You are on page 1of 36

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬

‫الذ‬ ‫ين‬ ‫ِّ‬


‫الد‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ‬
‫أ َُه َو ْ‬

‫***‬ ‫***‬

‫‪PART-08‬‬
‫مراحل استحالة العقلية من اإلسالم إىل املسلمانية‬
‫)‪Phases Mental change From Islam to Muslumanism (Müslümanlık‬‬

‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
‫‪Copyright©2018 by‬‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬
‫‪feriduddin@gmail.com‬‬

‫إسطنبول‪2018-‬م‪.‬‬

‫دار العِرَب للطباعة والنشر‬

‫‪al_ibar.publishing@yahoo.com‬‬
‫مراحل استحالة العقلية من اإلسالم إىل املسلمانية‬

‫قد وردت تعريفات خمتلفة ملفهوم (العقليَّ ِّة) على لسان خرباء ِّ‬
‫اللغة‪ .‬أما تعريفها الذي اقرتبت‬
‫تلخيصهُ على النحو التايل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫آراؤهم فيه‪ ،‬فيمكن‬

‫الناس من العاطفة‪ ،‬واملتعة‪ ،‬واملثالية‪ ،‬والتفاهم‪،‬‬ ‫عما تَشرتك فيه أكثريةُ ِّ‬ ‫العقليةُ‪ :‬مصطلح يُ َع َّربُ به َّ‬
‫ِّ‬
‫واالجتماعية‬ ‫ِّ‬
‫السياسية‬ ‫آباثره على احلياةِّ‬
‫اجملتمع ِّ‬
‫ِّ‬ ‫والتفكري اجلماعي‪ ،‬وميثِّ ُل قامسًا مشرتًكا بني أفر ِّاد‬
‫ص َّد ُق عندما نفحص‬ ‫ِّ‬
‫واالقتصادية والدينية‪ ...‬وانطالقًا من هذا التعريف‪ ،‬فإننا نشاه ُد تناقضات ال تُ َ‬
‫عقليات اجملتمعات اليت تتظاهر حتت اهلوية اإلسالمية اليوم؛ وعندما نقارن بني اجملتمعات اإلسالمية‬
‫اليوم على قيد الوجود‪ ،‬نشاهد فجوات عميقةً وفوار َق رهيبةً بينهما على‬ ‫ال َ‬ ‫ت واليت ال تز ُ‬ ‫اليت َخلَ ْ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫اليوم بدعوى‬
‫َ‬ ‫الناس‬
‫ُ‬ ‫ميارسها‬
‫ُ‬ ‫إن احلياةَ الدينيةَ اليت‬ ‫املستوايت العقليَّ ِّة والسلوكيَّ ِّة‪َّ .‬‬‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫احملمدية قبل‬ ‫األو ُل ِّ‬
‫لألمة‬ ‫اجليل َّ‬ ‫كياتم‪ ،‬فهي وال َّ‬ ‫ويستعرضوهنا بسلو ِّ‬
‫متاما مما كان عليه ُ‬ ‫ختالف ً‬ ‫ُ‬ ‫شك‬
‫ِّ‬
‫والتشويه‬ ‫ِّ‬
‫التحريف‬ ‫واملفاهيم اإلسالميةُ إىل حدود تثري الدهشة من‬ ‫قرن‪ .‬ولقد بلغ ِّ‬
‫القيَ ُم‬ ‫أربعة عشر ً‬
‫ُ‬
‫ظهرت على ِّ‬
‫أنقاضه داينت بديلة عنه‬ ‫ْ‬ ‫احلنيف يتبلور مبعالِّ ِّم ِّه يف ِّخ َ‬
‫ض ِّمها‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫الدين‬
‫حيث ال يكاد ُ‬
‫أرجاء الوطن اإلسالمي الكبري‪ .‬وعلى سبيل‬ ‫(وعلى حسابه!) حتت أمساء خمتلفة وأشكال متباينة يف ِّ‬
‫الرتكِّيَّةَ )‪ (Müslümanlık‬وما انبثق منها حتت شعار الصوفية من تيارات شبه‬ ‫ِّ‬ ‫املثال‪َّ :‬‬
‫فإن ال ُْم ْسلُ َمانيَّةَ رْ‬
‫متاما‪ ،‬مثل‬
‫وتطور كداينت مستقلة ً‬ ‫رس وما تفرع منه َّ‬ ‫الشيعي الذي اختلق ْتهُ الف ُ‬
‫َّ‬ ‫واملذهب‬
‫َ‬ ‫سرية؛‬
‫ت عنها اإلابضيةُ‬
‫تشعبَ ْ‬ ‫ِّ‬
‫والزيدية ِّ‬
‫وغريها؛ كذلك اخلارجيةَ العربيةَ اليت َّ‬ ‫ص ِّْرييَِّّة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫اإلمساعيلية‪ ،‬والنر َ‬
‫ب إىل اإلسالم دون أي مربر‪.‬‬ ‫َّ ِّ‬
‫نس ُ‬
‫والتنظيمات التكفريية‪ُ ،‬كلها ُمتث ُل هذه الفوضى اليت تُ َ‬
‫ُ‬ ‫والوهابيةُ‬

‫مر القرون‪،‬‬ ‫لضرابت قاصمة على ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ض‬ ‫تدل على َّ ِّ‬ ‫هذه اإلستحالةُ اليت ر‬
‫تعر َ‬‫احلنيف قد َّ‬
‫َ‬ ‫ين‬
‫أن الد َ‬
‫ِّ‬
‫واملسيحية‬ ‫ِّ‬
‫اليهودية‬ ‫سة من‬ ‫هجمت عليه جراثيم ِّ‬
‫الوثن‪ ،‬كما زاحتمْتهُ سيل من معتقدات مقتَ بَ َ‬ ‫العهد ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬
‫فرق ْتهُ إىل‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم وأهنك ْتهُ مثَّ َّ‬ ‫صفوف اجملتمع‪ ،‬ففتكت ِّ‬
‫جبسم‬ ‫ِّ‬ ‫والداينت اهلنديَِّّة بفعل املدسوسني يف‬
‫ِّ‬
‫الصوفية‪ ،‬فانقلبت األمةُ جراءها إىل فِّ َرق وأحزاب‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واملذاهب والطر ِّ‬
‫ائق‬ ‫ِّ‬
‫الداينت‬ ‫أشكال غريبة من‬
‫َّض هذا التف ركك عن تبعات وعواقب خطرية أمهها‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ضها البعض‪ ..‬لقد متخ َ‬ ‫يذبح بع ُ‬
‫تتناحر اليوم‪ُ ،‬‬
‫ختالف العقليةَ الوسطية‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬إمنا جاءت بعقلية جديدة‬ ‫ِّ‬ ‫كل داينة قامت مجاعة ابختزاهلا من‬ ‫َّ‬
‫نفسه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الناس إىل االىستقامة هبا‪ .‬فصار كل حزب يرى َ‬ ‫احلنيف ويدعو َ‬ ‫ُ‬ ‫ين‬
‫ينصح هبا الد ُ‬‫ُ‬ ‫السليمةَ اليت‬
‫الباطل‪ ،‬كما قال تعاىل‪" :‬فَتَ َقطَّعُوا أ َْم َرُه ْم بَ ْي نَ ُه ْم ُزبُ ًرا ُك رل ِّح ْزب ِّمبَا‬
‫ِّ‬ ‫اب على‬ ‫احلق‪ ،‬وبقيةَ األخز ِّ‬
‫على ِّ‬
‫اب كلَّهم ك َفار‪ ،‬وخونة‪،‬‬ ‫اد ب ِّ‬
‫قية األحز ِّ‬ ‫كل حزب‪ :‬أ َّن أفر َ‬ ‫لَ َديْ ِّه ْم فَ ِّر ُحو َن‪ ".‬فضالً عما يرى أفر ُ‬
‫اد ِّ‬ ‫‪1‬‬

‫مجيعا‪ ...‬وهذا ما‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬


‫واستئصال شأفتهم‪ ،‬وإابدتم ً‬ ‫بد من قتلِّهم‪ ،‬والفتك هبم‪،‬‬
‫ومنافقو َن‪ ،‬وأع َداء ال َّ‬
‫اجليل‬ ‫حيدث اليوم على أرض الواقع فعالً‪ ،‬ويربهن بكل وضوح على أن العقليَّةَ اليت كان يتَّ ِّ‬
‫ف هبا ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫َ‬
‫ت‪.‬‬‫متاما واضمحلَّ ْ‬
‫اختفت ً‬
‫ْ‬ ‫األمة احملمديَِّّة قد‬
‫األو ُل من ِّ‬
‫َّ‬

‫انتهاء العهد الر ِّ‬


‫اشد ِّي‪ ،‬وخاصةً بعد‬ ‫ِّ‬ ‫عواقب ابلغة يف اخلطورة بعدع‬ ‫التغري اجلاهلِّ ِّي‬
‫لقد كان هلذا رِّ‬
‫ُ‬
‫ابلدولة يف بعض املراحل الزمنية إىل‬‫ِّ‬ ‫األمر‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ظهور ال ُْم ْسلُ َمانيَّة ‪ ،Müslümanlık‬حيث كان تنتهي ُ‬
‫الفناء‪ ،‬كاليت تعرضت هلا الدولةُ السلجوقيةُ األنضوليةُ إذ أهن َك ْتها اجلماعةُ القلندريةُ الصوفيةُ‬ ‫كارثة ِّ‬
‫ِّ‬
‫اجملتمع الرتكي يومئذ؛ ف ِّ‬
‫قطعت العالقةَ اليت كانت تربط‬ ‫ِّ‬ ‫العقلية السائدةِّ يف‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ابلقضاء على‬ ‫أوالً‬
‫ِّ‬
‫نشاطات القلندريني امللحدين‪ ،‬فلم يعد أحد‬ ‫الناس عن دولتهم على أثر‬‫املواطنني ابلدولة‪ ،‬فتخلى ُ‬
‫ِّ‬
‫النخبة‬ ‫ِّ‬
‫وعقلية‬ ‫اجملتمع‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫عقلية‬ ‫منهم ينصرها أمام هجمات املغول بسبب الفجوة اليت حصلت بني‬
‫نصرتا‪ ،‬بل انضموا إىل صفوف القلندرية املتمردةِّ على السلطة‬ ‫ِّ‬ ‫السياسي ِّة‪ ،‬فتقاعسوا عن‬
‫السلجوقية‪ ،‬أايم هجوم التااتر عليها يف موقعىة (كوساداغ ‪ )Kösedağ‬فحارت القوات السلجوقية‬
‫ِّ‬
‫الدولة يف فرتة قصرية‪ ،‬وتركت‬ ‫بني اخلصمني (القلندرية واملغول) حيث عاجلتها اهلزميةُ فاهنارت أركا ُن‬
‫قامت على أنقاضها‪.‬‬
‫مكاهنا إلمارات صغرية ْ‬

‫***‬

‫للا تعاىل‪ ،‬وصفاتِِّّه األزلية‬ ‫ذات ِّ‬ ‫رد من سن ِّة احلياةِّ‪ ،‬لذا‪ ،‬ك رل شيء (سوى ِّ‬ ‫والتحو َل والتجد َ‬
‫ر‬ ‫رل‬
‫إن التبد َ‬
‫وسنَّتِّ ِّه الفطرية العامليَّ ِّة) ك رل شيء معرض للتبديل‬ ‫َّسة‪ُ ،‬‬
‫األبدية‪ ،‬وأمسائِِّّه العظيمة‪ ،‬وكلماتِِّّه املقد ِّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ات‪ 2".‬و" َال تَب ِّد ِّ‬ ‫والتغيري‪َ " .‬ال تَ ْب ِّديل لِّ َكلِّم ِّ‬
‫يل لسنة للا‪ .‬قال تعاىل‪ُ " :‬سنَّةَ‬ ‫يل خلَل ِّْق للا‪ ".‬أي َال تَ ْبد َ‬
‫‪3‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫ت ِّم ْن‬ ‫اّلل تَب ِّديالً‪ 4".‬وقال تعاىل‪" :‬سنَّةَ َِّّ‬
‫اّلل الَِّّيت قَ ْد َخلَ ْ‬ ‫ُ‬
‫اّلل ِّيف الَّ ِّذين َخلَوا ِّمن قَ بل ولَن ََِّت َد لِّ ِّ ِّ‬
‫سنَّة َّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ْ ُْ َ ْ‬
‫َِّّ‬

‫املؤمنون‪53 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫يونس‪64 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الروم‪30 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫األحزاب‪62 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫سنَّتِّنَا‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫اّلل تَب ِّديل‪ 5".‬وقال تعاىل‪" :‬سنَّةَ من قَ ْد أَرسلْنا قَب لَ َ ِّ‬
‫قَبل ولَن ََِّت َد لِّ ِّ ِّ‬
‫ك م ْن ُر ُسلنَا َوَال ََت ُد ل ُ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫سنَّة َّ ْ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُْ َ ْ‬
‫‪6‬‬
‫َحتْ ِّويل‪".‬‬

‫تتغري‪ .‬والعقليةُ متت رد‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬


‫الدين الذي ميث ُل الفطرةَ ال يتغري‪ ،‬وهو اإلسالم أب ًدا‪ ،‬وإمنا العقليةُ هي اليت ال رَ‬ ‫إن َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫والفساد ويتغري‪،‬‬ ‫الكون‬ ‫أحداث‬ ‫اإلنسان إىل‬ ‫عرب مراحل التجدد والتكامل ال َذيْ ِّن مير يف أثنائهما ُ‬
‫نظر‬
‫تغري لسبب أو ألسباب‬ ‫بد أن ت ََّ‬ ‫كما يتغريُ مواقِّ ُفهُ منها‪ ،‬واعتباراتُهُ وتقييماتُهُ هلا‪ ...‬وإذًا ك رل عقلية ال َّ‬
‫فإن التغيريات الطارئة على العقليات َتُ رم كالا من‬ ‫نتائج اجتماعيَّة ُمتَ نَ ِّو َعة‪ .‬لذلك‪َّ ،‬‬
‫فتتمخض عن َ‬ ‫َ‬
‫أصحاب اإلختصاصات‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫املؤرخني وعلماء االجتماع إىل حد كبري‪ ،‬قبل أن َتُ َّم بقيةَ اخلرب ِّاء من‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫عقليات‬ ‫ِّ‬
‫سلسلة‬ ‫آخر حلقة ُمتُ َدلِّيَة من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كل جمتمع من اجملتمعات املعاصرة إمنا هي ُ‬ ‫والشك َّ‬
‫أن عقليةَ ِّ‬
‫أسالفِّ ِّه املنحدرةِّ عرب القرون‪ ،‬وابرزة يف ِّ‬
‫صبغة العهد الراهن‪.‬‬

‫تغري متكن املؤرخون من‬


‫كل ر‬ ‫من صفحاتِِّّه َّ‬
‫قصةَ ِّ‬ ‫للواقع قد َس َّج َل ‪-‬وال حمالةَ‪ -‬ض َ‬
‫ِّ‬ ‫املطابق‬
‫َ‬ ‫إن التاري َخ‬
‫كانت مبعثرةً يف بطون مؤلَّفاتم على كثرتا‪ ،‬ومهما كانوا خمتلفني يف صورة‬‫ضبطها بتفاصيلها‪ ،‬وإن ْ‬ ‫ِّ‬
‫املسجلَةُ‬
‫َّ‬ ‫احلقائق‬
‫ُ‬ ‫تتغري هذه‬
‫ثبوت الصخور الراسيات‪ ،‬فلن ََّ‬
‫نقلها‪ ،‬وقد ثبت ك رل صغري وكبري منها َ‬
‫شك أي ِّ‬
‫مزور يقوم بتغيري شيء‬ ‫جهودهم على تشويهها‪ ،‬كما سوف يفتضح وال َّ‬ ‫َ‬ ‫وإن بذل ِّ‬
‫احملرفون‬
‫منها ولو بعد قرون‪ ،‬ويتم إدانتُهُ من قِّبَ ِّل السلطات العلمية‪.‬‬

‫وب الشرق أوسطيَّةَ ويف مقدمتها األتراك‪ ،‬يكرهون أ ْن يتعرفوا على‬ ‫على رغم ذلك َّ‬
‫فإن الشع َ‬
‫ماضيهم‪ ،‬لسببني‪َّ :‬أوهلما أن األتراك خباصة‪ ،‬مل يهت رمو بكتابة التاريخ من قدمي الزمان‪ ،‬فإذا عثروا‬
‫القصةُ‬
‫على قصة ألسالفهم كتبها مؤرخ من غري قومهم وفيها ما اليُرضيهم‪ ،‬ال يثقون به وإن كانت َّ‬
‫أن اترخيهم كتاريخ أي أمة قد سج َل ما هلم وما عليهم‪ .‬لكنَّهم‬ ‫مطابقةً للواقع‪ .‬والسبب الثاين‪َّ :‬‬
‫ني بكرامتِّهم مما تلبَّس ْ‬ ‫ِّ‬
‫ت به طائفة من أسالفهم‪ .‬فعلى سبيل املثال‪،‬‬ ‫يكرهون أن يطَّلعوا على ما يَش ُ‬
‫الرتكِّيَّ ِّة‪ ،‬فال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫معظم األحداث اليت يشتمل عليها اتري ُخ الدولة السلجوقية رْ‬ ‫احلكومات الرتكيةُ َ‬
‫ُ‬ ‫تتجاهل‬
‫السالجقة فحسب‪ ،‬و ُتم ُل ما يف اتريهم من‬ ‫ِّ‬ ‫شاه َد من ِّ‬
‫أجماد‬ ‫تُذ َكر يف الكتب املدرسية منها إالَّ م ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان الرتكي‪ .‬فعلى سبيل املثال‪ :‬إ َّن اللغةَ الفارسيةَ كانت‬ ‫ِّ‬ ‫ضمري‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ائم وإمور يُ ْؤملُ‬
‫اضطراابت وهز َ‬
‫ت يومئذ‪ ،‬فلم تكن صاحلةً‬ ‫ض َج ْ‬ ‫هي اللغةَ الرمسيةَ للدولة السلجوقِّيَّ ِّة‪َّ ،‬‬
‫ألن اللغةَ الرتكيةَ مل تكن قد نَ ِّ‬

‫الفتح‪23 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫اإلسراء‪77 :‬‬ ‫‪6‬‬


‫مهام الدولة‪...‬‬‫وانتفاء املصطلحات الالزمة فيها لتسجيل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫لضبط دوادين الدولة لفقرها الثقايف‪،‬‬
‫الدولة السلجوقية‪( ،‬وهم الْ َقلَْن َد ِّريرون) كانوا مالحدةً‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مجاهري غفريةً من رعااي‬ ‫وكمثال اثن‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫َ‬
‫اجليوش السلجوقيَّةُ يف‬
‫ُ‬ ‫سنِّيَّ ِّة" وهي دولتهم‪ ،‬يف احلني الذي كانت‬ ‫فهجموا على الدولة السلجوقية "ال ر‬
‫واهنزمت جيو ُشها‪ ،‬الحنصارها بني‬ ‫فاهنارت الدولةُ ْ‬ ‫أرضها‪،‬‬ ‫املغول من ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫دفع‬ ‫جب َه ِّ‬
‫ات ال ِّ‬
‫ْ‬ ‫حتاول َ‬‫قتال ُ‬ ‫ََ‬
‫الدفاع يف مواجهة القلندريني واملغول‪ .‬مثَّ حتولت القلندريةُ مع الزمان‬ ‫ِّ‬ ‫عجزها عن موا ِّ‬
‫صلة‬ ‫اجليشني‪ ،‬ول ِّ‬
‫الن ُربْ َع اجملتمع الرتكي يف‬ ‫اشيَّ ِّة)‪ُ ،‬متَثِّ ِّ‬
‫ضها ب (الْبكْتَ ِّ‬‫ضها ب (العلوية)‪ ،‬وبع ُ‬ ‫اليوم بع ُ‬
‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫عر ُ‬
‫إىل مجاعات تُ َ‬
‫أن الدولةَ السلجوقِّيَّةَ كانت سلطنةً اتبِّ َعةً لدولة (اخلالفة العباسية)‪،‬‬ ‫الوقت الراهن‪ .‬وكمثال اثلث‪َّ :‬‬
‫إن احلكومات‬ ‫ومل تستقل عنها إالَّ بعد سقوط العباسسني عقب استيالء املغول عليها يف ‪1258‬م‪َّ .‬‬
‫االطالع‬
‫ِّ‬ ‫الرتكِّ َّي عن‬
‫اجملتمع رْ‬
‫َ‬ ‫الرتكية تتجاهل هذه احلقائق التارخييةَ وعشرات من أمثاهلا‪ ،‬وحتظر‬
‫مات هذه‬ ‫مقو ِّ‬
‫أهم ِّ‬ ‫القومية املعاصرةِّ‪ .‬ذلك من ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫السلبية على العقلية الرتكي ِّة‬ ‫ِّ‬ ‫تفاداي لتأثري ِّاتا‬
‫عليها‪ً ،‬‬
‫هيمة دولة أجنبية على‬ ‫يصد ُق لو قد دخلت دولة تركية حتت ِّ‬ ‫يكاد ِّ‬ ‫أي إنسان تُ ْركِّي ال ُ‬ ‫العقلِّيَّ ِّة‪َّ :‬‬
‫أن َّ‬
‫عدوها يف أي معركة‬ ‫أمام ِّ‬ ‫األمة الرت ِّ‬
‫أن جيوش ِّ‬ ‫يصد ُق َّ‬ ‫مدار الدهور إطالقًا‪ ،‬كما ال ِّ‬
‫اهنزمت َ‬
‫ْ‬ ‫كية رمبا‬ ‫َ‬
‫ت يف مقربة التاريخ‪،‬‬ ‫ودفِّنَ ْ‬
‫أي دولة تركية قد اهنارت ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫يصد ُق َّ‬‫يكاد ِّ‬ ‫من قدمي الزمان إىل اليوم‪ .‬وال ُ‬
‫الضعف يف جسم دولة تركية وفقدت قوتا السياسيةَ تركت‬ ‫ُ‬ ‫بل على عكس ذلك يرى أنَّه كلما َّ‬
‫دب‬
‫أثرها‪ ،‬ورفعت رايتَها‪ ،‬واتبعتها لتحقيق أجماد جديدة إىل قيام‬ ‫مكاهنا لدولة جديدة قامت على ِّ‬
‫فول‬ ‫ِّ‬
‫لوجودمها‪ ،‬وال أُ َ‬ ‫ض ِّم ْح َ‬
‫الل‬ ‫زوال وال ا ْ‬ ‫أن األمةَ الرتكيَّةَ ودولتَها أبديَّتان ال َ‬ ‫الساعة‪ .‬ومعىن ذلك َّ‬ ‫ِّ‬
‫لشمسهما أب ًدا! كما جاء يف مقولة لطائفة من النقشبنديِّني األتراك »‪.«Devlet-i ebed müddet‬‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫اعةً َوَال‬ ‫َجل فَِّإذَا َجاءَ أ َ‬
‫َجلُ ُه ْم َال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬ ‫عارض مع قوله تعاىل‪َ " :‬ول ُك ِّل أ َُّمة أ َ‬
‫وهذا يت ُ‬
‫‪7‬‬
‫يَ ْستَ ْق ِّد ُمو َن‪".‬‬

‫أن صناعةَ‬ ‫إن هذا املوقف من التاريخ قد أسفر عن عقلية سائدة يف اجملتمع الرتكي جعلتهم يعتقدون َّ‬
‫أن هذه ِّ‬
‫اخلاصةَ وإن كانت راسخةً فيهم‬ ‫ِّ‬
‫األقوام‪ ،‬كما يعتقدون َّ‬ ‫خاصيَّة ينفردون هبا دون ِّ‬
‫بقية‬ ‫ِّ‬
‫األجماد ِّ‬
‫رمزا‬
‫دل على ذلك اختاذُ ُهم من التكبري (للا أكرب) ً‬ ‫اإلسالم قد أكسبها قوةً‪ ،‬ي ر‬ ‫َ‬ ‫قبل اإلسالم‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن‬
‫رمزا للقومة الرتكية‬ ‫ِّ‬
‫صا لإلعالن عن الغلبة وهتافًا يف الصولة واجلولة‪ .‬كما جعلوا من األذان ً‬ ‫خا ا‬
‫ط العلم! ‪Ezan susmaz,‬‬ ‫يسكت األذا ُن‪ ،‬ولن يهب َ‬
‫َ‬ ‫كي يف ُهتَافِّ ِّه ْم‪" :‬لن‬‫يذكرونه مع الْ َعلَ ِّم الرت ِّ‬
‫الصلة بني ماضيهم وبني جيل الصحابة والتابعني ِّ‬
‫اترخيياا‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،"bayrak inmez‬لكنهم يتجنَّبون عن ِّ‬
‫مد‬
‫حياتم كلَّها كانت صلوات‪ ،‬ودعاءُ‪،‬‬ ‫أن َ‬ ‫بدافع هذه العقلية‪ ،‬بل يعتقدون يف جيل السلف الصاحل َّ‬

‫األعراف‪34 :‬‬ ‫‪7‬‬


‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫القرآن آنءَ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وحج وقضاءُ ِّ‬
‫النهار‪ ،‬والبكاءُ‬ ‫اف‬
‫الليل وأطر َ‬ ‫الوقت يف املساجد‪ ،‬وتالوةُ‬ ‫معظم‬ ‫وصيام‪ٌّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫والسواك‪ ،‬وتشييع اجلنائز‪ ،‬وذبح األضاحي‪ ،‬إىل غري ذلك‬ ‫ِّ‬
‫والعمامة‪،‬‬ ‫واالشتغال ابللحيَّ ِّة‬
‫ُ‬ ‫يف أثنائِّها‪،‬‬
‫أشكال العبادات واملناسك‪...‬‬ ‫ِّ‬ ‫من‬

