Professional Documents
Culture Documents
عرض قراءة في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية
عرض قراءة في قانون التحكيم والوساطة الاتفاقية
بعنوان: عرض
2020 2019
0
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
الئحة المختصرات:
ق .م .م :قانون المسطرة المدنية
ق .ل.ع :قانون االلتزامات والعقود
م .س :مرجع سابق
ص :صفحة
1
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
مقدمة:
إن الظاهرة التي ال تخطئها عين الدارس هي أن المجتمع "القانوني" الدولي ،اليوم
في مجال حسم المنازعات بين أشخاص القانون الخاص أو القانون العام يسعى حثيثا-
ومحاولة منه في تحقيق "عولمة" القضاء نحو إيجاد بدائل متعددة للقضاء الرسمي وخارج
المسطرة القضائية العمومية.1
وتعرف الوسائل البديلة بأنها مجموعة غير محددة من اآلليات لحل النزاعات تتم في
غالب األحيان عبر تدخل طرف ثالث من أجل التوصل إلى التسوية غير القضائية لهذه
النزاعات.2
ومن بين الوسائل البديلة التي نظمها المشرع المغربي ،نجد التحكيم والوساطة
االتفاقية وقد عرف المشرع المغربي التحكيم في الفصل 036من قانون المسطرة المدنية،3
على أنه" حل نزاع من لدن هيئة تحكيمية تتلقى من األطراف مهمة الفصل في النزاع بناء
على اتفاق تحكيم" .وعلى خالف ذلك لم يقدم المشرع المغربي تعريف للوساطة االتفاقية،
لذلك عرفها أحد الباحثين بأنها آلية للتصالح بين طرفين متنازعين تتم تحت إشراف شخص
محايد في اجتماع سري وأساسها الرضا واالختيار.4
-اختالف سلطة المحكم عن سلطة الوسيط فاألول يصدر حكما في الدعوى التحكيمية في
حين يقتصر دور الوسيط على تقريب وجهات النظر دون البت في الموضوع
1
:أستاذنا جمال الطاهري ،الفعالية اإلجرائية للحكم التحكيمي ،مقال منشور في مجلة محاكمة ،العدد 4أبريل – يونيو ،8002ص00
2
:محمد الملكي ،دور الوساطة في تسوية النزاعات -دراسة مقارنة – أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،مركز دراسات الدكتوراه في
القانون و االقتصاد و التدبير ،مختبر البحث القانون و التنمية ،السنة الجامعية ،8002/8002ص9
3
:ظهير شريف بمثابة قانون رقم ،0.24.442بتاريخ 00رمضان 82( 0994شتنبر )0924
4
:محمد الملكي ،مرجع سابق ،ص.80
2
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
-الحكم الذي يصدره المحكم في التحكيم يكون لفائدة أحد الطرفين أما في الوساطة فإن
الطرفين هما الذين ينهيان النزاع شخصيا بمساعدة الوسيط إذ يتنازل كل طرف لألخر عن
جزء مما يدعيه.
-الوساطة تتالقى فيها إرادة الطرفين على الحل ،أما التحكيم فتنصرف فيه إرادة الطرفين
إلى اختيار المحكم والرضى سلفا بما يقرره ،إذ ينفذ قرار المحكم في مواجهتهما ولو لم
يرتضيا الحل الذي توصل إليه هذا األخير.5
وتكمن أهمية الوسائل البديلة للتقاضي في أنها تسمح باستمرار العالقات بين الطرفين
المتنازعين وتوطيد التفاعل االيجابي بينهما ،مما يدعم استمرار المقاوالت في أنشطتها
اإلنتاجية التوزيعية وبالتالي ضمان الرواج االقتصادي واألمن القانوني.6
وقد عرف المغرب التحكيم ألول مرة بمقتضى ظهير 21غشت 2120والذي نظم
بكيفية مفصلة نظام التحكيم ،حيث خصص له الباب الخامس عشر من القسم الرابع في
الفصول من 715إلى ،705ليأتي بعد ذلك قانون المسطرة المدنية المصادق عليه بتاريخ
12شتنبر 2155والذي دخل حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر 2155ملغيا بذلك مقتضيات
ظهير المسطرة المدنية لسنة 2120ومهتما كذلك بالتحكيم في الباب الثامن من القسم
الخامس أي من الفصول 036إلى .015إال أن هذا القانون لم يتعرض للوساطة كوسيلة
بديلة لفض النزاع ولم ينظم التحكيم الدولي باإلضافة إلى أنه لم يلم بكل قواعد التحكيم فكان
من الضروري تعديل هذه المقتضيات القانونية المنظمة للتحكيم في ق.م.م بسن قواعد جديدة
تنظم التحكيم الدولي والوساطة االتفاقية ،فصدر قانون 32-37بالجريدة الرسمية سنة
.1335
وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على صدور هذا القانون وفي ضوء االنتعاش
االقتصادي الذي عرفه المغرب بحكم تدفق االستشارات األجنبية و إحداث القطب المالي
5
أستاذتنا خديجة عالوي ،الوساطة لحل النزعات في القانون الداخلي المغربي ،أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق تخصص القانون الخاص،
جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية -سال -الموسم الجامعي ،8000/8004ص.99
6
:إسماعيل أو بلعيد ،الطرق البديلة لتسوية المنازعات ،الطبعة األولى ،8000مطبعة طوب بريس ،الرباط ،الصفحة .04
3
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
بمقتضى القانون ،55.237باإلضافة إلى تدشين المركز الدولي للوساطة والتحكيم ،أصبح
من الضروري فصل المقتضيات المنظمة للتحكيم والوساطة من ق.م.م ،مع تحينها وإدخال
التعديالت الالزمة عليها لتواكب المستجدات التي عرفتها التجارة الدولية .وفي هذا اإلطار
تم إعداد مشروع قانون وفق منظور جديد يتميز بمجموعة من المستجدات الجوهرية.
األمر الذي يدفعنا إلى طرح اإلشكالية المحورية للموضوع وهي إلى أي حد استطاع
المشرع في هذا القانون أن يتجاوز الثغرات واالنتقادات التي كانت تعتري النصوص القديمة
في المسطرة المدنية ؟ وكذا مدى تمكن المشرع من خالل مشروع القانون من تجاوز
نقائص القانون الحالي؟
-ماهي المستجدات التي جاء بها قانون 32.37المتمم والمعدل للمقتضيات المنظمة للتحكيم
والوساطة االتفاقية
7
مرسوم رقم 8.00.989صادر في 2شوال 6 ( 0498سبتمبر ) 8000بتطبيق القانون رقم 44.00المتعلق بصفة "القطب المالي للدار
البيضاء".
4
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
إال أننا نحن في دراستنا هاته سنقتصر فقط على التحكيم الداخلي و التحكيم الدولي،
فيراد باألول التحكيم الذي يتعلق بنزاع له ارتباط بدولة واحدة ،ويكون األمر كذلك عندما
تكون جلسات التحكيم قد انعقدت في هذه الدولة بعد أن اتفق األطراف على إجراء التحكيم
فيها .أما الثاني فهو التحكيم الذي يكون على هيئة التحكيم أن تفصل في نزاع تجاري يشتمل
على عنصر أجنبي وله عالقة بأكثر من دولة.
وعليه قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين ،خصصنا األول للحديث عن التحكيم الداخلي،
والذي بموجبه سنقوم بمقارنة بين كل من القانون الناسخ و المنسوخ ،وكذا مشروع قانون
رقم . 90.02أما المطلب الثاني خصصناه للحديث عن التحكيم الدولي الذي يعتبر من
المستجدات التي جاء به القانون الحالي.
8
محمد بقالي ،المفيد في التحكيم وفق القانون المغربي ،بدون ذكر الطبعة و المطبعة ،ص 2
5
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
ينص الفصل 902من قانون 02.00على أنه ،يجوز لجميع األشخاص من ذوي
األهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في الحقوق التي
يملكون حرية التصرف فيها 9.ويعرف اتفاق التحكيم بكونه اتفاق بمقتضاه يلتزم أطراف
نزاع ما باللجوء إلى التحكيم قصد حل نزاع نشأ أو قد ينشأ عن عالقة قانونية معينة بينهم
تعاقدية أو غير تعاقدية .وعليه يكتسي اتفاق التحكيم شكل عقد التحكيم أو شرط التحكيم .10
وعليه فمن خالل هذين الفصلين وال سيما الفصل األول ،يتضح لنا أن اتفاق التحكيم
ال يكون صحيحا إال بتوافر شروط محددة ( ، )0أما الفصل الثاني يبين لنا أن اتفاق التحكيم
يكتسي إما شكل عقد التحكيم أو شرط تحكيم(.)8
يشترط لصحة اتفاق التحكيم أوال أن يكون األطراف ممن تتوفر فيهم أهلية األداء
حسب قانونهم الوطني ،وعليه ال يستطيع القاصر و ناقص األهلية لجنون أو لسفه إبرام
11
،على خالف بعض القوانين المقارنة وعلى رأسها اتفاق التحكيم ,تحت طائلة البطالن
9
:ينص الفصل 902على ما يلي :يجوز لجميع األشخاص من ذوي األهلية الكاملة سواء كانوا طبيعيين أو معنويين أن يبرموا اتفاق تحكيم في
الحقوق التي يملكون حرية التصرف فيها ضمن الحدود ووفق اإلجراءات والمساطر المنصوص عليها في هذا الباب وذلك مع التقيد بمقتضيات
الظهير الشريف الصادر في 9رمضان 08 ( 0000أغسطس ) 0900بمثابة قانون االلتزامات والعقود ،كما وقع تغييره وتتميمه السيما الفصل
0 68منه
يمكن بوجه خاص أن تكون محل اتفاق تحكيم النزاعات الداخلة في اختصاص المحاكم التجارية عمال بالمادة 0من القانون رقم 00090القاضي
بإحداث محاكم تجارية.
10
:الفصل 902من قانون 02.00
11
:محمد بقالي ،مرجع سابق ،ص 00
6
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
القانون السعودي الذي ينص على أنه ":و ال يصح االتفاق على التحكيم إال ممن له أهلية
التصرف".
إلى جانب األهلية يجب أن يكون للشخص صالحية الحق المتنازع فيه للتحكيم ،حيث
ال يقبل التحكيم في المسائل التي ال يجوز فيها الصلح وأن يكون الحق المتنازع بشأنه قابال
للتصرف فيه .12
13
فتماشيا مع التطور المهم لمعظم التشريعات وخالفا لقانون المسطرة المدنية القديم
والذي كان يمنع االتفاق على التحكيم في نزاعات العقود و األموال التي تخضع للقانون
العام .أي أنه كان يمنع الدولة من اللجوء إلى التحكيم وهذا ما كان سيؤدي حتما إلى انغالق
الدولة ،مما سيؤثر على االستثمار الداخلي والخارجي لكون أن هناك عدد مهم من العقود
اإلدارية تطبعها صفة التجارية ،رغم خضوعها للقانون العام كالصفقات العمومية كما أن
هذا كان سيتعارض مع مجموعة من المعاهدات واالتفاقيات الدولية والتي تلزم الدولة
والمقاوالت العمومية باللجوء إلى التحكيم" .14وهكذا فان الفصل 900من قانون 02.00
رغم عدم إجازته االتفاق على التحكيم في النزاعات المتعلقة بالتصرفات األحادية للدولة أو
الجماعات المحلية أو غيرها من الهيئات المتمتعة باختصاصات السلطة العمومية ،فإنه أجاز
اللجوء إلى التحكيم في النزعات المالية الناتجة عن هذه التصرفات األحادية .كما نجده أجاز
بحكم هذا الفصل التحكيم في النزاعات المتعلقة بالعقود التي تبرمها الدولة أو الجماعات
المحلية مع استثنائه للنزاعات المالية المتعلقة بتطبيق القانون الجبائي.
إلى جانب المقتضى الذي جاء به المشرع في ظل القانون 02.00و الذي بمقتضاه
يسمح للدولة اللجوء إلى التحكيم ،نجده الزال متمسكا بالمنع بخصوص النزعات التي تهم
حالة األشخاص وأهليتهم أو الحقوق الشخصية الخارجة عن دائرة التعامل ،و النزعات
12
:راجع الفصول 909و . 900
13
:ينص الفصل 906من قانون المسطرة المدنية لسنة 0924على أنه " :يمكن لألشخاص الذين يتمتعون باألهلية أن يوافقوا على التحكيم في
الحقوق التي يملكون التصرف فيها غير أنه ال يمكن االتفاق عليه :
-في الهيات والوصايا المتعلقة باألطعمة والمالبس والمساكن .
