Professional Documents
Culture Documents
تلميحات من عالم الاقتصاد السلوكي
تلميحات من عالم الاقتصاد السلوكي
السلوكي
باإلضافة إىل أنه يهدف االقتصاد السلوكي إىل إقصاء العوامل الخارجية قدر اإلمكان من خالل
تجارب بإطار مختربي مراقب ،حيث يتم مراقبة جميع العوامل املؤثرة يف التجربة ومقارنة النتائج.
دراسات علميةٍ رصينةٍ يف االقتصاد ّ
السلوكي، ٍ يُقدِّم هذا الكتاب مجموعة من ال ّتلميحات املبنية عىل
والتي تُساعد َّ
القراء عىل زيادة إنتاجيتهم ،وفهم ما يدور حولهم من األمور.
تكتسب هذه التَّلميحات أهميَّتها من أنَّها وفق دراسات اقتصادية سلوكية رصينة تم اختبارها
سلوكياً ،أيّ أنَّها ليست مجرد تلميحات نظرية ،أو مجرد افرتاضات.
عن الكاتب
د .فادي عمروش ،دكتور باحث يف االقتصاد السلوكي واتخاذ القرار (دكتوراة وماجستري
يف اإلقتصاد وإدارة األعمال ،ماجستري وإجازة يف الهندسة املعلوماتية).
يأتي د .فادي عمروش من خلفية علمية يف علوم الحاسب ،ومن ثم انتقل إىل مجال
شهادتي البكالوريوس واملاجستري يف الهندسة
ّ االقتصاد وإدارة األعمال .حصل عىل
املعلوماتية من جامعة حلب (سوريا) .ورغم أ َّن شهادة املاجستري الخاصة به كانت عن
هندسة املعلوماتية لكنَّه كان مهتما ً جدا ً باالقتصاد السلوكي وإدارة األعمال ،وخاص ًة يف
سياق تطبيقها يف نظم دعم القرار .ولذلك فقد تقدَّم وحصل عىل منحةٍ من اإلتحاد
األوروبي للدراسة يف جامعة غرناطة (إسبانيا) .وقد مكنّته املنحة من االنتقال إىل مجال
االقتصاد لكي يُر ّكز اهتمامه عىل االقتصاد السلوكي ،ودمج الهندسة املعلوماتية مع
االقتصاد السلوكي ،وقد حصل عىل شهادتي املاجستري والدكتوراة يف االقتصاد من جامعة
غرناطة يف إسبانيا.
كانت رسالة الدكتوراه الخاصة به عبارة عن دراسة متعددة االختصاصات تجمع
بني االقتصاد السلوكي وآليات اتخاذ القرار يف الذكاء الصنعي ،واختبار تلك اآلليات عىل
السلوك البرشي ،ونال د .عمروش منحتي باحث زائر الحقا ً يف جامعتي ساالمنكا،
سانتياغو دي كامبوستال (إسبانيا).
يعمل د .عمروش حاليا ً خبريا ً استشاريا ً يف العلوم السلوكية واألصول الرقمية يف
مؤسسة نيوفريستي التعليمية ،كما يعمل استشاريا ً مستقالً لعدد من املنظمات الدولية
واملراكز التدريبية ،باإلضافة لكونه رشيك مؤسس يف حاضنة أفكار بلس (حاضنة أعمال
مجتمعية) ومدير فرع أوروبا ضمنها ،ويعمل عىل عدد من املشاريع الريادية حالياً.
ترتكز اهتمامات د.عمروش البحثية يف دمج علوم الكمبيوتر مع االقتصاد السلوكي،
وخ ً
اصة يف مجاالت اتخاذ القرار ،التسويق ،إدارة العالقات مع الزبائن ،باإلضافة لتحليل
معلومات الشبكات اإلجتماعية ،كما يهتم بشكل كبري بتقنيات بلوك تشني.
معلومات التواصل:
املوقع الشخيصwww.fadyamr.com : •
الربيد اإللكرتونيfadyamr@gmail.com : •
12
احذر إشعارات املوبايل
تغري مفهوم الهاتف يفمنذ تحوله ألحد األجهزة الذكية ،أو األجهزة املشتتة لالنتباهّ ،
حياتنا كثرياً ،حيث تتضمن هواتفنا الكثري من ال ّتطبيقات التي تقوم بتشتيت انتباهنا
طوال النهار .وذلك عرب إرسالها إلشعارات لحظية مبارشة ملا يحدث أوال ً بأول،
كإشعارات الطقس ،إشعارات برامج املحادثة والدردشة ،إشعارات الربيد اإللكرتوني،
إشعارات تطبيقات الشبكات اإلجتماعية ،وغريها.
يظن البعض أنّه ال ضري من ترك الهاتف معه واستقبال تلك اإلشعارات مادام يضبط
بأال يطلع عليها أوال ً بأول ،وأنّه يمكن تجاهلها ببساطة ،ولكن هل هذا ناجع حقاً؟
نفسه ّ
قام باحثون من قسم علم النفس يف جامعة والية فلوريدا بإجراء تجربة للتأكد من
أثر تلك اإلشعارات عىل املشاركني ،حيث ترك املشاركون أجهزتهم أثناء تنفيذهم مهمّ ة
خلسة بإرسال بعض الرسائل ً ما ،والتي كانت تستقبل إشعارات مختلفة ،قام الباحثون
النّصية لبعض املشاركني دون غريهم ،من غري أن يسمحوا لهم بمشاهدة اإلشعارات
واالطالع عليها ،وكان ال ّتساؤل املهم ،هل ستؤثر اإلشعارات عىل دقة تنفيذ تلك املهمة
املوكلة لهم أم ال؟
وجدت ال ّتجربة أ ّن األشخاص الذين ّ
تعرضوا إلشعارات قد قاموا بأخطاء أكثر من
غريهم ،فرغم أنّهم لم يفتحوا اإلشعارات التي وصلت إىل أجهزتهم ّ
لكن مجرد معرفتهم
أن شيئا ً ما قد حدث ،وأ ّن إشعارا ً ما قد وصل جعل ذهنهم يتشتت وجعل من أدائهم
ّ
األسوء.
لدى دماغنا موارد محدودة ،وهذا ما يدفعنا للحذر من خرافة تع ّدد املهام ،والتي
وقت واحدٍ ،وعىل العكس تماماً ،فكلّما تم
تزعم أ ّن بإمكاننا القيام بأكثر من مهمة يف ٍ
ّ
الرتكيز عىل مهمةٍ ما ،كلّما زادت اإلنتاجية يف تنفيذها.
اجتماع مهم أو أثناء إنجاز مهمةٍ ما ،األفضل
ٍ لذلك يف املرة القادمة وحني تكون يف
ً َ
بشكل ُكيل ّ أو استخدام وضعية الطريان ،وهذا قطعا سيكون أفضل
ٍ هو إطفاء جهازك
إشعار ما،
ٍ ّ
من تركه عىل الطاولة ومقاومة إغراء قراءة اإلشعارات .إذ أنه بمجرد وصول
13
أو ّ
الشعور بهاتفك يرن وفق وضع االهتزاز سيتشتت انتباهك تلقائيا ً خالل اجتماعك،
مما سيجعل أداءك سيئاً.
14
كيف تتخلص من ضغط نفاذ الوقت
بشكل واضح الشعور بالوقت عن الوقت الفعيل ،يشتكي الكثريون من إشكالية ٍ يختلف
عدم وجود الوقت الكايف ويشعرون دوما ً أ ّن الوقت يم ُّر بّسعة .فهل هناك ّ
رس لكي نخرج
من عنق الزجاجة ،و نشعر أن ّنا يف بحبوحة من وقتنا ،بدل الشعور بأنّنا مضغوطون
والوقت ينفذ منّا.
الستكشاف ذلك ،قام باحثون من جامعات (هارفارد ،يال ،بنسلفينيا) ،بإجراء
وبشكل عشوائي من
ٍ تجربة ملقارنة متى يشعر الناس ببحبوحة يف وقتهم ،حيث طلبوا
املشاركني القيام بإحدى النّشاطات ال ّتالية ومن ثم سؤالهم عن شعورهم بالوقت.
كانت تلك املهام عىل النحو التايل:
قضاء وقت يف تنفيذ مهمة روتينية ال معنى لها (مثالً حساب عدد ّ
مرات ورود •
الحرف Eيف مقطع نيص).
قضاء وقت مع أنفسهم. •
شخص آخر ،مثالً مساعدة طفل مريض بالكتابة. ٍ قضاء وقت ملساعدة •
قضاء وقت ح ّر لتنفيذ أيّ مهمّة من اختيارهم ،ومن ث ّم تركهم إلنجازها. •
وكان الفضول الذي يعرتي الباحثني ،هو معرفة أيّ املهام ّ
السابقة ستجعل املشاركني
يشعرون بوفرة يف وقتهم.
شخص آخر ،زاد من ٍ وجدت ال ّتجربة ّ
أن املهمة الثالثة ،وهي قضاء وقت ملساعدة
أن قضاء وقت مع اآلخرين ملساعدتهم يجعلنا نشعر شعور املشاركني بوفرة وقتهم ،حيث ّ
بوفرة يف وقتنا بدل الشعور بأننا مضغوطون يف الوقت ،وهذا يع ِّزز باملقابل اإلنتاجية،
بشكل أكرب.
ٍ ويجعلنا ننجز املهام
لذلك ابتعد عن الخرافة التي تقول أ ّن عليك ّ
الرتكيز عىل مهامك فقط وعدم االستجابة
لآلخرين ،ألن ذلك لن يجعلك يف بحبوحة يف وقتك ،بالعكس ،إعطاء اآلخرين من وقتك
سيزيده.
15
كلّما شعرت أنّك مضغوط يف الوقت ،وأ ّن الوقت ال يكفيك ،بدال ً من إلغاء مواعيدك
والرتكيز يف عملك فقط ،ما رأيك أن تجرب منح اآلخرين جزء بسيط منه ،ومساعدتهم، ّ
لربّما تكون نصف ساعة من وقتك ترصفها يف حديث عىل "سكايب" مع أحدهم
ملساعدته ،سيجعلك أفضل حاالً.
16
كيف يؤثر فوز أحدهم بجائزة اليانصيب عىل
جريانه!
تشري العديد من الدراسات إىل أهمية الحذر من املقارنة مع اآلخرين وتأثري ذلك عىل أدائنا،
ويمكن أن تكون املقارنة سالح ذو حديّن ،فاملقارنة مع أشخاص أفضل منّا قد تجعلنا
نضاعف من أداءنا ملجاراتهم ،وباملقابل املقارنة مع أشخاص أقل منّا أداءً ،تجعلنا نقلل
أداءنا.
يُشبّه "كني روبنسون" ذلك بمقارنة كوكب األرض لباقي الكواكب ،فهو كوكب كبري
بالنسبة لكوكبي عطارد والزهرة ،وكوكب صغري بالنسبة للمشرتي وزحل ،لذلك عليك
االنتباه دوما ً لجملة املقارنة يف الحياة العملية ،وخاص ًة عند رشاء املنتجات ،فمنتج ذو
سعر 5يورو سيصبح جذابا ً إذا ما ت ّم عرضه بجانب منتجات شبيهة به بسعر 7و 8
يورو عىل التوايل ،وباملقابل سيتم إهمال نفس املنتج ،إذا ما ت ّم عرضه بجانب منتجات
شبيهة به بسعر 4و 4.5عىل التوايل.
إ ّن املقارنة قد تكون خطرية بشكل أكرب إجتماعياً ،فنحن نقارن أنفسنا بجرياننا ،ويف
هذا السياق قام باحثون بدراسة أثر أن يربح جارك ورقة يانصيب عىل حياتك
اإلقتصادية.
يف هذه الدّراسة قام الباحثون بتتبع الحالة املادية لجريان أولئك الذين ربحوا جائزة
يانصيب بقيمة 150ألف دوالر يف كندا ،فهل سيؤثر ذلك عىل الجريان ،وهل تأثري ربح
الرابح ،ليؤثر عىل جريانه املبارشين الذين يحت ّك بهم؟
ورقة اليانصيب يتجاوز ّ
الرابح
كان الفضول يعرتي الباحثني فيما إذا كان ربح الجائزة سيجعل جريان ّ
بشكل نهائي.
ٍ يوفرون املزيد من املال ،أم سينفقون املزيد من املال ،أم سيغادرون البناء
وجدت الدّراسة أ ّن جريان ّ
الرابح سينفقون املزيد من األموال ،بل سيتسبب ذلك
بوقوعهم يف مشاكل اقتصادية ،وقد تزيد احتمالية وصولهم لإلفالس بسبب زيادة
اإلنفاق.
17
كلما زاد مبلغ الجائزة لجارك بمقدار 1000دوالر ،كلّما زادت نسبة ّ
تعرضك
والسبب أنّك مقارنة نفسك مع جارك ،ستدفعك ملزيد من اإلنفاق
لإلفالس بنسبة ّ ،%2.4
من باب مجاراته اجتماعياً.
أيّ عندما يربح الجار جائزة سيقوم بالطبع بتغيري سيارته ،وفرش أثاث منزله،
ورشاء مالبس راقية ،ولكونك جارا ً لهم تحتك به كل يوم ،فسيدفعك ذلك ال إراديا ً
ملجاراته ،وبال ّتايل سيزداد انفاقك ،وأل ّن دخلك هو نفسه لم يتغري ،فهذا يعني قيامك
باللجوء ملزي ٍد من القروض ،مما يعني زيادة نسبة ّ
تعرضك لإلفالس.
18
كراهية املركز األخري
يكره الناس أن يكونوا يف املركز األخري ،هل يبدو ذلك مألوفا ً لك؟ تذ َّكر عندما كنت تلعب
لعبة الورق مع ثالثة من أصدقاءك ولم تكن بارعا ً بها ،كيف كان همّ ك ّأال تكون يف املركز
شخص
ٍ األخري ،وأن شعورك بنيل املركز الثالث هو رائع ألنّك ببساطة تتفوق ولو عىل
واحد ،ذلك الذي يف املركز األخري.
يسمّي الباحثون ذلك بظاهرة كره املركز األخري ،Last Place Aversionوتعني أنّه
مادام هناك من هو أسوء مني فهذا يكفي ،وسيحكم سلوكي ّأال أساهم برفع سويته كي
ال أصبح أنا األسوأ ،وأح ّل محلّه.
من املهم فهم هذه الظاهرة للتعامل مع تلك الرشيحة من األشخاص ،وفهم سلوكها،
وخاص ًة يف املؤسسات أو االنتخابات .قام باحثون بدراسة تلك املجموعة ،حيث طلبوا من
مجموعة من املشاركني أن يُدلوا برأيهم حول رفع الحد األدنى لألجور والذي هو حاليا ً
4.25دوالر بالساعة.
كانت املجموعة عىل النّحو التايل:
أشخاص تكسب 7.25دوالر بالساعة أو حتى أقل. .1
أشخاص تكسب أكثر من 7.25دوالر بالساعة وأقل من 8.25دوالر بالساعة. .2
أشخاص تكسب 11.25 – 10.26دوالر بالساعة. .3
أشخاص تكسب 20- 11.26دوالر بالساعة. .4
حوايل %80من املشاركني وافقوا عىل زيادة الحد األدنى للدخل ،ولك ّن أقلهم حماسا ً
وأكثرهم معارضة كان املجموعة الثانية والتي تكسب أكثر من الحد األدنى بقليل.
ال ترغب تلك املجموعة برفع الحد األدنى للدخل ألن ذلك يعني خسارتها وانتقالها
مع املجموعة األوىل ،فهي تشعر أنّها رابحة بكونها أعىل ولو بقليل من املجموعة األوىل.
مخالف يف السياسات العامة. ٍ بشكل
ٍ لذلك كره الخسارة سيجعل هذه املجموعة تُصوّت
ويف تجربة أخرى ،وجب فيها عىل ك ّل شخص أن يختار بني أن يعطي دوالرا ً واحداً ،إمّ ا
لذاك الذي يسبقه (األغنى منه بقليل) أو للذي يليه (األفقر منه بقليل) ،آثر (ما قبل
19
األخريين) ،وعىل نحو منهجي ،إثراء من هو (أعىل) منهم مبارشة عىل أن يروا من يليهم
يبلغ مرتبتهم .وبعبارة أخرى ،ال يهت ّم الشخص ألن يكون فقريا ً بالقيمة املطلقة ،بل لئال
يكون فقريا ً أكثر من ّ
الالزم ،بالقيمة النسبية.
يف املؤسسات ،أو املجتمعات علينا االنتباه لهذه الفئة ،تلك التي تح ّل يف املرتبة قبل
األخرية ،فهي لن تدعم سياسات جيدة ،خوفا ً من أن تصبح يف املرتبة األخرية ،وبالعكس
بالسعادة ما دامت املرتبة األخرية ليست من نصيبها. فهي تشعر ّ
20
هل أُعلن أم أُخفي أهدايف؟
تخ ّيل أنك قررت أن تقوم بتقليل وزنك والرشوع بالرياضة اليومية ،وتخيّل أنك قررت
للت ّو أنّك سوف تقوم بتحقيقه .تخيّل أن تُ ْف ِصح أنك تنوي القيام بذلك لشخص ما تلتقيه
اليوم .تخ ّيل تهانيه لك ،مربوك سوف تبدأ بالرياضة ،ياله من ٍ
قرار رائع ،سيصبح جسمك
أفضل ،سيبدأ دماغك برسم الصورة الجيّدة التي ستصبح عليها بعد تحقيق هدفك،
ستشعر بالسعادة والرىض.
حسناً ،هذه األخبار سيّئة ،كان عليك أن تُبقي َفمك مُغلقاً ،وأن ال تُخرب اآلخرين
الرائع بالرىض ،أن يُقلّل من حظوظك يف تَحقيقه.الشعور ّألن من شأن ذلك ّبهدفكّ ،
السيكولوجيّة املتك ّررة أ ّن إخبار أحدٍ ما بهدفك يُقلّل من إمكانيّة
فقد أثبتت ال ّتجارب ّ
تحقيقه.
إن السبب يف ذلك أنه لو كان لك هدف ،فهنالك بعض الخطوات التي ّ
يتعني القيام
يتعني القيام به من أجل تحقيقه .ومن الناحية املثالية ،يجب أالّ بها ،بعض العمل الذي ّ
لشخص ما بهدفك، ٍ بالرضا حتى تُنجز العمل بالفعل ،ولكن عندما تبوح
َ ّ تشعر
ّ
ويعرتفون به ويبدؤن يف الكالم عن النتائج التي ستتحقق فور تحقيقك الهدف سيحصل
بالشعور بأن ذلك ت ّم بالفعل .وبال ّتايل ،وألنّه حصلما يسميه علماء النّفس خِ دَا ٌع للعقل ّ
الّضوري. ّ
الشاق ّ بالرضا ،فإنّك تكون أق ّل تحفيزا ً للقيام بالعمل
لديك شعور ّ
دعونا نُلقي نظرة عىل بعض األبحاث العلمية ،ففي عام ،1933وجدت “ويرا
ماهلر” ،أنّه عندما يكون هدفك معلوما ً من قِ بل اآلخرين ،فإ ّن ّ
الشعور ّ
يرتسخ بالفعل يف
العقل .يف سنة 1982قام “بيرت ُغلْوتزر” بتأليف كتاب حول ذلك ،ويف عام ،2009قام
ببعض ال ّتجارب الجديدة التي ت ّم نرشها ،وتفصيلها كاآلتي :شارك 163شخصا ً يف أربعة
خيص ،بعد ذلك قام نِصفهم
ّ متفرقة حيث قام كل شخص بتدوين هدفه ّ
الش ّ تجارب
باإلعالن أمام الجميع عن التزامهم بتحقيق هذا الهدف ،وأمّ ا النّصف اآلخر فلم يقم بذلك
اإلعالن.
21
تَ ّم إعطاء ك ّل منهم 45دقيقة إلنجاز العمل وال ّتي من شأنها أن تؤدي مبارشة
للوصول إىل هدفهم ،ولك ّن ت ّم إخبارهم بأ ّن بإمكانهم ال ّتوقف متى شاءوا ذلك ،وكانت
النتيجة أن أولئك الذين حافظوا عىل أفواههم مغلقة عملوا ،يف املتوسط ،طوال الـ45
دقيقة املمنوحة لهم ،وعندما تَ ّم ُسؤالهم بعد ذلك ،أ ّكدوا أنّهم كانوا يشعرون أ ّن أمامهم
وقت طويل لبلوغ هدفهم .و لكن أولئك الذين أعلنوا لآلخرين عن أهدافهم تخلّوا عن
املتوسط ،بعد ميضّ 33دقيقة ،وعندما تَ ّم ُسؤالهم بعد ذلك ،أ ّكدوا أنّهم كانوا
ّ العمل ،يف
يشعرون أنّهم أقرب إىل تحقيق هدفهم.
إذا ً عليك مقاومة إغراء إعالن أهدافك لآلخرين ،لكي تؤجل حالة الشعور بالرضا التي
يجلبها ذلك اإلعالن ،والتي تؤدي لقلة تحفيزك لتحقيقه فيما بعد ،عليك أن تفهم أن
عقلك يُخطئ فهم الحديث عن العمل .لكن إذا كنت مُرصا ً عىل الحديث عن يشء ما ،يمكن
لرضاَ ،كأ َ ْن تقول" ،أو ّد ّ
حقا ً أن أشارك يف أن تُرصّ ح به بطريقة ال تمنحك أيّ شعور با ّ
حّض نفيسمرات يف األسبوع ،عيل ّ أن أ ُ ِّ هذا املاراثون ،لذلك عيل ّ أن أتم َّرن خمس ّ
جيّداً ،وقم بمعاقبتي إن لم أفعل.
حسناً ،قد يفّس ذلك الحديث النبوي الرشيف – الذي صححه األلباني -استعينوا
عىل قضاء حوائجكم بالكتمان ؟!.
22
أثر "فيسبوك" عىل العزلة
ما هو أثر فيسبوك عىل العزلة؟ وهل يؤدي نرش املزيد من املنشورات إىل زيادة العزلة
عند األشخاص أم تجاوزها؟
لإلجابة عىل هذه األسئلة قام باحثون بدراسة ذلك ،حيث قاموا باستطالع مجموعة
من الطالب وسؤالهم عن مدى شعورهم بالعزلة ،ومن ثم تم تقسيمهم إىل مجموعتني
بال ّتساوي .تم الطلب من املجموعة األوىل أن تقوم بنرش منشورات "فيسبوك" زيادة عن
املعدل اليومي الذي يقومون بالنرش وفقه ملدة أسبوع ،بينما تم الطلب من املجموعة
اليومي الذي يقومون به.
ّ الثانية القيام بالنّرش بنفس املعدّل
بعبارة أخرى ،تم دراسة أثر زيادة املنشورات يف "فيسبوك" عىل العزلة التي يم ّر بها
الشخص ،وكان الباحثون فضوليني ملعرفة فيما إذا كان الناس سيشعرون بعزلةٍ أقل ّ
أن عدد اإلعجابات وال ّتعليقات
فيما إذا حصلوا عىل إعجابات وتعليقات أكثر من املعتاد ،أو ّ
لن يؤثر عىل حالة العزلة ،أم العكس ،أيّ ستزيد العزلة مع زيادة النّرش وال ّتفاعل عرب
فيسبوك.
أن املجموعة التي قامت بنرش منشورات أكثر من املعتاد شعرت كانت النّتيجة هي ّ
بعزلة أقل ،وأضحت أقل وحدانية باعتقادها ،ولم يكن لعدد اإلعجابات وال ّتعليقات أيّ
عامل .بعبارة أخرى شعر هؤالء الذين يعتقدون أنّهم منعزلني ووحيدين بعزلةٍ أقل حني
طلب منهم زيادة منشوراتهم عىل فيسبوك ،بغض النّظر إن تفاعل معها اآلخرون أو تم ال ّ
لم يتفاعلوا.
يعتقد البّاحثون أنّه كلّما كشفنا أكثر معلومات عن أنفسنا ،كلّما زاد شعورنا بأننا
نتتواصل مع اآلخرين ،ويزيد من شعورنا باأللفة واملودة.
23
سعادة األزواج بام يعانونه سو ّية
يعتقد الكثري من النّاس أنّه من الرومانسية أن نصف رشكائنا العاطفيني بالنصف اآلخر،
ّ
فالسعادة وال ّتكلّم عن بعضنا كوحدة متكاملة ،ولكن يبدو أن ذلك غري دقيق عمل ّياً،
والرىض يف العالقات الثنائية تنبع من املشاركة بكل ما تحمله الحياة من رسور ومن ّ
ّ
كامل عند االحتفال ،لكن هل
ٍ َ ً ً
مصاعب أيضا ،وإذا ما كان جميال أن نصف عالقتنا باتحاد
سيجرح ذلك مشاعرنا كثريا ً عند املرور بعقبات؟
إلستكشاف ذلك ،قام باحثون بتقسيم املشاركني إىل مجموعتني ،وتم تخيري املشاركني
باالختيار بني وصفني لعالقتهما مع ّ
الرشيك اآلخر .كان عىل املشاركني االختيار بني أن
بشكل فيزيائي متحد ،مثل استخدام األوصاف( :نصفي ٍ يفكروا بعالقتهم مع رشكائهم
اآلخر ،نحن شخص واحد ،خلقنا لبعضنا البعض) ،أو أن يفكروا بوصف عالقتهم مع
رشيكهم عىل شكل رحلة يف الحياة ،باستخدام عبارات مثل (نحن نعيش معاً ،نحن نسافر
معاً ،أمامنا رحلة طويلة معاً).