‫الواقعي‪ ،‬وجعل ْتهم يتسلَّو َن‬


‫ِّ‬ ‫حماولة التعر ِّ‬
‫ف على ماضيهم ابملعىن‬ ‫ِّ‬ ‫هذه العقليةَ هي اليت عرقلْتهم يف‬
‫مصدرا ابللغة الرتكية يشرح هلم ما كان عليه أسالفُهم‬
‫ً‬ ‫ابلقصص واألساطري واملالحم‪ ،‬إذ ال جيدون‬
‫ِّ‬
‫األعداء‬ ‫عادات‪ ،‬وما جرت بني قبائلهم من اقتتال‪ ،‬وما خاضوه يف مواجهة‬‫داينت ومعتقدات و ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫من‬
‫من حروب ومعارك‪ .‬فكان ذلك من أسباب الفقر الثقايف واجلهل املتفشي يف أجياهلم على ِّ‬
‫مر‬
‫ب الذي تفرقت صفوفهم من جرائه إىل أن مجعت الدولة‬ ‫القرون‪ ،‬بل ومن أسباب الشقاق والتح رز ِّ‬
‫املرحلة األخريةِّ‪ .‬إهنم عادوا خيافون اليوم من أن َّ‬
‫تتفر َق صفوفُهم‬ ‫ِّ‬ ‫العثمانية مشلَهم حتت راية واحدة يف‬
‫ط هبم األعداء من كل جانب‬ ‫مرةً أخرى وقد انقطعت صلتُهم ابلوطن األم (تركستان)‪ ،‬وأحا َ‬
‫ِّ‬
‫ابلداينة‬ ‫(اليونن‪ ،‬والعرب‪ ،‬واألرمن‪ ،‬والروس)‪ ،‬وال جيدو َن ملجأً يوفِّر هلم وح َد َتم سوى التم ر‬
‫س ِّ‬
‫ك‬
‫اطورية العثمانيَّ ِّة ُِّ‬
‫وحيلر ُه ْم‬ ‫جمد اإلمرب ِّ‬
‫مشوه يعي ُدهم إىل مستوى ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫الْ ُم ْسلُ َمانيَّة ‪ ،Müslümanlık‬واتريخ َّ ُ‬
‫مشاكل سياسيَّة جديدة تعاين من تبعاتا شعوب املنطقة حيث‬ ‫َ‬ ‫حملَّ َها‪ ..‬وهذه العقلية قد أفضت إىل‬
‫نشأت عنها حروب مذهبية وطائفية دامية بعد انفجار الربيع العريب‪ ،‬كما يدل هذا املشهد املتوتر يف‬
‫أمام التاريخ‪ ،‬وحماسبة للا أش رد وأنكى‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الوقت ذاتِِّّه َّ‬
‫شعوب املنطقة قد عجزت عن حماسبة نفسها َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬

‫شعوب الشرق أوسطية‬


‫َ‬ ‫قد يكون من املفيد التطرق إىل مشكلة مثرية‪ ،‬هبذه املناسبة؛ ذلك َّ‬
‫إن ال‬
‫(األتراك‪ ،‬والعرب‪ ،‬واألكراد‪ ،‬والظاظا‪ ،‬والرببر‪ ،‬والطواريق‪ ،‬واجملتمعات العرقية القوقازية‪،‬‬
‫واإليرانيون‪ ،‬والطاجيكيون‪ ،‬واهلزارا‪ ،‬والبشتون‪ ،‬وغريهم‪ )...‬ميتعضون عن دراسة مصادر التاريخ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ملا يتوقعون أن يعثروا فيها على ما يغيظهم من مساوي أسالفهم من مؤاورات‪ ،‬وجناايت‪،‬‬
‫وحروب‪ ،‬وعصيانت‪ ،‬وفت ضد اإلسالم احلنيف؛ وإن َتاهل هذه احلقيقةَ كثري من الباحثني‪ .‬هذا‬
‫ِّ‬
‫واألساطري شائعةً ج ًدا بني هذه اجملتمعات‪ .‬وهلذا ليس‬ ‫ِّ‬
‫اخليالية‬ ‫ِّ‬
‫القصص‬ ‫هو الدافع الذي جعل ثقافةَ‬
‫األوسط قد اعتادوا على تسلية وتدئة أطفاهلم بطريق سرد‬‫ِّ‬ ‫من الشطط أن شعوب منطقة الشرق‬
‫تبعا ملا‬
‫القصص اخليالية هلم منذ أايم الرضاعة‪ ،‬فيعتادون هم كذلك على االعتقاد خبرافات وأساطري ً‬
‫عليه آابؤهم وأمهاتم من العقلية املتخلفة‪ .‬ومن جر ِّاء ذلك فأن ماليني من "املثقفني" ممن حيملون‬
‫ِّ‬
‫أولياء األتراك‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫الشعوب يعتقدون خبرافات الصوفية وكرامات‬ ‫شهادات دكتوراه‪ ،‬من أبناء هذه‬
‫أن النخب‬ ‫ِّ‬
‫الشعوب وبالدها َّ‬ ‫حظ هذه‬ ‫ويتربكون أبضرحتهم‪ ،‬وحيذرون من لعنتهم!‪ .‬ومن ِّ‬
‫سوء ِّ‬
‫ِّ‬
‫والقضاء‬ ‫ِّ‬
‫وامللوك ومن يليهم من رجال القانون‬ ‫ِّ‬
‫الرؤساء‬ ‫السياسية القابضة على زمام األمورها من‬
‫ِّ‬
‫اجليوش‪ ،‬وحىت األطباء واملهندسني واألكادمييني ورجال األعما‪ ،‬معظمهم يعتقدون ابخلرافات‬ ‫وأمراء‬
‫واألساطري وكرامات الزندقة! أليس ذلك من مما يثري الدهشة يف ِّ‬
‫ذهن َم ْن رزقه للا العقل السليم‬
‫أهم األسباب وراء ظهور أخطر داينة سجلها‬ ‫وهداه إىل الدين احلنيف؟ ال بد أن يكون هذا أح َد ِّ‬
‫ِّ‬
‫احلنيف‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫ت خاصةً لتصفية‬ ‫اتريخ البشرية وهي الداينةُ الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ Müslümanlık‬اليت أ ُِّعد ْ‬
‫قبل مثانية قرون‪.‬‬

‫أثرا‬ ‫ِّ‬ ‫على رغم ما يبدو َّ‬


‫أن الداينةَ ال ُْم ْسلُ َمانيَّةَ ‪ Müslümanlık‬قد ظهرت كأمر واقع وخطة مدروسة ً‬
‫قت يف مدينيت خبارى عام ‪707‬م‪ .‬ويف مدينة مسرقند عام ‪711‬م‪ .‬ينبغي اإلشارةُ‬ ‫لألواثن اليت أ ِّ‬
‫ُحر ْ‬
‫كانت هذه الداينةُ نشأت كنتيجة حلشد‬ ‫أي حكم مل يصدر بع ُد من السلطات العلميةَ‪ :‬أ ْ‬ ‫هنا إىل َّ‬
‫أن َّ‬
‫ض َّد احملتلِّني العرب للداير‬ ‫األابطيل بني تعاليم اإلسالم بصورة عفويَّة‪ ،‬أم ظهرت َك ُخطَِّّة انْتِّقامية ِّ‬
‫أن أ ااي من اإلحتمالني ال يُلغي أن تكون هذه الداينةُ تركيبًا خمتلَ ًقا أراد هبا‬ ‫ِّ‬
‫إبفساد دينهم‪ .‬غري َّ‬ ‫الرتكية‬
‫شك‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‪ .‬وال َّ‬ ‫أبسرهِّ كبديل عن‬
‫زندقة اشرتكوا يف ترتيبها وتنسيقها وترسيخها يف ضمري جمتمع ِّ‬
‫عرب ثورة ثقافيَّة‬ ‫ِّ‬ ‫السبيل إىل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حتقيق هذه املؤامرة َ‬ ‫لتمهيد‬ ‫جهودا جبارةً‬
‫ً‬ ‫بذلت‬
‫ْ‬ ‫أن هذه العصابةَ قد‬
‫أي دفاع عن الداينةَ ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ‬ ‫اإلسالم على حقيقته‪ ،‬مع ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫جاءت بعقلية رادعة لفهم‬
‫‪ Müslümanlık‬لن تنفع ِّ‬
‫ملد أدىن صلة بينها وبني االسالم أب ًدا‪.‬‬

‫الرتكِّيَّةُ) إذا‬ ‫ِّ‬


‫الفارسي‪ ،‬وال ُْم ْسلُ َمانيَّةُ رْ‬
‫ر‬ ‫إذا كانت هناك التيارات الثالث (اخلارجيةُ العربيَّةُ‪ ،‬والتشيرع‬
‫اخلارجية العربيَّ ِّة يف وقت‬
‫ِّ‬ ‫ظهور‬
‫َ‬ ‫اض؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫خمتزلَةً عن اإلسالم حبسب اإلفرت ِّ‬ ‫ات َ‬ ‫كانت هذه التيار ُ‬
‫ابن أيب طالب رضي للا عنه‪ ،‬يدل على أهنا حماولةُ التزام بتعاليم‬ ‫علي ِّ‬ ‫ِّ‬
‫خالفة ِّ‬ ‫أايم‬ ‫ِّ‬
‫مبكر‪ ،‬وابلتحديد َ‬
‫صبًا َّ‬
‫سد‬ ‫ِّ‬
‫الوسطية‪ ،‬وتع ر‬ ‫خروجا على‬ ‫القرآن أصالً‪ ،‬ولكن بغري الوجه الصحيح‪ .‬إذ اخلارجيةُ كانت‬
‫ً‬
‫ضوء األسلوب اإلرشادي للقرآن الكرمي‪ .‬لذا جيوز أن نقول‬ ‫ابب الفهم الصحيح ملفهوم التوحيد يف ِّ‬
‫َ‬
‫حضر معه يف الذهن‬ ‫ِّ‬ ‫اإلسالم‪ .‬وذلك ألنه كلَّ َما ورد لف ُ‬
‫ِّ‬
‫ظ (اخلارجيَّة) يف أي مناسبة‪َ ،‬‬ ‫خمتزلَة من‬
‫أهنا َ‬
‫مفهوم (التوحيد) مباشرةً‪ ،‬وما من شك أن (التوحيد) ميثل حجر الزاوية يف اإلسالم‪ .‬وتُذكِّ ُرن‬ ‫ُ‬
‫اخلارجيةُ ابلنزعة التكفريية اليت هي من أهم خصائص هذا التيار‪ ،‬كما تُذكِّ ُرن يف الوقت ذاته‬
‫الدينية العر ِّ‬
‫بية‬ ‫ِّ‬ ‫فإن خلفيةَ هذه احلر ِّ‬
‫كة‬ ‫اإلسالم يف مواجهة الشرك الوثن‪ .‬ولسوء احلظ‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫حبساسية‬
‫ت واجهتُها العقديَّةُ من اإلسالم‪ ،‬مل يتم دراستُها أبسلوب حتليلي ومنهجي أساسي حىت‬ ‫س ْ‬ ‫ِّ‬
‫اليت اقتُب َ‬
‫اليوم‪.‬‬
‫س َم هبا اخلارجيون من القدمي إىل اليوم‪ ،‬هي عقلية جامدة ومتحجرة تَ َرَك ْت ُه ْم يف‬ ‫َّ‬
‫إن العقليَّةَ اليت اتَّ َ‬
‫عجز عن استيعاب مفهوم التوحيد‪ ،‬فلم يتمكنوا من اجتياز عقبات التأويل املنحرف لصفات للا‬
‫اصرة عن فَ ْه ِّم الب ِّ‬
‫عد العال َِّم ِّي آلايت للا‪ ،‬دفعت هبم إىل مهاوي‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫تعاىل‪ ،‬وهي عقلية بدويَّة عقيمة وقَ َ‬
‫وألول مرة‬‫ضد أي معارض‪ ..‬ظهر اخلارجيون اترخيياا َّ‬ ‫العنف َّ‬ ‫التجسيم والتشبيه‪ ،‬كما أاثر فيهم نزعةَ ِّ‬
‫اهلامشي فلم يتمكنوا من اإلطالع على هذا اجلانب من النزاع القبلي‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫األموي‪ِّ -‬‬ ‫يف مرحلة التخاصم‬
‫ألهنم مل يكونوا يومئذ على شيء من املعرفة ابلدوافع اإلجتماعية وآاثرها يف توجيه احلياةِّ‪ ،‬فظنوا َّ‬
‫أن‬
‫األمر جمرد حرب بني الكفر واإلميان‪ ،‬فدخلوا يف متاهات وأاثروا فتنةً عمياءَ أشدها قطع مسار‬
‫اإلسالم ومتهيد السبيل لعودةِّ اجلاهلية مرةً أخرى‪ ،‬فامتدت عواقبها إىل ِّ‬
‫اليوم‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫يربهن‬
‫فحسب‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫الشعوب الشرق أوسطية اليوم‬ ‫ِّ‬
‫حساب‬ ‫س ِّجلُهُ التاري ُخ على‬
‫ع الذي يُ َ‬
‫املرو َ‬ ‫َّ‬
‫إن املشه َد ِّ‬
‫ِّ‬
‫الثالث‪ 8‬وبني‬ ‫ِّ‬
‫الصلة بني هذه الداينت‬ ‫أن َّ‬
‫مد‬ ‫أحناء هذه املنطقة من الفت‪َّ ،‬‬ ‫بكل ما جيري يف ِّ‬
‫اعتمادا على‬
‫ً‬ ‫اإلسالم مستحيل إطالقًا‪ ،‬وإ ْن تكابر املستشرقون احملليِّون عن اإلعرتاف ابألمر الواقع‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫هؤالء املستشرقني‬ ‫أن شخصيةً من‬ ‫ما يتمتعون به من حصانة مراكزهم األكادميي ِّة‪ .‬من الغريب َّ‬
‫ِّ‬
‫أوساط‬ ‫كاألستاذ أمحد ايشار أوجاك ‪ Ahmet Yaşar Ocak‬الذي يتمتع مبكانة مرموقة يف‬
‫أن هذه التيارات الثالث إمنا تُ ِّ‬
‫عربُ عن فروق بسيطة‬ ‫األكادمييني األتراك‪ ،‬يتجاهل هذه احلقيقةَ فريى َّ‬
‫التعبري عن رأيه بصيغة ملتوية يقول فيها‪َّ " :‬‬
‫إن‬ ‫َ‬ ‫يف الرؤية إىل مفهوم اإلسالم‪ .‬حياول األستاذ أوجاك‬
‫الناس إىل مفهوم اإلسالم قد ختتلف من منطقة جغرافية ألخرى‪ ،‬وقد ختتلف حىت داخل‬ ‫نظر ِّ‬‫وجهةَ ِّ‬
‫نفسها بدافع اختالف أمناط احلياةِّ االجتماعية والثقافية‪ .‬وهذا شيء طبيعي‪ .‬كما‬
‫املنطقة اجلعرافية ِّ‬
‫هو الواقع على مستوي العامل اإلسالمي اليوم إذ يتقاسم املسلمون ثالثةَ تفسريات إسالميَّة متباينة‬
‫لالسالم‪ :‬وهي اإلسالم السن‪ ،‬واإلسالم الشيعي‪ ،‬اإلسالم اخلارجي‪ 9".‬وعلى عكس ذلك‪ ،‬فإن‬
‫املذهب‬
‫َ‬ ‫وميدحهُ يف ُكتُبِّ ِّه) يصف‬
‫ُ‬ ‫العالََّمةَ األستاذ الدكتور فؤاد كوبرولو (الذي يُط ِّْر ِّيه األستاذ أوجاك‪،‬‬
‫رس مبزج العقائد الزرادشتية مع أجزاء من اإلسالم‪ ،‬وأخف ْتها‬ ‫ِّ‬
‫الشيع َّي أبنه داينة مزورة اختلق ْتها ال ُف ُ‬
‫وهي‪ :‬املسلمانية الرتكية‪ ،‬والشيعة الفارسة واخلارجية العربية‬ ‫‪8‬‬

‫‪ 9‬وهذه كلماته حرفِّيًا ابللغة الرتكية‪:‬‬


‫‪«İslâm’ın tarihsel süreç içinde farklı coğrafyalarda, hatta aynı coğrafya içinde sosyal ve kültürel‬‬
‫‪farklılıklar sebebiyle aldığı görünümler de çok tabii olarak farklılaşacaktır. Nitekim bugün İslâm‬‬
‫‪dünyası üç büyük İslâm yorumunu paylaşan bir coğrafyanın üzerinde bulunmaktadır: Sünnî İslâm,‬‬
‫‪Şiî İslâm, Haricî İslâm.» Prof Ahmet Yaşar Ocak, Türk Sufîliğine Bakışlar, s:15. İletişim yy. 2.‬‬
‫‪Publish. 1996-İstanbul.‬‬
‫ستار االسالم‪ 10.‬وقد أصاب فؤاد كوبرولو يف واقع األمر‪ .‬وهذا يستوجب التأمل والتفكري يف‬ ‫حتت ِّ‬
‫ِّ‬
‫اإلجتماعية‪ ،‬وبني‬ ‫عمق الفجوةِّ اليت تفصل بني العقيدة النقية للجيل األول من األمة وصورةِّ ِّ‬
‫حياتا‬
‫اليوم إىل االسالم وهي يف الواقع ليست من اإلسالم يف‬ ‫ِّ‬
‫نفس َها َ‬
‫نسب َ‬
‫ما عليه الف َر ُق املتياينةُ اليت تَ ُ‬
‫‪11‬‬
‫شيء‪.‬‬

‫مدارهِّ‬
‫رعا‪ ،‬قد وقعت على ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫التارخيي هلذه ِّ‬
‫الف َر ِّق اليت‬ ‫َّ‬
‫قسرا وتصن ً‬
‫انضمت إىل اإلسالم ً‬‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫سار‬
‫إن امل َ‬
‫السلطة‪ ،‬واحتالالت (حتت مسة الفتوحات!)‬ ‫ِّ‬ ‫أحداث كثرية كحروب‪ ،‬وثورات‪ ،‬وصراعات على‬
‫وحركات صوفية (يف ظاهرها) وإرهابية (يف حقيقتها‪ )...‬لذا ال ميكن اإلطالعُ على ُك ِّنه العقلية‬
‫بط بني‬ ‫تطوِّرها‪ ،‬والر ِّ‬
‫احل ر‬ ‫ِّ‬
‫والوقوف على مر ِّ‬ ‫حتليل أسب ِّاهبا‪،‬‬ ‫كشف غايتِّها إالَّ بعد ِّ‬‫اليوم و ِّ‬‫السائدة َ‬
‫واعتمادا على الدالئل‬ ‫ً‬ ‫وحاضرها عرب دراسات وحبوث على أساس املنهجية واملوضوعية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ماضيها‬
‫واحلجج والواثئق املعتربة‪ ...‬وهذا يتطلب أن تتوفَّ َر يف الباحث كفاءات متعددة‪َ ،‬كأَ ْن يكو َن ذا خربة‬
‫ِّ‬
‫األكادميية‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫األوساط‬ ‫القبول يف‬ ‫وم ْت ِّقنًا لِّلُغَات ْ‬
‫نلت‬
‫َ‬ ‫اإلجتماع‪ُ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ابرعا يف علم‬
‫وثقافة عامليَّة واسعة‪ً ،‬‬
‫ضا‬‫ابللغة الفارسيَّ ِّة أي ً‬
‫انية‪ ،‬والفرنسية‪ ...‬ويستَحسن أن يكون عارفًا ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بية واإلجنليز ِّية‪ ،‬واألمل ِّ‬
‫كاللغة العر ِّ‬
‫ِّ‬
‫أوسطية‪ ،‬وذا رصيد وافر يف اتريخ األداين واملذاهب‪ .‬لكنه من سوء‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ابلثقافة الشرق‬ ‫ِّ‬
‫القوية‬ ‫لصلتِّها‬
‫عددهم قليل جداا يف اجملتمع الرتكي‪ ،‬وهذا إمنا ِّ‬
‫ميه ُد‬ ‫العالية ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الكفاءات‬ ‫أن املتصفني هبذه‬ ‫احلظ َّ‬
‫اإلسالميَّةَ الساميةَ لتحقيق أغراضهم‪ ،‬وهم كثرة‬‫ِّ‬ ‫الفرصةَ للمتجرين ابلدين‪ ،‬والذين يستغلرون ِّ‬
‫القيَ َم‬
‫عصر الرسول عليه السالم‪ ،‬وهي قوهلم "عصر‬ ‫ضمن القطاع الشعيب احملافظ‪ ،‬هلم مقولة يصفون هبا َ‬
‫‪ 10‬وهذه كلماته ابللغة الرتكية‪:‬‬
‫‪«İrânîlik Hz. Hüseyn evlâdını Sâsânîler’in vâris ve takipçisi sayarak Ehl-i beytin hukukunu müdâfaa‬‬
‫‪perdesi altında Arap milliyetine ve İslâm dinine dehşetli darbeler vurdu ve eski bir medeniyetin‬‬
‫‪kolayca yok edilemeyeceğini, -Zerdüşt akidelerini İslâm kisvesi altına sokmak suretiyle- açıkça‬‬
‫‪gösterdi.» See: Fuad Köprülü, Türk Edebiyatında İlk Mutasavvıflar, Diyanet İşleri Başkanlığı‬‬
‫‪yayınları, 8. Baskı. S. 15. Ankara-1993‬‬

‫األو ِّل يف كتب مجاعة من املؤرخني األوائل الذين هم موضع ثقة على الصعيد العلمي‪ ،‬وهذه أمساء عدد منهم‪:‬‬ ‫أخبار ِّ‬
‫اجليل َّ‬ ‫وردت ُ‬
‫ْ‬ ‫لقد‬ ‫‪11‬‬

‫* حممد بن إسحاق بن يسار املطليب (ت‪151 .‬ه‪768/.‬م‪ ).‬كتاب املغازي‪.‬‬


‫* حممد بن عمر الواقدي السهمي األسلمي (‪ 207 - 130‬ه ‪ 823 -747/.‬م‪ ).‬كتاب املغازي‪.‬‬
‫* أبو حممد عبد امللك بن هشام املعافري احلمريي (ت‪ 213 .‬ه ‪ 828/.‬م‪ ).‬السرية النبوية‪.‬‬
‫* عبد للا بن مسلم بن قتيبة الدينوري‪276-213( ،‬ه‪889/828/.‬م‪ ).‬كتاب املعارف؛ كتاب اإلمامة والسياسة‪.‬‬
‫* أمحد بن حيىي بن جابر بن داود البالذري (ت‪279 .‬ه‪892/.‬م‪ ).‬أنساب األشراف‪ ،‬فتوح البلدان‪.‬‬
‫* أبو حنيفة أمحد بن داود الدينوري (ت‪281 .‬ه‪894/.‬م‪ ).‬األخبار الطوال‪.‬‬
‫* أمحد بن أيب يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح (ت‪292 .‬ه‪905/.‬م‪ ).‬اتريخ اليعقويب‪.‬‬
‫* أبو جعفر حممد بن جرير الطربي (‪310-224‬ه‪923-839/.‬م‪ ).‬اتريخ الرسل وامللوك‪.‬‬
‫* أبو احلسن علي بن احلسني بن علي املسعودي (‪ 346-285‬ه‪957-896/.‬م‪ ).‬مروج الذهب ومعادن اجلوهر؛ كتاب أخبار الزمان؛ الكتاب األوسط؛‬
‫كتاب التنبيه واإلشراف‪.‬‬
‫" لكنهم ليسوا خملصني يف وصف عصر النيب صلى للا عليه وسلم هبذه‬ ‫‪Asr-ı saadet‬‬ ‫السعادةِّ‬
‫التسمية‪ ،‬يربهن على ذلك ما قد صنعوا وال يزالون من أشكال التشويه يف حياة الرسول وصحابته‪.‬‬
‫جهاد الرسول صلى للا عليه وسلم ضد أخطر ضروب الشرك‬ ‫ِّ‬
‫إلخفاء ِّ‬ ‫أييت على رأس ذلك حماوالتم‬
‫النزعة‪ ،‬وقد انتشرت يف اجملتمع‬ ‫ِّ‬ ‫تطوَرت عبادة األواثن من هذه‬ ‫ِّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬إذ قد َّ‬ ‫الذي يتمثل يف أتليه‬
‫الرسول‬
‫ُ‬ ‫يكاد أحد منهم يفكِّ ُر فيما تكبَّ َد‬
‫حبيث ال ُ‬ ‫الناس ُ‬
‫رت على مشاعر َ‬ ‫واسعا فأثَّ ْ‬
‫انتشارا ً‬
‫ً‬ ‫الرتكي‬
‫ِّ‬
‫الرسالة‪،‬‬ ‫تبليغ‬ ‫ِّ‬
‫واآلالم يف ِّ‬ ‫طوال ثالث وعشرين سنةً من املشاق‬ ‫صلى للا عليه وسلم وأصحابُهُ َ‬
‫األواثن‪ ،‬وما نلوا من املشركني من ِّ‬
‫ألوان التعذيب‬ ‫ِّ‬ ‫للا‪ ،‬وهنيهم عن عبادةِّ‬
‫توحيد ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ودعوةِّ ِّ‬
‫الناس إىل‬
‫أرجاء الساحة الرتكية وال يُهملون قريةً منها إالَّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصوفية يطوفون بكل‬‫ِّ‬ ‫ماليني‬ ‫والنكال‪ ...‬بل إ َّن‬
‫َ‬
‫ات ِّ‬
‫العنب‪،‬‬ ‫الناس كيف كان الرسول يش رد عمامتَهُ‪ ،‬وكيف كان طريقةُ تناولِّ ِّه ِّحلبَّ ِّ‬ ‫صوا على ِّ‬ ‫دخلوها ليق ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وهل أكل البطي َخ يف حياتِِّّه‪ ،‬وكيف كان ي َقلِّم أظفارهُ إىل غري ذلك من توجيهات مقصودة ِّ‬
‫لصد‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِّ‬
‫العاملية ابملعىن احلقيقيِّ‪.‬‬ ‫شخصية الرسول ِّ‬
‫ومهام ِّه العالية وأهدافه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الناس عن معرفة‬

