You are on page 1of 15

‫للا‬ ‫اه‬‫ض‬ ‫ت‬‫ار‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬

‫الذ‬ ‫ين‬ ‫ِّ‬


‫الد‬
‫َْ َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالَ ُم ِّأم ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّةُ‬
‫أ َُه َو ْ‬

‫***‬ ‫***‬

‫‪PART-12‬‬
‫بداية الْم ْذهبِّيَّ ِّة عرب ِّ‬
‫نشوء الداينة الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬ ‫ِّ‬
‫َعام ُل ِّ َ َ‬
‫‪The Factor of The Beginning of Sectarianism Through The Emergence of The Müslümanlik‬‬
‫‪Religion‬‬

‫أتليف‬
‫فريد صالح اهلامشي‬
‫‪Copyright©2018 by‬‬
‫‪Feriduddin AYDIN‬‬
‫‪feriduddin@gmail.com‬‬

‫إسطنبول‪2018-‬م‪.‬‬

‫دار العِّ َرب للطباعة والنشر‬

‫‪al_ibar.publishing@yahoo.com‬‬

‫بداية الْم ْذهبِّيَّ ِّة عرب ِّ‬


‫نشوء الداينة ال ُْم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‬ ‫ِّ‬
‫َعام ُل ِّ َ َ‬
‫إن لفظة "مذهب" مصطلح من‬ ‫ذهب واملذهبيَّ ِّة هبذه املناسبة‪َّ .‬‬
‫وم ِّي امل ِّ‬
‫أوالً وقبل كل شيء جيب التمييز بني َم ْف ُه َ‬
‫ِّ‬
‫قواعد‬ ‫جملتهد ِّ‬
‫احمليط ِّ‬
‫مبعظم‬ ‫حصيلة ا ِّ‬
‫ِّ‬ ‫مصطلحات العلوم اإلسالمية‪ ،‬ميكن تعريفه ابختصار‪ :‬أنه االسم الذي يُطلَ ُق على‬
‫املذهب بطريق‬ ‫ف هبا عند الَُّم ِّة‪ .‬وقد يتطور‬‫االجتهاد؛ كاملذاهب املعرت ِّ‬
‫ِّ‬ ‫النصوص بطر ِّ‬
‫يق‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املستفاد من‬ ‫وإنتاج ِّه‬
‫ِّ‬ ‫الشرع‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫متداد العصور‪ ،‬ملواكبة ظروف املراحل الزمنية‪ ،‬وذلك يف حدود الكتاب والسنة‬ ‫اجملتهدين على ا ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وإضافات‬ ‫ِّ‬
‫التخرجيات‬
‫ف من تفسريات وحتليالت علمية خلبري ابلعلوم‬ ‫واملنطق السليم‪ .‬واملذهب (بعبارة أخرى) هو مدرسة فكريَّة‪ ،‬يتأل ُ‬
‫والسنة‪ .‬هذه املهمةُ قد قام أبعبائها مجاعة من قدماء المة يف صدر‬ ‫ِّ‬ ‫الشرعية مصنَّ َفة ومعززة بدالئل من الكتاب‬
‫يف من‬ ‫ض للتحر ِّ‬‫تتعر َ‬
‫فهم َها ف َّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ساءَ ُ‬ ‫اإلسالم تسهيالً لتنفيذ أحكام الدين احلنيف وحفاظًا على قيَمه اليت حيتمل أن يُ َ‬
‫إبداء الرأي فيها وهم غري ذوي االختصاص‪ .‬وهذه احملاولةُ اليت يقوم هبا اجملته ُد‬ ‫يتجرؤون على ِّ‬
‫قبل أشخاص قد َّ‬
‫جتهاد يف مصاد ِّر الصو ِّل‪ ،‬أوجزها وأوضحها صياغةً‬ ‫مصطلح اال ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ملفهوم‬ ‫جتهاد‪ ،‬وقد جاء تعريفات عديدة‬
‫ِّ‬ ‫تسمى اال َ‬ ‫َّ‬
‫ما اتفق عليه الصوليون يف هذه اخلالصة على وجه التقريب‪" :‬االجتهاد‪ :‬هو بذل اجلهد‪ ،‬واستفراغ الوسع يف درك‬
‫الحكام الشرعية بتحقيق املناط أو ختريج املناط؛ وبعبارة أخرى‪ ،‬هو بذل اجلهد الستنباط واستخراج الحكام‬
‫الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية‪".‬‬

‫الزمان‪ .‬وقد كان البد من تفسري الكتاب والسنة على نطاق واسع يف وقت مبكِّر من ِّ‬
‫أجل‬ ‫ِّ‬ ‫كل‬ ‫ِّ‬
‫ضروري يف ِّ‬ ‫االجتهاد‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫الصحابة اجملتهدين‬ ‫املهم ِّة عدد من‬ ‫ِّ‬
‫أبعباء هذه َّ‬ ‫قام‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الوطن اإلسالم ِّي‪َ .‬‬ ‫ظهرت مع توس ِّع‬
‫ْ‬ ‫إجياد حلول للمشاكل اليت‬
‫املهم ِّة مجاعة من ِّ‬
‫أئمة ِّ‬
‫اجليل‬ ‫بدأت فرتةُ التدوين َحتَ َّم َل مسئوليةَ هذه َّ‬‫بعد وفاةِّ النيب صلى للا عليه وسلم ‪ .‬وعندما ْ‬
‫‪1‬‬

‫فاعتمدت المةُ أقواهلَم واقت َدى هبم‬


‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫الثالث (املعروفني بِّتَ بَ ِّع التابعني)‬ ‫الثان (املعروفني ابلتابعني) وعدد من ِّ‬
‫اجليل‬ ‫ِّ‬
‫القرون إىل يومنا هذا‪ 2.‬وهبذه الطريقة‪ ،‬مت تسجيل النظام اإلسالمي كواثئق تراثي‬ ‫ِّ‬ ‫مر‬ ‫ِّ‬
‫الحكام على ِّ‬ ‫الناس يف ِّ‬
‫تطبيق‬ ‫ُ‬
‫وإن مل يكن هذا النظام جاري التطبيق اليوم يف اجملال القانون والسياسي واالقتصادي‪ .‬ولكن رغم هذا التعطيل‪ ،‬فقد‬
‫خمتلف ِّ‬
‫أرجاء املعمورة وهي حمفوظة منذ‬ ‫ِّ‬ ‫غدت مثرات أعمال اجملتهدين الوائل ثروةً خالدةً ِّ‬
‫مألت املكتبةَ اإلسالميةَ يف‬
‫قرًن‪.‬‬
‫ش َر ً‬
‫ثالثةَ َع َ‬

‫اجملتهدون من الصحابة أشهرهم اخللفاء الربعة‪ :‬أبو بكر الصديق‪ ،‬وعمر بن اخلطاب‪ ،‬وعثمان بن عفان‪ ،‬وعلي بن أيب طالب‪ ،‬مث عيد للا ابن مسعود‪ ،‬وزيد بن اثبت‪ ،‬وأبو موسى‬ ‫‪1‬‬

‫الشعري‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪ ،‬وأيب بن كعب‪ ،‬وأبو الدرداء‪ ،‬وعائشة بنت أيب بكر الصديق‪ ،‬وعبد للا ابن عباس‪ ،‬وعبد للا ابن عمر‪ ،‬وعبد للا بن الزبري بن العوام‪ ،‬وعبد للا بن عمرو بن‬
‫العاص‪.‬‬

‫‪ 2‬وهذه أمساءُ مشاهري اإلئمة اجملتهدين‪:‬‬


‫* اإلمام أبو حنيفة النعمان بن اثبت‪80( ،‬ه ‪699/‬م ‪150 -‬ه ‪767/‬م)‪ ،‬ومذهبه احلنفي‪ ،‬أتسس املذهب يف العراق بغداد‪.‬‬
‫* اإلمام مالك بن أنس‪93( ،‬ه ‪715/‬م ‪179 -‬ه ‪796/‬م)‪ ،‬ومذهبه املالكي‪ ،‬أتسس املذهب يف احلجاز املدينة املنورة ‪..‬‬
‫* اإلمام حممد بن إدريس الشافعي‪150( ،‬ه ‪766/‬م ‪204 -‬ه ‪820/‬م)‪ ،‬ومذهبه الشافعي أتسس املذهب يف العراق بغداد‪ ،‬مث زاد فيه يف مصر‪.‬‬
‫* اإلمام أمحد بن حنبل‪164( ،‬ه ‪780/‬م ‪241‬ه ‪855/‬م)‪ ،‬ومذهبه احلنبلي أتسس املذهب يف العراق بغداد‪.‬‬
‫والعمل‪ ،‬لغراض‬ ‫ِّ‬ ‫املستقيم يف العقيدةِّ‬
‫ِّ‬ ‫اف عن املنهج اإلسالم ِّي‬ ‫أما املذهبية‪ - ،‬بِّلُغ ِّة ِّ‬
‫اليوم وابختصار‪ -‬هي االحنر ُ‬ ‫َ‬
‫إن أول حركة مذهبية يف اتريخ اإلسالم هي ثورة اخلوارج‪،‬‬ ‫حملض اال ِّ‬
‫نتقام‪َّ .‬‬ ‫أيديولوجية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬أو عنصرية‪ ،‬أو ِّ‬
‫اخلليفة عثمان بن عفان رضي للا عنه‪ .‬إن‬ ‫ِّ‬ ‫وهي حماولةُ طائفة ِّ‬
‫متعصبَة من أهل ِّ‬
‫البدو الذين ظهروا يف الكوفة َزَم َن‬
‫هؤالء كانوا مجاعةً من املقاتلني الروادف الذين اشرتكوا يف بعض املعارك‪ .‬مث قاموا ابالحتجاج ضد سياسة اخلليفة‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫القادسية‪َّ .‬أما عطاءُ املشاركني يف معركة القادسية‬ ‫ِّ‬ ‫أسه ِّم ِّ‬
‫أهل‬ ‫فكانت الذريعةُ َّ‬
‫أقل من ُ‬ ‫أسه َمهم من الغنائم كانت َّ‬
‫أن ُ‬
‫اخلوارج‬ ‫أن بدايةَ ِّ‬
‫ظهور‬ ‫البحث والدر ِّ‬
‫اسة َّ‬ ‫ِّ‬ ‫بعض ِّ‬
‫أهل‬
‫ِّ‬ ‫رج َح ُ‬ ‫تفعا لسبقيتهم يف أعمال الفتح واجلهاد‪ .‬وقد َّ‬ ‫فقد كان مر ً‬
‫ص َرةِّ الذي قا َم يف‬ ‫اخلُويْ ِّ‬
‫املعروف بذي ْ َ‬
‫َ‬ ‫يم َّي‬‫ترقى إىل عهد النيب صلى للا عليه وسلم‪ ،‬ويعدون حرقُوص بْن ُزَه ْري التَّ ِّم ِّ‬
‫ُْ َ َ‬
‫وجه النيب عليه السالم يَط َْع ُن بِِّّق ْس َمتِّ ِّه يف ُع ْن ُج ِّهيَّة‪ ،‬فقال ‪-‬ولبئس ما قال‪" :-‬هذه قِّسمة ما أُريد هبا وجهُ للا! ويف‬ ‫ِّ‬
‫ت يف الْ ِّق ْس َم ِّة‪،‬‬ ‫اك َع َدلْ َ‬ ‫رواية قال‪" :‬ا ْع ِّد ْل اي رسول للا!"‪ ،‬ويف رواية‪" :‬إنَّك تُ َق ِّس ُم والَ نرى َع ْدالً"‪ ،‬ويف رواية‪" :‬ما أر َ‬
‫رسول للا صلى للا عليه‬ ‫ويف رواية‪ :‬اي رسول للا اتَّ ِّق للاَ! فما كان من عمر بن اخلطاب إالَّ قام غاضبًا وهو يستأذ ُن َ‬
‫مم َّ‬
‫أن‬ ‫املنافق؟ قال‪ :‬معاذ ِّ‬
‫تتسامع ال ُ‬ ‫َ‬ ‫للا أن‬ ‫َ‬ ‫لينتقم منه عن نيب للا فقال‪ :‬اي رسول للا أال أقوم فأقتل هذا‬ ‫َ‬ ‫وسلم‬
‫حممداً يقتل أصحابه‪ ،‬مث قال النيب صلى للا عليه وسلم‪ :‬إن هذا وأصحاابً له يقرأون القرآن ال جياوز تراقيَهم‪ ..‬رواه‬
‫أمحد‪.‬‬