-في المسائل المتعلقة بحالة األشخاص وأهليتهم - .في المسائل التي تمس النظام العام وخاصة
-النزاعات المتعلقة بعقود أو أموال خاضعة لنظام يحكمه القانون العام - .النزاعات المتصلة بتطبيق قانون جبائي .
-النزاعات المتصلة بقوانين تتعلق بتحديد األثمان والتداول الجبري والصرف والتجارة الخارجية .
-النزاعات المتعلقة ببطالن وحل الشركات "
14
:أسماء عبيد ،التحكيم في التشريع المغربي ،رسالة لنيل دبلوم ا لدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ،كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية -سال ، -السنة الجامعية ،8009-8002ص.09
7
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
المتعلقة بعقود مخالفة لألخالق الحميدة أو النظام العام أو القانون ،ذلك أن المشرع المغربي
قيد في الفصل 68من قانون االلتزامات و العقود حرية األطراف وأجبرها على التمسك
بشرعية االلتزامات التعاقدية .وهو نفس المقتضى المنصوص عليه في القانون القديم لسنة
0924و كذا القانون ،02.00بل أكثر من ذلك نجد مشروع قانون 90.02بدوره يؤكد
15
منه .فما يمكن تسجيله في هذا الخصوص هو أن المشرع على ذلك بموجب المادة 09
أحسن صنعا عندما أخرج الحاالت المشار إليها أعاله من دائرة النزعات التي يمكن أن
تكون محال للتحكيم ،باعتبارها حقوق ثابتة.
إضافة إلى الشروط المشار إليها أعاله ،نجد المشرع اشترط الكتابة كشرط شكلي،
16
ينص على ضرورة إبرام عقد التحكيم كتابة، فبعد أن كان القانون القديم لسنة 0924
وعلى أنه يتعين أن يكون شرط التحكيم مكتوبا باليد وموافقا عليه بصفة خاصة من لدن
األطراف تحت طائلة البطالن إذا تعلق األمر بعمل تجاري .17و المشرع يكاد ينفرد في
األحكام السابقة في اعتبار الكتابة شرط انعقاد مقارنة مع العديد من التشريعات المقارنة التي
تجعل عقد التحكيم رضائيا و الكتابة شرط إلثباته فقط من بين هذه القوانين نجد القانون
المصري الذي أكد في المادة 000من قانون المرافعات "ال يثبت عقد التحكيم إال بالكتابة".
ففي الحقيقة يعد موقف هذه القوانين أقرب إلى طبيعة العقود التجارية عامة و التحكيم
خاصة.
كما أن ا لمشرع كان متشددا عندما اشترط في شرط التحكيم كتابته باليد ،مما يجعله
أكثر اتصاال بالنظام العام .ويعود موقف المشرع المغربي إلى المرجعية القانونية التي
اعتمدها وهي القانون الفرنسي ،إذ تطلبت المادة 0/0449من قانون المرافعات الفرنسي
الجديد أن يكون شرط التحكيم مكتوبا وإال كان باطال ،بينما نصت المادة 0449من قانون
المرافعات الفرنسي على عدم ضرورة كتابة مشارطة التحكيم إال إلثباته ،هنا يكون المشرع
15
:تنص المادة 09من مشروع قانون 90.02على ما يلي " :ال يجوز أن يبرم اتفاق التحكيم بشأن تسوية النزاعات التي تهم حالة األشخاص
وأهليتهم أو الحقوق الشخصية الخارجة عن دائرة التعامل".
16
:ينص الفصل 902من قانون المسطرة المدنية لسنة 0924على أنه :يتعين إبرام عقد التحكيم كتابة يمكن أن يكون موضوع محضر يقام
أمام المحكم أو المحكمين المختارين أو أمام موثق أو عدلين أو حتى بسند عرفي حسب إرادة األطراف ".
17
:ينص الفصل 9069من قانون المسطرة المدنية لسنة 0924على أنه " :يمكن لألطراف أن يتفقوا في كل عقد على عرض المنازعات التي
قد تنشأ بصدد تنفيذ هذا العقد على المحكمين يمكن لهم أن يعينوا عالوة على ذلك مسبقا وفي نفس العقد إذا تعلق بعمل تجاري محكمة أو محكمين
ويتعين في هذه الحالة أن يكون شرط التحكيم مكتوبا باليد وموافقا عليه بصفة خاصة من لدن األطراف تحت طائلة البطالن ".
8
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
قد فرق بين شرط التحكيم الذي جعل الكتابة فيه شرط انعقاد ،خالف مشارطة التحكيم التي
18
جعل شرط الكتابة فيها شرط إثبات فقط.
ما يمكن اإلشارة إليه هو أن المشرع أتى بمستجد على مستوى وسائل التعاقد في
مشروع قانون 90.02و بالضبط في المادة 9منه ،يتمثل في إضافته إلمكانية إبرام اتفاق
التحكيم عبر رسالة الكترونية وفقا للقواعد المنظمة للمعامالت اإللكترونية ،في مقابل ذلك
نجده حذف وسيلة " التلكس " التي كانت واردة في الفصل 909من قانون .02.00
وعليه يعتبر التوسع في مفهوم الكتابة في اتفاق التحكيم من أهم المستجدات التي جاء بها
القانون ،02.00وقد اشترطت كل الدول كتابة االتفاق التحكيمي لكي يتمكن المحكمون من
التأكد من إرادة األطراف بما ال يدع مجاال للشك ،و يتمكن القضاء من إحكام رقابته على
مدى صحة االتفاق وعدم مخالفته للنظام ،و على خالف هذا التوجه العام لم يشترط القانون
السعودي شرط الكتابة واكتفى به في وثيقة التحكيم المنصوص عليها في المادة 0من
المرسوم وهي وثيقة ال تقوم بين المتنازعين أصال بل تأتي بعد عزم األطراف والمحكمين
المعينين على تقديمها العتماد.20
9
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
سبق وأشارنا إلى أن اتفاق التحكيم يكتسي شكل عقد تحكيم (أ) ،أو شرط تحكيم(ب).
-أن يضمن شرط التحكيم كتابة في االتفاق األصلي أو في وثيقة تحيل إليه ،بشكل ال
لبس فيه؛
-أن ينص في شرط التحكيم إما على تعيين المحكم أو المحكمين وإما على طريقة
تعيينهم.
وعليه كلما توفر هذان العنصران أضحى شرط التحكيم صحيحا ولو كان العقد
الذي تضمنه باطال عمال بالقاعدة التي ترى في شرط التحكيم اتفاقا مستقال عن شروط العقد
األخرى .ال يتأثر ببطالن هذا األخير أو فسخه أو إنهائه إذا كان صحيحا في ذاته .21وذلك
باعتبار أنه يتمتع باستقالل عن العقد األصلي.
أما موقف المشرع المغربي من استقاللية الشرط التحكيمي ،فنجد أنه على مستوى
قانون المسطرة المدنية القديـم ،22ليس هناك ما يشير إلى ما إذا كان الشرط التحكيمي يتميز
باستقاللية عن العقد األصلي أم ال ،إال أن هذا ال يمنع من استخالص هذه االستقاللية
بالرجوع إلى مقتضيات قانون االلتزامات والعقود بوصفه يشكل الشريعة العامة وخصوصا
23
وخالفا لقانون المسطرة المدنية القديم نجد المشرع في باستقرائنا للفصول 902و .909
ظل قانون 02.00تدارك األمر عندما نص بصورة صريحة على أن شرط التحكيم يعتبر
اتفاقا مستقال عن شروط العقد األخرى كما نص على ذلك الفصل .902
21
:الفصل 902من قانون 02.00
22
:الفصول من 906إلى 982من قانون المسطر ة المدنية لسنة .0924
23
:ينص الفصل 902على أنه " :بطالن جز ء من اللتزام يبطل االلتزام في مجموعه إال إذا أمكن لهذا االلتزام أن يبقى قائما بدون الجز ء
الذم لحقه البطالن وفي هذه الحالة االخير ة يبقى االلتزام قائما باعتبار ه عقدا متميز ا عن العقد األصلي .
وينص الفصل 909على أنه " :إذا أبطل االلتزام باعتبار ذاته وكان به من الشروط ما يصح به التزام آخر جرت عليه
القواعد المقرر ة ليذا االلتزام االخير ".
10
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
أما بخصوص صياغة شرط التحكيم فليس من السهولة بمكان ،الن أي خطأ في
كتابته قد يؤدي إلى تعقيدات على مستوى اختصاص هيئة التحكيم وإلى تأخير الفصل في
النزاع لوقت قد يطول.24
فمن خالل ما سبق يتبن لنا أن المشرع سمح في القانون الحالي باالستمرار في
اإلجراءات أمام المحكمة وفي نفس الوقت تتم مباشرة و متابعة مسطرة التحكيم وإصدار
حكم تحكيمي في انتظار أن تبت المحكمة في ذلك .إال أن هذا لن يعود ممكنا في ظل
مشروع قانون ،90.02حيث جاء في المادة الرابعة منه ،26أنه تصرح المحكمة بعدم
القبول بمجرد لجوء أطراف النزاع إلى التحكيم ،بمعنى أنه ال يمكن رفع ذات النزاع أمام
المحكمة و المحكمين ،وهو أمر منطقي تفاديا لصدور أحكام متناقضة في الموضوع.
يؤدي اتفاق التحكيم سواء كان في صورة شرط أو مشارطة إلى بدء إجراءات
التحكيم ،ولعل أول إجراء من هذه اإلجراءات هو تكوين محكمة التحكيم أو الهيئة التحكيمية
المختصة بالنظر في النزاع ( )0وتنتهي هذه اإلجراءات بصدور حكم تحكيمي(.)8
24
:محمد بقالي ،مرجع سابق ،ص 06
25
:الفصل 904من قانون 02.00
26
:تنص المادة 4من م.ق 90.02.على ما يلي ":عقد التحكيم هو االتفاق الذي يلتزم فيه أطراف نزاع نشا بينهم بعرض هذا النزاع على هيئة
تحكيمية .يمكن إبرام العقد المذكور ولو خالل دعوى جارية أمام المحكمة .إذا تم االتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة ،فعلى
المحكمة أن تقرر إحالة األطراف على التحكيم .ويعد هذا القرار بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب تصرح المحكمة ،في هذه الحالة ،بعدم قبول الطلب
بمجرد لجوء أطراف النزاع إلى التحكيم ".
11
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
من شروط صحة عقد التحكيم أيضا أن يتفق األطراف على تعين المحكم أو
المحكمين الذين سيعهد إليهم مهمة الفصل في النزاع وسواء وقع تعيين هيئة التحكيم أو فقط
التنصيص على طرق تعيينها ،فإن صحة عقد التحكيم تستوجب أن يقبل المحكم أو
المحكمون المعنيون المهمة المقترحة عليهم ،وعليه يكون العقد الغيا إذا رفض محكم معين
فيه القيام بالمهمة المسندة إليه.27فإذا حدد األطراف كيفية تعيين الهيئة التحكيمية ،وجب
احترام إرادة األطراف.28
وال يسمح لرئي س المحكمة المختصة أن يخالف إرادة األطراف المتفق عليها في
تعيين المحكم الذي سيتولى الفصل في الخصومة ،تحت طائلة خرق مبدأ معاملة طرفي
الخصومة على قدم المساواة مما يكون معه المقرر التحكيمي الصادر ضدا على هذه المبادئ
مشوبا بالبطالن لخرق قاعدة تشكيلة الهيئة التحكيمية بصفة نظامية .29
أما بخصوص عدد المحكمين فإن أغلب التشريعات تنص على ضرورة أن يكون
عدد هؤالء وترا ،أيا كانت الطريقة التي يتم بها تعيين المحكمين وتحديدهم ،سواء تم ذلك
باتفاق المحكمين أنفسهم في االتفاق ذاته أو في اتفاق مستقل أو تم التعيين بواسطة المحكمة
المختصة بناء على طلب أي من المحتكمين ،أو تم عن طريق مركز أو هيئة أو مؤسسة
تحكيمية وذلك لتالفى الحالة التي يؤول إليها التحكيم في حالة اختالف المحكمين االثنين
ليصدر القرار بتجريح الثالث.
