك في‬
‫صورة وجود المال عند القاصر‪ .‬وهو ما ذهب إليه كذلك الدكتور عبد الرزاق احمد السنهوري "وإذا كان‬
‫العقد قابال لإلبطال لنقص أهلية احد المتعاقدين وأبطل فان ناقص االهلية يسترد ما دفع ‪."...‬‬

‫حالة الغير المتضرر من العقد‬ ‫ج‪.‬‬

‫لق‪%%‬د س‪%%‬عي المش‪%%‬رع للتقليص من مخ‪%%‬اطر الرجعي‪%%‬ة بالنس‪%%‬بة للغ‪%%‬ير المتض‪%%‬رر من العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل في‬
‫صورتين ‪:‬‬

‫حالة العقارات المسجلة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ 43‬محمد الزين ‪:‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.222‬‬


‫‪ 44‬نعمان المشالي ‪:‬المرجع السابق‪ .‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 45‬الفصل ‪ 13‬م ا ع ‪" :‬إذا تمم الرشيد ما التزم به للصغير أو القاصر فهما ملزمان بقدر م‪%%‬ا انتفع‪%%‬ا ب‪%%‬ه من ج‪%%‬راء ذل‪%%‬ك والمنفع‪%%‬ة الم‪%%‬ذكورة تعت‪%%‬بر‬
‫حاصلة إذا انفقا المال الذي أخذاه في مصاريف الزمة او نافعة أو كان موجودا عندهما"‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إن إبطال ترسيم الحق بإدارة الملكية العقارية ال يمكن أن يعارض به الغير المكتسب لحقوق عن حسن‬
‫نية وهذا ما جاء ب‪%%‬ه الفص‪%%‬ل ‪ 305‬من م‪.‬ا‪.‬ع المتعل‪%%‬ق بالعق‪%%‬ارات المس‪%%‬جلة (‪ .)46‬ذل‪%%‬ك أن األص‪%%‬ل ه‪%%‬و أن‬
‫مفعول البطالن يمتد إلى الغير غير أن المشرع وحرص‪%%‬ا من‪%%‬ه علي حماي‪%%‬ة الغ‪%%‬ير حس‪%%‬ن الني‪%%‬ة ق‪%%‬د قي‪%%‬د في‬
‫بعض الحاالت من امتداد هذا األثر إلى الغير‪ .‬كحالة الفصل ‪ 305‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬

‫إال أن هذا الحكم ال ينسحب على العقارات غير المسجلة والتي تبقي حقوق الغير المتعلقة به‪%%‬ا عرض‪%%‬ة‬
‫للسقوط بمجرد بطالن حقوق أسالفهم عليه‪%‬ا وذل‪%‬ك لس‪%‬ببين أولهم‪%‬ا قس‪%‬اوة قاع‪%‬دة الرجعي‪%‬ة وثانيهم‪%‬ا عمال‬
‫بقاعدة ال يمكن لشخص أن يمنح لغيره أكثر مما لنفسه من حقوق و التي جاء بها الفصل ‪ 551‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬

‫قانون الشركات ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫يعد قانون الشركات من الصور التي قلص من خاللها المش‪%%‬رع من مخ‪%%‬اطر الرجعي‪%%‬ة بالنس‪%%‬بة للغ‪%%‬ير‬
‫المتض‪%%‬رر من العق‪%%‬د حيث ورد بك‪%%‬ل من الفص‪%%‬ل ‪ 18‬والفص‪%%‬ل ‪ 182‬من مجل‪%%‬ة الش‪%%‬ركات التجاري‪%%‬ة اى‬
‫الفص‪%%‬لين ‪ 62‬و‪ 156‬من المجل‪%%‬ة التجاري‪%%‬ة س‪%%‬ابقا ان‪%%‬ه ال يج‪%%‬وز للش‪%%‬ركة أو الش‪%%‬ركاء االحتج‪%%‬اج ببطالن‬
‫الشركة على غيرهم سواء تعلق األمر بشركة خفية االسم أو بشركة محدودة المس‪%%‬ؤولية وه‪%%‬و م‪%%‬ا كرس‪%%‬ته‬
‫كذلك المادة ‪ 507‬من التقنين المدني المصري (‪.)47‬‬

‫فقرة ثانية ‪ :‬الحاالت التي يقتضي فيها نوع االلتزام بقاء أثار العقد الباطل‬

‫تتعلق هذه الحاالت خاصة بالعقود الزمنية التي تقض‪%%‬ي المح‪%%‬اكم ببطالنه‪%%‬ا بع‪%%‬د تنفي‪%%‬ذها على امت‪%%‬داد م‪%%‬دة‬
‫زمنية طويلة ويقر الجميع باستحالة محو ما وقع تنفيذه من هذه العقود او الرجوع فيه كعق‪%%‬د الك‪%%‬راء‪ ،‬عق‪%%‬د‬
‫الشغل كذلك عقد الشركة‪.‬‬

‫عقد الكراء‬ ‫ا‪.‬‬

‫يعتبر عقد الكراء من العقود الزمنية التي استثناها المشرع من مبدأ االثر الرجعي للبطالن‪.‬‬