‫خالفة علي بن أيب طالب رضي للا عنه‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫انفجر هذا التيار مرةً اثنية يف الفرتة املبكرة كدوامة من اجلهل والعنف َّأاي َم‬
‫المة‪ ،‬لهنم ذهبوا إىل القول بتكفري كبار‬ ‫كانوا فرقةً إرهابيةً دمويةً‪ ،‬بدأت هبم املذهبيةُ لول مرة‪ ،‬فانشقوا عن مجهور ِّ‬
‫جترؤوا على‬ ‫الصحابة وأهل التحكيم إىل الكفر‪ ،‬كما َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اخللفاء ومجاعة من‬ ‫وعدواًن‪ ،‬فلم يتورعوا عن نسبة‬ ‫ظلما‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫المة ً‬
‫إرهايب من اخلوارج يُ ْد َعى عبد الرمحن بن ملجم املرادي‪،‬‬ ‫قتال أمري املؤمنني علي بن أيب طالب رضي للا عنه‪ ،‬فقتله ِّ‬ ‫ِّ‬
‫السادس والعشرين من شهر يناير عام ‪ 661‬من ميالد املسح عليه السالم املوافق ‪ 19‬رمضان‬ ‫ِّ‬ ‫وذلك صبيحةَ ِّ‬
‫يوم‬
‫الدافع الثان بعد مقتل عثمان بن عفان رضي‬ ‫ُ‬ ‫سنة أربعني من اهلجرة النبوية صلى للا عليه وسلم‪ .‬هذه احلادثةُ هي‬
‫ِّ‬
‫احلنيف واختز ِّال تيَّارات‬ ‫الدين‬ ‫ط ل ِّ‬
‫تشويه ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ِّي كما وفَّ َر الوسا َ‬ ‫املنهج‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫العدول عن‬ ‫أسباب‬ ‫مهد‬‫للا عنه‪ ،‬والذي َّ‬
‫َ‬
‫أنقاض ِّه‪ .‬لذا‪ ،‬تُ َعد هذه احلادثةُ واحدةً من أهم نقاط االهنيار يف ال ِّ‬
‫تاريخ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واختالق دايًنت جاهليَّه على‬ ‫ُكفرية منه‪،‬‬
‫نتماء إىل علي‬‫بذريعة اال ِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تعاليمهُ‬
‫َ‬ ‫اإلسالم ويُفسدوا‬ ‫رس وجدوا بذلك فرصةً ذهبيةً لينقضوا على‬ ‫اإلسالم ِّي‪ ،‬ولن ال ُف َ‬
‫حل أبهله من القتل والفتك على يد المويِّني‪ ،‬فجاءوا بشكل آخر من املذهبية‪ ،‬فتشيعوا‬ ‫ِّ‬
‫واستغالل ما َّ‬ ‫بن أيب طالب‬
‫حداث‬
‫أن ً‬ ‫سعيًا لالنتقام من اإلسالم‪ .‬لقد كانت هناك ثغرات الختالق ذرائع ميكن ضرب اإلسالم من خالهلا‪ .‬إالَّ َّ‬
‫عاما من مقتل علي بن أيب طالب رضي للا عنه‪ ،‬فقام مقام تلك الذرائع كلها‪ .‬ذلك مقتل‬
‫آخر وقع بعد تسعة عشر ً‬
‫احلسني بن علي بن أيب طالب مع مجاعة من أهله وبين عمومته يف صحراء كربالء‪ .‬هذا ومن اجلدير ابلذكر أن احلسني‬
‫رس بصدمة اثلثة َّ‬
‫أشد‬ ‫ِّ‬ ‫آخر ِّ‬
‫بن َش ْه ِّرَاي ْر‪ِّ ،‬‬
‫دج ْر َد ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فأصيب ال ُف ُ‬
‫َ‬ ‫الفرس‪.‬‬ ‫ملوك‬ ‫زوج بنت يَ ْز َ‬
‫بن علي رضي للا عنهما‪ ،‬كان َ‬
‫مما أصاهبم قبلَها‪.‬‬

‫حل هبم من اهلزمية أمام زحف العرب يف تلك الايم ويفسروهنا‪:‬‬ ‫الفرس كانوا يتحدثون عن خلفية ما َّ‬
‫َ‬ ‫يغلب الظن َّ‬
‫أن‬
‫دفع ْتهم ظروفُهم املناخيةُ‬ ‫العرب قوم بدوي بُدائي‪ ،‬ال حضارة هلم‪ ،‬نشئوا على االقتتال والتناحر واللصوصية‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫"أن‬
‫القاحلة‪ ،‬فهجموا على أرضنا اخلصيبة واعت َد ْوا علينا واغتصبُوا أموالَنَا وممتلكاتِّنَا‪ ،‬ودمروا‬‫ِّ‬ ‫القاهرةُ من قلب الصحاري‬
‫أيب طالب الذي مل يكن له‬ ‫بن ِّ‬
‫علي َ‬
‫تعدوه حىت قتلوا اخلليفةَ َّ‬ ‫حضارتَنَا؛ لكنَّهم مل يكتفوا هبذا القدر من الطغيان‪ ،‬بل َّ‬
‫السحق واإلابدةِّ‪ ...‬والشد من ذلك أهنم قتلوا‬ ‫ِّ‬ ‫العرب أبهلِّ ِّه من‬
‫ُ‬
‫ش على ِّ‬
‫بالدًن‪ ،‬فضالً عما فعل‬ ‫ِّ‬
‫تسيري اجليو ِّ‬ ‫يد يف‬
‫آخر ملوكِّنا"‬
‫دج ْرد ِّ‬ ‫ِّ‬
‫زوج بنت اإلمرباطور يَ ْز َ‬
‫ِّ‬
‫بن علي الذي تربطُهُ عالقةُ مصاهرة ابلشعب الفارس ِّي لنه ُ‬ ‫احلسني َ‬
‫َ‬

‫رس كانوا هكذا يقرؤون اتريخ عصرهم يف تلك الايم‪ .‬إذ ليس من الصعب أن نفرتض هذه احلالة‬
‫نعم‪ ،‬ال بد أن ال ُف َ‬
‫رس قد مشَّروا عن سواعدهم لينتقموا‬‫ضا أن ال ُف َ‬
‫النفسية اليت كانت تسود على ابطنهم‪ .‬وهذا الذي جيعلنا أن نفرتض أي ً‬
‫ِّ‬
‫اإلسالمية بتحر ِّ‬
‫يف‬ ‫لتشويه العقيدةِّ‬
‫ِّ‬ ‫أسهل من املذهبية‬ ‫من اإلسالم أوالً مث من العرب يف وقت مبكر‪ ،‬فلم يَ َرْوا سبيالً‬
‫َ‬
‫املعروفة ابلتيار الشيعي‪ ،‬وتعزيزهِّ ابحلركة الشعوبية يف املرحلة الوىل من العهد العباسي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الزنْ َدقَ ِّة‬
‫تعاليم ِّه عن طر ِّيق َّ‬
‫‪3‬‬ ‫مسة التشي ِّع‪ ،‬بينما اهلجمات اإليديولوجية كانت جتري من ِّ‬
‫خالل الشعر والدب‪.‬‬ ‫رك املذهبيةُ تُشن حتت ِّ‬ ‫فكانت املعا ُ‬
‫ِّ‬
‫السورية عندما اقتحم‬ ‫ِّ‬
‫الزمة‬ ‫أايم‬ ‫ِّ‬ ‫يربهن على ذلك َّ‬
‫استمر لقرون إىل اليوم‪ ،‬وبلغ ذروته َ‬ ‫َّ‬ ‫املذهيب قد‬
‫َّ‬ ‫الفارس َّي‬ ‫أن احلق َد‬
‫فضة الساحةَ السوريَّةَ‪ ،‬فقتلوا عشر ِّ‬
‫ات آالف من املدنيِّني العُ َّزِّل وشردوا ماليني منهم دون أدىن رمحة لهنم‬ ‫جيوش الرا ِّ‬
‫ُ‬
‫وسنِّيو َن ليس إالَّ‪..‬‬
‫عرب ُ‬

‫ت عمليات‬ ‫انفجار الربيع العريب هجمات شرسةً من منطلق اإليديولوجية الشيعية الفارسية‪َّ ،‬‬
‫ونف َذ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫فور‬
‫ت إيران َ‬ ‫َشنَّ ْ‬
‫احلكومة الشيعيَّ ِّة النصرييَِّّة يف سوراي‪ ،‬راحت ضحيتها حنو مخسمائة ألف‬
‫ِّ‬ ‫الغلبية السنِّيَّ ِّة اليت ْ‬
‫اثرت ضد‬ ‫ِّ‬ ‫مسلحةً ضد‬
‫من الرواح الربيئة‪ ،‬بينهم شيوخ ونساء وأطفال ومرضى‪ ...‬كما أدت مشاركةُ الدولة الفارسية مع قوات النظام‬
‫النصريي يف قمع أهل السنة وتشريد تسعة ماليني من مواطين الدولة السورية‪ ،‬أكثرهم جلئوا إىل تركيا‪ .‬مل تقم الدولة‬
‫الفارسية هبذه احلمالت الدموية يف سوراي من جانب‪ ،‬وتسليح احلوسيِّني الشيعة يف اليمن من جانب آخر إالَّ من‬

‫ِّ‬
‫الفكار وإلباس احلق ابلباطل‪ ،‬ميسون كرامة اإلسالم والعرب بطريقة ماكرة حتت غطاء الشعر والدب‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والدابء املستعربني من أبناء ال ُف ِّ‬
‫رس حياولون عبث‬ ‫كانت هناك مجاعة من الشعر ِّاء‬ ‫‪3‬‬