فالمشرع في قانون المسطرة المدنية لسنة 0924كان متأثرا بقانون التحكيم الفرنسي
السابق فلم ينص على أن يكون عدد المحكمين وترا تاركا األمر إلرادة المحكمين ،األمر الذي
يفهم منه أنه يجوز أن يكون عدد المحكمين شفعا ،وقد تدارك المشرع المغربي هذا األمر عند
إصداره لقانون 02.00حيث حصر عدد المحكمين في ثالثة محكمين إذ لم يتفق األطراف
27
:محمد بقالي ،مرجع سابق،ص 02
28
عمر أزوكار ،التحكيم التجاري الداخلي والدولي بالمغرب -قراءة في التشريع والقضاء ،الطبعة األولى ،8000مطبعة النجاح الجديدة الدار
البيضاء ،ص .80
29
:عمر أزوكار ،مرجع سابق ،ص.80
12
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
على خالف ذلك مع اشتراط أن يكون العدد وترا تحت طائلة البطالن .30كما بين قانون
02.00بموجب الفصل 0-982اإلجراءات الواجب إتباعها إذا ما عين األطراف عددا
مزدوجا من المحكمين.
وأيضا فيما يخص شروط ممارسة مهام التحكيم ،فالمحكمون ملزمون حاليا من خالل
القانون 02.00بضرورة الحصول على تصريح من الوكيل العام لدى محكمة االستئناف
الواقع في دائرة نفوذها ،محل إقامة األشخاص الطبيعيين المذكورين أو المقر االجتماعي
31
بينما في المقابل نجد مشروع قانون التحكيم والوساطة االتفاقية يشترط للشخص المعنوي
في األشخاص الذين يقومون بمهام التحكيم أن يكونوا مسجلين ضمن قائمة المحكمين والتي
32
ويفهم من هذا المستجد اتجاه المشرع نحو ستتحدد شروط التقييد فيها بنص تنظيمي،
استقاللية الهيئة التحكيمية عن السلطة القضائية من خالل التضييق من الرقابة القضائية على
الهيأة التحكيمية ،محاوال قدر اإلمكان ترك الحرية للمحكمين في القيام بمهامهم.
ونؤكد في هذا الصدد أن مشروع القانون حذف مقتضى كان يتعارض مع مبدأ
االستقاللية ويتعلق األمر باإلمكانية التي أتاحها قانون 02.00في استشارة النيابة العامة عند
البت في مدى صحة االتفاق التحكيمي ،وكذا في صحة وحدود اختصاصاتها ،وهو ما
يتعارض من جهة مع الغرض المتوخى من اللجوء إلى التحكيم ،المتمثل باألساس في السرية
والسرعة وكذا مبدأ اختصاص االختصاص ،القاضي بتخويل المحكم مهمة الفصل في
اختصاصه ،دون تدخل من محاكم الدولة في هذا الشأن ،من خالل هذا المقتضى يبدو أن
المشرع حاول قدر اإلمكان جعل الجهاز القضائي في خدمة مؤسسة التحكيم ،وذلك بطلب
المعلومات من النيابة ا لعامة التي تمكن الهيأة التحكيمية من التأكد من صحة اتفاق التحكيم،
كتلك المتعلقة باكتمال األهلية ألطراف النزاع أو مدى قابلية موضوع النزاع ،مما يعاب على
30
:أسماء عبيد ،مرجع سابق ،ص.96
31
أنظر الفصل 980من قانون المسطرة المدنية.
32
المادة 00من مشروع قانون التحكيم والوساطة االتفاقية.
13
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
هذه اإلجراءات ،وإن كانت تتعلق بمجرد االستشارة ،أن المشرع لم يحدد مسطرة اللجوء إلى
تقديم الطلب رغم أهمية هذه اإلجراءات التي تهدف إلى تذييل الصعوبات التي تعترض
33
مسطرة التحكيم ،وإنارة الطريق أمام المحكمين.
إذا كان وجود التحكيم يتحقق بوجود عقد اتفاق تحكيمي أو شرط التحكيم في العقد
فإن نتيجة التحكيم تظهر بصدور حكم تحكيمي ،فهذا األخير يعرف اختالفا على مستوى
االصطالح بين من يستعمل مصطلح القرار التحكيمي أو المقرر التحكيمي وبين من يستعمل
حكم المحكمين .أما المشرع المغربي نجده قد أعطاه لفظة الحكم في قانون المسطرة المدنية
لسنة 0924وأيضا في قانون 34 02.00أما قبل ذلك فكان يطلق عليه بصك التحكيم.
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند دراسة الحكم التحكيمي هو طبيعة هذا الحكم،
هل له طبيعة قضائية أم طبيعة اتفاقية أم أنه حكم له طبيعة خاصة به ؟
"لـم يكن الفقهاء على رأي واحد في الطبيعة القانونية للحكـم التحكيمي ،وإنما
انقسموا إلى اتجاهات متباينة .ويرى أنصار االتجاه الذي يؤيد الطبيعة القضائية لحكم
التحكيم أن كون اتفاق األطراف على التحكيم ال يعني تنازلهم عن الدعوى وإنما يتنازلون
فقط عن االلتجاء إلى القضاء الرسمي لفائدة قضاء يحددون إجراءاته ومسطرته بمحض
إرادتهم كما أن حكم التحكيم شأنه في ذلك شأن الحكم القضائي هو حكم ،ولو أن األول
تحكيمي بينما الثاني قضائي ،ومن ثم فإن الفكرة الجامعة بين الحكم التحكيمي والحكم
القضائي ليست هي فكرة الحكم القضائي على نحو ما ذهب إليه الرأي الغالب في الفقه
الفرنسي ،وال هي فكرة الحكم التحكيمي على نحو ما ذهبت إليه المدرسة التاريخية التقليدية
التي اعتبرت أن التحكيم أصل القضاء ،وإنما هي فكرة " الحكم " .وقيل أنه يعد بمثابة حكم
كحكم القضاء تماما ،فيما عدا ما اتصل بقابليته في ذاته للتنفيذ الجبري ،وكذلك فإن قرار
المحكم يعتبر بمثابة حكم ،وإنما في الوقت الذي يصدر فيه األمر بتنفيذه ،وقبل هذا الوقت
يكون مجردا عن هذه الصفة أي تكون له طبيعة تعاقدية .إن أكثر مناهج تحديد طبيعة حكم
33
إسماعيل أوبلعيد ،مرجع سابق ،ص 099
34
:محمد فاضل الليلي ،الحكم التحكيمي مقال منشور في كتاب الصلح و التحكيم و الوسائل البديلة محل النزعات من خالل اجتهادات المجلس
األعلى ،الطبعة 8002مطبعة األمنية – الرباط ،ص 829
14
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
التحكيم شيوعا وانتشارا في الوسط القانوني ،هو منهج تحديد هذه الطبيعة نسبة إلى الحكم
القضائي أي نسبة إلى الطبيعة القضائية لهذا الحكم األخير.
أما االتجاه الذي ينفي الطبيعة القضائية عن الحكم التحكيمي فهو االتجاه القائل
بالطبيعة االتفاقية لحكم المحكمين ويرى أصحاب هذا االتجاه أن الحكم التحكيمي ذو طبيعة
اتفاقية ال قضائية ،وذلك ألن التحكيم بصورة عامة من خلف إرادة األطراف واختيارهم،
فهم الذين يعينون المحكمين ويحددون سلطاتهم واختصاصاتهم وأجل إصدار الحكم".35
والحكم التحكيمي هو كل حكم قطعي في جميع المسائل المعروضة على هيئة التحكيم
بما في ذلك اختصاص هيئة التحكيم أو أي مسألة أخرى تتعلق بالمسطرة وعلى العموم فكل
حكم تصدره هيئة التحكيم وتصفه بأنه حكما تحكيمي فإنه يعد كذلك .36
ويقصد بمنطوق الحكم التحكيمي القرار الذي توصلت إليه هيئة التحكيم ،وهذا
المنطوق يتعين أن يكون واضحا ومنهيا للنزاع ،إال أن منطوق هذا الحكم ال يتناول الحل
الذي توصلت إليه هيأة التحكيم فقط بل يتناول أشياء أخرى تخص التحكيم نفسه ،وهي
مسألة المصاريف وأتعاب المحكمين ،فيعتبر هذا من ضمن المستجدات التي جاء بها القانون
،02.00حيث نص في الفصل 84-982على أن أتعاب المحكمين ال يتم التنصيص عليها
في منطوق الحكم إال في الحالة التي يتم فيها االتفاق بين األطراف والمحكمين ،أما في حالة
الخالف فإن هيأة التحكيم ال تنص على تحديد األتعاب بمنطوق الحكم ،بل يتم تحديدها من
37
طبقا للفصل . 89-982
15
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
المحكمين بالتوقيع على الحكم ،وإذا رفضت األقلية التوقيع يشير المحكمون اآلخرون إلى
ذلك في الحكم التحكيمي ،مع تثبيت أسباب عدم التوقيع .ويكون للحكم نفس األثر كما لو كان
موقعا من لدن محكم من المحكمين.39
فالحكم التحكيمي مثله مثل األحكام القضائية ،يتكون من عدة عناصر ،كملخص
الوقائع و الحيثيات أو التعليق و منطوق الحكم ،إال أنه يختلف عن األحكام القضائية في
كونه يتضمن المستندات و بيان النقط التي تم الفصل فيها ،إضافة إلى اتفاق التحكيم الذي
يجب أن يندرج في حكم التحكيم .فبخصوص التعليل نجد المشرع المغربي اشترط في
القانون الحالي أن يكون الحكم التحكيمي معلال ،وأيضا نجد مشروع القانون احتفظ بنفس
المقتضى الحالي بهذا الشأن في المادة 00منه.
ولم يستثني من هذا المبدأ سوى حالة االتفاق على خالفه في اتفاق التحكيم ،أو كان
القانون الواجب التطبيق في مسطرة التحكيم ال يشترط تعليل الحكم .أما الحكم المتعلق بنزاع
يكون أحد األشخاص الخاضعين للقانون العام طرفا فيه فيجب أن يكون دائما معلال.40
إضافة إلى تعليل الحكم التحكيمي نجد المشرع في قانون 02.00أوجب لصحة
الحكم التحكيمي توفره على بيانات أخرى .41وذلك كله من أجل إضفاء نوع من الوضوح
على الحكم التحكيمي.
16
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
يكتسب الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية األمر المقضي بخصوص النزاع الذي
تم الفصل فيه وهو المقتضى المنصوص عليه في الفصل .982-86
وحجية الحكم التحكيمي ،هي تطبيق خاص من تطبيقات مبدأ حجية الحكم اإلجرائي
منذ صدوره ،لذا يكون لحكم التحكيم حجية منذ صدوره مما يعني أن هذه الحجية ال تتوقف
على إيداع الحكم وال على استصدار األمر بتنفيذه .42
إال أنه بالرجوع إلى الفصل 982-86نجد المشرع سلب الحكم التحكيمي حجيته،
وذلك في الحالة التي يكون فيها أحد أطراف النزاع شخصا معنويا ،ففي هذه الحالة لم يمنح
الحكم التحكيمي حجية الشيء المقضي إال بناء على أمر بتخويل الصيغة التنفيذية ،ويقوم
الطرف األكثر استعجاال بتقديـم طلبه أمام القاضي المختص.
وكيفما كانت طبيعة الحكم التحكيم ،أوجب المشرع المغربي إيداع أصله لدى كتابة
ضبط المحكمة داخل أجل سبعة أيام التالية لتاريخ صدوره ،ويرفق به نسخة من اتفاق
التحكيم مع ترجمتها إلى اللغة العربية .تسلم هيئة التحكيم إلى كل من الطرفين نسخة من
حكم التحكيم خالل أجل سبعة أيام من تاريخ صدوره .وال يجوز نشر حكم التحكيم أو نشر
أجزاء منه إال بموافقة طرفي التحكيم ،43هذا بخصوص القانون الحالي .44إال أن مشروع
القانون الجديد نجده أتى بمستجد في هذا الشأن ،فبخصوص النزاع الذي يكون فيه أحد
األشخاص االعتبارية الخاضعة للقانون العام طرفا فيه نجده ال يكتسب الحجية إال بناء على
أمر بتخويل الصيغة التنفيذية من قبل الطرف األكثر استعجاال أمام رئيس المحكمة
المختصة ،نجده أضاف فقرة في أخر المادة 04من مشروع قانون 90.02تقضي بتطبيق
القواعد المتعلقة بالتنفيذ المعجل لألحكام على األحكام التحكيمية التي ال تطلب فيها صيغة
التنفيذ.