‫العطرةَ زاخرة إبجنازات ابهرة‪،‬‬


‫َ‬ ‫فإن حياةَ الرسول صلى للا عليه وسلم وسريتَهُ‬‫واحلال هذه‪َّ ،‬‬
‫وإنتصارات رائعة‪ ،‬وبطوالت جميدة‪ ،‬ومواقف خالدة ُح ِّف َرت يف صفاحات التاريح ابحلروف الذهبية‪.‬‬
‫وعندما يطلع اإلنسا ُن على حياته الشريفة وسلوكه املثايل بتفاصيلها يبهر ملا جيد يف شخصيته الفذة‬
‫من الشموخ والعظمة‪ ،‬ابإلضافة إىل ما يشهد له كتاب للا العزيز من جاللة القدر واملكانة الرفيعة‪.‬‬

‫قانعا‪،‬‬
‫صابرا‪ً ،‬‬ ‫عاش الرسول صلى للا عليه وسلم حياةً فطريةً خالصةً منذ طفولته رابه للا كرميًا‪ً ،‬‬ ‫لقد َ‬
‫ولسان صادقًا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وظاهرا‪ ،‬وجرأةً على صناديد الشرك‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عفي ًفا‪ ،‬شفي ًقا على خلق للا‪ ،‬ورزقه قلبًا ِّيقظًا‬ ‫ِّ‬
‫ك‬‫صادعا ابحلق والعدل واملعروف‪ ،‬وأرشده إبهلاماته اإلهلية إىل أقوم الطريق‪ ،‬فقال تعاىل‪َ " :‬وَك َذلِّ َ‬ ‫ً‬
‫ورا َهنْ ِّدي بِّ ِّه َم ْن‬ ‫ِّ‬
‫اإلميَا ُن َولَك ْن َج َعلْنَاهُ نُ ً‬‫اب َوَال ِّْ‬ ‫ِّ‬
‫ت تَ ْد ِّري َما الْكتَ ُ‬ ‫وحا ِّم ْن أ َْم ِّرَن َما ُك ْن َ‬ ‫ك ُر ً‬ ‫أ َْو َح ْي نَا إِّل َْي َ‬
‫‪13‬‬
‫ك ل ََعلَى ُخلُق َع ِّظيم‪".‬‬ ‫ص َراط ُم ْستَ ِّقيم‪ ".‬وقال تعاىل‪َ " :‬وإِّنَّ َ‬
‫‪12‬‬ ‫ك لَتَ ْه ِّدي إِّ َىل ِّ‬ ‫شاء ِّمن ِّعب ِّ‬
‫اد َن َوإِّنَّ َ‬ ‫نَ َ ُ ْ َ‬
‫واإلقناع‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫واألداء‬ ‫ابرعا يف خطابه وتعامله‪ ،‬منقطع النظري يف الذوق‬
‫ِّ‬ ‫مارس التجارة فكان لني اجلانب ً‬
‫حكيما يف تبليغ رسالته ودعوته وتعليمه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫اجلأش يف عالقاته األسرية ومع اجلوار‪ ،‬أديبًا‬ ‫ِّ‬ ‫ط‬‫هادءًا راب َ‬
‫وارا يف معاركه ونضاله‪ ،‬وفَّ َقهُ للا يف تربية جيل صاحل‬ ‫وفارسا مغ ً‬‫ً‬ ‫شجاعا على رأس جيوشه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫قائ ًدا‬
‫كل هذه‬ ‫ولكن الصوفيةَ الْ ُم ْسلُ َما َن ‪ Müslüman‬كتموا وال يزالون َّ‬ ‫َّ‬ ‫وم ْنتِّج‪...‬‬ ‫عابد جماهد‪ ،‬نري ُ‬

‫الشورى‪52 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫القلم‪4 :‬‬ ‫‪13‬‬


‫الرسول وعظمة‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أخالق‬ ‫بكل ما يف وسعهم‪ ،‬وهددوهم أ ْن يذكروا شيئًا من‬ ‫الناس ِّ‬ ‫حلقائق‪َّ ،‬‬
‫وحذروا َ‬ ‫ا َ‬
‫حط من شأنه" (على حد رأيهم أو اعتقادهم) ليجعلوا منهُ‬ ‫شأنه‪ ،‬وجهاده ونضاله‪" ،‬ألن ذلك ٌّ‬
‫ملتف بعبائِِّّه‪ ،‬قابع‬ ‫اكعا‪ ،‬ساج ًدا‪ ،‬ابكيًا‪ ،‬مبتهالً و ِّ‬
‫متضر ًعا‪ ،‬وهو ٌّ‬ ‫ِِّّ‬
‫شخصيةً خاملةً يقضي مجيع أوقاته ر ً‬
‫كار على أمتداد األايم والليايل(؟!)‬
‫اد واألذ َ‬
‫على نحية من املسجد يردد األور َ‬

‫ِّ‬
‫الرسول‬ ‫اب‬ ‫ِّ‬
‫صوفية األتراك ِّجلَنَ ِّ‬ ‫قم ِّة‬
‫رتى ين رم يف احلقيقة عن كراهية َّ‬ ‫ب َّ‬
‫أن هذا التصوير الْ ُم ْف ََ‬ ‫ال َريْ َ‬
‫مدار الزمان‬‫صفة "الوالية العظمى" على ِّ‬ ‫املتخفيةَ وراء ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ولكن هذه العصابةَ‬ ‫صلى للا عليه وسلم‪َّ ،‬‬
‫َ َ‬
‫الزندقة تظهر يف كل مرحلة زمنية تتعاقب تِّب عا) ُخت ِّفي مقاص َد َها حتت ستار ِّ‬
‫وصف َها‬ ‫ِّ‬ ‫(وهم ثلَّة من‬
‫ًَ‬
‫والرعاع الذين يستحيل عليهم أن يدركوا شيئًا من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫البسطاء‬ ‫الشك يف ِّ‬
‫نفوس ماليني‬ ‫َّ‬ ‫للنيب مبا ال يثري‬
‫اإلنسان اجلاه ِّل ونظرتِِّّه‬
‫ِّ‬ ‫عظمته عليه الصالة والسالم‪ ،‬تتناغم هذه العصابةُ (يف توجيهاتا) مع ِّ‬
‫ذوق‬
‫مفهوم العنصر‬ ‫ِّ‬ ‫اجلوفاء إىل "الشخصية املقدسة" يف عرف األتراك‪ .‬و"الشخصيةُ َّ‬
‫املقدسةُ" (يف‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫واهليئة‬ ‫ِّ‬
‫واملسكن‬ ‫ِّ‬
‫وامللبس‬ ‫واملتاع واملأوى‬
‫ِّ‬ ‫جنس ِّ‬
‫املال‬ ‫الرتكي) تتمثل يف إنسان ال يعت َّد أب ًدا بشيء من ِّ‬
‫اإلهتمام بكل هذه األمور اليت تعتمد عليها‬ ‫ِّ‬
‫للكسب؛ بل يرفض‬ ‫ِّ‬
‫والنشاط‬ ‫ِّ‬
‫واملعيشة والعمل‬ ‫والتدبري‬
‫َ‬
‫البشر لذلك ال حيتاج إىل‬ ‫ِّ‬ ‫اإلنسان بتمامها‪ .‬و"الشخصية املقدسةُ" عندهم إله على صورة‬ ‫ِّ‬ ‫حياةُ‬
‫يبتل شيء‬ ‫ِّ‬
‫البحار دون أن َّ‬ ‫اهلواء‪ ،‬ومشى على سطح‬ ‫شيء من مقومات احلياةِّ‪ ،‬فهو إذا شاء طار يف ِّ‬
‫َ َ‬
‫والرايح‪ ،‬يتصرف يف تسيري‬ ‫الوحوش‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫من جسمه‪ ،‬وقطع مسافات شاسعةً يف ملح البصر‪ ،‬تُطيعُهُ‬
‫األنبياء واملرسلني‪ ،‬تشهد على هذه العقيدةِّ مقولة هلم‬ ‫ِّ‬ ‫حداث الكون‪ ،‬فهو إذ ْن أعظم مكانةً من‬ ‫أ ِّ‬
‫خطرية أسروهُ على مدى قرون‪ ،‬إىل أن عثر عليها الباحثون وكشفوها مؤخ ًرا‪.‬‬

‫ولكن العقليةَ املنبثقةَ عنها شائعة يف اجملتمع الرتكي أبشكال من‬ ‫هذه العقي ُدة اخلطريةُ ما زالت خمفيةً‪َّ ،‬‬
‫الشذوذايتا املنحدرةِّ من عهد ما قبل اإلسالم‪َ ،‬تمعها الداينةُ ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ Müslümanlık‬وتبثها‬
‫ِّ‬
‫اجلماعات الصوفية استجابةً ملا أتتيها من تعليمات من قم ِّة "الشخصيات املقدسة" عرب قنواة ال‬
‫يقف عليها إالَّ رموز مرتبطة هبذه القمة الشبحية‪ .‬هذه العصابة إمنا متنع اجملتمع من التعرف على‬
‫بطلت ِّطلَّ ْس ُم الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة وافتضحت‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫حقيقته‬ ‫الناس إذا عرفوه على‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫الرسول‪ ،‬ألن‬ ‫شخصية‬
‫أندادا من دون للا‪ .‬كانت‬ ‫الناس ً‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫القباب الذين يتخذهم‬ ‫"الشخصيات املقدسة" املدفونون حتت‬
‫هذه خالصة أسرار املقولة املشهورة "عصر السعادة ‪ "Asr-ı saadet‬والشائعة على لسان األتراك‪.‬‬
‫نقول ابلتأكيد‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫املشف َرةِّ اليت فضحنا نبذةً من أسر ِّارها آن ًفا‪ ،‬نستطيع أن َ‬ ‫فانطالقًا من هذه املقولة َّ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫الداينة ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ Müslümanlık‬بطريق استغالل‬
‫ِّ‬ ‫ي إنسان لِّ َد ْع ِّم‬
‫كل ِّدعاية يقوم هبا أ ر‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫احلقائق ال‬ ‫ِّ‬
‫وتشويه‬ ‫ِّ‬
‫املفاهيم‬ ‫ِّ‬
‫وقلب‬ ‫ِّ‬
‫األدمغة‬ ‫ولة ِّ‬
‫غسل‬ ‫أشكال حما ِّ‬
‫ِّ‬ ‫هي شكل من‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫وقيَمه السامية إمنا َ‬
‫جماالت احلياةِّ على مستوى الساحة الرتكية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫هنار يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ليل َ‬ ‫احملاوالت مستمرةٌّ َ‬
‫ُ‬ ‫حمالةَ‪ ،‬وهذه‬
‫والستيعاب أكرب قدر من الدالئل واملعلومات عن هذه احملاوالت الدائبة‪ ،‬من الضروري متابعةُ‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫ونتائجها‬ ‫جرت على مسرح التاريخ منذ فجر اإلسالم إىل اليوم‪ ،‬ومعرفةُ أسبا ِّهبا‬ ‫ِّ‬
‫األحداث اليت قد ْ‬
‫الدينية واملذهبيَّ ِّة اليت‬
‫ِّ‬ ‫الوصول إىل أسر ِّار التيار ِّ‬
‫ات‬ ‫ُ‬ ‫ميكن‬
‫وبرويَّة‪ .‬إمنا هبذه الطريقة ُ‬ ‫تيب الزمن ِّ‬ ‫ابلرت ِّ‬
‫ظهر عدد منها الستئصال االسالم من أساسه مباشرةً (كالقرمطية‪ ،‬واالمساعيلية‪ ،‬والنصريية‪،‬‬
‫مفاهيمهُ ومصطلحاتَهُ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم واستغل‬ ‫ضها انصبغ بصبغة‬
‫والدرزية‪ ،‬والقاداينية‪ ،‬والبهائية‪)..‬؛ وبع ُ‬
‫ابلتحريف والتشويه وقضمه من الداخل‪ ،‬أري َد بذلك تدمري اإلسالم بطريقة غري مباشرة‪ ،‬ك ِّ‬
‫الداينة‬ ‫ُ‬
‫الرتكِّيَّ ِّة ‪ .Müslümanlık‬لكنه ال تتيسر هذه املعرفة ألي ابحث إالَّ إذا كان دقي ًقا‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫ومهتما ابستحالة العقليات والتغريات اليت طرأت عليها من مرحلة ألخرى‪.‬‬
‫ً‬

‫شك هو النزعةُ األمويَّةُ وما أسفر عنها‬ ‫اإلسالم وقصد َوأْ َدهُ وهو يف مهده؛ ال َّ‬
‫َ‬ ‫استهدف‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن َّأو َل تيَّار‬
‫الدفاع عن الوثنيَّ ِّة يف حماربة اإلسالِّم تعميةً‪ ،‬كطريقة‬
‫َ‬ ‫العقلية ال َقبَلِّيَّ ِّة‪ .‬وإمنا استغلَّت األسرةُ األمويةُ‬
‫ِّ‬ ‫من‬
‫ِّ‬
‫األمامية)‬ ‫ِّ‬
‫صورته‬ ‫العرب أبمجعها على اهلامشيني‪ ،‬فظهر هذا الدفاعُ (يف‬ ‫ِّ‬ ‫ِّدعائية إلاثرة قريش‪ ،‬بل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫لت إىل حرب بني الكفر واإلميان‪ ،‬واسترتت النزعةُ األمويةُ وراءَ‬ ‫حتو ْ‬
‫اجلاهلي‪ ،‬مث َّ‬
‫ِّ‬ ‫الشرك‬ ‫كعقلية‬
‫ِّ‬
‫احلقيقية بعد ِّ‬
‫مقتل عثمان بن ع َفان‪.‬‬ ‫ضوضاء هذا النز ِّاع أربعني عاما‪ ،‬إىل أ ْن ظهرت يف ِّ‬
‫صورتا‬ ‫ِّ‬
‫ً‬

‫واستيعاب تفاصيلها من خالل التاريخ‬


‫َ‬ ‫معميَ ِّاتا‪،‬‬
‫فهم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫إن انطالقةَ هذه احلركة وكيفيةَ بدئها‪ ،‬و َ‬ ‫َّ‬
‫آاثرهُ وتبعاتُهُ إىل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصادق تتسم أبمهية كبرية‪َّ .‬‬
‫ت ُ‬ ‫دام ْ‬
‫ألن انقضاض األمويني على األسرة اهلامشية قد َ‬
‫ِّ‬
‫احلرب بني الكفر واإلميان‪ .‬لقد‬ ‫رت من ور ِّاء أقنعة متباينة أشهرها قناع‬‫تنك ْ‬‫يومنا هذا‪ ،‬ولكنَّها َّ‬
‫ِّ‬
‫األحداث‬ ‫عرب حلقات متعاقبة من‬ ‫البعض َ‬
‫َ‬ ‫ضها‬ ‫نتائج غريبةً أولدت بع ُ‬
‫احلرب عن َ‬ ‫ُ‬ ‫أسفرت هذه‬
‫ْ‬
‫قرن‪ ،‬وجاء ك رل َحلَ َقة منها بعقلية جديدة استأصلت العقليةَ اليت‬ ‫عشر ً‬
‫تتكرُر منذ أربعةَ َ‬‫مازالت َّ‬
‫قبلها‪ .‬وهذه خالصة عنها ابختصار شديد‪:‬‬
‫زعيم قريش‬ ‫شئوهنا خنبة من َُتَ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫بن كالب هو ُ‬ ‫قصي ُ‬
‫ار قريش‪ ،‬فكان ر‬ ‫يدير َ‬
‫كانت مكةُ شبهَ مجهوريَّة ُ‬
‫قُب يل والدةِّ النيب عليه السالم بفرتة وهو جده اخلامس‪ 14.‬مث تبوأ ِّ‬
‫هاشم بعد أبيه عبد مناف منصب‬ ‫َْ َ‬
‫الرائسة هلذه الدولة الصغرية‪( ،‬وهو اجلد الثالث للنيب حممد عليه السالم‪ ،‬وأحد أعيان هذه‬
‫األسرةِّ)‪.‬‬
‫فوقع‬ ‫عبد مشس‬ ‫كان هاشم وأخوه عب ُد مشس توأمني‪ ،‬فلما خلف أابه حسده ابن أخيه أميةُ بن ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫ملك‬ ‫توجس منه اخلطر وجعله يف ُعه َدةِّ‬
‫بينهما تنافر‪ ،‬وقيل نفاه ع رمه هاشم إىل الشام حني َّ َ‬
‫ط نفوذَهُ‪ ،‬فتأصلت العداوةُ‬ ‫لتخلو له الساحةُ فيبس َ‬ ‫َ‬ ‫الغسانيني على أن مينعه من العودة إىل مكة‬
‫بينهما ودامت فيما بعد بني أبنائهما‪ ،‬كل طرف يرتبص ابآلخر ويراقبه وحيسب عليه أنفاسه وحتركاته‬
‫سة؛ فبينما هو يتح َّرى‬ ‫عبد مشس على منصب الرائ ِّ‬ ‫بن ِّ‬‫بن أميةَ ِّ‬
‫ليوقع به‪ .‬فاتفق أن قفز أبو سفيا َن ِّ‬
‫الناس إىل توحيد للا ونبذ األواثن والعادات‬ ‫ِّ‬
‫ذريعةً ينتقم هبا ألبيه من أحفاد هاشم ظهر حممد يدعو َ‬
‫ت له فرصةَ العُ ُم ِّر‪ ..‬وما كان منه إالَّ أ ْن‬ ‫اجلاهلية‪ ،‬فأصبحت هذه الدعوةُ ذريعةً ال نظري هلا فَ َوفَّ َر ْ‬
‫عرب ويف مقدمها جمتمع قريش لالنقضاض على حممد عليه السالم‪ ،‬وعلى املؤمنني به وهم‬ ‫اثر ال َ‬
‫أ َ‬
‫ِّ‬
‫التوحيد ضد‬ ‫معارك‬
‫وجرت حروب بني الطرفني على مدار سنوات‪ ،‬فكانت هي َ‬ ‫تطور النزاعُ‬
‫ْ‬ ‫قلة‪ .‬ف َ‬
‫الدفاع عن الوثنية يف‬ ‫َ‬ ‫معارك الثأ ِّْر من اهلامشيني مث‬
‫الوثنية يف مفهوم حممد واملؤمنني به‪ ،‬ولكنها كانت َ‬
‫مفهوم األسرةِّ األموية‪ ،‬وال شك يف ذلك بشهادةِّ املعطيات التارحيية‪ .‬استمرت هذه احلروب حىت‬
‫عاما)‪ ،‬يوم دخل اجليش‬
‫صباح اليوم احلادي عشر من شهر يناير عام ‪630‬م‪( .‬دامت ‪ً 21‬‬
‫اإلسالمي مكة بقيادة الرسول صلى للا عليه وسلم وفتحها وقضى على السلطة األموية‪.‬‬

‫ومضاعفاتا دون حبث شامل يف تفاصيل هذه الفرتةِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫وتبعاتا‬ ‫لكنه من املستحيل فهم العقلية األموية‬
‫لب على يد قاتل‬ ‫بن ِّ‬
‫عبد املطَّ ِّ‬ ‫مقتل محزةَ ِّ‬‫وما قد جرى خالهلا من أحداث كمعركيت بَ ْدر‪َ ،‬وأُ ُحد‪ ،‬و ِّ‬
‫ات اليهود‪ ...‬ذلك ليس من السهل استيعاب‬ ‫اخلندق‪ ،‬ومعاهدةِّ ا ْحل َديْبِّيَّ ِّة‪ ،‬ومؤامر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫مستأجر‪ ،‬وعزوةِّ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫اتريخ هذه الفرتةِّ والتوغر ِّل والتدبرر‬
‫مصادر ِّ‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ابإلنكباب على‬ ‫التفاصيل إالَّ‬
‫ِّ‬ ‫الوقائع من‬
‫ِّ‬ ‫ما يتعلق هبذه‬
‫ونتائجها ِّحبُْن َكة‬
‫ِّ‬ ‫بط بني ِّ‬
‫أسباهبا‬ ‫واملؤرخو َن حوَهلا من حتليالت وتقييمات‪ ،‬والر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫فيما كتبه الباحثون‬
‫َوَر ِّويَّة‪ .‬وهبذه املناسبة جيب التأ رم ُل خباصة فيما كان ميارس أبو سفيان وابنُهُ معاويةُ وزوجتُهُ هن ُد من‬
‫النيب صلى للا عليه وسلم‬ ‫العدوان السافر ِّ‬
‫ض َّد الدعوة إىل اإلسالم منذ بدايتِّها إىل أن انتصر عليه ر‬
‫أي استعداد‬ ‫ظافرا‪َّ .‬‬
‫إن أاب سفيان وأهلَه ما كانوا أب َد ْوا َّ‬ ‫يوم دخل مكةَ على رأس جيش عارم فاحتًا ً‬

‫هذه شجرة نسب الرسول عليه الصالة والسالم حسب ما جاءَ يف املصادر املعتربة‪ :‬حممد بن عبد للا‪ ،‬بن عبد املطلب‪ ،‬بن هاشم‪ ،‬بن عبد مناف‪ ،‬بن‬ ‫‪14‬‬

‫قصي‪ ،‬بن كالب‪ ،‬بن مرة‪ ،‬بن كعب‪ ،‬بن لؤي‪ ،‬بن غالب‪ ،‬بن فهر‪ ،‬بن مالك‪ ،‬بن نضر‪ ،‬بن كنانة‪ ،‬بن خزمية‪ ،‬بن مدركة‪ ،‬بن إلياس‪ ،‬بن مضر‪ ،‬بن نزار‪ ،‬بن معد‪،‬‬
‫بن عدنن‪ ،‬بن إمساعيل‪ ،‬بن إبراهيم‪ .‬قد اجتمعت كلمة املؤخني على هذه السلسلة النسبية وقد ذكرها النيب عليه السالم يف بعض أحاديثه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫مشاهري مشركي قريش إىل‬ ‫االسالم يف أي حلظة قبل فتح مكة‪ ،‬على عكس ما جلأ عدد من‬‫ِّ‬ ‫العتناق‬
‫الرسول عليه السالم وأعلنوا إسالمهم قبيل الفتح‪ ،‬أييت يف ِّ‬
‫مقد َمتِّهم خالد بن الوليد‪ ،‬وعمرو بن‬ ‫َ‬
‫العاص وعبد للا بن عمرو بن العاص‪ ...‬يبدو َّ‬
‫أن أاب سفيان وأهلَه إمنا أسرعوا إلعالن إسالمهم‬
‫صبيحةَ يوم الفتح خوفًا من أن يتعرضوا للقتل‪ ،‬وقد أمجع املؤرخون على ما كان قد انتاهبم من‬
‫مهراب من اعالن إسالمهم على كراهية منهم‪.‬‬ ‫اخلوف والذعر يف تلك اللحظات احلساسة إذ مل جيدوا ً‬
‫وهذا يع رد من أهم الدالئل على ِّ‬
‫سوء طويَّتِّهم‪ ،‬وعلى العداوة اليت أ َكنَّ ْت َها األسرةُ األمويَّةُ ضد‬
‫مقتل عثمان بن عفان‬ ‫فور ِّ‬ ‫عاما إىل أن سنحت هلا الفرصةُ مرةً أخرى َ‬ ‫اهلامشيني على مدى أربعني ً‬
‫رضي للا عنه‪.‬‬

‫ينجح يف استيعاب‬
‫َ‬ ‫مهمتِّ ِّه‪ ،‬فإنه لن‬ ‫أي ابحث مهما كان حاذقًا يف مهنتِّ ِّه‪ ،‬دقي ًقا يف تتبر ِّ‬
‫عات َّ‬ ‫َّ‬
‫إن َّ‬
‫قرن واالطالع على‬
‫جرت عرب مراحل التاريخ اإلسالمي على مدار أربعة عشر ً‬ ‫ِّ‬
‫األحداث اليت قد ْ‬
‫أسباهبا ونتائجها واقعياا‪ ،‬إالَّ بعد أ ْن يكون حميطًا بدقائق اتريخ التخاصم بني بن أمية وبن هاشم وما‬
‫انبثق عنه من عقلية التشتيت والتفكيك والتفريق‪ ...‬وقليل ما هم‪ .‬كما أنه من الصعوبة مبكان‬
‫ِّ‬
‫األحداث اليت قد وقعت خالل هذه احلقبة املديدة إىل اليوم‪ ،‬وهذه الصعوبةُ قد‬ ‫اإلحاطةُ بدقائق‬
‫لوان من الفت والشغب‪،‬‬ ‫أسفرت عن جهل مطبق على مستوى الشعوب الشرق أوسطية مما أاثر أ ً‬
‫واإلقتتال والتناحر يف هذه املنطقة كما جعل من املستحيل أن يتفاهم التجمعات العرقية والطائفية‬
‫مر القرون‪ .‬إن هذا اجلهل هو السبب‬ ‫والدينية واملذهبية اليت تكتلت يف هذه الساحة الشاسعة على ِّ‬
‫اب وأشعل نريان الفتنة بينها منذ انطالقة‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ض هذه اجلماعات والتنظيمات واألحز َ‬‫حر َ‬
‫الرئيس الذي َّ‬
‫وتتوس ُع وتُدم ُر وحترق اليابس واألخضر دون بصيص أمل يظهر يف‬
‫َّ‬ ‫تشتعل‬
‫ُ‬ ‫الربيع العريب‪ ،‬وما زالت‬
‫األفق بعودة السالم‪.‬‬

