Professional Documents
Culture Documents
�ل ِس
�لصا ح ي�
سا� ق��ا م ا َّ إ��ح ن
َوبه نَستَع ُ
ني ِ ِِ
العالَم َ
ني احل َ ْم ُد َر ّب َ
ِ
َ َُ َ َ َّ َ ُ َ َّ َ
السل ُم َعل َس ِي ِدنا م َّم ٍد والصلة و
أجع َ َ ْ َ ْ آ ََ
ني. َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه ِ
ُّأيا ُ
األخ!
من َ ِ سدي َ النصائ ِح ،فها أنَذا ُأ ِ
ِ
حقائق ض َ بضع
َ إليك بعض لقد سألتَني َ
ُ
تكون إىل وج ما ِ ِ ٍ ٍ
أح َثامين حكايات قصرية ،فاستمع إليها مع نفس التي أراها ْ
خاطبت هبا ُ سكرية لكونِ َك ج ِ
ند ًيا ،فلقد ٍ ٍ
بأمثلة َع ور ُدها لك وسأ ِ
يحةُ ، الن َِّص ِ
ُ
ٍ
كريامت، «كلامت» أ َفدتُها من ثامين ٍ
آيات ٍ سه ًبا ،يف ثامين ِ
نفيس يو ًما خطا ًبا ُم َ
الرغب َة ِ ِ ِ أذكرها َ
فمن َيد يف نفسه َّ كرا ُمقت ََض ًبا ،وبلسان العوا ِّمَ ،اآلن لنفيس ذ ً ُ
مع معنا. الس َ فل ُي ِ
لق َّ
ل��ل �ة ا � �أ �ل�
�
� �
� ا
�
وى � �
�
ل �
م � �
ك
�﷽
أيضا ن ِ
َسته ُّل هبا. فنحن ً
ُ أمر ِذي ٍ
بال، كل ٍكل َخ ٍري و َبد ُء ِّ
رأس ِّ
«بسم اهلل » ُ
ِ ِ فيا نفسيِ ..
أن هذه الكلم َة الط ِّيب َة املبارك َة كام َّأنا ش ُ
عار اإلسال ِم ،فهي ذ ُ
كر َجي ِع اعلمي َّ
ِ
أحوالا. املوجودات َبأ ِ
لسنة ِ
هائ ٍ
لة ال تَن َفدُ ،ومدَ ى ما فيها من إدراك مدَ ى ما يف «بسم اهلل» من ُقو ٍة ِ ِ فإن ك ِ
ُنت راغب ًة يف
َّ
ِ
صرية: ِ
َّمثيلية ال َق ِ
احلكاية الت َمعي إىل هذه َنضب ،فاست ِ ٍ ِ ٍ
َبركة واسعة ال ت ُ ُ
رئيس َق ٍ
بيلة، ِ الصحراء وي ِسيح فيها ال بدَّ له أن ي ِ
نتم َي إىل ِ إن البدَ ِو َّي الذي يتَن َّق ُل يف
َّ
َ ُ َ ُ
تدار َك حاجاتِهَّ ، ِ ِ ِ
وإل رش األشقياء ،و ُينج َز أشغا َله و َي َ نج َو من ِّ حتت محايته ،كي َي ُ دخ َل َ و َي ُ
ِ
احلاجات التي ال حدَّ هلا. رة من ِ
األعداء ،و َك ْث ٍ ضطر ًبا أمام َك ْث َر ٍة من
حائ ًرا ُم ِفسيب َقى وحدَ ه ِ
َ
واآلخر ِ
متواض ًعا، ياحة؛ كان أحدُ ُها بمثل هذه الس ِ ِ ِ
اثنان َوافق أن قا َم وهكذا ..فقد ت َ
ُ ِّ
فتجوال يف هذه االنتساب، رفض
ور َ ٍ ِ
َّ َ غر ُ الم ُرئيس ،بينام َ ب إىل انتس َورا ،فاملتواض ُع َ غر ً َم ُ
ِ حتا ِم والت ِ إل ويقاب ُل ِ
باال ِ ٍ ِ ِ
ِ
االسم، بفضل ذلك َّقدير ي ُّل يف َخيمة ّ ُ َ ب َُ الصحراء ،فام كان املنتس ُ
قي؛ أ ّما الر ِئ ِ
يس» ،ف َيتن ََّحى عنه َّ
الش ُّ باسم ذلك َّ ِ يقول له« :إنَّني َأت َّو ُل طريق ُ ٍ وإن ِلقيه ِ
قاط ُع َ
وال الس ْف ِ ِ املص ِ
رة يف ف ،إذ كان َط َ َّ يوص ُ
ائب والويالت ما ال يكا ُد َ ور فقد ال َقى من َ غر ُ الم ُ
َ
ِ
َمر ،ويف ت ََس ُّو ٍل ُمستد ٍ ٍ
وأهانا.
َ نفسهفأذل َيمَّ ، وو َج ٍل ُمست ٍّ َخوف ٍ
دائم َ
عة هي ِ
الواس ُ دوي ،وهذه الدنيا َّك ِاعلمي أن ِ
َفسي املغرورةَِ .. ِ
السائح ال َب ُّ
ُ أنت ذلك فيا ن َ
جز ِك» ال حدَّ هلام ،كام أن أعدا َءك وحاجاتِك ال هناي َة هلام.. قر ِك» َ
و«ع َ الصحرا ُء ،وإن « َف َ تلك َّ َ
وحاك ِمها
ِ ِ ِ ِ ِ
َنج ْي
األبدي ،لت َ
ِّ الصحراء يقي هلذه األمر هكذا ،فتق َّلدي َ
اسم املالك احلق ِّ ُ فام دا َم
ِ ِ الكائنات وم ِ
ِ َّسو ِل أما َم
احلادثات. اخلوف أما َم هانة َ من ُذ ِّل الت ُّ
� �
7 �� �
���������� � �
«فقرك» ُ
يرتبط ُ عظيم ال َيفنى أبدً ا ،إذ هبا
ٌ إن هذه الكلم َة الطيب َة «بسم اهلل» ٌ
كنـز نعمَّ ،
مطلقة ُت ِس ُك
ٍ ٍ
عظيمة ٍ
بقدرة «عجزك»
ُ َعلق ِ
الكائنات ،ويت ُ أوسع من
َ
واسعة م ٍ
طلقة ُ
ٍ ٍ
برمحة
قرك َشفي َع ِ
ني جزك و َف ِ كل من َع ِ املجرات ،حتى إنه ُيصبِ ُح ٌّ الذ ِ
رات إىل ِ
الوجود من َّ ِزما َم
َّ
الرحيم ِذي اجلالل. ِ
القدير َّ مقبو َل ْي ِن َلدى
ِ ِ
انخر َط يف
َ َحر ُك و َيسكُن و ُيصبِ ُح و ُيمس هبذه الكلمة «بسم اهلل» َ
كمن إن الذي يت َّ َّ
ِ
وباسم ِ
القانون يتكلم باسم ُ
حيث إنَّه خياف أحدً ا، ِ
الدولة وال ف باسم يترص ُ جلند َّي ِة؛
ُ ُ َّ ا ُ
كل ٍ
يشء. األعامل و َيث ُب ُت أما َم ِّ
َ نج ُز ِ
الدولة ،ف ُي ِ
الوجود يقول معنًى «بسم اهلل» وجيلب نِ َعم اهلل باسم اهلل ويقدِّ ُمها
ِ فام دام ُّ
كل يشء يف
أيضا أن ونأخذ باسم اهلل؛ وعلينا ًَ نقول أيضا «بسم اهلل» ون ِ
ُعط َي باسم اهلل إلينا ،فعلينا أن َ
ِ
باسم اهلل. الغافلني الذين مل ُيعطوا
َ دي
نر َّد أ ْي َ
ٍ
يكون سب ًبا لنعمة علينا ،فيا ت َُرى ماذا َيط ُل ُ
ب منَّا ُ وتوقريا ملن
ً سؤال :إننا نُبدي احرتا ًما
احلقيقي؟
ُّ ِّعم ك ِّلها ومالِكُها
صاحب تلك الن ِ
ُ اهلل
ر ُّبنا ُ
ِ ب منّا ثالث َة ٍ
الغالية: أمور ثمنًا لتلك الن ِ
ِّعم احلقيقي َيط ُل ُ
َّ نعم
الم َ اجلوابَّ :
إن ذلك ُ
ِ كر ..الثانيُّ : األولِّ :
كر ..الثالث :الف ُ
كر.. الش ُ الذ ُ
كرِ ، ِ ِ
أي يتوس ُطهام هو ف ٌ فـ«بسم اهلل» بدء ًَا هي ذ ٌ
كر ،و«احلمد هلل» ختا ًما هي ُش ٌ
كر ،وما َّ
مد وهدايا َرمحتِه
األحد الص ِ
َّ
ِ ِ
قدرة بأنا معجز ُة ُ
واإلدراك َّ
ِ
البديعة، ِ
النعم الت ُ
َّأمل يف هذه
كر. ِ ِ
الواسعة ..فهذا التَّأمل هو الف ُ
لطان ،م ِ
تجاه ًل ولكن أليس الذي يقب ُل أقدام اجلندي اخلاد ِم الذي يقدِّ م هدي َة الس ِ
ُ ُّ ُ ُ ِّ َ ُ ِّ َ ْ
ِ
املادية ِ
األسباب بال َمن ُيثنِي عىل
يرتكب حماق ًة فظيع ًة وباله ًة ُمشين ًة؟ إذن فام ُ صاح َبها،
ُ
يكون ِ
مقرت ًفا باله ًة أشدَّ ُ احلقيقي؟! َأل
ِّ ِ
املنعم والو ِّد دون
باحلب ُِّ وي َِّص ُصها
عمُ ، اجلالبة للنِ ِ
ِ
ألف ٍ
مرة؟ منها َ
وخ ِذي
األبلهَ ،فأعطِي باسم اهلل ُ ..
ِ ِ
األمحق ني أن تكوين َ
مثل إن ِ
كنت تأ َب َ نفس!! ْ فيا ُ
()1
الم. واعميل باسم اهللَّ ..
والس ُ َ باسم اهلل ..وابدَ ئِي باسم اهلل..
﴾ (البقرة)2: ﴿ ﭝﭞﭟ
ونعمة ،ومدَ ى ما فيه من ٍ
لذة ٍ اإليامن من س ٍ
عادة ِ ف مدى ما يف كنت تريدُ أن ت ِ
َعر َ إن َ
َ
ِ
القصرية: ِ
احلكاية َمع إىل هذه ٍ
وراحة ،فاست ْ
أجل االستِجام ِم والت ِ
ِّجارة ،فمىض أحدُ مها وكان ذات يو ٍم ،من ِ الن يف ِس ٍ
ياحة َ خرج رج ِ
َ ُ
جهة ثانيةٍ.
اآلخر وهو رباين سعيدٌ إىل ٍ ٍ ِ ِ
َ ٌّ َ أنان ًّيا َشق ًّيا إىل جهة ،ومىض َ ُ
والشؤ ِم يف نظره ،جزا ًء وفا ًقا وء ُ فاألناين املغرور الذي كان متشائم َلقي بلدً ا يف غاية الس ِ
ُّ ً َ ُ ُّ
ويل من ون بالصُّ اخِ وال َع ِ َ
يأ ُر َ عىل ُ ِ
مساكني َ ْ
َ عجز ًة
تشاؤمه ،حتى إنَّه كان يرى -أينام اتّج َهَ -
رة؛ فرأى هذه احلال َة املؤمل َة احلزين َة يف ساة ومن أعامهلم المدم ِ غاة ُق ٍ
رجال ُط ٍ
ٍ رضبات ِأيدي ِ
ِّ
مأتم عا ٍّم؛ فلم جيددار ٍ شكل ِنظره َ المملكة ك ُّلها يف ِ
ُ كل ما يزوره من أماكن ،حتى َّات ِ
ذت َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يشعر بحاله، َ نفسه يف نشوته لكيال السك ِْر ،فرمى َ غري ُّ
المؤلمة المظلمة َ َ عالجا حلاله
ً لنفسه
فظلدوا يتر َّبص به ،وأجنب ًيا يتَنك َُّر لهَّ ، ِ واحد من ِ ٍ إ ْذ صار ُّ
أهل هذه اململكة يرتا َءى له َع ًّ كل
يائسا َم ِر ًيرا. َ
يبكون ُبكا ًء ً رع ٍبة ويتامى جنائز م ِ
َ ُ جداين مؤملٍ لِام يرى فيام حو َله من
ٍّ عذاب ِو ٍ يف
ٍ
حسنة ٍ
أخالق احلق ،فقد كان ذا ُ
والباحث عن ِّ انـي العابدُ هلل، ُ
الرجل الر َّب ُّ اآلخر،
ُ أ َّما
ُ ِ بحيث لقي يف رحلتِه مملك ًة طيب ًة هي يف نظره يف منتهى الر ِ
الرجل واجلامل ..فهذا وعة َّ ِّ ُ َ
ٍ
ومهرجانات بارع ًة قائم ًة عىل َقد ٍم ٍ
احتفاالت رائع ًة ِ
اململكة التي دخ َلها الح يرى يف
الص ُ َّ
كر.. محاريب ِذ ٍ
َ
ٍ
مكان بـورا ،ويف كل ٍ
ـرورا ،ويف كل زاويـة ُح ً
ٍ
وساق ،ويف كل َط َرف ُس ً
ٍ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 10
ِ
اململكة صدي ًقا صدُ و ًقا وقري ًبا حبي ًبا له؛ ثم يرى ِ
أفراد هذه فرد منكل ٍ حتى لقد صار يرى َّ
ِ
بكلامت ٍ
مصحوبة ٍ
بصيحة ِ
الفرح حفل الترسيح العام ه ِ
تافات ِ ُعلن يفأن اململك َة ك َّلها ت ِ َّ
ِّ ُ
املوسيق َّي ِة وهي تُقدِّ م ألحانَها احلامس َّي َة
أصوات اجلو َق ِة ِ أيضا الشك ِْر وال َّث ِ
ُّ
َ َْ ويسمع فيهم ً ُ ناء،
ِ
اخلدمة واعتزاز ِ
للذين ُي َسا ُقون إىل ٍ ٍ
بسعادة احلار ِة ِ
َّهليالت ِ
العالية والت ِ
َّكبريات مقرتن ًة بالت
َّ
واجل ِ
ندية. ُ
نشغل بأ َل ِمه وآال ِم النَّاس ك ِّلهم ،كان الثاين ً تشائ ُم ُم جل األول امل ِ
ُ الر ُفبينام كان ذلك َّ
فضل عن أنَّه َغنِم ِ
لنفسه ً فرحهم؛ َّاس ك ِّل ِهم َف ِرحا مع ِ رسور الن ِ ِ مرسورا مع ُ
املتفائل السعيدُ
َ ً ً َّ
ِ
وحدَ ه. كر ر َّبه َ جتار ًة حسن ًة مبارك ًة َ
فش َ
يشء عن كل ٍ فيعلم َّ ِ
أخباره، فيسأل عنه وعن ُ الر َ
جل ِ ِ
ُ ولدى عودته إىل أهلهَ ،يلقى ذلك َّ
ِ
ظاهرك، انعكس عىل َ الشؤ ِمفإن ما يف باطنِ َك من ُّ نتّ ، فيقول له« :يا هذا! لقد ُجنِ َ ُ حالِه
َهب ٍ ٍ وأن َّ موعَّ ، ابتسامة ُص ٌ ٍ أن َّ تتوه ُم َّ ُ
ترسيح وإجازة ن ٌ كل اخ و ُد ٌ كل أصبحت َّ َ بحيث
ينـزاح عن َعينَيك ،وعسى ُ لعل هذا الغشا َء الن َِّكدَ وطهر قل َبكَّ ، ِ
لب؛ ُعد إىل ُرشدكِّ ، وس ٌ َ
درجات العدلِ ِ ف بمنتهى ِ
فإن مملك ًة مالكُها متَّص ٌ األبلج؛ َّ ِ جهها أن تُبص َـر احلقيق َة عىل َو ِ ِ
بمثل هذه الدَّ ر ِ ِ فق ..وإن مملك ًة والر ِ ِ ِ ِ ِ واملر ِ
جة من َ والتنظيم املبد ِع ِّ واالقتدار والربوبية محة ْ
ِ
بمثل ما تريه أوها ُمك من تكون ِ َ َيك ..ال يمكن أن ٍ
ُريك من آثار بأ ِّم عين َ مو مما ت َ والس ِّ
قي ُّ الر ِّ ُّ
ُص َو ٍر».
رجع إىل صوابه رويدً ا رويدً ا ،ويفكِّر ِ
بعقله نفسه و َي ِ ُ ِ
قي ُيراج ُع َ وبعد ذلك بدأ هذا َّ
الش ُّ
ليرض اهلل َ
عنك ،فلقد اخلمرَ ..ِ ِ
تعاطي ِ
لكثرة ويقول ُمتندِّ ًما« :نعم لقد أصابني ُج ٌ
نون
الش ِ
قاء». أنقذتَني من جحيم َّ
«الفاس ُق الغافِ ُل» ،فهذه الدنيا يف
ِ «الكافر» أو
ُ األو َل هو َ
الرجل َّ أننفسي! اعلمي َّ َ فيا
ِ
الفراق. ِ
وصفعات الز ِ
وال ِ يبكون تأ ًملا من
َ ِ ِ
بمثابة مأت ٍَم عا ٍّم، ِ
رضبات َّ األحياء أيتا ٌم ومجيع
ُ نظره
األجل ِ َمز ُق ٍ فمخلوقات سائب ٌة بال را ٍع وال ُ ُ
بمخالب َ مالك ،تت َّ ٌ واحليوان اإلنسان أما
ِ
اجلنائز والبحار -فهي يف ُح ِ
كم ِ ِ
-كاجلبال خام
الض ُاملوجودات ِّ
ُ عص َـرتِه؛ وأما ِ ِ
وتَعتص ُـر بم َ
��������� ����� �����
�� �
11 �
ِ املؤملة الن ِ
َّاشئة من ك ِ ِ ِ ُّعوش الر ِ اهلامدَ ِة والن
ِ
اإلنسان ُفر املدهشة وأمثال هذه األوها ِم ُ هيبة.. ِ َّ
ريرا.
ُذيق صاح َبها عذا ًبا معنو ًّيا َم ً وضاللتِه ت ُ
ؤم ُن به ،فالدُّ نيا يف املعرفة وي ِ
ِ عرف خال َقه َّ
حق «املؤم ُن» الذي َي ُِ جل الثاين ،فهو الر ُ
ُ أ َّما َّ
ٍ
واختبار ٍ
ابتالء ُ
وميدان وتدريب للبرش واحليوان، ٍ ٍ
تعليم ُ
وساحة ذكر رمحاين، دار ٍ ِ
نظره ُ
وإنسان -فهي إعفا ٌء من الوظائف ،وإهنا ٌء ٍ ٍ
حيوان الوفيات كا َّفـ ًة -من
ُ ِّ
واجلان؛ أما لإلنس
معنوي ٍ
برسور ِ
الفناء هذه ون من داررح ُل َ اخلدمات ..فالذين أهن ْوا وظيف َة ِ ِ
ٍّ حياتم هنا َي َ َ من
َ ملوظفني ج ٍِ َ غري ذي ق َل ٍق ،ليفسحوا آخر ِ إىل َ
يأتون للسعي يف مها ِّمهم. دد ُ املجال عالٍ َ
عسكرية ،وتس ُّل ُم ِس ٍ
الح، ٍ ٍ
تجنيد أما املواليدُ كا َّف ًة -من حيوان وإنسان -فهي َس ْو ُ
قة
ف وج ِ فكل ٍ ٍ
وواجباتُّ ، ِ
مستقيم
ٌ ومأمور
ٌ مرسور،
ٌ ند ٌّي كائن إنَّام هو مو َّظ ٌ ُ فوظائ َ وتَسن ُُّم
ِ
يحذكر وتَسبِ ٌ
األصوات املنبع ُثة واألصدا ُء المرتدَّ ُة من أرجاء الدنيا فهي إما ٌ
ُ قانع؛ وأما ٍ
راض ٌ
ِ
باالنتهاء منها ،أو أنغام ِ ٌ الوظائ ِ
ِ لتسن ُِّم
صادر ٌة من ٌ وهتليل إيذانًا والشو ِع فيها ،أو ُش ٌ
كر ف ُّ
العمل وفرحتِ ِه.
ِ شوق ِ
﴿ﮜ ﮝ ﮞ﴾ (البقرة)21:
والس َف َه
الفسق َّ
َ أن العباد َة جتار ٌة ُعظمى وسعاد ٌة كُربىَّ ،
وأن تفهم كيف َّ كنت تريدُ أن َ إن َ
احلكاية التَّمثِيل َّي ِة و َأ ْ
نصت إليها: ِ ٌ
وهالك ُم َح َّق ٌق ،فانظر إىل هـذه خسار ٌة ِ
جسيم ٌة
ٍ جنديان ِ
ِ تس َّل َم
مدينة بعيدة ،فسافرا معا إىل أن وصال -ذات يو ٍمً -
أمرا بالذهاب إىل َ اثنان
رجل يقول هلام:
ً فر َق طري َق ِ
ني ،فوجدا هناك َم ِ
ِ
الراح َة األيمن ،مع عد ِم وجود الضَّ ِر فيه ،جيدُ املسافرون الذين يسلكونَه َّ َ إن هذا ال َّط َ
ريق َّ
عديم
َ األيسـر ،فمع كونِه
ُ الطريق
ُ عش ٍة؛ أما سعة من َ بنسبة تِ ٍ
ِ بح مضمونًا والر َ َ
واالطمئنان ِّ
واحد ٍ عش ٍة من عابِ ِر ِيه؛ علام أن ِكل ْيهام يف الطول سواء ،مع ٍ
فرق َضـر ُر تسع ٌة من َ
ٌ النفع يت َّ
وحكومةَ -يميض ٍ ِ
املرتبط بنظا ٍم ِ
-غري ِ
األيرس ِ
الطريق املسافر الـمتَّج َه نحو فقط ،هو َّ
أن
َ
املسافر ظاهر ًة وراح ًة موهوم ًة ،غري أن نفسه ِخ َّف ًة ِ الح ،فيجدُ يف ِ حقيبة متا ٍع وال ِس ٍ ِ بال
َ
ٍ ٍ رشف اجل ِ ِ
كاملة حقيبة حل ِ
مل مضطر ٌَ ندية- ُ األيمن -المنت َظ ِم َ
حتت ِ ِ
الطريق المت َِّج َه َ
نحو
ِ يزن « ُأوقيت ِ ِ ٍ ٍ ٍ
يع أن َني» يستط ُ الحا حكوم ًيا ُ أربع « ُأوق َّيات» وس ً من مستخلصات غذائية ِتز ُن َ
عدو. ب به َّ ِ
كل ٍّ يغل َ
الطريق
َ السعيدُ ُ
المحظوظ َّ الرجل الدَّ ِ
ليلَ ،
سلك ِ ني كال َم ذلك ين اجلند َّي ِ
هذ ِ
وبعدَ سام ِع َ
وروحه قد َ أن قل َبه حامل عىل ظهره وكَتِفه َر ً
طل من األثقال ّإل ّ ً األيمن ،ومىض يف دربِه
َ
قي املنكُو ُد الذي آثر ت َْر َك ِ ِ ِ ِ
األرطال من ث َقل المنَّة واخلوف؛ بينام الرجل َّ ِ
تخ َّلصا من آالف
الش ُّ
13 ��������� ����� ������
�� �
ص من جسمه قد خت َّل َ
َ امل ،فمـع أن الش ِ َ
سبـيـل ِّ اجلندية ومل ُي ِر ِد االنتظا َم وااللتزا َم ،س َل َك ُ
روحه ِ رطل ،إِلَّ َّ
أن قل َبه َّ ثِ َق ِل ٍ
حقت ُ وانس ْالم ِّن واألذىَ ،
حتت آالف األرطال من َ يرزح َ ظل ُ
شخصَ ،و ِجال ُم ً
رتعشا ٍ ِ
ستجد ًيا َّ
كل حيصها احلدُّ ،فمىض يف سبيله ُم مخاوف ال ُ َ حتت
َ
املح َّل املقصو َد ،فالقى هناك جزا َء فِ ِ
راره كل حادثة ،إىل ْ
أن َب َ كل يشء ،خائ ًفا من ِّ ٍ من ِّ
لغ َ
وعصيانِه. ِ
ُ
واملحافظ عىل املحب لنظا ِم اجلند َّي ِة
ُّ ِ
األيمن -ذلك نحو ال َّط ِ
ريق المتوجه َ
ِّ املسافر
ُ أ َّما
الوج ِ ِ ِ ِ ِ
يلتفت إىل
َ دان من دون أن القلب مطمئ َّن ِ ْ
ِ رتاح
سار ُمنطلقا ُم َ َحقي َبته وسالحه -فقد َ
ِمن َِّة ٍ
املقصود َة وهنالك وجدَ ثوا َبه بلغ املدين َة ُ
خياف من أحد ،إىل أن َ َ يطمع فيها أو
َ أحد أو
همته باحلسنى. ٍ
رشيف َأ َ
نجز ُم َّ ندي
كأي ُج ٍّ الالئق به ِّ
َ
َ
َسلمون أولئك املست َ املسافرين أحدمها َ أن ذينِكحة! اعلمي َّ الس ِار ُ ِ
السادر ُة َّ النفس َّ ُ فيا أيتها
ريق فهو لألهواء؛ وأ َّما ذلك ال َّط ُ ِ واآلخ ُر هم العصا ُة المتَّبِ َ
عون َ للقانون اإلهلي، ِ َ
املطيعون
رة ،وأما تلك اآلخ ِ األرواح ويمر من القرب املؤدي إىل عامل ِ ِ احلياة الذي يأيت من َ
عال ِ طريق
ُ
ُّ
أن هلا ظاهرا ّإل ًَّ مل َث ٍ
قيل ُن للعبا َد ِة من ِح ٍ َّقوى ،فمهام يك ْ الح فهام العباد ُة والت َ والس ُيبة ِّ
ِ
احلق ُ
ِ ألن العابِدَ ُ تني ال تُوص ِ عظيم ِ يف معناها راح ًة ِ
أل إل َه يقول يف َصالته « َأ َ
شهدُ َّ فان ،ذلك َّ َ َ وخ َّف ًة
ِ
يعمل عبثا كام أنَّه حكيم ال ُ ٌ بيده ،وإنه َّفع والضُّ ُّخالق وال َر ِاز َق ّإل هو ،الن ُ ّإل اهلل» أي ال َ
ِ
واإلحسان. ِ
الرمحة واس ُع ر ِحيم ِ
َ ٌ
طر ُقه ِ ِ ِ كل يشء بابا َينفتِ ُح إىل يقول ،لذا جيدُ يف ِّ يعتقدُ بام ُ فاملؤمن ِ ِ
خزائن الرمحة اإلهلية ،ف َي ُ ُ
كل ويتحص ُن أمام ِّ َّرضعِ، ِ مسخ ٌر ِ َّ ٍ أن َّ بالدعاء ،ويرى َّ
َّ ألمر ر ِّبه ،ف َيلتَج ُئ إليه بالت ُّ يشء كل
َ َ َ ـة ُمستندا إىل الت ِ مصيب ٍ
الكامل. واالطمئنان األمان التَّا َم يمنحه إيمانُه هذا َّوكلَ ،ف ُ ُ َ
منبع بود ُيةَّ ، اإليمان والع ُِ احلسنات احلقيق َّي ِة هو
ِ ِ
جاعة َكك ُِّل منبع َّ نعمَّ ،
وإن َ ُ الش إن َ
األرضية ُقن ُبـل ًة ُمد ِّمر ًةُ والسفاهة؛ فلو أص ِ
بحت الكر ُة ُ ُ
الضاللة ِ
السيئات هو بن ِّ
ككل الج ِ
ْ ُ
خارقة من خوارقِ ٌ منو ٍر ،بل قد ينظر إليها َّأنا قلب َّ يف عابدً ا هلل ذا ٍوانفجرت ،فلربام ال ُت ُ
َ
القلب الـمي ِ ِ ِ بإعجاب وم ٍ القدرة الصم ِ ِ
ت ولو كان َ ِّ الفاس ُق ذو تعة ،بينام ٍ ُ دانية ،ويتَملَّ ها َّ َ
ويرتع ُشِ اخلوف نجم مذنَّبا يعت َِو ُره ِ قل َر ٍفيلسوفا -ممن ُيعدُّ ذا َع ٍ
ُ اجح -إذا رأى يف الفضاء ً
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 14
وادي األوها ِمبأرضنا؟» فيرتدى يف ِ
َطم ِ ِ َساءل ٍ
بقلق« :أال يمكن هلذا الن ِ َه َل ًعا ويت ُ
َ َّ َّجم أن َيرت َ
ِ
مساكنَهم َ
الكثريون جر ِ َجم مذن ٍ ُ
ريكان يو ًما من ن ٍ
ظهر يف السامء حتى َه َ
َّب َ (لقد ارتَعدَ األ َم
يل). ِ
ساعات ال َّل ِ أثنا َء
فرأس مالِه يف ُحكم ِ
أن حاجات اإلنسان متتدُّ إىل ما ال هناي َة له من األشياءُ ،
ِ غم َّ
نعمَ ،ر َ
ِ
حكم ال يش َء ،إذ فاقتداره كذلك يف
ُ ِ
املصائب معر ٌض إىل ما الهناي َة له من
غم أنه َّ املعدو ِمَ ،
ور َ
ِ
وآالمه ورغائبِه ِ ِ واقتداره ب َقدْ ِر ما ُ
ِ رأس مالِه
ِ َّ
تصل إليه يدُ ه ،بينام َدوائ ُر آماله َ إن مدى دائرتَي
ِ
واخليال. ِ
البصـر وبالياه واسع ٌة سع َة مدِّ
ُّل ،وإىل حقائق العبا َد ِة والتوك ِِ العاجز َة الضعي َف َة الفقري َة إىل ِ ِ
البشـر وح
أحوج ُر َ َ فام
بصره ِ ٍ ِ ٍ أعظم ما َي ُ َّوحيد واالستِسال ِم! وما ِ
فمن مل َيفقدْ َ وسعادة ونعمة! َ نال منها من ربح َ َ الت
الض ِ
ار الطريق َّ ِ رج ُح عىل الض ِّار ُي َّغري َّ در ْك ُه ،إذ من املعلوم أن ك ِّليا َير ذلك و ُي ِ
الطريق َ َ
طريق احتامالت؛ علام أن مسألتَنا هذه ٍ عش ِ
ـرة احتامل واحدً ا من َ ً رر فيه
ُ الض ُ حتى لو كان َّ
سعة من ـة باحتمال تِ ٍ للسعادة األبدي ِ
ِ كنـزا
عطينا ً ودية ،فمع كونِه عديم الرضر ،فإنه ي ِ العب ِ
َّ ُ َ ُ
عديم النف ِع فإنه َ نفسه -فمع كونِه الفاس ِق ِ ِ ِ
-باعرتاف ِ
والسفاهة ِ
الفسق طريق
ُ عش ٍة ،بينام
َ
عشةٍ، ٍ ِ ِ
للخرسان وانعدا ِم ِ ِ ـي ،مع ٍ
يقني ُ ِ ِ
بب الشقاء واهلالك األبد َّي ْ ِ ِ
اخلري بنسبة تسعة من َ َس ُ
بدرجة الت ِ
َّواتر ِ ِ
واإلثبات» ِ
تصاص «أهل ْ
االخ ِ بشهادة ما ال ُي َص من ِ ثابت
األمر ٌ وهذا
ُ
وق والك ِ
َشف. الذ ِ أهل َّ إخبار ِِ ِ
ضوء جاز ٌم يف يقني ِ واإلمجاعِ ،وهو ٌ
الـجنـد َّي ِة ِ ِ ِ
أيضا -كاآلخرة -هي في العبا َدة وفي ُ
أن سعاد َة الدنيا ً
نحصل من هذاَّ : ُ
ِ
الخالصة هلل.
الطاعة والتَّوفِ ِ
يق» وأن ن َ
َشكره سبحانه وتعاىل ِ فعلينا إذن أن نُر ِّد َد دائام« :الحمدُ هلل على
َ
مسلمون. عىل أنَّنا
ل��ل �ة �� � �ة � �
ا � ك�� �م� ا ل ارب��ع�
�﷽
()1
«الصال ُة عام ُد الدِّ ين»
وأن الصالة وقيمتَها ،وكم هو ِ
يس ٌري ني ُلها وزهيدٌ كس ُبهاّ ، ِ ف أهمي َة كنت تُريدُ أن ت ِ
َعر َ إن َ ْ
ٍ
بيقني تعرف ذلك ك َّل ُه
َ كنت تريدُ أن من ال يقيمها وال يؤدي ح َّقها أب َله ِ
خاس ٌـر ..نعم ،إن َ ُ ِّ ُ ُ َ
احلكاية التَّمثيليةِ
ِ ِ
يساوي أربعا -فتأ َّمل يف هـذه االثنني يف ِ
اثنني ِ ِ
ضرب ِ
تــا ٍم -كحاصل
ِ
صرية: ال َق
يمنح اجلميلة ،بعد أن ِ اثنني من َخدَ ِمه إىل مزرعتِه -ذات يومِ - ـظيم ي ِ
رس ُل
َ َ حاكم َع ٌ ٌ ُ
عة التي هي عىل الوصول إىل املزر ِِ وعرشين لري ًة ذهب َّيـ ًة ،ليتَمكَّنا هبا من كال منهام أرب ًعا
َ َ
فر ،واقتَنِيا
الس ِ ِ ِ
ملصاريف التَّذاك ِر و ُمتطلبات َّ
ِ ِ ِ
شهرين؛ ويأ ُم ُرمها« :أنفقا م ْن هذا املبل ِغ َ ِ ب ِ
عد ُ
ٍ واإلقامة ..هناك حمط ٌة للمسافرين عىل ب ِ ِ الس ِ
واحد، عد يوم ُ َ كن ما يلز ُمكُام هناك من لواز ِم َّ
ٍّ
ولكل َثمنُه». وق ٍ
طار.. فينة ِ
وطائرة وس ٍ
ٍ ٍ
سيارة َّقل منوسائط الن ِِ ميع أنوا ِع
َ يوجدُ فيها َج ُ
يسريا
رصف شي ًئا ً
َ األوامر؛ كان أحدُ مها سعيدً ا حمظو ًظا ،إ ْذ
َ اخلادمان بعد تس ُّل ِم ِهام
ِ َي ُرج
رأس مالِه
فارتفع ُ
َ
ٍ
رابحة َيرىض هبا س ِّيدُ ه، ٍ
تجارة حلني وصولِه املح َّط َة ،صر َفه يف مما لديه ِ
وعرشين مما رصف ثالثـًاَ وسفاهتِه فل ِ
سوء ح ِّظه اخلادم اآلخرِ ، ِ ِ
األلف ،أما ِ
الواحد إىل من
َ َ ُ ُ
حلني ِ
بلوغه فأضاعها ك َّلها ّإل لير ًة واحد ًة منها َِ ِ
والقامر، ِ
اللهو هبية يف الذ ِ ِ
الليـرات َّ عندَ ه من
املح َّط َة.
( )1البيهقي ،شعب اإليامن 38/3؛ الديلمي ،املسند ،404/2وانظر :الرتمذي ،اإليامن 8؛ أمحد بن حنبل ،املسند .237 ،231/5
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 16
سفر ،فال تُض ِّي ْعها لديك ِ
تذكر َة ٍ َ ِ
الباقية ِ
اللرية اشرت هبذه ِ صاح ُبه« :يا هذا! ِ خاط َبه
ٍ ِ ِ
َقصري، عمـا بدَ َر َ
منك من ت فوه َّ يشم ُل َك برمحته وينا ُل َك َع ُ يم ،لع َّله َ كريم رح ٌ كذلك ،فس ِّيدُ نا ٌ
َفعل ما أقو ُل ُه ٍ
واحد؛ فإن مل ت ْ حمل إقا َمتِنا يف يو ٍم ِ
الطائرة ،ونَب ُل َغ م ًعا َّ ِ
بركوب سمحوا لك ف َي ُ
ِ كام ِ شهرين ِ
ِ الس ِري ِ لك فستُض َط ُّـر إىل
وعوالج ُليـن يف هذه املفازة َمش ًيا عىل األقدا ِمُ ، مواصلة َّ َ
فرة ال َّط ِشارد يف هذه الس ِ َيفتِ ُك بك ،وال ُغر َب ُة تُخ ِّي ُم
ويلة». َّ وأنت وحيدٌ ِ ٌ عليك َ َ
ٍ
عابرة، سبيل َش ٍ
هوة ِ ف حتى تلك اللري َة ِ
الباقي َة يف فص َ تُرى! لو عاندَ هذا َّ
خصَ َ ، الش ُ
َنـز لهَ ،أل َيعنِي ذلك أنَّه
مفتاح ك ٍ
ِ ِ
بمثابة فر هي َذك ِ
رة َس ٍ ِ
اقتناء ت ِ بدل منزائلةً ،ٍ لذ ٍة ِ
وقضاء َّ
ٍ
إنسان؟ در ُك هذا أغ َبىَش ِق ٌّي خارس ،وأبل ُه بليدٌ ح ًقا؟ أال ُي ِ
ٌ
الـم ِ
تضايق َة منها! َفيس ُ
الصالةَ! ويا ن َ
فيا من ال ُيؤ ِّدي َّ
ران ،فأحدُ مها هو مان املسافِ ِ ِ
اخلاد ِ جل وعال؛ أما ذانِكام وخالقنا َّ
ُ ِ
الحاك َم هو ر ُّبنا إن َ
ذلك
َّار ُك للص ِ
الة. واآلخ ُر هو الغافِ ُل الت ِ
َ ِ
األداء، حق
بشوق ويؤدِّهيا َّ ٍ الصال َة
َّ يقيم َّ
المتد ِّي ُن الذي ُ ُ
رشون ساع ًة من ِّ
كل يو ٍم َ رشون فهي األربع ِ
والع َ ـة األربع ِ
والع الذهب َّي ُ اللريات َّ
ُ تلكوأ َّما َ
ْ ُ ُ
رب.
ـة فهي الق ُ تلك املح َّط ُ
َّـة ،وأما َ فهو اجلن ُ
اخلاص َ
ُّ ُ
البستان من أيا ِم ال ُع ُم ِر؛ وأ ّما َ
ذلك
ِ
واملاض ُية إىل نحو ِ
القرب ِ الطويل فهي ِر ُ
ُ الس ُ وأما َ
السائر ُة َ
البشـر َّ حلة فر
والس ُ
ياحة َّ تلك ِّ
ِ
اخللود. قة إىل ِ
دار ِ
واملنطل ُ ِ
احلشـر
كل حسب ِ ٍ ٍ الكون هلذا ال َّط ِ
ريق ال َّط ِ
عمله ومدَ ى ويل يقطعونَه عىل درجات ُمتفاوتةَ َ َ ٌّ ، َ فالس
َّ
ِ كأنم ُ ٍ ِ ٍ ِ
سم منهم الربق ،وق ٌ عون يف يو ٍم واحد َمساف َة ألف سنة َّ
سم من املتَّقني يق َط َ تقواه؛ فق ٌ
يم إىل ِ ُ ُ خسيـن َ ٍ ٍ
واحد مساف َة َ َ
القرآن العظ ُ أشار
اخليال؛ وقد َ َّـهم
ألف سنة كأن ُ َ يقطعون يف يوم
ِ
َريمتني. ِ
آيتيـن ك ِ
احلقيقة يف هذه
ِ ٍ الصال ُة التي ال ت ِ
أكثر من َستغر ُق َخ ُ
مس صلوات مع ُوضوئها َ أ َّما تلك التَّذكر ُة فهي َّ
ٍ
ساعة!
ِ
صرية وال ِ
احلياة الدُّ نيا ال َق رشين من َساعاتِه عىل هذه يرصف ثال ًثا ِ
وع ُ فيا خسار َة َمن
َ
��������� � � �����
17 �� � � �
بني! ويا له ـم ِ
لنفسه ُم ٌ األبدية املديدَ ِة! ويا له ِمن ظالِ ٍ
ِ ِ
احلياة رصف ساع ًة ِ
واحد ًة عىل تلك ُ َي
أحمق أبل َه!
َ من
شرت ُك فيه أكثر من ِ
ألف صف ما َيملكُه المر ُء لِ ِ
قامر اليان َِص ِ
يب -الذي َي ِ َل ِئ ْن كان َد ْف ُع نِ َ
ُ
فكيف بالذي ُي ِج ُم عن وز واحدٌ من ٍ
ألف، احتامل ال َف ِ
َ ً
معقول ،مع أن أمرا ٍ
َ شخصُ -يعدُّ ً
زينة أبدي ٍ
ـة، َيل َخ ٍ
وألجل ن ِ
ِ ٍ
ضمون، سبيل ِر ٍ
بح َم ِ ملكُه يف ٍ
أربعة وعرشين مما ي ِ واحد منٍ َب ِ
ذل
َّ َ َ
وتسعني من ٍ
مئة. َ باحتامل تِس ٍع
ِ
نفسه أل ُي ِ
در ُك ذلك ُّ للح ِ
كمة؟ َ للعقل وجمانبا ِ
ِ العمل ِخال ًفا
ُ َ
كل من َيعدُّ َ ً أل ُيعدُّ هذا
ًِ
عاقل؟
عم ًل لب وال َع ِوح وال َق ِ
للر ِ ٌ الصال َة بِ ِ َّ
ليست َ ْ فضل عن أن ّها
ً قل م ًعا؛ ربى ُّ راحة ك َ ذاتا إن َّ
ِ
بمثابة ُ
ستكون له ِ
املباحة صل الدُّ ِ
نيوية الـم ِّ ِ َ ره ًقا للجسم؛ م ِ
سائر أعامل ُ وفوق ذلك فإن َ ُ
رأس ِ
مال ُع ُم ِره إىل ِ ميع ِّ حو َل ِ ِ ٍ
املصل َج َ فيستطيع إذن أن ُي ِّ
ُ الصاحلة، عبادة هلل ،وذلك بالنِّية َّ
ب ُع ُم ًرا خالدً ا بِ ُع ُم ِره ِ
الفان. ِ ِ ِ
اآلخرة ،ف َيكس ُ
� ا �ة ��ل �ة �ل�
خ �
ا � ك�
ل�� �م� ا � �م��س�
�﷽
﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ (النحل)128:
ِ الكبائر وظيف ٌة ِ أن إقام َة الص ِ
باإلنسان حقيق َّيـ ٌة ُ
تليق ِ َ واجتناب
َ الة َّ أردت أن َترى َّ َ إذا
ِ َّمثيلي ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
واستمع إليها:
ْ القصرية ـة ونتيج ٌة فطري ٌة ُمالئم ٌة مع خلقته ،فتأ َّمل يف هذه احلكاية الت َّ
همتِه در ٌب عىل ُم َّ
ِ ِ
األفواجُ ،جنديان اثنان ،أحدُ ُها ُم َّ ِ العاملية ،ويف ِ
أحد ِ ِ
احلرب َ
كان يف
هيتم ك َُّل االهتام ِم ِ ِ ِ ِ ُم ِجدٌّ يف واجبِه؛
المتق ُن واج َبه ُّ َّبع َهوا ُه ،كان ُ واآلخ ُر جاه ٌل بوظيفته مت ٌ َ
ِ بلواز ِم مع ِ اجلهاد ،ومل يكن لِ ُيفك َِّر ُِّ وش ِ
أدرك َ وأرزاقهُ ،
حيث إنه اشه ِ ََ قط ؤون َّدريب ُِ ِ
بأوامر الت
وضع ال ُّل ِ ِ ِ أن إعاشتَه ِ
قمة ورعاي َة ُشؤونه وتَزويدَ ه بال َعتاد ،و ُمداوا َت ُه إذا َم ِر َض ،بل حتى ْ َ يقينًا َّ
واجب الدَّ ِ
ولة. ِ األمر -يف َف ِمه ،إنام هو من احتاج ُ َ -إذا
منع علمه َّ اجلهاد ليس ّإل ،مع ِ ِ األساس فهو التَّدَ ُّر ُب عىل ِ
أن هذا ال َي ُ أمور ُ وأما واج ُبه
واعني ،وحتى يف ِ الـم ِ ِ
اإلعاشة كال َّط ِ ِ ِ بشؤون الت ِ ِ
وغسل َ هي أعامل وبعض َّجهيز من أن يقو َم
َطو ًعا» ،وال ِ ِ أقوم ب َب ِ األثناء لو ُس ِئل« :ماذا ُ ِ
عض واجبات الدَّ ولة ت ُّ تفعل؟» لقال« :إنام ُ هذه
يش». كسب ِ
لواز ِم ال َع ِ ِ ِ
ألجل يب« :إننِّي أس َعى ُي ُ
رب؛ فكانحل ِ ِ ِ ِ ُ أما الج ِ
تم با َ
َّدريب وال َي َّبايل بالت
يكن ل ُي َ
الجاهل بواجباته فلم ْ اآلخر،
ُ ند ُّي ُ
عيشتِه و َي ُ
لهث ورا َء ِ
بأمور َم َ ِ ِ
اجب الدَّ ولة ،وما يل أنا؟!» ف ُيشغ ُل َ
نفسه يقول« :ذلك من َو ِ ُ
ِ
األسواق. البيع والشِّ ا َء يف الفوج لِ ُي ِ
زاو َل َ َ زادة منها حتى كان َيدَ ُعاالستِ ِ
﴿ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ (التوبة)111:
السب ِع وما أر َي َحها ِ ِ ِ ِ فيا نفيس الك َْس َل! ما
ناب الكبائر َّ اخلمس واجت َ الصلوات أخف أدا َء
َّ
ِ ِ ِ ِ ِ وأيسرها أما َم ِع َظ ِم
أل قويل ملن مني ذلكَ ، تفه َ وثمراتا ونتائ ِجها! إن كنت َفطن ًة َ فوائدها َ
ِ ِ واللهو والس ِ الف ِيدعوك إىل ِ
ِ
ِ
املاكر: اخلبيث الشيطان فاهة ،ولذلك ِ َّ سق
كان ِع َ
ندك دوا ٌء وال عن الدنيا ،ولو َ الز ِ ِ
وإلزالة َّ ِ
املوت، يك وسيل ٌة ِ
لقتل «لو كانت لدَ َ
فهاتا إذن و ُق ْلها األبدِ ، ِ ِ
القرب إىل لغلق باب ساطة ِ ٌ وو ِ ِ لرفع ال َع ِ
والفقر عن البرشيةَ ، جز
ِ
الكون سج ِد َ
ِ
الكائنات يف م ِ القرآن الكريم يت ُلو ِ
آيات َ َ َ فاخرس ،فإن َ وأطيعّ ..
وإل َ ألسمع
َ
ِ نعمل ِ ِ ِ
الكبري هذا ،فل ُننْص ْت إليه ،و ْلنَتن ََّو ْر ِ ِ
يكون لسانُنا رطبا َ احلكيم ،حتى ِ هبديه بنوره ،و ْل َ
بذكره وتالوتِه». ِ
َّ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ َّّ َّ َ ِّ ُ ُ َ َ ُ ْ َ َ ُ آ
ار إلْك َول تف ِق ْرنا
ال ْف ِتق ِ
ان والقر� ِن ،الل أغ ِننا بِ ِ
ور اليم ِ
الل نور قلوبنا بِن ِ
ْ َ ُ َ َ ْ
َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ ْ
ْ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ
جأنا إل َحولِك َوق َّوتِك، الس ِتغنا ِء عنك ،تربأنا إِلْك ِمن ح ِ
ولا وقوتِنا وال بِ ِ
��������� ������ �����
�� �
31 �
َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ِّ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ
ارحْنَا بف ِظك و كلنا إل أنف ِسنا ،واحفظنا ِ ِ فاجعلنا ِمن المتولكِني عليك ،ول ت ِ
ْ
َ ْ َ ُْ َ َ ُْ َ
ات.
وارحم المؤ ِم ِنني والمؤ ِمن ِ
َ َ ََ ُ ْ َ َ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ ّ َ َ َ ّ َ َ َ
كك ال مل ِ وص ِل وس ِلم عل س ِي ِدنا مم ٍد عب ِدك ون ِب ِيك وص ِف ِيك وخ ِلي ِلك وج ِ
َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َ َ َ
مح ِتك ال ر
ان حمب ِتك و ِمث ِ ني ِعناي ِتك وشم ِس ِهداي ِتك ولِس ِ يك صن ِعك وع ِ َوم ِل ِ
َ َْ َ ُ َ َ َ ْ َ َُ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ
ث ِة ملوقاتِك َوك ِش ِف اج َوح َدتِك ِف ك س ِ ك َو ِ َ ور خل ِقك وش ِف موجوداتِ ون ِ
ُُ َُ َّ َ ّ َ ْ ّ
َطل َسم كئنَاتك َو َدلل َسلطنَة ُر ُبوبيَّتك َو ُمبَلغ َم َّ
َ َ َ ْ
وز
رضياتِك ومع ِر ِف كن ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ْ َ َ َ ُ َ ّ َ َ َ َ ُ َ آ َ َ َ آ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َ ُ ُ َ
ار شهو ِدك ال ربوبِي ِتك ومد ِ ان �ياتِك و ِمر� ِة ج ِ أسمائِك ومع ِل ِم ِعبا ِدك وترج ِ
ْ آ َ َ ْ
ح ًة لل َعالم َ ْ َ َُ َْ ْ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ
ني َو َعل � ِ ِل َو َصح ِب ِه الي أرسلته َر ِ ِ يبك َو َرسولِك ِ وإِشها ِدك وح ِب ِ
َ ّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ َ ْ َْ
ني َو َعل إخ َوانِ ِه ِمن انل ِبيني والمرس ِلني وعل ملئِك ِتك المقربِني وعل أجع َ
ِ
َ ()1
َ آ َ َ َّ
نيِ � ..مني. ال
ِعبا ِدك الص ِ ِ
ِ
العربية. ِ
باللغة ِ
باألصل ِ
أغلب «الكلامت» جا َءت األدعية ِ
الوارد ُة يف ختا ِم ُ ( )1هذه
ل��ل �ة � ث ا � ن �ة
� �
ا � ك�� �م� ا �ل�� م��
�﷽
﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ (البقرة)255:
﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (آل عمران)19:
ِ
اإلنسان، ين عندَ اإلنسانية فيها ،وما ِق ُ
يمة الدِّ ِ ِ ِ
الروح ور
تفهم ما الدنيا وما َد ُ أن َ أردت ْ
َ إذا
امللحدَ هو ِ خص وأن َّ هيبَّ ، سجن َر ٍ ٍ احلق لتَحو ِ
الش َ لت الدنيا إىل َّ ين ُّ وكيف أنَّه لوال الدِّ ُ َ
الروح البرش َّي َة من َ المح ِّي َر و ُي ِنق ُذ
غزه ُ ـم و ُل َط ْل َس َم العا َل ِ وأن الذي حي ُّل ِ
ُ
ِ
املخلوقاتَّ ، أشقى
كل ذلك، تفهم َّ كنت تُريدُ ْ
أن إل اهلل» ..أجل ،إذا َ إن هو ّإل «يا اهلل»« ..ال إله َّ ِ
الظلامت ْ
َ
القصرية وتفكَّر فيها مل ًيا: ِ احلكاية التَّمثِيل َّي ِة
ِ فأنصت إىل هذه ِ
سيرمها َس ِو َّي ًة إىل ياحة َط ٍبان معا إىل ِس ٍ ذه ِ الز ِ قيقان يف َق ِ ِ كان َش
فواصال َ َ ويلة، مان َي َ ديم َّ
أفضل؟»، ُ ِ
الطريقني «أي
ورا فسأالهُّ : هناك رجال َو ُق ً َ ني ،فرأيا فر ِق َطري َق ِ أن وصال إىل َم ِ
ِ
َّكليف أن يف ثنايا ذلك الت إل َّ
للقانون والنظا ِمّ ، ِ إجباري التزام ريق ال َي ِ
ميـن فأجاهبام« :يف َط ِ
ٌّ ٌ
َّحر ُر ّإل أ َّن يف ثنايا تلك احلر ّي ِة ته ُلك ًة حل ِّر ُية والت ُّ
طريق ِّ ِ ِ
الشامل ففيه ا ُ ُ وسعادةٌ؛ أ َّما أمان َ َث َّم َة ٌ
لوك ِّأيِام». الخيار يف س ِ
لكم َ ُ ُ وشقا ًء ،واآلن ُ
َّلت
مني قائال «توك ُ ريق ال َي ِ
يب َط َاألخ ذو الطب ِع ال َّط ِ
لك ُ وبعدَ االستِام ِع إىل هذا الكال ِم َس َ
الغاوي، ِ اآلخر
ُ نفس باتِّبا ِع النظا ِم واالنتِظا ِم؛ أما ُ
األخ يب ٍ ط ِ وانطلق راضيا عن ِ
َ عىل اهلل»،
التحر ِر الذي فيه.
ّ جر ِد هوىلم َّ طريق ِّ
الشامل ُ َ رج َح
فقد َّ
وباطنُه من ِق َب ِله
ِ هولة واخلِ ُ
فة الس ُ
ظاهره ُُّ ٍ
طريق ِ
السائ َر يف َ
الرجل ً
خيال هذا واآلن ف ْلنتابع
33 ��������� ����� �� �����
�� �
وسط دخل َ الو ِعر َة حتى َ ِ
الوديان العميق َة واملرتفعات العاليـ َة َ
ِ َ قل وال َعنا ُء ،فام إن ع َبر ال ِّث ُ
انطلق أسدا ضخام َغضو ًبا قد فسمع صوتا خميفا ،ورأى َّ وح ٍ الية وصحراء م ِ فازة َخ ٍ م ٍ
َ أن َ َ شة، َ ُ َ َ
وه َل ًعا ،فصا َدف بئرا ُمع َّطل ًة عىل ُع ِ ِ ِ ِ
مق رارا وهو َيرتعدُ خوفا َ فر منه ف ً َحوهَ ،ف َّ األحراش ن َ من
ِ
يت َيدا ُه َشجر ًة فتَش َّب َث هبا، قوط َل ِق ْ
َّجاة؛ ويف أثناء الس ِ
ُّ
راعا ،فألقى نفسه فيها ط َلبا للن ِ
َ ِّني ِذ ً ِست َ
وأس َو ُد ومها عليهام َف ِ دار البِ ِئر وقد ُس ِّل َط ِ ران نَبت َا عىل ِج ِ جرة ج ْذ ِ الش ِ هلذه َّ وكان ِ
يض ْ أران ،أ ْب ُ َ
ِ
كاحلار ِ ين بأسنانِهام احلاد ِة؛ فنَظر إىل األعىل فرأى األسدَ ِ
واق ًفا ذر ِ ِ ِ
س عىل َ َ َّ جل َ َيقضامن ذين ََك ا َ
االقرتاب منه وهو َ رأسه يريدُ رفع َ فل فرأى ُثعبانًا كبريا جدا قد َ األس ِ
ونظر إىل ْ َ وه ِة ِ
البئر، َف َ
السع ًةحرشات مؤذي ًة ِ ٍ َفسها؛ ورأى َث ّم َة واسع سع َة البِ ِئر ن ِ راعا ،وله فم ِ ثالثني ِذ ً َ عىل َمسا َف ِة
ُ ٌ َ ٌ
بصورة َخ ٍ ٍ نيّ ،إل أهنا ت ِ جر ُة تِ ٍ الش ِ ُت ُ
ارقة أنواعا ُثم ُر جرة فرأى أهنا َش َ يط به ،نظر إىل أعىل َّ َ
ان. وز وانتهاء إىل الرم ِ الـج ِ ِ م ُ ِتلف ًة وكثري ًة من َف ِ
ُّ ّ ً األشجار ابتدا ًء من َ واكه
وحاقتِه -بأن هذا األمر ليس اعتِ ِ
ياد ًّيا ،وال ِ ِ الر ُ
َ إدراكه َ -لسوء فهم
جل ل َي َ مل يكن هذا َّ
الش ِ فهم ّ ٍ ِ ِ يمكن أن تأيت ُّ
ؤون أن يف هذه ُّ كل هذه األشياء ُمصا َدف ًة ومن دون َقصد؛ ومل يكن َي ُ
األمور و ُيس ِّي ُـرها. كل ذلك َمن ُيد ِّب ُر هذه غريب ًة ،وأن هناك ورا َء ِّ أرسارا ِ ِ
العجيبة
َ ً
األليمة إذا ِ
ِ ِ وحيار َعق ُله من الر ِ ِ
بنفسه أوضاعه ُ َرص ُخ ُ
روحه جل وت ُ لب هذا َّ فبينام َيبكي َق ُ
ِ
الشجرة مت ِ
َجاهل ًة عام حوهلا وكأن شيئا مل َيدُ ث، َلتهم َف ِ
واك َه تلك أخذت ت ِ ارة بالس ِ
وء األم ِ
ْ ُّ ّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َسا َّد ًة ُأ ُذنَيها عن َصرخات
سم منرغم أن ق ً وح ،خادع ًة َ
نفسها بنفسها َ الر ِ
وهواتف ُّالقلب َ
سموم ًة و ُم ِضرةً. ِ
تلك الفواكه كانت َم ُ
ـي «أنَا ِعندَ احلديث ُ ِ
القدْ س ِّ
ِ وم َل ِ
بمثل ما جا َء يف الشقي قد ُع ِ
َّ
جل ِ الر َوهكذا َنرى أن هذا َّ
ومل هكذا ،وس ُيعا َمل مث َلها عر ُفني هو ،فلقد ُع ِ بدي مثلام َي ِ عامل َع ِ
َظن َعب ِدي بِي»( )1أي أنا ُأ ِ
ِّ ْ
شاهده أمرا عاديا بال َق ٍ كل ما ي ِ ِ ِ
صد وال ُ مثل هذه املعا َملة َجزا َء تَل ِّقيه َّ ُ أيضا ،بل البدَّ أن َيرى َ
ِ ب يف ِ الـخ ِ وء ظنِّه وبالهتِه َ الحق بعينِه ،وذلك لس ِ ِح ٍ
العذاب نار فصار يتق َّل ُ
َ رقاء، ُ كمة وكأنه ُّ
ني سنرجع ِ
تارك َ ِ ورناالكريم؛ ونحن بدَ ِ ِ ِ
العيش يموت لينجو وال ي ِ
قد ُر عىل يع أن ِ
َ َ َ َ وال َيستط ُ
ٍ
أحوال. ِ
اآلخر من جرى لألخِ يتلوى يف عذابِه لن ِ
ف ما َ َعر َ المشؤو َم َّ
ورا َءنا ذلك َ
( )1البخاري ،التوحيد 15،35؛ مسلم ،الذكر ،19 ،2التوبة 1؛ الرتمذي ،الزهد ،51الدعوات 131؛ ابن ماجه ،األدب .58
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 34
الـض َيق عاين ِّ يد ما ُ الرش ِ
قل ِ املبار ُك ذو ال َع ِ الر ُ
الطريق دون أن ُي َ َ قطع
يزال َي ُ جل َ فهذا َّ
بع ِ
نان أخذ ِ الخ ُل ِق -وال َي ُ
ال ُ اجلميلة -لِام له من َج ِ
ِ ِ
إل يف األشياء كأخيه ،ذلك ألنه ال ُيفك ُِّر ّ ِ
الصعوب َة واملش َّق َة كأخيه، ِ ِ ِ يف ،لذا َ اخليال ّإل بام هو مجِ ٌيل ِ ِ
كان َيستأن ُس بنفسه وال ُيالقي ُّ ولط ٌ
ويمض ِ َسه ُل له، ِ ُ ذلك ألنه َي ِ
األمور ت ُ
َ الوالء واالتِّباعِ ،فريى بمقتضَ ويعمل ف النظا َم، عر ُ
أزهار مجيل ٌةٌ وجدَ بستانًا فيه مض حتى َ قرار؛ وهكذا َ باألمان واالستِ ِِ نطلقا م ِ
ستظال ُ
حر ا م ِ
ُ ًّ ُ
ِ
النظافة. ِ
إمهال حيوانات وأشيا ُء منتِن ٌة م َبع َثر ٌة هنا وهناك بسبب
ٍ لطيفة وثم َة ُج َث ُث
ٌ وفواك ُه
ِ كان أخوه ِ
شاهدَ ة انش َغ َل ُ
بم َ غري أنه َ
قبل -يف مثل هذا البستان أيضا َ دخل -من ُالشق ُّي قد َ
يأخذ ِقس ًطا من
َ فغادره دون أن
َ وار، النظر فيها مما ْأشعره بال َغ َث ِ
يان والدُّ ِ َ ِ ِ
الج َيف امليتة وإنعا ِم
كل ٍ
يشء» فقد ِ
األحسن من ِّ دة «انظر إىل بقاع ِ
مل ِ األخ ف َع َ ِ
ملواصلة السري؛ أما هذا ُ ِ
الراحة
واكه ،وبعدَ ما ِ
األشياء وال َف ِ ِ
البستان من ف ومل ي ِ
لتف ْت إليها ُمطل ًقا ،بل استفا َد مما يف أه َل ِ
الج َي َ ْ
َ
استاح فيه الراح َة التّام َة مىض إىل ِ
سبيله. ّ َّ َ َ
وقلب
ُ روح الكافِرواآلخر ُُ لب الصالِح، ِ
وح املؤمن و َق ُ
ِ َ ِ
فاألخوان االثنان أحدُ مها ُر ُ
الش ُ
مال َف ُ
طريق ِ
واإليامن ،وأما ِّ ِ
القرآن مين من تَينِ َك ال َّطري َقني فهو َط ُ
ريق ِ
الفاسق؛ أما ال َي ُ
الطريق فهو احليا ُة االجتِ ِ
امع ُية املؤ َّق ُتة للمجتمع ِ ُ
البستان يف ُفران؛ وأما ذلك العصيان والك ِ
ِ
ِ
والطاه ُر ُ
واخلبيث ب وجد فيها َ ِ ِ
والشر والط ِّي ُ
ُّ الخ ُير البش ِّي واحلضارة اإلنسانية التي ُي َ َ
ِ قاع ِ فالعاقل هو من يعمل عىل ِ ِ وال َق ِذ ُر معا،
سالمة «خ ْذ ما َصفاَ ..د ْع ما كدَ ر» ف َي ُ
سيـر مع دة ُ َ َ َ
األرض؛ وأما ذلك الصحرا ُء فهي هذه الدنيا وهذه ِ ِ
واطمئنان ِ ِ
ُ الوجدان؛ وأما تلك َّ القلب
احلياة؛ وأما ذلك ِ وز ُ
مان ِ
اإلنسان َ البئر فهي َجسدُ األج ُل
واملوت؛ وأما تلك ُ ُ األسدُ فهو َ َ
تون سن ًة؛ وأما ِ
الغالب ،وهو معدَّ ُل ال ُع ُم ِر س َ ِ العم ِر ِ ِ ُ
البالغ ست َِّني ذراعا فهو إشار ٌة إىل ُ مق ال ُع ُ
ِ ِ ِ
واألبيض فهام
ُ تلك الشجر ُة فهي ُمد ُة ال ُع ُم ِر وما َّد ُة احلياة؛ وأما احليوانان االثنانْ ،
األس َو ُد
القبـر؛ ّإل أن اآلخرة الذي َف ُمهِ الربزخِ ِ
ور َو ُاق طريق َ ُ
الثعبان فهو ُ الليل والنهار؛ وأما ذلك ُ
ُ
ِ الس ِ للم ِ
البستان. جن إىل باب ُيفت َُح من ِّ
ؤمن ٌ ذلك ال َف َم هو ُ
كم للمؤمن يف ُح ِ ِ نيو ُيةّ ،إل أهنا ب الدُّ ِ ِ احلرشات ِ
املض ُة فهي املصائ ُ َّ ُ وأما تلك
مطعومات تلك ُ الرمحانية لئال َيغ ُف َل؛ وأما ِ ِ
وااللتفاتات ِ
احلـلوة ِ
اإلهلية ِ
اإليقاظات
ِ ِّعم األُ تكون فِ ِ
َ ِ ِ
خروية هر ًسا للن ِ الكريم لكي ُ الدنيو ُية التي َصنَعها ُّ
الرب ِّعم
الشجرة فهي الن ُ
الز ِ
بائ ِن إىل ِ البار ُئ احلكيم عىل ِ بمشاهبتِها هلا ،وقد َخ َلقها ِ
لدعوة َّ نامذج
َ هيئة ُ و ُمذ ِّكر ًة هباُ ،
آيةاملتباين َة إشار ٌة إىل ِِ الشجرة عىل َوحدَ ِتا ال َفواك َه املختلف َة ِ وإن إعطا َء تلكفواكه اجلن َِّةَّ ، ِ
نع ِّ األلوه ِية ذلك َّ ِ راء َسل َط ِنةاإلهلية و ُط ْغ ِ
ِ ِ الصمدانِ ِية َ الق ِ
كل «ص َ ألن ُ الربوبية وخ ِ
تم درة َّ ُ َ
لق مجي ِع واحدَ ، ٍ ٍ ِ ِ نع مجي ِع ٍ ٍ ٍ
وخ َ تراب وأثامرها من النباتات َشيء من َشيء واحد» أي ُص َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 38
ِ ِ واح ٍد،
ماء ِاحليوانات من ٍ
ِ
نع وإبداع مجي ِع األجهزة احليوانية من طعا ٍم بسيط؛ وكذا ُ
«ص ُ َ
مطعومات ُم ِتل ِ
فة ٍ سيط لذي ٍ
حياة من لد ب ٍعني ِ ٍ
حلم ُم ٍ ِ
كبناء ٍ كل ٍ ِ
الواحد من ِّ ِ
وج َ يشء» اليشء
ِ
للسلطان املخصوص واخلتم األحدية الص ِ
مدية ِ ِ
للذات اخلاص ُة ِ
األجناس ..إنام هي ُ
اآلية
ُ ُ َّ َّ
يمكن تقليدُ ها أبدا.
ُ وطغراؤه التي ال
ُ األبدي
ِّ األزيل
ِّ
شيء ،إنما هو ِ
خاصي ٌة تعو ُد إلى ٍ ٍ
شيء من وخلق ِّ
كل َ كل شيء ٍ
شيء من ِّ خلق
إن َ
نعمَّ ،
ٍ
شيء. كل ِ
للقادر على ِّ ٍ
شيء ،وعالم ٌة مخصوص ٌة ِ
خالق ِّ
كل
ِ ِ ِ
املفتاح
ُ اإليامن ،وأما ذلك بسـر
اخللق الذي ُيفت َُح ِّ حكمة وأما ذلك ال ِّط ْل َس ُم فهو ُّ
رس
انقالب َف ِم
ُ فهو ﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ و«يا اهلل» و«ال إله َّإل اهلل ،»..وأما
ِ ِ أن القرب هو ِسجن الو ِ باب الب ِ ِ
واإلمهال والنسيان حشة ُ َ َ رمز إىل َّ ستان فهو ٌ ذلك الثعبان إىل ِ ُ
باب ِ ِ ِ الض ِ
اللة وال ُّط ِ ِ ِ ِ والض ِيق ،فهو
ألهل اإليامن والقرآن ٌ غيان ،ولكنَّه ألهل َّ الثعبان كبطن ِّ
وض ِة يدان االمتِ ِ
البقاء ،ومن م ِ ِ ِ رصاع ِيه من ِس ِ فتوح عىل ِم
حان إىل َر َ َ بستان جن الدنيا إىل َ َم ٌ
ِ
الرمحن. احلياة إىل ر ِ
محة ِ نان ،ومن َز ِ
محة ِاجل ِ
َ
خاد ٍم ُمؤنِس فهو إشار ٌة إىل أن سخ ٍر وإىل ِ ٍ
حصان ُم َّ ِ
املفرتس إىل األس ِد
انقالب ذلك َ ُ وأما
ٍ
كاذبة إىل ٍ
دنيوية وخروج من َجن ٍّة األح ِبة،فراق أبدي أليم من مجي ِع ِ ِ
الـضالل ٌ املوت ألهل
َ
ٌ ٌّ ٌ
ِ
القرآن ِرحل ٌة ِ
وأهل ِ
اهلداية ِ
ألهل حيق ،بينام هو تيه َس ٍ وضياع يف ٍ رادي ِ حشة ِس ٍ ِ و ِ
للقبرٌ َ ، جن انف ٍّ َ
ِ القدامىِ ، ِ ِ ِ وو ِس ٌ
طنالو ِدخول َ وواسط ٌة إىل يلة إىل مالقاة األح َّبة واألصدقاء ُ َ اآلخ ِرَ ، إىل العامل َ
وانتظار
ٌ
اجل ِ
نان، ني ِ سجن الدنيا إىل َبساتِ ِ ِ األبدية ،ودعو ٌة كريم ٌة منِ ومنازل الس ِ
عادة َّ
ِ يقي
احلق ِّ
ِ
احلياة وإجاز ٌة من ِ ِ
تكاليف َرسيح من الر ِ الر ِ ِ ِ ِ
حيم ،وت ٌ محن َّ َفضال من َّللخدمات ت ُّ األجرة ألخذ
ِ
َّعليامت. ِ
وامتحانات الت ِ
َّعليم والت ِ
العبودية ِ
واجبات هاء من وإعالن االنتِ ِ
ُ وظي َفتها،
حقيقـ ًةفسيكون يف جهنَّم ِ
ُ َ َ عل احليا َة الفانِي َة ُمبتغا ُه كل من َي ُ ل من هذا كل ِّهَّ :
أن َّ َحص ُ
ن ُ
ِ
احلياة توجها إىل َّعيم؛ وأن َّ حبوح ِة الن ِ
كل من كان ُم ِّ َ َقلب ظاهرا يف َب ومعنًى ،حتى لو كان يت ُ
وأهل هلام معا حتَّى لو كانت ٌ ين ِ
بسعادة الدَّ َار ِ فائز
وإخالص فهو ٌ ٍ الباق ِية ويس َعى هلا بِجدٍّ
ِ
فيتحم ُلها
َّ انتظار جلنَّتِه،
ٍ وض ِّيق ًةّ ،إل أنه َسرياها ُحلو ًة ط ِّيب ًة ،أل َّن ُه ي ُعدُّ ها قاع َة دنياه َسيئ ًة َ
الص ِرب. ويشكُر ربه فيها وهو َي ُ ِ
امر َّوض غ َ َ ُ َّ
39 ��������� ����� �� �����
�� �
آ آ َّ َّ َ َّّ ُ َّ
يمان� ..مني.واإل ِ أهل السعاد ِة والسالم ِة والقر� ِن ِ الل اجعلنا من ِ
ُْ َ َ َ َ َ ْ ََ آ َّّ َّ َ ّ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ ُ َ َّ
يع ال ُروف ِ
ات ج ِ الل ص ِل َوس ِلم عل س ِي ِدنا مم ٍد َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه بِعد ِد ِ
ْ
ات ال َه َوا ِء َ َ َ َ َ ُّ َ ْ ُ َ َ ّ َ ْ َّ ْ َ ال ْ ُمتَ َش ّكَة ف َجيع الْ َ َ
ات المتم ِثل ِة بِإِذ ِن الرح ِن ِف مرايا تموج ِ كم ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّ َ آ َ َّ ُّ ُ ُ َ ّ آ ْ
ك َك َم ٍة ِم َن ال ُق َْ َ َ ُّ
ان،
ول إِل � ِخ ِر الزم ِ ئ ِمن أو ِل انلـز ِ ار
ِ ِ ٍ ق ك ن مِ نِ � ر ِ ِعند قِراء ِة ِ
َ َ َ َ َْ َ ْ ْ
ار َحْنَا َو َو َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ
أر َحم ك يَا ْ ات بِعد ِدها بِرح ِت الينا وارح ِم المؤ ِم ِنني والمؤ ِمن ِ ِِ َو ْ
ال َ ْم ُد َّلل َر ّب الْ َعالَم ََ آ َ َ ْ َّ
ني. ِ ِ احنيِ � ،مني و الر ِ ِ
ل��ل �ة � ت ا �ة � �
ا � ك�� �م� ا �ل�� ��س�ع�
�﷽
﴿ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ* ﭤﭥﭦﭧﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﴾ (الروم)18-17:
النكتة األوىل
جل وعال ِتا َهَقديسه َّ ظيم ُّ ِ
كر هلل تعاىل ،أي ت ُ والش ُ َّسبيح والت ْع ُ
الصالة هو الت ُ إن معنَى َّ
وعمال بقول« :اهللَ َعظيمه ِتا َه كاملِه َلف ًظا
َجالله َقوال وفعال بقول« :سبحان اهلل» ،وت ُ
ِ ِ
بقول« :احلمد هلل». ِ سم ِ ِ ِ أكبـر»ُ ،
كره جتا َه مجاله قل ًبا ولسانًا وج ً وش ُ
دت هذه فو ِج ْ بمثابة نُوى الص ِ
الة و ُب ُذ ِ ِ ِ أي َّ
ورهاُ ، َّ َ والتحميدَ هو َّكبيـر
َّسبيح والت َإن الت َ
ِ ِ كر ،وسم ِ ِ ِ جت بد َّق ِة ٍ سألة ِ
اخلواطر لتأثري الدقيقة نكت ًة
ُ ُ
املسألة يت نظر وإمعان ف ٍ ُ ِّ يفة ُأ ِ
خر ْ لط ٌ ُّكتة :هي َم ٌ
( )1الن ُ
ِ ِ
يف استنباطها ،التعريفات للجرجاين.
41 ��������� ����� �������
�� �
الطيبة ال َّث ُ
الث ُ الكلامت ُكر ُر هذه ِ ركات الص ِ ِ ال َّث ُ
الثة يف مجي ِع َح
ُ وأذكارها ،وهلـذا أيضا ت َّ الة َّ
ِ
َرسيخه ،إذ هبذه للتأكيد عىل معنَى الص ِ
الة وت ِ عقب الص ِ
الة؛ وذلك ثال ًثا وثالثِني مر ًة ِ
َّ َ َّ
زة المجملة يؤ َّكدُ معنى الص ِ
الة و َمغزاه َا. الكلامت املوج ِ
ِ
َّ ُ َ َ
النكتة الثانية
الحضرة اإلله ّي ِة؛
ِ جاب في ٍ
وبتقدير وإ ْع ٍ ٍ
خالصة ٍ
بمحبة العبادة هو سجود ِ
العبد ُ ُ
ِ إن معنى
َّ
َقصيره و َعجزَه ِ ِ ِ ِ بوبية وال ُق ِ
كمال الر ِ
ِ
والرحمة اإللهية ُمشاهدً ا في نفسه ت َ
الصمدانية َّدرة َّ
َ ُّ أما َم
وفقره.
َ
ِ ِ ِ
ب العبود ّي َة والطاع َة ،فإن ُقدسيتَها ونَـزاهتَها تت ُ
َطلب الربوبية تتَط َّل ُ
نعم ،كام أن سلطن َة ُّ
نقص ،وأنه م ٍ
تعال ٍ أي ِ
تقصريهَّ - ِ ِ أيضا أن ي ِ
ُ نـز ٌه عن ِّ
أن ر َّبه ُم ّ برؤية استغفاره علن ال َعبدُ -مع ُ
عل َن ِ
الكائنات ،أي أن ي ِ لة ،وأنه مقدَّ س من مجيع ِ
نقائص الباط ِ
ِ ِ
الضاللة ِ
أفكار أهل عىل مجي ِع
ْ ُ ُ ٌ
بتسبيحه بقوله« :سبحان اهلل». ِ ذلك ك َّله
َوكل عليها ُلرؤيتِه لتج َئ إليها ،ويت َ لة تَتط َّلب من ِ
العبد أيضا أن َي ِ ُ
ِ
الكام ُ وكذا ُقدر ُة الر ِ
بوبية َ ُّ
ِ ٍ ِ
َقدير واستحسان تا َه بإعجاب وت ٍ ٍ ِ
وعجز املخلوقات قائال «اهلل أكبر» َ نفسه الشديدَعف ِ َض َ
وخشوعٍ. بكل ُخضو ٍع ُ مدانيةِ ،
ماض ًيا إىل الركوع ِّ ِ الص عظمة آثار ُ ِ ِ
القدرة َّ
ِ اخلاص َة ظه َر العبدُ حاجاتِه َطلب أيضا أن ُي ِ الواس ُ بوبية ِ
محة الر ِ
وحاجات مجي ِع َّ عة تت ُ وكذا َر ُ ُّ
إحسان ر ِّبه وآال َءه ال َع ِميم َة ُّ
بالش ِ َ وأن ي ِ ِ بلسان الس ِ ِ ِ
كر عل َن ؤال والدُّ عاءُ ْ ، ُّ وفقرها املخلوقات َ
واحلمد بقوله «الحمد هلل». ِ ِ
والثناء
وألجل هذه املعاين ُف َ ِ
ِ ِ
الصال ُة
رضت َّ املعاين،
َ الصالة وأقوا َلها تت َّ
َضم ُن هذه إن َ
أفعال َّ أي َّ
ْ
من لدُ ن ُه سبحانَه وتعاىل.
النكتة الثالثة
ِ
للقرآن الفاحتة ِم ٌ
ثال ُم َّنو ٌر ِ مثال ُمص َّغ ٌر هلذا العامل الكبريَّ ،
وأن سور َة اإلنسان هو ٌ
َ كام َّ
أن
سامي ٌة ِ
تش ُري إىل ريطة ِ
وخ ٌ ِ
العباداتَ ، ٌ
شامل جلميع نوراين هر ٌسفالصال ُة كذلك فِ ِ ِ
ٌّ العظيمَّ ،
ِ
املخلوقات َجي ًعا. ِ
بادات أنامط ِع
ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 42
النكتة الرابعة
ناظر َ
اآلخ َر، والدقائق والس ِ
اعات واأليا َمٌّ ، إن عقارب الس ِ َّ
كل منها ُي ُ َّ َ اعة التي َت ُعدُّ الثواين َ َّ
ِ
اآلخر. كم
كل منها ُح َ أخذ ٌّ و ُيم ِّث ُل َ
اآلخ َر ،و َي ُ
النكتة اخلامسة
الح َ صات التي ت ِ عيف جدا ،ومع ذلك فام أكثر المن ِّغ ِ اإلنسان بفطرتِه َض ٌ
زن ُور ُثه ُ َ ُ َ إن
ِ قت ن ِ واألل؛ وهو يف الو ِ َ
قري جدا عاجز جدا ،مع أن أعدا َءه و َمصائ َبه كثري ٌة جدا؛ وهو َف ٌ ٌ َفسه َ
ٌ
ثقيلة عليه؛ تكاليف احلياة
َ اقتدار مع َّ
أن ٍ ول وبال مع أن َحاجاتِه كَثِري ٌة وشديدةٌ؛ وهو ك َُس ٌ
وزوال ما َيستأنِ ُس به ُيؤملانِه،َ أن َ
فراق ما ُي ُّبه بالكون مجيعا مع َِّ وإنسانِيتُه َجعلته َيرتبِ ُط
ِ سامي ًة وثامرا ِ
باقي ًة ،مع أن يدَ ه ِ ريه مقاصدَ ِ ِ
وع ُم َره قص ٌري ،و ُق َ
درتَه حمدُ ود ٌة قصريةٌُ ، ً وعق ُله ُي ََ
ربه َمدو ٌد.
وص َ
ِ قت ال َف ِاحلالة :في و ِِ ِ
-بالدعاء تكون إىل أن ت َ
َطرق ُ جر َأ ْح ُ
وج ما َ اإلنسان يف هذه فروح
ُ
ِ
حالا أما َمه ،سائل ًة
عارض ًة َ ِ
اجلاملِ ، حيم ذيالر ِ ِ ِ ِ
وباب َّ
َ اجلالل، القدير ذي باب
والصالةَ - َّ
َحم َل ما ِ ِ ٍ الر ِ َ
والعون منه سبحانَه؛ وما َأشدَّ
وح إىل نُقطة استناد كي تت َّ افتقار تلك ُّ
َ التوفيق
َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 44
ِ
النهار الذي َي ُ
عق ُبه.. ظائف يف عامل
َ كاه ِلها من َو أعامل ،وما ست ِ
َحم ُل عىل ِ ٍ سيأيت أما َمها من
فه ُم ذلك َبداه ًة؟
أال ُي َ
وال ،وهو الز ِ ِ
النهار وم َيالنُه إىل َّ الوقت الذي هو ِذرو ُة ِ
كامل ِ هر ذلك قت ال ُّظ ِ وعندَ و ِ
َ
ِ ِ احة مؤ َّق ٍتة من ع ِاست ٍ اليوم ّي ِة ،و َفرت ُة ِ
ِ ِ َأ َو ُ
حاجة املشاغ ِل ..وهو ُ
وقت ناء َ ُ األعامل ان تكا ُم ِل
قة املؤ َّق ُتة من واألشغال ِ
املره ُ ُ ُعط ِيه هذه الدنيا الفانِ ُية
واح مما ت ِ
واالست ِ ِ سالروح إىل التن ُّف ِ
ِ
ِ
اإلهلية. ِ
اآلالء أوان ت ِ
َظاهر راب فضال عن أنه ُ واض ِط ٍ فلة وح ٍ َغ ٍ
يرة ْ َ
فلة والـح ِ
رية، وانساللا من تلك ال َغ ُِ قات،اإلنسان من تلك املضاي ِ ِ خالص ُر ِ
وح َف
َ َ ُ
بااللتجاء إىل باب القيو ِم ِ
الباقي ِ يكون ّإل
ُ ِ
الزائلة ،ال ِ
التافهة ِ
األمور روجها من تلك ُ
ُّ وخ ُ
لمجمو ِع ِ مكتوف اليدَ ِ والتوس ِل أما َمه بالتض ِع -وهو ِ
شاكرا حامدً ا َ ً ين َ ُّ احلقيقيَ -
ُّ املنع ُم
الذ ِّل وإع ِ
الن ُّ بالركوعِْ ، ِ جز أما َم جاللِه ِ
إظهار ال َع ِ نِ ِ
وعظمته ُّ َ عمهُ ،مستَعينًا به َوحدَ ه ،مع
يزول ،وأما َم مجالِه بالسجود أما َم كاملِه الذي ال ُ ِ وهيا ٍم-َعظيم ُ -بإعجاب وت ٍ ٍ واخلضو ِع
ِ ِ
درها ،وما ألذها ،وما َأ ْج َ أجملها ،وما َّ الظهر ،فام َ صالة الذي ال حيول ..وهذا هو أدا ُء
فهم هذا.
نفسه إنسانًا إن كان ال َي ُ ُ
اإلنسان َ بن
حس ّ رورهتا! ومن َث َّم فال َي َ أعظم َض َ َ
ِ
للشيخوخة، ِ
املحزنة ِ
وباحلالة ِ
للخريف، ِ
احلزين ِ
باملوس ِم رص الذي ُيذك ُِّر وعند ِ
وقت ال َع ِ
ِ
صول وم ّي ِة ،فهو َفرت ُة ُح َتائ ِج األعامل الي ِ
َ
ظهور ن ِ
ِ قت مان ،وبو ِ
َ
الز ِ األليمة ِ
آلخر َّ ِ وباأليا ِم
ٍ حة والتنَ ُّع ِم بالعافِ ِية ،والقيا ِم
أمثال التَّم ُّت ِع بالص ِ
ِ ِ ِ
اهلائل للن ِ
بخدمات ِّ اإلهلية، ِّعم املجمو ِع ال ُكيلِّ
زول ،وهو بال كل ٍ
يشء َي ُ أمور ،وبأن َّ َ ِ َط ٍ
يف َم ٌ اإلنسان َض ٌ اإلعالن بأن قت
يبة؛ وهو كذلك َو ُ
ِ
األفول. الـض ِ
خمة إىل مس َّ الش ِانحنا ُء َّ إليه ِ
رار ،وذلك بام يشري ِ ثبات وال َق ٍ ٍ
ُ ُ
ِ ِ
واألبد، للبقاء قت َنشدُ األبد ّي َة واخللود ،وهي التي ُخ ِل ْ روح اإلنسان التي ت ُ إن َنعم َّ
رص و ُي َ
سبغ قت ال َع ِ اإلنسان لِيقو َم َو َ
ِ َنه ُض هبذا ِ
الفراق ،ت َ اإلحسان ،وتَتأ َّل ُ
ـم من َ َ
وتعش ُق
القديم الباقي الصمدانِ ّي ِة، ِ تضـرعا أما َم ِ ِ ِ
َ باب احلرضة َّ ناجي ُم ِّ
الوضو َء ألداء صالة ال َعرص ،ل ُي َ ُ
كر واحلمدَ عىل ِ ِ ِ
لتج َئ إىل فضل رمحته الواسعة األبدية ،ول ُيقدِّ َم ُّ دي ،ول َي ِ
الش َ والق ُّيو َم الرس َم َّ
وخضو ٍع أمام ِع َّز ِة ربوبيتِه سبحانَه وي ِوي إىل الس ِ ِ ِ
جود ُّ َ ُ َّ َ بكل ُذ ٍّل ُ نعمه التي ال ُت َصَ ،ف َ
ريكع ِّ
لوان احلقيقي والراح َة التام َة لر ِ الس َ ِ ِ ِ ٍ بِ ِّ
وحه ُ َّ َّ َواض ٍع و َفناء أما َم َسمدية ألوه ّيته ،وجيدَ ُّ كل ت ُ
45 ��������� ����� �������
�� �
ٍ
وظيفة ِ
كربيائه جل وعال ..فام أسامها من كام ٍل أمام َع ِ
ظمة عداد ِ
تامة وباستِ ٍ
بِو ُقوفِه بِعبودي ٍة ٍ
َ ُ ّ ُ
ين ِ
قت لقضاء َد ِدمة! بل ما أح َّقه من و ٍ
صالة العرص هبذا املعنى! وما أليقها من ِخ ٍ ِ ت ُ
َأدية
َ َ ُ َ
ِ ظمه من َف ٍ ِ ِ
للسعا َدة يف منتهى اللذة! فمن كان إنسانا حقا َف َ
سيفه ُم هذا. وز َّ الفطرة ،وما َأ ْع َ
يف اجلميلة لعامل الص ِ ِ املخلوقات ال َّل ِط ِ
يفة ِ ِ
بوقت ُغ ِ
روب املغرب الذي ُيذك ُِّر ِ وعند و ِ
قت
َّ َ
اإلنسان القبر عند وفاتهِ ِ ِ ِ
احلزين عندَ ابتداء الشتاء ،و ُيذكِّر بوقت ُد ِ
خول ِ ِ ِ ِ ِ
واخلريف يف َوداعها
َ
ساكنيها َجي ًعا إىل قال ِ كراتا وانتِ ِ وبوفاة الدنيا ك ِّلها َبز َلز ِلة س ِ ِ أح َّبتِه،األليم جلميع ِ ِ وفراقهِ
َ
قوي ٍ دار االمتِ ِ مصباح ِ ِ ِ ِ
قت إيقاظ ٍّ حان هذه ،فهو َو ُ بانطفاء أخرى ،و ُيذكِّر كذلك ـم َ َعوال َ
ِ
الزوال. َغر ُب ورا َء أ ُف ِق ِ ِ عشق َ ِ ألولئك الذين َي ُ َ وإنذار َش ٍ
ٍ
ون لحدِّ العبادة املحبوبات التي ت ُ ديد
ِ
اجلامل ِ
جتليات مل ُك روحا صافي ًة كاملرآة املج ُل َّوة املشتا َق ِة فِطر ًة إىل فاإلنسان الذي ي ِ ُ لذا
َ
عرش َع ِ ِ ِ أداء ص ِ الباقي ،ألجل ِ ِ
ظمة َمن هو جهه إىل املغرب يف مثل هذا الوقتُ ،ي َو ِّلي َو َ الة َ
باق ال يزال ،ومن يدبر أمر هذه العوالِ ِ ِ ِ قديم مل يزل ،ومن هو ٍ
دوي ـم اجلسيمة و ُيبدِّ ُلا ،ف ُي ِّ َ َ ُ ِّ ُ َ ٌ
طلقا يدَ ه منهاَ ،مكتو ًفا يف ِ
وس هذه املخلوقات الفانية ،م ِِ رؤ ِ فوق ُ بصوته قائال« :اهلل أكبر» َ ِ
ُ
وعال.. جل َ نتص ًبا قائام عند من هو دائم ٍ
باق َّ احلق م ِ ِ ِ
ٌ َ خدمة موال ُه ِّ ُ
واق ًفا مثيل لهِ ، َقص فيه ،وأما َم مجالِه الذي ال َ ِ ُ
فيقول« :الحمد هلل» أما َم كامله الذي ال ن َ
الواس ِ
عة.. ِ أما َمه ُمثنِ ًيا عىل رمحتِه
بود ّيتَه واستِعانتَه جتا َه ربوب ّي ِة عر َض ُع ِ فيقول ﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ ل َي ِ ُ
زير هلا. ِ ني هلا وجتا َه ألوهيتِه التي ال َش َ
مواله التي ال ُم ِع َ
يك هلا ،وجتا َه َسلطنته التي ال َو َ
كربيائه سبحانَه التي ال ِ ِ
الكائنات مجيعا أما َم قره مع وض ِ
عفه و َف ِ ِ
لعجزه َ إظهارا كع
ً َفي ُ
العظيم
َ جز فيهاُ ،مس ِّبحا ر َّبه درتِه التي ال حدَّ هلا ،وأما َم ِع ّزتِه التي ال َع َ
منتهى هلا ،وأما َم ُق َ
زول ،وأما َم مجال ذاتِه الذي ال َي ُ السجود أمام ِ ِ قائال« :سبحان ربي العظيم» ..ثم َي ِوي إىل
بوديتَه وع ِعلنًا بذلك ُح َّبه ُ كامل رسمديتِه الذي ال يتبدَّ ُل ،م ِ املقدسة التي ال تتَغي ،وأمام ِِ صفاتِه
ُ َ َ َ ُّ
وفناء و ُذ ٍّل ،تاركا ما ِسواه سبحانه قائال« :سبحان ربي األعلى» واجدا مجيال باق ًيا ٍ ٍ
إعجاب يف
ِ
التقصري.. رب َأ من ِ فان؛ َفيقدِّ ُس ر َّبه األعىل َّ كل ٍ
حيم رس َمد ًيا بدال من ِّ
املنـز َه عن الزوال امل ّ ور ً َ
ِ
املخلوقات َهدي ًة ِ
الطيبات جلميع املباركات والص ِ
لوات ِ ِ
التحيات َّشهد ،ف ُيقدِّ ُم
َّ وجيلس للت ُّ
ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 46
اجلليل الذي ال يزال ..جمددا َبيعتَه مع َرسولِه ِ اجلميل الذي مل يزل وإىل ذلك ِ باسمه إىل ذلك ِ
ِ
الكائنات احلكيم لقرص ألوامره ..فريى االنتظا َم ِ األكر ِم بالسالم عليه ُمظهرا هبا طاعتَه
َ
ُبو ِة شهدُ عىل ن َّ شهدُ ه عىل َوحدانية الصانع ذي اجلالل ،ف ُيجدِّ ُد إيامنَه و ُي ِّنو ُره ،ثم َي َ
ِ ِ هذا ،و ُي ِ
يب ﷺ. آيات ِ ان ِ َرج ِ رض ِ د ّل ِل الربوبية ومب ِّل ِغ م ِ
كتاب الكون الكبري أال وهو حممدٌ العر ُّ ياتا وت ُ ُ َ َ
املضمون -وما ِ مهمة -هبذا ٍ صالة املغرب! وما أج َّلها من ِ أنـزه أدا َء ألطف وما َ َ فام
أصيلة! قيقة ِبود ٍية ،وما أعظمها من ح ٍ وألذها من ُع ِ أجملها َّ ٍ
َ َ أعزها وأحالها من َوظيفة ،وما َ َّ
وهكذا نَرى كيف أهنا صحب ٌة كريم ٌة وجلس ٌة مبارك ٌة وسعاد ٌة خالد ٌة يف مثل هذه الـضيافةِ
َ َ َ ُ َ ُ َ
ِ
نفسه إنسانًا؟! هم هذا َ أفيحسب َمن مل ي َف ْ َ الفانية..
الباق ُية من ِ
آثار البقية ِ ُ األفق حتى َ
تلك ِ تغيب يف الوقت الذي ِ شاء ذلك الع ِ قت ِ وعند و ِ
ُ َ
والنهار» ِ ِ
الليل ب ِ ِ
الليل فيه عىل العامل ،ف ُي َذك ُِّر بالترصفات الربانية لـ« ُمق ِّل ِ النهار ،و ُيخ ِّي ُم ُ ِ
السـوداء؛ و ُيذكِّر ِ وهو القدير ذو اجلالل يف َقلبِه تلك الصحيف َة البيضاء إىل هذه الص ِح ِ
ـيفة َّ َ َّ ُ
احلكيم ذو الكامل يف َقلبِه مر» وهو الشمس وال َق ِ ِ سخ ِر ِ
كـذلك باإلجراءات اإللـهية لـ« ُم ِّ ِ
ُ
ِ البار ِ البيضاء ِ ِ ِ ِ المز َّين َة
للشتاء؛ و ُيذك ُِّر كذلك دة الصحيفة للصيف إىل الصحيف َة اخلرضا َء َ
الباقية -بمرور الزمن -ألهل ِ ِ
اآلثار بانقطا ِع واحلياة» ِِ ِ
املوت ِ
لـ«خالق بالشؤون اإلهلية ِ
عالٍ َ
آخ َر. وانتقالم ك ّل ًيا إىل َ ِ القبور من هذه الدنيا ِ
لتج َئ بالصالة إىل باب َمن هو املعبو ُد الذي مل يزل ﴿ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (األنعام ،)76 :ف َي ِ
ِ
الفانية ،ويف الرسمدي يف هذه الدنيا الباقي ناج ًيا ذلكاملحبوب الذي ال يزال ،م ِ و َمن هو
َّ َ ُ ُ
النور ِ املظلمة واملسـت ِ ِ ِ هذا العامل الفانِـي ،ويف هذه
نش عىل أرجاء ُدنياه َ َقبل املظلم ،ل َي ُ احلياة
ِ ٍ ٍ ِ ٍ ٍ
والفراق ِ
الزوال ضمد ِج َ
راح من خالل ُصحبة خاطفة و ُمناجاة َمؤ ّقتة ،ول ُي ِّنو َر ُمستَقب َله و ُي ِّ
دة تَوج ِه ر ِوأحباب ،بمشاه ِ ٍ عام يـحبه من أشياء وموج ٍ
محة ُّ َ ٍ ُ َ أشخاص وأصدقا َء ودات ومن َ َ ُ ُ ُّ
نور هدايتِه.لب ِ الرمحن الرحيم ،و َط ِ
العشاء ،فيسكُب َع ِ
ربات ِ نسى -بدوره -تلك الدنيا التي ن َِس َيتْه ،والتي ْ
اخت َف ْت ورا َء
ُ َ ف َي َ
ِ
الدخول النهائ ّي ِة َ
قبل ِ بوظيفة عبوديتِه
ِ ِ
الرمحة ،ليقو َم باب تلكدره ،عىل َعت َِبة ِ قلبِه ،ولوع َة َص ِ
فت بيه باملوت ،ول َيختِ َم َد َ فعل به بعدَ ه ،من نَو ٍم َش ٍف ما ُي ُ عر ُالعاق ِبة ،وال َي ِ
ِ ُ
جمهول فيام هو
ِ
اخلامتة. بح ِ
سن ِ ِ ِ
أعامله ال َيومية ُ
املحبوب ِ
باملثول أمام َمن هو املعبو ُد ف
ترش ُ ِ وألجل ذلك ك ِّله
ُ الصالة ،ف َي َّ يقوم بأداء َُّ
الكريم بدال من مجيع القدير ب قائام أمام َمن هو ِ ِ ِ
ُ ُ الباقي بدال من املحبوبات الفانية ،و َينتص ُ
ينج َو منِ ُ العجزة الذين يتسو ُل لدهيم ،ولِيسمو باملثول يف ح ِ ِ
حيم ل ُ الر ُاحلفيظ َّ رضة َمن هو َ َُ َّ
الـض ِ
ارة. ِ
املخلوقات َّ رتعدُ منهم من رش من ي ِ
َ ِّ
ِ ِ
الرحيم الذي هوِ ِ
الكريم لرب العاملنيباملدح والثناء ِّ ِ بالفاحتة ،أي ف َيست َِه ُّل َّ
الصال َة
وغ ِري ج ٍ ِ ٍ
ديرة باملدح دح خملوقات ال طائ َل ورا َءها َ َ املطلق ،بدال من َم ِ ُ والغني
ُّ املطلق
ُ ُ
الكامل
المن َِّة واأل َذى. حتت ُذ ِّل ِ ِ َاقص ٌة ِ وهي ن ِ
وفقري ٌة وبدال من البقاء َ
ِ ِ ِ الض ِ
الكريم يف هذا الكون ،وإىل َمقا ِم املو َّظف املرموق فيه َر َ
غم أنه ِ يف فري َقى إىل مقا ِم َّ
مرتبة خطاب ﴿ ﭢ ﭣ ﴾ ِ
أي ِ موه إىل ٌ
بس ِّعدوم ،وذلك ُ
ٌ غيـر بل هو َم وص ٌضئيل َ
ولسلطان األزل واألبد ،ف ُيقدِّ ُم بقوله ﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ ِ ينانتسابِه ملالك يوم الدِّ ِ
ِ
املخلوقات ِ
األعظم جلميع ِ
اجلامعة الكربى واملجتم ِع ِ
واستعانات ِ
بادات ﭥ﴾ ِع
ِ ِ ِ
املوص ُل إىل ُ ِ
األبدية َعرب السعادة الم َّنو ُر
طريقه ُ ِ
املستقيم الذي هو اط طال ًبا اهلداي َة إىل الصِّ
املستقبل بقوله﴿ :ﭧﭨ ﭩ ﴾. ِ ِ
ظلامت
الشموس املستَرت َة -التي هي ِ
كربيائه ُسبحانَه وتعاىل ويتأ َّم ُل يف أن هذه و َيتفك َُّر يف
َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 48
مس ّخر ٌة ِ
ألمره َج َّل ِ ِ ِ ِ
كالنباتات واحليوانات النائمة اآلن -وهذه النُّجو َم املنتَبه َةُ ،جنو ٌد مطيع ٌة َ
واحد منها ِ
خاد ٌم ٍ صباح يف دار ِضيافتِه هذهَّ ،
وكل واحد منها ما هو إال ِم ٍ كلوعال ،وأن َّ
ٌ
الركوع. ِ
عامل ..ف ُيك ِّب ُـر قائال« :اهلل أكبر» ل َيب ُل َغ
َ
سنة، كل ٍ ِ
املوجودات يف ِّ أنواع أن املخلوقات كيف َّ ِ بالسجدة الكربى جلميع ِ ثم َيتأ ّم ُل
َ
ِ ِ ِ
نفسها وحتى العامل َ األرض َ َ الليل -بل حتى النائمة يف هذا -كاملخلوقات ويف كل َعرص
املخلوقات من َوظيفتِها ُ ِ
ك َّله ،إنام هو كاجليش املن َّظ ِم ،بل كاجلند ِّي املطيعِ ،وعندما ت َّ
ُسر ُح
ِ
نتهى النِّظا ِم َسجدُ يف ُم َ الغيب ت ُ ِ ُرسل إىل عامل الدُّ نيوية بأمر ﴿ :ﯠﯡ ﴾ أي عندما ت َ
ُحش ُـر كذلك يف الربيع الغروب ُمك ِّبرةً« :اهلل أكبر» ،وهي تُب َع ُث وت َ ِ الزوال عىل س ِ
جادة ِ يف
َ
اجلميع ب أمر ﴿ ﯠﯡ ﴾ َف َ ادر من ِ ٍ
وإيقاظ َص ٍ ٍ مثلها ،بص ِ بنفسها أو بِ ِ ِ
ُ يتأ ّه ُ إحياء يحة َ
ِ
املخلوقات، عيف اقتدا ًء بتلك الـض ُ اإلنسان َّ ُ احلق ..فهذا موالهم ِّ وخشو ٍع ألمر يف ُخضو ٍع ُ
ُ
ِ ِ ِ ِ
حيم ذي اجلامل قائال« :اهلل أكبر» يف والر ِ السجود أمام ديوان الرمحن ذي الكامل َّ َي ِوي إىل ُّ
بالبقاء ويف ُذ ٍّل مك َّل ٍل ِ
بالع ِّز. ِ باإلعجاب ويف َفنائي ٍة مفع ٍ
مة ِ ب ٍ
غامر
ُ ّ ُ َ ُح ٍّ
املعراج، وصعو ٌد فيام ُيشبِه ِ ِ ِ مت َّ شك يا أخي أنَّك قد ِ فال َّ
َ أن أدا َء صالة العشاء ُس ُم ٌّو ُ فه َ
وألذها أعزها َّ دمة! وما َّ واجب! وما أسامها من ِخ ٍ ٍ وظيفة! وما أحالها من ٍ أجملها من
ْ وما َ
أص ٍ
يلة! ٍ
حقيقة ِ بود ّي ٍة! وما أل َي َقها من من ُع ِ
ٍ
إلجراءات وأمارات ٍ
عظيم، زمني النق ٍ إشارات ِ ِ كل ٍ إن َّ أي َّ
ٌ الب ٍّ ٌ األوقات وقت من هذه ْ
الفرض -التي هي ِ كلية ..لذا فإن ختصيص ص ِ
الة إهلية ٍ
ْعامات ٍ ٍ وعالمات إلن
ٌ ربانية ج ٍ
سيمة، ٍ
َ َ َ
كمة. األوقات هو منتهى احلِ ِ ِ الفطرة -يف تلك ِ ين َد ُ
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
َ َ ْ َ َ ّ َ ّ َّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ َ ْ ْ
أر َسلتَ ُه ُم َع ِلما ِل ِعبَا ِدكِ ،لُ َع ِل َم ُهم كي ِف َّية َمع ِرفتك الل ص ِل وس ِلم عل من
َ َ َ َ ًآ رجانا ليَات كتَآ كَ ،وتَ ُ َ ْ َ َ كنُُ َ ْ ُ ُ َّ َ َ
كَ ،و ُم َع ّ
اب كئِناتِك ،و ِمر�ة ِ ِ ِ ِ ِ ئ ام أس وز
ِ ب
ِ ِفار والعبو ِدية ل
ْ َْ َ َ ْ ََْ َ َ
ارحم ال ُم ْؤمن َ َ َ ْ آ ُ َّ َ َ َ َ ََ ُ ُ َّ
ني ِِ ال ُربوبِي ِتك ،وعل � ِ ِل وصح ِب ِه أج ِعني؛ وارحنا و ِ بِعبو ِدي ِت ِه ِلم ِ
اح َ أر َح َم َّ
ك يَا ْ آ َ َ َْ َ َ ُْْ َ
ني. الر ِ ِ اتِ � ..مني بِرح ِت والمؤ ِمن ِ
�
ل���ل �ة ا ��� ا ش ة
�
ا � ك� �م� لع� ���ر�
�شح� ث� ا �ل
ح���ر �م ب�����
ِ ٍ ورة ِح
والتمثيل بص ِ إن سبب ِ
الرسائل هو كايات يف هذه َ ُ إيرادي التشبي َه تنبيهَ َ َّ :
احلقائق اإلسالم َّي ِة
ِ وإظهار مدَ ى معقول َّي ِة
ُ
ٍ
ناحية، ِ
األذهان من تقريب املعاين إىل
ُ
ِ ِ ٍ ِ
فمغزى احلكايات إنام هو الحقائ ُق َ ومدَ ى تَناسبِها ورصانتها من ناحية َ
أخرى،
ٍ
حكايات خيالي ًة وإنام تدل عليها كناي ًة؛ فهي إذن ليست التي تنت َِهي إليها ،والتي ُّ
قة. قائق ِ
صاد ٌ َح ُ
�﷽
﴿ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم.)50:
الصورة األوىل
يعني
للمط َِ ثواب َ ِ ٍ ِ
يكون فيها ٌ ظمى ،أن اللسلطنة ،والس َّيام كهذه السلطنة ال ُع َ
أم َن املمكن َ
كم املعدو ِم يف هذه ِ
الدارَ ،فالبدَّ إذن والثواب يف ُح ِ العقاب للعاصني؟ ..وملا َ
كان ِ قاب ِ
ُ ُ وال ع ٌ
ربى يف ٍ ٍ
خرى. دار ُأ َ من محكمة ك َ
الصورة الثانية
ِ واإلجراءات يف ِ
ِ ِ
رغدً ا حتى عىل الرزق َ ُ وز ُعاململكة ،كيف ُي َّ هذه األحداث سريتأ َّم ْل َ
دائ ٌ أن الرعاي َة تام ٌة واملواسا َة ِ ِ ٍ ِ
املرض الذين مة جلميع َ وأفقره ،وكيف َّ ِّ َ كائن فيها أضعف
عة واملالبِس مة املرص ِ واألوس ِ
ِ رة واألواين اجل ِ
ميلة الفاخ ِ
ِ ِ
األطعمة عيل هلم؛ وان ُظر إىل ال ُم َ
َّ َ
ِ
واجباتم الجميع ُي ِتق َ
نون ُ مكان ..وانظر!ٍ مبثوثة يف ِّ
كل ٌ ِ
العامر ُة َشة ..فاملوائدُ املزرك ِ
ٍ َجاوز أحدٌ حدَّ ه َقيدَ ُأنم ٍ ِ
شخص فأعظم
ُ لة، ْ ُ أنت وأمثا َلك من ال ُبلهاء ،فال يت ُ إل َ ووظائ َفهم ّ
يبة والر ِ
هبة.. جالل اهل ِ ِ ظ ِّل حتت ِالطاع ِةَ ،
َ ب بك ُِّل تواضعٍ ،ويف ِ
غاية واج ٍ نيط به من ِ ُيؤ ِّدي ما ُأ َ
َّ َ
ٍ
شاخمة ،وذو عز ٍة واسعة ،وذو َّ رمحة ِ
ظيم ،وذو ٍ ِ
السلطنة و َمليكُها ذو كر ٍم َع ٍ إذن فمالِ ُك هذه
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 52
ب إنعا ًما ،والرمح َة ال أن الكرم يست ِ ٍ ٍ ِ ٍ ٍ
َوج ُ َغ َرية جليلة ظاهرة ،وذو َشف َسا ٍم ،ومن املعلو ِم َّ َ َ
ني، َدعي تأديب املست ِ
َخ ِّف َ والرشف السامي يست ِ
َ ٍ
إحسان ،والعز َة تَقتَيض ال َغريةَ، تكون َ
دون ُ
َ َ َ
ِ
الرشف؛ الرمحة وال بذلك ِ ليق بتلك اململكة جزء واحدٌ من ٍ
ألف مما َي ُ ِ تحقق يف هذه
بينام ال َي ُ
ٌ
ؤج ٌ ِ ويرحل املظلوم يف ُذ ِّله ُ ِ
ُ وجربوتِه ِ َفي ُ
لة إىل وخنوعه ..فالقض َّي ُة إذن ُم َّ ُ حل الظامل يف عزته َ
ربى. ٍ
حمكمة ك َ
الصورة الثالثة
كمة فائ َق ٍة وبانتِظا ٍم بديع ،وتأ ّمل كيف ُين َظ ُر إىل بح ٍ
األعامل هنا ِ ُ ُنج ُز
كيف ت َ َ ان ُظر،
احلكومة وفِطنتَها
ِ أن حكم َة ٍ
صائب ..ومن املعلوم َّ ٍ
وميزان دالة ح َّق ٍة
بمنظار َع ٍ
ِ ِ
املعامالت
ِ ب ِرعا َي َة اللطف بالذين حيت َ ِ
حقوق َكريم ُهم ،والعدال َة املحض َة تتط َّل ُ
امها وت َ َمون بح َ َ تستدعي
ضئ ٌيل من ت ِ
َنفيذ إل جزء ِ غري أنه ال يبدُ و هنا ّ ِ ُ ِ ُصان َه ُ ِ
الرعية ،لت َ
ٌ وعظمة الدولةَ .. احلكومة يبة
ون هذه اململك َة دون أن الغافلني ي ِ
غاد ُر َ احلكمة ،وبتلك الع ِ
دالة؛ فأمثا ُلك من ِ يليق بتلك ما ُ
َ ُ َ
ٍ ؤجل ٌة بال ٍ ُ
ريب إىل حمكمة ُك َ
ربى. فالقضية إذن ُم ّ َي َرى أغل ُبهم عقا ًبا..