‫فعقد الكراء او التسويغ الذي ابرمه القاصر او ضعيف العقل اذا وقع ابطاله نظرا الن مدته تجاوزت‬
‫الثالث سنوات والحال ان ذلك ال يصح قانونا ما عدا بإذن خاص من القاضي المختص وه‪%%‬ذا نفس المب‪%%‬دا‬

‫‪ 46‬الفص‪%%‬ل ‪ 305‬من م ا ع ‪":‬وإبط‪%%‬ال الترس‪%%‬يم ال يمكن أن يع‪%%‬ارض ب‪%%‬ه الغ‪%%‬ير ال‪%%‬ذي اكتس‪%%‬ب حقوق‪%%‬ا علي العق‪%%‬ار عن حس‪%%‬ن ني‪%%‬ة واعتم‪%%‬ادا علي‬
‫الترسيمات الواردة بالسجل "‪( .‬وقع تنقيح أحكام هذا الفصل بموجب الفصل األول من القانون عدد ‪ 46‬الم‪%%‬ؤرخ في ‪ 4‬م‪%%‬اي ‪ 1992‬المتعل‪%%‬ق بتنقيح‬
‫وإتمام بعض الفصول من مجلة الحقوق العينية)‪.‬‬
‫‪ 47‬محمد الزين‪ .‬المرجع السابق ‪.‬طبعة سنة ‪ 1993‬ص ‪. 222‬‬

‫‪30‬‬
‫الذي اورده الق‪%‬رار التعقي‪%‬بي الم‪%‬دني ع‪%‬دد ‪ 6755‬م‪%‬ؤرخ في ‪ 9‬ديس‪%‬مبر ‪ 1982‬وك‪%‬ذلك تطبيق‪%‬ا ألحك‪%‬ام‬
‫الفصل ‪ 15‬من م‪.‬ا‪.‬ع وتم فيه تسليم العين المكتراة وقبض معين الكراء وبالتالي ال يمكن ان يخض‪%%‬ع له‪%%‬ذا‬
‫المبدأ الن المكتري قد انتفع فعال بالعين المكتراة وال يمكن رد ه‪%%‬ذه المنفع‪%%‬ة الس‪%%‬تحالة ذل‪%%‬ك ويك‪%%‬ون ب‪%%‬ذلك‬
‫القاضي ملزما بالحكم بالتعويض‪.‬‬

‫أما في ما يتعلق بالحدود المتعلقة بتحديد المقدار الواجب رده يمكن القول ان‪%‬ه بالنس‪%‬بة للمتعاق‪%%‬دين في‬
‫صورة ما إذا كان احدهما ناقص أهلي‪%%‬ة ف‪%%‬ان الفص‪%%‬ل ‪ 13‬من م‪.‬ا‪.‬ع يجع‪%%‬ل من ن‪%%‬اقص االهلي‪%%‬ة غ‪%%‬ير مل‪%%‬زم‬
‫بالرد إال في حدود ما عاد عليه من المنفعة بسبب تنفيذ العقد (‪.)48‬‬

‫فانتفاع المستأجر بالعين المؤجرة وبطالن عق‪%%‬د اإليج‪%%‬ار بع‪%%‬د ف‪%%‬ترة من ذل‪%%‬ك االنتف‪%%‬اع‪ ،‬والختالف عق‪%%‬د‬
‫اإليجار عن عقد البيع الذي يترتب عليه (عقد البيع) اس‪%%‬ترداد م‪%%‬ا وق‪%%‬ع دفع‪%%‬ه وف‪%%‬ان عق‪%%‬د اإليج‪%%‬ار في ه‪%%‬ذه‬
‫الحال يستحيل معه رد هذه المنفعة الستحالة ذلك فيحكم علي المستأجر بتعويض عادل ‪.‬‬

‫عقد الشغل‬ ‫ب‪.‬‬

‫باعتبار أن عقد الشغل من العقود الملزمة لج‪%%‬انبين وال‪%%‬ذي وق‪%%‬ع تعريف‪%%‬ه بالفص‪%%‬ل ‪ 6‬من مجل‪%%‬ة ق‪%%‬انون‬
‫الشغل(‪.)49‬وحيث يفهم منه ان عق‪%%‬د الش‪%%‬غل ه‪%%‬و عق‪%%‬د يل‪%%‬تزم في اط‪%%‬اره ك‪%%‬ل من الم‪%%‬ؤجر واالج‪%%‬ير بالوف‪%%‬اء‬
‫بااللتزامات المتبادلة والتي تتمثل عموم‪%%‬ا في القي‪%%‬ام باألعم‪%%‬ال المتف‪%%‬ق عليه‪%%‬ا حس‪%%‬ب الش‪%%‬روط المض‪%%‬بوطة‬
‫بالعقد مقابل التمتع باألجر عن الخدمات التي يقدمها االجير‪.‬‬

‫وانطالقا من ذلك وحدا من قاعدة الرجعية التي تحول دون بقاء اثار العقد الباطل فانه في اطار عق‪%%‬د‬
‫الشغل وبالرغم من بطالن هذا العقد فانه وجب ان يتسلم االجير اجره الكامل مقاب‪%%‬ل الخ‪%%‬دمات ال‪%%‬تي اداه‪%%‬ا‬
‫لصالح المؤجر وال يمكن للمؤجر التفصي من أداء ما انتفع به محتجا في ذلك ببطالن عقد الشغل وبقاعدة‬
‫الرجعية‪.‬‬

