Professional Documents
Culture Documents
الاستدلال الخاطئ بآية
الاستدلال الخاطئ بآية
18نوفمبر 2022104مشاهدة
السؤال:
استمعت إلى فقيه منذ مدة قد طرح إليه سؤال من قبل أولئك الذين يطالبون بالمساواة ،وقد رد الفقيه بكون المساواة هي
مجرد كذبة ،و أنه ال يمكن المساواة بين مختلفين ،فال يمكن أن يقبل أحد المساواة بينه و بين الحيوان أو ال يمكن المساواة
بين الشخص المسلم و النبي ،و الكثير من األمثلة حتى وصل إلى كون المرأة ال يُساوى بينها و بين الرج.
و قد استدل بهذه األخيرة على كون المرأة ال يمكن أن تكون قاضية لكون شهادتها Eناقصة.
ألم يكن هذا خطاب امرأة عمران عند وضعها لمريم و ليس كالم هللا جل جالله؟ فلماذا تستعمل هذه اآلية خارج سياقها
كثيرا من قبلهم؟
ما يحزنني هو كون هذه األدلة موجودة فعال و خاصة أحاديث الصحيحين ،سؤالي هنا هو حقيقة آية (وليس الذكر كاألنثى)
فهل يوجد احتمال كون صحيحي البخاري و المسلم قد وضعت الكثير من األحاديث التي نسبوها للنبي؟
الجواب:
ال داعي لحزن السائلة فما قيل ينطبق عليه قوله تعالى:
فاآليات التي استدل بها (الفقيه) على حد تعبير السائلة مع األسف الشديد قد حُرف المعنى فيها عن مواضعه وجُحد بها
وهي ككلمة الحق التي يراد بها باطل كمن قيل فيهم:
ولو كان فقيهًا حقا لعاد في تفصيل الكتاب لمن أنزله سبحانه وتعالى:
وتحريف المعنى عن مواضعه يتم بعدة أمور منها ،اجتزاء بعض الجمل والعبارات من اآليات ،وفصل المعنى عن
السياق ،وتغيير معنى الكلمات Eبصرفها عن مرادها الحقيقي ،وكذلك إطالق العام على الخاص والعكس وسوف نضرب
أمثلة على ذلك:
فمن اآليات التي اجتزئ فيها الكالم لهدف التعميم وإطالق الخاص على العام ،قوله تعالى:
﴿ِإنَّ َكيْدَ ُكنَّ َعظِ ي ٌم﴾ يوسف ()28
وكأن كل النساء يكدن بالسوء .وتناسوا أن الكيد السيء من عمل الشيطان ويتصف به الذكر واألنثى كما جاء في السورة
نفسها التي ذكرت كيد إخوة النبي الكريم يوسف:
﴿َأنْ َتضِ َّل ِإحْ دَ ا ُه َما َف ُت َذ ِّك َر ِإحْ دَ ا ُه َما اُأْل ْخ َر ٰى﴾
وذلك ألن األسواق دائ ًم ا ما تمتلئ بتلك الشهادات ،والمرأة قد تتواجد في بعضها وتغيب عن البعض بحكم رعاية شئون
بيتها ،فخفف هللا تعالى عنها ،وجعل معها من تذكرها إن ضلت واختلط عليها األمر ،وذلك لحكمة بالغة أنه لربما تنسى
المرأة وربما يقع ال َّدين على عاتقها و ُتطالب هي بالسداد.