الصورة الرابعة
ِ ِ النادرة املعر ِ ِ ِ
واألطعمة املعارض، وضة يف هذه ُ اجلواهر حيص منان ُظر إىل ما ال ُيعدُّ وال َ
حمدود،ٍ غري ِ ِ المز َّي ِنة هبا املوائدُ ،مما ُي ِرب ُز لنا َّ َِ الفريدَ ِة
أن لسلطان هذه اململكة َسخا ًء َ اللذيذة ُ
ِ
اخلزائن التي ال تَن َفدُ ، الدائمُ ،
ومثل هذه ِ مثل هذا الس ِ
خاء ولكن ُ ب..
َّ ْ َنض ُ وخزائن مآلى ال ت َُ
ِ ِ ِ ٍ ٍ ِ
دار ضيافة خالدة أبد َّية ،فيها ما تَشتَهيه األن ُف ُس؛ و َيقتضيان كذلك ُخلو َد حتم َ يتَط َّلبان ً
ُ أن َ ِ
والزوال؛ إذ كام َّ ِ ِّ ِ املتن ِّع ِمني
فزوال زوال األمل لذ ٌة الفـراق ين فيها ،لئال َيذو ُقوا َ
ألم املتـلذذ َ
أص ِغ جيدا ِ اللذة أمل ٌ كذلك ..فانظر إىل هـذه املعارض ،ود ِّق ِق ِ
النظر يف تلك اإلعالنــاتَ ،و ْ َ
ِ
املعجزات- ِ
السـلطان -ذي ِ
صنوعـات ب َم ِ ِ
املنادين الدعـاة الذين ُيشكِّلون َعجائ َ َ إىل هؤالء
نظري له ،و َيذكُرون ِ ِ ِ علنون عنها ،و ُي ِ وي ِ
ظهرون كامله ،و ُيفص ُحون عن مجاله املعنو ِّي الذي ال َ ُ
لطائف ُحسنِه املستَتِ ِ
ـر. َ
53 ��
���� ��������� ���� ������ �� ���� ������� �� -
�� �
َّ
والشك ِ
اإلعجاب؛ زاهر ،ي ِ
بعثان عىل ِ ٌ كامل ِ السلطان إذن ٌ ِ
معنوي ٌ َ ٌّ ومجال باه ٌر، فلهذا
املعجبِ َ
ني ِ
األشهاد من ِ
رؤوس نقص فيه َيقت َِض إعالنَه عىل ِ َ َّ
َ َت الذي ال َ الكامل املست َ أن
نظري
اخلفي الذي ال َ ُّ ُ
اجلامل ين لقيمتِه؛ أ ّما
المقدِّ ِر َ ِ
أنظار ُ ب إعالنَه أما َم نني ،ويتَط َّل َُحس َ املست ِ
جه ِ ِ له ،ف َي ِ
ني: واإلظهار ،أيُ :رؤي َة مجاله َبو َ
َ الرؤي َة
ستلزم ُّ
اجلامل من املرايا املخت ِ
َ كل ما ي ِ
َلفة. عك ُس هذا أحدُ مها :رؤيتُه بذاته جما َله يف ِّ َ
َ
اجلامل واملعجبِني املستحسنِني له ،وهذا يعني َّ
أن َ
ِ
املشتاقني ين ِ
ثانيهام :رؤيتُه بنظر املشاهد َ
يتطلب حتام ُخلو َد دي ..وهذا ٍ ٍ ٍ اخلالدَ يستدعي ُرؤي ًة
ُ شاهدة دائمة ،وشهود أ َب ٍّ وظهورا ،مع ُم َ ً
باملشتاق ِ
الزائ ِل، ِ يرض
اجلامل اخلالدَ ال َ َ اجلاملَّ ،
ألن ِ رين لذلك ِ ِ
المقدِّ َ املشاهدين املشتاقني ُ
مح َّبتَه عدا ًء ،وإعجا َبه استِخفا ًفا، ِ
الزوال َ َصو ُر ِ
بالزوال ُيبدِّ ُل ت ُّ شاهدَ المحكو َم عليه وألن الم ِ
َّ ُ
ِ يقص ُر عنه ..ومل َّا كان اإلنسان عدو ملا ُ ِ
ور اجلميع يغادرون َد َ
ُ جيهل ول َا ُ ٌّ ُ وتوقيره إهان ًة ،إذ
َ
ون ِ ِ ِ ٍ ِ
الضيافة هذه برسعة و َيغي ُبون عنها بال ارتواء من نور ذلك اجلامل والكامل ،بل قد ال َير َ ٍ ِ
دائم َخ ٍ
شه ٍد ٍ حلة إذن م ِ
نطل ٌ فالر ُ ٍ ٍ ِ ّ ِ
الد. قة إىل َم َ ُ ب ملحات َسيعةِّ .. إل ظالال خافت ًة منه َع ْ َ
الصورة اخلامسة
ضم هذه ِ َظري له رأف ًة عظيم ًة تت َّ ِ كيف َّ
َجل يف خ ِّ أن هلذا السلطان الذي ال ن َ َ تأ َّمل..
َجري ،وإذا ما رأى للداعي املست ِ ِ ويستجيب َ
املستغيث، امللهوف
َ غيث ِ
واألمور ،إذ ُي ُ ِ
األحداث
ُ
رس ُل دوا ًء أو قة ،حتى إنه ي ِ وش َف ٍرأفة َ قضيها بكل ٍ فرد من رعاياه فإنه ي ِ ألبسط ٍِ ٍ
حاجة أدنَى
ُ َ ُ
َعجة من الن ِ
ِّعاج. إلسعاف قدَ ِم ن ٍِ ُي ِّي ُئ َبيطارا
ِ
الناس، غفريا من حيث ت َُض ُّم مج ًعا ُ ِ
اجلزيرة، ب معا إىل تلك
ً َذه َه َّيا بنا يا صاحبي لن َ
ِ
للسلطان ُمتق ِّلدٌ كريم اململكة جمتَم ُعون فيها ..انظر ..فها هو ذا َمب ُع ٌ
وث ِ ِ
أرشاف ميع
ٌ فج ُ َ
ِ ِ مة وأعالها َي َ ِ األوس ِ
ِ
ومجيع الذين ُ أمورا، الرؤوف ً ب فيها من َمليكه َّ رت ُل ُخطب ًة يط ُل ُ أعظم
َ
ِ
م َعه ُيوافقونَه و ُيصدِّ قونَه و َيط ُلبون ما َيط ُل ُبه.
َ
أسبغ ويقول :يا من ُ َضر ٍع دعو ٍ ِ يقول حبيب ِ نص ْت ملا ُ َأ ِ
جم وت ُّ بأدب ٍّ العظيم ،إنَّه َي ُ امللك ُ
ٍ ِ
وظاللُ ..خ ْذ صول ما َأ َريتَه لنا من َ
نامذج عمه ظاهر ًة وباطن ًة ،يا ُسلطانَناَ ،أ ِرنا َم َ
نابع و ُأ َ علينا ن َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 54
ضورك.. ِ
ديوان ُح ِ بالضيا ِع يف هذه ال َف ِ
الة ..اق َب ْلن َا وار َف ْعن َا إىل مقر سلطنتِك وال ُت ِلكْنا َّبنا إىل ِّ
رد َ
عنك ..فهاهم ُعذبنا بأمل التَّنائي وال َّط ِ لذائذ ما أ َذقتَنا إياه هنا ،وال ت ِّ
َ َ
هناك ارمحناِ ..
أطعمن َا
ني ،وال تُفنِ ِهم ضائع َ ِ ني رتك ُْهم ِ
تائه َ ِ
ُأوالء َرع َّيتُك املشتا ُقون الشاكرون املطيعون لك ،ال َت ُ
ِ
بموت ال َرجع َة بعدَ ه. ٍ
در ِةالق َكل هذه ُ ملك َّ املمكن ملن َي ُ ِ يقول؟ تُرى هل ِمن عت يا صاحبي ما ُ هل َس ِم َ
َجيب الكريم ما َ عط َي مبعو َثه الشاملة ،أن ال ي ِ
ِ ِ الفائقةَّ ، ِ
ب به ،وال يست َ يرغ ُ َ ُ الرأفة وكل هذه
فرد من ألصغر ٍِ بكل اهتِما ٍم أدنَى ر ٍ
غبة قض ِّ املقاصد؟ وهو الذي ي ِ ِ ِ
الغايات وأن َب ِل ألسمى
َ َ َ
ِ ِ
حتقيق لرغبات اجلميع و َمقاصدهم ،وهو من ِ المبعوث الكريم ٌ ُ أن ما يط ُل ُبه هذا رعايا ُه؟ مع َّ
رضه بأصعب مما َع َ فليس هو ِ ِ ِ ِ
َ يسري عليه وه ِّي ٌنَ ، ورمحته ومرضاته ..ثم إنَّه ٌ مقتضيات َعدالته َ
باهظ ًة وأنشأ هذه نفقات ِ ٍ أنفق
ومعارضها ..فام دا َم قد َ ِ ِ
اململكة ِ
متنـزهات هذه نامذج يفمن َ
احلقيق ّي ِة
عر ُض يف مقر سلطنتِه من خزائنِه ِ
َ ِّ نامذجه َع ْر ًَضا مؤ َّقتًا ،فالبدَّ أنه س َي ِ ِ ِ
لعرض اململك َة
حان هذه ليسوا دار االمتِ ِ قول ..إذن فهؤالء الذين هم يف ِ وعجائبه ما ُي ِبه ُر ال ُع َ ِ ومن كامالتِه
ياهب الس ِ ِ ِ ِ ِ
جون قصور السعا َدة الرس َمد ّية اخلالدة ،أو َغ ُ ُّ ُ تنتظرهم ُ وليسوا ُسدً ى ،بل عب ًثاُ ،
يبة. الره ِاألبدي ِة ِ
ّ
الصورة السادسة
ِ
املشحونة ،وإىل هذه ِ
الطائرات الض ِ
خمة ،وإىل هذه ِ
القاطرات َّ تعال ،وان ُظر إىل هذه َ
وس ِري ِ ض األني َق ِة ّ ِ ِ
املعار ِ اهلائلة اململو َء ِة ،وإىل هذه
ِ املخاز ِن
ِ
اجلذا َبة ..وتأ ّمل يف اإلجراءات َ
فم ُثل هذهستار؛ ِ
ٍ أن هناك سلطن ًة عظيم ًة حقا( )1حتكُم من ِ
وراء ِ
األمور ..إهنا مجيعا تُب ِّين َّ
ُ
الصورة السابعة
حولم من ٍ
أمور.. جيري َ أحوالم ،وما ِ َ قليل بني املدَ نيني من الناس لن ِ
ُالح َظ َ
تعال لنت ََّنز َه ً
ِّ
ٍ الص َو َر ،ويف ِّ ِ ٍ ِ ٍ ان ُظر ،فها قد ن ُِص َب ْت يف ِّ
كل مكان ُكت ٌ
ّاب تصوير عديدَ ٌة تَلتق ُط ُّ آالت
زاوية ُ كل
ِ
األمور. َ
أهون كل ٍ
يشء ،حتى يسجلون َّ كثريون ِّ
َ
السلطان ختص ٍ
تصوير َض ٌ ِ
الشاه ِق فقد نُص َبت عليه ُ ِ هيا ان ُظر إىل ذاك
خمة ُّ آلة اجلبل
الصورة الثامنة
لطان ..ان ُظر ،إنه يكرر وعدَ ه ِ
ووعيدَ ه تعال ،ألتلو عليك هذه األوامر الصادر َة من الس ِ َ
ِّ ُ ُّ َ َ
ِ
السجن، املطيعني منكم ،وألَ ُز َّج َّن العصا َة يف
َ قائال :آلتين بكم إىل مقر سلطنتِي ،وألُ ِ
سع َّ
دن ِّ َ َ ّ
جون ِ ِ
دائم ٌة.. وس ٌ صور خالد ٌة ُ املكان املؤ َّق َت ،وألُنش َئ َّن مملك ًة أخرى فيها ُق ٌ
َ رن ذلك وألُد ِّم َّ
إخالف
ُ ِ
األمهية َلرعايا ُه؛ أما يذه ،وهو ُ
بالغ وعد ،هين عليه ت ِ
َنف ُ نفسه من ٍ أن ما قطعه عىل ِ علام َّ
ِّ ٌ َ
درتِه. ناف كليا َّ ِ
لعزته و ُق َ
الوعد فهو م ٍ
ُ
ِ
ِ
التصوير ابعة»؛ ُ
فآلة «احلقيقة الس ِِ ُشيـر إليها هذه الصور ُة يف
َّ قسم من هذه املعاين التي ت ُ ( )1لقد ُو ِّض َح ٌ
ُ
«الكلمة ِ
اللوح املحفوظ ،وإىل حقيقته ،وقد أث َبتَت ِ ِ ربى هنا -التي ختص السلطان -تُشري إىل الك َ
جوده بام يأيت: وت ُّق َق و ِ وظ َ اللوح املح ُف َ سة والعرشون» الساد ُ ِ
ُ َ
ِ وجود ِس ٍّ ِ الشخصي َة الصغري َة تَر ُم ُز إىلِ أن اهل ِ
والسندات الصغري َة جل كبري للهويات، ويات كام َّ ُ
ِ
ورشحات قطرات َصغري ًة وغزير ًة تـدل عىل وجود منب ٍع ٍ ِ ِ ٍ ِ
ُشعر ُبوجود س ٍّ ت ِ
أساس للسنداتَ ، جل
امر؛ التي كل منها بم ِ
ثابة ذور ال ِّث ِ ِ ِ القوى احلافظ َة يف عظيم ..كذلك ّ ٍ
َ األشجار ،و ُب َ وأثامر
َ اإلنسان، فإن َ
حت من القلم ترش ْ ٍ ٍ ِ
وبصورة ترشحات نقاط صغرية َّ ِ ِ ٍ
هويات صغرية ،وبمعنى «لوح حمفوظ صغري» ُ
والسجل األكربِ، ِ ِ ِ َ
ربىِّ ، ُشعر بوجود احلافظة الك َ الكبري ..البدَّ أن كال منها ت ُ َ املحفوظ اللوح
َ َبالذي كت َ
ِ ِ
العقول النافذة( ،املؤلف) ِ ِ
واللوح املحفوظ األعظم ،بل تُثبتُه وت ِ
ُرب ُزه إىل ِ
57 ��
������������� ���� ������ �� ���� ������� �� -
�� �
العظيم بال شك ،إذ إن َم َث َل َك يف هذا العقاب صدقه ..إنك ت ِ
َستح ُّق ِ األمور كاف ًة عىل تَشهدُ
َ َ ُ
ِ مس ،وي َ ِ ِ
غم ُض عين َِيه عن ضوء َّ املسافر الذي ي ِ ِ
ينري طري َقه
ستشدُ بخياله ،و ُيريدُ أن َ الش ِ َ ُ َم َث ُل
ِ
الليل). اعة ( ُذ ِ
باب ِ
كضياء الي ِ إلقله الذي ال ُي ِض ُء ّ صيص َع ِ ِ املخيف ب َب
َ
َ
ِ
مقتضيات ألن وفا َءه ٌ
سهل عليه وه ِّي ٌن ،وهو من وحيث إنه قد وعدَ ،فسيفي ِ
بوعده حتامَّ ، ُ
َ
يشء ..إذن َولكل ٍِّ ِ
عظمى.
ربى وسعاد ٌة َ هناك حمكم ٌة ك َ وري جدا لنا
َسلطنته ،وهو َض ٌ
الصورة التاسعة
ِّصال ُهم االت ُ ِ ِ لننظر إىل بعض رؤساء( )1هذه
قسم منهم ُيمكن ُ الدوائر واجلامعاتٌ : َ تعال،
آخر وسما إىل ديوان ُق ِ ٍ ِ
دسه.. قسم َ ُ َ َ َ خاص ،بل لقد ارت َقى ٌ ٍّ هباتف العظيم مبارشةً، ِ بالسلطان
خم رائعا ملكا َف ِأة السلطان قد أعدَّ مكانا َف ً َ يقول هؤالء؟ إهنم ُي ِبونَنا مجيعا َّ
أن تأ َّم ْل ماذا ُ
وعدُ وعيدا شديدا ،وهو يئني؛ وأنه ي ِعدُ وعدا قويا وي ِ املحسنني ،وآخر رهيبا ملعا َق ِبة ِ
املس َ َ
ًّ ُ َ ً َ
لت وص ْ املخربين قد ََ أخبار
َ َوعد؛ ِع ًلم أن أن َي ِذ َّل إىل إخالف ما وعدَ وت َّ وأعز من ْ ُّ أج ُّل َ
ّفاق واإلمجاعِ ،فهم ُيب ِّلغونَنا مجي ًعاَّ :
بأن درجة االت ِ ِ الق َّو ِة إىل
التواتر ،ومن ُِ الكثرة إىل حدِّ ِ من
بعيدة، ٍ أخرى ٍ ِ ِ ِ
ـحها هنا ،إنام هو يف مملكة َ آثارها ومالم َ مقر هذه السلطنة العظيمة التي نرى َ َّ
ٍ ٍ
قتية ،وستُبدَّ ُل إىل قصور دائمة ،فتُبدَّ ُل هذه نايات َو ٌ ِ ِ ِ
وأن العامرات يف ميدان االمتحان هذا بِ ٌ ِ ِ َّ
ف َعظمتُها من ِ ِ
آثارها -ال ُعر ُألن هذه السلطن َة اجلليل َة اخلالد َة -التي ت َ األرض بغريهاَّ ، ُ
َامل الزائلة التي ال بقا َء هلا وال دوا َم وال ك َ ِ ِ
األمور َقتص َهيمنتُها عىل مثل هذه ِ
يمكن أن ت َ ُ
يمو َمة ِ ِ
يليق هبا وبع َظمتها من ٍ ِ قرار وال قيم َة وال َ ِ
أمور َتتَّس ُم بالدَّ ُ ثبات ،بل تَستق ُّر عىل ما ُ وال َ
والكامل والع ِ
املقر.
الرحيل إىل ذلك ِّ ُ َ
يكون أخرى ..والبدَّ أن دار َ ظمة ..فإذن َ
هناك ٌ ِ َ
الصورة العارشة
رب ُز ملكي عظيم )1(،ستَحدُ ث تبدُّ ٌ تعال يا صاحبي ..فاليوم يوم ٍ
وست ُ
ات َ وتغي ٌ الت ُّ ٍّ عيد ُ ُ
البهيج من أيا ِم الربي ِع إىل تلك ال َفالةِ ِ
ِ ب م ًعا للنـزهة ،يف هذا اليو ِم َذه ْ عجيبة ،ف ْلن َ
ٌ أمور
ٌ
متوج َ ِ ِ ِ
أمر هون إىل هنا ..انظر ..هاهنا ٌ ِّ الناسُ هاه ُم باألزهار اجلميلة ..ان ُظرُ .. الـمزدانَة ُ
ِ ِ ِ ِ
العامرات
ُ آخر! حقا إنَّه يش ٌء ُمعج ٌز! إذ تنهار وتتَّخ ُذ شكال َ امرات ك ُّلها ُ جيب ،فالع ُ غريب َع ٌ ٌ
ٍ
اخلالية إىل َمدينة عامرة! انظر.. ٍ ُ لبت هذه ال َفال ُة فورا ،وان َق ْ اهنارت قد ُأعيدَ ُ
بناؤها هنا ً ْ التي
ِ ِ ِ ِ ٍ ُريك َّ
السينَام- السابق -كشاشة ِّ شكلها كل ساعة َمشهدً ا جديدا و َتتَّخ ُذ شكال َ
غيـر إهنا ت َ
ِ
املشاهدُ َلط فيها الشاشة التي ختت ُ ِ األمر بد ّق ٍة لرتى َر ْوع َة هذا النِّظا ِم املت َق ِن يف هذه ِ
الحظ
َ
غاية الدِّ ِ
قة يشء مكانَه احلقيقي يف ِ ٍ يـأخذ ُّ
كل ُ حقيق ّي ٌة شاهدُ ِ برسعة فهي م ِ ٍ َثرة وتَت َغ ّي ُـر بك ٍ
َّ َ
واإلتقان ،بل الِ وع ِة ِ
تبلغ هذا احلدَّ من االنتظا ِم َّ
والر َ اخليالية ال ُ ُ واالنسجا ِم ،حتى الـم ِ
شاهدُ َ
ِ
ِ
العظيم األعامل البديع ِة ..إذن فللس ِ
لطان ِ البارعني القيا َم بمثل هذه َ ماليني السح ِ
رة ستطيع َي
ُّ َ ُ َ َ ُ
اخلار ِ
قة. األمور ِ ِ الكثري من ُور عنا اليش ُء املست ِ
ُ
ديدالعظيمة وتُعمر من ج ٍُ ُ
اململكة كيف ِ
يمك ُن أن تُد َّم َر هذه تقولَ : فيا أهيا املغ َّف ُل ..إنك ُ
َ َّ َ
آخ َر؟! ٍ
مكان َ يف
ُ
الرسعة ٍ
مذهلة ،فهذه كثرية وتَبدُّ ٍ
الت ٍ ٍ
تقلبات فها هو َذا أما َمك ما ال َيقب ُله عق ُلك من
قصد،واالفت ِاق ،وهذا التبدُّ ُل والت َغري ،وهذا البناء واهلدم ..ك ُّلها تُنبِئ عن م ٍ ِ يف االجتِام ِع
َ ُ ُ ُ ُ
صرف ألجل اجتام ٍع يف ساعة واحدة ما ُين َف ُق لعرش سنوات! فهذه ٍ وت ِ
َنطوي عىل غاية ،إذ ُي َ
َامذ ُج للعرض هنا؛ فالسلطان ُينهي األوضاع إذن ليست مقصود ًة لذاهتا ،بل هي أمثل ٌة ون ِ
ُ
سج ُل و ُيح َف ُظ ِ أعام َله عىل و ِ
ُسج َل كام ُي َّ صورها ،وتُح َف َظ ُ
نتائجها وت َّ ُ اإلعجاز ،كي ت َ
ُؤخذ جه َ
َجري يف االجتامع األكرب واملعامالت إذن ست ِ
ُ فاألمور ِ
املناورات العسكرية؛ كل ما يف ميدان ُّ
ُ
فيوم العيد مثال إشار ٌة إىل فصل الربيع ،أما الفال ُة (َ )1سرتى ما تر ُمز إليه هذه الصورة يف «احلقيقة التاسعة»ُ ،
املناظر واملشاهدُ املتغيِّ ة يف الشاشة،
ُ املزدانة باألزهار فإشار ٌة إىل سطح األرض يف موسـم الربيع ،أما ُ
ِ
اخلـاصـة باحليـوان واإلنسـان التـي والصيف من األرزاق
ُ الربـيـع ـخرجه أنـواع ما ُي فاملقصو ُد منها
َّ ُ ُ ُ
ٍ
برمحة ويدِّ ُدهاوالفاطر احلكيم ذو اجلامل ،والتـي ُيغيِّ ُ ها بانتِظام كامل ُ الصانع القد ُير ذو اجلالل ُيقدِّ ُرها
ُ ُ
ِ ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ ٍ
الصيف( ،املؤلف) تا ّمة منه ُسبحانَه ،و ُيرسلها يف فرتات ُمتعاقبة ُمتَتالية ابتدا ًء من َّأول الربي ِع إىل انتهاء َّ
59 ����������� ���� ������ �� ���� ������� �� -
���� �� �
املشهد األعظم األمور عرضا مستمرا يف ُعر ُض تلك ِ
َ ُ وتَستم ُّر وفق ما كانت هنا ،وست َ
األوضاع الزائل َة تُنتِ ُج ثامرا باقية وتو ِّلد صورا خالدة هناك..
َ إن هذه ض األكرب؛ أي َّ واملعر ِ ِ
ٍ ٍ ٍ ِ
وغايات ظمى ،و َمـحكمة ُك َ
ربى، فاملقصو ُد من هذه االحتفاالت إذن هو بلو ُغ سعادة ُع َ
ٍ
ستورة عنَّا. ٍ
سامية َم
الصورة احلادية ْ َ
عش َة
ِ
الغرب الش ِق أو إىل ب إىل َّ ِ
َذه َ
َب طائر ًة أو قطارا ،لن َ المعاندُ ..لنَرك َ
الصديق ُ
ُ تعال أهيا
معجزات متنو ٍ
عة يف سائر ٍ ُ
السلطان من ِ
لنشاهدَ ما أظهره -أي إىل ِ
املاض أو إىل املستق َبل-
ِّ
َامذج ِ ِ ِ األماكن؛ فام رأينا ُه هنا يف ِ
املعر ِ
األمور العجيبة له ن ُ القرص ،من امليدان ،أو يف ض ،أو يف
كيب.
والت ُ
كل َّ الش ُ
حيث َّ إل أنه َي ِتلف من ُ يف كل مكانّ ،
ِ
احلكمة ،و َم ْب َل َغ ُو َّظر يف هذا ،لرتى َمدى ُظ ِ ِ
ِ
ضوح هور انتظا ِم فيا صاحبي ،أنع ِم الن َ
محة الواسعة ،يف ثمرات الر ِِ ِ
ظهور ِ
العدالة ،و َدرج َة ِ
أمارات قدار ُب ِ
روز ِ ِ ِ
َّ إشارات العناية ،وم َ
فقداملعارض الزائلة؛ َفمن مل ي ِ ِ ِ
امليادين الفانية ،ويف تلك ِ
القصور املتبدلة ،ويف تلك تلك
َ َ
حكمة ذلك السلطان، ِ أكمل منكمة َ تكون بل ال يمكن تصور ِح ٍ َ فهم يقينا أنه لن
ُ ُّ ُ بصريتَه َي ُ
أجل من عدالتِه. ٍ
عدالة َّ مل من رمحتِه ،وال أجمل من ِعنايتِه ،وال ر ٍ
محة َأ ْش َ َ َ وال ِع ٍ
ناية
ِ
احلكمة ِ
حقائق هذه اململكة -كام هو معلو ٌم -قاصر ًة عن إظهار ُ ولكن ملا كانت هذه ْ
ِ ِ ِ
قصور دائمة، ٌ َوه َت- ُن هناك يف مقر مملكته -كام ت َّ ْ والعناية والرمحة والعدالة ،ولو مل تك ْ
واطنون مقيمون ،ورعايا سعدا ُءُ ..ت ِّقق طيبة خالدة ،وم ِ ومساكن ٌ ٌ
مرموقة ثابتة، وأماكن
ُ ُ ُ
ِ ٍ
وإنكار
ُ ُبصه من حكمة، إنكار ما ن ُ ُ يلزم عندئذتلك احلكم َة والعناي َة والرمح َة والعدال َةُ ،
رة ال َب ِّي ِنة
اه ِ ِ
العدالة ال َّظ ِ إنكار هذهُ يلزم
وإنكار ما نرا ُه من رمحة ،كام ُ ُ ُشاهدُ ه من عناية، ما ن ِ
َحامقة من يرى َضو َء الشمس ِ كل ذلك بحامقة فاضحة ك إنكار ِّ ِ
وإشاراتا.. ِ
بأماراتا القوية
ُ
ٍ
إجراءات القائم بام نراه من ُ
القول بأن نفسها يف رائعة النهار! و َي َلز ُم أيضا وينكر َّ
َ مس َ الش َ ُ
ِ
عبث و َيغد ُر لهو و َي ُ ُ تت َِّس ُم باحلكمة وأفعال ذات غايات كَريمة وإحسانات م ُ
ِ ٍ ٍ ٍ ِ ٍ
الرمحة إنام َي ُ لؤها
باتفاق مجي ِع َذ ِوي ِ ُ
املحال أضدادها ،وهوِ ِ
احلقائق إىل قلب -حاشاه ثم حاشاه -وما هذا ّ
إل ُ
نكر وجو َد األشياء ،حتى وجو َد نفسه. األبله الذي ي ِ ِ غيـر السوفسطائي
ُ العقول َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 60
عظيم، ومقر كر ٍم ٍ ٌ
ٌ ودار َعدالة علياُّ ،
حمكمة كربى ُ ، غري هذه الديار ،فيها
ديار ُ
فهناك إذن ٌ
دالة بوضوح وجالء.ناية وهذه ال َع ُ
الع ُالحكمة وهذه ِ
ُ الر ُ
حمة وهذه َظهر فيها هذه َّ
لت َ
الصور ُة الثاني َة َع ْ َ
ش َة
وننظر إىل ِ
اجلامعات ورؤسا َءها، اط هذه اآلن يا صاحبي ،لن ِ
َلتق َي ُض ّب َ نرج ِع َ تعال ِ
َ
َ
قصرية من الزمن يف ميدان التدريب هذا ،أم أهنا ُوه َبت ٍ معدَّ ِاتمُ ..أزودوا هبا لقضاء ٍ
فرتة ِّ ُ
كل واحد منهم ،وال يع لقاء ِّ ِ
قضوا حيا ًة سعيدة مديدة يف مكان آخر؟ وملا كنا ال نَستط ُ هلم ل َي ُ
ِّ
وسجل االطالع عىل ُهوية
َ ِ
وجتهيزاتم ،لذا نحاول َّن من اال ِّطال ِع عىل مجيع َل ِ
وازمهم نَتمك ُ
واحد منهم كنموذج ومثال. ٍ ِ
أعامل
ودستور أعاملِهَّ ،
وكل ما َ ومهمتَه ،ومطال َبه،
َّ
الض ِ
ابط ،ومر ّت َبه، ففي اهلوية نجدُ رتب َة َّ
أن هذه الرتب َة ليست أليام معدودة ،بل ملدة مديدة ..ولقد كُتِب يف َعلق بأحواله ..الحظَّ ،
يت ُ
َ
التاريخ بعيدٌ جدا ،وال بتاريخ كذاَ ..غ َري َّ
أن هذا ِ ِ
اخلاصة ِ
اخلزينة ُهويتِه أنه يتس َّلم ُمر ّت َبه من
ِ
التدريب يف هذا امليدان.. إل بعد ِ
إهناء مها ِّم يأيت ّ
املؤقت وال ت ِ
َنسجم م َعه ،بل هي للفوز بسعادة َ َ
امليدان ُ
الوظيفة فال توافق هذا أ ّما هذه
َ
تكون لقضاء َ
كذلك ال ُيمكن أن املطالب فهي
ُ املل ِك القدير ..أ ّما ٍ
مكان سا ٍم عندَ ِ دائمة يف
حلياة ُأخرى س ٍ
عيدة أبدية ..وأ ّما هذا الدستور ٍ معدودة يف دار الضيا َف ِة هذه ،وإنام هي
ٍ أيا ٍم
َ َ
آخ َر. ٍ
عالـم َ نحو ٍ ِ
اهلوية ُم ٌ ف َيت َِّض ُح منه بجالء ،أن
آخر ،بل َيس َعى َ
هيأ ملكان َ صاحب
َ
ِ
واملسؤوليات املرتتبة ِ
استعامل المعدَّ ات السجالت التي حدِّ دت فيها ك ِ
َيف ُية ِ انظر إىل هذه
ُ َ
ِ هناك َم ِ
َ
اهلوية املتقنة، غري هذا امليدان ،فال َمعنَى هلذه نـزل ٌة رفيعة خالدة َ عليها ،فإن مل تكن
والرئيس املو َّقر إىل َد ْر ٍك
ُ املكرم
َّ
ِ
والقائدُ رتم ولسقط الضابِ ُط املح َ
َ الس ِجل املن َت َظ ِم،
وال هلذا ِّ
مت
عف والفقر ..وقس عىل هذا ،فأينام أن َع َ والض َ والذلة واملهان َة والنكْب َة َّ هابط و َل َ
قي الشقا َء ِّ
النظر والتد ُّب ُر إىل َّ
أن هناك بقا ًء بعدَ هذا الفناء... ُ النظر متأ ِّمال قا َدك
وق ِ
وميدان تعليم ،وس ٍ ٍ
مزرعة، ِ
بمثابة إن هذه اململك َة املؤ َّقت َة ما هي ّ
إل فيا صديقيَّ ..
ُ
أنكرت هذا ،فسوف
َ عظمى؛ فإذا
َ ِ
جتار ٍّي ،فال ُبدَّ أن تأيت بعدَ ها َمكم ٌة كربى وسعاد ٌة
61 ����������� ���� ������ �� ���� ������� �� -
���� �� �
وكل تلك ال ُعدَ ِد واألعتدَ ِة
والس ِج ّلت التي يمتلكُها الضابطِّ ، ِ
كل اهلويات ِّ تَض َطر إىل إنكار ِّ
إنكار و ِ ِ
جود الدولة ِ ُ األنظمة يف هذه اململكة ،بل والتعليامت ،بل تُض َط ُّر إىل إنكار مجي ِع
قالمجيع اإلجراءات احلادثة ..وعندها ال يمكن أن ُي َ نفسها ،وينبغي عند ذلك أن ت ِّ ِ
ُكذب َ
ٌ
إنسان له شعور؛ بل تكون إذ ذاك أشدَّ محاقة من السوفسطائيني. إنَّك
***
ِ
اململكة ُمنحصـر ٌة يف اث َن َت ْي َع ْشر َة َبديل ِ
وإشارات ت ِ َ
دالئل تظن َّ
أن وإ ّياك إ ّياك أن
َّ
إن هناك ما ال ُيعدُّ وال ُي َص من األمارات واألدلة عىل أن هـذه صور ًة التي أوردناها ،إذ َّ
ٍ ٍ
َثري من اإلشارات َثري الك ُ خرى مسـتقرة باقية ،وهناك الك ُتتحول إىل ُأ َ
ُ اململك َة املتغيِّ َة الزائلة
الز ِ
ائلة إىل َم َق ِّر املؤ َّق ِتة َّ
الناس س ُين َقلون من دار الضيافة َ أن هؤالء والعالمات تدل عىل َّ
َ
دة. الدائمة اخلالِ ِ
ِ ِ
السلطنة
عش ِ يا صاحبيَ ..
وحا من تلك الرباهني الثنَي َ َ ووض ً قو ًة ُ أكثر َّ
ألقر َر لك برهانا َ تعال ِّ
صاحب األوسمة ِ مة ..تعال ،فانظر إىل املبعوث الكريم، الصو ُر املتقدِّ ُ
َ التي َأ ْ
نبأت عنها تلك
ِ
الغفرية التي َتتا َءى الرفيعة الذي شاهدنا ُه يف اجلزيرة ِم ْن َق ُبل ..إنه ُيب ِّل ُغ أمرا إىل احلشود
الرفيع ُصغي إليه ..انتبه! فها هو يبين للم َ ِ
ل البال َغ السلطاين لنا عىل بعد ،فهيا نذهب ون ِ
َ َ ُ ِّ ُ ّ ُ
ويوضحه قائال هلم:
ُ
ٍ ٍ
مملكة رائعة! إن مملكتَنا هذه أعظمها من
َ خالدة ،ما خرى ست َحلون إىل مملكة ُأ َهت َّيؤوا! َ
ٍ ٍ ِ
بإتقان ستكُونُون بإمعان ،ون ّف ُ
ذتوه األمر أصغيتُم إىل هذا كالس ْج ِن بالنسبة هلا ،فإذا ما ْ
ِّ تُعدُّ
يبة مثواكُم انات ِ
الره ُ فالز َنز ُ لرمحة سلطانِنا وإحسانِه يف ُمست َق ِّره الذي تت َِّج ُهون إليهّ ،
وإل ِّ ِ أهال
وعد ِم اكرتاثِكُم به. األمر َ ِ ِ
جزا َء عصيانكُم َ
ختم السلطان الذي ِ
العظيم َ وأنت تَرى عىل َ
ذلك البال ِغ إنه ُيذكّر احلارضين هبذا البالغَ ،
املل ِك ،وأن
أن ذلك البال َغ بال ُغ ِ -إل أمثا َلك من الب ِ
لهاءَّ - دركون يقينا ّ واجلميع ُي ِ ال ُيق َّلد؛
َ ُ ُ
ِ ِ
َ
أمثالك من العميان- ميع ّ
-إل جل َ الرفيعة ما جي َع ُل ا َ
األوسمة َّ
َ الكريم حيم ُل َ
من َ َ
املبعوث َ
ذلك
الم ِل ِك. ِ
ألوامر َ ِ
النظر إليها أنه مب ِّل ٌغ أمني يعرفون بِ ُم َّ
جرد ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 62
مسألة ت ِ
َبديل اململكة التي يدعو إليها ِ ِ
املسألة؛ االعرتاض عىل هذه
ُ فيا تُرى هل يمكن
يمكن
ُ امللكي السامي بكل ما ُأوتِيا من قوة؟ ك ََّل ..ال
ِّ
ِ
املبعوث الكريم ،والبال ِغ ٌّ
كل من ذلك
ث. ِ
وحواد َ مجيع ما ترا ُه من ٍ
أمور ذلك أبداّ ،
أنكرت َ
َ إل إذا
أن َ
تقول ما تشا ُء. ديق ..لك ْ
الص ُ
فاآلن أهيا َّ
يقالقول لقائل أما َم هذه احلقائق! وهل ُ أقول؟ وهل َبقي مزيدٌ من ٍ أن َ ساي ْ
-ماذا َع َ
َ
وألف أن أقو َله هو :احلمدُ هلل،
كل ما أريدُ ْ إن َّ
السامء ،أين هي؟! َّ ِ
ُ للشمس وهي يف كبد َّ
والس ِ ِ إس ِار ِ ِ وش ٍ ُش ٍ
جن النفس ِّ رت من َ نجوت من قبضة األوها ِم واألهواءَّ ،
وحتر ُ ُ كر ،فقد كر ُ
ونحن ُمه َّيأون هلا بعدَ هذه ِ
الدار لطان املع َّظ ِم، ٍ
سعادة عندَ الس ِ دار فآمنت َّ
ُ ُّ بأن هناك َ ُ األبدي،
ِّ
الفانية املض َط ِ
ربة. ِ
ِ احلكاية التي كانت كناي ًة عن احلرش والقيامة ..واآلن ننت ُ ُ وهكذا تـم ِ
َقل بتوفيق العيلِّ ت َّ
ِ ِ
احلقائق العلياَ ،فسنُب ِّينها يف «اثنت َْي َع ْشر َة حقيق ًة» ،وهي ُمتساند ٌة ُمرتابِط ٌة ُم َ
قابل ال َق ِ
دير إىل
مة.ور االثنَتي عرشةَ ،بعد أن نُمهدَ هلا بمقدِّ ٍ الص ِ
ُ ِّ ْ ُّ
63 ����������� ���� ������ �� ���� ������� �� -
���� �� �
املقدمة
ِ ِ ِ ٍ
الكلمة أماكن ُأ َ
خرى ،أي يف َ املسائل التي أوضحناها يف بعض فحسب إىل
ُ إشارات ُشري
ن ُ
والساد َس ِة والعرشين.
ِ ِ
والتاسع َة ْ
عشةَ، ِ
الثانية والعرشين،
الإشارة الأولى
المذكورين يف احلكاية: ِ
األمني ِ
الناصح حقائق للمغ َّفل ولص ِ
ديقه َ ُ
ثالث هناك
َ َ
األوىل :هي ن ِ
َفس َي األمار ُة و َقلبِي.
ِ
القرآن الكريم. ُ
وتالميذ الثانية :متع ِّلمو الفلس ِ
فة َ ُ
ِ
الكفر واألُ َّم ُ
ـة اإلسالم َّيـة. الثالثةِ :م َّل ُ
ـة
والنفس الفلسفة ِ
ومل َة الكفر ِ أوقع متع ِّل ِمي
َ إن عد َم معرفة اهلل سبحانَه وتعالى هو الذي َ
َ
يكون يمكن أن قال ِ
الناص ُح األمني يف احلكاية :إنه ال األمار َة في الضاللة الرهيبة ..فمثلام َ
ُ
قانون بال حاكم ،كذلك ُ
نقول: ٌ حرف بال كاتب ،وال ٌ
كل كلمة من تتضمن ُّ
َّ كتاب كهذا الذي
ٌ كتاب بال كاتب ،وال س َّيام
ٌ َ
يكون إنه ٌ
حمال أن
حرف من حروفِه قصيد ٌة ُد ِّب َجت بقلم رفيع..ٍ كلامتِه كتابا ُخ َّط بقلم دقيق ،والذي َ
حتت ِّ
كل
كتاب َ
الكون حيث إن هذا مبدعُ ، الكون من غري ِ ُ وكذلك من أحمل املحال أن يكون هذا
ٌ
ٍ
حرف كلمة منها كتاباُّ ،
وكل ٍ كل صحيفة فيه كُتبا كثرية ،ال بل ُّ
كل عىل ن ٍ
َحو عظيم تتضمن ُّ
كلمة واحدة، ٌ أكثر ما فيها من كتب! والشجر ُة فوج ُه األرض َصحيف ٌة ،وما َ
منها قصيدةًَ ..
هر ُسالنقطة فِ ِ
ِ حرف ،والبِذر ُة نقطة ..ويف هذه
ٌ والثمر ُة
َ أكثر ما فيها من صحائف!
وما َ
در ٍة
ب ُق َصاح ِ ِ إل من إبداع ِ
قلم ُ
يكون ّ فكتاب كهذا ما
ٌ
وخطة ِ
عملها.. ُ الشجرة الباسقة
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 64
إن جمر َد النظر إىل العا َلم ومشاهدَ تَه يست ِ
َلز ُم مت َِّص ٍ
ف باجلامل واجلالل واحلكمة املطلقة ،أي َّ
هذا اإليامنّ ،
إل َمن أسكَرته الضاللة!.
دار ُز ِّينت بأبدع زينة ،ون ُِقشت بأرو ِع ٍ َ
دار بال بنّاء ،ال س َّيام ٌ
تكون ٌ يمكن أن
ُ ومثلام ال
يتجس ُم فيه ف ُّن ما ِ
أحجارها جر منكل َح ٍ إن َّ
بصنعة خارقة ،حتى ٍَّ وش ِّيدتنقوش وأعجبِها ٍُ
َّ
ٍ الدار بال بن ٍ ِ
وبخاصة أنه ُيش ِّيدُ ّاء ٍ
ماهر، مثل هذه ِ َ دار ُ
تكـون ٌَ يقبل ٌ
عاقل أن البناء ك ِّله؛ فال ُ يف
والتناس ِق ،و ُيغ ِّيرها بانتظا ٍم
ُ غاية االنتِظا ِم
يف هذا الديوان -يف كل ساعة -مساكن حقيقي ًة يف ِ
َ
ركن ُغ َرفا صغري ًة عدّ ًة يف ِ
املالبس -بل إنه ُينشئ يف كل ٍ ِ ِ
تبديل ِ
-كسهولة هولة ِ
كام َلني وس ٍ
ُ
شهد حقيقي.
كل َم َ
َ
الكون َون العظيم من خالِ ٍق حكيم عليم قدير مطلق ،ألن هذا كذلك البد هلذا الك ِ
ِ
وقنادي ُله،
والزمن
ُ شموعه
ُ والنجوم
ُ مصابيحه،
ُ مس وال َق ُ
مر إنام هو كالقرص البديع؛ َّ
الش ُ
الخالق ذو اجلالل -يف كل سنة -عا َلام آخر ُي ِبر ُزه للوجود ،مجدِّ دا فيه ُ رشيط يع ِّلق عليه ٌ
وطرازا ،مبدِّ ال إياه بانتظام تام ،وحكمة كاملة، ثالث ِم ٍئة وستني شكال ِ ِ صورا ُمن َت َظ َم ًة يفً
طح األرض مائد َة نِ َع ٍمُ ،يز ِّينُها يف كل ربيع بثالث مئة ألف نوع من أنواع خملوقاتِه، جاعال َس َ
كل منها متييزا كامال ،عىل الرغم من تداخلها ويملؤها بام ال يعد وال ُي َص من آالئه ،مع ِ
متييز ٍّ ُ
َّغافل عن صانِ ِع مثليمكن الت ُ فكيف
َ األخرى.. األمور ِ
وتشابكها ..وقس عىل هذه األشياء
ُ َ َ
القرص الـم ِ
نيف؟ ِ ُ هذا
الشمس يف رابعة النهار ،ويف صحوة السامء! يف الوقت الذي َ أعظم باله َة من ُ
ينكر َ ثم ماَّ
ِ ِ ِ ُيرى تَأل ُل ُؤ أشعتِها،
الالمعة وعىل وحبابِه ،وعىل موا ِّد َ ِّ
الب وانعكاس ضوئها ،عىل َز َبد البحر َ ُ
ِ
يستلز ُم فضها -يف هذه احلالة- ور َ ِ ِ ِ
الشمس الواحدة َ إنكار
َ بلورات الثلج الناصعة ،ألن
ِ
ورات والحباب وبعدد بِ َّل ِ يلة ،بعدد َق أص ٍ ٍ
حقيقية ِ ٍ بول ُش َق َ
الز َبد َ
طرات البحر وبعدد َ ميسات
ٍ قبول و ِ
َسع ذر ًة واحدةً- شمس عظيمة يف كل ُج َزي َئة -وهي ت ُ جود الثلج! ومثلام يكون ُ ُ ِ
َّصديق بأوصاف كاملِه سبحانه -مع ِ ورفض الت
َ باله ًة ،فإن عد َم اإليامن باخلالق ذي اجلالل،
بتناسق وانتظا ٍم ٍ كل آن واملتجدِّ ِ
دة واملتعاق ِبة بحكمة يف ِّ
ِ مة املتبدِّ ِلة الكائنات املن َت َظ ِ
ِ رؤية هذه
� �� � � ���� �
65 ��� ���� ���� �
بول ألوه ّي ٍة
وجنون ..ألنه يلزم إذ ذاك َق ُ والشك ،بل َه ٌ
ذيان ُ َّ أدهى ٌ
ضاللة َ كل وقت- يف ِّ
مط َل ٍ
قة يف كل يشء حتى يف ِّ
كل ذرة!.
الإشارة الثانية
فهم من ُرؤ َي ِة كر َّ
أن َمن مل يكُن أعمى َي ُ
ٍ
ذكر مبعوث كريم ،و ُذ َ لقد جا َء يف احلكاية ُ
ُ
املبعوث إل بأمر السلطان ،فهو ِ
عام ُله اخلاص ..فهذا شخص عظيم ،ال يأمتر ّ أوسمتِه :أنه
ٌ
إنام هو َر ُسو ُلنا األع َظ ُم ﷺ.
مثل هذا الر ِ
سول َّ الكون البديع ولصانِعه ال ُقدُّ وسُ ،
ِ يكون لمثل هذا
َ نعم ،يلز ُم أن
ُشع ِضيا ًء كذلك ال
إل أن ت َّ الكريم ،كلزوم الضوء للشمس ،ألنه كام ال يمكن للشمس ّ
سل الكرا ِم ِ
عليه ُم السالم. الر ِ
َفسها بإرسال ُّ
أل ِ
لوهية ّ
إل أن تُظهر ن َ يمكن لِ ُ
الإشارة الثالثة
غري وما ِقيمتُه حتى ت ِ
َنتهي الص ِ ِ
أهم ُية هذا اإلنسان َّ َ
فيقول :ما ِّ
بال ٍ
أحد رن عىل ِ ال َيخ ُط َّ
خرى ملحاسبتِه عىل أعاملِه!
العظيمة وتُفت ََح دائر ٌة ُأ َ
ُ هذه الدنيا
ٍ
فطرة جامعة مل ُك من املوجودات رغم أنه صغري جدا ،لِما ي ِ
ِ َ
اإلنسان ،هو س ِّيدُ ألن هذا
َ َ ٌ َ
سلطان ألوه ّي ِة اهلل ،واملم ِّث ُل للعبودية الكلية
ِ شاملة ..فهو قائدُ املوجودات ،والداعي إىل
ِ
ظمى. فإن له أمهي ًة ُع َ ظه ُر َها ،لذا َّ
الشاملة و َم َ
ودرجتِها
َ
الكائ ِ
نات ِ ِ
بقيمة حيث إنه ُ
هيبط وجناية ال حدو َد هلا؛ ُ
ٌ الكفر جريم ٌة كربى،
َ ألن
ِ
وجود الغاية ويوهم عد َم مكاتيب َصمدانِ ّي ٍة و َدرجتَها -إىل هاوية العبث، -التي ت ِ
ُوازي قيم َة
ُ َ
حلسنَى حتقي ب ِّي ٌن للكائنات ك ِّلها ِ
شاهد من أنوار األسامء ا ُ وإنكار ملا ُي َ
ٌ من إجيادها ..وإنَّه ٌ
آثارها يف هذه املوجودات ،ومن َثم فإنه تكذيب ما ال ُيص من األد َّلة الدَّ ِ
الة وإنكار ِ ك ِّلها،
َ ُ َّ ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 68
جناية ال حدو َد هلاِ ،
واجلنا َي ُة التي ال ٌ احلق سبحانَه وتعاىلُّ ،
وكل هذا ِ
وصدق ِّ عىل ح َّقان َّي ِة
غري ُمدَّ ٍد بحدُ ود.
ب عذابا َ
ُحدو َد هلا ِ
توج ُ
الإشارة الرابعة
َ
تكون يمكن بوجه من الوجوه أن ُ عشةَ :أنه ال
َتي ْلقد رأينا يف احلكاية بِ ُص َو ِرها االثن ْ
ِ ٍ
مستق َّرة، ٌ
دائمة مملكة ُأ َ
خرى ٌ َ
تكون له دار ضيا َفة -ثم ال
مملكة مؤ َّقتة -كأهنا ٌُ لسلطان عظيم
ِ ِ ِ
أن ال يمكن بوجه من الوجوه ُْ السامية؛ كذلك ال والئق ٌة ألُ َّبته وعظمته ومقا ِم سلطنته ّ
العال ِ ي ِ
الفان. أن أوجدَ هذا َ َ عالما باقيا بعد ْ
اخلالق الباقي سبحانَه ًَ ُ نش َئ ُ
الكائنات البديع َة الزائل َة ،وال ي ِ
نش َئ ِ خيلق الصانِع الس ِ
مد ُّي هذه مكن أيضا أن َ وال ي ِ
ُ ُ َّ ُ
كائنات أخرى دائم ًة م ِ
ستق َّرة. ٍ
ُ
َ ِ
العال َ الذي هو بحكم حيم هذا
الر ُ يم ال َق ُ
دير َّ الفاطر احلك ُ
ُ خيلق
وال يمكن أيضا أن َ
تكشف عن
ُ عة الوقتي ِة ثم ال خي ُل َق الدَّ ار ِ
اآلخر َة التي وميدان االمتحان واملزر ِ
ِ ِ
املعر ِ
ض العا ّم
َ ّ َ
وتظهر أهدا َفه!
ُ غاياتِه
بـ«اثنتي
ْ األبواب
ُ عرش با ًبا» ،وتُفت َُح َ
تلك ني َ إن هذه احلقيق َة يتم الدُّ ُ
خول فيها من «ا ْث ْ
عش َة حقيق ًة» ،نبدأ بأقرصها وأبسطها.ْ
احلقيقة األوىل
والسلطنة ِ وهو تجلي اس ِم «الرَّب»
ّ باب الر بوبية ِ
ُ ُّ
وسلطنة األلوه ّي ِة ،فأوجدَ كونا بديعا كهذا الكون؛
ُ ِ
الربوبية لـمن له ُ
شأن ِ
أم َن املمكن َ
ثواب للمؤمنني الذين يكون ِ
لديه ُ ٍ
جليلة ،إظهارا لكامله ،ثم ال ٍ
سامية وملقاصدَ ٍ
لغايات
ٌ
ِ
الضاللة الذين قابلوا ِ
ألهل قاب ِ ِ
قا َبلوا تلك الغايات واملقاصدَ باإليامن والعبودية ،وال ع ٌ
تلك املقاصدَ بالرفض واالستخفاف؟!
� �� � � ���� �
69 ��� ���� ���� �
احلقيقة الثانية
باب ا�لكر ِم والرحمة ِ وهو تجلِّي اس ِم «ا�لكريم والرَّحيم»
ُ
ِأمن املمكن لرب هذا العامل ومالِ ِكه الذي أظهر بآثاره كرما بال ٍ
هناية ،ورمح ًة بال هناية، ِّ َ
يقر َر ِ للمحسنني مثوب ًة ُ وعز ًة بال هنايةَ ،
تليق بكرمه ورمحته ،وال ِّ َ وغري ًة بال هناية ،أن ال ُيقدِّ ر
عزتَه َ
وغريتَه؟.. تناسب ّ سيئني ُعقوب ًة ِ
َ للم
ُ
()1
عجزا
حي وأشدِّ ه ً ِ ُ
النظر يف سري احلوادث ابتدا ًء من أضعف كائن ٍّ َ اإلنسان أنعم
فلو َ
منح سبحانَه ٍ كل ٍ
كائن يأتيه رز ُقه َر َغدً ا من ِّ أن َّ وانتها ًء بأقوى ٍ
كائنَ ،ل َوجدَ ّ
كل مكان ،بل َي ُ
داويه ..وهكذا مريض بام ُي ِ
ٍ ف َّ
كل األرزاق وأحسنَها ،وي ِ
سع ُ ِ ألطف
َ أضع َفهم وأشدَّ هم ً
عجزا
ُ
ُ
واإلغداق ُ
الكريمة، يافة الفاخر ُةالض ُب ..فهذه ِّ ِ حاجة حاجتَه من ُ ٍ جيدُ ُّ
حيث ال َيتس ُ كل ذي
ِ ِ
األمور.
َ َعم ُل وت ُ
ُدير أن يدا كريم ًة خالد ًة هي التي ت َ السامي ،تد ُّلنا بداه ًةَّ ، والكرم
ُ املستم ُّر،
َ
والوحوش َ
اإلنسان -عدا ِ
وكبريها َ املخلوقاتَ ،ص ِ
غيرها ِ عي مجي ِع وكذاَّ ،
إن َس َ
ِ
واألرض إىل ِ
والقمر ِ
الشمس ودقة كاملة ،ابتدا ًء من وظائفها بانتظام تام ٍ
ِ ِ
الكاسةَ -إلنجاز
ِ ِ ِ ٍ أص ِ
الكام ِل واالنقياد الطاعة التا ّمة ضمن
َ يتجاوز أحدٌ حدَّ ه َق ْيدَ ُأ ُ
نم َلة، ُ ٍ
بشكل ال خملوق، غر ْ
ِ
الرمحة َنسج ُم مع تلكتليق بذلك الكر ِم العميم ،وت ِ تكون هناك دار س ٍ
عادة ُ َ فالبد أن
ُ َ
املشهودة ،بام هو كإنكار وجود الشمس التي يم ُ
أل ِ ِ
الرمحة الواسعةّ ..
وإل َي َلز ُم ُجحو ُد هذه
حقيقة الر ِ
محة من الوجود، ِ ِ
يستلز ُم انتفا َء َ
الزوال الذي ال َرجع َة بعده النهار ،ألن نورها
ّ َ ُ
َ
والعقل املحمو َد عضوا ِ ِ
بتبديله الشفق َة مصيب ًة ،واملحب َة ُحرق ًة ،والنِّعم َة نقم ًة واللذ َة أملا،
مشؤوما.
وتنسجم معها ،ألنه غالبا ما ُّ
يظل والعز َة َ
اجلالل تناسب ذلك ٍ
جزاء وعليه َفالبدَّ من دار
ُ ّ ُ
رحالن عىل حاهلام بال عقاب وال ثواب. الظالم يف عزتِه ،والمظلوم يف ِذلته ُ ِ
وخنوعه ،ثم َي َ ُ ُ
فاألمر إذن ليس إمهاال قط ،وإن ُأ ِ
مه َلت إىل حمكمة كربى ،فالقضية مل تُهمل ولن تُهمل، ُ
الضعيف عىل نفسه بام َيظ َف ُر به من قطعة حلم ،وهجو َم الدجاجَ األسد اجلائع ِشب َله
ِ إيثار
إن َ ( )1نعمَّ ،
ثامرها ِ ِ ِ
اجلبان عىل الكلب واألسد حفاظا عىل فراخه الصغرية ،وإعدا َد شجرة الت ِ
ِّني لصغارها التي هي ُ
لت بأمر الرحيم الذي ال يدل بداهة -ألهل البصائر -عىل أهنا َح َص ْكل ذلك ُّ لبنا خالصا من الطنيُّ ..
ِ ِ
هناية لرمحته ،والكريم الذي ال هناية لكرمه ،والرؤوف الذي ال هناية لرأفته وش َف َقته؛ َّ
وأن قيا َم النباتات
يبني بالرضورة َّ
أن عي والشعور واحلكمةُ ، الو ِ
شعور ،بأعامل يف منتهى َ
َ واحليوانات التي ال وعي هلا وال
ِ
بأمره تأتـمر( ،املؤلف)عليام مطلقا وحكيام مطلقا هو الذي يسو ُقها إىل تلك األعامل ،وهي ِ
� �� � � ���� �
71 ��� ���� ���� �
ومتردت ِ العذاب يف ُ ِ ِ ُ ُ بل قد ُت َع ّج ُل
القرون الغابرة بأقوام عصت َّ فإنزال العقوبة يف الدنيا؛
عرض دائام ِ اإلنسان ليس مرتوكا ِزما ُمه ،يرسح َو َ
َ
فق ما ُيملي عليه هواه ،بل هو ُم َّ يبني لنا أن
لصفعات ذي العزة واجلالل.
وز ِّو َد نيط به -من بني مجيع املخلوقات -مها ُّم َع ٌ
ظيمةُ ، اإلنسان الذي ُأ َ
َ نعم ،إن هذا
نفسه إليه عرف ر َّبه «باإليامن» بعد ْ باستعدادات فِ ٍ
طرية كاملة ،إن مل َي ِ ٍ
عرف سبحانه َ أن َّ
ِ
ب سبحانَه بمخلوقاته البديعة املنت َظمة ..وإن مل ُيـح ِّبب َ
نفسه إليه بـ«العبادة» بعد أن ح َّب َ
الدالة عىل رمحتِه الواسعة ..وإن مل يقم ِ ِ
اجلميلة خلق له من الثامر املتنو ِ
عة ِّ َفس ُه إليه بام َ
ن َ
بالتوقري واإلجالل الالئ َقني به «بالشكر واحلمد» بعد أن َ
أظهر سبحانَه حم َّبته له ورمحتَه عليه
رتك سدً ى َ
دون جزاء، ُ
اإلنسان ر َّبه هكذا ،فكيف ُي َ عرف هذا بنعمه الكثرية ..نعم ،إن مل َي ِ
دارا للعقاب؟ ِ ِ ِ
ودون أن ُيعدَّ له ذو العزة واجلالل ً
ٍ
وسعادة أبدية ،ألولئك ٍ
ثواب دار
الرب الرحيم َ ُّ منح ذلك وهل من املمكن أن ال َي َ
ِ َ ِ املؤمنِني الذين قابلوا
تعريف ذاته سبحانَه هلم بمعرفتهم إ ّيا ُه بـ«اإليامن» ،وقابلوا َتبِ َ
يب
ِ
وتوقيـره بـ«الشكر»؟ ب له بـ «العبادة» ،وقابلوا رمحتَه هلم بإجاللِه ِ
نفسه إليهم بح ِّبه والتح ُّب ِ
احلقيقة الثالثة
باب الحكمة ِ والعدالة وهو تَجلِّي اس ِم «الحكيم والعادل»
ُ
ِ
قانون الوجود ابتدا ًء من لطان ُربوبِ َّيتِه بتـدبري
أظهر ُس َ ٍ
خلالق ذي جـالل َ ()1
أمن املمكن
الذرات وانتهاء باملجرات ،بغاية احلكمة والنِّـظام وبمنتهى العدالة وامليزان ..أن ال ي ِ
عامل ُ َ َّ ً
والضالل يتو َّل ِ
دان غالبا َ َ الكفر
َ تتكرر كثريا ،فهي تُفيد غاي ًة مهمة وهيَّ :
أن ُ ( )1إن عبار َة «أمن املمكن؟»
مسائل اإليامن بعيد ًة عن ميزان العقل ،ف َيعدُّ ها حماال ،و َيبدأ باإلنكار َ ُ
اإلنسان من االستبعاد ،أي َيرى
احلقيقي
َّ َ
واملحال احلقيقي
َّ وضحت بأدلة قاطعة :أن االستبعا َد والكفر ..ولكن هذه الكلمة العارشة َأ َ
ِ ِ
والصعوب َة احل َّق َة واملشكالت العويص َة التي هي بدرجة االمتناع ،إنام هي ِ
العقل ِ
موازين والبعدَ عن
ُّ
والسهولـ َة اجلاري َة جمرى ِ ِ
الكفر و َم َنه ِج ِ
احلقيقي ،واملعقولي َة التام َة ّ
َّ َ
اإلمكان أهل الضالل؛ وأن يف
ِ ِ
طريق اإليمـان ،وجا ّدة اإلسالم. ِ الوجوب ،إنام هي يف
ِ
االستبعاد ،والكلمة العارشة تبيِّ بتلك العبارة: إن الفالسف َة إنام َز ّلوا إىل اإلنكار نتيج َة واخلالصةَّ :
ِ
ُوج ُه رضب ًة عىل أفواه ِهم( ،املؤلف) ِ
يكمن االستبعا ُد ،وت ِّ ُ «أمن املمكن؟» أين
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 72
باإلحسان من احت ََم ْوا بتلك الربوبية وانقادوا لتلك احلكمة والعدالة ،وأن ال ُي ِاز َي أولئك
ِ
وطغيانم تلك الحكم َة والعدالة؟!. عصوا بكفرهم الذين َ
أو العقاب يف هذه احلياة الفانية عىل ٍ
وجه ِ
يستح ُّقه من الثواب ِ ُ
اإلنسان ال َيلقى ما بينام
أغلب ِ
أهل الضاللة دون رحل إل نادرا ،بل ُي َّ ِ
العدالة ّ ِ يليق َ
ُ ؤخ ُر ،إذ َي َ احلكمة وتلك بتلك ُ
ُ
القضية ثوابم ..فالبد أن ت َ
ُناط أكثر أهل اهلداية َ
دون أن ينالوا َ ذهب ُ أن َيل َق ْوا عقاهبم ،و َي َ
عادة عظمى. ٍ
وبلقاء ِآي ٍل إىل س ٍ بمحكمة كربى،
َ
ٍ ِ
بحكمة مطلقة، يترصف فيه
ُ ف يف هذا الكون ،إنام نعم ،إنه َلواض ٌح أن الذي َي َّ
تصـر ُ
والفوائ ِد يف كل يشء ..أال تَرى
ِ أتطلب برهانا عىل هذا؟ فانظر إىل رعايتِه سبحانَه للمصالح ُ
جزء منه ومكان، وكل ٍ اإلنسان مجيعا وعظا َمه وعرو َقه ،وحتى َخالياه ِ
اجلسم َّي َة َّ ِ أن أعضا َء
ِ
الفوائد واألرسار سمه من عضو من أعضاء ِج ِ ٍ كم شتَّى ،بل إن يف ِ ِ
قد ُروعيت فيه فوائدُ وح ٌ
األمور؛ ُدير ِ ٍ ب َقد ِْر ما تُنتِ ُجه الشجر ُة الواحد ُة من الثامر ،مما يدل عىل َّ
َ أن يدَ حكمة مطلقة ت ُ
ين َيدُ َّل ِن عىل ّ
أن اللذ ِ ِ
الكام ِل فيهاَ ، كل ٍ
يشء واالنتظا ِم ِ
صنعة ِّ التناس ِق البدي ِع يف فضال عن
ُ
ٍ ٍ
مطلقة. بحكمة األُ َ
مور تُؤ َّدى
ِ
أعامل ِ
صحيفة ِ
الصغرية ،وكتاب َة ٍ
لزهرة مجيلة يف ُب ِ
ذيرتا ِ
الدقيقة خل َّط ِة ِ
نعم ،إن تَضمني ا ُ
املعنوي ..يرينا
ِّ س أجهزهتا ،يف ن َُو َّيتِـها ِ
بقلم ال َقدَ ِر ِ
وفهر ِ ِ
حياتا ِ
وتاريخ شجرة َض ٍ
خمة ٍ
ٍ
صنعة ِ
روعة تصـرف يف األمر ..وكذا ،وجــو ُد ٍ
قلم حكمة مطلقة هو الذي َي َّ بوضـوح أن َ
ِ
صـاحب
ُ ظهر أن صــانعا حكيام مطلقا هـو وإبدا ٍع يف منتهى الدرجة ،يف خلقة كل شــيءُ ،ي ُ
هـذا اإلبدا ِع وهذه النقوش.
فاتيح خزائن الرمحة كاف ًة ،ومرايا األسامء س الكائنات مجيعا ،و َم ِ هر ِإدراج فِ ِ
َ نعم ،إن
الصن َع ِة ِ ِ ِ
الصغري لإلنسانَ ،لـم َّمـا يدُ ُّل عىل احلكمة البليغة يف ّاحلسنى ك ِّلها ،يف هذا اجلسم َّ
والش ِ
ؤون ِ
اإلجراءات ّ يم ِنة عىل مثل هذه احلكمة الـمه ِ
ِ ِ
املمكن ِ
ملثل هذه من ِ
َُ البديعة ..فهل َ
ِ
باإليامن ،وأن ال الرباني ِة أن ال ت ِ
ُحس َن معامل َة أولئك الذين استظ ُّلوا بظ ِّلها وان َقا ُدوا هلا ّ ّ
تُثِي َبهم إثاب ًة َأ ِبد ّي ًة خالِدةً؟!
ِ
وامليزان؟ امل بال َعدْ ِل
األع ِ ِ
إنجاز ْ وهل تريدُ برهانًا عىل
� �� � � ���� �
73 ��� ���� ���� �
وإلباسه صور ًة معينة، ٍ
خاصة، وبمقاييس كل يشء وجودا بموازين حس ٍ
اسة، منح ِّ َّ
َ َ َ ّ إن َ
ٍ
عدالة وميزان مطل َقني. فق
األمور تسري َو َ ووض َعه يف موضع مالئمُ ..يب ِّين بوضوح أن
َ
يلزم ،وما ِ
استعداده ومواهبِه ،أي إعطا ُء ِّ حق ح َّقه َوفق وكذا ،إعطا ُء ِّ
كل ما ُ كل ذي ٍّ
وري لوجوده ،وتوفري مجي ِع ما حيتاج ِ
أن يدَ عدالةيدل عىل ّلبقائه يف أفضل وضعُّ ، ُ ُ هو َض ِ ٌّ
مطلقة هي التي تُس ِّير األمور.
ِ
احلاجة الفطرية ،أو ِ
االستعداد ِ
أو ِ
املستم َّر ُة والدائمة ملا ُيسأل بلسان وكذا ،االستِ ُ
جابة
أن عدال ًة مطلقة ،وحكم ًة مطلقة مها اللتان ت ِ
ُجريان َع َجل َة الوجود. ُظهر ّ
بلسان االضطرار ،ت ُ
ظمى ،حاج َة احلكمة تلك الحاج َة ال ُع َ
ُ فاآلن ،هل من املمكن أن ُت ِم َل هذه ال َعدا َل ُة وهذه
حاجة ألضعف خملوق؟ ٍ حني أهنام ت ِ
َستجيبان ألدنى اإلنسان؟ يف ُِ ٍ
خملوق وهو ألسمى ِ
البقاء
َ
وأل تصونا ِحشم َة الربوبية وأعظم ما يتمناهّ ،
َ ُ
اإلنسان أهم ما يرجو ُه
فهل من املمكن أن ُتر ّدا َّ
وتتخ َّلفا عن اإلجابة حلقوق العباد؟!
ينال وال ي ِ
مكنُه أن اإلنسان الذي يقيض حيا ًة قصير ًة يف هذه الدنيا الفانية ،ال ُ
َ غيـر َّ
أن
ُ َ
العدالة احل ّق ُة أن ُي َ
القي ُ حيث تقتيض ُؤخر إىل حمكمة كربىُ ، َ
ينال حقيق َة هذه العدالة ،وإنام ت َّ
الصغيـر ثوا َبه وعقا َبه ال عىل أساس ِصغره ،بل عىل أساس ضخامة جنايته، ُ ُ
اإلنسان هذا
إن هذه الدنيا العابر َة بعيد ٌةوحيث ّ
ُ همتِه.. ِ ِ
وعىل أساس أمهية ماهيتَّه ،وعىل أساس َعظمة ُم َّ
َ
املخلوق حلياة َ
اإلنسان خيص هذا ِ َ َّ
تكون حمال ملثل هذه العدالة واحلكمة بام ُّ كل البعد عن أن
اجلامل وللحكيم ِ
اجلميل ِ ِ
للعادل اجلليل ذي ٍ
دائمة جهنم أبد ّية فالبد من َج ٍنة أبدية ،ومن
َ َ
ذي اجلالل.
احلقيقة الرابعة
باب الجودِ والجمال وهو تجلِّي اس ِم «الجوادِ» و«الجمي ِ
ل» ُ
رسمدي ٍ
ومجال وخزائن ال تن َفد، تنضب، ٍ
وثروة ال ُ ٍ
لجود وسخاء ُمطل َقني، أمن املمكن
ٍّ َ
وحمل ضيافة ،يخ ُلد فيه
دار سعادة َّ ٍ
نقص فيه ،أن ال يط ُلب َأبدي ال َ
ٍّ وكامل ال مثيل له،
َ
املعجبون به؟ املحتاجون للجود ،الشاكرون له ،واملشتاقون إىل اجلامل،
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 74
ِ
والقمر الشمس ِساجا،ِ اجلميلة اللطيفة ،وج ْع َل ِ ِ
املصنوعات َزيين ِ
وجه العامل هبذه إن ت ِ َ
ِ
األشجار بألذ األطعمة الشهية املتنوعة ،وج ْع َل وملها ِّ طح األرض مائد ًة للنعمَ ْ ، وس ِ نوراَ ،
كل ذلك ُيظهر َسخا ًء َو ُجودا ال حدَّ هلام؛ فال بدَّ أن كل موسمُّ .. وصحافا تتجدَّ ُد مرارا َّ أواني ِ
َ
اجلود والسخاء املطل َقني ،وملثل هذه اخلزائن التي ال تن َفد ،وملثل هذه الرمحة ِ يكون ملثل هذا َ
األنفس سعادة خالدة حيوي ما تشتهيه ٍ َّ
ومحل دار ضيافة دائمة، وس َعت َّ التي ِ
ُ كل يشءَ ،
مالزمني لتلك ِ املتلذذون يف تلك الدار ،ويظ ُّلوا ِّ األعني وتستدعي قطعا أن ُيـخ َّلد ُ ُّ
وتلذ
فمثل اللذة أمل ٌ كذلكُ ، ِ ُ
فزوال أن َ
زوال األمل لذ ٌة بتعدوا عن الزوال والفراق ،إ ْذ كام َّ السعادة لي ِ
َ
اإليذا َء قطعا. هذا السخاء َيأ َبى ِ
عجب ُمس ِّليا اجلامل َط َردت أحدَ املعجبني هبا ،فقال هذا امل ُ َِ ( )1نعم ،لقد َذ َهب مثال :أن حسنا َء بارع َة
ذات عناقيد شجرة ِعنب ِِ مر ُد ٌّب حتت منكرا َ نفسه :تبا هلا ما أقبحهاِ ..
مجال تلك اجلميلة؛ وذات يوم َّ َ َ ّ
ِ
وعجز عن التسلق ،قال ُمتمتمـا :إنه ِ
حللو ،وملّا مل تصل يدُ ه إليه،
َ لذيذةً ،فأراد أن يأكل من ذلك العنب ا ُ
فسل نفسه ..ومىض يف طريقه( ،املؤلف) حامضَّ ،
حل ِ
سن ِ ِ ِ
املوجودات الشبيه َة باملرايا مع أهنا
تتعاقب بالزوال والفناء فإن وجو َد جتليات اجلامل نفسه وا ُ ُ ( )2إن
منـزه،حسن ٍَّ آيات
اجلامل ليس ُملكا هلا ،بل هو ُ َ تعق ُبها ،يدل عىل أن ذلك جهها ،ويف التي ُ عينِه يف َو ِ
ال مقدّ س( ،املؤلف) وأمارات َج ٍ
ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 76
ضمر عدا ًء اإلنسان األناين مثلام يعادي ما جيه ُله ،يعادي ما ال تصل إليه يدُ ه أيضا ،في ِ َ ألن
ُ َ ّ
وشوق بال ٍ ِ
وحقدا وإنكارا لذلك اجلامل الذي ينبغي أن يقا َبل بام يستح ُّقه من َم ّبة بال هناية
كون الكافر َعدُ وا هلل سبحانه وتعاىل. وإعجاب بال حدّ ..ومن هذا يفهم سر ٍِ ٍ
غاية
ُ َ ُ ُّ
سن يف اجلامل الذي ال َ
مثيل له، ِ
العطاء ِ
الح ُ غيـر املحدود ،وذلك ُ الجو ُد يفوملا كان ذلك ُ
املشتاقني املستَحسنِني، ِ ِ
الشاكرين ،وبقا َء نقص فيه ..يقتيض خلو َدالكمال الذي ال َ ُ وذلك
دون أن َيستمتِع ضيافة الدنيا هذهَ ، ِ كل شخص واختفا َءه برسعة يف دار ونحن ن ِ
ُشاهد رحل َة ِّ ُ
ِ
اجلامل إل نَزرا يسريا بام يفتح َش ِه َّيتَه فقط ،ودون أن يرى من نور ذلك بإحسان ذلك السخاء ّ
ٍ ٍ ٌ الر ُ ِ
خالدة و َمشاهدَ أبد ّية. متنـزهات نحو
منطلقة َ حلة إل لمح ًة خاطفة ..إذن ِّ والكامل َّ
صانعه الكريمِ يدل بموجوداتِه دالل ًة قاطِع ًة يقينا على العالم ُّ أن هذا اخلالصة :مثلما َّ
َ
ِ
اآلخرة بال تدل كذلك على الدّ ِار ذي الجاللَ ،ف ِصفاتُه المقدَّ س ُة سبحانَه وأسماؤُ ه الحسنى ُّ
ريب وتظهرها ،بل ت ِ
َقتضيها. ُ
احلقيقة اخلامسة
باب الشفقة ِ وعُبوديّة ِ ٍ
محمد ﷺ وهو تجلي اس ِم «المجيب» و«الرحيم» ُ
ٍ
حاجة ألدنى بص أخ َفىوشفقة َغ ِري متناهية ي ِ
ٍ رمحة واسعةٍ لرب ذي
ُ أمن املمكن ٍّ
أخ َفت
سمع ْ ٍ ٍ ٍ
برأفة ِ ِ ُ خملوق ،وي ِ
سع ُفه من
غري متناهية ورمحة سابغة ،و َي ُ بحيث ال َيتس ُ ُ
كل دا ٍع بلسان احلال واملقال ،أمن املمكن ّ
أل يب َّ وي ُ صوت ألخ َفى خملوق ف ُيغي ُثهُ ،
ألعظم عباده( )1و َأحب ِ
خلقه إليه ،وال ِ ٍ
حاجة أهم ِ
َ ِّ الرحيم َّ املجيب َّ
ُ الرب
ُّ قض هذا
َي َ
ُيسع َفه بام يرجو ُه منه؟!
ِ وثالث ِم ٍئة ِ
أكثر من ومخسني سن ًة ،والذي َعد ُد أ َّمته ُ َ َ حكمه ألفا ُ
سلطان كم ودا َمإن الذي َح َ ( )1نعمَّ ،
لو مكانتِه شهدون ب ُع ِّ أغلب األوقات -وهم جيدِّ دون معه البيع َة يوميا ،و َي َ ِ ومخسني مليونا -يف َ ثالث ِم ٍئة ِ
وخ ُس البرش َّي ِة نصف األرض ُ ُ ُ رغبة و َطواعية ..هذا الذي تَرس َب َل ٍ ألوامره انقيادا تاما عن ِ وينقادون
أرواحهم، ِ قلوبم ،ومربي َةالرشيفة حمبوب َة ِ
ُ حت ذاتُهاملعنوي ،و َأص َب ْ وانطبع بطا َب ِعه ِ
املبارك، بس َبالِه ِ
ِّ َ ْ
ِ
رحب الكريم الذي َّ ُ لرب العاملني سبحانَه ..هذا العبـدُ ومزكّي َة نفوسهم ،ال ريب أنه العبدُ األعظم ِّ
أحب ِ فحمل ُّ
َ الكائنـات بمهمتِه ورسالتِه ِ أغلب أنوا ِع
ريب أنه ُّ كـل نوع ثمر ًة من ثمرات معجزاته ،ال َ ُ
استعداد وتط ُلبه كحاجةٍ ٍ ُ
البرشية بكل ما هلا من وأن اخللو َد الذي ترجوه العظيمَّ .. ِ ِ
اخلالق خملوق لدَ ىٍ
ُ
� �� � � ���� �
77 ��� ���� ���� �
ي تُريانِنا أن بسهولة و ُل ٍ
طف ِ
ظاه ِر َّي ْ ِ ٍ وضعافِها ،وإعاشتُها ِ
احليوانات ِ ِ
صغار سن ترب َّي ِة
فح ُُ
َّـص ِ
فة مالك هذه الكائنات يسيـرها بربوبية ال حدَّ لرمحتِها؛ فهل يع َق ُل هلذه الربوبي ِة الـمـت ِ َ
ُ َّ ُ ُ ِّ ُ
ِ
ألفضل َملوق؟! أل تَستجيب ألمجل ٍ
دعاء ِ
والرأفة ّ ِ
الشفقة بكامل
َ
عصـر الن َُّّبو ِة ،وبخيالنا إىل تلك ِ ب بأفكارنا إىل َذه ْ َجر ْد من هذا الزمان ،و ْلن َ
ِ
تعال لنت َّ
زاول وظيفتَه بكامل ُعبود َّيتِه ..انظر ..كام أنَّه كي نَح َظى بزيارتِه ﷺ ،وهو ُي ُ ِ ِ
اجلزيرة العرب َّية ْ
لق وخ ِ ِ
السعادة َ تلك ِ
إلجياد َ وهداية ،فإنه ﷺ هو الدَّ ِ
اعي ٍ
رسالة ِ ِ
السعادة بام َأتَى به من بب
َ َس ُ
بود َّيتِه.
عائه وبع ِ
ُ
اجلن ِّة بدُ ِ
ٌ
حاجة أعل ِع ِّليني ..فهي ِ
درجات َ أسفل سافِلني وتر َف ُعها إىل ِ ِ
دركات ملح ٍة ت ِ
ُنق ُذها من الرتدي إىل ُ َّ
باسم اجلميع( ،املؤلف) ِ تقدم هبا ويرف ُعها إىل قايض احلاجات ِ َّ
أعظم العباد َي ُ
َ ظمى ،ال ريب أن ُع َ
والسالم- ِ
املناجاة األمحدية -عىل صاحبها الصال ُة األمة ك ُّلها ،منذ
ُقيمها ُ ِ
ُ مجيع الصلوات التي ت ُ
( )1نعم ،إن َ
عامة ِ
دائم لدعائه ،و ُمشارك ٌة ٌ ومجيع الصلوات والتسليامت التي تبع ُثها إىل النبي ﷺ إن هي ّ
تأمني ٌ
ٌ إل َ
أفراد األمةِ
ِ ٍ
كل فرد من تأميـن عىل ذلك الدعاء؛ وأن ما يؤديه ُّ ٍ
كل صالة وسالم عليه هو معه ،حتى إن َّ
َّ ٌ
عام عىل ِ ِ
تأميـن ٌ
ٌ من الصلوات عليه يف الصالة ،ومن الدعاء َعقب اإلقامة -لدى الشافعية -إنام هو
دعائه باسم البرش َّية قاطب ًة البقا َء ذلك الدعاء الذي يدعو به للسعادة األبدية ..فالنبي ﷺ يرجو يف ِ
ُّ
ِ ِ ٍ
اإلنسان ويرجو ُه بكل ما أويت من قوة بلسان حال فطرته ،لذا ُ والسعاد َة األبدية ،وهذا هو ما يريدُ ه
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 78
ِ
البقاء واخللود! هذه الدعو َة التي ال َي ِ
شرت ُك ِ
كحاجة لحاجة ٍ
عامة ٍ اهلل
دعو َ كيف َي ُ
انظر! َ
ِ ِ
ُ
فتقول وجودات كاف ًة..
ُ أهل الساموات أيضا ،ال َب ِل َ
الم األرض وحدَ ُهمَ ،ب ْل ُ أهلفيها م َعه ُ
ِ ِ
إليكونترض ُع َ
َّ نتوسل بك
فنحن َّ
ُ «آمني ال َّل ُه َّم آمني است ْ
َجب يا ر َّبنا دعا َءه، َ احلال: بلسان
مث َله».
ِّ
وبكل وو ٍّد، ِّ قة وح ٍ بكل ِر ٍ
تلك السعاد َة واخللو َد ِّ
سأل َثم انظر! إنه َي ُ
ب ُوبكل ُح ٍّ زن، ُ
سه ُمه يف الدعاء. الكون مجيعا وي ِ
بكيه ف ُي ِ َ حز ُن وإحلاح ،وبكل تَرض ٍع ور ٍ
جاءُ ،ي ِ ٍ ٍ
شوق
ُ َ
سامية ..يط ُل ُبها ل ُي ِنق َذ
ٍ ٍ
ولغاية ٍ
عظيم، صدثم انظر وتأمل ..إنه يدعو طالبا السعاد َة ل َق ٍ
َّ
طلقالـم ُ ِ ِ ِ ِ ِ َ
أسفل سافلني ،وهو الفنا ُء ُ التدي إىل هاوية اإلنسان واملخلوقات مجيعا من َّ
ِ
الواجبات وتَس ُّل ُم فعة والبقا ُء وتق ُّلدُالر ُ والعبث؛ و َير َف َعه إىل أعىل ِع ِّل َ
ُ
يني ،وهو ِّ ياع
والض ُ
َّ
مرتبة مكاتيب صمدانيةٍ. ِ ليكون أهال هلا وير َقى إىل
َ ِ
املسؤوليات،
َ َ َّ
ِ ِ ٍ ِ
توسال يطلب اإلعان َة ُمستغيثا ب ُبكاءُ ،م ِّ
ترضعا راجيا من األعامقُ ،م ِّ ُ ان ُظر ..كيف أنه
العرشَ ،ف ُّ
يهز ُهم وجدً ا َ بل ِ
السامواتِ ، بل ِ
املوجودات مجيعاِ ، بإحلاح ..حتى كأنَّه ي ِ
سم ُع ُ
()1 ِ
هم آمني. آمني ..ال َّل َّ وشوقا إىل دعائه وجي َع ُل ُهم ُير ِّد َ
دونَ :
ِ
بالقبول واالستجابة؟! قر َن هذا الدعا ُء يمكن ّ َنوروا ِ يؤ ِّم ُن َخل َفه ُ
أل ُي َ ُ بنور اإليامن ..فهل مجيع الذين ت َّ
(املؤلف)
ِ ِ ٍ
باملنـزلة الرفيعة من رب هذا العامل عىل أفعال َمن هو لع ُّأل ي ّط َ األحوال ّ بحال من يمكن
ُ ( )1نعم ،إنه ال
مكن أيضا ٍ ِ ٍ بكل ٍ َرصف يف الكون ِّ َخ ِ
شاهد ..وال ُي ُ علم وبصرية وحكمة ،كام هو ُم َ ُ لقه ،يف الوقت الذي يت
كل عباده ،وهو امل َّط ِلع عىل ِّاملختار من ِ
ِ بدعاء هذا ِ
العبد ِ العليم الرب ِ
األحوال ّ ٍ
ُ بايل ذلك ُّ أل ُي َ بحال من
لتلكحيم َ ِ
األحوال ّ ٍ أفعالِه ودعواتِه؛ كذلك ال ي ِ
الر ُ القدير َّ
ُ الرب
ُّ يستجيب ذلكَ أل بحال من مك ُن ُ
ِ
واالفتقار إليه. ِ
التجرد ِ
الدعوات وهو َي َرى من صاحبِها َّ
كل ِ
ُّ
ِ ِ
بذلك َ والكون وماهيت ُُهام اإلنسان النبي ﷺ ،وتَب َّين َْت َح ُ
قيقة وض ُع العا َلـم بنور ِّ نعم ،لقد تَبدَّ ل ْ
ِ ِ
مكاتيب صمداني ٌة تَستقر ُئ األسام َء َ
الكون ِ
فظهر أن َموجودات هذا ِ
بذلك الضياء؛ َ فت ِ
النور ،وان َ
ُ َ ْكش ْ
النور
تليق بالبقاء ..فلوال ذلك ُ غزى ُ ذات معنًى و َم ً َفيس ٌة ُ وموجودات ن ٌَ فات، ومأمورات مو َّظ ٌ ٌ احلسنى،
ون ِ ِ
حتت ظال ِم األوهام ،حمكوما عليه بالفناء املطلق والعد ِم ،تافها دون معنًى و ُد َ ُ ل َظ َّل
الكون مستورا َ
كل يشء يف األرض والسامء ،من ال َّثرى ٍ الصدفة ..وهلذا السِّ فإن َّ ِ
ووليدَ ُّ وسدى َ نفع ،بل كان عبثا ُ
العبوديةِِ ُ ِ
إىل ال ُّثريا يستيض ُء بنوره ﷺ و ُيبدي عالقتَه به مثلام ُيؤ ِّم ُن ِ
روحاإلنسان لدعائه وال َغ ْر َو أن َ
� �� � � ���� �
79 ��� ���� ���� �
قدير َسميع ك َِريم ،ومن ٍ
عليم ويرجوها من ٍ ُ األبدي،
َّ يسأل السعاد َة والبقا َء وانظر ..إنه ُ
يب له،ستج ُألضعف خملوق ف َيتداركُه برمحتِه ،و َي ِ ِ ٍ
حاجة سم ُع َأخ َفى صري ِ
رح ٍ َب ٍ
َ يم َيرى و َي َ
ِ
بلسان احلال. حتى إن َ
كان دعا ًء
بحكمة ،مما ي ِنفي أي َة ُش ٍ
بهة بأن تلك الرعاي َة ٍ ٍ
ورمحة و ُيغي ُثه ٍ
ببصرية يستجيب ل ُه نعم ،إنه
َ ُ
كريم َر ِحيم.
عند ٍ إل ِمن ِ الدقيق ليس ّ
َ َّدبري ٍ
إل من َلدُ ن سمي ٍع َبصري ،وأن ذلك الت َ ليست ّ
ْ الفائق َة
العرش األع َظ ِم ،رافعا ِ متوجها إىلِّ ميع َبنِي آد َم عىل هذه األرض نعم ،إن الذي يقو ُد َج َ
البرش ّي ِة.. الصة عبود َّي ِة األحد َّي ِة التي هي ُخ ٍ
ِ ُ بود ِية ْ يقة الع ِ
ُ
بحق ِ شام ٍل ِ بدعاء ِ َيد ْي ِه ،داعيا
ان؟! األزمان واألكو ِ ِ ِ
الكائنات ،و َف ِريدُ رف اإلنسانِ َّي ِة ،و َف ْخ ُر تُرى ماذا ُيريدُ ؟ ماذا ُي ِريدُ َش ُ
َ
ِ يسأل اخللو َد يف ِ لنفسه وأل َّمتِه ،إنه ُ األبدي َة ِ يسأل السعاد َة ِ ِ
البقاء ،إنه دار ّ لنُنص ْت إليه ..إنَّه ُ َّ
بجاملا يف ِ ِ املتج ِّل ِية ِ ِ َي ُ
مرآة رجوها مع تلك األسامء اإلهل ّية َ َعيمها ..نعمَ ،يسأهلُا و َي ُ سأل اجلنَّ َة ون َ
األسامء احلسنَى كام تَرى. ِ ستشف ُع َ
بتلك ِ ِ
املوجودات ..إنه َي
ِ
دالئل لآلخرة وال يش ٌء من ِ موجبة ال تُعدُّ وال ُت َص ٍ ٍ
سباب رأيت إن مل يكن يش ٌء من َأ َأ َ
إلجياد اجلنَّة( )1التي ِهي سهل ٌة ِ الكريم ﷺ َوحدَ ه سببا كافِيا ِ َّبي ِ
أليس دعا ُء هذا الن ِّ وجودهاَ ،
احلياة إىل األرض يف أ ّيا ِم الربيع؟ ِ ِ
إعادة كسهو َل ِة ِ درة ِ عىل ُق ِ
الرحيمُ ، خالقنا
للحرش ،فأوجدَ فيه ِمئ َة ألف ن َُمو َذ ٍج
ِ األرض يف الربيع ِمثاال
ِ طح نعم ،إن الذي َ
جعل َس َ
ِ ِ ِ
ب عليه إيجا ُد اجلنة؟ ..إذن فكام كانت رسالتُه ﷺ من نامذ ِجه بقدرته املطلقة ،كيف َيص ُع ُ
الـمتقن َِةوالصنعة ُ
ِ
َّ َ
العقول، ـم ال َبدي ِع الذي َح َّي َر فهل من املمكن يا ت َُرى ِالنتِظا ِم العا َل ِ
وفوض َ قبل ُقبحا فظيعا و ُظلام شنِيعا أن َي َ عةْ ،الواس ِالرمحة ِ ِ لة يف إِ ِ
طار الشام ِ
ِ ِ
الربوبية وج ِ
مال َ
أكثر ِ ِ ِ
أطنابا ،بعد ِم استجا َبة ذلك الدعاء أي أن ال ُيراع َي وال ضارب ًة
يسمع وال ُينج َز َ َ َ
ِ حني أنه ي ِ ِ
غرها، وأص َ أبسط الرغبات ْ َ راعي باهتامم بالغ مهي ًة ،وأشدَّ ها رضور ًة يف ِ ُ الرغبات أ ّ
لف لف َأ ِ كل َأ ُ كل ُث َّم ّ حاجة حاجتَه! ّ ٍ لكل ذي ويقض ِّ ِ ِ
األصوات وأد َّقها فت
أخ َ سمع ْو َي ُ
فالرسول ﷺ إذن َيفت َُح بعبود ّيتِه ُ ()2
يكون َق ً
بيحا؛ َ ولن
َّشو َه ْ ِ
اجلامل َيأ َبى الت ُّ مثل هذا َمرة ،إن َ
ِ ِ ِ
باب الدنيا.تح برسالته َ باب اآلخرة مثلما َف َ َ
ادلنيا َو َدار َ َ َ ْ َ َ َ ُ َّ ْ ٰن م ْل َء ُّ
ان.
اجلن ِ ِ ِ علي ِه صلوات الرح ِ ِ
َُ َ ُّ َ َْْ َ ْ َّ َّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ ٰ َ ْ َ َ َ ُ َ ٰ َ َ
ي َوفخ ُر الى هو س ِيد الكون ِ يب ِ الل ص ِل وس ِلم عل عب ِدك ورسولِك ذلِك احل ِب ِ
ٰ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ ْ
ي َو َعل ي ورسول اثلقل ِ ي وذو اجلناح ِ ي وحياة ادلاري ِن وو ِسيلة السعادت ِ العالم ِ
آ
ني� ..م َ الم ْر َسل َ ني َو ُ انلب ّي َ
َ ّ َْ َ َ َٰ ْ َ َ َ ْ آ
ني. ِ ِ � ِ ِل وصح ِب ِه أج ِعني وعل إخوانِ ِه ِمن ِ ِ
احلقيقة السادسة
باب العظمة ِ والسرمدِية ِ وهو تجلِّي اس ِم «الجلي ِ
ل» و«الباقِي» ُ
ِ
األشجار وإىل ِ
الشموس إىل ِّ
ويسخ ُرها من ِ
املوجودات دير ٍ
جليل ُي ُ لرب
أمن املمكن ٍّ
(« )1إنه صحيح معنًى ولو ُض ّعف مبنى» عيل القاري ،رشح الشفا 6/1؛ األرسار املرفوعة 385؛ العجلوين ،كشف اخلفاء
214/2؛ الشوكاين ،الفوائد املجموعة .326
ِ
الغايات األخرى فوق املطلوب منه ،أما إذا نظرنا إليه مع ِ
أخذنا ِ
املنظار َف َسرتى أن هناك عددا َ هبذا
َ
ِ
أن العدَ َد بالكاد يفي باحلد ِ
وغريها ،عند ذلك نَرى َّ ِ ِ
وجماهدَ ة األعداء ِ ِ ِ ِ
االعتبار كحفظ احلدُ ود، بن ِ
َظر
َ
ُ
القول يف احلكومة مع عظمتِها؛ وهكذا ُيمكن
ِ ُ
حكمة احلكمة ،إذ َت ِ
تم ُع ِ ٌ
متوازن بكامل املطلوب ..فهو
فوق احلدِّ املطلوب( ،املؤلف)ليس َ َ ِ
اجليش َ احلالة :إن هذه
� �� � � ���� �
85 ��� ���� ���� �
لريتع
َ
رتك حب ُله عىل غاربه ،ومل يرتك ِ
طليقا ُ اإلنسان مل ُي ْ َ
َ الأساس السادس :وستفهم أن
ِ ِ ُسج ُل
ب عليها.حاس َ وتدو ُن ُ
مجيع أفعاله ل ُي َ َّ جميع أعامله وتُلت َق ُط َ
صو ُرها، ُ أينام ُيريدُ ،بل ت َّ
ِ
لوقات ِ
اخلريف َم صيب يف
ثار الذي ُي ُ
ِ
تفهم أن املوت واالند َ وس ُ َ الأساس السابع:
وظائفها بعد إكامهلِا ِ جلميل َة ،ليس َفنا ًء وإعدا ًما ،وإنام هو إعفا ٌء من ِ
الربي ِع والصيف ا ََّ
ِ ِ
َخلية مكان ملا َسيأيت يف الربي ِع اجلديد منٍ ٍ
إفساح َمجال وت ُ ()1
َرسيح منها ،وهو ِ
ُ وإيفائها ،وت ٌ
ِ
اجلديدة ،وهو تنبي ٌه ِ
املأمورة ِ
املوجودات يح ُّل من وت ِي َئ ٌ ٍ
ـة ملا َس ُ ـؤ َ
خملوقات جديدة؛ وهو َت ُّي ٌ
الشك ِْر.