‫عقد الشركة‬ ‫ج‪.‬‬

‫إن إبطال عقد الشركة الذي وقع تعريفه بالفصل ‪ 1249‬من م‪.‬ا‪.‬ع (‪ )50‬وتطبيق مب‪%%‬دأ األث‪%%‬ر ال‪%%‬رجعي‬
‫للبطالن عليه يصطدم بحقيقة األشياء‪ .‬فالشركة باإلضافة الى كونها عقدا فهي ش‪%%‬خص معن‪%%‬وي ل‪%%‬ه وج‪%%‬ود‬
‫قانوني متمتع به قبل القضاء ببطالنه‪ .‬من خالل إبرام معامالت أكسبته حقوقا وحملته واجب‪%%‬ات‪ ،‬فبطالنه‪%%‬ا‬

‫‪ 48‬نعمان لمشالي ‪ .‬المرجع سابق الذكر ص ‪.116-115‬‬


‫‪ 49‬الفصل ‪ 6‬من م ش ‪":‬اتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين ويسّمى عامال أو أجيرا بتقديم خدماته للطرف اآلخر ويسمى مؤجرا وذل‪%%‬ك تحت إدارة‬
‫ومراقبة هذا األخير وبمقابل أجر"‪.‬‬
‫‪ 50‬الفصل ‪ 1249‬من م ا ع ‪" :‬تعاقد اثنين أو أكثر علي خلط أموالهم أو احدهما فقط بقصد االشتراك فيما يتحصل من ربحها"‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ي‪%‬ترتب عن‪%‬ه إلح‪%‬اق أض‪%‬رار ب‪%‬الغير وبمص‪%‬الح الش‪%‬ركاء‪ .‬إال ان‪%‬ه وض‪%‬مانا ألمن المع‪%‬امالت وتفادي‪%‬ا له‪%‬ذه‬
‫المساوي وقع إقرار نظ‪%%‬ام متم‪%%‬يز لبطالن الش‪%%‬ركة‪ .‬من ش‪%%‬انه التخفي‪%%‬ف من ح‪%%‬دة األث‪%%‬ر ال‪%%‬رجعي وفي ه‪%%‬ذا‬
‫اإلطار ذهب فق‪%%‬ه القض‪%%‬اء الى ان عق‪%%‬د الش‪%%‬ركة يس‪%%‬تمر في إنت‪%%‬اج أث‪%%‬اره رغم إبطال‪%%‬ه بحيث تك‪%%‬ون تص‪%%‬فية‬
‫(‪)51‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشركة وفق ما يتضمنه من أحكام وتقسم األرباح والخسائر وفقا للشروط المتفق عليها‬

‫إال أن لهذه القاعدة حدود سيقع التطرق إليها بعد حصر االستثناءات‪.‬‬

‫فنسبية األثر الرجعي للبطالن في عقد الشركة يحتم ضرورة مراعاة حقوق الغير التي تكفل المشرع‬
‫بضمانها على النحو الذي بيناه سابقا في ما يتعلق ب‪%%‬الغير المتض‪%%‬رر من العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل ب‪%%‬ل أن ذل‪%%‬ك ال يفي‬
‫بالغرض فال بد من تصفية الشركة وتوزيع الم‪%‬رابيح وقس‪%‬متها بين الش‪%‬ركاء ووجب إلعم‪%‬ال ذل‪%‬ك اس‪%‬تناد‬
‫القاضي إلى عقد الشركة الباطل الذي قد يصعب من دون‪%%‬ه تحدي‪%%‬د نس‪%%‬بة األم‪%%‬وال والحق‪%%‬وق الراجع‪%%‬ة لك‪%%‬ل‬
‫شريك بموجب التصفية‪.‬‬

‫كما انه بإمكان المحاكم اعتماد عقد الشركة الباطل في مثل هذه الصور إذا م‪%%‬ا تبنت نظري‪%%‬ة البطالن‬
‫الجزئي واعتبرت أن أعمال التصفية الضرورية هي من االلتزام‪%%‬ات الملتحق‪%%‬ة ب‪%%‬االلتزام األص‪%%‬لي الباط‪%%‬ل‬
‫التي يقتضي نوع االلتزام بقاءها بما يجوز معه اعتبار عقد الشركة قائما في حدود إلى ح‪%%‬د انته‪%%‬اء أعم‪%%‬ال‬
‫التصفية وهذا عموما الحل المعمول به قانون‪%%‬ا في ص‪%%‬ورة ح‪%%‬ل الش‪%%‬ركة وال‪%%‬ذي يمكن اعتم‪%%‬اده في ص‪%%‬ورة‬
‫(‪)52‬‬
‫‪.‬‬ ‫بطالنها بالرجوع الى أحكام الفصل ‪ 326‬فقرة أولى من م‪.‬ا‪.‬ع‬