‫حراب شعواءَ تنم عن أحقاد وعصبية‪ ،‬وقد أسهب الباحثون يف شرحها تفصيلها‪ .‬ومن بني الرموز الشهرية هلذه احلركة‪،‬‬
‫مل يدرك خطورهتا إال من كان متمكنا يف الفنون الدبية‪ .‬كانت هذه احلركة ً‬
‫نذكر المساء التالية‪ :‬إمساعيل بن يسار النسائي (ت‪728.‬م‪ ،).‬أبو نواس (‪814-756‬م)‪ ،‬أابن بن عبد احلميد الالحقي (ت ‪ ،)815‬أبو يعقوب احلرميي (‪827-782‬م‪ ،).‬دعبل بن علي‬
‫اخلزاعي (‪835-765‬م‪ ،).‬بشار بن بورد (‪784-714‬م‪ ،).‬محاد عجرد (‪778‬م‪...).‬‬
‫ِّ‬
‫الشيعة اليمنيِّني‪ .‬إهنا مل‬ ‫َّت غارات على احلوسيِّني‬ ‫منطَلَ ِّق احلِّْق ِّد َ‬
‫املذهِّ ِّيب‪ .‬كذلك المر ابلنسبة للدولة الوهابية اليت شن ْ‬
‫أن نظام الدولة الوهابية متثِّلُهُ قلة من‬‫ضا‪ ،‬إذ ال خيفى َّ‬
‫تقم هبذه احلمالت القمعية إالَّ من منطلق احلقد املذهيب أي ً‬
‫حكم التراك سنة ‪1812‬م‪ .‬بدعوى الدفاع عن عقيدة التوحيد‬ ‫متردوا على ِّ‬ ‫اخلوارج‪ ،‬من أجالف صحاري جند‪َّ ،‬‬
‫واحلرب بني الشيعة واخلوارج‬
‫ُ‬ ‫الثروات النفطيَّ ِّة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫بفضل‬ ‫استقوْوا‬
‫َ‬ ‫فتغلَّبوا على منطقة واسعة من اجلزيرة العربية‪ ،‬مث‬
‫سجال منذ القدمي‪ .‬وهي أصالً جزء من امتداد النزاع املتكرر منذ أايم المويِّني والعباسيِّني‪.‬‬

‫دائما يكون على قدم وساق‪ ،‬لكنه ينفجر بشكل متقطع‪ ،‬وهناك أمثلة على اندالع هذا التيار‬‫ارجي ً‬
‫إن التيار اخل َّ‬
‫وأحياًن ينفجر مثل محم بركانية‪ .‬هلم اجتاه اثبت‬
‫ً‬ ‫أحياًن أنه يتقلص وينطفئ‪،‬‬
‫اخلطري يف التاريخ اإلسالمي‪ ،‬حيث يبدو ً‬
‫وفكرة متصلبة يف أذهاهنم ال تتغري أب ًدا‪ ،‬وهي رمي العامة ابلكفر والشرك أبدىن ذريعة‪.‬‬

‫ظهروا على املسرح فور ميثاق الدرعية الْ ُم َوقَّ ِّع بني حممد بن سعود وحممد بن عبد الوهاب سنة ‪1744‬م‪ ،‬فاعتقدوا‬
‫أهنم وجدوا ضالتهم يف إرشادات حممد بن عبد الوهاب رمحه للا وهم يف الواقع يريدون الرتويع والوقيعة‪ ،‬واحلال أن‬
‫ِّ‬
‫متشد ًدا يف‬ ‫ملتزما جانب احلكمة‪ ،‬لكنه ملا كان‬
‫ًنزعا إىل استعمال العنف‪ ،‬بل كان مرش ًدا ً‬‫ابن عبد الوهاب مل يكن ً‬
‫اك به‪ ،‬كفاهم ذلك حجةً لينهالوا على أي إنسان ساذج ال يكاد يفهم معىن‬ ‫النهي عن اإلشر ِّ‬
‫دعوته إىل توحيد للا و ِّ‬
‫هؤالء النجديون اهلمج أهنم إذا هدموا القباب ودمروا‬‫ِّ‬ ‫الشرك على حقيقته املفصلة يف مصادر العقيدة‪ .‬وظن‬
‫الضرحةَ سيكون ذلك هناية اإلشراك ابهلل على البسيطة‪ ،‬وسيتحول كل إنسان يف عقيدته إىل موحد على مثال أمحد‬
‫بن حنبل وأمحد بن تيمية!‬

‫ض على المري عبد للا بن سعود الكبري بن‬ ‫هدى‪ ،‬وتورطوا يف جناايت عادت عليهم ابلويالت‪ ،‬ف ُقبِّ َ‬‫انطلقوا على غري ً‬
‫ُعد َم يف إسطنبول عام ‪1818‬م‪ .‬والسلطان حممود الثان يُشرف على تنفيذه‪ .‬ولكن دامت‬ ‫عبد العزيز أمري الدرعية وأ ِّ‬
‫احلروب بينهم وبني الدولة العثمانية إىل أايم اهنيارها‪ .‬مساهم رموز السياسة اإلجنليزية ب "الوهابية" فالتصقت هبم وهم‬
‫وأحياًن يغضبون منها‪ ،‬لهنا تُستَ ْخ َد ُم يف مورد االستحقار والتشنيع‪.‬‬
‫ً‬ ‫يتنكرون هلذه التسمية‬

‫شن الوهابيون غارات على جنوب العراق يقصدون اإليقاع ابلشيعة‪ ،‬فهجم المري سعود بن عبد العزيز أمري الدرعية‪،‬‬
‫على مدينة كربالءَ عام ‪1802‬م‪ .‬على رأس قوة مسلَّ َحة من النجديِّني‪ ،‬فدخلوا املدينةَ وهدموا قبةَ احلسيني بن علي‬
‫انتقاما ملقتل ثالمثائة رجل من أهل جند‬
‫بن أيب طالب والبنيةَ اجملاورةَ هلا وهنبوا ما فيها من التحف‪ ،‬قيل "كان ذلك ً‬
‫حكمهم على الشيعة‬
‫ئيس‪ ،‬فكان هو َ‬ ‫ب الر ُ‬ ‫على يد قبيلة اخلزاعل قرب النجف"‪ .‬إالَّ َّ‬
‫أن هذا سبب اثنوي‪ ،‬أما السب ُ‬
‫ِّ‬
‫الشيعة ابغتيال المري عبد العزيز الول بن حممد آل سعود‬ ‫أبهنم كفار ممن جيب قتلُهم! ويف العام التايل قام واحد من‬
‫عاما‪ ،‬فوثب عليه وهو يف مصالَّه يف مسجد الطريف‬
‫ثالاث ومثانني ً‬
‫اإلمام الثان للدولة السعودية عن عمر يناهز ً‬
‫ابلدرعية فقتله‪.‬‬

‫***‬

‫املذهيب نزعة خطرية وهي من أكرب أسباب العنف والكراهية ضد اآلخر جملرد اختالف العقيدة‪ ،‬دامت‬
‫َّ‬ ‫إن التطرف‬
‫والتناحر والتخل ِّ‬
‫ف‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الشقاق‬ ‫دوافع‬
‫ِّ‬ ‫رت على مدار التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فكانت من ِّ‬
‫أهم‬ ‫وتكر ْ‬ ‫هذه النزعةُ وتبعا ُهتا ِّ‬
‫املدمرةُ َّ‬
‫ب‬
‫شلُوا َوتَ ْذ َه َ‬ ‫از ُعوا فَتَ ْف َ‬ ‫ِّ‬
‫اخلطر بقوله تعاىل‪َ " :‬وَال تَنَ َ‬ ‫وجل على هذا‬ ‫عز َّ‬ ‫واالهنيار يف آخر املطاف‪ ...‬وقد نَبَّهَ للاُ َّ‬
‫تعاليم الدين احلنيف‪ ،‬واختالقِّهم دايًنت كفريةً مثل اإلمساعيلية‪ ،‬والنصريية‪،‬‬ ‫ِّرحيُ ُكم‪ ".‬فلما اهنار املسلمون لتحريفهم َ‬
‫‪4‬‬

‫ت عليهم‬ ‫واقتتاهلم فيما بينهم‪َ ،‬خيَّ َم ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫وتناحرهم‬ ‫از ِّع ِّه ْم‬
‫والْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة ‪ ،Müslümanlık‬والقاداينية‪ ،‬والبهائية‪ ...‬ولِّتَ نَ ُ‬
‫االستيالء على دايرهم‪ ،‬فاحتلوها‪ ،‬وابلغوا يف إ ِّ‬
‫ذالهلم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الذلةُ واملهانةُ‪ ،‬وزالت هيبتُهم‪ ،‬فثارت أطماعُ َّ‬
‫الكف ِّ‬
‫ار يف‬
‫احلناجر حيال‬
‫َ‬ ‫القلوب‬
‫ُ‬ ‫السيل الزىب وبلغت‬
‫ُ‬ ‫واختذوا من ُح َّك ِّام ِّه ْم عمالءَ؛ َّ‬
‫فلما بلغ‬ ‫حرماهتم‪ ،‬وهنبوا ِّ‬
‫ثرواهتم‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وانتهكوا‬
‫ِّ‬
‫اإلخالص‬ ‫ِّ‬
‫أصحاب‬ ‫الوحشية حبق أهل داير اإلسالم‪ ،‬ما لبث حىت اثرت مجاعات من‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وأعماهلم‬ ‫ظلم الكفرةِّ‬ ‫ِّ‬
‫ممارسات ِّ‬
‫وميوله ِّ‬
‫وينفذه يف خمتلف أحناء الوطن‬ ‫احللف املسيحي‪-‬الصهيونُ ِّ‬‫ُ‬ ‫خباصة‬
‫خيططُهُ َّ‬‫يف دينهم ملقاومة القهر الذي ِّ‬
‫ُ‬
‫احلظ سرعان ما قفزت عصابة من اخلوارج على املسرح فاستغلت املشه َد‪ ،‬واستحوذت على‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ولكن لسوء ِّ‬
‫املتطوعني إلنقاذ داير املسلمني‪.‬‬

‫وح ُرَم ِّاهتِّ ْم!" والطامة الكربى‬


‫اض املسلمني ُ‬‫"للدفاع عن أعر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫بن الدن‬
‫يوم برز أسامةُ ُ‬ ‫ِّ‬
‫العصر َ‬ ‫خوارج‬
‫ِّ‬ ‫ظهور‬
‫هكذا بدأت ُ‬
‫ِّ‬
‫العمليات‬ ‫ِّ‬
‫وختطيط وتنفيذ‬ ‫سالح‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫واستعمال ال ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اجليوش‪،‬‬ ‫ابلمور العسكر ِّية‪ ،‬وقيادةِّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املعرفة‬ ‫الرجل كان ِّخل ًْوا من‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫مبجرِّد‬ ‫ط يف متاهات ال يسع املقام ِّ‬
‫لشرحها‪َّ ،‬‬ ‫خترج بشهادةِّ بكالوريوس يف االقتصاد وحسب‪ ،‬فتور َ‬ ‫وأمثاهلا‪ ...‬كان قد َّ‬
‫ُ‬
‫مسد كل حاجة‪...‬‬ ‫أن الثروةَ وحدها تسد َّ‬ ‫ِّ‬
‫الطائلة ظنًّا منه َّ‬ ‫اعتمادهِّ على ِّ‬
‫أمواله‬ ‫ِّ‬