عن ُّ السك ُْر ِ ُ
الغفلة َمها َّم ُهم ،ومنَ َع ُه ُم ُّ أنست ُْهمالذين َ
َ ِ
املشاعر رباين لِ ِ
ذوي ٌّ
غري هذا ،وهو
الرسمدي هلذا العامل الفاين له عامل ٌ ُ
َّ أن الصانِ َع
وستفهم َّ
ُ الأساس الثامن:
شو ُق عبا َده إليه ،ويسو ُقهم إليه. عالـم ٍ
باق خالدٌ ،و ُي ِّ ٌ
جل جال ُله سوف ُي ِ
كرم يف ذلك العامل الرحيم َّ
َ الرمحن
َ الأساس التاسع :وستفهم أن
خطر عىل قلب برش ..آمنا.
أذن سمعت وال َ عني رأت وال ٌاملخل ِصني بام ال ٌ
ِ ِ
الفسيح عبا َده
احلقيقة السابعة
قيب»
باب الحفظِ والحفيظيَّةِ وهو تجلي اس ِم «الحفيظِ » و«الر َّ ِ
ُ
ورقيب َي َف ُظ بانتظام وميزان ما يف السامء واألرض ،وما يف ال َب ِّـر ٍ أمن املمكن حلفيظ
ِ ب ويابِس ،فال ُيغادر صغير ًة وال كبير ًة ّ ِ
والبحر من َر ْط ٍ
راقبإل أحصاها ،أن ال ُياف َظ وال ُي َ
مهم َة ُ ِ اإلنسان الذي يملك فطر ًة ِ
سامي ًة ،و َيش َغ ُل رتب َة ِ َ
وحيمل ّ اخلالفة يف األرض، أعامل
َـم ُّس الربوبي َة العام َة؟ وال َ ِ
حيافظ عىل أفعاله التي ت َ األمانة الكربى؟! فهل يمكن أن ال
ِ
األشجار -التي هي ِ
ورؤوس ِ
أغصان ِ
املحمولة عىل زوال ال ِّثامر واألزهار واألوراقِ ( )1نعم ،ال بدَّ من
الباب أمام ما َي ُ
سيـل ُ وصد وه ِر َمت ،كيال ُي َ
األرزاق للرمحة اإلهلية -بعد أن أدت وظي َفتها َ ِ ُ
خزينة
ِ
أخواتا ،فضال عن أهنا ِ
الرمحة وحائال أمام مها ِّم وإل صارت سدًّ ا منيعا أمام ِ
سعة ورا َءها وخي ُلفهاّ ،
َ
ِ
فالربيع أشب ُه بتلك الشجرة املثمرة ،املُظهرة للحرش، نفسها تذوي وتذ ُبل بزوال ِ
شبابا؛ وهكذا،
ُ هي ُ
حكمة وعربة ،واألرض مجيعا شجر ُة ُق ٍ
درة ٍ ذات كل عرص -هو شجر ٌة ِ
مثمرة ُ وعالـم اإلنسان -يف ِّ
ً ُ
ِ
ثامرها إىل سوق اآلخرة( ،املؤلف) ُ بديعة والدنيا كذلك َشجر ٌة رائع ٌة ٍ
ترسل َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 86
ٍ
ثواب يليق به من ِ
العدالة؟ وال ُي ِازي فاع َلها بام ُ ِ
بميزان حاسبة؟ وال َي ِز َنا َي ِ
بالـم َ
ُ فر ُزها
لوا كبريا.
وعقاب؟! تعاىل اهلل عن ذلك ُع ًّ
العظيم ،وكيف ِ الشاسع ِ ثمر يف الربيع زهر و ُم ٍ أال ترى كيف يحا َفظ عىل كل يشء م ِ
ُ ُ
ونامذج ُص َو ِره ،كتاب ًة ِ وانني تركيبِهاخلاص ِة به ،وعىل مجيع َق ِ حائف أعاملِه ِ ُيحا َفظ عىل مجيع َص
َّ
حساب ٍ الصحائف َوفق ُ ُنش ُر تلك الربيع ت َ ذيرات ..حتى إذا ما َ
أقبل ِ دد حمدود من ال ُب يف َع ٍ
ُ
واحلكم ِة؟ أال ُيبيِّ هذا مدى َ غاية االنتظام خرج إىل الوجود ربيعا هائال يف ِ
ً دقيق يناسبها ،ف ُي ِ ُ
احلفظ إىل هذا احلدِّ من ُ لة؟ فلئن كان الشام ِ
ِ ِ
إحاطتهام والرقا َب ِة ،ومدى قوة ِ ِ
نُفوذ احلفظ َّ
بأعاملِ ِ
االحتفاظ عدم عادية ،فهل ُي ُ ٍ واإلحاطة فيام ال أمهِّ ي َة له ويف أشيا َء مؤ َّق ٍتة ِ ِ
عقل ُ اإلتقان
ِ
الربوبية واح ،ولدى األر ِ اآلخرة وعا َل ِ ِ ب وعا َل ِ ـم الغ ْي ِ مهمة يف عا َل ِ ٌ
ـم ْ ـم ثامر
البرش ،التي هلا ٌ
حاش هلل.. وعدم تدوينِها؟ َ ُ ُ
إمهالا العا َّم ِة؟! فهل يمكن
الواضحة ،أن ملالك هذه ِ يظية ،وعىل هذه الص ِ
ورة احلف ِ نعم ،يفهم من جتيل هذه ِ
ُّ ُ
كل ما جيري يف ُملكه ،وله منتهى ِ وضبط ِّ ِ ِ
كل يشء وحفظهَ ، َسجيل ِّ ِ ِ
املوجودات عناي ًة َبالغ ًة لت ِ
ب أدنى ِ ُ العنا َية يف َسلطنة ربوبيتِه، الرعاية يف حاكميتِه ،ومنتهى ِ
يكتب و َيستكت ُ ُ بحيث إنه َّ
ُ ٍ ِ
كل ما َي ِري يف ملكه يف َمحاف َظ كثرية؛ فهذه بص َو ِر ِّ ِ ٍ ٍ
املحافظة عمل ُمتف ًظا ُ َ
وأهون حادثة
الصورة الس ِ
ابعة( ،املؤلف) ِ ( )1انظر حاشي َة
ّ
� �� � � ���� �
87 ��� ���� ���� �
ِ
املخلوق ِ
ملحاسبة األعامل ،وال س َّيام هلذا شك ِس ِج ٌّل
عة الدقيقة تدل عىل أنه س ُيفت َُح بال ٍّ الواس ُِ
تدخل أعما ُله التي
َ ُ
اإلنسان؛ فالبدَّ أن ٍ
عظيمة ،أال وهو ِ
واملفطور عىل مزايا والمعز ِز
َّ المكر ِم
َّ
ُنرش ٍ ٍ ٍ ٍ هي عظيم ٌة ،وأفعا ُله التي هي ُم ِهم ٌة
وماسبة دقيقة ،والبد أن ت َ حساس ُ ضمن ميزان َ
صحائف أعاملِه.
ُ
ِ
واألمانة، ِ
باخلالفة مكر ًما ُ أن ُي َ
عقل ْيقبل ٌ فيا تُرى هل ُ
أصبح َّ
َ اإلنسان الذي رتك هذا
أغلب ِ بتدخ ِله يف شؤون ِع ِ
بادة ِ
املخلوقاتُّ ، والشاه ِد عىل
ِ ِ
القائد ِ
مرتبة والذي ارت َقى إىل
شؤونَ ِ
وشهوده ِ
الكثرية، ِ
ميادين املخلوقات وتسبيحاتا ،وبإعالنِه الوحداني َة يف
ِ ِ
املخلوقات
ب إىل القرب لينا َم هادئًا دون أن ُين َّب َه يذه ُ ُ
اإلنسانَ ، الربوبية الكل َّي ِة ..فهل يمكن أن ُي َ
رتك هذا ِ
ِ
املحكمة ِ
الـمحرش ل ُيحاك ََم يف ساق إىلوكبرية من أعاملِه ،ودون أن ُي ٍَ ٍ
صغرية عن ِّ
كل ل ُي َ
سأل ْ
كل!
كل ثم ّ
الكُربى؟ ّ
الت ِ
اب ُ
اإلنسان إىل العد ِم ،وكيف يمكن أن يتوارى يف ُّ يذهب هذا
َ وكيف يمكن أن
معجزات قدرتِه يف
ُ جميع الوقائ ِع التي هي
ُ َشهدُ ِ
ف َيفل َت من َيد القدير ذي اجلالل الذي ت َ
ِ
ِ
األزمنة( )1اآلتِ َية ..تلك العظيمة ملا سيحدُ ث من الـم ِ
مكنات يف ُ َ
ِ الغابرة عىل ُقدرتِه
ِ األزم ِنة
ِ
احلقيقة الثامنة
«الـجميل» و«الـجَليل»
َ باب الوعدِ والوَعيدِ وهو تجلي اس ِم
ُ
ويف بام املطلق ّ العليم املط َل ُق ِ أمن املمكن لم ِ
أل ُي َ ُ والقدير
ُ ُ املوجودات وهو بدع هذه ُ
ٍ ٍ
يقون وش ِهدَ به ِّ
الصدِّ َ ووعيدَ ،عليهم السالم كاف ًة بالتواتر من وعد َ
ُ مكر ًرا األنبيا ُء
أخبـر به َّ
َ
كبريا ..علام ظهرا عجزا وجهال بذلك؟ تعاىل اهلل عن ذلك ُع ُلوا ً واألوليا ُء كا َّف ًة باإلمجاعُ ،م ً
أن األمور التي َو َعدَ هبا ،و َأ ْوعدَ ها ،ليست عسري ًة عىل قدرته قطعا ،بل هي يسري ٌة وه ِّين ٌة،
بمثلها( )2يف بذواتا( )1أو ِ
ِ ِ
املوجودات التي ال ُتىص للربيع السابق ِ
إعادة هلة كسهولة وس ٌ َ
رضوري كذلك لسلطنةِ ِ
ِ ٌ ِّ
ولكل يشء، ض ٌ
وري لنا بالوعد فكام هو َ ُ ِ
املقبل ..أما الوفا ُء َ الربيع
حيث ال ُ ومناف إلحاطة ِ
علمه، ٍ عد فهو مضا ٌد لعزة قدرته،إخالف الو ِ
ِ ربوب َّيتِه ..بعكس
َ
إل من اجلهل أو العجز. ِ
الوعد ّ إخالف
ُ يتأتَّى
َ
وإنكارك! َ
بكفرك ظمى ِ ٍ ِ
ترتكب من جناية ُع َُ محاقة ما َعلم مدى
املنكر ..هل ت ُ
ُ فيا أهيا
ُكذ َب َمن ال ُيض َط ُّـر
ونفس َك الخدّ اع َة ،وت ِّ ِ
الكاذ َب وعق َلك
َ اهلاذي
َ إنك تُصدِّ ُق َ
وهم َك
لقها َخ ْل ًقا بدي ًعا كهذا ال شجرتا؛ فالذي َي ُ ِ ِ
حياة َ
تاريخ بذورها تتضمن ِ
الصنعة ،حيث هي م ِ
عجز ُة
ُ ُ ُ
عج ُزه يش ٌء مطل ًقا. ُي ِ
ِ القيامة ،والذي ي ِ ِ
إحداث قادر عىل
الربيع ٌ
َ ـحد ُ
ث ُ قادر عىل خلق يو ِم وهكذا ،فالذي خي ُلق اليو َم هو ٌ
يقدر ِ ٍ ِّ ـم املايض وع َّلقها عىل رشيط الزمان ِ
-بكل حكمة وانتظام -الشك أنه ُ أظهر عوال َ
احلرش ،والذي َ
قاطع يف كثري منبخيط املستقب ِل ،وسيظهرها حتام ..وقد أثبتنا بشكل ِ ِ ظه َر عوامل َ أخرى و ُيع ِّلقها عىل أن ُي ِ
ُ ُ َ
يقدر عىل خلق يشء، ـق َّ رشين» بأن «من ال يـخ ُل ُ الثانية ِ
ِ ِ
كـل يشء ال ُ َ والع «الكلمة «الكلامت» وال سيام يف
ٍ
واحدة أحيل إيـجاد األشيـاء إىل ٍ
ذات كل يشء؛ وكذلك لو َ يقد ُر عىل أن خي ُل َق َّ ومن خي ُل ُق شي ًئا واحدً ا ِ
ُ
ألصبح إيـجا ُد دة وإىل الكثرة لت األشيـاء كـ ُّلها كاليشء الواحد ،ولو ُأسنِدَ إىل األسباب املتعدِّ ِ لسه ِ
َ ُ َ ُ
ِ
والـمحال»(.املؤلف) ِ ِ ِ
اليشء الواحد صع ًبا بمقدار إيـجاد األشياء ك ِّلها ،ويكون مشك ًل بدرجة االمتنا ِع ِ ِ
ُ
ِ
واألشجار( ،املؤلف) شاباألع ِ
وأصول ْ ِ كج ِ
ذور (ُ )1
ِ
والثمـار( ،املؤلف) كاألو ِ
راق ْ ()2
� �� � � ���� �
89 ��� ���� ���� �
ميع بعزتِه َ ِ الوعد ،وال إىل ِخالفِه أبدا ،بل ال َي ُِ ِ
فج ُ وعظمته قط ًعاَ .. اإلخالف َّ
ُ ليق إخالف إىل
ترتكب إذن جناي ًة عظمى ال املشهودات تَشهدُ عىل صدقه وأح ِّق َّيتِه! إنك ِ يع ِ
ُ وج ُ األشياء َ
تستحق عقابا عظيام أبديا ..ولقياس ِع َظم ما ُّ رك املتناهي ،فال َج َر َم َ
أنك هناي َة هلا مع ِص َغ ِ
أهل ِ
النار كاجل َبل( ..)1إن َم َث َلك هو كم َثل بعض ِ ِ ناية فقد َو َر َد أن ِض َس
يرتكبه الكافر من ِج ٍ
ُ ُ
عقله من خيال ،ثم يريد أن الشمس ويتبع ما يف ِ
ُ ِ غم ُض َعين َِيه عن نور
املسافر الذي ي ِ
ُ ِ ذلك
اعة!
الي َ يص ك ِ
َنور َ خيف بضياء ما يف عقله من َب ِص ٍ الـم َ ينو َر طري َقه ُِّ
ِ
احلواد ُ
ث باحلق ،وهذه
قة ِّ ِ
الصاد ُ املوجودات كلماتُه وعدَ ،وهذهاهلل سبحانَه قد َ
ُ فام دام ُ
ِ ِ
ب وسيفتح حمكم ًة كربىَ ،
وس َيه ُ ُ حتم، ُ
الناطقة بالصدق ،فإنه َسيويف بوعده ً يف العامل آياتُه
ظمى. سعاد ًة ُع َ
احلقيقة التاسعة
و«المميت»
ِ حي القيِّو ِم» و«المحيي» ِ ِ
باب الإحياء والإماتة وهو تجلي اس ِم «ال ِّ
ُ
موتا وجفافِها ،وب َع َث خمة بعد ِ الض ِ ِ
أظهر قدرتَه بإحياء األرض َّ َ أمن املمكن للذي
كأعجو َبة عجيب ُ كل نَو ٍع أن َب ْع َث ِّ ِ
املخلوقات ،مع َّ ألف نو ٍع من أنواع مئة ِ ثالث ِِ أكثر من
ٌ َ
كائن من بني ذلك كل ٍ ِ
أظهر إحاط َة علمه ضمن ذلك اإلحياء بت ِ
َمي ِيزه َّ ِ ِ
َب ْعث البرش ..والذي َ
احلرش يف ِ
بوعده ُم ِ
السعادة األبدية زاج والتشاب ِك ..والذي وجه أنظار مجي ِع ِ
عباده إىل االمتِ ِ
َ َ َّ َ ُ
املوجودات ُمتكاتف ًة ُمرتافِق ًة،
ِ بجعلهِ أظهر عظم َة ُربوب َّيتِه َ ِ
السامو َّية ..والذي مجيع أوامره
البرش
َ ول عضا ..والذي َأ َ بعضها َب ً مسخرا أفرا َدهاُ ،معاونًا ُ ِّ أمره وإرادتِه، فأدارها ضمن ِ َ
ِ
أجمع ثمرة يف شجرة الكائنات ،وألط َفها وأشدَّ ها ِرق ًة و َد ً ِ ٍ بج ْع ِله
الل، َ األمهي َة القصوىَ ،
متخذا إياه خما َطبا ..أ َف ِم َن املمكن ملثل هذا كل يشءِ ، مسخرا له َّ ِّ وأكثرها مستجابا للدعاء، َ
بعثاحلرش وال َي َ ث ِ
احلكيم أن ال يأيت بالقيامة؟ وال ُيحد َ ِ ِ
العليم يم وملثل هذا ِ ِ
القدير الرح ِ
َ
اجلنة والنار؟! ِ ِ
وخلق َمة الكربى أبواب املحك ِ ِ فتحعج َز عن ِ وأن َي ِ عج َز عنه؟ ْ البرشْ ،أو َي ِ
َ
ذلك ُع ُلوا ً
كبريا. تعاىل اهلل عن َ
إخالف
ُ وتذ ٌلل ،وأما دنو إىل جالله المقدَّ ِ
س ،ألنه ذ ّل ٌة َ فإخالف الوعد ال يمكن أن َي َ
ُ
العفو
َ مطلقة( )1ال يست ُّ
َحق ٌ ٌ
جناية الكفر
َ ِ
العجز؛ واحلال أن ناشئ من العفو أو
ٌ الوعيد فهو
َ
املخربون والشهو ُد فهم املطلق فهو ُقدُّ وس َّ
منـز ٌه عن العجز ،وأما ُ القدير
ُ واملغفرةَ ،أما
ِ
ومشاربم، ِ
ومناهجهم ِ
مسالكهم ِ
اختالف غم ِ ِ َ
أساس هذه املسألة َر َ متفقون اتفاقا كامال عىل
حيثالنوعية بلغوا قو َة اإلمجاع ،ومن ُ
ُ حيث الكثر ُة بلغوا درج َة التواتر ،ومن ُ
حيث فهم من ُ
ُ
األمهية عيون الطوائف ،ومن ُ
حيث ِ ِ
البرشية وهداتُها وأعز ُة القو ِم وقر ُة نجوم ُ
املنزلة فهم
ُ
حكم اثنَني من ِ
أهل إثبات» ..ومن املعلوم أن ٍ ٍ
اختصاص وأهل ِ
املسألة «أهل فهم يف هذه
َ
يرج ُح ٍ
رج ُح عىل آالف من غريهم ،ويف األخبار والرواية َّ االختصاص يف علم أو صنعة ُي َّ
رؤية هالل رمضان، ِ رين ،كام يف إثبات ِ ٍ اثنني من املثبِتِني عىل
قول ِ ُ
النافني املنك َ
َ آالف من
ِ
احلائط. عرض
النافني َ مثبتان ،بينام يرضب بكالم ٍ
آالف من ِ ِ
شاهدان يرج ُح ُ
َ ُ ُ حيث ّ
ِ
أسامء تزييف جتا َه ِ
وانتفاء النفع؛ وهو يتهمها بالعبثية ِ
للكائنات مجي ًعاُ ، الكفر إهان ٌة َ
ٌ حيث ُ قري
وت ٌ َ ( )1نعم إن
حيث تكذيب للمخلوقات مجيعا ُ ِ
ينكر جتيل تلك األسامء عىل مرايا املوجودات؛ وهو
ٌ اهلل احلسنى ،ألنه ُ
يسلب ٍ
درجة اإلنسان واستعداداتِه إىل
ِ الوحدانية ..لذا فإنه ي ِ
فسدُ ُق َوى ِ ِ
املوجودات عىل ير ُّد شهاد َة
ُ ُ
جتاوز حلقوق مجي ِع املخلوقات، ٌ عظيم جدا ،إذ هو
ٌ منه القدر َة عىل تق ُّب ِل اخلري والصالح ..وهو ٌ
ظلم
نفس الكافِر من قبول اخلري ،اقتىض احلقوق ،ولعدم متكُّن ِِ ومجي ِع األسامء احلسنى ،لذا فحفاظا عىل هذه
الكريمة ﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ تفيدُ هذا املعنَى(.املؤلف) ُ ُ
واآلية ِحرمانَه من العفو؛
� �� � � ���� �
93 ��� ���� ���� �
أصوب منها ،وال حقيق َة ُ
أظهر ُ أصدق من هذا يف العامل ،وال قضي َة
ُ واخلالصة :ال َ
خبر
ضح.
منها وال ْأو ُ
ِ
خمزنان. والنار بيدر ،واجلن ُ
َّـة فالدنيا إذن مزرع ٌة بال ٍ
ُ واملحرش ٌ
ُ شك،
احلقيقة العارشة
باب الحِكمة ِ والعناية ِ والرحمة ِ والعَدالة ِ
َّ ُ
حيم»
حكيم» و«ا�لك َريمِ» و«العَادلِ» و«الر َّ ِ وهو تجلي اس ِم «ال ِ
ِ
الفانية هذه ،ويف ِ
ضيافة الدنيا أظهر يف دار اجلالل الذيِ املمكن ملالِ ِك امللك ذي ِ أمن
َ َ
آثار احلِكمةِ ِ
ض األرض املتبدِّ ل هذا ،هذا ال َقدْ َر من ِ معر ِ ائل هذا ،ويف ِ الز ِ ِ
ميدان االمتحان َّ ِ
َ
القاه ِ
رة ،وهذا آثار العدا َل ِة ِ
رة ،وهذه الدرج َة من ِ الظاه ِ
ِ الع ِ
ناية الباهرة ،وهذا املدَ ى من آثار ِ ِ
لكه وملكوتِه مساكن ِ محة الواسعة! ألَّ ينشئ يف عامل م ِ آثار الر ِ
دائم ًة ،وسكن ًة َ ُ ُ َ حلدَّ من ِ َّ ا َ
ِ
الظاهرة ِ
احلقائق جميع منثورا فتذهب هبا ًء ٍ
وخملوقات مقيمني.. ٍ
ومقامات باقي ًة، دين، ِ
ُ ً َ خال َ
العدالة ،وهلذه الر ِ
محة؟! ِ العنا َي ِة ،وهلذه
احلكمة ،وهلذه ِ
ِ هلذه
َّ
ِ
املخلوقات ،وج َع َله ُما َط ًبا اإلنسان من ِ
بني َ اختار هذا حلكيم ذي َج ٍ
الل ٍ وهل ُيع َق ُل
َ
ِ حلسنَى ،و ُمقدِّ ًرا ملا يف َخ ِ ِ ِ ِ
تذوقا هلا نابيع ،و ُم ِّ
زائن رمحته من َي َ ك ِّل ًيا له ،ومرآ ًة جامع ًة ألسامئه ا ُ
ِ
أسامئه احلسنَىَ ،فأح َّب ُه وح َّب َبه بجمي ِعف ُسبحانَه ذاتَه اجلليل َة له َ َعر ًفا إليها ،والذي َّ
عر َ و ُمت ِّ
َ
اإلنسان «احلكيم» َج َّل َ
وعال هذا رس َل َ
ذلك كل هذا أن ال ي ِ ول بعدَ ِّ رين ..أ َف ِم َن ُ
املعق ِ َ
ُ ُ لآلخ َ
تلك في ِ ِ ِ ني إىل َم َلكتِ ِه اخلالِ ِ الـم ِ ِ
سعدَ ُه فيها؟ السعيدة الدائمة َ ُ يدع َو ُه إىل الدَّ ِار َّ
دة تلك؟ وال ُ سك َ
الش ِ ذرةً -بِث َق ِل َّ ٍ
جرة، جم ًة -و َل ْو كان بِ َ وظائف َّ
َ موجود حم َل َّ
كل أم هل ُيع َق ُل أن ُي ِّ
جود َ
تلك ثامرها ،ثم َيع َل غاي َة و ِ أزهارها ،و ُيق ِّلدَ ُه َمصالِ َح بعدَ ِد ِِ ِّب عليه ِحكَام بعدَ ِد
ُ َ و ُيرك َ
الـم َتو ِّج ِه إىل الدُّ نيا؛ أي
يل ُالض ِئ ِ ِ
مجر َد ذلك اجلزء َّ ِ
والـمصال ِح َجيعها َّ
ِ
َ الوظائـف واحلِ ِ
كم ِ
بمثقال َح ٍبة من َخر َد ٍل؟
ِ جود هي البقا َء يف الدُّ نيا فقط ،الذي ال َأمهِّ ّي َة له حتى جيعل غاي َة الو ِ
ُ َ
اآلخ ِ
رة لعالـم ِ
ِ ذورا لعامل املعنَى ،وال َم ْز َرع ًة ِ وال َ
واملصالح ُب ً
َ والحك ََم الوظائف
َ جيعل تلك
اللئق َة هبا. غاياتا الـح ِق ِ
يـق َّيـ َة ّ ِ لت ِ
ُثم َر
َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 94
واالحتفاالت الع ِ
ظيمة هبا ًء بال ِ املهرجانات الر ِ
ائعة ِ يع هذه ِ وهل ُيع َق ُل أن
َ َّ تذهب َجم ُ
َ
وج َهها ك َّلها إىل عاملِ املعنَى ِ ٍ ٍ
وسدً ى بال معنًى وعب ًثا بال حكمة؟! أم هل ُيع َق ُل أن ال ُي ِّ غايةُ ،
ُظهر غاياتِها األصيل َة وأثمارها ِ
الجدير َة هبا؟! َ وعاملِ اآلخرة لت ِ َ
للحقيقة ،خال ًفا ألوصافِه المقدَّ ِ
سة ِ كل ذلك ِخال ًفا املمكن أن ُي ِ
ظه َر َّ ِ نعم ،أمن
ُ
ِ
املمكن كل ..ثم كَّال ..أم هل من الر ِ
حيم» َّ ِ ِ ِ ِ
«احلك ِ ِ
الكريم ،العادلَّ ، يم، وأسامئه احلسنَى:
وعدْ ٍل ٍ
حكمة َ الة عىل أوصافِه المقدَّ َس ِة من نات الدَّ ِ
الكائ ِ
ِ حقائق مجي ِع
َ كذ َب سبحانَه أن ُي ِّ
ِ ِ ِ ٍ
وير َّد َشهاد َة املوجودات مجيعا ،و ُيبط َل دالل َة املصنوعات مجيعا! تعاىل ُ
اهلل ورمحةُ ، وكر ٍم َ
لوا كَبِريا.
عن ذلك ُع ًّ
ٍ
واحدة ،مع أنَّه زهيدةًَ ،زهاد َة َش ٍ
عرة ِ
لإلنسان ُأجر ًة دنيوي ًة ِ العقل أن ي ِ
عط َي ُ وهل َيق َب ُل
ُ
بمثل هذا رأس ِه؟ فهل ي ِ
مك ُن أن يقو َم ِ رات ِ ووظائف هي بعدَ ِد شع ِ
َ وبحواسه َمها َّم َ
أناط به
ُ َ ِّ
احلقيق َّي ِة؟ سبحانه
غزى خالفا لعدالتِه احل َّق ِة ،ومنافا ًة حلكمتِه ِ
ُ َ العمل الذي ال معنَى له وال َم َ ِ
ولون علوا كبريا. وتعاىل عام ُيق َ
سان مثال -بل ضو فيه -كال ِّل ِ كل ُع ٍ حياة ،بل َّ ٍ كل ذي املمكن أن يق ِّلدَ سبحانَه َّ ِ من
َأو َ
ظه ًرا ِحكم َت ُه املط َلق َة ثم ال َيمن ََح شجرة ُم ِ ٍ كل الحك َِم واملصالِ ِح بعدَ ِد أ ْث ِ
امر ِّ كل مصنوعٍ ،من ِ
َّ َ
وأهم املصالِ ِح،ُّ الحك َِم، أعظم ِ
السعاد َة األبد َّي َة التي هي ْ ُ هيب له َّ اإلنسان البقا َء واخللو َد ،وال َ َ
الحكم َة ِحكم ًة ،والنعم َة النتائ ِج؟ فيتـر َك البقاء وال ِّلقاء والسعاد َة األبدي َة التي تَجع ُل ِ
َ َّ َ َّ َ َ ُ
وألزم ِ
ُ
ِ ِ ِ
والرمحة ومن َب ُعها ..فهل ِّعم َّصدر مجي ِع احلك َِم واملصالح والن ِ والرمح َة رحم ًة ،بل هي َم ُ نعم ًةَّ ،
ويضع ِ
املطلق؟ ِ
العبث هاو ِية
األمور مجي َعها إىل ِ سق َط تلك ـهم َلها وي ِ يمكن أن يتـركَها وي ِ
َ َ ُ ُ ُ ُ
كل َح َج ٍرضع يف ِّ ِ ِ ِ
رصا عظيام َي ُ بمنـزلة من َيبني َق ً ذلك علوا كبريا- اهلل عن َ -تعال ُ َ نفسه
َ
آالفَ كل ُغر َف ٍة فيه خار ِف ،ويف ِّ والز ِ ينة َّ الز ِ آالف ِّ َ كل َز ِاو ٍية فيه ُّقوش ،ويف ِّ ِ آالف الن
َ فيه
ويرتك كلَ ورية ..ثم ال َيبنِي له َس ْق ًفا ليح َف َظه؟! فيرتكَه الض ِ ات َّ واحلاجي ِ
ِ َّ
ِ
الثمينة ِ
اآلالت
الخيـر ،وال َيصدُ ُر من المطلق إالِ ِ
الخيـر حاش هلل ..ال َيصدُ ُر من والفساد! َ ِ يشء للبِ َل
ُ
العبث الب َّت َة.
ُ ِ
المطلق الجمال ،فلن َيصدُ َر من الحكي ِم ُ ِ
المطلق إال ِ
الجميل
َت بع ِ
دد ِ ِ َ كل من ي ِ
نعم ،إن َّ
ويذهب خياال إىل جهة املاض َس َريى أنه قد مات ْ َ
ُ التاريخ متطي َ
� �� � � ���� �
95 ��� ���� ���� �
ض وميدان االبتِ ِ
الء و َم ِ
عر ِ ِ ِ
بمنـزل الدنيا ٌ
شبيهة وعوالم ين ِ ِ ُ
ُ ومعار ُض ومياد ُ منازل نيـن
الس َ
ِّ
اآلخ ِر صور ًة ِ
البعض َ بعضها عن ِ
اختالف ِ الر ِ
غم مما ُي َرى من ِ ِ
األشياء يف و ْقتِنا
احلارض؛ فعىل َّ
كمتِه. ِ ِ ِ
وإبراز ُقدرة الصان ِع وح َ ونوعا ،فإهنا تتشا َبه يف االنتظا ِم واإلبدا ِع
الـم ِ
يادين ِ ِ ِ
وسيى كذلك -ما مل َيفقدْ بصريتَه -أن يف تلك املنازل املتبدِّ لة ،ويف تلك َ َ
للحكمة ،واإلشاراتِ
ِ الباهر ِة الساطعةِ ِ ِ
ض الفانيـة ..من األنظمة ِ ِ
املعار ِ الزائلة ،ويف تلك ِ
َ َ
مح ِ
ـة ِ
الواسعة للر َ ِ
للعدالة ،وال ِّث ِ
امر يمن َِة
رة الـمه ِ
القاه ِ
ِ ِ
واألمارات الظاهرة للعنا َي ِة،
ِ الجل َّي ِة
َُ َ
ما س ُي ِ
در ُك يقينًا أنه:
تكون عناي ٌة
َ يمك ُن أن أكمل من تلك احلِ ِ
كمة املشهود ِة ،وال ِ ُون ِحكم ٌة َ يمكن أن تك َ ال
َ ُ
أجل من تلك الع ِ
دالة دالة َّ
تكون َع ٌ
َ يمكن أن ِ
اآلثار ،وال اه ِ
رة الع ِ
ناية ال َّظ ِ أروع من تلك ِ
َ ُ ْ َ َ
ِ ِ ِ
الرمحـة ال َّظاهرة ال ِّث ِ
مـار. رمحة ْأش َ
ُون ٌأماراتا ،وال يمكن أن تك َ ِ ِ
مل من تلك َّ ُ الواضحة
األمور ،و ُيغ ِّي ُـر دير هذه ِ َ حال ،وهو َّ الـم ُ
َ السمد َّي -الذي ُي ُ السلطان َّ أن ُرض ُ وإذا افت َ
سامي ٌة وال راقية ِ أماك ُن ٌ مة وال ِ دائ ٌ منـاز ُل ِ
ليست ل ُه ِ ٍ
ـمرار- واملستضافات باستِ
ِ الضيوف
َ ِ
هؤالء
ْ
ِ
اخلالدة؛ َي َلز ُم باق ٌية وال َرعا َيا خالِدُ ون ،وال ِعبا ٌد ُسعدا ُء يف مملكتِه ثابتة وال مساكن ِ قامات ٌ ٌ َم
ُ
ناص ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِعندَ ٍئذ
معنوي ٌة محة» التي هي َع ُ والر َ احلقائق األربعة« :احلكمة وال َعدا َلة والعنا َية َّ إنكار
ُ
ِ ِ ِ ِ واهلواء ِ ِ ِ قوي ٌة ِ
العناص ،ألنه ظهور تلك َ الظاه ِر وجودها وإنكار
ُ اب، والت ِ
واملاء ُّ كالنور شامل ٌة، ِّ
ٍ ِ أن هذه الدنيا وما فيها ال ت َِفي ل ُظ ِ
آخر ما هناك يف مكان َ لو مل يكن َ تلك احلقائ ِقَ ،ف ْ هور َ من املعلو ِم َّ
الشمس نك ُرنون من ي ِ يشء أمامنا -بج ِ كل ٍ كمة املوجو َد ِة يف ِّ أهل هلا ،فيجب إنكار هذه احلِ ِ هو ٌ
َ ُ ُ َ ُ َ ُ
ِ ُشاهدُ ها دائام يف ِ أل نورها النهار -وإنكار هذه العناي ِة التي ن ِ
أغلب األشياء.. أنفسنا ويف َ ُ َ التي َيم ُ ُ
كل مكان.. محة التي نراها يف ِّ األمارات )1(..وإنكار هذه الر ِ ِ الظاه ِ
رة ِ العدالة اجلل َّي ِة
ِ وإنكار هذه
َّ ُ ُ
كل ذي ٍ ِ ِ
حق َح َّق ُه؛ يب فهو :إعطا ُء ِّ واآلخر َسلبِ ّي :أما اإلجيا ُّ
ُ يب،إن العدال َة ش ّقان أحدُ ُها إجيا ّ ( )1نعمَّ ،
البداهة ،فكام أثبتنا يف «احلقيقة ِ ِ
لكل ما يف هذه الدنيا لدرجة ِ
ـحيط وشام ٌل ِّ ٌ ِ
سم من العدالة ُم ِ
َ فهذا الق ُ
ب التي يط ُل ُبها ِ ِ ِ ِ يشء وما هو َض ِ ٍ بأن ما يط ُل ُبه ُّ الثالثة» َّ
ور ٌّي لوجوده وإدا َمة حياته ،تلك املطال ُ كل
ٍ
خاص ٍ ِ ِ ِ
الفاطر ذي اجلالل تَأتيه بميزان ِ ِ ِ
اضطراره من بلسان استِعداده وبِ ُلغة حاجاته الفطر َّية وبلسان
ِ ِ ِ ِ ِ
ِ ِ القسم من الع ِ ومقاييس معي ٍنة ،أي إن هذا ِ َد ِق ٍ
واحلياة؛ الوجود ظهور
َ ظاهر
ٌ دالة َ َ ِ َ ُ َّ يـر ِ
وبمعاي َ يـق،
والعذاب عليهم، ِ ِ
اجلزاء ِ
بإنزال احلق ُ
إحقاق ِّ غيـر ِ
املح ِّقني ،أي تأديب ِ لبي فهو: ِ
ُ الس ّسم َّ وأما الق ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 96
ِ
واآلالء ِ
الكريمة، ِ
واألفعال احلك ِ
يمة اإلجراءات ِ ِ صاحب ما نرا ُه من وكذلك َي َلز ُم أن ُيعت َب َـر
ُ
العبا َظالِـام غدَّ ارا تعاىل اهلل عن ذلك ُعلوا كبريا، حاش هلل -الهيا ِ
ً -حاش هلل ُث َّم َ َ الر ِح ِ
يمة َّ
السوفسطائ ُّيون الذين ِ ِ
الب احلقائ ِق ْ ِ وما هذا َّ
الـمحال ،حتى ُّ نتهى ُ بأضدادها ،وهو ُم َ إل انق ُ
حال بسهو َل ٍة. َصو ِر هذا الـم ِ ِ ٍ ينكرون وجو َد ِّ
ُ كل يشء حتى ُوجو َد أنفسهم ال َيدنُون إىل ت ُّ
ِ ناسب ٌة بني ما ُي َ واخلالصة :أنه َل ْ
شؤون العاملِ من شاهدُ يف يست هناك عالق ٌة أو ُم َ
رسيعة،ٍ خمة ،وتَشت ٍ
ُّتات ُّالت َض ٍ للموت ،وتَكت ٍ ٍ وافرتاقات س ٍ
يعة ٍ ِ
للحياة، واس ٍ
عة معات ِ ٍ َت
َ
ٍ
وغايات زئية، َتائج ج ٍ ِ رائ ٍ
يات ِ وت ِّل ٍ هائلةَ ، ٍ ٍ واحتِ
معلوم لدينا من ن َ ُ ٌ وبني ما هو عةَ .. فاالت
ناس ٍبة، ِ ٍ
بينهام بعالقة ،أو إجياد ُم َ بط ُ فالر ُ ِ ٍ
تافهة ُمؤ َّقتة ،و َفرتة َقصرية تعو ُد إىل الدنيا الفانية؛ لذا َّ
ٍ ٍ ِ ٍ
ٍ
عظيمة وغ ٍ
ايات ٍ
هائلة َ حكمة ،إذ ُيشبِه ذلك َر ْب َط ِحك ٍَم ٍ يتوافق مع
ُ قل وال نسج ُم مع َع ٍ ال َي ِ
بجبل َع ٍ ٍ بحجم احل ِ زئية ُمؤقت ٍَة
تافهة ج ٍ ٍ غرية جدا ،ورب َط ٍ بحصاة ص ٍ ٍ ِ
ظيم!! صاة ِ َ ُ غاية َْ َ كاجلبل
غاياتا التي ت ُعو ُد إىل ِ وش ِ
ؤونا وبني ِ
املوجودات ُ بني هذهالقة َجود َع ٍ إن َعدم و ِ أي َّ
َ ُ
هة إىل توج ٌ ِ ويدل َدالل ًة واضح ًة عىل َّ ُّ الدنيا ،يشهدُ َشهاد ًة ِ
قاطع ًة،
أن هذه املوجودات ُم ِّ َ َ
ِ
األسامء عة إىلأنظارها ُمتط ِّل ٌ الالئق َة هناكَّ ،
وأن ِ امرها اللطيف َة ِ ِ ُ عا َل ِم املعنَى،
َ حيث تُعطي ث َ
إل حتت ت ِ
ُراب الدنيا ّ ذورها َمبوء ٌة َ غاياتا تَرنُو إىل ذلك العامل؛ ومع َّ ِ
أن ُب َ حلسنَى ،وأن ا ُ
وي ِصدُ ِ ِ
استعدادهَ - ب
هنا-حس َ
َ زر ُع
زر ُع و ُي َ ُ
فاإلنسان َي َ املثال.. أن َسنابِ َلها ت ُ
َبـر ُز يف عامل َّ
اآلخ ِ
رة. هناك يف ِ
( )1الغزايل ،إحياء علوم الدين 19/4؛ عيل القاري ،األرسار املرفوعة 205؛ وقال :معناه صحيح مقتبس من قوله تعاىل
﴿ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ (الشورى ..)20:انظر :العجلوين ،كشف اخلفاء .495/1
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 98
احلقيق ُة احلادي َة ْ
عش َة
باب الإنسانية ِ وهو تجلِّي اس ِم «ال ِّ
حق» ُ
عبد لربوب َّيتِه
اإلنسان أهم ٍ
َ َّ احلق أن َي ُل َق هذا
للحق سبحانَه وهو املعبو ُد ُّ ِّ ِ
املمكن أمن
ألوامر ِه
ِ وفهم
ً وأكثر املخا َطبِ َ
ني إدراكًا َ للعاملني،
َ خملوق ُلربوب َّيتِه العا َّم ِة
ٍ ِ
املطلقة وأكر َم
ِ
أحسن ِ
مرتبة ٍ
معجزة للقدرة ،يف مرآة لتجيل أسامئه احلسنى ،وأمجل ٍ ِ
بحانية ،وأمجع الس
ُّ
اسم من األسامء احلسنى؛ وأغنى تقويم ،نال جتيل االسم األعظم ،وجتيل املرتبة العظمى لكل ٍ ٍ
اإلهلية من ك ٍ ِ زائن الرح ِ ِ ِ أجه ٍ صاحب ِ ُمدَ ِّق ٍق
وأكثر َ ُنوز، ـمة وتقدير ما يف َخ ِ ْ ملعرفة وموازين
َ زة ُ
وأزيدَ ها َشوقا إىل وأكثرها تأ ُّل ًما من الفناءْ ، عمه التي ال ُت َص، املخلوقات َفاق ًة وحاج ًة إىل نِ ِ ِ
َ َ
أكثرها تَعاس ًة ،ومن ِ ِ البقاء ،وأشدَّ ها لطاف ًة ِ ِ
قرا وحاج ًة؛ مع أنه من جهة احلياة الدُّ نيا ُ ورق ًة و َف ً
َ
اإلنسان ورةً ..فهل من املمكن أن َيـخ ُل َق املعبو ُد ُّ
احلق ِ ِ ِ
طري أسامها ُص َ جهة االستعداد الف ِّ
محق احلقيق َة ِ ومشتاق إليه من ِ ٌ ؤه ٌل له ِ
اخللود؟! ف َي َ دار هبذه املاهية ثم ال يبع َثه إىل ما هو ُم َّ
ِ ٍ اإلنسانِ َّيـ َة و َي َ
كبريا.. لوا ً ذلك ُع ًّ اهلل عن َ عمل ما هو ُمناف كليا ألح ِّق ّيتـه سبحانه؟ تعاىل ُ
اإلنسان استِعدا ًدا فِطر ًيا ِ ب هلذا املطلق الذي َو َه َ ِ والر ِ
حيم باحلق َّ ِّ ِ
للحاكم وهل ُيع َق ُل
حيملنَها، واجلبال أن ِ ُ واألرض
ُ السماوات
ُ األمانة الكربى التي ِ
أبت ِ ساميا ُيم ِّكنُه من َح ِل ِ
الشامل َة املحيط َة وشؤونَه الكُل َّي َة وجتلياتِه املطلق َة، ِ صفات خالِ ِقه سبحانَه ِ ف عر َ أي َخل َقه ل َي ِ
وأعجزها ِ ِ
املخلوقات ف كل أ ْل َط ِ بش ِ ئيلة ..والذي َبرأ ُه َ الض ِ بموازينِه اجلزئ َّي ِة وبمهاراتِه َّ
تدخال يف رشفا و ُمن ِّظام و ُم ِّ نص َبه ُم ِ ٍ ٍ َّ ِ
فسخ َر له َجمي َعها من نبات وحيوان ،حتى َّ وأضعفها،
ِ
اإلهلية ِ
لإلجراءات رة- وعباداتا ..والذي جع َله نموذجا -بمقاييس مص َّغ ٍ ِ ِ
تسبيحاتا ِ
أنامط
َ ُ َ
الكائنات ،حتى من ََحه منزل ًة ِ ول -عىل عل و َق ً هة -فِ ً إلعالن الربوبِي ِة الم َّنز ِ ِ يف الكون ،و َد ً
لَّل
ُّ َّ ُ
ِ
لإلنسان ب سبحانَه مرتبة اخلِ ِ ِ املالئ ِ
نزلة ِ أكرم من م ِ
يمكن أن َ َي َ ُ الفة ..فهل كة ،راف ًعا إيا ُه إىل َ َ
ِ
السعاد ُة األبد َّي ُة؟ َفريم َيه إىل ِ ِ ِ ِ َّ
وثامرها وهي َّ ب له غاياتا ونتائ َجها َ كل هذه الوظائف ثم ال َي َه َ
العقل الذي َ أتعس خملوقاتِه؟ وجي َع َل هذا الذ َّلة واملسكَنة واملصيبة واألسقا ِم ،وجيع َله َ
ِ ِ در ِك ِّ ِ
َْ
ٍ ِ ِ
نورانية حلكمته سبحانَه ووسيل ٌة ملعرفة السعا َدة آل َة ِ ٌ مبار ٌ
وشؤ ٍم ،خالفا تعذيب ُ كة هو هد ّي ٌة َ
َبريا. املطلقة؟ تعاىل اهلل عن َ ِ حلكمتِه املطلقة ،ومنـافـا ًة لرمحتِه
لوا ك ً ذلك ُع ً
� �� � � ���� �
99 ��� ���� ���� �
فت خدمتِه ُرتبتَه ،ووظيفتَه ط و َد َ ِ احلكاية أن يف ه ِوي ِة الضابِ ِ
ُ َّ
ِ اخلالصة :كام أننا َرأينَا يف
ِ
امليدان عمل ألجل هذا الضابط ال َي َُ َّضح لدينا أن َ
ذلك وعتَا َده ،وات َ ودستور أفعالِه َ
َ ومر َّت َبه
دائمة؛ كذلك فإن ما يف ُه ِو َّي ِة ٍ مستق َّر ٍة
ِ ٍ
مملكة ٍ
تكريم وإنعا ٍم يف ريح ُل إليه من ِ
املؤ َّقت ،بل ملا َس َ
وع ٍ
تاد ٍ
أجهزة َ حواس ،وما يف فِطرتِه من قله من فت َع ِ
لطائف ،وما يف َد َ ِ
َ ِ
اإلنسان من ِ
قلب
َّ
السعا َد ِة األبد َّي ِة،
ألجل تلك َِّ حت له ّ
إل السعادة األبد َّي ِة ،بل ما ُمنِ ْ
ِ توج ٌ
هة مجي ًعا وم ًعا إىل ُم ِّ
ِ
والكشف. أهل الت ِ
َّحقيق عليه ُوهذا ما يت َِّف ُق ِ
َ
قل ٍ
َصوير لل َع ِ درة التَّخ ُّي ِل يف اإلنسان التي تُعدُّ َوسيل َة تاملثال :لو ِق َيل ُلق ِ
ِ فعىل َس ِ
بيل
مصيرك
ُ ولكن
ْ ليون َس ٍنة
وزينتُها مع ُعم ٍر يزيدُ عىل ِم ِ
ُ َ لطنة الدنيا ِ وخادم ًة له :ستُمنح ِ
لك َس ُ ُ
ِ
ِ تدخ ِل
َتحس ُر ،إن مل َي َّ ِ
أعظم
َ النفس؛ أي إن وهوى الوهم َ
ُ إىل الفناء والعد ِم َحتام نراها ت َّ
َتأو ُه وت َّ
ُ
اخليال! ِ
اإلنسان وهي فان -وهو الدُّ نيا وما فيها -ال يمكنُه أن يشبِع أصغر ٍ
آلة يف ٍ
َ ُ ُ
طري والذي له ٌ
آمال َتتَدُّ إىل ِ ِ َ ظه ُر من هذا جل ًّيا َّ
اإلنسان الذي له هذا االستعدا ُد الف ُّ أن هذا َي َ
ُ
اإلنسان إنام السعادة األبد َّي ِة؛ هذا
ِ غبات تَنتَرش يف ثنايا أنوا ِع
ور ٌ ِ
حتيط بالكونَ ، وأفكار ُ
ٌ
ِ
األبد،
اآلخ ِ انتظار ِ
ِ وصال َة وس ُ ِ ِ
رة. إل ُمستَضا ًفا ُمؤ َّقتاَ ،فليست هذه الدنيا ّ ريحل إليه حتامَ ، ُخل َق لأل َبد َ
اخلامتة
خرى ُكم ُل إحداها األُ َاآلخر ،وت ِّ
َ البعض
َ احلقائق االثنت َْي َع ْش َة السابِق َة ُيؤ ِّيدُ ُ
بعضها َ َّ
إن
ادها معا؛ فأي وهم ي ِ
مكنُه أن َينْ ُف َذ جمموعها واتِّ ِ
ِ النتيج ُة من يَدعمها ،فتَت َب َّ ُ
ُّ َ ْ ُ ً َ وتَس ُنُدُ ها وت ُ
ِ
باحلشـر َ
اإليامن األملاس ،ل ُي ِ
زعز َع ِ ِ
كاحلديد ،بل عش َـر املُحكم َة االثن َْي َ األسوار ِ
ِ من هذه
ني؟احلص ِ صن ِ حص ِن باحلِ ِالم َُّ
خلق مجي ِع يمة ﴿ ﰊ ﰋﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﴾ (لقامن )28:ت ُِفيدُ أن َ فاآلية ِ
الكر ُ ُ
ـرهِ؛ نعم ،وهووح ْش ِ ٍ ٍ ِ ِ در ِة سيـر عىل ُ شر ُهم َس ٌ ِ
كخلق إنسان واحد َ اإلهلية، الق َ هل و َي ٌ وح َ البشـر َ
فة ِ
اهلل َّ عر ِ ُقطة من ِ
نور َم ِ الة «ن ٌ حث «احلرش» من رس ِ يقة يف ب ِ ِ
جل َ لت هذه احلق ُ َ حيث ُف ِّص ْ
هكذا ُ
التفصيل َفلي ِ ِ نش ُري هنا إىل ُخالصتِها مع ِ
إل أننا س ِ
اجع تلك َ ُ األمثلة ،و َمن أرا َد ذكر َ جال ُله»ّ ،
الرسال َة.
الشمس مثلام ت ِ ِ َ فمثال :وهلل ُ
ُرسل -ولو إراد ًّيا- األمثال -إن َّ َ جدال يف املثل األعىل -وال
نفسها إىل مجيع املوا ِّد الشفا َف ِة بالسهولة ِ
ِ ُرس ُله واحدة ،فإهنا ت ِ ٍ تامة إىل َذ ٍ
رة بسهولة ٍٍ ضو َءها
ِ واح ٍ شفافة ِ
ٍ ذر ٍة ِ التي ال حصـر هلا ،وذلك ِ
لصورة دة أخذ ُبؤ ُب ِؤ ّوإن َ ُّورانية»؛ َّ بس ِّـر «الن َ َ
الطفل مثلامَ «الشفافِ َّي ِة»؛ َّ
وإن بس ِّـر َّ الواس ِع هلا ،وذلك ِ ِ ِ
البحر ألخذ َس ِ
طح ِ الشمس ُم ٍ
ساو ِ
حر َك كذلك السفين َة احلقيق َّي َة ،وذلك ِ ِ ِ ِ
حير َك ُدم َيتَه الشبيه َة بالسفينَةُ ،يمكنُه أن ُي ِّ ُيمكنُه أن ِّ
القائدَ الذي يسير اجلندي الواحدَ بأمر ِ وإن ِ سر «االنتِظا ِم» الذي فيها؛ َّ
اجليش يسوق َ ُ «س ْر»، َّ ُ ِّ ُ بِ ِّ
اعة». ثال وال َّط ِ نفسها ،وذلك بسر «االمتِ ِ بأكمله بالكلمة ِ ِ
ِّ
ٍ
صغرية وزن َج ْو َز ٍة يتحس ُس َ ُ
بحيث وحساس كبريا جدً ا، ِ
َّ َّ افت ْضنا يف الفضاء ميزانًا ً ولو َ
تي جو َز ِ ِ ِ ِ ِ الوقت الذي ِ ِ
تان أو وو ِجدَ ت يف الك َّف ْ ِ َ ْ توض َع يف ك َّفت ْيه َشمسانُ ، يمك ُن أن َ يف
ِ الك َّف ْ ِاملبذول لرف ِع إحدَ ى ِ َ ِ
جلهدُ
األسفل هو ا ُ واألخرى إىل َ تي إىل األعىل َشمسان ،فإن ا ُ
جلهدَ
«املواز ِنة».
َ بسـر
نفسه ،وذلك ِّ ُ
الواح ِد يف
ِ ِ
كاليشء ظه ُر ِ ِِ فام دام أكبر ٍ
أصغره ،وما ال ُيعدُّ من األشياء َي َ يتساوى مع َ يشء ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 102
ناقص ٌة فانِي ٌة -ملا فيها من «النُّورانِ َّي ِة والشفاف َّي ِة واملمكنات االعتِيادي ِة -وهي ِ
َّ
ِ ِ
املخلوقات هذه
والكثير، ُ ليلاملطلق ال َق ُ ِ ِ
القدير واملواز ِنة» فال ُبدَّ أنه يتساوى أما َم َ واالنتظا ِم واالمتِ ِ
ثال
ِ واح ٍيحة ِ الناس بص ٍ ٍ والصغير والكبير ،وحشر ٍ
بالتجليات دة ،وذلك ِ َ واحد ومجي ِع فرد ُ ُ ُ
و«الشفاف َّي ِة» يف َملكوت َّي ِة َّ ِ
الكامل، املطلقة وهي يف منتهى ِ املطلقة لقدرتِه الذاتِ َّي ِة ِ «النُّوران َّي ِة»
التكوينِ َّي ِة امتثاال ِ ألوامر ِه
ِ وطاعتِها
َ
ِ
األشياء ثال»در ،و«امتِ ِ كمة وال َق ِ األشياء ،و«انتِظا ِم» احلِ ِ ِ
جود وال َعد ِم. املمكنات يف الو ِ ِ َساوي اإلمكان الذي هو ت ِ ِ واز ِنة»
وبس ِّـر « ُم َ كامالِ ، ِ
ُ
ِ تداخ ِل ِضدِّ ِه ِ ٍ والض ِ
احلرارة رجات
ُ فيه ،فدَ ليشء َما عبار ٌة عن ُ عف القو ِة َّ ب َّ
ثم َّ ِ
إن مرات َ
ِ ِ ِ
وطبقات ُ بح، الق ِ تداخل ُ اجلامل متو ِّلد ٌة من تداخ ِل ال ُبـرو َدة ،و َم ُ
راتب -مثال -ناجت ٌة من ُ
لضدِّ ِه أن أن اليشء إن كان ذاتيا غير َعريض ،فال يمكن ِ إل ّ خول الظال ِم؛ ّ الضوء من ُد ِ ِ
ُ َ َ ٍّ َ
وأصيل ،فام ٌ يت
مراتب فيام هو ذا ٌّ َ حمال ،أي إنه ال الضدَّ ين وهو ٌ اجتامع ِّ ُ وإل ِلز َم دخ َل فيهّ ، َي ُ
فمن ِ ِ ِ املطلق ذاتِي ًة ،وليست َع َر َض َّي ًة ِ ِ
املطلقَ ، الكامل كاملمكنات ،وهي يف القدير دامت قدر ُة
ِ
اجلالل لق الربي ِع بالنِّس َب ِة لذي إن َخ َ جز الذي هو ِضدُّ ها ،أي ّ املحال إذن أن َيطر َأ عليها ال َع ُ ِ
بخالف ِ فرد منهم، كبعث ٍ ِ سري عليه الناس مجيعا ٌ ِ واحدة ،و َب َ ٍ كخلق َز ٍ ِ
سهل و َي ٌ عث هرة ه ِّي ٌن
الربيعِ. ِ ٍ لق َز ٍ ُ
يكون َخ ُ فع ٍ املاديةِ ،ِ ِ ما إذا ُأسنِدَ
كخلق َّ واحدة صع ًبا هرة ندئذ األسباب األمر إىل ُ
***
ِ
وحقائقه ما هي ِ
احلشـر لص َور ِ ُ ِ ِ ُّ
-منذ البدايةُ - واإليضاحات األمثلة وكل ما تَقدَّ َم من
ُ
القول بول؛ إذ والقلب لل َق ِ
ِ َّفس للت ِ
َّسليم ِ
لتهيئة الن ِ َريم ،وما هي ّ
إل ِ
القرآن الك ِ ِ
فيض َّ
إل من
ِ ِ ِ
ُ
البالغة.. والقول قو ُله ،ف ْلنستَمعْ إليه ..فل ّله ُ
الح َّج ُة ُ والكالم كال ُمه،
ُ ِ
الكريم للقرآن ُ
الفصل
﴿ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
(الروم)50: ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﴾
﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ * ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
(يس)79-78: ﮨﮩﮪﮫ ﴾
﴿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ *
� �� � � ���� �
103 ��� ���� ���� �
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
(احلج)2-1: ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﴾
﴿ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ﴾
(النساء)87:
﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
(النحل)77: ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾
ولنقل :آمنَّا وصدَّ قنا.. ناتُ ، اآليات البي ِ ِ ِ
أمثال هذه و ْلنست َِمع إىل
ِّ
ورشهِ َّ َ َ آ ُ ُ آ ُ َّ
من در خريهِ ِ تبه ورس ِله وايلومِ ال ِخ ِر وبالق ِ �منت بالل ومالئِك ِته وك ِ
َ َّ َّ وانلار ٌ
َ اجلنة ٌ َ َّ بعد املوت ٌ وابلعث َُ َّ
حق ،وأن الشفاعة حق، حق ،وأن ِ الل تعاىل،
ٰ ّ أش ُ ْ ُ َّ َّ َ ُ َ َّ
هد أن ال لإ َ إل بور؛
ِ الق يف من بعث ي الل وأن ، حق منكرا ونكريا ٌ
ِ حق ،وأن ٌ
أك َمل َو ْ َ َ ْ َ َ ْ ُ ََّّ َّ َّ َ ّ َ َ ْ َ ً ََّّ ُ ْ ُ َّ
أج ِل ِ و ف ِ أش و ف ِ ط أل ل ع لِ ص الل ، الل رسول احممد أن الل وأشهد
ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ً ْ َ َ َ َ َ َ ً ُ ُ َ َ َْ ُ َ َ ْ َ َ َّ َََ
ولا إل أزي ِن الي أرسلته رحة لِلعال ِمني وو ِسيلة لِوص ِ ات طوب رح ِتك ِ ثمر ِ
ّْ ْ َ ُّ َ ْ ُ َ َ ّ َ َ َ َ ْ آ َ ْ َ َ ْ َ َ َْ َََ
ار ال ِخ َرة أي الَنة، ات تِلك الطوب المتد ِل ِة عل د ِ وأحس ِن وأجل وأعل ثمر ِ
أدخل َوالينَا اجل َ ّن َة َم َع ْالب ْ َر َ َّ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ ّ َ ْ ْ َ َ ْ
ار ِباهِ ِ ِ ِ ار وأد ِخلنا و أجر و ِالينا ِمن انل ِ أجرنا و ِ الل ِ
آ
ك ال ُمختَار� ..م َ ْ ْ َ ّ َ
ني. ِ ن ِب ِي
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 104
ِ
الكلمة فهم هبذه ْصاف! ال ت َُقل لِ َم ال ُأ ِح ُ الة بإن ٍ القارئُ لهذه الرس ِ ِ فيا أيها األخُ
يط ً َ
ابن ِسينا(*)--أمثال ِ
َ السف ًة ُدها ًةفإن َف ِ ِ
اإلحاطة هباَّ ، َضايق من َعد ِمالعارشة ..ال تَغت ََّم وال تت ِْ
سلوك س ِ ُؤمن به فحسب ،فال ي ِ ِ ٍ ليس عىل َم ِ
بيله، ُ َ مك ُن ُ َ ُ يس َعقلية» أي ن ُ قاي َ «احلشـر َ
ُ قد قالوا:
إناحلرش َق ِض ّي ٌة نقل َّيـ ٌة ،أي َِّ َّفق علام ُء اإلسال ِم بأن َقض َّي َة بالعقل ..وكذلك ات َ ِ ورهرب َغ ِ
وس ُ
غائرا ،و َطري ًقا َعاليا ِ
ساميا يف بيل ِ قل؛ لذا فإن َس ً الوصول إليها َع ً ُ يمكن أد َّلتَها ٌ
نقلية ،وال
ُ
كل سالِ ٍك. أن يس ُلكَه ُّ ريق عا ٍّم يمكن ْ يكون بس ِ
هولة َط ٍ َ ُ مك ُن أننفسه ،ال ي ِ
ُ
الوقت ِ
العاش ِة
ِ ِ
للكلمة مهم ٌ
ذيل ٌ
والقطعة األوىل من الحقتها
﴿ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ * ﭤﭥﭦﭧﭨ
ﭩﭪﭫ * ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﭷﭸﭹﭺﭻ * ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇ *ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ * ﮟ
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﮬ * ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ*ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﯴ * ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﭞﭟﭠﭡ * ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ * ﭭ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ (الروم)27-17:
اآليات
ُ «الشعا ِع التاسعِ» ُبرهانا قويا ،وحج ًة كربى ،ملا تُب ِّيـنُـه هذه
سنُب ّين يف هذا ُّ
الدالة ع َل ِيه.
ِ السامية املقدَّ ِ
سة ِ ني ِ
الرباه ِ احلرش ،ومن
ُ
ِ
اإليامن و ُقطبِه ،وهو ـحو ِر ِ ُ
الكريمة من م َ
يم» قبل ثالثني سن ًة يف ِختام ُمؤ َّل ِفه ِ
َتب «سعيدٌ القد ُ ٌ
لطيفة أن ك َ ناية ربانِ ٌية
لع ٌ وإنه ِ
ِ
المقصد ِ
اإلجياز» ما يأيت: ِّ
مظان ِ
اإلعجاز يف ِ
«إشارات ِ
لتفسري «حماكامت» الذي كت َبه ُمقدِّ م ًة
ُشريان ِ
إليه. ِ احلرش وت سوف تُفس ِ
آيتان تُب ِّينان الثاني:
َ َ َّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 106
الك ُ
تابة. ف ،ومل ُتتَح له ِ
ولكنـه ابتَد َأ بـ :نخو( ﷽� )1وتو َّق َ
احلرش وأماراتِه أن و َّفقنِي لبيان
ِ دد ِ
دالئ ِل الكريم وبِع ِ
ِ َ ِ
للخالق وش ٍ
كر ُ ف ُش ٍ
كر فأ ْل ُ
ِ
اآلية األُ َ
ول: بعدَ ثالثني سن ًة ،فأنعم سبحانَه وتعاىل علي بت ِ
َفس ِري ِ
التفسيـر ذلك
َّ َ
﴿ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ
نوات ،فأص ِ رش س ٍ قبل ن ِ
بحت «الكلم َة ْ َحو َع ِ َ وذلك َ
َ ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم،)50:
املنكرين ساطعتان قوي ِ
تان ْ
أخرستَا ِ والعرشين» ومها ُح َّجتان العاشةَ» و«الكلم َة ِ
التاسع َة ِ
َ َّ َ
دين.. ِ
اجلاح َ
علي
أفاض َّ
للحرشَ ،ِ حل ِصين ِ
َني بيان ذلِكُام احلِصن ِ
َني ا َ
سنوات من ِ ٍ وبعدَ َحوايل َع ِ
رش
الرسال َة. َ اآليات املتصدِّ ِ
ِ ِ
فكان هذه ِّ رة هلذا الشعاعِ، َفسيـر
وأنعم بت
َ سبحانَه وتعاىل
مقامات س ٍ
امية ،أشارت إليها ٍ ٍ
مة مهمة وتِ ِ
سعة ِ هذا ُّ
َ عاع التاس ُع» عبار ٌة عن ُمقدِّ ُ
«الش ُ
ُ
الكريمة. اآليات
ُ
املقدمة
تصار نتيج ًة ِ
واحد ًة جامع ًة من بني وباخ ٍول ْ نذكر َأ ً هذه املقدِّ ُ
مة نقطتانَ :س ُ
ِ
العقيدة نني مدى رض ِ
ورة هذه ِ
احلرشُ ،مب ِّي َ لعق ِ
يدة وحية ِ
والفوائد الر ِ
ِ النتائج احلياتِ َّي ِة
ِ
ُ ُّ
ِ
االجتامعية. للحياة اإلنسان َّي ِة والس َّيامِ
النقطة األوىل
ِ
األدلة عىل أن ِ
مئات قيايس من َبني ِ
املثال وكن َُمو َذ ٍج ِ
سبيل أربعة أد َّل ٍة عىل
ِ س ِ
نش ُري إىل
ٍّ َ
وأساس مجي ِع كامالتِه
ُ
ِ
والفردية، اإلنسان االجتِ ِ
امعية ِ ِ
حلياة ِ
األساس اآلخ ِ
رة هي ُأ ُّس عقيد َة ِ
و ُم ِثله وسعا َدتِه.
الدليل الأول
ِ
احلاالت التي َحملوا تلك ِ ِ لون نِ َ الذين ُيم ِّث َ َ َّ
صف البرش َّية ،ال يمكنُهم أن يت َّ َ األطفال إن
يانم وك ِأنفس ِهم ِ إل بام َيدونَه يف ِ فاة ّاملوت والو ِ ِ ِ
حاالت فجع ًة أما َمهم من تَبدُ و مؤلِم ًة وم ِ
َ ُ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
باب
القوة املعنو َّية النَّاشئة من «اإليامن باجلنَّة» ،ذلك اإليامن الذي َيفت َُح َ الرق ِيق اللطيف من َّ
والصمود وت ِ
ِ قيقة التي ال تتمكن من املقاو ِ طبائ ِعهم الر ِ رشق أمام ِ األمل الـم ِ
َبكي ألدنَى مة َ ُ ُ َّ ِ ُ
نفسه: ِ ـرور ،ف ُي ِ
حاو ُر ال ِّط ُ وس ٍ َّنون به من العيش ٍ
هبناء و َف ٍ بب؛ فيتَمك َ َس ٍ
املؤمن باجلنة َ ُ فل رح ُ
اجلنة ،فهو إذن طيور ِ ِ أصبح اآلن ط ْي ًـرا من احلبيب الذي ت ُُويف، الصغري أو صديقي إن أخي
َ َ َ
ِ
باجلنة، ُ
اإليامن وإل فلوال هذا وأهنأ ِمنَّاّ )1(. َ َ
أفضل عيش حيث يشا ُء ،و َي ُ ُ ِ
اجلنة رسح من َي ُ
نو َّي َة هلؤالء الذين القو َة امل ْع ِ يب أطفاال أمثا َله -وكذلك ِ
الكبار -تلك َّ َ الموت الذي ُيص ُ ُ هلَد َم
جميع َبكي ِع ٍ
ندئذ نفسياتِ ِهم ،ولدَ مر حياتَهم ون َّغصها ،فت ِ ال ِحيل َة هلم وال قوة ،ولح َّطم ِ
ُ َ َّ َ َّ
يسهم ِ ِ وعقل مع ب ِ ٍ ٍ فهم من ُر ٍ ِ
ولطائ ِ ِ
متوت أحاس ُ َ عيونم؛ فإ َّما أن كاء ُ وقلب وح جوارحهم
الضالة الت َِّع ِ
سة. ِ ِ
كاحليوانات مشاع ُرهم أو ُيصبِ ُحوا ِ وتَغ ُل َظ
الدليل الثاني
فيـر ال َق ِرب ـرون وهم عىل َش ِ لون و َيصبِ َ َحم َ ِ يوخ الذين هم نِ ُ الش َ إن ُّ َّ
صف ال َبرشية ،إنام يت َّ
علة حياتِهم الع ِ
زيزة ِ
انطفاء ُش ِ رب لوان من ُق ِ والس َ رة» ،وال َي َ باآلخ ِ
ِ ِ
َ َ رب ُّ الص َ دون َّ بـ«اإليامن
ِ
اإليامن؛ إل يف ذلك جوههم ّ اجلميلة يف و ِ ِ احللو ِة دنياه ُم الق ِ
باب انغ ِ عليهم ،وال ِم ِن ِ
ُ َ ُ
عهم، ِ
وطبائ ِ ِ
أرواحهم رهفي احلِ ِّس يف كاألطفال وأصبحوا ُم َ ِ يوخ الذين عا ُدوا الش ُ فهؤالء ُّ ِ
ِ
باألمل وال ،و َيصبِ َ
ـرون عليه والز ِ
املوت َّ ِ الناش َئ من لون ذلك اليأس القاتِ َل األليم ِ إنام ُيقابِ َ
َ َ
واألمهات الذين هم ِ
هؤالء اآلبا ُء لشعر ِ
باآلخرة ُ
اإليامن وإل فلوال هذا رةّ ، اآلخ ِ احلياة ِ ِ يف
ُ َ
اهلاد ِئة،
واحلياة ِ ِ االطمئنان والس ِ
كينة َّ
ِ ِ
احلاجة إىل أفة والذين هم يف أشدِّ قة والر ِ
َّ
بالش َف ِ أجدَ ُر َّ
َحولت واضطرابا ن ِ
َفس ًّيا و َقل ًقا قلب ًّيا، ِ ِضا ًما ُروح ًّيا
ولضاقت عليهم الدنيا بام َر ُحبت ،ولت َّ ْ ً
أليم ٍ
قاس. عذاب ٍ ٍ ت الحيا ُة إىل ظلام رهيبا ،والن َقلب ِ ِسجنا م ِ
َ َ ً ُ
َرس ُح من ِ ناديل م َع ّل ٌ
ض هلا َق ُ ( )1عن عبد اهلل بن مسعود قال :قال رسول اهلل ﷺ « ..أرواحهم يف ج ِ
وف َط ْ ٍي ُخ ْ ٍ
بالعرش ت َ قة َ ُ ُ
حيث شا َء ْت»( ،مسلم ،اإلمارة 121؛ الرتمذي ،تفسري سورة آل عمران 9؛ أبو داود ،اجلهاد 25؛ ابن ماجه ،اجلنائز اجلن ِّة ُ
،4اجلهاد 16؛ الدارمي ،اجلهاد 18؛ أمحد بن حنبل ،املسند .)265/1
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 108
الدليل الثالث
رهم، ِ
مشاع ِ ِ
االجتامعية ال ُيهدِّ ُئ َف ْو َر َة ِ
احلياة ـحو َر واملراهقيـن الذين يم ِّث َ ِ
ِ إن َّ َّ
لون م َ ُ َ باب
الش َ
طيش أن ُف ِسهم ونَزواتِها ،وال منع َ ِ
وجتاوز احلدود ،وال َي ُ ِ ِ
والتخريب منعهم من ال ُّظ ِ
لم وال َي ُ
الخوف
ُ جهنم ،فلوال هذا َ الخوف من ِ
نار ُ إل االجتامع َّي ِة ّ
ِ ِ
عالقات ُم َ
األفضل يف السير
َ ُيؤ ِّم ُن
ِ شون ال َّث ِم َ ِ ِ
هم الدنيا إىل َج ٍ
حيم لون بأهوائ ُ الطائ َ َ
املراهقون ب هؤالءعذاب جهن ََّم ل َق َل َ من
الس ِاميـ َة إىل ِ ِ ِ تَتأجج عىل الض ِ
للغالب» و َل َح َّولوا اإلنسان َّي َة َّ كم
«الح ُوالعجائز ،حيث ُ عفاء ُّ َّ ُ
ٍ
سافلة. َحيوان َّي ٍة
الدليل الرابع
عادتا و َقلعتُها نيوية و َلول ُبها وهي َج ُنة س ِ البرش الدُّ ِ حلياة ِ جامع ِ ركز ِ العائلي َة هي َم ٌ إن احليا َة ِ
َ ٌ
روح اخلاص ُة ،فال َسعاد َة لِ ِ َّ فرد هو عا َل ُمه ودنياه كل ٍ بيت ِّ وإن َ األمني؛ َّ ُ وملجؤهاُ ينةاحلص ُ ِ
والرأفة الص ِ
ادقة ِ بني اجلميعِ، ِ ِ إل باالحرتا ِم املتبا َد ِل اجلا ِّد لية ّ العائ ِ
احلياة ِ ِ
َّ اخلالص َ والوفاء
ِ ِ والرمحة التي ت َِص ُل إىل حدِّ ِ
محةوالر ُ اخلالص َّ ُ رتام االح ُ واإليثار؛ وال َي ُص ُل هذا ْ التضحية
ٍ مة ،و َمع َّي ٍة دائ ٍ فقة ِ ور ٍ صداقة أبد َّي ٍةِ ، ٍ ِ باإليامن بو ِ ِ الوف ّي ُة ّ
رسمدية، عالقات جود ُ إل املتبا َد ُلة َ
رموقة، ٍ رتمة َم عالقات ُأبو ٍة ُم ٍ حياة ال حدو َد هلا ،ترب ُطها ٍ ظ ِّل وحتت ِ من ال هناي َة له، يف َز ٍ
ُ َّ َ
نفسه« :إن َزوجتِي هذه الزوج َُ ثنزهية ،حيث ُيحدِّ ُ ٍ ـةداقة وفي ٍ
َّ
َقية ،وص ٍ
َ
خالصة ن ٍ ٍ خو ٍة و ُأ َّ
ت اآلن دميم ًة أو إن أصبح ِ اخلالدة ،فال َض َري ْ ِ ِ
واحلياة ـم األ َب ِد وصاحبتِي يف عا َل ِ ُ
َ رفيقة حيايت َ
والرأفة، ُ ستوج ُبه الوفا ُء ِ أقص ما َي ِ عجوزا ،إذ إن هلا مجاال أبديا سيأيت ،لذا فأنا م ِ
لتقديم َ ستعدٌّ ُ َ ًّ ً
الرجل ُح ًّبا ُ مكن أن ُي ِك َّن هذا مة» ..وهكذا ي ِ
ُ الدائ ُ الصداقة ِ ُ كل ما تتط َّل ُبه تلك ضحي بِ ِّ و ُأ ِّ
َستغر ُق وري ًة ت ِ فإن ُصحب ًة وصداق ًة ُص ِ وإل َّ العني؛ ّ للحور ِ ِ العجوز كام ُي ِكنُّه ِ ورمح ًة لزوجتِه
ظاهر َّيـ ٌةِ ٌ
وصداقة هلي ُص ٌ
حبة دائ ٌفراق أبدي ومفارق ٌة ِ يعق ُبها ٌ َني ومن َثم ُ ساع ًة أو ساعت ِ
مة َ ٌّ ُ َ
وعط ًفا إل َرحم ًة َم ِازي ًة ،واحرتا ًما ُمص َطن ًعاَ ، ُعط َي ّ ال أساس هلا وال سندَ ،وال يمكنُها أن ت ِ
ُ َ َ
يطرتا عىل تلك الرمحةِ والشهوات النَّفسانِ ِية وس ِ ِ ِ
املصالح تدخ ِلاملشاعر ،فضال عن ُّ ِ يواين
َّ َ َح َّ
طاق.حيم ال ُي ُ نيوية إىل َج ٍ الجنة الدُّ ُ ُ ب ِعندَ ٍئذ تلك ِ
واالحرتا ِم فتَنقل ُ
ِ
باحلياة النتائج التي تتع َّل ُق ِ ِ
مئات باحلشـر من بني ِ ِ
لإليامن فإن نَتيج ًة واحد ًة وهكذا َّ
� �� � � ���� �
109 ��� ���� ���� �
يست عىل تلك ِ ِ ِ ِ االجتامع َّي ِة
األوجه والفوائد ،إذا ما ق َ ُ مئات
لإلنسان ،وتَعو ُد إليها ،والتي هلا ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ثبوت كقطعية طعياحلرش وحت ُّق َقها َق ٌّ حقيقة قوع
أن ُو َ الدالئ ِل األربعة املذكورة آن ًفاُ ،ي َ
درك َّ
دة إىل املع ِ
حاجة ِ
ِ أظهر دالل ًة من داللة ـة؛ بل هي السامية وحاجاتِه الكُلي ِ ِ ِ
اإلنسان ِ
حقيقة
ُ َّ
وأكثر دالل ًة عىل حتققها. ضح شهاد ًة منها؛ ِ ِ
ُ وأو ُ األطعمة واألغذيةْ ،
سامية و ُم ِهم ٌة
ٌ احلرش ،تُصبِ ُح ماهيتُها التي هي ِ ِ
احلقيقة: ُ
اإلنسانية من هذه فإذا ما س ِ
لبت ُ
جل ِ
راثيم. ِ ٍ ِ ٍ ِ ِ وحيو َّي ٌ
ومأوى امليكروبات وا َ ـة بمثابة جيفة نَتـنَـة َ َ
ِ
اإلنسان ِ
بشؤون واألخالق من املعنِ ِّي َ
ـني ِ لق السمع ُعلماء االجتام ِع والس ِ
ياسة ِّ ُ َف ْل ُي ِ َّ َ
ضم َ يداو َ ِ
واجتامعه ،و ْليأتوا و ُيب ِّينوا بامذا َس ِ
دون ون و ُي ِّ يمألون هذا الفرا َغ؟ وبامذا َس ُ
َ وأخالقه
هذه اجلروح الغائر َة ِ
العميق َة؟! َ
النقطة الثانية
حرص هلا -عىل ِ
الرباهني التي ال بني بإجياز َش ٍ
ديد برهانًا واحدً ا -من ِ ٍ ُ
النقطة تُبـيِّ ُ هذه
َ
األركان اإليامن َّي ِة ،وعىل الن ِ
َّحو اآليت. ِ سائر ِ
شهادة ِ ِ
الصة ناشئ من ُخ
ٌ ِ
احلرش وهو ِ
حقيقة
دالئل نبوتِه ومجي ِع ِ مد ﷺ مع مجي ِع سيـدنا ُم ٍ ِ الة عىل ِر ِ
سالة املعجزات الدَّ ِ
ِ مجيع
إن َ
وتدل عليها وتُثبِتُها، احلرشُّ ، ِ ِ
حقيقة بمجموعها معا ،عىلِ َشهدُ ِ ِ ِ الب ِ
اهني الدَّ الة عىل صدقه ،ت َ َ
وأن مجيع معجزاتِ ِ ِ ِ ِ ألن دعوتَه ﷺ َط َ
احلرش؛ َّ َ ُ وال حياته املباركة قد انص َّبت بعدَ التَّوحيد عىل
َصد ِيقهم،صدقهم والتي َت ِم ُل الناس عىل ت ِ ِ وح َج َج ُه ُم الدال َة عىل ِ
الم ُ الس ُ عليهم َّ
ُ األنبياء
ت الشهاد َة املنـز ِلة» التي ر َّق ِ ِ
«الكتب َّ احلرش ،وكذا َشهاد ُة نفسها ،وهي احلقيقة ِ
ِ َشهدُ عىل
ُ ت َ
َفسها ،وعىل الن ِ
َّحو احلقيقة ن ِ
ِ ِ
َشهدان عىل ِ
البداهة ،ت ِ
درجة سل الكرا ِم» إىل «الر ِ ِ
الصادر َة من ُّ َّ
اآليت:
ِ وح َج ِج ِه ِ البيان الم ِ ِ
وحقائقه -التي شهد بجمي ِع معجزاته ُ عج ِزَ -ي َ ُ الكريم -ذو
ُ ُ
فالقرآن
الس ِ
ور ِ ِ
وأوائ َل ِ إن ُث َ حيث َّ احلرش و ُيثبتُهُ ،ِ ِ تُثبِ ُت َأح ِّقـ َّيـتَـ ُه -عىل
أغلب ُّ القرآن، لث حدوث
ٍ
بآالف من احلقيقة ِ
نفسها ِ الكريم ُينبِ ُئ عن َ
القرآن احلشـر ،أي َّ
إن ِ آيات جلي ٌة عىل
صارٌ ، الق ِ ِ
َ
ٍ
بجالء. ظه ُرها بوضوح ،و ُي ِ
ٍ ِ
الكريمة َصاح ًة أو َإشار ًة و ُيثبِتُها آياتِه
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 110
فمثال ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ (التكوير ﴿ )1:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
﴿ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ (الزلزال ﴿ )1:ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ (احلج)1: ﭙﭚ ﴾
(االنفطار ﴿ )1:ﭜ ﭝ ﭞ ﴾ (االنشقاق﴿ )1:ﭑ ﭒ﴾ (النبأ ﴿ )1:ﭤ ﭥ
قار ُب ِ
وأمثالا يف ُمف َتت َِح ما ُي ِ ِ
اآليات الكريم هبذه ُ
القرآن ﭦ ﭧ﴾ (الغاشية )1:ف ُيثبِ ُت
ُ
وأن ُحدو َثه
الكونَّ ، ِ ِ
األمهية يف دث يف ِ
غاية أن احلشـر ال ريب ِ
فيه ،وأنه َح ٌ أربعني سور ًة َّ
َ
َ َ
ِ دالئل ُمتلف ًة ُمقنِع ًة عىل تلك ِ َض ِ
احلقيقة. َ خرى ور ٌّي جدا والبدَّ منه ،و ُيبـيِّ باآليات األُ َ
العلمي َة والكونِي َة احلقائق ِ َ آلية من آياتِه تلك ُثمر إشار ٌة واحد ٌة ٍ ِ
كتاب ت ُ ٌ إن كان تُرى ْ
َ
اإليامن ـن ِِ ِ ٍ اإلسالمي ِة ،فكيف إذن َ ِ ِ املعروف َة بالعلو ِم
بشها َدة آالف من آياته و َدالئله التي تُب ِّي ُ ّ
ِ الش ِ ِ ِ ِ كالش ِ
كإنكار مس بل كإنكار َّ اإليامن الجحو ُد هبذا مس ساطع ًة؟ أال يكون ُ باحلرش َّ
ال؟! حال يف ِ
مئة ُم ٍ باطل و ُم ً ً يكون ذلك ُ نات قاطب ًة؟! أال الكائ ِ ِ
لفرتة منٍ كل منهاوالكتب املقدَّ َس َة جمي َعها التي حكَمت ٌّ ف الساموي َة الص ُح َ ثم َّ
َ إن ُّ
ِ ِ ِ ٍ واألزم ِنة ،قد َصدَّ ْ
ِ ِ
حقيقة احلرش ِ
الكريم يف القرآن قت بآالف من الدَّ الئ ِل َ
دعوى العصور
عة التي ِ
القاط ُ الح ُ
قيقة وع ِ قتض َز ِ
رصها ،تلك َ مانا َ بم َ
وموج ٌز ،وذلك ُ َ خمتص
مع أن بيانَها هلا َ ٌ
ِ
املستقبل ك ِّله ،ب َّينها يم َن عىل القرآن الكريم الذي ساد حكمه عىل الع ِ ِ ُ
وه َ
صور َجيعهاَ ، ُ َ ُ ُ ُ ب َّينها
ِ
إيضاحها. وأفاض يف ٍ
بجالء
َ
حل َّج ُة ِ ِ
نص ما جا َء يف آخر رسالة «المناجاة» انسجا ًما مع البحث ،تلك ا ُ در ُج هنا ُُّي َ
األركان اإليامنِ ّي ِة وال سيام اإليامن
ِ ِ
سائر والناشئة من َش ِ
هادة ُ لخ َص ُة للحرش،
الم َّ ُ
القاطعة ُ
� �� � � ���� �
111 ��� ���� ���� �
َ
والشكوكُ ،
حيث اإليامن باليو ِم ِ
اآلخ ِر ،والتي تُبدِّ ُد األوها َم ِ والكتب و َداللتِها عىل
ِ ِ
بالرسل
ناج ٍاة. ِ
موج ٍز ،وعىل ُصورة ُم َ
بأسلوب ٍَ اءت
َج ْ
ِ ِ َدر ِ مت من ت ِ سول ﷺ ِ َعليم الر ِ
احلكيم، القرآن يس وفه ُ أدركت بت ِ َّ ُ حيم ..لقد الر َ «يا َربي َّ
السالم َجي َعهم، ُ الكريم ،واألنبِيا َء عليهم ُ ُ
القرآن الكتب املقدَّ َس َة َجمي َعها ،ويف ُمقدِّ متِها َ َّ
أن
أن ِّفاق إىل َّ ريون باإلمجا ِع واالت ِ دون و ُي ِش َ شه َ ون و َي َ األكرم ﷺ ،يدُ ُّل َ ُ ُ
الرسول ويف ُمقدِّ متِهم
آثارها يف هذه الدنيا ،ويف العواملِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
جتليات األسامء احلسنَى -ذات اجلالل واجلامل -الظاهرة ُ
الرمحة -وآال َءها ِ -ذات
َ وأن تَج ِّلياتِها اآلبادَّ .. ِ كا َّف ًة ،ستدُ وم دواما أسطع وأبهر يف ِ
أبد َ ْ َ ُ َ
ِ ِ
وستب َقى دوما يف وأعظم تأ ُّل ٍقَ ، ِ المشاهد َة نمـاذ ُجها يف هذا العـامل الفاينَ ،ستُثم ُر بأهبى ن ٍ
ُور َ
صرية -بِ َلهفةٍ ِ ِ
تم َّل ْو َنا -يف هـذه احلياة الدنيا ال َق َ ِ ِ
أولئك املشتاقني الذين َي َ السعادة ..وأن دار َّ
يع ِ ون معها خالِ ِ بونا إىل األ َب ِد ،و َيظ ُّل َ ِ ِ َ ٍ
دين ..وأن َجم َ صح َ والو ِّد ،و َي َ قونا باملح َّبة ُ وشوق َسرياف َ
األولياء َو ُهم ِ وجميع األكرم ﷺ، ُ
الرسول َّرية ويف ُمقدِّ متِهم األرواح الن ِ ِ األنبياء َو ُهم َذ ُوو ِ
َ ُ
أولئك َ كل رةُّ ، ذة الني ِ قول النافِ ِ نابع ال ُع ِ ِ ِ
ِّ يقني وهم َم ُ الصدِّ َ ميع ِّ وج َ املنورةَ ، القلوب َّ أقطاب ُ
األبديةِ، بالسعادة ِ ِ رون ال َب ِ
شـر َّي َة بش َ شه َ ِ ِ ي ِ
ّ دون عليه و ُي ِّ نون إيامنًا راس ًخا َعمي ًقا باحلرش و َي َ ؤم َ ُ
َهم اجلن َُّة، ِ ِ ِ بش َ هم الن َُّار ،و ُي ِّ أهل َّ ِ رون َ نذ َ وي ِ
ـرون أهل اهلداية بأن عاقبت ُ صيـر ُ الضاللة بأن َم َ ُ
رارا ِ الباهرة واآليات القاطعة ،وإىل ما َذكرتَه َ ِ ِ ِ ِ املعجزات ِ ِ ِ ِ ِ
أنت يا ريب م ً دين إىل مئات ُمستن َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ وتَكرارا يف الص ِ
ين
والوعيد؛ ومعتَمد َ الوعد َ والكتب املقدّ َسة ك ِّلها من آالف َ الساموية حف ُّ ً
كالقدر ِة والرمحةِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّ وشؤون َك اجلليلة ،وصفاتك املقدّ َسة ُ َ وسلطان ُربوب ّيت َك ُ عىل ع ّزة جالل َك ُ
غيـر املعدُ ِ ياتم ِ وكشف ِ ِ شاه ِ ِ ِ ناية واحلِ ِ والع ِ ِ
ودة التي داتم واجلامل ،وبِنا ًء عىل ُم َ واجلالل كمة
لمدرج ِة ِع ِ اجلاز ِم الذي هو بِ َ قادهم ِ إيامنم واعتِ ِ حاتا ،وبناء عىل ِ
ً
رة ور َش ِ ِ ِ
تُنبِ ُئ عن آثار اآلخ َ
ِ
اليقني. وع ِ
ني اليقني َ ِ
العز َِّة والع ِ
ظمة الوعد الكريم ،ويا ذا ِ ِ رحيم ويا ِ
صاد َق َفيا قدير ويا حكيم ويا رحمن ويا ِ
َ ُ ُ َ ُ ُ
كل بالكذب َّ ِ ِ وأنت م ٍ
تعال عن أن تَصم نـز ٌه، قه ُار ذو الجالل َ
أنت ُمقدَّ ٌس و ُم َّ ِ
والجالل ويا ّ
َ ُ
وشؤونِ َك املقدَّ ِ ِ وصفاتِك ود َك ِوكل و ُع ِ ِ
ب ما َحج َوأن ت ُ ُكذ َبهمْ ،
سة ..فت ِّ اجلليلة ُ أوليائك َّ ُ
احلني
الص َ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ُ ي ِ
الصادرة من عبادك َّسلطان ُربوب َّيتك بعدم استجابتك لتلك األدعية َّ قتضيه قطعا َ
فأنت ُم َّنز ٌه والطاع ِةَ ،
َ ِ
َّصديق ِ
باإليامن والت وك ،وح َّببوا أن ُف َسهم َ
إليك الذين أح َببتَهم وأح ُّب َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 112
إنكار ِهم احلرشِ ، الض ِ وم ٍ
أولئ َك الذين َ ِ ُ اللة والك ِ
ُفر يف أهل َّتعال ُمط َل ٌق عن أن تُصدِّ َق َ ُ
لك ولو ِ ِ ِ وك ِ
ربيائك ِ زون عىل َعظمتِك ِ
عودك ،والذين بكفرهم وعصيانم وتَكذيبِهم َ ُ َ َجاو َ يت َ
أفة ُربوب َّيتِك..