‫حدود القاعدة‬ ‫‪‬‬

‫ان القاع‪%%‬دة الفق‪%%‬ه قض‪%%‬ائية )‪ (53‬لم تج‪%%‬ري على إطالقه‪%%‬ا حيث يس‪%%‬تبعد تطبيقه‪%%‬ا في بعض الح‪%%‬االت‬
‫كبطالن الشركة لعدم مشروعية السبب او المحل ويبرر ذلك بعدم جواز ترتيب أثار عن عق‪%%‬د مخ‪%%‬الف‬
‫للنظام العام‪.‬‬

‫كما يوجد حد اخر لهذه القاعدة تناوله الفص‪%%‬ل ‪ 28‬م‪.‬ش‪.‬ت (‪ .)54‬ومف‪%%‬اده ان تص‪%%‬فية الش‪%%‬ركة وفق‪%%‬ا‬
‫للنظام المتفق عليه ضمن العقد التأسيس‪%‬ي (اذ اعت‪%‬بر ه‪%‬ذا االخ‪%‬ير ص‪%%‬حيحا) يس‪%‬تدعي ان تك‪%‬ون االتفاق‪%%‬ات‬

‫‪ 51‬رضا بن كريم ‪.‬المرجع سابق الذكر ‪.‬ص ‪.180‬‬


‫‪ 52‬محمد الزين ‪.‬المرجع سابق الذكر ‪.‬طبعة سنة ‪ 1993‬ص ‪. 224‬‬
‫‪ 53‬القاعدة ‪:‬عقد الشركة يستمر في إنتاج أثاره رغم إبطاله بحيث يتم تصفية الشركة وفقا لألحكام المضمنة وتقسم األرباح والخسائر وفقا للشروط‬
‫المتفق عليها‪.‬‬
‫‪ 54‬الفصل ‪ 28‬م ش ت " تخضع تصفية الشركة المنحلة ألحكام عقدها التأسيسي ما لم يكن مخالفا للقواعد اآلمرة الجاري بها العمل "‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫المتعلقة بالتصفية غير مشوبة بعدم المشروعية‪.‬‬

‫والمالحظ ان هذا الموقف منسجم مع التشريع التونسي كما الحظنا ذل‪%%‬ك بالفص‪%%‬ل ‪ 28‬بي‪%%‬د ان‪%%‬ه من‬
‫المالحظ ان هذا الفصل ينطبق على عقد الش‪%%‬ركة الص‪%%‬حيح اال ان‪%%‬ه ومن ب‪%%‬اب اولى ان ينطب‪%%‬ق على العق‪%%‬د‬
‫(‪)55‬‬
‫‪.‬‬ ‫الباطل‬

‫وهكذا نكون قد انتهينا من استعراض جملة اثار العقد التي من ابرزها رد ما وقع دفعه او قبضه‬
‫بموجب العقد الباط‪%%‬ل بي‪%%‬د ان ال‪%%‬رد ق‪%%‬د ال يكفي إلع‪%‬ادة االح‪%%‬وال الى م‪%%‬ا ك‪%%‬انت علي‪%%‬ه مم‪%%‬ا ي‪%%‬ؤدي الى قي‪%%‬ام‬
‫المسؤولية المدنية الناتجة عن بطالن العقد‪.‬‬

‫فقرة ثالثة‪ :‬المسؤولية المدنية الناجمة عن بطالن العقد‬

‫تعرف المسؤولية المدنية عموما بكونها التزام طرف بتعويض الضرر الذي سببه للطرف األخر‪.‬‬
‫إال أن المسؤولية المدنية المترتبة عن بطالن العقد قد مثلت من‪%%‬اط ج‪%%‬دل فقهي ح‪%%‬ول طبيعته‪%%‬ا القانوني‪%%‬ة ان‬
‫ك‪%%‬انت تقص‪%%‬يرية ام عقدي‪%%‬ة‪ .‬حيث يعت‪%%‬بر اغلبي‪%%‬ة الش‪%%‬راح ان المس‪%%‬ؤولية المدني‪%%‬ة ال يمكن ان تك‪%%‬ون إال‬
‫تقصيرية ولعل ابرزهم الفقيه السنهوري‪.‬‬

‫نالحظ ان المشرع التونسي لم ينظم المس‪%%‬ؤولية المدني‪%%‬ة المترتب‪%%‬ة عن بطالن العق‪%%‬د رغم تعرض‪%%‬ه‬
‫لنظرية البطالن وهو ما يفسر شبه غي‪%%‬اب كلي لفق‪%%‬ه قض‪%%‬اء في ه‪%%‬ذه المج‪%%‬ال إال ان‪%%‬ه يمكن تفس‪%%‬ير س‪%%‬كوت‬
‫المشرع بإحالة ضمنية على القواعد العامة للمس‪%%‬ؤولية التقص‪%%‬يرية ال‪%%‬واردة خاص‪%%‬ة بالفص‪%%‬لين ‪ 82‬و ‪83‬‬
‫من م‪.‬ا‪.‬ع وهو ما يعني امكانية قيام الطرف المتضرر من بطالن العقد ل‪%%‬دى المح‪%%‬اكم في طلب التع‪%%‬ويض‬
‫استنادا الى االساس التقصيري المتمثل في اثبات ان الطرف المتس‪%%‬بب في البطالن ك‪%%‬ان يعلم الخل‪%%‬ل ال‪%%‬ذي‬
‫يعتري العقد ومع ذلك اقدم على التعاقد مع الطرف حسن النية‪.‬‬