طلب منبعد أن تم تقسيم املشاركني حسب اختيارهم ملجموعتني وفق ما سبق ،تم ال ّ
مرت معهم ،وأن يكتبوا حولها ،وبذلكحادثتي خالف سابقتني ّ
ّ املشاركني أن يستحّضوا
تم وضعهم بحالة الخالف وتذكر الخالف بينهم ،يف نهاية ال ّتجربة ،تم سؤالهم عن مدى
رضاهم عن عالقتهم العاطفيّة مع رشيكهم – بعد استحضار خالف.-
كانت ال ّتجربة مثرية لالهتمام ملعرفة فيما إذا كان هؤالء الذي يصفون عالقتهم مع
الرشيك اآلخر بأنه نصفهم اآلخر ،وأنهم شخص واحد ،وما إىل ذلك من اإلتحاد الروحانيّ
الهائل سيسجلون رىض أكرب أو أقل يف عالقاتهم مع ّ
الرشيك اآلخر من املجموعة الثانية
التي وصفت عالقتها مع ّ
الرشيك اآلخر عىل شكل رحلة مرافقة يف الحياة.
وجدت ال ّتجربة أ ّن املجموعة األق ّل رىض هي التي وصف املشاركون فيها حبّهم عىل
أنّه اتحاد فيزيائي ،وأ ّن اإلعتقاد بأنّك جزء واحد مع رشيكك سيجعلك تشعر بالحزن
أكثر حني استحضار خالف بيّنكم وبالتايل سيؤذيك الخالف أكثر ،وسيجرح مشاعرك
أكثر وأكثر.
24
والسعادة هي الشعور أنهما يف مركب واحد، الرشيكنيّ ، إ ّن الحياة هي رحلة بني ّ
وتقليل أثر الخالفات هو بتخيّل العالقة عىل هذا ّ
الشكل بدل إعطاءها بُعدا ّ مثاليا ً إتحادياً،
بانكسار أكرب حني يرى أن خالفا ً حُ ّل مع "نصفه
ٍ الشخص ألنه يف الحالة األخرية ،سيشعر ّ
طويلة". الرحلة ال ّ اآلخر" ،بينما سيكون األثر أقل إذا اعتقد أن خالف "رشيكه يف ّ
25
غري عاداتك الغذائية بتغيري حجم األطباق
ّ
والكؤوس
يف الوقت الذي يُجاهد الكثريون فيه للبحث عن حمية غذائية مناسبة ،والبحث عن طُ ٍ
رق
لتقليل كمية األطعمة التي يتناولونها يومياً ،وتقليل املرشوبات ّ
السكرية التي يتناولونها،
يوجد حيلة عملية أكثر نجاحا ً وهي استخدام أطباق أصغر ،وكؤوس رشب أصغر.
عندما نستخدم أطباقا ً كبرية الحجم فهذا يعني استهالكا ً أكرب للطعام ،وباملقابل ّ
فإن
بشكل صحيح ،فلو تم استخدام كأسني بنفس ٍ أدمغتنا ال تستطيع تقدير حجم الكؤوس
ّ
الطول ،ولكن واحدة رفيعة والثانية ثخينة ،فلن تميّز أدمغتنا أن الثخينة هي أكرب بحوايل
الرفيعة وعليه فإذا أردنا رشب الكوال ،فسنرشب حوايل %20أكثر فقط بسبب %21من ّ
الشعور بالراحة النّفسية إذا ماشكل الكأس ،ويمكننا تقليل االستهالك مع نفس ّ
استخدمنا كأسا ً أرفع وأطول.
قام باحثون بتجربة ذلك يف حانة لتقديم الكحول ،وتم وضع نوعني من الكؤوس كما
الساقي أنطلب من ّ سبق ،بحيث أحدهما طويل ورفيع ،واآلخر قصري وعريض ،وتم ال ّ
الساقي لم يستطع تقدير الك ّمية يسكب نفس الك ّمية يف الكأسني .وجد الباحثون أ ّن ّ
بشكل صحيح عند رؤية الكأس العريض ،وسكب ما يزيد بـ %21تقريبا ً عمّ ا سكبه يف ٍ
الرفيع الطويل .وبالتايل فإنه ال يمكننا تقدير الحجم بديه ّياً ،وسنشعر بالراحةالكأس ّ
أكثر إذا ما رأينا كأسا ً رفيعا ً طويالً ممتلئا ً من أن نرى نفس الكمية تماما ً تمأل نصف
كأس كبري وعريض.
لع ّل إحدى الحيل الجيّدة يف املطاعم ويف بيع املنتجات وحتى يف أنظمة الريجيم
والحمية ،هي تغيري األحجام وتصغريها ،وتصميم أطباق وكؤوس صغرية ،وقطع
الراحة النّفسية.
حلويات صغرية مما يجعل العدد أكرب واالستهالك أقل مع نفس ّ
26
املائدة املفتوحة أم حتديد األطباق
نظن مخطئني أ ّن شعور ّ
الشبع يأتي من املعدة حني نشبع ،بينما الواقع ّ
أن عوامل أخرى
تؤثر فيّه ومنها مقدار ال ّ
طعام املتاح.
طبق املخصص لنا ،فستتعامل أدمغتنا مع طعام وأمامنا ال ّ
عندما نجلس عىل طاولة ال ّ
بالشبع مع نهاية الطبق دون الحاجة لطلب املزيد ،ونفس األمر مع ذلك وسنشعر ّ
الحلوى ،الكوال وغريها .بينما إذا تم وضع كمية كبرية إضافية عىل املائدة كوضع عبوة 2
لرت من الكوال ،أو وضع قالب الكاتو بأكمله ،فلن نشعر بالشبع رسيعا ً ألن عيوننا ستالحظ
ذلك وتنتبه أنه ما زال هناك الكثري.
قام باحثون باختيار ذلك ووجدوا نتائج مهولة ،حيث وجدوا أن كمّ ية استهالك
الحساء زادت بمقدار %70للمشاركني قبل أن يشعروا بالشبع يف حال كان الحساء
بشكل كبري ،ويتم تعبئته أوال ً بأول (دون علمهم).
ٍ متاحا ً
بالشبع ،إذ يمكن أن نشعر ّ
بالشبع إذا ما بالشعور ّ
الشاسع ال عالقة له ّ
هذا الفرق ّ
الشعور سيتطلب ضعف الكمّ ية مثالًتناولنا طبقني صغريي الحجم من األرز ،لكن هذا ّ
إذا ما كان الطبقني كبريين ،حيث سنتناول طبقني كبريين أيضاً.
يمكن إسقاط األمر يف موضوع املرشوبات ،مثل سكب ّ
الشاي ،الحليب ،الكوال يف كأس
صغري.
عكيس ،بحيث تغيري نوع الكأس يجعلّ بشكل
ٍ ويمكن أيضا ً تطبيقه مع األطفال
ال ّ
طفل يتناول مزيدا ً من الحليب بدل مطالبته برشب كأسني صغريين عىل سبيل املثال.
27
السؤال تفرض اإلجابة
طبيعة ّ
السؤال جيدا ً قبل اإلجابة عليّه ،ولكن حقيقة األمر أنّه
نحن نعتقد أنّنا عقالنني ،ونفكر يف ّ
السؤال املطروح .حقيقة األمر، يمكن خداع أدمغتنا ببساطة من خالل ال ّتالعب برتكيب ّ
هائل تبعا ً لذلك،
ٍ بشكل
ٍ السؤال يلّعب دورا ً محوريا ً ويمكن أن تختلف اإلجابات
إ َّن شكل ّ
وخاص ًة إذا ما كان يتطلب فعالً أو ترصفا ً مثل وضع إشارة ضمن استبيان.
لفحص ذلك دعنا نأخذ الحالتني ال ّتاليتني حول ال ّتربع باألعضاء بعد الوفاة ،هذه
القضية التي قد تكون غامضة لدى العديد من املشاركني ،فكيف يمكن لشكل ّ
السؤال أن
ّ
يغري إجاباتهم.
السؤال عىل النّحو ال ّتايل:
يف بعض البلدان يتم ّ
قم بوضع إشارة Xإذا ما ُكنت راغبا ً باملشاركة يف برنامج ال ّتربّع باألعضاء •
بعد الوفاة.
السؤال عىل النّحو ال ّتايل:
أ ّما يف بلدان أخرى فيكون ّ
قم بوضع إشارة Xإذا لم تكن راغبا ً باملشاركة يف برنامج ال ّتربّع باألعضاء •
بعد الوفاة.
يميل الناس عادة إىل عدم استكشاف الغموض يف ّ
السؤال ،وعادة ما يفضلون عدم
السؤال الثّاني
اإلجابة دوماً .وبال ّتايل ستزيد موافقتهم بما يصل لحوايل %80يف حالة ّ
ألنهم لن يجيبوا وسيصبحون راغبني بال ّتربع ال إرادياً.
يُمكنك إستكشاف هذه الحيلة حني تُسجل يف موقع إنرتنت ،حيث هناك فرق كبري بني
السؤال هل تريد عدم اإلشرتاك يف أن يسألك :هل تريد االشرتاك يف القائمة الربيديّة ،وبني ّ
القائمة الربيدية ،يف الحالتني لن تجيب ولن تضع إشارة ،ولكن الفرق أنّه يف الحالة الثانية
أصبحت مشرتكا ً بينما يف األوىل لم تشرتك.
28
يمكنك استخدام هذا ال ّتلميح ،أو ال ّتنبّه له دوماً ،يف معظم الحاالت التي يتم تخيريك
فيها يف أي موقف يف الحياة ،حتى عىل سبيل املثال هل تحب أن ترشب ّ
الشاي ،أو هل
الشاي ،وهكذا .. تمانع برشب فنجان من ّ
29
عمى اختاذ القرار
لحظي ،ونختار أحد أمرين بنا ًء عىل حدسنا األويل ّ ،أو
ّ بشكل
ٍ كثريا ً ما نتخذ قراراتنا
ثوان قليلة ال تتجاوز ستة ثوان ،كما يمكن أن انطباعنا األويل .يمكن أن يستغرق ذلك ٍ
يحدث ببضع أجزاء من الثانية.
عندما نتخذ القرار ،قد ال نعرف لم اتخذناه فعالً ،وقد نربر فيما بعد ونبحث عن
الحجج التي تؤكده ،وأحيانا نشعر بعمى اتخاذ القرار ،أي أننا يمكن أن ننىس القرار
بحد ذاته.
يف إحدى ال ّتجارب ،تم سؤال املشاركني عن مدى جاذبية أشخاص من الجّ نس اآلخر،
وألجل ذلك تم عرض صورتني عىل ك ّل مشرتك وال ّ
طلب منه اختيار ّ
الصورة األكثر
جاذبيّة ،وأيّ صورة أحبّها أكثر.
يشبه ذلك ما يحدث يف الحياة العمليّة حني ننجذب أو نقرر بثوان أن صورة شخصيّة
ما أكثر جاذبية من األخرى.
بأمر غريب ،وهو أنّهم اختاروا ّ
الصورة األخرى عىل أيّ حال ،بعد ذلك قام الباحثون ٍ
ومن ث ّم أعطوها للمشارك بعد قليل ،وسؤالهم لم أعجبتك تلك ّ
الصورة ،ومن ثم استقبال
استجابتهم.
الصورة خاطئة ،وأنّهم لم يُعجبوا بها أصالً؟ وكم كانت
فهل اكتشف املشاركون أن ّ
نسبة ذلك هل هي عالية جدا ً تقرتب من %100أم قليلة جدا ً تصل إىل أقل من %15؟
كانت النّتائج مذهلة ،حيث اكتشف فقط %13أن ّ
الصورة مختلفة ،فكل ما يف األمر
الصورة الجّ ديدة عىل أنّها خيارهم لم يكتشفوا األمر ألن دماغهم
أنه حني تم إعطاءهم ّ
الصورة ،ومن ثم اإلعتقاد أنّه قد
بشكل مختلف وبحث عن ما هو جذاب يف تلك ّ ٍ ف ّكر
اختارها فعالً.
30
نسبي،
ّ تُش ِّكل ال ّتجربة ّ
السابقة تحديا ً أمام ادعاءاتنا أيضا َ بقوة الذاكرة ،فالذاكرة أم ٌر
ويقوم الدّماغ باستبدال ال ّذاكرة وعدم االعرتاف بذلك أصالً ،بل واالعتقاد أ ّن ما يتذكره
كامل.
ٍ بشكل
ٍ هو صحيحٌ
31
كيف ختدع نفسك كي ال ختاف
يُعاني الكثري من فوبيا الحيوانات أو الحرشات بشكل عام ،ويخافون من االقرتاب منها
أو ملسها ،ويرافق ذلك ارتفاع نبض قلبهم كداللةٍ عىل الخوف .ولكن هناك نقطة هامة
وهي ماذا لو خدعنا شخصا ً ما بأن يشعر بأن عدد رضبات قلبه لم تتغري حني رؤيته
ألفعى مثالً ،هل سيبقى خائفا ً منها أم أنه سيقيض عىل خوفه.
قام باحثون ألجل تجربة ذلك ،بوضع سماعات ملجموعة من املشاركني وأخربوهم
أنّهم سيسمعون صوت ّ
دقات قلبهم ،ولكنّهم جعلوهم يشعرون ّ
أن األفعى لم تؤثر عىل
أن %65منهم حملت أفعى ملدة 30ثانية مقارنة ب %25 دقات قلبهم ،وكانت النّتيجة ّ
لم يتم خداعهم.
هذه النّتيجة تعني أ ّن عدد دقات القلب لم يكن عامالً مهما ً بقدر ما كان مهما ً ما ت ّم
سماعه وإخباره للمشاركني فحتى لو كان القلب متسارعا ً ولكن علم املشاركون أنّه ليس
إشعار للدماغ بالخوف.
ٍ كذلك فلن يتم إعطاء
يمكن اعتبار هذا األمر هام ،وخاص ًة أنّه تم إعادة ال ّتجربة الحقا ً واستبدال خداع عدد
رضبات القلب بإعطاء جائزة مالية ،ولكن الجّ ائزة املاليّة لم تجد نفعاً ،فإعطاء جائزة
مالية ال يقدم فائدة يف ال ّتغلب عىل الخوف.
السابقة ملن يخافون من الحيوانات أو الحرشات ،بأنيمكن االستفادة من ال ّتجربة ّ
يفكروا بإلغاء الصورة النّمطية التي يشاهدون فيها الكائنات التي يخافون منها ،والتي
لديهم فوبيا منها وال ّتفكري دوما ً بخداع الدماغ ّ
بأن كل يشء عىل ما يرام مثالً.
32
أثر املقارنة عىل السعادة
السعادة ،فاملقارنة تقتل ّ
السعادة أو كثريا ً ما يتم الحديث عن أثر املقارنة ّ
السلبي عىل ّ
تزيدها حسب جملة املقارنة ،فعندما تُقارن نفسك بمن هو أق ُل منك قدراً ،ستشعر أنّك
سعيد ،وباملقابل عند مقارنة نفسك بمن هم أفضل منك ستشعر بالسعادة.
عندما ننجز أمرا ً ما ونحقق نجاحا ً ما يلعب ترتيبنا بالنسبة لآلخرين دورا ً هاما ً يف
سعادتنا ،وخاص ًة يف حال وجود بدائل أفضل لم نستطع نيّلها.
يف تجربة مثرية لالهتمام ،قام باحثون بعرض صور ملجموعة من ّ
الالعبني الفائزين
طلب من املشاركني بتحديد تقييم لسعادتهم كما ظهرت يف يف األوملبياد ،ومن ثم تم ال ّ
الالعبني دون إخبار املشاركني بالنّتائج
الصور ومن ثم حساب املتوسط الحسابي لهؤالء ّ ّ
التي حصل عليها ّ
الالعبون.
وجد البّاحثون ّ
أن املشاركني قد قيّموا سعادة هؤالء الحاصلني عىل ميدالية برونزية
ب 7.1من ، 10وهو تقييّم جيّد ،ولكن باملقابل كان تقييم سعادة هؤالء الحاصلني عىل
امليدالية الفضيّة هو فقط 4.8من .10
بعبار ٍة أخرى ،كان الحاصلون عىل امليداليّة الربونزيّة أكثر سعادة بحوايل الثّلثني من
هؤالء الحاصلني عىل امليدالية الفضية.
رغم حصولهم عىل مركز متقدم أكثر ،لم يكونوا سعداء كفاية ألنهم يعتربون أنفسهم
قد خّسوا املرتبة األوىل وبال ّتايل لم يكن فوزهم مُساعدا ُ لسعادة أكرب ،بينما هؤالء يف املركز
عرشات غريهم ووصلوا للمرتبةٍ الثالث ،فهم سعداء جدا ً ألنهم يشعرون بأنهم تفوقوا عىل
الثالثة ،وهم لم يطمحوا أصالً للوصول للمركز األول.
السعادة واإلنجاز العايل ،فوضع هدف تشري تلك الدّراسات إىل أهمية الفصل بني ّ
السعادة بالوصول له ،يجعلنا غري سعداء لألبد ،ألنّه حاملا نصل لذلك
بعيد الوصول وربط ّ
الهدف ،سنشعر أ ّن علينا الوصول لهدف أعىل وهكذا ،مما يجعل ّ
السعادة بعيدة املنال.
33
السعادة هي تقليل ال ّتوقعات ،فإذا ما كان طموحك ّ
مجرد السعادةّ ،يقول أحدهم عن ّ
الوصول للمركز الثالث مثالً ،فستكون سعيدا ً جدا ً بالوصول للمركز الثاني ،بينما إذا كان
طموحك الوصول للمركز األول ،فستكون حزينا ً جدا ً عند نيل املركز الثاني.
34
هل يتربع اإلقتصاديون أكثر من غريهم؟
أضحى جمع ال ّتربعات أمرا ً واسعا ً هذه األيام ،والكثري يستهدف النّاس بجمع ال ّتربعات
للقضايا املختلفة يف املجتمع وخاص ًة مع استمرار الكوارث واألزمات ،ومن األسئلة
الفضولية هي هل علينا استهداف االقتصاديني أثناء جمع التربعات باعتبارهم خرباء يف
االقتصاد أم ال ،وهل لديهم ميل للمساهمة أكثر يف دعم األعمال الخريية نقدياً ،أم ال؟
قام باحثون باستطالع حوايل 1245أستاذا ً من الكليّات املختلفة ملعرفة نسبة تربعهم
لألعمال الخريية ،والبحث فيما إذا كان أساتذة قسم االقتصاد يتربعون أكثر أم أقل.
وجد الباحثون أن نسبة أساتذة االقتصاد التي لم تتربع أبدا ً لألعمال الخريية وصلت
وفق ترصيحها إىل %9.3وهي نسبة كبرية مقارنة مثالُ بنسبة $1.1لألساتذة يف أقسام
أخرى.
تشري الدراسات أن إرتفاع رواتب االقتصاديني ال عالقة له بزيادة تربعاتهم أو زيادة
قابل يتهم للتربع ،والتربع لألعمال الخريية ال عالقة له بمستوى الدخل املادي ،حتى لو
اشرتك االقتصاديون يف أعمال تطوعية غري مادية ،كاإلرشاف عىل الطالب ،ويعود السبب
بشكل اقتصادي ويميلون لعقلنة وحساب ربح ٍ السلوك البرشيأن االقتصاديني يدرسون ّ
وخسارة كل ما يقومون به مما يجعلهم يساهمون بنسبة أقل يف التربعات أو وجود نسبة
ال بأس بها ال تتربع أبدا ً ألنها خسارة من وجهة نظر رياضية بحتة .عىل سبيل املثال
طالب الفضاء أكثر من طالب اإلقتصاد. يمكن أن يتربع ّ
يمكنك أخذ هذا بعني االعتبار عند القيام بحمالت تمويل جماعي ،ودعم مادي
لألعمال الخريية التي تقوم بها ،وال ّتفكري بجديّة ّ
بالرشيحة املستهدفة للتربع.
35
إختالف عتبة الشعور باألمل
هل تكون عتبة األلم واحدة عند جميع البرش؟ يعترب هذا ال ّتساؤل مُلحا ً وخاص ًة عند عالج
أن شدة األلم واحدة ولكن تختلف املرىض ومدى تحمّلهم لآلالم ،ويمكن القول أنّه رغم ّ
شخص آلخر.
ٍ عتبة ال ّتسامح معه ّ
والشعور به من
يجب دوما ً ال ّتمييز بني األلم وشدته وبني العتبة التي تجعلنا نتألم ويفّسها دماغنا،
وفهم ذلك مهم جداً ،وخاص ًة يف العالج وتح ّمل اآلالم .أحيانا ً يلعب العالج الوهمي دورا ً
حسن رغم كونه وهم ّيا ً فحسب ألنّه يجعلنا نتسامج مع اآللم .عىل سبيل املثال ،إذا يف ال ّت ّ
شعر أحدهم بالصداع وتم إعطاءه حبة دواء وهمي (بالسيبو) ،دون إخباره أنّها وهمية
الصداع ما زال موجوداً ،ولكن بالطبع ،فسيشعر بال ّتحسن فوراُ .حقيقة األمر هي أ ّن ّ
ارتفعت عتبة ال ّتسامح معه هذا األلم بحيث يشعر أنّه لم يعد بمثل تلك القسوة بعد.
غال
السعر ،أحدهما ٍ مختلفي ّ
ّ يف تجربة أخرى ،تم إخبار املشاركني أّنهم سينالون عالجني
جداً ،واآلخر رخيص ،ورغم تقديم عالج وهمي للمشاركني (ليس بذو فعالية أصالً) ،إال
أن النّتائج كانت ملفتة ،فهؤالء الذين تناولوا العالج الغايل شعروا بت ّ
حس ٍن أكرب من هؤالء ّ
الشعور يفالرخيص ،ولعبت قيمة العالج دورا ً كبريا ً يف تغيري عتبة ّ
الذين تناولوا العالج ّ
األلم.
جرب أن تعطي أحدهم حبوب باراسيتامول وإخباره أنها حبوب أملانية أصلية ّ
مقارنة بنفس الحبوب تماما ً مع إخباره أنّه من إنتاج محيل ّ مثالً ،سيخربك املريض
مبارشة أنه شعر بال ّتحسن بعد تناول الحبوب األملانية ،مقارنة مع قوله إنّه لم يشعر بأي
تحسن بعد تناول الحبوب املحليّة.
يمكن استخدام هذه الحيلة للتخفيف من آالم للمرىض بإعطائهم أدوية تشعرهم
بالراحة فإذا كان املريض مؤمنا ً أن العالج باإلبرة أفضل من العالج من الحبوب ،فيمكن
إعطاءه إبرة بنفس املفعول .أو لو كان يعتقد أ ّن الكبسوالت مفيدة أكثر من ّ
الرشاب
وهكذا ..
36
كيف ُت ّ
شجع عىل ال ّتوفري الإلرادي
بشكل عام تقليل طلب تبديل املناشف من قبل روّ اد الفندقّ ،
ألن ذلك ٍ فضل الفنادقتُ ّ
اليومي لها ،ويحقق وفرا ً ال بأس به .وطبعا ً
ّ يؤدي لتوفري واسع يف عملية الغسيل وال ّتبديل
ليس من املعقول أن يطلب الفندق من ُروّ اده أن يقوموا باإلحتفاظ بنفس املناشف ألكثر
من يوم ،أو أن يغفل ذلك لوحده ،أل ّن ذلك سيسبب ازعاجا ً ونفورا ً مبارشا ً لديهم.
ف ّكرت إحدى إدارات فندق ما بهذه اإلشكالية ،وقررت تشجيع الزبائن عىل عدم تبديل
بشكل مبارش بتذكريهم بفائدة ذلك للبيئة ،والستكشاف ذلك قامت بتوزيع ٍ مناشفهم
رسائل عىل ُروّاد الفندق عىل النحو التايل:
استقبلت املجموعة األوىل رسالة توضح لهم أهمية الحفاظ عىل البيئةّ ،
وأن •
االقتصاد يف تبديل املناشف يفيد البيئة بتوفري املاء.
توضح لهم أهمية الحفاظ عىل البيئة ّ
وأن استقبلت املجموعة الثانية رسالة ّ •
%75من ُروّاد الفندق قد وافقوا عىل االشرتاك يف برنامج االقتصاد يف تبديل
املناشف ملساعدة البيئة.
والسؤال املثري هنا ،كيف كانت استجابة ك ّل من املجموعتني للرسائل ،وأي نوع من
ّ
الرسائل ساهم أكثر يف دفعهم للتعاون والتوفري.
ّ
دعونا نبدأ باملجموعة الثانية ،فقد استجاب % 44.1منهم لدعوة االقتصاد يف تبديل
املناشف ،بعد معرفة ّ
أن %75من روّ اد الفندق قد اشرتكوا بذلك ،ولكن األهم هو سلوك
املجموعة األوىل التي استجابت بنسبة أقل ،حيث بلغت نسبة املجموعة األوىل فقط حوايل
75من املجموعة الثانية .بعبارة أخرى انخفض عدد مرات االستجابة بمقدار الربع ،حني
لم نخربهم أ ّن غريهم قد قام بنفس السلوك.
السلوك البرشي ،فعندما طلب من املشاركني ّ
توضح هذه التجربة أهمية العدوى يف ّ
توفري استخدام مناشفهم من أجل البيئة مع إخبارهم ّ
أن %75من الروّ اد غريهم قد قاموا
بذلك ،فهذا يشجعهم أكثر عىل تقليدهم ،و انتشار عدوى إعادة استخدام املناشف بينهم.