ظمة ألوهيتِك ور ِ
َ َّ
وع ِ عز ِة َجاللِك َ
ون بِ ِّ يست ِ
َخ ُّف َ َ
ُنـز ُههاالواسع َة ون ِّ ِ وجما َلك املط َل َق ْي ورمحتَك ٍ ٍ
فنحن نُقدِّ ُس بال حد وال هناية َعدالتَك َ
اآلالف
َ كل ما ُأوتِينا من ُق َّو ٍة بأن ُؤم ُن بِ ِّ َعتقدُ ون ِ َناهي ..ون ِ غري املت ِ بح ِ والق ِلم ُ من هذا ال ُّظ ِ
هم ِ ِ الكرام )1(،وبام ال ُيعدُّ وال ُي َص من ِ
واألنبياء ِ الر ِ
الذين ُ َ واألولياء األصفياء سل من ُّ
زائن َرمحتِك اليقني عىل َخ ِ ِ وع ِ
لم اليقني ِِ وع ِ
ني اليقني َ ِ حق ون بِ ِّ شاهدُ َ إليك هم ِ ون َ المنا ُد َُ
ِ ِ ِ ِ ِ خرو َّية وك ِِ
ف ُك ِّليا حلسنَى التي تَنكش ُ وتليات أسامئك ا ُ ُنوز إحساناتك يف عامل البقاءَ ، األُ َ
وواق ٌع ،وأن ِ دقإشاراتم ِص ٌ ِ وح ِقيق ٌة ،وأن السعادة ..ون ِ ِ يف ِ
حق َ ُؤم ُن أن هذه الشهاد َة ٌ دار
نون بأن ِ ؤالء مجيعا ي ِ عة ..فه ِ ِ شاراتم ص ِ
هذه احلقيق َة الكربى (أي احلرش) ؤم َ ُ َ وواق ٌ ادق ٌة ِ َ بِ
دون ِعبا َدك مسهاُ ،في ِش َ وش ُ ِ
احلقائق َ رج ُع َجي ِع هو م ِ
«احلق» الذي َ َ ِّ ظيم من ِ
اسم عاع َع ٌ ُش ٌ
احلق ِ
يقة. احلق ،ويع ِّلمونَهم بعني ِ ِ ٍ
ضمن دائرة ِّ ُ َ -بإذن منك-
ِ ِ
اخلامتة، وارزقنا ُح ْس َنإرشاداتم ،آتِنا إيامنًا كامال ُ ِ وبحر َم ِة
روس هؤالءُ ، ِ فيا ربِّ ،بحق ُد
لشفاعتِهم ..آمني». النور ،واجعلنا أهال َ الب ِ لنا ول ُط ِ
***
واخلواص- ات
األرض -التي هلا هذه املاه ّي ُ ِ جهات هذه ِ ابن آد َم حيك ُُم يف شتَّى
ُّ وما دام ُ
حتوم حو َله ِ ِ ِ
خملوقاتا ُم ِّ
أكثر املصنوعات ُ أكثر األحياء له ،جاعال َ سخ ًرا َ ف يف أغلب ترص ُ و َي َّ
األنواع
َ نس ُق عر ُضها و ُيز ِّينُها ،و ُي ِّ الفطر ّي ِة ،و ُين ِّظ ُمها و َي ِ يس هواه ،وحسب حاجاتِه ِ
َ َ قاي ِ َ فق َم ِ َو َ
لف ُت أيضا لف ُت نظر اإلنس واجلن وحدَ هم ،بل ي ِ بحيث ال ي ِ ُ ٍ
مكان العجيب َة منها يف ِّ
كل ِ
َ ِّ َ َ
الكونَ ، ِ ِ ِ ِ ِ نظر ِ
والتقدير
َ اإلعجاب
َ فنال مالك أهل الساموات والكون قاطب ًة ،بل حتى َ
نظر َ
فأظهر بام أويت يمة عالي ٌة، ِ ِ
أه ّي ٌة عظيم ٌة ،وق ٌ ِ
حت له -من هذه اجلهةَ - حسان ،وأص َب ْ َ ِ واالست
َ
العظمى
َ الكائنات ،وأنه هو نَتِيجتُها ِ حكمة َخ ِ
لق ِ املقصو ُد من
ُ هارة أنه هوعلم وم ٍ
من ٍ َ
يعة،البد ِ اخلالق ِِ ِ
صنائ َع يعر ُض وحيث إنه ِ ُ ِ
األرض.. النفيس ُة ،وال َغ ْر َو فهو َخ ُ
ليفة وثمرتُها
َ َ
ِ ِ
غم عصيانه وك ِ ِ ٍ
وسـمح ُفرهُ ، جذاب يف هذه الدنيا ،فقد ُأ ِّج َل عذا ُبه َر َ بشكل َج ٍ
يل ٍ و ُين ِّظ ُمها
ٍ
بنجاح.. هم ِة مه َل ليقو َم هبذه ُ
الـم ّ له بالعيش يف الدنيا و ُأ ِ
ِ ِ وما دا َم ِ
ات ال تُحدُّ مع اج ٌ البن آد َم -الذي له هذه املاه ُية واملزايا خلق ًة وطب ًعا ،وله َح َ
ُ
والرأفة كمة والقدر ُة قدير ،له احلِ ُ رب ٌ الكاملٌّ - ِ الشديد ،وآال ٌم ال ُت َعدُّ مع َع ِ
جزه ِ عفه َض ِ
حيتاجها ِ
املعاد ِن التي خمزنًا عظيام ألنوا ِع اهلائل َة ال َع ِظيم َة َ األرض ِ َ جيعل هذه قة مما ُ املط َل ُ
ُ
رغ ُبها، املختلفة التي َي َ ِ ِ
لألموال ور ّي ِة له ،وحانوتا مة الرض ِ األطع ِ
ِ اإلنسان ،و ُمستَو َدعا ألنوا ِع ُ
ُ
ِ ِ ِ ِ
زو ُده بام ُيريدُ .. وأنه سبحانَه َين ُظ ُر إليه بعني العناية والرأفة و ُير ِّبيه و ُي ِّ
نفسه إليه ،وهو َ ِ ِ
ب َ اإلنسان ،و ُي َح ِّب ُ ب الرب سبحانَه -كام يف هذه احلقيقةُ -يح ُّ وما دا َم ُّ
فق حكمتِه ،وأن يشء َو َ ٍ كل عم ُل َّ ِ باق ،وله عوامل باق ّي ٌة ،و ُي ِ ٍ
فق َعدالته ،و َي َ األمور َو َ َ جري ُ
القصريةُ، حاكميتِه ال َتصـرمها هذه الدنيا ِ اخلالق األزيل وسمدي َة ِ ِ سلطان هذا ِ ظم َة
ُ ُ ّ َ َ ّ َع َ
ِ املؤ ّق ِتة ِ ِ ِ
ظل حيث َي ُّ الفانية؛ ُ األرض َ ِ عم ُر هذه عم ُر اإلنسان ال َقص ُري جدا ،وال ُ وال يكف ِيهام ُ
ُفر إنكار وك ٍ ٍ قرت ُفه من لم ،وما َي ِ رتك ُبه من وقائ ِع ال ُّظ ِ جزاء يف هذه الدنيا ملا ي ِ ٍ اإلنسان َ
دون ُ
َ
ِ
الكون قة تا ّم ٍة ،مما ينايف نظا َم وش َف ٍلة َ كام ٍ برأفة ِ ٍ أنعم عليه ور َّباه وعصيان ،جتا َه مواله الذي َ
ٍ ِ
قض ف جما َله وحسنَه ،إذ ي ِ الكامل َة التي فيها ،وخيالِ ُ ِ ف ال َعدال َة واملوازن َة نس ِق ،وخيالِ ُ
َ ُ الم َّ ُ
� �� � � ���� �
115 ��� ���� ���� �
شك أن يش ،فال َّ ظف من ال َع ِ بش ٍ قضيها َ البائس ي ِ براحة ،بينام املظلوم ِ ٍ الظامل ُ القايس حياتَه
ُ َ ُ
الكائنات -ال ت ُ ِ ِ ِ ِ
َرض َقبل أبدا ،وال ت َ آثارها يف ُشاهدُ ُ ماه ّي َة تلك العدالة املط َلقة -التي ت َ
املوت.ِ َساو ْو َن معا أما َم ِِ ِ ِ مطل ًقا ،عدم ِ
الظاملني ال ُعتاة مع املظلومني البائسني الذين يت َ َ بعث َ ُ
هب له ِ َ األرض من الك ِ وما دام مالِ ُك ِ
وو َ األرضَ ، اإلنسان من واختار
َ َون، َ اختار
َ امللك قد
ِ
الناس، واختار األنبيا َء واألوليا َء واألصفيا َء من ِ
بني سامي ًة ،و َأواله االهتِامم ِ
والعناي َة، مكان ًة ِ
َ َ ْ ُ َ
لهم ِ ِ
أنفسهم إليه باإليامن والتسل ِ ِ ِ ِ ِ ِ
وج َع ُ يمَ ، انسجموا مع املقاصد الربان ّية ،وح َّب ُبوا َ َ الذين
َ وهم
ُ
األعامل وأ َّد َب أعدا َءهم ِ ِ
والتوفيق يف ِ
ني له ،وأكر َمهم باملعجزات ني املخا َطبِ َ أوليا َءه املحبوبِ َ
زاز ِهم، خر ِهم واعتِ ِ ور ْم َز َف ِ ِ واصط َفى من ِ ِ ِ بالص َف ِ
ني إما َمهم َ بني هؤالء املحبوبِ َ السامو ّيةْ ، عات
ذوي وخ ُم َس البرش ّي ِة ِ ِ
األمهيةُ ، ُرة األرضي ِة ِ
ذات ّ
صف الك ِ بنوره نِ َ فنو َر ِ أال وهو حممدٌ ﷺ؛ َّ
ِ ألجلهُ ،لب ِ ِ الكائنات قد ُخ ِل ْ ِ ون ِعدّ ٍة ،حتى كأن وال قر ٍ ِ
غاياتا َجـي ًعا به، وز قت األمهيةَ ،ط َ ُ
بالقرآن الـذي ُأ ِنز َل عليه؛ فبينام َيست َِح ُّق أن ِ الئها وانج ِِ بالدين الـذي ُب ِع َث به، ِ هورهـاو ُظ ِ
قض إل أنه َ أهـل لهّ ، دود وهو ٌ غيـر َم ٍ مديد ِ املحدودة بعم ٍر ٍ ِ اجلليلة ِ
غري ِ كافأ عىل ِخدماتِه ُي َ
ُ
عقل مكن ،وهل ُي ُ َعب! فهل ي ِ ب وت ٍ ونص ٍ تون سن ًة يف ُم ٍ وس َ الث ِ قص ًريا وهو َث ٌ عمرا ِ
ُ اهدة َ َ ًُ
اآلن ح ًّيا يكون َ َ وأل اؤه معا؟! ّ أل ُيب َع َث هو وأمثا ُله وأح ّب ُ ٍ
أي احتامل ّ مطل ًقا ،وهل هناك ُّ
ألف َم ّر ٍة؛ ألف ِ ويصيـر إىل ال َعد ِم؟ كال ..ثم كال ..وحاشاه َ َ بروحه؟! وأن يفنَى هنائيا ِ
ِ ِ حقائ ِق العاملِ ُ ِ
الكون حياتَه. رب
ب من ِّ يدعو إىل بعثه و ُيريدُ ه ويط ُل ُ وجميع
َ َ
الكون نعم ،إن
***
دار أبواب ِ
َ ث ،وأن والنشور َسيحدُ ُ َ احلرش ستقوم ،وأنُ يب مطل ًقا أن القيام َة َفالبدَّ وال َر َ
َ
املبتد ِئة بـ«ما
املذكورة ِ
ِ رات الثامنِ ّي ِة الف ْق ِ حقائق هذه ِ ِ قتض ما يف بم َ قاب ستُفت َُحُ ، والع ِالثواب ِ
ِ
ِ
لإليامن ِ
الدقيقة مئات الن ِ
ِّكات ِ لطيف من ِ
بني ٍ مغزى ذات ً ُكتة ُ مسألة دقيق ٌة ون ٌ ٌ دام» التي هي
وأهمية اإلنسانِ َّي ِة ومكانتُها ..ولكي ُ أهمية األرض و َم ِ
ركز ّيتُها، ُ باهلل؛ وذلك :كي تتَح ّق َق
نج َو األوليا ُء ِ ِ ِ ُ
األرض واإلنسان وحكمتُه ورمحتُه وسلطانُه ..ولكي َي ُ ربعدالة ِّ تتقر َر
ّ
األبدي ..ولكي َيرى ِ
الرب الباقي من الفناء واإلعدا ِم ِ َ ِ ِ
واألح َّبا ُء احلقيق ّي َ
ِّ واملشتاقون إىل ِّ ون
ِ
الكائنات يف اجلليلة التي ج ِ
علت ِ ونتائج ِخدماتِه وأعزهم ثواب َع ِ
مله، ُّ أعظمهم وأح ُّبهم
َ َ َ ُ
ِ
والتقصري، ِ
النقص دي من ِ ُ ِ ِ امتِنان ً
ٍ
كمال السلطان الرس َم ِّ ورض دائ َمني ..ولكي يتقدَّ َس
ِ
الظلم. وتتعال عدالتُه عن َ ِ
السفاهة، َبـر َأ ِحكمتُه من ِ
العجز ،وت َ َنـز َه قدرتُه من وتت َّ
الذ ِ
يل ِ
القط َعة الثاني ُة من َّ
َدور َ ِ ِ ٍ ِ ِ
حول األو ُل من تسعة َمقامات لطبقات الرباهني التِّس ِع التي ت ُ
املقام َّ
ُ هي
الكريمة اآلتِ ُية:
ُ اآلي ٍ
بإعجاز ُ أشارت إليها
ْ ِ
احلرش والتي
﴿ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ * ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﭪﭫ * ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﴾ (الروم)19-17:
واحلج ِة
َّ
ِ
الباه ِر ِ
الربهان يمة من اآليات ِ
الكر ُ ُ س ُيب َّين -إن شا َء اهلل -ما أ ْظ َ
هر ْت ُه هذه
ِ ()1
للحرش. ِ ِ
القاطعة َ
سع َفه، لشكواه وي ِ ستم َع َ احلياة في ِ ِ زئ ٍّي من صوت ألدنَى ج ِ ٍ فت أخ َ سم َع ْ وهل ُي ُ
ُ َ ُ عقل أن َي َ
الكون،ِ أكب خملوقاتِه يف سخرا له َ عاية تا ّم ٍة وباهتام ٍم بالغ ُم ِّ ور ٍ لة ِ كام ٍ ناية ِ بع ٍ عليه ويرب ِيه ِ
ُ ِّ
وي ُلم ِ
َ َ
أل وأدو ِمها؟ وهل ُيع َق ُل ّ ِ ٍ ِ ِ كه ِ
ألعظم حياة وأسامها وألطفها َ السامء زيم سم ُع صوتًا َ ثم ال َي َ
َ َوس ِله؟ ِ وأل ينظر إىل ت ِ ِ ِ
ويكون كمن ورجائه وت ُّ َرضعه َ ُّ املهم وهو دعا ُء البقاءَ َ ّ ، تم بدُ عائه ِّ َي َّ
والـي له!! وكمن َ ِ كاملة ج ِ ٍ ٍ
الـم َ اجلرار ُ َ اجليش رعى بالعتاد ،وال َي َ نديا واحدا ُ بعناية جه ُز
ُي ِّ
حاش يسمع رعو َد السامء! َ ُ الذباب وال ِ يسمع طنني ُ الشمس! أو كمن َ الذر َة وال يرى َيرى ّ
حاش هلل. مرة َ ألف ٍ هلل مئ َة ِ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 120
الواسعة وذا املح ّب ِة ِ ِ
الرمحة احلكيم ذا
َ القدير
َ
ِ
األوجه -أن ٍ
-بوجه من ُ
العقل قبلوهل َي ُ
نفسه هبا إىل خملوقاتِه وهو ب َ ب صنعتَه كثريا ،و ُيح ِّب ُ
ِ ِ ِ ِ
الفائقة وذا الرأفة الشاملة والذي ُي ُّ
ِ ِ
املحبوبٌ ، ِ
وأهل ُ أكثر ح ًبا له ،وهو أشدُّ حبا ملن ُيبونَه ...فهل ُيع َقل أن ُيفن َي حيا َة َمن هو ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
األبدي
ِّ باملوت الروح،
ُ وهرها وهو وج َ ب احلياة َ ب ،وعابِدٌ خلالقه فطرةً؟ و ُيفن َي كذلك ُل َّ للح ِّ ُ
سر رمحتِه جعل َّ ـمهم أشدَّ اإليال ِم ،ف َي َ ِ ِ ِ
واإلعدا ِم النهائ ِّي ،و ُيو ِّلدَ َجفو ًة بينَه وبني ُم ِّبيه و ُيؤل َ
املطلق الذي ز َّي َن بتَج ِّل ِيه ُ ُ
فاجلامل حاش هلل.. مرة َ ألف ٍ حاش هلل َ ِ
لإلنكار! َ عرضا ِ
ونور حمبته ُم ََّ
ِ ِ محة املط َل ُ
الشك أهنام َّ أهبجت املخلوقات قاطب ًة وز َّينَتها، قة التي َ والر ُوجم َلهَّ ، َّ َ
الكون هذا
املطلق.ِ ِ
والظلم ِ
املطلق ساوة وعن هذا ِ
القبح حد عن هذه ال َق ِ هناية وال ٍ ستان بال ٍِ تان و ُمقدَّ نـز َه ُِم َّ
ِ
البرش ،وال ِ
احلياة من رس َ النتيجة :ما دامت يف الدنيا َحياةٌ ،فالبدَّ أن
يفهمون َّ الذين
َ
جنة ٍ
باقية ..آمنّا. باقية ويف ٍ
دار ٍ حلياة ٍ
باقية ،يف ٍ يكونون أهال ٍَ عامل ِ
حياتم، ون استِ َ
ُي ِسي ُئ َ
***
والز َب ِد
باب َّ حل ِ ِ
َلم َع ال ُفقاعات وا َ األرض ،وت ُِّ ِ
سطح اعة عىلَأللؤ المواد اللم ِ
ِّ َّ ثم ،إن ت َ
َعق ُبها ِ
وملعان التي ت ُ ِ
قاعات ِ
بزوال ال ُف ِ
والربيق البحر ،ثم انطفا َء ذلك التأل ُل ِؤ ِ عىل َس ِ
طح
ِ
انعكاس إل ِّ
جتل ِ
اللمعات ما هي ّ ظه ُر لنا بداه ًة أن تلك ٍ
خياليةُ ،ي ِ ٍ
ميسات كأهنا مرايا ُ
لش
بأصابع من َ الشمس ،وت ُِش ُري إليها
ِ ِ
األلسنة وجو َد عالية؛ وتَذكُر بمخت َل ِ
ف ُ ُ
ٍ واح ٍ
دة شمس ِ
ٍ
بالقدرة اإلهل ّي ِة
ِ ِ
البحر، األرض ويفِ ِ
سطح ِ
احلياة عىل األمر يف تَأل ُل ِؤ ذوي ُ نور ..وكذلك ٍ
سح املجال ِ
الغيب ل َف ِ فائها ورا َء ِس ِ
تار جل جال ُله ،واختِ ِ للحي القيو ِم َّ ِّ «املحيي» ِ وبتج ِّلي اسم
وإشارات للحياة الرسمد ّي ِة ٌ شهادات
ٌ دت «يا حي» -ما هي ّ
إل للذي َيخ ُل ُفها -بعد أن َر َّد ْ
احلي الق ُّيو ِم سبحانَه وتعاىل. ِ ولو ِ
جوب ُوجود ِّ ُ
الذ ِ
يل ِ
القطع ُة الرابع ُة من َّ
﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ * ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﴾
(يس)79-78:
والبديعة كي ُي ِعدَّ
ِ أفعال اهلل الدنيوي ِة الع ِ
جيبة ّ َ ِ يذكر من الكريم قد ُ َ َ
القرآن وكذلك َّ
فإن َ
ِ
اآلخرة؛ أو أنه ُي َص ِّو ُر زة يفاملعج ِ
ِ لإليامن بأفعالِه
ِ لوب ّصد ِيق و ُي ِّ
حض َـر ُ هان للت ِاأل ْذ َ
الق َ
َطمئ ُّن إليه بامكل نَقنَع ون ِ بش ٍ واآلخ ِ
رة َ ِ ِ
املستقبل ث يف َ
األفعال اإلهل ّي َة العجيب َة التي ستَحدُ ُ
ُ
العديدة ،فمثال ﴿ :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ِ ِ
نظائرها ِ
نشاهدُ ه من
الرباهني
َ ويس ُ
وق الكريم ُ
ُ ُ
القرآن ِ
احلشـرُ ،يثبِ ُت ورة (يس) ..هنا يف َقض ّي ِة آخر س ِ
ﮒ﴾ إىل ِ ُ
فة متنو ٍ ِ ٍ
عة. عليها ،بسب ِع أو ثامين ُص َو ٍر ُمتل ُ ِّ
ِ
النطفة ون نشأتكُم من ِ
لألنظار قائال :إنكم َتر َ عر ُضها إنه ُيقدِّ ُم النشأ َة األُوىل ّأوال ،و َي ِ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 128
رون إذن ُنك َ فكيف ت ِ َ ِ
اإلنسان، لق ِ
املضغة إىل َخ ِ ِ
املضغة ومن العلقة إىلِ لقة ومن إىل الع ِ
َ
ِ مثل هذه بل أه ُ ِ
يـر بـ ﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ون منها؟ ..ثم ُيش ُ ْ خرى التي هي ُ النشأ َة األُ َ
ِ ِ
أنعمهﮱ ﯓ ﯔ ﴾ (يس )80:إىل تلك اآلالء وذلك اإلحسان واإلنعا ِم الذي َ
رتكَكم مثل هذه الن ِ نع ُم عليكم َ إن الذي ي ِ قائلَّ : ِ
ِّعم ،لن َي ُ ُ اإلنسانً ، الحق ُسبحانَه عىل ُّ
ون إحيا َء يقول رمزا :إنكم َتر َ دون قيا ٍم ..ثم إنَّه ُ رب وتناموا َ لتدخلوا الق َ ُسدً ى وال عب ًثاُ ،
ِ
للحياة ِ
باحلطب ِ
الشبيهة اكتساب العظا ِم دونَبع َ فكيف تَست ِ َ األشجار امل ِّي ِتة،
ِ واخ ِض َار ْ
َ
ِ
إحياء واألرض عن ِ
الساموات خلق
عج َز َمن َ مك ُن أن َي ِ ون عليها؟ ..ثم هل ي ِ َقيس َ
َ ُ وال ت ُ
الشجرة ويرعاها ِ أمر ِ ِ ِ اإلنسان وإماتتِه وهو َث َمر ُة ِ
واألرض ،وهل يمكن ملن ُيد ُير َ الساموات
اخللقة» التي ِ للعبث «شجر َة ِ رت َك رتكَها لآلخرين؟! فهل تَظن َ ِ
ُّون أن َي ُ ثمرتَها وي ُ أن ُيمل َ
ِ ِ ِ ِ
يجتَها؟! جميع أجزائها باحلكمة ،بأن ُيهم َل َث َمرتَها ونت َ ُ ُعجنَت
ِ بيد ِه مقاليدُ
احلرش هو من ِ إن الذي َس ُي ْح ِييكُم يفو ُي ِفيدُ أيضاَّ :
ِ
واألرضَ ،
وت َض ُع الساموات ِ َ
«كن ف َي ُ سخ ُرهم ِ ني ِ
ألمره ف ُي ِّ ِ ِ له ِ
تسخريا كامال ..و َمن
ً كون» بأمر ْ املطيع َ اجلنود نات ُخ ُض َ
وع الكائ ُ
سهل عىل ُقدرتِه ِ
احليوانات ٌ دة ،وإجيا ُد مجي ِعواح ٍ
زهرة ِ ٍ ِ
كخلق يسيـر وه ِّي ٌن
ٌ ِعندَ ه َخ ُ
لق الربي ِع
درة ﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ﴾؟ الق ِصاحب هذه ُ سأل للت ِ
َّعج ِيز دة ..فال و َلن ُي َ واح ٍبابة ِ
كإجياد ُذ ٍ
ِ
ُ
بيدهبعبارة ﴿ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﴾ (يس )83:يب أنه سبحانَه ِ ِ ثم إنَّه
ُ يِّ
والصيف ِّ ب َ ٍ ِ ٍ ِ
بكل َ والنهار ،والشتا َء
َ الليل كل يشءُ ،يق ِّل ُ يح ِّكل يشء ،وعندَ ه مفات ُ مقاليدُ ِّ
ِ كم ِ ِ ٍ س ٍ
هولة و ُي ٍ
نـز َلني ُيغل ُق هذا و َي ُ
فتح كتاب ،والدنيا واآلخر ُة مها عندَ ه َ فحات
ُ رس كأهنا َص ُ
حيييكُم منالدالئل هي ﴿ :ﯻ ﯼ ﴾ أي إنه ِ ِ ِ
فإن نتيج َة مجي ِعاألمر هكذا َّ
ذاك؛ فام دا َم ُ
س.احلرش ،و ُي َوفِّ حسا َبكم عندَ ديوانِه املقدَّ ِ ِ ويسو ُقكم إىل
القربُ ، ِ
ِ
احلرش، بول قض َّي ِة
القلوب ل َق ِ
َ
ِ
وأحرضت َ
األذهان، اآليات قد هي ِ
أت َّ
ِ أن هذهوهكذا َترى َّ
بإظهارها نظائر من فِ ِ
علها يف الدنيا. ِ
َ
الدنيوية و ُي ِش ُري إليها،
ِ ِ
بنظائرها بشكل ي ِ
شع ُر ٍ ُ القرآن أيضا أفعاال ُأ ِ
خرو ّي ًة ُ هذا وقد َيذك ُُر
اإلنكار واالستِبعا َد فمثال:
َ منع
ل َي َ
� �� � � ���� �
129 ��� ���� ���� �
�﷽
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ * ﭕ ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ*ﭡ
ﭢﭣ * ﭥﭦﭧ * ﭩﭪﭫ * ﭭﭮﭯ * ﭱ
ﭲﭳ * ﭵﭶﭷ * ﭹﭺﭻ * ﭽﭾﭿ * ﮁﮂﮃ *
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ ...إىل آخر السورة.
�﷽
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ * ﭕ ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ *
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ إىل آخر السورة.
�﷽
﴿ ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ * ﭤ ﭥ ﭦ * ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ * ﭭ
ِ
السورة. ﭮ ﭯ ﴾ ...إىل ِ
آخر
ِ
القيامة والترصفات الرباني َة ِ
اهلائل َة يف ِ االنقالبات العظيم َة ِ الس َو َر تَذكُر رتى َّ
ّ أن هذه ُّ ف َ
بكل س ٍ ِ ِ ٍ ِ
هولة اإلنسان يرى نظائ َرها يف اخلريف والربي ِع فيق َب ُلها ِّ ُ َ بأسلوب ُ
جيعل واحلشـر
قل دونَها ويبقى يف ح ٍ ٍ ٍ ٍ
رية؛ َ َ ويضيق ال َع ُ ُ ُ هائلة، دهشة أسري
القلب َ َ ويرس ،مع َّأنا كانت ُ
جتعل
الثالث هذه ُ ِ الس َو ِر
وذجا ،فمثال: نأخذ كلم ًة واحد ًة ن َُم ً يطول ،لذا َس ُ تفسري ُّ ُ ومل َّا َ
كان
الفرد مكتوب ًة ِ ِ
أعامل جميع ِ
احلرش ُنش ُـر يف اآلية أنه َست َ ﴿ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ ت ُِفيدُ هذه ُ
ُ
السور َة إل َّ بيلّ ، بذاتا فال يرى ُ عجيبة ِ ٌ إن هذه املسأل َة وحيث َّ ُ ٍ
أن ُّ العقل إليها َس ً صحيفة؛ عىل
نرش نظير ِ ِ الربيع ِّي وكام َّ ِ ِ
نظائرها وأمثلتَها كذلك ُ َ األخرىَ للنقاط أن احلرش ُشيـر إىلكام ت ُ
أفعال وله ٌ شج ٍرٌ ،
أعامل وله ِّ ولكل ُع ٍ ِّ فلكل َث َم ٍر جيل؛ ِّ ف ومثا ُله الصح ِ
ولكل َ شب واضح ٌّ ٌ ُّ ُ
كل الذي ُي ِ بالش ِ ِ
ميع فج ُ ـظه ُر به األسام َء اإلهلي َة احلسنَىَ ، وتسبيحات ٌَّ وظائف وله عبود ّي ٌة ُ
آخر َظهر جمي ُعها يف ربي ٍع َ وره ونُواه ك ِّلها ،وست ُ تاريخ حياتِه يف ُب ُذ ِ ِ ندر َج ٌة مع األعامل ُم ِ ِ هذه
والشكلِ ِ
بالصورة أعمال ُأ َّمهاتِه و ُأ ُصولِه َ ٍ
بالغة ٍ
بفصاحة ذكر ٍ
آخر ،أي إنه كام َي ُ ومكان َ
ثامر. ِ
األوراق واألَ ِ ِ
األغصان وتفت ُِّح َرش صحائف أعاملِه بن ِ َ نش كذلك الظاهر ،فإنه َي ُ ُ ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 130
وتربية و ُل ٍ
طف هو الذي ٍ ٍ
وتدبري ٍ
وحفظ ٍ
حكمة يفعل هذا أما َم أعينِنا ِّ
بكل إن الذي ُنعمَّ ،
ِ
املنوال ،وإن كانت األخرى عىل هذا
َ َ
النقاط سيقول ﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ ،وهكذا ِق ِ ُ
لدَ يك قو ُة استِ ٍ
نباط فاستَنبِ ْط. ّ
سنذكر ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ أيضا ،فإن لفظ «ك ُِّو َر ْت» ُ عاونتِك وألجل م َ ِ
ساعدتك و ُم َ ُ
ِ ِ ِ
فوق أنّه يوم ُئرائع ساطع َمثال ٌ الذي ِير ُد يف هذا الكال ِم هو بمعنَىُ :ل ّف ْت ُ
وجم َع ْت ،فهو ٌ
ِ
ومثيله يف الدنيا: ِ
نظيـره إىل
ِ
الشمس رة َ
ِ
والسامء ،عن جوه ِ ِ
واألثري ستائر ال َعد ِم
َ رفع
إن اهلل سبحانَه وتعاىل قد َ أولاَّ :
وسي ُل ُّ
ف تلك وأظهرها إىل الدنيا؛ َ
َ خزينة رمحتِه
ِ فأخرجها من
َ ِ
كاملصباح، التي تُيض ُء الدنيا
غل َفتِها عندما ت ِ
َنتهي هذه الدنيا و َتن َْسدُّ أبوا ُبها. اجلوهر َة َبأ ِ
َ
األماس،
ِّ
ِ ِ
األسحار ول ِّفها يف ِ
الضوء يف ِ
الالت موظفة ومأمور ٌة ِ
بنرش ُغ ٌ الشمسَ ثانياَّ :
إن
تاعها ُم َق ِّلل ًة من تَعا ُم ِلها ،أو قد جتمع َم َ
األرض ،وهي ُ ِ والنهار عىل ها َم ِة ُ َناو ُب ُ
الليل وهكذا َيت َ
متاعها جتمع َ أن هذه املو َّظف َة وعطائها ذلك؛ أي كام َّ ِ ألخذها ِ حد ّما -نِقا ًبايكون القمر -إىل ٍ ُ
ُ ُ
ُفص َل من ِ ِ ِ
يت يو ٌم تُع َفى من َمها ِّمها ،وت َ األسباب فالبدَّ من أن يأ َ أعاملا هبذه دفاتر
َ وتطوي
شاهدُ ه ال َف َل ِك ُّيون ولعل توسع ما ي ِ ِ
والعزل؛ َّ ِ
لإلعفاء سبب هناك َ وظيفتِها ،حتى إن مل يكن
ُّ َ ُ ٌ
ِ َضخ ِ َني َتتَوس ِ ِ
َسرتج ُع امن ُر َويدً ا ُر َويدً ا ،ت عان و َتت َّ َني اآلن اللت ِ َّ الصغريت ِ
َ
جهها من ال ُبق َعت ِ
َني عىل َو ِ
بإذن إهلي من األرض ٍ ِ ِ
رأس ربانـي ما َل َّف ْت ُه َ
ونش َرتْه عىل ٍ
وبأمر الشمس -هبذا التوسعِ-
ٍّ ُ
ِ
العزة :إىل هنا انت ََهت ُم ِه ّمتُك مع األرض ،فه ّيا إىل ِ ُ وء ،ف َت ُل ُّ الض ِ
فيقول َر ُّب ّ نفسها،
ف به َ َّ
ِ وح َّق ُروها ُمت َِّه ِمني إياها وك وأهانوا مو َّظف ًة م َّ ِ ِ َحرقي الذين َعبدُ ِ جهنم لت ِ
باخليانة سخر ًة مث َلك َ ُ ُ َ
وعد ِم الوفاءِ.
الذ ِ
يل القطع ُة ِ
اخلامس ُة من َّ ِ
ِ ٍ إن إخبار ٍ
واملرسلون
َ األخيار وهم األنبيا ُء وعرشين ألفا من املص َط َف ْي َ
ـن َ وأربعة مئة َ َّ
والتواتر مست ِ
َندين إىل ِ عليه احلديث( -)1إخبارا باإلمجا ِع عليهم الصالة والسالم -كام نص ِ
َّ
وإعالنم ِ
الدار اآلخرة، ِ ِ
آخرين ،عن وجود ِ
اليقيـن عندَ حق
بعضهم وإىل ِّ ِ
الشهود عند ِ
َ َ
اآلخ ِ
رة بال بالدار ِِ اخلالق سبحانَه وتعاىل سيأيت َ الناس س ُيساقون إليهاَّ ،
وأن باإلمجا ِع َّ
أن
َ
وعدً ا ِ
قاط ًعا. يب ،مثلام َوعدَ بذلك ْ َر ٍ
ِ
هؤالء رب به كشفا ُ ِ
األولياء ْ وعرشين ِمليونًا من ٍ تصديق ٍ َّ
وشهو ًدا ما أخ َ َ وأربعة مئة َ وإن
وأي ٍ
دليل عىل بعلم ال َي ِ
قني ٌ ِ
اآلخرة ِ ِ
قاطع ُّ
ٌ دليل وجود وشهادتم عىل
َ األنبيا ُء عليهم السالم،
اآلخ ِ
رة.. وجود ِِ
َون المتَج ِّل ِية يف أر ِ
جاء العاملِ ك ِّله، خلالق الك ِ
ِ ِ
األسامء احلسنَى فإن تج ّل ِ
يات مجي ِع وكذاَّ ،
ْ
اآلخ ِ
رة. وجود ِ
ِ خالدُّ ،
وتدل دالل ًة واضح ًة عىل بالبداهة وجود عاملٍ آخر ٍ
ِ تقتَيض
َ َ
عة ِ
الواس ُ ُ
األزلية در ُة إرساف فيها وال ع َب َثُ ، ُ الحكمة اإلهل ّي ُة
ُ
والق َ َ املطلقة التي ال وكذا
وهياك ِلها املنت َِص ِبة ،حتييها عىل ِ األشجار الم ِّي ِتة
ِ ِ
جنائز حيص من التي ُت ِيي ما ال ُيعدُّ وال َ
ِ
«البعث بعد فيكون» وجتع ُلها عالم ًة عىل ُ «كن ٍ ِ
األرض يف ِّ ِ
كل ربيعٍ ،ويف كل سنة ،بأمر ْ سطح
وتنشهاُ ،م ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ظهر ًة َحش ثال َثمئة ألف نو ٍع من طوائف النباتات وأ َم ِم احليوانات ُ ُ املوت» فت ُ ُ
اآلخ ِ
جود ِ ودالئل و ِ ِ ِ ِ بذلك ِ
رة. ِ ُ والنشور احلشـر ِ
نامذج األلوف من مئات
زق ،وتُع ِّي ُشها املحتاجة إىل الر ِِ ِ
األرواح يم حيا َة مجي ِع ِ
ذوي ِ الواس ُ الرحمة ِ ُ
ِّ عة التي تُد ُ وكذا
ِ
واملحاسن بام ال ِ
الزينة أنواع ناية الدائمة التي ت ِ
ُظه ُر للغاية؛ ِ
والع ُ ِ الرأفة ِعيش ًة خارق ًة ِ ِ
بكامل
َ
ِ
اآلخرة مان وجو َد تستلز ِ ِ شك أهنام كل ربيعٍ ..ال َّ رية جدا يف ِّ قص ٍ رتة ِ يعدُّ وال ُيص ،يف َف ٍ
َ ُ
بداه ًة.
العاش ِة.
ِ ِ
الكلمة ِ
القطعة األوىل من ِ
ذيل جيه يف
( )1تقدَّ م ختر ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 132
وآمال الرسم ِ ِ
األبدية ُ ُ ِ وكذاِ ،ع ُ
دية الشديد ُة املغروز ُة َغ ً
رزا ال انفصا َم َ والشوق إىل البقاء، شق
ِ خملوق إىل ِ ٍ ِ أكمل ثم ٍ ِ ِ
الكون، خالق وأحبُّ الكون، رة هلذا هلا يف فطرة هذا اإلنسان الذي هو ُ َ
باقعال ٍ ِ
وجود َ ِ
بالبداهة إىل يشيـر شك أنه ِ
موجودات الكون ك ِّله ،ال َّ وهو َأ ْو ُثق صل ًة مع
ُ
عادة األبد َّي ِة.
ودار الس ِ ِ ِ بعدَ هذا العاملِ ِ
الفان ،وإىل وجود عاملِ اآلخرة ِ َّ
()1 ِ
وجود الدُّ نيا. ِ
بداهة ستلز ُم َ
قبولا بمثل ِ
اآلخرة إىل حدٍّ َي ِ الدالئل تُثبِ ُت وجو َد
ِ فجميع هذه
ُ
تني إىل
رصني و َم ٌ ُ
اإليامن رة»؛ وهذا باآلخ ِ
ِ ُ
«اإليامن ُ
القرآن إ ّياه هو ٍ
درس ُيل ِّقنُنا أهم
ٌ فام دا َم ُّ
عت ُ
مئة اجتم ْ يم ما ِ
لو شديدٌ وس ٌ ِ اإليامن نور باهر ورجاء ِ ِ ِ
َ لوان عظ ٌ ُ ٌ ٌ ٌ الدرجة ،ويف ذلك هذه
النابع الس ُ
لوان ٍ ٍ ٍ ِ
ُ ُّور ،وذلك الرجا ُء ،وذلك ُّ شخص َواحد لكفاها ذلك الن ُ شيخوخة يف ألف
قائلني« :احلمدُ هلل عىل
َ بشيخوختِنا ونبت َِه َج
َ نفر َح
أن َالشيوخ ْ
َ نحن ِ
من هذا اإليامن؛ لذا علينا ُ
ِ
اإليامن». ِ
كامل
ظهر يف ِ ِ ِ إن مدى الس ِ (َّ )1
واإلشكال يف «نفي وإنكار» ذلكَ ،ي َ الصعوبة «إخبار األمر الثبويت» ومدَ ى هولة يف ُّ
ِ ثامرها ك ُع ِ ِ
احلليب، لب املثال اآليت:إذا قال أحدُ هم :إن هناك -عىل سطح األرض -حديق ًة خارق ًة جدا ُ
سهولة أن يثبت ٍ يستطيع ِّ
بكل فاألو ُل ِ اآلخر قو َله هذا قائال :ال ،ال توجدُ ُ وأنكر ِ
ُ مثل هذه احلديقة؛ َّ ُ عليه َ
ِ
ثامرها؛ أما الثاين (أي املنكر) فعليه أن َيرى و ُي ِر َي ِ
جرد إراءة مكان تلك احلديقة أو بعض ِ ِ ِ ِ
بم َّ دعوا ُه ُ
ِ ِ
األمر يف
ُ عدم وجود مثل هذه احلديقة ..وهكذا مجيع أنحاء الكرة األرضية ألجل أن ُيثبِ َت نف َيه ،وهو ُ َ
وآثارها ،علام أن ِ
ترشحاتا ،و ُيب ِّي َ ِ
ظهرون مئات اآلالف من ُّ ِ ِ
الذين ُيربون عن اجلنة ،فإهنم ُي ِ
ثامرها َنون َ
إثبات دعواهم ُ لوجودها ،ال يس ُعهم ِ إلثبات دعواهم ،بينام ِ
املنكرون ِ ِ
كافيان شاهدَ ين صاد َقني منهم
ُ
يش ،وعند ِ ِ ِ ِ
غري املحدود ،مع َس ِرب َغ ْو ِرها بالبحث والتفت ِ والزمن ِ
ِ ِ شاهدَ ِة الكون ِ
غيـر املحدود، ّ
إل بعدَ ُم َ
أعظم
َ الكبـر ِعت ًّيا ويا أهيا اإلخوة ..اعلموا ماُ لغ بهإثبات دعواهم! فيا من َب َ ُ رؤيتهم هلاُ ،يمكنِهم ِ َعد ِم
ِ
قو َة اإليامن باآلخرة وما أشدَّ رصانتَه!(.املؤلف). ِ
ّ
��ل �ة �ل�
� ا � �ة � ش ة �
ا � ك�
ل�� �م� اح� دي� ع���ر�
�﷽
ارفاألستاذ الع ِ
ِ صوت ُخ ِ
طبة يسم َ
عون ِ َحاور َ وبينام هم يتأ َّم َ
َ َ األمر ،إذا هبم َ ون يف لون ويت ُ
األلغاز ،فأقبلوا إليه ِ وح َّل مجي ِع ِ فاتيح جمي ِع ِ فعرفوا َّ ِ ِ ِ
األرسار َ أن لديه َم َ و َب َياناته الرائعةَ ،
يفيكون له َع ِر ٌ َ الباذخِ ينبغي أن القصر ِ ِ إن ِم َثل هذا ني :السالم عليكم ُّأيـا األُ ْستا ُذ! َّ م ِ
رسع َ ُ
العظيم. مك س ِّيدُ نا أمني مث ُلك ،فالرجا ُء أن تُع ِّل َمنا ممّا ع َّل َ صاد ٌق ُمد ِّق ٌق ٌ ِ
ُ
رضى بكل ً عني ،وتَق َّبلوا كال َمه ِّ خاش َ إليه ِ املذكورة آن ًفا ،فاستَمعوا ِ ِ بخطبتِهَفذك ََّر ُهم األُ ْستا ُذ ُ
ُ
الس ُ
لطان بام ِ ِ ِ نيمة ،إذ َع ِملوا ئنان ،فغنِموا أيام َغ ٍ واطم ٍ ِ
ض عنهم ُّ ضمن مرضاة ُسلطانمَ ،فر َ َ ُ َّ
ِ وس ٍ
وصف ،و َأكر َم ُهم ُ أعظم وأر َقى ال يكاد ُي َ عاهم إىل َق ٍ
رص ور بأوام ِره؛ فدَ ُ َأبدَ ْوا من ِر ًضى ُ
ِ
هؤالء الئ ُمالقرص العايل ،وبام ي ِ ِ والئق بذلك ٌ ِ
الكريم، ليق باملالِك اجل ِ
واد ٍ
دائمة ،بام َي ُ بس ٍ
عادة
ُ َ َ
ِ
لألوام ِر. ِ ِ
هبؤالء ِ
ين
يعني املنقاد َ املط َ ري وح ٌّنيَ ، يوف الكرا َم املتأ ِّدبِ َ
الض َ ُّ
إن ذو ُة ِ
قلوبم ،فام ْ دت ُعقو ُلهم ،وان َط ْ
فأت َج َ فس ْ
الذين قد َ
َ اآلخ ُرَ :و ُه ُم
ريق َّأما ال َف ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 136
َهيه أن ُف ُسهمإل ملا تشت ِ لتفت َ
ُون ّ دخ ُلوا القرص ،حتى َغلب ْت عليهم شهواتُهم ،فلم يعودوا ي ِ
َ َ َ َ
ِ اللذيذةَ ،ص ِار َ ِ ِ
آذانم عن مجي ِع أبصارهم عن مجي ِع تلك املحاس ِن ،سا ِّد َ
ين َ َ فني األطعمة من
يذه ..فأقبلوا عىل تالم ِ
يهات ِ َوج ِ العظيم ،وت ِ
ِ الـمع ِّل ِم ِ ِ ِ َ
الصادرة من ذلك ُ اإلرشادات َّ تلك
السك ُْر، ُ ِ
كاحليواناتَ ،فأطب َق ْت بش ٍ
اهة ون ََه ٍم، ِ
هم ُّ والنوم وغش َي ُ
ُ الغفلة عليهم
ُ املأكوالت َ
ب ما مل ُيؤ َذن هلم به؛ ْ أفرطوا يف ُش ِ ِ
رين
اآلخ َ الضيوف َ
َ عجوافأز ُ حتى َفقدُ وا أن ُف َسهم لكثرة ما َ
ذهم أخ ُ وأنظمتِه ..لذا َ
ِ وانني الس ِ
لطان املع َّظ ِم األدب مع َق ِ ُّ َ دتم؛ فأسا ُءوا وعر َب ِ ِ
بجنونم َ
ِ جن ِ وهم إىل ِس ٍ
دب. احلقَ ،جزا ًء ِوفا ًقا عىل إسا َء ِت ُم األَ َ قابم َّ يب ل َينالوا ع َ ره ٍ جنُو ُده وسا ُق ُ
الس َ
لطان قد َبنى هذا مت َّ أنك قد ِ ِ
احلكاية؛ البدَّ َ فيا من ي ِ
أن ذلك ُّ فه َ نص ُت معي إىل هذه َ ُ
أمر ِ
ين: ِ ِ
املقاصد يتو َّق ُ ُ ِ ِ ِ ِ ِ
القصر الشام َخ
ف عىل َ فحصول تلك املذكورة،
َ املقاصد ألجل تلك َ
ِ ِ
هبت
لذ ْ وسم ْعن َا خطا َبه ،إذ لواله َ أحدُ مها :وجو ُد ذلك املع ِّل ِم األستاذ الذي َ
شاهدْ ناه
فه ُم معناه ،وال ُيب ِّينُه أستا ٌذ ،في َظ ُّل ِ ِ
الم َبه ِم الذي ال ُي َ
كالكتاب ُ منثورا،
ً املقاصدُ َهبا ًء تلك
ٍ
أوراق ال معنَى هلا! ُم َّر َد
ِ
الناس إىل كال ِم ذلك املع ِّل ِم ،وتَق ُّب ُل ُهم له. ثانيهام :إصغا ُء
ِ
القرص، الناس إليه سبب ِ
لبقاء ِ ماع ِ ِ
لوجود ال َق ِ ِ بمعنى َّ
َ ٌ رص ،واست َ األستاذ مدعا ٌة أن وجو َد
رص لوال هذا األُ ْستا ُذ؛ وكذا َي ِص ُّح ِ القول :مل َي ِ
ُ
العظيم ل َيبن َي هذا ال َق َ
ُ الس ُ
لطان كن ُّ صح
لذا َي ُّ
ِ
ُ
السلطان هذا فس ُيغيِّ ُ ون إليه وال ُي َ
لقون ً
بال إىل كالمهَ ، ول :حينَام ُيصبِ ُح ُ
الناس ال ُيص ُغ َ ال َق ُ
رص و ُيبدِّ ُله.
ال َق َ
ِ
خاللا إىل احلكاية ،فان ُظ ْر ِم ْن
ِ س فه َ ِ
مت َّ كنت قد ِ
فإن َالقص ُة يا صديقيْ .. ِ
إىل هنا انتَهت َّ
ِ
احلقيقة: و ِ
جه َ
ِ
السامء الـمتَأللِ ِئة بالنُّجو ِم املتبس ِ
مة، ِّ ُ سقوف هبذه
ُ صـر هو هذا العا َل ُمَ ،
الم ذلك ال َق َ
إن ََّ
هار املتنو ِ ِ األرض المز َّي ِنة من
عة. باألز ِ ِّ ِ
الغرب ْ الرشق إىل ِ ُ
واملفروش هبذه
ِ
اجلالل وس ذو
القدُّ ُ األز ِل واأل َب ِد ُ
امللك ُ اهلل تعاىل ُس ُ
لطان َ لطان ال َع َ
ظيم ،هو ُ الس َوذلك ُّ
واإلكرا ِم الذي ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ( ﴾. .اإلرساءُ )44:
حيث ﴿ﯠ
� �� � � �� � � � �
137 ��� ���� �� � ����������
دير ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
وهو ال َق ُ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ (النورَ )41:
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ
ﮛ ﮜ ﴾ (األعراف.)54:
ِ
العوال( )1التي تَز َّي َن ٌّ عشر أل ًفا من ِ نازل ذلك ال َق ِ أما َم ُ
َظم
كل منها وانت َ صر فهي َثماني َة َ
درة اإلهل َّي ِة
الق ِ زات ُعج ُ الغريب ُة في ذلك القصر فهي م ِ
ُ الصنَائِ ُع ِ ٍ
بام ُيالئ ُمه من خملوقاتّ ..أما َّ
ِ
المات اللذيذ ُة التي فيه ،هي َع َ ِ
األطعم ُة صري ٍة ..وأما كل ذي َب ٍ ـمنا لِ ِّ
الظاهرة يف عا َل ِ
ِ
ُ صـر و َب َ
الس ِنة ِ
ضوح يف مجي ِع مواس ِم َّ ٍ بكل ُو ُشاهد ِّ ِ ِ ِ
امر والفواكه البديعة التي ت َ محة اإلهل َّي ِة من األ ْث ِ
الر ِ
َّ
ِ طبخ هذا ال َق ِ ِ
ص يف َبسات ِ ِ
األرض طحرص هو َس ُ يـن «بارال»؛ و َم ُ َ
وباألخ ِّ الصيف وخاص ًة يف َّ
ِ
و َقل ُبها الذي يتَّقدُ ً
نارا.
ياتأمثلة لتَج ِّل ِ الكنوز اخلفي ِة ،هي يف ِ
الواقع ٌ ِ ِ
الجواه ِر يف تلك ِ
احلكاية من وما َرأيتَه يف
َّ
املخلوقات المز ِّي ُنة موزها ،هي هذه ور ِ ِ ِ
ُ النقوش ُ األسامء احلسنَى املقدَّ َسة؛ وما رأيناه من
ِ ِ ِ القدر ِة اإلهلي ِة الدَّ ِ َ
اجلالل. القدير ذي أسامء الة عىل َّ بقلم ُ َ
وزون ٌة ِ للعالِ ،وهي ن ٌ
ُقوش َم ُ
ِ أ ّما ذلك المع ِّل ُم األستا ُذ فهو َس ِّيدُ نا ،وس ِّيدُ الكَون ِ
هم األنبيا ُء ومساعدو ُه ُ
َيـن ُم َّمدٌ ﷺُ ،
َ
الصاحلون ،والعلام ُء األصفيا ُء؛ أما ُخدَّ ا ُم ِ
وتالم ُيذه ُه ُم األوليا ُء الكرام عليهم السالم،ُ
السالم يف هذا َ املالئ ِ
ِ ِ
العالِ؛ وأ ّما الضيوف الذين ُ عليهم
ُ كة السلطان العظي ِم ْ
فهم إشار ٌة إىل
ٍ
حيوانات وأنعا ٍم َ
اإلنسان من ِ
واإلنس وما خيدُ ُم اجلن للتنز ِه ِّ ِ
والضيافة فهم إشار ٌة إىل ِّ ُد ُعوا ُّ
يف دار ِض ِ
يافة الدنيا هذه.
ِ
الكريم الذي ِ
القرآن ِ
مائدة َتلم َ
ذون عىل ِ فاألو ُل :هم ُ
أهل اإليامن الذين يت َ أ ّما الفريقانَّ :
كتاب الك ِ
َون . ِ يفسر ِ
آيات ُ ِّ ُ
الذين اتَّب ُعوا أهوا َءهم الضا ُّل َ
ون كم َّ ِ أهل الك ِ
واآلخ ُر :هم ُ
َ الص ُّم ال ُب ُ
ُفر والطغيان ُّ َ
سبيل.
ً ظاهرها ،فهم كاألنعا ِم بل هم ُّ
أضل إل ِ
احلياة ّ والش َ
يطان ،فام َع َرفوا من َّ
َ
ِ
واألستاذ ِ
العظ ِ
يم أنصتُوا إىل املع ِّل ِم األو ُل
السعدا ُء؛ فقد َ
األبرار ُّ
ُ هم
الذين ُ
َ الفريق َّ
ُ أ ّما
ف ر َّبه و َيص ُفه بام ِ اجلليل ذي احلقي َقت ِ
َني؛ إذ هو َعبدٌ ،وهو َر ٌ ِ
حيث ال ُعبود َّي ُة ُي ِّ
عر ُ سول؛ فمن ُ
( )1انظر :الطربي ،جامع البيان 63/1؛ أبو نعيم ،حلية األولياء 219/2؛ ابن كثري ،تفسري القرآن .25 ،24/1
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 138
احلرضة اإلهل َّي ِة ..ومن ُ
حيث ِ كم ُم َم ِّث ٍل عن ُأ َّمتِ ِه لدى
يليق به من أوصافٍ ،فهو إذن يف ُح ِ ُ
ِ ِ
ِ
العظيم. بالقرآن واإلنس كا َّف ًة سالة ُيب ِّل ُغ أحكا َم ر ِّبه إىل ِّ
اجلن الر ُ ِّ
ِ
ألوام ِر وانصاعوا ِ
الكريم ﷺ أص َغ ْوا إىل ذلك الر ِ
سول ُ
ُ َّ اجلامعة السعيدَ ُة بعدما ْ فهذه
سام ٍية
مقامات ِ
ٍ ِ ون أن ُفسهم قد ُق ِّلدوا م ٍ
همت لطيف ًة ترت َّقى ض َ
من ُ َّ احلكيم ،إذا هبم َي َر َ َ
ِ ِ
القرآن
ِ
بادات. كثرية ،تلك هي الصالةُ ،فِه ِرس أنوا ِع ِ
الع ٍ
ْ ُ َّ
قامات الرفي َع ِة التي ت ُِش ُري إليها
ِ ِ ِ
ضوح ت َفاص َيل الوظائف َ
والم ٍ نعم ،لقد َش َ
اهدوا ُبو
بأذكارها وحركاتِها املتنو ِ
عة ،عىل الن ِ
َّحو اآليت: ِ الصال ُة
ِّ َ َّ
ِ ِ شاه ِ
ين
المشاهد َوجدوا أن ُف َسهم يف مقا ِم ُ
الربان َّي َة املبثو َث َة يف الكونَ ، اآلثار َّ
َ دت ُم َّأوالُ :
بم َ
أكبر.
قائلني :اهللُ ُ
َ ِ
التكبري والت ِ
َّسبيح، لة ِغياب َّي ٍة ،فأ َّد ْوا وظيف َة
عظمة الربوبي ِة ،بمعام ٍ
َّ ُ َ
ِ لِم ِ
حاس ِن َ
وآثاره الس ِ
اطعة، ِ َّ صنائ ِعه سبحانَه
ِ واألد ّل ِء إىل َبدائ ِع
ِ هور ِهم يف مقا ِم الدُّ ِ
عاة َ ثانيا :وب ُظ ِ
سبحان اهلل
َ ِ
والتحميد بقوهلِم: يس أسامئه احلسنَى ،أدوا وظيف َة الت ِ
َّقد ِ ِ التي هي َج َل ُ
وات
َّ ْ
والحمدُ هلل.
ظاه ٍ
الرمحة اإلهلي ِة بِتَذو ِقها بحواس ِ
ِ ِ المدَّ َخ َر ِة يف ِ
رة َ َّ ُّ َّ خزائن ثالثا :ويف مقا ِم إدراك النِّ َع ِم ُ
كر واحل ِ
مد. الش ِ ِ
بوظيفة ُّ وباط ٍنة َش ُعوا
ِ
َ
بم ِ
واز ِ
ين حق َق ِ ِ ِ ِ ِ
جواه ِر ِ رابعا :ويف َمقا ِم
درها َ وتقديرها َّ األسامء احلسنَى كنوز معرفة
عة فيهم ،بدؤوا بوظي َف ِة الت َِّنز ِيه وال َّث ِ
ناء. زة املعنوي ِة املود ِ األجه ِ
ِ
َ ُ َ َّ
رة بق َل ِم ُقدرتِه تعاىل ِ
بمس َط ِر ال َقدَ ِر، الرسائل الرباني ِة المس َّط ِ خامسا :ويف مقا ِم مطا َل ِ
َ ِ َّ َّ ُ عة َ ُ
ِ
حسان. ِ ِ
واإلعجاب واالست ِ
بوظيفة التَّفك ُِّر باشوا
َ
ِ
اجلامل يف ور َّق ِة ِ
األشياءِ ، ِ
اللطف يف َخ ِ
لق َّظر إىل ِد َّق ِة َّنـزيه بإم ِ
عان الن ِ سادسا :ويف َمقا ِم الت ِ
ْ
جل ِ ِ ِ ِ
الفاط ِر وق إىل ِ إتقانا ،دخ ُلوا َوظيف َة املح َّب ِة َّ
والش ِ ِ
ميل. اجلليل والصان ِع ا َ مجال
ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
عاملة الساب َقة ،والقيا ِم بالعبا َدة الالز َمة ُ
بم وهكذاَ ..بعدَ أداء هذه الوظائف يف املقامات َّ
ِ
احلكيم َّظر إىل معام ِ
لة الصان ِع ِ
درجة الن ِ ِ
املخلوقات ،ار َت َق ْوا إىل ِغيابي ٍة ،لدَ ى مشاه ِ
دة
ُ َ ُ َ َّ
ِ ِ ِ ِ ُ ِ
اجلليل اخلالق تعريف
َ وشهودها و ُمعا َملة أفعاله ُمعا َمل ًة ُحضور َّي ًة ،وذلك أن ُ
َّـهم :قابلوا َّأوال
� �� � � �� � � � �
139 ��� ���� �� � ����������
والحير ُة قائلني:
َ ب بمعرفة ِم ُ
لؤها ال َع َج ُ
ٍ زات َصنعتِه ..قا َبلو ُه
عج ِ عور بم ِ
الش ِ ُ لذوي ُّنفسه ِ
َ
بمعجزات مجي ِع َملوقاتِ َك.
ِ عروف
ُ عرفتِك( )1يا َم
حق َم ِ بحانك ما َعر ْف َ
ناك َّ َ ُس
ِ ٍ ِ ِ ِ ثم استجابوا لتَح ُّب ِ
وهيا ٍم ُمر ِّدد َ
ين: الرمحن ب َثمرات َرمحته سبحانَهَ ،
بمح َّبة ُ ب ذلك
﴿ ﭢﭣﭤﭥ ﴾ .
بالشكر واحل ِ
ِ وإظهار رأفتِه عليهم، ِ يقي بنِ َع ِمه الط ِّي ِبة ِ ِ
مد، َ َرح َم ذلك املنع ِم احلق ِّ ثم َل َّب ْوا ت ُّ
يحة ت ِ
َنط ُق هبا فص ٍ أحوال ِ
ٍ مشكور بأ ْل ِس ِنة كر َك ياحق ُش ِ شكرناك َّ َ وبقوهلِم :سبحان ََك ما
ُ
سوق إعالنات نِ َع ِمك المعدَّ ُة يف ِ
ُ ُعل ُن الحمدَ والثنا َء َون ،وت ِ جميع إحساناتِ َك املبثو َث ِة يف الك ِ
ُ
ُ
ومجيع ِ ِ ِ
نضدة لرمحتك الواسعة، ِ الم َّ ِ العالِ واملنثور ُة عىل األرض كا َّف ًة؛ َ
ُ فجميع الثمرات ُ ُ
ِ ِ بشهادتا عىل ج ِ ِ ِ األغذي ِة املوزون َِة لنِ ِ
أنظار وكرم َك لدى ود َك ُ العميمة ،ت ُْو ِيف ُش َ
كرها َ عم َك َّ
ِ
املخلوقات.
املوجودات املتبدِّ ِلة عىل
ِ ِ
كربيائه سبحانَه ،يف مرايا إظهار مجالِه وجاللِه وكاملِه و
َ ثم قا َبلوا
جود يف حم َّب ٍة
بالتعظيم ،وهووا إىل الس ِ
ُّ ِ َ َ ْ ورك ُعوا يف َع ٍ
جز مك َّل ٍل أكبرَ ،
ِ ِ
َوجه الكون ،بقوهلم :اهلل ُ
ِ
ٍ
وإجالل. ٍ
وتعظيم ٍ
إعجاب مرة ِ
والفناء هلل ،ويف َغ ِ فعم ٍة ُّ
بالذ ِّل ُم َ
املطلق سبحانَه َثروتَه التي ال تَن َفدُ ورحمتَه التي ِ
عت
وس ْ َ ِ ُ الغني
ِّ إظهار ذلك
َ ثم أجابوا
َعين. قرهم وحاجتِهم قائلنيَ : ِ
بإظهار َف ِ ِ الم ِل ِّح ِ ٍ َّ
إياك نَست ُ والسؤال اجلا ِّد، كل يشء ،بالدعاء ُ
ِ
بدائعه ون ِ ِ ِ ِ ِ
َرشه هلا يف اخلالق اجلليل ل َلطائف َصنائعه َ
وروائ ِع عرض ذلك ثم استَقبلوا َ
اهلل، َ نيِ ،الل ِز َم ِ ِ ِ ِ
أنظار األنا ِم، َم ِ
تبارك ُ اهلل،
ني :ما شا َء ُ قائل َ والتقدير َّ باإلعجاب عار َض أما َم
حي ِ ِِ َحسنِ َ
شاه ِدين مست ِ خلق هذاِ .. َ
ملشاهدَ ة هذه البدائعَِّ ،
َ هلموا
ني هلا ،هاتفنيُّ : ُ أجمل َ ما
اشهدُ وها وكُونُوا ُش َهدا َء ع َليها.
الفالحَ ..ِ عىل
األز ِل واأل َب ِد -لسل َط ِنة ربوب َّي ِته يف العظيم -س ِ
لطان َ ِ ُ
إعالن ذلك الس ِ
لطان ُّ َ ثم أجابوا
سمعوا ،وانقا ُدوا بقولم :س ِمعن َا وأ َطعن َاَ ..ف ِ ِ
للوجود كا َّف ًةِ ، وإظهاره وحدانِ َّيتَه الكون ك ِّله،
َ َ
وأطاعوا.
ُ
( )1انظر :املناوي ،فيض القدير 410/2؛ الطرباين ،املعجم الكبري 184/2؛ احلاكم ،املستدرك 629/4؛ البيهقي ،شعب
اإليامن .183/1
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 140
هم ِ ٍ ِ العاملني ألوه َّيتَه اجلليل َةُ ،
الصة عبود َّية َتن ُُّم عن َضعف ُ بخ َ َ رب
ثم استَجا ُبوا إلظهار ِّ
الصالةُ.
حاجاتم ..تلك هي َِّ قرهم املندَ ِمج يف
جزهم ،و َف ِ ِ
الكام ِن يف َع ِ
( )1انظر :البخاري ،بدء اخللق ،8تفسري سورة السجدة ،1التوحيد 35؛ مسلم ،اإليامن ،312اجلنة 5-2؛ الرتمذي ،اجلنة
،15تفسري سورة السجدة ،2تفسري سورة الواقعة 1؛ ابن ماجه ،الزهد 39؛ الدارمي ،الرقاق 105 ،98؛ أمحد بن حنبل،
املسند .334/5 ،506 ،495 ،466 ،462 ،438 ،416 ،407 ،370 ،313/2
� �� � � �� � � � �
141 ��� ���� �� � ����������
اسة ،إنام هي ملجر ِد اسـتِ ِ
ومشاعر وحواس جس ٍ ٍ ٍ وج ِ ٍ
عاملا َّ وار َح وأجهزة َبديعةّ َ َّ َ َ َ ، َح ّساسةَ ،
حاش وكال!! ـة؟ َ احلـياة الفانـي ِ
ِ النفس الدَّ نِي َئ ِة يف هـذه
ِ ِ
لرغبات حاجات ُسـفل َّي ٍةٍ إلشـبا ِع
َ
طرتِكم إنام ِ
وإدراجها يف ف َ
َ
اع ِر يف و ِ
جودكم ُ
واملش ِ واحلواس َ ِّ
ِ
اللطائف خلق تلك إن َبل َّ
َي: ي اثن ْ ِ
اس ْ ِ ِ
أس َ
َيستَندُ إىل َ
ِّعم التي أسب َغها عليكُم الـم ِ شعركم َّأن ي ِ
نع ُم سبحانَه؛ ُ كل نو ٍع من أنواع الن ِ األولُ ْ :
َّ
ِ بش ِ
كره تعاىل وعبا َدته. يام ُ ِ ويسوقكم إىل الشكر ،فعليكُم ُّ
عور هبا والق ُ
الش ُ
الوجو َد ك َّلهَ ،م ِ ِ ِ أن َتع َلكُم ت ِ
عر َفتَها فون أقسا َم جت ِّليات األسامء احلسنَى التي َت ُع ُّم ُ َعر َ الثاينْ :
األسامء ومعر َفتُها معرف ًة َذ ْو ِقي ًة خالِص ًة. ِ اإليامن بتلك ُ وت ََذ ُّو َقها َفر ًدا َفر ًدا؛ فعليك ُُم
اإلنسان إنسانًا ّ
حقا. ُ ـة ،وهبام َيغدُ و الكامالت اإلنسانِ َّي ُ ُ َنمويـن ت ُ األساس ِ َ وعىل َه َذ ِ
ين
جه ِ
زة زو ْد باألَ ِ ِ َ ِ ِ ف َّ ِ
املثال لت ِ ِ فانظر َ
اإلنسان بخالف احليوان مل ُي َّ أن َعر َ خالل هذا اآلن من
احلياة الدنيا فقط: ِ ب هذهلك َْس ِ
ِ ليشتي هبا بدْ َل ًة ِ خاد َمه ِع أع َطى سيدٌ ِ
اخلاد ُم امش ُمعيَّ ٍ َ ،
فراح لنفسه ،من ُق ٍ َ رشين لري ًة َ َ َ ِّ
ألف ٍ
لرية آخ َر َ خادما َ األقم َش ِة و َلبِسها؛ ثم أع َطى السيدُ نفسه ِ ِ أج َو ِد أنوا ِع
ُ َّ ِّ َ واشتاها من ْ َ
قلفكل َمن يملك ُم ْسك ًة من ال َع ِ ِّجار ِة؛ ُّ وأرسله للت َ َ
ٍ
تعليامت ورق َة ولكن َو َض َع يف َجيبِه َ
األو ُل ِ ِ ِ ٍ در ُك يقينا َّ ُي ِ
بعرشين لريةً! فلو مل َ املبلغ ليس لرشاء بد َلة ،إذ َقد اشرتاها اخلاد ُم َّ َ أن هذا
رتى منه ٍ صاح ِِ كل ما لدَ ْي ِه إىل قة ،وأع َطى َّ يقر ْأ هذا الثاين ما كُتِب له يف الور ِ
ب حانوت واش َ َ َ َ َ
يكون قد ارتَكب محا َق ًة مت ِ
َناهي ًة، ُ ِ
البدالت ،أال اآلخر -ومن أردإ أنوا ِع ِ ِ
لصديقه َبد َل ًة -تقليدا
ُ َ
نف وعقابه عقابا ِ
راد ًعا؟ نبغي تأديبه بع ٍ ي ِ
ً ُ ُ ُ َ
الحميم ،ويا نفيس األمار َة بالسوء!
َ فيا صديقي
طاقات حياتِكمِ مال ُع ُم ِركم ،وال تُبدِّ ُدوا رأس ِ ِ
استَجم ُعوا ُعقو َلكم ،وال َتد ُروا َ
ِ
ِ
فالعاق ُبة حيواين.. لذ ٍة ما ِّد ٍية و َمتا ٍع
لة ،ويف سبيل َّالزائ ِ
ِ ِ
الفانية ِ
عداداتا هلذه الدنيا واستِ
ٍّ
رأس مالِكُمأن َ ني درج ًةِ ،علام َّ بخ ِ
مس َ ٍ
حيوان َ كة أدنَى من َ
أخ ِّس ون إىل در ٍ
ََ وخيم ٌة ،إذ ت َُر ُّد َِ
ني ِضع ًفا.. بخ ِ
مس َ ٍ
حيوان َ أثم ُن من أر َقى َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 142
ـة َحياتِ ِك،ماهي ِ
ِ ِ ِ ِ
ين أن تَفهمي شي ًئا من :غاية َحياتكَّ ،
ِ ِ ِ
نفس الغافل َة ..إن كُنت تُريد ََ
فيا ِ
ِ
«غايات َمال سـعا َد ِة َحياتِ ِك ..فان ُظ ِري إىل ُم َم ِل
حقيقة َحياتِ ِك ،ك ِ
ِ س ِ ِ ِ ِ
ُصورة َحياتكِّ ،
سعة ُأ ٍفإنا تِ ُ ِ ِ
مور: َحياتك» َّ
سم ِك،
املغروز ِة يف ِج ِ
َ احلواس
ِّ ِ
وازينبم ِ ِ ِ ِ
املدخرة يف َخزائ ِن الرمحة اإلهل َّية َ
َ زن الن ِ
ِّعم َّأو ُلاَ :و ُ
ـي. بالش ِ
كر ال ُك ِّل ِّ والقيام ُّ
ُ
األجهزة املود ِ
عة يف ِ ـة احلسنَى بمفاتِ ِ
يح ِ
لألسماء اإلهلي ِ الكنوز املخف َّي ِة
ِ فتح ثانيها:
َ َّ ُ
ِ
األسامء احلسنَى. جل وعال بتلك فة ِ
اهلل َّ عر ُفِطرتِ ِك ،و َم ِ
ُ
اجلامعة ملثل هذه الـم َثل ،وهي ِ َوج ُه إىل ِم ِ ِ فيا نفيسَّ ..
ثل هذه الغايات ُ إن حياتَك التي تت َّ
ِ حظوظ تافِ ٍ
ٍ اخلزائن القي ِ
ِ
النفس لرغبات هة ،تلبي ًة ف يف ليق عقال وإنصا ًفا أن ت َ
ُصـر َ مة ..هل َي ُ ِ ِّ
بلذائذ دنيوي ٍة ٍ
فانية ،فتُهدَ َر وتُض َّي َع بعدَ ذلك ؟! َ ارة ،واستِ ً
متاعا األم ِ
َّ َّ
ِ
وجواب ال َق َس ِم يف ضياعها سدً ى ،ففك ِِّري وتد َّب ِري يف ال َق َس ِم ِ فإن ك ِ
ُنت راغب ًة يف َعد ِم
اع َميل. واحلقيقة املذك ِ
ُورة ،ثم ْ ِ ِ
التمثيل مس» الذي َير ُم ُز إىل «الش ِور ِة َّ
ُس َ
�﷽
اهليتمي يف «الفتاوى املؤمن» ،قال ابن َح َج ٍر بدي ِ رض ولكن و ِسعنِي قلب عَ ِ ( )1هذا معنى احلديث «ما و ِسعنِي سامئي وال َأ ِ
ُّ ُ َ َ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
الصوفية وصالـحو
ُ كر مجاعة له من الصوفية ال ُيريدون حقيق َة ظاه ِره من االتِّـحاد واحللول ،ألن كال منهام ٌ
كفر، احلديثية» :وذ ُ
َ
اإليامن باهلل وحم ّبتَه و َمعرفتَه، ِ
قلب املؤم ِن َي َس ُع ِ جيب له وما َيست ُ
َحيل عليه ،وإنام ُيريدون بذلك ّ ِ
أن َ الناس باهلل وما ُ أعرف
ُ
أ هـ ..وانظر :أمحد بن حنبل ،الزهد ص81؛ الغزايل ،إحياء علوم الدين 15/3؛ الديلمي ،املسند 174/3؛ الزركيش،
التذكرة يف األحاديث املشتهرة ص135؛ السخاوي ،املقاصد احلسنة ص990؛ العجلوين ،كشف اخلفاء .255/2
�
ل���ل �ة ا ��لث ا �ن� �ة � ش ة
�
ا � ك� �م� �� ي�� ع���ر�
�﷽
﴿ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ (البقرة)269:
كم ِة ِ ِ
املقدسة وح َ َّ ِ
الكريم الق ِ
رآن ِ
حكمة ُ وازنة إمجال َّي ٍة َ
بني الكلمة تُشري إىل م ٍ
ُ ُ ُ هذه
ِ
اإلنسان القرآن من ترب َّي ِة
ِ ُ
حكمة ٍ
خمترصة ملا تُل ِّقنُه ٍ
خالصة ُشري أيضا إىل
الفلسفة ،وت ُ
ِ
ِ
القرآن ترج ِح ِ ِ ِ يف حيا َت ْي ِه َّ
َضم إشار ًة إىل جهة ُّ
الشخص ّية واالجتامع َّية فضال عن أهنا ت ُّ
أن موه عىل األقوال قاطب ًة؛ بمعنى َّ وس ِّ اإلهلي ُ
ِّ الكريم وأفضل َّيتِه عىل ِ
سائر الكال ِم ِ
ِ أس ٍ
الكلمة: س يف هذه هناك أربع َة ُ
األساس األول
ِ
الكريم ِ
القرآن ِ
حكمة بني ِ
الفروق َ احلكاية التَّمثيل َّي ِة ان ُظر إىل
ِ الل ِم ِ
نظار هذه من ِخ ِ
وح ِ
كمة ال ُعلو ِم: ِ
بالغ النَّفعِ، تفسري ق ِّي ٌم جداُ ، ٌ املسل ِم املح ِّق ِق املد ِّق ِق ،فرأى أنَّه ِ ـم ف العالِ ِ أخ َذ ُمؤ َّل َ ثم َ َّ
ِ
ـم اسم العال ِ طلق ُ حقا ،وإنَّام ُي ُ احلكمة ّ
ُ وقال :هذه هي وهنَّأ ُه عليه َ عم َله ،وقدَّ َر ُجهدَ هَ ، َف َب َار َك َ
وجتاوز
َ َ
أفرط َّاعا قد
إل فنَّانًا صن ً وليس َ
اآلخ ُر ّ ف، ب هذا المؤ َّل ِ ِ
صاح ِ حقا عىل واحلكيم ّ
ِ
َ ُ
لريات ذهب َّي ٍة
ٍ
أن ُتن ََح ُ
عرش وأجز َل ثوا َبهً ،
آمرا ْ َ ِ
املسل َم ـم ِ
كافأ ذلك العال َ حدَّ ُه ..وعىل إِ ِثره َ
روف كتابِه. رف من ح ِ لكل ح ٍ
ُ ِّ َ
ُ
القرآن ِ
احلقيقة :فذلك احلكاية التَّمثيلي ِة ،فان ُظر إىل ِ
وجه ِ مت -يا أخي -أبعا َد هذه فإذا َف ِه َ
َّ
األز ِل واألَ ِبد يب ،هو ُس ُ
لطان َ الـم ِه ُ
احلاكم َ
ُ ديع ..وذلك ُ
الكون ال َب ُ الزاهي ،هو هذااجلميل ِ ُ
َ
واآلخ ُر :هو وحكامؤها؛
ُ الن :األو ُل -أي ذلك األجنَبي -هو ِعلم ال َفلس ِ
فة سبحانَه ،والرج ِ
َ ُ ُّ َّ َّ ُ
يذه. ِ
الكريم وتالم ُ ُ
القرآن
ُ
مان وأعاله لهذا َرج ٍ َفسير وأسماه ،وأبلغُ ت ُ أعظم ت ٍ ُ «المقروء» هو
َ الكريم
َ القرآن
َ إن
نعمَّ ،
احلكيم هو الذي َ إن ذلك ال ُف َ
رقان «منظور» ..نعمَّ ،ٌ عظيم
ٌ آخ ُرقرآن َالكون البديعِ ،الذي هو ٌ ِ
ِ حائ ِ
القدر ِة اإلهلي ِة عىل ص ِ ِ ِ ي ِ
الكون ف َ َّ لم ُ َ واإلنس إىل اآليات الكَون َّية التي َس َّط َرها َق ُ َ اجلن
َّ رشدُ ُ
كل ِ
املوجودات -التي ٌّ صور؛ وهو الذي َين ُظ ُر إىل األزم ِنة وال ُع ِ ِ ِ
أوراق الواسع ود َّب َجها عىل ِ
حيث دال َلتُها عىل الصانِ ِع ُ ـي ،أي َين ُظ ُر إليها من ِ
غزى -باملعنى احلرف ِّ حرف ذو َم ً ٌ منها
ِ
اجلليل! مجال ِ
املبدع أجمل َخ ْل َق ُه! ما أعظم دال َل َت ُه عىل ِ َ أحس َن َخ ْل َق ُه! ما ُ ِ
َ فيقول :ما َ اجلليل،
للكائ ِ
نات. ِ احلقيقي مال الج َ ِ وهكذا ي ِ
َّ األنظار َ ف أما َم كش ُ َ
ِ
املوجودات، ِ
حروف ينات َزي ِ قت يف ت ِ فة ،فقد َغ ِر ْ الفلس ُ كمة وهي لم احلِ ِ بع ِأما ما يسمونَه ِ
َ ّ َ ُ َ ُّ
ِ ببعض ،حتَّى ض َّل ْت عن ٍ عالقات ِ ِ
احلقيقة ..فبينَام كان عليها أن بعضها مبهو َت ًة أما َم وظ َّل ْت ُ
ال ْس ِم ِّي،
بحساب اهلل ،فقد نَظر ْت إليها باملعنَى ِ
َ ِ احلريف أي
ِّ الكون باملعنى ِ ِ
كتاب تَن ُظ َر إىل
َقول :ما ِ
الصورة فت ُ ث عنها علـى هذه أت تتحدَّ ُ بذاتا ،وبدَ ْ الموجودات قائم ًة ِ ِ أي َّ
إن
احلقيقي لليشء؛
َّ َ
الجمال ِ
القول أمجل َخ ْل َق هذا ،سالِب ًة هبذا
أجمل هذا! َبـدَ ًل من :ما َ
َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 148
ِ املوجودات حتى جع ِ
ِ نفس ِه
يء ِالش ِ َ ِ
الكائنات لت َ جميع
َ الجمال إىل َّ بإسنادها انت
أه ْ َف َ
ِ
القيامة.. شاكي ًة عليها يو َم
ِ
للكون وإهان ٌة له. ِ
فسط ٌة ال حقيق َة لها وت ٌ
َحقير الفلسف َة الملحدَ َة إنما هي َس َ
َ إن
نعمَّ ،
األساس الثاين
َ
تالميذه، الكريم ُ
القرآن األخالقي ِ
ـة التي ُير ِّبي هبا ِ ِ
الرتبية صول إىل مدَ ى ال َف ِ
رق بني ِ للو
ُ َّ ُ
املواز ِنة:
يذ ْيِام يف َ نضع تِ ِ
لم َ أن َ َ
حكمة الفلس ِ
فة ،نرى ْ َ ُ والدَّ ِ
رس الذي تُل ِّق ُن ُه
ٍ
ألج ِل أخس يشء ْ َّ ذليل ،إذ َيع ُبدُ ون ٌ ون» ولكنَّه فِ َ
رع ٌ رع ٌ فة «فِ َ فالتلميذ اخلالص للفلس ِ
َ ُ ُ
وعنو ٌد» ولكنَّه َمر ٌد َ ِ َ كل ما ينف ُعه َر َّبا له؛ ثم َّ َّخ ُذ َّمنفعتِه ،ويت ِ
التلميذ الجاحدَ «مت ِّ إن ذلك
لذ ٍة ،وهو َعنو ٌد دين ٌء إذ يتَذ َّل ُل احلصول عىل َّ ِ ِ
سبيل الذ ِّل يف
نتهى ُّ ِ
يرض لنفسه ُم َ سكني َ
ٌ تم ِّر ٌد ِم
ُم َ
يذ الم ِ ِ ياطني ،بل ُيق ِّب ُل أقدا َمهم! ثم َّ ِ ٍ
«مغرور،
ٌ لحدَ ذلك التلم َ ُ إن َ ألشخاص هم َّ
كالش وين َُعَ
حيث ال جيدُ يف قلبِه نُقط َة استِناد؛ٍ ِ
العجز يف ذاتهُ ، ِ نتهى ِ َجبار» ولكنَّه َجبار ِ
بم َ لشعوره ُ عاج ٌز ٌ ٌ
ِ
النفس ِ
رغبات ِ ِ ِ
فغاية ه َّمته تَلبِ َي ُة َ ُ إل ذاتَه، ِ
َفعي و َمصلح ٌّي» ال َيرى ّ َ ثم َّ
التلميذ «ن ٌّ إن ذلك
مصالح األ َّم ِة.
ِ الشخص َّي ِة ِض ْم َن َحرى عن مصاحلِه َّ َّار» يت َّ اس مك ٌ «دس ٌ والفر ِج ،وهو َّ ْ ِ
والبطن
ِ
ألعظم ٍ
ليشء حتى عزيز ال ي ِ
ستذ ُّل «عبدٌ » ولكنَّه َعبدٌ ِ بينام تِ ُ
ٌ َ القرآن اخلالص هو َ لميذ
أن تِ َ
لميذه ظمى -غاي ًة لعبود َّيتِه هلل؛ كام َّ ِ ِ
يرض حتى باجلنة -تلك النِّعمة ال ُع َ خملوق ،وال َ ٍ
أمر ِه وإذنِه؛ ِ
ولغري ِ ِ
اجلليل لغري ِ
فاطره يتذ َّل ُل بإرا َدتِه ِ احلقيقي «م ِ
تواض ٌعَ ،ل ِّي ٌن ه ِّي ٌن» ولكنَّه ال َ َّ ُ
ٍ وض ِ
خره له مالكُه كل يشء بام ا َّد َ عفه ،ولكنّه ُمست ٍ
َغن عن ِّ قر ِه َ عيف» م ِ
وق ٌن ب َف ِ وض ٌ ُ «فقري َ
ٌ ثم إنَّه
قة؛ ثم إنه ال ناده إىل ُقو ِة سي ِده املطـ َل ِرة؛ وهو « َقوي» الستِ ِ اآلخ ِ
الكريم من خزائن ال تَن َفدُ يف ِ
َّ ِّ ٌّ َ ُ
ونرشها.ِ ِ
الفضائل من ِرضا ُه ً
بلوغا إىل لوجه اهلل ،بل ال يسعى ّ ِ ِ يعم ُل ّ
إل ض َ َ إل َ
املقار ِنة بني تِ َ
لميذهيِام. ِ
احلكمتان ،لدَ ى َ
َ وهكذا ُت ْف َه ُم التَّرب َّي ُة التي ُتربِّ هبا
� �� � � ��� �� � � � �
149 ��� ���� �� ����������
األساس الثالث
إن ِحكم َة
اإلنساين فهيَّ :
ِّ للمجتَم ِع ٍ ِ
وحكمة القرآن من تربِية ُ ُ حكمة الفلس ِ
فة َ ُ أما ما ت ِ
ُعطيه َّ َ
كل ٍ ف إىل «املن َف ِ
يشء، عة» يف ِّ وتدُ ُ احلياة االجتِامع َّي ِةَ ،
ِ «القوةَ» نقط َة االستِ ِ
ناد يف ِ
الفلسفة َترى ُ َّ
ِ نص َّي ِة وال َقوم َّي ِة السلب َّي ِة» رابِط ًة ِ
للحياة ،وت ِ ِ
للجامعات؛ َلتز ُم «بال ُع ُ ستورا
راع» ُد ً وتتَّخ ُذ ِّ
«الص َ
وامليول الن ْف ِس َّي ِة وتزييد احلاجات البرشية. ِ ِ
األهواء ِ
رغبات إشباع ثمراتا فهي أ َّما
ُ ُ
ِ ني يف الـم ِ الناس املنس ِ ِ ِ ِ ( )1املقصو ُد :االرتِ ُ
واألفكار يول ُ جم َ ِ َ من
الصنف الواحد َ ضمن ِّ َ املوجو ُد
ُ باط
كأرباب احلِ َر ِف والِ َه ِن.
ِ ِ
والطبائع ِ
واألذواق
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 150
األساس الرابع
َفو ِقه عىل
ف مدَ ى ت ُّ الكلامت اإلهل َّي ِة وت ِ
َعر َ ِ القرآن عىل ِ
سائ ِر ُ سمو
كيف َي ُ
تفه َم َ أن َ دت ْ إذا َأر َ
ين املثا َل ِ
ني: هذ ِ
مجي ِع الكال ِم ،فان ُظ ْر وتأ َّم ْل يف َ
﴿ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾ (آل عمران)26:
﴿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛﮜ ﴾ (األعراف)54:
﴿ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ (هود)44:
﴿ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ (اإلرساء)44:
( )1انظر :أبو يعىل ،املسند 520/13؛ الطرباين ،املعجم األوسط 382/8 ،278/6؛ الروياين ،املسند 212/2؛ ابن أيب
عاصم ،السنة 367/2؛ الطربي ،جامع البيان 95/16؛ اهليثمي ،جممع الزوائد .79/1
� �� � � ��� �� � � � �
153 ��� ���� �� ����������
﴿ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ (لقامن)28:
﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ (األحزاب)72:
﴿ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ (األنبياء)104:
﴿ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ (الزمر)67:
﴿ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ( ﴾..احلرش)21:
ِ ِِِ ِ ِ وأمثالِها من
و«س َّب َح»،
حل ْمدُ هلل» َ الس َو ِر املبتدئة بـ«ا َ
النظر يف ُّ
َ اجلليلة ،ثم د ِّق ِق اآليات
ِ
املسته َّلة بـ«ا ل م» و«الر»، الس َو ِر
العظيم ثم ان ُظ ْر إىل ُّ
ِ الس ِّر و« ُي َس ِّب ُح ..»..لرتى ُش َ
عاع هذا ِّ
ِ
العاملني.
َ رب َفهم أمهي َة القرآن لدى ِّ
و«حم» لت َ
تفهم:
َطيع أن َ ِ
األساس الرابعِ ،تَست ُ اللطيف هلذا
َ الرس
فهمت َّ
َ وإذا
واس ٍ
طة. طة م َل ٍك ،أما اإلهلام فبِال ِ
بواس ِ ِ
األنبياء إنام هو ِ حي الن ِّاز ِل إىل
الو ِ الرس يف َّ
ُ ّ أكثر َ
أن َ َّ
ِ ِ
األنبياء. نبي كان من أعظم َو ٍّيل من األولياء ال َيب ُل ُغ َّ
أي ٍّ َ الرس يف َّ
أن َفهم َّ
وت َ
ِ
إعجازه.. لو وعزتِه القدس ّي ِة ُ
وع ِّ
ِ
القرآن َّ وتَفهم الرس الكامن يف َع ِ
ظمة َ َ َّ
ِ ِ ِ
اموات الس
الرس يف رحلته ﷺ إىل َّ املعراج وحكم َة َضورته ،أي َ
تفهم َّ ِ رس لزو ِم
َفهم َّ
وت َ
وس ْ ِ
ي أو أدنَى ومن َث َّم مناجاته م َعه سبحانَه ،مع العال وإىل ِس ِ
قاب َق َ
املنتهى حتى كان َ
درة َ َ
ِ ِ ِ
جل جال ُله ﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ ُث َّم عو َدته يف طرفة ٍ
عني إىل مكانه. أنَّه َّ
ِ ِ ِ
ِ
واإلنس؛ اجلن
ُبوتَه إىل ِّ الرسالة ،أ ْظ َ
هر ْت ن َّ شق ال َق َم ِر كام أنه ُمعجز ٌة إلثبات ِّ
إن َّأجلَّ ،
ِ
واملالئكة. ِ
األرواح أظه َرت حمبوبِ َّيتَه إىل ِ املعراج هو م ِ
عجز ُة عبود َّيته ﷺ َ ُ ُ كذلك
ك َوبُ ْر َمته �آم َ
ـني.
ُ َ َْ َ َ آ َ ّ َ َّ َّ ّ
الل َص ِل َو َس ِل ْم َعليْ ِه َو َعل � ِ ِل ،ك َما ي ِليق بِرح ِت
ِ ِِ ِ
�
ل���ل �ة ا ��لث ا ��لث �ة � ش ة
�
ا � ك� �م� �� �� ع���ر�
�﷽
﴿ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ (اإلرساء)82:
﴿ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ (يس)69:
يدان ِ
معرفة اهلل ويف م ِ الواسع يف ِ
القرآن الطائل َة وغناه ِ
األمثلة ثرو َة ِ
ضوء هذه فش ِ
اهدْ يف َ
َ َ
ِ
معرفة ِ
العربة ويف لم ودروس املدقع يف ِ
الع ِ فة وفقرها ِ واحلكمة ..وإ ْفالس الفلس ِ
ِ الع ِ
لم ِ
َ َ َ َ
ِ
اجلليل. الصان ِع
َّ
حيث ِ
القرآن؛ ُ نفس لوف ٍ
قرآن في ِ ألوف ُأ ِ
ِ ِ
يحتوي على الكريم، القرآن
َ أن ومن هذا ن ِ
َجدُ َّ
َ
ٍ
مشرب قرآنًا منه. لكل ذيب ِّإنه َي َه ُ
ُ
احلادثة فعال يف أمريكا( ،املؤلف) ( )1لقد َوق َعت هذه
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 156
َضم ثالثني ُسور َة ِ ظيمة ِ
لع ِ زينة َع ٍ اإلخالص مثال تَشت َِم ُل عىل َخ ٍ ِ
لم التّوحيد ،ت ُّ فسور ُة
بعضها ببعض ،كام العالقات املرتاب َط ِة ُ
ِ ت ِ
ذات تراكيب ُج ِلها الس ِ
ِّ ِ َتكو ُن من
إخالص ،ت ّ ٍ
والعرشين». ِ
«اخلامسة و ِّضح ذلك يف الك ِ
َلمة
َ ُ َ
وكأنا غير ُمق ّي ٍد كل ٍ عل َّ اهر يف نجوم الس ِ
امءَ ،ي ُ إن َعد َم االنتِظا ِم ال ّظ ِنعمَّ ،
َّ نجم منها َ ّ
كل ِ
األوارص إىل ٍّ َ
وخطوط ِ
العالقات َ
خيوط دائرة ُم ِ
يطها؛ فت َُمدُّ ِ ألكثر النُّجو ِم ضمن ِ ركز
َم ٌ
ِ
اآليات نجم -كنجو ِم كل ٍ وكأن َّ
َّ ِ
املوجودات قاطب ًة؛ العالقات اخلف ّي ِة فيام بني
ِ منها إشار ًة إىل
توجه ًة إليها مجيعا . ِ الكريمة -ي ِ ِ
جوها ُم ِّ مل ُك ُعيونًا باص ًة إىل النُّجو ِم كا ّف ًة َو ُو ً َ
كمال االنتِظا ِم يف َعد ِم االنتِظا ِم ،واعترب! واعلم من هذا ِسا من أس ِار ِ
اآلية َ َف َش ِ
اهدْ
ْ ً
الكريمة ﴿ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ (يس.)69: ِ
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ (اجلمعة )1:وما َ َ
شابها
ِ
اجلليلة. ِ
اآليات من
� �� � � ��� ��� � � � �
157 ��� ���� �� ���������
َظر الس ِ ِ ِ ِ ِ
ني، امع َ َحو ُل يف ن ِ ُّجوم جامدةٌ ،تت َّ إن َوج َه السامء املظلمة التي تَستع ُر فيها ن ٌ ثم َّ
كل بِصدَ ى قولِه تعاىل ﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾ (اإلرساء )44:إىل َف ٍم ٍ
ذاكر هللُّ ،
حكيم ًة ِبليغ ًة. بث ِحكم ًة ِ حلقي َق ِة و َي ُّ ن ٍ ِ
عاع ا ََجم ُيرس ُل ُش َ
الصدَ ى َحو ُل بذلك َّ ِ
العاجز َة تت ّ الض ِعي َف َة ِ
املخلوقات ّ َضم
األرض التي ت ُّ ِ وكذا َوج ُه
ِ
النباتات ومجيع ّقد ِ
يس يح والت ِ ِ
يلهجان بالتّسبِ ِ حر لِسان ْ ِ
َي رأس َع ٍ اموي إىل ٍ
ُ والب وال َب ُ
ظيمُّ َ ، الس ِّ
َّ
األرض ك َّلها تَنبِ ُض باحلياةِ. َ َّ
لكأن ٍ
واحليوانات كلامت ذاكر ًة ُمس ِّبح ًة؛ حتى ِ
ِ
اآلية اإلعجاز يف تلك ِ دقائق َذو ُق ِ الش ِ وهكذا بانتِقالِ َك ُّ
َ العرص تت ّ عور ِّي إىل ذلك
ِ
الكريمة. اللطيفة يف ِ
اآلية ِ َذو ِق تلك الدَّ ِ
قائق ِ ِ
ُحر ُم من ت ُّ الكريمة؛ وبخالف ذلك ت َ
احلاض الذي است َ
َنار ِ ِ ضع َك الكريمة من خالل و ِ
َ
ِ ِ
اآليات رت إىل نعم ،إنك إذا ن َظ َ
سائ ُـر العلو ِم اإلسالم ّي ِة ،حتى رص حتى َغد َا معرو ًفا ،وأضاء ْته ِ
َ ُ نذ ذلك ال َع ِ ِ
القرآن ُم ُ ِ
بنور
ّك بال َش ٍّك ال لفة ،فإن َ تار األُ ِ
اآليات من خالل ِس ِ ِ رت إىلالقرآن ،أو إذا ن َظ َ ِ ِ
بشمس وض َح ْت َ
بنورها لامت الدّ ِام َس ِة ِ وكيف أنا تُبدِّ د ال ُّظ ِ
ُ َ َّ آية،كل ٍ
املعج ِز يف ِّ ِ ِ
اجلامل َترى ُرؤي ًة حقيق ّي ًة مدَ ى
ِ بني وج ِ
الكثرية. وهه اإلعجاز من ِ ُ ُ ِ َذو ُق وج َه هذا النو ِع من اج؛ ومن بعد ذلك ال تت َّ الوه ِ
ّ
َمع إىل هذا ِ
املثال وتأ َّم ْل ِ ِ ٍ ِ
درجة إلعجاز القرآن الكثرية ،فاست ْ أعظم َ شاهد َة
دت ُم َ وإذا َأر َ
سد َل عة؛ قد ُأ ِ شار والس ِ غاية االنتِ ِ رابة ويف ِ نفر ْض شجر ًة عجيب ًة يف منتهى العلو وال َغ ِ فيه :لِ ِ
ّ ُ ِّ
ِ
الغيب. ِ
طبقات طي ِ
فاست ََت ْت َّ الغيبْ ، عليها غطا ُء
راتا الش ِ
جرة و َثم ِ ِ
أغصان ّ وعالقات ارتِ ٍ
باط بني ِ َناس ًبا فم َن املعلو ِم َّ ِ
َ َوازنًا وت ُ
أن هناك ت ُ
ِ فكل ج ٍ ِ ِ
أعضاء ِج ِ ِ ِ
أجزائها زء من سم اإلنسانُ ُّ - وجو ٌد بني وأوراقها وأزاه ِريها -كام هو َم ُ
الشج ِ ِ
رة. ب ماه ّية تلك ّ َ حس َوصور ًة ُمع ّين ًة َ يأخ ُذ شكال ُمع ّينًا ُ ُ
ٍ
شاشة ُشاهدُ َ -و َر َس َم عىل ُشاهد ُّ بل تلك ّ ِ فإذا قا َم َأ َحدٌ -من ِق ِ
قط وال ت َ الش َجرة التي مل ت َ
ِ
العالقات وض َع ُخطو ًطا ُت ّث ُل وحدَّ لهْ ، أعضاء تلك ّ ِ ِ لكل ُع ٍ صور ًة ِّ
بأن َ الش َجرةَ ، ضو من
بدئها ومنتَهاها -البعيدَ ي ِن عن ِ
بعض ِهام بام ال أل ما بني م ِ راقها ،و َم َراتا و َأو ِ ِ
أغصانا و َثم ِ بني
َ ْ َ ْ َ
شك ُرب ُز ُص َو َرها كامل ًة ..فال َيب َقى أدنى ٍّ ِ
أعضائها َتا ًما وت ِ َ
أشكال وخ ٍ
طوط ُت ّث ُل ُيدُّ -بِ ُص َو ٍر ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 158
يط هبا ِع ًلم،
وي ُ ِ
الغيب ُ الم َّط ِل ِع عىل الشجر َة ال َغيبِي َة بن ِ ِ
َظره ُ ّ
ِ
الرسا َم ُيشاهدُ تلك ّ َ أن َ
ذلك َّ يف َّ
صو ُرها. ِ
ومن َبعد ذلك ُي ِّ
ِ ِ فإن َبياناتِه
املوجودات -تلك ص حقيق َة املعجز َة التي َت ُّ املبني كهذا املثال أيضاَّ ، القرآن ُ ُ َف
رة والـمنت َِش ِة من اآلخ ِ
هناية ِ
دء الدنيا إىل ِ اخللق املمتدّ ِة من ب ِ ِ احلقيق َة التي تَعود إىل َشج ِ
رة
َ َ ُ
ِ
البيانات ال ُفرقان ّي ُة عىل
ُ ظت َ
تلك موس -قد َحـا َف ْ ِ الش ِ
الذرات إىل ُّ رش ومن ّ رش إىل ال َع ِ ال َف ِ
رة من ال ّثم ِ ولكل َثم ٍ ِ لكل ُع ٍ ّناس ِ َ ِ
تليق هبا
رات ُصور ًة ُ َ ضو من األعضاء ِّ َ وأع َط ْت ِّ ب ْ املوازنة والت ُ
واالنش ِ
ِ يقاتم وأبحاثِهم -إىل االنبِ ِ حتق ِ إجراء ِِ
داه هار ون -لدى ص العلام ُء املح ِّق ُق َ يث َخ ُل َ بح ُ َ
اخللق إنام هو ِ عمى الكون وي ِِ ط ْل َس َم إن الذي حي ُّل ِ بارك اهلل! َّ ني« :ما شا َء اهلل! َ َق ِ
ف ُم َّ كش ُ َ ُ ائل َ
كيم»! حل ُ ُ
القرآن ا َ أنت َو ْحدَ َك ُّأيا َ
الربانِ ّي َة؛ َ
واألفعال ّ والش ُؤ َ
ون األع َل -األسامء والص ِ
فات اإلهل ّي َة ّ ّ َ نم ِّثل -وهلل امل َث ُل ْف ْل َ
ِ ُور َتتدُّ دائر ُة ع َظمتِها من َ
َسع ُحدو ُد األز ِل إىل األَبد ،وت ُ كأنا َش َجر ُة طو َبى من ن ٍ ّ
إجراءاتا من حدودِ ِ ُ
وحتيط به ،و َيمتدُّ مدى ِ
غري املحدود ِ
كربيائها ال َفضا َء
ُ املطلق َ
َ
﴿ ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ (األنعام ﴿ )95:ﯩﯪﯫﯬ﴾ (األنفال ﴿ )24:ﮈﮉﮊ
﴿ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ (هود)7: ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ (آل عمران )6:إىل
﴿ ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ (الرعد.)2: (الزمر)67: وإىل ﴿ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾
ِ ِ
وبجمي ِع الكريم يبني تلك احلقيق َة النوران ّي َة بجمي ِع ُفروعها وأغصانا َ َ َ
القرآن أنفنرى َّ
ِ ِ اياتا و َث َِغ ِ
خرى وال ُعيق حقيق ٌة حقيق ًة ُأ َ بحيث ال ت ُ ُ واالنسجا ِم التوافق نتهى مراتا َبيانًا يف ُم َ
غريها. حقيقة من ِ ٌ َوح ُش قيقة حكْام ألُخرى ،وال تَست ِ فسدُ حكم ح ٍ ي ِ
َ ُ ُ َ ُ
ِ
األسامء اإلهل ّي ِة حقائق الكريم ُ
القرآن ي املتناس ِ
ِ الصورة املتجانِ ِ ِ
َ ُ قة َب َّ َ سة وعىل هذه
مجيع ِ
أهل بحيث َ
ُ احلكيمة بيانا م ِِ ِ الربان َّي ِة اجلليلة ّ ِ ِ والص ِ
جعل َ عج ًزا ُ واألفعال والشؤون ّ فات ّ
امللكوتُ ،يصدِّ قونَهِ جيولون يف عامل َ الذين املعرفة واحلِ ِ
كمة ِ ومجيع ُأويل ِ
واحلقيقة فالك َْش ِ
َ َ
غم ُرهم: واإلعجاب َي ُ
ُ ِ
املعج ِز مجال بيانِه
ني أمام ِ
قائل َ َ
ِ
ِ
احلقيقة وما أمج َله انسجا َمه وتوا ُف َقه وتَطا ُب َقه مع «سبحان اهلل! ما أصوب هذا! وما أكثر ِ َ
َ َ َ
وأل َي َقه!».
� �� � � ��� ��� � � � �
159 ��� ���� �� ���������
الو ِ ِ ِ ِ
جوب، تتوجه إىل مجي ِع دائرة اإلمكان ودائرة ُ الست َة التي ّ أركان اإليامن َِّ أخذنا مثال فلو َ
القرآن الكريم بجمي ِع ُف ِ
روعها ُ صو ُرها ِ والتي ُت َعدُّ ُغصنًا من تِلكُام َّ
ُ يمتَنيُ ،ي ِّ
الش َجرتَني ال َعظ َ
ِ
وأزاهريها، انسجاما بدي ًعا بني َثم ِ
راتا َصو ِيره ِ وأزاه ِريها م ِ
راع ًيا يف ت ِ ِ ِ
وأغصانا و َثم ِ
راتا
َ ً ُ َ
عاج ًزا عن ِ
اإلنسان ِ جيعل َع َ
قل بحيث ُ
ُ ّواز ِن واالت ِ
ِّساق، نتهى الت ُ التناس ِ عر ًفا َط َ
ب يف ُم َ ُ رز ُم ِّ
سن َجالِه. ِ
أبعاده و َم ُبهوتًا أما َم ُح ِ إدراك
عج ِالقرآن الكريم وأتَى بالرائ ِع امل ِ
ُ ِ رع من ُغ ِ
ب ُ ّ ُ اإليامن ،أبدَ َع صن إن اإلسال َم الذي هو َف ٌ ثم َّ
التواز ِن فيام بينها ،بل ِ ّناس ِ ِ وح َ ِ ِ ِ
َصوير َأ ِّ
ُ وكامل ب افظ عىل َجال الت ُ دق ُفرو ِع أركانه اخلمسة َ يف ت
ِ ِ مق ِحك َِمها
وأع ِ ِ ط ِ ب فيام بني أبس ِّناس ِ
فوائدها وأصغر غاياتا ْ نتهى
آدابا و ُم َ َ حا َف َظ عىل الت ُ
نصوص ذلك ِ ِ
النابعة من ظمى َامل انتِظا ِم ّ ِ وأهبر دليل عىل ذلك هو ك ُ ِ
الشيعة ال ُع َ وثمراتاُ ..
ور ِ ِ ِ ِ
موزه.. القرآن اجلام ِع ومن إشاراته ُ
ِ
أحكامها، بَناس ِ
سن ت ُ وح ُ َواز ِنا الدَّ ِ
قيقُ ، ومجال ت ُُ يعة ال َغ ّر ِاء،
فكامل انتِظا ِم هذه الشَّ ِ ُ
يب ٌ كل منها ِ
شاهدُ َع ٍ ورصا َنتُهاٌّ ..
الر ُ
باهر عىل هذه احلقيقة ال َيدنُو منه َّ
وبرهان ٌ دل ال ُي َر ُح؛ َ
رش ،وال سيام إنسانٍ ِ
زئي ل َب ٍ ِ ِ
أن تَستَندَ إىل ع ٍ ِ
أن ال َبيانات القرآن ّي َة ال يمكن ْ بمعنَى َّ
ّ لم ُج ٍّ أبدً اَ ،
بكل ٍ لم و ِاس ٍع ُم ٍ ِ ِ
يشء. يط ِّ ُأ ِّم ٍّي ،بل ال ُبدَّ أن تَستَندَ إىل ع ٍ َ
احلقائق يف ٍ
آن ِ واملشاه ِد جلمي ِع
ِ ِ
األشياء م ًعا، اجلليل ال َب ِ
صري بجمي ِع ِ فهو كَالم ِ
ذات اهلل ُ
ُ
الكريمة: ِ
احلقيقة ُ
اآلية شري إىل هذه ِ واح ٍد من َ ِ
ِ
األزل إىل األبد ..ومما ُي ُ
﴿ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ (الكهف)1:
الل يَا ُمنـز َل الْ ُقر�آن ..بَ ّق الْ ُقر�آن َوبَ ّق َمن اُنـز َل َعلَيه الْ ُقر� آ ُن نَ ّو ْر قُلُ َ
وبنَا َّ َّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ُُ ََ ُ ْ َ َ ُْ آ آ َ َ ُ ْ ََ ُ
ان والقر� ِن � ِمني يا مستعان. اليم ِ ور ِ وقبورنا بِن ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 160
املقام الثاين
�﷽
الإغراءات والأهواء ُ
ُ الذين تتَجاذبُهم
َ الشباب
ِ حوار ٌ مع عدَدٍ من
ِ
صوابَهُم. ِ
و�لكنَّهم لم يَفقدوا بعدُ َ
النور» وتَمدَّ هلم يدَ النَّجدَ ِة ِ
سائل ِ«ر ُ الشباب ْ ِ
ِ
ني:
سائل َ ُ أن تُعينَهم َ ط َل َ
ب َعد ٌد من
وجاذب ّي ِة
ِ ِ
اإلغراء حييط بنا يف َزمانِنا هذا من فِ ِ
تنة ُنق َذ ِ
آخرتَنا إزا َء ما ُ مكنُنا أن ن ِكيف ي ِ
َ ُ
اهلوى ِ
وخدا ِع ال َّل ِ
هو؟ َ
النور» املعنو ّي ِة ً
قائل: «رسائل ِ
ِ خص َّي ِة
باسم َش ِ
ِ فأجبتُهم
ناص ..والدّ ُ مكن أن ي ِ
ِ
خول َدخ ُله ال َم َ
نك َره أحدٌ ..ك ُّلنا سن ُ رب ٌ
ماثل أما َم اجلميعِ! ال ُي ُ ُ ال َق ُ
رق ال ِ
غريها: ِ
بثالثة ُط ٍ فيه
ياض َج ٍ
يلة وعا َل ٍم َر ْح ٍ نني إىل ِر ٍ أن القرب باب ينفتِح للم ِاألو ُلُ :يؤ ِّدي إىل َّ ال ّط ُ
ب ؤم َ َ ٌ َ ُ ُ ريق َّ
وأجمل من هذه الدّ نيا.َ َ
أفضل ِ
فس ٍ
يح
ِ ِ باب لِ ِس ٍ الثان :ي ِ
الضاللة وال َغ ِّي -مع ين يف
للمتامد َ جن ٍ
دائم ُ رب ٌ وص ُل إىل َّ
أن الق َ ريق ِ ُ ال ّط ُ
رو َن الوجو َد واحليا َة من ِخاللِه؛ ِ
نس ما كانوا َيعتقدونَه و َي ْ لون بِ ِج ِ باآلخ ِ
رة -فهم ُيعا َم َ ِ ِ
إيامنم
راد ِّي ،لِعدَ ِم َع َم ِلهم بام كانوا َيعت َِقدونَه.االنف ِ
جن ِ الس ِ ِ ِ عز َ
لون عن مجيع أح َّبتهم يف هذا ِّ ف ُي َ
والضال َلة ،فإذا ِ
اجلحود ّ ِ
أرباب رة منباآلخ ِ
ِ نساق إليه من ال ي ِ
ؤم ُن ُ َ ثَ :ي ُ ريق الثالِ ُ
ال ّط ُ
جميع
َ َظره ِمشنَق ٌة تُفنِيه وتُفنِي معه
رب يف ن ِ
هنائي له؛ والق ُ
وإعدا ٌم ٌّ ِ
املحض ْ باب إىل ال َعدَ ِم
رب ٌ الق ُ
باآلخ ِ
رة. ِ أحبتِه؛ فهذا هو جزاء ج ِ
حوده ِ
َ ُ ُ َّ
رأي ال َع ِ
ني. ِ ان إىل َدلِ ٍان ،ال َيتاج ِقان ِبدهيي ِ
الش ِ هذان ِّ
شاهدَ ُتام َ يل ،إذ ُيمك ُن ُم َ َ َّ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
161
رض ُبحنيَ ،ي ِ كل ٍ دركَنا يف ِّ والموت يمكنُه أن ُي ِ ُ يب، ِ
بستار ال َغ ِ مستورا عنَّاً ُ
األجل فام دام
عيف الذي َي َرى هذه الض َ َ
اإلنسان ّ شك َّ
أن يخ ،فال ّ اب ّ
والش ِ اإلنسان دون َت ِي ٍيز بني ّ ِ
الش ِّ ُعن َُق
وف يتَحرى عام ُي ِ كل و ٍ ِ ِ ِ
دينجيه من ذلك اإلعدا ِم األ َب ِّ َّ قتَ ،س َ القض ّي َة املذهل َة أمام َعينَيه ،يف ِّ َ
ُور ِ القرب من ُظلم ٍة ٍ
قامتة إىل ن ٍ باب ِ ِ ِ ِ والس ِ
ساط ٍع َ حو ُل له َ بح ُث عام ُي ِّ جن االنفراد ِّي الدّ ائم ،و َي َ ِّ
أن هذه يب َّ ِ ِ ٍ ِ
ياض ُمون َقة يف عامل الن ِ ور ٍ ـم خالد ٍِ ِ َينفتِ ُح إىل عا َل ٍ
والسعا َدة اخلالدَ ة ..وال َر َ ّور ّ
وأجل من الدّ نيا ك ِّلها. ُّ ِ ِ
أعظم
ُ اإلنسان ،بل هي ربى لدى املسأل َة هي ال َقض ّي ُة ال ُك َ
الثالثة املتقدِّ َم ِةُ ،ينبِ ُئ هبا ِمئ ٌة
ِ والقرب -بال ُّط ُر ِق
ِ ِ
املوت ِ
-حقيقة ِ
احلقيقة ظهور هذه َ َّ
إن
احلام َ
لون ني ،وهم األنبياء الكرام عليهم السالم ِ ِ رشون ألفا من ِ ِ َ وأربع ٌة ِ
ُ ُ الصادق َ ُ ُ ين ّ املخب َ وع
رشون ِمليونًا من َ عة ِ الباهرةُ ..و ُينبِ ُئ هبا ِمئ ٌة وأر َب ٌ زاتم ِ ِ ِ ِ ِ
وع لوا َء تَصديقهم الذي هو ُمعج ُ ُ
احلق ِ
يقة دون هلم عىل ِ شه َ ِ الصاحلنيُ ،يصدِّ َ ِ
رام ،و َي َ
رب به أولئك األنبيا ُء الك ُ قون ما أخ َ األولياء ّ
ِ
ني، هود ..و ُينبِ ُئ هبا ما ال ُي َعدُّ وال ُي َص من العلامء املح ِّق ِق َ والش ِ وق ُّ والذ ِ
َشف َّ نفسها بالك ِ ِ
ِ
اليقني، درج َة ِع ِ
لم ِ ِ ِ ِ
هم ال َعقل ّية القاطعة البالغة َ
ِ ِ ِ
رب به أولئك األنبيا ُء واألوليا ُء بأد َّلت ُ تون ما أخ َ ُيثبِ َ
ونَّ :
قر ُر َ جلز ِم(..)1 ِ ِ وبام َي ِص ُل إىل تِس ٍع وتِ َ
أن النَّجا َة من فاجلميع ُي ِّ
ُ سعني باملئة من ال ُّثبوت وا َ
أبد َّي ٍة ،إنَّام
عادة ِ
املوت إىل س ٍ
َ
ِ راد ِّي ،وت ِ
َحو َيل االنف ِ
جن ِ الس ِ
والخالص من ِّ َ اإلعدا ِم األَ ِبد ِّي،
إل.وطاعتِه ليس َّ َ ِ
باإليامن باهلل ُ
تكون
اجلميع( ،املؤلف)
ُ رسائل ِ
النور كام يراها ُ َ
أولئك أحدُ
(َ )1
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 162
الس َ
ؤال: واآلن ُأ ِّ
وجه إليكُم هذا ُّ
اجلسيمة الر ِه ِ
يبة؟ ِ ِ
املسألة ِ
املسلم -إزا َء هذه س -وال ِس ّيام اإلنسان ِ
البائ ِ ِ ف -تُرى ما م ِ
وق ُ
َّ َ
ُ
اإلنسان من ِ ِ أن ت ُِز َيل َس ُ
لطنة الدّ نيا ك ُّلها مع ما فيها من ُم َت ٍع و َلذائ َذ ،ما ُيعانيه مك ُن ْهل ي ِ
ُ
ِ القرب ،إن كان ِ ِ كل حل ٍ
ظة للدُّ ِ ظار َد ِراب و َق َل ٍق يف انتِ ِ ِ
اضط ٍ
لإليامن فاقدً ا خول إىل وره يف ِّ َ
ِ
والعبادة؟!