‫ي االجتاهِّ‪ ،‬بعي ًدا عن‬ ‫َ‬


‫ِّ‬
‫النزعة‪ُ ،‬خويْ ِّ‬
‫ص ِّر َّ‬ ‫خارجي‬
‫َّ‬ ‫بن الدن قد نشأ نشأةً إسالميةً وله عقيدة سليمة‪ ،‬إالَّ أنه كان‬‫كان ُ‬
‫اجلهاد‪ ،‬كأمثالِّ ِّه من‬
‫ِّ‬ ‫أمورا كثريةً من فقه‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫قليل املعرفة أبسلوب الدعوة والتبليغ واإلرشاد‪ ،‬جيهل ً‬ ‫ضيِّ َق ِّ‬
‫الفق‪َ ،‬‬ ‫الوسطية‪َ ،‬‬
‫ضهُ من عقبات خطرية يف مغامرته؛ مخسة منها تتَّسم أبمهية ابلغة‪:‬‬
‫عما سيعرت ُ‬
‫اخلوارج‪ ،‬كما كان غافالً َّ‬

‫النفال‪46:‬‬ ‫‪4‬‬
‫المة احملمديَِّّة وأهنا قد اختفت منذ قورن وال تَ ْع ُدو عن َو ْهم يف الواقع‪ ،‬وإن كانت‬
‫أوالً‪ :‬إنه كان جيهل انتفاء وجود ِّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫اإلحلاد ال ُْم ْسلُ َم ِِّّ‬
‫ان‪،‬‬ ‫هناك قلة مؤمنة مبعثرة يف ِّ‬
‫أحناء العامل‪ ،‬لكن أكثرهم مضطهدون يف أوطاهنم‪ ،‬يعانون من ظروف‬
‫ش َّر ُدو َن‪ ،‬هاجروا إىل‬ ‫الوهايب ِّ‬
‫وغريها من ألوان الكفر والزندقة والبدعة‪َّ .‬أما البقية‪ ،‬فإهنم ُم َ‬ ‫ِِّّ‬ ‫والشرك الصويف‪ ،‬واالحنراف‬
‫معرضون لالنصهار يف بوتقة الكفر املسحي‪ -‬اليهودي‪ ..‬فكان من واجب بن‬ ‫ِّ‬
‫أحناء أورواب وإىل الوالايت املتحدة‪َّ ،‬‬
‫مشروعا يتبىن إكثار ِّ‬
‫عدد املؤمنني‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫املؤمنة‪ ،‬ويُعِّ َّد‬ ‫الدن أن يُ ْن ِّف َق أموالَه الطائلةَ يف اخلطوة الوىل جلمع مشل هذه القلة‬
‫َ‬
‫لألجيال املقب ِّ‬
‫لة حىت‬ ‫ِّ‬ ‫السبيل‬
‫َ‬ ‫اإلسالم يف منطقة الشرق الوسط إىل أن ميَُِّه َد‬ ‫ِّ‬ ‫ط لدعوةِّ املشركني املنتسبني اىل‬ ‫مث خيط َ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم ِّي ابلكامل‪.‬‬ ‫إذا امتلكوا املقدرةَ قاموا بتحرير الوطن‬

‫اليوم مبنظمة التعاون اإلسالمي اليت ال تعدو عن جسد هامد‪،‬‬ ‫أن اجملتمعات الْمت ِّ‬ ‫اثنيًا‪ :‬كان جيهل َّ‬
‫أسل َمةَ‪ ،‬واملرتبطةَ َ‬ ‫َُ ْ‬
‫الصفوف بسبب الفجوات العميقة اليت قد حالت بينها منذ قرون وهي سبع‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫توحيد‬ ‫يستحيل أن جتتمع كلمتُ َها على‬
‫الشمل حىت بينما كانت حتت راية واحدة يف عهد ثالث امرباطورايت عمالقة (الدولة الموية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مفرقَةَ‬
‫ومخسون دولةً َّ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم (وهي‬ ‫االنتساب إىل‬ ‫أن هذه الدول اليت تَد ِّ‬
‫َّعي‬ ‫بن الدن جيهل َّ‬
‫َ‬ ‫والدولة العباسيةُ‪ ،‬والدولة العثمانية)‪ .‬كما كان ُ‬
‫الكفر ال َْع ْول َِّم ِّي حىت لو اجتمعت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫عمالق‬ ‫ضا أ ْن تتصدَّى ملنازلة‬
‫يف احلقيقة ليست من اإلسالم يف شيء) يستحيل أي ً‬
‫الوهن‪ ،‬وخنرها الشقا ُق‪ ،‬فلم تعد‬ ‫ُ‬ ‫كلمتُها وانتظمت صفوفُها لِّ َما قد بَعُ َدت َّ‬
‫الشقةُ بينها وبني توحيد للا‪ ،‬وأصاهبا‬
‫قادرةً على املواجهة‪.‬‬

‫ِّ‬
‫السلطة لفرتة‪ ،‬فإهنا حمكوم عليها ابلفشل‬ ‫ِّ‬
‫االستيالء على‬ ‫أي ثورة مسلحة وإ ْن جنحت يف‬ ‫اثلثًا‪ :‬كان بن الدن جيهل َّ‬
‫أن َّ‬
‫ات املسلَّحةَ هلا عواقب وخيمة تظل تبعا ُهتا فرتةً تعكر حياةَ ِّ‬
‫الفرد‬ ‫لن الثور ِّ‬
‫والزوال وإن طال عليها المد يف اهليمنة‪َّ .‬‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬
‫أهداف‬ ‫حتقيق‬ ‫االستعدادات ِّ‬
‫املتوجهةَ إىل ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫أواصر التماسك والتعاون‪ ،‬فتثبِّ ُ‬
‫ط‬ ‫واآلمال‪ ،‬وتزعزعُ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫الرغبات‬ ‫واجملتمع؛ ُجتَ ِّم ُد‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫الرقِّ ِّي والتمدن واالزدهار‪.‬‬

‫فهم ِّ‬
‫أبعاد‬ ‫يتمكن من ِّ‬ ‫علوم القرآن‪ ،‬فلم َّ‬ ‫االختصاص يف ِّ‬
‫ِّ‬ ‫بن ال دن مل يكن من ِّ‬
‫أهل‬ ‫كل ما سبق َّ‬ ‫ابعا‪ :‬والهم من ِّ‬
‫أن َ‬ ‫رً‬
‫اَّللُ يُ ِّري ُد‬ ‫َس َرى َح َّىت يُثْ ِّخ َن ِّيف ْال َْر ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ض الدنْ يَا َو َّ‬ ‫ض تُ ِّري ُدو َن َع َر َ‬ ‫املعان الكامنة يف قوله تعاىل‪َ " :‬ما َكا َن لنَِّيب أَ ْن يَ ُكو َن لَهُ أ ْ‬
‫يما أَ َخ ْذ ُْمت َع َذاب َع ِّظيم‪".‬‬ ‫اَّلل سب َق لَم َّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْاآل ِّخ َرةَ َو َّ‬
‫اَّللُ َع ِّزيز َحكيم * ل َْوَال كتَاب م َن َّ َ َ َ‬
‫‪5‬‬
‫س ُك ْم ف َ‬

‫‪ 5‬النفال‪68 ،67:‬‬
‫إن هذه اآلية الكرميةَ فيها ما فيها من وجوه اإلرشاد والتعليم والتوجيه والتثقيف والتنبيه ِّ‬
‫لي قائد يستعد أ ْن يباشر‬
‫إحياء اخلالفة الراشدة من جديد بعد أن ألغاها معاوية بن أيب سفيان عام ‪661‬م‪ .‬ال بد هنا من التأكيد‬ ‫العمل على ِّ‬
‫إن هذا النظام القرآنَّ العال َِّم َّي والكفيل إبقامة العدل واملساواة والسلم يف مجيع جماالت احلياةِّ ويف كل أحناء‬ ‫على َّ‬
‫مقومتِّها كنظام سياسي واقتصادي واجتماعي منذ‬ ‫ِّ‬ ‫يتمكن أحد من أفر ِّاد ِّ‬
‫احملمدية أ ْن يعيدها بكل ِّ‬ ‫المة‬ ‫الرض‪ ،‬مل َّ ْ‬
‫نفس بشر له أ ْن‬ ‫أخطر ما قد تُ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املهمة هلي من ِّ‬ ‫االستعداد ِّ‬ ‫انتباهنَا إىل َّ‬ ‫قرًن‪ .‬وهذا يُل ِّْف ُ‬
‫سو ُل ُ‬ ‫ملثل هذه‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ت َ‬ ‫ثالثة عشر ً‬
‫ِّ‬
‫والعتاد‬ ‫تحر َك لجل حتقيقها ولو خبطوة واحدة‪ ،‬حىت لو كان مال ًكا جلميع القواعد العسكرية وما فيها من السلحة‬ ‫ي َّ‬
‫ِّ‬
‫يف مجيع أرجاء املعمورةِّ! لن هذا يتطلَّب أوالًّ َ‬
‫وجود "املدينة الفاضلة املثالية"‪ ،‬وذلك يكاد يكون مستحيالً‪.‬‬

‫ذكرهُ‬ ‫َّ‬
‫س َّم َع إىل شيء من مهسات هذه اآلية الكرمية (وال نقول لو أدرك معانيها) لتفطن إىل ما سبق ُ‬ ‫إن بن الدن لو تَ َ‬
‫ِّ‬
‫الناجحة ال يعود إىل‬ ‫السالح بيده يف حاته ولو مرةً واحدة‪ .‬لن السر املكنون يف الغلبة‬ ‫س‬
‫من بعض احلقائق‪ ،‬وملا َم َّ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫النبياء واملرسلني إىل استعمال السالح يف بداية‬ ‫ِّ‬
‫والعتاد بوجه من الوجوه‪ ،‬لذا مل يلجأ أحد من‬ ‫استعمال السالح‬
‫ب‪َّ .‬‬
‫لن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫دعوهتم إىل توحيد للا وأعماهلم اإلصالحية‪ ،‬إالَّ بعد أن أثخن بعضهم يف‬
‫وم ْن خالف منهم ُعوت َ‬
‫الرض‪َ ،‬‬
‫كل سالح‪ ،‬وأدا ُهتا الكلمةُ الطيبةُ املثاليةُ‪ .‬هذا الذي جيهلها اخلوارج يف كل عصر‪ ،‬مبا فيهم خوارج هذا‬ ‫احلكمةَ تفوق َّ‬
‫ص ِّريو ُن اجلدد على وجه اخلصوص‪.‬‬ ‫اخلُويْ ِّ‬
‫العصر الدواعش ْ َ‬