‫ِّ‬
‫والشيعة‪ ،‬والوهابيني‪،‬‬ ‫السن‪،‬‬
‫كاجملتمع ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األوسط؛‬ ‫ِّ‬
‫الفئات الدينيَّةَ واأليديولوجيَّةَ املبعثرة يف الشرق‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ِّ‬
‫والصوفية مبختلف شرائحها‪،‬‬ ‫دعى ب "االسالميني"‪ ،‬واإلخوانيني‪،‬‬
‫والسلفيني‪ ،‬والتجمعات اليت تُ َ‬
‫والفرقة الْ َعلَ ِّويَِّّة األنضولية‪ ،‬والنصريية‪ ،‬واإلمساعيلية‪ ،‬والقاداينية‪ ،‬والبهائية‪ ،‬والدرزية‪ ،‬واألاتتوركيني‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫كالعرب‪،‬‬ ‫الطوائف العرقيَّةَ؛‬
‫َ‬ ‫والبعثيني‪ ،‬والعلمانيني‪ ،‬واليمينيني‪ ،‬واليساريني‪ ،‬واإلشرتاكيني؛ كذلك‬
‫والبلوج‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ني‪ ،‬والبشتون‪ ،‬والبنجابيني‪ ،‬والسنديني‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والطوارق‪ ،‬والباكي َ‬
‫ِّ‬
‫والكرد‪ ،‬والرببر‪،‬‬ ‫والرت ِّك‪،‬‬
‫رس ر‬ ‫وال ُف ِّ‬
‫واألمياك‪ ،‬والبشائيني‪ ،‬والنورستانيني‪ ،‬وسكان ابمري؛ كل هذه الطوائف‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والطاجيك‪،‬‬ ‫واهلزارةِّ‪،‬‬
‫ِّ‬
‫االسالم وفهم تعاليمه‪ ،‬وتطبيق أمره وهنيه‬ ‫واجلماعات الدينية والعرقية خمتلفة فيما بينها يف تفسري‬
‫مسألة من مسائل العقيدةِّ‪ ،‬أو العبادةِّ‬
‫ِّ‬ ‫اختالفًا رهيبًا‪ ،‬حبيث يستحيل أن تتحد كلمتُها يف أي‬
‫تبعا لداينتا القدمية‪ ،‬وثقافاتا‪ ،‬وعاداتا‪ ...‬واألهم من ذلك أن أكرب‬ ‫ِّ‬
‫الختالف عقلياتا اليت نشأت ً‬
‫ِّ‬
‫واجلماعة" اليت ترى نفسها أهنا الفرقةُ الوحيدةُ‬ ‫طائفة من هذه اجلماعات املعروفة بسمة "أهل السنة‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ن عليه‬‫نفسها ب "الفرقة الناجية"‪ ،‬تتنك ُر ألعظم قاعدة بُِّ َ‬ ‫تصف َ‬ ‫ُ‬ ‫االسالم‪ ،‬وهي‬ ‫بتعاليم‬ ‫املتمسكةَ‬
‫الدعاء والعبادةِّ‪ ،‬وَتعل من القرآن‬ ‫ِّ‬ ‫اإلسالم وهي "مؤسسة اخلالفة الراشدة"‪ ،‬وترفض "التوقيفية" يف‬
‫كتااب لألموات يُتلى يف املسجد واملقربةِّ ال عالقة له بناحية من نواحي احلياة‪ ...‬كل ذلك‬ ‫الكرمي ً‬‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫الوثنية‪ .‬كذلك‬ ‫ِّ‬
‫اجلاهلية‬ ‫ألمو ِّي‪َ ،‬والْ ُمتَ غَ ِّذيَِّة من العقلية ال َقبَلِّيَّ ِّة‬
‫نشئ من عقليتِّها الْ ُم ْمتَ َّدةِّ من العهد ا ِّ‬
‫أثر "أهل البيت" من عرتة الرسول عليه السالم‪،‬‬ ‫الطائفة املعروفة بسمة "الشيعة" اليت تزعم أهنا تتبع َ‬
‫أصال‪ ،‬بسبب عقليتِّها ال ُْم ْمتَدَّةِّ من العهد اجملوسي‪،‬‬ ‫هي األخرى ال تؤمن هبذه القاعدة العظمى ً‬
‫أايم خالفته‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫بالد ال ُف ِّ‬ ‫الناشئة من كراهيتها للخليفة الراشد عمر بن اخلطاب الذي فُتِّ َح ْ‬ ‫ِّ‬
‫اجملوس َ‬ ‫رس‬ ‫ت ُ‬
‫يم ِّه‪ ،‬وهلاذا أطلِّ َق عليهم صفةُ "الروافض"‪.‬‬ ‫الرفض لتعالِّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫الثأر من اإلسالم وعقليةُ‬ ‫فهي إذن عقليةُ ِّ‬
‫فجملة القول‪ :‬أ َّن هذه اجلماعات ستأخ ُذ ابلعقلية األموية كمشكلة أساسية وبدون معرفة شاملة‬
‫قرن حىت عصرن‪ ،‬ويبدو مع غالب الظن‬
‫ابلعالقات بني األحداث اليت وقعت على مدار أربعة عشر ً‬
‫أن هذه ِّ‬
‫الف َر َق سوف تظل على اختالف إىل ما شاء للا‪.‬‬

‫اإلسالم‪ ،‬إذا أتم َل فيها من له ضلوع وإملام‬ ‫ِّ‬ ‫وجه الدعوةِّ إىل‬
‫كأو ِّل حتد يف ِّ‬ ‫إن العقليةَ األمويَّةَ َّ‬ ‫َّ‬
‫الف َر ِّق‬ ‫رف مجيع ِّ‬ ‫إن هذهِّ العقليَّةَ سائدة يف ُع ِّ‬ ‫ابلتاريخ‪ ،‬وجد فيها ميِّزتَني‪ :‬القبليةَ‪ ،‬واتباع دين ِّ‬
‫اآلابء‪َّ .‬‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫الرتكِّيَّ ِّة‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املختزلَة عن اإلسالم (كالوهابيَّة‪ ،‬واإلخوانيَّة) أو املختلَ َقة حلرب اإلسالم (كال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫شير َع ليسا من اإلسالم يف‬ ‫أن ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ والتَّ َ‬ ‫يدل على َّ‬ ‫شير ِّع اإليراينَّ)‪ .‬وهذا ر‬ ‫‪ ،Müslümanlık‬والتَّ َ‬
‫سة ابلعصبية اجلاهلية‪ ،‬ومتمسكة بداينت‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬
‫شيء‪ ،‬كما يدل على أن الف َر َق املذكورة آن ًفا‪ ،‬كلها ُمتَ لَب َ‬
‫إن هذه اجملتمعات كلَّها ترى القرآ َن الكرمي مبعزل عن احلياةِّ اإلجتماعية‪ ،‬تراه‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‪َّ .‬‬ ‫آابئِّها قبل‬
‫والبيوت‪ ،‬ويُتلى يف املقابر لتهدئة أرواح املويت‬ ‫ِّ‬ ‫ك به يف املساجد‬ ‫سُ‬ ‫ِّ‬
‫واإلبتهال‪ ،‬يُتَ نَ َّ‬ ‫ِّ‬
‫للدعاء‬ ‫كتااب‬
‫ً‬
‫ِّ‬
‫أن هذا املوقف من كتاب للا يعربُ عن عقلية متخلفة جاهليَّة‪ ،‬وتُنبِّ ُئ عن صلتها‬ ‫شك َّ‬‫فحسب‪ .‬وال َّ‬
‫ابلتيارات الصوفية اخلرافية املمتدَّةِّ من العهد العباسي‪ ،‬وأهنا نشأت حتت أتثريات سياستها اليت‬
‫قضت على ينابيع احلياةِّ املتفجرة من الكتاب العزيز‪.‬‬

‫***‬
‫الرسول عليه السالم من بن أمية بعد الفتح‪ ،‬وال آذاهم أبدىن كلمة رغم ما لقي منهم من‬
‫ُ‬ ‫مل ينتقم‬
‫ف‬ ‫الظلم والعد ِّ‬
‫وان أايم الدعوة يف مكة‪ ...‬بل عاملهم برفق ولطافة فائقة‪ ،‬فعهد إليهم بوظائف وأل َ‬
‫قلوهبم بزايدة أسهمهم من الغنائم‪ ،‬أراد أن يُ َه ِّد َ‬
‫ئ غيظَهم‪ ،‬فَ َر َد َع ُه ْم هكذا مبعاملته احلكيمة حىت ال‬
‫لكن بن أميةَ استرتوا وراءَ صمت غامض ِّ‬
‫وبكل‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ِّي‪َّ .‬‬ ‫جيدوا ذريعةً فيُثِّريوا هبا فتنةً يف اجملتمع‬
‫والبارح ألجل الوقيعة ابهلامشيني مىت أاتحت هلم الفرصة‪ .‬فتوفر األمن‪ ،‬وكان‬
‫َ‬ ‫السانح‬
‫َ‬ ‫لباقة يرتقبون‬
‫اإلسالمي خبري وأمور الدولة منضبطة مابني أعوام (‪632-622‬م‪ ).‬بفضل رعاية النيب صلى‬
‫ر‬ ‫اجملتمع‬
‫للا عليه وسلم للجيل األول من املسلمني وسياسته املتينة‪ ،‬وعدله‪ ،‬وإنصافه للمظلزمني‪ ،‬ورأفته‬
‫ِّ‬ ‫ابملؤمنني‪ ...‬قال تعاىل‪" :‬لََق ْد جاء ُكم رسول ِّمن أَنْ ُف ِّس ُكم َع ِّزيز َعلَْي ِّه م َ ِّ‬
‫رم َح ِّريص َعلَْي ُك ْم ِّابل ُْم ْؤمنِّ َ‬
‫ني‬ ‫اعنت ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ْ َُ‬
‫والنظام‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التاريح حبروف ذهبية‪ ،‬سادت خالهلَا الواقعيةُ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َرءُوف َرِّحيم‪َّ 15".‬‬
‫إن هذا العق َد الذي َس َّجلَهُ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫س َم‬‫املتبادل‪ ،‬والفضيلةُ يف كل جمال‪ ،‬كصورة واضحة ومشرقة للعقلية القرآنية النرية اليت اتَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ام‬
‫واالحرت ُ‬
‫ت مكانةً‬ ‫هبا الصحابةُ أبمجعهم‪َّ .‬أما هذه الفرتةُ السعيدةُ ‪ -‬وإن كانت قصرية ج ًدا ‪ -‬فقد احتلَّ ْ‬
‫مصطلح‬ ‫العاملية واإلنسانية‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬ ‫ِّ‬ ‫فريدةً يف اتريخ البشرية كمرحلة مثالية من حيث ميِّز ِّاتا‬
‫َ‬
‫الزمنية مواف ًقا ومناسبًا إذا كان‬ ‫ِّ‬ ‫"عصر السعادة ‪ "Asr-ı saadet‬قد يكون إطالقُهُ على هذه املرحلة‬
‫لتعبري عن هذه الصورة املشرقة‪ .‬لكنه ملا بُويِّ َع علي بن أيب طالب كرم للا تعاىل وجهه‬ ‫الغرض منه ا َ‬‫ُ‬
‫ات نوااي بن أميةَ تلوح يف األفق‪ ،‬وما لبث حىت انتكست‬
‫ابخلالفة يف ‪ 17‬يونيو ‪656‬م‪ .‬بدأت أمار ُ‬
‫عاما من وفاة النيب عليه السالم‪ ،‬وانكشفت سريرتم‪.‬‬
‫روح القبلية واجلاهلية والوثنية بعد ‪ً 24‬‬

‫فتمر َد على‬ ‫يوم كان واليًا على املنطقة الشامية‪َّ ،‬‬ ‫اختذ معاويةُ من مقتل عثمان بن عفان ذريعةً‪َ ،‬‬
‫ات آالف من‬ ‫صفني ذهبت ضحيتَها عشر ُ‬ ‫اخلليفة علي بن أيب طالب‪ ،‬فاندلعت بينهما حرب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫األرواح أكثر من ستني أل ًفا‪ ،‬ومن اجلدير ابلذكر أنه مل يشهد معركةَ صفني إالَّ قلة من الصحابة كانوا‬
‫احتج بقوله تعاىل " َوإِّ ْن‬ ‫مع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب‪ ،‬وامتنع جلرهم من املشاركة‪ ،‬وهلذا من َّ‬
‫َصلِّ ُحوا بَ ْي نَ ُه َما‪ 16"...‬من احتج هبذه اآلية الكرمية ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫طَائَِّفت ِّ ِّ‬
‫ليربر أن علياا‬ ‫ني اقْتَ تَ لُوا فَأ ْ‬ ‫ان م َن ال ُْم ْؤمنِّ َ‬ ‫َ‬
‫األشهاد وال يعدو قدرهُ‪ ،‬يؤكد على‬ ‫ِّ‬ ‫ومعويةَ كليهما كان على حق فقد افتضح جبهله على رؤوس‬
‫ني ا ْحلَِّق َوا ْحلَِّق‬ ‫هذه احلقيقة قاعدة عظيمة هلا أساس من الدين والعقل والفطرة‪ ،‬وهي‪َّ " :‬‬
‫أن املَْع َرَكةَ بََْ‬
‫اط ِّل الَ تَنْ تَ ِّهي‪ .‬ويستحيل أن‬ ‫اط ِّل والْب ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ني الْبَ َ َ‬ ‫ني ا ْحلَِّق َوالْبَاط ِّل الَ تَ ُد ُ‬
‫وم‪َ .‬وال َْم ْع َرَكةَ بََْ‬ ‫وم‪َ ،‬وال َْم ْع َرَكةَ بََْ‬
‫الَ تَ ُق ُ‬
‫وحسب‪َ ،‬وا ْحلَ رق يَ ْعلُو َوالَ‬
‫ُ‬ ‫يكون متنازعان كالمها على حق‪ ،‬بل أيىب احل رق إالَّ أن يكون عند أحدمها‬

‫التوبة‪128 :‬‬ ‫‪15‬‬

‫احلجرات‪9 :‬‬ ‫‪16‬‬


‫يُ ْعلَى َعلَْي ِّه‪ ".‬لذا‪ ،‬فإن الطائفةَ اليت تزعم "أن علياا ومعاويةَ كليهما كان على حق" إمنا تستغ رل صفةَ‬
‫ِّ‬
‫واجلماعة‪ ،‬وأما الرافضةُ‬ ‫واجلماعة" حكرا وظلما‪ ،‬وهي أبعد ِّ‬
‫الف َر ِّق من عقيدة أهل السنة‬ ‫ِّ‬ ‫"أهل السنة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الذين يزعمون أن احلق كان مع أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي للا عنه‪ ،‬إمنا يستغلون‬
‫ِّ‬
‫إلخفاء نفاقهم وزندقياتم‬ ‫انتمائهم الزائفة إىل هذا الصحايب اجلليل وأهل بيته الطاهرين‬
‫سنيون" والشيعةُ ال تُغن عنهم شيئًا‪ ،‬وإمنا تدل‬ ‫وأابطيلهم‪َّ ...‬‬
‫إن هذه اإلزدواجية اليت يتسم هبا "ال ر‬
‫ض ْتهم‬
‫وحر َ‬
‫مجيعا‪ ،‬وألبست علهم احلق ابلباطل‪َّ ،‬‬
‫على عقليتهم السفياين األموي الوثن اليت أربكتهم ً‬
‫على بعضهم البعض يتناحرون منذ قرون حىت أهنكتهم وجعلتهم فريسة للحلف الصلييب الصهيوين‪،‬‬
‫تتكالب عليهم القوى العوملية يف الوقت الراهن رمبا نكاالً من للا وللا أعلم مبراده‪.‬‬

‫بدأت الكوارث تنزل ابهلامشيني واحدةً تلو األخرى‪ ،‬فأغتيل علي بن أيب طالب على يد إرهايب من‬
‫سن معاويةُ سبَّه على املنابر‪ ،‬دامت هذه العادةُ إىل زمن عمر بن عبد العزيز رمحه للا‪،‬‬ ‫اخلوارج‪ ،‬مث َّ‬
‫احلسن على التخلي عن منصب‬ ‫فإبطله‪ .‬والدالئل على ذلك أكثر من أن ُحتصى‪ ،‬أ ِّ َ‬
‫ُجرب جنلُهُ‬
‫‪17‬‬
‫ُ‬
‫بن علي واثنان وسبعون من أسرته‬ ‫س ِّم يف طعامه‪ ،‬وقُتِّ َل‬ ‫ِّ‬
‫اخلالفة ملعاوية‪ ،‬مث أغتيل بِّ َد ِّ‬
‫احلسني ُ‬
‫ُ‬ ‫س ال ر‬
‫كانوا معه يف مذحبة كربالء‪ ،‬فتطورت العقليةُ األمويةُ بعد هذه الوقائع إىل عقلية جديدة جيوز‬
‫متاما فلم تبق أمامهم عقبة‪ ،‬فجاءوا بعقلية‬ ‫تسميتُها ب " عقلية القطيع"‪ ،‬ألهنم ختلصوا من اهلامشيني ً‬
‫أخرى لتنومي اجملتمع وتسيري الناس يف الالوعي‪ ،‬وتعميتهم وإلباس احلق عليهم ابلباطل‪َ ...‬حتَ َّك َم‬
‫أغلب ِّ‬
‫الناس الذين‬ ‫ُ‬ ‫بكل ما يف وسعهم‪ ،‬فأصبح‬ ‫امللوك األمويون يف نشر هذه العقلية وترسيخها ِّ‬
‫ُ‬
‫علم هلم‬ ‫ِّ‬ ‫كانوا حتت ح ِّ‬
‫سريو َن بسياسة ال َ‬
‫جمر َد آليات يعيشون حياةً موهومةً م َّ‬
‫املرحلة َّ‬ ‫كمهم يف هذه‬ ‫ُ‬
‫حبقيقة أهدافها‪.‬‬

‫لقد كانت السياسة يف العهد الراشدي ترتكز على توحيد األمة واحلفاظ على وحدتا إذ كانت غاية‬
‫اخللفاء الراشدين رضى للا عنهم تتمثل يف قوله تعاىل "إِّ َّن ه ِّذهِّ أ َُّمت ُكم أ َُّمةً و ِّ‬
‫اح َدةً َوأ ََن َربر ُك ْم‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ون‪ 18".‬أما احلكام األمويني فإهنم تبنوا العصبيةَ القرشيَّةَ يف سياستهم مما أفضى إىل املنافسة‬ ‫فَا ْعب ُد ِّ‬
‫ُ‬
‫ابألنساب‪ ،‬فعادت عقلية البداوة وتقاليد اجلاهلية‬ ‫ِّ‬ ‫الناس إىل التمسك‬
‫ُ‬ ‫القبلية يف اجملتمع‪ ،‬فجنح‬

‫راجع‪ :‬صحيح مسلم ‪ 120 :7‬كتاب الفضائل ابب من فضائل علي؛ املستدرك على الصحيحني ‪541 :1‬؛ وقال ابن حجر يف (فتح الباري) ‪:57 :7‬‬ ‫‪17‬‬

‫"مث اشتد اخلطب فتنقصوه واختذوا لعنه على املنابر سنة‪ ،‬ووافقتهم اخلوارج على بغضه"‪.‬‬

‫األنبياء‪92 :‬‬ ‫‪18‬‬


‫اثنيةً‪ .‬فانتشر احلس ُد والكراهية والنفور بني القبائل‪ ،‬وساد اهلجاءُ واللَّ ُ‬
‫مز والوقيعة واحتقار اآلخر يف‬
‫أدبيات هذه املرحلة‪ ،‬واختفت الفضائل اليت كانت من خلق الرسول وصحابته‪ .‬مث ازداد الفسوف‬
‫املتمردون على للا بكفرهم مثل الوليد بن يزيد بن عبد امللك بن‬ ‫ِّ‬ ‫يف األسرة األموية فظهر منهم‬
‫ِّ‬
‫حرمات للا‪ ،‬أراد‬ ‫ِّ‬
‫للخمر منتهكاً‬ ‫مروان؛ يقول عنه اإلمام السيوطي رمحه للا "كان فاسقاً ِّش ِّريباً‬
‫الناس لفسقه وخرجوا عليه فَ ُقتِّ َل يف مجادى اآلخر سنة ست‬ ‫ِّ‬ ‫ليشرب فوق ِّ‬
‫ظهر الكعبة فمقته ُ‬ ‫َ‬ ‫احلج‬
‫‪19‬‬
‫وعشرين‪".‬‬

‫استأصل العباسيون شأفة هذه األسرةِّ وأقاموا على أنقاضهم حكومةً جديدةً لكن العقليةَ اليت جائت‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬فما لبث حىت انتشر الفسو ُق والفجور واجملون‬ ‫هبا العباسيون كانت أسوءَ وأخطر منها على‬
‫والبدع بتشجيع من الشعوبيني والصوفية الذين كانوا يلبسون جلود الضأن على قلوب الذائب‪ ،‬إذ‬
‫أي إنسان يريد تشويه اإلسالم‬ ‫السياسة عند العباسيِّني أهنم كانوا يتساهلون مع ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫كان من ِّ‬
‫أهم ر ِّ‬
‫كائز‬
‫ض للمالحقة واملقاضاةِّ والعقوبة‪ .‬وإمنا قُتِّ َل‬ ‫رمى ابلزندقة فال يتعر َ‬ ‫ابستخدام مصطلحاته‪ ،‬حىت ال يُ َ‬
‫احلكم‬
‫َ‬ ‫الناس وحثِّ ِّه َّإايهم على الكفر البواح‪ .‬إن‬ ‫ِِّّ‬
‫احلسني بن منصور اخلالج‪ ،‬خلطورة أفاعيله وإلغرائه َ‬
‫امللوك العباسيِّني على حكمهم يف‬ ‫قلوب ِّ‬‫اخلوف يف ِّ‬‫ُ‬ ‫دب‬
‫مل يكن أصالً بيد األسرة العباسية‪ ،‬ذلك ملا َّ‬
‫ِّ‬
‫هؤالء األجانب‪ ،‬فما لبث‬ ‫وجنودا‪ ،‬فكان احلكم بيد‬ ‫ً‬ ‫مواجهة التحدايت اختذوا من األعاج ِّم وزراءَ‬
‫ِّ‬
‫اخلطاب‬ ‫حىت زالت هيبة العباسيني‪ ،‬وطغت الثقافة العجمية على الثقافة العربية‪ ،‬وتغريت أساليب‬
‫ِّ‬
‫والتملق يف‬ ‫أسلوب املداهنة‬ ‫رس‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫الكتاب واملؤلفون ال ُف ُ‬ ‫ُ‬ ‫طابعا فارسياا‪ ،‬انتهج‬
‫والكتابة فأخذت ً‬
‫والطبقات أبشكال غريبة من اإلطر ِّاء واملدح والث ِّ‬
‫تاء‬ ‫ِّ‬ ‫خطاابتم فامتألت كتب السري والرتاجم‬
‫ِّ‬
‫املرحلة زندقة بدءًا‬ ‫تباعا‪ ،‬كما ظهر يف هذه‬ ‫واملبالغة‪ ،‬فانتشر الكالم املسجوع واستعمال املرت ِّ‬
‫ادفات ً‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫من إبراهيم بن األدهم (‪777-718‬م)‪ ،‬وشاعت الزندقةُ جبهود طائفة من الروحانيني كان اجلنيد‬
‫ب ب "سيد الطائفة"‪ .‬فقد ذكرهم أبو القاسم‬ ‫ِّ‬
‫البغدادي (‪910-830‬م) يف مقدمتهم ولذلك لُق َ‬
‫الناس مع َّ‬
‫أن‬ ‫شخصا‪ ،‬فدخلوا يف قائمة الصاحلني يف نظر ِّ‬ ‫وع َّد َد ُه ْم ثالثةً ومثانني‬ ‫ِّ‬
‫رسالته َ‬ ‫ي يف‬ ‫القشري ر‬
‫ً‬
‫أكثرهم كانوا زندقةً من أصول فارسية اهتموا إبعداد‬ ‫تدل على َّ‬ ‫وشطحاتم ر‬ ‫ِّ‬
‫أن َ‬ ‫سريتم وسلوَكهم‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫العلوم‬ ‫ِّ‬
‫وآداهبا كما برعوا يف‬ ‫اللغة العر ِّ‬
‫بية‬ ‫أنفسهم ألغراض خاصة‪ ،‬فنال كلٌّ منهم حظًا وافرا من ِّ‬
‫ً‬
‫الناس ووقفوا مندهشني أمام بالغتهم‬ ‫ُ‬ ‫وحديث وتفسري وحكمة حىت انبهر هبم‬ ‫ِّ‬ ‫اإلسالميَّ ِّة من فقه‬
‫العامة‪ ،‬كما استشاط الفالسفةُ‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الغامضة وتعبرياتم املزخرفة مجاهريُ من‬ ‫وحتَْزلَُق ِّاتِّ ْم‪ ،‬فاغرتَّ مبقوالتم‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫والتشبيه‪ ،‬والتعطيل‪ ،‬والتأويل‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫التجسيم‪،‬‬ ‫نفسها‪ ،‬فانتشر ألوان من اهلرطقة؛ ك‬ ‫املرحلة ِّ‬
‫ِّ‬ ‫والكالميرون يف‬

‫جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي املصري‪ ،‬اتريخ اخللفاء‪ ،‬ص‪ ،102 :‬برتقيم الشاملة آليا‪.‬‬ ‫‪19‬‬
‫ِّ‬
‫السامية‬ ‫يف وتشوي ِّه ِّ‬
‫القيَ ِّم‬ ‫ِّ‬
‫واإلرجاء‪ ...‬هكذا متكن املغرضون من حتر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والرفض‬ ‫والتج ره ِّم‪ ،‬واالعتز ِّال‬
‫الناس وقضوا على ما بقي من آاثر العقلية القرآنية بكل سهولة‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫بعد أ ْن سيطروا على عقول‬
‫حتوالت وتبدرالت جذرية يف احلياةِّ اإلجتماعية واإلقتصادية والثقافِّيَّ ِّة؛‬
‫ات عن ر‬‫اسفرت تلك التطور ُ‬
‫اإلسالم‪ ،‬بُنِّيَ ْ‬
‫ت تكااي وزوااي وأربطة يف‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الصوفية يف مجيع البلدان من أرض‬ ‫إنتشرت عقائ ُد مالحدةِّ‬
‫الناس على شيوخ الطرائق الروحانيني‪ ،‬واعتقدوا أهنم رجال صاحلون هلم كرامات‬ ‫ِّ‬
‫أحناء البالد‪ ،‬تافت ُ‬
‫ابلعلماء وأمهلوهم وعدوهم من أهل الرسوم‪ ،‬مث أ ِّ‬
‫ُنشأت‬ ‫ِّ‬ ‫وبركات ال يشقى جليسهم‪ ،،‬واستهانوا‬
‫الناس يعكفون على أعتاهبا ويتربكون هبا ويطلبون منها‬
‫القباب على أضرحة شيوخ الصوفية‪ ،‬فأخذ ُ‬
‫ُ‬
‫حوائجهم‪...‬‬