42
:أسماء عبيد ،مرجع سابق ،ص09
43
:محمد بقالي ،مرجع سابق ،ص82
44
:القانون رقم 02.00
17
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
أما التعديل الذي طرأ على الفقرة األخيرة من الفصل 82.982من قانون 02.00
الذي يمنع نشر حكم التحكيم أو نشر أجزاء منه إال بموافقة طرفي الحكم ،نجد المشرع في
مشروع قانون 90.02أضاف حاالت أخرى بموجب المادة 04ال يمكن معها نشر حكم
التحكيم أو أجزاء منه ،وهي إلى جانب موافقة أطراف التحكيم ،نجد حالة رفع أحد أطراف
التحكيم دعوى بطالن الحكم التحكيمي باإلضافة إلى طلب أحد أطراف التحكيم تنفيذ الحكم
التحكيمي.
عكس الحجية التي يكتسبها الحكم التحكيمي بمجرد صدوره فإن القوة التنفيذية ال
يكتسبها بمجرد صدوره وإنما ذلك متوقف على صدور أمر بتخويل الصيغة التنفيذية.
وعليه ،ليس لحكم التحكيم عند صدوره أية قوة تنفيذية حتى ولو كان هذا الحكم حكما
بإلزام .45فالقاضي المكلف بالتنفيذ ،يتعين عليه مراقبة كل الشكل الذي يوجبه القانون
إلصدار حكم المحكم ،و أية مخالفة يلحظها وتؤدي إلى بطالن الحكـم توجب عليه حتما أن
46
يمتنع عن إصدار األمر بالتنفيذ.
"أما في حالة ما إذا اتفق الخصوم على عدم إيداع حكـم المحكمين وقاموا بتنفيذه
اختيار يا ،فإن تنفيذ الحكـم قبل هذا اإليداع وقبل صدور األمر بتنفيذه ،يكون شأنه شأن تنفيذ
أي حكـم قضائي اختياريا في الرأي الذي يرى أن حكـم المحكـم بمثابة حكـم قضائي ولو
45
:أسماء عبيد ،مرجع سابق ،ص06
46
:أسماء عبيد ،المرجع نفسه ،ص .02
47
:الفصل 98.982من فانون 02.80
48
الفصل 99.982من قانون 02.00
18
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
قبل إيداعه ،وشأن تنفيذ أي اتفاق ثابت بورقة عرفية -في الرأي األخر -و ال يملك الخصـم
الذي قام بالتنفيذ اختياريا أن يتمسك بعدئذ ببطالن هذا التنفيذ بحجة عدم الحصول على األمر
بالتنفيذ ،ذلك أن األصل والعادة ،أن المقررات التحكيمية سواء كانت وطنية أو دولية ،تنفذ
بكيفية رضائية ،وبدون إجبار على التنفيذ ألنها أصال مؤسسة على عقد التحكيم أو شرط
التحكيـم المضمن في العقد الرابط بين األطراف فالحكـم التحكيمي إنما هو امتداد لذلك العقد
وأثر من آثاره كالتزام األطراف بتنفيذ العقد أو شرط التحكيـم يترتب عنه التزام بتنفيذ حكم
التحكيـم".49
تنص الفقرة الثانية من الفصل 94-982من قانون 02.00على أنه يمكن أن يكون
الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية موضوع إعادة النظر طبقا للشروط المقررة في الفصل
408بعده وذلك أمام المحكمة التي كانت ستنظر في القضية في حالة عدم وجود اتفاق
التحكيم.
49
:أسماء عبيد ،مرجع سابق ،ص 02
50
:محمد بقالي ،مرجع سابق ،ص .90-89
19
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
وعليه ،يسمح المشرع المغربي بطلب إعادة النظر في حكم المحكمين أمام المحكمة
االبتدائية المختصة ترابيا إذا كانت القضية مدنية أو أمام المحكمة التجارية أو اإلدارية
حسب طبيعة القضية ،غير أن هذا الطعن ال يكون مقبوال سوى إذا توفرت إحدى الحاالت
المذكورة في المادة 408قانون المسطرة المدنية و هي:
- 0إذا بتت هيئة التحكيم فيما لم يطلب منها أو حكمت بأكثر مما طلب منها أو إذا
أغفلت البت في أحد الطلبات؛
- 9إذا بني الحكم ع لى مستندات اعترف أو صرح بأنها مزورة وذلك بعد صدور
الحكم؛
- 4إذا اكتشفت بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى الطرف األخر؛
- 6إذا قضت نفس المحكمة بين نفس األطراف واستنادا لنفس الوسائل بحكمين
انتهائيين ومتناقضين وذلك لعلة عدم االطالع على حكم سابق أو لخطأ واقعي؛
- 2إذا لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على حقوق إدارات عمومية أو حقوق قاصرين؛
وفي األخير نؤكد على أن المشرع سار في نفس االتجاه في المادة 02من قانون
. 90.02
األصل أن حكم التحكيم ال يضر وال ينفع إال من كان طرفا في النزاع الذي صدر فيه
أو بتعبير أصح ال يكتسب هذا الحكم قوة الشيء المقضي به إال بالنسبة لألطراف المتنازعة،
أما األغيار فال يواجهون به ولو كان مذيال بالصيغة التنفيذية و لهم أن يتعرضوا عليه
تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع لو لم يبرم
اتفاق تحكيم .51وهو المقتضى المنصوص عليه في الفصل 982.90الذي جاء فيه " :ال
51
:محمد بقالي ،مرجع سابق ،ص.90
20
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
يواجه األغيار باألحكام التحكيمية و ل كانت مذيلة بالصيغة التنفيذية ويمكنهم أن يتعرضوا
عليها تعرض الغير الخارج عن الخصومة طبقا للشروط المقررة في الفصول من 909إلى
900أعاله أمام المحكمة التي كانت ستنظر في النزاع لو لم يبرم اتفاق تحكيم ".
إذا كان حكم التحكيم ال يقبل الطعن باالستئناف فإن المشرع المغربي أجاز رفع طلب
بطالنه إلى المحكمة المختصة إذا توفرت أسباب محددة ،كما يمكن لكل طرف في أن يدفع
بهذا البطالن ،إذا تمسك الخصم بحكم التحكيم؛
أ -المحكمة المختصة
إذا تبين للخصوم أو ألحدهم أن هناك أسباب تدعوا إلى بطالن حكم التحكيم منحه
القانون المغربي إمكانية الطعن فيه أمام محكمة االستئناف الذي صدر في دائرتها رغم كل
شرط مخالف؛ ويمكن لهذه المحكمة في حالة إبطالها لحكم التحكيم أن تبت في جوهر النزاع
المتعلق بذلك الحكم ويستثنى من هذه القاعدة الحالة التي يكون فيها سبب إبطال الحكم يعود
إلى غياب اتفاق التحكيم أو بطالنه.52
52
:الفصل 982.96من قانون 02.00
21
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
في هذه الحالة تعود أسباب بطالن حكم التحكيم إما إلى بطالن اتفاق التحكيم وإما إلى
عدم تقيد هيئ ة التحكيم بإرادة األطراف المعبر عنها في هذا االتفاق ،وتدخل في هذه الخانة
عدة أسباب يمكن إجمالها فيما يلي:
يبطل الحكم أيضا إذا تشكلت هيئة التحكيم أو وقع تعيين المحكم المنفرد بصفة غير
قانونية أو مخالفة التفاق الطرفين؛
● أسباب تتعلق ببطالن اإلجراءات أو الحكم من جهة أخرى ،يبطل الحكم في
الحاالت التالية:
-إذا بتت الهيئة من دون أن تحترم المهمة المنوطة بها أو بتت في مسائل ال يشملها
التحكيم
يضمن القانون المغربي حقوق الدفاع وعليه يتعين إبطال حكم التحكيم إذا لم يبلغ أحد
األطراف وتعذر بسبب ذلك عدم تقديم دفاعه أثناء سير إجراءات التحكيم؛
تعتبر فكرة النظام العام من مقومات بناء الدولة الحديثة وهي على هذا األساس
مفهوم غامض بإجماع فقهاء القانون ومتغير في المكان والزمان بالنسبة للدولة الواحدة؛
22
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
ومن هذا المنطلق يتشكل النظام العام من مجموعة األسس القانونية واالقتصادية
واالجتماعية واألخالقية التي بدونها ال تقوم الدولة ،وهي أسس يتعين على السلطات
العمومية العناية بها وحمايتها من كل خطر يتهددها ضمانا الستمرارية وجود الدولة.53
وتطبيقا لهذه المعاني ،يبطل حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام العام في
المملكة المغربية أو إذا قضى في موضوع ال يجوز التحكيم فيه؛ و على محكمة االستئناف
التي تنظر في الطعن أن تثير من تلقاء نفسها بطالن حكم التحكيم الذي صدر خالفا لقاعدة
من قواعد النظام العام وأن تبت في األمر طبقا لمسطرة االستعجال.54
23
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
مختلفة عن تلك التي تخص التحكيم الداخلي ،كما أن التحكيم الدولي يمكن تذييله بالصيغة
التنفيذية إال أنه ال يخضع ألحكام التحكيم الداخلي ،ومن أجل التوضيح أكثر بهذا
الخصوص ،سنقسم هذا المطلب إلى فقرتين ،نخصص األولى للحديث عن األحكام العامة
للتحكيم الدولي ،فيما نخصص الثانية للتطرق إلى ضوابط الحكم التحكيمي الدولي.
وهناك اتجاه فقهي يستند في التمييز إلى معرفة قانون اإلجراءات الذي تم على
أساسه التحكيم ،فيكون وطنيا إذا كان القانون المعتمد داخليا ويكون أجنبيا إذا كان القانون
المعتمد أجنبيا .ويكون دوليا إذا كان قد اعتمد على اتفاقيات دولية ،وقد يكون وطنيا بالنسبة
58
أسماء عبيد ،م.س ،ص .22
24
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
لطرف وأجنبيا بالنسبة لطرف آخر ،إال أن هذا االتجاه لم يعمر طويال لتعرضه النتقادات
59
كثيرة.
وهو ما أكده قرار لمحكمة االستئناف بمراكش استند باإلضافة إلى مبررات أخرى
من أجل اعتبار التحكيم دوليا إلى كون أن موضوعه يتعلق بمصالح التجارة الدولية ،و
يجمع بين طرفين ألحدهما موطن ومقر اجتماعي خارج أرض الوطن .61ومنه يتضح أنه
هناك معيارين للقول بدولية التحكيم من عدمه ،أولهما تعلق موضوع التحكيم بتجارة دولية،
والثاني كون أحد أطراف التحكيم له موطن أو مقر خارج الوطن .وبناء على هذين
المعيارين ذكر المشرع في ذات الفصل السابق صورا تجسدهما .62وهذا تم حذفه على
مستوى مشروع قانون التحكيم والوساطة االتفاقية ،بحيث نجد المادة 20منه تنص على:
«يعتبر دوليا حسب مدلول هذا الباب التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية والذي
يكون ألحد أطرافه على األقل موطن بالخارج» تاركا بذلك الباب مفتوحا أمام أي صورة قد
تجسد هذين المعيارين دون التقييد بصور محددة.
59
بوبكر بودي ،معيار التفرقة بين التحكيم التجاري الدولي والتحكيم التجاري الوطني ،مقال منشور في دفاتر المجلس األعلى عدد 2لسنة
،8000ص .2
60
الفصل 40-982من قنون المسطرة المدنية.
61
قرار محكمة االستئناف التجارية بمراكش رقم ،940صدر بتاريخ ،8000-06-04رقمه بمحكمة االستئناف التجارية ،8000/0/062292
ذكره عمر أزوكار ،م.س ،ص .464
62
« ....
يعتبر التحكيم دوليا إذا:
-0كان ألطراف اتفاق التحكيم وقت إبرام هذا االتفاق مؤسسات بدول مختلفة ؛
-8أو كان أحد األمكنة التالية بيانها واقعا خارج الدولة الموجودة بها مؤسسات األطراف:
أ -مكان التحكيم عندما يكون منصوصا عليه في اتفاق التحكيم أو معينا بمقتضى هذا االتفاق ؛
ب -كل مكان يجب أن ينفذ فيه جزء مهم من االلتزامات المترتبة على العالقة التجارية أو المكان الذي تربطه أكثر بموضوع النزاع
صلة وثيقة؛
-9أو كان األطراف متفقين صراحة على أن موضوع اتفاق التحكيم يهم أكثر من بلد؛
ألجل تطبيق مقتضيات الفقرة 8من هذا الفصل ،يطبق ما يلي:
أ -إذا كان ألحد األطراف أكثر من مؤسسة ،فإن المؤسسة الواجب اعتمادها هي المؤسسة التي تربطها صلة وثيقة باتفاق التحكيم أكثر من
غيرها؛
ب -إذا لم تكن ألحد االطراف أية مؤسسة قام مقامها محل سكناه االعتيادية».