واآلية تحدثت عن الصورة المثلى للشهادة ،وهذا ال يمنع قبول ما دونها كأن تشهد امرأتان أو رجل وامرأة أو رجل واحد
أو امرأة واحدة[ ،]1وذلك بدليل قوله تعالى بعد أمره باإلشهاد في الديون:
ولكن في غير ديون التجارة فإن شهادة المرأة كشهادة Eالرجل كما جاء في حالة الزناَ ،قال تعالى فيما يخص الرجل:
ِين﴾ ال ّنور ()6 ش َهدَ ا ُء ِإاَّل َأ ْنفُ ُس ُه ْم َف َش َهادَ ةَُ Eأ َح ِد ِه ْم َأرْ َب ُع َش َها َدا ٍE
ت ِباهَّلل ۙ ِ ِإ َّن ُه لَم َِن الصَّا ِدق َ ُون َأ ْز َو َ
اج ُه ْم َولَ ْم َي ُكنْ َل ُه ْم ُ ﴿والَّذ َ
ِين َيرْ م َ َ
ومن اآليات التي حرف فيها المعنى بصرفه عن مراده قوله تعالى:
ُون َعلَى ال ِّن َسا ِء﴾ النساء ()34
﴿الرِّ َجا ُل َقوَّ ام َ
وذلك حين أعطوا القوامة معنى تشريفيا للرجال على حساب النساء وأخرجوها عن معنى التكليف والمسؤولية المحددة
بشروط بينها تعالى في اآلية ذاتها:
ٌ
وفرق بين االثنين ،فالتميز يعني إعطاء كل منهما مميزات باإلضافة إلى صرف معنى التفضيل من التميز إلى التمييز،
وقدرات تختلف عن اآلخر؛ كتفضيله تعالى للرسل بعضهم على بعض باآليات والمعجزات المؤيدة لهم حسب حاجة
أقوامهم:
دَر َجاتٍ…﴾ Eالبقرة (.)253 ض ِم ْن ُه ْم َمنْ َكلَّ َم هَّللا َُ ،و َر َف َع َبعْ َ
ض ُه ْم َ ك الرُّ ُس ُل َفض َّْل َنا َبعْ َ
ض ُه ْم َعلَ ٰى َبعْ ٍ ۘ ﴿ت ِْل َ
أما التمييز فهو إعطاء جنس مقابل حرمان اآلخر ،وهذا يتعالى هللا تعالى عنه فسبحان هللا وتعالى عما يصفون من الظلم:
وقد ب َّي ن لنا سبحانه وتعالى تفضيله لكل من الرجل والمرأة على اآلخر بميزات وصفات ينفرد بها كل جنس ليحتاجه اآلخر
فيكمل بعضهما بعضا.
ال َنصِ يبٌ ِممَّا ْاك َت َسبُواَ ،ولِل ِّن َسا ِء َنصِ يبٌ ِممَّا ا ْك َت َسب َْنَ ،واسْ َألُوا هَّللا َ مِنْ
ض ،لِلرِّ َج ِ ض َل هَّللا ُ ِب ِه َبعْ َ
ض ُك ْم َعلَ ٰى َبعْ ٍ ﴿واَل َت َت َم َّن ْوا َما َف َّ
َ
ان ِب ُك ِّل َشيْ ٍء َعلِيمًا﴾ النساء ()32 ك
َ ََ هَّللا نَِّإ ِ، هل
ِ ضْ َف
ك َفاَل ي ُْخ ِر َج َّن ُك َما م َِن ْال َج َّن ِة َف َت ْش َق ٰى﴾ طه ()117 ﴿ َفقُ ْل َنا َيا آدَ ُم ِإنَّ ٰ َه َذا َع ُدوٌّ لَ َ
ك َول َِز ْو ِج َ
حيث جعل الشقاء على أبينا آدم وحده دون زوجه،
وفضل النساء بتحمل آالم الحمل والوالدة والفصال وبالحنان والرقة الالزمة لتربية أطفالها:
ْن﴾ لقمان (.)14 ان ِب َوالِدَ ْي ِه َح َملَ ْت ُه ُأ ُّم ُه َوهْ ًنا َعلَ ٰى َوهْ ٍن َوفِ َ
صالُ ُه فِي َعا َمي ِ ص ْي َنا اِإْل ْن َس َ
﴿و َو َّ
َ
وما قيل من أن المرأة ال تساوي الرجل ألنه ال مساواة بين مختلفين وتشبيهه الفرق بين الرجل والمرأة بالفرق بين اإلنسان
والحيوان ،فهذا كالم ال يقوله عاقل فضال عن مؤمن ،ألن هللا تعالى خص الكرامة ببني آدم جميعا بغض النظر عن الجنس
واللون والعرق:
والسؤال هنا :أليست المرأة من بني آدم؟! أم أنها تنتمي إلى جنس آخر ال يرقى لمرتبة التكريم؟!