‫صغد‪ ،‬والطاجيك‪ ،‬وغريهم من األعجام‪،‬‬ ‫اك‪ ،‬وال ر‬


‫سرت هذه املعتقدات إىل املناطق اليت يسكنها األتر ُ‬
‫ِّ‬
‫"التصوف‬ ‫فاقتبسوا منها ما كان يتماشى مع وجدانياتم‪ ،‬فركبوا منها شكالً جدي ًدا ُِّمس َّي فيما بعد ب‬
‫الرتكي" دام إىل ِّ‬
‫اليوم‪ ،‬وانصبغت ِّد َاينَتُ ُهم (ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ )Müslümanlık‬هبذا التيار اخلطري؛ َّ‬
‫وأما‬ ‫َ‬
‫عربناها‬
‫خطورته فتكمن يف سر كتموها عرب القرون حىت ظهر عام ‪1958‬م‪ .‬يتمثل يف مقولة تركية َّ‬
‫ص َها‪:‬‬
‫وهذا ن ر‬

‫انصهر يف ذات للا‪.‬‬ ‫حال َم ْن‬


‫ابلويل‪ :)،‬هو ُ‬ ‫َّصف الْمرتَِّقي ِّ‬
‫إليه ِِّّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫مقام اإلنسان الذي يت ُ ُ ْ‬ ‫الواليةُ (أي ُ‬
‫" َ‬
‫كل ِّويل ال‬ ‫املقام‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫النبوةِّ‪َّ .‬‬ ‫املقام هو أعلى من ِّ‬ ‫َّ‬
‫بعض األنبياء قد نلوا هذا َ‬
‫ولعل َ‬ ‫مقام َّ‬ ‫إن هذا َ‬
‫أحرز مقام النبوةِّ التعر ِّ‬
‫بُ َّد وقد َ َ‬
‫‪20‬‬
‫يفية أو التبليغية"‬

‫لكن هذا املعتقد اخلرايف مىت نشأ‪ ،‬وما مدى موقف األتراك اليوم منه؟ تدعو املناسبةُ هنا أ ْن نركِّ َز‬ ‫َّ‬
‫تكشف يف الوقت ذاته واح ًدا من أسرار الداينة‬ ‫ُ‬ ‫على حقيقة تقودن إىل اإلجابة على هذا السؤال و‬
‫أن األتراك غالبًا َّما يؤكِّدون أهنم "مل يعيشوا أب ًدا حتت نري‬
‫الرتكِّيَّ ِّة ‪ :Müslümanlık‬ذلك َّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫احتل أوطاهنم وقبض على زمام‬
‫أجنيب‪ ،‬ألهنم أمة مغرمة ج ًدا بشرفها القومي‪ ،‬فلم يسبق لقوم أن َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫احلقيقة َّ‬ ‫يدعون‪ ،‬مع َّ‬
‫أن التأري َخ ُخيربن بعكس ذلك‪ ،‬وكمثال على هذه‬ ‫احلكم عليهم‪ ".‬هكذا َّ‬

‫املصدر‪ .Hasan Lûtfi Şuşud, İslâm Tasavvufunda Menâkıb -ı Evliya s.163 İstanbul-1958. :‬وهذه كلمات املؤلف‬ ‫‪20‬‬

‫ابللغة الرتكية‪:‬‬
‫‪«Velâyet, fenâya varmış kimsenin hâlidir. Nübuvvet mertebesinden uludur. Bazı enbiyâ hazerâtı‬‬
‫‪velâyete de sâhib olmuşlardır. Lâkin her velîde nübuvvet-i tarifiyye veya tebliğiyye mevcûd‬‬
‫»‪olagelmiştir.‬‬
‫بعض‬ ‫ِّ‬
‫جيوش الدولة األموية احتلت بالدهم عام ‪707‬م‪ .‬ودام العرب حيكموهنم فرتةً‪ ،‬كما كانت ُ‬
‫َ‬
‫دويالتم حتت حكم األمويني والعباسيني إىل أ ْن وثب البويهيون الفرس على احلكومة العباسية‬
‫زعيم األتراك‬
‫العباسي (‪1075-1001‬م) أن دعى َ‬ ‫ر‬ ‫القائم أبمر للا‬
‫ُ‬ ‫واستضعفوا ملوَكهم مما اضطر‬
‫األمر لِّيُ ْن ِّق َذهُ من إهانة البويهيني‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫السالجقة طُغْ ُر ْل بك (‪1063-990‬م) وسل َمهُ َ‬

‫كية خالية من ذكر هذه‬ ‫ات التعليميَّةَ للدول ِّة الرت ِّ‬ ‫أن املناهج الدراسيَّةَ واملقرر ِّ‬ ‫من املثري لالهتمام َّ‬
‫َ‬
‫ب الناشئةُ بصدمة إذا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫متاما؛ تكتمها احلكومةُ الرتكيةُ خمافةَ أ ْن تُصا َ‬ ‫لوقائع التارخيية وتفاصيلها ً‬ ‫ا ِّ‬
‫اجليوش الرتكية مل‬ ‫َ‬ ‫ائم يف اترخيها َّ‬
‫"ألن‬ ‫ضت هلز َ‬ ‫تعر ْ‬ ‫أن األمةَ الرتكيةَ قد َّ‬ ‫األخبار وعلمت َّ‬ ‫ِّ‬ ‫فوجئت هبذه‬
‫اعتقاد األتراك!)‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مدار الدهور‪ ،‬ذلك مستحيل!"‪( ،‬على ِّ‬
‫حد‬ ‫أي معركة على ِّ‬ ‫ت يف ِّ‬ ‫تكن قد ُه ِّزَم ْ‬
‫أي العام وُمتلي على الناشئة ما ال يستقيم مع‬ ‫هكذا تزعم األفواه الرمسية وطاملا حتاول اغتيال الر ِّ‬
‫اإلسالم ‪-‬رغم كل السلبيات والفوضى اليت تسود‬ ‫َ‬ ‫بعض احملافظني‪َّ " :‬‬
‫أن‬ ‫الثوابت التارخيية‪ ،‬قد يتعل ُل ُ‬
‫السالم واألُ ُخ َّوة والفضائل‪ ،‬قد مجع بني شعوب متباينة حتت‬ ‫ِّ‬ ‫دين‬ ‫ِّ‬
‫الوطن اإلسالم َّي اليوم‪ -‬هو ُ‬ ‫َ‬
‫الدهر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األحداث الْ ُم ْؤلِّ َم ِّة اليت طواها‬
‫ِّ‬ ‫فإن إعادةَ ذكر‬ ‫مظلَّتِّ ِّه‪ ،‬فاكتسبت بذلك صفةَ (أَُّم ِّة حممد)‪َّ ،‬‬
‫ذات ِّ‬
‫البني‪،‬‬ ‫النفور‪ ،‬وتفر ِّيق ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫العقول مبا ال طائل فيه سوى إاثرةِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وإشغال‬
‫َ‬ ‫وأصبحت نسيًا منسياا‪،‬‬
‫َ‬
‫تشتيت مشل‬ ‫ِّ‬ ‫العظيم لِّ َما فيه من‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واخلطر‬ ‫ِّ‬
‫العبث‬ ‫إن ذلك من‬ ‫ِّ‬
‫الشعوب‪َّ ،‬‬ ‫وتعميق الفجوةِّ بني هذهِّ‬ ‫ِّ‬
‫ت‬ ‫(اليوم) لو مل تكن أسالفُها قد ألْغَ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫تزعم انتماءَ َها إىل‬
‫َ‬ ‫الشعوب اليت ُ‬ ‫َّ‬ ‫لكن‬
‫املسلمني‪َّ ".‬‬
‫واستبدلت عنه دينًا َمسَّْتهُ الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ Müslümanlık‬ب (األمس)‪ ،‬لكان ح اقا من الواجب‬ ‫ْ‬ ‫اإلسالم‬
‫َ‬
‫الباطل من ابطنها‪.‬‬ ‫اد هبا‬‫الصواب يف ظاهرها‪ ،‬لكنه يُر ُ‬ ‫ِّ‬ ‫احرتام هذه الكلمات اليت تُعِّرب عن ِّ‬
‫وجه‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫مق هذه الكلمات املزخرفة‬ ‫كل مؤمن ابهلل واليوم اآلخر أ ْن يتنبَّهَ إىل ُع ِّ‬ ‫لذلك من الواجب على ِّ‬
‫إلخفاء أسرار الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ Müslümanlık‬وتعمية‬ ‫ِّ‬
‫الناس هبا‪،‬‬‫ِّ‬ ‫ويفطن إىل َّأهنا أصالً تُتَّ َخ ُذ ً‬
‫قناعا‬ ‫َ‬
‫ليتمك َن الْ ُمتَ َخ رفون وراءَها من تعزيز هذه‬ ‫اإلسالم‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتشتيت اإلنتباهِّ إىل الرسالة اخلالدة اليت أتى هبا‬
‫ِّ‬
‫حقيقة‬ ‫القومية الرتكيَّ ِّة منذ قرون‪َّ .‬‬
‫وألن اإلنتباهَ إىل‬ ‫ِّ‬ ‫أسس‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الداينة اخلرافية الباطلة اليت تعتمد عليه ُ‬
‫تتبىن هذه‬ ‫الدين احلنيف معناه‪ :‬كشف القناع عن وجه الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ Müslümanlık‬وإفشاءُ ما َّ‬
‫والقضاء على تعامليه بِّ ُرَّمتِّها‪ .‬كما َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫كان اإلميان بتوحيد للا‪ ،‬واستأصالِّ ِّه‪،‬‬ ‫تدمري أر ِّ‬‫الداينةُ اخلطريةُ من ِّ‬
‫ي‬‫الدفاع عن وحدة األمة منقوضة من أصلِّها‪ ،‬ألن األمةَ مل يع ْد هلا أ ر‬ ‫َ‬ ‫الذكر يف صدد‬ ‫الكلمات اآلنفةَ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أي معىن‬ ‫ضا ال ميثِّ ُل َّ‬ ‫صعاليك األعجام أي ً‬ ‫ُ‬ ‫كيان يف الواقع‪ ،‬ومقولة "األ ُخ َّوةِّ اإلميانية" اليت يُ َدنْ ِّد ُن هبا‬
‫يطمس دالئل اجلناايت اليت ارتكبها رهبا ُن‬ ‫َ‬ ‫يستطيع أحد بعد اليوم أن‬ ‫َ‬ ‫يف ظروف اليوم‪ .‬إذ لن‬
‫آاثر هذه‬ ‫اإلسالم قبل مثانية قرون‪ .‬بل ستظ رل ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الشامانية والبوذية يف مدينة خبارى الستئصال‬
‫لناس يعتنقون الداينة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ ،Müslümanlık‬ويشمتون‬
‫ماليني ا ِّ‬
‫ُ‬ ‫اجلناايت ظاهرةً ُم ْعلَنَةً ما دام‬
‫ابملسلمني بقوهلم "احلمد هلل حنن ُم ْسلُ َمان ‪ ،"Elhamdülellah biz müslümanız‬وأييب أح ُدهم أ ْن‬
‫يقول "احلمد هلل أن مسلم ‪ "Elhamdülellah ben Müslimim‬وهكذا يظهر بوضوح ودون ِّ‬
‫إقامة‬ ‫َ‬
‫اإلسالم مل يكن قد سادت دولتُهُ يف اجملتمع الرتكِّ َّي أصالً‪ ،‬ولكن أشرقت عليه حزمة من‬
‫َ‬ ‫أي دليل َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫أشعَّتِّ ِّه فما لبست حىت اختفت بسرعة‪ ،‬فمألت الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ Müslümanlık‬فراغها منذ قرون‬
‫وعادت العقليةَ الوثنيَّةَ وهي ُختَيِّ ُم بظلماتِِّّه على هذه الداير اليوم‪.‬‬

‫***‬

‫ألن هذه الفوضى‬ ‫ضى اليت قضت على نظام اخلالفة الراشدة‪َّ .‬‬ ‫ِّ‬
‫مرحلة الفو َ‬ ‫ال بد هنا العودةُ برهةً إىل‬
‫ب عقائ َد ابطلة إىل تعاليم اإلسالم‪ ،‬وإراب ِّك األعجام خباصة يف فهم‬ ‫ت السبيل لتسر ِّ‬
‫َ‬
‫مه َد ِّ‬
‫هي اليت َّ‬
‫افات واألساطريُ وانتشرت عقب الفتوحات اليت ال‬ ‫واألابطيل واخلر ُ‬
‫ُ‬ ‫الدين احلنيف‪ .‬ف َكثُ َرت البِّ َدعُ‬
‫العاطفة اإلنسانيَّ ِّة‬
‫ِّ‬ ‫جيوز أصال وص ُفها ابلفتوحات‪ ،‬بل كانت احتالالت ومدامهات مهجية وخالية من‬
‫تعاليمهُ بروية ويتمسكو هبا‬ ‫ِّ‬
‫ابإلسالم حىت يفهمو‬ ‫واحلكمة‪ ،‬فلم تدع الفرصةَ حلديثي العهد‬ ‫ِّ‬ ‫و ِّ‬
‫الرفق‬
‫َ‬
‫خملصني هلل يف دينه‪.‬‬

‫ِّ‬
‫ابنسحاب احلسن بن علي بن أيب‬ ‫أخريا‬ ‫من املعلوم ِّ‬
‫اهلامشي انتهت ً‬
‫األموي‪َّ -‬‬
‫َّ‬ ‫اترخيياا‪ ،‬أن التخاصم‬
‫لكن هذا التخاصم مل ينتهي يف‬
‫طالب من منصبه ملعاوية بن أيب سفيان يف سبتمرب عام ‪661‬م‪َّ ،.‬‬
‫ومذاهب‬
‫َ‬ ‫الواقع إىل اليوم‪ ،‬بل اكتسب أشكاالً متباينةً واختفى وراءَ صراعات ونزاعات وحروب‬
‫انبثقت‬
‫ْ‬ ‫إن َّأول عقليَّة‬ ‫أولدت عقليات ومعتقدات اكتظَّت جملدات كتب التاريخ بسرد تفاصيلها‪َّ .‬‬
‫بن أيب سفيان‪ ،‬وهي عقلية اجلاهلية الثانية اليت‬ ‫من هذا التخاصم هي اليت حر َك َع َجلَتَهُ معاويةُ ُ‬
‫جوف توحي ًدا لكن‬ ‫َّعا يراه اجلاهل األ ُ‬ ‫ِّ‬
‫اك مقن ً‬
‫إسالمي مصطنع‪ ،‬فاستمر اإلشر ُ‬ ‫حجبت الوثنيةَ بستار‬
‫املتبقيَةُ لإلسالم بعد فرتة وجيزة‪ ،‬فظهرت تركيبة لالسالم‬ ‫ت اآلاثر احليةُ ِّ‬ ‫املؤمن الفطن مل يغفله‪ .‬امنح ْ‬
‫ُ‬
‫السبيل لظهور منط آخر مزيَّف يف الفرتة التالية (وهي الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ الرتكيةُ‬ ‫ِّ‬
‫مهدت‬ ‫الفارسي املزيَّف‬
‫َ‬
‫اجليوش األمويةُ يف آسيا الوسطى‪.‬‬ ‫ارتكبت َها‬
‫ْ‬ ‫املذابح اليت‬
‫ِّ‬ ‫‪ِّ )Müslümanlık‬‬
‫كرد فعل على‬
‫ُ‬

‫مسار التيار الصويف‬


‫َ‬ ‫الباحث أن يتعرف على عقلية هذه املرحلة جيب عليه أ ْن يتتبَّع‬ ‫ُ‬ ‫اد‬
‫وإذا أر َ‬
‫أفكار (سيِّ ِّد َها) اجل ِّ‬
‫نيد البغدادي‬ ‫ِّ‬ ‫ابلوقوف على سلوك وتعاليم َّأو ِّل طائفة من هذه النحلة ابتداءً من‬
‫(‪910-830‬م‪ ).‬وانتهاءً أبيب احلسن اخلرقاين (ت‪ .21)1034 .‬ألن عقلية "اجملتمع اإلسالمي"‬
‫كانت يف تلك الفرتة خاضعةً لعوامل هذا التيار وسلوكيات هذه الطائفة اليت تصفها مراكز‬
‫اه ِّدين" من صوفية الفرس الذين ظهروا يف الساحة‬ ‫اد" أو "الْمت ز ِّ‬
‫الدراسات األكادميية ب "ال رزَّه ِّ‬
‫َُ َ‬
‫الطائفة منحدرين من سالالت فارسيةً ظهروا يف بداية العصر‬ ‫ِّ‬ ‫العراقية‪ .‬لقد كان أكثر أفر ِّ‬
‫اد هذه‬ ‫ُ‬
‫بثالث خصال رئيسة يف معتقداتم وسلوكياتم‪ :‬كانوا حلوليِّني‪ ،‬لكنَّهم يسرو َن‬ ‫ِّ‬ ‫العباسي‪ُ ،‬ع ِّرفَوا‬
‫بواط َن أفكارهم بتأويالت ملتوية خشية أن يُصبِّحوا عرضة للعقوبة‪ ،‬ومل يعتدوا بركن اإلميان الذي‬ ‫ِّ‬
‫الرتك‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫خبالف صوفية ر‬ ‫ِّ‬
‫اإلنزواء‬ ‫جاءَ به القرآ ُن الكرمي‪ ،‬وكانوا من أهل‬

‫ظهر التيار الصويف الرتكي (األَ ْولِّيَائِّ ري) يف القرن الثالث عشر امليالدي يف بالد آسيا الوسطى َك َرِّد‬
‫ِّ‬
‫"األولياء"‪،‬‬ ‫الرت ِّك وهو يعتمد على أتليه‬
‫فعل هلذه العقلية‪ ،‬نشأ هذ النمط للتصوف املعرتض يف بالد ر‬
‫خبالف التصوف احللويل العراقي‪ .‬وأما أهم الفروق بني التيارين‪ ،‬فإنه يستقطب يف نظرية اإلله‬
‫إن التصوف عند قدماء صوفية الفرس كان‬ ‫وعالقته مع اإلنسان؛ وخالصة مع َّم ِّ‬
‫يات هذه النظرية‪َّ :‬‬ ‫َُ‬
‫اخلالق فيهم‪ ،‬وكان هلم مصطلحات وتعريفات‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حبلول‬ ‫ِّ‬
‫االعتقاد‬ ‫الداينة الزر ِّ‬
‫ادشتية و‬ ‫ِّ‬ ‫يعتمد على‬
‫ِّ‬
‫واإلنزواء واملكث يف األماكن اخلربة‬ ‫ِّ‬
‫التقشف‬ ‫وشطحيات ومقوالت غامضة وجماهدات نفسية من‬
‫الزواج وعن املعارف والعلوم‪ ...‬جيهل أسر َارها العامةُ قدميًا وحديثًا مما جعل منهم‬ ‫ِّ‬ ‫واإلعراض عن‬
‫الناس يف تعظيمهم وتوقريهم‪ ،‬وخيافون لعنتَهم‪ .‬وأما التصوف الرتكي‪ ،‬فإنه‬ ‫طبقةً مقد َسةً يبالغ أغلب ِّ‬
‫صا لرتقية اإلنسان إىل‬ ‫منهجا خا ا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يستمد يف أغلب تعاليمه من الداينتني‪ :‬الشامانية والبوذية‪ ،‬ويقد ُم ً‬
‫ِّ‬
‫"الفناء يف للا"‪ ،‬فيكون‬ ‫ري والسلوك"‪ ،‬ويس رمو َن هناية هذا السفر املوهوم ب‬ ‫مقام األلو ِّهيَّ ِّة يس رمونَهُ َّ‬
‫"الس ْ َ‬
‫الرحلة "فانيًا يف للا‪ ،‬مث ابقِّيًا به!"‪ ،‬أي حاالا فيه تعاىل للا عما يصفه‬‫ِّ‬ ‫الفائز منهم يف هناية هذه‬
‫مقام األلوهية" يف معت َقد األتراك‪،‬‬ ‫كبريا‪ .‬هذا هو املنهج الذي "يُ ْرقِّي اب ِّ‬
‫لويل إىل ِّ‬
‫علوا ً‬
‫الفاسقون ا‬
‫املاء وتكليم الصخور‬ ‫وهنا ب "الكرامات") كاملشي على ِّ‬ ‫و"تصدر منه أفعال خارقة للعادةِّ (يس رم َ‬
‫ات‬ ‫ومعتقدات األتر ِّ‬
‫اك واألقليَّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أفكار‬ ‫الوحوش وما أشبه‪ "...‬هذه العقلية ال تزال سائدةً على‬ ‫ِّ‬ ‫وإرغام‬
‫ِّ‬
‫التابعة هلم منذ ألف عام إىل اليوم؛ متثِّلها الداينة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةُ ‪ .Müslümanlık‬وأما القاسم املشرتك‬
‫أن كِّالَ التيارين خيلوان‬ ‫الرتكِّ ِّي كليهما‪ :‬فهو اإلحلاد‪ .‬ذلك َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫القدمي والتصوف رْ‬ ‫الفارس ِّي‬ ‫التصوف‬ ‫بني‬
‫ِّ‬
‫الوجود‪،‬‬ ‫قائم بذاتِِّّه‪ ،‬ال ِّ‬
‫واجب‬ ‫فاعل املدب ِّر ال ِّ‬
‫عادل‪ ،‬ال ِّ‬ ‫ابإلله ال ِّ‬
‫واحد‪ ،‬ال ِّ‬
‫قادر ال ِّ‬ ‫متاما من مفهوم اإلميان ِّ‬
‫ً‬
‫واجلدير هنا ابلتنبيه‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ِّ‬
‫للحوادث‪...‬‬ ‫خلق ِّه‪ ،‬امل ِّ‬
‫غاير‬ ‫بائن عن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واحللول‪ ،‬ال ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والعجز‬ ‫امل َّنزهِّ عن احل ِّ‬
‫دوث‬
‫ُ‬
‫احملبية بال‬ ‫ِّ‬
‫اإلابحيَّ ِّة اليت تعتم ُد على دعامتني‪ِّ :‬‬ ‫َّ‬
‫يستمدان أصالً من الفلسفة‬ ‫هذين التيارين كليهما‬

‫رس‪ ،‬وأو ُل حلقة لصوفية ما وراء ِّ‬


‫النهر من األتراك وغريهم‪.‬‬ ‫وهو آخر حلقة هلذه الطائفة من صوفية ال ُف ِّ‬ ‫‪21‬‬
‫ِّ‬
‫واالفتداء بال حدود‪ .‬وهذه الفلسفةُ خمالفة لقوانني الفطرةِّ كما هي مناقضة لتعاليم الوحي‬ ‫حدود‪،‬‬
‫الْ ُمْن َزِّل على مجيع الر ُس ِّل عليهم الصالة والسالم‪.‬‬

‫خباصة –‬ ‫ِّ‬
‫األوسط َّ‬ ‫ِّ‬
‫الشرق‬ ‫ِّ‬
‫سكان‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ِّي – األكثريةَ من‬ ‫اجملتمع‬ ‫معظم‬ ‫القول بسهولة َّ‬
‫ِّ‬ ‫أن َ‬ ‫ميكننا ُ‬
‫اجليل‬
‫ألن َ‬ ‫األموي والفرتةِّ األوىل من احلكم العباسي‪َّ .‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫احلكم‬ ‫خالل‬
‫بوحدانية للا تعاىل َ‬ ‫ِّ‬ ‫كانوا يؤمنون‬
‫اس مؤسسة اإلميان ‪-‬‬ ‫ِّ‬
‫والثالث (التابعني وتبع التابعني) من علماء السلف الذين كانوا ُح َّر َ‬ ‫َ‬ ‫الثاينَ‬
‫عاشوا ما بني ‪ 700‬و ‪ 850‬من امليالد‪ .‬قد وردت تسميتُهم يف مصادر الرتاث ب "املتقدمني"‪.‬‬
‫جبهود هذين اجليلني املتميزين‬ ‫ِّ‬ ‫اشد ِّي أكثر من قرن‬ ‫العهد الر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫املمتدةُ من‬ ‫دامت العقليةُ التوحيديَّةُ‬
‫العام واملتنوع‪ ،‬فإنه بدأ يتفاقم بعد هذه‬ ‫اإلحلاد مبعناه ِّ‬
‫ُ‬ ‫ابالستقامة رغم اإلحلاد األموي الوثن‪ .‬أ َّما‬
‫ظهرت داينت قائمة على أساس اإلشراك‪ ،‬ولكنها ُم َو َّش َحةً أبقْنِّ َعة خمتلفة من‬ ‫ْ‬ ‫الفرتةِّ ابلتدريج إىل أن‬
‫الناس عما ينايف قاعدةَ التوحيد من تعاليمها‪ ،‬خمافةَ‬ ‫وصرف انتباه ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫للتعمية‬ ‫التأويل الفلسفي‪ .‬وذلك‬
‫الرتكِّيَّةُ )‪(Müslümanlık‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ردود فعل املؤمنني املوحدين‪ .‬أتيت يف مقدمة هذه الداينت‪ :‬ال ُْم ْسلُ َمانيَّةُ رْ‬
‫اخلالص‪ ،‬كما قضت‬‫ِّ‬ ‫لفهم التوحيد‬ ‫املتاح ِّ‬‫قضت على املنطق السليم ِّ‬ ‫اليت ظهرت حواىل ‪1200‬م‪ .‬و ْ‬
‫على العقلية التوحيدية الراشدةِّ يف أعقاب هذه التطورات‪.‬‬