25
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
وفي ما يخص اتفاق التحكيم الدولي فهو شأنه شأن التحكيم الوطني ،ال يمكن اللجوء
إليه إال إذا كان هناك شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم محرر كتابة بشكل معبر عن
إرادة الطرفين طبقا للشروط المنصوص عليها في الفصل 909من ق.م.م.
وهو المقتضى الذي جاء في قرار لمحكمة النقض حيث نص في حيثياته على «...ال
يمكن اللجوء للتحكيم إال إذا كان هناك شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم حرر بشكل
معبر عن إرادة الطرفين من خالل عقد مكتوب أو خطابات متبادلة كما يقضي بذلك
الفصالن 902و 902من ق.م.م ،والمادة 8من اتفاقية نيويورك بشأن االعتراف
63
ويقصد باتفاق التحكيم حسب الماد الثانية من اتفاقية بالمقررات التحكيمية وتنفيذها.»..
نيويورك ،المتعلقة باالعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين كل شرط تحكيم وارد في عقد أو
اتفاق تحكيم موقع عليه من األطراف أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة ومنها الخطابات
64
وهو نفس المقتضى الذي جاء في قرار لمحكمة االستئناف التجارية بالدار اإللكترونية.
البيضاء حيث جاء في حيثياته ...« :وأنه من المقرر حسب الفقرة الثانية من المادة الثانية
من اتفاقية نيويورك ،المتعلقة باالعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين األجنبية الواجبة التطبيق
في النازلة أنه يقصد باتفاق التحكيم أي شرط تحكيم وارد في عقد أو اتفاق تحكيم موقع عليه
من األطراف أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة وأن هذه األخيرة من التي تنطبق على
65
الخطابات اإللكترونية»...
63
قرار محكمة النقض عدد 990المؤرخ في ،8002-9-2ملف تجاري عدد ،8004/0/9/09أورده عمر أزوكار ،م.س ،ص .862
64
عمر أزوكار ،م.س ،ص .862
65
قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 8009-0486صدر بتاريخ 8009-09-08رقمه بمحكمة االستئناف التجارية
،4/8008/0480أورده عمر أزوكار ،م.س ،ص .862
26
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
المغربي ،ومن أجل التوضيح في القانون الواجب التطبيق سنتعرض في نقطة أولى إلى
القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم ،ثم في الثانية إلى القانون الواجب التطبيق
على موضوع النزاع.
تبتدئ إجراءات التحكيم من وقت اتفاق الطرفين على اللجوء للتحكيم ،إلى حين
صدور المقرر التحكيمي.
والمالحظ وجود رأيين في هذا الموضوع ،بحيث يذهب الرأي األول إلى ربط
إجراءات ا لتحكيم بمكان التحكيم ،حيث إنه ال يمكن للمحكم أن يؤدي مهمته إال إذا سمحت له
الدولة بذلك ،ووفقا للشروط التي تحددها .إال أن هذا الرأي قد صار متجاوزا كون أن الدولة
أصبحت تتخلى شيئا فشيئا عن حصانتها إذا تعلق األمر بعقود التجارة الدولية ،أما الرأي
الثاني فيذهب إلى ربط لتحكيم وإجراءاته بإرادة الطرفين ،66فالمحكم ليس كالقاضي فهو
67
يجد مكانه في نظام من صنع األطراف ويستمد اختصاصه من إرادتهم.
بالنسبة للقانون المغربي ،فباإلضافة إلى ما تمت اإلشارة إليه بخصوص الفصل
40-982نجد بعده الفصل 48-982ينص بوضوح على إمكانية اتفاق أطراف التحكيم
على المسطرة الواجب اتباعها خالل سير التحكيم ،مما يعني أن األطراف أحرار في اختيار
القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم ،فقط في حال عدم وجود أي اتفاق مسبق
بهذا الخصوص يمكن حينئذ للهيأة التحكيمية تحديد القاعدة المسطرية الواجب اتباعها،68
كما أنه في جال اختيار األطراف إخضاع إجراءات التحكيم لقانون المسطرة المدنية
المغربي ،فإن المقتضيات الخاصة بالتحكيم المتعلقة بالهيأة التحكيمية ،وكذلك المتعلقة بالحكم
التحكيمي ال تطبق إال عند غياب أي اتفاق خاص مع مراعاة مقتضيات الفصلين 40-982
69
وأيضا ال يخضع الحكم التحكيمي الدولي ألحكام قواعد التحكيم الداخلي و ،48-982
المنصوص عليها في الفصول من 906إلى 982وإنما التفاقية نيويورك لسنة 0902
66
أسماء عبيد ،م.س ،ص .90-90
67
المختار عبد الدائم ،عقد العمل في القانون الدولي الخاص المغربي ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ،جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية بوجدة ،السنة الجامعية ،8006-8000ص.64
68
أنظر الفصل 48-982من ق.م.م.
69
الفصل 49-982من ق.م.م.
27
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
70
وهو نفس المقتضى الذي جاء في قرار لمحكمة االستئناف التي صادق عليها المغرب.
التجارية بالدار البيضاء الذي جاء في حيثياته ..« :حيث بما أن االتفاق على التحكيم كان
قبل تاريخ دخول القانون 02-00حيز التطبيق حيز التطبيق ،وبما أن الفصول من 906
إلى 982من ق.م.م ال تتعلق بالتحكيم األجنبي وإنما تتعلق بالتحكيم الداخلي فإن اإلطار
القانوني لهذا الطلب هو اتفاقية نيويورك المؤرخة في 0902-06-09التي انظم إليها
المغرب.71
وما تجدر اإلشارة إليه أنه رغم وجود شرط التحكيم في التجارة الدولية أو عرض
النزاع أمام الهيأة التحكيمية ،فإن ذلك ال يمنع حق قضاء الدولة من اتخاذ اإلجراءات
72
وذلك ما جاء في قرار لمحكمة النقض الذي نص على : التحفظية التي يقتضيها الوضع
«..لكن حيث ولئن اتفق الطرفان بموجب الفصل 04من اتفاقية التمثيل الرابطة بينهما على
إخضاعها للقانون السويسري وعلى عرض نزاعاتهما الناشئة عنها على هيأة المصالحة
والتحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية ،فإن ذلك ال يمنع بالنسبة لإلجراءات التحفظية من
اللجوء للمحاكم المختصة نظرا للصبغة الوقتية لهذه اإلجراءات التي تتوخى السرعة في
73
اتخاذها وال تمس جوهر النزاع المعروض أو الذي سيعرض على التحكيم.
70
عمر أزوكار ،م.س ،ص .820
71
قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم 8000/4600صدر بتاريخ 8000/00/09وقمه بمحكمة االستئناف التجارية
4/8000/0909أورده عمر أزوكار ،م.س ،ص 820
72
عمر أزوكار ،م.س ،ص .869
73
قرار محكمة النقض عدد 0909المؤرخ في 8002-00-88ملف تجاري عدد ،8006/0/629ذكره عمر أزوكار ،م.س ،ص .869
28
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
التي تراها مالئمة ،مما يعني أن الهيأة أيضا لها سلطة اختيار القواعد القانونية المطبقة على
موضوع النزاع ولكن ذلك مشروط بعدم االتفاق عليها مسبقا من قبل االطراف.
باستقرائنا للفقرة األخرة من الفصل أعاله ،نجدها تنص على أنه في جميع األحوال
تأخذ الهيأة التحكيمية بعين االعتبار مقتضيات العقد الذي يربط بين األطراف واألعراف
والعادات السائدة في ميدان التجارة ،فهل يعني هذا أن المحكم يجب أن يطبق هذه األعراف
والعادات السائدة حتى وإن كانت متناقضة مع القانون الوطني؟
إجابة على هذا التساؤل نجد أن الممارسة العملية قد أثبتت أن المحكمين وإن اتجهوا
إلى تحرير العقد من سلطان القوانين الداخلية ،إال أنهم قد حرصوا على اعتناق بعض
المبادئ اآلمرة في القوانين الداخلية وتطبيقها باعتبارها قواعد واجبة التطبيق ،وكل ذلك
بغية رعاية النظام العام في دولة وجود الهيأة التحكيمية ،وبصفة خاصة في الدولة التي
74
يتوقع تنفيذ حكم لمحكمين فيها.
يتوقف تنفيذ الحكم التحكيمي الدولي بصفة جبرية حسب الفصل 46-982على
االعتر اف بها ثم إضفاء الصيغة التنفيذية عليها من طرف رئيس المحكمة التجارية التي
صدرت بدائرتها إذا كان الحكم التحكيمي قد صدر داخل الوطن ،أو لرئيس المحكمة
التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج.
74
المختار عبد الدائم ،م.س ،ص .60
29
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
يثبت وجود الحكم التحكيمي الدولي حسب الفصل 42-982باإلدالء بأصله مرفقا
باتفاق التحكيم أو نسخ من هاتين الوثيقتين تتوفر فيها شروط الصحة المطلوبة .فمثال نجد
قرارا لمحكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء تأكيدا لما جاء في الفصل جاء في حيثياته
... « :وحيث إنه خالفا لما تمسك به الطرف المستأنف من كون المستأنف عليها لم تدل
بأصل الحكم التحكيمي فإن الثابت من المقال الرامي إلى تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة
75
التنفيذية أنه أرفق بأصل الحكم التحكيمي الحامل للتوقيعات األصلية للمحكمين».
أيضا إذا كان اتفاق التحكيم و نسخته محرران بلغة أجنبية غير اللغة العربية ،فإنه
يجب اإلدالء بترجمة لهما مشهود بصحتها من لدن مترجم مقبول لدى المحاكم ،76وهو
األمر الذي أصدرت بمقتضاه محكمة االستئناف بالدار البيضاء قرارا جاء في حيثياته :
« ...وحيث إنه طبقا للمادة الرابعة من اتفاقية نيويورك المؤرخة في ،0902-6-00يشترط
لقبول االعتراف وتذييل حكم تحكيمي أجنبي بالصيغة التنفيذية أن يدلي الطالب بأصل الحكم
التحكيمي أو صورة منه مستوفية لشروط التصديق وأصل اتفاق التحكيم سواء كان شرطا
في عق د أو اتفاق تحكيم أبرم بعد قيام النزاع أو صورة منه مستوفية لشروط التصديق ،وأنه
إذا لم تكن الوثائق المذكورة محررة باللغة الرسمية للبلد المراد التنفيذ فيه فعلى الطالب ان
يقدم ترجمة رسمية للوثائق المذكورة بلغة البلد المطلوب التنفيذ فيه على ان تكون معه
الترجمة منجزة من طرف ترجمان رسمي أو محلف أو من قبل جهة دبلوماسية أو
77
قنصلية».
إن فكرة النظام العام تكمن بصفة عامة في كونها ترمي إلى حماية المجتمع الوطني
واألسس الجوهرية التي يقوم عليها ،وأيا كانت طبيعة العالقة القانونية فإنه يظل ذا طابع
وطني صرف ،يهدف في الواقع سواء في العالقات الداخلية أم في إطار العالقات الدولية
إلى تحقيق غرض رئيسي واحد هو حماية النظام القانوني الوطني ودعم استمرارية قوانين
75
قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم ،880صدر بتاريخ ،8000/0/00ملف رقم ،8009/2884/8669أورده عمر
أزوكار ،م.س ،ص .820
76
أنظر الفقرة األخيرة من الفصل 42-982من قانون المسطرة المدنية.
77
قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء ،رقم ،8000/8802صدر بتاريخ ،8000/0/02 :رقمه بمحكمة االستئناف التجارية
،4/8000/0404أورده عمر أزوكار ،م.س ،ص .826
30
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
الدولة األساسية وثباتها باعتبارها انعكاسا ألوضاع اجتماعية واقتصادية وثقافية وتاريخية
خاصة مختلفة عن غيرها من النظم األخرى ،وذلك سواء عن طريق منع األفراد من االتفاق
على ما يخالفها أو باستبعاد القوانين األجنبية التي ال تتفق نظمها مع األسس التي يقوم عليها
النظام العام الوطني .وتمييزا بين النظام العام الداخلي والدولي نجد أن النظام العام الداخلي
يهدف إلى عدم االعتداد بالعالقات الداخلية المخالفة ألحكامه ،في حين أن النظام العام
الدولي يهدف إلى استبعاد القانون األجنبي المخالف له.78
ونجد توضيحا لمفهوم النظام العام الوطني والدولي جاء في حيثيات قرار لمحكمة
االستئناف التجارية بالدار البيضاء ما يلي ...« :وحيث إن األمر المستأنف حينما رفض
تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية في جزئه المتعلق بتمديد شرط التحكيم لشركة اينا
هولدينغ أسس قضاءه على كون هذا التمديد فيه مساس بالنظام العام المغربي ويعتبر إجراء
باطال مستوجبا لرد الطلب في مواجهتها مستندا في ذلك إلى كون القانون الواجب التطبيق
بمقتضى العقد الذي ورد فيه شرط التحكيم هو القانون السويسري والذي ثبت -لقاضي
التذييل – أنه ال يتضمن أي مقتضى قانوني صريح يخص تمديد اتفاق التحكيم للغير.