37
الشخص ملنتجات يف الطائرة تزيدإ ّن للعدوى أث ٌر مهم ،تشري الدّراسات أ ّن نسبة رشاء ّ
أن العدوى تعبري عن ال ّتضامن االجتماعي إذا ما قام شخص بجانبه ّ
بالرشاء ،وكما ّ
الالإرادي مع اآلخرين ،فمثالً حني يتثاءب أحدهم ،نتثاءب ال إرادياً ،وحني يحك أحدهم
أنفه ،نشعر ال إرادية بحكة بأنفنا ،وحني يلف أحدهم رجالً عىل رجل ،نقوم بتقليده ال
إرادياً ،وهكذا.
وبال ّتايل يمكن االستفادة من أثر العدوى يف تشجيع الناس عىل القيام بقرارات
اعتمادا ً عىل تقليدهم لآلخرين ،وهذا ما يقوم به فيسبوك ،فهو يخربك أ ّن صديقك قد
أعجب بالصفحة الفالنية ،لتقوم بتقليده ال إرادياً.
38
النتيجة أم اجلهد الذي أ ّدى هلا؟
نزعم كبرش أنّنا نحبّ الوصول للنتائج بّسعة ،ويف حواراتنا نزعم أ ّن موقع اإلنرتنت الذي
يقدم النتيجة بّسعة هو أفضل من موقع اإلنرتنت البطيء ،ولكن ماذا لو كان لدينا
موقعني يقومان بنفس املهمّة تماماً ،ولكن أحدهما رسيع ،واآلخر يتظاهر بالبطء ويظهر
أنه يجتهد للوصول للنتيجة ،فأي موقع سيكون ّ
مفضالً أكثر؟
لتوضيح أهمية إظهار الجّ هد لآلخرين ،بدل إظهار النّتيجة فحسب ،تصوّ ر ّ
أن هناك
طريان وعروض ال ّ
طريان ،وال موقعني متشابهني تماما ً يف آلية العمل للبحث عن رحالت ال ّ
ب ّد أنّك زرت الكثري منهم سابقاً.
رغم تشابه املوقعني يف آلية البحثّ ،إال أ ّن هناك فرقا ً بينهم فاملوقع األول يقوم بعرض
النّتيجة مبارشة بّسعة ،أ ّما املوقع الثاني فيتظاهر بالبطء ،ويقوم بال ّتأخر 60ثانية حتى
عرض النّتيجة ،وأثناء ذلك يقوم بإظهار الرشّ كات ال ّتي قام بالبحث بها ،أي أنّه يعرض
الرشكات التي تم البحث من خاللها ،مثل :جاري للمستخدمني خالل 60ثانية أسماء ّ
البحث يف الخطوط الجوية الرتكية ،جاري البحث يف الخطوط الجوية الهولندية ..إلخ ).
هل تعتقد أ ّن املستخدمني سيفضلون املوقع األول أم الثاني عملياً؟ وأيّ من املوقعني
سيعتربونه شفافا ً وموثوقا ً أكثر ؟
أن %63من األشخاص ّ
فضلوا املوقع يف تجربة ملحاكاة ما سبق ،وجد الباحثون ّ
الثاني أكثر من األول ،واعتربوه شفافا ً أكثر ،ومعتربا ً أكثر .رغم أنّه يستغرق وقتا ً أطول
فضلوه ألنه يوضح لهم أنّه يقوم بالبحث ويظهر لهم بشكل بحوايل 60ثانيةّ ،إال أنّهم ّ
مرئي أنّه يبذل الجهد لذلك ،عكس املوقع األول الذي وإن عرض نفس النتائج ولكنّه
يعرضها مبارش ًة ،وال يشعر املشاركون بالراحة النّفسية لذلك.
يسمّي الباحثون تلك الظاهرة بوهم العمل ،فنحن نقع بفخ اإلعجاب بموظف يتظاهر
بالعمل ،أكثر من إعجابنا بنتيجة العمل املبارشة دون إظهار أنّه بذل جهدا ً لذلك .يمكن
االنتباه لهذه الظاهرة عند بيع املنتجات للزبائن ،وتقبّلهم لوقت االنتظار بإظهار شفافية
39
عمل املوظفني ،وإظهار أنّهم يبذلون جهدا ُ ولو ظاهريا ً لخدمتهم ،فإظهار الجهد يجعل
الزبون متقبالً لالنتظار ،ومعجبا ً به ،مقارن ًة من نتيجة رسيعة بدون إظهار الجهد له.
يفّس ذلك تقبّل النّاس النتظار الباصات دقائق كثرية يف حال وجود مؤقت زمني
قد ّ
يوضح الزمن املتبقي ،مقارنة بتململهم الواسع النتظار دقائق أقل دون وجود مؤقتّ
زمني.
40
أثر تقدير الذات
كثريا ً ما يتم الحديث عن أهمية تقدير الذات ،و يُقصد بها نظرة اإلنسان لنفسه ،وهل هذا
عال أم منخفض ،ويجادل الكثري يف أهمية تقدير اإلنسان لنفسه كبوابةٍ للنجاح
التقدير ٍ
املهني.
يختلف تقدير الذات عن الثقة بالنفس حيث أن الثقة بالنفس هي نتيجة تقدير الذات
وليس العكس ،ويعترب تقدير الذات أحد األمور التي ذكرها ماسلو يف هرم االحتياجات
الشهري ،حيث وصفه بشكلني وهما االحرتام من اآلخرين ،أو احرتام الذات الداخلية.
وبعيدا ً عن املبالغات الكبرية يف أثر تقدير الذات ،فما هو العامل الذي ترتبط به
علمياً؟
قام باحثون باستكشاف حوايل 300تجربة علميّة حول تقدير الذات ،وقاموا بالبحث
عن أهم العوامل التي ترتبط بتقدير الذات ،والبحث عن عالقات مرتابطة بينها وبني
تقدير ال ّذات العايل ،ومنها زيادة مشاعر ّ
السعادة ،اإلنجاز األكاديمي املتقدم ،استقرار
العالقات العاطفية ،االبتعاد عن التدخني واملخدرات.
السابقة يف ال ّتجارب حيث يتم دوما ً ّ
الربط بني تقدير الذات العايل ،وبني العوامل ّ
املختلفة ،ولكن املثري لإلهتمام هو سرب 300تجربة ومعرفة ما هي أكثر العوامل ا ّ
لسابقة
ارتباطا ً مع تقدير الذات العايل.
أشارت النّتيجة أ ّن العامل األقوى املرتبط بتقدير الذات العايل هو زيادة مشاعر
السعادة مما سبق ،بعبارة أخرى يساعدك فعالً تقدير ذاتك عىل ّ
السعادة بشكل أكثر، ّ
وهو عامل مهم يف السعادة أكثر من كونه عامالً مهما ً يف النجاح األكاديمي مثالً ،كما
تشري تحليل الـ 300تجربة.
ومع هذا فهنا علينا االنتباه أن ال نقع يف فخ مغالطة شهرية وهي مغالطة خلط
االرتباط باألسباب ،فلع ّل زيادة تقدير الذات يؤدي للسعادة أو أن ّ
السعادة تؤدي لرفع
تقدير الذات ،أو أ ّن عامالً آخر يسبب كالّ من ّ
السعادة وتقدير الذات.
41
السلوك اإلنساين يف التربعات
إذا كنت تعمل يف املجال اإلنساني ،أو عىل صلة بالحمالت ال ّتطوعية أو الحمالت التي
تجمع األموال لقضية ما ،فال ب ّد أنّه قد تبادر لذهنك بشكل أو بآخر ال ّتساؤل ال ّتايل :أيّهما
أفضل أن أطلب من النّاس أن تتربع أم ال ،وأي من الحالتني تدفع الناس ملزيد من
التربعات؟
الراحة النّفسية التي يشعر بها املتربع لقضية
أن الكثري من الدراسات تشري إىل ّ رغم ّ
ماّ ،إال أ ّن الكثري من النّاس يحاولون تجنّب املرور قرب حمالت ال ّتربع املختلفة ،ففي حال
باب آخر لتجنّب
وجود حملة لجمع ال ّتربعات مثالً ،الحظ باحثون أ ّن الناس تميل الختيار ٍ
املرور بتلك الحمالت وال ّتعرض للسؤال.
يف تجربة مثرية لالهتمام قام باحثون بتقسيم مجموعة من جامعي ال ّتربعات إىل
مجموعتني عند أحد مراكز ال ّتسوّق ،حيث طلبوا من املجموعة األوىل أن تجمع ال ّتربعات
طلب من املجموعة الثانية أن تطلب شفهيا ً من كل شخص يم ّر أمام بصمت ،فيما تم ال ّ
الحملة بالتربع" ،من فضلك تربّع اليوم" .وكان ال ّتساؤل ،أيّ من املجموعتني ستجمع
ٍ
تربعات أكثر ،التي تطلب بصمت أم التي ستطلب بشكل مبارش شفهي من املارة؟
بشكل شفهي مبارش ،قد جمعت ما ٍ وجدت ال ّتجربة أ ّن املجموعة األوىل التي طلبت
نسبته أكثر %65من املجموعة التي طلبت بصمت .إ ّن ال ّ
طلب املبارش واإللحاح من ا ّملارة
وتوقع أنهم سيتربعون ذاتيا ً القتناعهم ّ طلب ّ
الصامت يُفيد يف جمع تربعات أكثر من ال ّ
فحسب بجدوى القضيّة التي يتم جمع ال ّتربعات لها.
إذن ،يف املنظمات وحمالت جمع األموال من العامة ،ال تخجل أن تطلب بشكل مبارش،
طلب ّ
الصامت ،حتى بشكل واضح من ال ّ
ٍ طلب ّ
الشفهي الواضح يزيد من ال ّتربعات إ ّن ال ّ
بشكل قوي بالقضيّة التي تجمع من أجلها ال ّتربعات.
ٍ لو لم يكن املارة مهتمني
42
وهم ال ّتع ُّلم
موضوع ما ،فإنّهم يواجهون مشاعر متعددة أثناء الدّراسة
ٍ طالب بدراسةحني يقوم ال ّ
وبعدها ،وتختلف املشاعر من النشوة بأنّهم فهموا الدّرس تماماً ،أو الخوف من أنهم ال
يفهموه تماماً ،أو الخوف من االمتحان وغريها من املشاعر.
من املثري لالهتمام معرفة تأثري ودور تلك املشاعر عىل العمليّة ال ّتعليمية بحد ذاتها،
ولذلك قام باحثون بفحص ذلك تجريب ّيا ً من خالل إعطاء مجموعة من املشاركني مقالة
لقرائتها ومن ثم سؤالهم عن مشاعرهم بعد قراءتها ودراستها وفهمها ،وللتأكد من
طلب منهم أن يجيبوا عىل مجموعة من األسئلة املتعلّقة بها. فهمهم لها ،ثم ال ّ
طالب وإعالنه أنّه قد فهم املقالة ،يعني فعالً أنهالسؤال املهم هل شعور ال ّوهنا كان ّ
ّ قد فهمها؟ أم ّ
أن الشعور ال عالقة له باألداء الفعيل؟
لقد وجد الباحثون أ ّن املشاركني الذين سجّ لوا شعورهم بأنهم قد فهموا املقالة وأنهم
بشكل جيد ،قد سجلوا أدا ًء أسوأ ،وهذا ما يسمّى وهم ال ّتعلُّم.
ٍ تعلموها
الالزم لذلك ،ونقع يف وهم ال ّتعلّم دون اختبار
نظن أنّنا قد تعلّمنا بمجرد بذل الوقت ّ
اختبار جديٍّ ملا نقوم بدراسته سنقع بفخ وهم ال ّتعلّم،
ٍ جديٍّ لفهمنا الفعيل ،ولذلك دون
ونشعر بنشوة التعلّم دون التعلّم فعلياً.
43
السلوك البرشي
أثر الغرفة املرتبة عىل ّ
يزعم الكثري أنّهم عقالنني وخاصة يف اتخاذ القرارات التي تتعلق باملال أو الصحة ،ولكن
حقيقة األمر أن البيئة املحيطة بنا تلعب دورا ً كبريا ً يف اتخاذنا للقرارات ،ويمكن أن ّ
يتغري
واسع بسبب البيئة املحيطة بنا.
ٍ بشكل
ٍ سلوكنا
الصحي مثالً ،إذ
طعام ّ إن أحد األمثلة الكالسيكية يف هذا املجال هو قرارنا بتناول ال ّ
ّ
صحي
ّ أ ّن ترتيب األطعمة داخل الثّالجة يلعب دورا ً محوريا ً يف اتخاذ قرار تناول طعام
الصحية مبارش ًة أمام نظرنا، دون غريه ،فوجود الحلويات عىل الواجهة ،واألغذية غري ّ
مقارنة مع الفواكه والخّضاوات املوجودة يف الدّرج السفيل ،يجعلنا ال إراديا ً نختار ما
نراه ضمن مجال نظرنا واختياره ،بدل البحث وبذل جهد إضايف إلخراج الفواكه من
الدرج السفيل.
يف السوبرماركت ،تزداد نسبة رشاء املنتجات التي يتم وضعها عىل الرفوف املقابلة
لخط النظر املشرتين ،مقارنة بتلك املوجودة أسفل خط النّظر أو أعاله.
يف تجربة مثرية حول أثر البيئة املحيطة ،تم دراسة أثر املكتب املرتّب والنّظيف عىل
صحي.
ّ سلوك األشخاص يف ال ّتربّع وتناول طعا ٍم
قىض بعض املشاركني وقتا ً ال بأس به يف مكتب مرتّب ونظيف ،وآخرون يف مكتب
فوضوي ،غري مرتّب ،ومن ثم تم مراقبة سلوكهم يف إتاحة فرصة لهم للتربّع الخريي،
باإلضافة إلمكانية اختيار حبة تفاح أو شوكالته الحقاً .فهل سيؤثر الجو ّ
السابق عىل
صحي؟
ّ سلوكهم ،وهل يمكن أن تدفع البيئة الفوضوية إىل سلوك غري
وجدت ال ّتجربة أ ّن هؤالء الذين قضوا وقتا ً يف مكتب مرتب ونظيف قد اختاروا طعاما ً
بمقدار أكرب من اآلخرين الذي قضوا وقتا ً
ٍ صح ّيا ً وهو حبّة ال ّتفاح ،باإلضافة ألنهم تربعوا
يف مكتب فوضويّ وغري مرتب.
البيئة املحيطة بنا ،خصوصا ً املرتبة تزيد من العامل األخالقي لنا ،والذي ينعكس
الضغط النّفيس الذي
بتربعات أكثر خريية ،ويزيد من اختيارنا ألطعمةٍ صحية ألنها تقلل ّ
يحيط بنا.
44
تُشري تجارب أخرى أ ّن ال ّتوتر يؤدي الختيار أطعمة غري صحية- ،إذ عندما يطلب من
مجموعة من املشاركني حفظ رقم من 6أرقام ،سيزيد احتمالية اختيارهم لقطعة
حلوى،ـ وكلّما زاد ال ّتوتر نقصت املناعة ضد إغراء األطعمة غري ّ
الصحية.
إذا كنت تفكر بالقيام بريجيم ،فما رأيك ال ّتفكري بعد هذا ال ّتلميح برتتيب الغرفة!
45
احذر تقديم أوراق نقدية مهرتئة!
السلوك البرشي ،والكيّس من تعلّم منها ووفرإ ّن ال ّتجارب االقتصادية عامل مهم لفهم ّ
عىل نفسه الكثري من الجهد واملال ،حيث ال يمكن األخذ باالستبيانات عىل محمل الجدّ ،فلو
تفضل القهوة مثالً ،سيعطيك اإلجابة النّموذجية املتوافقة مع ّ سألت شخصا ً كيف
املجتمع مثل ،قهوة سوداء غامقة ،اسربيسو بدون حليب .ولكن يف ال ّتجربة إذا ما ّ
خريته
فعليا ً فقد يختار قهوة مع الحليب!
إ ّن نفس األمر مع األوراق النّقدية ،فسؤال أي شخص عن أثر األوراق املهرتئة عىل
ّ
الرشاء ،فسيخربك أنّه ال يوجد فرق ،فقيمة الورقة النّقدية هي نفسها سواء كانت جديدة
تلمع أو كانت متسخة نوعا ً ما ،أليس كذلك؟ قيمة 10دوالر هي نفسها سواء كانت
مرات.
جديدة ،وسواء كانت متسخة أو مطوية عدة ّ
يف تجربة قام باحثون بدراسة أثر ذلك عىل الباعة ،فكان أن توجهوا لرشاء 500غرام
ومرة
مرة بأوراق نقديّة جديدةّ ، من الفواكه من عدة بائعني ،ولكنّهم تقصدوا الدّفع ّ
بأوراق نقديّة م ّتسخة ،وتم الدّفع مقدما ً للبائع قبل أن يقوم بعمل عملية البيع والوزن.
الحقا ً تم وزن الكميّات التي ت ّم رشاءها ودراسة أثر حالة األوراق النّقدية عىل الكميّة ،فهل
إعطاء أوراق نقدية م ّتسخة سيجعل البائع يقلل من الكميّة؟ أم ال أثر لذلك فاملبلغ نفسه
تلقوا أوراقا ً نقدية نظيفة وجدية قد التزموابالحالتني؟ وجدت ال ّتجربة أ ّن الباعة الذين ّ
بشكل تام وقدّموا 500غرام فعالً ،ولكن أولئك الذي ّ
تلقوا أوراقا ً نقديّة مهرتئة ٍ بالوزن
أو م ّتسخة ،قد قدّموا كمية أقل ،وتالعبوا بالوزن ألقل من 500غرام .رغم ّ
أن القيمة
املادية نفسها ،ولكن شكل األوراق النّقدية لعب دورا ً كبريا ً يف سلوك الباعة ،وجعلم
يترصفون بطريقة غري أخالقية ،واالتجاه للغش أكثر ،وتربير ذلك بحجة واهية وهي أن
األوراق النقدية متسخة.
تفّس انتشار الغش يف املجتمعات التي تنترش بها األوراق ولربما كانت هذه ال ّتجربة ّ
النّقدية املهرتئة ،وتشجع الحكومات عىل تبديل األوراق النّقدية أوال ً بأول.
46
ال ّتفكري اجلمعي هو معادلة صفرية!
عادة ما يتم املطالبة بتغيري املجتمع عن طريق تقديم مكاسب للمجموعات األكثر ضعفاً،
أو األكثر ظلما ً اجتماعياً ،كي يتم زيادة حقوقها لتصبح مساوية للفئات األخرى يف
املجتمع.
عندما تعمل عىل قضية مشابهة ،وخاصة يف املنظمات أو الحكومات علينا االنتباه يف
الصفري،مشكلة تفكري النّاس أن ما يحدث هو معادلة صفرية ،أو ما يسمى املجموع ّ
ويعني أنّهم سيفكرون بالحالة التي يكون فيها ربح أو خسارة مشاركٍ ما مساويا ً
بالضبط إىل مجموع الخسائر أو املكاسب للمشاركني اآلخرين .إذا كانت املكاسب
اإلجمالية للمشاركني يتم إضافتها ،والخسائر يتم طرحها ،فإن املجموع سينتهي إىل
نقطة ّ
الصفر.
من املمكن ال ّتفكري باملجموع الصفري بشكل أع ّم عىل أنّه مجموع ثابت حيث أن
الالعبني هي نفس القيمة ،وبالتايل يفكر النّاس ّ
أن ما مجموع الفوائد والخسائر لجميع ّ
سيكسبه اآلخرون يعني أنّه عىل حساب خسارتهم ،كأننا يف ميزان وعلينا أخذ من كفة
للثانية بدل اإلضافة من خارج امليزان للكفة األقل.
يف استطالع رأي يف الواليات املتحدة األمريكية حول حقوق ذوي البرشة الدّاكنة
مقارنة بذوي البّرشة البّيضاء ،وتطور حقوقهم خالل 50عام املنرصم ،تم استطالع عدد
كبري من األشخاص عن رأيهم يف نيل ّ
السود لحقوقهم خالل الخمسني العام األخرية.
كانت إحدى نتائج االستطالع املثرية لالهتمام أ ّن البيّض يعتقدون أنّه قد زادت نسبة
ال ّتمييز العنرصي ضد البيض يف أمريكا مقارنة مع تقليل ال ّتمييز العنرصي ضد السود.
الصفرية ،وهي أن قلّة ال ّتمييز العنرصيّ
بعبارة أخرى ،ف ّكر البيّض بطريقة املعادلة ّ
أن قلّة
السود يقابل زيادة ال ّتمييز العنرصيّ ضد البيّض ،ولم يستطيعوا تقبّل فكرة ّ
ضد ّ
ال ّتمييز العنرصيّ ض ّد ّ
السود ال يتطلب زيادته ضد البيّض.
47
حني طرح إصالحات يف املؤسسة أو املجتمع علينا االنتباه لخطر تفكري الجّ موع
الصفرية ،وإقناعهم أن مكاسب فئة ما ،يعني ال ّتقليل من مكاسبهم بشكل أو
باملعادلة ّ
بآخر.
48
أشكال اإلدمان األخرى
عندما نتحدث عن اإلدمان ،فأول ما يتبادر إىل أذهاننا هو ال ّتدخني والكحول ،فهما أشهر
ما يعتقد النّاس أنهم يدمنون عليه وال يستطيعون مقاومة إغراء تواجده( .الكحول
بالنسبة للمجتمعات الغربية) .ولكن هل فعالً أ ّن النّاس ال تستطيع مقاومة ال ّتدخني
والكحول مقابل إغراءات الحياة املختلفة مثل اللّقاءات مع األصدقاء ،تناول األطعمة
املختلفة ،تناول املرشوبات املختلفة ،استخدام وسائل التواصل االجتماعي؟
يف تجربة مثرية قام باحثون بمراقبة سلوك مجموعة من الطالب األملان ،وطلبوا منهم
تسجيل استجاباتهم ملقاومة اإلغراءات التي تواجههم يف الحياة ،وتسجيل ردّات فعلهم
أسبوع كامل .خالل أسبوع تم متابعة 205شخص، ٍ ملقاومة تلك اإلغراءات خالل
وتسجيل 7827تقرير منهم حول مختلف الرغبات التي يواجهونها ومدى قدرتهم عىل
مقاومتها .يقوم الطالب مثالً بتسجيل أنّه واجه إغراء تناول طعا ٍم غري صحي ،ومن ثم
يسجّ ل فيما إذا استطاع مقاومة هذا اإلغراء ،وكذلك الحال ألنواع اإلغراءات األخرى التي
قد تواجهه يف حياته اليوميّة.
بعد تحليل النّتائج وجد الباحثون أ ّن أكثر اإلغراءات مقاومة وأسهلها هو التدخني
والكحول مقارنة بإغراءات أخرى مثل استخدام وسائل التواصل االجتماعي ،ال ّرياضة،
طعام ّ
والرشاب .بخالف ما نعتقدّ ،
فإن مقاومة تدخني ال ّتواصل االجتماعي مع اآلخرين ،ال ّ
الصعب جداً ،مقارنة مع تناول قطعة سيجارة ،أو تناول كأس من النّبيذ ليس باألمر ّ
شهية من الشوكوال عىل سبيل املثال.
لننتقل للضفة األخرى ،ما هي أكثر اإلغراءات صعوبة ملقاومتها؟ هل هي إغراءات
طعام ّ
الشهي ،النّوم ،استخدام وسائل ال ّتواصل االجتماعي ،أم ال ّتدخني؟ النّتيجة كانت ال ّ
وسائل التواصل االجتماعي بما فيها تفحّ ص الربيد اإللكرتوني ،وتحديث منشورات
شبكات ال ّتواصل االجتماعي املختلفة .بعبارة أخرى مرة أخرى ،إ ّن مقاومة تدخني
تعليق ما ،أو
ٍ سيجارة أصعب من مقاومة إغراء تفحّ ص الربيد اإللكرتوني ،أو ّ
الرد عىل
ّ
تصفح موقع إخباري ملعرفة الجديد.
49
نحن نظن أ ّن اإلدمان فقط هو إدمان عىل الكحوليات والتدخني ،أو اإلدمان عىل تناول
أن هناك إدمانا ًالسكرية ،ولكن حقيقة األمر تجريبيا ً ّ
الصحية ،أو املرشوبات ّ
األطعمة غري ّ
غري ظاهر لوسائل ال ّتواصل اإلجتماعية ،وأنّها أصعب مقارنة مع اإلغراءات ال ّتقليدية،
وعلينا االنتباه أكثر لهذا اإلغراء.
يف نصيحة سابقة ذكرت ،ما رأيك لو ف ّكرت بإيقاف االنرتنت نهائيا ً عن جوالك أثناء
العمل ملقاومة هذا اإلغراء!
50
السعي لإلنجاز أم اإلنجاز بحد ذاته؟
ّأّيام أفضل ّ
مرشح لنيل جائزة ال ّتميّز لنفرتض أنّه قد واجهت إحدى الحالتني التاليتني :شخص ّ
اإلبداعي ،وشخص نالها سابقاً ،أيهما ستتحمس له أكثر ،الفائز سابقا ً أم الفائز املُحتمل.
أيّهما أشد لفتا ً النتباه اآلخرين إخبارهم بإنجاز سابق مهم ،أم إخبارهم بما هو عىل وشك
التحقيق؟
سوا ًء كان ذلك يف مقابالت العمل ،أو كتابة رسائل الدوافع ،أو املنافسة يف املسابقات
املختلفة ،علينا اإلنتباه لهاتني الحاليتني ومعرفة أيّهما أكثر إثارة لإلعجاب ال ّتحدث عن
إنجاز قمت به ،أو إنجاز تسعى لتحقيقه.