أما األكرم عند هللا من بين الخلق فهم المتقون من الجنسين ،كما أنبأنا العليم الخبير:
ارفُواِ ،إنَّ َأ ْك َر َم ُك ْم عِ ْن َد هَّللا ِ َأ ْت َقا ُك ْمِ ،إنَّ هَّللا َ َعلِي ٌم َخ ِبيرٌ﴾ ﴿ َيا َأ ُّي َها ال َّناسُ ِإ َّنا َخلَ ْق َنا ُك ْم مِنْ َذ َك ٍر َوُأ ْن َث ٰى َو َج َع ْل َنا ُك ْم ُ
شعُوبًا َو َقبَاِئ َل لِ َت َع َ
الحجرات (.)13
وأما عن خلطه بالفرق بين الرسل وبقية البشر فهو استشهاد بالحق لكن أريد به باطل ،ذلك ألن الرسل اختارهم هللا تعالى
من أعظم البشر ُخل ًقا وتقى َقا َل َج َّل وعال:
الذ َك ُر َكاُأْل ْن َث ٰى ﴾ فسواء أكانت العبارة قد قيلت عن رب العالمين أو على لسان امرأة
ْس َّ
﴿ولَي َ
أما إذا جئنا إلى قوله تعالىَ :
عمران فهي حق ال ريب فيه ،وهي بالفعل تشير إلى الفرق التكويني بين الذكر واألنثى الذي يقتضي اختالف الوظيفة،
ولكن ال عالقة لها بالمساواة في الثواب والعقاب من قريب أو بعيد.
فاهلل تعالى لم يقل (وال يستوي الذكر واألنثى) ولو أراد هللا تعالى ذلك المعنى لذكره حيث أن كلمة المساواة ليست غريبة
عن القرآن كقوله تعالى:
ار َوَأصْ َحابُ ْال َج َّنةَِ ،أصْ َح ُE
اب َأ
ُون﴾ الزمر ( )9وقوله﴿ :اَل َيسْ َت ِوي صْ َحابُ ال َّن ِ ُون َوالَّذ َ
ِين اَل َيعْ لَم َ ﴿قُ ْل َه ْل َيسْ َت ِوي الَّذ َ
ِين َيعْ لَم َ
ون﴾ الحشر ()20 ْال َج َّن ِة ُه ُم ْال َفاِئ ُز َ
الذ َك ُر َكاُأْل ْن َث ٰى ﴾ قد تم تحريف المعنى فيها الستخدامها كسالح ضد المرأة ،ولو تدبرناها قلياًل فسوف
ْس َّ
﴿ولَي َ
ولكن اآلية َ
نجدها العكس تما ًم ا حيث أن الفرق بين الذكر واألنثى هو لصالح المرأة وليس عليها كما يزعمون.
فلو نظرنا إلى السياق ،فقد َقا َل هَّللا ُ ُسب َْحا َنهُ:
فقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها هلل تعالى بأن تتركه في المحراب منذ صغره ليتفرغ للعبادة وإمامة الناس في الصالة
والدعوة والخروج في سبيل هللا ،ومن البديهي أن هذه األمور ليست مما تكلف به النساء ابتداء ألنها مما ال يتناسب مع
تكوينها البدني والعاطفي .والرغم من قبول هللا تعالى اعتذار أم مريم عن الوفاء بوعدها إال أن السيدة مريم تم تنشئتها
تنشئة خاصة أهلتها لتحمل ابتالء عظيم تمثل بحملها بالمسيح دون أن تتزوج ،ووالدته بعيدا عن أعين الناس وحيدة ،ثم
مواجهة قومها به ،ولذلك كانت _بحق_ أعظم نساء العالمين:
فاهلل سبحانه لم يفرض على المرأة ما يشق عليها كتكليفها بإمامة Eالناس وقيادتهم للجهاد ومجابهة العدو ،بل لم يفرض
عليها الخروج للعمل ،وفرض على الرجال حمايتها واإلنفاق عليها ورعايتها ،وإذا خرجت للعمل فهو بمحض إرادتها
وليس بالجبر.
وعندما نادى القائمون على حقوق اإلنسان بالمساواة بين الرجل والمرأة فقد ظلموا المرأة عندما كلفوها بتحمل المسؤولية
مثل الرجل ،وهكذا ُأجبرن على الشقاء خارج البيت في العمل باإلضافة إلى تحملهن مسؤولية البيت ورعاية األطفال.