...وحيث إن المتفق عليه دوليا أن النظام العام الدولي والوطني يتضمن :المبادئ األساسية
المتعلقة بالعدالة واألخالق الحميدة التي تسعى الدولة إلى حمايتها والقواعد واألحكام التي
تهدف خدمة المصالح السياسية واالجتماعية أو االقتصادية للدول والمتعارف عليها تحت
اسم القوانين التوجيهية أو اآلمرة مطلقا وااللتزامات الدولية التي يجب على الدولة احترامها
79
تجاه الدول األخرى والمنظمات الدولية»...
بعد أن يتم التحقق من كون الحكم التحكيمي الدولي موجودا وغير مخالف للنظام
العام كما سبق أن وضحنا ،حينها فقط يمكن لرئيس المحكمة التجارية التي صدر الحكم في
دائرتها أو لرئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج ،أن
78
رفعت محمد عبد المجيد ،مفهوم النظام العام وأثره في تنفيذ أحكام التحكيم األجنبية ،مقال منشور في دفاتر محكمة النقض عدد 2لسنة ،8000
ص .00،08
79
قرار محكمة االستئناف التجارية بالدار البيضاء رقم ،880صدر بتاريخ ،8000-0-00ملف رقم ،8009/2884/8669أورد عمر
أزوكار ،مرجع سابق ،ص .829
31
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
يصدر أمرا باالعتراف به وإضفاء الصيغة التنفيذية عليه .كما يمكن للقاضي أيضا أن
يصدر أمرا برفض االعتراف بهذا الحكم التحكيمي األجنبي وكذا عدم تذييله بالصيغة
التنفيذية ،ويكون هذا األمر القاضي برفض االعتراف والتذييل بالصيغة التنفيذية قابال
80
وذلك أمام محكمة االستئناف التجارية التابع لها رئيس المحكمة الذي للطعن باالستئناف
أصدر األمر داخل أجل 00يوما من تاريخ تبليغ األمر ،كما أن محكمة االستئناف تبت في
81
غير أن األمر القاضي باالعتراف بالحكم التحكيمي الطعن طبقا لمسطرة االستعجال.
األجنبي وتخويله الصيغة التنفيذية ال يكون دائما قابال للطعن باالستئناف ،فالمشرع حدد في
الفصل 49-982على سبيل الحصر خمس حاالت فقط هي التي يمكن فيها الطعن في هذا
82
األمر باالستئناف.
إن تذييل المقررات التحكيمية بالصيغة التنفيذية هو الذي بجعلها سندا قابال للتنفيذ،
وجميع القوانين تنص عليه وتعتبره أساسيا ليكون المقرر التحكيمي قابال للتنفيذ داخل الدولة
مكان التنفيذ ،وذلك أن هذه الصيغة التنفيذية هي التي تجعل المقرر التحكيمي غير مخالف
83
للنظام العام للدولة وال يمس بسيادتها ،وتبرر االستعانة بالقوة العمومية لتنفيذه.
إن الحكم التحكيمي الدولي المؤيد بحكم صادر عن الدولة األجنبية الصادرة فيه ال
يخضع لمسطرة تذييل الحكم األجنبي التي تبقى من اختصاص قضاء الموضوع ،وإنما
تخ ضع لقواعد التذييل المعمول بها في الدولة المراد تذييل الحكم التحكيمي فيها بالصيغة
84
وعليه تعتبر اإلجراءات المنصوص التنفيذية حسب المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك.
عليها في قانون المسطرة المدنية المتعلقة بتذييل االحكام التحكيمية الوطنية بالصيغة التنفيذية
هي الواجبة التطبيق خالل تذييل األحكام التحكيمية الدولية بالصيغة التنفيذية.
32
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
أول ما يجب التنبيه إليه في مسألة الطعن بالبطالن في األحكام التحكيمية الدولية ،هو
ضرورة التمييز بين الحكم التحكيمي الدولي الصادر خارج المملكة ،والذي ال يخضع
لمسطرة الطعن بالبطالن أمام القضاء المغربي ،ولو عرض عليه طلب التذييل بالصيغة
التنفيذية والذي يبقى من اختصاص قضاء دولة مكان صدوره ،وبين التحكيم الدولي الصادر
في المملكة المغربية والذي يقبل الطعن بالبطالن فيه ضمن الحاالت المنصوص عليها في
85
الفصل ،49-982
كما يالحظ أيضا أن هذه الحاالت هي نفسها التي حددتها اتفاقية نيويورك الخاصة
بتذييل األحكام التحكيمية الدولية بالصيغة التنفيذية ،إذ ال يحق لرئيس المحكمة أن يرفض
األمر بتذييل الحكم التحكيمي الدولي لسبب غير تلك الواردة في اتفاقية نيويورك على سبيل
86
ونفس الشيء بالنسبة للطعن بالبطالن في األحكام التحكيمية الدولية الصادرة الحصر،
داخل المملكة.
كما هو معلوم فإن أجل الطعن بالبطالن وكذا الطعن نفسه يوقفان تنفيذ الحكم
التحكيمي وهذا ما نص عليه الفصل 09-982من قانون المسطرة المدنية ،هنا ننتظر
صدور القرار في الطعن إما بالرفض وهنا ال إشكال بحيث تبادر هنا محكمة االستئناف إلى
تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية ،أما إذا صدر قرار ببطالن الحكم التحكيمي الدولي فهنا يجب
التمييز بين الحكم التحكيمي الدولي الصادر داخل المملكة والمنفذ فيها الذي ال يطرح إشكاال
هنا كما هو الشأن بالنسبة للحكم التحكيمي الصادر خارج المملكة المطلوب تنفيذه فيها.
إن هذا االشكال طرح تساؤل حول مدى فعالية بطالن الحكم التحكيمي الدولي
خصوصا بعد أن ظهر اتجاه يفك االرتباط بين بلد المنشأ وبلد التنفيذ ،وهو ما يعني أن
85
عمر أزوكاغ ،م.س ،ص .829
86
عمر أزوكاغ ،م.س ،ص .824
33
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
بطالن الحكم التحكيمي في بلد المنشأ ال يعتبر عائقا لالعتراف به في بلد التنفيذ وهو ما جاء
في قضية Hilmartonحينما قضى القضاء السويسري ببطالن الحكم التحكيمي الصادر
فوق ترابها ،إال أن القضاء الفرنسي أعطاه الصيغة التنفيذية .87إال أن اتفاقية نيويورك
تعطي لقاضي دولة المنشأ األفضلية وذلك من ناحيتين ،األولى حيث أن إبطاله للحكم
التحكيمي يلزم قاضي التنفيذ ،ومن ناحية ثانية فقاضي التنفيذ يمكن له أن يوقف التنفيذ متى
قدم له ما يفيد تقديم طلب بطالن الحكم التحكيمي ،أو طلب بقصد إيقافه أمام قاضي المنشأ.
إال أن هذا ال يطبق إال في مواجهة الدول المتعاقدة في هذه االتفاقية حسب المادة الثالثة
88
منها.
وهو نفس التوجه الذي تبناه القضاء المغربي حيث اعتبر أن بطالن الحكم التحكيمي
في بلد المنشأ يعد سببا لرفض إعطاء الصيغة التنفيذية ،ولكن شريطة أن يكون الحكم
التحكيمي قد أبطل فعال وليس مجرد رفع طلب للبطالن ،وهو ما جاء في قرار لمحكمة
االستئناف بالدار البيضاء ...« ،أنه وفقا التفاقية نيويورك وخاصة المادة الخامسة منها فإنه
89
يتعين اإلدالء أن الحكم التحكيمي قد أبطل فعال وليس مجرد رفع طلب بذلك»...
صحيح أن هذا القرار صدر قبل قانون 02.00حيث كان المغرب لم ينظم بعد
التحكيم الدولي ،إال أنه رغم تنظيمه فقد أقر في الفصل 99-982منه أنه ال يجب اإلخالل
بما ورد في االتفاقيات الدولية المصادق عليها.
ومن أجل تجاوز هذا اإلشكال اقترح الفقيه Fouchardحال موفقا وهو خلق رقابة
دولية موحدة تخص جميع األحكام التحكيمية المتعلقة بالتجارة الدولية ،وذلك بإنشاء محكمة
دولية تكون هي الوحيدة المختصة بالبطالن وكذلك في إعطاء الصيغة التنفيذية لهذه
90
األحكام ،والقرارات الصادرة عنها تكون ملزمة لجميع الدول.
87
عبد اللطيف بو العلف ،الطعن بالبطالن في الحكم التحكيمي – دراسة في القانون المغربي والمقارن ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،
الطبعة االولى ،8000ص .092
88
عبد اللطيف بو العلف ،م.س ،ص .099
89
قرار محكمة االستئناف بالدار البيضاء رقم ،02/9220الصادر بتاريخ ،8002-86-02في ملف رقم 4/8002/0290أورده عبد اللطيف
بو العلف ،م.س ،ص .009
90
عبد اللطيف بو العلف ،م .س ،ص .009
34
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
91
وهو نفس المقتضى الذي احتفظ به المشرع من خالل الماد 26من مشروع قانون التحكيم والوساطة االتفاقية.
35
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
وهي بمفهومها العام ال تشكل وسيلة جديدة لفض النزاعات إذ اهتمت بها التشريعات على
92
مختلف مشاربها ودياناتها وأشادت بدورها السلمي في حل النزاعات منذ القدم
تعني الوساطة لغة تعني التوسط بين الناس ،أي الوصول بين المتخاصمين إلى حل
94
وسط ،أي عادل ،ومنه قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" أي عدال.
وعرفها الفقه بأنها "دخول طرف ثالث بين طرفين متخاصمين إلنهاء الخصومة
95
بينهما صلحا "
أما عن المشرع المغربي فلم يعرف الوساطة وإنما اقتصر على تعريف اتفاق
الوساطة في الفصل 06-982من قانون 02.00على أنه " اتفاق الوساطة هو العقد الذي
92
خديجة عالوي ،الوساطة لحل النزاعات في القانون الداخلي المغربي ،اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس كلية
العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سال ،ص.04
93
خديجة عالوي م س ص06
94
محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ،مختار الصحاح ،منشورات أبو شغب ،عمان ،دون ذكر الطبعة والمطبعة ،ص .280
95
محمد رواس قلعرجي وحامد صادق قنبي ،معجم لغة الفقهاء ،دار النفائس ،بيروت ،الطبعة األولى 0400ه0920-م ،ص ،008أوردته
خديجة عالوي م س ص .80
36
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
يتفق األطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام الصلح إلنهاء نزاع نشأ أو قد
ينشأ فيما بعد ".
وهذا االتفاق أو هذا العقد يمكن إبرامه وفقا للفصل 02-982من قانون 02.00
على غرار جل القوانين التي سبقته إما بعد نشوء نزاع فيسمى عقد الوساطة ،كما يمكن
إدراجه في اتفاق أصلي مسبقا تحسبا ألي نزاع قبل نشوئه فيسمى في هذه الحالة شرط
الوساطة ،وإذا أبرم عقد الوساطة أثناء سريان اإلجراءات أمام المحكمة يتعين إبالغ
المحكمة به فورا لتوقف المسطرة.
كما عرف المشرع في الفصل 09-982عقد الوساطة بأنه "االتفاق الذي يلتزم فيه
أطراف نزاع ناشئ بعرض هذا النزع على وسيط "
وهكذا يمكن القول بأن الوساطة في جوهرها ماهي إال فن إدارة الحوار بحرية
وبذكاء واحترافية عالية لخلق األواصر أو إلعادة صياغة عالقات تسمح بالتعبير عن
96
الرغبات والمصالح التي تخص كل واحد من الفرقاء المعنيين.