‫***‬

‫زعم فريق من احمللِّلني السياسيِّني يف ِّ‬


‫عصرًن َّ‬
‫"أن‬ ‫ِّ‬
‫إن الصراعات املذهبيةَ هلا جزور راسخة يف التاريخ اإلسالمي‪َّ ،‬أما ُ‬
‫فإن ذلك تضليل ال حمالة‪ .‬بل هي‬ ‫حمض أسباب سياسيَّة" َّ‬
‫عود إىل ِّ‬
‫الدائر حاليًا يف منطقة الشرق الوسط ي ُ‬
‫َ‬ ‫اع‬
‫الصر َ‬
‫لقفز ُسالالت فارسية على ِّ‬
‫احلكم يف أوائل العهد العباسي؛ وابلتحديد‪ ،‬يف أايم‬ ‫ِّ‬
‫العقائد وامتداد ِّ‬ ‫ًنشئة من اختالف يف‬
‫ِّ‬
‫خلفاء العباسيني‪ .‬طمعت أسرة‬ ‫اخلليفة أيب العباس عبد للا بن حممد امللقب ابلسفاح (‪754-718‬م‪ ).‬وهو أول‬
‫ك كبريُ هذه السرةِّ أ ْن‬ ‫بن بَ ْرَم ْ‬ ‫مقاما فوق اخلليفة لتقوم بصنع القرارات‪ ،‬فاستطاع َّأو َل ِّ‬
‫المر خال ُد ُ‬ ‫فارسية أن حتتل ً‬
‫تسلسلت الوزارةُ يف هذه السرةِّ إىل أن استوزر هارو ُن‬ ‫ْ‬ ‫الول يف بال ِّ‬
‫طه‪ ،‬مث‬ ‫الرجل َ‬
‫َّ‬ ‫ب من اخلليفة ويكون بِّ َد َهائِِّّه‬ ‫يتقر َ‬
‫َّ‬
‫بن حيىي هذا‬ ‫بن حيىي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫جعفر َ‬
‫لكن َ‬‫بن خالد)‪َّ ،‬‬ ‫جعفر َ‬
‫الربَمك ِّي ( َ‬
‫اخلامس ‪809-763‬م‪ ).‬حفي َد خالد َْ‬ ‫ُ‬ ‫الرشي ُد (اخلليفةُ‬
‫ضا يف السجن عنده‪ ،‬فغلبت جموسيةُ‬ ‫كامل ال ِّ‬
‫طاليب أي ً‬ ‫ِّ ِّ‬
‫بن عبد للا ال ُ‬ ‫خان اخلليفةَ فقضى فرتةً يف املعتقل‪ ،‬وكان حيىي ُ‬
‫غر ِّيه ابلتمرِّد على اخلليفة‪ ،‬وما لبث‬ ‫طاليب عن نفسه ويُ ِّ‬
‫أيه وهو يشري على صاحبه‪ ،‬فأخذ يراود حيىي ال َّ‬ ‫جعفر على ر ِّ‬
‫َ‬
‫ضد ا ْحلُ ْك ِّم‬
‫نفسهُ يف متاهات َّ‬ ‫زو َدهُ ابملال‪ ،‬فانطلق حيىي الطاليب وأقحم َ‬ ‫حىت أعانه على الفرار من السجن كما َّ‬
‫ت السرةُ الربمكيةُ الفارسيةُ عن بكرةِّ أبيها‪ .‬كانت كل هذه‬ ‫العباسي إىل أن قُتِّل كما قُتِّل جعفر هو اآلخر وأُبِّي َد ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت هذه احلملةُ الفارسيَّةُ املذهبيَّةُ يف أايم‬‫تكرَر ْ‬
‫االختالف يف العقيدة‪ ،‬أي املذهبية بتعبري آخر‪ .‬مث َّ‬ ‫َ‬ ‫الحداث مناطُها‬
‫فاضطر‬
‫َّ‬ ‫(عاصمة الدو ِّلة)‬
‫ِّ‬ ‫اخلليفة املستكفي ابهلل (‪945-908‬م‪).‬؛ زحفت السرةُ البُ َويْ ِّهيَّةُ الفارسيةُ على بغداد‬ ‫ِّ‬
‫الرجل‬ ‫ص من التراك‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن‬ ‫زمام ا ْحلُ ْك ِّم إىل أيب احلسن أمحد بن بويه‬ ‫اخلليفةُ أ ْن ي ِّ‬
‫َ‬ ‫الديلمي الشيعيِّ‪ ،‬يريد التخل َ‬
‫ِّ‬ ‫سل َم َ‬ ‫َُ‬
‫جبيشه العارم سنة ‪945‬م‪ .‬عزل اخلليفةَ املستكفي بعد‬ ‫هذا كان طاغيةً ال ي رقُب عه ًدا وال ِّذ َّمةً‪ ،‬وما إن دخل بغداد ِّ‬
‫َْ ُ‬
‫مهاًن وأُلعوبةً يف يد‬
‫ظل ً‬ ‫مقامهُ‪ ،‬ولكن هذا الخري َّ‬ ‫املقتدر َ‬ ‫ِّ‬ ‫بن‬
‫الفضل َ‬
‫َ‬ ‫أايم قليلة‪ ،‬ومسل عينيه‪ ،‬وأقام أاب القاسم‬
‫للخليفة أمر وال هني وال وزير‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫البويهيِّني‪ ،‬لنه مل يَعُ ْد بع ُد لِّ ِّ‬
‫مقام اخلال ِّ‬
‫فة هيبة وال‬

‫مدار التاريخ اإلسالمي‪ ،‬حىت بعد انقر ِّ‬


‫اض‬ ‫ِّ‬
‫والسنة على ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الشيعة‬ ‫احلروب املذهبيةُ بني‬ ‫دام التعصب املذهيب واستمر ِّ‬
‫ت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نفسها؛ ويف غضون ذلك ظهرت فتنة‬ ‫املذاهب السنية ِّ‬
‫ِّ‬ ‫احل بني‬ ‫ِّ‬
‫الدولة العباسية‪ .‬واندلعت صراعات يف ِّ‬
‫بعض املر ِّ‬
‫ِّ‬
‫وزيره أبو نصر حممد بن‬ ‫بتحريض من وزير السلطان السلجوقي طُغْ ُر ْل بك الذي كان حنفيًّا متعصبًا‪ ،‬فأستأذنه ُ‬
‫فوق ِّ‬
‫املنابر يف املساجد‪ ،‬كان الكندري‪،‬‬ ‫امللقب "عميد امللك" الكندري‪ ،6‬فأمر بِّلَ ْع ِّن الشاعرةِّ‪ 7‬من ِّ‬ ‫منصور بن حممد َّ‬
‫َ‬
‫طلب الكندري من‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫معتزليًّا ِّ‬
‫الشوافع والحناف ف ُقت َل خلق كثري يف بغداد‪ .‬مث َ‬ ‫ِّ‬ ‫ت حماوالته إىل قتال بني‬ ‫متعصبًا‪ ،‬فأد ْ‬
‫فأذ َن هلم فتفاقمت الفتنةُ يف خرسان‪ ..‬كما حدثت فتنة أخرى‬ ‫افضة‪ِّ ،‬‬ ‫لألئم ِّة بِّلَ ْع ِّن الر ِّ‬
‫السلطان ألب أرسالن أ ْن أيذ َن َّ‬
‫القشريي" وهو أبو نصر عبد الرحيم بن أيب القاسم عبد الكرمي القشريي‪ ،‬لَ َّما عاد من احلج بدأ‬ ‫ِّ‬ ‫ُعرفت ب "فتنة ابن‬
‫المر إىل‬ ‫ِّ‬
‫ب لألشاعرة‪ ،‬فبلغ ُ‬ ‫وتعص َ‬
‫َّ‬ ‫احلنابلة‪ ،‬فرماهم ابلتجسيم‪،‬‬ ‫ظ يف بغداد‪ ،‬فبالغ يف اإلنكار على‬ ‫يُلقي مواع َ‬
‫ذهبت ضحيتَها كثرة من الرواح‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫واحلنابلة‬ ‫القتال بني الشاعرةِّ‬ ‫السيف‪ ،‬واحتدم ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫استعمال‬

‫والنظام السلجوقِّ ِّي‪ ،‬وكِّالَ الطرفني من عرق واحد‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫القلندرية‬ ‫تدمريا‪ ،‬هو الذي حدث بني‬
‫ً‬ ‫املذهيب‬
‫ِّ‬ ‫ومن أشد النزاع‬
‫لغموض ظروفِّها‬
‫ِّ‬ ‫هتمام الباحثني بع ُد‪،‬‬
‫ف عنها الشيء الكثري‪ ،‬لهنا مل تَنَ ْل ا َ‬‫عر ُ‬
‫والقلندريةُ فئة غريبة الطوار‪ ،‬ال يُ َ‬
‫دامت إىل‬
‫ْ‬ ‫مذهب االعتز ِّال قد‬
‫َ‬ ‫أمره إىل السلطان السلجوقي طغرل بك فاستوزره‪ .‬كان الرجل معتزليًّا؛ فيبدو َّ‬
‫أن‬ ‫فصيحا‪ ،‬بلغ ُ‬
‫ً‬ ‫‪ 6‬كان أبو نصر حممد ال ُكنْ ُدري (‪1024‬م‪1064 -‬م) رجالً‬
‫ِّ‬
‫خلفاء بين‬ ‫يقدمون العقل على النقل يف أتسيس عقائدهم‪ .‬فاعتنقه ثالثة من‬ ‫الايم املتأخرةِّ‪ ،‬وقد كان من التيارات القدمية‪ ،‬اختلقته فرقة كالمية يف بداية القرن الثان اهلجري‪ ،‬كانوا ِّ‬
‫تلك ِّ‬
‫ِّ‬
‫العلماء على اعتناق هذا‬ ‫ُجِّ َ‬
‫رب كثري من‬ ‫سبب رواجه لدى خنبة من عالية القوم‪ .‬أ ْ‬
‫العباس‪ :‬املأمون (‪833-786‬م‪ ،).‬واملعتصم (‪842-794‬م‪ ،).‬والواثق (‪842-812‬م‪ ).‬صار ذلك َ‬
‫ِّ‬
‫املذهب‪ ،‬إالَّ اهنم رفضوا‪ ،‬فتعرضوا حملنة شديدة‪ .‬مث ما لبث حىت قضى الواثق حنبَهُ فقام مقامه املتوكل (‪861-822‬م‪ ،).‬فنهى الناس عن اجلدال فيما كانوا عليه أايم اخللفاء الثالثة‬
‫السابقني‪ .‬فهانت بعد ذلك وطأة املعتزلة وتقلص االهتمام هبذا التيار فبات منسيًّا إىل أايمنا‪.‬‬