السابقتني عىل النّحو ال ّتايل :عرضت لوحتان فنيتان يف
قام باحثون بدراسة الحالتني ّ
معرض أمام الجّ مهور مع ال ّتالعب باللوحة ال ّتعريفية لك ّل منهما ،حيث تم اإلشارة يف
اللوحة األوىل إىل أ ّن الفنان صاحب اللوحة قد نال جائزة مرموقة العام املايض ،أمّ ا يف
مرشح لنيل جائزة مرموقة يف الّلوحة الثانية فتم اإلشارة أ ّن الفنان صاحب اللوحة هو ّ
العام القادم .كيف سيتأثر روَّاد املعرض بتلك اإلشارات ،وهل سيتغري اهتمامهم
باللوحات الفنية وفق تلك اإلشارات؟ أم ّ
أن تذوّق العمل الفني ال يتأثر.
كما أسلفنا سابقاً ،ال يمكن فصل البيئة املحيطة عن طريقة فهمنا لألمور ،وبالتايل
ال يمكن تذوّق العمل الفني بموضوعية دون اإلنحياز للتوصيف املقابل لهّ ،
والسؤال هنا،
هل سيتأثر النّاس ويهتمون باللوحة لصاحب العمل الفائز بجائزة مرموقة ،أم لآلخر
ّ
املرشح للفوز العام املقبل؟
لقد اهتم النّاس بذلك ّ
املرشح للفوز يف العام القادم ،حيث أبدوا اهتماما ً بلوحته أكثر
السابق .عندما يحصل إنجاز فهذا مدعاةٌ للفخر ولكننا نميل من اهتمامهم بالفائز ّ
للحماس وال ّتشجيع وترقب ذلك املرشح أو املجتهد أو املحتمل لفوز جائزة أكثر من الفائز
ّ
السابق.
51
يعتمد عامل الحماس وتفضيل الفائز املُحتمل واسعا ً حني ال يمكننا تقدير األمور
بشكل واضح ،فمثالً إذا لم نعرف سوية الجائزة أصالً يف العمل الفني ،فسنميل لإلعجاب
ٍ
فائز سابق.
بأن الفائز املحتمل القادم أكثر أهمية من ٍ
قد يُفيد اإلسقاط هنا يف مقابالت العمل ،وفق نفس املقاربة فإ ّن قول ّ
املرشح للوظيفة
الرشكة وأّنه عىل وشك االنتهاء من إنجاز
إنجازات قادمة مع ٍّ أنّه من املحتمل أن يحقق
كبري ،أكثر حماسا ً من قوله أنّه قد أنجز أمرا ً مهما ً منذ عام.
52
ال ّتقديرات اخلاطئة ملا ال نعرفه
مرة أن سألك أحدهم سؤاال ً عن تقدير سعر لقميص أو جهاز قد اشرتاه ،ولم هل صادف ّ
تكن لديك أدنى فكرة عن ذلك ،وكيف أ ّن تقديرك كان خاطئا ً جداً ،ال وبل بعيدا ً جدا ً عن
الصواب؟
يميل النّاس ملبالغة تقديراتهم الخاطئة لم ال يعرفون ،فإذا ما ت ّم سؤالهم عن أمر ما
ال يعرفونه ،وطلب منهم تقدير ذلك فسيقومون برمي األرقام ُجزافا ً دون أيّ انتباه أنّها
قد تكون بعيدة جدا ً عن األرقام الحقيقة.
أن تقديراتنا خاطئة مثالً إذا ما
هنالك تجارب كثرية يف هذا املوضوع ،والتي تشري ّ
سألت أحدهم أيهما أكثر الكلمات التي تبدأ بحرف Rأم تلك التي يأتي فيها حرف R
يظن الكثري أ ّن الكلمات التي تبدأ بحرف Rباإلنكليزية هي أكثر خالف
وسط الكلمة .س ّ
الحقيقة ألنه سيتبادر ألذهانهم الكلمات الكثرية التي يعرفونها وتبدأ بحرف ،Rولن
يتبادر لذهنهم أنّه يمكن أن يكون هناك عدد هائل من الكلمات التي ال يعرفونها والتي
يأتي فيها حرف Rوسط الكلمة والتي تفوق الحالة األوىل.
السياق سأل باحثون مجموعة من املشاركني أن يقوموا بتقدير يف تجربة يف هذا ّ
توزيع الثروة يف الواليات املتحدة األمريكية وأن يُقدِّروا ما هي نسبة الثروة يف املجتمع
التي يملكها %40من النّاس ،ومن ث ّم مقارنة أجوبتهم باإلجابة الحقيقية.
إن اإلجابة الحقيقية هي أ ّن %40من األمريكني يمتلكون %0.3من الثروة الكليّة،
بشكل كبري وقاموا بتقدير النّسبة ب %9.3
ٍ ٌ
مبالغ بها لكن املشاركني أعطوا تقديرات
وسطياً.
إ ّن تقديرات النّاس املبالغ بها حول ما ال يعرفونه ومن ثم تصديقهم لتلك املبالغات
قرارات خاطئة بناء عىل تقديرات مبالغ بها .لذلك يف املرة ٍ يجعلهم يقعون يف فخ اتخاذ
ّ ُ
القادمة وحني تكون يف موقف ال تعرف فيه معلومة ما ،من األفضل أن تركز أنك ال تعرف
عىل أن تقوم بالتقدير ،أل ّن تقديرك سيكون بعيدا ً جدا ً جدا ً ،..واألنكى أنّك لن تتوقع ذلك.
53
هرب من األسئلة
ال ّت ّ
السياسيون عادة بأنّهم يتهربون من اإلجابة عىل األسئلة املُحرجة أو تلك التي ليس يُ ّتهم ّ
لديهم جواب لها ،ويقومون باإلجابة عن أسئلة أخرى بدال ً عنها .السؤال هنا هل يُع ّد
هرب من األسئلة ناج ٌع حقاً؟ ،وهل يتذكر النّاس عادة تلك األسئلة التي ت ّم أسلوب ال ّت ّ
هرب منها أم يتذكرون األسئلة التي ت ّمت اإلجابة عنها أكثر؟ ال ّت ّ
السياسيونأن املشاركني تذكروا حوايل %80من األسئلة التي قام ّ وجدت دراسة ّ
باإلجابة عليّها فعالً ،وباملقابل فإن املشاركني لم يستطيعوا تذ ّكر سوى %40من األسئلة
التهرب منها.
ّ التي ت ّم
بعبار ٍة أخرى ،يميل النّاس لتذ ّكر األسئلة التي قدمت أجوبتها ،أكثر بالضعف تقريبا ً
بالتهرب منها ولم تُجب عليّها.
ّ عن األسئلة التي قمت
ولذلك يف حال وجود موقف مساءلةٍ أو انتخابات ،لربّما يكون األفضل ال ّت ّ
هرب من
ألن النّاس ستتذكر
السؤال ،باإلجابة عن سؤال آخر ،عوضا ً عن إعطاء إجابة خاطئة ،وذلك ّ
ّ
هرب من ّ
السؤال. ّ
اإلجابات الخاطئة إن وقعت ولكنها لن تتذكر الت ّ
54
ّ
الذكريات وال ّتوقع للمستقبل
هل نقوم حقا ً بتقدير صحيح للسعادة التي سنحصل عليها يف حال حدوث حدث ننتظره
حدث ما ،ومن ثم ربط ٍ ونتمناه ،أم أننا نبالغ يف تقدير ذلك .هل قمت سابقا ً برتقب
وتوقعت أ ّن حياتك ستصبح أفضل بكثري بعد حدوثه؟ ما النتيجة التي ّ سعادتك بحدوثه
توصلت لها؟ ،هل تحقق ما توقعته أم كان مبالغا ً به؟
لفهم تلك األبعاد قامت دراسة بمراقبة وسؤال املرىض بفشل كلويّ ،و سؤالهم عن
مقدار الراحة يف حياتهم قبل وبعد زرع كلية لهم .كانت الدراسة مهتمة بمعرفة تقدير
املريض لراحته يف الحياة قبل زرع الكلية ،ومن ثم تسجيل توقع ملا ستصبح عليه بعد
الزراعة ،وباملقابل تم سؤالهم بعد زراعة الكلية عن راحتهم الحالية و سؤالهم عنّ
ذكرياتهم عن حالتهم ّ
السابقة.
أن املشاركني قد فشلوا فشالً ذريعا ً يف تذكر وضعهم قبل زراعة وجدت الدّراسة ّ
لتحسن حياتهم بعد زراعة الكليةّ الكلية ،أو حتى ال ّتنبؤ بها .بالغ املشاركون يف توقعاتهم
قبل العملية ،ولكنّهم لم يحصلوا عىل هذا ال ّت ّ
حسن فعالً كما توقعوا ،باملقابل عند سؤالهم
عن املايض بالغوا أيضا ً يف وصف كم كان سيئا ً أكثر مما وصفوه سابقا ً فعالً.
بعبارة أخرى ،حني ترتقب حدثا ً هاما ً سيغري حياتك فأنت ترفع سقف توقعاتك جداً،
وتتوقع أنّه سيجعل حياتك أفضل بشكل كبري ،ولكن حقيقة األمر أنّه ال يحدث ذلك،
التحسن الطفيف فإ ّن الدّماغ يتالعب بالذاكرة
ّ وباملقابل وكما يبدو كأنه تعويض لهذا
ري ليبدو الحارض أفضل فعالً.
ويجعلك تتذكر املايض كأنه كان أسوء بكث ٍ
وحذار من جعل سعادتك مرتبطة بحدث ما، ِ حذار حني ترتقب األحداث الهامة
ِ لذلك
فكل ما يف األمر أنّك تبالغ يف ذلك ،ومن ثم تتخيّل أنّك كنت يف وضع مأساويٍّ أكثر ،إ ّن
السعادة وال ّتعامل مع الحياة يف الوقت الحارض بدال ً من
فهم تلك الحالة يشجعك عىل ّ
انتظار حدث مستقبيل دوماً.
55
أثر اإلطراء أو ال ّنقد عىل سلوكنا يف فيسبوك
تصفحك موقع فيسبوك ،وبدال ً من االطالع عىل ّ
ملفات ّ مرة أثناء
هل حدث معك ذات ّ
الشخيص ،واستحضار ما كتبته سابقاً؟ اآلخرين ومشاركاتهم ُقمت باالطالع عىل ّ
ملفك ّ
الشبكات االجتماعية لتبادل الرأي تصفح فيسبوك وغريه من مواقع ّ ّ رغم أنّنا ندَّعي
مؤرشات عدّة تُشري
ٍ واملعرفة مع اآلخرين ،وزيادة التواصل االجتماعي معهمّ ،إال ّ
أن هناك
السابقة ،واستعراض اإلعجابات وال ّتعليقات التي إىل قيام الكثريين بمراجعة كتاباتهم ّ
نالتها ،مما يؤدي إىل تعزيز ثقتهم بأنفسهم تبعا ً لذلك.
وهنا يحّض السؤال :كيف يمكن أن يؤثر رأي اآلخرين علينا وعىل سلوكنا؟ لفهم
األثر ،قام باحثون بال ّتجربة ال ّتالية:
تقديمي
ّ عرض
ٍ يف بداية األمر طلب الباحثون من املشاركني أن يقوموا بتقديم
إيجابي عىل أداء قس ٍم
ّ بشكل
ٍ تقصد الباحثون ال ّتعليق
وال ّتحدث أمام اآلخرين ،ومن ث ّم ّ
ٍ
بتعليقات سلبيّة. منهم ،فيما قو ِب َل أداء القسم األخر
بعد ذلك ،تمّت دعوة املشاركني لتجربة أخرى دون توضيح أي عالقة بني ال ّتجربتني،
الشخصيّة يف بني القيام بإحدى النّشاطات التالية :استعراض م ّلفاتهم ّ حيث ُخ ّريوا ّ
مواقع إخباريّة ،االستماع إىل املوسيقى ،أو لعب
ٍ فيسبوك ،مشاهدة موقع يوتيوب ،قراءة
ألّعاب إلكرتونيّة.
كان الباحثون مهتمني بمعرفة أثر اإلطراء أو النّقد الذي وُجّ ه للمشاركني عىل سلوكهم
الشخصيّة يف فيسبوك ،ولذلك ت ّم حساب نسبة املشاركني الالحق يف استعراض صفحاتهم ّ ّ
الشخصيّة عىل فيسبوك مقارن ًة بالنّشاطات ُ
األخرى ملفاتهم ّ
الذين سيقومون بقراءة ّ
املتاحة .
ٍ
تعقيبات عليّه ،سوا َء كانت إيجابيّة أو سلبيّة إن قيامك بأدا ٍء ما ومن ث ّم ّ
تلقي
خيص باعتباره املايض املُؤرشف لك ،ولكن املُثري لالهتمام هوالش ّ سيدفعك للعودة مللفك ّ
بني الذين ّ
تلقوا إطرا ًء وأولئك الذين انتُقدوا. ُ
معرفة الفرق ّ
56
وجدت ال ّتجربة أ ّن نسب َة %31من املشاركني الذين ّ
تلقوا إطرا ًء قاموا بمشاهدة
بنشاط مختلف من النّشاطات التي ٍ الشخصيّة ،وباملقابل %69منهم قام ملفاتهم ّ
ّ
بشكل كبري إىل حوايل %60لهؤالء الذين تلقوا نقدا ً
ٍ عُ رضت عليّهم ،ولكن النّسبة ارتفعت
وتعليقات سلبيّةٍ عىل أداءهم.
ٍ
ملفاتهم ّ
الشخصيّة السلبيّة إىل دفع املشاركني للركون ملشاهدة ّ
لقد أدّت ال ّتعليقات ّ
وتعويض نقص الثّقة بالنّفس الذي واجهوه خالل نقدهم ،ورفع ذلك من خالل مراجعة
السابق ،واإلعجاب بما كتبوه سابقاً ،وإعجاب اآلخرين به.
أرشيفهم ّ
الشبكات أن ّ
الضوء عىل ّ رغم غرابة القيام بمثل هذه الدّراسةّ ،إال أنّها تُلقي ّ
منصات لل ّتواصل االجتماعي مع اآلخرين، ٍ وتبني أنّها تجاوزت كونها ّ
مجرد االجتماعيةّ ،
ّ
فهي قد تُساهم يف زيادة العزلة أو كّسها من خالل ميّل املستخدمني ملتابعة ملفاتهم،
ُ
واالهتمام برأي اآلخرين ع ّما يكتبونه وتعويض أي ِ
نقص دع ٍم يف الحياة الحقيقيّة من
بشكل أو بآخر.
ٍ راحة نفسي ّّة أكثر
ً خالل اللّجوء للعالم االفرتايضّ الذي يقدم
57
أثر العالقات طويل األمد عىل االستشارات
تبحث العديد من ّ
الرشكات العامة ُ الرشكات االستشاريّة هي موضة هذا العرص ،حيث لع ّل ّ
أو الخاصة ،باإلضافة إىل رجال األعمال عن مستشارين وخرباء لالعتماد عليهم يف اتخاذ
أخصائي تصليح سيّارات.
ّ القرار ،سوا ًء كانوا خرباء ماليني ،محاسبني ،أطباء ،أو حتى
خص خبري ،ونركن التباع رأيه ،ورغم أنّه من نحن نُفضل ترك اتخاذ القرار لش ٍ
رأي آخر ،إال أنّنا نغفل ذلك أحياناً .وهنا ّ
السؤال املهم هو هل تتحسن العُ رف االطالع عىل ٍ
جودة نصيحة الخبري تبعا ً لطول العالقة مع العميل ،أم ال؟
وجدت تجرب ٌة بَحثت يف هذا املوضوع أنّه كلّما طالت العالقة بني العميل والخبري،
وكلّما أصبحت عالق ًة مستقر ًة طويل َة األمد ،كلّما تراجع أدا ُء الخبري وزادت كلفت ُه أيّضاً.
العالقة طويل ُة األمد تُغري الخبري بال ّتهاون يف البحث عن الح ّل األفضل ،وال ّتهاون
َ ّ
إن
يف إعطاء نصيحةٍ صادقةٍ ،وباملقابل يبدأ برفع أسعار ِه مع الوقت ،واملُثري هنا ّ
أن ذلك
يحدث بعد وقوع الثّقة بني العميل والخبري ،فالثّقة هي البداية والنّتائج الجيّدة هي
العامل وراء العالقة طويلة األمد.
امليكانيكي الخبري يف املنطقة،
ّ بعبارة أخرى ،لنفرض أنّك تقوم بتصليح سيارتك لدى
يف البداية أعطاك سعرا ً مميزاً ،ونصائح رائع ًة لسيّارتك ،وتوفريا ً هائالً بسبب إصالحها
بشكل فعّ ال ،وبهذا تولّدت الثّقة بينكما ،ومع مرور الوقت وحصول عالقةٍ طويلةِ األمد، ٍ
ّ ّ ّ
تقو ُل الدّراسة أن سعر التصليح سيزيد والنصائح التي ستنالها باملقابل من امليكانيكي
امليكانيكي،
ّ اقرتاح من
ٍ ستكون بجودة أقل ،أل ّن عامل الثّقة يجعل من العميل مُصدِّقا ً أليّ
لزبون
ٍ امليكانيكي بتقديم جودة عاليةٍ
ّ و موافقا ً أليّ كلفةٍ يقرتحها ،وباملقابل ال يهتم
مضمون.
باملحصلة كلفة أكرب ،وجودة أقل.
ري واحدٍ تُشري الدّراسة أيضا ً ألهمية الحصول عىل ٍ
رأي آخر وعدم االستكانة لرأي خب ٍ
الرأي الصحيح الواجب تقديم ُه وبنيمصالح بني ّ
ٍ ألن الخبري قد يقع يف تعارض دوماًّ ،
عمله الخاص واإلنحياز له.
58
يشبه ذلك ما يحدث عند استشارة طبيب عيون لديه آلة للمعالجةِ بالليزر عن رأيه
أخالقي بني
ّ ٌ
تعارض بمعالجة العيون بالليزر مقارن ًة بالنّظارات العادية ،سيكون هناك
طبيب بإجراء عملية ليزر ليستفيد مادياً، عي وبني مصلحة ال ّ
الصحيح املوضو ّالرأي ّ ّ
طبيب آخر ليس لديّه هذا ال ّتعارض من املصالح.
ٍ ولربّما األفضل هنا اللّجوء لرأي
59
أثر العالمات ال ّتجار ّية املُق ّلدة عىل الغش
تنترش اليوم العديد من العالمات ال ّتجارية املُقلّدة ،ويشرتي النّاس تلك املُنتجات املُقلّدة
غال،
بسعر ٍ
ٍ الحقيقي إليهام اآلخرين أنّهم اشرتوها
ّ بأسعار رخيصةٍ جدا ً مقارن ًة بسعرها ٍ
رضر اقتصاديّ
ٍ من الراقية نتجات ُ مل ا تقليد اقتصاد يسببه ما ورغم ّها. ي عل مقتدرين وأنّهم
عىل أصحاب املُنتجات األصلية ،وخسارة مادية لهم ،وخاصة مع وجود منتجات مقلدة
بشكل دقيق ،إال أنّه من املُثري لالهتمام دراسة أثر تلك املُنتجات عىل النّاحية ٍ تشبه األصلية
األخالقيّة أيّضاً.
إن استخدام املُنتجات املُقلّدة مع معرفة ذلك ،يعني معرفة ّ
الشخص أنّه قام بالغش ّ
ُنتجات مُقلّدة تؤدي إىل رضرها ،أو غش اآلخرين
ٍ سواء غش ّ
الرشكة األصليّة برشاء م
غال القتنائها عىل خالف الحقيقةّ .
لكن باإليحاء لهم برشاء مُنتجات غالية ودفع سعر ٍ
ّ ُ ُ
األمر ال يتوقف عند ما سبق ،فقد وجدت تجربة أ ّن ارتداء المنتجات املقلدة يزيد من غش
مرتديهم بنسبة %20فيما لو أُتيح لهم ذلك.
الستكشاف ذلك ،قام الباحثون بالطلب من مجموعةٍ من املشاركني ح ّل بعض األ ّلغاز
ألغاز أكثر ،وقام الباحثون برتك ثغر ٍة
ٍ بمبلغ ماديّ كلّما قاموا بح ّل
ٍ ومن ثم مكافأتهم
ربح ماديّ أكرب.
ألغاز أكثر ،والحصول عىل ٍٍ تسمح للمشاركني بالغش ،وبالتايل ادّعاء حل
نظارات شمسيّة راقية ُ
ذات ٍ قام الباحثون يف ال ّتجربة ،بالطلب من املشاركني ارتداء
عالمةٍ تجاريةٍ مشهورة ،ولكنّهم قاموا بإخبار نصف املشاركني أ ّن النّظارة مُقلّدة (رغم
أنّها حقيقيّة فعالً) .بعبار ٍة أخرى ارتدى املشاركون النّظارة وهم يعتقدون أنّها مُقلّدة،
بينما ارتدى اآلخرون النّظارة وهم يعتقدون أنّها أصل ّية ،والنّظارة بكلتي الحالتني
أصليّة.
نظارات مُقلّدة قد قاموا
ٍ وجدت ال ّتجربة أ ّن املشاركني الذين اعتقدوا أنّهم يرتدون
بالغش أكثر بـ %20من اآلخرين .جدي ٌر بالذكر أ ّن كلتي املجموعتني قد قامتا بالغش
نسبة الغش بنسبة الخمس عندما ارتدى ُ ألنه كان متاحاً ،ولكن املثري هو أنّه قد زادت
املشاركون نظارات مُقلّدة.
60
وضع
ٍ منتجات مُقلّدة ي ّ
ُحفز النّاس لتقبّل الغش أخالقيا ً أكثر ألنهم كانوا يف ٍ ّ
إن ارتداء
إنبشكل أكربّ .
ٍ السلوك أخالقيا ً ّ
قبلوا فيّه الغش قبل ذلك ،وبالتايل يميل الدّماغ لتربير ّ
مخاطر أخالقيّة ترف ُع نسبة
ٍ مخاطر املُنتجات املُقلّدة يتجاوز املخاطر االقتصادية إىل
الغش يف املجتمع ،ولع ّل هذا ما يفّس ارتفاع معدالت الغش يف دول العالم الثّالث التي
بشكل واسع.
ٍ تنترش فيها املُنتجات املُقلّدة
61
جلامعي والعقوبة
اإلنتاجية يف العمل ا ّ
كثريا ً ما تواجه املؤسسات مشكل ًة يف العمل الجماع ّي وهي ّ
أن أشخاصا ً يعملون أقل من
غريهم وال يُنجزون املطلوب ،وباملقابل يؤثر ذلك عىل أداء باقي أعضاء الفريق.
عندما يكون هناك أحد أعضاء الفريق من غري املنتجني فإنّه سيؤدي إىل انخفاض
إنتاجية باقي أعضاء الفريق ،وانتقال عدوى عدم اإلنتاجية لهم ،وخاصة إذا كان الخرج
هائي جماع ّياً ،وباملقابل فإ ّن وجود عضو مُنتج فعّ ال يف الفريق سي ّ
ُحفز باقي أعضاء النّ ّ
الفريق للقيام بإنتاجيّة أعىل ،وينقل لهم عدوى العمل.
ملحاكاة العمل يف الفريق يلجأ الباحثون للقيام بلعبةٍ تُسمى ،public goodيف هذه
طلب منهم مشاركة جزء من اللّعبة يتم منح املشاركني يف ال ّتجربة مبلغا ً ماديا ً ومن ث ّم ال ّ
لصندوق مُشرتك ،وبعدها يت ّم مضاعفة املبلغ الذي ج ُِم َع وتقسيمه بال ّتساوي عىل ٍ املبلغ
الجميع.
طلب لتوضيح املثال ،لنفرض أنّه لدينا شخصني ،تم منح كل شخص 10يورو ،وتم ال ّ
صندوق مُشرتك (يقابل ذلك بذل جهد للفريق) ،ومن ثم يت ُّم
ٍ بمبلغ يف
ٍ منهما أن يُساهما
ّ ّ
مضاعفة مجموع ما قدّمه الشخصان وتقسيمه بالتساوي بيّنهما (يقابل توزع نتيجة
العمل الجماعي عىل الفريق) .إذا وضع كل شخص 10يورو مثالً ،يصبح الصندوق 20
يورو وبعد املضاعفة 40يورو ،ومن ثم تُو ّزع بال ّتساوي فينال كل شخص 20= 2/40
أن كل شخص تضاعف مبلغ ُه من 10إىل 20يورو. يورو ،أيّ ّ
62
يف هذه ال ّتجربة من املثري دراسة سلوك الناس ،وكيف تزيد مساهمتها املاديّة ،إذا ف ّكر
عال أيّضاً،
وبمبلغ ٍ
ٍ الربح من نصيبهم جميعا ً
عال ،حيث سيكون ّ مبلغ ٍ
ٍ الجّ ميع بوضع
بمبلغ قليل ،فسيبدأ اآلخرون بتقليل مساهماتهم ٍ شخص باملساهمة
ٌ ولكن عندما يُف ّكر
أيّضاَ.
وضح ال ّتجربة ،أ ّن النّاس تبدأ باستكشاف بعضها ،ومن ثم إذا تم بناء ثقةٍ فسرتتفعتُ ّ
شخص ،ويزداد العائد للجميع ،ولكن يف اللّحظة التي يقوم مُشار ٌك ما ٍ مساهمة ك ّل
أرباح أكثر من غريه ،يقوم اآلخرون بتقليّل مساهمتهم أيضا ً ٍ بتقليل مساهمتهِ لنيّل
السلوك ال ّتايل :نخّس ُ
ألرباح إضاف ّية ،بعبار ٍة أخرى يسلك املشاركون ّ وخسارة الجّ ميع
ٍ
جميعا ً أفضل من أن يربح أحدنا.