‫هل ِّ‬
‫بيت الرسول عليه‬ ‫كانت هناك ميِّ َزَات ِّن رئيستان للجاهلية األموية‪ :‬العنصريةُ العربيةُ‪ ،‬ومعاداةُ أ ِّ‬
‫وردود الفعل اليت نشأت وتفاقمت ضدها مثرية حداا؛ انتهجت‬ ‫ِّ‬
‫اجلاهلية‬ ‫آاثر هذه‬ ‫السالم‪َّ .‬‬
‫َ‬ ‫إن َ‬
‫اهلمج‪ ،‬فخرجوا على ِّ‬
‫نظامها‬ ‫اب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫التمرد يف األعر ِّ‬ ‫السياسةُ األمويةُ أشكاالً من التضليل فأاثرت روح‬
‫اآلاثر‬ ‫فاستنزفوا ِّ‬
‫لكن َ‬ ‫طاقاتا يف أمد قصري وأهنكوها حىت اهنارت حتت ضرابت قاصمة للخرسانيني‪َّ .‬‬
‫يتغريُ من مرحلة إىل أخرى حبكم‬ ‫ِّ‬
‫القرون وهو َّ‬ ‫استمر على ِّ‬
‫مدار‬ ‫َّ‬ ‫اخلارجي‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫األموي‬ ‫ِّ‬
‫للتخاصم‬ ‫السلبيةَ‬
‫الرهيب قد أسفر عن دمار وآالم‬ ‫التخاص َم‬ ‫س َّميَات متباينَة إىل يومنا هذا‪َّ .‬‬
‫إن هذا‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ظروفها وحتت ُم َ‬
‫وجروح وفجوات سحيقة يف اتريخ الشعوب الشرق أوسطية ما يَكِّ رل اللسا ُن عن وصفها‪ .‬ومن جهة‬
‫السبيل‬ ‫فأهنَ َك ْت َها خالل ثالثة عقود‪ ،‬فمه ِّ‬
‫دت‬ ‫اخلوارج على الدولة األموية ْ‬
‫ِّ‬ ‫أخرى انفجرت بركان‬
‫َ‬
‫لظهور قوة أخرى عمالقة يف خرسان‪ ،‬تتأهب البتالعها‪ ،‬فقضت على هذه الدولة الفتية ابسم‬
‫ال إىل‬
‫قرن من الزمان‪ ،‬لكن الروح اخلارجيَةَ دامت وال تز ُ‬
‫األسرة العباسية يف أمد قبل أ ْن يبل َغ عمرها ً‬
‫اليوم‪.‬‬
‫الناس عليها‪.‬‬ ‫إن "اخلارجية" مصطَلَح ِّ ِّ‬ ‫َّ‬
‫مروع أُطل ُق على حركة مهجية قاومت الفطرةَ الىت فطر للاُ َ‬
‫ألو ِّل مرة‬ ‫ِّ‬
‫أشقياء األعر ِّ‬
‫اب الذين خرجوا َّ‬ ‫أُطلِّقت هذه التسميةُ على فكرة خطرية تَبَ نَّ ْتها طائفة من‬
‫على اخلليفتني عثمان بن عفان وعلي بن أيب طالب رضي للا عنهما واغتالوا األخري منهما‪.‬‬
‫اخلوارج ال‬
‫َ‬ ‫احلوار أب ًدا‪ .‬وهلذا‪ ،‬فإن‬
‫َ‬ ‫يعرف‬
‫العقل وال ُ‬ ‫دين عنيف ال حيرتم َ‬
‫سياسي‪ٌّ -‬‬
‫ٌّ‬ ‫فاخلارجيةُ إذن تيار‬
‫وأسرعهم إزهاقًا لألرواح‪ ،‬وأخطرهم‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اخلصوم عن ًفا‪،‬‬ ‫ُميهلون املخاطَب حىت يكلمهم‪ ،‬بل إهنم من ِّ‬
‫أشد‬ ‫َ‬
‫تدمريا للحياةِّ واحلضارةِّ‪ ...‬لذلك‪ ،‬غالبًا ما تستحيل معاملتهم‪ ،‬إالَّ بنفس اللغة واألسلوب‪ .‬احندرت‬
‫ً‬
‫عادت وتكررت‬
‫ْ‬ ‫هذه احلركةُ اإلرهابيَّةُ على مدار القرون فاستشاطت يف بعض املراحل مث اختفت مث‬
‫وه ِّايب من أعراب جند‪ ،‬امسه أسامة بن‬ ‫هكذا إىل أ ْن ظهرت عصابة منها يف عصرن جبهود ِّ‬
‫إرهايب َّ‬
‫ِّ‬
‫وأروعها ذحبًا‬ ‫ِّ‬
‫للحرمات‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫أخطرها انتها ًكا‬ ‫الدن‪ ،‬مث تفرعت إىل ُش َعب‪ ،‬فكانت عصابة داعش من‬
‫ِّ‬
‫ملواصلة هينمتِّها على الشعوب الشرق‬ ‫ِّ‬
‫العصابة أُلْعُوبةً‬ ‫وتقتيالً‪ ...‬اختذت القوى العومليةُ من هذه‬
‫أوسطية مث قضت على قائدها (أيب بكر البغدادي) فأمخدت ثورتا‪ .‬إن اخلوارج أكثرهم من العرب‬
‫رد‪ ،‬وخالصة القول‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫الرتك وال ُك ِّ‬ ‫اجلاهليِّني يف كل عصر‪ ،‬وقد تلتحق هبم مجاعات من أعجام ر‬
‫الرتكِّيَّةُ )‪،(Müslümanlık‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الفكر اخلارج َّي يُع رد من الداينت البدعية اإلحلاديَّة على مثال ال ُْم ْسلُ َمانيَّةُ رْ‬
‫َ‬
‫أن هذه الداينت الثالث ال صلة هلا ابالسالم‪،‬‬ ‫والتيار الشيعي الرافضي اجملوسي الفارسي‪ ...‬على َّ‬
‫إالَّ أننا ال نكف ُر بعض الشخصيات من اخلوارج املعروفني بعقيدتم السليمة رغم انزالقهم مع هذه‬
‫احلركة اإلرهابية البغيضة!‬

‫ظهر منط آخر من ردود الفعل يف مواجهة التضليل األموي حتت مسة الشيعة‪ .‬انتشر هذا التيار‬
‫ِّ‬
‫العرب‪ ،‬معظمهم كانوا من ِّ‬
‫أهل التوحيد‬ ‫بدايةً يف اجملتمع العريب‪ .‬إالَّ أن اجليل َ‬
‫األول من شيعة‬
‫ِّ‬
‫مواجهة النظام األموي اجلاهلي)‬ ‫خملصني هلل‪ ،‬وكانت قرارا ُتم السياسيةُ وحركا ُتم العسكريَّةُ (يف‬
‫ضا‪ ،‬فتحامل عليهم‬ ‫صبة الطيبة غر ً‬ ‫ي من هذه الع ِّ‬ ‫موافقةً للفقه اإلسالمي‪ ،‬لذا اختذ النظام األمو ر‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫األشهاد‬ ‫ِّ‬
‫رؤوس‬ ‫ِّ‬
‫واالضطهاد والتخويف‪ ،‬فأمر معاوية والتَه أن يسبوا علياا يف ُخطَبِّ ِّه ْم على‬ ‫ِّ‬
‫ابجلور‬
‫نزل عليهم ضربةً قاصمةً‪ ،‬وفعالً‬ ‫تتسىن له الفرصةُ بذلك فيُ َ‬
‫ريُه ْم يف وجهه حىت َّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫مشاتةً بشيعته ليُث َ‬
‫ض على صاحب النيب ُحجر بن َعدي الكندي الكويف وأخيه هانئ بن عدي رضي‬ ‫حدث ذلك‪ ،‬ف ُقبِّ َ‬
‫للا عنهما‪ ،‬فقتله معاويةُ واستشهد أخوه هانئ بن عدي مع مسلم بن عقيل‪ .‬كان ُحجر بن َعدي‬
‫املقربِّني إىل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي للا عنه‪.‬‬
‫أحد َّ‬
‫ضةُ‪ ،‬فيجب اإلنتباهُ إىل أهنا طائفة رجعية‪ ،‬عاطفية‪ ،‬متباكية ومتلونة‪ ،‬تتصنع‬ ‫س الراف َ‬ ‫َّأما شيعةُ ال ُف ْر ِّ‬
‫االنتماء إىل أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي للا عنه وهو براء‬ ‫ِّ‬ ‫البيت‪ ،‬و َّ‬ ‫آل ِّ‬ ‫حمبَّةَ ِّ‬
‫تتسرتُ وراءَ‬
‫اإلمام الذين عاصروه ووقفوا معه يف‬ ‫ِّ‬
‫بشيعة ِّ‬ ‫أن هذه الطائفةَ ال صلةَ هلا‬ ‫منهم‪ ،‬كما جيب اإلنتباهُ إىل َّ‬
‫إن احلُْل َم امليجالو‪-‬‬ ‫السبَئِّيَّ ِّة املنافقني اإلرهابيِّني به‪َّ .‬‬
‫مواجهة اجلاهليَّ ِّة األمويَِّّة‪ ،‬كما ال صلة للشيعة َّ‬ ‫ِّ‬
‫أساس‬ ‫سالم‪ ،‬هي‬ ‫ِّ‬
‫الضغينة لال ِّ‬ ‫إضمار‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫العرب‪ ،‬و َ‬ ‫فارس َّي )‪ ،(Persian Empire dream‬واحلق َد على‬
‫لم هذا‪ ،‬هو الدافع الذي أولدت العقليةَ الشعوبيةَ (أي فكرةَ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫التشيع اإلير ِِّّ‬
‫اين الفارس ِّي اجملوس ِّي‪ .‬وا ْحلُ ُ‬ ‫ِّ‬
‫رد" يف بداية‬ ‫الفارسية) اليت بدأت متزامنةً مع َّأول حركة صوفية إحلادية حتت شعار "التَّزه ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العصبية‬
‫َ‬
‫ابستخدام مصطلحاتِِّّه‪ ،‬وتشويِّ ِّه قِّيَ ِّم ِّه وتعاليمه‪ .‬هذا ا ْحلُْل ُم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‬ ‫تدمري‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫العباس ِّي‪ ،‬فتبنَّتا‬ ‫العهد‬
‫استمر وهو يتلو ُن حتت عوامل الظروف املتغرية عرب‬ ‫َّ‬ ‫الذي بدأ يشغِّل األذها َن منذ ِّ‬
‫مثانية قرون‪،‬‬ ‫ُ ُ‬
‫س ْل َم ِّاينَّ" كدين بديل وآلية يف‬ ‫ِّ‬ ‫املراحل الزمنية إىل يومنا‪ .‬لقد َّاخت َذ‬
‫املذهب الشيع َّي ومساه "الْ ُم َ‬ ‫َ‬ ‫الفرس‬
‫ُ‬
‫الرتكِّيَّ ِّة‬ ‫ِّ ِّ‬
‫احلرب الشعواءُ دامت متوازيةً مع ال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬ ‫ُ‬ ‫حربه على الدين احلنيف‪ .‬هذه‬
‫)‪ ،(Müslümanlık‬بال هوادة حىت هذه الساعة‪ .‬طاملا تلجأ الشيعة إىل التقية منذ قرون ابستخدام‬
‫مصطلحات إسالمية كثيفة ابالضافة إىل اعتمادها األجبديةَ العربيةَ يف التدوين‪ .‬هذه املواقف للشعية‬
‫احلرب‬
‫َ‬ ‫لكن هذه‬ ‫شك تُع رد من أهم االسرتاتيجيات يف حرهبا على اإلسالم منذ ثالثة عشر ً‬
‫قرن‪َّ .‬‬ ‫ال َّ‬
‫تكررت بزخم متفاوت إىل أن اشتدت يف بداية القرن السادس عشر امليالدي خاصةً‬‫الغري مباشرة َّ‬
‫مع قيام الدولة الصفوية‪.‬‬

‫الرتكِّيَّ ِّة )‪ ،(Müslümanlık‬اليت نشأت يف القرن‬ ‫ِّ ِّ‬


‫ْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫مصدر إهلام لل ُ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫الفارس ري‬ ‫لقد كان التشير ُع‬
‫الرتكِّيَّ ِّة‪َّ .‬أما‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِِّّ ِّ ِّ‬ ‫السادس اهلجري‪ .‬إالَّ أ َّن‬
‫كبريا عن ال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫التشيع بسماته املتمي َزة خيتلف اختالفًا ً‬
‫َ‬
‫القاسم املشرتك بينهما‪ ،‬فإنه يتمثل يف موقف معتنقيهما املعادي للعروبية‪ .‬وأما كراهيةُ الشعبني‬
‫حول الكراهية لالسالم الذي جاءَ به القرآن الكرمي‪.‬‬ ‫الفارسي والرتكي للعرب فإهنا يف الواقع تتمحور َ‬
‫دام‬
‫يرد على هذه احلقيقةَ بعنف وال حجةَ له‪ ،‬ألن احلجةَ عليه ما َ‬ ‫البعض غيظًا فأراد أن َّ‬
‫ُ‬ ‫رمبا التهب‬
‫كتاب للا يف املساجد واملقابر‪ ،‬مع‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫نظام اخلالفة الراشدة‪ ،‬وحتبس َ‬
‫ترفض َ‬ ‫ُ‬ ‫الشعوب املنتسبة لإلسالم‬
‫ِّ‬
‫واالقتصاد‬ ‫كل اجملاالت من السياسة والتجارةِّ‬ ‫أنه نزل من عند للا ليكون دستورا للنظام‪ِّ ،‬‬
‫مرعياا يف ِّ‬ ‫ً‬
‫واحلياة اإلجتماعية‪...‬‬

‫العرب؛ إالَّ أن الداينةَ‬


‫ُ‬ ‫املشوهَ" الذي يعتنقه‬
‫"االسالم َّ‬
‫َ‬ ‫هناك من يزعم أن هذه الكراهيةَ يهدف‬ ‫لعل َ‬ ‫َّ‬
‫املشوهِّ"‪ِّ ،‬‬
‫لعدم‬ ‫وصف إحداها ب "االسالم َّ‬ ‫ُ‬ ‫الفارسيَّةَ‪ ،‬والداينة الرتركية‪ ،‬كذلك الداينةَ العربيَّةَ‪ ،‬ال جيوز‬
‫ت‬‫الثالث ُخمْتَ لَ َقة ابتُ ِّد َع ْ‬
‫ِّ‬ ‫ابالسالم الذي جاءَ به القرآن الكرمي‪ .‬بل كلٌّ من هذه الداينة‬ ‫ِّ‬ ‫عالقتِّها‬
‫التارخيي للتدير ِّن بعد العهد‬ ‫َّ‬ ‫سار‬
‫لتكون بديلةً عن االسالم القرآين‪ ،‬ولكنَّها التبست على من أغفل امل َ‬
‫رهبان الصوفية والزر ِّ‬
‫ادشتية‬ ‫ِّ‬ ‫حماوالت الذين ارتكبوا هذه املؤامرات من‬ ‫ِّ‬ ‫تفاصيل‬ ‫اه َل‬ ‫الر ِّ‬
‫اشدي‪ ،‬وََتَ َ‬
‫َ‬
‫اجملتمعات الثالث وقتَها‪َّ .‬أما‬ ‫علماء اإلسالم يف أوساط هذه‬ ‫ِّ‬ ‫والبوذية والشا ِّ‬
‫مانية املتظاهرين ب ِّ‬
‫لباس‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫مذاهب خمتزلة عن اإلسالم فال يستقيم مع الواقع‪ .‬لكنه من الضروري‬ ‫ُ‬ ‫وصف هذه الداينت أبهنا‬ ‫ُ‬
‫مجيع احلركات الدينية‬ ‫هنا التعبري عن حقيقة هامة وهي أنه جيب النظر إىل التيار السلفي العريب وإىل ِّ‬
‫بية املشو َهة من نفس املنظور‪ .‬أل َّن التيارات الروحية يف نطاق "التدير ِّن العريب" كلَّها يف ِّ‬
‫حالة‬ ‫العر ِّ‬
‫ْيت الداينتني الفارسيَّ ِّة والرتركية‪.‬‬
‫أتهب ضد "اإلسالم القرآين" على غر ِّار كِّل َِّ‬

‫***‬

‫ِّ‬
‫والشيعة من نحية‪،‬‬ ‫اخلوارج‬
‫ِّ‬ ‫وردود ِّ‬
‫فعل‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫املستبد‪،‬‬ ‫عوامل الظروف َّأايم النظام األموي العنصري‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َ‬
‫الصويف الذي توارى أبدبيات الزهد املتصنع‪ ،‬كذلك الشعوبيةَ املعاديةَ للعروبيَّ ِّة من نحية‬ ‫ِّ َّ‬ ‫والتيار‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫األداين‪.‬‬ ‫رسوابت عديد من‬ ‫ُ‬ ‫النزعات اخلطريةُ يف العهد العباسي بعقلية فيها‬
‫ُ‬ ‫أخرى؛ جاءت هذه‬
‫نيد البغدادي (‪ )910-830‬وأيب بكر الشيبلي (‪-861‬‬ ‫وكمثال على ذلك‪ ،‬فقد حاول كلٌّ من اجل ِّ‬
‫‪ )946‬واحلسني بن منصور احلالج (‪ ،)922-858‬وأمثا ِّهلم من صوفية الفرس املستعربني‪ ،‬حاولوا‬
‫تعاليمهُ‪ ،‬فخلقت هذه احملاوالت ثغرات يف‬ ‫يف بداية العهد العباسي أن ينالو من اإلسالم ِّ‬
‫ويدم ُروا‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫والوهم‬ ‫ابالسفاف‬ ‫العدل والرمحةُ والفضائل يف تلك البيئة املفعمة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫صرح الدين احلنيف‪ .‬فاختفت‬
‫ُ‬
‫ورسوله‪ ،‬فسادت البلبلةُ على اجلو الدين والسياسي‪ ،‬أسفرت‬ ‫ِّ‬ ‫والفسوق واجلرأةِّ على ِّ‬
‫للا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واملروق‬
‫عن ظهور كل من الداينة الفارسية والرتكية‪ .‬كان العلماءُ يف أايم األمويني يشعرون بقلق شديد إزاءَ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬فنهضوا إباثرة حركة جدلية ليقفوا‬ ‫هذه التيارات اخلطرية اليت تفاقمت وطغت على تعاليم‬
‫مدافعني يف وجه تلك التيارات غريةً على العقيدة احلنيفة‪.‬‬

‫ظهرت فرقة من العقالنيني أوالً يف البصرةِّ مثَّ انتشرو يف أرجاء البالد‪ُِّ ،‬مسيَت فكرتُم ب "االعتزال"‪،‬‬
‫العقل على كتاب للا وسنة رسولِّ ِّه‪ ،‬وزعموا "أن القرآ َن‬ ‫ِّ‬
‫ولكن هؤالء كانوا مفرطني يف آرائهم؛ قدَّموا َ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫احلاكمة وأصبحت‬ ‫النخبة ووجدت قبوالً بني الطبقة‬‫ِّ‬ ‫خملوق"‪ .‬سادت هذه الفكرةُ على ضمري‬
‫املذهب املتَّبَ َع يف عهد كل من املأمؤن بن هارون الرشيد (‪833-786‬م‪ ).‬وأخيه املعتصم بن‬
‫َ‬
‫هارون الرشيد (‪842-796‬م‪ ).‬إمنا ظهرت هذه اهلرطقة ِّ‬
‫كرد فعل على التيار الصويف املتهاون‬
‫ادهِّ‬
‫اّلل الَِّّيت أَ ْخرج لِّعِّب ِّ‬
‫ومجاهلا وطيباتا اليت جاء وصفها يف قوله تعاىل‪" :‬قُل من ح َّرم ِّزينَةَ َِّّ‬
‫بنضرةِّ احلياةِّ ِّ‬
‫ََ َ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫ت‬‫صل ْاآلاي ِّ‬
‫ك نُ َف ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ات ِّم َن ِّ‬
‫الرْز ِّق قُل ِّهي لِّلَّ ِّذين آمنُوا ِّيف ا ْحلياةِّ الدرنْ يا َخالِّصةً ي وم ال ِّْقيام ِّة َك َذلِّ َ ِّ‬ ‫والطَّيِّب ِّ‬
‫َ َ‬
‫ْ َ‬
‫إن صوفيةَ ذلك العهد كانوا يتظاهرون ابلزهد‪ ،‬والتواضع‪ ،‬والقناعة ابلقليل‪،‬‬ ‫لَِّق ْوم يَ ْعلَ ُمو َن‪َّ ".‬‬
‫‪22‬‬

‫ِّ‬
‫الفساد يف العقيدة‪،‬‬ ‫الناس خاصةً‪ ،‬ويقدسوهنم‪ ،‬ويقتدون هبم‪ .‬أسفر ذلك عن‬ ‫فيعجب هبم رعاع‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫هؤالء‬ ‫وقطع األمل من املستقبل‪ .‬إذ كانت عقيدة‬ ‫ِّ‬ ‫وعرقلة مسار احلياةِّ املثمرةِّ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫النشاط‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وتعطيل‬
‫تستم رد من الفلسفة الكلبيَّ ِّة اليت أسسها الفيلسوف اليونين أنتيستنيس ‪ Antisthenes‬يف القرن‬
‫الرابع قبل امليالد‪ ،‬وهو أحد أتباع سقراط احلكيم‪ .‬كانت هذه الطائفةُ معروفةً بشطحياتم‪،‬‬
‫ِّ‬
‫القرآن والسخريتهم واستهزاءهم جبناب للا سبحانه عما يصفه‬ ‫وأتويالتم اجلريئة‪ ،‬وتالعبهم آبايت‬
‫اجملتمع مل حيفل هبا‪،‬‬
‫َ‬ ‫عاما من الزمن‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫الفاسقون‪َّ .‬أما فكرةُ االعتز ِّ‬
‫ال اليت دامت مائةً ومخسني ً‬
‫فأُ ِّمهلَت واختفت من غري رجعة‪ .‬ألهنا كانت تعتمد على قاعدة علمية يف الظاهر مع بطالهنا يف‬
‫لكن‬
‫األساس‪ ،‬والعامةُ غري مبالية ابلعلمية قدميًا وحديثًا‪ ،‬سلوكيا ُتا وعقليتُها بسيطة وهبيمية‪َّ .‬‬
‫املذهب اإلعتز ِّ َّ‬
‫ايل إمنا تراجع َوَابءَ ابلفشل يف عهد القادر ابهلل أمحد بن إسحاق العباسي (‪-947‬‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫العلماء النابغني‬ ‫ِّ‬
‫انتعاش العقيدة القرآنية الناصعة بفضل مجاعة من‬ ‫‪1031‬م‪ ).‬وذلك نتيجة‬
‫أفكارها‪ ،‬فعمل‬ ‫بعض فِّ َرق كالمية أخرى تفاقمت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫البارعني‪ .‬وقبل هذه الفرتة‪ ،‬كانت قد ظهرت ُ‬
‫صناديدها على متييع احلقائق القرآنية يف مسائل اإلميان‪ ،‬فكانت من أمهها‪ :‬املرجئةُ‪ ،‬واجلهميةُ‪،‬‬
‫واملشبِّهةُ‪...‬‬

‫أبساليب كالمية‪ ،‬أاثروا حركةً سياسيَّةً‪-‬‬


‫َ‬ ‫إن اجلهمية واملرجئةَ الذين خاضوا يف مناقشة مسائل اإلميان‬ ‫َّ‬
‫فلسفيةً يف مواجهة التيار اخلارجي‪ .‬إالَّ َّ‬
‫أن املرجئةَ كانوا أكثر منها اعتداالً يف خطاهبم ابملقارنة مع‬
‫إن املرجئةَ األوائل الذين ظهروا بني أعوام ‪694-680‬م‪ .‬كانوا يف الواقع يريدون تدئة‬ ‫بقية ِّ‬
‫الف َر ِّق‪َّ .‬‬
‫اندلعت يف أواخر أايم عثمان بن عفان رضي للا‬ ‫السلبية ِّ‬
‫للفتنة اليت‬ ‫ِّ‬ ‫تقليل ِّ‬
‫اآلاثر‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬ ‫الوسط‪ ،‬وحياولون َ‬
‫عاما وأدت إىل تفكيك اجملتمع اإلسالمي إىل أحزاب‬ ‫وتطورت بعد اغتياله ودامت أربعة عشر ً‬ ‫عنه‪َّ ،‬‬
‫ف به قدماءُ هذه الفرقة من اإلَتاه السياسي‪ :‬أهنم كانوا حمايدين ومتفائلني‬ ‫متناحرة‪ .‬ومن أبرز ما ُع ِّر َ‬
‫يف خطاهبم‪ ،‬وملتزمني ج انب الرفق يف نصائحهم‪ ...‬فكان بني أوائل هذه اجلماعة عدد من مشاهري‬
‫الصحابة رضي للا عنهم‪ :‬كعبد للا بن عمر بن اخلطاب‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص‪ ،‬وحممد بن مسلمة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫املرجئة‪ ،‬بل ينبغي عدرهم‬ ‫وأسامة بن زيد‪ ،‬غري أن ه ِّ‬
‫ؤالء الشخصيات ال جيوز أب ًدا إدراجهم يف قائمة‬
‫وجههُ‪ ،‬ومعاوية‬ ‫من الوسطيِّني احملايدين حيال األحداث اليت جرت بني علي بن أيب طالب َّ‬
‫كرَم للا َ‬
‫حرصا على الوائم وحفاظًا على السالم‪.‬‬
‫بن أيب سفيان‪ ،‬إهنم مل يريدوا أن يتَّهموا أحد الطرفني ً‬

‫األعراف‪32 :‬‬ ‫‪22‬‬


‫إمنا انتظمت آراءُ املرجئة املتعلقة أبحكام الفقه يف الكوفة‪ ،‬انتظمت جبهود العلماء الذين كانو قد‬
‫متحوروا حول محاد بن أيب سليمان وإيب حنيفة النعمان من بعده‪ .‬يتلخص موقف هذه الطبقة من‬
‫املرجئة‪ :‬أهنم كانو أهل الرأي‪ ،‬انتهجوا حتكيم العقل بعد الكتاب والسنة‪ ،‬واعتقدوا أن اإلميا َن شيء‬
‫اخلروج على النظام مهما‬ ‫ِّ‬
‫السلطة (أي‬ ‫والعمل شيء آخر‪ ،‬جيب الفصل بينهما‪ ،‬وع ردوا التمر َد على‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جائرا) عدوه من البغيِّ‪ .‬والبغي يف مصطلح الفقه اإلسالمي يُطلَ ُق مبعىن "اجلناية على احلكم‬
‫كان ً‬
‫‪23‬‬
‫القائم‪.‬‬