‫املتعارف لنصوص الكتاب‬ ‫‪ 7‬الشعريةُ يف الواقع ال تُعد مذهبا مواف ًقا لِّضوابط الكتاب والسنة‪ ،‬بل هي حركة مذهبية نشأت على أسس كالمية (دايلكتيكية)‪ ،‬ي ِّ‬
‫وه ُم أن التفسري الوسطي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ضا أن نصوص الكتاب والسنة‬
‫والسنة ال تفي ابلغرض إلبراز ما تتضمنه من املراد اإلهلي (حول مبادئ اإلميان)‪ .‬كذلك املاتريدية‪ ،‬تعتمد على الفلسفة (يف شرح مبادئ اإلميان) يوهم أي ً‬
‫حتتاج إىل تعليالت عقالنية لكشف ما فيها من الغموض‪ .‬ظهرت الشعرية كرد فعل على التشدد العقالن من جهة‪ ،‬وعلى الصوفية من جهة أخرى‪ .‬كما ظهرت املاتريدية كرد فعل ضد‬
‫شائعا يف تركستان (يف القرن الثامن امليالدي) لذا‪ ،‬ميكننا القول‪ :‬أبن الشعرية واملاتوريدية نشأات‬
‫خلط معتقدات ما قبل اإلسالم (الشامانية والبوذية) إىل تعاليم اإلسالم‪ ،‬وقد كان ذلك ً‬
‫لسباب مشروعة يف البداية‪ .‬ولكن غلبت الفكار الصوفية على املنتسبني هلذين املذهبني فانتشرت يف الشرق الوسط‪ ،‬فأسفرت عن الفوضى والتلوث يف املعتقدات فتغذت منها‬
‫املسلمانية ‪ Müslümanlık‬الرتكية‪ .‬وهذا التطور أصبح عقبةً خطريةً أمام دعاةِّ اإلصالح الذين هنضوا يف السنني الخريةِّ إلرشاد ِّ‬
‫الناس إىل اإلميان بوحدانية للا تبارك وتعاىل‪ ،‬فتعرضوا‬
‫ملالحقات وعقوابت شديدة بتهمة أهنم من أنصار التنظيمات اإلرهابية كالقاعدة وداعش وغريها‪.‬‬
‫مأوى وال‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ف عنهم‪ :‬أهنم كانوا مجاعةً كساىل ش ْبهَ عراة حفاء ال يتَّخذون ً‬ ‫عر ُ‬
‫الزمنية‪ ،‬واختالف اآلراء حوهلا‪ ..‬فكل ما يُ َ‬
‫وشوارهبم وحواجبَهم‪ .‬لذا‪َ ،‬م ْن رآهم وىل منهم فر ًارا‬
‫َ‬ ‫اه ْم‬‫يتورعون عن فعل الفاحشة‪ .‬كانوا حيلقون ِّحلَ ُ‬ ‫يتزوجون وال َّ‬
‫َّ‬
‫أمرهم‪ ،‬مث تبعثروا يف ُم ُد ِّن أًنضول يف عهد الدولة‬
‫وُملئ منهم رعبًا لبشاعة هيئتهم‪ .‬ظهروا يف مدينة حلب يف َّأو ِّل ِّ‬
‫السلجوقية‪ ،‬جلهم كانوا من مالحدة التراك ال يؤمنون ابهلل وال ابليوم اآلخر وال مبقدس‪ .‬لعل ِّ‬
‫هؤالء كانوا من امتداد‬
‫احلشاشني من أتباع حسن بن صباح الذين كانوا يومنون ابإلرادة احلرةِّ ويرفضون اإلميان ابخلالق لن اإلميا َن اب ِّ‬
‫إلله‬
‫ِّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬إذ هو مبين على الطاعة واخلضوع املتواصل‪ ".‬وهذه العقيدةُ كانت خمالفةً لعقيدة اجملتمع‬ ‫عندهم "مانع حلر ِّية‬
‫الدولة‪ ،‬فضالً عن أن ع َد َد القلندريِّني أخذ يف االزدايد مع الزمان‪ ،‬فعجزت‬‫ِّ‬ ‫السلجوقي ِِّّ‬
‫السين‪ ،‬وخط ًرا على نظام‬
‫ش يف تصرفاهتم وسلوكياهتم‪ ...‬فلما احت َّد النزاعُ بني الطرفني استغلَّت‬
‫ش والتفح ِّ‬
‫الدولةُ عن تغيري ما اعتادوه من التوح ِّ‬
‫املوقف‪ ،‬فانقضَّت على الدولة السلجوقية ابملشاركة مع القلندريِّني فقضت عليها‪ .‬ال شك أن هذا‬
‫َ‬ ‫قوات املغول هذا‬
‫ُ‬
‫ِّ‬
‫وعسكرًّاي يف مرحلة االقتتال‪.‬‬ ‫طابعا سياسيًّا‬
‫النزاع كان يف الصل ًنشئًا من اختالف العقيدة‪ ،‬مث أخذ ً‬

‫الدينية اليت كانت سائدةً يف الًنضول ما بني القرن الثالث‬ ‫ِّ‬ ‫ط احلياةِّ‬ ‫يقول الستاذ الدكتور فؤاد كوبرولو‪َّ :‬‬
‫"إن أمنا َ‬
‫عشر والسادس عشر امليالدي‪ ،‬حتتاج إىل دراسة أساسية لمهيتها البالغة‪ .‬لقد انتشر العدي ُد من املذاهب والطرق‬
‫الصوفية على الساحة الًنضولية خالل هذه احلقبة الزمنية مثل الباابئِّيَّ ِّة‪ ،‬والب َدالِّيَّ ِّة‪ ،‬والْبكْتَ ِّ‬
‫اشيَّ ِّة‪َ ،‬وا ْحلُُروفِّيَّ ِّة‪،‬‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ‬
‫الف َر ِّق الباطنية‪ .‬لقد حدثت انتفاضة الشيخ بدر‬ ‫اشيَّ ِّة‪ ،‬والْ َقلَْن َد ِّريَِّّة‪ ،‬وا ْحلي َد ِّريَِّّة‪ ...‬كل هذه اجلماعات تُعد من ِّ‬
‫يزيلْب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ‬ ‫َوالْق ِّ َ‬
‫فرقة الْبَ َاابئِّي ِّة‪ .‬وهكذا‪ ،‬خالل‬ ‫نفسها على غرار مترِّد ِّ‬ ‫الدين السيماوي وأنصاره‪ ،‬كما وقعت قبلها عصياًنت لألسباب ِّ‬
‫اك الًنضول حياةً مكتئبة ابستمرار‪ .‬وقد ظهر يف هذه الفرتة كثري من املتنبِّئني‪،‬‬ ‫كل هذه القرون الربعة‪ ،‬عاش أتر ُ‬ ‫ِّ‬
‫‪8‬‬
‫ومن كانوا متفانني فيهم لدرجة أهنم ما كانوا يرتددون يف التضحية أبرواحهم يف سبيل أولئك املتنبئني‪".‬‬

‫ِّ‬
‫ستيالء املغول على بالد املسلمني‪ ،‬يربهن ما جاءَ يف هذه‬ ‫كانت هذه نبذة عن الفرق الباطنية اليت ظهرت أايم ا‬
‫أن الدولةَ السلجوقيةَ الرتكيَّةَ كانت تعان مشاكل ِّ‬
‫متعددةَ الوجوه يف‬ ‫السطور بقلم أحد مشاهري الباحثني التراك َّ‬
‫َ‬
‫صراعها مع هذه الفرق‪ ،‬وتتخبط يف مستنقع من االنفالت والفوضى‪ .‬كل تلك الصراعات كانت ًنشئةً من اختالف‬

‫‪ 8‬وهذه كلمات الستاذ الدكتور فؤاد كوبرولو ابللغة الرتكية اليت عربناها فيما سبق‪:‬‬
‫‪XIII. yüzyıldan XVI. Asır sonlarına kadar Anadolu dinî hayatı çok mühim bir tedkik sahası gösterir. Yûnus Emre’den‬‬
‫‪başlayarak birçok büyük mutasavvıflar ve mutasavvıf şairler yetiştiren bu muhitte, Babaîlik, Abdallık, Bektaşîlik,‬‬
‫‪Hurûfîlik, Kızılbaşlık, Kalenderîlik, Hayderîlik adı altında Bâtıniyye zümresine girebilecek birçok mezheb ve tarikatlar‬‬
‫‪teşekkül etmiş ve yayılmış, eski Babaîler hâdisesinin tekerrürü şeklinde Bedreddin Simavî tarafdarlarının, ayaklanması‬‬
‫‪ve daha sonraki zamanlarda yine aynı mahiyette münferid hadiseler vukua gelmiştir. İşte böylece bütün bu dört asırlık‬‬
‫‪müddet esnasında AnadoluTürkleri daima buhranlı bir hayat geçirmişler, yalancı peygamberler, yeni i’tikatlar ve onların‬‬
‫‪uğrunda canını vermeyi göze alacak birçok mü’minler yetiştirmişlerdir. (Kaynak: Ord. Prof. Dr. Fuad Köprülü. Türk‬‬
‫)‪Edebiyatında İlk Mutasavvıflar. Diyanet İşleri Bşk. Yay. 8. Baskı, s.337 Ankara-1993‬‬
‫العقائد بني هذه الفرق من جانب‪ ،‬ومناقضتها لعقيدة اجملتمع من جانب آخر‪ .‬فكل تلك االنتفاضات والتناحر‬
‫ِّ‬
‫اختالف االجتاهات الدينية بني الطراف املتنازعة‪ ،‬كانت‬ ‫وحركات اخلروج على النظام إمنا حدثت أصالً بسبب‬
‫ضا وإن مل يكن بينها اتفاق‬ ‫الدولةُ واجملتمع على اتفاق وبينهما حتالُف كطرف‪ِّ ،‬‬
‫والف َر ُق الباطنيةُ كانت طرفًا معار ً‬ ‫ُ‬
‫لكن الصراعات اليت دارت رحاها سواء بني الطرفني من جانب‪ ،‬وبني الفرق الباطنية يف إطارها الداخلي من‬ ‫وحتالف؛ َّ‬
‫جانب آخر‪ ،‬إمنا كانت تتمحور حول املذهبية يف الواقع‪.‬‬

‫أن النزاعات والصراعات املذهبية اليت بدأت يف وقت مبكر وبعد عصر السلف الصاحل‬ ‫من اجلدير ابإلشارة هنا؛ َّ‬
‫مباشرة‪ ،‬كانت تنبعث عموما من عقائد الشيعة وموقفها من أغلبية املنتسبني إىل اإلسالم‪ .‬لذا‪ ،‬كانت بقيةُ ِّ‬
‫الف َر ِّق من‬ ‫ً‬
‫املذاهب السنِّيَّ ِّة والبدعيَّ ِّة كلها تعارض الشيعةَ وتُلقي عليها الالئمةَ حىت غالة الصوفية ويف طليعتها النقشبنديةُ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أهل‬
‫عموم احملافظني التراك ويف مقدمتهم النقشيبديون‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فعلى سبيل املثال‪ ،‬كتب أمحد الفاروقي السرهندي الذي يعظ ُمهُ ُ‬
‫فحرضه على قتال‬
‫ك الوزبك‪َّ ،‬‬ ‫عبد للا خان (‪1598-1533‬م‪ ،).‬ملِّ ِّ‬ ‫الرَّابِِّّن"‪ ،‬كتب إىل ِّ‬ ‫ِّ‬
‫"اإلمام َّ‬ ‫والذي يلقبونه ب‬
‫َ‬
‫وج َهها إىل هذا امللِّك‪ " :‬إن مرسل لك كتايب املوسوم (رد الروافض)‪ ،‬وأطلب منك أن‬ ‫الشيعة‪ ،‬وقال يف رسالته اليت َّ‬
‫معارك‬
‫حدثت ُ‬ ‫ْ‬ ‫قد َمهُ إىل ملك الدولة الصفوية شاه عباس‪ ،‬فان سل َم ملا دعوتُهُ إليه فبها‪ ،‬وإالَّ وجب قتاله‪ 9".‬وفعالً‬ ‫تُ ِّ‬
‫دامية بني الطرفني ذهبت ضحيتها ما ال حيصى من الرواح‪.‬‬

‫التباغض‬
‫ُ‬ ‫حتو َل هذا‬
‫وأحياًن َّ‬
‫ً‬ ‫لقد دام التنافر والتباغض بني الشيعة وبقية الفرق املنتسبة إىل اإلسالم على مر القرون‪،‬‬
‫املذهيب إىل اقتتال بني الطرفني‪ .‬يربهن على هذه احلقيقة ما ورد يف مصدر هام للباحث الكبري الدكتور فؤاد كوبرولو‪،‬‬
‫يقول بتعبري الفت‪ ،‬وقد عرهبا مرتجم مصري يُدعى عبد للا أمحد إبراهيم‪ ،‬وهذا نص كلمات الدكتور كوبرولو‪:‬‬