اآلن ما هو أثر العقوبة عىل زيادة الُمساهمات؟ ماذا لو كان هناك إمكانية لبعض
املشاركني بالدفع من مساهماتهم املادية ملعاقبة هؤالء الذين ّ
تقصدوا عدم املساهمة؟ هل
بشكل عام أم ال.
ٍ ستزيد املساهمات
وجدت التجربة أ ّن العقوبة تجعل املشاركة أكرب ،بعبارة أخرى ،يف حال وجود عمل
جماعي دون عقوبةٍ ملن ال يبذل جهداً ،فسيؤدي ذلك إىل انخفاض العمل من جميع أعضاء
ّ
الفريق ،ولكن حني يكون هناك عقاب لهم ،فسيؤدي ذلك لعودة ارتفاع العمل بالنسبة
للجميع.
الصندوق! حقا ً كذلك
هل تتذكر املثل الشهري :تفاحة فاسدة ستفسد ّ
63
الغش والعوامل املُحيطة يف املجتمع
بشكل أو بآخر ،ويعتمد مقدار غشهم عىل مدى قبولهم ٍ يغش النّاس إذا ما أتيح لهم ذلك
األخالقي ملا يقومون به ،فمثالً إذا وضعت مرشوبا ً يف ّثالجة أو مبلغ مادي يف مكا ٍن مشرتك
ّ
دون مراقبتها ،فسيقوم البعض بأخذ املرشوب ،وعدم أخذ املبلغ املاديّ ،أل ّن الدّماغ
يستطيع تربير أخذ املرشوب ،لكنّه يجد صعوب ًة يف اعتبار أخذ املبلغ املاديّ عىل أنّه ليس
بشكل عام ،يغش النّاس بما يعتربونه حدا ً مقبوال ً ال أكثر ،أيّ يُمكنهم أن يُضيفوا
ٍ رسقة.
ّ
مبلغا ً قليال عىل فواتريهم بحجّ ة أن ذلك مقبول اجتماعيا ،ولكنهم ال يقبلون البتة بالغش
ً ّ ً
عرب اختالس مبالغ كبريةٍ ،فهذه رسقة واضحة!
الشخص للغش يف املجتمع ،يف تجربةٍ لكن ،ما هو دور البيئة املحيطة يف زيادة قابلية ّ
أخرى ،وجد الباحثون أ ّن قابليّة الغش تزداد عند ارتداء العالمات التجارية املُقلّدة ،والتي
الشخص متقبالً للغش أكثر ،من ارتداءه لعالمة تجارية أصليّة مثالً. تجعل ّ
يف تجربة أخرى ،تم إجراء امتحان ملجموعة من املشاركني لح ّل مجموعةٍ من األ ّلغاز
يقومون بإنجازه ،أيّ كلّما قاموا بإنجاز
َ الصعبة ،مع إعطائهم مبالغ ماديّة مقابل ما ّ
بشكل
ٍ السماح لهم بالغشألغاز أكثر ،كلّما ربحوا ماديا ً أكثر .النّقطة املُهمة أنّه ّ
ٍ وح ّل
غري مبارش ،حيث يقوم ك ّل شخص بإخبار اللّجنة بعدد األلّغاز التي حلّها ،ومن ثم تدفع
له اللّجنة دون ال ّتأكد من صحة ما يقول ،وبال ّتايل فهو يستطيع الغش ببساطة واالدعاء
ألغاز أكثر دو َن أن يت ّم كشفه.
ٍ بح ّل
بديهي ،ولكن املُثري هنا أ ّن الباحثني
ّ غالبا ً ما يغش املشاركون يف تلك الحالة بشكل
ُمثل يدّعي أنّه ح ّل عددا ً كبريا ً من األلغاز خالل 60ثانية ،أيّ أنّه كذب
بدس م ٍقد قاموا ّ
بشكل فجّ أمام اآلخرين ،ومن ثم شاهد اآلخرون أنّه ت ّم مكافأته وقبض املبلغ دون أي ٍ
ٍ
كشف له. سؤال أو
الشخص اآلخر بكذبه، وبيّنما يح ّل املُشاركون األلّغاز ،يشعرون بمقدار ما ربحه ّ
فهل سجعلهم ذلك ّ
يغشون أكثر ،ويبالغون يف عدد األلّغاز ال ّتي قاموا بحلّها ،أم ال؟
64
الشخص ،إذ أصبحبشكل كبري ،بعد رؤية ذلك ّ
ٍ ما حدث أنّه قد زادت نسبة الغش
الغش مقبوال ً اجتماعيا ً بالنّسبة للمشاركني ،ولم يعد الغش سلوكا ً غري مقبول بقدر ما
الشخص من نفس املجتمع ونفس املحيط أصبح أمرا ً طبيع ّياً ،ب ّل وعلن ّياً ،وخاص ًة إذا كان ّ
ُ
نعيش به. الذي
العلني من جامعة
ّ لشخص الغشاش أن ذلك ا ّ
لكن هناك أم ٌر مهم ،لو أخربنا املجموعة ّ
أخرى ،أو مجتمع آخر،ـ فلن يزيد الغش ،ولن يؤثر ذلك عىل املجموعةّ ،
ألن املشاركني
سيقومون بتمييّز أنفسهم بالغش أقل ألنّهم مختلفني عن ذلك ّ
الغشاش.
بشكل هائل حيث يبدأ بهاٍ السلوكيات الخاطئة مقبولة وتزيد بعبارة أخرى ،تصبح ّ
ً ً ّ
علني ،وبالتايل تصبح أمرا عاديّا ،ولكن باملقابل حني
ّ بشكل
ٍ شخص مقبول من مجتمعنا
مجتمع آخر ،فلن يؤثر ذلك ،وبالعكس لن تصبح مقبولة ألننا نريد ٍ يقوم بها شخص من
بشكل ال إراديّ .
ٍ تمييّز أنّفسنا عنه وأننا أفضل منه
ّ
لذلك ،عندما يُخالف أحدهم إشارة املرور من نفس بيئتك ،فستلحق به ،وسيلحق
بشكل ال إراديّ بأن هذا ّ
السلوك مقبول ،ولكن إن قام ٍ اآلخرون به ،وتربر أدمغتهم ذلك
باملخالفة أحد املُهاجرين أو ّ
السيّاح ،فسيُنظر له الجّ ميع بإزدراء وتمييّز أنفسهم بعدم
بشكل أو بآخر.
ٍ املخالفة
ّ
يصطفون بالدور يف املطارات األجنبية، هل يُربر لك ذلك ما يقوله املُهاجرون أنّهم
لكنهم يتزاحمون يف مطاراتهم املحليّة!
65
وهم التحكّ م يف العشوائية
أحداث كثري ٍة نقوم بها،
ٍ وتدخل للقضاء والقدر يف
ٍ ُرغم ما يُحيط بحياتنا من عشوائيّة،
وتصادفناّ ،إال أنّنا نمي ُل إىل عقلنة ك ّل ما يحدث ،وعدم االعرتاف بدور ّ
الصدفة يف الحياة،
بشكل مُخطط له دون اإلشارة لعامل ٍ مربرات عقالنيّة تُربّر ما يحدث
ٍ وسنبحث عن
الصدفة أبداً.
ّ
بالصدفة بني عرشات الفرص األخرى ال ّتي ّ عمل ما و ُفزت بهلو ُقمت بال ّتقديم عىل ٍ
السرية ال ّذاتية،فشلت بها ،فسرتوي لآلخرين عن حذاقتك يف ال ّتقديم ،وروعتك يف كتابة ّ
وكيف أ ّن إجابتك كانت مميزة يف ال ّتقديم للعمل ،ولن تشري لهم أ ّن عامالً خف ّيا ً يتمثّل يف
توصية أحدهم لك عند ربّ العمل وكان لهذه التوصية دور كبري يف قبولك ،أو بعامل
الصدفة البحت الذي قادك لرؤية اإلعالن أصالً يف مكان ما دون ال ّتخطيط لذلك. ّ
بشكل
ٍ نحن نشعر بوهم ال ّتحكم بما يحدث يف الحياة ،وعدم اإليمان وفهم العشوائية
واضح ،والستكشاف ذلك قام باحثون بال ّتجربة ال ّتالية:
عرض الباحثون عىل املُشاركني فرصة سحب ورقة يانصيب عشوائيا ً من مجموعة
من األوراق ،وكما تعرفون أ ّن ربح ورقة يانصيب هو أم ٌر يعتمد عىل ّ
الصدفة البحتة،
كامل ،فمهما كانت الورقة التي سحبتها فنسبة فوزها هي واحدة.
ٍ عشوائي
ٍّ وبشكل
ٍ
تغيري الورقة التي سحبوها بورقةٍ
فيما بعد عرض الباحثون عىل املشاركني إمكانية ّ
أُخرى ،نظريا ً األمر مُتشابه ،فالورقة التي سحبتها عشوائيا ال أفضلية لها عن غريها،
ً
ويمكن أن تبدلها بورقةٍ أخرى ،أل ّن النّتيجة النّهائية للورقة ّ
الرابحة هي عشوائيّة بكل
حال ،وهي نسب ٌة قليل ٌة بك ّل حال.
بأوراق أخرى ،أم سيفضلون االحتفاظ
ٍ هل سيميل املشاركون لتبديل أوراقهم
ّ
بأوراقهم التي سحبوها ،واالعتقاد ال إراديّا ً أنها ذات فرصة أعىل للفوز؟
كانت النّتيجة أ ّن %62من املشاركني قد فضلوا االحتفاظ بأوراقهم وعدم تبديلها
بأوراق أخرى ،فقد اعتقدوا بوهم ال ّتح ّكم ،ووهم االختيار وأ ّن اختيارهم لورقة عشوائ ّيا ً
ٍ
أفضل من اختيار اآلخرين لها ،رغم أن األمر برمته يعتمد عىل ّ
الصدفة والحظ ال أكثر.
66
كانت حجة بعضهم أ ّن ورقة اليانصيب التي سحبوها أشعرتهم بال ّتفاؤل مثالً،
تضمنت أحرف من اسمهم أو اسم من يحبّون ،أو تض ّمنت أرقام من تواريخ مولدهم!،
وبني الفوز يف اليانصيب، ورغم أ ّن ال عالقة بني أن تتض ّمن ورقة اليانصيب رقما ً تُحبّه ّ
ّإال أنهم اعتقدوا أنّها ذات فرصةٍ أكرب من ورقة عشوائية تتضمّ ن رقما ً ال يتعلّق بهم!
لباص ّ
معني مُقارنة علينا االنتباه للعشوائية يف حياتنا ،واإلقتناع بوجودها ،فاختيارك ٍ
ّ
الحالتني إن كان هناك ازدحام باص آخر ال عالقة له بوجود ازدحا ٍم يف املدينة ،ويف
مع ٍ
شخص آخر له!
ٍ سيتأخر الباص ببساطة وال عالقة باختيارك له ،أو اختيار
الصدفة مع ال ّتحضري لها ،مُغفلني وجود ّ
الصدفة ظ بأنّه التقاء ّ ُعرف الكثريون الح ّ ي ّ
يف حياتنا ،أيّ أنّه عقلن ٌة ملا ال يمكن عقلنت ُه أصالً.
67
شلل تعدد اخليارات
نُواجه دوما ً إشكالية اتخاذ القرار بني عدّة خيارات ،ويتساءل املُنتجون والبائعون دوما ً
عن أيّهما أفضل منح العديد من الخيارات للزبون أو تقليّل الخيارات له.
الزبون بها ،واختيار ما يُريد بحريّة ّ
ودقة، هل فعالً تقود كثرة الخيارات إىل استمتاع ّ
أم أنّها تقود لعكس ذلك.
يف تجربة مثرية ،تم دراسة ذلك ،حيث ت ّم التميّيز بالحالتني ال ّتاليتني وسلوك
املُستهلكني لها
املجموعة األوىل :عرض لها 6أنواع مختلفة من املُربّى •
املجموعة الثانية :عرض لها 24نوع من املُربّى . •
والسماح لهم بتذوّق املُربّى،
ت ّم قياس ُسلوك املُستهلكني بعد تقديم كوبون حسمّ ،
فهل سيفضل املُستهلكون االختيار من املجموعة األوىل ذات الخيارت القليلة ،أم من
املجموعة الثانية ،بعد التذوّق وال ّتجريب.
وجدت ال ّتجربة أ ّن نسبة ّ
الرشاء من املجموعة األوىل أكثر بكثري من تلك ال ّتي نتجت
عن املجموعة الثانية.
حوايل %30من املُستهلكني اشرتوا مُربّى من املجموعة األوىل مقارنة بـ %3فقط
للمجموعة الثانية ،بعبار ٍة أخرى أعرض املُستهلكون عن ّ
الرشاء أصالً عندما كانت
الخيارات كثري ًة جداً.
يُمكن تسمية ذلك بشلل اتخاذ القرار ،أل ّن الدّماغ يُحاول املقارنة بني ك ّل الخيارات
املُتاحة رياضياً ،والقيام بحسابات ذهنيّة ملعرفة أيّ الخيارات أفضل ،وأل ّن عددها هائل
فسيكون عاجزا ً عن معرفة ما هو أفضل بالنّسبة له ،وسيفضل اإلعراض عن ّ
الرشاء بدل
ّ
الرشاء وهو غري مُتأك ٍد م ّما يُريد.
خريه ،يبدو أنّه صحيح.
تحريهّ ،
العربي ،إذا أردت أن ّ
ّ هل تتذك ُر املث َل
68
خيارات واضحةٍ ومحدد ٍة
ٍ لذلك إذا أردت أن تُساعد غريك يف اتخاذ القرار ،أعطهم
بخيارات كثري ٍة تجعلهم يُعرضون عن املوضوعٍ وقليلةٍ لالختيار منها ،بدل تشتيّتهم
موردا َ أو عارضا ُ للمنتجات ،قم بتقليل الخيارات
نتجا ً أو ّ
بر ّمته ،وكذلك الحال إذا كنت ُم ِ
املتاحة للزبائن ملساعدتهم عىل االختيار بدل تشتيّتهم ،وجعلهم يُعرضون عن ّ
الرشاء
وال ّتوجه ملحل الحلويّات القريب لتعويض تعبهم ال ّذ ّ
هني الذي سببّته لهم.
69
الّسيعة أم العالية بعد فرتة؟
املكافأة القليلة ّ
والرشكات أحد األمور ال ّروتينيّة التي يتم أخذها بعني تعترب الحوافز يف املؤسسات ّ
نقاش حول آلية توزيع املكافآت وهل من األفضل أن تكون ٌ اإلعتبار ،وغالبا ً ما يدور
مكافآة رسيع ٌة نهاية ّ
الشهر أم مكافأة يف نهاية العام.
الستكشاف ذلك ،قام باحثون بسؤال مجموعة من املُشاركني عن رغبتهم بنيّل مكافأة
رسيعة أو متأخرة عىل النّحو ال ّتايل:
سج ّل املشاركون رغبتهم بنيّل مكافأة قليلة تعادل 22دوالر مبارشة ،أو نيّل مكافأة
50دوالر بعد شهر ،وقام الباحثون بتسجيل رغباتهم وفق عالمات تدرجيّة ،بعد ذلك
قام الباحثون بتفحّ ص املالءة املاليّة للمشاركني ،وتعني املالءة املالية ،اعرتاف البنك
البنكي العطاءه قرضا ً ما.
ّ بالقدرة املاليّة للشخص من خالل حركات حسابه
وجد الباحثون أ ّن رغبة املشاركني بتأجيل املكافأة يتناسب طردا ً مع املالءة املاليّة
ُفضل مكافأة فوريّة ولو لهم ،بعبار ٍة أخرى ،إذا كانت املالءة املاليّة قليلة للشخص فهو ي ّ
لشهر مقابل مكافأة أعىل للضعف.
ٍ قليلة بمقدار النّصف عن االنتظار
تُظهر هذه ال ّتجربة أهمية فهم قابليتنا لالنتظار مقابل مكافآت أعىل وعالقة ذلك
بعوامل أخرى ،فرغم أنّه رياضيا ً من األربح أن ننتظر ملكافأة أعىل ولكن عمليا ً نُفضل
ٍ
ُ ّ املكافأت ّ
الّسيعة يف حال كنا نعاني من متاعب ماليّة.
شكل
ٍ فرض وضح هذه ال ّتجربة أه ّمية دراسة ّ
الرشكات للمالءة املاديّة ملوظفيها قبل ّ تُ ّ
ُفضل موظف ما لديّه أقساط تُثقل كاهلة مكافأة فوريّة معني من الحوافز لهم ،فقد ي ّ ٍّ
قروض تُثقل كاهلهُ،
ٍ موظف آخر ذو مالءة ماديّة جيّدة ،وبدون ٌ قليلة ،وباملُقابل ي ّ
ُفضل
وعازب بدون التزامات عائليّة مثالً ،االنتظار ملكافأة أكرب بعد مدّة أطول.
ٍ
إ ّن وضع جميع املوظفني يف سلّة واحدة وفرض طريقة واحدة لتوزيع املكافآت عليهم ال
يُفيد يف هذه الحالة.
70
املال واألخالق
ّ
تخيري السلوكيات األخالقيّة جانباً .ماذا لو تم
هل يُمكن أن تدفعنا مكافأة ماليّة لتنحية ّ
شخص بني الحصول عىل مبلغ ماديّ أو قتل فأرة مُساملة مثالً.
ّ
العرضني قام باحثون باختبار ذلك وعرضوا عىل مجموعة من املُشاركني قبول إحدى
ال ّتاليني :الحصول عىل مبلغ ماديّ ولكن سيتم قتل فأرة باملقابل ،أو عدم الحصول عىل
أن قتل فأرة دون سبب هو سلوك مبلغ ماديّ والحفاظ عىل حياة الفأرة .الداعي للقول ّ
ٍ
غري أخالقي ،فهل سيقع املشاركون بفخ سلوك ال أخالقي مقابل حفنةٍ بسيطة من املال،
أ ّم أنّهم سيفضلون تجاهل املبلغ املاديّ ؟
وجدت ال ّتجربة أ ّن ما يُقارب نصف املُشاركني قد وافق عىل الحصول عىل مكافأة
ماديّة مقابل ال ّتنازل عن أخالقه.
تُظهر هذه ال ّتجربة دور الدّوافع املاديّة يف تحييّد ّ
السلوكيات األخالقيّة لدى البرش،
مبالغ
ٍ وكيف يمكن أن يتح ّكم البعض بمرؤوسيّهم لتنفيّذ سلوكيات غري أخالقيّة مقابل
ماديّة.
لقد اعتقد البعض أنّه بالحفاظ عىل حياة الفأر يف املخترب فهو يدفع ثمنا ً لذلك ،وأنّه
بخسارته للجائزة فهو يدفع مبلغا ً بدل االعتقاد أ ّن األمر ال يجوز بكل حال من األحوال.
ماذا لو جرت ال ّتجربة يف الوطن العربي ،ماذا يمكن ان تكون النّتائج؟
71
امل ُ ّ
حفزات والعمل
بديهي وهو
ّ ُحفزات أو بدون وجود م ّ
ُحفزات؟ لع ّل الجواب هل يعمل النّاس أكثر بوجود م ّ
ُحفزات ،فلو أخربك أحدهم أنّك ستنال مبلغا ً ماديّا ً مُقابل ح ّل
أنّهم يعملوا لوجود م ّ
معضلةٍ ما ،فسيكون أداؤك أكثر مما إذا لم يكن هناك مُحفز ماديّ .ليست القضيّة هنا،
ُحفز ماديّ يف املُنتصف ،فكيف سيكون تأثريه .بعبار ٍة أخرى القضيّة ماذا لو ت ّم وضع م ّ
مرشوع ما كهواية لك ،ومن ث ّم عُ رض عليك حوافز ،وبعد ذلك زالت ٍ لو كنت تعمل عىل
الحوافز فهل سيؤثر ذلك عىل أداءك أم ال.
ملحاكاة ذلك ،قام باحثون بالطلب من مجموعة من املشاركني االنضمام إىل لعبة لح ّل
وقسموا مدة املُشاركة عىل ثالثة جلسات :يف الجّ لسة األوىل قام املُشاركون ّ األلّغاز،
حافز ماديّ ،أمّ ا يف الجّ لسة الثانية فقد
ٍ باملُشاركة يف لعبة ح ّل األلّغاز بدون أي م ٍ
ُقابل أو
ت ّم اعطاء املشاركني حافزا ً ماديّا ً مُقابل ح ّل األلّغاز ،وجائزة كلّما ح ّل ألّغاز أكثر ،بعد
مقابل ماديّ .
ٍ ذلك يف الجّ لسة الثالثة عاد املُشاركون لح ّل األلّغاز بدون
كيف سيكون أداء املشاركني يف الجّ لسات الثالثة ،وكيف ستؤثر الحوافز عىل أدائهم؟
يف البداية ح ّل املشاركون ألّغاز يف الجّ لسة األوىل ،وقضوا وقتا ً ممتعا ً بغض النظر عن
بشكل أو بآخر ،يف الجّ لسة الثانية
ٍ خيص هو حافز أيضا ً
الش ّ وجود حافز لهم ،فال ّتحدي ّ
ُحفزات ماديّة ،فوجود مكافأة ماديّة جعلهم يُنجزون تحسن أداؤهم بالطبع لوجود م ِّ ّ
عددا ً أكربا ً من األلّغاز .لكن ماذا حدث يف الجّ لسة الثالثة؟ لقد انخفض دافعهم لح ّل
األلّغاز وانخفض أداؤهم ع ّما حققوه يف الجّ لسة األوىل .بعد وجود حافز ماديّ ،وتوقفه،
حافز ماديّ ،ولن يجد أنّه من
ٍ أصبح ح ّل األلّغاز مجانا ً بدون معنى ،فالدّماغ اعتاد عىل
املُجدي اإلستمتاع ّ
ملجرد اإلستمتاع.
السابقة تُ ّ
وضح لطاملا جادلنا عن أه ّمية الحوافز املاديّة يف انتاجيّة أكثر ،إ ّن ال ّتجربة ّ
طريق ،ومن ثم توقفها ،أل ّن توقفها سيُعيدنا ليس خطر دخول الحوافز يف مُنتصف ال ّ
للمرحلة التي كنّا بها سابقا ً وإنما أبعد من ذلك.
72
قد يُفيد تطبيق ذلك يف املشاريع ال ّتطوعيّة ،فاملتطوعون يبذلون جهدا ً رائعا ً تجاه
قضيّة يؤمنون بها ،وحيث يأتي مكافآت أو تعويّض ماديّ فسيبذلون جهدا ً أكثر ،ولكن
بشكل كبري ،ألنه أصبح يُعادل خسارة ٍ حني تتوقف املكافآت املاديّة سيرتاجع أداؤهم
مقدار من املال بدل أن يكون أنّه مكسب من أجل االستمتاع بالعمل.
ٍ
73
األداء واحلوافز
ري جدا ً بشكل كب ٍ
ٍ ما هو أثر املكافآت املاديّة الكبرية عىل األداء؟ وهل رفع املكافأة املاديّة
يزيد من أداء األشخاص ،أم ال؟ غالبا ً ما تُغري الرشكات موظفيها بمكافآت كبرية نهاية
الشهر أو نهاية العام ،لدفعهم لرفع مستوى أداءهم ،ويضع بعض ا ُملدراء املهّ مة ،أو نهاية ّ
وخاصة يف املبيعات أو ال ّتسويق،
ّ ألهداف ّ
كبري ٍة ٍ جوائز كبرية يف حال تحقيق املوظفني
بنتائج
ٍ فهل فعالً وعد املُوظفني بمكافأ ٍة مادي كبري ٍة تعادل راتبه لعدّة أشهر ستعود
ُ ّةٍ
جيّدة؟
الستكشاف ذلك ،قام باحثون يف تجربة بتغيّري مقدار املكافآت للمشاركني بشك ٍل
واسع .ت ّم تقسيّم ال ّتجربة لثالثة حاالت مُختلفة ،يف الحالة األوىل ت ّم عرض مقابل يُعادل
ٍ
مقابل ماديّ يُعادل
ٍ ّ ٍ ٍ
أج َر يو ٍم واحد يف حال تسجيّل أداء ممتاز ،يف الحالة الثانية تم عرض
ُ
أسبوعني يف حال تسجيّل أدا ٍء ممتاز ،أمّ ا يف الحالة الثالثة فت ّم عرض مكافأة تعادل
ّ أج َر
ُ ٍ
أج َر 5شهور يف حال تسجيّل أداء ممتاز .بعبار ٍة أخرى ت ّم تغيّري مقدار الجّ ائزة
مرة ،أيّ الحالة الثانية 10أضعاف الحالة األوىل ،والحالة مرات ك ّل ّومضاعفته بـ ّ 10
الثالثة 100ضعف الحالة األوىل.
السؤال املُهم هنا ،متى سج ّل املشاركون أسوء أداء؟ يف الحالة األوىل أم الثانية أم
ّ
ّ
عال؟ أتمنى أال أخيّب أملكم بالقول ٍ ً ً
الثالثة ،وهل فعال كانت الجّ ائزة الكبرية سببا بأداء ٍ
إ ّن املشاركني قد سجلوا أسوء أداءهم يف الحالة الثالثة ،عندما كان املقابل املاديّ مرتفعا ً
جداً.