‫إن غالة اجلهمية كانوا ي نْ ُفو َن أمساء ِّ‬


‫للا‬ ‫رم فإهنا ظهرت بعد انتهاء عصر التابعني‪َّ ،‬‬
‫َّجه ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّأما بدعة الت َ‬
‫األمساء من ابب اجملاز‪ ،‬وهم‬‫ِّ‬ ‫تعاىل وصفاتِِّّه على سبيل التنزيه جلناب للا تعاىل‪ ،‬وجيعلون إطال َق‬
‫خمتلفون فيما بينهم‪ .‬ومن دعاةِّ هذا املذهب معبد اجلهن (ت‪ 90.‬ه‪ ).‬وغيالن الدمشقي‬
‫(ت‪ 106.‬ه‪ .).‬أما معبد ف َكا َن من أهل املعرفة‪ ،‬فإضله للا على علم‪ ،‬كان قد تلقى فِّ ْك َرتَهُ من‬
‫وأما غيالن فكان رجالً جاهالً‪ ،‬ضل هو اآلخر بعد أن غره راهب من‬ ‫رجل نصراين امسه َس ْو َسن‪َّ .‬‬
‫رهبان النصارى امسه يوحنا الدمشقي‪ .‬ومن دعاة هذه البدعة جهم بن صفوان (ت‪128.‬ه‪).‬‬
‫املذهب ابمسه‪ ،‬كان من أهل خرسان‪ ،‬تتلمذ على جعد بن درهم (‪ 124‬ه‪ ).‬الذي ذحبه وايل‬
‫ُ‬ ‫اشتهر‬
‫العراق خالد بن عبد للا القسري‪ 24‬يوم العيد األضحى يف عهد هشام بن عبد امللك األموي‪ .‬كان‬

‫َق مبعىن‬ ‫إن كلمة اإلرجاء يف ِّ‬


‫اللغة‪ :‬تُطل ُ‬ ‫‪ 23‬املرجئةُ فرقة من أهل البدع وبدعتهم خطرية‪ ،‬ألهنم خيالفون كتاب للا وسنة رسوله يف مسألة من أهم مسائل اإلميان‪َّ .‬‬
‫ِّ‬
‫ابالميان ارتباطًا وثي ًقا‪ .‬فالعمل الصاحل يزداد به اإلميان‪ ،‬والعمل‬ ‫العمل مرتبط‬ ‫أن‬ ‫ِّ‬
‫ابإلمان‪ ،‬مع َّ‬ ‫نفي عالقة العمل‬
‫َ‬ ‫التأخري واإلمهال‪ .‬وأما يف االصطالح‪ ،‬فهي ُ‬
‫أي إنسان عاقل يريد أن يفعل شيئًا إمنا يكون على علم ويقني مبا قد نواه يف ضمريه‪ ،‬وال يقوم بعمل إالَّ بعد أن‬ ‫السيءَ ينقص به اإلميان‪ .‬والربهان على ذلك َّ‬
‫أن َّ‬
‫العمل والطاعةَ‬ ‫ِّ‬
‫العزم على حتقيقه يف ذهنه‪ .‬فالعمل إذن جزء ال يتجزَّءُ من النية السابقة‪ .‬إن املرجئَةَ كانوا وال يزالون ينفون هذه احلقيقةَ‪ ،‬يُ َؤخ ُرون‬
‫َ‬ ‫يتصوره ويعقد َ‬
‫َ‬
‫فحسب‪ ،‬والعمل ال‬
‫ُ‬ ‫عن اإلميان‪ ،‬ويقطعون الصلة بينهما‪ .‬وخالصة عقيدة املرجئة أهنم يقولون‪" :‬اإلميا ُن شيء‪ ،‬والعملُ شيء آخر وال عالقة بينهما‪ ،‬اإلميان قول‬
‫مفوض إىل للا وقد يغفر له وإن مل يعمل‪ ،‬واإلميان ال يزيد وال ينقص‪".‬‬
‫أمرهُ مؤخَّر َّ‬ ‫متت بصلة إليه‪ .‬فمن آمن ومل يعمل َّ‬
‫فإن َ‬ ‫ر‬

‫أمري العراقني هلشام بن عبد امللك األموي‪ ،‬وويل قبل ذلك مكة للوليد بن عبد امللك مث لسليمان‪ .‬ظهر يف عهده رجل‬ ‫‪24‬‬
‫كان خالد بن عبد للا القسرى َ‬
‫امسه اجلعد بن درهم‪ .‬قيل‪" :‬كان اجلعد يعيش يف حي للنصارى بدمشق ‪ ،‬حيث أتثر هناك جبو اآلراء الفلسفية املسيحية اليت كانت تثار حول طبيعة اإلله"‪.‬‬
‫وقيل‪" :‬كان اجلع ُد يبالغ يف توحيد للا وتنزيهه‪ ،‬مما دفعه إىل القول بنفي الصفات اليت توحي ابلتشبيه‪ .‬فلما استفحل أمره وأوشك أن يتطور فيفتت به الناس يف‬
‫ِّ‬
‫خيطب‪ ،‬فنزل من فوق املنرب فقال‪ :‬أيها الناس انصرفوا إىل‬
‫ُ‬ ‫الكوفة يوم عيد األضحى‪ .‬كان خالد بن عبد للا القسرى‬ ‫ض عليه ِّ‬
‫وأويتَ به إىل مسجد‬ ‫دينيهم‪ ،‬قُبِّ َ‬
‫منازلكم وضحوا ‪-‬ابرك للا لكم ىف ضحاايكم‪ ،-‬فإىن مضح الي وم ابجلعد بن درهم‪ ..‬مث محل "سيفه" وذحبه أمام املصلني وهم ينظرون‪ .‬لقد كان اجلعد رجال‬
‫يبغض أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي للا عنه‪ ،‬فأهلكه للا‬
‫ُ‬ ‫ضاالا‪ ،‬إال َّ‬
‫أن خال َدا كان أضل منه‪ .‬فقد مقته العلماءُ فقالوا فيه‪" :‬إنه رجل سوء" ألنه كان‬
‫ضا‪ .‬استنابه هشام بن عبد امللك على العراق سنة ست ومائة إىل سنة عشرين ومائة مث عزله وسلَّ َمه إىل يوسف بن عمر الذي واله مكانه‪ ،‬فعاقبه وأخذ منه‬ ‫مبغو ً‬
‫ضخما كان قد حصل عليه بطريق‬
‫ً‬ ‫أمواال مث أطلقه‪ ،‬وأقام بدمشق إىل احملرم من هذه السنة فسلمه الوليد الفاسق إىل يوسف بن عمر يستخلص منه مبلغًا‬
‫صدره‪ ،‬فمات‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الفساد‪ ،‬فمات حتت العقوبة الشديدة؛ ُحط َم قدماه مث ساقاه مث فخذاه‪ ،‬مث ُ‬
‫جعد بن درهم قد أخذ هذه العقيدة عن فالسفة َح َّرا َن‪ .‬ومن مشاهري اجلهميِّني بشر بن غياث‬
‫‪25‬‬
‫املريسي (ت‪ 218.‬ه‪).‬‬

‫يؤولون‬ ‫ِّ‬
‫والسنة‪ .‬كانوا ِّ‬ ‫َّ‬
‫إن اجلهميةَ كانوا عقالنيني للغاية‪ ،‬مفرطني يف تقدمي ِّ‬
‫العقل على الكتاب‬
‫الوحي هو الذي خلق العقل‪ .‬كانوا يزعمون‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫نز َل‬ ‫مبحض ميزان العقل وال يدركون َّ‬
‫أن ُم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫النصوص‬
‫َ‬
‫ضا وهبذه‬ ‫ذات اإلهليةَ‪ ،‬فإنه ال جيوز أي ً‬ ‫يتصوَر ويُ ِّ‬
‫در َك ال َ‬ ‫«أن اخليال البشري مادام يستحيل عليه أن َّ‬
‫يتصوَر له من صفات كالعقل‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬واحلياة‪ ،‬والسمع‪ ،‬والبصر اليت هي من‬ ‫ِّ‬
‫الدامغة أن َّ‬ ‫القر ِّ‬
‫ينة‬
‫علم له مبا سيأيت‪،‬‬‫صفات املخلوق‪ .‬لكنه جيوز وصفه أبنه خالق وفاعل‪ ".‬وزعم اجلهمية‪" :‬أن للا ال َ‬
‫"أن‬ ‫ِّ‬
‫الكالم‪ ،‬كما نَ َف ْوا رؤيةَ للا يف اآلخرة‪ .‬وزعموا‪َّ :‬‬ ‫علم له مبا مل خيلُ ْقه بعد‪ ".‬ونَ َف ْوا عنه صفةَ‬ ‫وال َ‬
‫والنار مؤقَّتًا‬
‫َ‬ ‫"إن للاَ سوف خيلق اجلنةَ‬ ‫اإلرادةَ البشريةَ غريزيَّة‪ ".‬وكفروا بوجود املالئكة‪ ،‬وقالو‪َّ :‬‬
‫ليظل هو ابقيًا وحي ًدا وسرمد ااي‪".‬‬
‫كل شيء َّ‬ ‫ك َّ‬ ‫والعقاب‪ ،‬مث يُهلِّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫لتنفيذ اجلز ِّاء‬
‫ِّ‬

‫***‬
‫"م ْسلُ َمانْلِّك ‪ ،"Müslümanlık‬مل يكن أحد قد‬
‫"م ْسلُ َما ْن ‪ " Müslüman‬و ُ‬
‫يت ُ‬
‫يغلب الظ رن َّ ِّ‬
‫أن َكل َم َْ‬
‫"م ْسلُ َمانْلِّك ‪ ،"Müslümanlık‬من املؤَّكد أهنا قد‬
‫ظ هبما قبل عام ‪850‬م‪ .‬غري أن كلمة ُ‬
‫تلف َ ِِّّ‬
‫ت منذ عام ‪900‬م‪ .‬إذ نعثر على هذه الكلمة يف وثيقة امسها " ‪Satuk Buğra Han‬‬ ‫خدم ْ‬
‫استُ َ‬
‫‪ ."Tezkiresi‬حتتوي هذه الوثيقة على معلومات هامة جداا‪ ،‬تناوهلا الدكتور حممد ترغوت بربرجان‬
‫‪ Dr. Mehmet Turgut Berbercan‬يف مقالة أكادميية له‪ ،‬وهو واحد من الباحثني األتراك‪ .‬قد‬
‫عصرن‪ .‬كان‬ ‫وردت هذه الكلمةُ يف الوثيقة آنفة الذكر بشكل خيتلف عن شكلها املستخ َدِّم يف ِّ‬
‫ك ‪ "Müselmançilik‬يف القرن الذي بدأ األتراك يُطلِّقوهنا‬ ‫اجنلِّ ْ‬
‫"مسل َْم ِّْ‬ ‫ِّ‬
‫الكلمة على ِّ‬
‫شكل ُ َ‬ ‫ط هذه‬
‫ضب ُ‬
‫اجنيلِّك‬
‫لم ِّْ‬
‫سَ‬ ‫"م َ‬
‫سل َْما ْن ‪ "Muselman‬و ُ‬ ‫"م َ‬
‫على دينهم (كإسم بديل عن اإلسالم)‪ ،‬وقد وردت كلمتا ُ‬
‫سبعا وعشرين مرةً‪.‬‬
‫‪ "Muselmançilik‬يف هذه الوثيقة ً‬

‫‪ 25‬التجهم يف اللغة صفة‪ ،‬يقال‪َ :‬تهَّم له‪ :‬أي استقبله بوجه كريه‪َ ،‬عبَس يف وجهه‪ .‬وقد ورد يف دعاء الرسول الكرمي صلى للا عليه وسلم يوم آذاه بنو ثقيف‬
‫ِّ‬
‫َّم ِّن أو إىل قريب ملكته أمري!" والتجهم يف االصطالح‪ :‬يطلق على عقيدة اجلهمية الذين يَنْ ُفو َن‬ ‫يف طائف قال وهو يناجي ربه‪" :‬إِّ َىل َم ْن تَكل ُِّن؟ إِّ َىل َع ُدو يَتَجه ُ‬
‫والصفات اإلهليةَ وهم خمتلفون؛ منهم املعتزلة واألشاعرة والكالبية واملاتريدية‪ ...‬كان جهم بن صفوان يعتقد خلق القرآن‪ ،‬ويقول ابجلرب‪ ،‬أي بنفي حرية‬ ‫ِّ‬
‫األمساءَ‬
‫بني البطالن‪ ،‬بل خلق للا اإلنسا َن ورزقه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫س َّري‪ ،‬مُرغَم على فعله‪ ،‬وهذا ابطل ُ‬ ‫اإلنسان يف أفعاله‪ .‬إن اجلهمية يزعمون أبن الفاعل الوحيد هو للا‪ ،‬وأن اإلنسا َن مُ َ‬
‫ب ُك رل‬ ‫ِّ‬
‫ملكةَ التمييز بني احلق والباطل‪ ،‬ومصدرها العقلُ‪ ،‬وجعله خمريًا فيما يفعلُهُ من خري وشر وهو مسؤول عن فعله‪ ،‬غري مسؤول عن فعل غريه " َوَال تَكْس ُ‬
‫ص َر فَلِّنَ ْف ِّس ِّه‬ ‫ِّ‬
‫صائُِّر م ْن َربِّ ُك ْم فَ َم ْن أَبْ َ‬
‫اء ُك ْم بَ َ‬
‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫نَ ْفس إ َّال َعل َْي َها َوَال تَ ِّز ُر َو ِّازَرة ِّوْزَر أُ ْخ َرى ُمثَّ إ َىل َرب ُك ْم َم ْرجعُ ُك ْم فَيُ نَ بئُ ُك ْم مبَا ُك ْن تُ ْم فيه َختْتَل ُفو َن‪( .‬األنعام‪ )164 :‬قَ ْد َج َ‬
‫يد‪( .‬فصلت‪ )46 :‬من َع ِّمل ص ِّ‬
‫احلًا‬ ‫ك بِّظ ََّالم لِّلْعبِّ ِّ‬
‫َساءَ فَ َعل َْي َها َوَما َربر َ‬ ‫ومن َع ِّمي فَعل َْي َها وما أ ََن َعل َْي ُكم ِّحب ِّفيظ‪( .‬األنعام‪ )104 :‬من َع ِّمل ِّ ِّ ِّ ِّ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫صاحلًا فَلنَ ْفسه َوَم ْن أ َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ََ ْ َ َ ََ‬
‫َساءَ فَ َعل َْي َها ُمثَّ إِّ َىل َربِّ ُك ْم تُ ْر َجعُو َن‪( .‬اجلاثية‪)15 :‬‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫فَلنَ ْفسه َوَم ْن أ َ‬
‫الرتك منذ أايم القائد األموي نصر بن سيار (‪)748-663‬‬ ‫اإلسالم اخلالص يف بالد ر‬
‫ُ‬ ‫مل يستقر‬
‫املشوه يف هذه الداير منذ احتلها‬
‫االسالم َّ‬
‫ُ‬ ‫دام‬
‫الذي كا َن يومئذ واليًا على هذه املنطقة‪ ،‬بل انتشر و َ‬
‫للباحث الرتكِّ ِّ‬
‫ي اإلستاذ الدكتور زكراي كتاجبي ‪Prof.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حبسب ما ورد يف كتاب‬ ‫العرب مدةَ مائة عام‪،‬‬
‫االسالم املطابق للكتاب‬
‫َ‬ ‫فحسب اعتنقوا‬ ‫ُ‬ ‫أن أقليةً من األتراك‬ ‫‪ .Dr. Zekeriya Kitapçı‬كما يبدو َّ‬
‫الرتكِّيَّةَ ‪ Müslümanlık‬الىت َر َمسَْت َها هلم عصابة من رهبان‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والسنة‪ ،‬وأما اكثريتُهم اعتنقوا ال ُْم ْسلُ َمانيَّةَ رْ‬
‫ِّ‬
‫"األولياء الصاحلني!" كما اشتهروا بعنوان‬ ‫ادها بني األتراك بِّ ِّس َم ِّة‬ ‫الشامانية والبوذية الذين اشتهر أفر ُ‬
‫ِّ‬
‫العلماء‬ ‫هؤالء الرهبان الذين اند رسوا يف صفوف اجملتمع يف زي‬ ‫ِّ‬ ‫"خواجگان" وأييت يف مقدمة‬
‫وأفسدوا العقيدةَ القرآنيةَ‪ ،‬أييت يف مقدمتهم‪ :‬أمحد اليسوي (راهب شاماين)‪ ،‬وعبد اخلالق الغجدواين‬
‫يق لظهور الداينة ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة قد حدثت‬ ‫مه َد ِّ‬
‫ت الطر َ‬ ‫ض َّ‬
‫أن معظم الوقائع اليت َّ‬ ‫فرت ُ‬
‫(راهب بوذي)‪ .‬يُ ََ‬
‫اندالع «ثورة الزنج» عام ‪869‬م؟ ملدة ثالثة قرون‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫قبل هذه الفرتة بداية من‬

‫وأما ثورة الزنج؛ فإهنا كانت وليدةَ الظروف‪ ،‬ألنه من ُسنَّ ِّة احلياة‪ ،‬أينما ساد اجلور والقهر واختفت‬
‫العدالة وتعرضت كرامة اإلنسان لالهانة فإن االنتفاضة واقعة ال حمالةَ‪ .‬شاهد العصر العباسي‬
‫أكتاف مئات آآلف من العبيد البائيسني من زنوج البانتو‪ ،‬استوردهم املالك‬ ‫ِّ‬ ‫ازدهارا على‬
‫ً‬
‫قسرا يف تنقية املستنقعات لتحويلها إىل أراضي صاحلة‬
‫اإلقطاعيون من أفريقيا الشرقية وسخروهم ً‬
‫اثيم وفريوسات خطرية قضت على حياةِّ آآلف من‬ ‫للزراعة‪ .‬كانت هذه املناطق الوعرة بؤرةً جلر َ‬
‫اإلزدهار مثرةَ ِّ‬
‫ظلم ميارسه الطغمة احلاكمة والنخبة التابعة هلا من السادة‬ ‫ِّ‬
‫هؤالء العبيد‪ ،‬إذ كان هذا‬
‫ُ‬
‫قلوهبم متحجرةً‬
‫الذين أسكرهم الغىن وابطرتم الرفاهيةُ وأزالت الرمحةَ من ضمائرهم‪ .‬لقد كانت ُ‬
‫ِّ‬
‫العذاب بتسخريهم يف أعمال‬ ‫ِّ‬
‫خاليةً من خمافة للا والعاطفة اإلنسانية‪ ،‬فساموا هؤالء العبي َد سوءَ‬
‫هار عن اهنيار كبري يف األخالق وانتشار‬ ‫ِّ‬
‫شاقة ومحلهم مامل يكونوا يطيقونه‪ ،‬لذلك أسفر هذا اإلزد ُ‬
‫االعتقاد ابآلهلةً من األضرحة‬
‫َ‬ ‫فظيع يف التزمت الصويف الذي أذهب اإلميان من القلوب وأحل‬
‫للزوال بسبب هذه املمارسات‬ ‫ِّ‬ ‫القيم املقدسة‬ ‫ِّ‬
‫والقباب حمل اإلميان ابهلل الواحد األحد‪ .‬فتعرضت ُ‬
‫اجملوسي الفارسي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والكفر‬ ‫والعمل الصالِّ ُح يف غمر الضالل الصويف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اإلخالص‬
‫ُ‬ ‫الظاملة وضاع‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والشرك الشاماين الرترك ِّي‪ ،‬فعادت اجلاهليةُ العربيةُ بكل معال ِّمها الوثنية‪ .‬كان ذلك ً‬
‫دافعا النتفاضات‬
‫عاما‪ ،‬زعزعت أركان الدولة العباسية من أساسها‪ ،‬وتركتها‬
‫عشر ً‬
‫وثورات قام هبا الزنوج مدةَ أربعةَ َ‬
‫هشةً عرب قرون إىل أن سطى عليها املغول فاستأصلوا شأفتها ودحروها من مسرح التاريخ‪.‬‬
‫فاختلطت هبا‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫املرحلة إىل ممارسات شكلية جافة خالية من معانيها احلقيقية‪،‬‬ ‫حتولت العبادةُ بعد هذه‬
‫واالَتار ابلدين‪ ،‬والفسوق‪ ،‬واإلجرام‪ ...‬وبنِّ ِّ‬
‫يت‬ ‫كيات‪ ،‬وشاع التملر ُق‪ ،‬والرايء‪ ،‬والرهبنةُ‪ِّ ،‬‬
‫البِّ َدعُ والشر ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الزوااي والتكااي جبنبات املساجد‪ ،‬فلم يعد للتعبد أثر يف الضمائر‪ ،‬حيث أصبح من العادةِّ أن يصلِّ َي‬
‫أبسا‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ينصرف إىل مكان فجوره فال يرى ً‬ ‫َ‬ ‫حاجتَهُ‪ ،‬مث‬
‫يتضرعُ إلىه ليقض َي له َ‬
‫الرجل مث يتوجهَ إىل ضريح َّ‬‫ُ‬
‫الطاعة ألويل األمر‪ ،‬فلم يكن هناك هيبة‬ ‫ِّ‬ ‫من كل ذلك! لقد اهنارت األخالق إىل حدود قطعت صلةَ‬
‫"خللفاء" وامللوك إالَّ حبكم السيف والعصى‪ ،‬مما أدى إىل انتفاضات‬ ‫ِّ‬ ‫واحرتام يف قلوب الرعااي ل‬
‫وثورات استنزفت قدرات الدولة وأضعفتها وجعلت منها هدفًا للتحدايت والصرارعات واهلجمات‬
‫ضهم‬ ‫األفرنج ِّ‬
‫وحير ُ‬ ‫َ‬ ‫ش ِّج ُع‬
‫العباسي هارون الرشيد كان يُ َ‬
‫َّ‬ ‫لك‬ ‫يف الداخل واخلارج‪ .‬يدل على ذلك َّ‬
‫أن امل َ‬
‫على عبد الرمحن الداخل (ملك األنْدلُس)‪ ،‬وهذا حدث يف املرحلة الزاهرة للدولة العباسية‪ ،‬وما‬
‫لكم مبا حدث بعدها من الثورات‪ ،‬والعصيانت‪ ،‬واملذابح‪ ،‬واالقتتال‪ ،‬والفساد الذي ساد على‬
‫مجيع جماالت احلياةِّ إىل أن جعل هذه الدولةَ العمالقةَ لقمةً سائغةً ابتلعها وحوش املغول عام‬
‫إن هذه اهلشاشةَ اليت سادت على الدولة واجملتمع هي اليت فتح اجملال لظهور داينت‬ ‫‪1258‬م‪َّ .‬‬
‫والق ِّ‬
‫رم ِّطيَّ ِّة‪ ،‬واالمساعيليَّ ِّة‪ ،‬والنرصرييَِّّة‪ ...‬فكان‬ ‫اخلَُّرِّميَّ ِّة ِّ‬
‫خطرية على أرض األسالم يف وقت مبكر‪ ،‬مثل ْ‬
‫ِّ‬
‫لظهور‬ ‫ط‬‫ت الوس َ‬ ‫س ْل َمانِّيَّ ِّة الفاريسة من جهة‪ ،‬كما َّ‬
‫مه َد ِّ‬ ‫ِّ‬
‫هلذه الداينت أثر كبري يف نشوء الْ ُم َ‬
‫الرتكِّيَّ ِّة ‪ Müslümanlık‬يف بالد ماوراء النهر من جهة آخرى‪ .‬لقد كان من أهم أحداث‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫أن األزمةَ اإلميانيَّةَ بلغت ذروتا مع حركة «إخوان الصفا»‪ ،‬وظهور صوفية األتراك يف‬ ‫هذه الفرتة؛ َّ‬
‫علما أن هذه احلركة كانت وال تزال‬
‫منطقة تركستان اليت بدأت يف القرن الثالث عشر امليالدي‪ً ،‬‬
‫خاليةً من اإلميان بوحدانية للا تعاىل!‬

‫أما حركة إخوان الصفا‪ ،‬فإهنا كانت مبادرةً ثوريَّةً فكريَّةً ِّس ِّريَّةً بدأت ألول مرة يف مدينة واسط‬
‫ابلعراق بعد هزمية الزنج وقمعهم عام ‪980‬م‪ .‬قد تناول هذه احلركةَ كثري من أهل املعرفة والبحث‬
‫املدماك‬
‫َ‬ ‫العلمي يف دراساتم‪ ،‬فقد ذهب بعضهم‪" :‬أهنا كانت مدرسةً عقالنِّيَّةً أصبحت مبرور الزمن‬ ‫ِّ‬
‫املعتقدات الباطنية الفلسفية التوحيدية يف االسالم‪ ،‬واليت تألألت وأينعت‬ ‫ُ‬ ‫ارتكزت عليه‬
‫ْ‬ ‫الذي‬
‫ِّ ‪26‬‬ ‫مثارها‪ ،‬م ِّ‬
‫ضا ابحثون‬ ‫اإلسالم ري" كما أن هناك أي ً‬ ‫بدعةً خالقةً ألكرب هنضة عرفانية عرفها التاريخ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِّ‬
‫األذهان إىل‬ ‫ِّ‬
‫العقول وتوجيهَ‬ ‫ت إاثرةَ‬
‫يفسرون هذه املبادرة على أهنا كانت ثورةً روحيةً وأخالقيةً تَبَ نَّ ْ‬
‫بناء جمتمع طاهر مؤمن متحل ابلفضائل‪ ،‬متعاون فيما بينه على أساس احلكمة والعدل واملساواةِّ‬ ‫ِّ‬

‫الدكتور مصطفى غالب‪ ،‬إخوان الصفا وخالن الوفا‪ ،‬مقتبَس من َّأو ِّل سطور املقدمة‪ ،‬ص‪ ،5/‬دار ومكتب اهلالل‪ ،‬بريوت‪1989-‬م‬ ‫‪26‬‬
‫ِّ‬
‫اإلنسان‬ ‫وإقامة ِّ‬
‫دولة اخلري ألجل سعادة‬ ‫ِّ‬ ‫واإلخاء‪ ،‬يهدف إىل ِّ‬
‫إهناء "دولة الشر" أي الدولة العباسية‪،‬‬
‫وحريَّتِّ ِّه وكرامتِّ ِّه‪.‬‬