ٍ
ث من َوفيات هنا وهناك ،تُق ِّط ُر ذلك األمل َ واملرض والبال َء ،وما َيدُ ُ َ يخوخ َة
َ إن ّ
الش ثم َّ
الضا ِّل َ
ني أن أولئك ّ بم ِص ِريه املحتو ِم؛ فال َج َر َم َّ ِ ٍ نفس ِِّ
كل إنسان ،وتُنذ ُره دوما َ املرير إىل
َ
عنو ٌّيُ ،يعذ ُِّبم ب َلظاه حتى لو َتتّعواحيم َم ِ تأج ُج يف ِ ِ ِ
قلوبم َج ٌ فاهة واملجون َس َي َّ الس َ
وأرباب ّ
َ
شعار ِهم ذلكول دون استِ ِ أن الغفل َة وحدَ ها هي التي ت َُح ُ ذائ ِذهاَ ،ب ْيدَ َّ
باه ِج الدنيا و َل ِ بم ِ
َ
األليم.
َ العذاب
َ
مة ون َِع ٍ
يم دائ ٍ
عادة ِرياض س ٍ
ِ َ رب َ
املاثل أما َمهم با ًبا إىل اع ِة َير َ
ون الق َ
ِ
اإليامن وال ّط َ فام دام ُ
أهل
ِ
اإليامنَّ ،
فإن كُال ِ
بشهادة كنوزا ال َت ْفنَى
ُكس ُبهم ً يقة ت ِيم ،بام منِحوا من ال َقدَ ِر اإلهلي من وثِ ٍ ُم ِق ٍ
َ ِّ ُ
ناديهحلظة من ي ِ ٍ كل روح ّي ًة لدى انتِ ِ
ظاره َّ راسخ ًة ،ونَشو ًة ِ حقيقي ًة ِ لذ ًة َع ِميق ًة ِ
منهم س َيش ُع ُر ّ
َ ُ َ ّ
بمثابة جن ٍّة
ِ الروح ّي َة لو َت َّس َم ْت ألَص َب ْ
حت َّشو َة ُّ
إن تلك الن َ بحيث َّ ُ قائال:تعال ُخ ْذ بِطاقتَك،
َ
َجس ُم َشجر ًة ِ املؤم ِنِ ،معنوية خاص ٍة بذلك ِ ٍ
وارف ًة. ذر ُة وتت ّ َحو ُل البِ َ
ثل ما تت َّ بم ِ ّ
غيرذة ُمؤ ّق ٍتة ِ وحي َة اخلالِص َة ألج ِل َل ٍ
ْ
ِ
الر ّ األمر هكذا ،فالذي َيدَ ُع تلك املتع َة ُّ ُ و َلا كان
نح ُّط ِ ِ سل املسمو ِم ،بدافِ ٍع من َط ِ صة باآلالم كال َع ِ مرشوعة من َّغ ٍ
ٍ
وسفاهته؛ س َي َ الشباب َ يش ُ
املالح ِ
دة ِ يكون حتى بمثل َ ِ
احليوان ..بل ال َيب ُل ُغ أن ستوى أدنى بكثري من ُمستَوى إىل ُم ً
آخرين؛ وإن مل ؤم ُن ُبر ُس ٍلنكر منهم رسو َلنا الكريم ﷺ فقد ي ِ ِ ب أيضا؛ َّ األجانِ ِ
َ ُ َ َ ُ ألن َمن ُي ُ
ِ جوده تعاىل؛ وإن مل ي ِ ؤمن بو ِ ِ ِ
اخلصال تكون له من ُ ؤم ْن باهلل فقد ُ بالر ُس ِل ك ِّلهم فقد ُي ُ ُ ُيؤم ْن ُّ
ِ
الكامالت. ِ
احلميدة ما ُي ِريه
إل الكامالت اإلنسانِ ّي َة ّ
ِ رف
آمن بر ِّبه وال َع َ الرسل الكرا َم وال َ َ عر ِفاملسلم مل َي ِ
ُ بينام
كة و َي ُح ُّل ِربقتَه عن الكريم ﷺ لذا من يتر ُك منهم التأدب برتبيتِه املبار ِ ِ النبي ِ ِ
َ ُّ َ ُ ُ َ َ ُ بواسطة هذا ِّ
َطيع أن ُيافِ َظ آخ َر ،بل َي َحدُ حتى باهلل سبحانَه وتعاىل ،وال َيست ُ َبي َف بن ٍّ أوامره فال َيعت َِر ُ ِ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
163
ِ
الرتبية التي جاء ول الدِّ ِ
ين و ُأ ُس َس ألن ُأ ُص َ
وحه؛ ذلك َّ الكامالت اإلنسانِي ِة يف ر ِ
ِ سعىل ُأ ُس ِ
ُ ّ
ِ ِ ِ
قط َمن نورا وال كامال ُّ الرسوخِ والكامل ما ال ُيمك ُن أن ُي ْح ِر َز ً الكريم ﷺ هي م َن ُّ
ُ الر ُ
سول هبا َّ
قوط املط َل ِق ،إذ هو ﷺ خات َُم النَّب ِّيني وس ِّيدُ يدَ ُعها ويتركُها ،بل يحكَم عليه بالتّردي والس ِ
ُّ ِّ ُ َ ُ َ
خرها واعتِ ِ ِ ِ ِ ِ
زازها، دار َف ِوإمام البرشية بأكملها ،يف احلقائ ِق ك ِّلها ،بل هو َم ُ ُ واملرسلني،
َ األنبياء
ِ
كام َأث َب َت ذلك إثباتًا رائعا عىل مدَ ى َأربع َة َ
عشر َقرنًا.
ِ
احلياة ِ
ضامن هدهم لِ يبذلون ُقصارى ج ِ تاعها ،ويا َمن ُ احلياة الدُّ نيا وم ِ ِ فيا من ُفتِنتُم َبز ِ
هرة
َ ُ َ َ
ِ
عليهام! ُّأيا البائ َ
سون! َقبل بال َق َل ِق ِ
واملست ِ
املرشوع ُة
َ عادتا وراحتِها ،فال َّل ِ
ذائ ُذ بلذة الدنيا والتَّـنَ ُّعم بس ِ إن كُنتُم ترومون التمتُّع ِ
َ َ َ َ ُ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍ
أدركتُم افية لتَلبِية َرغباتكُم وتَطمني أهوائكم ..ولقد َ وو ٌ كافية ٌَ كل يشء ،فهي تُغنيكُم عن ِّ
عرض أمكن ُ وألٍ ،إذ لوألف أ َل ٍم َ
الش ِع فيها ُ نطاق َّخار َج ِ تعة ِ كل َل ّذ ٍة وم ٍ أن َّ-مما ب َّيناه آنفاَّ -
َ ُ
ُ ِ أحداث مقبِ ٍ ٍ
األحداث ُعر ُض مخسني سن ًة مثال ،عىل شاشة اآلن مثلام ت َ َ لة بعد ُ يقع من
ما َس ُ
كون له َ
اآلن. ضح َ فلة والس ِ املاضي ُة عليها َلبكَى أرباب ال َغ ِ
فاهة ُبكا ًء ُم ًّـرا أليام عىل ما َي ََّ َ ُ َ ّ
واآلخ ِِ
رة ،عليه أن قيم يف الدنيا الم َ
والفرح ُ
َ الدائم
َ الخالص
َ رور
الس َ فمن كان ُي ِريدُ ُّ
اإليامن من ترب ّي ِة ُم ّم ٍد ﷺ. ِ طاقَيقت َِد َي بام يف نِ ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 164
الش ِ
باب وار مع َف ٍ
ريق من َّ ِ
ح ٌ
ٍ
تنبيهات َق ِو ّي ًة قون نَضار ًة وذكا ًء ،طالبِ َ
ني الش ِ
باب ،يتَد َّف َ ذات َيو ٍم َف ٌ
ريق من ّ جا َءين َ
الشباب ومن ِ احلياة ومن ُف َّتو ِة
ِ رور تتَطاير من متَط َّل ِ
بات ُ ُ وإرشادات َق ِويم ًة ت َِق ِيهم من ُش ٍ
ٍ
ِ
املحيطة ِهبم. ِ
األهواء
رسائل الن ِ
ّور: ِ ثل ما ُقلتُه ألولئك الذين َطل ُبوا ال َع َ
ون من فقلت هلم ِ
بم ِ ُ
أنفسكم ذاهب ال َمحال َة ،فإن مل ت ِ ِ
الحياة ِ
ونضارة َّعون به من ربي ِع ال ُع ُم ِر اع َل ُموا َّ
أن ما تتَمت َ
ُلز ُموا َ ٌ
منثورا ،و َي ُج ُّر عليكم يف ويذهب هبا ًء الشباب يضيع ذلك فس ِ ِ ِ ِ
ً ُ ُ ُ من احلدود الرشعيةَ ، بالبقاء ض َ
ات الدنيا التي أذا َقكُم إ ّياها.. لذ ِ
تفوق كثريا َم ّ
صائب وآال ًما ُ اآلخ ِ
رة باليا و َم القرب ويف ِ
الدنيا ويف ِ
َ
طاع ِة ر ِّبكم برتبيتِه الش ِف ويف َ النفس ويف َص ْو ِن ّ ِ ربيع ُع ُم ِركم يف ِع ّف ِة ولكن لو َصفتُم َ
ِ
والشباب ،فسيب َقى ِ عم ِة ال ُفت ُّو ِة ِ
كر اهلل تعاىل عىل ما أن َع َم ع َليكُم من ن َ لش ِ
عىل اإلسالم ،أدا ًء ُ
دة.دائم خالِ ٍد يف اجلن ِّة اخلالِ ِ بشباب ٍ ٍ ِ
للفوز كون لكم وسيل ًة دوم ذلك العهدُ معنًى ،وس َي ُ و َي ُ
فإنا ِ ِ ُ اإليامن ،أو َف َقدَِ َت خالِي ًة من
تأثيره فيها لكثرة املعاصَّ ، اإليمان َ فاحلياةُ ،إن كان ْ
أضعافِ أضعاف
َ واألحزان واهلُمو َم َ القصرية جدا ت ُِذ ُيق اآلال َم ِ ولذ ِتا الظاهر ّي ِة مع م ِ
تاعها َّ َ
عالقة فطري ٍة و ٍ
ثيقة ٍ اإلنسان -بام ُمنِ َح من َع ْق ٍل وفِك ٍْر -ذو َ ات ،ذلك َّ
ألن وامللذ ِ
ّ تلك املت ِع
ّ َ
َ
لذائذ ّن من أن َي َ
ذوق حاض حتى إنه يتَمك ُ زمان ِ ٍ ٍ َقبل فضال عام هو عليه من باملايض واملست ِ
ُ
األحزان رةالحاض ِ
ِ للحيوان الذي ال تُعك ُِّر َص ْف َو َل َّذتِه ِ بآالمهاِ ،خال ًفااألزمنة ويشعر ِِ تلك
َ َُ
حيث مل يمن َِح ِ ِ الم ِ ِ
الفك َْر. املستقبلُ ُ ، املتو َّق ُ
عة يف ف َ خاو ُ الوارد ُة من املايض وال َ
ِ
احلاض ُة بام َفسد ُمت َعتُه الض ِ
اللة وأطب َق ْت عليه ال َغ ُ ُ
َ فلة ت ُ فاإلنسان الذي تَر َّدى يف ّ ومن هنا
اضطراب من ال َق َل ِق عىل املست ِ
َقبل؛ فتَتكدَّ ُر َحياتُه ٍ املاض ،وما َي ِر ُده من زان من ِ ي ِرده من أح ٍ
ْ َ ُ
العس ِل املسمو ِم َتا ًما. ِ
املرشوعة ،فهي يف ُح ِ ِ
احلارض ُة باآلال ِم واألوها ِم ،سـ َّيام
كم َ َ غري
امللذات ُ
ُ
يث التمتُّع بم َل ّذ ِ
ات ِ
احليوان من َح ُ بم ِئة ٍ
مرة من كة أدنَى ِ
سق ُط إىل در ٍ اإلنسان َي ُ
َ أي َّ
إن
ُ َ َ
إل يو ُمهم فلة ،بل ُو ُجو َدهم وعا َل َمهم ،ما هو ّ اللة وال َغ ِ
الض ِ ِ
أرباب ّ ِ
احلياة ،بل َّ
إن حيا َة
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
165
جوائز
َ َقة ،وبجانِبِها دائر ٌة ت َُو ِّز ُع
للمشن ِ
بت أمامكم ِ
َ َصوروا ههنا -مثال -أعوا ًدا ن ُِص ْ ت َّ
ُدعى إىل هناك َط ً ِ ِ
وعا أو األشخاص ال َع َش ُة هنا سن َ
ُ ونحن
ُ ني..
حظوظ َ للم
ربى َ َسخ ّي ًة ك َ
يقول ٍّ
لكل منّا: ظار َمن ُ دقيقة بانتِ ِ
ٍ فنحن يف ِّ
كل زمان االستِ ِ
دعاء َم ِف ٌّي عنَّا، ألن َ
ولكن َّ َرها،
ُ ْ ك ً
ماليني
َ تعال ُخ ْذ بِطاق ًة تُربِ ُح َكيقولَ :إعدامك ،واص َع ِد املِشنَق َة ..أو ُِ
تعال ..ت ََس َّلم َق َ
رار َ
الذهب ّي ِة. ِ
اللريات َّ
أحدُ مها امرأ ٌة َجيل ٌة ِ خص ْ ِ َظرون ،إذا َ فون منت ِ
واق َ وبينا نحن ِ
البابَ : ي َح َضا لدى بش َ ُ
ِ ِ ِ ٍ ِ
لوى ،تُقدِّ ُمها إلينا تَبدُ و ّأنا َشه ّي ٌة ،ولكنها حل َوب شب ُه َعارية َتم ُل يف يدها قطع ًة من ا َ َل ُع ٌ
سموم ٌة يف َح ِقي َقتِها.
َم ُ
ِ
املرأة َ خل عىل إ ْث ِر تلك ور ك ِّي ٌس ،ليس ِخ ًّبا وال ِغ ًّراَ ،د َ
وقال: اآلخ ُر فهو َر ُج ٌل َو ُق ٌ أما َ
رس ومل تأك ُلوا من تلك بدرس بليغٍ ،إذا َقرأت ُُم الدَّ ٍَ جيبِ ،
وجئتُكم لقد أتَيتُكم بِ ِط ْل َس ٍم َع ٍ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 166
ينة ..فها أنتم اجلائزة ال ّث ِم ِ
ِ مون هبذا ال ِّط ْل َس ِم بِطاق َة تلك ون من املِشن ِ
َقة ،وتت ََس َّل َ َنج َ لوى ،ت ُ حل َ
ا َ
البطن حتّى َيص َعدَ الِشنَق َة.ِ يتلوى من آال ِم أن َمن ُ ون ُبأ ِّم أعينِكم َّ ِ
ُأوالء ت ََر َ
احللوىَّ ، يأكل تلك َ
نص َة ِ ِ ِ ِ أما ِ
الفائ َ
زون ببطاقة اجلائزة ،فمع ّأنم َم ُجو ُبون عنّا ،ويبدو لنا ّأنم َيص َعدُ ون م َّ ّ
ون بأنم مل يشنَقوا ،وإنّام َّات ُذوا أعواد الِشن َقةِ ِ ِ املِشن َقة ّ
ِ
َ ُ الشهود ُي ِب َ َّأكثر من ماليني ُّ أن َ إل َّ
ِ
اجلوائز. ِ
دائرة بسهو َل ٍة و ُي ٍ
رس إىل ُس َّلام ِللجتِ ِ
ياز ُ
ِ
اجلوائز َوزي ِع تلكاملرشفِني عىل ت ِ
ني ِ بار املسؤولِ َ ّوافذ ،لِ َتوا كيف َّ ِ
أن ك َ ْ
فهيا ان ُظروا من الن ِ
ُ ّ
ِ
اجلوائز.. ِ
ببطاقة ِ
العجيب قد فازوا أصحاب ذلك ال ِّط ْل َس ِم نيَّ :
«إن صوتم ِ
قائل َ ِ ون بأعىلُينا ُد َ
َ
ُّ
الشك يف ني إىل املِشن َق ِة ،فال ُي ِ
ساور َّنكُم أولئك الذاهبِ َ
َ ني ني ِ
اليق ِ اع َل ُموا هذا ِيقينًا كام رأيتُم ب َع ِ
مس يف رابِ ِ
عة الن ِ ِ
ّهار». الش ِ َ وح ّ هذا ،فهو واض ٌح ُو ُض َ
( )1اإلمام الرباين ،املكتوبات ج( 2املكتوب « :)49الرايض بالرضر ال يستحق النظر».
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 168
من َموازين َر ِ
سائل النور
ِ
الكلمة الثالث َة عرش َة ِ
حاشي ُة املقام الثاين من
ُ َ َ
بحان ُه بِاس ِم ِه س
وان حقيقي وع ٍ
زاء ّور» من س ْل ٍ «رسائل الن ِ
ِ احلاجة إىل ما يف ِ أمس ِ َّ
ٍّ َ ُ املسجونني هم يف ِّ ُ إن
َـزواتم ِ ِ
التأنيب بن التأديب و َل َط ِ
امت ِ ِ
صفعات ان الذين تَل َّق ْوا الش ّب ُ ص ،وال س َّيام أولئك ُّ خالِ ٍ
خل ِبز. ِ هؤالء إىل الن ِ ِ ِ ِ
ّور كحاجتهم إىل ا ُ ُ
فحاجة جن،الس ِ نضار َة ُع ُم ِرهم يف ِّ وأهوائهم ،ف َق َض ْوا َ
ِ ِ
املشاع ِر،
للعقلِ َجيب
أكثر مّا تَست ُ وتستجيب هلا َ ُ هلوىباب تَنبِ ُض َ الش ِ وق َّ إن ُع ُر َ َّ
مها من َل ّذ ٍة رات اهلوى -كام هو معلوم -ال ُتب ِصر العقبى ،فت ِّ ِ
ُفض ُل در ً ْ ُ ُ َ َ ٌ وس ْو ُ َ َرض ُخ له؛ َ وت َ
ٍ
بريء ٍ
إنسان اب بدافِ ِع اهلوى عىل ِ
قتل آجلة؛ ف ُي ْق ِد ُم ّ ٍ عاجلة عىل َطن من ٍ ٍ ٍ
الش ُّ لذة ٍّ حارضة
ساعة من آال ِم ٍ ِ
آالف جر ِائها ثامني َة ِ دة من ّ ِ ِ واح ٍبدقيقة ِ ٍ َّلذ ِذ للت ُّ
لذة االنتقام ،ثم يقاس من َّ
ختص ٍ ِ واحدة يف ال ّل ٍِ ٍ نساق إىل التَّم ُّت ِع اب َي ُ جنّ .. الس ِ
هو وال َع َبث يف قضية ُّ لساعة والش ُّ ِّ
س من ال َعدُ ِّو َوج ٍ ٍ ِ
َجر ُع من ورائها آال َم ُألوف األ ّيا ِم من َس ْج ٍن َ ِ
وخوف وت ُّ ف ،ثم يت ّ الش َ َّ َ
وف وآال ٍم. وخ ٍ واضطراب َ ٍ يع منه َسعاد ُة ال ُع ُم ِر بني َق َل ٍق ِ املرت ِّب ِ
ص به ..وهكذا تَض ُ
ُحو َل ٍ ٍ ِ ٍ ِ وعىل ِغ ِ
ني يف َو ْر َطات و َمشاك َل عويصة كثرية حتى ت ِّ املساك ُ باب
الش ُ قع َّ رار هذا َي ُ
حياتم وأحالها إىل أمر األيا ِم وأقساها ،ويف ٍ
حالة ُير َثى هلا ..وال س َّيام بعدَ أن ألطف أ ّيا ِم ِ
َ
ِّ
الش ِ ِ ِ ِ
الش ِ
باب يح هلوى ّ امل َتم ُل ف َتنًا ُمد ِّمر ًة هلذا ال َع ْص؛ إذ تَستَبِ ُ ف َه ْوجا ُء من َّ عواص ُ َه َّب ْت
نات وتد َفعهم إىل االختِ ِ
الط ِ
املاج ِن ِّساء والعذارى الفاتِ ِ الذي ال يرى العقبى أعراض الن ِ
ُ َ َ َ ُ ََ
ِ
األغنياء لِ ُفقرا َء ُسفها َء. َ
أموال يء ،فضال عن إباحتِها الب ِذ ِ
َ
ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ص البرش ّية ك ِّلها َلتتعدُ أما َم هذه اجلرائ ِم املنكَرة التي تُرتك ُ
َب بح ِّقها. إن فرائ َ
اجلدِّ لي ِنق ُذوا ِ ِِ العرص ال َع ِص ِ
ف،املوق َ شم ُروا عن ساعد ِ ُ يب أن ُي ِّ ِ ِ
املسلم يف هذا الش ِ
باب فعىل ّ
رسالة «ال َّثم ِ
ِ ِ حل َج ِج «رسائل النور» وبراهينِها
رة» َ الدامغة -التي يف يوف األملاس ّي َة ُ و َي ُس ُّلوا ُّ
الس َ
ِ ِ ِ ِ رش ِد ّ
و«م ِ
الكاس َح الذي باب» وأمثالام -ويداف ُعوا عن أن ُفس ِهم ،و َي ُصدُّ وا هذا ُ
الهـجـو َم الش ِ ُ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
169
ٍ
كامل ِ
كعبادة يو ٍم ُ
تكون املسجون الذي ُح ِك َم عليه ُظ ًلم
ِ ِ
ساعات ٍ
ساعة من كلوإن َّ هذا َّ
من الن ِ ٍ
انـزواء واعتِ ٍ ويكون السجن بِح ِّقه م ِ ِ
للفرائ ِ
ّاس كام كان زال َ وض َع َ ُ ِّ ُ ض، له إن َ
كان ُمؤ ِّديا
َ
يكون هو للعبادة؛ أي ي ِ
مك ُن أن ِ تفر ُغون ِ ِ
ُ نـز ُوون يف الكهوف واملغارات و َي ّ
الزها ُد وال ُع ّبا ُد َي َ
ُّ
الزه ِ ِ
اد. م َثل أولئك ُّ ّ
ِ
اإليامن ِ
بحقائ ِق وش ْيخا ُمتَع ِّلقا َقل ُبه
ومريضا َ فقريا ِ ٍ تكون ُّ
ُ
ً كل ساعة من ساعاته إن كان ً وس
َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 170
بح ِّقه
جن َالس ُ َحو ُل ِّ
شـرين ساع ًة له ،ويت َّ عبـادة ِع ِ
ِ الفرائض ،يف ُح ِ
كم َ أناب إىل اهلل وأ َّدى وقد َ
حيث يقيض أيامه مع ُز ِ
مالئه فُ ، ومكان تَعا ُط ٍ
َ بوض َع تحا ُب ٍ إرشادي ًة ،وم ِ ِ َمدرسـ ًة تربوي ًة
ّ َ َ ّ
ِ
السجن عىل فض ُل بقا َءه يف ِ
بالرمحة ،بل لع َّله ُي ِّ ِ
األنظار إليه وتو ُّجه ِ ٍ
يف راحة فضال عن راحته َ
جانب ،ويأن َُس بام يت َل َّقى من ٍ الذنوب واخلطايا من ِّ
كل ُ َنثال عليه اخلارج التي ت ُ ِ ُح ِّريتِه يف
أخذ ِ
الثأر ،وإنّام غادره قاتال وال حريصا عىل ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ ً دروس الرتبية والتزكية فيه ..وحينام ُيغاد ُره ال ُي ُ
ِ
للبالد تائ ًبا إىل اهلل ،قد َغنِ َم َت ِار َب حياتِي ًة غزيرةً ،ف ُيصبِ ُح ُعضوا نافِعا َيرج رجال صاحلا ِ
ُ ُ َ ُ
شاهدوا الذين القول ،بعدما َ ِ جن « َدنِ ْيزيل» إىل سؤويل ِس ِ األمر ببعض َم ُ ُ والعباد ،حتى َحدا ِ
رسائل ِ ٍ األخالق ولو ملدَّ ٍة
ِ
النور: ِ وجيزة من وسا إيامني ًة يف ُس ُم ِّو َأ َخ ُذوا ُد ُر ً
ّور يف َخ ِ ِ
رسائ ِل الن ِ ِ
أسابيع ،فإنّه أجدَ ى
َ مسة اإليامن من «لو تَل َّقى هؤالء ُد ُر َ
وس
ِ ِ
مس َع ْشر َة سن ًة». الس ِ
جن َخ َ إلصالحهم من إلقائ ِهم يف ِّ
يب ،وي ِ بس ِ جود ،واألج ُل مستورا عنّا ِ املوت ال ي ْفنى من الو ِ
مكنُه أن َي ُح َّل تار ال َغ ِ ُ َ َ ً ُ ُ َ فام دام
لة ..وما دام والبشي ُة تغيب وراءه قافل ًة إِثر قافِ ٍ غلق با ُبه.. رب ال ُي ُ ٍ بنا يف ِّ
َ َ ُ َ ّ كل َوقت ..وما دام الق ُ
فاء من اإلعدا ِم ِ تسريح وإع ٍ بحق املؤمنِني ما هو ّ املوت َن ْف ُسه ِّ
األبد ِّي -كام ُو ِّض َح ٍ ْ إل تذكر ُة ُ
ِ
إعدام َأبد ٌّي كام ُيشاهدونَه أما َمهم؛ إذ ِ ِ ِ ِ
ٌ السفهاء ني ُّبحق الضا ِّل َ ذلك باحلقيقة القرآنية -وهو ِّ
بأن أسعدَشك ّ املوجودات قاطب ًة ..فال ُبدَّ وال َّ ِ ِ
وأقار ِبم بل راق َأ ِبد ٌّي عن مجيع أح َّبتِهم هو فِ ٌ
غالل ،ساعيا خلِ ِ
دمة أفضل استِ ٍ َ إنسان هو َمن َيشك ُُر ر َّبه صابرا حمت َِس ًبا يف ِسجنِه ُمست َِغال وقتَه ٍ
برسائل ِ
النور. ِ ست ِشدا ِ
واإليامن ُم َ ِ
القرآن
خمس وس ِ مت ِ والـمتعِ! لقد َعلِ ُ بالملذ ِ
بعين سن ًة ٍ َ يقينًا َط َ
وال ُ ات ّ اإلنسان المبتلىُ أ ُّيها
علي ِ ِ ِ وبألوف الت ِ
َّجار ِ ِ
مر ْت َّ كسبتُها في حياتي ،ومثلها من الحوادث التي َّ ب التي َ من ال ُع ُمر،
والسعاد َةزنَّ ، والفر َح الذي ال ُيكدِّ ُره ُح ٌ َ الحقيقي ،وال َّل ّذ َة التي ال يشو ُبها أ َل ٌم، َّ الذ َ
وق أن َّ ّ
فإن ّلذ ًة دنيوي ًة حقائقه ليس ّإل ..ومن دونِه َّ ِ نطاق اإليمان ،وفي ِ ِ الحياة إنما هي في ِ التام َة في
َب تص َف ُعك َحم ُل آالما كثير ًة كثيرةً ..وإذ تُقدِّ ُم إليك الدنيا ّلذ ًة ب َقدْ ِر ما في َح ّب ِة ِعن ٍ واحد ًة ت ِ
ِ ٍ ٍ ِ
ومت َعتَها.بعشر َص َفعات مؤلمات ،سالب ًة ّلذ َة الحياة ُ
الس ِ ِ
جن.. ُّأيا املساكني املب َت َل ْو َن ُ
بمصيبة ّ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
171
ِ
واملصائب ،فا ْب ُذلوا ما يف وإن َحيا َتكُم قد ت َعك َّر ْت باآلال ِمما دا َم ْت دنياكُم َحزين ًة باكي ًةّ ،
فاغتنِموا يا إخويت وتس َعدَ حيا ُتكُم األبد ّي ُةْ .. َفر َح َ
وت ُل َو ْ
ِ
آخرتُكم ،ولت َ
ِ
ُوسعكم كيال تَبك َي َ
ِ
ظروف شا ّق ٍة يمكن أن ٍ واح ٍ
دة أمام ال َعدُ ِّو ِض ْم َن ساعة ِ ٍ أن ُمرا َبط َةهذه الفرص َة ،إذ كام َّ
َحو ُل إىل
جن تت َّ الس ِ ُقاسونا يف ّ
َ ساعة من ساعاتِكم التي ت ٍ فإن َّ
كل ِ
العبادةّ ، تَتحو َل إىل ٍ
سنة من َّ
واملصاعب إىل رحم ٍ
ات ِ َحو ُل املش ّق ُ
ات ٍ
كثرية هناك إذا ما أ َّديت ُُم ال َف َ ٍ
َ َ َ ُ رائض ،وعندها تت َّ ساعات
وغ ٍ
فران. ُ
***
ُ َ َ
بحان ُه بِاس ِم ِه س
دائم.
السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته أبدً ا ً
األعزا ُء األوف ّيا ُء!
ّ ُّأيا اإلخو ُة
يقوم ِ نقاط َث ٍ
ٍ رأيت أنوار س ٍ
لوان ثالث ًةُ ،أب ِّينُها يف
بالسجن ومن ُ الث للذين ابتُلوا َ ُ ُ لقد
ِ
وأرزاق ِهم. ِ
أعاملم ِ
والرمحة ومن ُيعينُهم يف َظار ِتم ورعا َيتِ ِهم بالش َف َق ِة
بن َ
ب ِ
يمكن أن ُيكس َ
ُ ِ
السجن، كل يوم من أ ّيام ال ُع ُم ِر التي َت ِض يف
إن َّ النقطة ُ الأُولىّ :
ُ
النتيجة -إىل ُ
حيث حو َل ساعاتِه الفانِي َة -من ِ ِ
ثواب عبادة عرشة أيام ،ويمكن أن ُي ِّ َ المر َء
َ
ٍ
نجاة من ِ
السجن وسيل َة ني يف ُون قضا ُء بض ِع ِسنِ َخالدة ..بل يمكن أن يك َ ٍ ساعات ٍ
باقية ٍ
ملاليني السنِ َ
ني. ِ أبدي
جن ٍّ ِس ٍ
ِ
الذنوب الفرائض والت ِ
َّوبة إىل اهلل من ِ اإليامن ِ
بأداء ِ وط ألهل رش ٌ
العظيم َم ُ
ُ الربح
ُ فهذا
السجن
َ بالشك ِْر صابرا ُمت َِسبا ،علام ّ
أن السجن ،والت ََّو ُّج ِه إليه تعاىل ُّ
ِ ِ
واملعاص التي َدف َعته إىل
ِ
الذنوب. وبني ٍ
كثري من ول بينَه َ ي ُنفسه َ ُ
َ
ـم. وال ّ ِ
اللذة أ َل ٌ لذةٌ ،كام أن َز َ وال األ َل ِ
ـم ّ النقطة الثانيةّ :
إن َز َ
باهلناء والفرح يشعر يف ِ
روحه حرس ًة وأس ًفا ِ إن َّ
كل من ُيفك ُِّر يف األيام التي قضاها نعمّ ،
َ ُُ
ِ
احلرساتّ :أواه ..آه ..بينام إذا تَفك ََّر يف األيام التي َم ّر ْت ِ
بكلامت عليها ،حتى ي ِ
نطل َق لسانُه َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 172
ينطلق لسانُه بـ:
َ باملصائب والباليا فإنّه يشعر يف ِ
روحه وقلبِه َف َـر ًحا وهبج ًة من زواهلا حتى ِ
ُ
ويرتاح. صدره نرش ُح احلمدُ هلل والشكر له ،فقد و َّل ِ
ت الباليا تارك ًة ثوا َبها ..ف َي ِ
ُ ُ َ ُ
ٍ لذ ٌة ُمؤ ّق ٌتة
الروح ،بينام ّ يتـر ُك ّ
لذ ًة معنوي ًة يف ِ ٍ
لساعة من ِ إن أملًا مؤ ّقتًا لساعة من الزمان ُأي ّ
الروحِ ،خال ًفا لذلك.
ِ َرتك أملًا َم ِ
عنو ًيا يف ِ
الزمان ت ُ
آالمها أصبح ْت يف ِع ِ
داد املصائب التي و َّل ْت مع ِ ِ وساعات
ُ ُ
احلقيقة هذه، ِ
دامت فام
ْ َ َ
وأن أيام الباليا التي مل ِ
كم املعدو ِم ..وإنّه ال َ
ألم من تأت بعدُ ،هي أيضا يف ُح ِ املعدو ِمَ ّ ّ ،
الص ِرب اآلن ،من ِ ٍ
اجلز ِع ونَفا ُد َّ
إظهار َ
ُ البالهة إذن ـم ..فمن َغ ِري يشء ..وال َي ِر ُد من ال َعدَ ِم أ َل ٌ
ِ
احلامقة أيضا داد املعدو ِم ،ومن تأت بعدُ ،علام أهنا َجيعا يف ِع ِساعات آال ٍم و ّل ْت ،ومن آال ٍم مل ِ ِ
ً َ
املحاس ِبة ،ومن بعد ذلك قضا ُء َ رة مناألمارة المقص ِ
ُ ِّ
ِ ِ
النفس ُ
وترك الشكوى من اهلل َ إظهار
ُ
ِ ـمن ُي ِ ِ والز َفراتَ ..أو ليس من ُ ِ ِ ِ
األكل داو ُم عىل يفعل هذا أشدَّ باله ًة م َّ الوقت باحلرسات َّ َ
وع أو يع َط َش بعد أ ّيا ٍم؟
ي َوال اليوم خشي َة أن َ ُ ِ
والرشب َط َ
اإلنسان إن مل يشت ِّْت قو َة ص ِربه يمينًا ِ
وشامال -إىل املايض واملستقبل -وسدَّ َدها َ نعمّ ،
إن
ّ َ ُ
ِ
املضايقات. كافية لت َُح َّل له ِح َ
بال ٌ فإنا ِ
إىل اليوم الذي هو فيهَّ ،
ِ
ضون ِ
الثالثة( )1يف ُغ وسف ّي ِة ِ حتى إنني أذك ُُر -وال َأشكُوّ -
علي يف هذه املدرسة ال ُي ُ مر َّ أن ما َّ
وال حيايت ،والس َّيام ِحرماين ِم َن القيا ِم املضايقات املا ِّد ّي ِة واملعنو ّي ِة مل َأرها َط َ
ِ الئل منأيا ٍم َق َ
الضيق ِ ان معا من وحي يعت َِص ِ أمراض ..فبينام كان َقلبِي ور ِ ٍ في من ِ بخ ِِ
َ ُ النور مع ما َّ دمة
وو َّل ْت تلك ٍ ِ
السابقة ،فانرش َح َص ِ ِ ناية اإلهل ّي ِة ُتِدُّ ين
بالع ِ
واليأس إذا ِ ِ
انرشاح َ دري أ َّيام َ باحلقيقة
وأوجاعه ،إذ َمن كان ِمثيل عىل َش ِف ِري ال َق ِرب ِ ِ
واملرض ِ
وآالمه يت بالسجن رض ُ املضايقات َف ِ
ُ
ٍ
ساعات فلة إىل ِ
عرش يمكن أن تَـمر ب َغ ٍ يعدُّ ِربحا عظيم له أن تتَحو َل ساع ٌة من ساعاتِه التي ِ
ُ َّ ُ َ ً ً ُ
َرت اهلل كثريا. ِ
من العبا َدةَ ..فشك ُ
بش َف َق ٍة ور ٍ
أفة وإعطا َءهم أرزا َقهم التي َ عاو ِنة املسجونني َ بم َ إن القيا َم ُالنقطة الثالثةَّ :
عمل ِ
بس ٌ
يط ّ
إل املعنوية بِبلس ِم التَّس ِّلي والع ِ
زاء ،مع أنه ٌ ِ ِ
جراحات ُم ِ
وتضميدَ تاجون إليها،
َ َ َ َي ُ
ُرس ُل ِ
إليهم ِ حيث َُّ أنّه َي ِم ُل يف َط ّياتِه ثوابا َجزيال
هم التي ت َ
تسليم أرزاق ُ
َ إن عظيم،
ً وأجرا
ً
( )1املقصود :سجن «أفيون» حيث دخله األستاذ النوريس وطالب النور سنة .1948
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
173
ِ
العمل ،سوا ٌء حسنات ِّ
كل َمن قا َم هبذا ِ جلَب يف ِس ِّ ٍ ُ ِ
يكون بحكم َصدَ قة ،وتُكت ُ اخلارج من
ُ
املسجون نوهم ،والس َّيام إن َ
كان اخلارج أو احلراس أو ِ
املراق ُب َ ِ الذين َأ ْتوا هبا من
عاو ُ ون الذين َ ُ ُ
ِ
املعنوية فإن ثواب تلك الصدَ ِ
قة لده أو فقريا ُمعدَ ماَّ ، مريضا أو َغريبا عن ب ِ كبريا أو ً
َّ َ َ ً ً شيخا ً
كثريا.
َيزدا ُد ً
دمة لو ِ ِ ِ وط ِ
جه الفرائض من الصلوات لتُصبِ َح تلك اخل ُ َ ِ بأداء رش ٌ العظيم َم ُ
ُ بح
الر ُ
وهذا ِّ
دون أن والرمحة واملحب ِة من ِ
ّ
ِ دمة مقرون ًة بالش َف ِ
قة ُون اخلِ ُآخ َر هو أن تك َ ط َ اهلل ..مع َش ٍ
المن ِّة.
يحم َل شيئا من ِ
ُ ِّ
***
ُ َ َ
بحان ُه بِاس ِم ِه س
﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﴾
دائم. ُ
ورمحة اهلل وبركاتُه أبدً ا ً السالم عليكُم
َّ
ِ
السجن.. ين ..ويا ُز ِ
مالئي يف يا إخويت يف الدِّ ِ
واآلخ ِ
ِ ِ خطر لقلبِي أن ُأبين لكم حقيق ًة مهم ًة ،ت ِِ
رة عذاب الدنيا ُنق ُذكم بإذن اهلل من ُ ّ ِّ َ لقد ُأ َ
وهي كام ُأ ِ
وض ُحها بمثال:
لذ ِة ُغ ِ
رور أقربائه ..فهذا ال َق ُتل ِ
الناج ُم من ّ ِ شخص َ
آخ َر أو أحدَ ٍ إن أحدا قد َقت ََل ِ
شق َيق ّ
لب وآال ِمالدقائق من ِض ِيق ال َق ِ ِ ِ
ماليني َستغر ُق دقيق ًة واحد ًة ِ
تور ُثه ُمقاسا َة االنتِقا ِم التي ال ت ِ
خذ ِ
الثأر، ص ألَ ِ ِ
املقتول أيضا يف ق َل ٍق دائم وتَح ُّي ِن ال ُف َر ِ ظل أقربا ُءنفسه َي ُّالوقت ِ
ِ السجن؛ ويف
ِ ِ ِ
ِ
عذاب احلياة بام ُيكابِدون من لذ ُة ال ُع ُم ِر و ُم ُ
تعة يع منهم ُّك َّلام َفك َُّروا بالقاتل ورأوا َذ ِويه ،فتَض ُ
والغض ِ
ب. َ اخلوف والق َل ِق واحلِ ِ
قد ِ
( )1انظر :البخاري ،األدب ،62 ،57االستئذان 9؛ مسلم ،الرب 26 ،25 ،23؛ أبو داود ،األدب 47؛ الرتمذي ،الرب 24 ،21؛
ابن ماجه ،املقدمة .7
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
175
ُ َ َ
﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ بحان ُه بِاس ِم ِه س
السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته أبدا دائام
ني ُ
القدا َمى.. األعزا َء اجلدُ َد واملسجونِ َ
ّ إخويت
ِ
ألجلكُم العناي َة اإلهل ّي َة هي التي أل َق ْت بنا إىل ههنا وذلك أن ِناعة تا ّم ٍة من َّ
لقد بِ ُّت عىل َق ٍ
ِ ُ زاء الذي َت ِم ُله لوان والع ِ
إن مـجي َئنا إىل هنا إنَّام هو لِب ِّث الس ِ
النور إليكُم، رسائل َ ُّ َ أنتم ،أي َّ َ
ٍ
كثيـر من باليا الدنيا وصونِكُم من ِ
بحقائق اإليامنَ .. ِ جن عنكُمالس ِ ِ
وتفيف ُمضايقات ِّ
َ ِ
ِ
وإنقاذ اجلدوى.. باألحزان واهلُمو ِم من ال َعبثِ ّي ِة َ
وعدَ ِم ِ املل ِ
يئة شال حياتِكُم ِ وائها ،وانتِ ِ
ولْ ِ
َ
َ ُ
تكون كدنياكُم ح ِزين ًة ِ
باكي ًة. َ آخرتِكُم من أن ِ
َ
رت يف ِ
ليلة ال َق ْد ِر هم ٌة َت َّط ْ
َمسأل ٌة ُم ّ
ل المقا ِم الثاني من الكلمة ِ الثالثة َ عَشْرةَ]
[ذي ُ
لب ليل َة ال َقدْ ِر َس ُأ ِ
حاو ُل طرت عىل ال َق ِ ِ ِ ٌ هذه حقيق ٌة ِ
واس ٌ
وطويلة يف الوقت نفسهَ ،خ َ عة جدا
أشري إليها إشار ًة ُم َ
تص ًة جدا ،كاآليت: أن َ
ٍ ِ ِ ِ البشرية من و ِ أَ ولا :لقد قاس ِ
ّ
رأت قاساة ،إذ ْ أي ُم احلرب العامل ّية األخرية َّ ِ يالت هذه َ ُ ت َ
ِ ِ
وأقسى أنوا ِع االستبداد والتحك ُِّم ،مع الدَّ مار الظال املري ِع يف األرض ِ ِ لمأشدَّ أنوا ِع ال ُّظ ِ
َ
ٍ أمر ِهم يف واحد ،وو َق َع املغلوبون عىل ِ ٍ ٍ األبرياء بج ِِ ِ
بؤس خص ريرة َش َ مئات
ب ُ كا ّف ًة؛ فقد نُك َ
مار ِهم ِ جز ِهم عن عذاب ِو مريرين ،وبات الغالِبون يف َ ٍ
الفظي ِع إصالح َد ِ ُ ِ أليم ل َع ِ
جداين ٍ ٍّ ٍ وشقاء َ
للناس بج ٍ ِ ِ ِ عجزوا ِ وخش َيتِ ِهم من أن َي ِ
الء تا ٍّم َّ
أن احليا َة ِ َ هرعن احلفاظ عىل سيا َدتم ..و َظ َ َ
خت ُجدي شي ًئا ،وتَل َّط ِ خاد َع ٌة ومخدِّ ر ٌة ال ت ِ ف املدني ِة ِ خار َ وأن َز ِ الدنيا ُمؤ ّق ٌتة فانِ ٌية ال َمال َةّ ،
ُ ّ
ِ
الرفيعة يف ِ
عدادات ات اإلنساني ِة وباالستِ بالذ ِ عنات القو ّي ِة التي نَـز َل ْت َّ ماء ال َّط ِ البرشي ُة ِبد ِ
ّ ّ
بات سيفِ حتت َض ِ دة الصمءِ ِ ِ ِ ِ ِ
هر للعيان َت ُّط ُم ال َغفلة والضاللة والطبيعة اجلام ِ ِ ِ ِ
َ َّ ّ فطرتا ..و َظ َ
ارة والتي هي وهاء الغدَّ ِ الش ِ للسياسة الدَّ ولِ ّي ِة َّ
ِ ت الصور ُة احلقيق ّي ُة األملاس ..وافت ُِضح ِ ِ ِ
القرآن
َ ِّ
لروح ِهم. ِ وأشدُّ ه َخنْ ًقا ِ ِ إلغ ِ سع ِس ٍ
داعا وخ ً وإضاللم َ ِ
الناس فال تار وأك َث ُفه ْ َأ ْو ُ
احلقيقي ِ
عشوقها األمور -ست ُ
َبحث عن َم ِ ِ
وضوح هذه أن فِطر َة البرش ّي ِة -بعد
شك ّفال َّ
ِّ
قو ٍة -وقد َبدَ ْت أماراتُها يف َش ِ
امل ِ
بكل ما ُأوت َيت من ّ
وهو احليا ُة ِ
الباق ُية اخلالد ُة وتس َعى إليها ِّ
َعش ُقها ِعش ًقا َم ِازيا دركَت ج ّيدً ا ّ
أن احليا َة الدنيا التي تت َّ وغربِه ويف أمريكا -بعد ما َأ َ َ
العالِ َ
دميمة َشوهاء ،فاني ٌة ِ
زائ ٌ
لة. ٌ ْ ُ
رص ثال ُث ِم ِئة ِم ٍ
ليون من كل َع ٍ
الكريم الذي له يف ِّ
ِ ِ
القرآن َبحث ِ
عن يب َّأنا ست ُوال َر َ
ألف وثالثِ ِم ٍئة ِ
وستِّني سن ًة ..والذي ُيصدِّ ق َّ
كل ُح ٍ
كم من منذ ٍ َلم ِذين ِ
عليه ُ ني له املتت ِ ِ
العام ِل َ
َ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
177
ِ
قلوب ـتف ُظ بمكانـتِه املقـدّ َس ِة يف احلقيقة ..والذي َي ِ ِ ِ
أرباب عاو ِيه َم ُ
اليني من ِ
أحكامه و َد ِ
بش ُرها بأسلوبِه بألسنـتِهم ،و ُي ِّ
رشدُ البرشي َة ِ دقيقـة ..والـذي ي ِ
ُ
ٍ اظ يف كلماليـني الح َّف ِ
ِ ُ
ِ ِ ضمدا هبا ِج ِ ِ ِ ِ ِ
باأللوف بش ُر هبا راحاتا الغائرةَ ،بل ُي ِّ املعج ِز باحلياة الباقية والسعادة الدائمةُ ،م ِّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
األلوف من بعرشات ب عنها صراح ًة أو إشار ًة املكررة ،بل قد ُي ِ ُ من آياته القو ّية الشديدة َّ
ِ
الثابتة. حل َج ِج ِ ِ القاط ِ
ِ األد ّل ِة
املرات ،ناصبا عليها ما ال يعدُّ من ِ
والرباهني الساطعة وا ُ عة ُ ً
ربى، ِ ِ ِ
أملايس قاطع ب َيد هذه املعجزة ال ُك َ ٍّ
ٍ
كسيف رت خدماتِها أظه ْالنور قد َ رسائل ِ َ ثانياّ :
إن
ظيفتِها بني وأجلأتم إىل االستِسال ِم ،وأنَّها تقوم بو ِ ِ
العنيدين حل ّج َة أعدا َءها ِ
ُ َ ُْ حتى ألز َمت ا ُ
ِ معجز ًة لِـمعانِيه حيث كونا ِ ِ ِ
ُنو َر
َستطيع أن ت ِّ
ُ املعجزة عىل نحو ت يدَ ْي هذه اخلزينة القرآن ّية من ُ ُ
الداعية إىل هذاُ الناجع َة ..وال َغ ْر َو فهي الجاتا ِ ِ ناول ًة ك ٍُّل منها ِع
واملشاع َرُ ،م ِ ِ وح
والر َ القلب ُّ َ
إل ِ
إليه. َرج ُع ّ َفيضة منه وحدَ ه وال ت ِ ُ العظيم واملستِ ِ
القرآن
ِ املغر ِ عايات ِ ِ الوقت ِ ِ وإنا إذ تقوم بم ِ
الظاملة ضة نفسه عىل الدِّ َرص ْت يف خري قيا ٍم ،انت َ همتها َ ُ ُ ّ ّ
ِ ِ ِ ِ
أعداؤها ،و َق َضت عىل أشدِّ الزنادقة تَعنُّتًا ،و َدكَّت أقوى قال ِع الضاللة التي ُ ِ
التي ُيشي ُعها
ِ ِ ِ ِ َت ِ
التوحيد يف نور
هرت َ «الطبيعة» برسالة «الطبيعة» ،كام بدَّ َدت الغفل َة وأ ْظ َ ُ تمي هبا وهي
رة»سة للثم ِ اد ِ بـ«املسألة الس ِ
ِ اخلانقة لل َغ ِ
فلة ِ ِ
الظلامت ِ
احلديثة وأشدِّ ميادين ال ُعلو ِم َأوس ِع ِ
َ َّ ْ
وسى». ِ ِ ِ ِ حل َج ِج األُ َ
«ع َصا ُم َ ول والثانية والثالثة ..والثامنة من جمموعة َ وبا ُ
النور -يف ح ِ
دود طالب ِ -وأكثر َضرور ًة لأل ّم ِة -أن َيفت ََح الض ِ
ور ِّي لنا ومن هنا فإنه من َّ
ُ ُ ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 178
ُوري ًة صغري ًة بعدَ ما سم ِ ٍ ِ ِ
ُ
الدولة يف الوقت حت َ مدارس ن ِ ّ
َ مكان املتاحة -يف ِّ
كل درات ُ
الق
ِ ()1
يس الدِّ ين. خاص ٍة لت ِ
َدر ِ مدارس ّ
َ احلاض ِ
بفتح ِ
ِ أواخ ِر ِ
ت املدارس الدِّ ينِي ُة يف تركيا منذ ِ لغي ِ ِ
رشينات حتى سنة .1950 الع ّ ُ ( )1لقد ُأ َ
املعرفة اإلهل ّي ِة أو إىل
ِ ِ
العبادة أو إىل وق إىلشك يف َش ٍ ٍ
بحاجة إىل التع ُّل ِم فهو بال ٍّ أحدُ هم إن مل يكن َ ( )2حتى ْ
ٍ
لكل َفرد( ،املؤلف).وري ِّ رسائل ِ
َ ِ
وسكينَته ،وهلذا ّ ِ
اطمئنان ال َق ِ
رس َض ٌّ النور َد ٌ فإن لب َ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
179
رسالة الثم ِ
رة ِ ِ
السادس ُة من املسأل ُة
َ
الرباهني الك ّل ِية
ِ واحد فقـط من بني ُأ ِ
لوف ٍ املسألة إشار ٌة خمتص ٌة إىل ب ٍ
رهان ُ َ ُ هذه
مواضع منَ القاطعة يف ِعدّ ِة
ِ إيضاحه مع ُح َج ِج ِه
ُ
ِ
(اإليامن باهلل) والذي ت ََّم َح َ
ول
رسائل ِ
النور. ِ
ِ تقع َشاميل تركيا ،نُفي إليها األستا ُذ النوريس سنة 1936م َّ ِ
اإلقامة اجلربية إىل أن حتت
وظل فيها َ ( )1مدين ٌة ُ
ِ
اجلزاء الكُربى يف « َدنِيزيل». ِ
حمكمة ِسيق منها سن َة 1943موقوفا ملحاكمتِه يف
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 180
كامل هذا ِ
بدرجة ِ يعر ُفه ِ مقاييس ِع ِ
ِ بال ٍّ
املكائن الذي تقرأونَهِّ ، لم فق
شك صان َعه ،ومالكَهَ ،و َ
اإلنساين. ياسا عىل ذلك املصن ِع ِ ِ املصن ِع
ِّ اإلهلي ،وعظمته ق ً
ِّ
لألغذية واملوادُ ،أ ِ ِ ِ ِ ومثال :كام َّ
حض َر ِّ أن حانوتًا أو َم َزنا لإلعاشة واألرزاق ،وحمال ً
عظيم
وص ِّفف يف اآلخ ِرُ ، كل نوع عن َ ألف نو ٍع من املوا ِّد الغذائ َّي ِة ،و ُم ِّي َـز ُّ جانبُ - ٍ كل فيه -من ِّ
سيح الرمحاين لإلعاشة الذي َي ُ ُّ ُ
املخزن أن له مالِكا و ُمد ِّبرا؛ كذلك هذا اخلاص بهُ ،يرينا ّ ِّ حم ِّله
مئات دقيق مت َقن ،والذي يضم يف ثناياه ِ سنة ،يف نظا ٍم ٍ ألف ٍ وعرشين َ ِ ٍ
أربعة كل َس ٍنة َمساف َة يف ِّ
ُ َ ُّ
مر ِ كل منها إىل نو ٍع حيتاج ٌّ ِ ِ ِ
خاص من الغذاء ،والذي َي ُّ ٍّ ُ املخلوقات التي أصناف اآلالف من
األطعمة ،فيأيت ِ ف لة بآالف األنوا ِع من ُم ِتل ِ كشاح ٍنة ُمم ٍ ِ األربعة فيأيت بالربي ِع ِ ِ
صول عىل ال ُف
َّ
ُ
والسفينة ُ
األرضية، الشتاء ..تلك هي الكر ُة ِ اخللق املساكني الذين َن َفد قوتُهم يف ِ هبا إىل
ِ واألجهزة ومع َّل ِ ِ ِ
املخز ُن َ الغذاء ،فهذا بات ُ البضائع آالف األنوا ِع من َ تض ُّم السبحانِ ُية التي ُ ُّ
ِ ِ ِ
َقرؤونَه -صاح َبه لم اإلعاشة والتجارة الذي ت ُ مقاييس ع ِ ِ فق-و َ الرباينُ ،ي ِري َ ُّ واحلانوت
ُ
بل املخز ِن املصنو ِع من ِق ِ َ املخز ِن ،قياسا عىل ذلك َ ظمة هذا بدرجة َع ِ ِ تصر َفه ومالكَه و ُم ِّ
عر ُفه لنا ،و ُيح ِّب ُبه إلينا. ِ
اإلنسان ،و ُي ِّ
الشعوب واأل َم ِم، ِ ألف نو ٍع من لوائه أربع ِم ِئة ِ حتت ِ يشا عظيام َي ُض ُّم َ أن َج ً ومثال :لو َّ
َ
اآلخر ،وما ِ سالح سالح ُي ِ
غاي ُر ٍ َعم ُله من اآلخ ِر ،وما يست ِ املستق ُّل عن َ ِ جنس طعا ُمه ٍ كل لِ ِّ
َ َ
اآلخ َر ،ومدَّ ُة اآلخ ِر ،ون ََم ُط تدريباتِه وتعليامتِه ُيباين َ ألبسة َ ِ تلف عن مالبس َت ُ َ رتد ِيه من ي ِ
َ
ِ ِ لآلخ ِرِ .. غير املدَّ ِة َ ِ ِ ِ
باألرزاق زو ُدهم وحدَ ه اجليش الذي ُي ِّ فقائدُ هذا عمله وفرت ُة ُر َخصه هي ُ
رية، التباس وال ح ٍ ٍ أي منها وال ِ ِ ِ ِ املتباي ِنة،ِ واألسل ِ ِ املخت َِل َف ِة،
َ املتغايرة ،دون نسيان ٍّ واأللبسة حة
اخلار َق، ِ بداه ًة ذلك القائدَ العجيب يرينا َ َ املعسكر
َ أن هذا ريب؛ فكام َّ خوارق بال ٍ َ هلو قائدٌ ذو
األرض؛ ففي كل ربيع ُيجنَّدُ جمدَّ دا ِ سكروإعجاب؛ كذلك م َع ُ ٍ ٍ
تقدير بل ُي ِّب ُبه إلينا بكل
احليوانات، ِ ِ
النبـاتات و ُأ ِ
مم شعوبِ ألف نو ٍع من أربع ِم ِئة ِ جيش سبحاين عظيم مكو ٌن من ِ ٌ
ٌ ُ َّ ٌّ
دن ٍ اخلاص ُة به ،من َل ْ ِ
عظيم ٍ قائد َّ ور َخ ُصه و ُيمن َُح لكل نوع ألبستُه وأرزا ُقه وأسلحتُه وتَدري ُبه ُ
ِ
وغاية ِ
الكامل َـحي ويف منتهى ِ ٍ ٍ ٍ أح ٍد َّ ٍ
جل وعال ،بال نسيان ألحد وال اختالط وال ت ُّ واحد َ
طح األرض ُيري -ألُ ِ ِ ِ ِ
ول الواس ُع للربيع املمتَدُّ عىل َس ِ الشاس ُع سكر االنتظا ِم ..فهذا امل َع ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ور َّبها و ُمد ِّب َرها ،وقائدَ ها األرض َح َسب العلو ِم ال َعسكرية َ حاك َم والبصائر- األلباب
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
181
للمسجونِني:
ُ أقول كذلك ِ
الطلبةُ ، ومث َلام ُ
قلت ذلك إلخواين
ِ الس ِ ف اهللَ وأطاعه سعيدٌ ولو كان في ِ
غياه ِ
قيومن َغ َف َل عنه ونَس َيه َش ٌّ
جنَ ، ب ِّ َ إن َمن َع َر َ
ِ ِ صور مشي ٍ
نص َةذات يو ٍم بوجه الظاملني وهو َيعتيل م َّ
مظلوم َ
ٌ دة ..فلقد َص َخ ولو كان في ُق ٍ ُ َّ
اإلعدا ِم َف ِر ًحا َج ِذ ًل َ
وقال:
السعادة األبد َّي ِة،
ِ ِ ِ إنَّني ال ِ
سجن الدنيا طلي ًقا إىل أنتهي إىل الفناء وال ُأعدَ ُم ،بل ُأ َّ
سر ُح من
وعدَ ما ،فأنا إذن قد املوت فنا ًء َ
َ األبدي لِ َما ت ََر َ
ون ِّ باإلعدا ِم
ْ ولكني أراكُم أنتم َمكو ًما عليكم
ِ
العني ُير ِّد ُد :ال إله ّإل اهلل. ِ
قرير
وحه وهو ُ ثأرت لنفس منكمَ ..فس َّلم ُر َ
ُ
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 184
توحيدي ٌة يف ِ
لفظ «هو» ِ نُكت ٌة
ْ ُ ْ َ َ
حان ُه بِاس ِم ِه سب
﴿ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﴾
دائم
السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته أبدً ا ً
ٍ
خيالية، سياحة فِكر َّي ٍة
ٍ َ
خالل شاهد ًة آني ًة-
دت ُ -م َ
شاه ُ إخويت األعزا َء األوفيا َء ..لقد َ
املادية فقط ،نُكت ًة توحيدي ًة ظريف ًة تَو َّلدَ ت من
ُ حيث ِجهتُهاهلواء من ُ ِ طالعة ص ِ
حيفة ِ لدى ُم
َ
بيل أن َس َ
ورأيت فيها َّ ُ الـموجود يف ﴿ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ ويف ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾، ِ لفظ «هو»ِ
ِ
املحاالت ِ
والضاللة فيه من سبيل الشِّ ِك ِ
الوجوب ،بينمـا ُ ويسيـر إىل حدِّ هل ِ
اإليمـان َس ٌ
ٌ
صار تلك النكت َة الظريف َة بإشارة يف منتهى االختِ ِ
ٍ الت إىل حدِّ االمتِناعَِ ،س ُأب ِّيـنوالـمعض ِ
ِ
الواسع َة الطويل َة:
املزه ِ
رة إن ِ
النباتات ِ مئات من استنبات ٍ ِ تكون ِ
موض َع َ ترابِ ،
يمك ُن أن إن َحفن ًة من ٍنعمَّ ،
ِ ِ ِ ِ ُو ِض ْ
تكون يف تلكَ يلزم :إما أن
واألسباب ُ الطبيعة عت فيها ُمتعاقب ًة ،فإن ُأح َيل هذا ُ
األمر إىل
ذر ٍة منكل ّ أن َّ ِ
األزهار؛ أو َّ املعنوية ،بل بع ِ
دد َ
ِ مئات من املصان ِع املص َّغ ِ
رة الرتاب ٌ ِ احل ِ
فنة من َ
بخصائ ِصها املتنوعةِ ِ املتنوعة وتركي َبها ِ ِ ِ ِ ِ
ِّ األزهار ِّ َعلم بنا َء تلكالرتاب ت ُ ذرات تلك احلفنة من
اإلله وقدرتِه!! مطلقة بام يشبِه ِعلم ِ
َ ٌ ُ علم ٌ
حميط وقدر ٌة ِ
وأجهزتا احليوية ،أي هلا ٌ
ِ
الجز َء واحد؛ أو َّ ٍ جميـعها يف ٍ ِ ِ يكون له القدر ُة عىل القيا ِم بتلك َ
أن ذلك ُ وقت الـوظـائف
شخصيات وكل َذ َّر ٍة من ذراتِه ،هلا أجزائه َّ ِ جزء من وكل ٍ كلمة «هو»َّ ، ِ ِ
املوجود يف ِ
اهلواء من
ٌ
عة ومجي ِع الربقيات املتنو ِ ِ باهلواتف ومجي ِع َمن ي ُب ُّث من ِ كل َمن يتَك َّل ُم دد ِّ وقابليات بع ِ ٌ
معنوية،
ِّ ٌ َ
نفسه إىل الوقت ِ ِ جاتم مجيعا ،وتُع ِّل َمه يف ول ِ غاتم َ من يذيع كالما من املذاييعِ ،وأن تَعلم ُل ِ
َ َ
ِ
وأن أجزا َء إن قسام من ذلك الوض ِع َمشهو ٌد أما َمناَّ ، حيث َّ َنرشه وتَبث ُه؛ ُ خرى ،وت َ الذرات األُ َ َّ
طريق الك ِ ِ ِ ِ
ُفر من املا ِّد ِّيني ـحال واحدٌ يف فليس هناك ُم ٌ اهلواء ك َّلها َتمل تلك القابلي َة ..إذن َ
ِ
اهلواء. ات وإشكاالت بعدَ ِد ذر ِ الت واضح ٌة جلي ٌة وم ِ ـحاالت ِ
َّ ٌ عض ٌ ّ ُ ٌ الطبيع ِّيني بل ُم
ذراتِه جنديا ُمستعدًّ ا فإن اهلوا َء ُيصبِ ُح بجمي ِع َّ اجلليلَّ ، ِ األمر إىل الصان ِع ُ ولكن إن ُأسنِدَ
خالقها عة التي ال تُـحدُّ ،بإذن ِ وظائفها الك ِّل ِية املتنو ِ ِ فعندئذ تقوم ذراتُه ِ
بأداء ٍ ِ
األوام ِر، لِتل ِّقي
ِّ ُ
الربق- عة ِ صانعها جتليا آنيا -بس ِ ِ ِ
قدرة َجل نادها إليه سبحانَه ،وبت ِّ سابا واستِ ِ وبقوتِه ،وبانتِ ِ
ُ َّ
ِ ِ ِ ذرة واحدة َبوظيفة من وظائفها ،وب ُي ِ ِ ٍ ٍ ِ
ومتو ِج اهلواء فيها.. رس تل ُّفظ كلمة «هو» ُّ وبسهولة قيا ِم َّ ُ
القدر ِة اإلهليةِ، املنسقة البديعة التي ال ُت َص ِ ِ ِ ِ ِ ِ
لقلم ُ َ يكون الهوا ُء َصحيف ًة واسع ًة للكتابات َّ ُ أي
قلم ال َقدَ ِر ،لذا قاط ِ الذرات كذلك نِ َ ِ وظائف
ُ ُصبح لم ،وت ُ بدايات ذلك ال َق ِ ِ وتكون ذراتُه
ٍ
واحدة. ذر ٍة ِ ِ ُ
كسهولة حركة َّ األمر سهال ُ يكون ُ
ِ ِ
ـمكنت ُأشاهدُ عا َل َ اليقني عندما ُ كامل وب َعني ٍ ٍ
وبتفصيل ضوح تا ٍّم ٍ أيت هذه احلقيق َة ُبو َر ُ
ِ طالع َص ِحيـفـتَه يف سيـاحتي ِ
الفـكرية وتأ ُّمـيل يف ﴿ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ و ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ اهلواء و ُأ ُ
للوحدانِ َّي ِة ِ ِ ِ مت ِ
أن يف اهلواء املوجود يف لفظ «هو» ُبرهانًا ساط ًعا َ اليقني َِّ لمبع ِ وع ِل ُ ﭔ﴾ َ
القو ِة، ِ
وح ّج ًة توحيد َّي ًة يف غاية َّ
ِ ِ
لألحد َّية يف غاية النوران ّية ُ
ِ ِ
أن يف معناه ويف إشارته جتليا َ
ِ مثلام َّ
عندئذ ملاذا ٍ فتمري «هو» أي إىل َمن يعو ُد؟ ف َع َر ُ لض ِ مة َ قة املبه ِ اإلشارة املط َل ِ ِ ُ
قرينة حيث فيها ُ
َ
ِ
التوحيد. كر هذه الكلم َة عندَ َمقا ِم الذ ِوأهل ِّ القرآن الكريم ُ ُ كر ُر ُي ِّ
ٍ
واحدة، جم ن ٍ
ُقطة بح ِ ٍ ِ ِ ٍ
يضع عد َة نقاط -مثال -عىل َورقة بيضا َء َ شخص أن َ ٌ نعم ،لو أرا َد
َلط عليه ٍ
واحد الخت َ بوظائف عدّ ٍة يف ٍ
آن َ القيام شك ًل؛ ولو ُط ِلب من ٍ
أحد لكان األمر م ِ َ
ُ َ ُ ُ
كلامت كثري ٌة يف
ٌ صغري أعبا ًء ثقيل ًة ،فإنَّه َي َ
رز ُح حتتَها؛ ولو َخ َ
رج ْت ٌ ـم َل ٌ
كائن األمر؛ ولو ُح ِّ
ُ
األذن معا س ِ
يختل ُط َ الفم ودخ َل ِ ٍ
َبعثر..
النظام ويت ُ
ُ َ ت وقت واحد من ِ َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 186
ِ
وبمثابة فتاحا ِ اللة ِ اليقني ،وبدَ ِ ِ دت ِ
أصبح م ً َ لفظ «هو» هذا الذي بعني شاه ُ ولكني َ
توضع -أو ِ ٍ ٍ
ُوضع- َ يمك ُن أن ت وحرو ًفا وكلمات َ ُ أن نقا ًطا خمتلف ًة تعدُّ باأللوف ُ بوصلةّ ،
عاتق توضع ك ُّلها عىل ِ يمكن أن أسيح فيه فِكرا بل ِ اهلواء الذي ِ ِ ِ
أجزاء جزء من كل ٍ عىل ِّ
َ ً ُ
الذرةَ أن تلك َّ النظام ،علام َّ الط أو تشاب ٌك أو ِ
ينفس َخ ث اختِ ٌ دون أن حيدُ َ واحدة من ِ ٍ ذر ٍة
ُ ُ ّ
وحتمل أثقاال ُ لتبس عليها يش ٌء، ِ ِ
أخرى كثري ًة جدا يف الوقت نفسه ،فال َي ُ بوظائف َ
َ تقوم
ُ
وظائفها املتنو ِ ِ ِ ِ ِ
عة ِّ تكاسال ،فال نراها قاصر ًة عن أداء هائل ًة جدا من دون أن تُبدي ضع ًفا أو ُ
أنامطٍ الكلامت املخت ِ
َلفة يف ِ ِ
األلوف من ألوف
ُ ِ
الذرات واحتفاظها بالنظا ِم؛ إذ ت َِر ُد إىل تلك ِ
ٍ وترج منها أيضا يف ِ ِ ٍ ٍ ِ ٍ
اختالط أو غاية النظام مث َلام َد َخ َلت ،دون ُمتلفة وأصوات خمتلفةُ ُ َ ،
متل ُك آذانا صاغي ًة صغري ًة ِ
الذرات ِ فكأن تلك َّ األخرى؛ ُفسدَ إحداها امتزاج ودون أن ت ِ ٍ
َ
وت ُر ُج من ألسنتِها اآلذان َ َ تلك الكلامت َ ُ تدخ ُل تلك ُناس ُبها َف ُ وألسن ًة دقيق ًة ت ِ عىل قدِّ هاِ ،
َجو ُل ِ ٍ َّ ذر ٍة فإن َّ العجيبة َّ ِ ِ فمع ِّ ِ
-وكل جزء من اهلواء -تت َّ كل ّ األمور كل هذه الصغرية تلكَ ..
والو ْج ِد قائل ًة ﴿ :ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ اجلذب َ ِ احلال ويف ن َْش َو ِة ِ ِ
بلسان ـة ذاكر ًة خال َقها بحرية تام ٍ
ّ
ٍ
وشهادتِـها. ِ
الـمذكورة آنفا َ ِ
احلقيقة ِ
بلسان و ﴿ ﭑﭒﭓﭔ ﴾
ِ ِ ِ
الربق، ويتلم ُع الفضا ُء بِ َسن َا َّ الرعد، أه ِاز ُ
يج ُدوي َ ف القو ّي ُة وت ِّ العواص ُ ث وحينام َتدُ ُ
َفقدُ نظامها ،وال تتع ّثـر يف ِ
أداء الذرات ال ت ِ ِ أنمة؛ َب ْيدَ َّ متالط ٍ
ِ أمواج َض ٍ
خمة ٍ َحو ُل اهلوا ُء إىل
ُ َ يت ّ
اليقني ،إذن ،فإ ّما ِ دت هذه احلقيق َة بعني شاه ُ غل عن ُش ٍ وظائفها ،فال َيمن ُعها ُش ٌ ِ
غل ..هكذا َ
ٍ
مطلقة ٍ
وإرادة وحكمة مط َل ٍ
قة ٍ علم ُم ٍ
طلق صاحب َة ٍ ِ اهلواء-ِ جزء من -وكل ٍ ُّ ذر ٍة تكون َُّ
ُ كل ّ أن
بأداء هذه الذرات ..كي تتَمكّن من القيام ِ ِ كاملة عىل مجيع ٍ قة وه ٍ
يمنة مطلقة وقدر ٍة مط َل ٍ ٍ وقو ٍة
َ َ َ ُ ّ
وباطل بطالنًا ٌ ِ ِ
االت يف حماالت ب َعدد الذرات ٍ إل ُم ٌ جهها ..وما هذا ّ ِ
املتنوعة عىل َو ِ ِ
الوظائف ِّ
يطان كان.. مطل ًقا ،بل حتى ال يذكره أي َش ٍ
ُ ُّ ُ
أن َصحيف َة ِ
اليقنيَّ - لم وع ِ اليقني ِ
ني ِ وع ِاليقني َِ بحق تقتض -بل هو ِّ فإن البداه َة ِ لذا َّ
درتِه ِ بع ِ الخالق فيها ِ اهلواء هذه إنام هي َص ِح ٌ ِ
لم ُق َ املطلق ما يشا ُء ب َق ِ لمه ُ يكتب
ُ يفة ُمتبدِّ ٌلة
ـر والتَّبدُّ ِل ٍ وح ِة َم ٍ ِ ِ ِ ِ
عالِ التغ ُّي ِ
وإثبات يف َ حو بمثابة َل َ و َقدَ ِره الذي ُي ِّركُه بحكمته املطلقة ،وهي َ
وح املح ُف ِ
وظ. رة يف ال َّل ِ ون المس َّط ِ للشؤ ِ ُ
َ
� �� � � � �� �� � � �
� ��������� ��� ����������� �� ��� ���� ���������� � -
187
ِ األمور الع ِ ِ
املذكورة آن ًفا ،وذلك جيبة ِ َ حدانية هبذه الو
جتل َ أن اهلوا َء َيدُ ُّل عىل ِّ فكام َّ
نفسه بيانا الوقت ِ ِ بي يف ِ ظائفه وهي ن ُ واحدة من و ِ ٍ وظ ٍ أداء ِ لدى ِ
األصوات ،و ُي ّ ُ َقل َ يفة
ِ
األمهية ِ
غاية بوظائف يف َ يقوم الضاللة التي ال ُت َص ،كذلك فهو ِ االت واضحا ُم ِ ِ
ُ ً
مثل طيفة َِقل املواد ال َّل ِ باس كن ِ أو ا ْلتِ ٍ اختالط أو تَشا ُب ٍك ِ ٍ غاية النظا ِم ومن دون ِ ويف
ِّ
النباتاتِ داخ ِل دخل إىل م ِ نفسه َي ُ الوقت ِ ِ والضوء ..ويف ِ واجلاذب َّي ِة والدافِ َع ِة
ِ ِ
الكهرباء
َ
َقل قوم بن ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
واحليوانات بالتن ُّف ِ
الوقت عينه َي ُ همـاته احلياتية بإتْقان ،ويف َ س ُمؤ ِّد ًيا هناك ُم َّ
األساس َّي ِة
ِ ِ
الوظائف أمثال هذه ِ النباتات -وهكذا ِ وظيفة ت ِ
َلقيح ِ قاح -أي حبوب ال ِّل ِ ِ
اجلليلة ،و ُيثبِ ُت أيضا ِ اهلل وإرادتِه مر ِ عرش ِل ِ أن اهلوا َء ٌ احلياة؛ ِمّا ُيثبِ ُت يقينًا َّ ِ ِ
إلدامة
ِ
التائهة ِ
السائبة ِ
واألسباب املصادفة الع ِ
شواء ِ مال قط ًعا لتَدَ ُّخ ِل أن ال احتِ َ اليقني ْ بعني ِ
َ َ
ـة ويف أداءِ اهلوائي ِ ِ البديعة هلذه الص ِ
حيفة ِ ِ
الكتابة اجلاه ِ
لة يف ِ اجلام ِ
دة ِ العاج ِ
زة ِ واملوا ِّد
َّ َّ
وكل ٍ
جزء كل َذ ّر ٍة َّ أن َّ فت َّ ِ الدقيقة ..فاقتَن ْع ُت هبذا َقناع ًة تا ّم ًة ِ ِ ِ
وع َر ُ اليقني َ بعني وظائفها
حالا ﴿ :ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ و ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ . بلسان ِ ِ اهلواء ُ
تقول ِ من
ِ
اهلواء هبذا املِ ِ ِ ِ دت هذه األمور ِ
مفتاح
َ فتاح( ،أعني املادية من اجلهة العجيب َة يف َ شاه ُ ومث َلام َ
وعال املعنَى؛ إذ قد َ ِ
املثال فتاحا َ
لعال ِ ِ «هو») ف ُعنرص اهلواء ُبر َّمتِه
أصبح أيضا كلفظ «هو» م ً َ
وادث َلتق ُط صورا ال تعدُّ وال ُتص للح ِ ظيمة جدًّ ا ت ِتصوير َع ٍ ٍ املثال ِ
كآلة ِ أن َ
عال مت َّ َع ِل ُ
َ َ ً
يض ُّم َ
العال ُ ُ التباس حتى َغد َا هذا ٍ الط وال واحد بال اختِ ٍ ٍ َلتق ُطها يف ٍ
آن اجلارية يف الدنيا ،ت ِِ
حاالت ٍ ٍ ألوف الدُ نى ت ِ ِ ِ ِ
فانية أوضاع
َ َعر ُض ألوف
َ خروي ًة ت ََس ُع َمشاهدَ عظيم ًة وواسع ًة ُأ َ
ِ ٍ ٍ ِ ِ ِ ودات ٍ
فانية وت ِ ملوج ٍ
أصحاب ُعر ُض أما َم ثامر حياتا العابرة يف َمشاهدَ و َلوحات خالدة ت َ ُظه ُر َ ُ
وذكرياتم اجلميلةِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
بحوادث الدنيا إياهم َس َمد َّية ُمذكِّر ًة ُ اجلنة والسعادة األَبد َّية يف َمعار َض َ ْ
ِ
املاضية فيها.
ِ
املثال ون َُمو َذ ُجها املص َّغ ُر هو ما ـم ِ
املحفوظ وعا َل ِ وح القاطعة عىل و ِ
جود ال َّل ِ ُ فالـح َّج ُة
ُ ُ
الن حجم حبةٍ يال ،فمع أنام ال تَش َغ ِ ِ
قوة َخ ٍ ِ ٍ ِ ٍ ِ يف َر ِ
َ َ َّ َ ُّ أس اإلنسان من ُق ّوة حافظة وما َيمل ُك من ّ
باس ويف انتِظام ِ اختالط وال التِ ٍ
ٍ بوظائفهام عىل أتم ٍ ِ إل أنام ُتق ِ ٍ
كامل وجه بال ِّ ومان من َخ ْردل ّ ّ ُ
والو ِ
ثائق ..مما ُيثبِ ُت لنا ِ ٍ ٍ ِ ِ ٍ
بمكتبة َضخمة جدا من املعلومات َ كأنام َيتفظان َ وإتقان تا ٍّم ،حتى َّ
ـم ِ
املثال. ِ
املحفوظ وعا َل ِ وح َني نَمو َذ ِ
جان ل َّل ِ أن تَينِ َك ُ
الق َّوت ِ َّ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 188
ُّطف ،وال َّل ِ
ذان سائل الن ِ أن اهلوا َء واملا َء وال س ّيام ُ ِ
القاطع َّ ِ
اليقني وهكذا لقد ُع ِلم ِ
بع ِ
لم َ
ِ
واسعتان البحث -صحي َف ِ
تان ِ اللة عىل اهلل -الذي أوردنا ُه يف ُمست ِّ
َهل وقان التراب يف الدَّ ِ ي ُف ِ
َ َ
يان فيهام اإلراد َة وق َل َم ال َقدَ ِر وي ِر ِ ِ
واحلكمة كتاب ًة حكيم ًة بليغ ًةُ ، لم ال َقدَ ِر
ُب فيهام َق ُ َيكت ُ
ِ
واألسباب ِ
الص ّمـاء ِ ِ ِ ِ داخل َة املصاد ِ وأن ُم َ در ِة؛ َّ ُ
والقوة ال َعمياء والطبيعة َّ ّ فة ال َعشواء َ والق َ
وغري ُم ِك ٍن قط ًعا.
ُ
احلكيمة ُم ٌال يف ِم ِئة ُم ٍ
ال ِ الك ِ
تابة اجلامدة يف تلك ِ ِ ِ
التائهة
ُ ِ ٍ
ألف ألف َتية َ
وسال ٍم إىل اجلميعِ.
�
ل���ل �ة ا �� ا �� �ة � ش ة
�
ا � ك� �م� لرب�ع� ع���ر�
�﷽
﴿ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ (هود)1:
فس ِره
ولم ِّ ِ
احلكيمُ ،
ِ
للقرآن السامية الرفي َع ِة
ِ ِ
احلقائق سم من نظائر ِق ٍ ِ نشري إىل
َس ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
للصعود إىل تلك لتكون بمثابة َدرجات ُس َّل ٍم ُّ َ الشيف ،وذلك احلقيقي احلديث َّ ِّ
ِ
الكلمة ِ
خامتة ِ
واالنقيا ُد ،ويف التسليم القلوب التي َي ُنق ُصها فُسع َ احلقائق ،لكي ت ِ ِ
ُ َ
ِ
اإلهلية. ِ
العناية وس ٌّر من أرسار ربة ِ للع ِ
سيبين درس ِ
ٌ ُ َّ
ِ
اجلليلة؛ ِ
احلقائق سب من تلك َ ِ َكتفي هنا ِبذ ِ ون ِ
فح ُ مسائل َ خلمس نماذج
َ كر
ِ
العارشة» وال ِ
«الكلمة احلرش والقيام َة قد ُذ ِك َرت يف ختص حيث َّ ُ
َ النظائر التي ُّ َ إن
داعي للتكرار. عة» منها وال التاس ِ
«احلقيقة ِ ِ س ّيام يف
َ
ِ
العرش، ملبح ِ
الموكَّلني َ صو َر -مثال -املالئك َة ُ
ِ
إن املخبِ َـر الصاد َق ﷺ قد ّ ◆ثالثتُهاَّ :
ٍ
رأس ،يف ِّ
كل لم َلك أربعني َ
ألف آخ ِرينِ ّ ، والساموات ،أو م ِ
الئك ًة َ ِ ِ حمل َة
بأن ل َ َ األرض وكذا َ
ِ
يحات )1(.هذه ألف نَو ٍع من أنواع التَّسبِ ٍ
لسان ُيس ِّب ُح بأربعني َ ٍ
لسانُّ ،
كل ألف
رأس أرب ُعون َ ٍ
( )1انظر :الطربي ،جامع البيان 156/15؛ أبو الشيخ ،العظمة 868/3 ،747 ،742 ،740 ،547/2؛ ابن كثري ،تفسري
القرآن 62/3؛ ابن حجر ،فتح الباري 402/8؛ املناوي ،فيض القدير .82/2
� �� � � � � � � �
191 ��� ���� �� ������������
وش ِ
مولا الع ِ
بادة و ُك ِّل َّيتها ُ عن انتِظا ِم ِ ِ
الرشيفة تُع ِّب ُـر ِ األحاد ِ
يث ِ ِ
أمثال هذه احلقيقة الرفِ ُ
يعة يف ُ
ِ
اآليات الكريم َة ِ
الشهود احلقيقة الس ِ
امية نُب ِّي ُن أما َم ِ ِ
الصعود إىل هذه ِ
فألجل ِ
املالئكة، لدى
َّ
وندعو إىل التد ُّب ِر فيها ،وهي:
ُ التالي َة
وشموال ِ
املوجودات وأك َث ِرها َسع ًة ُ ألضخ ِم
َ ُصر ُح ّ
أن ِ ِ ُ
وأمثالا من اآليات اجلليلة التي ت ِّ
عة ِ
الشاس ُ السماوات شاهدٌ ؛ إذ نسجام مع عظمتِه و ُك ِّليتِه، خاصا م ِ
ُ واضح و ُم َ
ٌ واألمر
ُ َسبيحا ًّ ُ
ت ً
األرض الطائر َة
َ والنجوم ،كام َّ
أن واألقامر الشموس وكلماتُها التَّسبِ ِ
يح َّي ُة هي حة هللِ ،
ُمس ِّب ٌ
ُ ُ ُ
واألشجار. والنباتات احليوانات التحم ِ
يد ّي ُة هي ِ حامد ٌة هلل ،وألفا ُظها السامء مسبح ٌة ِِ جو
ُ ُ ُ ُ ِّ يف ِّ
ِ
لألرض أناخلاص ُة به ،مثلام َّ ِ
اجلزئ ُية نجم ،تسبيحاتُه ولكل ٍِّ كل َش ٍ
جرة أن لِ ِّ
بمعنى َّ
َّ
وق ٍجزء ِ كل ٍ ِ
تسبيحات ِّ اخلاص َة هبا؛ فهي تَسبِ بِ ُر َّمتِها تسبيحاتِها
طعة منها يحات كل ّي ٌة ُ
تض ُّم ٌ ّ
بأجزائها و ُك ِّل َّيتِها كذلك
ِ أن لألرض تَسبِيحاتِها وكل َب ٍ
حر و َب ٍّر فيها؛ فكام َّ ٍ
وجبل ِّ كل ٍ
واد بل ِّ
ُ
الكلية. ِ
واألفالك تَسبيحاتُها ِ
واألبراج ِ
للسماوات
حاض لمه وقدرتِه ،وهو ِ بع ِ يشء ُقربا مط َل ًقا ِ كل ٍ قريب إىل ِّ ُ
اجلليل إذن ُ
اجلميل فذلك
ٌ ُ ٌ
ِ
األشياء بال ت َك ُّل ٍ ِ ِ
ف ف يف عندَ ه وناظ ٌر إليه ،بينام األشيا ُء بعيد ٌة عنه بعدا مطل ًقا؛ وإنه َ
يتص َّـر ُ
رسُوجدُ ب ُي ٍ ِ ُ ٍ ٍ ٍ
األمر -واألشيا ُء ت َ جر َد
يأمر ُ -م َّ
فه ُم أنه ُ بحيث ُي َ مطلقة سهولة معاجلة ويف وال
ِ
دائرة خارج كبريا عة ُمط َل َقني ،وأنه ليس هناك يش ٌء ،مهام كان ُجزئ ّيا أو كل ّيا، وس ٍ
َ صغريا أو ً
ً ُ
جل جال ُله. إحاطة ِك ِ
ربيائه َّ ِ ُقدرتِه ،و َب ِعيدً ا عن
ُؤمن هكذا. نبغي أن ن ِ
هود ،بل ي ِ الش ِ ُؤمن إيامنا يقينِيا وبدَ ِ
رجة ُّ ِ
َ َ ًّ َفه ُم ،وهكذا ن ُ هكذا ن َ
خامتة
�﷽
﴿ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ (آل عمران)185:
بعضها لبست ُحلال ُم َزرك ََش ًة ُ األرض قد ُأ َ َ ُشاه ِدين فيه ّ
بأن الوقت الذي ت ِ ِ فمثال :يف
نتهى النظا ِم ِ ِ بعض ُمكتَنِف ًة ُ ٍ َ
اآلخر من أنواع النباتات واحليوانات يف ُم َ َ البعضَ بعضها فوق
كم، ص ال َقدَ ِم باحلِ ِ أخ ِ الرأس إىل ْ َ ِ مجهز ًة ك َّلها من ِق َّم ِة واجلامل ،وت ََر ْينَها َّ ِ ِ
النقش ويف ِ
غاية
ِ َ ِ ٍ ()1 وش ٍ ِ
بكامل وق َمولو ّية ب َ تدور بام يشب ُه جذب َة ُح ٍّ ُ بالغايات؛ ويف الوقت الذي ومزين ًة
ني ذلك ين هذا ،وتَع َل ِم َ َشهد َ
الوقت الذي ت ِ
َ
ِ امية ..ففي غايات س ٍ
َ
ٍ الدقة والنظا ِم ضمن ِ
ظهر ًة هبا عد َم األرض(ُ )2م ِ ِ فك ِ
ُرة هز ِع ْط ِ الشبيهة بِ ِّ
ُ ُ
الزلزلة َ
تكون فكيف َي ُسو ُغ إذن أن َ
الوة اخلشو ِع ون َْش ِ
الذكر بح ِ ِ يد الـمو َل ِوي الذي يدور ح َ ِ لطيف بالـم ِر ِ
وة ِ َ حلقة وح َ
ول ول نفسه َ ُ َ َ ْ ِّ ُ ٌ ( )1تَشبي ٌه
وية طريق ٌة صوفي ٌة منترش ٌة يف تركيا. والـم ْو َل ُ
َ ِ
الذكر،
حدث يف إِ ْز ِمري(.املؤلف).
َ ِ
الزلزال الذي البحث بم ِ
ناسبة ُ ُ ب ِ
( )2كُت َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 198
اإليامن منهم، ِ البشـر ،وال س ّيام ِ
أهل ِ ِ
أعامل الناش ِئ من الض ِيق املعنوي ِ ِرضاها عن ثِ ْق ِل ِّ
ِّ
غاية؟ كام ن ََشه صد وال ٍ باملوت ،بال َق ٍ ِ ُ
املليئة ِ
احليو َّي ُة ُ
احلادثة مك ُن أن تك َ
ُون تلك كيف ي ِ
ُ
فاح ًشا و ُم ِ فة ،مرتكبا بذلك خطأ ِ لحدٌ ظنّا منه أهنا مجرد مصاد ٍ م ِ
بيحا ،إذ َص َّير قرت ًفا ظلام َق ً ُ َّ ُ ُ َ ُ
ُ
واحلال يأس ٍ
أليم.. قاذ ًفا هبم يف ٍ وأرواح هباء منثورا ِ ٍ ٍ
أموال جميع ما ف َقد ُه املصابون من
ً َ
ِ
الرحيم ِ
احلكيم حول ًة إياها ِ
بأمر ِ
أهل اإليامنُ ،م ِّ أموال ِ َ احلوادث تَدَّ ِخ ُر دائام
ِ أن ِم َثل هذه ّ
ُفران النِّ َع ِم.ناشئة من ك ِ ٍ نوب لذ ٍ قة هلم ،وهي ك ّفار ٌة ُ إىل صدَ ٍ
َ
وج َه َها ِ َّ اليوم الذي َتدُ ف َل َس َ
آثار البرش َّية ،التي تُز ِّي ُن ْاملسخر ُة َ األرض
ُ ُ وف يأيت ذلك
عظيمة ِ
بأمر ٍ ٍ
بزلزلة وجهها ٍ
عندئذ فتمسح رك البرش وكُفرانُه، دميم ًة قبيح ًة بام َّلو َثها ِش ُ
َ ُ
َفض ُلوا الشك ِْر« :هيا ت َّالرشك بأمر اهلل يف َجهن َّم ،وداعي ًة أهل ُّ ِ فرغ ًة َ
أهل ُطه ُره ُم ِ ِ
اخلالق ،وت ِّ
إىل اجلن ِّة».
� �� � � � � � � �
199 ��� ���� �� ������������
ِ
الكلمة الرابع َة َع ْش َة ُ
ذيل
�﷽
﴿ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ * ﭮ ﭯ ﭰ * ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ * ﭷ ﭸ
ﭹ * ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ إىل آخر السورة.
لزالا وحتى يف اهتِ ِ
زازاتا وز ِ األرض يف َح ِ
ركاتا ِ َ أناجلليلة ُتبيِّ بيانا قاطعا َّ
ُ هذه السور ُة
معنوي- -بمعاونة ٍ
تنبيه ِ القلب أجوب ٌة ِ دت إىل وو ْح ِيه ..لقد َو َر ْ
ٍّ حتت أمر اهلل َ أحيانا ،إنام هي َ
كتابة تلكِ مت عىل ورغم أين َع َز ُ َ الز ِ تدور َح َ ٍ عن بِ ِ
حدث حالياَ ، لزال الذي ول ِّ ُ أسئلة ضعة
َب خمترص ًة وجممل ًة. ٍ ِ ِ
فصل ًة عدّ َة مرات ،فلم ُيؤ َذن يل ،لذا ستُكت ُ األجوبة كتاب ًة ُم َّ
الناس مصيب ًة معنوي ًة أ ْد َهى من ُم ِصيبتِها ُ
العظيمة َ ُ
الزلزلة السؤال الأول :لقد أذا َق ْت هذه
ِ
النفوس، نوط التي استَو َل ْت عىل والق ُ واليأس ُ وف واهل َل ُع الخ ُ الفجيعة ،تلك هي َ ِ ِ
املادية
ُ
واالضطراب
ُ القلق
وعم ُ الناس َليالَّ ، ِ ِ
أغلب َمرت ودا َم ْت حتى َس َل َب ْت راح َة حيث إهنا است َّ ُ
ِ
األليم وما َسب ُبه؟ ِ
العذاب البالد ..تُرى ما َم ُ
نشأ هذا ِ أغلب ِ
مناط ِق َ
ِ
البالد ِ
أرجاء هذه ف يف
رت ُ اجلواب هو اآليتَّ : بمعاو ِنة ٍ
إن مما ُيق َ ُ معنوي كذلك ،كان ٍّ تنبيه ُ َ
ليل ٍ وعر َبدة ِجهارا هنارا ،ويف ٍ
شهر مبارك َج ٍ ٍ جون َ-التي كانت مركزا َطيبا لإلسالم -من م ٍ
ُ ِّ َ
أغاني مثريةً ،وأحيانًا ِ
الناس الرتاويح ،وإسام ِع
ِ ِ ِ ِ
رمضان ،ويف أثناء إقامة َص َلوات َ ِ
كشهر
َ
ِ
اخلوف واهلل ِع هذا. ِ
عذاب ِ
وغريه ..قد َو ّلدَ إذاق َة بأصوات ٍ
نساء عرب املذياع ِ
ِ
واإلحلاد ُفر ِ
ببالد الك ِ والتأديب اإلهلي
ُ الرباين العذاب
ُ السؤال الثاني :ملاذا ال َي ِ
نـز ُل هذا
ُّ
ِ
الضعفاء؟ املساكني ِ
املسلمني ِ ِ
وينـز ُل هبؤالء
ٍ ِ اجلواب :مثلام ت ُ
ُعهدُ إليها عقوبتُها
ربى ،وت َالجرائم الكبري ُة إىل حماك ِم جزاء ُك َ
ُ ُحال
ِ
والنواحي ،كذلك ِ
األقضية ِ
مراكز والجن َُح يف الجنايات الصغري ُة ُحس ُم ِ
ُ ُ بالتأخري ،بينام ت َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 200
ِ
املحكمة ؤج ُل إىل ِ وجرائم ك ِ
ِ أهل الك ِ ِ
عقوبات ِ فإن ِ
ُفرهم وإحلادهم ُي َّ ُفر األعظم من
َ الق ْس َم
طيئاتم يف هذه الدنيا، سم من َخ ِ اإليامن عىل ِق ٍ
ِ األعظم ،بينام ُيعا َقب ُ
أهل ِ ربى يف احلرش الك َ
ٍ ()1 ٍ ٍ
مهمة.
بمقت ََض حكمة ربانية ّ وذلك ُ
ٍ
أخطاء ٌ
نامجة من املصيبة البال َد ك َّلها ،علام أهنا مصيب ٌة
ُ السؤال الثالث :ملاذا َت ُع ُّم هذه
ِ
الناس؟ بعض
رتك ُبها ُ ي ِ
َ
مة ،إ ّما مشارك ًة فِعل ّي ًة،
الق ّل ِة ال َظ َل ِ
شرت ِكني مع أولئك ِ الناس َيكُونُون ُم ِ
ِ أغلب
َ اجلوابَّ :
إن
كسب المصيب َة بأوام ِرهم ،أي يكُونُون معهم معنًى ،مما ي ِ ِ بصفوفِ ِهم ِ ِ ِ
ُ ُ أو التزاما أو التحا ًقا ُ
بمعاص األكثر َّي ِة.