الكبرية ش ّكلت ضغطا ً نفس ّيا ً عىل املشاركني مما جعل أداؤهم يرتاجع،
ّ ّ
إن الجائزة
الكبرية تُولّد ضغطا ً نفس ّيا ً يجعل ّ
الشخص مُركزا ً عىل ّ إن املُحفزات
ويخّسون الجائزةّ ،
الجّ ائزة بدل تركيّزه عىل األداء مما يجعله يرتاجع يف أداءه.
74
كيف تتعامل ال ّ
طيور مع العشوائ ّية
واضح ،وغالبا ُ ما تحاول أدمغتنا تفسري األحداث
ٍ بشكل
ٍ ال يُمكن فهم العشوائيّة
ُسببات لكل ما يحدث وحتى ولو كان مسبّبا ً مختلفا ً
ٍ العشوائيّة بأنماط منطقيّة ،وإبداء م
وذلك لفهم العشوائيّة وعقلنتها.
طيور لفهم ذلك أكثر ،أُجريت تجربّة تقوم عىل توزيّع يُمكن االستعانة بتجربة عىل ال ّ
بشكل
ٍ طعام عليّها بشكلني مختلفني يف فرتة من الفرتات كان يتم توزيّع ال ّّ طعام لها ال ّ
مُجدوّ ل ،أيّ باألوقات ذاتها ،وبال ّتايل يُمكن للطيور معرفة توقيت ال ّتوزيّع وال ّتنبؤ به ،أمّ ا
عشوائي تماماً ،بحيث ال يُمكن للطيور ال ّتنبؤ
ّ بشكل
ٍ يف الحالة الثانية فت ّم توزيع الطعام
به ،وال يُمكنها معرفة موعد حدوثه ،أو االطمئنان لقدومه.
طيور بالنّسبة للحالة العشوائيّة ،وهل هدأت ال ّ
طيور وسكنت كيف كان سلوك ال ّ
طعام؟لنفسها بانتظار ال ّ
رصف كما لو ّ
أن العشوائيّة غري موجودة طيور استمرت يف ال ّتحليق وال ّت ّ
أن ال ّ
ما حدث ّ
وتابعت تحليّقها يف نفس املكان ،وحافظت عىل سلوكها عىل أمل قدوم ال ّ
طعام ،ولم تقتنع
بالعشوائيّة املُطلقة.
إن فهم العشوائيّة يف الحياة ،أو القضاء والقدر ،الصدفة ،س ّمها ما شئت هي أم ٌر ّ
عشوائي ال نعرفه ،نُبادر بإطالة النّظر
ّ لسبب
ٍ صعبٌ عىل اإلنسان ،فعندما يتأخر الباص
عىل ساعاتنا ،أو إىل أجهزة ال ّتوقيت يف املحطة ،مُعتقدين أن إطالة النظر أو اإللحاح
ّ ّ ّ
بشكل
ٍ بشكل أو بآخر .كذلك الحال ،إذا تأثر دخلنا املاديّ
ٍ سيجعل الباص يأتي بّسعةٍ
ألن ما حدثالسلوك الذي لن يُفيد ّ ُ
غري مُتوقع ،فإننا نحاول سلوك نفس ّ لسبب ّ
ٍ أو بآخر
هو بسبب آخر ال يتعلق بسلوكنا أصالً ،ولربّما علينا ال ّتفكري فعالً خارج ّ
الصندوق.
عىل سبيل املثال قد تتناقص مبيعات رشكتك بسبب انخفاض أسعار النّفط ،ولكن
بشكل أو بآخر فال أحد
ٍ وعشوائي
ّ بدل فهم أ ّن ما حدث هو بسبب خارج عن إرادتك،
يمكنه ال ّتنبؤ بموعد انخفاض أسعار النّفط مثالً ،لكن نقع يف ّ
فخ الق ّيام بنفس ّ
السلوكيّات
ّ
تحسن أسعار ال ّتسويقيّة عىل أمل عودة ارتفاع املبيّعات ،واألنكى من ذلك أنّه يف حال
75
سويقي هو ّ
السبب ّ أن سلوكنا ال ّت
النّفط سينعكس عىل املبيّعات ،نخدع أنفسنا بالقول ّ
خارجي نجهله.
ّ لذلك وليس عام ٌل
ربّما علينا فهم ما يُحدث مع الطيور ،وال ّتأكد من أسباب ما يحدث معنا وتحليّلها،
وعدم الوقوع يف فخ أنّنا فعالً نستطيع ال ّتحكم بكل مجريات األمورّ ،
وأن هناك أمو ٌر
خارج ًة عن سيّطرتنا ،عليّنا استكشافها ،واالستفادة منها ،أو تجنّب مخاطرها ببساطة.
76
العدل واخلسارة
هل يُمّكن أن نتسبب بخسارتنا وخسارة اآلخرين إذا ما اعتقدنا أ ّن ما يحدث ليس عادال ً
هائل لآلخرين؟
ربح ٍالخسارة ولو كان مقابل ٍ ّ ٍ
بسيط بدل ربح لنا؟ أم أنّنا ن ُ ّ
فضل أيّ ٍ
ّ
الخسارة ،ولكن حقيقة األمر أن ربح بسي ٍّط هو أفضل منيكون املنطق ال ّريايض أ ّن أيّ ٍ
السلوك البرشيّ أكثر تعقيدا ً من ذلك ،وال يُفكر الدّماغ ّ
بالربح املاديّ فحسب ،وإنما ال ّ
يُمانع بالخسارة مقابل االنتقام ملا يراه سلوكا ً غري مقبول من اآلخرين ،أو من رشكائه.
لوكي ،وتُس ّمى لعبة اإلنذار
الس ّ الستكشاف ذلك ،هناك لعبة شهرية يف االقتصاد ّ
مبلغ ماديّ ألحد املُشاركني ومن ث ّم لديّه فرصة عرض ٍ األخري ،يف هذه اللّعبة يت ّم إعطاء
الرشيك العرض أو جز ٍء من هذا املبلغ لرشيّكٍ ال يعرفه ،باملقابل يجب أن يقبل هذا ّ
يرفضه .يف حال قبوله العرض فسيتم تقسيّم املبلغ كما ت ّم االقرتاح ،أمّ ا يف حال رفضه
للعرض فلن يحصل أي أحد عىل أيّ مبلغ وسيعود االثنان خاليا الوفاض إىل البيت.
عىل سبيل املثال يتم اعطاء أحمد 10يورو ،ويُمكنه أن يعرض قسم منها ملشارك
آخر ال يعرفه ،فقد يُعرض مثالً عىل محمود 3يورو ،وهنا يقرر محمود إمّ ا القبول
بالعرض وبال ّتايل يأخذ أحمد 7يورو ،ومحمود 3يورو ،أو يرفض محمود العرض
عادل ،ويخّس كالهما ،ويحصالن عىل العدم.
ٍ ويعتربه غري
مبلغ هو أفضل من ال
ٍ عرض فأيّ
ٍ رياضياً ،سيفكر أحمد أ ّن عىل محمود القبول بأيّ
طريقة ،ولكن سلوك ّيا ً فقد كانت نتيجة ال ّتجربة ّ
مثرية ،حيث يشء ،وقد تُفكر أنت بنفس ال ّ
أن الحالة الوسطيّة األكثر قبوال ً هي عرض %40من املبلغ واالحتفاظ بـوجد الباحثون ّ
،%60والحاالت التي يتم فيّها عرض نسبة أقل يتم رفضها غالباً.
بالربح املاديّ املُبارش ،ولكنّه يُفضل أ ّن يخّس ماديّا ً مُقابل
ال يُفكر الدّماغ فقط ّ
خسارة رشيّكه أيّضا ً لينتقم من سلوكه غري العادل برأيه.
إ ّن نتائج هذه ال ّتجربة مهمة ،فأحيانا ً عرض مقابل قليّل عىل املُوظفني وعدم العدل
العربي عيل ّ وعىل
ّ ُفضلون الخسارة يف سبيل خسارتنا أيّضا ً عىل مبدأ املثلمعهم يجعلهم ي ّ
بشكل مُبالغ فيّه.
ٍ أعدائي ،أو ّ
أن نخّس كالنا عىل أن ال تربح
77
هناك نُقطة مُهمّة أخرى ،أن النّسبة املقبولة كانت %40مقابل %60وليست %50
مقابل ،%50بعبارة أخرى أن العدل كان أمرا ً نسب ّيا ً فاملشاركني ال يُرصّ ون عىل العدل
%50وإنّما يقبلون بما هو أقل من ذلك بما هو أقرب للعدل نسب ّيا ً ويعتربونه عادال ً
بشكل أو بآخر.
ٍ
78
هل ُتسبب املُنتجات مرتفعة ّ
السعر األمل؟
ُنتجات تُريدها لكن سعرها ٍ
غال ،فشعرت ٍ هل ذهبت لسوبر ماركت ذات يوم ،ورأيت م
أن املُنتجات الغالية تُ ّ
حفز مركز تلق اللّوم عىل نفسك ،فقد وجدت تجربة ّ
باأللم؟ حسناً ،ال ِ
ُنتج ما ،وخاصة إذا ما كنت تدفع األلم يف الدّماغ ،لذلك فأنت تتألم حني تقوم برشاء م ٍ
بشكل نقديّ ،وبدل ّ
الرتكيز عىل سعادتك للحصول عىل هذا املُنتج ،تشعر باأللم عىل انفاق ٍ
ّ
فّس هذه التجربة كيّف نقيضّ عىل سعادتنا ،باأللم عىل املبلغ املدّفوع بدل ُ
املال عليه .ت ّ
ُ
االستمتاع بما نريد الحصول عليّه.
هناك نُقط ٌة أُخرى ،وهي أ ّن الدّفع بطريّقة أخرى غري نقديّة ال يُسبب ذلك األلم ،فلو
دفعت بواسطة بطاقة اإلئتمان مبلغ 100يوور ،لن يكون بنفس األلم الذي يصاحب
رشاء نفس املُنتج بـ 100يوور نقدياً ،وإخراج 100يورو من محفظتك.
لذلك قد يكون من األجّ دى لك إذا أردت أن تقلّل من مصاريفك أن تعتمد اإلنفاق
وتخفض املصاريف ،وباملُقابل إذا أردت تقليّل أملك غريِّ النّقديّ وبال ّتايل ستتألم دوما ً
املربر برشاء املُنتجات اليوميّة ،فيُمكن استخدام بطاقة اإلئتمان ولن يت ّم تحفيّز مركز األلم
يف دماغك.
األمر لك ،اخرت ما ترا ُه مُناسباً!!
79
ال ّتربعات
ُخفضه أو أنّه ال توجد هل يزيد تقديم هديّةٍ متواضعةٍ للمتربع من مقدار تربّعه ،أم ي ّ
بالراحة النّفسيّة ألنّنا
بني األمريّن البتة .إ ّن ال ّتربع لجهةٍ معيّنةٍ يجعلنا نشعر ّ
عالقة ّ
بشكل أو بآخر ،ولكن مقدار قيمةٍ نُساعدهم عىل تحقيق أهدافهم التي تتوافق مع أهدافنا
بعوامل مختلفةٍ .
ٍ ال ّتربع يتأثر
ظروف املُحيطة وال تتعلق بقدرتنا املاديّة فحسب ،فمثالً حني إن قيمة املبلغ تتعلّق بال ّ
بشكل أو بآخر.
ٍ بمبالغ نقديّة كبرية ،سيؤدي ذلك ملجاراتهم
ٍ أن األخرين قد تربعوا نرى ّ
بفئات نقديّةٍ
ٍ ٍ
بفئات نقديّة ورقيّة سيجعلنا نتربع مثالً رؤية صندوق ال ّتربعات ممتلئا ً
بقطع معدنيّة مما يعني
ٍ بقطع معدنيّة ،فسيجعلنا نتربع
ٍ ورقيّة ،وباملقابل إذا كان مُمتلئا ً
مبالغ أق ّل باملُجمل.
ٍ جمع
هناك سلو ٌك آخر يُع ّد مهمّ ا ً يف ال ّتربعات ،فمثالً إعطاء هديّة مُقابل ال ّتربع سيؤدي
لخفض ال ّتربعات بدل زيادتها .إ ّن إعطاء هديّةٍ مُقابلةٍ مُتواضعةٍ مثل حقيبة عليّها شعار
ظمة عىل سبيل املثال ،سيجعل من املُتربّع يُف ّكر أنّه حصل عىل مُقابل عىل تربّعه بدل املُن ّ
ال ّتفكري بتربعه عىل أنّه سعادة له .وعند ال ّتفكري باملقايضة ،ستكون املقايضة خارس ًة
بالطبع ،ولذلك سيكون تربّعه قليالً ألنه يحصل عىل هدية متواضعة.
بشكل واضح حني ٍ بمبالغ ماديّة أق ّل
ٍ وجدت تجربة أ ّن املشاركني عرضوا ال ّتربع
بمبلغ أكرب حني لم
ٍ عُ رض عليّهم هديّةٍ متواضعةٍ مُقابل تربّعهم ،وباملقابل عرضوا ال ّتربع
يت ّم تقديم هديّة لهم .هناك أيّضا ً أم ٌر مه ٌم هنا ،وهو أن املُشاركني نفسهم ظنوّ ا ّ
أن اآلخرين
واضح
ٍ بشكل
ٍ سيزيد تربّعهم يف حال ُقدّمت لهم هدايا .بعبارة أخرى نحن ال نفهم أنفسنا
ويمكن أن نُجادل أ ّن اآلخرين سيقومون بسلوك ما ،ولكن حقيقة األمّر أنّنا نقوم بسلوكٍ
مُختلف عندما ّ
تحني الحقيقة.
لذلك إذا جادلك البعض أ ّن إخفاء ال ّتربعات هو األفضل ،فأخربه أ ّن ك ّل النّظريات
ُجرب ذلك فعالً فال ّتجربة خريُ بُرهان ،وال ّتجربة تقول ّ
ان العدوى فاشلة واألفضل أ ّن ي ّ
الشخصية. عام ٌل مه ٌم يف إثارة الحماسة لدى اآلخرين وليس فقط قناعتهم ّ
80
السعادة
املادي عىل ّ
ّ الدخل
أثر ّ
الراتب األعىل يجعلنا أكثر
أن ّالراتب األكرب يجعلنا سعدا ًء حقاً ،وهل الجّ دل ال ّتقليديّ ّهل ّ
إن إكتسابنا للسعادة الالسعادة فإ ّن املُقارنة هي متهمة دوماًّ ، سعادة .حني الكالم عن ّ
ّ ّ
الراتب بحد ذاته وإنما بمقارنته مع اآلخرين وما ينالونه .إن مقارنة أنفسنا يتعلق بمقدار ّ
ُ ُ
بنظرائنا يف العمل أو املجتمع هي التي تجعلنا نقرر أ ّن نكون ُسعداء أو ال ،ولع ّل ّ
الراتب
هو إحدى معايّري املُقارنة.
إ ّن نيّل راتب سنويّ مثال يُعادل 80ألف دوالر لن يجعلنا ُسعداء إذا عرفنا أن ُزمالئنا
راتب أكرب ،مثالً 100ألف دوالر ،وباملقابل فإ ّن نيّل راتب 60ألف
بالعمل يحصلون عىل ٍ
دوالر والتي هي أقل من 80ألف دوالر ،تجعلنا سعداء أكثر إذا ما كان غرينا ينال فقط
20ألف دوالر يف ّ
السنة.
إنّها النّسبيّة التي تحكمُنا فنحن ال نستطيع تقديّر قيّمة رق ٍم ما إذا ما لم نُقارنه برق ٍم
آخر ،وبال ّتايل فإنّنا نُقيّد أنفسنا بمُقارنة اآلخرين لرفع أو خفض سعادتنا .لذلك تنخفض
الفقرية أو ال ّتي تّضبها أزمة ماديّة ألن النّاس جميّعها سواءّ معدّالت االنتحار يف الدّول
ّ
يف معاناتهم من األزمة ،وال يُقارنون أنفسهم بمن هم أفضل منهم ،ويكونون أكثر سعادة
من الدّول الغنيّة االسكندنافيّة.
السوشال ميديا والك ّم الهائل من املقارنات ً
وخاصة مع وجود ّ إ ّن للمقارنة أث ٌر كبريٌ
املُتاحة حال ّياً.
81
ّ
الذاكرة واحلفظ
لسنوات طويلةٍ أو
ٍ كيف تبقى املعلومات يف ذاكرتنا طوال الوقت ،وهل يُمكن أن تبقى
يُمكن نسيانها .يف تجربةٍ ت ّم دراسة ك ّم تبقت دروس اللّغة اإلسبانية ّ
للطالب ،وك ّم علقت
واضح
ٍ بشكل
ٍ يف ذاكرتهم بدون ممارسة .وجد الباحثون أ ّن املعلومات تبدأ بالنّسيان
بمعدل بطيء خالل 30عام.
ٍ خالل 6-3سنوات وبعد ذلك
بعبار ٍة أُخرى يمكن أن تبقى بعض املعلومات ملدة طويلة من ّ
الزمن ولكن يت ّم نسيان
بشكل كبري.
ٍ ك ّم كبري خالل ّ
السنوات ال 6األوىل
ُفّس بقاء حفظنا لآليات القرآنية ملدة طويلة دون ممارسة ،ألنّك إن حافظت
لع ّل هذا ي ّ
عليّها بعد 6سنوات ستبقى معك لـ 30عام
82
يبالغ الناس يف تقدير األشياء التي يمتلكوهنا
بالفعل
يميل الناس إىل الخوف من الخسارة ،ويتعلق األمر باألشياء التي نمتلكها فإننا نضيف
إىل قيمتها املادية ،قيمة الوقت والعاطفة التي قضيناها معها ،ولذلك فنحن نخاف من
بشكل غري عقالني يميل الناس إىل الترصف ٍ فقدان تلك املشاعر الجيدة .ومع ذلك،
ٍ
للحظات فقط، بالطريقة نفسها حتى بالنسبة لألشياء التي يف حوزتهم التي يمتلكونها
تخيّل حتى للحظات ،وطبعا ً تنطبق نفس النظرية عىل املعتقدات السياسية والدينية.
بشكل متكرر عندما يرفض الناس التخيل عن األشياء التي يف ٍ يظهر تأثري ذلك
بسعر قد يجده شخص غريب مفيداً ،ويبالغون يف قيمتها. ٍ حوزتهم -أو يرفضون بيعها
يف بعض الحاالت قد يبدو هذا السلوك معقوالً ،عىل سبيل املثال قد يكون فستان الزفاف
القديم البايل يف الطابق السفيل أكثر قيمة بالنسبة لكِ من فستان جدي ٍد تماما ً ألن فستانك
مُشبع بذكريات يوم زفافك.
لكن الحال ليس فقط عىل تلك الحاجيات العاطفية ،فقد أظهرت تجربة أخرى أن
هذا هو الحال أيضا ً للممتلكات غري العاطفية .يف إحدى التجارب أعطى كانمان وفريقه
من علماء االجتماع أكواب قهوة ملجموعة من الطالب .بعد ذلك أحّض مجموعتني من
الطالب مجموعة كانت قد نالت تلك األكواب ،ومجموعة ال تدري عنها شيئا ً وطلب من
املجموعتني تقدير سعر األكواب لبيعها ،ولك ان تتخيل أن املجموعة التي كانت لديها
األكواب سابقا ً ملدة قصرية جدا ً قامت بتقدير سعرها بأكثر من الضعف مقارنة مع
مجموعة الطالب بدون أكواب.
ُفّس ذلك دفاعنا عن أفكارنا ضمن االجتماعات رغم أنّه لم يميض عليها سوى قد ي ِّ
بضع دقائق ألنّنا نعتقد أنّها كممتلكاتنا األخرى أكثر قيمة ويصعب علينا التخيل عنها
بسهولة ،رغم أنّنا لم نتبناها ّإال منذ دقائق.
83
الالعقالنية يف احلياة
خيارات عقالنية مرارا ً وتكراراً ،ويف حني أن بعض هذه
ٍ يفشل العقل البرشي يف اتخاذ
ري من الحاالت ،يمكن أن يكون لهذه القرارات غري املنطقية مضحكة أو تافهة يف كث ٍ
السلوكيات آثارا ً بعيدة املدى عىل الحكومات وأنظمة الرعاية الصحية.
ٍ
قرارات غري منطقية هو الخطوة األوىل ملنع هذه إ ّن فهم أننا كبرش مستعدون التخاذ
السلوكيات والتغلب عىل نقاط ضعف عقولنا .يفشل معظم الناس يف إدراك أن عقالنيتهم
ستخذلهم يف مرحلةٍ ما أو تبتعد عن املسار التي يعتقدون أنهم يجب أن يأخذوه
ٍ
قرارات بينما يعمل املستهلكون غري مدركني للقوى التي تدفعهم وتسحبهم التخاذ
معينة حتى صحتهم يمكن أن تعاني من العواقب .أظهر األشخاص الذين خضعوا
لالختبار أنهم كانوا أكثر ميالً لإلشارة إىل أن الدواء الوهمي كان أكثر فعالية كمسكن
دوالرا لكل حبة بدال ً من 50سنتا ً فقط.
ً لأللم عندما اعتقدوا أنه يكلف 2.50
متجر إىل آخر لالستفادة من خصم 3
ٍ قد يكون الشخص عىل استعداد للقيادة من
دوالرات عىل رشاء منتج بقيمة 10دوالرات ،وقد يرصف نصف ساعة للذهاب ملحطة
محروقات ليوف ّر سنتات بالليرت الواحد ،ومع ذلك غالبا ً ما يكون الشخص نفسه غري راغب
يف قيادة نفس املسافة لرشاء بدلة بقيمة 200دوالر بخصم 20دوالر.
يف حاالت أخرى سيختار األشخاص الترصف ملصلحة الصالح العام عندما يكون
هناك يش ٌء مجاني :عىل سبيل املثال ،اختيار أخذ قطعة بسكويت واحدة فقط من برطمان
املكتب للتأكد من أن كل شخص سيكون قادرا ً عىل تجربة قطعة واحدة.
ومع ذلك ،بمجرد تعيني سعر ليشء ما لن يشعر الناس بأي ضغوط بشأن أخذ أكثر
من حصتهم العادلة ألنهم دفعوا مقابل ذلك -ما عليك سوى التفكري يف امليل إىل اإلفراط
يف تناول بوفيه مفتوح.
إن هذه السلوكيات غري العقالنية وغريها تتبع نمطا ً يمكن التنبؤ به للغاية ،ونتيجة ّ
لذلك ،فإن تعلم التنبؤ بسلوكياتنا غري العقالنية وبالتايل التشكيك فيها ومنعها هو املفتاح
ٍ
قرارات خاطئة لحماية أنفسنا من الخيارات السيئة .إن فهم أن الناس سيتخذون حتما ً
84
ٍ
سياسات أو قوانني يمكن أن تساعد الناس عىل االدخار للتقاعد أم ٌر بالغ األهمية لوضع
وحماية صحتهم والترصف بشكل أخالقي يف مهنهم.
بشكل غري عقالني يمكن أن يمنحنا نافذة لتغيري
ٍ إن فهم متى وملاذا يترصف البرش
هذا السلوك .يف حني يميل البرش إىل االنخراط يف السلوك غري العقالني فهم ليسوا ضحايا
عاجزين ،يمكن أن يساعد التعرف عىل هذه القرارات الخاطئة وتقييمها من قِ ِ
بل
األشخاص عىل تجنبها والتغلب عليها .باإلضافة إىل ذلك ،هناك طرق يمكن للحكومة أو
ٍ
خيارات أفضل يف املستقبل. املؤسسات األخرى من خاللها مساعدتنا عىل اتخاذ
85
ٍ
قرارات حاسمة الالعقالنية يف اختاذ
ري من األحيان بمناصبهم املُوقرة ألنهم يعتقدون
يف النظام القضائي يحتفظ القضاة يف كث ٍ
أنهم غري متحيزين وعادلني وقادرين عىل التأثري عىل العقل واملنطق يف قضايا التظلم.
بشكل غري
ٍ ومع ذلك حتى هؤالء املثاليون املفرتضون للعقالنية قادرون عىل الترصف
عقالني.
يف إحدى الدراسات األملانية التي قامت بتجربة مع القضاة وطلبت منهم إلقاء نرد
قبل بداية نهارهم ،وجدت الدراسة أن القضاة الذين ألقوا النرد وحصلوا عىل عددٍ كبري
كانوا أكثر عُ رضة إلصدار أحكا ٍم أطول ،وباملثل فإن القضاة الذين ألقوا النرد وحصلوا
ان أمرا ً عشوائيا ً قد أدى
عىل عدد قليل كانوا أكثر عرضة إلصدار حك ٍم أقرص .تخيّل ّ
بشكل مبارش ألنه
ٍ لتغيري طول الحكم ،وطبعا ً سيجادل القايض أ ّن ذلك لم يؤثر به
ببساطة كان يف الالوعي.
يف مثال آخر وجدت دراسة أن القضاة كانوا أكثر عُ رضة ملنح اإلفراج املرشوط
للسجناء الذين ظهروا يف قاعاتهم يف بداية النهار ،ويمكن أن يكون الفرق ما يصل إىل
%70يف اإلفراج املرشوط يف الصباح مقابل %10يف اإلفراج املرشوط نهاية اليوم ،وقد
توصل الباحثون إىل أ ّن هذا السلوك غري العقالني ناتج من اإلرهاق بسبب اتخاذ القرارات
طوال النهار مما يجعل القضاة يرتيثون يف اإلفراج املرشوط نهاية النهار لتعبهم العقيل،
وبعبار ٍة أخرى فإ ّن توقيت عرض املسجون الذي كان بالصدفة سيزيد أو يقلل احتمالية
اإلفراج املرشوط عنه.