إن تمييز الوساطة عن األنظمة القانونية المشابهة لها تمكن األفراد من معرفة
حقوقهم والتزاماتهم ،كما أن معرفة عقد الوساطة معرفة قانونية سليمة يمنع من اختالط
97
الحقوق ويضبط المعامالت بين األفراد ويبعث على الطمأنينة في نفوسهم .
- 1الوساطة والتفاوض:
96
الندوة الجهوية الحادية عشر المنظمة بقصر المؤتمرات بالعيون تحت عنوان الصلح والتحكبم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خالل
اجتهادات المجلس األعلى مطبعة األمنية الرباط ،ص 909
97
خديجة عالوي م س ص 82
37
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
إ ن التفاوض بشأن حل مشكل معين يكون عن طريق تدخل شخص ثالث يسمى
المفاوض وقد يتعدد فنكون أمام مفاوضين ،وأهم ما يميز الوسيط عن المفاوض أن هذا
األخير تكون له الصفة التمثيلية للطرف الذي ينتدبه ليحقق له أكبر مكسب ممكن من خالل
عملية التفاوض أو ليحمله أقل نسبة ممكنة من الخسارة في حجم التنازالت التي قد يضطر
الى قبولها وتلك الصفة تفقد المفاوض ميزتي الحياد والتجرد واالستقالل ،على خالف
الوسيط فهو ال يمثل أي طرف وال ينحاز لمواقفه ،كما ال يخضع لتعليماته ألنه أساسا يتم
تعيينه باتفاق الفرقاء جميعا ،بقدر ما يحرص على مواكبتهم لتنوير السبل أمامهم بتوجيهاته
98
وفتح الحوار للحل الذي يرى فيه كل طرف ما يحقق مصالحه.
- 2الوساطة والصلح:
إذا كان الهدف من الوساطة كما سبق القول هو الوصول الى صلح بين
المتخاصمين ،فإن الفرق بين الصلح والوساطة يتجلى من حيث دور الغير ،فالوسيط يساعد
األطراف على التفكير في إيجاد الحل ويبعث على القرارات التي تنبع من األطراف ،في
حين يكون دور من نصب للصلح هو اقتراح الحلول فقط ،وبالتالي فالصلح حسب طبيعته
يشكل غاية للوساطة كوسيلة لحل النزاعات.
وإذا كان الصلح عقد يحسم نزاعا قائما ومحتمال بشكل نهائي مع تنازل كل طرف
عن جزء من ادعائه ،فإن اإلرادة هي المحرك ألساسي فيه ،وهذا يتوافق مع طبيعته العقدية
عكس الوساطة فهي نظام اختياري يلجأ اليها بمحض ارادة الطرفين كما يجوز العدول
عنها في أي مرحلة من مراحل التفاوض.
- 3الوساطة و التحكيم:
98
الندوة الجهوية م س ص 409
38
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
فكالهما يعتبر من الوسائل البديلة لحل النزاعات بالطرق السلمية ،باإلضافة إلى أنهما
يتطلبان عرض النزاع على طرف ثالث يلتزم بالحياد في أدائه لمهامه . 99
إال أنه من الناحية الموضوعية فالوساطة تختلف عن التحكيم في مجموعة من النقط :
اختالف سلطة المحكم عن سلطة الوسيط ،فالمحكم يملك السلطة القانونية التي تمكنه
من إصدار حكم في الخالف المعروض عليه باجتهاده واستنادا الى قناعته على ضوء ما قدم
100
إليه من أدلة ووسائل إثبات شأنه شأن القاضي الذي يتم اللجوء إليه في منازعة قضائية.
الوساطة تتالقى فيها إرادة الطرفين على الحل ،أما التحكيم فتنصرف فيه إرادة
الطرفين الختيار المحكم والرضى سلفا بما يقرره ،إذ ينفذ قرار المحكم ذاته في مواجهتهما
101
ولو لم يرتضياه.
تعرف الوساطة القضائية على أنها إجراء اختياري يعين القاضي خاللها وسيطا
يتولى مهمة ربط الحوار بين الخصوم ومساعدتهم على التوصل إلى حل ودي للنزاع ،أي
أنها وسيلة يعرضها القاضي على الخصوم تهدف إلى إيجاد نزاع ودي للنزاعات المدنية
وبعض لنزاعات الجزائية والحفاظ على العالقات االجتماعية ،من خالل تدخل طرف ثالث
102
أما الوساطة االتفاقية حسب ما درسناه هي وسبلة محايد مستقل يسمى الوسيط القضائي.
يلجأ إليها األطراف من أجل حل نزاعهم وديا بمساعدة طرف ثالث محايد يختارونه
بإرادتهم دون تدخل من الجهة القضائية.
39
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
األطراف أنها تحكم مصالحهم في حالة نجاحها وتتويجها بميثاق صلح ،وحتى في حالة عدم
التوصل إلى اتفاق الصلح فان الوساطة تكون قد ضمنت قدرا من الحوار والتواصل بين
األطراف في طرح وجهات نظرهم حول النزاع وتتميز الوساطة بمجموعة من المميزات
نذكرها كالتالي:
وهي من أهم مميزات الوساطة الهدف األساسي من اللجوء إلى هذه اآللية (الوساطة)
ويقصد بها محافظة األطراف على خصوصية النزاع القائم بينهم بعيدا عن إجراءات العلنية
التي تعرفها المحاكمة القضائية فما يجري أثناء عملية الوساطة يبقى معروفا بين أطراف
النزاع والوسيط دون غيرهم.
تتسم الوساطة بالمرونة بالنظر إلى غياب إجراءات وقواعد مسطرية تحد من
مبادرات الوسيط ،فكونه ال يبت في النزاع وال يصدر أحكاما يجعله يتصرف في هذا السياق
بقدر من الحرية ،إذ يمكن القول أن اإلطار غير الرسمي للوساطة وقلة الشكليات المتطلبة
فيها يشكل الميزة األساسية حيث إن غياب أي إجراء أو إغفاله ال يترتب عنه بطالن
الوساطة ما لم يكن مخالف للنظام العام واألخالق الحميدة ،ويمكن لألطراف العدول عنها
103
في أي وقت.
وتعد من أهم أهداف اللجوء إلى الوساطة فهي تكفل بين األطراف في أقرب اآلجال
وبأسرع وقت ممكن وذلك لمواكبة التطور الحاصل خصوصا في الميدان التجاري ،وهو ما
ال يمكن تحقيقه من خالل المساطر القضائية التي تأخذ وقتا طويال على عكس الوساطة التي
يمكن من خاللها حل النزاع بين األطراف في جلسة واحدة وفي مدة غالبا ما ال تتجاوز
103
ذ خديجة عالوي ،م .س ،ص .80
40
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
تتمتع إجراءات الوساطة بالسرية وال يجوز االحتجاج بها وبما تم في من تنازالت
من قبل أطراف النزاع أمام أي محكمة أو جهة أخرى وهو ما أكد عليه الفصل 66-982
والذي جاء فيه "يلزم الوسيط بوجوب كتمان السر المهني بالنسبة إلى األغيار وفق
المقتضيات وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي المتعلقة بالسر
المهني ،وال يجوز أن تثار مالحظات الوسيط والتصاريح التي يتلقاها أمام القاضي
المعروض عليه النزاع إال باتفاق األطراف وال يجوز استعمالها في دعوى أخرى"،
وبالرجوع الى مقتضيات القانون الجنائي بهذا الخصوص وباألخص الفصل 446منه نجده
يحدد عقوبة إفشاء السر المهني في الحبس من شهر إلى ستة اشهر وغرامة مالية من0800
إلى 80000درهم .105
بالنظر إلى المكاسب التي يحققها األطراف من إعمال الوساطة بعيدا عن اللجوء إلى
المحاكمة سواء إما القضاء أو التحكيم تكون تكلفة الوساطة منخفضة بالنظر إلى النتائج
المتوخاة منها ،مع العلم أن الوساطة باعتبارها من الوسائل البديلة لحل المنازعات قد تكون
مصاريفها مرتفعة مقارنة بالمصاريف التي يؤديها المدعي أمام المحاكم بالنظر إلى
انخفاض الرسوم القضائية التي تدفع مقبل تسجيل القضايا وإمكانية االستفادة من المساعدة
القضائية
104
ينص الفصل 60-982من ق.م.م على " يحدد األطراف مدة مهمة الوسيط في أول األمر دون أن تتجاوز أجل ثالثة أشهر من التاريخ الذي
قبل فيه الوسيط مهمته ،غير أن لألطراف تمديد األجل المذكور باتفاق يبرم وفق نفس الشروط المعتمدة إلبرام اتفاق الوساطة".
105
راجع الفصل 446من القانون الجنائي.
41
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
وذلك أن التسوية في الوساطة تكون قائمة على حل مرضي لطرفي النزاع يتم
التوصل إليه بإرادتهما الحرة ويكون قائما على تحقيق مكاسب ومصالحة لكل األطراف.
ومن أجل اللجوء إلى الوساطة االتفاقية كوسيلة بديلة للقضاء ،وكذا اعتمادها لحل
النزاعات بين األفراد البد من توافر عدة شروط ،وهذه الشروط نميز فيها بين الواجب
توفرها في اتفاق الوساطة (الفقرة األولى) ،باإلضافة إلى شروط يجب توفرها في الوسيط
(الفقرة الثانية).
106
-خديجة عالوي مرجع سابق ،ص.22
42
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
اتفاق وساطة على أن يكون العقد المذكور قد أبرم كتابة ،وأن يكون من شأن اإلحالة أن
107
تجعل من الشرط جزءا ال التباس فيه من العقد.
107
-الفصل 02-982من ق.م.م.
108
ينص الفصل 327-57من قانون م.م .على انه ":يمكن ابرام اتفاق الوساطة بعد نشوء النزاع ويسمى حينئذ عقد الوساطة.
يمكن ابرامه في اثناء مسطرة جارية امام المحكمة وفي هذه الحالة يرفع الى علم المحكمة داخل اقرب االجال ويترتب عليه وقف المسطرة".
109
عرف الفصل 327-61من قانون م.م .شرط الوساطة بما يلي ":شرط الوساطة هو االتفاق الذي يلتزم فيه أطراف عقد بان يعرضوا على
الوساطة النزاعات التي قد تنشأ عن العقد المذكور"
110
-الفصل 68-982من ق.م.م.
111
عرف الفصل 327-59من قانون م.م .عقد الوساطة كما يلي ":عقد الوساطة هو االتفاق الذي يلتزم فيه اطراف نزاع ناشئ بعرض هذا
النزاع على وسيط.
يمكن ابرام العقد المذكور ولو اثناء دعوى مرفوعة امام المحكمة".
112
-الفصل 60-982من ق.م.م.
43
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
أول ما يمكن الحرص عليه لصحة االلتزامات قانونية والتي يعتبر اتفاق الوساطة
إحداها ،هو ضرورة توفرها على األركان الالزمة المحددة في الفصل الثاني من ق.ل.ع،
وهي األهلية ،أي ضرورة توفر أطراف اتفاق التحكيم على أهلية التصرف المحددة حسب
113
في ثمانية عشرة سنة شمسية كاملة ،وكذا توفر الرضا من المادة 09من مدونة األسرة
الطرفين على مضمون العقد ،مع وجود محل مشروع صالح لاللتزام ،وأخيرا ضرورة
وجود سبب مشروع لهذا االلتزام.
إال أن أهم شرط موضوعي الخاص باتفاق الوساطة هو ما نص عليه المشرع ضمن
الفصول المنظمة لهذا االتفاق ،وهو ما نجده في الفقرة الثانية من الفصل 06- 327من
قانون م.م .انه ":ال يجوز أن يشمل اتفاق الوساطة مع التقييد بمقتضيات الفصل 62من
الظهير الشريف الصادر في 12اغسطس 1913بمثابة القانون والعقود ،المسائل المستثناة
من نطاق تطبيق الصلح بموجب الفصول من 1099الى 1104من نفس الظهير الشريف
المذكور وعلى ذلك ال تجوز الوساطة في مسائل الحالة الشخصية ،و ما له ارتباط بالنظام
العام أو الحقوق الشخصية الخارجة عن التعامل .إلى ما دون ذلك من االستثناءات عن
حاالت إمكانية إجراء الصلح المنصوص عيها في الفصول أعاله من ق.ل.ع ،وبالتالي فبما
أن الوساطة نتيجتها هي الحصول على مقرر صلح إذن فال يجوز أن يكون موضوعها إال
داخل ما يمكن عقد صلح بشأنه.