ِ ُ
المصيبة ِ
العمومية ،إذ ت ُع ُّم ِصف َة
وو َق َعت ِ ِ
اقتاف اخلطايا واملفاسدَ ،
من ِ ِ نش َأت ِ ُ
الزلزلة قد َ السؤال الرابع :ما دا َم ْت هذه
قر ُبوا اخلطايا تـر ُقون بلظاها وهم مل َي َ وي ِ ُصيب األبريا َء إذنَ ، للذنوب ،فلامذا ت ُ ِ ك َّفار ًة
ُ
الربانية هبذا؟ ُ
العدالة َسمح
وكيف ت ُ
َ نوب، ُّ
والذ َ
قة برس ال َقدَ ِر
إن هذه املسأل َة متع ِّل ٌ
معنوي كان الجواب هو اآليتَّ : عاونة ٍ
تنبيه ِ بم
ٍّ وكذلك ُ
قال تعاىل ﴿ :ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ِ
«رسالة ال َقدَ ر» ونكتفي باآليتَ : اإلهلي ،لذا نُحي ُلها إىل
ِّ
وسر هذه
ُّ (األنفال)25: ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾
ِ
اآلية ما يأيت:
يف وتكليف ،واالختِبار والت ِ
َّكل ُ ٍ بار ،ودار ُماه ٍ
دة َ حان واختِ ٍ إن هذه الدنيا دار امتِ ٍ َّ
ُ ُ ُ
الصدِّ ُيقون ُ ُ ومف ّي ًة ،كي َت ُص َل الحقائق مستور ًة َ يان أن ت َّ قتض ِ ي ِ
سم َو ِّواملسابقة ،ول َي ُ املنافسة ُ َظل َ
فل سافِ ِلني مع أيب أس ِ الصدِّ ِيق ،وليتر َّدى َّ
الكذا ُبون إىل ْ بكر ِّ باملجاهدة إىل أعىل ِع ِّل ِّيني مع أيب ٍ
ِ
اإليامن َب ِدهيِيا ،أي
ُ ألصبح
َ مس ُهم سو ٌء وال أ ًذى، ِ ِ
هل ،فلو َسل َم األبريا ُء من املصيبة ومل َي َّ َج ٍ
يبق َسبِ ٌيل
وانسدَّ با ُبه ،ومل َ ٍ
سواء ،والنت َفى الست َْس َل َم
التكليف َ
ُ الكفار واملؤمنون معا عىل حدٍّ ُ
ِ
اإليامن. ِ
مراتب مو يف إىل ِ
والس ِّ الرق ِّي ُّ ُّ
ِ
والزالزل ِ
العاملية ِ
كاحلرب رع ٍبة
وآفات عام ٍة م ِ ٍ رب العاملني البشري َة ببالي َا
ّ ُ فع ُّ فص ََ
ِ ِ ِ ِ ِ والس ِ
كل ذلك المد ِّمرةُّ .. وج والصواع ِق املحرقة وال ُّطوفانات ُ والرياح اهل ُ ِ
ِ ِ
العار َمة يول ُّ
ِ ِ ِ
وس ْوقا له ليتَخ ّلى عن ُغ ُروره وطغيانه ِ ِ ِ
الرهيب، إيقاظا هلذا اإلنسان السادر يف َغف َلتهَ ،
وم َّيتَهعر ُض عنه؛ فأظهر سبحانه ِحكمتَه وقدرتَه وعدالتَه وقي ِ اجلليل الذي ُي ِ
ِ َعريفه بر ِّبه ولت ِ
ُّ ََ
شياطين مح َقى ممن هم يف غم من هذا ّ
فإن الر ِ ِِ
َ وإرادتَه وحاكم َّيتَه إظهارا جليا ،ولكن عىل َّ
ِ
العامة ِ
اإلهلية ِ
والرتبية الربانية ال ُك ِّل ّي ِةِ ِ
اإلشارات ِ
وجه تلك َمر ُدون يف ُص َو ِر
أناسي ،يت َّ َّ
ِ ِ ِ ٍ ِ ٍ
وأخالط جار َموا َّد متر ًدا ببالهة ُمشينة ،إذ يقولون :إهنا عوام ُل طبيع ّي ٌة ،إهنا انف ُ للبرشيةُّ ،
ثت ِ ِ فات ليس ّ َ
الشمس والكهرباء فأحدَ ْ إل ..فقد تَصا َد َمت حرار ُة معادن ،إهنا ُمصا َد ٌ
اجلو يف « َق ْس َط ُموين» حتى كأنه ٍ ملدة َخ ِ املكائن يف أمريكا ِ ِ تَو ُّقفا يف
واحم َّر ُّ َ ساعات س
اهلذيانات التي ال معنى هلا. ِ لتهب! إىل آخر هذه َي ِ
﴿ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ (امللك)5:
َ
فضاق ذهنُه، علم ال َف ِ
لك، للروح يف ِ
ِ َ
مسائل فاقد ًة ِ
احلديثة ِ
املدارس يا َمن تَع َّلم يف
ِ
اجلليلة! اعلم هلذه ِ
اآلية العظيم ِ
ِ الرس وانحدر عق ُله إىل عينِه حتى استعىص ِ
استيعاب ِّ
ُ عليه َ
ومراتب ،ه ّيا نصعدْ إليها معا. ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
أن للصعود إىل سامء هذه اآلية الكريمة ُس َّل ًم ذا َس ْب ِع درجات َّ
َ
املرتبة األوىل
ُ
احلال يف يناسبونا -كام هو َ
أهلون ِ
للسامء َ
يكون ِ
تقتضيان أن إن احلقيق َة واحلكم َة
َّ
َ
ِ
والروحانيات. املختلفة املالئك َة
ُ األجناس ِ
الرشيعة أولئك األرض -ويسمى يفِ
ُ
السامء،ِ ِ
بالنسبة إىل ِ
وحقارتا صغرهااألرض ،مع ِ ِ إن َمل َء احلقيقة تقتيض هكذا ،إ ْذ َّ ُ نعم،
ابقني
الس َ ِ ٍ وإعامر َها حينًا بعدَ ٍ ٍ بذوي ٍ
آخرين بعد إخالئها من َّ َ إدراك حني بذوي َ وإدراك، حياة
ِ ِ دةَ ،الربوج الـمشي ِ الساموات ِ ِ ِ
املزينة ،بذوي القصور تلك ِ ُ َّ ذات بامتالء يرص ُح- يشري -بل ِّ ُ
كتاب الكونِ، ِ قرص هذا العاملُِ ،مطالعو ِ
واإلنسُ ،مشاهدو ِ ِ كاجلن ِ ٍ
إدراك وشعور ،فهؤالء ٍ
ِّ
ـم وجتمي َله بام ال ُيعدُّ وال ُيىص تزيني العا َل ِ
َ ون إليها؛ َّ
ألن الربوبية و ُمنا ُد َِ ِ
عظمة أدل ُء إىل َّ
نني ِ
ستحس َ ِّرين ُم البديعة ،يقتيض -بداه ًة- ِ ِ ِ ِ
أنظار ُمتفك َ َ والنقوش واملحاسن التزيينات من
أنإل جلائعٍ ،مع َّ الطعام ّ
ُ لعاشق ،كام ال ُيعطىٍ احلسن ّ
إل ُ بني ،إذ ال ُي ْظ َه ُر عج َ رين ُم َ و ُمقدِّ َ
ِ
املحدودة الوظائف ِ
غري ِ مليون من ِ
هذه ٍ بواحد منٍ يستطيعان القيا َم ّ
إل ِ واجلن ال اإلنس
َّ َ
ِ ِ ِ ِ
غيـر الوظائف املتنوع َة ََ املهيب والعبودية الواسعة؛ بمعنى َّ
أن هذه فضل عن اإلرشاف ً
� �� � � ��� � � � � �
207 ��� ���� �� ������������
ِ
وأجناس ِ
املالئكة حتتاج إىل ما ال ُيعدُّ من أنوا ِع وهذه العباد َة التي ال هناي َة هلاِ ِ
املتناهية
ُ
ِ
وحانيات. الر
ُّ
ُ
القولَّ : حكمة انتظا ِم َ ِ ِ ِ ِ ِ
إن العالِ ُّ
يصح واآلثار ،وبمقتىض الروايات بعض إشارة فبنا ًء عىل
مراكب ِ
الدقيقة، ِ
طرات ِ
السيارة وانتها ًء بال َق ِ
الكواكب قسم من األجسا ِم السي ِ
ارة ابتدا ًء من
ُ ّ ً
عالِ الشهادةِ
ويتجولون يف َ
َ ٍ
يركبون تلك األجسا َم -بإذن ٍ
إهلي- َ ِ
لقسم من املالئكةَ ،ف ُهم ٍ
ِ ()1 ويتفر َ
جون عليه. َّ
ٍ
بـ«طيـر ِ
املوصوفة طيور ِ
اجلنة ِ
احليوانية ابتدا ًء من ِ إن قسام من األجسا ِم أيضاَّ : ويصح ُ
القول ً ُّ
ارات ِ
األرض ،ط َّي ٌ ِ
والبعوض يف ِ
بالذباب ِ
الرشيف( -)2وانتها ًء ِ
احلديث ُخ ٍ
ضـر» -كام ورد يف
ـم ِ
احلق سبحانَه وتشاهدُ عا َل َ بأمر ِّ األرواح يف أجوافِها ُِ تدخل َ
تلك ُ ِ
األرواح، ٍ
جلنس من
ِ
اجلسامنية. ِ
الفطرة ِ
معجزات ِ
مشاهد ًة ِ
املخلوقات حواس تلك ِ
نوافذ ُطل من ِ
سامنيات ،وت ُّ ِ
اجل
ِّ
ِ
ذوات ٍ
مخلوقات ِ
العكر ِ
واملاء ِ
الكثيف ِ
الرتاب ٍ
باستمرار من خيلق
الكريم الذي ُ فاخلالق
ُ
ُ
خيلقها ٍ
وشعور ُ ٍ
إدراك ِ
ذوات ٍ
مخلوقات ٍ
إدراك ُم َّنورةً ،وحيا ًة نوراني ًة لطيف ًة ،ال ريب َّ
أن ل ُه
وأنسب هلام ،بل هي موجود ٌة ِ
واحلياة ِ
للروح أليق ِ
الظلامت ،مما هو ُ بحر ِ
النور بل من بحر من ِ
ُ
ٍ
هائلة. ٍ
بكثرة
املرتبة الثانية
ٍ
واحدة، ٍ
لدولة ِ
مملكتني ِ
كعالقة ٍ
ببعض، بعضها
عالقة ٍُ ذات ِ
والساموات ُ األرض
َ َّ
إن
ِ
والربكة ِ
واحلرارة ِ
الضياء ِ
لألرض من رضوري ٌ
مهمة ،فام هو ومعامالت وثيق ٌ
ارتباط ٌ فبينَهام
ٌ ٌ
ُرس ُل من َ
هناك. ِ ِ ِ
والرمحة وما شا َبـهها تأيت ك ُّلها من
األرض ،أي ت َ السامء إىل
ِ
احلاصل من ِ
وبالتواتر اإلهلي، ِ
الوحي ِ
املستندة إىل ِ
الساموية ِ
األديان َ
كذلك فبإمجا ِع مجي ِع
ِّ
( )1انظر :الرتمذي ،الزهد 9؛ ابن ماجه ،الزهد .19
( )2تقدم خترجيه يف القطعة األوىل من ذيل الكلمة العارشة.
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 208
ِ
فباحلدس ِ
األرض، ِ
السامء إىل يأتون من َ ِ
والروحانيات إن املالئك َة
الكشفَّ ، ِ شهود مجي ِع ِ
أهل ِ
دون هبا إىل األرض طري ًقا َيص َع َ ِ ِ
لسكنة إن ِ
واإلحساسَّ - ِ
االستشعار -أقرب إىل القطعي
ُ ِّ
أرواح َ
كذلك ٍ
حيـن، كل ِ
كل فرد وخيا ُله و َن َظ ُر ُه إىل السامء يف ِّ ٍ عقل ِّ السامء؛ إ ْذ كام يرنو ُ ِ
ُ
األموات الذين خل ُعوا أجسا َدهم ِ وأرواح الذين خ ُّفوا بوض ِع أثقاهلم، ِ
واألولياء ِ
األنبياء
ُ َ
هناك ،فالبدَّ َّ
أن يذهبون إىل َ
َ الذين خ ُّفوا و َل ُط ُفوا السامء ،وحيث َّ
إن ِ إلهي إىل يصعدُ َ ٍ
َ ون بإذن ٍّ
ِ وخ َّفتَها من س ِوح ِ يلبسون َجسدً ا ِمثال ًيا،
األرض كنة َ الر ِ اخلفيفيـن لطا َف َة ُّ
َ واللطيفيـن
َ َ الذين
ِ
السامء. الذهاب إىل ِ
واهلواء يمكنُهم
ُ
املرتبة الثالثة
ِ
ووس َعتها ونورانيتَها يدل عىل سكون السامء وسكوتَها وانتظا َمها وا ِّطرا َدها ُ َ َّ
إن
رون ،فليس يفعلون ما يؤ َم ُ
ُ َ
مطيعون ِ
السامء كل ِ
أهل ِ
األرض ،بل ُّ كأهلِ أن أه َلها ليسوا َّ
َ
ورون ألن اململك َة واسع ٌة فسيح ٌة جدً ا ،وهم َمف ُط ِ
واالختالفاتَّ ، يوجب املزامح َة هناك ماَ
ُ
األرض التي فيها ِ بخ ِ
الف ثابت ِ َ الصفاء والن ِِ
ذنب هلم ،ومقا ُمهم ٌ معصومون ال َ َّقاء، عىل
ِ
االضطرابات ِ
االختالفات املؤ ِّدي َة إىل ِ
باألبرار ،مما و َّلدَ ِ
األرشار ُ
واختالط ِ
األضداد اجتامع
ُ
قي ِ ِ ِ ِ
الر ِّ
مراتب ُّ
ُ وظهرت
ْ باب االمتحان واملسابقة وانفتح بذلك ُ
َ والقالقل واملشاجرات،
ودركات التدين.ُ
قة ،ومن املعلو ِم َّ
أن الخ ْل ِ
لشجرة ِ
ِ ُ
النهائية َ
اإلنسان هو الثمر ُة ِ
احلقيقة هي َّ
أن ُ
وحكمة هذه
وأبدع وأمجع ُ
فاإلنسان هو ثمر ُة العاملِ، الش ِ
جرة وأمج ُعها وألط ُفها ،لذا ِ
أجزاء َّ الثمر َة هي أبعدُ
ُ ُ
عجزا وضع ًفا ولط ًفا.
وأكثرها ً ِ
الربانية، ِ
القدرة ِ
مصنوعات
ُ
للسامء معنًى وصنع ًة، ِ األرض -كُف ٌء اإلنسان ومسكنَه -وهو ِ فإن َمهدَ هذا ومن هنا َّ
ُ
ومشه ُر جمي ِع ومركزه، ِ
الكون قلب ِ ِ ِ ومع ِص ِ
َ ُ وحقارهتا بالنسبة إىل السامء فهي ُ َ األرض غر
عك ُس وبؤرتا ،وم ِ ِ
األسامء احلسنى ِ
جتليات ومظهر مجي ِع ِ
الربانية، ِ
الصنعة ِ
معجزات
َ ُ ُ
ٍ
مطلق، ٍ
بجود ِ
املخلوقــات اإلهلية ِ
عرض ُ
وسوق وحمـرشها، ِ
املطلقة ِ
الربانية ِ
الفعاليات
ُ
ِ ِ ٍ ٍ
عر ُض َموذج مص َّغ ٌر ملا ُي َ
ٌ واحليوانات ،وهي ن النباتات كاثرة من لكثـرة عرضها
والس َّيام ُ
ِ
األبدية ِ
املنسوجات ِ
إلنتاج ٍ
فائقة ٍ
برسعة ومصنع ُ
يعمل اآلخرة من مصنوعات، ِ يف عـواملِ
ٌ
� �� � � ��� � � � � �
209 ��� ���� �� ������������
ِ
البساتني ِ
بذور ِ
الستنبات ٌ
مؤقتة ٍ
برسعة ،وهي مزرع ٌة ض ِّي ٌ
قة ِ
املتبدلة ِ
الرسمدية ِ
واملناظر
ِ
اخلالدة. ِ
الدائمة
الكريم
ُ ُ
القرآن الصنعة ،جع َلها
ُ لألرض( )1وأمهيتِها من ُ
حيث ِ ِ
املعنوية ِ
العظمة ومن هذه
الض ِ
خمة، ِ
بشجرتا َّ ِ
الصغرية للساموات كال َّث ِ
مرة ِ ِ
بالنسبة ً
وعدل هلا ،مع َّأنا ِ
للساموات ُك ْف ًؤا
ٍ فيجع ُلها يف ِك َّف ٍة
فيكر ُر اآلي َة الكريم َة ﴿ ﭷﭸﭹ﴾ . والساموات يف كفة ُأخرىِّ ،
ُ
ِ
املذكورة -يقتيض أن الدائم -بنا ًء عىل هذه احلِك َِم
َ الرسيع ،وتغ ُّي َـرها
َ ِ
األرض إن َ َت ُّو َل
ثم َّ
ِ
جتليات نالت من ِ
حمدوديتهاْ ، األرض مع
َ حتوالت مماثل ٌة هلا ،وكذا َّ
إن ٌ تطر َأ عىل أهليها ً
أيضا
ِ ِ ِ ِ ِ
واإلنس؛ بحدٍّ
ُ القدرة اإلهلية املطلقة ،وذلك بعد ِم حتديد قوى أهليها ذوي الشأن ومها ُّ
اجلن
لرقي ال هناي َة األرض َم ِ احلياة؛ لذا َغ ِ
ِ لق ٍّي كام هو يف ِ قيد َخ ِفطري أو ٍ
عر ًضا ٍّ ُ دت سائر ذوي ٍّ
ٌ
ميدان ِ
والشياطني دة ال ُط ِ
غاة َّامر ِ ِ
واألولياء وانتها ًء بالن ِ ِ
األنبياء له ولِتَدَ ٍّن ال غاي َة له ،فابتدا ًء من
ِ
واالختبار. ِ
لالمتحان واسع جدً ا ٌ
غير ِ
برشاراتا ِ ستقذف السام َء وأه َلها
ُ الشياطيـن املتفرعن َة
َ األمر هكذا َّ
فإن وملا َ
كان
ُ
ِ
املحدودة.
املرتبة الرابعة
وعناوين
َ ِ
اجلالل واإلكرا ِم ،أسما ًء ُحسنى العامليـن وخالِ ِقها ومد ِّب ِر َأ ِ
مرها ذي َ لرب
إن ِّ َّ
صف ِّ ِ
للقتال يف ِ
املالئكة َ
إرسال نوان الذي يقتيض فاالسم وال ُع ُ كثريةً ،متغاير ًة أحكا ُمها؛
ُ
ُ ِ
حماربة ال ُك َّف ِار )1(،هو مع الر ِ ِ
نفس ُه والعنوان ُ نفس ُه
االسم ُ
ُ سول ﷺ لدى الصحابة الكرا ِم َ َّ َّ
بني َ
هناك مبارز ٌة َ َ
تكون وأن ِ
ياطنيْ ، املالئكة َّ
والش ِ هناك حمارب ٌة بني َ َ
تكون الذي َيقتيض ْ
أن
ِ
األرشار. واألرضيني
َ ِ
األخيار امويني
َ السَّ
قبضة قدرتِه ال ُيفنيهم
ِ ُفوسهم يف ِ ِ
الكفار وأنْفاسهم ،ون ُ ِ
ألرواح َ
املالك َ
اجلليل القدير
َ َّ
إن
ِ
وبأسامئه ِ
العامة، ومبارزة ،بعنوان الر ِ
بوبية ٍ ٍ
امتحان َ
ميدان فتح ٍ ٍ
ُّ ُ بأمر من ُه ،وال بصيحة ،بل َي ُ
«احلكيم»« ،المد ِّب ِر».
ِ احلسنى
عناوين خمتلف ٌة وأسام ُء متنوع ٌة ُ َ
السلطان له أناألمثال :-نرى َّ ِ فمثل -وال مشاح َة يف ً
ُ
العسكرية العادل» ،والدائر ُة ِ ِ
«احلاكم ِ
باسم العدلية تَعر ُفه
ُ دوائر حكومتِه ،فالدائر ُة ِ حسب
َ
املدنية تعر ُفه ُ ِ
باسم «اخلليفة» ،والدائر ُة ِ ِ
تعر ُف ُه باسم «القائد العا ِم» ،بينام دائر ُة املشيخة تَذكُره ِ ِ
الرحيم» ،بينام ِ ِ
«السلطان للسلطان يذكرونَه باسم ِ َ
املطيعون واأله َ
لون ْ ِ
«السلطان»، ِ
باسم
َ َ وق ْس عىل هذاَّ ، يقولون :إنه «احلاكم القهار»؛ ِ
املالك َ اجلليل السلطان فإن ذلك ُ ُ َ ُ العصا ُة
ِ
املحكمة ذليل ،بل يسو ُقه إىل عاجزا عاص ًيا ً شخصا بأمر منه عد ُم ٍ لني كاف ًة ،ال ي ِ األه َ ِ
ً ً ُ لناصية ْ
أحد من تكريم إىل ٍ ٍ يلتفت التفات َة اجلليل ال َ َ
السلطان ذلك إن َ ثم َّ ِ ِ
ُ «احلاكم العادل»َّ ، باسم
مسابقة، ٍ َ
ميدان يفتح ِِ لمه به وال ُي ِ مو َّظ ِفيه اجلديرين هبا حسب ِع ِ
كر ُمه هباتفه اخلاص ،بل ُ َ َ َ َ
يكافئ ِ
لني إىل مشاهدة املسابقة ،ثمِ األه َ ً
ُ وزيره ويدعو ْ َ يأمر
استقبال رسم ًياُ ، هيئ له و ُي ُ
نظير ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ
علن مكافأتَه يف ذلك امليدان َ الموظف بعنوان هيئة الدولة وإدارة احلكومة ،ف ُي ُ َ ذلك
ٍ
امتحان سامني ،بعد َ ٍ
أشخاص ٍ
غفرية من عليه أما َم ُجو ٍع ضل ِ استقامتِه ،أي يكر ُمه وي َت َف ُ
إلثبات َجدارتِه أما َمهم. ِ هيب، َم ٍ
وعناوين
ُ ٌ
شؤون املثل األعىل -فل ّله سبحانَه وتعاىل أسام ٌء ُحسنى كثريةٌ ،ول ُه
وهكذا -وهلل ُ
والش ُ
أن الذي يقتيض فاالسم وال ُع ُ
نوان َّ ُ ٌ
مجالية؛ جاللية و َظ ُ
واهر ٌ جتليات
ٌ كثري ٌة جدً ا ،وله
( )1انظر :أبو يعىل ،املسند 379/1؛ احلاكم ،املستدرك 72/3؛ ابن سعد ،الطبقات الكربى .16/2
� �� � � ��� � � � � �
211 ��� ���� �� ������������
نوعا ٍ ِ َ ِ ِ ِ ِ وجو َد ِ
النور والظال ِم،
املبارزة ً قانون شمول والنار ،يقتيض واجلنة والشتاء، والصيف
ِ
القوانيـن من ِ ِ ِ ِ ِ كقانون الت ِ ِ
َّناسل ،وقانون املسابقة ،وقانون التعاون ،وأمثاله َ أيضا
َعميمه ً
ما وت َ
ِ
والوساوس ِ
اإلهلامات املبارز ِة بني
َ ِ
املبارزة ابتدا ًء من ِ
قانون الشاملة؛ أي يقتيض ُش َ
مول ِ ِ
العامة
ِ
الساموات. والشياطني يف ِ
آفاق ِ ِ
املالئكة ِ
احلاصلة بني ِ
املبارزة ِ
القلب وانتها ًء إىل ِ
الدائرة َ
حول
املرتبة اخلامسة
السامء والصعو ُد ِ ُ
فالنـزول من امء وعود ٌة منها، األرض إىل الس ِِ ذهاب من َ
هناك ملا َ
كان
َّ ٌ
األرواح
َ هناك؛ وحيث َّ
إن َ ُرس ُل من ُ
األرضية ت َ وريات
ُ اللوازم والضَّ
ُ إليها َو ِار ٌد ً
أيضا ،بل
وت َاخلبيثة ُ ِ ِ
يبنياول تقليدَ ال َّط َ ُ األرواح
ُ أن تَتش َّب ُث
األرض ،فالبدَّ ْ السامء من تنطلق إىل
ُ الطيب َة
ِ
السامء ،بل وخفتِها ،والبدَّ ألَّ َيقب َلها ُ
أهل الساموات ،وذلك لِلطافتِها ِ ِ الذ ِ
هاب إىل منها يف َّ
ِ ِ
طردونا لـام يف طبعها من ُش ْؤ ٍم َ ٍّ
وش. َ َي
ِ
عالـم ِ
املعنوية يف ِ
املبارزة ِ
وهذه ِ
املهمة ِ
املعاملة عالمة عىل ِ
هذه ٍ ِ
وجود ثم البدَّ من
ِ
المهمة ِ
اإللهية ِ
الغيبية ِ
َّصرفات تضع إشار ًة على الت ِ ألن عظم َة ِ
أن َالربوبية تقتضي ْ الشهادةَّ ،
ٍ ِّ ُ ِ ِ بصـرها َذوو ِ
وظيفة ألجل الحامل اإلنسان
ُ والشعور والس َّيما اإلدراك وعالم ًة عليها ل ُي َ
املطر إشار ًة إىل جعل َ واإلشراف؛ فكام أنَّه س ُبحانَه قد َ ُ وهي المشاهد ُة والشهاد ُة والدَّ عو ُة
ـم أهل عا َل ِ
جاعل َ ً خوارق صنعتِه، ِ األسباب الظاهر َة عالم ًة عىل َ َ
وجعل ِ
معجزات الربيعِ،
ذلك األرض إىل َ ِ ِ
وأهل ِ
السامء أنظار مجي ِع ِ
أهل جيلب ريب أنَّه الشها َد ِة
َّ
َ ُ شاهدين عليها؛ فال َ َ
بروجها صينة التي ُز ِّين َْتكالقلعة احل ِ ِ ظه ُر تلك السام َء العظيم َة العجيب ،ف ُي ِ
ِ املشهد العظيم ِ
ُ َ
ِ ِ ُشو ُق َ ِ ِ بِ ُح َّر ٍ
التأمل فيها. الفكر إىل أهل حولا ،أو كاملدينة العامرة التي ت ِّ يـن َ اس ُم ْص َطـ ِّف َ
ٍ
إشارة ِ
وجود ُ
احلكمة ،فالبدَّ من الرفيعة رضور ًة تقتضيها ِ ِ
املبارزة إعالن هذه ُ فامدا َم
والساموية ت ِ
ُالئ ُم هذا ِ ِ
اجلوية ِ
احلادثات ضمن حادثة كانت ٍ ُشاهدُ أ َّي ُة
َ عليها ،بينام ال ت َ
ِ
احلادثات النَّجمي َة ،من عالمة عليهاَّ ،
ألن ٍ أنسب فإن ما ذكرنا ُه إذن هو ُناسب ُهَّ ، اإلعالن وت ِ َ
ُ
ِ
وبروجها ِ
العالية ِ
التنوير من القال ِع ِ
طلقات ِ
وإطالق ِ
املجانيق، الشبِ ِيه بِ َر ْم ِي
ب َّ الش ُه َِر ْم ِي ُّ
ِ
بالشهب ،مع أنه ال ِ
الشياطني ِ
برجم فه ُم بداه ًة مدى مناسبتِها و ُمال َء َمتِها ِ
احلصينة ،مما ُي َ
غري التي ف هلا ٌ ِ ِ ِ ِ ِ ِ تُعرف ِ
غاية تناس ُبها ُ ُعر ُ
غري هذه احلكمة ،وال ت َ (رجم الشياطني) ُ احلادثة هلذه
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 212
سيدنا آد َمزمن ِ أن ِ
هذه احلكم َة مشهور ٌة منذ ِ فضل عن َّ ِ
للحادثات األخرى؛ َاها خال ًفا
ً ذكرن َ
ِ
احلقيقة. ِ
عليه السالم ،ومشهود ٌة لدى ِ
أهل
املرتبة السادسة
قادران عىل ٍ
ِ ِ ِ
مترد واجلحود ،فهام واجلن حيمالن استعدا ًدا ال هناي َة ل ُه ِّ
للرش ُ اإلنس
ُ ملا َ
كان
ٍ ٍ ِ الكريم ببالغتِه ُ ٍ
سامية باهرة وبأساليب
َ املعجزة، ُ القرآن وطغيان ال هناي َة هلام ،لذا َي ُ
زجر
ِ َ َ
الطغيان واجلن من
َّ اإلنس
َ مسائل دقيق ًةَ ،ي ُ
زجر هبا األمثال الرفيع َة ال َق ِّيم َة و َيذك ُُر ويرضب
ُ
الكون ك َّل ُه.
َ جرا عني ًفا ُّ
يهز ِ ِ
والعصيان َز ً
فمثل قو ُله تعاىل ﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ً
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ * ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ* ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﴾ (الرمحن.)35-33:
وكيف ِ ِ العنيف يف ِ
تكس
ُ َ اآلية، هذه َ جر
والز َ املريع َّ
َ العظيم والتهديدَ
َ تأ َّم ِل الن َ
َّذير
فيهام من َض ٍ
عف أما َم عجزمها ،مب ِّين ًة مدى ما ِ َ ٍ
معجزة ،معلن ًة ٍ
ببالغة ِ
واإلنس اجلن متر َّد
ِّ
فكأن هذه اآلي َة الكريم َة ،وكذا اآلي َة األخرى
َّ جل وعال، عة ربوبيتِه َّ
عظمة سلطانِه وس ِ
َ ُ
ِ
اطبان هكذا:ِ ﴿ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ (امللكُ )5:ت
ِ
وضعفهم! أهيا ِ
بعجزهم ُ
املتوحلون ُ
املتمردون، ُ
املغرورون واجلان ،أهيا ُّ اإلنس «أهيا
ُ
أوامري ،فه َّيا اخرجوا وضعفهم إنَّكم إن مل تُطيعوا ِ ِ غون يف ِ
فقرهم املتمر َ َ َ
اجلاحمون ِّ املعاندون
ٍ
سلطان ِ
أوامر ِ
صيان تتجرؤون إ َذن عىل ِع فكيف َّ َ إن استطعتُم! لكي وسلطاين ِ
ُ
حدود م ِ
ُ
ِ من
كأنا جنو ٌد متأهبون؛ فأنتم ِ
بأوامرهَّ ، والشموس يف قبضتِهَ ،
تأت ُر ُ واألقامر
ُ النجوم
ُ ٍ
عظيم؛
َ
يستطيعون أن َ
هيبون َ
مطيعون َم جليل له جنو ٌد ً عظيم
ً حاكم
ً َ
تبارزون بطغيانِكم هذا إنَّام
َ
تتمردون حتملت ،وأنتم بكفرانِكم هذا إنام بقذائف كاجلبال ،حتَّى شياطينَكم لو َّ
ِ َ يرمجوا
قصفوا أعدا ًء كفر ًة -ولو كانوا يستطيعون أن ي ِ
َ َ جليل ،له جنو ٌد ِعظا ٌم ٍ ٍ
عظيم مالكمملكة ٍ ِ يف
ِ
واجلبال، ِ
األرض ِ
كأمثال ملتهبة وشظايا من ٍ
هليب ٍ بقذائف
َ ِ
واجلبال- ِ
األرض ِ
ضخامة يف
َ
ختالفون قانونًا صار ًما ضعيفة أمثالِكم؟ وأنتم
ٍ ٍ
بمخلوقات فكيف
َ شتتونم!
َ فيمزقونم و ُي
َ
ٍ
وراجمات َ
أمثال النجو ِم. قذائف
َ يمطر عليكُم ِ
-بإذن اهلل -أن ُ
يرتبط به َم ْن له القدر ُة
َ
� �� � � ��� � � � � �
213 ��� ���� �� ������������
ِ
األعداء، بالغة ،فهي ليست ناجت ًة من ِ
قوة أمهية ٍ
ذات ٍ ٍ ِ ِ نعم َّ
تحشيدات َ الكريم القرآن إن يف
العدو وشناعتِه.
ِّ ــح ِ
األلوهية و َف ْض ِ ِ
عظمة ِ
كإظهار ٍ
أســباب أخرى بل من
َقر ُن ِ ٍ ِ ِ ُ ُ ثم أحيانًا ت ِّ
ألصغر يشء وأضعفه ،وت ُ األسباب وأقواها أعظم
َ الكريمة اآلية ُحشدُ
ِ
العلم ِ
وهناية ِ
العدل ِ
وغاية لكامل االنتظا ِم ِ إظهارا للضعيف ،وذلك ِ ٍ
تجاوز بينهام دون
ً
احلكمة؛ فقوله تعاىل ﴿ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ِ ِ
وقوة
النبيحظي به ُّ َ ِ
الالئق الذي يبني مدى االحرتا ِم ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ (التحريمُ )4:
ِ
الزوجات. َ
حقوق َشمل ِ
الواسعة التي ت ُ الكريم ﷺ ،ومدى الر ِ
محة َّ ُ
ِ
وبيان لو مكانتِه عندَ اهللوع ِّ النبي ﷺ ُ ِ
إظهار عظمة ِّ ِ ِ
فهذه احلشو ُد إنام تفيدُ إفاد ًة رحيم ًة يف
ِ
حلقوقهام. ِ
الرعاية َني ومدى َني ضعيفت ِ أمهية شكوى زوجت ِ ِ
املرتبة السابعة
واألسامك ،فمنها يف ِ
غاية ِ ِ
املالئكة كبريا ،كام هو ُ
احلال يف النجوم فيام بينَها تباينًا ً
ُ تتباين
ُ
ِ
بالنجم. ِ
يلمع يف وجه السامء طلق عىل ِّ ِ ِ
الص َغ ِر ومنها يف غاية الك َ ِب ،حتى ُأ َ
كل ما ُ ِّ
الفاطر َّ
وكأن ِ
اللطيف، ِ
السامء لتزيني ِ
وجه ِ ِ
أجناس النجو ِم هو فنوع من أنوا ِع
َ وهكذا ٌ
كاألسامك المسب ِ
حة هلل ِ الش ِ
جرة ،أو الني ِة َ
لتلك َّ اجلميل قد خل َقها كال ِّث ِ
َ َ
ُ ِّ امر ِّ والصانع
َ اجلليل
صغريا من النجو ِم
ً نوعا
أيضا ً لق ً وخ َاملنازل ملالئكتِهَ ،
ِ ِ
وكاأللوف من ِ
البحر الواسعِ، َ
لذلك
ِ
الشياطني. ِ
لرجم أدا ًة
ٍ
معان: حتمل ثالث َة ِ
الشياطني قد ُ ِ
لرجم ُرس ُل
فالشهب التي ت َ
ُ
ِ
دوائر ٍ
دائرة من ِ
املبارزة يف أوس ِع ِ
قانون ِ
جريان رمز وعالم ٌة عىل
املعنى األول :أنّه ٌ
ِ
الوجود.
الشهب إشار ٌة ِ
فهذه طيعني، وأه ِل َ
ني ُم ِ املعنى الثاينَّ :
ُ َ قظني ْ
راسا َي َ
الساموات ُح ً أن يف َّ
ِ
واسرتاق السم ِع الرشيرين هبم األرضيني
َ ِ
اختالط ِ
جنود اهلل من ِ
امتعاض ٌ
وإعالن عن
َ
إليهم.
ِ
جواسيس ِ
إلرهاب ٍ
تنوير هي وقذائف
ُ جمانيق
ُ وكأنا
َّ الشهب
َ املعنى الثالثَّ :
أن هذه
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 214
متثيل ،و َط ْر ِدهم
املساوئ األرضي َة أسو َأ ٍ
َ َ
يمثلون السمع والذين
َ َ
يسرتقون ِ
الشياطني الذين
الطاهرين ،ولِ َي ُحو ُلوا لو ُثوا السام َء الطاهر َة التي هي ُسكنى َ ِ ِ
َ وذلك ل َئال ُي ِّ السامء أبواب من
ِ
اخلبيثة. ِ
النفوس ِ
حلساب ِ
بالتجسس بينهم وبني القيا ِم
غمض الرياعة! ويا من ُي ُ ِ نور
نوره َ
يتجاوز ُ
ُ عقله ِ ِ
القاص ،الذي ال أيا الفلكي املعتمدُ عىل ِ
ُّ
ِ ِ ِ ِ ِ عينَه عن ِ
السبع،
ُ املراتب
ُ شمس القرآن املبني! تأ َّم ْل يف هذه احلقائق التي ُ
تشري إليها هذه نور
ِ
الكريمة يف نور عقلك ،وشاهدْ معنى ِ
اآلية َ بصيص تأ َّم ْلها دفع ًة واحدةً ،أ ْب ِص ْرَ ،د ْع َ
عنك
َ
ِ تلك ِ واحدة من ِ
ٍ ٍ ِ ِ
الكريمة اآلية سامء َ حقيقة وخ ْذ َ
نجم النهارُ ، وضوح
َ ِ
الواضح إعجازها
نفعل هذا ،ولن َُق ْل م ًعا: ونحن كذلك ُ وارج ُه هبا!
ُ َ
ذهنك القابع يف َ
الشيطان ف هبا
واقذ ِْ
ُ َ
﴿ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ (املؤمنون.)97:
ُ
القاطعة. ُ
واحلكمة ُ
البالغة ُ
احلجة ..فل َّل ِه
()1
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
ُ
املبحث ِ
الشيطان وحزبِه» وهو ِ
القرآن عىل ُ
«حجة ِ
«الكلمة اخلامسة عرشة» هو ( )1مالحظة :ذيل ِ
هذه
موض ِعه رجا ًء.
السادس والعرشين ،فلياجع يف ِ
َ ُ َ ِ ِ
املكتوب ُ
األول من
ل���ل �ة ا �� ا � �ة � ش ة
� �
ا � ك� �م� ل��س� د �س� ع���ر�
�﷽
﴿ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ* ﯵ ﯶ
﴾ (يس)83-82: ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ِ
الظلامت من حوهلا، نفيس العميا َء بصيرةً ،ولِتُبد َد ُ
الكلمة لتَمن ََح كُتب ْت ِ
هذه
َ َ
اآلية الكريمةِ.
هذه ِ نور ِ ٍ ِ
أربع أش َّعات من ِ ِ ِ ِ
ولتَكون مبع ًثا الطمئنانا ،وذلك بإراءتا َ
الشعاع األول
كلية أفعالِهَ ،و َوحد َة
ذات اهلل سبحانَه وتعاىل مع ِ إن أحدي َة ِ تقولنيَّ :
َ نفيس اجلاهل َة! َ يا
وحضور ُه ٍ
رشيك، شمول ترصفاتِه َ
دون ِ ني ،وفرديتَه مع دون ُم ِع ٍ
عمومية ربوبيتِه َ ِ ذاتِه مع
َ
يشء ،ووحدانيتَه مع كل ٍ املكانِ ،
ور ْف َعتَه املطلقة مع قربِه إىل ِّ ِ َنـز ِه ِه عن ٍ يف ِّ
مكان ،مع ت ُّ كل
حكيم، َ
القرآن وتقولنيَّ :
إن ِ
القرآنية.. ِ
احلقائق بالذات ،مجي ُعها من ِ يشء يف قبضتِه كل ٍ أن َّ
ٌ َ
ِ
األمور؛ لذا َ
العقل يرى منافا ًة ظاهري ًة يف هذه العقل ما ال يقب ُل ُهَ ،ب ْيدَ َّ
أن َ حم ُل
واحلكيم ال ُي ِّ
ُ
ِ
التسليم. َ
العقل إىل ُ
يسوق إيضاحا
ً أطلب
ُ
مستندين ِ
االطمئنان ،فإننا نقول وتطلبني ذلك لبلو ِغ
َ األمر هكذا، اجلواب :مادا َم
َ ُ
كثريا من ِ
األسامء احلسنى -قد َّ ِ الكريمَّ :
ِ ِ ِ
حل ً «النور» -وهو من اسم
إن َ القرآن فيض إىل
بإذن اهلل ِ
هذه املسأل َة ً
أيضا. مشكالتِنا ،ويح ُّـل ِ
َ ُ
ِ
التمثيل طريق
َ منتقيـن
َ هندي(*)،
ُّ الس
الفاروقي ِّ
ُّ الرباين أمحدُ
ُّ اإلمام
ُ نقول كام َ
قال ُ
ِ
للقلب: واملنو ِر
ِّ ِ
للعقل ِ
الواضح
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 216
نَ��ه ����شَ�� بَ����� ْ نَ��ه ��شَ��� ْ �َرَ ْ����ستَ����� ْ�مَ � نْ
م� �پ ب م
گ يَ خَ ُ غُ ٰ شَ ْ سَ ْ اَ زْ شَ ْ
م � � ْ ْ ()1
��لا �ِم ������م�����م �������م ِ��س ِى �و م���بَر
ِ ِ ٍ التمثيل أسطع ٍ ُ
الرس سننظر إىل هذا ِّ ُ أيضا فنحن ًُ القرآن، إلعجاز عاكسة مرآة َ ـمـا َ
كان َل َّ
خمتلفة ،فبينام ٍ بوساطة مرايا ِ ب صف ًة كلي ًة ِ التمثيل ،وذلكَّ : ِ ِ
شخصا واحدً ا َيكس ُ ً أن خالل من
شاملة ٍ
عامة. ٍ ٍ
لشؤون ٍ
مالك ِ
يصبح بمثابة كيلٍّ ُ حقيقي
ٌ جزئي
ٌ هو
بحكمِ تصبح ِ
الشفافة ِ
األشياء ِ
بوساطة ص ،ولكن َّ فمثال:
ُ مشخ ٌ جزئي
ٌّ الشمس ،وهي ُ
ِ
بعدد ِ
اجللوات تكون هلا من ُ وانعكاساتا ،بل ِ ِ
بصورها ِ
األرض سطح الكيلِّ ،حتى إهنا مت ُ
أل
َ
حييط سبعةُ ، ٍ ٍ
ألوان فيه من وضياؤها ،وما ِ ُ ِ
الشمس الساطعة ،وحرار ُة ِ ِ
والذرات ِ
القطرات
شفاف ٍ ٍ
يشء كل فإن َّ
نفسه َّ الوقت ِ ِ ويعمها ويف باألشياء التي تقاب ُلها ويشم ُلها ِ كل منها ٌّ
ُّ
جاعل ً أيضا، واأللوان السبع َة ً َ الشمس -احلرار َة والضيا َء ِ ِ
صورة ؤبؤ عينِه -مع ُي ِّب ُئ يف ُب ِ
ِ
األشياء بصفة واحديتِها بجمي ِع ِ الشمس مثلام ُ
حتيط عرشا هلا؛ بمعنى َّ
أن الطاهر ً ِ من ِ
قلبه
َ
كل ٍ ذاتا يف ِّ حيث أحديتُها توجدُ بنو ٍع من جتيل ِ
خواصها ِّ يشء مع ُ فهي من التي تقاب ُلهاَ ،
ِ
الكثرية. وأوصافِها
حمور َ التمثيل إىل التَّم ُّث ِل ،فسنشري إىل ِ
ثالثة أنوا ٍع من التَّم ُّث ِل ِ وما ُدمنا قد انتق ْلنَا من
ليكون َ ُ
هذ ِه.
مسألتِنا ِ
ِ
الشمس أروي حدي َثها فام يل ول َّل ِ
يل فأروي حدي َثه غالم
ُ ( )1يعني :وإين
كام يف مكتوبات اإلمام الرباين املرتمجة إىل العربية :ج 1املكتوب 130وج 2املكتوب ،58ويف
املكتوبات الفارسية لإلمام الرباين جاء البيتان (ط 1سنة 1383هجري شميس ،انتشارات صديقي،
زاهدان):
چو غالم آفتاب هم َاز آفتاب گويم نه شبم نه شب َپرستم كه حديث خواب گويم
والبيتان ملوالنا جالل الدين الرومي يف ديوانه املسمى «كليات شمس تربيزي» -طبعة طهران سنة
1381هجري شميس ص 459قصيدة حتت رقم (.)1621
� �� � � � �� � � � �
217 ��� ���� ����� � ���������
ولكن ٍ
سعيد، ألف ُ
فيكون سعيدٌ واحدٌ َ ِ
خمزن املرايا، دخلت -يا سعيدُ -إىل
َ فمثال :إذا
َّ
خواص أموات ليست هلم
ٌ ُ
والبقية أنت فقط ال غري، ِ
األلوف ،هو َ يملك احليا َة من ِ
هذه ُ الذي
ُّ
ِ
احلياة.
املنعكسة ليست عينًا ،وليست ُ الصور ِ
املادية؛ هذه ِ
للنورانيات ُ
املنعكسة الصور ثانيها:
ُ ُ
خواص ِ
ألكثر النوراين املادي َة؛ ولكنها مالك ٌة َستوعب ماهي َة نفسه ،إذ ال ت الوقت ِ ِ غريا يف
ِّ ِّ ُ ً
ٍ
ذات حياة مث َله. ُعتب َ النوراين؛ فت َ ُ ِّ ذلك
فكل مرآةُّ ، كل ٍ صورتا يف ِّ َظهر ِ ِ
ُ الشمس أشعتَها عىل الكرة األرضية ت ُ ُ َنش
فمثال :عندما ت ُ ُ
سبعة؛ ٍ ٍ
وألوان ٍ
وضوء ٍ
حرارة مس ،من الش ِ خصائص َّ حتمل ما ُ
يامثل منعكسة منها ُ ٍ ٍ
صورة
َ
علمها، عني ِ وضياؤها َ ُ ِ
قدرتا، عنيحرارتا َ
ُ شعور ،وأصبحت ٍ ذات
الشمس َ ت افت َض ِ
فلو ُ ِ
ُ
كل ٍ
مرآة، الشمس الوحيد ُة الفريد ُة يف ِّ السبع ،لكانت تُوجدُ تلك ِ
صفاتا ُ
السبعة وألوانا
ُ َ ُ
ٍ
نوعا من هاتف؛ كل منها ً عرشا هلا َي ُُّصها ،ومن ٍّ كل منها ً والت َذ ْت من ٍّ يف اللحظة نفسهاَّ ، ِ ِ
بعيدون عنها؛ َ باملرآة التي يف أيدينا ،ومع أننا ِ كل ِمنَّا فال َيمن َُع يش ٌء شي ًئا ،وألَمكنها أن َ
تقابل ً
فإهنا أقرب إلينا من ِ
أنفسنا. ُ
ِ
الوقت عني يفالنورانية؛ هذه الصور حي ٌة ،وهي ٌ ِ ِ
لألرواح ُ
املنعكسة الصور ثالثها:
ُ
بالذات. ِ ِ
الروح تسع ماهي َة ِ ُ ولكن َّ ِ
فق قابليات املرايا ،فاملرآ ُة ال ُ يكون َو َ ظهورهاَ ألن ْ نفسه،
ِ
صورة النبوة عىلِ ِ
جملس حيرض يف السالم جربيل ِ
عليه ُ ِ
الوقت الذي كان سيدُ نا فمثل :يف
ً
ُ ُ
ِ ِ اإلهلي بأجنحتِه ِ بي(*)؛(َ )1 الصحا ِ
العرش املهيبة أما َم ِّ احلضور كان يسجدُ يف يب دح َي َة ال َك ْل ِّ
ِّ
األوامر أماكن ال تُعدُّ وال ُتىص ،إذ كان يب ِّل ُغ ِ ِ
األعظم )2(،وهو يف اللحظة نفس ِها موجو ٌد يف ِ
َ َ
فعل.
يمنع ً
فعل ُ اإلهلي َة ،فام كان ٌ
ِ
األنحاء كا َّف ًة ،يف صلوات أ َّمتِه ك ِّلها ،يف
ِ ُ
الرسول ﷺ، يسمع نفهم كيف
ُ الرس ُ
ومن هذا ِّ
( )1انظر :البخاري ،املناقب ،25فضائل القرآن 1؛ مسلم ،اإليامن ،271فضائل الصحابة 100؛ الرتمذي ،املناقب 12؛
النسائي ،اإليامن 6؛ أمحد بن حنبل ،املسند .334/3 ،107/2
( )2انظر :البخاري ،بدء اخللق ،6األدب ،41التوحيد 33؛ مسلم ،اإليامن ،346الرب 157؛ الرتمذي ،تفسري سورة النحل
6؛ أبو داود ،السنة 21؛ اإلمام مالك ،املوطأ ،الشعائر 15؛ أمحد بن حنبل ،املسند ،509 ،413 ،354 ،341 ،267/2
.263/5 ،514
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 218
يقابل األصفيا َء يو َم كيف أنه ﷺ ُ ونفهم كذلك َ وهو َّيتُه نوراني ٌة؛ ِ ِ
ُ نور ُ الوقت نفسه ،إذ ماهيتُه ٌ
اآلخر ،بل حتى األوليا ُء الذين اكتسبوا مزيدً ا من يمنع الواحدُ ٍ ٍ ِ
َ القيامة يف وقت واحد ،فال ُ
ِ
اللحظة يشاهدُ َ
ون يف قال إهنمالقسم ُي ُ ِ
«األبدال» هذا اسم ِ
َ ُ طلق عليهم ُ النورانية والذين ُي ُ
أعامل متباين ًة كثري ًة جدً ا؛ً الشخص نفسه ُي ِ
نج ُز متعددة ،و ُيروى عنهم أن ٍ أماكن نفسها ،يف ِ
َ َ َ
يصبح اهلوا ُء ِ
املادية ،كذلك وأمثالام من املوا ِّد مرايا لألجسا ِم ُ الزجاج واملا ُء يصبح إذ كام
ُ ُ ُ
وت ٍ
وال هلا ٍ
سيـر َ َ
ووسائط ِ
للروحانيات ِ
بمثابة مرايا ِ
املثال، وموجودات من عامل ٌ واألثري
ُ
ِ ِ
َسيح يف تلك املنازل ال َّلطيفة واملرايا ُ ِ ِ ِ
الروحانيات وت ُ
ُ فتتجول تلك يف رسعة الربق واخليال؛
ٍ
واحد. األماكن يف ٍ
آن ِ ِ
ألوف ُ
فتدخل يف ِ
اخليال، ِ
برسعة ِ
النظيفة
ِ
باملادة نورانية مق َّيد ٌةٍ ومصنوعات شب ُه
ٌ ِ
كالشمس، فمخلوقات عاجز ٌة ومسخر ٌة ٌ
ِ ٍ ِ ِ
النورانية، يمكن أن توجدَ يف عدة مواض َع مع َّأنا يف موض ٍع واحدِّ ،
برس ُ وحاين إن كان ِّ كالر
ُّ
أعامل كثري ًة يف آنٍ ٍ كم كل ًيا مطل ًقاُ ، ِ
ً جزئي
ٍّ باختيار تفعل ب ُح ً إذ بينام هي ُجزئ َّي ٌة مق َّيد ٌة تَكس ُ
ِ
بالقيد ِ
َّحديد منـز ٌه عن الت املادة و ُمقدَّ ٌس عنها ،ومن هو َّ فكيف إذن بمن هو جمرد عن ِ َ ٍ
واحد؛
ٌ
ِ
ألنوار ٌ
كثيفة ٌ
ظالل إلوالنورانيات ك ُّلها ّ
ُ األنوار لمة الكثا َف ِة ومبر ٌأ عنها ،بل ما ِ
هذه و ُظ ِ
ُ ُ َّ
إل مرايا املثال ِّ وعالـم ِ
األرواح وعالـم واحلياة ك ِّلها،ِ ِ
الوجود مجيع ِ
ُ ُ أسامئه احلسنى ،بل ما ُ
يشء؛ بكل ٍ حميطة ِّ ٌ اجلليل الذي شؤونُه كُلي ٌة وصفاتُه ِ ِ
القدوس مجال ذلك إلظهار ِ ِ ٍ
شفافة ِشب ُه
وجتل ِ
املحيطة ِّ ضمن جتيل صفاتِه توج ِه أحد َيتِ ِه التي هي تُرى أي ٍ
َ رت عن ُّ يستطيع أن يتس َ
ُ يشء ُّ
يشء يصعب عليه ،وأي يشءٍ ٍ وأي ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُّ ُ ُ أفعاله بإرادته الكلية وقدرته املطلقة وعلمه املحيطُّ ،
ٍ فرد يمكن ُه أن َّ يستطيع أن يتخ َّفى عنه ،وأي ٍ
َقترب يظل بعيدً ا عن ُه ،وأ َّي ُة شخصية يمكنُها أن ت َ ُّ ُ
تكتسب الكلي َة؟
َ منه َ
دون أن
غري ِ
املنعكسة ِ ِ
صورتا ِ
وبوساطة غير املق َّي ِد،
الطليق ِِ نورها ِ
بوساطة ِ الشمس نعمَّ ،
إن
َ
بؤبؤ عينِك ،ومع هذا فأنت بعيدٌ عنها بعدً ا مطل ًقاَ ،
ألنك مق َّيدٌ ، أقرب إليك من ِ ُ
ِ
املادية،
تتقر َب إليها، ِ ِ وقطع ٍ ِ التجر ُد من ٍ
وجتاوزها كي َّ
ُ الكلية املراتب كثري من ُ القيود، كثري من ُّ فيلزم
ُ
تتقرب يمكن أن ِ
القمر ،ومن بعد ذلكِ لو ِ ِ ِ يستلزم ْ
َّ ُ وتعلو ُع َّ
َ ب الكرة األرضية تكب ك َ َ
أن ُ َ ُ وهذا
ٍ
حجاب. وتتقابل معها َ
دون َ حد ما-للشمس -إىل ٍ
ِ ِ
األصلية ِ
املرتبة من
� �� � � � �� � � � �
219 ��� ���� ����� � ���������
ِ
الكامل -وهلل ِ
واجلميل ذي ِ
اجلامل، ِ
اجلليل ذي َ
كذلك يف ِ
الشمس، األمر هكذا يف فكام َّ
أن َ
وأنت بعيدٌ عنه سبحانَه بعدً ا ال َحدَّ له؛ فإن كل ٍ
يشء، إليك من ِّ
أقرب َ املثل األعىل ،-فهو ُ
َ ُ
ِ
التمثيل عىل َ
النقاط الوارد َة يف تطبق
فحاول أن َْ ِ
العقل، وعلو يف
ٌّ ِ
القلب، لك قو ٌة يف كانت َ
ِ
احلقيقة.
الشعاع الثاين
﴿ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ (يس)82: قو ُله تعاىل:
﴿ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ (يس)53: وقو ُله تعاىل:
بمجر ِد
َّ أن األشيا َء تُخ َل ُق ِ
اآليات الكريم َة وأمثا َل َها تفيدُ َّ إن ِ
هذه يـنَّ : ِ
نفيس الغافل َة! تقول َ يا َ
اآلتية ﴿ :ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ُ ُ
الكريمة اآليات ِ
للوجود َدفع ًة واحدةً ،بينام َظه ُر ٍ
ُ إهلي ،وت َ أمر ٍّ
ُبي ِ
اآليات ت ِّ ُ ُ
وأمثالا من ﰍ ﰎ ﴾ (النمل )88:و ﴿ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ (السجدة)7:
حكمة ٍ
بالغة، ٍ ضمن الصن ِع ٍ ٍ ٍ ٍ ٍ
َ وعلم حميط ،وإتقان يف ُّ عظيمة، بقدرة ُوجدُ تدرجي ًيا، أن األشيا َء ت َ
ِ
التوفيق بينَهام؟ فأين وج ُه
َ
ِ
القرآن: ِ
فيض مستندين إىل اجلوابُ :
نقول
َ
ِ ِ ِ
املوجودات ُيخ َل ُق كام يف ِ
األخرية، اآليات أوال :ال منافا َة بني اآليات ،إذ ٌ
قسم من
املثل. ِ
كإعادة ِ ِ
اآليات األوىل ُ
يكون كام يف آخر ِ ِ
وقسم ُ
ٌ البدء، كاإلجياد يف
حل ِ ِ ِ ِ ثانياَّ :
سن يف شاهدُ يف املوجودات من ُمنتهى النظا ِم وغاية اإلتقان و ُمنتهى ا ُ إن ما ُي َ
ِ
هذين ِ
حقائق ِ
بوجود ٍ
وسعة ،يشهدُ ورسعة وك ٍ
َثرة ٍ ٍ
سهولة ضمن لقة،وكامل اخلِ ِ
ِ الص ِ
نعة
َ َّ
ِ
األمور حتقق هذه ِ
البحث َ مدار َ اآليات شهاد ًة مطلق ًة؛ لذا ال داعي ألن ِ ِ ِ
يكون ُ سمني من الق
لق؟ ..لذا ِ
اإلجياد واخلَ ِ سم ْي ِ
ـن من ِ ِ ِ يصح أن ُي َ ِ
هذين الق َ حكمة سر
قال :ما ُّ ُّ اخلارج ،وإنَّام يف
مثل: ُ
فنقول ً ٍ
بقياس متثييلٍّ ؛ ِ
احلكمة نشري إىل هذه
ُ
بذ ُل ُجهدً ا و ُي ُ
زاول مهار ًة و َفنًّا ،لكي مبالغ و َي ُ
َ يرصف
ُ مثل-
اط ً إن صانعا ماهرا -كالخي ِ َّّ
ّ ً ً
(موديل) ملصنوعاتِه ،إذ ُيمكنُه أن ً فيعمل منه ُأنمو َذ ًَجا
ُ خيص َصن َع َت ُه،
مجيل ُّ
ً يوجدَ شي ًئا ِ
األمر ُ
يكون رسعة ٍ
تامة ،بل قد ٍ تكاليف ويف
َ مصاريف وال
َ ِ
الصنعة بال يعمل َ
أمثال تلك َ
ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 220
ب انتظا ًما ُ ٍ
كس َ
نج ُز ،وذلك ألنَّه قد َ
والعمل ُي َ يأمر
ويسريا إىل درجة وكأنَّه ُ ً سهلً أحيانًا
ِ
األمر له. ِ
بمجرد العمل َيتِ ُّم
َ َّ
وكأن وا ِّطرادا دقي ًقا كالس ِ
اعة َّ ً
ِ
العالـم قرص
أبدع َالعليم ،قد َ
َ واملصو َر
ِّ احلكيم
َ الصانع
َ فإن وهكذا -وهلل ُ
املثل األعىلَّ -
ِ ِ ٍ ِ أودع يف ِّ ِ
قدارا معينًا،
كل يشء فيهُ ،جزئ ًيا كان أم كل ًياُ ،جز ًءا كان أم ك ًُل ،م ً مع مجي ِع ما فيه ،ثم َ
ِ
اليشء. بنموذج َ
ذلك ِ بنظا ٍم َقدَ ِر ٍي ٍ
شبيه
نموذجا
ً ٍ
عرص ُأ جيعل من ِّ
كل األزيل ،ترا ُه ُ ُ املصور
ُ تأملت يف أعاملِه سبحانَه ،وهو َ فإن
كل ٍ بمعجزات قدرتِه،
ِ
سنة وجيعل من ِّ ُ كرا جديدً ا لطي ًفا ُمز َّينًا (موديل) ُيلبِ ُسه عا َل ًـم بِ ً
ً
يكتب فيه
ُ كل يو ٍم ً
سطرا وجيعل من ِّ ُ كرا عىل قدِّ ِه، ٍ ِ ِ
نس ُج -بخوارق رمحته -كائنات بِ ً مقياسا َي ُ
ً
كل ٍ ِ ِ ٍ
عرص جعل َّ املطلق كام َ َ القدير
َ كرا جديد ًة ُمز َّين ًة بدقائق حكمته؛ ثم إن ذلك موجودات بِ ً
جبل وصحرا َء، كل ٍ أيضا ،بل َّ ِ
األرض ً سطح جعل نموذجا ،فإن ُه قد َ وكل يو ٍم ُأ
سنة َّ وكل ٍ َّ
َ ً
غض ًة متجدد ًة كائنات جديد ًة ّ ٍ نموذجا و ُينشئ ٍ
وزهر ُأ ٍ
شجر وكـلَّ ٍ
وبستان ٍ
حديقة َّ
وكل
ً
سبق سحب ما َ جديد بعد أنٍ منس ٍق ٍ ِ مرتادف ًة عىل
َ بعالـم َّ خلق ُد ْن ًيا جديدةً ،ويأيت األرض ،ف َي ُ
من َ
عالٍ.
املطلقة و ُي ِرب ُز هدايا ُم َجدَّ َد ٍة لرمحتِه ِ كرا لقدرتِه ٍ
موسم معجزات بِ ً ٍ كلظه ُر يف ِّ وهكذا ُي ِ
مطبخ رمحتِه متجد ًدا َ ب نص ُ كر ،و َي ُ
ٍ
جديدة بِ ٍ ٍ
حكمة كتاب
َ فيكتب
ُ
ٍ
وبستان، ٍ
حديقة كل يف ِّ
ندسالس ِ وشاح ُّ َ كل ربي ٍع شجر يف ِّ ٍ لبس الوجو َد ُح َّل ًة بديع ًة جديدةً ،و َي ْخ َل ُع عىل كل و ُي ُ
ِ
الرمحة. أيد َيا هبدايا أل ِ املتأللئة ،ويم ُ ِ كر كالنجو ِم ٍ
جديدة بِ ٍ ٍ
بمرصعات ويز ِّي ُن ُه
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ـم يقوم هبذه األعامل يف منتهى اإلتقان وكامل االنتظا ِم والذي يبدِّ ُل هذه العوال َ فالذي ُ
ِ
والعناية ِ
احلكمة بعضا ،وهي يف منتهى بعضها ً ب ُ ِ
الزمانَ ،ي ُ السيار َة املنشور َة عىل ِ
عق ُ حبل
وعليم مطلق وبصري مطلق وحكيم مطلق قدير ِ ِ
ٌ ٌ ٌ ٌ ٌ ٌ ريب أنه ٌ ويف منتهى القدرة واإلتقان ،ال َ
اجلليل ُ اخلالق
ُ املصادفة قط ًعا ،فذلكُم ُ تبدو منه األحوال أن َ ِ ٍ
بحال من يمكن
ُ مطلق ،ال ٌ
يقول ﴿ :ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﴾ (يس )82:و ﴿ ﯓﯔﯕ ُ
ِ
احلرش والقيام َة َ أن ـن َّﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ﴾ (النحلَ )77:ف ُيعل ُن قدرتَه املطلق َة و ُيب ِّي ُ
ألوامره ِ مسخر ٌة َّ وأن األشيا َء ك َّلها واليرسَّ ، ِ ِ
السهولة القدرة هي يف منتهى ِ ِ
بالنسبة لتلك
� �� � � � �� � � � �
221 ��� ���� ����� � ���������
ِ
وألجل ٍ
مبارشة، ٍ
مزاولة وال ٍ
معاجلة وال خيلق األشيا َء َ
دون ِ
االنقياد ،وأنه ُ ومنقا َد ٌة إليها َ
كامل
املبني أنه سبحانه وتعاىل ُ
يفعل ما ُ ِ ِ ِ ِ ِ
القرآن ُ األشياء ع َّب َر إجياد املطلقة يف السهولة اإلفادة عن
ِ
األمر. ِ
بمجرد يريدُ
ِ
احلكمة يف ِ
خلق ِ
اإلتقان وغاي َة علن منتهى ِ ِ واخلالصةَّ :
أن قسمـًا من اآليات الكريمة ُي ُ
السهول َة املطلق َة والسُّ ع َة املطلق َة ومنتهى ِ ِ
األشياء وال سيام يف ِ
بني ُّ
آخر ُي ُوقسم َ
ً اخللق؛ بداية َّ
ِ
وإعادتا. تكرار ِ
إجيادها ِ ِ
األشياء والس َّيام يف ُلفة يف ِ
إجياد االنقياد وعدم الك ِ
ِ
َ
الشعاع الثالث
تجاوزت حدّ ِك ! إنك تقولنيَّ :
إن قو َله تعاىل ﴿ :ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ِ يا نفيس املوسوس َة! يا من
(يس)83: ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ (هود )56:وكذا قو ُله تعاىل ﴿ :ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ﴾
ي منتهى ُ
اجلليلة ُت َب ِّ ُ اآليات
ُ وكذا قو ُله تعاىل ﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ (ق ..)16:هذه
مثل قولِه تعاىل ﴿ :ﯻ ﯼ ﴾ (يس ﴿ )83:ﯤ آيات ُأخرى ُ
اإلهلي بينام ٌ
ِّ ِ
القرب
ِ
الرسول قول ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ (املعارج )4:وكذا ُ
كلاملعراجُّ ..
ِ ُ
حقيقة حجاب»( )1وكذا
ٍ ألف ِ
الرشيف «..سبعين َ ِ
احلديث ِ
الكريم ﷺ يف
ِ
األذهان؟ ِ
الغامض إىل الرس ِ
لتقريب هذا ِّ إيضاحا
ً تبني منتهى ُب ْع ِدنا عنه سبحانَه ،فأريدُ
هذه ُ
استمع:
ْ اجلواب :وهلذا
غير المق َّي ِد ،ومن حيث الشمس بنورها َِ ِ
األول؛ َّ
أن أوال :لقد ذكرنا في ختا ِم الشعا ِع
عينك -التي هي مرأ ٌة لها ونافذ ٌة ِ أقرب إليك من ِ
بؤبؤ ِ
المادية، غير ُ
ُ المنعكسة ُ صورتُها
َ
يمكنك أن ِ
المادة ،وال ومحبوس في إل أن ََّك بعيدٌ عنها غاي َة ِ
البعد ،ألنك ُمق َّيدٌ لروح َكّ - ِ
ٌ
ِ
الجزئية، نوعا من َج َلواتِها
إل ً المنعكسة وظاللها وال َ
تقابل ّ ِ قسما ِمن ُص ِ
ورها تمس إلَّ
ً َّ
ِ
ومظاهرها التي هي ِ ٍ ِ ِ
إل أللوانها التي هي في حكم صفاتها ،ول َطائفة من أشعتها ِ َتقرب ّ
وال ت َ
ِ
أسمائها. ٍ
طائفة من ِ
بمثابة
َ
عليك وأردت أن تقاب َلها ِ
بذاتاَ ،ل ِز َم َ ِ
للشمس، ِ
األصلية ِ
املرتبة تتقرب إىل أردت أن
َ ولو
َ
الشعاع الرابع
ِ
للمثول أما َم كالمؤمن ،هي َقبو ُل ِ
ِ الصالة التي هي كمعراجِِ إن حقيق َة يا نفسي الكسول َة! َّ
ُ
جندي ولمثل َق ُب ِ
الجالل؛ َِ ِ
والمعبود ذي ِ
الجمال ِ
الجليل ذي طفبمحض ُل ِ
ِ جاللِه سبحانه
ٍّ
فأنت عندما ُ ِ بمحض ِ
لطفه كام ُذكر يف املثال ِ لطان األعظ ِم الس ِ ِ ٍ
تقول: السابق؛ َ ديوان ُّ بسيط إلى
ِ ِ وتقطع خياال أو ن َّي ًة الدنيا واآلخرةَ ،حتى تتجر َد عن أكبر» ،متيض معنًى
املادية، القيود ُ «اهلل ُ
صو ِرها، ِ ِ ِ عبودية ٍ ٍ فتصعدَ مكتس ًبا مرتب َة
ظالل املرتبة الكلية أو صور ًة من َ ظل من
كلية أو ّ
بخطابِ فتنال ُحظو ًة ُعظمى يديه تعاىل َ واملثول بني ِ
ِ القلبي ِ
احلضور وتترشف بنو ٍع من
َ
ِّ
حسب درجتِه. َ كل﴿ ﭢ ﭣ ﴾ ٌّ
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
﴿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾
﴿ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﴾
ك ْال ْع َظمَ ،و َع َل �آل َو ْ
أص َ َ َ ّ َ َ ّْ ََ َ ُ َ ْ َْ َْ َ ْ َ
حابِ ِه ِِ ِ وص ِل وس ِلم عل رسولِك الكرمِ ،مظه ِر اس ِم
اح َ أر َح َم َّ
ني يَا ْ أتبَاعه �آم َ
ْ ْ َ
ني. الر ِ ِ َوإخوانِ ِه َو ِ ِ ِ
� �� � � � �� � � � �
225 ��� ���� ����� � ���������
صغري
ٌ ٌ
ذيل
أي ِ ِ َّ
تدخل املصادفة يف ِّ ظهر قدرتَه وحكمتَه ،وعد َم احلكيمُ ،ي ُ َ والصانع
َ العليم
َ القدير
َ إن
ِ
القوانني ِ
صورة ُظهره عاداتُه التي هي عىل ِ فعل من أفعالِه قط ًعا ،بالنظا ِم ٍ
والتناسق الذي ت ُ
ِ
وبالتغريات وبخوارق عاداتِه،
ِ ِ
الكونية، ِ
القوانني ظهر سبحانَه بشوا ِّذ ِ
الكونية؛ وكذا ُي ُ
ظهر مشيئتَه وإرادتَه، ِ ِ ِ َّشخصات ،وبتبدُّ ِل ِ ِ ِ
والظهور ُي ُ النـزول زمان وباختالف الت الظاهرية،
ممز ًقا هبذا ستار الر ِ
تابة كانِّ ، قيد َ رض ُخ ألي ٍ اختياره ال َي َ املختارَّ ،
وأن ُ
الفاعل وأنَّه
َ َّ ِّ َ ُ
خيص ُه ويعو ُد شأن من شؤونِه ،يف ِّ كل ٍ آن ،يف ِّ كل ٍ يشء ،يف ِّ كل ٍ أن َّ عل ُمَّ : راد ،في ِ واال ِّط ِ
كل ما ُّ ُ
ِ
واإلنس اجلن
أنظار ِّ
َ فصر ُ إليه سبحانَه ،منقا ٌد لربوبيتِه؛ وهبذا ُيشت ُِّت الغفل َة ،و َي ِ إليه ،حمتاج ِ
ٌ
ِ
ِ
األسباب. ب األسباب إىل ُمس ِّب ِ ِ عن
ِ
الكريم. ِ
القرآن بيانات تتوج ُه ِ
ُ األساس َّ وعىل هذا
ُثمر سن ًة ،أي تُع َطى ِ ِ ِ
األماكنَّ ، ِ ُ ً
فمثل:
األشجار املثمرة ،ت ُ قسم من
أن ً أغلب حيدث يف
تتسلم الثمر َة ِ
التالية ال دورها تُس ِّل ُمها إلينا ،ولكنها يف السنة خزينة الر ِ
محة ،وهي بِ ِ ِ إليها من
ُ َّ
لإل ِ
ثامر. ِ
الظاهرية ِ ِ
األسباب ِ
وجود غم وال تعطينا إياهاَ ،ر َ
الالزمة األخرى -متحول ٌة ومتغري ٌة ِ ِ
األمور ِ
-بخالف نـزول ِ
املطر ِ أوقات
َ ومثلَّ :
إن ً
ِ
والرمحة، ِ
للحياة ِ
الوجود هو أهم موق ٍع يف ِ
اخلمسة إذ َّ دخلت ضمن المغي ِ ٍ
إن َّ ـبات َّ َ ْ درجة إىل
ِ ِ احلياة والر ِ ِ واملطر ُ
والرمح َة ُ
الـمهداةَ، َ
الباعث عىل احلياةَّ ، اخلالصة ،لذا َّ
فإن ذلك املا َء محة َّ منشأ ُ
ِ ِ ِ
قبضة ذي ُ
تكون يف وتورث الغفل َة ،بل
ُ جب عن اهلل ضمن القاعدة امل َّطردة التي َت ُ َ يدخلُ ال
الرحيم؛ وذلك لكي ِ ِ
الرمحن ِ
املنعم املحيي ِ
ترصف وضمن ٍ
حجاب اجلالل مبارش ًة من ِ
دون ِ
َ
والش ِ ِ
كر مفتوح ًة ً
دائم. الدعاء ُّ أبواب
ُ تبقى
ٌ
إحسان ومالم ِحه وصورتِه ،إنَّام هو
ِ ِ
اإلنسان ِ
سيامء وتشخيص ِ
الرزق، ً
ومثلَّ :
إن إعطا َء
َ
الرباين. ِ
واالختيار ِ
اإلهلية ِ
املشيئة ٍ
بجالء طالق َة ب ،مما ُيب ِّي ُن ِ ب له من ُ
ِّ حيث ال َيحتس ُ وه ُ
إهلي ُي َ
ٌّ
ِ
اإلهلية. ِ
الشؤون ِ
السحاب وأمثا َلـها من وتسخري ِ
الرياح ترصيف
َ ِ
وق ْس عىل هذا
َ
�
ل���ل �ة ا �� ا �� �ة � ش ة
�
ا � ك� �م� ل��س� ب�ع� ع���ر�
�﷽
﴿ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ *
﴾ (الكهف)8-7: ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
﴿ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ (األنعام)32:
ل ساط ٍع.
هذه الكلمة ُ عبارة ٌ عن مقامَينِ عاليَينِ وذي ٍ
عيد صورة ٍ
ِ جعل هذه الدنيا عىل احلكيم قد َ انع والر َ َّ
َ والص َ الكريم َّ
َ زاق حيم َّ الر َ
اخلالق َّ
َ إن
ِ ِ األرواح والروحاني ِ ٍ
عظيم لعاملِ ٍ ٍ
واحتفال َم ٍ
البديعة باآلثار ات ،وز َّينَها َّ ِ ُّ هرجان هيب و َم ٍ
هبيج
سافل ،-جسدً ا كان أم كبريا ،عال ًيا َ كل ٍ وخلع عىل ِّ ِ
ً -صغريا كان أم ً ً روح َ ألسامئه احلسنى،
ِ ِ ِ ِ ِ
املختلفة اآلالء لالستفادة من ُ
يوافقه وكل ما ِ
واملشاعر ِّ باحلواس
ِّ عىل قدِّ ه وقدْ ِرهَّ ،
وجهز ُه
ِ
واملعروضة يف ذلك ِ
البهيج، واملبثوثة يف ذلك ِ
العيد ِ املتنوعة التي ال تُعدُّ وال ُتىص، ِ والن ِ
ِّعم
األرواح وجو ًدا جسامن ًّيا ماد ًّيا وأرس َلهاِ روح من تلك لكل ٍ ومنح سبحانه ِّ ِ ِ
العظيم؛ َ املهرجان
مر ًة واحدةً. ِ ِ إىل َ
ذلك العيد واملهرجان َّ
ومواسم ،بل حتى ٍ
وسنوات الواسع جدً ا زمانًا ومكانًا إىل ُع ٍ
صور ذلك العيدَ ثم َق َّس َم َ
َ َ
كل يو ٍم ،من موسم ،من ِّ ٍ كلسنة ،من ِّ عرص ،من كل ٍ ٍ كلجاعل من ِّ ً ِ
وأجزاء أيا ٍم، إىل أيا ٍم
ِ
ذوات طائفة من خملوقاتِه ٍ واستعراضا عاما لِ جزء من يو ٍمَ ،مهرجانًا سام ًيا وعيدً ا رفي ًعا كل ٍ ِّ
ًّ ً
ِ
والصيف، األرض ،وخاص ًة في الربي ِع ِ سطح ِ
النباتية؛ وال س َّيام األرواح ومن مصنوعاتِه ِ
َ
ِ لطوائف مصنوعاتِه ِ ِ
ذلك العيدُ عيدً ا الصغرية ،حتى غدا َ اآلخر أعيا ًدا متعاقب ًة ،الواحدَ َ
تلو
� � � � �� � �
227 �������� ������ ������������
ِ
الساموات ِ
وأهل ِ
واملالئكة ِ
الطبقات ال ُعليا ِ
املوجودة يف لف ُت أنظار الروحاني ِ
ات رائعا جذابا ي ِ
َّ َ ُّ ً َ ً
العقل عن استِ ْكن َِاه
ُ عج ُز الفكر إىل مطالعتِه بمتع ٍة إىل ٍ
حد َي ِ َ ِ أنظار ِ
أهل َ ب إىل مشاهدتِهِ َ ،
ويل ُ
ُمتعتِها.
ِ
و«املحيي» ِ
ِ«الرمحن» اسم ِ
جتليات ِ الرباين ،وما ِ
فيهام من ولكن هذه الضياف َة اإلهلي َة والعيدَ
َّ َّ
و«املميت»؛ ور َّبام هذا ال يوافِ ُق -كام
ُ «القهار»
ُ اسم اهلل
ربز ُ واملوتُ ،
حيث َي ُ ُ ُ
الفراق يكتن ُفها
املذكور يف قولِه ﴿ :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ (األعراف،)156: َ شمول رمحتِه تعاىلَ يبدو-
ِ
اإلهلية، ِ
الرمحة ُ
الكاملة مع ُ
واملوافقة االنسجام جهات عد ٌة َي ْظ َه ُر فيها
ٌ هناك ِ
احلقيقة َ ولكن يف
ُ ْ
نذكر منها جه ًة واحد ًة فقط:
ُ
ِ
استحصال الطوائف ،وبعد ِ ٍ
طائفة من الرباين ِ
لكل ِ
االستعراض ِ
انتهاء وهي أ َّن ُه بعدَ
ِّ
ٍ
طائفة الكريم عىل كل والصانع الرحيم الفاطر يتفض ُلالعرضَّ ، ِ املقصودة من ذلك ِ ِ
النتائج
ُ ُ ُ ُ
االنتقال إىل عا َل ٍم آخر، ِ وميل إىل الراحة واشتيا ًقا إليها ِ هم رغب ًة يف ِ
ً من الطوائف ،فيمن َُح ْ
والس َأ ِم رحم ًة هبم. بأشكال من الن ِ ٍ وي ِ
ُّفور َّ سئ ُمهم من الدُّ نيا ُ
أرواحهم ِ وظائفهاُ ،ين ِّب ُه سبحانَه يف ِ حون منسر َ ِ ِ َ وحينام ُي َّ
صون من تكاليف احلياة و ُي َّ رخ
بسيط ُيقت َُلٍ جلندي ِ
الشهادة يمنح سبحانَه مرتب َة رغب ًة قوي ًة وحنينًا إىل موطنِهم
ٍّ األصيل؛ وكام ُ ِّ
اجلهاد ،وكام َيمن َُح الشا َة األضحي َة وجو ًدا ماد ًيا باق ًيا يف ِ ِ
مهمة وي ِل ُك يف ِ ِ ِ
سبيل أداء اخلدمة َ يف
ِ ِ ِ ِ
املستقيم )1(،فليس ِ الرصاط مار ًة به عىل كالباق لصاحبِها َّ ويكافؤها بجعلها َمط َّي ًة ُ ُ اآلخرة
يالئ ُمهم واحليوانات ثوابا روحانيا ِ ِ ِ
األرواح الكريم أن يمنَح لذوي ِ ِ
الرمحن بعيدً ا من ذلك
ًّ ً
وه َلكُوا ِ ِ ِ ِ
قاسوا املش َّقات َ يوافق استعدا َدهم ،من خزينة رمحته الواسعة ،بعدَ ما ُ وأجرا معنو ًيا ُ ً
ِ
لألوامر ِ
اخلاصة هبم ،وعانَوا ما عانَوا يف طاعتهم ِ ِ ِ
أثنا َء أداء وظائفهم الفطرية الربان َّية ِ ِ
َّ
ني.. راضني َمرض ِّي َ َ َ
يكونون تركهم الدُّ نيا ،بل بحانية؛ وذلك لِئَلَّ يتأملوا أملا شديدً ا لدى ِ ِ الس
ً ُّ
الغيب َّإل اهللُ. َ يعلم
وال ُ
العيد -من ِ وأكثرهم استفاد ًة من هذا ِ
األرواح أرشف ذوي
ُ َ
اإلنسان الذي هو َب ْيدَ َّ
أن
ُ
وحي تُن ِّف ُر ُه ٍ
ولطف من ُه حال ًة من َّ ِ ٍ الكمية والن ُ
ُ ُ
الر ِّ
الشوق ُّ برمحة من اهلل ب له
يوه ُ
َّوعيةَ - حيث
( )1انظر :الديلمي ،املسند 85/1؛ القرطبي ،اجلامع ألحكام القرآن 111/15؛ الرسخيس ،املبسوط 10/12؛ الكاساين،
بدائع الصنائع 80/5؛ ابن حجر ،تلخيص اخلبري .138/4
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 228
فاإلنسان الذي مل ت ْ
َغرق إنسانيتُه يف ُ ٍ
بأمان؛ ِ
اآلخرة رب إىل
عن الدُّ نيا التي ابتُيل هبا ،كي َيع َ
ِ
باإليامن. طمئن ُ
فريحل عن الدُّ نيا و َقل ُبه ُم احلالة الر ِ
وحية ِ اللة يستفيدُ من َ
تلك الض ِ َّ
ٌ ُّ
سبيل ِ ِ الروحي َة عىل ِ
املثال: ُورث تلك احلال َة ُّ
الوجوه التي ت ُ نبني هنا خمس ًة من
ُ
()1
السابع َة عرشةَ ِ
الكلمة املقا ُم ال َّثاين من
َّ
مسكين ،وتوكل على اللّه في بلواكَ.
ُ راخ يا
دَع الصُّ َ
إنَّما الشكوى بلاءٌ ،بل بلاء ٌ في بلاءٍ ،وآثام ٌ في آثا ٍم وعناء.
***
سع الدُّنيا.
مثقل ببلايا ت َ ُ
ٌ تصرخ من بلية ٍ صغيرةٍ ،وأنت
ُ ك
ما ل َ
***
ل حتى يزول.
فكل َّما تبسَّمَ صغُر َ وتضاء َ َ
عليك.
َ أقبلت
ْ أدبرت عن الدنيا
َ كنت باللّه مؤمنًا ..فهو حسبُك ،ولو
َ إن
***
المبين.
ُ ك الهلاك ُ ِ
بنفسك ،فذل َ عجبًا
كنت م ُ َ
َ وإن
تعاديك.
َ عملت فالأشياء ُ
َ ومهما
***
ل.
ل بعُمُرك َ الفاني الزائ ِ
ق لا يزو ُ
ل ع ُمُرٍ با ٍ
فهي في استبدا ِ
***
***
ف خلف َه..
ص َّ
ل منه ُ قد ُ
لذا دَع ْهُ ،فالأصي ُ
***
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 232
ِ
األسود شجرة ال ُّت ِ
وت ِ َثمر ُة ٍ
تأمل عىل
حقائق على قمة ِ تلك الشجرة ِ المباركة ِ. ٍ
ن سعيد الجديدِ هذه ِ ال َ
ذكر سعيدٌ القديم بلسا ِ
ُ َ
مخاطبي ليس «ضياء باشا»(*) بل المفتونونَ بأوروبا.
حدها
حقائق؛ إيّاك أن تَحارَ ،احذ َْر أن تُجاوز َّ ِ
«الكلمات» السابق َة َ ن
إ َّ
ُ
ك إلى النَّد ِم. لا تزغْ ،ولا ت ِ
صغ إلى فكر الأجانب ،إنه ضلالٌ ،يسوق ُُ َ
حدي.
حق ،لا أتجاوز ُ ِّ
حق بال ِّ
أستغيث من ال ِّ
ُ
َك!
ب مثل َ ِ
ض إلى السماء ،ولا أهر ُ ُ
أدعو من الأر ِ
َك.
ُث مثل َ في القرآ ِ
ن ا�لكريمِ :الدعوة ُكل ُّها؛ من النورِ وإلى النورِ ،لا أنك ُ
َك!
أضل مثل َ
ُّ حق ،لا
ق إلى ال ِّ ُأجي ُ
ل طَرْفي من الخل ِ
ِ
الشائك ،لا أَ طؤ ُهَا مثل َك! ق
فوق الطر ي ِ
أطير ُ َ
حق ِ
باب ال ِّ
باب النورُِ ،
باب الرَّحمةُ ،
فهو ُ
فِت ،ولا ت َأْ خ ُذني الدَّهشةُ.
أهرب متأوهًا ولا أل ْت َ ُ
ُ أقرع ُه باسم الله ،فلا
أظل في وحشةٍ.
ُّ سأرقُد قرير َ العين ،حامِدا ر َبِّي ،لا أقاسي ضِيق ًا ،ولا
ن.
ش الرحم ِ
ظل عر ِ
بل أسعى وأَ جري طائرًا إلى ِّ
الفاريس
ِّ هذه املناجاة تخ َّط ْ
رت يف القلب هكذا بالبيانِ
القلب ،باللغة ِ الفارسيةِ،
ِ خطرت على
كُتبت هذه المناجاة ُكما َ
حكيم».
ن ال ِ ن القرآ ِ
ضمن رسالة ِ «حباب من ع ُما ِ
َ وقد نُشرت
ٌ
ْ سَ ُ ْ �جَ نَ زَ ۀ مَ ْ ْ تَ اَ ْ ْ
�بَر �� ِر�ع�م ْر ����ا ��ِ � � ن� اٖ ي�����س���ادَه ����س� ت�
مة َش ِ
جرة ُعمري، َظرت إىل ِق ِ ِ الدواء يف ِ ِ ف َلم َأع ُث ْر عىل
ورفعت رأيس ون ُ
ُ اجلهة، هذه
هناك (.)4 ِ
الشجرة ،وهي ترق ُبني من َ أن جنازيت هي ال َّثمر ُة الوحيد ُة لتلك ورأيت َّ
ُ
ِ
لألبد المرش ِ
حة َّ ٌ
انطالق لروحي تلك ال َّثمر َة ليست جنازةً ،بل هي
أن َ اإليامن ُيري َّ
َ ولكن ()4
َّ
َرسح يف النُّجو ِم. ِ
القديم لت َ من َو ِ
كرها
ْ �قَ َ ْ ٰ خَ خ ْقَ ت مَ نْ وَ خَ �ْ ظَ مَ نَ ْ ْ
تَر ِ�ع����اِم � ������س� ت� دَر �د �م ا ب� ��ا ِك ِ���ل��� ِ �
� �� ��ا �ِك��س��ِ ِ
َ
اختلط مع رميم عظامي قد فرأيت َّ
أن ُ رأيس، طأطأت
ُ أيضا، ِ
اجلهة ً فيئست من َ
تلك ُ
َ َ
اجلهة -داء لدائي ومل ت ِ ِ
ُسع ْفني ً ُ تراب مبدإِ خلقتي وهو ُي ُ
داس حتت األقدا ِم؛ فزا َدت -هذه ِ
ٍ
بيشء (.)5
صالة ِ
اجلنة. ِ وستارا دون ِ
للرمحة، التراب با ًبا أظهر َ
ذلك ُ
ً َ اإليامن فقد َ ( )5أ َّما
كاجلندي ِ
سبيل اهلل، لكل ٍ
يشء إذ يستعم ُله يف االختياري كاف ًيا ِّ جيعل َ
ذلك اجلز َء اإليامن ُ
َ إل َّ
أن (ّ )9
ِّ َّ
ِ
األعامل. أضعاف قوتِه من
ِ ألوف
َ فينجز
ُ ِ
الدولة ِ
جيش انس َل َك يف
الذي َ
مَ ْ ن ُ � نْ زَ مَ ن حَ ْ يَ ْ ٰ ن َ لَ ْ ْ
ي� �� �ا ِ� �ا ل و ��ك ا ِ� ���سَ�يّ���ا �����س� ت� � ي���دَا ِ� ا و اٖ
ِ ِ
آن س َّي ٌال َ
ليس ّ
إل. القصري وهو ٌ
ُ احلارض
ُ الوقت
ُ االختياري هو
ِّ اجلزء جوالن َ
ذلك َ
ميدان َّ
إن
بَ ْ هَ ْ َ ْ ْ َ ْ ْ
��ه � ر چ��ه �ه����س� ت� � ،ه����س� ت�
��ل ِ�ك
ِ
ِ
واآلمال، ِ
الرغبات ٍ
عالقة بجمي ِع تلك نماذجه يف فطريت ،فأنا عىل كل ما يف الدنيا، بل ُّ
ُ
بل أسعى هلا ،و ُأد َف ُع إىل السعي هلا.
�خَ يَ ْ ُ ْ رَ سَ ْ ْ يَ ْ ْ رَ سَ ْ
حِت�����ا ج نٖ�ي�� ز� �� �د
��دَا �� �د ا � ����ا ك
ِ � ل م
� يَ ْ َ ْ ْ ْ تْ ْ ْ ْ دَ ْ تْ هَ ْ
حِت�����ا ج� �ه����س� ت� دَر ����س�� � ر چِ��ه نٖ��ي����س�� دَر اِ
َ فاحلاجة ْ
ُ َ ِ َ
أيضا ،بل
هناك ً إذن هناك؛ احلاجة إىل تذهب دائر ُة
ُ ب،اخليال أينام َذ َه َ حتى َّ
إن
احلاجة ،وما ليس يف ِ
اليد ال حدَّ له. ِ ضمن متناول ِ
اليد فهو ِ ليس يف ُّ
َ كل ما َ
� تَ ْ ُ تَ َ ْ ْ ئرَ ۀ ْق � ْ هَ ْ ُ ئرَ ۀ دَ ْ ت ُ
�و�ا �ه����س� ت�
� كو�اه ك � � � �
دَاِ �ِ اِ ��ِ�ت�دَار ��� ��م���چ و دَاِ �ِ ����س� ِ
تصل ِ
إليه يدي القارص ُة بقدر ما ُ ِ
القدرة ض ِّيق ٌة وقارص ٌة ِ بينام دائر ُة
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 238
َ ْ �فَقْ ُ حَ جَ ت مَ بَ قَ ْ � هَ نَ ْ ْ
����ا �����س� ت�
� � �ا ������د ِر جِ
پ���س ����ر و �ا ��ا ِ
إن فقري وحاجايت ب َقدْ ِر الدُّ نيا ك ِّلها.
بمعنى َّ
� ْ وَ � نْ َ ئ نَ ت حَ جَ تْ ُ مَ ْ ْ ْ ُ�زْ ْ ُ
ن
��دَا � ����س� ت� اٖ �ي� ج� ء م اٖ ي� ِ ِ
� �ا ��ا � ك ا
��� ا
ك
� َا
د �
ك
ِ
اجلزء ِ
باملليارات من هذا ُستحص ُل ّ
إل ِ
العالـم ،وال ت احلاجات التي بِ َقدْ ِر هذا أين
َ ُ
ِ
الزهيد ِ
الثمن ِ
احلاجات هبذا االختياري الذي ال يساوي شي ًئا؟ ،إنّه ال يمكن رشا ُء تلك
ِّ
ٍ ِ
تلك هبذا! فالبدَّ إذن من البحث عن وسيلة أخرى. ُستحص َل َ جدً ا؛ وال يمكن أن ت
َ
َ ْ ْ تُ اَ زْ نْ ُ�زْ ْ زْ بَ زْ ُگ
��ذَ شْ تَ نْ چَارَ ۀ مَ نْ اَ ْ تْ
رَاه �و � اٖ�ي� ج� ء نٖ�ي��� �ا � مٖى �� � ِ � ��س�
� �� � � � �
� ���� � پ���س دَر ِ
ِ
اإلهلية، ِ
اإلرادة أمر ِه إىل
َفويض ِ ِ ُ َ
االختياري وت ُ
ِّ اجلزء التبر ُؤ من ذلك
الوسيلة هي ُ وتلك
االعتصام ُ
يكون َ
وبذلك حول اهلل وقوتِه؛
ِ نفسه وحولِه وااللتجا ُء إىل
ِ قوة ِ
المرء من ِ وت َُّبر ُؤ
ُ
ِ
اجلزء هذه؛ فإنَّني أتخ َّلى عن َ
ذلك النجاة هي ِ
ِ ُ
وسيلة ِ
التوكل؛ فيا َر ّب! ملا كانت ِ
بحبل
االختياري وأتبر ُأ من أنانيتي ،يف ِ
سبيلك. َّ ِّ
ن هَ يَ ت تُ َ نَ مَ ْ اَ ْ ْ
� �و پ���اهِ � � ن� ����س� ت� � شَوَدْ رَ ْح�مَ� ت
��� گ�� �مَ� نْ
�
تَ � نَ يَ ت تُ دَ ْ تْ
� ا
�
ِ ِ ِ��
� بٖى � � �و ����س ٖ ِ �
ير � �� �ا ِع���ا � ِ
تكون رحمتُك م ِ
ستندي ،رأف ًة بفقري وضعفي ،ولِ َ
ِ ِ
بعجزي لِ ْتأ ُخ ْذ عنايتُك بيدي ،رحم ًة
ُ
بابا. ِ
تفتح يل َ
واحتياجي ..ول َ
ن هَ يَ ت رَ ْ مَ ْ يَ فْ ْ اَ ْ ْ ٰ نْ كَ ْ بَْ
� ح� � ت� �ا �� ت� ����س� ت� ا
� ��
� �
ا � ���س كِ�ه ح ِ ِ ِ
� بٖى ر � � �
يَ ْ قَ ْ سَ بَ ْ ْ تَ ْيَ نَ ُ نَ ْ ْ نْ ُ ْ ْ يَ
��ه ��ك ���طرَه �� رَا �����س� ت� ي� ج��ز ءِ اِ �خ�ِت����� �ى ِك���د �بَر �
اٖ ���ك��ه ��ه �ك
ارٖ
ساحل له ،ال يعتمدُ عىل ج ِ ِ
وهو
االختياري َ
ِّ زئه ُ َ ُ الرمحة الذي ال نعمَ ،ف َمن َو َجدَ َ
بحر
ِ
الرمحة. رساب ،وال يفو ُض إليه أمره ،من ِ
دون َ
تلك ٍ ِ
كقطرة
َُ ُ ِّ
ُ َّ �� �
239 ������ -ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي���������� ������ �������
�� �
ْ ُ خَ بَ ْ ْ اَْ ْ نْ ْ َگ
ي� زِ�ن� ِ�د �
�ا �نٖى ���هَ � �چ�و ��ا �����س� ت� ي�وَاه �
اٖ
م
ْ ُ ْ ُ نْيَ ْ هَ ْ ُ بَادَ ْ ْ
�ي ن� �ع�مِر �بٖى ب����اد ��� � �چ�و � ����س� ت�
م وٖ
يا َأسفى ،لقد ُخدعناَ ،ف َظننّا هذه احليا َة الدنيا ُمستَقر ًة ثابت ًةَ ..
فأضعناها هبذا ال َّظ ِّن ُك ِّلـ ًّيا..
ٍ
يذهب َذ َ
هاب ُ كرؤيا عابرة! وهذا ال ُع ُم ُر الذي ال َق َ
رار له إن هذه احلياة غفو ٌة قد مضت ْ نعمَّ ،
الر ِ
يح. ِّ
نْ سَ نْ بَ ْ ُ ْ يَ بَ فَ نَ اَ ْ ْ ٰ مَ ْ بَ قَ ٰ ْ بَ �بَ قَ اَ ْ ْ
اِ ���� �ا � ��زَوَا ل د ن����� �ا ��������� �ا ����س� ت� ا � �ا ل �بٖى ������ا ا لَا �م ����� ���ا ����س� ت�
ِ
بالزوال؛ إنَّه بنفسه ،الذي حيسب نفسه أبديا ،حمكوم ِ
عليه اإلنسان املغرور ،المعتدَّ َِ إنّ
ٌ َ ُ َ ُ ً َ ُ
أدراج ُ
اآلمال فتذهب ِ
ظلامت العد ِم، يذهب رسي ًعا ،أ َّما الدنيا التي هي َم ْأوا ُه؛ فستهوي يف
َ ُ ُ
ِ
األرواح. اآلالم حمفور ًة يف
ُ ِ
الرياح وتبقى
ُ
ك� نْ يَ اَ ْ نَ فْ نَ فَْ جَ ْ ُ ُ فَ ن �خُ ْ فَ
� َا
د �
� ِب������ا �ى �������س �ا �ر��ا �م و�ج�ودِ ��ا ِ�ى �ود رَا
ِ ِ
عَ َ ْ ْ نْ َ ْ ْ خَ ُ
ي� �ه��س�ى وَدٖ �ي��ه �ه����س� ت� ��اِ�ل ق��خ�ود رَا ِك
��ه اٖ �
تٖ ِ
َ ِ
الطويل ،والعاشق َة للدنيا ،واملبتال َة نفيس املشتاق َة إىل احلياة ،والطالب َة ال ُع َ
مر َ ـي يا َفتَعا َل ْ
ترين
َ شد ِكَ ،
أل الشقي َة انتبهي وعودي إىل ر ِ
ُ وآمال ال هناي َة هلا ،يا نفيس َّ ٍ بآال ٍم ال حدَّ هلا
البهيم ،بينام النَّحل التي ال تَعتدُّ ِ ِ
الليل ِ
ظلامت تظل بني ِ
ضوئها ُّ أن ال َيراع َة التي تعتمدُ عىل َّ
الشمس ..كذلك ِ ِ
بضوء ذه َب ًة ِ ِ ِ ِ ِ
األزهار ُم َّ صديقاتا من مجيع
النهار ،وتشاهدُ َ بنفسها ،جتدُ ضيا َء
ولكن ِ
كالرياعة؛ فستكونني
َ نفسك وعىل أنانيتِ ِك؛ ِ وجود ِك وعىل ِ اعتمدت عىلِ أنت ،إن ِ
ْ
َّحل، تكونيـن كالن ِ سوف
َ الكريم الذي وهبه ِ
لك ِ خالق ِك
ِ ِ
سبيل ِ
بوجودك يف يت إن ضح ِ ْ
َ َ َّ
لديك. ِ ٌ
وأمانة ِ
عندك بنفسك ،إذ هذا الوجو ُد وديع ٌة ِ وجود ال حدَّ ل ُه ،فضحيٍ نور
وجتدين َ َ
لك َ
ذلك حيفظ ِ
ُ ُ
اجلنة؛ وإنَّه ِ
ويعطيك ثمنَه عظيمـًا ،وهو إن اهلل يشرتي ِ
منك ملكَه، ّ
ِ ِ ٍ ِ
وس ُيعيدُ ه إليك بأبقى صورة وأكملها ،فيا نفيس! َأنفذي ً
فورا هذه ويرفع قيمتَه وثمنَه َ
ُ َ
امللك
ْجي من ٍ
واحدة ،و َتن ْ َ ٍ
صفقة ٍ
أرباح م ًعا يف تكسبني مخس َة ٍ
أرباح ،كي الرابح َة مخس َة
َ التِّجار َة َّ
خسائر م ًعا.
َ ِ
مخس
ُ َّ �� �
241 ������ -ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي���������� ������ �������
�� �
�﷽
﴿ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (األنعام)76:
ِ
عليه إبراهيم ِ
خليل اهلل نعي ﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ﴾ من
َ لقد أبكاين ُ
ٍ ٍ
عين قلبي َق َطرات باكيات عىل ِ السالم الذي ينعي به َ
زوال الكائنات ،فص َّب ْت ُ
ِ
البكاء ويدفع إىل َ
األشجان يثري ِ ِ ٍ
قطرة ُ ِ
شؤون اهللُّ ،
ُ حتمل من احلزن والكمد ما ُ كل
ِ
بالفارسية.. ِ
القلب األبيات التي وردت إىل
ُ القطرات هي هذه
ُ ِ
والنحيب؛ تلك
ُ
الكريمة: احلكيم كام تضمنت ُه ُ
اآلية ِ ِ
ونبيه ِ
الرمحن ِ
خليل ٍ
تفسري لكال ِم وهي ٌ
نمط من
﴿ ﭺﭻﭼ﴾ .
�ْ ُ ْ بَ ْ ْ ُ فُ ْ ُ
گ ْ شُ َ نْ َ نَ
����مٖى زٖ�ي����� �ا ���س� ت� ا �و�ل�دَه م � بو ب�
��
ح م �د
�� � �
�
َ
يكون ِ
بالزوال لن فاملحكوم عليه مجيل، ٍ
بمحبوب ٍ ِ
املغيب! ليس يغرق يف ِ
أفق حمبوبُ ، ٌ
ُ
أنوار ِ
ليعشق خالدً ا ،ويعك َس أص ًل القلب الذي ُخ َ مجيل ح ًقا وال حي ُبه
َ َ لق ْ ُ القلب ،إذ
ُ ً
الز َ
ائل وال ينبغي ل ُه. ِ
الصمد ،ال َي َو ُّد َّ
نَ ْ ْ �غُ ُ ْ غَ ْ ْ ُ َ نْ َ ْ ُ ْ
����مٖى اَر �زَد � روب�دَه ��ي��� ب� �ش���د � �م��ط�لو ب�
نَ �خ ٰ َ ْ فَ نَ َ ْ ْ شُ َ نْ مَ قْ ُ ْ
����م �وا �ه���م ����ادَه م
�
حو ����د � � �������صود ٖى
املسكني ،فامذا ُ
ويزول! ال أريد ُه؛ أنا ال أريدُ فان ًيا ،ألنِّي الفاين ِ
الفناء مقصو ٌدُ ،يمحى يف
ُ
َ
الفانون عني؟ ُيغني
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 242
نَ �خ ٰ نَ ْ ْ دَ فْ ْ شُ َ نْ مَ ْ ُ ْ
����مٖى �وا �م �زَوَا �ل�دَه �� ن� ����د � � �ع ب��ود
نَ �خ ٰ َ ْ نَ �خ ٰ نَ ْ نَ تَ بَ ْ ف
����مٖى �وا �ه���م ����مٖى �وا �م ����مٖى �ا �م �ِرَا �قٖى
َ
الفراق. أطيق َ
الفراق ..ال ..ال ُ ال ..ال أريدُ
ْ ْ َ ْ تَ َ نَ ْ ْ َ قَ نْ
����مٖى اَر �زَد �مرَا ��ه اٖ �ي� �زَوَا ل دَر پ���س �لا �قٖى
باللهفة ،بل الٍ ٍ
جديرة غري ِ وال مؤملِ ، الز ُ ٌ
اللقاءات املكدَّ ر ُة بالزوال ُ
ُ هذه ٌ وصال يعقب ُه َّ
ألـم ِم ْث ُله،
كذلك ٌ َ ِ
اللذة ِ
زوال تصو َر
فإن ُّألـم َّهو ٌ
ِ ألن َ
زوال اللذة مثلام َ تستحق شو ًقا؛ َّ ُ
ِ
قصائدهم إنَّام هي ومجيع َ
جمازيون- َّسيب -وهم ُع َّش ٌ
اق زل والن ِ ِ
شعراء ال َغ ِ فدواوين مجي ِع
ُ ُ
رت روح ِد ِ الز ِ
تصو ِر َّ
يوان َ وال هذا ،حتى إذا ما اس َت ْع َص َ تنجم من ُّ تنطلق من آال ٍم ُ
ُ رصاخات
ٌ
ِ
الزوال. ِ
تصور ً
رصاخا أليمـًا ناش ًئا من إل وتَـقـ ُط ُر
أي منهم فال تَراها ّ
ٍّ
ْ هَ ْ فَ ْ اَ زْ فَ ُ ْ َ ْ ْ نْ اَ ْ نَ ْ نَ نَ ْ
��ه دَر � ر � ْرد � ��ا �نٖى د و رَاه �ه����س� ت� ب�دَا � �ى ���ف����س �ادَا �� � ِك
م ِ ِ
بَ بَ � ُ ّ جَ ن جَ نَ
�ا �ا قٖى د و �ِ�س ِر ��ا ِ� ��ا �ا �نٖى
كل ِ
البقاء من ِّ يـن إىل جدان سبي َل ِ
َ تستطيعيـن ِو فيا نفيس الغافل َة اجلاهل َة! اعلمي أنَّك
َ
أنوار ِ
مجال ين من ِ وسر ِ فيهام ملعت ِ ِ
يمكنك أن تُشاهدي ِ ِ ٍ
يشء ٍ
َني َّ الفانية ،حتى فان يف هذه الدنيا
ِ
نفسك. وخرقت حدو َدِ ِ
الفانية ِ
الصورة ِ
جتاوز ائم ،فيام إذا َقدر ِ
ت عىل ِ
املحبوب الدَّ ِ
ْ
بَ ٰثَ ْ َ ُ
�خَ�ا نْ �مَ�ْع��نَ�ا وَ � �� زَ نْ ْ �هَوَا اٰ نْ �لَ��فْ�� ظ��� � �� ْ
سَودَا � گ يَ نْ ْ ز اَ ْ مَ لَ فْ ظ ُ ْ مَ ْ نَ
� � � � � �
ِ بٖى � �
مٖ ي� دَر � بِ ا
��� ع
� ِ پر�
�����
� ا
� �
���س ��لٖى ا �ار �ه�ا �و ِ�
�د�
ٍ
جليلة ،بل ٍ
معان فصح عن هو ٌ ٍ
يشء ّ ِ
جمسم ُي ُ
ٌ لفظ إل َ املوجودات من نعم ،ليس يف
ِ
اإلهلية ِ
القدرة َ
ألفاظ املخلوقات ِ
صانعه البديعِ؛ فام دامت هذه ِ
أسماء كثيرا ِمن
ُ يستقرئ ً
ُ
ِ
القلب، ِ
أعامق فاقرئيها -يا نفيس -وتأميل يف معانِيها واحفظيها يف
ِ املج َّسدَ ةَ، ِ
وكلماتها َ
ٍ
انشغال هبا. أسف عليها ..ودون ٍ ِ
الرياح دون أدراج ِ
التافهة ِ
بألفاظها وارمي
َ
� يَ ْ ُ شَ ْ جَ � شْ قْ �خ�ُ ْ ُ ْ ُ
گ �خ ش
�
ٖى ِ � وى���ع م ا
�� َا
د �چِ��ه �و��� �و و ي
���
� ��� ا �د
�
َّ
لكأن فطرتَه قد ِ
العاشق الوهلان؛ حتى ِ
الشاعر قول «جامي»(*) ذلك أمجل َوانظري! ما َ
ِ ِ ُع ِجن َْت
التشتت يف التوحيد ويرص َفها عن شطر
األنظار َ
َ اإلهلي حينام أرا َد أن ُيو ِّل َ
ـي ِّ باحلب
ِّ
ِ
الكثرة ..إذ َ
قال:
ُ َّ �� �
245 ������ -ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي���������� ������ �������
�� �
ُ
گ
� ْ
� � � دَا نْ � 5يَ � ��� نْ � 4يَ � �ُ � ْ � 3يَ � �خ�ٰوا نْ � 2يَ � �خ�ٰواهْ � 1يَ يَ
�
ٖى وىك � ك
ٖى وى ٖى بٖي� ٖىك �ج ك � ك � كٖى
)1( 6
ٖى
ِ
بالقصد. جديرا ليس ِ ِ ِ
ً -1اقصد الواحدَ ،فسوا ُه َ
ِ
للطلب. أهل
ليس ً
فغري ُه َ ُ -3ا ِ
طلب الواحدَ ُ ،
ِ
الزوال. يغيبون ورا َء ِ
ستار َ يشاه َ
دون دائمـًا ،بل ُ
فاآلخرون ال َ شاه ِد الواحدَ ،
ِ -4
طائ َل من ِ
ورائه. وص ُل إىل معرفتِه ال ِ -5اِ ِ
عرف الواحدَ ،فام ال ي ِ
ُ
� � ْ � زَ نَ ْ عَ �لَ ْ
��ه ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾ بَرَا بَر مٖ ي�����د �ا �م
ِك
ِ
املختلفة: املتنوعة ونغامتِه
ِ وهتليل كربى يرد ُّد بألسنتِه
ٍ ِ
بحلقة ٍ
ذكر، فالعامل ك ُّله ،أش َب ُه
فجر ُه﴿ : البالغ ال َغ ِ
َ ِ ﴿ ﭕ ﭖﭗ ﭘ﴾ و َيشهدُ ُّ
ور الذي ُي ِّ اجلرح
َ التوحيد ،ف ُيداوي به الكل عىل
نفضوا أيد َيكُم من ِّ
كل الدائم الباقيُ ..ا ُ
ِ ِ
املحبوب ﭺ ﭻ ﭼ﴾ وكأنَّه ُ
يقول :ه َّيا إىل
ِ
الزائلة. ِ
املجازية حمبوباتِكم
َ
بإسطنبول، ِ
سفور طل عىل ال ُبالم ِّ وعرشين عا ًما ( )1عىل ِّتل ُي َ ٍ كُنت َ
وش َع ُ َ مخسة قبل
أصحاب أعزا ُء ،ل ُيثنوين عن عزمي و ُيعيدوين إىل ٌ ترك الدنيا ،أتاينقررت َ
ُ عندما
ِ
الصباح أستخري ر ِّبي؛ ويف حالتي األوىل ،فقلت هلم :د ُعوين وشأين إىل ِ
الغد ،كي
َ َ
إل أنَّهام ليستَا ِ
بالشعرّ ، ِ ِ
هاتان اللوحتان إىل قلبي ،ومها شبيهتان ِ ِ
الباكر َخ َط ْ
رت
ِ
امليمونة، ِ
اخلاطرة حافظت عىل َع ْفو َّيتِهام وأبقيتُهام كام وردتَا ألجل تلك ُ شعرا ،وقد
ً
ِ
والعرشين» ،وملناسبة املقا ِم ُأدرجتَا ُهنا. ِ ِ
وقد ُأحل َقتَا بختا ِم «الكلمة الثالثة
َ
اللوح ُة األوىل
ِ
الغفلة] تصو ُر حقيق َة الدُّ نيا لدى ِ
أهل ٌ
لوحة ِّ [وهي
لا ت َ ْدعُني إلى الدنيا ،فقد جِئتُها ورأيتُ الفسادَ.