‫نفسهُ من نسل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬


‫وبطش السيف ِِّّ‬ ‫"وبعد أن خضعت الرقاب قبل ذلك أمام قوةِّ‬
‫العنصر الفارسي الذي يَعد َ‬
‫ُ‬ ‫العريب‪ ،‬وجه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حتت ستار‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم ِّي والقومية اإلسالمية العربية‪ ،‬وذلك َ‬ ‫ِّ‬
‫أوالد احلسني ووريثًا للساسانيني‪ ،‬ضربةً ُمفزعةً مروعةً للدين‬
‫(الدفاع عن حقوق أهل البيت)‪ ،‬ولكنه مل يستطع القضاءَ على هذه احلضارة العريقة يف سهولة ويُسر‪ .‬مث ظهر‬
‫ِّ ‪10‬‬
‫بوضوح كيف دخلت على عجل العقائ ُد والداينةُ الزرادشتيةُ مسترتةً حتت عباءة الدين اإلسالم ِّي"‬

‫‪ 9‬املصدر‪Türkiye Gazetesi, İslâm Âlimleri Ansiklopedisi, 15/325. Tarihsiz -İstanbul. :‬‬

‫الدكتور حممد فؤاد كوبرولو‪ ،‬املتصوفون الولون يف الدب الرتكي‪ ،‬اجلزء الول‪ ،‬الطبعة الوىل‪ ،‬ص‪ ،61/‬ترمجة‪ :‬عبد للا أمحد إبراهيم‪ ،‬اجمللس العلى للثقافة‪ ،‬القاهرة‪2002-‬م‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫وهذه كلمات املؤلف ابللغة الرتكية‪:‬‬


‫‪«İrânîlik Hz. Hüseyin evlâdını Sâsânîler’in vâris ve takipçisi sayarak Ehl-i beytin hukukunu müdâfaa perdesi altında‬‬
‫‪Arap milliyetine ve İslâm dinine dehşetli darbeler vurdu ve eski bir medeniyetin kolayca yok edilemeyeceğini, -Zerdüşt‬‬
‫»‪akidelerini İslâm kisvesi altına sokmak suretiyle- açıkça gösterdi.‬‬
‫قرًن هو أمر جدير ابالهتمام‪ ،‬خاصةً َّ‬
‫وأن‬ ‫رس من العرب واإلسالم منذ ثالثة عشر ً‬ ‫أي يف وصف موقف ال ُف ِّ‬ ‫َّ‬
‫إن هذا الر َ‬
‫أكرب مرجع يف دراسة اتريخ العقائد لألتراك‪ ،‬ويبلغ هذا الوصف غايتَهُ يف اإلفادةِّ وإلفات‬ ‫صاحب هذا الر ِّ‬
‫أي يعد َ‬ ‫َ‬
‫رس واإلسالم يف مقطع من الكالم‪ .‬لن موقف الشعب الفارسي من االسالم مل يتغري‪.‬‬ ‫النظر عندما تلتقي كلمتا ال ُف ِّ‬
‫والتارخيي هلذا‬
‫َّ‬ ‫الساسي‬
‫َّ‬ ‫ْمان ‪ "Moselmânî‬متثِّل َ‬
‫الرمز‬ ‫سل َ‬
‫"م َ‬ ‫ِّ‬
‫ابلمس هم اإليرانيون اليوم‪ .‬والكلمة الفارسيةُ‪ُ :‬‬ ‫رس‬
‫فال ُف ُ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ظل حيًّا حىت اليوم‪.‬‬
‫التارخي َّي الذي َّ‬ ‫الفارس َّي‬ ‫العظمة‬ ‫املوقف‪ .‬ميثِّ ُل هذا ُ‬
‫الرمز جنو ُن‬

‫***‬

‫العنف والقسوةَ املتوغلةَ يف طبيعة‬


‫َ‬ ‫لكن‬
‫وتغري ابستمرار عرب فرتات عديدة من التاريخ‪َّ ،‬‬
‫املذهب الشيعي الفارسي ََّ‬
‫ُ‬ ‫تطوَر‬
‫َّ‬
‫غضب‬
‫َ‬ ‫هذه الداينة مل تتغري‪ .‬لذا‪ ،‬عندما اختذ التشيع شكالً آخر يف العهد الصفوي ظهر يف غطرسة مذهبية َهيَّ َج‬
‫احلرب بني الطرفني يف موقعة تشالدران عام ‪1514‬م‪ .‬رغم أن السرتني الصفويةَ والعثمانيةَ‬ ‫ِّ‬ ‫فأنشب نريا َن‬
‫َ‬ ‫العثمانيِّني‬
‫البعض فأريقت دماء‬ ‫ِّ‬ ‫كانتا من عرق واحد‪ ،‬لكن املذهبيةَ منعتهما من التسامح والتعاون‪ ،‬بل أغرهتما على بعضهما‬
‫آالف من املقاتلني يف صفوف اجليشني املتحاربني وكلهم يهتفون "للا أكرب!"‬

‫انتهت املعركةُ هبز ِّ‬


‫مية الصفويِّني‪ .‬إالَّ َّأهنم مل يتخلَّ ْوا عن مضايقة الدولة العثمانية بنشر عقائد الشيعة يف اجملتمع العثمان‪.‬‬
‫بعض قبائل الدَّيْ لَ ِّم املعتنقني للمذهب الشيعي على اهلجرة إىل الراضي العثمانية‪،‬‬
‫شجعت أو أجربت الدولةُ الصفويةُ َ‬ ‫َّ‬
‫كانت مجاعات منهم تتسلَّل إىل املناطق اخلالية شرقي اململكة العثمانية‪ ،‬سكنوا يف البقاع اخلالية َّأو َل ِّ‬
‫أمرهم‪ ،‬مث‬
‫أحناء املنطقة الكردية وامتزجوا ابلكراد السنيني وتبعثروا يف صفوفهم يبثون عقائ َدهم‪ ،‬غري أهنم كانوا‬ ‫أنشئوا قرى يف ِّ‬
‫ميارسون طقوسا للداينة الشامانية‪ ،‬وهي داينة ِّ‬
‫آابء التراك قبل اإلسالم‪ ،‬يبدو أهنم اعتنقوا املعتقدات الشامانية‬ ‫ً‬
‫كبريا بعد مرور حقبة من الزمن‪ .‬مث كثر عددهم‬‫جملاورهتم التراك يف وطنهم الصلي‪ ،‬فاختلفوا عن الشيعة اختالفًا ً‬
‫فأصبحوا مصدر قلق مستمر للسلطة العثمانية طيلةَ ِّ‬
‫أربعة قرون‪ ،‬فلما اهنارت الدولة العثمانية وقامت اجلمهورية على‬ ‫َ‬
‫أنقاضها انضموا إىل الكر ِّاد السنيِّني يف مترِّدهم على نظام مصطفى كمال عام ‪1938-1937‬م‪ ،‬فأرسلت احلكومةُ‬
‫ارما حاصرهم يف منطقة درسيم ‪( ،Dersim‬كما حاصرهم يف مناطق أخرى تضم عدة مدن‪،‬‬ ‫شا ع ً‬‫الرتكيةُ عليهم جي ً‬
‫معظم سكاهنا من الكراد ) ونُِّفذت فيهم مذحبة بلغ فيها ُ‬
‫عدد القتلى ما يقارب ثالثة عشر ألف نسمة قُتِّلوا‬ ‫‪11‬‬

‫ابلسلحة النارية ما عدا الذين أعدموا شن ًقا‪.‬‬

‫الد َايلِّ َمةُ‪.Tunceli, Erzincan, Elâzığ, Sivas, Malatya Bingöl :‬‬


‫‪ 11‬وهذه أمساء املدن اليت يسكنها العلويون َّ‬
‫ِّ‬
‫النضمامهم إىل الكر ِّاد يف خروجهم على النظام‪ ،‬إالَّ َّ‬
‫أن‬ ‫إبابدهتم ِّ‬
‫لكوهنم علويِّني‪ ،‬بل‬ ‫ِّ‬ ‫إن احلكومةَ يف الواقع مل تقم‬
‫دوامة من‬
‫اد الذين اثروا على حكومة مصطفى كمال بقيادة الشيخ سعيد البالوي عام ‪1925‬م‪ .‬كانوا غرقى يف َّ‬
‫الكر َ‬
‫معتقدات خليطة حتت مسة النقشبندية‪ ،‬انتشرت يف املطقة الكردية منذ ‪1811‬م‪ .‬فكانوا يتَّهمون النظام أبنه يتبىن‬
‫ِّ‬
‫اإلسالم وهي داينة مستقلة هندية‪ ،‬ومل‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالم‪َّ .‬أما النقشبنديةُ فإهنا يف واقع المر أبعد ما تكون من‬ ‫القضاءَ على‬
‫أعمق من الفجوةِّ اليت حتيل بني معتقدات النقشبنديِّني وبني‬
‫َ‬ ‫تكن الفجوةُ بني معتقدات الكماليِّني وبني اإلسالم‬
‫احملض‪ ،‬يربهن على هذه احلقيقية مذكِّرا ُهتم‬ ‫أن رؤوس الكماليِّني كانوا كلهم ملحدين متميِّزين ِّ‬
‫إبحلادهم ِّ‬ ‫اإلسالم‪ .‬ذلك َّ‬
‫ات مصطفى كمال اليت تطاول فيها على القرآن الكرمي وطعن يف الرسول حممد صلى للا عليه‬ ‫وعلى رأسها مذكر ُ‬
‫وسلم‪ .12‬أما أتباعهم حىت اليوم فإهنم ِّ‬
‫يؤهلون مصطفى كمال‪ ،‬وهم أخالط من املالحدة؛ منهم من يومن ابهلل ويكفر‬
‫بسائر ما جاء به القرآن الكرمي‪ ،‬ومنهم َم ْن يُِّقر ابإلسالم ولكنه يطعن يف أحكام القرآن‪ ،‬ومنهم من يومن بنبوة‬
‫لشخصية مصطفى كمال كرمز ِّ‬
‫شبه إله يف ضمريهم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫مجيعا يُظهرون ابل َغ االحرت ِّام‬
‫مصطفى كما وهم قليلون‪ ،‬ولكنهم ً‬
‫وشرعه‬
‫صممه َّ‬ ‫ِّ َّ‬
‫الكمايل داينةً متكاملةً وقد َّ‬ ‫ويقيمو َن طقوسهم أثناءَ زايرهتم لضرحيه يف أنقره‪ .‬وهذا جيعلنا أن نعُ َّد َ‬
‫التيار‬
‫يع هذه‬ ‫ِّ‬ ‫يهودي امسه موئيز كوهني ‪َّ Moiz Kohen‬أختذ‬
‫قرَر تشر َ‬
‫لنفسه امسًا من أمساء التراك (‪َّ .)Munis Tekinalp‬‬
‫ِّ‬
‫زمالئه الذين كانوا من أقرب الناس إىل‬ ‫الداينة عام ‪1938‬م‪ .‬فور وفاة مصطفى كمال‪ ،‬ووافق على اقرت ِّ‬
‫احه أربعة من‬ ‫ِّ‬
‫‪13‬‬
‫مصطفى كمال‪.‬‬