86
التسوق
ّ أثر التنزيالت يف
منتج ما ،وعادة ما يرتكزون بذلك للسعر األول الذي
يعتمد الناس عىل النسبية لفهم قيمة ٍ
اطلعوا عليه ،بعدها يصبح ذلك الرقم هو املرتكز ،ويتحول إىل نقطة مرجعية لجميع
املنتجات املماثلة األخرى ،املنتج األقل سعرا ً هو صفقة واملنتج األعىل سعرا ً م ٌ
ُكلف للغاية.
منتج تراه عىل قراراتك الحقاً.
ٍ بسبب هذه الظاهرة يمكن أن يؤثر أول
قد يعتقد املستهلكون أنهم يحصلون عىل صفقة جيدة حني رشاء زيت الزيتون يف
حني أنّهم يستجيبون فقط للعرض الذي هو أرخص من أول عرض شاهدوه يف املرة
األوىل ،ولذلك فإن املتاجر قادرة عىل التالعب بذلك من خالل عرض زيت زيتون باهظ
الثمن عىل مستوى العني يف مدخل املتجرر بحيث يكون أول يش ٍء يرونه ،والحقا ً عندما
بسعر أقل يف نفس املتجر سيعتربونه صفقة جيدة -حتى لو لمٍ يرون نموذجا ً مشابها ً
يكن كذلك.
يمكن أن يساعد هذا النوع من تثبيت السعر يف توضيح سبب رشاء األشخاص ملنتج
رجال دخل متجرا ً بحثًا عن
ما خالل فرتة التنزيالت بينما ال يشرتيه قبل ذلك .افرتض أن ً
سرتة جديدة ،يراقب سرتة مثرية لالهتمام ولكنها ليست رضورية يف خزانة مالبسه.
يتحقق من السعر ويجد أنها تُكلف 149دوالر .كان الرجل ينوي إنفاق ما ال يزيد عن
100دوالر يف تسوقه ،يواصل التسوق لكنه ال يجد شيئا ً يثري اهتمامه ويعود إىل املنزل.
أسبوع عاد إىل املتجر ملواصلةِ سعيهِ للعثور عىل سرتة ،وإذ به يالحظ أن نفس السرتة
ٍ بعد
بنفس املكان حيث شاهدها آخر مرة معروضة مع عالمة تنزيالت ذات األلوان الزاهية
بجوارها ،يختلس النظر ليتحقق من السعر مرة أخرى ويالحظ أنه انخفض إىل 79
دوالر .يف حني أن هذه السرتة ال تزال غالية بنظره ولكن انخفاض السعر بنسبة حوايل
%50ال يُقاوَ م وخاص ًة أنّها القطعة األخرية ،وعليه يتسوَّق من املتجر باعتباره فاز
بصفقة وقام بتوفري 70دوالرا ً بدل التفكري أنّه دفع 79دوالراً.
87
التسوق
ّ أثر املنتجات املجانية يف
عنرص آخر
ٍ بشكل مختلف حول العنارص املجانية عما يفعلونه حول أيٍ يترصف الناس
بسعر آخر ،بالنسبة ملعظم الناس "الصفر" هو رقم عاطفي .سيتخذ الناس القراراتٍ
الخاطئة عندما يتأثرون بسحب يش ٍء مجاني ألنهم يشعرون أن هذه الصفقة ليس لها
جانب سلبي .عادة يخىش الناس الخسارة .لذلك عندما يكون هناك يشء مجاني ،فإنه
يجعل الناس يشعرون أنه ال توجد إمكانية للخسارة .هذا االفرتاض غري املنطقي يدفع
الناس الذين يجذبهم احتمال وجود يشء مجاني إىل الرشاء حتى عندما يكون الحصول
عىل العنرص املجاني هو أسوأ صفقة.
تدخل امرأة إىل متجر ويجب أن تختار بني زوجني من األحذية .أحد األزواج أكثر
تكلفة بقليل ولكنه يتضمن عرض رشاء واحد للحصول عىل واحد مجاناً .قد ال يحب
العميل هذا الحذاء تماما ً مثل اآلخر الذي ال يشمل العرض .ومع ذلك متأثرة بالرغبة يف
الحصول عىل يشء مقابل ال يشء ،تشرتي األحذية التي تجلب صفقة رشاء للحصول عىل
واحدة مجاناً .بمجرد رشاء األحذية وإتمام الصفقة ،قد تدرك أنها تمتلك اآلن زوجني من
األحذية -أحدهما كان مجانيا ً -ال تعجبها بقدر تلك التي لم تشرتيها .عالوة عىل ذلك،
اشرت واحصل عىل اآلخر مجانا ً يرجع إىل انخفاض جودة هذه
قد تدرك أن سبب العرض ِ
األحذية .يف كل ما قيل ،فإن عرض يشء مجاني قد ألقى بظالله عىل ُحكم املُتسوِّق وأعاق
قدرتها عىل اتخاذ القرار العقالني :الختيار زوج واحد من األحذية عالية الجودة التي
تحبها بدال ً من الحصول عىل زوجني من األحذية منخفضة الجودة ال تحبها.
وباملقابل يمكن للحكومة أو املؤسسات األخرى استخدام هذا التأثري لجعل الناس
يريدون القيام بأشياء مسؤولة اجتماعيا ً مثل تشجيع الناس عىل قيادة املركبات
الكهربائية عن طريق جعل رسوم تسجيلهم مجانية.
88
دور املعايري املجتمعية يف احلياة املهنية
بشكل مختلف للمعايري االجتماعية ومعايري السوق .عندما يتشابك
ٍ يستجيب الناس
االثنان تهيمن معايري السوق عىل العالقة االجتماعية أو تّض بها.
إ ّن األعراف االجتماعية هي األفعال التي تربط املجتمع ببعضه البعض :أن تكون
شخص غريب يحتاج إىل اتجاهات ،ومساعدة امرأ ٍة مسنة عرب الشارع وإعداد ٍ لطيفا ً مع
بشكل
ٍ العشاء للعائلة .هذه هي األفعال التي ال نتوقع أن ندفع لها .يف الواقع تقديم الدفع
عام سيكون إهانة.
لنفرتض أن صديقة جني أليس ستتزوج بعد ستة أشهر .تطلب أليس من جني أن
تكون الوصيفة .جني تشعر باإلطراء وتوافق وتتجاوز للتأكد من أن أليس لديها كل ما
تريده العروس .تخطط لحفلة عازبة مفاجئة يف الس فيغاس مع جميع أفضل أصدقاء
أليس وتنسق كل التفاصيل يف يوم الزفاف نفسه .إذا بعد انتهاء يوم الزفاف عرضت
مئات من الدوالرات لتشكرها عىل كونها الوصيفة واملساعدة يف حفل أليس عىل جني بضع ٍ
شكل عامبشكل رهيب .بعد كل يشء خادمة الرشف ب ٍ ٍ الزفاف فقد تشعر جني باإلهانة
دو ٌر يُمنح ألقرب صديق للعروس أو حتى فرد من أفراد العائلة ومن املتوقع تقليديا ً أن
معيار اجتماعي يمنح
ٍ يساعد هذا الشخص العروس إىل ح ٍد ما .هذه العالقة هي مثال عىل
الرشف لجني كما يوحي االسم .جني ليست مخططة زفاف احرتافية تعمل مع توقع
التعويض .إن عرض املال -بأي مبلغ -من شأنه أن يُقوِّض األسباب العاطفية التي
تحملتها جني للعرض لتكون خادمة الرشف يف املقام األول وستستبدلها باآلثار الضارة
لقواعد السوق.
ومع ذلك تظل الهدايا عموما ً يف نطاق املعيار االجتماعي .دعنا نقول أنه بدال ً من
تقديم جني بعض املال لعملها الشاق عرضت أليس عليها هدية -ربما قطعة من
املجوهرات أو بعض التذكارات األخرى .ليس من املرجح أن تظل جني غري مرتاحة
وتشعر بحرارة تجاه هذا العرض وهو يف الواقع مُتوقع اجتماعيا ً من العروس.
89
الهدايا تقع خارج نطاق املعيار االجتماعي وتعود إىل عالم معايري السوق عندما يتم
ذكر السعر .إذا عرضت أليس عىل جني قالدة هدية فقد تالمس جني يف البداية رمز
امتنانها .ومع ذلك إذا ذكرت أليس بعد ذلك أن القالدة تكلف 500دوالر -اآلن تستدعي
معايري السوق -فقد تكون جني مُهانة وغري مرتاحة مثلما كانت ستعرض أليس عىل
دفع 500دوالر لها مقابل خادمة الرشف.
عاد ًة ما يعمل الناس بجدٍ أكرب وفقا ً لألعراف االجتماعية -بمعنى أنه عندما يفعلون
شيئا ً عن طيبة قلوبهم وال يحصلون عىل أجر.
ستغرب إذن أن يحاول املزيد واملزيد من أصحاب العمل مناشدة عمالهم
َ ليس من املُ
ٍ
وساعات سعيدة للفريق ومزايا من خالل املعايري االجتماعية :وجبات خفيفة مجانية
أخرى.
90
أثر التوقعات عىل كيفية إدراك األحداث
بشكل مُفرط عىل كيفية إدراكنا لألحداث ،يف إحدى الدراسات قام أحد
ٍ تؤثر توقعاتنا
األطباء بتقييم فعالية تكلفة الدواء مقابل مدى نجاحه يف الواقع ،وقد وجد أن الفعالية
من حيث التكلفة هي أداة ضعيفة لتقييم العالجات املختلفة .عندما يكون العالج مُكلفا ً
ري من العالج الذي يحل محله -حتى للغاية ولكنه غري فعال فإنه ال يزال يبدو أفضل بكث ٍ
لو كان الفرق الفعيل يف نتائج املرىض ضئيالً .ونتيجة لذلك ،كتب أن أسعار أدوية
الّسطان عىل وجه الخصوص ترتفع بشكل أرسع من الفوائد التي يمكن أن تقدمها.
موضوع أكثر إثارة للجدل اليوم تثري املوجة األخرية من ضباط الرشطة الذين ٍ يف
بشكل مفرط عىل
ٍ رجال سود غري مسلحني مسألة التوقعات التي تؤثر ٍ يطلقون النار عىل
لحدث معني .يف عام 1999ألقى إطالق النار عىل أمادو ديالو الضوء عىل هذه ٍ تصورنا
ً
القضية بالذات .تم إطالق النار عىل املهاجر غري املسلح البالغ من العمر 23عاما من
غينيا 41مرة عىل يد أربعة من ضباط رشطة مدينة نيويورك الذين اعتقدوا أنه عندما
وصل إىل محفظته كان يصل إىل البندقية .هذا التحيز املُتوَّقع ضد ديالو الذي كان أسود
قاد الضباط إىل التحرك.
اليوم تؤكد الدراسات أن هذه التحيزات هي السبب يف إطالق النار األخري عىل الرجال
السود غري املسلحني .الحظ الباحثون أن الشخص ال يحتاج حتى إىل أن يكون عنرصيا ً
بشكل علني ليقع ضحية لهذه التوقعات السلبية وغري الصحيحة .ومع ذلك فإن التوقع
ٍ
ً
الالواعي لبعض القوالب النمطية يكفي ليكون مميتا يف بعض الحاالت.
91
أثر النقود عىل الغش
بشكل ملموس
ٍ من املرجح أن ينخرط الناس يف سلوكٍ غري رشيف عندما تتم إزالة النقود
ألن الدماغ يُقدِّر النقود امللموسة ولكنه يتغاىض حني تكون مجرد أرقام يف حساب البنك.
يميل املجتمع إىل اعتبار جرائم االختالس أقل إهانة من السطو والسحق .يف حني أن جرائم
االختالس قد تسلب الناس ماليني الدوالرات ورسقة أقل بكثري ،يميل مجرم مختلس إىل
لص تقليدي .يعود جزء من هذا االعتبار غري الحصول عىل عقوبة أقل قسوة بكثري من ٍّ
العقالني لجرائم املختلسني إىل حقيقة أنه عندما تتم إزالة النقد املادي من املعادلة يكون
الناس أكثر قدرة عىل ترشيد الترصف خارج معايريهم األخالقية النموذجية.
اشرت 5فناجني قهوة
ِ عىل سبيل املثال ،يُقدِّم مقهى محيل ّ للعمالء بطاقة عرض:
والقهوة السادسة مجانية .يف يو ٍم من األيام ،يصطف الرجل ويدرك أنه ليس لديه ف ّكة،
أن البائع يضع إشارة فحسب بقلمه عىل املربع الفارغ ،وكل ما ينقص الرجل ويالحظ ّ
إشارة لينال قهوة مجانا ً بدل العودة للبيت والحصول عىل ف ّكة ،بّسعة يقوم الرجل
بإضافة االشارة بالخفاء والحصول عىل قهوة مجانية دون أن يشعر بتأنيب الضمري،
مجاني من القهوة.
ّ لديه اآلن كوب
مكان ما لرشاء قهوة
ٍ نفس هذا الرجل من املستحيل أن يقبل رسقة دوالر مثالً من
حني ليس لديه ف ّكة ،ولكن حني غاب الشكل امللموس للنقود سيتساهل يف ذلك.
ري عىل هذا
عندما تتم إزالة الوجود املادي للنقود من الجريمة يصبح من األسهل بكث ٍ
اللص ترشيد أفعاله .نظرا ً ألن مجتمعنا يتحرك بشكل متزايد بعيدا ً عن استخدام النقود
فمن الّضوري فهم هذا السلوك وتصحيحه.
92
أثر كوبونات احلسم يف الرشاء
صوُرهم ما الذي ينبغي عليهم دفعه .يمكن إ ّن الناس عىل استعدا ٍد للدفع اعتمادا ً عىل تَ ِ
درك للسعر أكثر أهمية من السعر نفسه .تخيل أنّك رأيت مُنتجا ً يف أن يكون اإلنصاف املُ َ
متجر مقابل 20دوالراً .عليك أن تقرر أن 20دوالرا ً هو املبلغ الذي يجب دفعه مقابل
ذلك املُنتَج .لذلك ال تشرتيه ألنك تعتقد انّه غايل .تخيل اآلن أنك رأيت نفس املُنتَج معروض
للبيع بمبلغ 25دوالراً .ولكن هذه املرة لديك قسيمة بقيمة 5دوالرات تم إهداءها ل َك من
املتجر ،هذا توفري 5دوالرات .لذلك يمكنك رشاء املنتج بسعادة.
وفقا ً للنظرية االقتصادية التقليدية وهذا ال معنى له .من املفرتض أن يقوم األشخاص
بإجراء عمليات رشاء بنا ًء عىل سعر السلعة أو الخدمة .إذا كانت قيمة املنتج تبلغ 20
دوالراً ،فسوف تدفع 20دوالرا ً مقابل املُنتَج.
أن الناس ال ينظرون فقط إىل السعر. ومع ذلك فقد وجد االقتصاديون السلوكيون َّ
إنهم ينظرون إىل ما يعتقدون أنه ينبغي أن يكون السعر ،أو ما إذا كان السعر عادالً .لذا
يعتمد الرشاء عىل أداة الكسب أو مقدار الفائدة أو السعادة التي تحصل عليها من عملية
الرشاء .ويعتمد أيضا ً عىل فائدة الصفقة أو مقدار السعادة التي تحصل عليها من رشوط
البيع نفسها.
يف حالة املنتج السابق فإن التصوُّر بأن الصفقة رابحة تزيد من فائدة املعامالت،
ويجعل املنتج أكثر جاذبية.
هذا هو السبب يف استخدام العديد من املتاجر كوبونات .يحب الناس أن يشعروا
أنهم يحصلون عىل صفقة رابحة .تقديم رضا العمالء عن املعامالت هو جزء من إدارة
األعمال الجيدة .عىل سبيل املثال ،حاولت JC Penneyالتخلص من القسائم يف عام
.2012وبدال ً من رفع األسعار ومن ثم تقديم حسومات ،أرادت اإلدارة الحصول عىل
أسعار مُخفضة كل يوم .يكره العمالء ذلك ،بحلول منتصف عام 2013كان عىل املتجر
إعادة الكوبونات.
93
أثر ُكره اخلسارة عىل جت ّنب املخاطر
إن كره الخسارة -امليل إىل الخوف من الخسائر أكثر من تقدير املكاسب -يمكن أن
بعمل جيد فغالبا ً ما يتم
ٍ يتفاقم بسبب حوافز األداء .عىل سبيل املثال ،عندما يقوم املدراء
منحهم عالوة صغرية أو مكافأة .ولكن إذا جرب املدير مرشوعا ً محفوفا ً باملخاطر يفقد
املال فيُحتمل طرده.
تخيَّل أن يواجه مديرا ً يف رشكة تبلغ قيمتها عرشات املاليني مرشوعا ً له فرصة بنسبة
٪50يف كسب الرشكة 5ماليني دوالر ٪ 50 .أخرى من الوقت ستخّس الرشكة 3ماليني
دوالر .من وجهة نظر الرشكة ككل ،ينبغي عىل املدراء دائما ً أن يأخذوا هذه الصفقة.
ٍ
صفقات يف ظل هذه الجانب اإليجابي أكرب من الجانب السلبي .إذا أخذ جميع املدراء
الظروف ،فإن الرشكة ستجني الك ثري من املال .لكن قد يخاف املدير من فرصة بنسبة
٪ 50لفقدان 3ماليني دوالر .إذا فقدت الكثري من املال فقد يتم طردك.
هناك بعض الطرق ملكافحة هذا امليل نحو النفور من املخاطرة .يمكن للرشكات أن
تطلب من املدراء تقديم عدد معني من املقرتحات للمشاريع عالية الخطورة .يمكنهم أيضا ً
تقييم املدراء عىل األداء خالل فرتة زمنية معينة ،بدال ً من تقييمهم عىل املشاريع الفردية.
بالطبع يمكن أن تؤدي الحوافز السيئة أيضا ً إىل الكث ٍ
ري من املخاطرة.
خالل أوائل العقد األول من القرن العرشين ،أدى السعي املحموم لتحقيق األرباح
ٍ
صفقات أكثر خطورة ،مما أدى إىل السهلة عىل ما يبدو إىل جعل املقرضني يعقدون
ً
خسائر فادحة وبؤس واسع النطاق عندما انفجرت الفقاعة أخريا .من بني األفكار
االقتصادية السلوكية ّ
النرية أنه ال توجد طريقة مؤكدة لجعل الناس يترصفون بطريقة
عقالنية اقتصادية.
94
أثر اللحظات األخرية من جتربة ما عىل ذكرياتنا
هناك تناقض بني تجربة الشخص املعيشية وذاكرة تلك التجربة .يمكن أن للحظات
األخرية من التجربة تحسني كل يشء أو تلوثه .يفرتض كانمان أن هناك نوعان من
األشخاص .األول هو الذات التي تشهد حدثا ً عند حدوثه .والثاني هو الذات التي تتذكر
التجربة .وجد كانمان أن الناس غالبا ً ما يخطئون يف تذ ُك ِر املايض ويثقلون نهاية التجربة
بشكل كبري .نادرا ً ما تتوافق ذكرياتهم مع التقارير التي تم جمعها يف الوقت الفعيل كما
ٍ
حدَّثت التجربة.
عىل سبيل املثال ،الطريقة التي يتذكر بها الناس اإلجازات العائلية .تخيَّل أن عائلة
وارن -أم ،أب ،ماركوس ،وميكي الصغري -ذهبت يف رحلة تخييم استمرت أسبوعا ً مع
نتائج متباينة .كانت األيام الستة األوىل التي قضياها معا ً قريبة من الكمال :الطقس
طفا ً رهيبا ً يف
الجميل والطعام الجيد والكثري من املرح العائيل .لكن األمور أخذت مُنع َ
تّسب يف الخيمة .التقط ماركوس طفحا ً قبيحا ً بعد اليوم األخري .أمطرت السماء وظهر ُّ
أن تعمق يف الغابة ،وبكي ميكي طوال اليوم ألن الراكون رسق كعكاته .وبينما كانت
األرسة تق ُل السيارة يف صباح اليوم التايل ،همس األب كلمتني لزوجته" :لن نعود مرة
أخرى" .بدأت الذكريات السعيدة للعائلة منذ األيام الستة األوىل وكأنها بعيدة جدا ً
وأصبحت رحلة التخييم يف نهاية املطاف باعتبارها أسوأ عطلة يف تاريخ عائلة وارن.
اآلن ف ِّكر يف السيناريو املعاكس .مرة أخرى فإن Warrensيف رحلة تخييم ملدة
أسبوع .األيام الستة األوىل مروعة :الكثري من املطر والطفح الغامض نفسه ونقص
البسكويت املؤسف .ولكن يف اليوم األخري يحدث تحوُّ ٌل خارق .يجد ماركوس فاتورة
100دوالر يف الغابة .ميكي يصادق الراكون الذي رسق كعكاته .تحمص وارين الحلوى
بشكل أكثر صحة مما كانت عليه طوال األسبوع .مع اختتام
ٍ بينما تغرب الشمس وتنام
الرحلة بمالحظة جيدة من املرجح أن تشكل العائلة ذكرى سعيدة إلجازتهم.
95
أثر التأطري عىل قرارات الناس
إ ّن الطريقة التي يتم بها تأطري االختيار يمكن أن تؤثر عىل قرار الشخص .غالبا ً ما يمكن
بعبارات إيجابية أو سلبية وهي ظاهرة تُ َ
عرف باسم تأثري اإلطار. ٍ تأطري نفس الخيار
عىل سبيل املثال ،يمكن تأطري احتماالت النجاة من الجراحة بطريقتني مختلفتني :هناك
فرصة بنسبة %85للعيش أو هناك فرصة بنسبة %15للموت .بسبب النفور من
الخسارة فإن تقديم االحتماالت للمرىض من حيث بقائهم يجعلهم أكثر عرضة الختيار
الجراحة .من املرجح أن يجتاز املريض الذي يتم تحديد اختياره معدل الوفيات.
إن تأثري اإلطار هو مسألة املعلومات التي يختار املرء التأكيد عليها .طريقة أخرى
يمكن فهمها من حيث السياسة .عىل سبيل املثال ،يف الفرتة التي تسبق االنتخابات
الرئاسية لعام 2016ر َّكز خطاب دونالد ترامب عىل الخسارة من خالل وصف الواليات
املتحدة بأنها فقدت عظمتها .اتخذ خطاب هيالري كلينتون االتجاه املعاكس مع الرتكيز
عىل اإليجابية والتقدُّم .تم التأكيد عىل هذا االختالف يف املنظور يف اثنتني من عبارات
املرشحني :ترامب "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" كلينتون "أمريكا لم تتوقف عن
كونها عظيمة" .كان الناخبون الذين رأوا عام 2016عىل أنه وقت الخسارة أكثر عرضة
لقبول خطر التصويت لرتامب .كان الناخبون الذين رأوا عام 2016حقبة ذهبية من
املكاسب أكثر نفورا ً من املخاطرة ومن املرجح أن يصوتوا لكلينتون.
تأثري اإلطار مه ٌم يف اإلعالن .غالبا ً ما تتوقف قرارات املستهلك عىل الطريقة التي يتم
بها تقديم املعلومات .عىل سبيل املثال ،تشري األبحاث إىل أن تعبئة لحوم البقر املطحونة
أكثر جاذبية للمستهلكني عندما تصف املحتويات بأنها %85خالية من الدهون بدال ً من
.%15
مثال آخر هو الطرق املختلفة التي يتم بها تسويق األطعمة العضوية .تؤكد بعض
العبوات عىل الصفات اإليجابية للطعام مثل الطعم الجيد أو الصحة .تؤكد العبوة األخرى
عىل السلبية عىل سبيل املثال ،باقرتاح خطر مبيدات اآلفات أو الهرمونات املرتبطة
باألطعمة غري العضوية .تشري األبحاث إىل أن الرتكيز عىل الفوائد هو االسرتاتيجية األفضل
يف املبيعات.
96
أثر اإلستدالل عىل قرارات الناس
إ ّن العالم ميلء بالغموض ،ولذلك يلجأ الدماغ إىل االختصارات العقلية أو االستدالل هي
إحدى الطرق التي يتعامل بها العقل البرشي مع هذا الشك .الحياة اليومية مليئة بأي
عددٍ من املواقف غري املؤكدة .ال يحسب العقل البرشي بشكل طبيعي احتماالت نتيجة
معينة بأي دقة .بدال ً من ذلك ،يعتمد الناس عىل االستدالل أو االختصارات العقلية
ملساعدتهم عىل اتخاذ القرارات .االستدالل هي عمليات معرفية تقو ُد الناس إىل تقدير
احتماالت أي نتيجة معينة.
يرتبط االستدالل ارتباطا ً وثيقا ً بالقوالب النمطية .يستخدم الناس االستدالل التمثييل
وصف شخصيته أو العكس .عىل ِ للحكم عىل سبيل املثال ،عىل وظيفة الشخص بنا ًء عىل
سبيل املثال ،تخيل أنك تصف صديقتك كارين ألختك التي ال تعرفها .تُخرب أختك أن
كارين منطقية ومثرية للجدل ومقنعة .إذا طلبت من أختك أن تُخمِّ ن ما إذا كانت كارين
محامية أو عاملة مبيعات تجزئة ،فقد تفرتض أن كارين محامية .وفقا ً ملكتب الواليات
املتحدة إلحصاءات العمل فإن االحتماالت هي تقريبا ً 6:1لصالح كارين التي تعمل يف
تجارة التجزئة.
يمكن أن ينطبق االستدالل التمثييل عىل أنواع أخرى من األحكام أيضاً .عىل سبيل
املثال ،هذا هو السبب يف أن الكثري من الناس يفرتضون أن جميع الثريان عنيفة.