حق.. ِ
ترت نور َ ال ِّ
صارت الغفلة ُ حجابًا ،وسَ ْ إذ لما
ِ
الموجودات كل َّها ،فانية ً مضرة ً رأيتُ
عانيت من البلاء ِ في العد ِم.
ُ قلت :الوجودُ! فقد لَب ِْستُه ،و�لكن كم
ن َ إ ْ
العذاب.
َ قاسيت
ُ قلت :الحياةُ! فقد ذُقتُها ،و�لكن كم
وإن َ
حق.. ِ
وإذا الوجود ُ برهانُ ذاته ،والحياة ُ مرآة ُ ال ِّ
باب البقاءِ.
مفتاح ا�لكنز ِ ،والفناء ُ ُ
ُ ل
وإذا العق ُ
شمس الجمالِ..
ُ وانطفأت لمعة ُ ا�لكمالِ ،وأشرقت
عين اللذةِ.
عين الوصالِ ،والألـم ُ َ
ل َ فصار َ الزوا ُ
عين العمرِ.
ل نفسُه ،والأبد ُ َ
والعمر ُ هو العم ُ
ِ
الموت حياة ٌ حقةً.. غلاف الضياءِ ،وفي
َ والظلام ُ
والأصوات ذكرا..
َ وشاهدت الأشياء َ مؤ ْنسةً،
ُ
ً
مسبحات.
ٌ ذاكرات
ٌ ِ
الموجودات كل ُّها فذرات
ُ
ت القوة َ في العجزِ.
وجدت الفقر َ كنز َ الغ ِنى وأبْص َ ْر ُ
ُ ولقد
ك.
وجدت اللّه فالأشياء ُ كل ُّها ل َ
َ إن
ك..
ك الملكِ ،فم�لك ُه ل َ
كنت عبدًا لمال ِ
َ نعم إن
مناجاة
األسامء احلسنى للشيخ الكيالين(*) ُقدِّ َس ِس ُّره بعد ِ
عرص يو ٍم ِ لقد قر ْأ ُت قصيد َة
أكتب فوددت أن
ُ وعرشين سن ًة، ٍ
مخس املبارك ،وذلك َ
قبل ِ َ
رمضان من أيا ِم ِ
شهر
َ َ
در يف حينِه ،إذ إنَّني أر ْد ُت كتاب ًة نظري ًة ِ
مناجا ًة باألسامء احلسنى ،فكُتب هذا ال َق ُ
ِ
النظم؛ لذا هيهات ،فإين ال ِ
أمل ُك موهب ًة يف َ ِ
السامي ،ولكن ِ
اجلليل ِ
ملناجاة أستاذي
ت املناجا ُة مبتورةً. جز ُت ،و َظ َّل ِ
َع ْ
ُ
الثالث والثالثون» «املكتوب ِ
«النوافذ» وهي ِ
برسالة قت هذه املناجا ُة لح ْ وقد ُأ ِ
ُ
خذت إىل هنا.
ْ ِ
ملناسبة املقا ِم ُأ ولكن
ْ
بَُوَ ْ
�ه ا �ل��ا �قٖى
�ُ �ْعَ ْ ُ �َ ُ ْال ْ ض�ُ وَ � َّ مَ ُ ُ وَ ْ كَ ْ قَ حَ ُ ْ قَ ضَ يَ نَْ
حَ �م ا ل��د ل ل�ه اَر � ا ل��س��� �اء ��م� �ه ا �ل
� ح� نُ �فٖى ���بْ ض���� ُح ِك �
هٖ ِ �ي�����م ا �ل���������ا �ا � � ٖك
��ه ُ�هوَ ا �لْ����قَ�اد ُ ا �لْ��قَ��ّ��ُ �ُ �لَ�هُ ا �لْ�عَ ْش��ُ وَ ا �ل��ثَّرَا ءُ �
ك
ُْ
�ل �
��م �
ُْ عَ ُ ْ فَ
�� خَ�����ا يَ�ا وَ ا �ل غ��ي��ُو� �
��لي�����م ا �ل
ر� ِ ر يو م فٖى
ِٖ بِ ٖ
هَ بَ ْ
ح����س نُ وَ ا �ل�� �اءُ ْ ُ ْ ُ َ ُ ُ ْ فَ ْ وَ ُ ْ وَ ن ق ش � ُ ُ ُ
ّ يَ ْ ُ َ ف
�ل ��ص ن���ع� �ه ا �ل���� ُ
� �اطر ا �لوَد ود �ل�ه ا � � ِ �لطٖ�� ي��� ا �ل���مَ�زَا �ا ا �ل���و��ِ� فٖى ِ هٖ
�ْ�� يَ�اءُ ُ وَ ْ مَ ُ ْ قُ ُّ ُ َ ُ ْ �زُّ وَ ْ ���لْ�جَ ُ ْ َ يَ وَ شُّ ؤُ ن � خَ
ِ ب ِر �
ك �
ل ا ع � ل� ا �ه
ل� �� �د ���
� �
ل ا ل
�ك� �� ��
ل ا �ه ��ٖ�ل����ي�ل ا �ل���مرَا �ا ا �ل����و ِ� فٖى ِ هٖ
��ق ��
وس ِ ِ
ح� نُ �م� نْ �نَ��قْ�� ش�� ُ�صنْ���ع� ُ�هوَ ا �ل ّ�دَا �ئ ُ ا �لْ���بَ�ا � �لَ�هُ ا �لْ� ُ��م�لْ ُ وَ ا �ْل�بَ ���قَ� �اءُ بَ ُ ْ يَ نَْ
�ك ِ م � قٖى �� ِ � ِ � ��د �ي ا �ل��بَرَا �ا �
� ِ هٖ ٖع
��ا � �لَ�هُ ا �ْل��حَ ْ��م ُ�د وَ ا �ل���َّ��ثنَ���ا ءُ ُ وَ َّ زّ قُ ْ كَ ف ْ ُ ْ عَ طَ يَ نَ�ْ نُ نْ رَ ْ ضَ
� ���ي��ِ���هٖ �ه ا �لر�َا � ا �ل � فٖى �ح� �م� ك�
� ِ � بِ
� �م ا �ل����ا �ا �
كَرٖي
طَ ْ ُ ْ َ ْ خَ ْ ُ ْ نَ ْ نَ هَ ْ ُ
َ ُ
��� �ا �ل قُ ا �لوَا � �ل�هُ ا �ل�ود وَ ا �ل���ع��ا ءُ
ج
وَ
ح� ن� �ِم� ن� ���س��جِ� ِع�ل�ِم�هٖ �ه ا �ل ِ� فٖى
�ُ ْ ْ �جَ �مٖ��� ي��� ا ��ل��� �دَايَ�ا �
ل
نَ َ ّ
� ا �ل�����ث���ا ءُ وَ ُ ْ ُّ ُ َ َّ وَ ُ ْ خَ عَ ُ
ّ وَ يَ كَ َ
ّ ُ
ش �� ��ل����ق� �ه ا � َّا � ُ ش �ل� ���سَ� �� �� ا � ش
ح���م ا �ل����ا �فٖى �ل�ه ا �ل��� ك�ر لر ِ ��ا �ا ا �ل�د �ا ِء ِ ِ هٖ ل��� �
مٖ يع
ُ عَ ْ وَ ّ ضَ ْ َ َ
ُ وَ غَ فّ ُ َ ْ �عَ ُ ُ
ّ طَ خَ ْ
غَ فُ ُ �ل� يَ
حي�����ُم �ل�ه ا �ل���ف�� ُو ا �لر���ا ءُ ار ا � ّلر� �
�� �
� �� ل� ا �ه �� ��ا �ا وَ ا �ل��ذ ن�و ب� �ِل��� بْ�� ِ�د ������ور ا
ِ ٖ هٖ ِ
ُ َّ �� �
249 ������ -ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي���������� ������ �������
�� �
� وَا
ٰ
ء َا � اَ زْ ف� َا � �مَ�ا نَ�نْ��د دَلَّالَا نْ � ن
زن ُ
ا�
� بِ ِ بِ زٖ� ى
ِ د �
� ِ��ِ شٖ����ي�� ب � ِر زٖ�ى ِ
ِ
الساموات ال ُعىل إىل ِ
األرض ،ومن ٍ
مكان ،من ينادون من ِّ
كل َ عاة األدلَّ ِء،
فهم كالدُّ ِ
مجالِ َك.
ُ َّ �� �
251 ������ -ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي���������� ������ �������
�� �
ْ ق تُ ْ رَ ْق ْ بَ دَ ْ دَ ْ �جَ مَ نَ ْ ُ نُْ �خَ
�م �م ز� � �ا ِل ���ق�� ش��� ت�و ( ���س����ه :ز��هَوَا �ِى ���
شَو ِ� �و ) دَر ����ص �ا زٖ� �ى ِ ِ ِ
ِ
الوجود. ِ
نقوشك يف مجال ِ
هبجة ِ األدال ُء الدُّ عاةَُ ،ج ِذ َل ًة من
ّ األشجار، فرتقص تلك
ُ ُ
ز كَ مَ ُ نْ تُ �خُ ش ْ �خُ ش ْ گَ
ع �و �و��� �و��� ب�ِ زٖ� ى
� � �
�
ا
� ِ�� �ا ِل ��ص��ِ
لكامل صنعتِ َك..
ِ رؤيتِهم ُصدر أنغاما شدي ًة وأصداء ندي ًة من ن ِ
َشوة ْ ً َّ َّ ً
ِ
فت ُ
ِ
اجلميل ،منتشي ًة منجذب ًة. ِ
للرقص األشجار
ُ ِ
وألجل هذا ه ّب ْت هذه
ِ
الوالية( ،املؤلف) ِ
مراتب الشيخ الكيالين حتى تر َّقى يف
ِ مشهورا ،تربى عىل يدي بطل
( )1كان ً
ً
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 252
�ُ نْ َ ْ تْ زُ ْ فْ هَ بَ ْ قْ اَ نْگ ز شَ ْ نَ
� بِ ج�����ي��د ����س�� ��ل�������ارَا ����شَو� � ٖ�
�ي��ِ� �����ه�� زٖ�ى
ا
�
بٖ
ِ ِ
شاهد لـ«ش ْهن ََاز اجلميلة»( )1مثري ًة يف ُ
الـم ُ
الفاتنة َ الضفائر
ُ أغصانا الرقيق َة َّ
كأنا َ وهتز
ُّ
أشوا ًقا لطيف ًة وأذوا ًقا سامي ًة.
ِ
األوتار وأشدَّ ها حساس َّي ًة. أعمق
َ ِ
العشق ،بل َي َم ُّس ِ
طبقات يهز َ
اجلامل ُّ َّ
لكأن هذا
ِ
وضفائرها( ،املؤلف) شعرها ِ
ومجال ِ ( )1حسنا ُء شهري ٌة بجامهلا
رع ِر يف املقربة:
( )2هذا البيت يشري إىل شجرة ال َع َ
زَ نَ نْ ْ اَ زْ ْ َ َ ُ چَ ْ خ بَ بَبَ
���الَا مٖ� ��ي� ���د � پ�َردَه �ه�ا�ِى �ه�ا �ِى �هو�ِى �ر ِ� �ا زٖ��ى
گ�� ز ُ ْ دَ َ نَ غْ �مَ هَ اَ اَ زْ ُ ْ نْ اَ ْ
ي� �نَوَا زٖ��ى ��ز ن� �
� ح �مر �ه�ارَا ������ �ا �
� ِى �زَلٖى � � ٖ ِ
(املؤلف)
ُ َّ �� �
253 ������ -ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي���������� ������ �������
�� �
ٰيَ ْ اَ زُ زَ ْ�زَ مَ ۀ نَ زُ نيَ ُوحَ
�
ر �ه مٖى ا ��د �و ��م � ��ِ �ا � ِ� زٖ ى
� ا�
�
ِ
أسامء الصان ِع ِ
جتليات أن األشيا َء تتوج ُه إىل ِ
املشاهدَّ : تعلمت من ِ
هذه الروح فقد أ َّما
ْ ُ
ترضعاتا وتوس ِ
التا. ِ أصوات وأصدا ُء
ُ ِ
والتهليل فهي ِ
بالتسبيح ِ
اجلليل
ُّ
�ْجَ قَ ْ ْ �خٰ نَ ْ اَ نْ ٰيَ ْت هَ ّ ْ ْ ُ نَ
حي���د ز� ُع�ل ّو � ظْ�����م اِ ع
� � �
��ا زٖ��ى ���ل� ب� �مٖ ��ي�� وا ��د زٖ�ي� ا �ا ����ا �ِ�س ِر �تَو ٖ ِ ِ ِ
ِ ِ ِ القلب فإنه َيقر ُأ من الن ِ
كأنا
األشجار َّ التوحيد يف هذه َّظم الرفي ِع هلذا اإلعجازَّ ،
رس ُ أ َّما
ِ
احلكمة، ِ
وإعجاز ِ
الصنعة ِ
خوارق النظا ِم وإبدا ِع كل منها من إن يف ِ
خلق ٍّ أي َّامت؛ ْ
جمس ٌآيات َّ ٌ
ِ ِ ما ِ
تقليدها. زت عنعج ْ أسباب الكون ك ُّلها ،وأصبحت فاعل ًة خمتارةًَ ،ل َ
ُ احتدت
ْ لو
ْ فَ نَ ُ نْيَ بَ نَ فْ ْ �خ ٰ َ ْ ْ نْ وَ ْوَ �لَهَ زَ ْ زَ�لَهَ ْ ق بَ
�������س �مٖ ��ي���وا �ه�د دَر اٖ�ي� �ل � ��ا ��ل�� ��ا �ذَو ِ� �ا �قٖى دَر ����ا �ِى د ���ا �ا زٖ��ى
يتدحرج يف
ُ كأن الوجو َدرأت َّ ِ
لألشجارْ ، الوضع
َ النفس؛ فكلام شاهدت هذا
ُ أ َّما
ستجدين البقا َء باق ،فتل َّقت هذا املعنى« :إن ِ
ّك ذوق ٍ
والفراق ،فتحرت عن ٍ
ِ الز ِ
وال دو ِ
امات َّ
َ َّ َّ
ِ
برتك عبادة الدنيا».ِ
رج أصواتًا لطيف ًة كأنَّها منبعث ٌة من موسيقىالنايات مؤ ِّثر ُة األنغا ِم صافيتُها ،إذ ُت ُ
ُ فتلك
ِ
العشاق كل ِ
والزوال ،كام يسم ُعها ُّ ِ
الفراق الفكر منها شكاوى آال ِم يسمع ٍ
علوية ،فال ٍ
ساموية
ُ ُ
وأنواع
َ ِ
الرمحن، ِ
للمنعم ِ
الشكر أنواع
َ يسمع
ُ الرومي» بل
ِّ جالل الدِّ ِ
ين ُ ويف مقدمتِهم «موالنا
احلي القيو ِم. ِ
احلمد تُقدَّ ُم إىل ِّ
()1
السماء ِ إلى الأر ِ
ض وترنو إلى الجنةِ. ن الباصرة ِ ُّ
تطل من َّ ألوف العيو ِ
ُ فنحن
ُ
ِ
اإلهلية؛ ِ
معجزات ُ
القدرة أزاهري ِ
اجلنة ومزرعتها ،تُعرض فيه ما ال حيدُّ من ِ شتل ِ
األرض َم ُ إن وج َه( )1أي َّ
النجوم التي هي بمثابة أيضا ِ
املعجزات ،تُشاهدها ً ُشاهد تلك ِ
الساموات وت ِ ِ
عالـم ُ
مالئكة تتفرج ومثلام
ُ ُ
ِ ِ ِ
عيون األجرام الساموية البارصة؛ فهي كلام نظرت كاملالئكة إىل تلك املصنوعات اللطيفة التي متأل وج َه ِ
اخلوارق املؤقت َة يف صورهتا الباقية َ
هناك؛ أي إهنا عندما َ ِ
فتشاهدُ تلك أيضا، ِ
األرض ،نظرت إىل عامل اجلنة ً
ذينك العا َلني م ًعا( ،املؤلف)
أن هلا إرشا ًفا عىل َ األرض تُلقي األخرى إىل ِ
اجلنة ،بمعنى َّ ِ تُلقى نظر ًة إىل
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 256
ل على
ل ذي الجلا ِ ألوف الث َّ ِ
مرات الجميلة ِ لشجرة ِ الخلقةِ ،عل َّقتنا يد ُ حكمة ِ الجمي ِ ُ حن
ن ُ
درب التَّبانةِ.
ِ السماء ِ وعلى أغصا ِ
ن شطرِ َّ
ن ولسا ٍ
ن ،ونُسمعُها إلى مَن هو ن ،بمئة ِ ِ
ألف لسا ٍ ن وبرها ٍ
ألف برها ٍ
ن مئة َ ِ
هكذا نُبي ِّ ُ
ن حق ًا.
إنسا ٌ
آيات
ٌ فنحن
ُ يسمع أَ قوالَنا البيِّنةَ..
ُ عين الملحدِ لا يرى وجوهَنا النيِّرةَ ،ولا
َميت ُ
ع ْ
حق.
ناطقة ٌ بال ِّ
النقط ُة األوىل
�﷽
﴿ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (آل عمران)188:
بالسوءِ!
ديب لنفسيَ الأمَّارة ِ ُّ
لطمة ُ تأْ ٍ
ُ
والطبيعة» قد «النفس ِ
العالـم ،فأنتام ُشبهيـن ال َّطبيع َة يف أنت يف جسمي تنعم ،يا نفيس! ِ
ُ َ
املنفعل َّ
وحمل َ املصدر ،بل َ
الفاعل وال أي أنتام لستام للرش؛ ْ ِ
للخري ،مرج َع ِ ُخلقتُام قاب َل ْ ِ
َ ين ِّ ي
الخير
َ الشر ،عندَ عد ِم قبولِكُما
تأثيرا واحدً ا فقط وهو تس ُّببكُما في ِّ أن لكما ً الفعلّ ،إل َّ ِ
قبول حسنًا. ِ
المطلق ً ِ
الخير الوار َد من
لم. ِ
احلامقة ومنتهى ال ُّظ ِ َّفس ويعبدُ الطبيع َة إذن يف ُمنتهى
فالذي يعبدُ الن َ
مجيل ..كال ،إن ِ
َّك مل ُ
يكون ً َ
اجلامل ينال ِ
اجلامل ،فالذي ُ مظهر فيا نفيس! ال تقويل :إنَّني
ُ
تكونني مظهرا له بل ممرا ِ
إليه. َ متثُّل تا ًّما ،فال َ
اجلامل ً تتمثيل
ً ً ُ
النقطة الثانية
الكريمة ﴿ :ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ (السجدة )7:نعمَّ ،
إن ِ أرسار ِ
اآلية ِ رسا من
نوضح ً
ُ
ٍ
أقبح شيء ،فيه جه ُة ُح ٍ
سن حقيقي ٌة ،فما من شيء ِ ٍ َّ
كل شيء في الوجود ،بل حتى ما يبدو أنَّه ُ
ِ
بنتائجه أي ٌ
مجيل بغريهْ ، مجيل بذاتِه ،أو ٌ
مجيل ِ إل وهو ٌ يقع فيه َّ ٍ ِ
في الكون ،وما من حادث ُ
نفسه إىل هذا احلدِّ من اإللزا ِم ِ ٍ ٍ ِ
املناظرةُ ،أ
إعجاب بإلزا ِم سعيد اجلديد َ عجبت أ َّيام
ُ ( )1حقا! إنني يف هذه
ٍ
مرة( ،املؤلف) قائل :بارك اهلل َ
ألف َّ
فيك َ فباركتُه وهنأتُه ً
� �� � � ��� � � � � � �
259 ��� ���� �� �����������
شوش ًة، ظاهر ِ
ِ ِ َ
أمرها قبيح ًة مضطرب ًة و ُم َّ احلوادث التي تبدو يف فهناك من التي ُيفيض إليها..
ٍ
دقيقة. رائق ،وأنام ًطا من ُن ُظ ٍم أنواعا من ٍ
مجال ٍ ً الظاهري ِ
الستار حتت ذلك
أن َإل َّ
ّ
ِّ
ابتسامات
ُ ختتبئ الغزيرة يف الربي ِع ِ ِ
واألمطار ِ
والعواصف الطيـن والغبارِ ِ حجابِ َفت َْح َت
ُ
اجلميلة ..ويف ثنايا ِ اهليفاء الس ِ
احرة ِ ِ
النباتات ُ
رشاقة وحتتجب الزاهية بروعتِها، ِ ِ
األزهار
َّ ُ
ِ
اخلرضاء ِ
لألوراق واهلاز ِة ِ
والنباتات، ِ
لألشجار ِ
املكتسحة اخلريفية املدم ِ
رة ِ ِ
العواصف
َّ ِّ
ِ ِ الش ِ ُذر ال َب ِ ِ
واالندثار ،هناك بشار ُة واملوت جن حلن َّ ني ،وعازف ًة َ من فوق األفنان ،حامل ًة ن َ
أوان تفت ُِّحللحياة يف ِ ِ تتفتح عيفة التي الض ِ الرقيقة َّ ِ ِ
احلرشات ِ
ملاليني ِ
العمل أس ِر ِ
ُ االنطالق من ْ
الش ِ طقس ِه، غوط ِ وض ِ ِ
تاء القاسي َة أن أنوا َء ِّ فضل عن َّ ً األزهار ،فتحافِ ُظ عليها من َق ِّر الشتاء ُ ِ
ِ ِ الربي ِع بمواكبِه احلزين َة تُه ِّي ُئ
الرائعة. اجلميلة لـمقد ِم َّ األرض استعدا ًدا َ َ
العواصف إذاِ ِ
عصف ِ
ستار حتت تختبئ َ ٍ
كثرية ٍ
معنوية ٍ
ألزهار تفتحا َ
هناك نعمَّ ،
إن
ُ ً
فبذور واألوبئة إذا انترشت؛ ِ ِ
األمراض ِ
وانتشار تزلزلت،ْ األرض إذا ِ ِ
وزلزلة عصفت
ُ
وتتجمل نتيج َة ُ الكامنة -التي مل تُستن َبت بعدُ -تتسن َب ُل ِ ِ
االستعدادات القابليات ،ونُوى ِ
والتحوالت ال ُك ِّل ِية في ِ َّقلبات، ِ ميع الت كأن َج َ شأ ِنا ،حتى َّ ظاهر ْ ِ حوادث تبدو قبيح ًة يف َ
البذور لتَستنبتَها. ِ تلك تنـز ُل على ِ أمطار معنوي ٌة ِ إن هي ّإل الوجود ْ ِ
ٌ
إل ِ
واألحداث ّ ِ
األمور باملظاهر واملتش ِّب َث هبا والذي ال َين ُظ ُر إىل ِ َ
املفتون َ
اإلنسان أن َب ْيدَ َّ
َنحرص فيها، األمور ،وت ِ ِ
ظاهر أنظاره إىل تتوجه خالل أنانيتِه ومصلحتِه َّ ِ ِ
ُ ُ بالذات ،تَرا ُه َّ من
ب ،تَرا ُه ِِ نتائج ِه
ِ بحس ِ ٍ يزن َّ وحيث إنَّه ُ ُ ِ
فحس ُ املتوجهة إليه ْ ب كل يشء َ بالقبح!.. فيحك ُُم عليها
اإلنسان واحدةً، ِ المتوجهة منها إىل ُ األشياء إن كانت ِ أن الغاي َة من حيكم عليه بالشَّ ! علمـًا َّ ُ
ِ
اجلليل تُعدُّ باأللوف. ِ ِ ِ
فاملتوجهة منها إىل أسامء صانعها ُ
يتضايق
ُ ِ
اإلنسان املمتد َة إليها ِ
األشواك التي تُدمي يدَ ذات
واألعشاب ُ األشجار فمثال:
ُ ُ
ِ
واألعشاب يف ِ
األشجار اإلنسان ويراها شي ًئا ضارا ال جدوى منه ،بينام هي ِ
لتلك ُ منها
ُ ًّ
ٍ ِ ُمنتهى األهم َّي ِة ُ
حيث َت ُر ُسها َ
بسوء. وت َف ُظها م َّمن يريدُ َّ
مسها
ُ
واحلال ِ
للرمحة، الض ِ
عيفة يبدو ُمناف ًيا العصافري وال ُّط ِ
يور َّ ِ قاب عىل انقضاض ال ُع ِ
ُ ومثال:
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 260
أحس ْت ِ
للظهور ال َيتح َّق ُق ّ الض ِ
عيفة َ ِ ِ َّ
إل إذا َّ فيزها
وت َ الطيور َّ قابليات تلك انكشاف
َ أن
اجلارحة عىل التَّس ُّل ِ
ِ رت بِ ُق ِ
درة ال ُّط ِ باخلطر الـم ِ
حد ِق هباَ ،
ط عليها.. يور وش َع ْ ِ ُ
الض ِيق لدى فصل ِّ ِ
ِ َ
هطول ال ُّث ِ ومثالَّ :
بعض ِّيثري َ
الشتاء ربام ُ يغمر األشيا َء يف
لوج الذي ُ إن
ِ الخ ِ ِ ِ حيرمه من ِ ِ
غايات
ٌ اجلليد رضة ،بينام ختتفي يف ِ
قلب هذا ومناظر ُ الدفء لذة اإلنسان ،ألنَّه ِ ُ
ِ
وصفها. ُ
اإلنسان عن يعجز
ُ ونتائج حلو ٌة دافئ ٌة جدً ا
ُ
النقطة الثالثة
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ (آل عمران)31: قال تعاىل﴿ :
يلزم إذن ُث ُ
بوت ِ ِ
شاهدُ ُ ،
قطعي كام ُي َ
ٌ أمر
الصنعة موجو ًدا يف الكون ،وهو ٌ
سن َّما دام ُح ُ
سن الش ِ
هود؛ َّ ِ
بدرجة ُّ ٍ ٍ ِ ِ
ألن ُح َ يقينية بقطعية والسالم
ُ األمحدية عىل صاحبها الصال ُة الرسالة
� �� � � ��� � � � � � �
261 ��� ���� �� �����������
لب ٍ
حتسني و َط ُ أن يف صانِ ِعها إراد ُة ِ
يدالن عىل َّ ِ
املصنوعات، الصورة يف ِ
هذه ِ َ
ومجال الص ِ
نعة َّ
أن يف صانِ ِعها محب ًة دالن عىل َّ التزيني ي ِ
ِ َ وطلب
َ ِ
التحسني وأن إراد َةالقوةَّ ،ِ تزيني يف ِ
غاية ٍ
والرغب َة
تلك املحب َة َّوأن َكامالت صنعتِه التي يف مصنوعاتِهَّ ، ِ ِ
إلظهار ُعلوي ًة ورغب ًة ُقدسي ًة
ذلك َّ
ألن ُ
اإلنسان؛ َ أال وهو وأبدعهاَ ، ِ ِ
املصنوعات ِ
وأنور ِ
أكمل ِ
تقتضيان قط ًعا مترك َُزمها يف
وإن ال َّثمر َة هي أجمع ٍ
جزء اخللقَّ ، ِ ِ
لشجرة ِ
واإلدراك بالش ِ
عور المجهز ُة ُّ َ
اإلنسان هو الثمر ُة
ُ َّ
ِ ِ
وشعور كيلٌّ .
ٌ وأبعدُ ُه من مجي ِع أجزاء تلك الشجرة ،ول ُه ٌ
نظر عا ٌّم
املخاطب للصان ِع
َ َ
يكون وشعور كيلٌّ هو الذي َيص ُل ُح أن
ٌ نظر عا ٌّم،
فالفر ُد الذي له ٌ
ُيل إىل ِ ِ يرصف َّ ِ َ ِ
كل نظره العا ِّم وعمو َم شعوره الك ِّ ُ حضوره ،ذلك ألنَّه واملاثل يف اجلميل
ِ
فبالبداهة يكون آالئه ون ِ
َعامئه.. كر ِ وتقديرها وإىل ُش ِ
ِ استحسان َصنعتِه
ِ ِ
لصانعه وإىل التَّع ُّب ِد
املحبوب.
ُ واحلبيب
ُ املقر ُب
املخاطب َّ
ُ ذلك الفر ُد الفريدُ هو
ِ
ودائرتان: ِ
لوحتان تشاهدُ
واآلن َ
ُ
بارعة ٍ
صنعة ُ
ولوحة ِ
واهليبة وغاية الر ِ
وعة ِ ٍ
ربوبية يف ُمنتهى االنتظا ِم إحدامها :دائر ُة
َّ
ِ
اإلتقان. اجلامل ويف ِ
غاية ِ
ٍ ٍ ٍ ولوحة ٍ ُ ِ رة مزه ٍ ٍ ٍ
وإيامن وشكر واستحسان تفكر للغاية، رة منو ُ َّ واألخرى :دائر ُة عبودية َّ
جهاتا ِ تتحرك بجمي ِع ُ ِ
العبودية هذه إن دائر َة بحيث َّ ُ مول، والش ِ والس َع ِة ُّ ِ ِ
يف غاية اجلامعية َّ
ِ
الدائرة أن رئيس ِ
هذه فهم بداه ًة َّ ِ وتعمل بجمي ِع ِ ُ ِ ِ
َ حلسابا؛ وهكذا ُي ُ قوتا الدائرة األوىل باسم
ُ
ويكون تكون عالقتُه مع الصان ِع قوي ًة متين ًة، ُ املتعلقة بمصنوعاتِه ِ الصان ِعالذي خيدُ ُم مقاصدَ َّ
لديه حمبو ًبا َمرض ًّيا عنده. ِ
﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ ( آل عمران)19:
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ (الفتح)29:
***
� ْ ْ ْ ُ ُ ْ يَ ْ ْ تَ ْ ْ َ مَ شَ ْ ��سَحَْ َ
ح ش���ر�ي����س� ت� دَر و �ه ش��������ار دَر �����س����ي�� �ه� �ه ���ى.. �ر
بٖ ح ٖ
� فْ َ تْ سَ ْ ْ نَ ْ ْ ّٰ كَ ْ بَ ٰ
� �� ر��سَ� ��م ���ف����سَ� ��م �حَ��ت�ى ى.. �خوا ب� ��غَ� ����ل� �
ِ
ُ ْ َ ْ ْ ْ فَ بَ قَ ْ ْ بَ يَ ْ هَ ْ ْ
�ع�م ْر ���ع��صر�ي����س� ت� ���سَ���� ْر �ا � ����ب�ر مٖى �� �ا ���د ز�� ر �حَى..
ِ ٖ
�ُ نْ ْ گ ُْٰ ُ يَ ُ ْ ْ نَ مَ
�� ن� ا وَا ��ى �چ و� �نَى.. �و ب� ك ب���بَر خٖ�ي�� ز� ���� �ا � �ى �چ�و ن���ا � �ى �
زٖ ِ ِ زٖ زٖ ِ
نَ ُ
بَگُ يَ رَ ْ َ مَ نَ ْ خَ�� ْ شَ ْ ْ سَارَ ْ زْ گ ْ شُ مَارَ ْ
اَ َ
�اه �بٖى ������ � �م�ي����ل ���ر�م�� � �م � �� �و �ا ب� پ� شٖ�����ي����� �ا �م ��
جٖ م
قَ َارَ ْ � شَ نَْ ذَ َ ْ اَ شْ ْ بَارَ ْ اَ زْ َ�يَ تْ
� �بٖى �ر �م پ� �ي���� �ا �م � لٖ�����ي��ل ����ك � �م � ح���ا
م َرٖ
ْ
�خ� تيَارَ ْ ْ يَارَ ْ ْ َ
ْعَ عَ �زَ نَ ُ نَ ْ فَ ضَ كَ
��غَ بَ ْ � سَ ْ
������م ��عٖ� ي�������م �ا ت�وَا �م ��لٖ ي���لْ �ا جِ� �ماِ �خ�ِت����� �م �بٖى اِ ِ����� ري������م بٖى �
م م ٖ
ْ ز ْ َگ تْ ٰ ْاَ مَ نْ ُگ يَ ْعَ فُ ْ ُ يَ ْ مَ ْ �خ ٰ
ل
�ا ����هَ �� اِ �هٖى اَل � �ا � �و�م� ����و �ج�و�م � �دَد �وا هَ��� ��م ِ� دَر �
�
ل���ل �ة ا ��لت ا �� � �ة � ش ة
�
ا � ك� �م� �� سع� ع���ر�
َخص الرسالة َ الأحمدية َ
ت ُّ
()1
حم ٍد.ﷺ
بم َّ
ِ
مدحت مقا َلتي ُ
ُ ولكن
ْ مدحت ُم َّمدً ا بمقا َلتِي،
ُ وما
الرشح ُة األُوىل
َّ
أدل َء عظا ٍم:
فني َّ
معر َ ف لنا ر َّبنا هو ُ
ثالثة ِّ عر ُ َّ
إن ما ُي ِّ
ِ
ملعات ثالث عشر َة ملع ًة «من
َ الكون ،الذي سمعنا شي ًئا من شهادتِه يف
ِ كتاب َّأو ُله:
ُ
ُّوري».
يب الن ِّ
املثنوي العر ِّ
ِّ
ديوان الن ِ
ُّبوة ﷺ. ِ خاتم ِ
العظيم ،وهو ِ
الكتاب ثانيه :هو ُ
اآلية الكُربى هلذا
ُ
احلكيم.
ُ ُ
القرآن ثال ُثه:
املرسلني ﷺ ِ
األنبياء وس ِّيدُ خاتم الناطق ،وهو
َ الربهان ال َّثاين
َ ف هذا فعلينا اآلن أن ِ
نعر َ
َ ُ
خاشعني.
َ وننصت إليه
َ
ٌ
عظيمة. ٌ
معنوية َّاطق له شخصي ٌة َ
الربهان الن َ اع َل ْم َّ
أن ذلك
( )1انظر :ابن األثري ،املثل السائر 357/2؛ القلقشندي ،صبح األعشى 321/2؛ قال أبو متام:
مدحت
ُ فلم أمدحك تفخيام بشعري ...ولكني مدحت بك املدحيا ،أخذه من حسان بن ثابت يف مدحه للنبي حيث قال:ما إن
بمحمد ،وانظر :املكتوبات لإلمام الرباين ج( 1املكتوب .)44 ٍ ُممدا بمقالـتي ...لكن مدحت مقالـتي
ِ ِ
البحث باللغة العربية يف املثنوي العريب النوري ،ثم ترمجَه إىل الرتكية وجع َله «الكلمة التاسعةَ النوريس هذا ( )2كتب األستاذ
ُّ
تقديم وتأخريٍ
ٍ يستوجب من ِ ِ
يب لألستاذ املؤلف مع ما ِ
ُ بالنص العر ِّ
ِّ احتفظت
ُ مرة أخرى عرشة»؛ فأثنا َء ترمجتي هلا إىل العربية َّ
كي. ِ ٍ ٍ
الت ِّ النص ُّ
وحذف وإضافة يف ضوء ِّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 264
ُ األرض مسجدَ ُه ،ومك َُّة حمرا َب ُه، ِ ِ ِِ قيل َ َ
واملدينة سطح
ُ لك :هو الذي لعظمته املعنو َّية َ
صار
البرش يب ِّي ُن هلم ِ وخطيب مجي ِع ُ ني خل َف ُه.. ون ِبه صا ِّف َ يأتم َ املؤمنني ُّ َ إمام مجي ِع رب ُه ..وهو ُ من َ
ألساسات ِ ِّيهم ويصدِّ ُقهم بجامع َّي ِة دينِه األنبياء يزك ِ ِ ورئيس مجي ِع سعاداتم.. ِ دساتري
ُ َ
مركز دائرةِ ِ ِ ِ ِ ِ
طب يف بشمس رسالته ..و ُق ٌ أديانم ..وس ِّيدُ مجي ِع األولياء ُيرشدُ هم و ُير ِّبيهم
ني ِ ني عىل كلمتِه، واألبرار املت ِ
ِ ِ ِ قة ٍ ح ْل ِ
الناطق َ َّفق َ ديقني
َ والص
واألخيار ِّ األنبياء ذكر تركَّبت من َ
وأغصانا ِ
السامو َّية، ِ ُ ُ ِبا ..وشجر ٌة نوراني ٌة عرو ُقها
ُ املتينة هي األنبيا ُء بأساساتم َّ احليوية
ِ ِ الخ ِضر ُة ال َّط ُ
عوى اللطيفة الن ِّير ُة هي األوليا ُء بمعارف ِهم اإلهلامية؛ فام من َد ً ُ وثمراتا
ُ رية َ
ستندين ِ
األولياء ُم وجميع بمعجزاتِـهم، ِ يدَّ ِعيها إلَّ ويشهدُ ل ُه
َ ُ مستندين ُ
َ األنبياء جميع
ُ
قال« :ال الكامليـن ،إذ بينام تَرا ُه َ َ دعاويه خواتِ َم مجي ِع ِ عوى من كل َد ً فكأن عىل ِّ َّ ِ
بكراماتم؛
-أي ي ْ ني النُّورانِ َّي ْ َ الص َّف ِ
واملستقبل من َّ ِ نسمع من املايض ُ إله َّإل اهلل» وا َّدعى التَّوحيدَ ،فإذا
فيكررونا ويت َ ِ الذ ِ
دائرة ِّ ِ ِِ ِ ِ ِ
َّفقون َ الكلمة، عين تلك كرَ - ين يف البرش ونجومه ال َقاعد َ شموس
وباحلق ِّ «صدقت
َ يقولون باإلمجاعِ: َ مشاربم؛ فكأنَّهم ِ ِ
وتباين اختالف مسالِ ِكهم ِ عليها ،مع
الشاهدين ِ
بشهادات َمن ال ُي َحدُّ من دت
دعوى تأ َّي ْ ٍ
َ لوهم أن َيمدَّ َيدَ ُه لر ِّد ً نطقت»؛ فأنَّى
َ
الذين تُزكِّيهم معجزاتُهم وكراماتُهم.
يدل عىل ذاتِ ِه بذاتِ ِه، مس ُّ كالش ِ كذلك هو َّ َ ِ
الدالئ ُل اآلفاق َّي ُة، واعلم أنَّه كام تُصدِّ ُقه ِ
هذه ُ ْ
ِ ِ ِ ِ ِ
اجتامع أعايل مجي ِع األخالق احلميدة يف ذاته باالتفاق ..وكذا ِ ِ
الدالئل األَ ْن ُفس َّي ُة؛ إذ ُ فتصدِّ ُق ُه
ُ
واخلصائل الن ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِِ
َّـزهية ..وكذا الغالية السجايا جمع شخصيته املعنوية يف وظيفته أفاض َل مجي ِع َّ ُ
بشهادة ِس ِيهِ،
ِ وثوقهِ
ِ ِ ِ ِ
قوة ُزهده و ُقوة تَقوا ُه و ُق َّوة ُعبوديته ..وكذا ُ
كامل ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َ قو ُة إيامنه بشهادة َّ
بشهادة ُق َّو ِة اطمئنانِ ِه ..تُصدِّ ُق ُه
ِ تانته ،وكذا ُق َّو ُة أمن َّيتِ ِه يف حركاتِ ِه وكامل م ِ
َ
ِ وكامل جدِّ َيتِ ِه ِ
لوك ِه احلقيق َة. باحلق وس ِ
َمسكه ِّ ُ
اطعة يف دعوى ت ِ ِ
ُّ َ
مس الس ِ
كالش ِ َّ َّ
يرشح
ُ بحث عن نبأٍ َع ٍ
ظيم ،إذ سيم ،و َي ُ يقول عن ٍ
أمر َج ٍ يقول؟ ..نعم ،إ َّن ُه ُلعجب! ما ُ ِ فيا َل
ِ اللغز العجيب يف سر ِخ ْل ِ وي ُّل
حكمة سر
املغلق يف ِّ
َ ويكشف ال ِّط َ
لسم ُ ويفتح
ُ قة العاملِ، ِّ َ َ َُ
َ
العقول وأوقعتها يف ِ
املعضلة التي َشغلت ِ
الثالثة ِ
األسئلة ويبحث عن ُ ويوض ُح
ِّ ِ
الكائنات،
أين؟ ِ ٍ سأل عنها ُّ األسئلة التي ُي ُ
ُ حل ْي ِة ،إذ هي
أين؟ وإىل َ
أنت؟ ومن َ موجود؛ وهيَ :من َ كل ا َ
الرابع ُة
الرشح ُة َّ
َّ
نورا ِ ِ انظر إىل هذا َّ
احلق ً
احلقيقة ضيا ًء ن ََّو ًارا ،ومن ِّ ينشـر من
ُ كيف
ُّوراين َ
خص الن ِّ الش ْ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 266
السادس ُة
الرشح ُة َّ
َّ
ِ
كامالت للكون ،كاش ًفا بدينِه عن
ِ شمسا قلتَ :من هذا َّ
فإن َ
صار ً
خص الذي نرا ُه قد َ
الش ُ
ِ
الكائنات؟ وما ُ
يقول؟
كشف
ُ بش ُر هبا ،و َي سعادة أبد َّي ٍة و ُي ِّ
ٍ رب عن هو ُيخ ُ
يقول :ها َ واستمع إىل ما ُ
ْ يل َ
لك :انظر ِق َ
الربوب َّي ِة و َن َّظ ُارها، ِ
حماسن َسلطنة ُّ ِ الناس إليها؛ وهو دلَّ ُل ٍ ٍ
عن رمحة بال هناية ،و ُيعلنُها ويدعو َ
عر ُفها. ِ ِ ات ِ اف مخفي ِ
كنوز األسامء اإلهلية و ُم ِّ وك ََّش ُ َ َّ
ِ
اهلداية وشمس ِ
احلقيقة راج برهان ِّ ِ
َ جهة وظيفتِه (رسالتِه) تَرا ُه
إليه من ِ
فانظر ِ
َ احلق وس َ
ووسيل َة الس ِ
عادة. َّ
مثال الر ِِ ِ ِ (عبوديتِه) ت ََرا ُه َ
جهة شخصيتِه ُ
ِ ثم انظر ِ
محة الرمحان َّية وت َ َّ
مثال املح َّبة َّ إليه من ْ
شجرة اخلِلقةِ.
ِ اإلنسانية ،وأنور أزه ِر ثمراتِ
ِ ف احلقيقةِوشر َ ِ
َ َ الربان َّيةَ ،
َّ
ارق ،وقد َقبِ َل الش ِ ِ
الربق َّ ِ
رسعة رب يفنور دينِه بالشَّ ِق وال َغ ِ َ
أحاط ُ ثم انظر! كيف
ُ
بحيث س بني آد َم هدي َة ِهدايتِ ِه، ِ
األرض ومن ُخ ُم ِ ِ
نصف قر ُب من ِ
القلب ما َي ُ
ِ
بإذعان
ات ِ
مثل مغالطة يف مدَّ َعي ِ
ٍ والش ِ
يطان أن يناقشا بال ِ
للنفس َّ يمكن أرواحها؛ فهل تَفدي هلا
ُ َ ُ َ
كل ُمدَّ َع َياتِ ِه ،وهي« :ال إله إال اهلل» بجمي ِع أساس ُِّ عوى هي خص ،الس َّيام يف َد ًِ هذا َّ
الش
مراتِبِها؟..
السابع ُة
الرشح ُة َّ
َّ
ِ
اجلزيرة قدسية ،فانظر إىل إجراآتِ ِه يف ِ
هذه ٌ حرك ُه إنَّام هو قو ٌة تعرف َّ
ْ أن ما ُي ِّ َ شئت أن
فإن َ
املتعصبني الش ِ
اسعة، هذه الص ِ
حراء َّ هذه األقوام املختلف َة البِدائي َة يف ِ أل تَرى ِ ِ
الواسعة؛ َ
َ َّ َ
هم ِ
أخالق ِ جميع خص كيف ر َف َع هذا َّ وخ ِ لعاداتم ،املعاندين يف َعصبيتِهم ِ
ِ
َ الش ُ صامهمَ ، َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 268
ٍ ٍ ٍ زمان ٍ ٍ يئة البِدائ َّي ِة و َقل َعها يف
الس ِ
عالية؛ فص َّي َرهم حسنة بأخالق قليل َدفع ًة واحدةً؛ َ
وج َّه َزهم َّ
ِ
املتمدنة؟ َ
وأساتيذ األ َم ِم اإلنساين ُمعلمي العاملِ
ِّ
األرواح
َ َ
والعقول ،و ُي ِّ
سخ ُر لوب
الق َ يفتح ُ ِ
الظاهر فقط؛ بل ها هو ُ فانظر ،ليست سلطنتُه عىل
ْ
ِ
األرواح. وس َ
لطان ِ ِ ِ
القلوب ومع ِّل َم العقول و ُمر َ
ُّفوس ُ يب الن محبوب
َ صار
ُّفوس ،حتى َوالن َ
ُ
اخلامسة. ُ
احلقيقة ُ
الكلمة العارشةُ، ()1
� �� � � ��� � � � � �
271 ��� ���� �� ������������
ين ِ ِ السالم إىل هذا العرص إىل ِ
ؤتم َ األعصار ُم ِّ صفوف آخر الدُّ نيا يف ُ بني آد َم ،من آد َم عليه
اجلامعة ..فها هو ِ بتلكالصالة َِ فعل يف تلك استمع إىل ما َي ُ دعائ ِه؛ ثم
به وم َؤمنيـن عىل ِ
ْ ُ ِّ َ
كل السام ُء بل ُّ األرض بل َّ ُ دعائ ِه
تشرتك معه يف ِ
ُ ُ ُ
بحيث عظيمة عا َّم ٍة
ٍ ٍ
شديدة ٍ
لحاجة َيدعو
أيضا بل مع مجي ِع ما األحوال :نعم يا ربنا تَق َّب ْل ُدعا َء ُه؛ فنحن ً ِ ِ
بألسنة َ
فيقولون ِ
املوجودات،
َرضعاتِ ِه ِ
انظر إىل َطوره يف َطرز ت ُّ
ِِ
هو ..ثم ْ يطلب َ ُ حصول ما َ نطلب
ُ
ِ
أسامئ َك تج َّلى علينا من
ُ
بحيث حمبوبية ح ٍ
زينة؛ ٍ ميق ،يف ٍ
وبحزن َع ٍ ٍ
شديد، ٍ
اشتياق عظيم ،يف ٍ ٍ
بافتقار ترض ُع؛
َ كيف َي َّ َ
ترضع؟ ها هو وغ ٍ
اية َي قصد َ دعائ ِه؛ ثم انظر ألي م ٍ رشكُها يف ِ الكائنات ف ُيبكيها ف ُي ِ ِ ُيه ِّي ُج بكا َء
ُ ْ ِّ َ
ِ
املخلوقات إىل كل اإلنسان ،بل العاملُ ،بل ُّ ُ ِ
املقصد َل َس َق َط حصول َ
ذاك ُ ٍ
ملقصد لوال يدعو
ِ
كامالتا.. ِ
مقامات املوجودات إىل
ُ سافلني ال قيم َة هلا وال معنى ،وبمطلوبِ ِه تتر َّقى َ ِ
أسفل
ِ ِ دسية أسبا ًبا ُمقتضي ًة هلاَ ،لكَفى دعا ُء هذا َّ الق ِ ِ
ُّوراين ل ْن َ
يبني ر ُّبه ل ُه خص الن ِّ الش األسامء ُ
بمعجزات مصنوعاتِ ِه؛ فكام
ِ كل ربي ٍع ِجنانًا ُمز َّين ًة نشئ لنا يف ِّ ِ ِ ِ
وألبناء جنسه اجلنَّ َة ،كام ُي ُ
دعاؤ ُه يف صار َ لالمتحان والع ِ ِ لفتح هذه الدَّ ِار الدُّ نيا
صارت رسا َل ُت ُه سب ًبا ِ
ُ كذلك َ بودية، ُ ْ
ِ
واملجازاة. ِ
للمكافآت ِ
اآلخرة لفتح ِ
دار عبوديتِ ِه سب ًبا ِ
ِ
احلسنة الواسعة ،يف هذه الص ِ
نعة ِ الفائق ،يف هذه الر ِ
محة االنتظام مكن أن َيق َب َل هذا
َّ َّ ُ ُ فهل ُي ُ
ِ
اإلمكان بـ«ليس في ِ
والعقل أهل الت ِ
َّحقيق أنطق َ ٍ
-بدرجة َ بح ِ
اجلامل بال ُق ٍ بال ُق ٍ
صور ،يف هذا
َ
عظيم؛ ٍ شَشو ٍ ٍ شني ،و ُظ ٍبح َخ ٍ احلقائق إىل ُق ٍ كان»( -)1أن تتغيـر ِ أبدع مما َ
وحش ،وت ُّ لم ُم ُ هذه َ ُ
ٍ
بأمهية بولاحاج ٍة و َق ُ صوت من أدنى َخ ٍ ٍ ِ ِ أي بعد ِم
لق يف أدنى َ سامع أدنى ُ اآلخرة؟ إذ جميء ْ
ول ،يف سؤ ٍ ِ ٍ ٍ ٍ
تامة ،مع عد ِم سام ِع أرف ِع صوت و ُدعاء يف أشدِّ حاجة ،وعد ِم َق ُب ِ ٍ
أحسن َم ُ ول َّ
ِ ٍ أمجل ٍِ
وكل ..ال صور ،حاشا ُث َّم حاشا َّ صور ال يساويه ُق ٌ بح و ُق ٌ قبح ليس مث َل ُه ُق ٌ أمل ورجاء؛ ٌ
ِ
املحض. الق ِ
بح مثل هذا ُ ور َ ِ
املشهود بال ُق ُص ٍ ِ
اجلامل مثل هذا قبل ُ َي ُ
واستفاض ْت
َ صور
اخضر ْت تلك ال ُع ُ َّ كيف
عرصاَ ، ً عرصا
ً َف ْلنرج ِع ال َقهقرى ،و ْلن ْ
َنظر
ِ عرص َتر ِ ِ
عرص ِ
بشمس أزاهير ُه
ُ انفتحت
ْ عليه قد ٍ ُّ العصـر؟ نعم ،تَرى َّ
كل فيض هذا ِ من
نيد يزيد البِسطامي(*) واجل ِ والشافعي(*) وأيب ٍ أمثال أيب حنيف َة َّ ِ كل ٍ
عرص من وأثمر ُّ الس ِ
عادة،
ُ ِّ ِّ َ َّ
والشاه النَّقش َبند(*) واإلما ِمِ الكيالين(*) ..واإلمام الغزايل ِ
القادر ِ
والشيخ عبد البغدادي
(*)
ِّ
(*)
ِّ
ُّوراين؛ فلن َُؤ ِّخر ِ ِ
فيض هداية َ
ذلك َّ ِ ٍ ٍ الرباين ون ِ
خص الن ِّ الش ألوف ثمرات ُم َّنورات من َ َظائرهم ِّ
ُّوراين ِ ذلك َّ ُصل ونُس ِّل ْم عىل َ ٍ ٍ ِ
تَفصيالت َمشهوداتنا يف ُرجوعنا إىل وقت آخر ،و ْلن ِّ ِ ِ
الذات الن ِّ
قسم من معجزاتِ ِه: ُشري إىل ٍ وسال ٍم ت ُ
ٍ ِ
اهلادي ،ذي املعجزات بصلوات َ
ِ
( )1انظر :الغزايل ،إحياء علوم الدين 258/4؛ الذهبي ،سري أعالم النبالء 337/19؛ الشعراين ،الطبقات الكربى 105/2؛
املناوي ،فيض القدير .495/4 ،224/2
� �� � � ��� � � � � �
273 ��� ���� �� ������������
الرحيم م َن الْ َع ْرش الْ َ الر ْحن َّ يم ِم َن َّ ك ُ َ َ َ ُ َ َ َ ُْ آُ ْ
ال َ
يم
ِ ظِ ع ِ ِ ِ ِ ِ ِ نـزل علي ِه القر�ن عل م ن أ ِ
أنفاس َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ّ َ ُ َ َّ ُ
أم ِت ِه. ِ ألف صل ٍة وسلمٍ بِعد ِد س ِي ِدنا مم ٍد ألف ِ
ُ َ َّ ُ ُ َ ُّ ُ ُ َ َ َّ َ ُ ُ َّ ْ ْ َ َ ُ َّ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ
اصات الره ِ ه ِ ِ ت و ب ن ِ ب ش ب و ، ر ب الز و ور ب الز و يل جن
ال ِه اتلوراة و ِ
ال ش بِ ِرس ِ عل من ب
ُ َ َُ َ ْ انش َّق بإ َش َ ّ َ َ ُ ََ َ َ ْ َ ْ َ ََ ُ
ارتِ ِه الق َم ُرَ ..س ِي ِدنا م َّم ٍد ألف ألف ِِ شو ال ِن وكوا ِهن الب ِ وهواتِف ِ
َص َلة َو َس َل ب َع َدد َح َسنَات َّ
أم ِت ِه. ِ مٍ ِ ِ ٍ
ْ َ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َ َ َ ُ ً َّ َ ُ َ َ َ َ ََ َ َ َ ْ َ ْ
امة ـزل ُس َعة بِ ُد َعئِ ِه المطر ،وأظلته الغم لع َوتِ ِه الشجر ،ون عل من جاءت ِ
اء من بَني َ ْ
َََ َ َ ََ ْ آ َ
اع من ط َ ال َ ّرَ ،و َشبَ َع من َ َ ْ
أصابِ ِع ِه ِ شَ ،ونبع الم ُ ِ ِ ب ال ن مِ ت � م ِ ه
ِ م
ِ ا ع ِ ٍ ص ِ ِمن ِ
ْ
َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّّ َ ُ َّ َّ َ َّ ْ َ َ ّ ْ َ َ ْ َ َ ّ َ َ َ َ َ َّ
ذل َراع الذع وا ِ ذلئب و ِ ات كلكوث ِر ،وأنطق الل ل الضب والظب وا ِ ثلث مر ٍ
َ ْ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ
ب ال ِمع َراج َو َما َزاغ الَ َص، ِ احِ
ج َرَ ..
ص الش َ والمل والبل والجر والمدر و
َُْ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ ُ ّ ُ ُْ ُ َ ّ َ َ َ ُ َ َّ
وف المتش ِك ِة ِف ك الر ِ ألف صل ٍة وسلمٍ بِعد ِد ِ س ِي ِدنا َوش ِفي ِعنا مم ٍد ألف ِ
ك كِ َم ٍة ِم َن
َ َ َ ُّ َ َْ َ َ َ َ َ َ ُّ َ ْ ُ َ َ ّ َ ْ َّ ْ الْ َ َ
ات الهوا ِء ِعند قِراء ِة ِ ات المتم ِثل ِة بِإِذ ِن الرح ِن ِف مرايا تموج ِ كم ِ ِ
ار َحنَا يَا إل َ َهناَ َ َ
الز َمان َواغ ِف ْر لا َو ْ ـزول إل � ِخر َّ آ َ َّ ُّ ُ َ ّ ُ آ ُْ
ِ ِ ِ ئ ِمن أو ِل انل ِ ار ٍ كق ِ القر� ِن ِمن ِ
نها� ..آم َ ك ّل َص َلة م َ ُ
ني. ِ ٍ ِ بِ ِ
أعاظم َّف يف ِ
بيانا ِ
األمحدية ال تُعدُّ وال ُتدُّ ،ولقد صن َ دالئل الن ِ
ُّبوة َ [اعلم َّ
أن
ُ
ٍ
رسالة الش ِ
مس يف ٍ
عاعات من تلك َّ املحققني؛ وأنا مع َعجزي و ُق ُصوري قد ب َّي ُ
نت ُش َ
نت عرش» ،وكذا ب َّي ُ ِ ِ ِ امة ُ ُركية مس ٍ
ت ٍ
َّاسع َ
«املكتوب الت َ َّبي ﷺ» ويف بـ«شعاعات معرفة الن ِّ ُ َّ
القاص إىل ِ ِ بفهمي
َ أرشت
ُ إعجاز معجزتِ ِه الكُربى (أي القرآن) وقد ِ إمجال وجو َه ً
نت من تلك ِ
رسالة «ال َّلوامعِ» ،وقد ب َّي ُ ِ
القرآن يف ِ
إعجاز ِ
وجوه وجها من أربعني
ً
أربعني صحيف ًة من تفسريي َ ِ
مقدار الفائقة الن ُ
َّظمية يف ُ ُ
البالغة الوجوه واحدً ا وهو ِ
ِ
الثالثة.].. ِ
الكتب شئت فارجع إىل ِ
هذه ِ
اإلعجاز» ،فإن َ ِ
بـ«إشارات املسمى
يب َّ العر ِّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 274
اإلسالمي،
ِّ وأساسات هلذا العا َل ِ
ـم ٌ ِ
املتني، ِ
العظيم مؤس ٌس هلذا الدِّ ِ
ين َ
القرآن ِّ اعلم َّ
أن ْ
أسئلة الطبقاتِ
ِ البرش ومحو ُلـها ومبدِّ ُلـها ،وجواب ملكرراتِ ِ
َّ َ ٌ َُ ِ ُ ِّ ب الجتامعيات ومق ِّل ٌ
ِ
للتثبيت ،ومن س من الت ِ
َّكرير للمؤس ِ ِ
واألحوال ..والبدَّ ِ
األقوال ِ
بألسنة املختلفة للبرش َّي ِة
ِ
ِّ
للتقرير والت ِ
َّأييد. ِ َأكيد ،ومن الت ِ
َّكرار ديد للت ِ الت ِ َّ
حقائق
َ ِ
اإليامن هبا ،وعن القلوب إىل ٍ
عظيمة ويدعو َ
مسائل ُ
يبحث عن َ
القرآن اعلم َّ
أن
َ
أفكار العا َّم ِة من
ِ القلوب وتَثبيتِها يف
ِ ِ
لتقريرها يف العقول إىل معرفتِها؛ فال ُبدَّ
َ ٍ
دقيقة ويدعو
تنوع ٍة.
وأساليب ُم َ
َ صور ُمتل َف ٍة
ٍ الت ِ
َّكرار يف
املقا ُم ُ
األول
�﷽
﴿ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ (البقرة)34:
﴿ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ (البقرة)74:
الكريم يف ن ٍ ِ فيض ِ
ِ ِ ِ
ُكات ِ القرآن نور كنت أتلو هذه اآليات الكريم َة يو ًما ،فور َد ٌ
إهلام من ُ
ِ
الواردة هي: الش ِ
بهة إبليس! ،وصور ُة ُّ ِ
إلقاءات ٍ
ثالث ليصدَّ
َ
كل ٍ ِ
البالغة ،وإِ َّن ُه ُهدً ى للعاملني يف ِّ عج ٌز ،ويف ُذ ِ القرآن م ِ
وقت روة َ ُ تقولونَّ :
إن َ قال :إنَّكم
َكرارها؟ ٍ َ ِ ٍ
حوادث ُجزئية ورس ُدها رس ًدا تارخي ًّيا والتأكيدُ عليها وت ُ كر
وآن ،ولكن ماذا يعني ذ ُ
األوصاف ،حتى تَسم ِ ِ قرة ِضمن ٍ كذبح ب ٍ كر حادثِ ٍة ج ٍ وما الدَّ اعي إىل ِذ ِ
ت َّ هالة من َ ِ َ زئية ُ
مواض ِع ِه ِ ذكر يف ٍ
كثري من ِ
أرباب العقول عا َّم ًة و َي ُ َ َ
القرآن ُيرشدُ ِ
«البقرة»؟ ُث َّم َّ
إن السور ُة باسم ُّ
ِ ِ ِ ون» أي ُي ُ ِ
« َأ َفال َي ْعق ُل َ
غيبيأمر ٌّ أن حادث َة سجود املالئكة آلد َم ٌ العقل ،يف حني َّ األمر إىل
ـحيل َ
أين ِ ِ ِ بالتسليم ِ
ِ إليه سبيالَّ ، العقل ِ ُ
الراسخ ..ثم َ القوي
ِّ اإليامن اإلذعان بعدَ أو إل َم ٌض ال جيدُ
ِ
وإضفاء والص ِ
خور ِ
لألحجار دث ُمصادف ًة حاالت طبيع َّي ٍة َت ُ
ٍ ِ
القرآن بيان ِ
اهلداية يف ِ وج ُه
ُّ
أمهي ٍة ٍ
بالغة ع َليها؟ َّ
� � � � � � �
279 �������� ��������� � ������� ���������� � -�
َت المله ِ
مة هي اآلتي ُة: وصور ُة النُك ِ
ُ َ ُ
النُّكت ُة األوىل
عظيم؛ كلي حاد ٍ
كل ِوراء ِّ حوادث جزئ َّي ًة،
َ ِ
القرآن الحكي ِم
ٌ ستور ٌّ
يكمن ُد ٌ ُ ث ولكن َ
ْ إن فيَّ
زء من ُه.
وج ٌكلي ُ ٍ
شامل ٍّ ف من قانون عا ٍّم الحوادث ألن َّها َط َر ٌ
ُ وإنَّما تُذك َُر َ
تلك
ِ
األسامء تعليم الكريمة ﴿ :ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ (البقرة )31:تُب ِّي ُن َّ
أن ُ ُ
فاآلية
َ
الستعداد ِه للخال َف ِة؛
ِ إظهارا
ً
ِ
املالئكة، السالم جتا َه ِ ِ
معجز ٌة من معجزات س ِّيدنا آد َم عليه َّ
ِ
-املالك ِ
اإلنسان تعليم أن ٍ
لدستور ُكيلٍّ هوَّ : طرف
ٌ وهي وإن كانت حادث ًة جزئ َّي ًة َّ
إل أنَّها
َ
ِ
الكائنات، أنواع َ
َستغرق الستعداد جامعٍ -علو ًما كثري ًة ال ُتدُّ ،وفنونًا كثري ًة ال ُتىص حتى ت ٍ
َ
وشؤونِ ِهالكريم سبحانَه ُ ِ ِ
اخلالق ِ
لصفات الشامل َةاملعارف الكثري َة َّ َ تعليم ِه
ِ فضل عن ً
ِ اإلنسان َ أه َل ِ
املالئكة وحدَ هم، ليس عىل لينال أفضلي ًةَ ، َ التعليم هو الذي ََّ إن هذا احلكيمةَّ ..
ِ
األمانة الكُربى. محل ِ
واجلبال ،يف ِ ِ
واألرض ِ
اموات الس
أيضا عىل َّ بل ً
أن يف س ِ ِ ِ القرآن ِخالف َة
جود كذلك َّ ُ َ األرض خالف ًة معنوي ًةُ ،
يبني اإلنسان عىل ُ ذكر
وإذ َي ُ
ٍ
مشهود ٍ
لدستور حادثة جزئ َّي ٌة غيب َّي ٌة -طر ًفاٌ ِ
الشيطان ل ُه -وهي املالئكة آلدم وعد ِم س ِ
جود ِ
ُ َ
بذكر ِه طاع َة
الكريم ِ َ َ
القرآن ـن حقيق ًة عظيم ًة هي َّ
أن ِ ِ ِ
كيلٍّ واس ٍع جدً ا ،ويف الوقت نفسه يب ِّي ُ
وامتناعه عن الس ِ
جود ،إنام الش ِ
يطان السالم وتَك ُّب َر َّ ِ ِ ِ
ُّ َُ لشخص آد َم عليه َّ املالئكة وانقيا َدهم
سخر ٌة ك ُّلها
ني عليهاُ ،م َّ والموك َِّل َ ِ ِ فه ُم َّ
وحانيني ُ
َ أغلب األنوا ِع املاد َّية للكائنات وممثليها ُّ
الر َ أن ُي ِّ
وأن الذي ُيفسدُ استعدا َد اإلنسان إفاد ًة تا َّم ًة ،وهي ُمنقا َد ٌة ل ُهَّ .. ِ حواس ِ
إلفادة مجي ِع و ُمه َّي َأ ٌة
ِّ
وممثالتا وسكنتُها ُ الشير ُة الل هي املوا ُّد ِّ الض ِ يئات وإىل َّ الفطري ويسو ُقه إىل الس ِ اإلنسان ِ
ِ
َّ ُ َّ
ِ
الكامالت. ِ
اإلنسان إىل ِ
صعود ِ
طريق وعوائق عظيم ًة يفَ رهيبيـن، اخلبيثة ،مما َيع ُلها أعدا ًء ُ
َ
ٍ
حادثة من ِ ِ ِ الق ُ
يدير ُ
السالم وهو فر ٌد واحدٌ ض َ الكريم هذه املحاور َة مع آد َم عليه َّ
ُ رآن وإذ ُ
البرشي قاطب ًة. ِ
الكائنات ُبر َّم ِتها والنَّو ِع دير ُماور ًة سامي ًة مع ِ ٍ
ِّ ُجزئ َّية ،فإنَّه يف احلقيقة ُي ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 280
الفاطر ِ
الصخور ،فقد َأوك ََل إليها ُ
طبقة السيار ،هو ِ ِ ِ ( )1نعمَّ ،
ُ املهيب َّ األرض الزاوية لقرص حجر
َ إن
غريه.
مني بأن يبني هذه الوظائف ،ال ُ الكريم وحدَ ُه ال َق ُ
ُ ُ
والقرآن وظائف مهم ًة، َ َ
ثالث ُ
اجلليل
الرتاب يف ِحجرها بالقدرة اإلهلي ِة ،كام يؤدي الرتاب وظيف َة األُ ِ
مومة ِ وظيفة مرب َّي ِة
ُ فوظيفتُها األوىل:
ُ َّ ْ
ِ
العمل عىل جريان املياه جريانًا ُمنتظام يف جسم األرض، ُ ُ
الوظيفة الثانية: ِ
للنباتات بالقدرة الربانية..
اخلزان لألهنار
جريان الدَّ م ودورانه يف جسم اإلنسان ..الوظيفة الفطرية الثالثة :وظيفة َّ َ والذي يشب ُه
ٍ
منتظم. دقيق ٍ
وفق ميزان ٍ استمرارها عىل ِ
ِ والعيون والينابيعِ ،سوا ٌء يف ظهورها أو ِ
ِ ٍ ٍ ِ ِ
َسكب من أفواه ِها من ماء باعث عىل احلياة ُ
تنرش ُ وبملء َفمها بام ت ِ
بكامل قوهتا الصخور
َ نعم ،إن
ِ
األرض وتسطرها فوقها( ،املؤلف) ِ
الوحدانية عىل َ
دالئل
� � � � � � �
283 �������� ��������� � ������� ���������� � -�
ُ
احلكمة ِ
األرض بل تتجلَّ فيها أيضا بعينِها جتري َ
حتت احلكمة والعنا َي ِة اجلار َي ِة عليها هي ً
ِ
وأغرب منها انتظا ًما.
َ بأعجب منها حكم ًة
َ والعناية الربان َّي ُة
ُ اإلهل َّي ُة
ِ
األوامر تلني ليون َة َّ
الشم ِع جتا َه وأصم َها ُ َّ َ
وأضخ َمها الص ِ
خور أصلب ُّ َ تأ َّم ُلوا جيدً ا! َّ
إن
املياه الر ِ
فات اإلهلي ِة أي ِ تلك املو َّظ ِ ٍ ٍ ِ
قيقة َّ َّ التكوين َّية ،وال تُبدي أ َّي َة مقاومة أو قساوة ت ُ
ُذكر جتا َه َ
ِ ِ
لطيفة لطاف َة روق ا َّل واجلذور الدَّ ِ
قيقة وال ُع ِ ِ
بمس من عاشق ُي َش ُّق قل َبه ٍّ
ٌ كأنا
احلرير ،حتى َّ
ِ
طريق ِه َّن.. فتتحو ُل تُرا ًبا يف ِ
واجلميالت، ِ
لطيفات تلك ا َّل ِ
أنامل َ
َّ
ٍ
حقيقة وكذا قو ُله تعاىل ﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ ،فإ َّن ُه ُيب ِّي ُن طر ًفا من
األرض ،والتي تَجمدَ ْت بعد أن كانت يف ٍ
حالة ِ ِ
سطح ِ
اجلبال التي عىل هيَّ :
أن ٍ
َّ عظيمة جدً ا َ
ٍ الصلدَ ِة ،تَتفت َُّت و َتتَصدَّ ُع، الص ِ وسائ َل ٍة؛
ِ ٍ
بتجليات خور َّ ُتل ضخم ًة من ُّ
وأصبح ْت ك ً
َ مائعة
اجلبلذلك ُ
وأصبح دكًّا ََ وانقالبات أرض َّي ٍة ،مثلام تَنا َث َر
ٍ ِ
صورة َز َ
الزل جالل َّي ٍة ،تتجىل عىل
جل جال ُله.طلب موسى عليه السالم رؤي َة اهلل َّ الرب سبحانه يف ِ ِ
الذي تج َّلى عليه ُّ
ورهب ًة ٍ ٍ ِ اجلبال ،من َخ ِ ُ هتبط من ُذرى َ ور ُ
ظهور جتليات جالل َّية َ شية تلك الص ُخ ُ فتلك ُّ َ
آخر يبقى عىل هي َئ ِة
وقسم ُ ٌ النباتات..
ُ َنشأ ِ
فيه ينقلب تُرا ًبا ت ُ ُ سم منها ِ
أجزاؤها؛ فق ٌ ُ منهاَ ،فتتنا َث ُر
ِ
األمور كثري مناألرض يف ٍ
ِ فيستخد ُمها ُ
أهل ِ الس َ
هول ِ ٍ
َكتسح ُُّ الوديان وت تتدحرج إىل
ُ صخور
ٍ
سجدة ومنافع شتَّى ،فهي يف ٍ
خمفية أمور ِ
وحك ٍَم فضل عن ٍ ً مثل- املساكن ً ِ ِ
-كبناء الن ِ
َّافعة
َ
احلكمة الربان َّي ِة.
ِ ِ
لدساتري ٍ
وانقياد تا ٍّم للقدرة اإلهل َّي ِة
ِ ٍ
وطاعة
ِ
الواط َئ َة األماكن ِ
واختيارها فيعة من َخ ِ
شية اهلل ملواض ِعها الر ِ خور ِ الص ِ أن َ ريب َّ
َ َّ ترك ُّ فال َ
ليس ُمصادف ًة ِ
حيدث عب ًثا وال ُسدً ى وهو َ ُ أمر التواض ٍع َج ٍّمُ ،مسبب ًة مناف َع جليل ًة َشتَّىٌ ، يف ُ
غري انتظا ٍم يف وحكمة وإن َبدا يف ِ ٍ حكيم ُيحد ُث ُه بانتظا ٍم ٍ رب ٍ
قدير تدبري ٍّ ُ هو
أيضا ،بل َ عميا َء ً
ِ
األمر. ِ
ظاهر
خور ويشهدُ ِ
عليه َشهاد ًة ال الص ِ ِ ُ
واملنافع التي تُجنى من تَفتُّت ُّ
ُ والدليل عىل هذا ،الفوائدُ
ِ للح َل ِل التي تُخ َل ُع عىل ِ ريب فيها ُ
تتدحرج منها
ُ اجلبال التي الصنعة ُ سن َّوح ُكامل االنتظا ِم ُ َ
ُّقوش البديعةِ.
ِ ِ ِ ِ ِ
باألزاهري اللطيفة والثمرات اجلميلة والن ُ
تزدان الص ِ
خور ،والتي ُّ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 284
احلكمة اإلهل َّي ِة.
ِ ِ
زاوية ُ
العظيمة من الثالث هلا أهميتُها ِ ِ
اآليات أن ِ
هذه كيف َّ
وهكذا رأيتُم َ
بي طر ًفا بالغتِه الر ِ ِ الق ِ واآلن تدبروا يف لطا َف ِة ِ
بيان ُ
كيف ُي ِّ ُ
فيعةَ ، إعجاز َ َّ ِ
العظيم ويف رآن َ َّ
ِ
ثالث حقائق جليل ٌة وواسع ٌة جدً اُ ،يب ِّينُها يف
ُ ِ
املذكورة ،وهي احلقائق ال َّث ِ
الث ِ وجزءا من ِ
هذه ُ ً
مدار َ َ ِ ٍ ٍ َ ِ فِ ْق ٍ
لتكون َ حوادث أخرى ثالث مشهودة ،وين ِّب ُه إىل مشهورة حوادث ثالث رات ويف
قاوم. ِ ٍ
زجرا ال ُي ُويزج ُرهم ًُ األلباب عربة ألوىل
ِ انية ﴿ :ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ إىل الفقرة ال َّث ِ
ِ يشير في ً
الصخرة فمثلُ :
ست منها اثنتَا َع ْشر َة عينًا ،ويف فانبج َْ رضب عصا موسى ِ حتت
وق َ الش ِ ِ
بكامل َّ التي انش َّقت
الضخم َة
خور َّ َ
إرسائيل! َّ ُ الذ ِ نفسه يور ُد إىل ِّ الوقت ِِ
الص َ إن ُّ ويقول :يا َبني هن هذا املعنى
وتذرف
ُ معجزات موسى عليه السالم ِ ٍ
واحدة من ٍ
عجزة وتليـن جتا َه ُم تتشت َُّت و َتتَش َّق ُق
ُ
معجزات موسى عليه ِ فكيف تتمر ُد َ
ون جتا َه يل من َخشيتِها أو من ُس ِ
ورها، كالس ِ
َ موع َّ الدُّ َ
َقسو. َجمدُ وت ُ
َغلظ قلو ُبكُم وت ُ السالم ُك ِّلها ،وال تَد َم ُع أعي ُنكُم بل ت ُ
تلك احلادث َة اجلليل َة التي الثة ﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ َ الفقرة ال َّث ِ
ِ و َيذكُر في
اإلهلي تلك هي التج ِّلي ناجاة س ِّيدنا موسى عليه السالم؛ َ ِ ور َسينا َء ،أثنا َء ُم حدثت يف ُط ِ
ِّ
األرجاء من َخشيتِه سبحانه؛ وي ِ ِ ِ
رشدُ يف ُ اجلبل وج ْع َل ُه َدكًّا حتَّى تَفت ََّت وت َ
َناثر يف األعظم إىل
َ
َّقون اهلل وال ختشو َن ُه،كيف ال َتت َ الوقت نفسه إىل َمعنى كهذا :يا قو َم موسى -عليه السالمَ - ِ ِ
الوقت الذي ِ صخور َصلد ٌة َتتَصدَّ ُع من َخشيتِ ِه وتتبع َث ُر ،ويف اهق َة التي هي الش ِ َ
اجلبال َّ أنمع َّ
ٌ َ
ِ ِ ِ
ور َفو َقكُم ،مع مشاهدَ تكُم وعلمكم تَش ُّق َق بل ال ُّط ِ ِ
الميثاق منكُم برف ِع َج ِ
َ ترون أنَّه قد َ
أخذ َ
فرائ ُصكم من َخشيتِه سبحانَه ،بل ون وال تَرتعدُ ِ جتر ُؤ َ
فكيف ُ َ ِ
الرؤية، طلبِ ِ
حادثة ِ
اجلبل يف
ُ
تغلظ قلو ُبكم؟!.
و َيذكُر في الفقرة األولى ﴿ :ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾ مشريا إىل ٍ
أهنار ً
َيل تلك األحجارِ ِ
نفسه مدى ن ِ اجلبال ويع ِّل ُم يف الوقت ِ رات الن ِ
َّابعة من ودجل َة وال ُف ِ
ِّيل ِ
كالن ِ
ُ
فيورث األوام ِر التَّكوين َّي ِة و َمدى كَونِها ُم َّ
سخر ًة هلا؛ ِ ِ
اخلارق جتا َه ِ
واالنقياد ِ
املعجزة لل َّط ِ
اعة
لوب املتي ِّق َظ َة هذا املعنى:
الق ََّعليم ُ
هبذا الت ِ
� � � � � � �
285 �������� ��������� � ������� ���������� � -�
األهنار الع ِ ملثل ِ
ظيمة ِ َ هذه منابع حقيق َّي ًة ِ
َ الض ُ
خمة ُ
اجلبال َّ تكون هذهَ مكن َقط ًعا أن
إنَّه ال ُي ُ
حواضا خمروط َّي ًة أصبح ْت َأ ِ ِ
الكامل مملوء ًة باملاء ،أي لو ِ
بحجمها ُ
اجلبال ألنَّه لو كانَت ِ
هذه
ً َ
لسريها ِ َ
وذلك ٍ
شهور، ِ
لبضعة إل ِ
األهنار َّ ات َ
تلك األهنار ،فإنَّها ال تكفي لرصفي ِ ِ َ
لتلك
َّ
مرت ،ال ألكثر من ٍ الت ِ
اب األمطار التي ال تَن ُف ُذ يف ُّ فضل عن َّ
أن ً ائم؛ ِ
وجريانا الدَّ ِ السَّ ي ِع
َ َ
ِ
اهلائلة. ِ
الرصفيات لتلك ٍ
واردات كافي ًة َ أيضا ُ
تكون ً
َ
تكون هبذه الك ِ
َثرة ،فال ُبدَّ أن األهنار وتَد ُّف ِقها ِ
ِ تكفي لتفج ِر ِ
هذه أن األسباب املادي َة ال ِ
َّ
ُّ َّ َ
الواردات
ُ محة َغيب َّي ٍة ،وعندها َتت َ
َواز ُن خزينة ر ٍ
َ
ِ غيب ،وأنَّها ِتر ُد من
ٍ ِ
عالـم مناب ُعها يف
درسا بلي ًغا وين ِّب ُه إىل هذا املعنى:الكريم ًُ ُ
القرآن وتدوم؛ وهكذا ُيع ِّل ُم ُ فيات
ُ والصَّ
جليل ،وبِغف َلتِكُم ٍ رب
أوامر ٍّ َ َعص َ
ون ِ
إرسائيل ويا َبني آد َم! إنَّكم بقساوة قلوبِكم ت ُ َ يا َبني
رص إىل َجن ٍَّة أرض م َ
ُّور المصو ِر الذي حو َل َ ِ
َّ ذلك الن ِ ُ ِّ نور معر َف ِة َ ون عيو َنكُم عن ِ ُغمض َ عن ُه ت ُ
ٍ حجار ص ٍ األهنار من ِ وار َف ِة ال ِّظ ِ
بسيطة لدة ٍ َ أفواه َأ ِ َ
املبارك وأمثا َله من العظيم
َ الل و َأجرى الن َِّيل ِ
ظيمة ون ِّير ًة بشدَّ ِةاألهنار الع ِ
ِ َ بقو ِة َ
تلك ِِ
قدرته وشواهدَ وحـدان َّيته قو َّي ًة َّ
ِ ِِ ِ
ظهرا ُمعجزات َ ُم ً
ِ
األرض، الكائنات و ُيس ِّل ُمها إىل ِدما ِغ
ِ الشواهدَ يف ِ
قلب تلك َّ فيضع َ ُ وإفاض ِاتا؛َ ُظ ِ
هورها
واإلنس ويف ُعقوهلم. ِ اجلن
قلوب ِّ ِ و ُي َس ِّي ُلها يف
( )1انظر :البخاري ،بدء اخللق ،6مناقب األنصار ،42األرشبة 12؛ مسلم ،اإليامن 264؛ أمحد بن حنبل ،املسند ،164/3
.209 ،208/4
وجيحان والفرات والنيل ّ
كل من أهنار اجلنة» ،مسلم ،كتاب اجلنة 26؛ «س ْيحان َ
( )2عن أيب هريرة قال :قال رسول اهلل ﷺَ :
أمحد بن حنبل ،املسند 440 ،289 ،260/2؛ احلميدي ،املسند 491/2؛ أبو يعىل ،املسند 327/10؛ الطرباين ،املعجم
الكبري .18/17
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 286
عجزات قدرتِ ِه
ِ عورا َق ُّط( )1ت ُ
َنال ُم صخورا جامد ًة ال َت ُ
لك ُش ً ً ثم إنَّه سبحانه وتعاىل َي ُ
عل
فكيف ال ت َ
َرون َ الش ِ
مس؛ مس عىل َّ الش ِ ِ
ضوء َّ ِ
كداللة ِ
اجلليل ِ
الفاطر حتى إنَّها ت ُّ
َدل عىل
جل جال َله؟ ُور َمعرفتِ ِه َّ وتَعمى أبصاركم عن ِ
رؤية ن ِ ُ
بالغ ِة
َّظر يف َ ِ ِ
الث ُح َل َل البالغة اجلمي َلة ،ود ِّق ِق الن َ
احلقائق ال َّث ُ
ُ فانظر! كيف َلبِ َس ْت هذه
َنسحق َخشي ًة أمام ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ذلك َ ُ اإلرشاد لرتى مدى ال َقساوة والغل َظة التي َتلكُها ُق ٌ
لوب ال ت
ِ
اإلرشاد البليغِ.
ِ
سلوب ِ
إعجاز ُأ الكلمة إىل هنا َيتِها ،فشاهدْ لمع َة
ِ بداية ِ
هذه ِ فهمت من
َ كنت قد
فإن َ
القرآين واشكر رب َك العظيم ِ ِ
عليه. َ َّ اإلرشاد ُ ِّ
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
ب َوتَ ْر َض َو َو ّف ْقنَا ل ْد َمته� ..آم َ
ني ار الْ ُقر�آن َك َما ُت ُّ ا َ َّّ َّ
لل َف ّه ْمنَا ْ َ
أس َ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ني.اح َ ك يَا ا َ ْر َح َم َّ
الر ِ ِ
َ َْ َ
بِرح ِت
َْ
أجع َ َ ْ ََ آ لل َص ّل َو َسلّ ْم َع َل َمن أُ َ َ َ ْ ُ آ ُ ْ َ ا َ َّّ َّ
ني. كيم َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه ِ نـزل علي ِه القر�ن ال ِ ِ ِ ِ
الكلمة ِ
العرشين ِ املقا ُم ال َّثاين من
عجزات الأنبياء ِ
ِ قرآنـي تَتلألأ على وجه ِ م ُ
ٍّ لمَعة ُ إعجا ٍز
�﷽
﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ Ý Üﰌ ﴾ (األنعام)59:
ِ ِ ِ ِ
الكريمة يف اآلية أرسار هذه سا من خيص ًّ أربع عرش َة سن ًة( )1بح ًثا ُّ قبل َ كتبت َ ُ لقد
َ
واآلن ِ
اإلجياز» ِ
اإلعجاز يف َم ِّ
ظان ِ
بـ«إشارات باللغة العرب َّي ِة املوسو ِم
ِ تفسريي الذي كتبتُه
ِ
البحث، الت ِ
كية لذلك ِ
باللغة ُّ إيضاحا أكتب ِ َريم ِ ِ ِ
لطلب َأ استجاب ًة
ً عزيزين عندي ُ ني خوين ك َ
ُ
فأقول: ِ
الكريم، ِ
القرآن ِ
فيض ستلهم من ِ
القدير و ُم ِ
بتوفيق ال َعيل مستعينًَا
ً
ُ
الكريمة تُب ِّي ُن أنَّه ما من الكريم؛ فهذه ُ
اآلية ُ
القرآن بين» -عىل ٍ
قول -هو «ك ٍ
تاب ُم ٍ إن ِ
َّ
ُ
ِ
الكريم. ِ
القرآن وهو يف طب وال يابِ ٍ
س ّ َر ٍ
إل َ
َ -أتُرا ُه كذلك؟
يشء؛ َّ
ألن كل ٍ فيه َّواحد أن يرى ِ ٍ يستطيع ُّ
كل يشء؛ ولكن ال كل ٍ ِ
القرآن َّ -نعمَّ ،
إن يف
ُ
ِ
اليشء أو بذور ِ
الكريم؛ فأحيانًا توجدُ ِ
القرآن ٍ
تفاوتة يف ٍ
درجات ُم ِ
األشياء تبدو يف صور
ُ َ
عالمات، ِ
عليه دساتيره ،وأحيانًا توجدُ ِ
جمل الشَّ ء أو ُخالص ُت ُه ،وأحيانًا نُوا ُه ،وأحيانًا ُم ُ
ٌ ُ
ِ كل من ِ
ُ
القرآن َنبيها؛ فيع ِّب ُر رمزا أو إِهبا ًما أو ت ً رجات؛ إما رصاح ًة أو إشار ًة أو ً هذه الدَّ و َي ِر ُد ٌّ
ِ
واملناسبة. وبمقتىض املقا ِم ِ أساليب َ ِ ِ
ِ ِ
احلاجةُ ،َ ب وح َس َ بالغتهَ ، ضمن
َ أغراضه الكريم عن
ُ
لم والص ِ ِ ِ ِ
ناعة، وأمثالا من ُمنجزات الع ِ ِّ َ والالسلكي
َّ إن ال َّطائر َة والكهربا َء والق َ
طار فمثالَّ :
ِ
العاملية األوىل. ِ
احلرب السنوات األُوىل من
( )1املقصو ُد َّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 288
الصناعة والعلم، ورق ِّي ِه يف ِم ِ
ضامر ِّ اإلنساين ُ احلديثة ،والتي تُعدُّ َحصيل َة التَّقدُّ ِم ِ التِّـكنُو ُلوجيا
ِّ
املاد َّي ِة؛
اإلنسان ،و َتبو َأت مكان ًة خاص ًَة يف حياتِ ِه ِ
َّ َ َّ
ِ موضع اهتام ِم
َ االخرتاعات
ُ أصبحت ِ
هذه
البرش ،بل قد ِ خياطب البشري َة قاطب ًة ،مل ي ِمل هذا اجلانِب من ِ
حياة فالقرآن الكريم الذي ِ ُ لذا
َ ُ ُ ُ
َني: اخلوارق العلم َّي ِة من جهت ِ
ِ أشار إىل َ
تلك َ
السالم. ِ ِ اجله ُة األوىل:
عليهم َُّ األنبياء عجزات أشار إليها عندَ بحثه عن ُم َ
احلوادث التارخي َّي ِة.
ِ بعض رسد ِه َ ِ أشار إليها عندَ
َ اجله ُة الثاني ُة:
ِ
اآلتية: ِ
الكريمة ِ
اآليات ِ
القطار يف أشار إىل ِ ِ
سبيل املثال :فقد َ فعىل
﴿ﭛ ﭜ ﭝ* ﭟ ﭠ ﭡ * ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ * ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ * ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ (( )1الربوج ،)8-4:وأيضا:
﴿ ﭖ ﭗ ﭘ * ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ (يس)42-41:
ِ
القسم ،وبذلوا ُجهو ًدا كثري ًة يف ضالء قد انرصفوا إىل هذا ِ الكثريون من ال ُف
َ وملا َ
كان
ب ِد َّق ًة متناهي ًة ويستدعي َبس ًطا َو ِاس ًعا للموضو ِع ِِ
أن القيا َم ببحثه يتط َّل ُ
علم َّتوضيحهً ،
ِ
ٍ ٍ ِ
الباب ،ونكتفي َ ضل عن وجود أمث َلة َوفرية عليه ،لذا ال ُ
نفتح هذا وإيضاحا واف ًيا؛ َف ً
ً
ِ
املذكورة. ِ
باآليات
ِ
عجزات ِ
القرآن عن ُم ضمن بحث ِ
االخرتاعات األول الذي يشري إىل ِ
تلك ُ القسم أ َّما
َ ُ ُ
نامذج من ُه. ِ
سنذكر َ
ُ األنبياء..
املقدم ُة
تمعات إنسان َّي ٍة ليكونوا هلم ٍ السالم قد ُب ِع ُثوا إىل ُم عليهم َّ ُ أن األنبيا َء الكريم َُّ ُ
القرآن ُيب ِّي ُن
أن اهلل قد وضع ِ
بيد ٍّ ِ أئم َة اهلدى ُيقتَدى ِبم ،يف ُرق ِّي ِه ُم
كل َ بي يف الوقت نفسه َّ َ املعنوي ،و ُي ِّ ُ
ِّ
يأمر أيضا؛ أي إنَّه ُ املادي ً ِّ للبرشية و َأساتذ ًة هلا يف تَقدُّ ِمها ِ منهم معجز ًة ماد َّي ًة ،ون ََّصبهم ُر َّوا ًدا
ِ
الكريم
ُ ُ
القرآن حيض األمور املاد َّي ِة واملعنو َّي ِة؛ إذ كام ُّ ِ اتباعا كامال يف ِّباعهم ً باالقتداء هبم وات ِ
السالم، احلميدة التي يتح َّلى هبا األنبيا ُء ِ نور اخلِ ِ االستزادة من ِ ِ َ
عليهم َّ ُ صال اإلنسان عىل
ومئ أيضا ُي ُ عجزات ُم املاد َّي ِة ً ِ كامالت ُم املعنو َّي ِة ،فإنَّه عند بحثِ ِه عن ُم ِِ وذلك عندَ بحثِ ِه عن
شري إىل َح ِّض ِه عىل ِ
تلك املعجزات التي يف أيدهيم ،و ُي ُ
ِ بتقليد َ ِ ِ
اإلنسان ليقو َم إثارة َش ِ
وق ِ إىل
املادي َّ املعجزة هي التي أهدت إىل البرش َّي ِة الك َ
َمال ِ إن يدَالقولَّ : ُ نظائ ِرها ،بل َي ِص ُّح بلو ِغ ِ
ُ
ِ ُ َ مر ٍة ،مثلام ِ ِ
الم
الس ُ نوح عليه َّ سفينة ٍ املعنوي؛ فدون ََك َّ الكامل أهدت إليها ْ وخوار َق ُه ألول َّ
يوسف عليه السالم ،وهي إحدى معجزاتِ ِه؛ فقد َقدَّ َمتْهام يدُ َ وساع ُةَ وهي إحدى ُمعجزاتِه،
احلقيقة ،وهي اختا ُذ ِ لطيفة إىل هذه ٌ َ
وهناك إشار ٌة ِ
البرشية، مر ٍة هدي ًة ثمين ًة إىل ِ ِ
املعجزة ألول َّ
-مثل -اختذوا َ
حون األنبياء رائدً ا لصن َعتِ ِهم و ُقط ًبا ملهنَتِهم؛ فامللَّ ِ الصنَّا ِع نب ًيا من ِ
ً أغلب ُّ
السالم إما َمهم، ِ َ ِ
يوسف عليه َّ َ اعاتيون اختذوا س ِّيدَ نا والس
السالم رائدَ ُهمَّ ، نوحا عليه َّ س ِّيدَ نا ً
مرشدَ هم.. اطون اختذوا سيدَ نا إدريس عليه السالم ِ َ واخل َّي
َّ َ ِّ
وجوها ٍ
كريمة لكل ٍ
آية أن ِّ البالغ ِة قد ات ُ
َّفقوا مجي ًعا َّ َ قون من ِ
أهل كان ال ُعلام ُء املح ِّق َ
وملا َ
ً
آيات
اآليات وهي ُ ِ أسطع َ
تكون يمكن ْ
إذن أن وجهات كثري ًة للهدا َي ِة؛ فال ٍ ِ
لإلرشاد، عدَّ ًة
ُ ُ
ِ
واهلداية. ِ
لإلرشاد معانـي َبليغ ًة َج ًة أيضا تتضمن ً ِ
املعجزاتَ ،س ًدا تارخي ًّيا ،بل ال ُبدَّ َّأنا
َ ُ
خيط الحدود الن ِ ِ ِ ِِ
ِّهائية ألقىص ما الكريم بإيراده ُمعجزات األنبياء إنَّام ُّ ُ َ َ َ
القرآن نعمَّ ،
إن
هناياتا ،وغا َي ِة
ِ ناعات ،ويشري هبا إىل ِ
أبعد ُ ُ
ِ اإلنسان يف ِ
جمال ال ُعلو ِم ِّ
والص ُ يصل ِ
إليه يمكن أن َ
ُ
ويدِّ ُدها، ِ ِ ٍ
رشية من أهداف؛ فهو هبذا ُيع ِّي ُن أبعدَ األهداف النِّهائ َّية هلا ُ يمكن أن ُت ِّق َق ُه ال َب ُ ما
ُ
أنتلك الغا َي ِة ،و َيسو ُقها إليها؛ إذ كام َّ حضها عىل بلو ِغ َ حيث البرش َّي َة و َي ُّ ذلك ُّ بعد َ ومن ِ
ور املايض حصيلة ُب ُذ ِ
ُ ومرآ ٌة ت ِ
َعك ُس ُشؤونَه ،فاملستق َب ُل ً
أيضا ور املستقب ِل ِ املايض مستو َد ُع ُب ُذ ِ
َ
ومرآ ُة أحوالِه.
ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 290
مثال ،من ذلك النَّب ِع الف َّي ِ
اض الواسعِ: ُبي بضع َة َ
نامذج ً وسن ِّ ُ
فمثال ﴿ :ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ (سبأ.)12:
تسخري ليامن عليه السالم ،وهي ِ
معجزات س ِّيدنا ُس َ ـن ُمعجز ًة من ُ هذه ُ ِ
ُ الكريمة تُب ِّي ُ اآلية
ُشري إىل َّ
أن ُ ِ ٍ
واحد ما ُيق َط ُع يف ِ
اهلواء يف يو ٍم الر ِ
فاآلية ت ُ شهرين؛ قطع يف
يح له ،أي إنِّه قد َ ِّ
هذه املسا َف ِة يف اهلواءِ.
مثل ِ ِ
البرش لقط ِع ِ مفتوح أما َم الطريق
َ
ٌ
ِ
املنـزلة ما دا َم هذه املرتب َة ،واسع للدنو من ِ
هذه تبلغ ِ اإلنسان! ِ
حاول أن َ ُ فيا َّأيا
ِّ ْ َ
إن ِ
الكريمةَّ : ِ
اآلية يقول يف معنى ِ
هذه الطريق ُمَهدً ا أما َمك؛ َ
فكأ َّن اهلل سبحانَه وتعاىل ُ ُ
ِ فوق مت ِ ترك هوى ِ
نبذتَ ُ
اإلنسان! إن اهلواء ،وأنت أهيا ُون نفسه ،فحملتُه َ عبدً ا من عبادي َ َ
أيضا َ
يمكنك ً ِ
الكون، ِ
اجلارية يف واستفدت جيدً ا من قوانني ُسنَّتي
َ ك ََس َل الن ِ
َّفس وترك َت ُه،
ِ
اهلواء. أن َت َ
تطي صهو َة
ومثال ﴿:ﭿ ﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ (البقرة.)60:
تشري ِ ِ ُ هذه ُ
الكريمة تُب ِّي ُن ُمعجز ًة من معجزات س ِّيدنا موسى عليه السالم ،وهي ُ اآلية
ٍ ٍ ِ خزائن الر ِ
يمكن
ُ بسيطة ،بل بآالت ِ
األرض حتت
املدفونة َ محة ِ َّ يمكن االستفاد ُة من ُ إىل أنَّه
ِ لدة ٍ أرض ص ٍ ِ تفجري ِ
عصا. كاحلج ِر بوساطة ً
َ ميتة ٍ َ احلياة ،من ينبوع
ُ املاء ،وهو ُ
فيضٍ ألطف
ُ ختاطب البرشي َة هبذا املعنى :يمك ُنكُم أن جتدوا املا َء الذي هو فهذه ُ
اآلية ِ
ُ
ِ
وتكش ُفو ُه؛ فاهلل بجد لتجدو ُه بوساطة عصا ،فاسعوا واعملوا ٍ ِ ِ
اإلهلية، فيوضات الر ِ
محة ِ من
َ َ َّ
ٍ هلذه ِ اإلنسان باملعنى الرمزي ِ ِ
ويثق دمت ُأس ِّلم بيد عبد يعتمدُ َّ
علي ُ اآلية :ما ُ َّ َ ب
سبحانه خياط ُ
ِ
قوانني اعتمدت عىل
َ يب عصا ،يتمكن هبا أن يفجر املاء أينام شاء؛ فأنت أهيا اإلنسان ِ
إن َ ُ ِّ َ َ ُ ً
اسع لتجدَ َ
تلك خترتع آل ًة شبيه ًة َ
بتلك العصا ،أو نظري ًة هلا ،فه َّيا َ َ أيضا أن ُ
يمكنك ً رمحتي،
اآلل َة.
ِ
استخراج ُ
اإلنسان من يتمكن إلجياد ِ
اآللة التي هبا ِ أن هذه اآلي َة َس َّب ٌ
اقة كيف َّ
فأنت ترى َ
ُ
قي ال َبرش َّي ِة؛ بل ِّ
إن اآلي َة الكريم َة قد ِ
األماكن ،والتي هي إحدى وسائ ِل ُر ِّ ِ ِ
أغلب املاء يف
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
291 ��������� � ���������� �
� �
نت ُ
اآلية الغاية منها ،بمثل ما عي ِ
ِ تلك ِ
اآللة و ُمنتهى حلدود استخدا ِم ِ
ِ ِ
النهائي عت َّ
اخلط وض ِ َ
َّ
تبلغ إليه ال َّطائر ُة احلارضةُ.