‫تعاليم اإلسالم كما جيهلون حقيقة‬ ‫َ‬ ‫أما النقشبنديون الكراد‪ ،‬فإهنم من أجهل ِّ‬
‫الناس‪ ،‬وهم قطعان من اهلمج‪ ،‬جيهلون‬
‫أن هذه الداينةَ من صنع التراك ملا اعتنقوها‪ ،‬للتنافر الذي بني الطرفني‬ ‫الطريقة النقشبندية‪ .‬أوالً‪ :‬لهنم لو علموا َّ‬
‫يتعرضون له‪ ،‬إمنا يرجع إىل ختلِّيهم من‬ ‫والتهميش الذي َّ‬
‫َ‬ ‫االضطهاد‬
‫َ‬ ‫منذ القدمي‪ .‬لن كثرةً من الكراد اليوم يَ َّد ُعو َن َّ‬
‫أن‬
‫داينتهم القدمية (أي الزرادشتية) واعتناقِّهم الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّةَ ‪ ،Müslümanlık‬وهي دين التراك‪ .‬وهناك تيار يبث الدعايةَ‬
‫الوان الخريةِّ حياول فصم العروةِّ بينهم وبني الْ ُم ْسلُ َمانِّيَّ ِّة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫التوعية يف صفوف الكر ِّاد ويتصيَّ ُد َ‬
‫شباهبم يف‬ ‫ِّ‬ ‫حتت غطاء‬
‫احلقائق ملا اعتنقوا النقشبنديةَ‪ ،‬وملا عظَّموا‬ ‫ِّ‬ ‫إن النقشبنديِّني الكراد لو كانوا على علم هبذه‬ ‫يوجههم إىل الزر ِّ‬
‫ادشتية‪َّ .‬‬ ‫و ِّ‬
‫أمثال عبد اخلالق الغجدوان الذي اقتبس من البوذية مثانية مبادئ‪ 14‬وبىن هذه الداينة عليها‪.‬‬ ‫زًندقةَ التراك من ِّ‬

‫‪12‬وهذا نص كلماته ابللغة الرتكية‪«Evet Karabekir, arap oğlunun yavelerini Türk oğullarına öğretmek için Kur’ân’ı Türkçeye .‬‬
‫ِّ‬
‫الكتاب مات‬ ‫»‪ çevirttireceğim.‬املصدر‪ .Şemseddin Güler, BEYAZ KİTAP, pg:63 :‬قد طُبِّ َع هذا الكتاب ًّ‬
‫سر‪ ،‬لذا مكان واتريخ طباعته جمهوالن‪ ،‬وًنشر‬
‫فور نشر الكتاب!‬

‫‪ 13‬وهم‪ :‬حسن علي يوجيل ‪Hasan Ali Yücel‬؛ ووداد ندمي ثور ‪Vedat Nedim Tör‬؛ وًندر ًندي ‪Nadir Nadi‬؛ ويعقوب قدري قره عثمان أوغلو ‪Yakup Kadri‬‬
‫‪Karaosmanoğlu.‬‬

‫ت‪ ،‬نِّ َكا ْه َدا ْش ْ‬


‫ت‪َ ،‬اي ْد َداْ ْشت‬ ‫َن‪ْ ،‬خل َْوت َد ْر أ َْجنُ َم ْن‪َ ،‬اي ْد َك ْر ْد‪َ ،‬اب ْز َك ْش ْ‬
‫وش َد ْر َد ْم‪ ،‬نَظ َْر بَ ْر قَ َد ْم‪َ ،‬س َف ْر َد ْرَوط ْ‬
‫هذه املبادئ الثمانية هي‪ُ :‬ه ْ‬ ‫‪14‬‬
‫احلرب سجال بني الكماليِّني والنقشبنديِّني منذ قيام اجلمهورية إىل اليوم؛ اندلعت حرب مسلح بني الطرفني سنة‬
‫التباغض الديين وإ ْن استرت هذا الدافع وراءَ أسباب سياسية مع أنه احلافز الرئيس‪ ،‬ذلك َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫‪1925‬م‪ .‬كان مرد َها‬
‫النقشبنديِّني إمنا اثروا على النظام الكمايل لهنم َّاهتموا َ‬
‫رموزه ابلكفر‪ .‬والغريب أن النقشبنديِّني مل يروا أنفسهم خارجني‬
‫عن ملة اإلسالم‪ ،‬فلم يتنبَّهوا إىل اجلرف السحيق الذي يفصلهم عن الدين احلنيف‪ .‬إما الكماليون‪ ،‬فإهنم كانوا وال‬
‫أن هذه النحلةَ تنتسب إىل اإلسالم‪،‬‬ ‫يزالون يتمرغون يف مستنقع اجلهل إذ يتَّهمون النقشبنديِّني ابلرجعية ِّ‬
‫لتومههم َّ‬
‫اإلسالم أنه عامل ختلف للمجتمع‪ ،‬وأنه دين العرب الجالف‪.‬‬
‫َ‬ ‫ولهنم يرون‬

‫صورهتا‬
‫َ‬ ‫احلرب بني الكماليِّني والنقشبنديِّني منذ ثورة الشيخ سعيد البالوي عام ‪1925‬م‪ .‬إىل اليوم‪ ،‬غري أن‬
‫ُ‬ ‫دامت‬
‫اختلف وص ُفها يف أدبيات كل طرف هلذا الصراع‪ .‬فكانت يف طورها الول يف‬‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ومسمياهتا تغريت من فرتة لخرى‪ ،‬كما‬
‫مصطلح الكماليِّني "عمليات تنكيل ابخلونة الرجعيِّني"‪ ،‬وكانت يف مصطلح النقشبنديِّني "قتال الكفار"‪ .‬مث َّ‬
‫حل اهلدوء‬
‫بشكل نسيب بعد إمخاد ثورة النقشبنديِّني‪ ،‬إالَّ أن الكماليِّني ظلوا يف غطرستِّهم يشمتون هبذه النحلة ويستحقروهنا‬
‫بكل وسيلة إلذالهلا وإرغام أنوف منتسبيها‪ .‬فلما انتهى عهد استبداد احلزب املتفر‪ ،‬وبدأت التعدديةُ سنة ‪1946‬م‪.‬‬
‫امللح ِّة إىل كسب القطاعات الشعبية‪،‬‬
‫اب السياسية ابحلاجة َّ‬ ‫فأحست الحز ُ‬‫َّ‬ ‫ت املرونةُ يف العمل السياسي‬ ‫دبَّ ْ‬
‫واجلماعات الثنية‪ ،‬وال ُكتل الصوفية‪ ،‬وطمعت يف كسب دعمها أايم االنتخاابت لجل الفوز يف السباق الساسي مع‬
‫رئيس‬
‫بقية الحزاب‪ .‬فخرج النقشبنديون من عزلتهم لول مرة‪ ،‬ودبت احلركةُ يف صفوفهم‪ ،‬فبادر عدًنن مندريس ُ‬
‫احلزب الدميقراطي ابدر جلمع مشل النقشبنديِّني وتعبئتهم‪ ،‬لنه فاز يف انتخاابت ‪1950‬م نتيجة‬
‫ِّ‬ ‫ورئيس‬
‫ُ‬ ‫الوزر ِّاء‬
‫دعمهم‪.‬‬

‫انطلق النقشبنديون منذ أايم هذا التعاون الذي جرى بينهم وبني مندريس‪ ،‬انطلقوا ينافسون الكماليِّني على كل‬
‫طقوسهم اهلنديةَ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫النظام‪ ،‬وأجروا‬ ‫صعيد‪ .‬استبدلوا يف املقام الول مصطلحاهتم اليت كانت مرفوضةً وممنوعةً من قِّبَ ِّل‬
‫ابقتباس أشكال من مناسك اإلسالم وذلك للتعمية‪ ،‬هكذا استطاعوا أن‬
‫ُ‬ ‫داخل املساجد بعد إجراء تعديالت فيها‬‫َ‬
‫معظمهم يف جامعات تركيا وحصلوا على شهادات أكادميية‪،‬‬‫فتخرج ُ‬ ‫ُخيفوا هويتهم‪ ،‬مث اهتموا بتعليم أبنائهم وبناهتم‪َّ ،‬‬
‫هامةً يف خمتلف مرافق الدولة‪ ،‬كما أصابوا ثروات طائلةً وأنشئوا شركات عمالقةً‪ .‬أما الكماليون‪،‬‬
‫مناصب َّ‬
‫َ‬ ‫فاحتلوا‬
‫فرتاخوا ودخلوا يف سبات وغفلوا عن دبيب النقشبنديِّني واستيالئهم على َّ‬
‫املؤسسات‪ ،‬إىل أن فاجأهم رجل امسه جنم‬
‫نفسهُ أبعلى درجة من املعرفة والثقافة حيمل شهادة‬ ‫جهز َ‬ ‫الدين ْأربَ َكان الذي ظهر من بني صفوف هذه النحلة وقد َّ‬
‫تغريت بعد ذلك لغةُ احلرب بني‬‫سم به من موهبة اخلطاب الْ ُم ْقنِّ ِّع‪َّ .‬‬
‫الدكتوراه يف اهلندسة امليكانيكية فضالً عما كان يتَّ ُ‬
‫وأحياًن إىل التحايل والدبلوماسية إىل‬
‫ً‬ ‫النقشبنديِّني والكماليِّني من استعمال العنف إىل هلجات من اجلدال والدغدغة‪،‬‬
‫وحتو َل الكماليون إىل فئة مهزومة ومغلوبة على‬
‫أن استوىل هذا القطاعُ اخلطريُ (النقشبنديون) على الدولة الرتكية َّ‬
‫أمرها‪.‬‬

‫ِّ‬
‫الرائس َّي يف املاضي‬ ‫النظام‬
‫َ‬ ‫قد تربَّ َع النقشبنديون يف الوقت الراهن على ُس َّدةِّ احلكم بعد اعتماد جملس الشعب‬
‫املقدسةَ لإلسالم وقد أذلوا الكماليِّني خاصةً بعد أن جنحوا يف حرهبم على فتح للا‬
‫َ‬ ‫املفاهيم‬
‫َ‬ ‫القريب وهم حيتكرون‬
‫ِّ‬
‫انتصارهم يف حروهبم املذهبية‬ ‫أمامهم عقبة يف ِّاختاذ ِّ‬
‫أي قرار ابسم الدولة الرتكية عقب‬ ‫كولن وأنصاره‪ .‬فلم يعد اليوم َ‬
‫مع خصومهم بقيادة رجب طيب أردوغان‪.‬‬

‫الطرف ِّ‬
‫الثانَ على عقيدة‬ ‫َ‬ ‫لآلخر لِّ َما أ َّن‬
‫ِّ‬ ‫كل طرف‬ ‫ِّ‬
‫تذنيب ِّ‬ ‫نشأت أصالً من‬
‫ْ‬ ‫إن هذه املعاداة والثورات والفنت كلَّها‬
‫تتحو ُل إىل أزمة سياسية أو هكذا ترتاءى يف‬ ‫ختالف عقيدتَهُ‪ .‬وهذه هي املذهبيةُ بعينِّها‪ .‬لكن املثري َّ‬
‫أن املذهبيةَ غالبًا ما َّ‬
‫الناس وتعىي يف احلكم عليها‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫الحداث على العامة وتتخبط ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصورة‪ ،‬فتلتبس‬

‫***‬

You might also like