‫والمالح‪%%%‬ظ عموم‪%%%‬ا ان طلب التع‪%%%‬ويض وجب ان يقتص‪%%%‬ر على الخس‪%%%‬ارة ال‪%%%‬تي لحقت الط‪%%%‬رف‬
‫المتضرر من بطالن العقد إال ان قيام هذه المسؤولية يفترض على المتعاق‪%%‬د المتض‪%%‬رر من البطالن اثب‪%%‬ات‬
‫عناصر المسؤولية وهي الخطاء والضرر والعالقة السببية بينهما‪.‬‬

‫(‪)56‬‬
‫‪.‬‬ ‫ولعل اهم اثر لهذه المسؤولية هو التعويض عن الخسارة التي قد تلحق المتضرر من البطالن‬
‫وعموما فانه وبتنوع االضرار التي قد ت‪%%‬ترتب عن بطالن العق‪%%‬د كمص‪%%‬اريف تحري‪%%‬ر العق‪%%‬د او مص‪%%‬اريف‬
‫تسجيله بالقباضة المالية او تفويت فرصة في ابرام عقد اخر وجب اثبات الخطاء‪ .‬وحسب الفقه السائد فان‬

‫‪55‬‬
‫رضا بن كريم‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.181‬‬
‫‪56‬‬
‫نعمان لمشالي‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬ص ‪.127-126‬‬

‫‪33‬‬
‫الخط‪%%‬اء يتمث‪%%‬ل في حم‪%%‬ل الط‪%%‬رف المتض‪%%‬رر على التعاق‪%%‬د رغم س‪%%‬ابقية العلم بوج‪%%‬ود خل‪%%‬ل يع‪%%‬تري ص‪%%‬حة‬
‫العقد(‪ .)57‬فإذا نتج البطالن عن خطاء ينسب للمتعاقد فمن حق المتعاقد االخ‪%%‬ر طلب تع‪%%‬ويض على اس‪%%‬اس‬
‫المسؤولية التقصيرية ال العقدية‪.‬‬

‫خالصة الجزء الثاني‬

‫يمكن ان نستنتج مما سبق ان البطالن هو الجزاء الم‪%%‬دني الوحي‪%%‬د ال‪%%‬ذي يمكن تس‪%%‬ليطه على العق‪%%‬د‬
‫الذي تخلف ركن من أركانه األساسية او احد شروط صحته عند تكوينه وقد اهتم المشرع التونسي بتنظيم‬
‫نظرية البطالن الجزئي كحال عمليا لضمان االستقرار التعاقدي وإرساء اآللي‪%%‬ات الهادف‪%%‬ة الى االبق‪%%‬اء على‬
‫الوجود القانوني للعقد معتبرا في ذلك ان البطالن الذي قد ينصب على كامل العقد قد ي‪%‬ترتب علي‪%‬ه تبع‪%‬ات‬

‫‪57‬‬
‫محمد الزين‪ .‬المرجع سابق الذكر‪ .‬طبعة سنة ‪ 1993‬ص ‪.224‬‬

‫‪34‬‬
‫اقتصادية واجتماعية قد تصل الى حد تهديد االستقرار التعاقدي‪ .‬فاالصل و المبدا زوال العقد ب‪%%‬اثر رجعي‬
‫وهو ما تطرقنا له في الفقرة االولى والذي كرسه المشرع التونسي في كل من الفص‪%%‬لين ‪ 326‬و‪ 327‬من‬
‫م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬ع معلال ذلك بكون ان العقد الباط‪%‬ل عق‪%‬د مع‪%‬دوم ال ينتج اث‪%‬ارا وال ي‪%‬ترتب علي‪%‬ه غ‪%‬ير رد م‪%‬ا وق‪%‬ع‬
‫دفعه‪.‬‬

‫بيد انه ورغم التكريس الواضح له‪%‬ذه النظري‪%‬ة ف‪%%‬ان ذل‪%‬ك ال ينفي وج‪%‬ود اس‪%‬تثناءات هام‪%‬ة وق‪%‬ع‬
‫التطرق اليها في الفقرة الثانية‪ .‬ويفسر ذلك في صورتين‪:‬‬

‫فأما الصورة االولى فتتعلق بحاالت يقتضي فيها القانون بقاء اثار_العقد الباطل_كحال‪%%‬ة المتعاق‪%%‬د‬
‫حسن النية الذي اعف‪%%‬اه المش‪%%‬رع من رد الغل‪%%‬ة ال‪%%‬تي حازه‪%%‬ا عن حس‪%%‬ن ني‪%%‬ة‪ .‬باإلض‪%%‬افة الي حال‪%%‬ة قاص‪%%‬ري‬
‫االهلية الذي ال يكون ملزما إال بالقدر الذي انتفع به من ج‪%%‬راء العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل وتعت‪%%‬بر المنفع‪%%‬ة حاص‪%%‬لة في‬
‫صورة انفاق المال في مصاريف الزمة او مصاريف نافعة وكذلك في صورة وجود الم‪%%‬ال عن‪%%‬د القاص‪%%‬ر‬
‫باإلضافة الى حالة الغير المتضرر من العقد حيث ان المش‪%‬رع قلص من مخ‪%‬اطر الرجعي‪%‬ة بالنس‪%‬بة للغ‪%‬ير‬
‫المتضرر من العقد في صورتين االولى تتعلق بالعقارات اما الصورة الثانية تتعلق بقانون الشركات حيث‬
‫انه ال يجوز للشركة او للشركاء االحتجاج ببطالن الشركة على غيرهم‪.‬‬