أما بالنسبة عن تولي النساء Eالحكم فهو ال يحتاج إلى قوة بدنية ولكنه يحتاج إلى الحكمة ورجاحة العقل والحكم بالعدل وهذه
صفات مشتركة يوجد فيها تكافؤ بين الرجل والمرأة[ ،]2وقد ضرب هللا تعالى لنا مثااًل في كتابه عن ملكة سبأ وقد أثنى
عليها رب العالمين ولم يصف قومها بعدم الفالح َقا َل هَّللا ُ ُسب َْحا َنهُ:
فالقسط أعلى درجات العدل وهو يقوم على مراعاة الفروق بين الناس وإعطاء كل ذي حق حقه ،ولذلك قال تعالى:
ت ِب ْالقِسْ طِ ﴾ يونس ()4
ِين آ َم ُنوا َو َعمِلُوا الصَّال َِحا ِ
ي الَّذ َ
﴿لِ َيجْ ِز َ
ان م ِْث َقا َل َح َّب ٍة مِنْ َخرْ َد ٍل َأ َت ْي َنا ِب َهاَ ،و َك َف ٰى ِب َنا َحاسِ ِب َ
ين﴾ ين ْالقِسْ َط لِ َي ْو ِم ْالقِ َيا َم ِة َفاَل ُت ْظلَ ُم َن ْفسٌ َش ْيًئ اَ ،وِإنْ َك َ ض ُع ْال َم َو ِ
از َ ﴿و َن َ
َ
األنبياء ()47
وكذلك المتدبر لآلية الكريمة يجد ملمحً ا غاية في األهمية يرد على الروايات المفتراة على رسول هللا بقولهم (كمل من
الرجال ولم يكمل من النساء…!!).
أال وهو أن هللا تعالى قال ﴿ِإنَّ هَّللا َ اصْ َط َفاكِ ﴾ ولم يقل (فضلك)!! حيث أن الطاهرة مريم لم تفضل بميزة عن أي أنثى في
خِلقتها وإنما اصطفيت وطهرت ل ُخلقها ونقاء قلبها وصبرها وقنوتها وعلمها:
فاهلل تعالى اختارها على نساء العالمين ،وفي الوقت نفسه ضرب لنا مثااًل على الزوج الكافر بإمراة فرعون وعلى الزوجة
الكافرة بزوجتي النبيين نوح ولوط عليهما الصالة والسالم ،وال يحق لكائن من كان أن يضيف على كالم رب العالمين
ويزيد عليه ما يشاء حتى ولو كان النبي الكريم نفسه ،وهذا ال ينفي مكانة أهل بيته الطيبين الطاهرين بشرط اتباعهن ألمر
هللا تعالى ورسوله:
الز َكا َة َوَأطِ عْ َن هَّللا َ َو َرسُولَهُِ ،إ َّن َما ي ُِري ُد هَّللا ُ لِي ُْذه َ
ِب ِين َّ ﴿و َقرْ َن فِي ُبيُو ِت ُكنَّ َواَل َتبَرَّ جْ َن َتبَرُّ َج ْال َجا ِهلِ َّي ِة اُأْلولَ ٰىَ ،وَأقِ ْم َن ال َّ
صاَل َة َوآت َ َ
ت َوي َُطه َِّر ُك ْم َت ْط ِهيرً ا﴾ األحزاب (.)33 س َأهْ َل ْال َب ْي ِ
َع ْن ُك ُم الرِّ جْ َ
وأما بالنسبة لمسألة ميراث األنثى في كتاب هللا تعالى فهو من المسائل التي يدور حولها بين الحين واألخر جدال
ومحاورات هدفها األساسي الطعن في دين هللا تعالى ونسبة الظلم إلى رب العالمين الذي جعل للذكر ضعف نصيب األنثى
في حاالت معينة ،وينسى أنها ليست قاعدة مضطردة ،فبنت المتوفى ترث أكثر من أبيه حيث ترث هي النصف ويرث هو
السدس.
وحتى إن وجد تفاوت وزاد نصيب الذكر فيتناسى السبب الحقيقي من وراء ذلك ،وهو أنه تعالى قد أوجب النفقة على
الرجل ولم يوجبه على المرأة.
فلم يجعل هللا تعالى للذكر حقا زائدا عن األنثى لمجرد كونه ذكرا ،بل ألنه المطالب باإلنفاق والمطالب بالمهر وتأسيس
بيت الزوجية[ ،] 3وحتى عند الطالق فهو مطالب بالنفقة ليس فقط على أوالده بل على مطلقته إذا أرضعت ابنها قال
تعالى:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ]1عبد العزيز بايندر ،شهادة Eالمرأة ،موقع حبل هللا https://www.hablullah.com/?p=1461
[ ]2جمال نجم ،الوالية العامة للمرأة ،موقع حبل هللاhttps://www.hablullah.com/?p=2135 ،
[ ] 3لماذا كان للذكر مثل حظ األنثيين في الميراث ،موقع حبل هللا https://www.hablullah.com/?p=2457