‫ِّ‬
‫إخوان الصفا‪،‬‬ ‫مهمةً جداا‪ :‬هناك قاسم مشرتك يلوح بني كل من حر ِّ‬
‫كة‬ ‫حندد هنا نقطةً َّ‬ ‫دعون ِّ‬
‫ص ِّْرييَِّّة؛ آال وهو "الوالءُ ألهل بيت الرسول صلى للا عليه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬
‫واخلرميَّة‪ ،‬والقرمطيَّة‪ ،‬واالمساعيلية‪ ،‬والنر َ‬
‫الفارسي االزدواجي‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الوجه اخلفي للتشيع‬ ‫ائف ينبِّ ُهنا على‬
‫اجملوسي الز َ‬
‫َّ‬ ‫القناع‬
‫َ‬ ‫وسلم" ‪ ...‬إن هذا‬
‫خالل عالقتِّها هبذه التيارات الباطنية‪ .‬وهذا يكفي للتعبري عن مدى عمق اهلوةِّ بني‬ ‫املموه من ِّ‬ ‫َّ‬
‫النريةِّ الرفيعة جملتمع السلف الصاحل‪ ،‬وبني عقلية القرن الرابع اهلجري (العاشر‬ ‫العقلية القرآنيبة ِّ‬
‫العباسيِّ‪ .‬فليس إذَ ْن من الشطط أن نقول‪ :‬أن هذه املرحلةَ اتسمت هبجرة‬ ‫ِّ‬ ‫امليالدي) ل لمجتمع‬
‫ِّ‬
‫القلوب مع ظهور تنظيم احلشاشيني يف قلعة املوت عام‬ ‫اإلميان بوحدانية للا تعاىل من أكثر‬
‫‪1090‬م‪ ،‬الذي مل يقتصر كونه على قيامه أبعمال اإلرهاب واإلغتياالت وسفك الدماء فحسب‪،‬‬
‫عقلية اإلشر ِّ‬
‫اك املُعلَ ِّن بكل‬ ‫بل آذن مبحو كل آاثر اإلسالم احلقيقية تقريبا من الضمائر‪ ،‬فبدأت فرتةُ ِّ‬
‫ً‬
‫معاملها‪.‬‬

‫انفصمت العروة السياسية لألمة يف هذه املرحلة بصورة قطعيَّة‪ ،‬وتداعت أواصر اإلخاء اليت كانت‬
‫احلكم (‪949-905‬م‪ ،).‬فبدأت‬ ‫وط بعد أن توىل املستكفي‬ ‫تكفل وحدتا‪ ،‬وآذنت الدولة ابلسق ِّ‬
‫َ‬
‫يل‬ ‫ِّ‬
‫ُخرى على الساحة اليت كانت تسيطر عليها الدولة العباسية قُبَ َ‬ ‫ت دويالت‪ ،‬واحدةً تل َْو األ َ‬
‫تَ ْن بُ ُ‬
‫حكم املستكفي‪ ،‬منها‪ :‬الدولةُ السامانيةُ الفارسيَّةُ يف منطقة ماور ِّاء النهر (‪999-875‬م)؛ والدولةُ‬
‫ِّ‬
‫أعجام‬ ‫الصفاريَّةُ (‪ ،)1003-861‬يف منطقة سجستان‪ُ ،‬ح َّك ُامها َع َرب‪ ،‬ورعاايها كانوا أخالطًا من‬
‫الرت ِّك‪ ،‬ورعاايها من‬ ‫ِّ‬
‫والرتك؛ والدولةُ الطرولُونيَّةُ يف مصر (‪905-868‬م)‪ُ ،‬ح َّك ُام َها كانوا من رْ‬
‫رس ر ِّ‬
‫ال ُف ِّ ْ‬
‫عدةِّ منَ ِّ‬ ‫العرب؛ والدولةُ البُ َويْ ِّهيَّةُ الفارسيةُ (‪1062-932‬م‪ ).‬بسطت‬
‫اط َق منها‬ ‫سلطاهنا على َّ َ‬
‫َ‬
‫اط ِّميَّةُ يف مشال إفريقيا ومصر (‪-921‬‬ ‫الفارس‪ ،‬وخوزستان‪ ،‬وكرمان‪ ،‬واجلبال‪ ،‬والعراق؛ والدولةُ ال َف ِّ‬
‫الرت ِّك‪ ،‬ورعاايها من‬ ‫ِّ ِّ‬
‫‪1171‬م‪).‬؛ والدولةُ اإل ْخشيديَّةُ يف مصر (‪ُ )969-938‬ح َّك ُام َها كانوا من رْ‬
‫العرب؛ والدولةُ األياوبِّيَّةُ يف مصر (‪1341-1174‬م‪ُ ).‬ح َّك ُام َها كانوا من ال ُك ْرِّد‪ ،‬ورعاايها من‬
‫ت أجزا ُؤها عن اإلسالم‪ ،‬فكان ُح َّك ُ‬
‫ام‬ ‫ت أوصا ُهلا‪ ،‬وانشق ْ‬ ‫العرب‪ ...‬هكذا تشرذمت األمةُ َّ‬
‫وتفك َك ْ‬
‫امتداد الداينت القدمية؛ يعتقدون ِّاب َّلزَن ِّدقَ ِّة‬
‫ِّ‬ ‫مبذاهب ابطنيَّة من‬
‫َ‬ ‫هذه الدويالت ورعاايها يدينون‬
‫ومنَاقِّبِّ ِّهم املكذوبَِّة‪ ،‬إالَّ قلةً مستضعفةً ثبتت على الدين احلنيف على‬ ‫ِّ‬ ‫ِِّّ‬ ‫وأ ْ ِّ‬
‫ض ِّر َحت ِّه ْم وَك َر َاماتم املزعومة َ‬
‫أساس توحيد للا تعاىل واإلميان اخلالص من شوائب اإلشراك‪ .‬وهكذا اهنارت األَُّمةُ ومل يعد للوحدة‬
‫قلوب أبنائِّها أثر منذ بداية العصر الثاين للدولة العباسية‪ .‬بدأت تتفاقم البِّ َدعُ واخلرافات‬
‫اإلميانية يف ِّ‬
‫االمساعيلية خاصةً‪ ،‬فانتشر اإلحتفال ابملولد النبوي (حتت ستار حمبَّ ِّة‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الفاطمية‬ ‫بتشجيع الدول ِّة‬
‫احلاكم أبمر للا (‪1021-985‬م‪).‬‬ ‫ِّ‬ ‫األذان‪ ،‬وظهرت فتنةُ ِّ‬
‫أتليه‬ ‫ِّ‬ ‫بعض ِّ‬
‫ألفاظ‬ ‫الرسول!)‪ ،‬ومت تغيريُ ِّ‬
‫عتوها‬
‫الذي يصفه السيوطي يف اترخيه ب "احلاكم أبمر إبليس" وهو أحد ملوك الفاطميني‪ ،‬كان م ً‬
‫‪27‬‬

‫دعى محزة بن علي الدرزي (‪1021-985‬م‪َّ ).‬اختذه إهلًا‪،‬‬ ‫فارسي يُ َ‬


‫ٌّ‬ ‫يب األطوار‪َّ ،‬اختذه رجل‬‫غر َ‬
‫ت ب "الدرزية" مازال يكتنفها الغموض حىت‬ ‫اختلق منها داينةً ُع ِّرفَ ْ‬
‫َ‬ ‫وأساطري‬
‫َ‬ ‫فَضفر حولَه معتقدات‬
‫املماليك (‪ )1517-1250‬من حد انتشار الداينة الدرزية نسبياا لطغت على‬ ‫ُ‬ ‫تمكن‬ ‫اليوم‪ .‬ولو مل ي َّ‬
‫الساحة اللرْبنانيَّ ِّة كما قفزت إىل‬
‫ِّ‬ ‫كثري من الداينت يف املنطقة‪ ،‬ولكنها استطاعت أن تتوغَّ َل يف‬
‫َّم‬
‫املغرب األقصى‪ .‬وللدروز وجود إىل اليوم‪ .‬كما ليس خافيًا على رجال البحث العلمي ما قد َ‬
‫والدروز من املساعدةِّ للصليبيني والغربيني أثناءَ محالتم على الشرق األوسط خالل فرتة‬
‫ُ‬ ‫النصرييةُ‬
‫االستعمار‪.‬‬

‫ش روهات الطارئة على العقيدة من مرحلة إىل أخرى عرب التاريخ‬


‫تبعا للت َ‬
‫تشوهُ العقلية ً‬
‫استمرت أزمة ر‬
‫ت عدد اآلهلة حتت مسميات خمتلفة‬ ‫اإلسالمي وتضاعفت خاصةً بعد القرن العاشر امليالدي‪َ .‬كثُ َر ْ‬
‫ِّ‬
‫"األضرحة"‪ ،‬وأغلب‬ ‫ومسيت ب‬‫أشهرها "األولياءُ" الذين شاع تقديسهم وبُنيت على جثاميهنم قباب ُ‬
‫ِّ‬
‫السامية‬ ‫بتشويه ِّ‬
‫القيَ ِّم‬ ‫ِّ‬ ‫وصد ِّه ْم عن سبيل للا‬
‫الناس ِّ‬
‫هؤالء املقبورين كانوا زندقةً عملوا على إضالل ِّ‬
‫القصاصون من‬ ‫َّ‬ ‫افات‪ ...‬فذاعت حكاايت مكذوبة اخرتعها‬ ‫واألساطري واخلر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫البدع‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واختالق‬
‫بطون آالف من‬ ‫ت هذه القصص يف ِّ‬ ‫الزندقة بعنوان كراماتم!‪ُ ،‬ح ِّش َد ْ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫هؤالء‬ ‫الصوفية لتفخيم شأن‬
‫املكتبات هبذه الكتب اخلطريةِّ فحارت العلماءُ يف وجه هذه البلية العظيمة‪ .‬يربهن‬ ‫ُ‬ ‫الكتب‪ ،‬واكتظت‬ ‫ِّ‬
‫أن عاملًا مثل الغزايل (‪1058-1111‬م) هرب من بغداد‪ ،‬فلجأ إىل بيت املقدس‬ ‫على ذلك َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كتااب حول خماطر‬ ‫صا من أتون اإلشراك والزندقة‪ .‬وقد ألف ً‬ ‫عاصمة الدولة الصليبية وقتها‪ ،‬رمبا ختلر ً‬
‫كتااب مساه "تلبيس‬ ‫مجال الدين عبد الرمحن بن اجلوزي هو اآلخر ً‬ ‫ف ُ‬ ‫الباطنية ومساويهم‪ ،‬كما ألَّ َ‬
‫دفتيه ما تقشعر له اجللود من رذائل الصوفية وشركياتم‪.‬‬ ‫إبليس"‪ ،‬مجع بني ِّ‬

‫ِّ‬
‫املنشقة عن الدين‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم وانقر ِّ‬
‫اض آاثره‪ ،‬والشقاق السائد يف اجملتمعات‬ ‫ملا انتبه الغرب إىل ِّ‬
‫انتفاء‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫لالنقضاض عليها‪ ،‬فبدأت‬ ‫َّ‬
‫واستعد‬ ‫احلنيف‪َ ،‬علِّ َم أ ْن ال قِّبَ َل هلا يف مواجهته‪ .‬فطمع يف احتوائها‬
‫ِّ‬
‫األوسط عام ‪1096‬م‪.‬‬ ‫أحناء أورواب على الشرق‬‫اجليوش العارمةُ للنصارى الكاثوليك تنهال من ِّ‬
‫ُ‬

‫جالل الدين عبد الرمحن السيوطي‪ ،‬اتريخ اخللفاء‪ ،‬ص‪ ،797/‬دار املنهاج‪ -‬جدة‬ ‫‪27‬‬
‫أن ذلك مل يكن عجبًا‪،‬‬ ‫استجابةً للفتوى الصادر من البااب أورابنوس الثاين (ت‪1099 .‬م‪ ،).‬واحل رق‪َّ ،‬‬
‫املنطقة‪ ،‬إذ أن النصارى يعبدون ثالث آهلة‬ ‫ِّ‬ ‫عذااب أنزله للا على مجوع املشركني يف هذه‬ ‫لعله كان ً‬
‫واح ًدا‪،‬‬ ‫فحسب (األب واإلبن والروح القدس)‪ ،‬بل يعرتض كثري منهم على أهنم ال يعبدون إالَّ إهلا ِّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫اآلهلة‪ ،‬لكنهم ال يصفون‬ ‫ِّ‬ ‫األوسط يعبدون عشرات‪ ،‬بل مئات من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الشرق‬ ‫ِّ‬
‫منطقة‬ ‫بينما ُس َّكا ُن‬
‫ْرا َوَم َك ْرَن َمك ًْرا‬ ‫ِّ‬ ‫معبوديهم ب ِّ‬
‫"اآلهلة‪ ".‬بل يع رد َ‬
‫مكرا‪َ " .‬وَم َك ُروا َمك ً‬
‫وهنُ ْم من "أولياء للا" رمجًا ابلغيب و ً‬
‫لكن هذه النقمةَ مل‬ ‫َو ُه ْم َال يَ ْشعُ ُرون"‪ 28‬دامت احلروب الصليبية ما بني أعوام ‪1270-1096‬م‪َّ .‬‬
‫متاما ومتادوا يف غيِّهم‪ ،‬إذ بدأت‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تردع املشركني عن ارتكاب جرمية اإلشراك‪ ،‬بل عدلوا عن الرشد ً‬
‫عصابة يف حياكة داينة جديدة يف هذه املرحلة احلالكة‪ .‬هذه العصابةُ معروفة ابسم "خواجگان" يف‬
‫يتنك ُرو َن يف‬ ‫ِّ‬
‫العصابة َّ‬ ‫اد هذه‬ ‫اللغة الرتركِّيَّ ِّة‪ ،‬تُقابِّلُها كلمةُ "الشيوخ" أو "األساتذة" يف العربية‪ .‬كان أفر ُ‬
‫ِّ‬ ‫الناس من ِّ‬ ‫ت إليهم صفةُ ِّ‬ ‫الزهد والورع والتقوى‪ ،‬بل نُ ِّسبَ ْ‬ ‫أهل ِّ‬ ‫لباس ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العلماء مع‬ ‫كبار‬ ‫العلم َو َع َّد ُهم ُ‬
‫العلم بل كانت قلوهبم خالية من اإلميان بوحدانية للا تعاىل!‬ ‫ساحة ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أهنم كانوا أبعد اخلليقة من‬
‫"االسالم" هبذا‬‫ِّ‬ ‫اسم‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫استُ ْبد َل ُ‬ ‫نسجوا داينةً يف مدينة خبارى بعنوان ُم ْسلُ َمانْلك ‪ْ ،Müslümanlık‬‬
‫لغ شيئًا من تعاليم‬ ‫احليلة‪ ،‬ألن هذه العصابةَ مل تُ ِّ‬ ‫اك إىل حقيقة هذه ِّ‬ ‫االسم املُختَ لَق‪ .‬مل ينتبه عامةُ األتر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تشويهها إبضافات دخيلة‪ ،‬وأتويالت غريبة‪ ،‬وتفسريات‬ ‫احلنيف‪ ،‬بل كانوا يقتصرو َن على ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الدين‬
‫مفهوم ِِّّ‬
‫"الويل"‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شوهوا يف بداية أمرهم‬ ‫الداينة الشامانيَّ ِّة والبوذيَِّّة والزرادشتية‪َّ .‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫مستمدين من‬ ‫شاذة‬
‫والتقشف واحلياةِّ املنبوذة‪ ،‬يلتمس‬ ‫ِّ‬ ‫ت‬ ‫ف ابلز ِّ‬
‫ندقة والتزم ِّ‬ ‫الويل على ُك ِّل َم ْن عُ ِّر َ‬‫فصار تُطْلَ ُق صفةُ ِِّّ‬ ‫َ‬
‫الناس على‬ ‫اشتغل هبا ُ‬ ‫َ‬ ‫ت له كرامات وسرية‬ ‫ن على قربه قُبَّة‪ ،‬ونُ ِّس َج ْ‬ ‫الناس منه الربكة‪ ،‬وإذا مات بُِّ َ‬ ‫ُ‬
‫الناس على ضرحيه يف أايم معينة يذحبون القرابني ابمسه‪ ،‬وحيتفلون لذكراه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫امتداد القرون‪ ،‬واجتمع‬
‫ويتضرعون على عتبة مقامه يلتمسون منه قضاءَ حاجاتم وكشف غُ َّمتهم‪...‬‬

‫فات‬ ‫ِّ‬
‫العلماء الذين نبغوا يف املنطقة الرتكية‪ ،‬فلم يعد أحد حيتفل مبؤل ِّ‬ ‫آاثر‬
‫يف غضون ذلك اندرست ُ‬
‫األئمة من أمثال اإلمام املاتريدي (‪944-862‬م)‪ ،‬وعمر النسفي (‪1142-1069‬م)‪ ،‬وفخر‬
‫الدين الرازي (‪1209-1149‬م)‪ ،‬وسعد الدين تفتازاين (‪1390-1322‬م)‪ .‬بل انتشرت الداينة‬
‫طغيان شدي ًدا‪ ،‬وانتشر‬
‫ً‬ ‫ذريعا وطغت على اإلسالم‬ ‫انتشارا ً‬
‫ً‬ ‫الرتكِّيَّةُ ‪Müslümanlık‬‬ ‫ِّ‬
‫ال ُْم ْسلُ َمانيَّةُ رْ‬
‫التصوف‪ ،‬والتعصب‪ ،‬فركدت احلياةُ العلمية وتدهور املستوى املعريف يف مدارس خبارى ومسرقند اليت‬
‫ِّ‬
‫بتسليط‬ ‫كانت مشتهرةً بتخريج علماءَ راسخني يف شىت صنوف العلم‪ .‬فإذاقهم للا وابل أمرهم‬
‫ضا مل تُ ِّ‬
‫غن عنهم شيئًا‪ ،‬فلم تُوقظْهم‬ ‫لكن هذه اآلايت والنذر أي ً‬
‫املغول (التتار) عليهم عام ‪1256‬م‪َّ .‬‬

‫النمل‪50 :‬‬ ‫‪28‬‬


‫ني‬ ‫ِّ‬
‫من ُسباتم العميق‪ ،‬فقضت جيوش املغول على الدولة العباسية عام ‪1258‬م‪ .‬فأزهقت مالي َ‬
‫ِّ‬
‫العلماء‬ ‫املستعصم ابهلل (‪1258-1212‬م)‪ ،‬وحشد من‬ ‫ِّ‬
‫العباس ري‬ ‫األرواح وعلى رأسها اخلليفةُ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫ت على‬ ‫ِّ‬
‫املكتبات املكتظَّةَ ابلكتب‪ .‬كذلك َه َج َم ْ‬ ‫ود َّم ِّ‬
‫رت املُ ُد َن العريقةَ‪ ،‬وأحرقت‬ ‫ورجال ِّ‬
‫بالط ِّه‪َ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫ني‪ 29‬األتراك إىل جيوش‬ ‫ات آالف من القلندريِّ َ‬
‫فانضم عشر ُ‬
‫َّ‬ ‫السلجوقية الرتركِّيَّ ِّة يف أنضول‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الدو ِّلة‬
‫املغول يف هجماتا على الدولة السلجوقِّيَّ ِّة فصارت يف خرب كان‪ ،‬وقامت على أنقاضها ُد َويْالَت‬ ‫ِّ‬
‫ِّ‬
‫األنضولية فتناحرت فيما بينها طوال نصف قرن إىل أن مجع العثمانيون مشلَ َها‬ ‫صغرية على الرقعة‬
‫حتت راية واحدة‪.‬‬

‫ت ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةَ هي‬


‫قرون‪ ،‬ولكنها تَب نَّ ِّ‬
‫َ‬ ‫مث انتعشت احلياةُ شيئًا فشيئًا مع قيام الدولة العثمانية دامت ً‬
‫الغرب من وحشتِّها وازدهر عقب الثورة الصناعية‪ ،‬فغلب على‬ ‫ُ‬ ‫اآلخرى‪ ،‬فأمهلها للاُ إىل ان انتفض‬
‫أايم شيخوختها‪ ،‬فاهنال عليها جبيوشه العارمة مرةً اثنيةً‪ ،‬فدخل األوربيون املنطقة‬ ‫الدولة العثمانية يف ِّ‬
‫أثرا على حياةِّ شعوب املنطقة‪ .‬حتو َل‬ ‫ِّ‬
‫االستعمار نقمةً أشد ً‬ ‫العربية واحتلوها بكاملها‪ ،‬فكانت فرتة‬
‫ت لغا ُتم‬ ‫اإلسالم‪ ،‬كما ُه ِّجنَ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫تبقى فيهم من قِّيَ ِّم‬
‫سكاهنا إىل أسرى وعبيد للمستعمرين‪ ،‬خسروا ما َّ‬
‫ود ِّم َرت أخالقُ ُهم‪...‬‬
‫ت ثروا ُتم‪ُ ،‬‬ ‫وثقافا ُتم بعد أن ُهنِّبَ ْ‬

‫ِّ‬
‫االستعمار‪،‬‬ ‫رت والتيهُ على كيان اإلنسان الشرق أوسطي خاصةً بعد فرتة‬ ‫اإلرتباك والتشت ُ‬
‫ُ‬ ‫بدأ يسيطر‬
‫ستطيع‬
‫ُ‬ ‫كاد ي‬
‫ابلغرب‪ ،‬وألنه دخل يف مأزق ال ي ُ‬‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واالنبهار‬ ‫ِّ‬
‫مستغرقًا يف التماهي‬ ‫ألنه أصبح بعد ذلك‬
‫ش ِّل‬ ‫أبايم ِّ‬
‫عقلية الْ َف َ‬ ‫توصف ِّ‬
‫خاصيَةُ هذه املرحلة ِّ‬ ‫َ‬ ‫فتحو َل إىل مسخ من البشر‪ .‬فيجدر َّ‬
‫أن‬ ‫اخلروج منه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫املنطقة‬ ‫ِّ‬
‫شعوب‬ ‫الغرب بعد هذا النجاح الباهر من إحكام سيطرتِِّّه على‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬
‫والضيَ ِّاع‪ ،‬حيث َّ‬
‫متك َن‬
‫ِّ‬
‫اجملتمعات‬ ‫الغرب يف ِّ‬
‫رقاب هذه‬ ‫ِّ‬
‫للغرب يف أايمنا‪ .‬إذ يتصرف‬ ‫فهبطت إىل قعر جحيم العبودية‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫األضرحة‬ ‫ِّ‬
‫األولياء املقبورين يف‬ ‫بتسليط بعضها على بعض‪ ،‬وال تكاد تنفعها آهلتُها التعيسةُ من‬ ‫ِّ‬
‫اب يف مواجهة فنون الغرب وتقنياته‪ ،‬إذ مل تكن هذه اآلهلةُ أصالً تنفعهم من ذي‬ ‫والراقدين حتت القب ِّ‬

‫حلة من احلروب والفوضى‪ .‬يقال أهنم ظهروا ألول مرة يف مدينة حلب‪ ،‬عقب اجتياح املغول‬ ‫‪ 29‬القلندرية‪ :‬مجاعة من مالحدة الصوفية‪ ،‬أفرزتا ظروف املر ِّ‬
‫على الوطن اإلسالمي‪ ،‬معظمهم كانوا من األتراك‪ ،‬فجاءوا بداينة جديدة فيها غموض مل يتثبَّت الباحثون من حقيقتِّها بعد‪ .‬كان القلندريون على منط غريب من‬
‫العيش‪ ،‬وهيئة مقززة ومروعة‪ ،‬وكان هلم سلوكيات عجيبة‪ ،‬عليهم مظاهر من الوحشة‪ ،‬يكرهون احلياةَ الرغيدةَ والعيش اهلنء‪ ،‬ميتنعون عن اقتناء املسكن واملتاعِّ‪،‬‬
‫شعر رؤوسهم‬ ‫حيرمون االستحمام‪ ،‬يرتدون ما يشبه اجللباب من قماش خشن فيسهل ظهور عوراتم يف كثري من األحيان‪ ،‬يتَّكؤون على عصا خشبية‪ ،‬وحيلقون َ‬
‫وحلاهم وشوارهبم حىت أهنم كانوا حيلقون حواجبهم! يشربون اخلمر ويتعاطون احلشيش وحيرصوا على إظهار مساويهم للعموم ُمدَّعني أهنم يتجنبون بذلك الرايءَ‬
‫والنفا َق‪ ...‬يفرتض أهنم كانوا من امتداد عصابة احلشاشني يف قلعة املوت‪ ،‬فتبعثرو بعد سقوطها مث انضموا إىل اجليش املغلوي يف معركة كوسداغ‬
‫ِّ‬
‫األسباب لسقوط الدولة السلجوقية‪.‬‬ ‫‪Kösedağ‬عام ‪1243‬م‪ .‬وكانوا من أهم‬
‫والضياع اليت تعاين منها اجملتمعات الشرق‬
‫ِّ‬ ‫قبل‪ .‬وهذا من أصطع الرباهني على هيمنة عقلية التيه‬
‫والفرس وغريهم‪ .‬إن هذه العقلية إمنا هي وليدة‬ ‫ِّ‬ ‫والعرب واألكر ِّاد‬
‫ِّ‬ ‫أوسطية اليوم من األتر ِّ‬
‫اك‬
‫املوسوم ‪«Türk’ün‬‬
‫َ‬ ‫الكتاب‬
‫َ‬ ‫الرتكِّيَّ ِّة ‪ .Müslümanlık‬ومن شك يف ذلك عليه أن يقرأ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ال ُْم ْسلُ َمانيَّة رْ‬
‫األسبق)‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫والسياحة‬ ‫ِّ‬
‫الثقافة‬ ‫(وزير‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫»‪ İnancı‬الذي أل َفهُ نمق كمال زيبك ُ‬
‫‪30‬‬

‫***‬

‫راجع‪https://odatv.com/turklerde-din-yok-inanc-var-0307171200.html :‬‬ ‫‪30‬‬

You might also like