‫اما الصورة الثانية فتتعلق بحاالت يقتضي فيها نوع االل‪%%‬تزام بق‪%%‬اء ه‪%%‬ذه االث‪%%‬ار‪ .‬والمتعلق‪%%‬ة عموم‪%%‬ا‬
‫بالعقود الزمنية كعقد الكراء وعق‪%‬د الش‪%%‬غل وعق‪%‬د الش‪%%‬ركة حيث ان‪%%‬ه في اط‪%%‬ار عق‪%‬د الش‪%%‬غل وجب ان ين‪%%‬ال‬
‫االجير مقابل الخدمات التي اداها لمؤجره وانه ال يحق لهذا االخير ان يحتج ببطالن عقد الش‪%%‬غل ليتفص‪%%‬ي‬
‫من اداء مقابل ما انتفع به‪ .‬أما في ما يتعلق بعقد الشركة فانه باإلضافة الي االستثناء القانوني المتمث‪%%‬ل في‬
‫عدم احتجاج الشركاء ببطالن عقد الشركة علي غ‪%‬يرهم فان‪%‬ه هن‪%‬اك اس‪%‬تثناء اخ‪%‬ر لع‪%‬دم الرجعي‪%‬ة في عق‪%‬د‬
‫الشركة يتمثل في امكانية االستناد الى عقد الشركة الباطل عند تصفية الشركة وذلك لتوزيع المرابيح على‬
‫الشركاء وتحديد نسبة الخسائر و قسمتها على الشركاء‪.‬‬

‫هك‪%%‬ذا نك‪%%‬ون ق‪%%‬د استعرض‪%%‬نا اث‪%%‬ار العق‪%%‬د بم‪%%‬ا تحتوي‪%%‬ه من مب‪%%‬دأ زوال العق‪%%‬د الباط‪%%‬ل ب‪%%‬أثر رجعي‬
‫واالستثناءات الهامة التي تحد من حدة ه‪%%‬ذا المب‪%%‬دأ إال ان‪%%‬ه وجب علين‪%%‬ا ان ال نس‪%%‬هو عن مس‪%%‬الة التع‪%%‬ويض‬
‫والتى تعرف بالمسؤولية المدنية الناجمة عن بطالن العقد والتي تفسر بكون انه اذا نتج البطالن عن خط‪%%‬ا‬
‫ينسب للمتعاقد فمن حق المتعاقد االخر طلب تعويض على اساس المسؤولية التقصيرية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫الخالصة العامة‬

‫‪36‬‬
‫ان البطالن كجزاء مدني فعال ذا صبغة ردعية مثل وال يزال يمثل الوصف الذي يلحق التصرف‬
‫القانوني الذي نشا مخالفا لقاعدة قانونية والجزاء المترتب عن مخالفة شروط صحة وتكوين العقود‪.‬‬

‫باعتبار ان العقد الباطل عقد منعدم الوجود فان اساس ه‪%‬ذا االنع‪%‬دام يع‪%‬ود الى غي‪%‬اب اح‪%‬د ارك‪%‬ان‬
‫العقد الجوهرية كانعدام االهلي‪%%‬ة او الرض‪%%‬ا ك‪%%‬ذلك انع‪%%‬دام المح‪%%‬ل او الس‪%%‬بب‪ .‬إال ان‪%%‬ه و لض‪%%‬مان االس‪%%‬تقرار‬
‫التعاقدي استوجب من وجهة نظ‪%%‬ر عملي‪%%‬ة واقتص‪%%‬ادية العم‪%%‬ل على تض‪%%‬ييق نط‪%%‬اق تط‪%%‬بيق عقوب‪%%‬ة البطالن‬
‫وذلك بتكريس نظرية البطالن الجزئي‪.‬‬