يعهد بالوساطة إما إلى شخص ذاتي أو إلى شخص معنوي .114وعلى ذلك يمكن أن
تتم الوساطة عن طريق الوساطة المؤسساتية ،بواسطة مراكز للوساطة لها أنظمتها و
مسطرتها .وفي هذه الحالة ال يتولى القيام بهذه المهمة إال الشخص الطبيعي أما الشخص
المعنوي فال يتمتع سوى بصالحية تنظيم الوساطة وضمان حسن سيرها.
113
-ظهير شريف رقم ،0.04.88صادر في 08ذي الحجة 9( 0484فبراير )8004بتنفيذ القانون رقم 20.09بمثابة مدونة األسرة.
114
الفصل 327-67من قانون م.م.
44
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
ولم تتطرق المقتضيات المتعلقة بالوساطة االتفاقية إلى شروط الوسيط بتفصيل عكس
ما قررته المقتضيات الخاصة بالتحكيم بشان الشروط المتعلقة بالمحكم ،115الذي يشترط فيه
كمال أهليته وعدم صدور حكم عليه بحكم نهائي باإلدانة .إال أنه حسب منظورنا الشخصي
فإن دور الوسيط ال يقل أهمية عن دور المحكم وبالتالي يجب أن يتوفر بالضرورة أيضا
على األهلية الكاملة إلبرام التصرفات ،وعليه فإننا نرجح في حالة فقدان الوسيط ألهليته
أثناء سريان مسطرة الوساطة استبدال الوسيط مباشرة سواء كانت هذه العملية سارية أمام
القضاء أو مؤسسة مختصة في حل النزاعات عن طريق الوساطة ،أو في نطاق وساطة
حرة ،وبذلك توقيف المسطرة إلى حين تدخل وسيط آخر مكتمل الشروط ،لذا يجب ان يكون
الوسيط جيد الفطنة بعيدا عن السهو و الغفلة ،يتوصل بذكائه إلى حل ما أشكل و فصل ما
أعضل.116
-يجب على الوسيط فور قبوله المهمة المسندة إليه أن يخبر بذلك األطراف في رسالة
مضمونة الوصول مع إشعار بالتوصل أو بواسطة مفوض قضائي طبقا للفصل -982
.62
-كما يتجلى أيضا دور الوسيط في االستماع إلى األطراف ،والمقارنة بين وجهات
نظرهم وذلك بغية تمكينهم للوصول إلى حل للنزاع القائم بينهم.
-أيضا يمكن للوسيط االستماع لألغيار اللذين يقبلون ذلك ،إذا كان في ذلك فائدة مرجوة
تساعد على حل النزاع القائم بين األطراف.
-أيضا يمكنه بموافقة األطراف القيام بالخبرة التي يكون من شأنها المساعدة على
توضيح النزاع.
115
980و 980من قانون م.م .هذا فضال عن امكانية تجريح المحكم طبق الفصلين 988و 989من نفس القانون.
116
خديجة عالوي ،مرجع سابق ،ص .98
117
ينص الفصل 327-66من قانون م.م .على انه ":يلتزم الوسيط بمجوب كتمان السر المهني بالنسبة الى االغيار وفق المقتضيات وتحت طائلة
العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي المتعلق بكتمان السر المهني .وال يجوز ان تثار مالحظات الوسيط و التصاريح التي يتلقاها امام
القاضي المعروض عليه النزاع اال باتفاق االطراف واليجوز استعمالها في دعوى اخرى".
45
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
-وفي نهاية المفاوضات ،يقترح الوسيط عند انتهاء مهمته ،مشروع صلح أو بيان عن
األعمال التي قام بها .ويحرر ذلك في وثيقة صلح تتضمن وقائع النزاع وكيفية حله،
وما توصل إليه وما اتفق عليه األطراف على الشكل الذي يضع حدا للنزاع بينهم.
-وأخيرا يوقع الوسيط وثيقة الصلح بين األطراف ،وفي حالة عدم وقوع الصلح يسلم
الوسيط وثيقة عدم الصلح التي تحمل توقيعه لألطراف.118
ثانيا :شروط تعيين الوسيط
بالرجوع إلى الفصل 00-982من قانون 02.00المعدل لقانون المسطرة
المدنية نجده ينص على مبدأ صريح يتجلى في توافق األطراف على تعيين وسيط ،ليكرس
مبدأ الشفافية في االختيار بعيدا عن انفراد أحد األطراف باختيار الجهة التي تقوم بدور
الوساطة ،وهذا ما ال نجده في مجموعة من مساطر الوساطة التي تشرف عليها
119
ومنها ميثاق الوساطة البنكية حيث تنفرد المجموعة المهنية بتعيين وسيط دون المقاوالت
أن يكون للمستهلك الحق في اختياره ،أو كما هو متداول في بعض المقاوالت التي أسست ما
يعرف بأقسام الشكايات ومصالح المستهلكين أو وسيط المقاولة.
وبناء عليه نجد أن الوس اطة االتفاقية توفر فرصا أكبر في االختيار على العكس من
القضاء الرسمي حيث ال سلطة لألطراف في تعيين القاضي .120ومن بين الشروط التي
تلعب فيها قناعة األطراف دورا حاسما في اختيار الوسيط ما يلي:
جنس الوسيط :اذ يختار أطراف النزاع الوسيط رجال أو امرأة حسب قناعاتهم
الشخصية ،و اختيارهم هذا ناتج عن اختيارهم الشخص الذي يرتاحون إليه.
118
-الفصل 62-982من ق.م.م.
119
Eric Camous " règlement non- juridictionnel des litiges de consommation " contribution critique
à l’analyse des modes alternatifs de règlement des conflits, libre. générale de droit et de
jurisprudence 2002 p 177.
120
Mohammed Ouzeroual, comment choisir un médiateur ? les critères clés a prendre en compte
dans le choix d’un médiateur ,revue marocaine de médiation et d’arbitrage , n 4 2eme édition ,
2009 p 118.
46
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
جنسية الوسيط :يبقى لألطراف الحرية في اختيارهم جنسية الوسيط ،إذ يمكنه أن
يكون حامال لجنسيتهم أو جنسية أحدهم في حالة وجود طرف أجنبي في النزاع أو
يكون أجنبيا عنهم.
عدد الوسطاء :أشير في هذا الصدد أنه يمكن للوسيط أن يمارس مهامه كوسيط وحيد
في عملية الوساطة "وسيط فريد" ،كما قد تتم هاته العملية عن طريق الوساطة
المشتركة ،إذ يشترك فريق من الوسطاء في عملية واحدة ،ويتيح تواجد أكثر من
وسيط واحد إمكانية أن يقوم أحدهم بدور المدير الرئيسي للمناقشات ،في حين يقتصر
دور الثاني و الثالث في حالة وجودهما على كتابة المالحظات و االستماع و إبداء
االنطباعات على المعلومات الناتجة عن االجتماعات المغلقة و اللقاءات المشتركة
121
الخ
ونشير في هذا الخصوص إلى أنه ال يجوز للوسيط حسب منطوق الفقرة الثانية من
الفصل 62-982بعد تعيينه وقبوله للمهمة المسندة إليه التخلي عن مهمته ،إال باتفاق
األطراف ،أو إذا انصرم األجل المتفق عليه ،أو األجل القانوني المحدد في ثالثة أشهر دون
أن يستطيع األطراف إبرام الصلح .كما يمكنه التخلي عن مهمته في الحاالت التي ال يتم فيها
احترام األجل األقصى الذي حددته المحكمة بعد محاولة إجراء وساطة مع األطراف فهو
ملزم ببذل عناية وبالتالي إذا لم يحترم األطراف األجل المفروض يقوم بتحرير محرر
122
لتبرئة ذمته ،أو بأمر القاضي في الحاالت المنصوص عليها في الفصل .982-64
وأخيرا بقي أن نشير إلى أن مقرر الصلح شأنه شأن مقرر التحكيم ،يكتسب قوة
األمر المقضي بمجرد صدوره ،ولكنه ال يكتسب القوة التنفيذية إال بعد تذييله بالصيغة
123
التنفيذية من قبل رئيس المحكمة المختصة محليا للبت في النزاع.
121
خديجة عالوي ،موجع سابق ،ص .92
122
ينص الفصل 64-982من ق.م.م على " يجب على المحكمة المحال عليها نزاع في مسألة أبرم األطراف في شأنها اتفاق وساطة وفقا
لمقتضيات هذا الفر ع أن تصرح بعدم القبول إلى حين استنفاد مسطرة الوساطة أو بطالن اتفاق الوساطة.
إذا كان الوسيط لم يعرض عليه النزاع بعد ،وجب على المحكمة أيضا أن تصرح بعدم القبول ما لم يكن اتفاق الوساطة باطال بطالنا واضحا.
ال يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين أن تصرح تلقائيا بعدم القبول.
في الحالة الثانية يجوز لها أن تحدد بطلب من الطرف الذي رفع األمر إليها األجل األقصى الذي يجب أن تبدأ فيه الوساطة تحت طائلة البطالن".
123
-الفصل 69-982من ق.م.م.
47
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
خاتمة :
من خالل هذا العرض يتبين لنا أن الوسائل البديلة لحل المنازعات وتحديدا التحكيم
والوساطة االتفاقية موضوع عرضنا ،تعدان ذات أهمية بالغة في حل النزاعات والوصول
إلى هذه الحلول بسرعة أكبر من السرعة التي نجدها عند القضاء ،لذلك نجد أن المشرع
كان حكيما عند تنظيمها بنصوص خاصة تحدد جميع المقتضيات الواجب اتباعها واحترامها
عند سلوكها ،كما أن المشرع يسعى جاهدا إلى الوصول لتنظيم متكامل لهذه الوسائل وذلك
واضح من خالل التعديالت التشريعية المتتالية التي عرفتها النصوص المنظمة للتحكيم
والوساطة االتفاقية ،و بالرغم من ضرورة وجود نقص في هذا التنظيم سواء الحالي أو
المشروع الممكن دخوله حيز التنفيذ إال أن هذا ال يمنع من القول أن المشرع المغربي
يحاول باستمرار سد الثغرات القانونية في النصوص التشريعية مع كل تعديل تشريعي ،لذلك
نعتقد أن المشروع الجديد للتحكيم والوساطة االتفاقية يشكل نقلة تشريعية مهمة في تنظيم
هذه الوسائل ،خاصة كونه يفصلها عن قانون المسطرة المدنية وهو الشيء الذي كان يجب
أن يكون منذ البداية ،خاصة أن ما يميز هذه الوسائل هو استقاللها عن السلطة القضائية.
48
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
الملحق
49
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
خديجة عالوي ،الوساطة لحل النزعات في القانون الداخلي المغربي ،أطروحة لنيل
الدكتوراه في الحقوق تخصص القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم
القانونية و االقتصادية و االجتماعية -سال -الموسم الجامعي .8000/8004
50
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
محمد الملكي ،دور الوساطة في تسوية النزاعات -دراسة مقارنة – أطروحة لنيل
الدكتوراه في القانون الخاص ،مركز دراسات الدكتوراه في القانون و االقتصاد و
التدبير ،مختبر البحث القانون و التنمية ،السنة الجامعية .8002/8002
محمد الطاهر بلموهوب ،الوساطة القضائية دراسة مقارنة بين الفقه اإلسالمي
والقانون الجزائري ،أطروحة لنيل الدكتوراه في العلوم اإلسالمية تخصص الشريعة
والقانون ،جامعة باتنة 0كلية العلوم اإلسالمية قسم الشريعة – الجزائر ،السنة
الجامعية .8002-8006
الندوات :
الندوة الجهوية الحادية عشر المنظمة بقصر المؤتمرات بالعيون تحت عنوان الصلح
والتحكبم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خالل اجتهادات المجلس األعلى مطبعة
األمنية الرباط.
المقاالت :
إبراهيم بحماني ،تنفيذ القرارات التحكيمية الوطنية والدولية ،مقال منشور فدفاتر
محكمة النقض رقم 2لسنة .8000
جمال الطاهري ،الفعالية اإلجرائية للحكم التحكيمي ،مقال منشور في مجلة محاكمة،
العدد 4أبريل – يونيو.8002
رفعت محمد عبد المجيد ،مفهوم النظام العام وأثره في تنفيذ أحكام التحكيم األجنبية،
مقال منشور في دفاتر محكمة النقض عدد 2لسنة .8000
محمد فاضل الليلي ،الحكم التحكيمي مقال منشور في كتاب الصلح و التحكيم و
الوسائل البديلة محل النزعات من خالل اجتهادات المجلس األعلى ،الطبعة 8002
مطبعة األمنية – الرباط.
51
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
52
قراءة في قانون التحكيم والوساطة االتفاقية
53