يوضح االستدالل الثاني التوافر أنه عند تقييم حالة معينة سيجذر الناس من خالل
ذكرياتهم ألمثلة معينة ملقارنتها واستخدام األمثلة الجاهزة للعقل .عىل سبيل املثال،
يخىش اآلباء عىل أبنائهم من أشياء نادرة نسبيا ً مثل عمليات الخطف وإطالق النار يف
بقدر كبري من التغطية اإلعالمية.
ٍ املدارس والهجمات اإلرهابية ،والتي تحظى جميعها
لكن األطفال أكثر عُ رضة لإليذاء أو القتل بسبب الحوادث األكثر شيوعا ً مثل حوادث
السيارات أو الغرق أو االنتحار.
97
االنحياز للوضع الراهن
يميل الناس التخاذ القرار االفرتايض كي ال يقوموا بخطو ٍة إضافية ،وبذلك فإن
االفرتاضات األولية هي التي تحكمنا وكذلك الحال بالنسبة للخيارات االفرتاضية.
يمكن توظيف ذلك يف التسويق ويمكن أيضا ً يف التوفري بجعل الخيارات االفرتاضية
توفريية.
يف إحدى املستشفيات تم تغيري خيار الدواء االفرتايض إىل دواء اقتصادي ،وإذا رغب
الدكتور بتغيري الدواء إىل دواء غايل فيمكنه ذلك بالطبع.
عمليا ً قام األطباء باختيار األدوية االفرتاضية وعدم القيام باتباع خطوة إضافية
لتغيري الدواء إىل دواء ذو عالمة تجارية مما أدى لتوفري كبري للمستشفى.
ال يزال بإمكان األطباء ذلك ولكن االتجاه البرشي للحفاظ عىل الوضع الراهن يشري
إىل أنهم لن يفعلوا ذلك يف معظم الحاالت.
98
تأثري التعليقات ورأي اآلخرين
للتحرك يف
ُّ البرش معرضون بشدة للتأثري االجتماعي أحيانا ً دون قصد .يميل الناس
قطعان .يف سياق املجموعة يشعر األفراد بالضغط للتوافق مع الطريقة التي يفكر بها
األعضاء اآلخرون ويتحدثون ويترصفون.
وجد الباحثون أن املوقع الفيزيائي ليس رضوريا ً للتأثري االجتماعي .عىل سبيل املثال،
وضع املُتسوِّقون قدرا ً مذهالً من الثقة يف املراجعات عرب اإلنرتنت حيث اعتربوها ثاني
مورد معلومات موثوق به بعد أصدقائهم وعائلتهم .إن تأيي َد شخص غريب -أو األفضل
من ذلك عدد كبري من الغرباء -يمكن أن يؤثر عىل القرارات املتعلقة برشاء مجموعة
واسعة من السلع والخدمات بما يف ذلك الكتب وحزم العطالت وخدمات الرعاية الصحية.
عالو ًة عىل ذلك ،يمكن أن تؤثر التقييمات التي يرتكها أشخاصا ً آخرون عىل رأيك حتى
بعد أن تكون قد مررت بتجربتك الخاصة .عىل سبيل املثال ،قد تؤدي آراء اآلخرين
املتوهجة ملطعم عىل موقع مراجعة املطاعم إىل مراجعة رأيك السلبي.
عرف ظاهرة الرعي الرقمي هذه بأنها فقاعة تصنيفات ،وقد تساعد يف تفسري تُ َ
مراجعات إيجابية .تُ ِّ
فّس ٍ السبب عىل سبيل املثال ،أن العديد من العنارص يف أمازون لها
فقاعات التقييمات أيضا ً سبب انتشار التغريدات .يميل األشخاص أكثر إىل اإلشارة إىل
أنهم "يعجبون" بتغريدة إذا كانت شائعة بالفعل ،وأقل ميالً إىل "اإلعجاب" بالتغريدات
التي لم َ
تتلق الكثري من التعليقات اإليجابية.
تتمثل إحدى مشاكل فقاعة التقييمات يف أنها تخ ُلق الظروف التي قد يميل فيها
ٍ
مراجعات مزيفة .تتحقق بعض البائعون إىل تضخيم تقييماتهم الخاصة عن طريق نرش
مواقع الويب مثل Expediaمن أن املراجعني يُعلِّقون فقط عىل األماكن التي أقاموا فيها
بالفعل .لكن مواقع أخرى مثل TripAdvisorليس لديها مثل هذه الضوابط مما يعني
أن املالكني غري الرشفاء يمكن أن يُضخموا تقييماتهم الخاصة.
99
يمكن للمتسوقني التخفيف من تأثري هذه اإلشارات االجتماعية الحقيقية أو االحتيالية
بشكل أكرب عىل املراجعني الخارجيني مثل تقارير املستهلك والتي تُعترب
ٍ من خالل االعتماد
محايدة نسبياً.
100
توظيف االقتصاد السلوكي يف حتسني غسل
اليدين
تعد اإلصابات املرتبطة بالرعاية الصحية ) )HAIsسببا ً مُهما ً للمرض والوفاة داخل
مرافق الرعاية الصحية ،كما أنها مكلفة من الناحية املالية للمرىض ولنظام الرعاية
كاف هو مفتاح الوقاية من اإلصاباتبشكل ٍ
ٍ الصحية .ضمان الحفاظ عىل نظافة اليدين
املرتبطة بالرعاية الصحية.
ومع ذلك ،فإن معدالت االمتثال لغسل اليدين غالبا ً ما تكون منخفضة للغاية .حددت
مراجعة واحدة معدالت االمتثال بني مقدمي الرعاية الصحية أقل من ،%40يف دراسة
للزائرين الذين يمرون عرب ردهة املشفى ،كان الرقم أقل من %12بينما يف دراستنا
%15فقط من الداخلني األساسيني إىل وحدة العناية املركزة غسلوا أيديهم.
وقد جربت العديد من املبادرات لتحسني هذا وكانت تستند إىل ح ٍد كبري إىل املعلومات،
ٍ
تحسينات عابرة ومتواضعة. ولكن لم تُسفِ ر إال عن
تم بحث طرق تحسني نظافة اليدين يف أماكن الرعاية الصحية جيداً .هناك أدلة قوية
عىل أن التعليم والوعي ليسا كافيني ،ولكن التغيريات البسيطة عىل البيئة يمكن أن تكون
فعالة للغاية .جذب االنتباه إىل مطهرات اليد ،عىل سبيل املثال عن طريق وضعها يف أماكن
ري من زيادةبشكل كبري ،أكثر بكث ٍ
ٍ ٍ
عالمات ملونة زاهية يزيد استخدامها شائعة واستخدام
عدد املوزعني .اإلشارة إىل أن استخدامها هو املعيار املتوقع يمكن أن يكون له فوائد
أخرى .أسئلة مبارشة مهذبة -عىل سبيل املثال ،تسأل "هل استخدمت معقم اليدين؟"
عند وصول املرىض أو الزائرين -تعد طريقة بسيطة إلبالغ هذه املعايري .من املهم بناء
هذه العادات اآلن والحفاظ عليها بمجرد تخفيف القيود األوسع.
يلعب التحضري النفيس دفعة لتحسني معدالت االمتثال .التحضري النفيس هو املكان
الذي يؤدي فيه التعرض لبعض اإلشارات ،مثل الكلمات أو الروائح أو الصور ،إىل تغيري
سلوك الشخص دون إدراكه لتأثري هذه اإلشارات.
101
بدفع من الدراسات التي توضح أن األفراد أكثر عُ رضة للحفاظ عىل
ٍ يف هذه الحالة،
بيئتهم املحيطة نظيفة عندما يستنشقون الرائحة ،قمنا باختبار ما إذا كانت حاسة الشم
-رائحة الحمضيات "النظيفة" -قد تعمل عىل تحسني سلوك نظافة اليدين يف وحدة
العناية املركزة يف مشفى تعليمي يف ميامي.
تم اختبار صورة لزوج من العيون متمركزين فوق علبة جل األيدي إلعطاء تصوُّر
عن املشاهدة.
مكان قريب)
ٍ وأظهرت الدراسة أن رائحة الحمضيات (من معطر الجو املوجود يف
كانت مرتبطة بزيادة كبرية يف االمتثال لنظافة اليدين من %15يف املجموعة إىل .%46.9
أنتجت عيون الذكور أيضا ً زيادة من %15إىل ( .%33.3صورة عيون األنثى لم
ٍ
تحسينات كبرية متوفرة يكن لها تأثري) .نتيج ًة لذلك ،تشري نتائج التجربة إىل أن هناك
من خالل نرش تغيري متواضع للغاية ومنخفض التكلفة.
102
مثال دراسة حالة متكاملة
تطبيق اإلقتصاد السلوكي يف التعليم عن بعد
مثال دراسة حالة متكاملة – مؤسسة نيوفريستي
103
بوصلة العملية التعليمية ،النتيجة وليس املعلومات
الّسدية
إذا كان كل ما تعرضه يف دورتك التدريبية هو عبارة عن معلومات رسدية ،فستواجه صعوبة يف
املنافسة ،وستواجه صعوبة أصالً يف إقناع الطالب بإكمال الدورة التدريبية.
مع وفرة املعلومات املجانية والدورات التدريبية املتاحة عىل اإلنرتنت اليوم فإن املعلومات هي
آخر يشء يَفتقر إليه الطالب ،حقيقة ال يحتاج الطالب إىل املزيد من املعلومات التي يمكن أن يجدوها
يف أماكن أخرى ،لن يرصف الطالب وقتا ً عىل دورة تدريبية أونالين ألنهم يريدون تعلّم موضوع
بشكل هائل يف اإلنرتنت.
ٍ معني أو تقنية معينة ،فهذا متوافر
سيقومون باتباع دورة تدريبية ألنهم يريدون تحقيق نتيجة محددة ،لتحقيق تحوّ ل ّ
معني،
للتعلّم من تجربة عملية ،وبالنسبة لهم ،فإن الدورة التدريبية حاليا ً هي مجرد طريقة لتعلم كيفية
الحصول عىل هذه النتيجة.
النتيجة هي التي يقدرونها وليس املعلومات ،وما يحتاجه الطالب حقا ً هو االنتقال من النقطة
"أ" إىل النقطة "ب" -من واقعهم الحايل إىل واقعهم املنشود -بأرسع ما يمكن وبكفاءة .إذا ً ما
يحتاجونه هو التحول .دورتك عرب اإلنرتنت هي اختصار ذلك الطريق ،بعبارة أخرى يجب أن تقدم
خارطة الطريق.
يف نيوفريستي نتبع ما ييل:
رشح تقني وإنّما ترشح كيفية تطبيقه يف الحياة العملية.
ٍ ال تُر ّكز الجلسات عىل •
يتم اختيار محارضين ذوي خربة عملية ويرشحون كيفية تطبيق املعلومات يف الحياة •
العملية وكيف استفادوا منها.
يتم ربط الربامج التدريبية بسوق العمل ،حيث هناك جلسة دوما ً بعنوان فرص العمل يف •
العالم الرقمي.
يتكلم املحارض دوما ً عن كيفية تطبيقه لألفكار وتكون الدورة التدريبية دراسة حالة •
عملية.
105
مجرد أسئلة من خيارات .
يتم تقديم الوظائف عىل شكل تمارين دراسة حالة ،وليس ّ •
106
األشخاص غالبا ً ما يشرتون دورات بنا ًء عىل الطلب عىل منصات مثل Udemyأو ،Teachable
ولكن يف بعض الدورات التدريبية ال يُسجِّ ل سوى ربع الذين اشرتوا تسجيل الدخول ملشاهدة
الفيديو األول ،رغم أنّهم دفعوا سعرها ،وذلك الطمئنانهم أنّها متاحة لألبد! بنفس الطريقة التي
ّ
املفضلة ،لكنهم ال يقرؤونها أبدا ً. بشكل مثايل كومة من مجالتهم
ٍ يراكم بها األشخاص
نحتاج غالبا ً إىل الجمع بني الدفع والشعور باإللحاح .كما يقول املثل القديم :الذي يمكن القيام
به يف أي وقت ،غالبا ً لن يتم القيام به يف أي وقت من األوقات.
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
بتواتر قليل كل شهر مرة أو كل شهرين ٍ يتم فتح الدورات •
ال يتم إعطاء أي ضمانة بإعادة الدورة التدريبية الحقا ً •
يتم الدفع بضغط نفيس للطالب من خالل إخبارهم أنّه سيتم تغيري كلمة الّس يف نهاية •
املدة
يتم إخبار الطالب بأن فرتة التمديد هي أمر صعب (رغم أننا نتساهل يف ذلك) •
107
يف برامج نيوفريستي ،تٌعقد الجلسات املبارشة التفاعلية عرب برنامج ،Zoomوهو عبارة عن
بشكل تفاعيل ّ كامل وتلقي املالحظات من الطالب.
ٍ منصة مؤتمرات فيديو ،حيث يتم إلقاء املحارضة
بعد ذلك يتم إتاحة التسجيل للمحارضة بكل الطرق املمكنة التي تجعل من ذلك األمر سهالً للطالب.
يمكن دمج منصات اجتماعية أخرى أيضا ً لدعم العملية التعليمية مثل مجموعات Facebook
و Slackو Whatsappالتي يمكنها استضافة مناقشات متزامنة مع منصات الدورة التدريبية مثل
التي توفر موارد غري متزامنة.
تساعد إضافة األحداث املبارشة الطالب عىل الشعور بأنهم جُ زء من مجتمع تعليمي أكرب
وتُضفي شعورا ً بالحيوية واإللحاح يف تجربة تعليمية لعدة أسابيعّ .
إن املزج بني الجلسات التفاعلية
شكل ممكن هو رس هام لتكون معدالت اإلكمال ٍ بكل
املبارشة والجلسات املسجلة ،وإتاحة املواد ِ
أعىل.
يمكن ملوعد وجها ً لوجه ،سوا ًء أكان ذلك شخصيا ً أم عرب مؤتمر فيديو ،أن يساعد يف جعل تجربة
الدورة التدريبية أكثر خصوصية وتحفيزاً.
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
جلسات املواد تفاعلية ومبارشة خالل موعدٍ محدد. •
بشكل كبري.
ٍ يتم إلقاء املحارضة بحيث تُراعي تفاعل الطالب •
يتم تسجيل املحارضات وإتاحتها مُسجَّ لة عرب املنصة االلكرتونية. •
يتم إتاحة التسجيالت عرب منصات أخرى مثل يوتيوب. •
يتم توظيف السوشال ميديا بما يدعم الدورة التدريبية مثل فيسبوك أو واتساب. •
يشعر الطالب خالل مشاهدة الجلسة املسجلة أنّهم يف الجلسة املبارشة وال يشعرون بامللل •
أبداً.
108
استخدام قوة ضغط األقران
يرتفع أداء الطالب حيث يشعرون أن غريهم يُقدِّم أدا ًء جيداً ،وتُش ِّكل املنافسة دافعا ً لهم بشكل أو
بآخر ،وبالتايل يجب أن يعرف الطالب تَقدُّم اآلخرين ليكون مُحمّ سا ً لهم ،من املهم خالل إعطاء
الدروس اإلشارة للطالب املُميزين مما يدفع طالبا ً آخرين لالندماج يف الجلسة والتميُّز ،ومن املهم
أيضا ً إعالن أسماء الناجحني ،وإخبار اآلخرين بأن غريهم قد سبقهم بالحصول عىل الشهادة فهذا
يدفعهم للميض ُقدما ً ملجاراته.
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
استخدام ضغط األقران خالل إلقاء املحارضة التفاعلية مما يدفع الطالب لالندماج أكثر •
بشكل عشوائي مما يدفعهم إلبقاء انتباههم عاليا ً كي ال يشعروا
ٍ طرح أسئلة عىل الطالب •
بالحرج أمام اآلخرين
تحميس الطالب من خالل إخبارهم أن أخرين قد سبقوهم بتقديم الوظائف •
مراسلة الطالب وتذكريهم أن غريهم نال الشهادة وأنهم متأخرين عنهم •
109
التواصل الدائم مع الطالب
إحدى مشاكل الدورات التدريبية املفتوحة أ ّن الطالب ال يعرفون الفائدة من الدورة التدريبية وما
النتيجة التي سيحصلون عليها ،ومن املشاكل األخرى أنّهم ال يشعرون بمتابعة شخصية وتذك ٍ
ري
دائم ،يشعر الطالب أن مهامهم ينتهي بها األمر إىل فراغ .إنهم يعملون بجد عىل املشاريع الصعبة
أو التدريبات وتحميلها عىل النظام األسايس ،لكنهم ال َ
يتلقون مطلقا ً تعليقات شخصية.
ملكافحة هذا الشعور تقوم اآلن العديد من برامج التعلم عرب اإلنرتنت بالتعاقد مع مساعد
تدريس أو مدير برنامج يمكنه شخصيا ً إرسال بريد إلكرتوني إىل الطالب إلعالمهم بأن مهمتهم قد
تم تلقيها أو تذكريهم بتقديمها ،كما يقوم بحل مشاكلهم ويذكرهم دوما ً بموعد املحارضة أوال ً بأول
للحصول عىل تجارب تعليمية أكرب عرب اإلنرتنت ،يمكنك استخدام أنظمة مؤتمتة مُساعدة ولكن ال
يزال وجود شخص حقيقي مُتا ِبع مع الطالب يقود إىل نتائج أفضل بكثري ولكن هذا مجال متزايد
بطرق مثرية لالهتمام لدعم التعلم عرب اإلنرتنت ودعم هذا
ٍ حيث يمكن تطبيق الذكاء االصطناعي
الشخص الحقيقي لتغطية أكرب عدد ممكن من املراسالت.
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
توظيف مديرة برامج بدوام كامل للرد عىل استفسارت الطالب ومتابعتهم. •
الرد عىل الطالب بّسعة ال تتجاوز 4ساعات مهما كان األمر. •
بشكل دوريٍّ بمواعيد املحارضات والجلسات .
ٍ تذكري الطالب •
تذليل العقبات امام الطالب وتمديد فرتات االمتحانات وتقديم ذلك كهدية. •
شخيص دوما ً .
ٍّ بشكل
ٍ بناء عالقة شخصية مع الطالب ومراسلتهم •
بناء قوالب مُساعدة يف عملية املراسالت بحيث يتم توفري الوقت وإظهار املراسلة بشكل •
شخيص.
وقت ممكن.أتمتة إجراءات العمل بحيث يتم حل مشاكل الطالب بأرسع ٍ •
110
البساطة
تتطلب الدورات عرب اإلنرتنت عموما ً قدرا ً من التعقيد حالياً ،من خالل طلبات التسجيل والتحقق
من التسجيل ومن ثم الدخول ملنصات الكرتونية معقدة يضيع فيها الطالب ،وغالبا ً ما يَرتك الطالب
الدورة ألنه غري معتاد عىل منصة التعليم وال يريد تجربة منصة جديدة.
لحل ذلك يجب تبسيط األمور قدر اإلمكان للطالب ،وإتاحة املوارد لهم بأكثر من طريقة دون
إجبارهم عىل طريقة معينة ،يمكن مراسلتهم عرب الربيد اإللكرتوني بموارد الدورة ،كما يمكن
وضعها عىل منصة مخصصة لذلك
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
هناك منصة مخصصة إلدارة العملية التعليمية وهي بسيطة جدا ً حتى أنّها ال تحتاج •
لتسجيل!
يتم وضع املوارد بأكثر من شكل عرب املنصة أو خارج املنصة. •
يتم مراسلة الطالب بكل الطرق املمكنة بحيث يصل كل طالب للموارد بالشكل األسهل •
له دون فرض يشء عليه.
بشكل مُسجَّ ل ،يتابع البعض التسجيل عرب
ٍ يتابع البعض املحارضة أونالين ،وآخرون •
أحيان
ٍ املنصة ،وآخرون عرب يوتيوب ،كما يتم مراسلتهم بالتسجيالت عرب االيميل ،ويف
شكل يعتقده للموارد
ٍ ِ
بأبسط أخرى عرب فيسبوك أو واتساب ..وهكذا يصل كل شخص
دون إجباره عىل طريقة ما.
وجود جائزة
تتطلب الدورات عرب اإلنرتنت عموما ً قدرا ً كبريا ً من الدوافع الذاتية إلكمالها .يجب أن يكون هناك
بنجاح وحماس.
ٍ مكافأة كي ينهي الطالب تجربة تعليمية
ليس من الّضوري أن تكون الجائزة مبلغا ً ماديا ً وإنّما يمكن أن تكون منحة مجانية أخرى يف
دورة تدريبية أخرى ،أو يمكن أن تكون الشهادة هي الجائزة ،أو أي يش ٍء آخر يمكن أن يُقدره
111
الطالب بحيث يشعرون بالفخر أنهم حصلوا عليه ،يمكن املشاركة مع أرباب العمل أو املمولني
ٍ
بأدوات وموارد من العالم الحقيقي لتحويل أعمالهم الدراسية إىل منتجات وخدمات لتزوي ِد الطالب
فعلية ،وتقديم جوائز مجانا ً لهم.
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
وضع مكافأة يف نهاية الدورة التدريبية وهي شهادة يف حال اجتياز اإلختبار. •
وضع مكافأة تشجيعية ،وهي دورة تدريبية مجانية متقدمة مجانا ً ملن ينال الشهادة. •
يجب تصميم العملية التدريبية بأن تُراعي الفروقات ضمن املجموعة وأن ال تُظهر انحياز
ملجموعة دون أخرى ،مثالً يجب أن يتم وضع توقيت املحارضات ضمن املراسالت بتوقيت غرينتش
باإلضافة لتوقيتات محلية مُختارة بعناية ال تستقيص أحداً ،كما يجب إضافة موارد إضافية داعمة
للدورة التدريبية بحيث يُشكل إثرا ًء مُهما ً للطالب املتقدمني فعالً ،وقد تكون اختيارية للطالب
العاديني.
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
يتم مراعاة التوقيت بحيث يناسب أكرب عد ٍد ممكن من الطالب يف الجلسات التفاعلية بنا ًء •
استبيان مُسبق لهم.
ٍ عىل
يتم مراسلة الطالب بمعلومات ال تُميِّز بني أماكن إقامتهم ،ويتم استخدام توقيت غرينتش •
كمعيار باإلضافة لدول مختارة بعناية بحيث ال تُظهر انحيازاً.
112
يتم اضافة موارد داعمة تُراعي سويات الطالب املتقدمة. •
ٍ
تفاوت كبري يف يتم استهداف الطالب ذوي املعلومات األساسية بحيث ال نحصل عىل •
املجموعة ،مثال استهداف طالب الجامعات يف فروع االقتصاد ،اإلدارة ،املعلوماتية..
اجلودة ثم اجلودة
ال يمك ُن إغفال الجودة يف رفع مستويات اإلكمال لدى الطالب ،ال يمكن لوم سلوكيات الطالب
فحسب ،وإنّما يجب التشديد أيضا ً أ َّن جودة املادة التعليمة وجودة التجهيزات هي عامل مهم للغاية.
كلّما زاد االهتمام بالتفاصيل كلما شعر الطالب بأهمية الجهد املبذول ويُش ِّكل ذلك دافعا ً مهما ً
له .تلعب التجهيزات التقنية دورا ً هاما ً دوماً ،نوع املكروفون ،الكامريا ،رسعة اإلنرتنت ،نوع
الربنامج ا ُملستخدم يف التواصل ،باإلضافة لجودة املادة العلمية والعروض التقديمية ،وأخريا ً سويّة
املحارض األكاديمية وخربته العملية ،ونُشدِّد هنا عىل خربته العملية ألن الهدف النهائي هو أن يشع َر
مكان عىل أيةِ حال
ٍ الطالب بفائدة ما يتعلمه وليس باملعلومات فحسب ألن املعلومات موجودة يف كل
يف نيوفريستي نقوم بما ييل:
االهتمام بالتفاصيل الدقيقة مثل ِبدء املحارضة عىل موعدها ،عدم تجاوزها للوقت املحدد، •
عدم فتح باب الجدال يف املحارضة بني الطالب.
التفاصيل التقنية :مكروفون جيد عازل للضجيج ،كامريا احرتافية ،إضاءة جيدة ،انرتنت •
رسيع.
التفاصيل الفنية :يقوم املحارض بالتحضري املسبق وتجهيز نفسه. •
املادة العلمية :تنسيق احرتايف للمادة العلمية بحيث تكون جذابة والفتة لالنتباه وبحيث •
ترتك املحارض أن يقود الجلسة عوضا ً من أن تقوده.
113
اخلالصة
إ َّن تطبيق تلك الخطوات سويّة ،باإلضافة إىل جودة الدورة التعليمية أدى إىل قفزة هائلة يف معدالت
بشكل
ٍ اإلكمال يف نيوفريستي ،وما يمكن إضافته هو أتمتة اجراءات العمل بحيث يتم تّسيع العملية
بشكل مؤتمت ،ومن
ٍ داعم ،حيث يقوم الطالب بالتسجيل ومن ثم الحصول عىل معلومات الدخول
بشكل مؤتمت كامل ،بما يعني إمكانية إعطاء دورات ٍ ث ّم إجراء االمتحانات والحصول عىل الشهادة
بشكل متزامن.
ٍ تدريبية جماعية ألعدا ٍد هائلة
نعتقد أنَّنا يف نيوفريستي قمنا بتجاوز مشكالت املقررات التدريبية عرب االنرتنت الحالية وقمنا
بالتصدي ملا واجهته من عثرات وصوال ً لنموذج يستحق التعميم.
114