‫انطالق‪%%‬ا من ه‪%%‬ذه النظري‪%%‬ة فان‪%%‬ه اص‪%%‬بح باإلمك‪%%‬ان االبق‪%%‬اء على العق‪%%‬د في ج‪%%‬زء من‪%%‬ه دون ان يمت‪%%‬د‬
‫البطالن الى جميع اجزاءه إال انه وألعمال هذه النظرية وجب توفر شروط معينة ومح‪%%‬ددة تعرض‪%%‬نا اليه‪%%‬ا‬
‫بعد دراسة الحاالت التى تحول دون اعمال هذه النظرية والتى تنقسم عموما الى اسباب موضوعية كتعلق‬
‫الخلل الذى يعترى العقد بأح‪%‬د اركان‪%‬ه الجوهري‪%‬ة من جه‪%‬ة اولى وتنقس‪%‬م ه‪%‬ذه االرك‪%‬ان الى ارك‪%‬ان تتعل‪%‬ق‬
‫بشخص المتعاقد وهي االهلية والرضا واخ‪%%‬رى تتعل‪%%‬ق بمض‪%%‬مون التعاق‪%%‬د كالمح‪%%‬ل ال‪%%‬ذي وجب ان يك‪%%‬ون‬
‫معينا او قابال لتعيين وك‪%%‬ذلك الس‪%%‬بب ال‪%%‬ذي وجب ان يك‪%%‬ون ج‪%%‬ائزا‪ .‬واس‪%%‬تحالة الفص‪%%‬ل الم‪%%‬ادي بين الج‪%%‬زء‬
‫الفاسد والجزء السليم من جهة ثانية ‪.‬فقابلية العقد للتجزئ‪%%‬ة تعت‪%%‬بر الش‪%%‬رط االساس‪%%‬ي والفاص‪%%‬ل بين امكاني‪%%‬ة‬
‫اعمال نظرية البطالن الجزئي و االبقاء على العقد في بعض اجزائه الصحيحة واتالف االج‪%%‬زاء الفاس‪%%‬دة‪.‬‬
‫وبين تسليط البطالن على كامل العقد وانعدام وجوده بس‪%%‬بب التح‪%%‬ام عناص‪%%‬ر العق‪%%‬د واس‪%%‬تحالة الفص‪%%‬ل بين‬
‫اجزائها‪ .‬الى جانب ذلك ف‪%%‬ان من بين االس‪%%‬باب الموض‪%%‬وعية الحائل‪%%‬ة دون انتق‪%%‬اص العق‪%%‬د ونج‪%%‬د تنص‪%%‬يص‬
‫القانون فى حاالت معينة على ضرورة انسحاب البطالن على كامل العقد من جهة ثالثة مثل م‪%%‬ا ج‪%%‬اء ب‪%%‬ه‬
‫الفصل ‪ 1475‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪ .‬اما في ما يتعلق باألسباب الذاتية فانه وجب دحض قرين‪%%‬ة االف‪%%‬تراض الق‪%%‬انوني‬
‫بان ارادة االطراف قد وجهت لتحقيق كامل العقد ال جزء منه‪.‬‬

‫وبذلك فقد انتقلنا الى دراسة الشروط الواجب توفره‪%%‬ا إلعم‪%%‬ال البطالن الج‪%%‬زئي وال‪%%‬تى تتمث‪%%‬ل في‬
‫قابلية العقد للتجزئة وفي غياب ه‪%%‬ذا الش‪%%‬رط ف‪%%‬ان البطالن ينص‪%%‬ب على كام‪%%‬ل العق‪%%‬د باإلض‪%%‬افة الى ت‪%%‬وفر‬
‫العناصر القانونية االساسية الالزمة في الجزء المتبقي من العقد باإلضافة الى ع‪%%‬دم ت‪%%‬أثير اس‪%%‬تبعاد الج‪%%‬زء‬
‫الباطل على تكييف العقد وإال اصبحنا بذلك في اطار الحديث عن تحول العقد اما الشرط الثاني فيتمثل في‬
‫عدم تعارض االنقاص مع ارادة المتعاقدين باعتبار ان االرادة اساس قيام العقد كك‪%%‬ل‪ .‬وهي تكريس‪%%‬ا لمب‪%%‬دأ‬
‫الحرية التعاقدية ومبدأ سلطان اإلرادة و حماية لمبدأ الثقة المشروعة كأساس لمقتضيات اس‪%%‬تقرار التعام‪%%‬ل‬
‫وتكريس لقرينة ارتضاء البطالن الجزئي اي علم المتعاقدين عند ابرام العق‪%%‬د ببطالن ش‪%%‬ق او ش‪%%‬رط من‪%%‬ه‬

‫‪37‬‬
‫هذا باإلضافة الى الدور الفعال الذي يلعب‪%‬ه القاض‪%‬ي في التح‪%‬رى عن ارادة االط‪%‬راف‪ .‬ليت‪%‬بين م‪%‬ا اذا ك‪%‬ان‬
‫سيتم ابرام العقد لو لم يوجد الشق الباطل‪.‬‬

‫وبتحليل شروط اعمال نظرية البطالن الجزئي انتقلنا الى التعرض لمختلف االثار التي قد ت‪%%‬ترتب‬
‫عن بطالن العقد والتي تطرقنا الى دراستها في الجزء الثاني‪ .‬فاألصل ه‪%%‬و انس‪%%‬حاب البطالن ب‪%%‬أثر رجعي‬
‫على كامل العقد وهذا ما كرسه المشرع التونسي كمبدا‪.‬‬

‫بيد انه ورغم التكريس الواضح لنظرية زوال العقد بأثر رجعي إال ان ثبوت هذا المبدأ ال ينفي‬
‫وجود استثناءات هامة وقع التطرق اليها في الفقرة الثانية وتتعلق ه‪%%‬ذه االس‪%%‬تثناءات ام‪%%‬ا بح‪%%‬االت يقتض‪%%‬ي‬
‫فيها القانون بقاء اثار العقد الباطل كحالة المتعاقد حسن النية الذي اعفاه المشرع من رد الغلة التي حازه‪%%‬ا‬
‫عن حسن نية‪ .‬باإلضافة الى حالة قاصري االهلية الذي ال يكون ملزما إال بالقدر الذي انتفع به من ج‪%%‬راء‬
‫العقد الباطل وتعتبر المنفع‪%%‬ة حاص‪%%‬لة في ص‪%%‬ورة انف‪%%‬اق الم‪%%‬ال في مص‪%%‬اريف الزم‪%%‬ة او مص‪%%‬اريف نافع‪%%‬ة‬
‫وك‪%%‬ذلك في ص‪%%‬ورة وج‪%%‬ود الم‪%%‬ال عن‪%%‬د القاص‪%%‬ر‪ .‬باإلض‪%%‬افة الى حال‪%%‬ة الغ‪%%‬ير المتض‪%%‬رر من العق‪%%‬د حيث ان‬
‫المش‪%%‬رع قلص من مخ‪%%‬اطر الرجعي‪%%‬ة بالنس‪%%‬بة للغ‪%%‬ير المتض‪%%‬رر من العق‪%%‬د في ص‪%%‬ورتين االولى تتعل‪%%‬ق‬
‫بالعقارات المسجلة حيث ان ابطال الترس‪%%‬يم ل‪%%‬دي ادارة الملكي‪%%‬ة العقاري‪%%‬ة ال يع‪%%‬ارض ب‪%%‬ه الغ‪%%‬ير المكتس‪%%‬ب‬
‫لحقوق عن حسن نية وهو ما جاء به الفصل ‪ 305‬من مجلة الحقوق العيني‪%%‬ة إال ان ه‪%%‬ذا الحكم ال ينس‪%%‬حب‬
‫على العقارات غير المسجلة اما الص‪%‬ورة الثاني‪%‬ة تتعل‪%‬ق بق‪%‬انون الش‪%‬ركات حيث ان‪%‬ه ال يج‪%‬وز للش‪%‬ركة او‬
‫للشركاء االحتجاج ببطالن الشركة على غيرهم‪.‬‬

‫الصورة الثانية لالستثناءات تعلقت بالح‪%%‬االت ال‪%%‬تي يقتض‪%%‬ي فيه‪%%‬ا ن‪%%‬وع االل‪%‬تزام بق‪%‬اء ه‪%%‬ذه االث‪%%‬ار‬
‫والمتعلقة بالعقود الزمنية كعقد الكراء وعقد الشغل وعقد الشركة حيث انه في اط‪%%‬ار عق‪%%‬د الش‪%%‬غل ال يح‪%%‬ق‬
‫للمؤجران يحتج ببطالن عقد الشغل ليتفصي من اداء مقابل ما انتفع به‪ .‬أما في ما يتعلق بعقد الشركة فانه‬
‫باإلضافة الى االستثناء القانوني المتمثل في عدم احتجاج الشركاء ببطالن عقد الش‪%%‬ركة على غ‪%%‬يرهم فان‪%%‬ه‬
‫هناك استثناء اخر لعدم الرجعية في عقد الشركة يتمثل في امكانية االستناد الى عق‪%‬د الش‪%%‬ركة الباط‪%%‬ل عن‪%%‬د‬
‫تصفية الشركة وذلك لتوزيع المرابيح على الشركاء وتحديد نسبة الخس‪%%‬ائر وقس‪%%‬متها على الش‪%%‬ركاء‪ .‬ذل‪%%‬ك‬
‫ان فقه القضاء يعتبر ان اعمال التصفية هي من االلتزامات الملحقة بااللتزام االص‪%%‬لي ال‪%%‬تي يقتض‪%%‬ي ن‪%%‬وع‬
‫االلتزام بقاءها بما يجوز معه اعتبار عقد الشركة قائما في حدود والى ان تنتهي اعم‪%%‬ال التص‪%%‬فية اعتم‪%%‬ادا‬
‫على الفصل ‪ 326‬من م‪.‬ا‪.‬ع‪.‬‬

‫وفي األخير وجب علينا ان ال نسهو عن المسؤولية المدنية الناجمة عن بطالن العقد وال‪%%‬تي تفس‪%%‬ر‬
‫بكون انه إذا نتج البطالن عن خطا ينس‪%%‬ب للمتعاق‪%%‬د فمن ح‪%%‬ق المتعاق‪%%‬د االخ‪%%‬ر طلب تع‪%%‬ويض علي أس‪%%‬اس‬

‫‪38‬‬
‫المسؤولية التقصيرية ال العقدية حيث انه ال يمكن المطالبة بجبر هاته األضرار إال إذا ثبت خطا المعاقد‬
‫المدعي عليه ويتمثل هذا الخطاء حسب الفقه الس‪%‬ائد في حم‪%‬ل الط‪%‬رف المتض‪%%‬رر علي التعاق‪%%‬د م‪%‬ع س‪%‬ابق‬
‫العلم بالخلل الذي يعتري صحة العقد‪.‬‬

‫‪39‬‬
40
‫المالح‬
‫ق‬
‫‪41‬‬
42

You might also like