يمكن أن َ ُّقاط الن ِ
ِّهائية ،وأقىص ما األوىل أبعدَ الن ِ
ُ
ومثال ﴿ :ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ (آل عمران.)49:
امية التي َيتح َّلىاألخالق النَّبوي ِة الس ِ
ِ حيث البرشي َة رصاح ًة عىل اتِّبا ِع الكريم إذ ُّ ُ
فالقرآن
َّ َّ ُ
يديه منبني ِ النظر إىل ما َِ رمزا عىلوحيض ً ب أيضا ُي ِّ
ُّ رغ ُ هبا س ِّيدُ نا عيسى عليه السالم ،فهو ً
ٍ
عظيم. اين ٍ ِ ِ ٍ
ب ر َّب ٍّ مهنة ُمقدَّ سة وط ٍّ
الـمزمن َِة ِ دواء َيشفي َأشدَّالكريمة تشري إىل أنه يمكن أن يع َثر عىل ٍ ُ فهذه ُ ِ
األمراض ُ ُ ُ َ اآلية
فكل ٍ ِ ِ
داء مهام املصابُّ ،
ُ الـمبت ََل اإلنسان ،وال ت ْ
َقنط ُّأيا ُ ُ والع َل ِل املستعصية ،فال ت ْ
َيأس أهيا
ِ
املوت ُ
معاجلة يمكن وجدْ ُه ،واكتش ْف ُه ،بل حتَّى ممكن ،فابحث عن ُهِ ، وعالج ُه كان ،له دوا ٌء، َ
ُ ٌ ُ
ِ
املؤقتة. ِ
احلياة ِ
ألوان ون من نفس ِه ب َل ٍ ِ
لعبد من ِع ِ
بادي ت ََر َك هبت ٍ ِ
الكريمة :لقد َو ُ هلذه ِ
اآلية يقول باملعنى اإلشاري ِ فاهلل سبحانه ُ
ِّ ُ
عالج ِ
إحداها دوا ٌء لألسقا ِم املعنو َّية ،واألخرى
ُ الدُّ نيا ألجيل ،وعا َفها يف سبييل ،هد َّيت ِ
َني:
ٌ
ِ
األموات ِ
بحكم داية ،واملرىض الذين هم بنور اهلِ ِ
َـة تُب َع ُث ِ فالقلوب املـ ِّيـت ُ لألمراض املاد َّي ِة؛
ِ
ُ
اإلنسان! بو ِ فيبـر ُؤون بِ ِه؛ وأنت أهيا ٍ جيدون ِشفا َء ُهم
سع َك أن جتدَ يف ُ ُ ونفخَ ، ٍ بنفث منه َ
ذلك الدوا َء فإن ََّك
السبيل ،واكشف َ ِ فاسع يف هذه داء ُيصي ُب َك، لكل ٍ صيدل َّي ِة ِحكمتي دوا ًء ِّ
َ
وظافر ِبه.
ٌ ال َمال َة واجدُ ُه
ِ
األهداف التي يص ُبو ُ
الكريمة أقىص املدى وأبعدَ هذه ُ
اآلية وهكذا تَرى كيف تَرسم ِ
ُ ُ
ِ َ وت ُّث ِ
اهلدف َ ُ
الوصول اإلنسان عىل ُشري إىل َ
ذلك فاآلية ت ُ البرشي من تَقد ٍم؛ ُّ بإليها ال ِّط ُّ
ِ
إليه .
﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ (ص.)20: ومثال ﴿ :ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ (سبأ)10:
ُ
الكريمة: ُ
واآلية السالم؛ ِ ِ ِ ِ ِ
هاتان اآليتان ختصان معجز َة س ِّيدنا داو َد عليه َّ
ِ ِ ختص معجز َة س ِّي ِدنا
اآليات
ُ فهذه السالم؛ َ
سليامن عليه َّ ﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ (سبأُّ )12:
ِ
احلديد فتليين نبي َع ٍ
ظيم؛ فضل ٍنعمة إهلي ٌة ُعظمى ،إذ ُيب ِّي ُن اهلل به َ ِ
احلديد ٌ َليني
أن ت َ تشري إىل َّ
ُ ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 292
ِ املعادن وكَش ُفها هو ُ ِ ِ ُ ِ وجع َل ُه
ناعات أصل مجي ِع ِّ
الص ُّحاس وإيجا ُد وإذابة الن كالعجني، َ
ِ
ومعد ُن ُه. ِ
اجلانب احلضاري من هذا وهو أ ُّم التَّقد ِم ِ
ِّ وأساسهاَ ، ُ البرشية،
ويله أسالكًا وت ِ ِ
كالعجني َ ِ
احلديد اإلهلية ال ُعظمى يف ت ِ
َليني ِ ِ
النعمة تشري إىل فهذه ُِ
اآلية ُ
حيث وه َبها الباري ناعات العا َّم ِةُ ، ِ الص
عظم ِّ حمور ُم ِ ِ
ُّحاس ،واللذان مها ُ ِ رفيع ًة ،وإِسا َل ِة الن
عظيم؛ فام دا َم سبحانه ٍ ِ
لألرض وخ ٍ
ليفة عظيم َ ٍ ٍ
لرسول عجزة ُعظمى ٍ ِ
صورة ُم اجلليل عىل ُ
اخلطاب ،وس َّلم إىل ِ فوهب لِلسانِ ِه احلكم َة و َف َ
يده ِ َ َ صل َ ٌ
وخليفة م ًعا، ٌ
رسول كر َم َمن هو قد َّ
ِ
حيا ،فال ُبدَّ َّ
أن حضا رص ً وهب للسانِ ِه ًّ َ الصنع َة البارع َة ،وهو َي ُّض البرشي َة عىل االقتداء بام َّ
نعة ومهارةٍ. يده من ص ٍ َحض عىل ما يف ِ ب وت ُّ هناك إشار ًة ت ِّ َ
َ َ ُرغ ُ
آتيت عبدً ا من عبادي الكريمة :يا بني آد َم! لقد ُِ هلذه ِ
اآلية يقول باملعنى اإلشاري ِ فسبحانه ُ
ِّ
ومألت قل َبه حكم ًة ل ُي َف ِّص َل
ُ ِ
اخلطاب، آتيت لسانَه َ
فصل ضع ملا ك َّلفتُه بهُ ،
وخ َ أطاع أوامري َ َ
كالشم ِع
يكون الحديدُ َّ ُ ِ
البارعة ما ِ
الصنعة ووضعت يف ِ
يده من ٍ
ووضوح، كل ٍ
يشء عىل َب ِّي ٍنة َّ
ُ
وإدامة دولتِهِ أركان خال َفتِه
ِ ِ
إلرساء فيها ،ف ُيغ ِّي ُـر شك َله كيفام يشا ُء ،و َيستمدُّ منه قو ًة عظيم ًة
بالغة يف حياتِكُم االجتامع َّي ِة؛ فأنتم أمهية ٍ
ٍ عل ،وذا وواق ًَعا فِ ً
كم ِه؛ فام دام هذا األمر ممكنًا ِ
ُ َ
وح ِ
ُ
نعة ،فيمك ُنكُم والص ُ ُ
احلكمة َّ أيضا َ
تلك ب لكم ً ُوه ُأوامري التكويني َة ت َِ يا بني آد َم إن أطعتُم
من أن تقرتبوا منهام وتَبل ُغومها. الز ِ ِ
بمرور َّ
ِ
القوة جمال البرشية أقىص أمانيها يف الص ِ
ناعة ،وكَس َبها القدر َة الفائق َة يف ِ ِ فإن بلو َغ
وهكذا َّ
ِّ ِّ
تستقطب ُ
الكريمة اآليات
ُ ِ
فهذه ُّحاس ِ
(القطر)؛ ِ احلديد وبإذا َب ِة الن
ِ ِ
بتليني املاد َّي ِة ،إنَّام هو
ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
ين إليها ،فتُن ِّب ُه
الفني وكُساىل احلاض َ الس َ أنظار البرشية عا َّم ًة إىل هذه احلقيقة ،وتلف ُت َن َظ َر َّ َ
درها. حق َق ِ رونا َّ
أولئك الذين ال ُيقدِّ َ َ
ومثال ﴿ :ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ( ﴾..النمل.)40:
ممكن، ٍ
بعيدة -عينًا أو صورةً- ٍ
مسافات ِ
األشياء من إحضار تشري إىل َّ
أن فهذه اآلية
ٌ َ ُ
السالم، ِ ديوان س ِّي ِدنا ُس َ
ِ احلادثة اخلار َق ِة التي وقعت يف
ِ وذلك بدال َلتِها عىل تلك
ليامن عليه َّ
لقيس، ِ َّحضري» :أنا َِ وزرائ ِه الذي ُأوتِ ِ
ِ
بعرش َب َ آتيك غزيرا يف «علم الت
ـي ع ًلم ً َ عندما قال أحدُ
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
293 ��������� � ���������� �
� �
ٍ
بمعجزة لك والنبو َة م ًعا ،وأكر َم ُه الم َ ِ َ
السالم ُ سليامن عليه َّ ولقد آتى اهلل سبحانه سيدنا
أحوال َرعايا ُه ،و ُمشاهدَ ِة ِ عوبة عىل ف وال ص ٍ
ُ
بنفس ِه وبال تَك ُّل ٍ املباش ِيتمكن هبا من اال ِّطال ِع ِ ِ ُ
أمور ط يف ِ الش َط ِ وصونِ ِه من َّ ِِ أوضاعهم ،وسام ِع مظاملِ ِهم؛ فكانت هذه املعجز ُة َم َ ِ
ناط عصمته َ
ِ
اململكة. ِ
أرجاء دالة عىل راية الع ِ لبسط ِِ عية؛ وهي وسيل ٌة قوي ٌة الر ِ
َ َّ
بلسان استعداداتِ ِه وقابلياتِ ِه التي ِ إليه ،ويسأ ُل ُه إذن ويطم ِئن ِ
فمن يعتمدُ عىل اهلل سبحانه ْ َ َ ُّ َ
َ ِ ِ ِ ِ الس ِ ِ ِ
وسار يف حياته عىل َو ِ
تتحول ل ُه يمكن أن
ُ الربان َّية، نن اإلهل َّية والعناية َّ فق ُّ َ طر عليها، ُف َ
طلب السالم ،الذي ِ َ منتظمة أما َم ُه كام َحدَ َ ٌ ٌ ُ
َ لسليامن عليه َّ ث مدينة الواسعة كأنَّـها الدُّ نيا
وصار ماثِ ًل أما َم ُه، َ رفة َع ٍ
ين حض يف َط ِ ِ
بلقيس ُفأ َ َ ِ
عرش إحضار
َ ُّبوة املعصو َم ِة بلسان الن ِِ
ِ
احلاشية ِ
رجال أصوات
َ والش َّك َّ
أن اليمن؛ َ ِ كان يف الشا ِم بعد أن َ بالد َّ بعينِه أو بصورتِ ِه ،يف ِ
َ
ِ
صو ِرهم. ِ ِ ِ الذين كانوا َ
العرش قد ُسم َع ْت مع ُمشاهدة َ حول
ُ
فاآلية بعيدة؛ٍ ٍ
مسافات ِ
واألصوات من الص َو ِر ِ تشري إشار ًة رائع ًة إىل فهذه ُ
إحضار ُّ اآلية ُ
ِ
ُ
العدالة أنحا َء َ
تريدون أن تسو َد البالد! إن كنتُم احلكام! ويا من تس َّلمتُم َ
أمر ُ ختاطب :أ ُّيها
ُ
ِ
األرض كا َّف ًة، ِ
مشاهدة ما جيري يف السالم واس َعوا ِمث َل ُه إىل ِ َ مملكَتِكُم ،فاقتدوا
بسليامن عليه َّ
دالة يف راية الع ِ سط ِ العادل الذي يتط َّلع إىل ب ِ ُ فاحلاكم ِ
أرجائها؛ حيدث يف مجي ِع ُ ومعر َف ِة ما
َ َ ُ ُ
شف ُق عليهم ،ال ُ أبناء مملكتِ ِه ،وي ِ ؤون ِ لطان الذي يرعى ُش َ والس ُ ِ
يصل إىل ُمبتغا ُه ُ ُربو ِع البالدُّ ،
َعم العدا َل ُة ح ًّقا ،و ُي ِنق ُذ ٍ ِِ
أقطار مملكته؛ وعندئذ ت ُّ ِ الع -متى شا َء -عىل استطاع اال ِّط َ
َ إل إذاّ
ِ
املعنوية. نفسه من املحاسب ِة والتَّبِع ِ
ات َ َ َ َ ُ
آتيت عبدً ا من الكريمة :يا بني آد َم! لقد ُِ فاهلل سبحانه خياطب باملعنى الرمزي هلذه ِ
اآلية َّ ِّ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ٍ
األرض أحوال املباش عىل
الع َ َنح ُت ُه اال ِّط َ كم مملكة واسعة شاس َعة األرجاء ،و َم ْ عبادي ُح َ
ٍ هبت ِّ ِ ِ ِ
إنسان قابلي ًة لكل كنت قد َو ُ ُ كامل؛ و َلـمَّ
ً العدالة تطبي ًقا تطبيق َّن من وأحداثها ليتمك َ
يناسبُ ريب أنِّي قد َز َّود ُت ُه -بمقتىض ِحكمتي -ما األرض ،فال َ ِ ليكون خليف ًة يف
َ فطر َّي ًة
األرض بأطرافِها َ واستعدادات يتمكَّن هبا من أن ي ِ
شاهدَ ُ ُ
ٍ مواهب
َ الفطري َة ،من تلك القابلي َة ِ
َّ َ
بشخص ِه ّ
إل أ َّن ُه ِ يبلغ ِ
هذه املرتب َة اإلنسان قد ال ُ َ غم من َّ
أن الر ِ در ُك؛ وعىل َّ ويدرك منها ما ُي ِ
َ
ِ
لألولياء حيصلُ لوغها ماد ًّيا ،فإ َّن ُه يب ُل ُغها معنو ًيا ،كاميستطع ُب َ ِ بنوعه؛ وإن ملبلوغها ِ يتمكن ِمن ِ
ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 294
ِ
العمل ِ
فسارعوا إىل ِّعمة املوهو َب ِة لكم؛
هذه الن ِ
احلني ،فباستطاعتِكم إذن االستفاد ُة من ِ الص َ َّ
األرض إىل ما ُيشبِ ُه َحديق ًة صغري ًة َغنَّا َءَ ،ت َ
ولون فيها َ اجلا ِّد واس َعوا سع ًيا حثي ًثا كي ت ِّ
ُحولوا
ناسني وظيف َة غري ٍ وأخبارها من ِّ َسمعون أحدا َثها
َ َرون ِج ِ
هاتا ك َّلها وت وت َ
َ كل ناحية منها َ َ
الكريمة:
َ عبود َّيتِكم ..تد َّبروا اآلي َة
﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ (امللك.)15:
ِ
اإلنسان، ثار ِة ِه َّم ِة ِ
الكريمة املتصدِّ َر ُة هلذا املثال إىل إِ َ
ُ ُ
اآلية ُومئ
وهكذا نرى كيف ت ُ
ِ
األماك ِن واألصوات من ِ
أبعد ِ الص َو ِر ٍ ِ وبعث اهتامماتِ ِه
ِ
إحضار ُّ
َ يستطيع هبا
ُ وسيلة الكتشاف
ِ
البرشية. ِ
ناعات الص ضمن ِّ
أدق ِّ َ وأقصاها
ومثال ﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ (ص ﴿ ،)38:ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﴾ (األنبياء)82:
والشياطني
َ الجن
َّ السالم َ
سليامن عليه َّ َسخيـر س ِّي ِدنا
َ ُ
الكريمة تُفيدُ ت اآليات
ُ هذه
اجلن فاآليات ُ
تقولَّ : ٍ رشور ُهم واستخدا َم ُهم يف ٍ واألرواح اخلبيث َة ،ومن َع ُه
إن َّ ُ نافعة؛ أمور َ َ
يمكن أن ُيصبِحوا ُ الش ِ
عور، ِ
األرض من ذوي ُّ ون اإلنسان يف األمه َّي ِة يف ُسكنَى الذين َي ُل َ
ٍ ٍ ِ
يمكن للشياطني أن َيدَ عوا عدا َء َهم
ُ ولقاء معهم ،بل عالقة مكن إجيا ُدُخدَّ ا ًما لإلنسان ،و ُي ُ
ِ
املنقادين عباد ِه
لعبد من ِ اإلنسان وخيدموه مضطرين كام س َّخرهم اهلل سبحانه وتعاىل ٍ ِ مع
َ َ ُ َ ُ ُ ُ
ألوامر ِه.
ِ
ِ
اآلياتُّ :أيا اإلنسان! إين اإلنسان باملعنى الرمزي ِ
هلذه َ خياطب بمعنى َّ
أن اهلل سبحانه
َّ ِّ ُ
منقادين ِ
إليه ُم َّ
سخرين ل ُه، ِ أطاعني و َأجع ُلهم
َ والشياطني وأرشارهم ٍ
لعبد قد َ سخ ُر ِال َّن
ُأ ِّ
َ
موجودات كثري ٌة بل حتى اجل ُّن
ٌ نفس َك ألمري وأطعتَني ،قد ت َُس َّخ ُر َ
لك رت َ فأنت إن َّ
سخ َ َ
والشياطني .
ويم ِة لالنتفاعِ ،بل الس ِ
بل ال َق َ َ
أفضل ُّ
ِ
النهائية ،وتُع ِّي ُن ِ
احلدود الكريمة َت ُّ
ُط أقىص ُ ُ
فاآلية
ِ
اإلنسان امتزاج ُف ِ
نون ِ وماد َث ِة ِ
اجل ِّن ،الذي ت ََر َّش َح من ِ
األرواح ُ ِ
حتضري أيضا إىل الس َ
بيل ً تفتح َّ
ُ
املادية منها واملعنو َّي ِة؛
ِ ِ
العادة، ومشاعر َ
فوق َ قوى وتظاهر مما تَنطوي عليه من ً
َ
ِ
وعلومه،
موضع
َ ِ
األمور املشتغلون ِ
هبذه َ أصبح
َ احلاض ُ
حيث ِ ِ ِ
الوقت األمر يف
ُ
ولكن ليس كام ِ
عليه ْ َ
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
295 ��������� � ���������� �
� �
رين وغدَ وا َم َّ ِ
األمواتَ ، َ ٍ
استهزاء بل ألعوب ًة ِ
بيد ِال ِّن الذين
سخ َ ينتحلون أحيانًا أسما َء
ِ
الكريم مع ِ
القرآن ِ
بأرسار َ
أولئك ِ
بتسخري ُ
يكون ذلك ِ
اخلبيثة ،وإنَّام ِ
واألرواح ِ
للشياطني
ِ
رشورهم. الن ِ
َّجاة من
إن اآلي َة الكريم َة ﴿ :ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ (مريم.)17:
ثم َّ
جلب س ِّي ِدنا ِ اآليات املشري ُة إىلُ األرواح ،وكذا ِ تشري إىل تَم ُّث ِل اآلية وأمثا ُلها التي ُ هذه ُ ِ
إشارتا إىل ِ الكريمة معُ اآليات وتسخريهم له؛ ِ
هذه ِ ِ
للعفاريت السالم َ
ُ ُ سليامن عليه َّ
األرواح ال َّط ِّي ِبة
ِ حتضري
َ غيـر َّ
أن أيضا؛ َ األرواح ًِ ِ
حتضيـر ُشيـر إىل وحانيات فهي ت ِِ
َـم ُّث ِل ُّ
الر ت َ
ِ
األرواح ِ
إحضار َ
املعارصون من يقوم به بالش ِ اآليات -ليس هو َّ ِ ِ
كل الذي ُ -املشار إليه يف
ِ هو ِهمإىل مواض ِع َل ِ
بتلك يليق َ واستخفاف ال ُ
ٌ خيص وأماكن مالعبِهم والذي هو َه ْز ٌل َر ٌ ِ
ِ
األرواح حتضري يمكن فيه ،بل رة اجلاد ِة ،التي تَعمر عاملا ك ُّله ِجدٌّ ال ه ْز َل ِ األرواح املو َّق ِ
ِ
ُ ُ َ ً ُ ُُ َّ
ين بن أمثال حمي الدِّ ِ ِ هادف -من ٍ ولقصد ٍ
نبيل ٍ ألمر جا ٍّدصاحلون ٍ َ بمثل ما قا َم بِ ِه أوليا ٌء ِ
األرواح ال َّطيب َة متى شا ُءوا ،فأص َب ُحوا ُهم منجذبِني إليها َ عريب -الذين كانُوا يقابِ ُلون َ
تلك
َّقرب إىل عاملَها واالستفاد ُة ِ ِ
الذهاب إىل مواضعها والت ُ ُ ومرتبطني معها ومن ثم
َ ومنجلبني هلا
إشار ِتا َح ًّضا وتَشوي ًَقا ُ ِ ِ
ُشعر يف َ الكريمة وت ُ اآليات
ُ تشري إليه
من ُروحان َّياتا؛ فهذا هو الذي ُ
أجمل َ َعرض واملهارات اخلف َّي ِة ،وت ُ
ِ هذه العلو ِم ملثل ِ ِّهائية ِ احلدود الن ِ ِ َخط أقىص ِ
لإلنسان وت ُّ
صور ِه وأفض َلها. َ
ومثال ﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ (ص ﴿ ،)18:ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ (سبأ ﴿ )10:ﭶ ﭷ ﭸ ( ﴾..النمل)16:
أيضا« :احلمدُ جبل ،فهو ُ قلت« :احلمدُ هلل» أما َم ٍ ِ ِِ
يقول ً يذكر ُه؟ فإن َبلسانه ،و ُير ِّد َد كالببغاء ما ُ
فيمكن ِ
للجبال، ِ
القابلية هلل» وذلك برج ِع الصدى ..فام دام اهلل سبحانه وتعاىل قد وهب ِ
هذه
ُ َ َ َ َ َّ َ
أكثر من هذا؛ وحيث َّ َ ُ إذن أن ت ِ
ص س ِّيدَ نا إن اهلل سبحانه قد َخ َّ وتنبسط َ القابلية ف هذه َنكش َ
القابلية لديه ِ تلك ف بذر َة َ األرض فضال عن رسا َلتِه ،فقد ك ََش َ ِ ِ
بخالفة السالم داو َد عليه َّ
ظيمة، الواسعة واحلاكمي ِة الع ِ ِ ِ
الرسالة َ
شؤون عجزا عنده ،بام ِ
يالئ ُم ونمـاها وبس َطها َبس ًطا ُم ً
َّ َ َّ
تلميذ لديه، ٍ وكأي ألمر ِه،
ندي مطي ٍع ِ اجلبال ُّ ُ حتى َغدَ ِ
ِّ كأي ُج ٍّ الش ُّم الروايس ُمنقاد ًة إليه ِّ ت
العظيم َج َّل جال ُل ُه ِ ِ
اخلالق بحمدِ الجبال تُس ِّب ُح ُ لذكره؛ فأصبحت تلك ِ مريد خاش ٍع وكأي ٍ
ِّ
واجلبال تر ِّد ُد ما يذك ُُر ُه. ُ إل يذكر و ُيس ِّب ُح ّ وبأمره؛ فام َ ِ ِِ
كان س ِّيدُ نا داو ُد ُ السالم بلسانه عليه َّ
ون« :اهلل اجلبال ير ِّد ُد َ ِ املنترشين عىل
َ جيعل جنو َد ُه يستطيع أن َ ُ ِ
اجليش إن القائدَ يف نعمَّ ،
تتكلم اجلبال هي التي َ كأن َ
تلك واملخابرات ،حتى َّ ِ وسائل االت ِ
ِّصال ِ لديه من أكرب» بام ِ
ُ
اجلبال بِ ِ
لسان َ يستنطق -جماز ًّيا- َ يستطيع أن ِ
اإلنس وت ِّل ُل وتُك ِّب ُـر! َفلئن كان قائدً ا من ُ
ُ
تنطق اجلبال ُ َ جيعل تلك يستطيع أن َ هيب هلل سبحانه وتعاىل؟ أال بقائد َم ٍ فكيف ٍ َ ساكنِيها، ِ
ُ
أن السابقة َّ ِ ِ
«الكلامت» فضل عن أننا قد ب َّينا يف ً تسبيحا حقيق ًيا؟ ،هذا حقيق ًّيا وتُس ِّب ُح ِ نُط ًقا
ً
خمصوص ٌة َ مالئم ل ُه ،وله عباد ٌة ٌ خاصٌّ تسبيح
ٌ جبل شخصي ًة معنوي ًة خاص ًة به ،وله لكل ٍ ِّ
ِ ٍ ِ الئقة بِ ِه؛ فمثلام ُيس ِّب ُح ُّ
للخالق َسبيحات فإن له ت بأصوات ال َبرشَّ ، الصدى جبل بِ َر ْج ِع َّ
كل ٍ ٌ
اخلاص ِة. َّ اجلليل بألسنتِ ِه ِ
منطق
َ السالم َ
وسليامن عليهام َّ أن اهلل سبحانه قد ع َّل َم س ِّيدَ نا داو َدـن َّ
اآليات تُب ِّي ُ
ُ هذه
يمكن االستفاد ُة
ُ وكيف
َ ِ
األعامل تناس ُبها؟ أي ِ
واستعداداتا ،أي ُّ ِ
قابلياتا أنوا ِع ال ُّط ِ
يور ،و ُلغ َة
منها؟
ِ ِ نعم ،مادام أنَّ ِ
لإلنسان، تكريم
ً قيم ْت األرض مائد ًة رحمان َّي ًة ُأ َ سطح
ُ ٌ
حقيقة ،ومادا َم هذه
ِ
لإلنسان، َّ
مسخر ًة ِ
املائدة يور التي تنتفع من ِ
هذه ِ
احليوانات وال ُّط ِ معظم َ
تكون فيمكن إذن أن
ُ ُ ُ
الخدَ م َة
-تلكم َ
ُ َّحل ودود َة ال َق ِّز فاإلنسان الذي استخد َم الن َ
ُ وحتت ِخدمتِه؛
َ ضمن تَرص ِ
فه َ ُّ
بعض شؤونِهِِ الز َ َ
اجل يف استعمل الحما َم َّ وانتفع مما لدهيم من إهلا ٍم ٍّ
إهلي ،والذي َ غار-
الص َ
َّ
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
297 ��������� � ���������� �
� �
محاسن جديدةً، ِ
احلضارة اإلنسانية فضم إىل ِ واستنطق الببغا َء وأمثا َله من وأعاملِ ِه،
َ الطيورَّ ، َ
ِ
للطيور، الفطري ِ
االستعداد َ
لسان كثريا إذا ما َع ِلم ُ
ِّ اإلنسان يمكنه أن يستفيدَ إذن ً هذا
وطوائف كثري ٌة جدً ا ،كام استفا َد من
ُ أنواع احليوانات األخرى ،حيث هيِ ِ
وقابليات
ٌ
الز ِ
رازير» ِ
العصافيـر «من نو ِع َّ ِ
استعداد َ
لسان ُ
اإلنسان ِ
األليفة؛ فمثال :إذا َع ِلم ِ
احليوانات
ِ نس َق أعما َلها فإنَّه ِ
ملكافحة يمكن أن ُي ّ
سخ َرها ُ أن تأك َله ،وإذا ما َّ
اجلراد دون ْ التي تقيض عىل
أمور م ٍ ٍ ِ ِ
همة. انتفع منها واستخد َمها جمانًا يف ٍ ُ فيكون عندئذ قد َُ اجلراد، آفة
ِ
اجلامدات من ِ
واستنطاق ِ
الطيور واالنتفا ِع منها، ِ
قابليات ِ
استغالل ُ
فمثل هذه األنوا ِع من
القصوى. الكريمة املذكور ُة املدى األقىص والغاي َة ُ
ُ ُط له ُ
اآلية ٍ
وحاكَ ،ت ُّ ٍ
هاتف
رت سخ ُ ِ
اإلنسان! لقد َّ ِ
الكريمة :يا بني ِ
اآليات مزي هلذه ُ
الر ِّ فيقول اهلل سبحانه باملعنى َّ
خملوقات عظيم ًة يف ُملكي وأنطقتُها له ،وجعلتُها ٍ جنسكُمص من بني ِ خالص ُم ِل ٍ
ٍ ٍ
لعبد
ملكه ودولتِه ،وقد ُصان عدالتُه يف ِ نبوتُه ،وت َ ُعص َم َّ مطيعني ل ُه ،كي ت ََ ُخدَّ ا ًما أمنا َء وجنو ًدا
وأودعت فيكم أمان ًة ُعظمى، ُ ِ
األرض، ليصبح خليف َة َ ومواهب
َ آتيت كال منكم استعدا ًدا ُ
ِ
ألوامر والجبال أن يحم ْلنَها ،فعليكُم إذن أن تنقا ُدوا وختض ُعوا ُ واألرض
ُ السماوات
ُ ت أب ِ
َ
فالطريق
ُ ِ ِ ِ
َمن بيده مقاليدُ هذه املخلوقات وزما ُمها ،لتنقا َد إليكم مخلوقاتُه املبثو َث ُة يف ملكه؛ ِ
ِ
العظيم ،وإذا ِ
اخلالق ِ
باسم ِ
املخلوقات تلك ممهدٌ أما َمكُم إن استطعتُم أن تقبضوا ِزما َم َ َّ
ِ ِ
تليق باستعداداتكُم ومواهبِكُم. ٍ
سموتُم إىل مرتبة ُ َ
عب ال لهو ال معنًى ل ُه ،وب َل ٍ اإلنسان أن ال تنشغل بِ ٍ ُ فاسع أ ُّيها ُ
احلقيقة هكذا فام دام ِ
ت
َ َ
ِ طلب َل ٍِ ِ ِ ورائ ِه،
طائل من ِ َ
ألطف هو من والحما ِم والببغاء ..بل َ
اسع يف َ كاالنشغال باحلاكي
ألذكار َك، ِ اجلبال كاحلاكي َ ِ
فاجعل ألذ أنوا ِع التسل َي ِة.. َسل بتسل َي ٍة هي من ِّ اللهو وأزكا ُه ،وت َّ ِ
ِ
والنباتات ِ
األشجار ِ
وتسبيح بنغامت ِذ ِ
كر ِ كام هي لس ِّي ِدنا داو َد عليه السالم ،وشنِّف سم َع َك
صوتية ..فبهذا ٍ َّسيـم لـها وكأهنا أوتار ٍ
آالت بمجر ِد َم ِّس الن ِ ُخرج أصواتًا رقيق ًة عذبـ ًة
ُ َّ التي ت ُ
رب ُز أما َم َك يف ماه َّي ٍة ِ
الذاكرة المس ِّبحة ،و َت ُ
األلسنة َّ ِ ِ لك ألو ًفا من ُ
الجبال َ لوي ت ِ
ُظه ُر الذ ِ
كر ال ُع ِّ ِّ
سليامن- َ يور وتَل َب ُس -كأهنا هدهدُ معظم ال ُّط ِ ٍ
وعندئذ َتتَز َّيا ِ
املخلوقات؛ ِ
أعاجيب ٍ
عجيبة من
ُ
تسلية، ٍ يك أ َّيام طيعني لك ،فتُس ِّل َ َ فتصبح ُخدَّ ا ًما ُم ِ
الودود، ِ
واألنيس ِ
احلميم ِ
الصديق لباس
ُ َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 298
ٍ
قابليات ِ
انبساط الس ِام َي يسو ُقك إىل هلوا بري ًئا ال شائب َة فيه ،فضال عن َّ وت َ
أن هذا الذكر َّ ُلهيك ً
ِ
السامية ِ
ماهية اإلنسان ِ
السقوط من ول َ
بينك وبني ومواهب كانت مغمور ًة يف ماه َّيتِ َكَ ،فت َُح ُ
َ
ِ
اهلاوية. ِ
حضيض ِ
اللهو التي ال مغزى هلا إىل أرضاب َ
جتذبك َبعدُ ومقام ِه الرفيعِ ،فال
ِ
ُ
ومثال ﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ (األنبياء.)69:
إشارات لطي َف ٍة:
ٍ ُ
ثالث السالم ،وفيها ِ
إبراهيم عليه َّ
َ الكريمة تبني معجز َة س ِّي ِدنا
ُ هذه ُ
اآلية
أولاهاُ :
ب َهواها بيدها ،فال ُ األسباب -ليس أمرها ِ ِ ِ
تعمل كيفام تشا ُء َح َس َ َ ُ -كسائر النار
إبراهيم ألنَّها
َ فر ُض عليها ،فلم ت ِ
َحر ْق سيدَ نا فق ٍ
أمر ُي َ بمهمتِها َو َ
َّ تقوم
ُ بصرية ،بل ٍ وبال
ِ
احلرق. ُأ ِم َر ْت بعد ِم
خياطب الربود َة
ُ ِ
كاالحرتاق؛ فاهلل سبحانَه تؤثر
أي ُ حترق بربو َد ِتاْ ، إن ِ
للنار درج ًة ُ ثانيتُهاّ :
النار يف إبراهيم ،كام مل َت ِر ُقه احلرارةُ ،أي َّ َ بلف َظ ِة« :سالما»( )1بأن ال حترقي ِ
إن َ َ كذلك أنت ً
ِ ِ
تلك الدرجة تُؤ ِّث ُر بربو َدتا كأنَّها َت ِر ُق ،فهي ٌ
نار وهي بر ٌد. َ
صورة ٍ
نار ِ درجات ُمتفاوت ٌة ،منها درج ٌة عىل ِ
الطبيعيات -هلا النار -كام يف ِ
علم نعم َّ
ٌ إن َ
َ
حولا هبذه الب ِ
ودة ما ِ َجمدُ ِ َ
ُ حولا من احلرارة ،فت َ تكسب مما
ُ حرار َتا بل
َ َنش
بيضا َء ال ت ُ ُ
حترق بربو َد ِتا، ِ
ألوان الن َِّار ُ مهرير ٌ
لون من الز
ربودتا ،وهكذا َّ ِ وائل ،وكأهنا َت ِ
ـر ُق بِ الس ِ
ُ من َّ
ِ
أنواعها. ومجيع النار ِ
درجات ِ مجيع
َ تضم َ جهنم التي َُ رضوري يف
ٌّ فوجو ُده إذن
املؤمنني
َ جهنم ،و ُينجي
َّ مفعول ِ
نار َ اإليامن الذي هو «ماد ٌة معنوي ٌة» ُ
يمنع ُ ثالثتُها :مثلام
متنع ٌ َ َ صني من ِ رع ٍ ِ منها؛ وكام َّ
مادية» ُ هناك «ماد ٌة كذلك النار، وحصن َح ٌ ٌ واق أن اإلسال َم د ٌ
ألن اهلل سبحان ُه جيري إجراءاتِه يف هذه الدنيا ،التي هي رع أما َمهاَّ ، ِ
نار الدُّ نيا ،وهي د ٌ تأثري ِ
َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
جسم
َ «احلكيم» ،لذا مل َترق ُ
النار ِ وذلك بمقتىض اسمه َ حتت ستار األسباب، دار احلكمةَ ، ُ
ترمز إىل:اآلية ُ ِ
أيضا ،فهذه ُرق ثيا َبه ومالبِ َس ُه ً السالم مثلام مل َت ْ ِ
إبراهيم عليه َّ
َ س ِّيدنا
إبراهيم،
َ لباس
لباس التَّقوى وهو ُ
لباسكم َ َ
يكون ُ بإبراهيم ،كي
َ إبراهيم! اقتدُ وا
َ «يا م َّل َة
األكربِ ،
النار؛ فلقد خ َّبأ ِ عدوك ُُم ِ وليكون ِحصنًا مانعا ِ َ
رعا واق ًيا يف الدنيا واآلخرة جتاه ِّ
ود ً ً
أيضا ِ
نفسه ،فمنتها ُه وحقي َقتُه َيستندُ ً ِ
الوقت وم ٌ
هنة يف -مثل -علم ومهار ٌة ًِ والطب
ٌ ُّ
صبح حقيق ًة ً
فعل ِ ُ ِ
األسامء احلسنى وهو َّ إىل ٍ
الطب إىل كامله و ُي ُُّ فيصل «الشايف»؛ اسم من
ِ
األرض الذي ِ
سطح ِ
املبثوثة عىل ِ
األدوية الرحيمة السم َّ
«الشايف» يف ِ ِ
بمشاهدة التجليات َّ
ُيم ِّث ُل صيدل َّي ًة عظمى.
والنبات واحليوان -..ِ ِ
والكيمياء ِ
-كالفيزياء ِ
املوجودات ِ
حقيقة ُ
تبحث يف والعلوم التي
ُ
بمشاهدة التجلياتِ ِ تكون حكم ًة حقيقي ًةَ يمكن أن ِ ُ
«حكمة األشياء» العلوم التي هي هذه
ُ ُ
ور ٍ
عاية؛ ٍ
وتربيةِ ، ٍ
تدبري، جتليات ِ
جل جال ُله يف األشياء ،وهي السم اهلل «احلكيم» َّ
ِ الكُربى
ُ
احلكمة حكم ًة ح ًّقا ،أيُ تصبح َ
تلك ِ
األشياء ومصاحلها ِ
التجليات يف مناف ِع ِ
وبرؤية هذه
ُ
فعلَّ ،
وإل فإ َّما َّأنا ُصبح حكم ًة ً ذلك ال َّظ ِ ِ
«احلكيم» وإىل َ ِ ِ
باستنادها إىل َ
هري ت ُ االسم ذلك
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
301 ��������� � ���������� �
� �
ِ ِ ُصبح عب ًثا ال َ ٍ
الضاللة ،كام هو تفتح سبيال إىل
طائل من ورائها ،أو ُ تنقلب إىل ُخرافات وت ُُ
ِ
املادية. ِ
الطبيعية ِ
الفلسفة ُ
احلال يف
ِ
والكامالت.. ِ
والفنون مرتِ ..ق ْس عليها بقي َة العلو ِم ُ ُ
الثالثة كام َّ األمثلة فإليك
شريا ِ ِ
التشويق عىل َظ ِ ِ هبذه ِ القرآن الكريم ِ ُ
هر البرشية ُم ً الكريمة يدَ اآلية ُ يرضب
ُ وهكذا
الوصول إليها يف ِ
ب التي َق ُصرت ً
كثريا عن احلدود وأقىص املراتِ ِ ِ ِ
وأبعد إىل أسمى الن ِ
ُّقاط
احلاض ،وكأنَّه يقول هلا :ه َّيا تَقدَّ مي. ِ ِ تَقدُّ ِمها
الباب. ُغلق هذا ِ
الكريمة ،ون ُ اخلزينة العظمى هلذه ِ
اآلية ِ اجلوهر الن ِ
َّفيس من ِ نكتفي هبذا
َ ُ
سل الر ِ ِ املرس ِل َ ديوان الن ِ ِ ومثالَّ :
جميع معجزات ُّ ُ ني ،الذي تُعدُّ َ ُّبوة ،وس ِّيدَ إن خات ََم
ُ ُ ِ ِ
الواضحة اآلية العاملني ،وهو
َ لتصديق دعوى رسالته ،والذي هو َف ُ
خر معجز ًة واحد ًة
ِ ِ
تعليمالسالم ً مراتب األسامء احلسنى ك ِّلها التي ع َّل َمها اهلل سبحانَه آد َم عليه َّ امل َف َّص ُ
لة جلمي ِع
()1
القمر، فشق ِ
بجالل اهلل َّ رفع ُأص ُب َع ُه عال ًيا احلبيب حممدٌ ﷺ الذي َ الر ُ
سول
َ ُ مل ..ذلكم َّ ُم ً
ِ
املعجزات كالكوثر )2(..وأمثا ُلها من ِ ففج َر ما ًء ِ َ وخ َف َض األُص ُب َع َ
بجامل اهلل َّ نفسه المبارك َ
الكريم معجز ًة َ
القرآن أظهر الكريم ﷺ ُ
الرسول األلف ..هذا ِ الباهرات التي تزيدُ عىل ِ
َ َ ُ
واإلنس ﴿ :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
َ الجن
َّ كربى تتحدى
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ ( اإلرساء.)88:
ِ ِ اإلنس ِ
واجل ِّن إىل ِ ِ ِ ِ ِ
اإلعجاز وجوه أبرز أنظار
ب َ وأمثالا من اآليات َتل ُُ ُ
الكريمة فهذه ُ
اآلية
ٍ
جزالة ،وإىل ِ
والحقيقة -من -احلق
ِّ ُلفتُها إىل ما يف بيانِ ِه
املعجزة اخلالدَ ِة وأس َط ِعها ،فت ِ
ِ يف ِ
هذه
ٍ
وشمول ،وإىل ما يف أساليبِه ٍ
جامعية ٍ
فائقة ،وإىل ما يف معانيه من ٍ
بالغة ِ
تعابريه من ما يف
اإلنس املعجز ،وما زال كذلك يتحدَّ ى ُ ُ
القرآن وع ٍ
ذوبة ..فتحدَّ ى ور ٍ
فعة ُ سمو ِ ِ
املتنوعة من ٍ
َ
ِ أعدائ ِه ،داف ًعا
ِ أوليائ ِهُ ،مركًا ساكن ِ
ِ الش َ
تقليده، اجلميع إىل
َ عناد َ وق يف واجلن قاطب ًةُ ،م ً
ثريا َّ َّ
يضع هذه املعجز َة الكربى ِ ِ ٍ
َرغيب َشديد ،لإلتيان بنظريه ،بل إنَّه سبحانه ٍ ٍ
عظيم وت ٍ
بشوق
ُ
( )1انظر :البخاري ،تفسري سورة القمر ،1املناقب 27؛ مسلم ،صفة املنافقني 46؛ الرتمذي ،تفسري سورة القمر 5؛ أمحد بن
حنبل ،املسند .82/4 ،20 ،207/3
( )2انظر :البخاري ،الوضوء ،32املناقب ،25األرشبة ،31املغازي 35؛ مسلم ،الزهد ،74الفضائل 6 ،5؛ الرتمذي ،املناقب
6؛ النسائي ،الطهارة .61
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 302
هذه الدنيا ليست اإلنسان إىل ِ
ِ ِ
جميء ِ
أنظار األنا ِم يف موق ٍع رفي ٍع َ
لكأ َّن الغاي َة الوحيد َة من أما َم
دستور حياتِه ،وغاي َة ُمنا ُه.
َ اذ ِه َ
تلك المعجز َة العظمى ــات َِتيج ِة ِخل َقته بِ ِّ الس ِ
عي إىل ن َ سوى َّ
ِ
ٍ
خارقة تشري إىل ِ ِ ٍ أن َّ نَخ ُل ُص مما تَقدَّ َمَّ :
الم ُ الس ُ عليهم َّ ُ األنبياء معجزات معجزة من كل
س هر ِ تشري إىل فِ ِ ِ ِ ِ ِ
السالم فهي ُ الصناعات ال َبرشية؛ أ َّما ُمعجز ُة س ِّيدنا آد َم عليه َّ خوارق ِّ من
س الص ِ ِ ِ ِ
نعة إشار ِتا إىل ُأ ُس ِ َّ َ ُشو ُق إليها مجي ًعا مع خوارق العلو ِم والفنون والكامالت ،وت ِّ
إِشار ًة جممل ًة ُمترصةً.
فألن عج ِزَّ ، البيان الم ِ ِ الكريم ذو ُ
القرآن األعظم ﷺ وهي ِ للرسولِ أ َّما املعجز ُة الكربى
ُ ُ
الصائب َة ٍ ٍ األسامء تَتجلَّ ِ ِ ِ حقيق َة
األهداف َّ َ يبنيأتم ،فإنَّه ُ وبتفصيل َّ بوضوح تا ٍّم، فيه تعليم
ُ ِ ِ ِ ِ ِ
فيسوق عادتام، وس َ بوضوح كامالت الدنيا واآلخرة َ ٍ للعلو ِم احل َّقة وللفنون احلقيق َّية ،و ُي ُ
ظهر
أن: َّشويق ْ بأسلوب الت ِ ِ فيه رغب ًة شديد ًة فيها ،حتى إنَّه يبني البرش إليها ويوجهه نحوها ،مثريا ِ
ً َ َ ِّ ُ َ
بعبودية ك ِّل َّي ٍة ٍ ك أنت قيام َ
الكون هو ُ ِ خلق هذا المقصدَ األسمى من ِ ِ إن
اإلنسان! َّ ُ أيها
بودية بالعلو ِم ك أنت هي بلو ُغ تلك الع ِ خلق َ وإن الغاي َة ال ُقصوى من ِ بوبيةَّ ، تجاه تظاه ِر الر ِ
ُ ُ ُّ َ
أواخر أ َّي ِامها ِ أن ال َبرشي َة يف شريا هبا إىل َّ ٍ ٍ ٍ والكماالت؛ فيع ِّب ُر ِ
بتعابري متنوعة رائعة معجزة ُم ً َ
كل ُق َّو ِتا من العلو ِم الفنون ،وستَستمدُّ َّ ِ ِ
َنصب إىل ستنساب إىل العلو ِم ،وت ُّ ُ األرض عىل
ِ
والقوة. ِ
احلكم العلم زما َم والفنون فيتس َّل َم ِ
ُ
ِ
كثريا ،فكأنَّه ويكر ُرمها ً وبالغ َة الكال ِم مقدَّ ًما ِّ َ البيان يسوق جزال َة ُ الكريم
ُ ُ
القرآن وملا كان
ان أزهى نون ،سيلبس ِ أن البالغ َة واجلزال َة يف الكال ِم ،ومها من أسط ِع العلو ِم وال ُف ِ يرمز إىل َّ ُ
ََ ُ
سالحهم من ِ يستلهمون أمىض الناس الزمان ،حتى َيغدُ و ِ صو ِر ِها يف ِ
آخر ُح َل ِل ِهام
ُ ُ وأروع َ َ
أفكارهم ِ األداء؛ وذلك عند ِ
بيان ِ ِ
بالغة قو ِتم من َ وس ِ البيان ِ ِ ِ
أرهب َّ َ ويستلمون حره، جزالة
وقراراتم.. ِ آرائهم تنفيذ ِ ِ اآلخرين هبا ،أو عندَ عتقداتم إلقنا ِع ِ و ُم
َ
ٍ كامل ٍ خلزينة ٍ ِ ِ ِ سبقَّ : َحص ُل ممَّا َ
ولكنـز فائق، مفتاح
ٌ الكريمة إنام هي اآليات أكثر
أن َ ن ُ
(الكلامت ِ ِ
فاجعل ِ
اآليات الكريم ونجو َم ِ الق ِ
رآن ساموات ُ ِ شئت أن َ
تبلغ عظيم؛ فإن َ ٍ علميٍّ
شمس ِ الوصول إليها )1(،وشاهد هبا مدى سطو ِع ِ درجا لس َّل ِم عشرين ً السابق َة)
َ العرشين َّ َ
شعاعا ُس َّل ٌم ذو
ً وثالثني ملع ًة وثالث َة َ
عرش َ وثالثني مكتو ًبا وإحدى
َ وثالثني كلم ًة وثالث ًة
َ ( )1بل إن ثال ًثا
ِ
للصعود( ،املؤلف) وعرشين مرتب ًة ٍ
مائة
َ
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
303 ��������� � ���������� �
� �
ِ
وحقائق ِ
األلوهية ِ
حقيقة باهرا عىل ُ ِ ِ
نوره ً القرآن َ ينشـر
ُ العظيم ،وتأ َّمل كيف القرآن
ِ
املوجودات. اطع عىل ِّ
كل ِ ِ
الس َ ينشـر الضيا َء َّ ُ وكيف
َ واملخلوقات، املوجودات،
نوع من ِ ِ النتيج ُة :ما دامت
السالم هلا ٌ عليهم َّ ُ األنبياء معجزات ختص
اآليات التي ُّ ُ
خيط أبعدَ راز من الت ِ
َّعبري كأنَّه ُّ ط ٌ احلارض ،وهلا ِ
ِ ناعي ِ
خوارق التَّقد ِم ِ
والص ِّ العلمي ِِّّ اإلشارة إىل
َّفق معان شتَّى بل هذا ُمت ٌ ٍ ٍ
دالالت عىل لكل ٍ
آية أن ِّ ثابت قط ًعا َّ النهائية هلا ..وحيث إنَّه ٌ ِ ِ
احلدود
ِ
واالقتداء هبم، الم ِ ٌ
مطلقة التِّبا ِع العلامء ..وملا كان َ ِ
الس ُ عليهم َّ
ُ األنبياء أوامر
ُ هناك عليه لدى
دالالت
ٌ َ
هناك ِ
الصَّحية املذكورة ساب ًقا عىل معانيها ِ ِ
اآليات ِ
داللة ُ
القول :إنَّه مع يصح لذا
ُّ
ِ
وصناعاتا. ِ
البرشية أهم العلو ِم ِ ِ مشو ٌ
بأسلوب اإلشارة إىل ِّ قة ِّ
هم ِ
ني ِ
سؤالني ُم َّ جوابان ُمهمَّ ِن عن
ِ
ِ ِ ِ نـز َل
صر ُح
ألجل اإلنسان ،فل َم ال ُي ِّ ُ
القرآن الكريم قد َ كان قلتَ :ل َّ
ـمـا َ أحدُ مها :إذا َ
في، ٍ
وإيامء َخ ٍ ٍ
مسترت، احلاض ِة؟ وإنَّام يكتفي ٍ
برمز ِ ِ
املدنية ِ
خوارق ِ
نظره من املهم يف
َ بام هو ُّ
ضعيف فحسب؟ ٍ ٍ
وتنبيه ٍ
خفيفة، ٍ
وإشارة
إن الوظيف َة أكثر من هذا القدْ ِر ،إذ َّ ِ ِ َ فاجلوابَّ :
تستحق َُّ البرشية ال املدنية خوارق إن ُ
ووظائف دائرةِ
ِ ِ
الربوبية وكماالتها، ِ ِ للقرآن الكري ِم هي ِ األساس َّي َة
شؤون دائرة ُّ تعليم
ُ
وح َّصتَها من تلك الدائرت ِ
َني ُم َّر ُد البرشية ِ
ِ ِ
اخلوارق حق تلكفإن َّ العبودية وأحوالِـها؛ لذا َّ ِ
دائرة الر ِ
بوبية ،فعندَ ها ال ِ فإنا لو ا َّدعت حقو َقها من ليس ّ ٍ ٍ ٍ ٍ
ُّ إلَّ .. رمز ضعيف وإشارة خفية َ
ئيل جدً ا. إل عىل ٍ
حق َض ٍ حتصل ُّ
القرآن الكريم قائل ًةِ :
أعطني ح ًّقا للكال ِم ،وموق ًعا َ ُ ()1 ِ
طالبت الطائر ُة البرش َّية فمثال :إذا
َ
ُ
ستقول والقمر، واألرض
ُ الكواكب الس َّيار ُة تلك ِ
الربوبيةَ ، ِ
دائرة ِ
طائرات بني آياتِ َك؛ َّ
فإن
ُ ُ
أكثر. ِ ِ تستطيعني أن تأخذي مكان ِ الكريم :إن ِ
ِ ِ ِ
بمقدار جرمك ال َ َك هنا َ ّك القرآن بلسان
غواصات
ُ ِ
الكريمة فس َتتَصدَّ ى هلا ِ
اآليات ُ
البرشية موق ًعا لنفسها بني اصة وإذا أراد ِ
ت ال َغ َّو ُ َ
وشأنَه ،عىل ِ
أمل ألَّ ِ
اللطيف فرتكتُه َ ِ
احلوار القلم دون إرا َديت يف هذا املوضو ِع اجلا ِّد إىل هذا َ
انساق ( )1لقد
ُ
ِ ِ
األسلوب بجدية املوضوعِ( ،املؤلف) ُ
لطافة َّ
خيل
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 304
ِ
األثري العائمة يف ِ
بحر ُ ُّجوم ِ ِ الس ُ ِ
ابحة يف حميط اهلواء ،والن ُ األرض َُّ الدائرة؛ التي هي تلك
قائل ًة :إن مكان ِ
َك بيننا َض ٌ
ئيل جدً ا يكا ُد ال ُيرى!.
فإن ِ
أمثال النُّجو ِمَّ ، ِ
الالمعة ِ
اآليات بمصابيحها حر َم َ ِ
تدخل َ أرادت الكهربا ُء أن وإذا
ِ ِ ِ
ستر ُّد
السامءُ ،المز ِّي ُنة لوجه َّ
واألنجم ُ
ُ هب الشموس ُّ
والش ُ ُ الدائرة التي هي مصابيح تلك
َ
متتلكني من
َ ِ
بمقدار ما ِ ِ ِ
تستطيعني أن تدخيل معنا يف مباحث القرآن وبيانه
َ ِ
عليها قائل ًة :إنَّك
ٍ
ضوء!
ِ
بحقوقها وأرا َدت هلا مقا ًما صناعاتا الدَّ ِ
قيقة- ِ ِ
-بلسان اخلوارق احلضار َّي ُة
ُ تولو طالب ِ
َ
ِ ِ
حق ،ولو فليس لكم ٌّ بوجهها قائل ًة :اسكتُواَ .. سترصخ ذبا َب ٌة واحد ٌةُ اآليات ..عندَ ها بني
ِ
واالخرتاعات -التي ِ
املصنوعات اجتمع ُّ
كل ما فيكُم من ِ
هذين! و َلئن جناح َّي ِ
بمقدار أحد
َ َ
أعجب َ
تكون ِ
الدقيقة لديكُم ،لن ِ
اآلالت اجلزئية -مع مجي ِعِ ِ
اإلنسان ِ
بإرادة اكتُش َفت اكتسا ًبا
َ
وإن ِ ودقائق الص ِ ِ ِ ِ
هذه اآلي َة نعة؛ َّ ِ َّ األجهزة لطائف الصغري جدً ا منِ سمي
بمقدار ما يف ج َ ِ
الكريم َة تبهتُكم مجي ًعا ﴿ :ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ (احلج.)73:
مثل هذا دائرة العبود َّي ِة وطل َبت منها ح َّقها فس َتتَل َّقى منها َ ِ ِ
الخوار ُق إىل تلك وإذا ذه َبت َ
ٍ
بسهولة، دائرتِنا وقليلة جدً ا ،فال ُيمك ُنكُم الدُّ ُ ٌ إن عال َقتَـكم َمعنا واهي ٌة ِ
اجلوابَّ :
خول إىل َ
وظائف قليل ،ول ُه يف يل َب ُث فيها ً َ
اإلنسان َض ٌ ضيافةَّ ،
وأن ٍ دار منهجنا هوَّ : َّ
ُ أن الدنيا ُ َ ألن
صري، ِ
اخلالدة يف هذا ال ُع ُم ِر ال َق ِ ِ
األبدية حيتاجه حلياتِ ِه وجتهيز ماِ ِ
بتحضيـر جم ٌة ،وهو ُم َك َّل ٌ
ف
ُ َّ
واأللزم. األهم هو ِ
ُ ُّ جيب عليه أن يقدِّ َم ما َ لذلك ُ
ِ
الفانية حتت بحب هذه الدُّ نيا ِ ِ ِ ّ
ُسجت ِّ اعتبار األغلبية -مالم ُح ن َ إل أنَّه تبدو عليكُم -عىل
ِ
العبودية ِ
دائرة فإن ح َّظكم من ِ
للخلود؛ لذا َّ ستقر ِ ِ
الغفلة وا َّل ِ َأ ِ
دار للبقاء و ُم ٌ لهو ،وكأهنا ٌ ستار
اآلخرة ٌ
قليل جدً ا. ِ َّفكر يف ِ
آثار احلق والت ِ سة عىل ُهدى ِّ المؤس ِ
َّ
امللهمني -وهم ورائكُم -من الصنَّا ِع المه ِكان فيكُم -أو من ِ ولكن ..إن َ
واملخرتعني َ
َ رة َ ُ
َ
ويبذلون ألجل مناف ِع ِ
عباد اهلل -وهي عباد ٌة ثمين ٌة- ِ صني يقومون بأعامهلم ِ
خمل َ َ ِق َّل ٌة -وكانوا
الرموز
َ فإن ِ
هذه احلياة االجتامع َّي ِة وكمالِهاَّ ،
ِ لرقي للمصلحة العا َّم ِة وراحتَهم
ِ جهدَ هم
ِّ
��
� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � �
305 ��������� � ���������� �
� �
ِ
لتقدير ِ
اإلحساس ،ووافي ٌة الذ ِ
وات املرهفي ألولئك َّ
َ كافية بال ٍ
ريب ٌ ِ
واإلشارات القرآني َة
ِ
واالجتهاد. السعي ِ ِ
مهاراتم وتشويقهم إىل َّ
ثبت عندي بهة؛ فقد َ ِ
التحقيق ُش ٌ لدي َ
اآلن بعدَ هذا تبق َّ
قلت :مل َ ل الثاني :وإذا َ السؤا ُ
ُّ
السعاد َة الدنيوي َة واألخروي َة ٌّ
-كل يلزم َّ
جميع ما ُ ُ الكريم فيه
َ َ
القرآن قت َّ
أن بيقني وصدَّ ُ ٍ
ِ
احلارضة ،بل إىل أبعدَ منها ِ
املدنية ِ
خوارق وإشارات إىل
ٌ رموز
ٌ َ
فهناك حسب قيمتِه وأمهيتِه- َ
الكريم تلك
ُ ُ
القرآن ِ
يذكر جليلة؛ ولكن لِ َم مل
ٍ حقائق
َ فيه من احلقائق األُخرى مع ما ِ
ِ من
واإليامن و ُت َط ِ
ِ ِ ٍ
مئ َن قلو ُبنا َّصديق ُجب الكفر َة العنيدين عىل الت اخلوراق بصراحة تامة كي ت ِ ََ
فتسرتيح؟
َ
واختبار من أجل أن تتسا َب َق ٌ ٌ
جتربة التكاليف اإلهلي َة
َ امتحانَّ ،
وإن ٌ ين
إن الدِّ َ الجوابَّ :
ختب ِ ِ ٍ الس ُ ُ
السباق ،فمثلام ُي َ ُ بعض يف حلبة ِّ بعضها عن ويتميز ُ
َ افلة، واألرواح َّ
ُ العالية األرواح
ُ
ُ
اإلهلية يف َّكاليف
ُ كذلك الت َ الت ِ
اب، هب من ُّ والذ ُالفحم َّ
ِ األملاس من
ُ املعدَ ُن بالن َِّار ليتم َّي َـز
ُ
النفيسة الجواهر
ُ وق للمساب َق ِة ،حتى َتتَم َّي َـز وس ٌ ٌ
وجتربة َ هذه؛ فهي ابتال ٌء االمتحان ِ
ِ ِ
دار
ِ
اخلسيسة. ِ
املعادن البرش واستعداداتِه من
ِ ِ
قابليات ملعدَ ِن
ِ
ميدان لإلنسان؛ ل ُيتِ َّم تكام َل ُه يف
ِ ٍ
اختبار ِ
بصورة ِ
االبتالء هذه، نزل ،يف ِ
دار القرآن قد َ
ُ فام دا َم
ستتوض ُح
َّ ِ
الغيبية التي ِ
الدنيوية ِ
األمور املسابقة ،فالبدَّ أنّه سيشري -إشار ًة فحسب -إىل ِ
هذه ِ
ُ
الكريم
ُ ُ
القرآن ذكرها
وإل فلو َ إقامة ُح َّج ِته؛ ّ ِ ِ
بمقدار ِ
للعقل با ًبا ِ
املستقبل للجميعِ ،فا ًحتا يف
واضحا إل اهلل» كتابة «ال إله ّ ِ تصبح بدهي َّي ًةَ ،
مثل ِ
التكليف إذ ُ
حكمة رصاح ًة ،الخت َّل ْت
ً ُ
مرغمني عىل عندئذ َ ٍ الناس -أرا ُدوا أم مل يريدُ وا- امء ،والذي ُ
جيعل وجه الس ِ
بالنُّجو ِم عىل ِ
َ َّ
افلة التيالس ُ ٍ َّصديق ،فام كانت َث َّم َة مسابق ٌة والِ
األرواح َّ
ُ فحينئذ تتساوى متييز، اختبار وال ٌ
ٌ الت
ِ ()1 ِ
كالفحم مع التي هي كاألملاس. هي
ُ
القرآن القرآن العظيم حكيم ،يعطي لكل ٍ
يشء قدْ َره من املقا ِم ،ويرى ٌ َ َ والـخ ُلاصةَّ :
أن
ِ
ظلامت ِ
املسترتة يف مئة ٍ
سنة ألف وثالث ِ قبل ٍ
البرشي َ احلضاري ِ
الغيبية والتَّقد ِم ِ
الثمرات من
ِّ ِّ
﴿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾
َ َّّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ ْ َ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ
بدك َون ِب ِّيك َو َر ُسولِك ارك وك ِرم عل س ِي ِدنا ومولنا مم ٍد ،ع ِ الل ص ِل وس ِلم وب ِ
ني
ْ
ني َوال ُم ْر َسل َ انلب ّي َ ّ َ َ َ َ ّ َّ ُ َ َْ ب ْال ّ ّ َ َ َ آ َ ْ َ انل ّّ
ِ اج ِه وذ ِرياتِ ِه وعل ِ ِ م وعل � ِ ِل وأصحابِ ِه وأزو ِ ِ ِ ِ ِ
أز َك َس َلمٍ َو َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َّ َْ َ َ َُْ َ ْ
أنم الني ،أفضل صل ٍة و َوالملئِك ِة المق َّربِني َوال ْو ِلَا ِء َوالص ِ ِ
وزهِ
اراته َو ُر ُ
م ِ ِ ب َ َر َك ٍت ،ب َع َد ِد ُس َور الْ ُقر�آن َو�آيَاتِ ِه َو ُح ُروفِ ِه َو َكِ َماتِ ِه َو َم َعا ِني ِه َوإ َش َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ك ّل َص َلة منهاَ ُ َ َ ْ ََ َ ْ ََْ َ ُْ ْ َ َ َ َ َ َ َ ََ َ َ
ٍ ِ ِ ِ ب ا، ن ق ل
ِ اخ ا ي ا، ن ل ِ إ اي ا نِ ب ف طال و ان ح ار و ا ل رف ِ اغ و ، ه
ِ ِ ت ل ودل
ني �م َآ ّ َ َ َ ْ ّ َّ ُْ ْ الر ِ َ حتك يَا ْ َ َ َ َْ
ني احنيَ ،والَمد لل َر ِب العال ِم ِ أرح َم َّ ِ بِر ِ
� ا � �ة ا ��ل� ش ن
��ل �ة �ل� �
ا � ك�
ل�� �م� اح� دي� �و ع���ر�و�
عبارة ٌ عن مقامين
املقا ُم ُ
األول
�﷽
ولكن ٌ
ومجيل، حسن ِ
الصالة ورتب ًةَّ :
«إن أدا َء كبري ِسنًّا َ
َّ ٌ وجسم ُ
ً قال يل أحدُ هم يو ًما وهو ٌ
َثرتا هذه جتع ُلها ُمم َّل ًة!».. ٍ ِ َكرارها َّ
كل يو ٍم ويف مخسة أوقات ٌ
كثري جدًّ ا ،فك ُ ت َ
أيضا تُر ِّدد الكال َمهي ً ِ ٍ مرور ٍ ِ
أصغيت إىل نفيس فإذا َ ُ القول، طويلة عىل هذا فرتة وبعدَ
ِ
الشيطان، نفسه من ِ ِ
الدرس َ َ الكسل- -بطريق أخذتْ فتأملت فيها مل ًّيا ،وإذا هبا قد ُ نفس ُه!! َ
ُّفوس األمارةِ ِ ِ ٍ
ِ َّ بتلك الكلامت بلسان مجي ِع الن نطق َ الرجل كأ َّن ُه قد َ َ أن َ
ذلك فعلمت عندئذ َّ ُ
أن أبد َأ ِ
نبي أ َّمار ٌة بالسوء فالبدَّ ْ ِ
بالسوء ،أو ُأنط َق هكذاُ ، ِ
نفيس التي بني َج َّ َ لت :ما دامت فق ُ ُّ
غيرها أعجزُ ،فخا َطبتُها: ِ ِ
عج َز عن إصالحِ نفسه فهو عن ِ هبا َّأوالَّ ،
ألن َمن َ
ِ
اجلهل ٌ
نغمسة يف ِ
وأنت ُم ِ
تفوهت به َ
مقابل ما ٍ
تنبيهات» «مخس ِ
اسمعيها مني يا نفيس!..
َ
فراش الك ِ
َسل. ِ ِ
الغفلة عىل َّب ،سادر ٌة يف نو ِم املرك ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 308
التَّنبي ُه ُ
األول
ِ الس ِنة ِ ِ ِ
املقبلة بل قطعي بالبقاء إىل َّ ٌّ عندك عهدٌ أبدي؟ وهل عم ُرك ٌّ الشقي َة ..هل ُ نفيس َّ
َ يا
َوه ُم ِك األبدي َة واخللو َد، الصالة هو ت ُّ
ِ ِ
تكرار َّ ميـن من َ
وتسأ َ
ِ
إىل ال َغد؟ فالذي َجعلك تَم ِّل َ
يـن ِ
قصري،
ٌ أن ُع ُم َر ِك
تفهمني ّ
َ َّك بِرتفِ ِك مخ ّلد ٌة يف هذه الدنيا؛ فإن ِ
كنت َ
الل وكأن ِ
ين الدَّ َ فت ِ
ُظهر َ
ٍ
خدمة أربعة وعرشين منه يف ِ
أداء ٍ جزء من رصف ٍ ريب َّ
أن ٍ
َ َ وأنَّه يميض هبا ًء دون فائدة ،فال َ
ُ
يكون َمدعا ًة إىل ٍ
خالدة ،ال ٍ
سعيدة ووسيل ٌة ٍ
حلياة لك ِ لطيفة ،وهي رمح ٌة ِ ٍ ووظيفة م ٍ
رحية ٍ ٍ
مجيلة
ُ
ولذوق رائ ٍع رفيعٍ. ٍ ٍ
خالص ٍ
لشوق والس َأ ِم ،بل َوسيل ًة ُمثري ًة ِ
امللل َّ
التَّنبي ُه الثاين
ُ
يورث وتتنفسني اهلوا َء ،أ َما
َ وترشبني املا َء،
َ اخلبز،
تأكلني ََ إنك يوم ًيايا نفيس الرشه َةِ ..
َ
امللل بل ُيجدِّ ُدب َ ِ ِ شك! َّ َ
دون ٍّ
تكرار احلاجة ال يـَجل ُ َ ألن وضجرا؟ كلَّ
ً للِّكرار َم ً
هذا الت ُ
ِ
اهلواء لِ َّل ِ ِ ِ ِ
طيفة َسيم
ب الغذا َء لقلبي ،وما َء احلياة لروحي ،ون َ فالصال ُة التي َتل ُ
ال َّلذةَ ..هلذا َّ
ني وال تَسأمني أبدً ا. الكامنة يف ِجسمي ،البدَّ أنّها ال َتع ُل ِك تم ِّل َ
ِ الربان َّي ِة
َّ
ولذائذ ال هناي َة هلا ،ال
َ ٍ
بآمال َ
المفتون ٍ
ألحزان وآال ٍم ال َحدَّ هلا، املتعر َض نعمَّ ،
القلب َِّ إن
كل يشء بكل ِ
القادر عىل ِّ باب الرحيم الكريم، كسب قو ًة وال ِغذاء ّ
إل بِ َط ْرق ِ يمكنُه أن ي ِ
َ
َوسل.
َرضع وت ُّ
ت ُّ
ِ
الفانية، احلة رسيعا يف ِ
هذه الدنيا اآلتية والر ِ ِ ِ
ودات املوج ِ
بأغلب وح املتع ِّلق َة َّ
ً َّ ُ الر َ
وإن ُّ
ِ
واملحبوب ِ
املعبود الباقي ِ
رمحة احلياة إلَّ بال َّتوج ِه بالص ِ
الة إىل َين ُبو ِع ِ َرش ُب ما َء
َّ ُّ ال ت َ
مد ِّي. الس ِ
َّ
ُ
واملخلوق ُ
ُّورانية، الر ُ
بانية الن طيف ،وهو ال َّل ُ
طيفة َّ الرقيق ال َّل َ
َ اعر
الش َاإلنسانـي َّ
َّ الس َّـر
وإن ِّ
حمتاج أشدَّ ِ
اجلليلة ،البدَّ أنّه الذ ِ
ات ِ
لتجليات َّ ِ
العاك ُ
سة واملشتاق ل ُه فِطر ًة واملرآ ُة
ُ ِ
للخلود،
ٌ
قة اخل ِ
انقة اح ِ
نيوية الس ِ
األحوال الدُّ ِ
ِ وض ِ
غوط هذه حمة و َق ِ
ساوة ُ َّنفس ،يف َز ِ احلاجة إىل الت ِ ِ
َ َّ
نافذة الص ِ
الة. ِ نش ِ
اق من ذلك إلَّ باالستِ َوليس له َ ِ ِ
َّ العابرة املظلمةَ ،
� � � � � �� � �
309 �������� ���� � ������� ��������� � ������� ���������� � -
التَّنبي ُه ال َّث ُ
الث
مت هبا يف األيا ِم العبادات التي ُق ِ
ِ ّك تَض َطربِني اليوم من تَذكُّر ع ِ
ناء يا نفيس اجلزع َة ..إن ِ
َ َ َ َ
العباداتِواجبات ِِ َّرين يف ِ ِ ِ ِ ِ ِ
السابقة ،ثم تَتفك َ املصائب َّ وزمحة الصالة َاملاضية ،ومن ُصعوبات َّ
الص ِرب ِ ب ،فت ِ ِ
املصائ ِ أداء الص ِ قبلة وخدمات ِ يف األيا ِم الـم ِ
اجلزع ،وق َّل َة َّ
َ رين
ُظه َ لوات ،وآال ِم َّ ُ
عقل؟ كة من ٍ ِ
مم ْن ل ُه م ْس ٌيصدر َّ
ُ أمر
ونَفا َده؛ هل هذا ٌ
جيش ِه
األح ِق الذي وجه قو ًة عظيم ًة من ِ
َّ َ القائد ِْ الص ِرب هذا َم ُثل َ
ذلك ِ
إن َمث َلك يف عد ِم َّ َّ
العدو إىل ص ِّف ِه،
ِّ
ِ
صفوف اجلناح من
ُ التحق َ
ذلك َ الوقت الذيِ للعدو ،يف
ِّ ِ
األيمن ِ
اجلناح إىل
الوقت الذي مل يكن َ
هناك ِ للعدو ،يف ِ
األيرس ِ
اجلناح ووج َه قو َت ُه الباقي َة إىل
ِّ ظهريا؛ َّ
ً فأصبح ل ُه
َ
َ
وجيش ُه هو ِ
القلب فد َّمر ُه َ عف ِه فسدَّ َد هجو َم ُه إىل
اجلنود؛ فأدر َك العدو نقط َة َض ِ
ُّ َ
ِ أحدٌ من
كامل.
ً تدمريا
ً
وأتعابا قد و َّل ْت، ِ
املاضية ِ
صعوبات األيا ِم ائشَّ ،
ألن ُشبهني هذا القائدَ ال َّط َ
َ نعمِ ،
إنك ت
َ
ذو ًقا فذه َب ْت آال ُمها وظ َّل ْت َل ّذ ُتا وانقل َب ْت مش َّقتُها ثوا ًبا ،لذا ال تُو ِّلدُ َم ً
لل بل شو ًقا جديدً ا َو ْ
ف ص َ املقبلة ،فألنا مل ِ
تأت بعدُ َّ ، ُ ضي واإلقدا ِم ..أ َّما ِ
فإن َ ْ َّ األيام
ُ للم ِّ
دائم ُ نَد ًّيا وسع ًيا جا ًّدا ً
والرصاخ من َ
اآلن ،ملا قدْ َ ذلك؛ البكا َء احلامقة وال َب َل ِه ،إذ يشب ُه َ
ِ نوع من
اآلن ٌ ِ
التفكري فيها من َ
ِ
املستقبل! طش واجلو ِع يف يكون من ال َع َِ تمل أن ُي َ
ُ
حيث العباد ُة يف هذا ِ
العقل ،ففكِّري من لك يش ٌء من كان ِ
فإن َ األمر هكذاْ ، فام دا َم
ُ
ٍ
سامية ٍ
خدمة مجيل ،ويفلذيذ ٍ واجب مهم ٍ ٍ سأرصف ساع ًة من ُه يف
ُ ات ..قويل: بالذ ِ
اليو ِم َّ
ٍّ
َحو َل إىل ِه ٍة أن ُف ِ
تشعرين ّ َ
تورك املؤمل َ قد ت َّ َ ضئيلة ..وعندها ٍ ظيم وك ٍ
ُلفة أجر َع ٍ ذات ٍ رفيعة ِ ٍ
ونشاط ٍ
لذيذ. ٍ ح ٍ
لوة، ُ
ِ ِ بـر ..إن ِ
ّك ُمك َّلف ٌة الص ِ
الصرب. بثالثة أنوا ٍع من نفسـي الفارغ َة من ََّ فيا
الأولُ :الصرب عىل ال َّط ِ
اعة. ُ َّ
الث َّاني :الص ُ
ِ
املعصية. رب ِ
عن
َّالث :الص ُ
الث ُ
ِ
البالء. رب ِعندَ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 310
ودليل،
ً َّنبيهِ -عبر ًة
القائ ِد -يف هذا الت ِمثال ِ كنت َف ِطسن ًة فخذي احلقيق َة ِ
اجلل ّي َة يف ِ فإن ِ
الص ِرب،
األنواع الثالث َة من ََّ صبور» ،ثم ُخذي عىل عاتِ ِق ِك ُ
مهة ور ٍ
جولة «يا ُ
بكل ٍ وقويل ِّ
ِ
وللمصائب فيك وتَجميل هبا ،فإنَّها تكفي للمش َّق ِ
ات ُك ِّلها، واستنِدي إىل قو ِة الص ِرب املود َع ِة ِ
َ َّ َ َّ َّ
أمور جانِبيةٍ.
خطأ يف ٍ يعها ما مل تُبعثِرهيا ً َج ِ
ابع
الر ُ
التَّنبي ُه َّ
وجدوى؟! وهل ُأ ُ
جرتا ٍ هذه الع ِ
بودية ُد َ يا نفسـي ال َّطائش َة ..يا تُرى هل أداء ِ
ون نتيجة َ ُ ُ َ
دون ٍ
فتور إن ِ
املساء و َي ِكدُّ َ أن أحدَ نا ُ
يعمل إىل تسأمني منها؟ مع َّ قليل ٌة ضئيل ٌة حتى َتع َل ِك
َ
رغ َب ُه أحدٌ يف ٍ
مال أو أره َب ُه. َّ
وعمل ِك يف هذا
ِ سعي ِك
ثامر ِ مجيع ِ فإن َ الصال َة املفروض َةَّ ، ِ
وكذل َك حا ُلك ،فإن تركت َّ
ِ ِ
وقت
فت َ دون أن َتني فائدَ َتا وبركتَها؛ بينام لو ص ِ ٍ
تافهة َ ٍ
دنيوية ستنحرص يف َن َف َق ٍة ِ
البستان
َ ُ
س ال َق ِ
وح ،ولتن ُّف ِ ِ ِ ِ ِ ِ راحتِ ِك بني
لب، الر ِ العمل يف أداء الصالة ،التي هي وسيل ٌة لراحة ُّ فرتات
ِ
املباركة ،ما َتدينَه من ِ
الدنيوية وزاد آخرتِ ِك مع نفقتِ ِك األخروية ِ
ِ عندئذ إىل نفقتِ ِكٍ يضاف
ُ
ِ
دائمني ُ
وها: ين َمعنو َّي ِ
ني لكنـز ِ
َ ٍ
عظيم منب ٍع
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 312
ٍ
خالصة، كل ما هيأتَه بن َّي ٍة ِ
«تسبيحات» ِّ الكنـ ُز األول :ستأخذ( )1ح َّظ َك ونَصي َب َك من
ونباتات يف ُبستانِ َك.
ٍ أزهار ٍ
وثامر ٍ من
أكان حيوانًا أ ْم إنسانًا شار ًيا حماصيل بستانِ َك -سوا ٌء َ ِ يأكل من كل َمن ُ أن َّ الكنـ ُز الثاينّ :
ٌ بحكم «ص ٍ ُ أو سار ًقا-
وظف ٌ وكيل و ُم نفسك كأن ََّك َ نظرت إىل َ لك ،فيام إذا دقة» َ ِ َ يكون
مناحلقيقي وض َ
ِ
ِّ الرز ِاق
باسم َّ ِ تترصف
ُ مال اهلل سبحا َن ُه وتعاىل عىل خملوقاتِه ،أي لتوزي ِع ِ
َمرضاتِه.
ترك الصالةَ ،كم هو ِ
عظيم؟! وكم هو فاقدٌ من ً خاس ُخرسانًا ٌ واآلن تأ ّم ْل يف الذي َ َّ َ
ِ
اللذين ِ
ائمني ِ
الكنـزين الدَّ فلسا من َ
ذينك اهلائلة؟! وكيف أنّه سيبقى حمروما وم ِ ِ ِ
الثروة تلك
ً ُ
أرذل ُع ُم ِر ِه، بلغ َ َّشاط؟! حتى إذا َ عي والن ِ للس ِ ويشوقانه َّ
ِِ
ِّ ِ
للعمل ٍ
معنوية اإلنسان ٍ
بقوة َ ي ِم ِ
دان ُ
أعم ُل؟ ِ ِ ِ سوف ُّ
ألجل َمن َ ب نفيس؟ علي؟! ل َم أتع ُ ويضجر ُماط ًبا نفسه« :وما َّ ُ يمل َ فإنّه
يقول: األو ُل ُ ُ أحضان الك ِ ِ ِ ٌ
الرجل َّ َسل؛ بينام نفسه يف راحل من هذه الدُّ نيا غدً ا» ف ُيلقي َ فإنّني
قربي ضيا ًء رس َل إىل املتزايدة كيام ُأ ِ
ِ بجانب عباديت ِ ِ
احلالل ِ
العمل «سأسعى سع ًيا حثي ًثا يف
َ ْ
أكثر وأ َّدخ َر آلخريت َذخري ًة أزيدَ ». ِ
َ
فاتك ،أما الغدُ فلم ِ إن أمس قد ِ
وليس َ يأت َب ْعدُ ، َّ َّفسَ ْ ّ .. واخلالص ُة :اعلمي أ َّيتها الن ُ
القليل أن ِ احلقيقي هو هذا اليومُّ ،
وأقل َّ فاحسبي ُع ُم َر ِك ُ لديك عهدٌ أنَّك ستملكينَ ُه ،هلذا ِ
َ
املستقبل الس ّجاد ُة لتضمني صندوق اال ِّد ِ ِ ُلقي ساع ًة من ُه يف ت ِ
األخروي ،وهو املسجدُ أو َّ ِّ خار
احلقيقي اخلالدَ .
َّ
ِ جديد ِ ٍ ٍ كذلك أن َّ
ولغريك -فإن مل تؤدي -لك ينفتح لعاملٍ
باب ُ كل يو ٍم جديد هو ٌ َ واعلمي
شهدُ
الغيب ُمظلام شاك ًيا حمزونًا ،وس َي َ ِ يرحل إىل عا َل ِ
ـم ُ ـم ذلك اليو ِم فيه الصال َة فإن عا َل َ
عملنا وقل َبناَ ..مث ُله يف ـمَّ ، اخلاص من هذا العا َل ِ لكل منَّا عا َل َم ُه
إن ٍّ ِ
عليك؛ إذ َّ
وأن نوعيتَه تَت َبع َ َّ
فستظهر الصور ُة
ُ الصور ُة تب ًعا للوهنا ونوع َّيتِها؛ فإن كانت ُم ْسو َّد ًة
مثل املرآة ،تظهر فيها ُّ
ِ ذلك ُِ
فستظهر مشوه ًة ت ِّ
ُضخم أتف َه ُ فستظهر الصور ُة واضح ًة ،وإال
ُ ُم ْسو َّدةً ،وإن كانت َصقيل ًة
�﷽
﴿ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ * ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾
(املؤمنون)98-97:
تعلم بامذا تُشبِ ُه َوسوست َُك؟ َّإنا سوسةِ َ .. ِ ِ أ ُّيها ُ
ليت شعري هل ُ الو
الـمبتىل بداء َاألخ ُ
ِ ِ ِ
اهاأشب ُه باملصيبة؛ تبد ُأ صغري ًة ثم تك ُب ُـر شي ًئا فشي ًئا عىل مدى اهتامم َك هبا ،وبقدْ رِ إمهال َك إ َّي َ
تكداس َ فت منها َ فهي تَع ُظ ُم إذا استعظمتَها وتَص ُغ ُر إذا استَصغرتَها؛ وإذا ما ِخ َ تزول وتفنىَ ، ُ
استمر ْت
َّ ف حقيقتَها وتوارت؛ وإن مل ِ
تعر ْ َ َست
وخن ْ َت َ ف هان ْ َخ ْ ِ
بالعلل ،وإن مل ت َ ودو َ
ختك َّ
األمر
ُ مح َّل ْت ..فام دا َم
واض َ تالشت ْ ْ غورها
رت َ وس َب َعرفت حقي َقتَها َ َ واستقر ْت ،بينام إذا
َّ
َ
يكون بيانُها كثريا ،عسى أن ِ
وجوهها التي تحدُ ُ ٍ فسأرشح لك مخس َة
ث ً وجوه ،من ُ هكذا
العلم س ،بينما ِ
للوساو ِ الجهل َمج َلب ٌة
َ نحن ك ُّلنا ،ذلك ّ
ألن ِ ِ
ُ لصدورنا ُ -بعون اهلل -شفا ًء
دبر ْت. ت َ نت وإذا ما عرفتَها و َّل ْ جهلتَها أ ْقب َل ْلشرها ،فلو ِ ِ
وأ َ ت و َد ْ دافع ِّعلى نقيضه ٌ
اجلرح ُ
األول ُ الوج ُه ُ
األول -
أنكرها ِ
يراقب صداها يف األعامق ،فإذا َ ُ ِ
القلب ،ثم الشيطان ُيلقي أوال بشبهتِه يف َ أنَّ
بيحتم من َق ِ ِ
اخليال ما يشب ُه َّ الش ِ بهة إىل َّ الش ِانقلب من ُّ
الش َ صو ُر أما َم
والسب ،ف ُي ِّ
ِّ تم َ القلبُ
حتت وطأةِ لآلداب ،مما ُ ِ ِ ِ
واهلواج ِ ِ ِ
املسكني يئ ُّن َ َ
َ القلب
َ جيعل ذلك س املناف َية اخلواطر السيئة
اقرتف
َ آثم ،وأنه قد
أن قل َبه ٌ وسو ُس َّ الم َ فيظن ُ
ُّ سـرتاه! وا ُمصيبتاه! واح َويصـر ُخَ : ُ ِ
اليأس
ِ
السكينة فينفل ُت من ِع ِ
قال ِ لق، ٍ
وانفعال و َق ٍ ٍ
باضطراب ويشعر ِ
الكريم، يال ر ِّب ِه السيئات ِح َ
ِ
ُ
ِ
الغفلة. ِ
أغوار االنغامس يف ُ
وحياول ِ
والطمأنينة،
َ
� � � ����������� ���� ����� �� �� � � �� � � �
315 �������� ���� � ������� ���������� �� �
َّأما ِضام ُد هذا الجرحِ فهو:
شتم وال ِ ِ ختف وال تَض َط ِربّ ،
مر أما َم مرآة ذهنك ليس ً ألن ما َّ املسكني ..ال ْ
ُ أهيا املبتىل
ِ
الكفر إن تخ ُّي َل مرآة ذهنِك ،وحيث ّ سبا ،وإنّام هو مجرد صو ٍر وخياالت متر مرورا أمام ِ
ً ُّ ُ َ ًّ
أن التخ ُّي َل ِ
املنطقيةّ : ِ
البدهيية شتم ،إذ من املعلوم يف الش ِ
فإن تخ ُّيل َّ كفراّ ،
أيضا ليس ً تم ً ليس ً
الالئقة مل تكن قد ِ غري ِ فضل عن هذاَّ ، بح ٍ
فإن تلك الكلامت َ ً كم؛
الشتم ُح ٌ
ُ كم ،بينام ليس ُ
شيطانية َق ٍ
ريبة ٍ آتية من َل َّم ٍة
يتحس ُر منها ويتأملَ ،بل ٌ إن قل َبك حيث ّ ذات قلبِكُ ، صدرت من ِ
َّ َ
رضرها عىل القلب هو الض ِر ،أي ّ توه ِم َّ ِ
إن َ الوسوسة إنام هو يف ُّ َ من القلب ،لذا فإن َض َر
ختيل ال أساس له كأنَّه حقيق ٌة ،ثم ينسب ِ
إليه يتوهم ً نتوهمه نحن من أرضارهاّ ،
ألن املر َء ما
ُ ُ َ ُ ُ
خواطر قلبِه هو، ِ ِ
الشيطان هي من أن َه ِ
زات فيظن ّ ِ
الشيطان ما هو بري ٌء منه، ِ
أعامل من
ُّ
ِ
بالذات. ُ
الشيطان منه فيقع فيها ..وهذا هو ما يريدُ ه أضرارها ُ
َ ويتصور
ُ
الوجه الثاين
َ
األشكال الصور ،وتكت َِس
ِ جرد ًة من ِ ِ
القلب تن ُف ُذ يف اخليال ُم َّ
عندما ت ِ
َنطل ُق املعاين من
ويعر ُض ِ
الصورِ ، وألسباب مع َّي ٍنةً ،
نوعا من ٍ دائم
ينس ُج ً ُ
والخيال هو الذي ُ والصور هناك؛
َ
النسيج أو يع ِّل ُقه
َ لبسه ذلك ُ
فاخليال إ ّما ُي ُ ِ
الطريق ،فأ ُّيام معنًى ِيرد، ِ
الصور عىل هيتم به من ما ُّ
جة ملوث ًة ِ
واألنس ُ نـزه ًة ونقي ًة،
والصور
ُ ُـره به؛ فإن كانت املعاين ُم َّ عليه أو يل ِّط ُخه به ،أو يست ُ
التامس
ِّ أمر
س ُ سو ِ مس فقط ..فيلتبِ ُس عىل ُ
الـم َو َ إلباس وال إكسا َء ،وإنام جمر ُد ٍّ َ دنيئ ًة فال
املهاوي ،وستَجعلني ِ َلبيسا ،فيقول يف نفسه :يا ويلتاه! لقد تردى قلبي يف فيظنُّه تل ُّب ًسا وت ً
ِ ِ ِ
املطرودين من رمحة اهلل؛ فيستغ ُّل الشيطان هذا َ
الوت ََر َ النفس ُية من ُ
واخلساسة هذه الدناء ُة
ً
استغالل فظي ًعا. اس منه احلس َ
َّ
ِ
العميق هو: الـجرحِ
ره ُم هذا ُوم ََ
نجاسة ،بل يكفي هلا طهار ٌة ِح ِّسي ٌة
ٍ كام ال يؤ ِّث ُـر يف َصالتِك وال ُيفسدُ ها ما يف جوفِ َك من
هة واملقدَّ ِ
المنـز ِ امللو ِثة باملعاين
سة. َّ الص َو ِر َّ
مجاور ُة ُّ
َ ترض
دنية ،كذلك ال ُّو َب ٌ
رض ِ
يفاج ُئك ،أو بأمر ُمه ِّي ٍج من َم ٍ ذلك :قد تكون متدبرا يف ٍ
آية من آيات اهلل ،وإذا ٍ ُ
مثال َ
ِّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 316
سينساق إىل َح ُ
يث الدوا ُء، ُ شك أن خيا َلكنيُ ،ي ِل ُّح عىل خيالِك بشدَّ ٍة ،فال َّمن تداف ِع األخ َب َث ِ
َمر املعاين ِ
الوارد ُة يف تد ُّب ِر َك من بني ٍ ٍ يقتض ِيه من
ناسجا ما ِ احلاجةِ ،
ِ
صور َدنيئة؛ فت ُّ ً أو قضا ُء
رضر وال َل ٌ ِ ِ ِ ِ
وثة وال خطورةٌ ،إنَّام اخلطور ُة فقط ثم َة ٌ
متر ،فليس َّ السافلةَ ..د ْعها ُّالصور اخليالية َّ
َوهم الضَّ ِر ِمنها.
كر فيها ،وت ِ الف ِ تركيز ِ
ِ هي يف
الوج ُه ال َّث ُ
الث
لة ،حتى بني يوط من الص ِ األشياء ،وربام توجدُ ُخ ٌ ِ فية تسو ُد بني القات َخ ٍ ٍ بعض َع َ
ِّ هناك ُ
ِ حقيقي ٌة ،أو أنَّها من نِ
ِ قائم ٌة ِ اخليوط إما أنا ِ ِ
تاجات بذاتا ،أي ُ َّ َّ األشياء؛ هذه ما ال نتوق ُعه من
ِ
توارد الس ُّـر يف ٍ ِ
ينشغ ُل به من َ خيالِ َك الذي
عمل؛ وهذا هو ِّ حسب ما َ اخليوط صنع هذهَ
ُ
يكون سب ًبا إذ «التنا ُق ُض الذي َّظر يف ما خيص أمورا مقدَّ س ًةِ ، سيئة أحيانًا عند الن ِ خياالت ٍ ٍ
ً ُ ُّ
ِ
البيان؛ اخليال» كام هو معلو ٌم يف ِ
علم ِ والتجاو ِر يف ِ
للقرب ُ
يكون مدعا ًة ِ
اخلارج ِ
لالبتعاد يف
ُ
ِ
اخلواطر اخليال ،و ُيط َل ُق عىل هذه
َ يـن ليس ّ
إل ِ
املتناق َض ِ الشي َئ ِ
يـن جيمع بني صوريت َّ إن ما أي َّ
ُ
الوسيلة :تداعي األَ ِ
فكار. ِ ِ
الناجتة هبذه
مستقبل ضور ٍ
قلب وح ِ الصالة بخشو ٍع ِ أنت ت ِ مثال َ ُ
ً وترضع ُ ُّ ُناجي ر َّبك يف ذلك :بينام َ
خمجلة ال تعنيك بيشء؛ فإذا ٍ أمور ُمشين ٍَة األفكار هذا يسو ُقك إىل ٍ ِ املعظم َة ،إذا بتداعي الكعب َة
َ
ِ
الفطرية جتز َع ،بل ُعد إىل حالتِك تقلق أو َ األفكار ،فإ َّياك إ َّياك أن َ ِ كنت يا أخي ُمبت ًلى بتداعي َ
ب.. الس َب ِ كثرياَ ..فتبد ُأ بالت ِ ُشغل با َلك ً حاملا تنتبه هلا ،وال ت ِ
َّحري عن َّ رت ً قص ُ قائل :لقد َّ ُ
َ الواه ُية العابر ُة ِ
برتكيزك عليها ،إذ كلام العالقات
ُ َقوى تلك بل ُم َّر عليها َم َّر الكرا ِم لئال ت َ
تتأص ُل تدرجي ًيا ٍ
التخطر إىل عادة ّ ُ انقلب ذلكَ واألسف وزا َد اهتما ُمك هبا َ أظهرت األسى َ
إن هذه قلبيَّ ،بمرض ٍٍّ تخش أبدا ،إنه ليس خيايل؛ ولكن ال ..ال َ ٍّ ٍ
مرض تتحو َل إىل
َّ حتى
ِ ِ ِ اهلواجس الن ِ
اإلنسان، إرادة رغم عن تتكو ُن ًأغلب احلاالت َّ ِ اخليالـي هي يف
َّ والتخطر
َ َّفسي َة ِ َ
والشيطان يتَغ ْل َغ ُل عمي ًقا مع
ُ جة احلا َّد ِة..
واألمز ِ ِ ره ِفي احلِ ِّس تكون لدى ُم َ ُ وهي غال ًبا ما
س. ساو ِالو ِ هذه َ
� � � ����������� ���� ����� �� �� � � �� � � �
317 �������� ���� � ������� ���������� �� �
ِ
الداء فهو: عالج هذا َّأما
ُ
َ
اختالط فيها إرادية غال ًبا ،وكذا ال ٌ ِ
األفكار ،ألنَّها ال اعلم أنَّه ال مسؤولي َة يف تداعي
بعضها طبيعة األفكار ُ ُ جماورة وال يش َء بعد ذلك ،لذا فال ت ِ
َرسي ٍ جمر ُد
متاس ،وإنام هي َّ وال َّ
حول ِ
للشيطان َ ِ
مالئكة اإلهلا ِم ـجاور َة
بعضا؛ إذ كام أن ُم َ بعضها ً يضـر ُ
ُّ ببعض ،ومن ثم فال
رضر ٍ ٍ وجماور َة األبرار لل ُف َّج ِار وقرا َبتَهم ووجو َد ُهم يف ِ
مسكن واحد ال َ َ القلب ال بأس فيها،
ٍ ٍ ِ ٍ ٍ
تضر يف أفكار طاهرة نَـزهية ال ُّ مقصودة بني خواطر س ِّي ٌئة ُ
غري ُ فيه ،كذلك إذا تداخلت
ٍ
ُ
يكون متوها َض َـر َرها بك؛ وقد نفسك كثرياً ِّ ، إل إذا كانت مقصودةً ،أو أن تَش َغ َل هبا َ يشء ّ
ِ ِ
ُ
الشيطان فينتهز
ُ جدوى،
َ َّفق -دون كر بيشء َما -كيفام ات َ رهقا ف َينشغ ُل الف ُ القلب أحيانا ُم َ ُ
َ
وهناك. األخ ِيل َة اخلبيث َة ُ
وينثرها هنا هذه الفرص َة و ُيقدِّ ُم ْ
الرابع
ُ الوج ُه
األتم من ِ
األكمل َّحري عن الناشئة من التشدُّ ِد ِ ِ
ِ هو نوع من الوسو ِ
ِّ املفرط لدى الت ِّ سة َ ٌ
ِ
األمر سوءا وتعقيدا،
والورعِ -ازدا َد َُ َّقوىاألعامل ،فك َّلام زا َد املر ُء يف التشدُّ د هذا -باسم الت َ
َ
واألكمل يف األعامل بتغي الوج َه األَ َ
ول وشك أن يقع يف احلرام يف الوقت الذي ي ِ حتى َلي ِ
َ َ ُ
نفسه دائام عن مدى حيث َي ُ ُ ِ ِ رت ُك «واجبا» ِ
سأل َ «سنّة»تحريه عن ُ بسبب ِّ الصاحلة؛ وقد َي ُ َّ
األمر َ
يطول به ويكر ُره ،قائال « :تُرى هل َص َّح عميل؟ » حتى ِص َّحة عمله ،فرتاه ُيعيدُ ه
ِ ِ
ُ ِّ
بس ِ الشيطان وضعه هذا فريميه ِ َفييأس ،وي ِ
ستغ ُّل
رحه من األعامق. وي ُ
هامه َ ُ َ َ َْ َ َ
ِ
دواءان اثنان: الـج ِ
رح وهلذا ُ
باملعتزلة الذين يقولون« :إن ِ ساوس ال تليق ّ
إل ِ الو
أمثال هذه َ أن َ الدواء الأول :اعلم َّ
الشرع قبيحة يف ذات ِ
نفسها ،ثم يأيت ٌ األخروي حسن ٌة أو حيث اجلزا ُءأفعال املك َّل ِفني من ُ َ
ُ ُّ
ِ ِ
طبيعة موجودان يف بح أمران ذاتيان سن ُ
والق َ الـح َ
إن ُ يح؛ أي ّ أن هذا َح َس ٌن وهذا َقبِ ٌ فيقر ُر ّ
ِّ
تابعة لذلك» ..ولذلك فإن األوامر والنواهي فهي ٌ األخروي -أ َّما ِ
ب اجلزاء ِ
ُ ِّ -ح َس َ
األشياء َ
تم عميل ِِ ِ ِ ِ طبيع َة هذا
دائم عن أعامله« :تُرى هل َّ املذهب تؤ ِّدي باإلنسان إىل أن َيستَفس ً
السن َِّة
أهل ُّاحلق وهم ُ أصحاب ِّ ُ المريض كام هو يف ذاتِ ِه أم ال؟» ..أ َّما ِ
األكمل ُ الوج ِه
عىل ِ
ُ فيكون حسنًا وينهى عن ٍ ٍ ِ
فيكون يشء ُ َ َ َ َ بيشء يأمر
«إن اهلل سبحان ُه وتعاىل ُ فيقولونَّ :
َ واجلامعة
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 318
يتقرران من ِو َ
جهة بح َّ سن ُ
والق َ الح َ إن ُ بح ..أي َّ سن ُ
والق ُ الح ُ َّهي يتح َّق ُق ُ ِ
فباألمر والن ِ يحا»، َقبِ ً
اآلخرة دون الن ِِ قان بحسب خواتِ ِ ف ،ويتع َّل ِ نظر المك َّل ِ
َّظر إليهام يف الدنيا. يمهام يف ِ ُ
فسد صالتَك أو يت ،وكان هناك يشء ما َخفي عليك ي ِ أت أو ص ّل َ توض َ ذلك :لو َّ مثال َ ُ
ُ َ ٌ َ
وحسنان يف ٍ
ِ ِ
آن صحيحان لع عليه ،فصالتُك ووضوؤك يف هذه احلالة وضو َءك ،ومل ت َّط ْ
َ
جلهلك ،إذ منك ِ
مقبوالن َ ِ
وفاسدان حقيق ًة ،ولكنَّهام ِ
قبيحان ِ
املعتزلة :إهنام واحد؛ وعندَ ٍ
ذر. ُ
اجلهل ُع ٌ
صحيحا ال يكون عم ُل َك
ُ ِ
واجلامعة الس ِنة ِ
بمذهب ِ ً وهكذا أهيا ُ
ً أهل ُّ فأخذا المبتىل،
األخ ُ
عملك ،ولكن َ
إياك أن َ ِ
صحة ُوسو َس يف اك أن ت ِ
الشعِ؛ وإ ّي َظاهر َّ نظرا ملوافقتِ ِه ِ
َ غبار عليهً ،
َ
مقبول عندَ اهلل أم ال؟.ٌ أهو ِ
علم اليقنيَ ، أيضا ،ألن ََّك ال ُ
تعلم َ تَغرتَّ به ً
رس ال حرج ِ ين ُي ٍ أن اإلسالم ِدين اهلل ِّ ِ الدواء الثاني :اعلم َّ
ُ
املذاهب
َ فيهَّ ،
وأن َ احلق ،د ُ َ َ
أثقل ميزانًا من ِ
تقصيره تال َفا ُه باالستغفار الذي هو ُ َ درك املر ُء َ
احلق؛ فإن أ َ األربع َة ك َّلها عىل ِّ
باألعامل الص ِ َّاشئ من إعجابِ ِه
مقصرا
ً نفسه
سوس َ المو َ
مثل هذا َ فإن َير ُ
احلة ..لذا ْ ِ َّ الغرور الن ِ ِ
األمر هكذا، ُ يغتر إعجا ًبا بعملِ ِه؛ فام دا َممرة من أن َّ
ألف ٍ
خير له َ َّ ويستغفر ر َّبه ٌ
ْ في عملِ ِه
ِ إن هذا َ ِ الو ِ
حقيقة الع عىل وإن اال ِّط َحرجَّ ، احلال ٌ الشيطانَّ : واصـر ْخ يف وجه ُ ساو َس فاطرح َ ِ
ين» رج يف الدِّ ِ وخيالف قاعدةَ« :ال َح َ سـر يف الدِّ ِ
ين، ِ
ُ صعب جدً ا ،بل ينايف ال ُي َ ٌ أمر
األحوال ٌ
املذاهب اإلسالم َّي ِة احل َّق ِة ،وهذا ِ أن عميل هذا يوافِ ُق مذه ًبا من رس» ،وال ُبدَّ َّ ين ُي ٌ و«الدِّ ُ
لقي بنفيس بني يدي خالقي وموالي ساجدا مترضعا يكون وسيل ًة ألن ُأ َ ُ يثيكفيني؛ َح ُ
ميع املجيب.
الس ُ
وأعرتف بتقصريي يف العمل ،وهو َّ
ُ أطلب املغفرةَ،
ُ
اخلامس
ُ الوج ُه
ِ الشب ِ َ
اإليامن: هات يف قضايا أشكال ُّ ُ َتقمص
ساوس التي ت َّ
ُ الو
وهو َ
بنات ِ
عقله ،أي اخليال ،فيظن أنا من ِ ِ لجات الـم ِ
حتار َخ سو ِ
ُّ َّ ُ س ُ املو َ
يلتبس عىل َ
ُ فكثريا ما
ً
عقلهِ،
بهات ِعقل ِه ،أي إنا من ُش ِ قبولة لدى ِ ِ
َّ كأنا َم ٌتنتاب خيا َله َّ
ُ الشبهات التيأن ُّ توه ُم ََّي َّ
مههاسو ُس أحيانا أخرى أن الشبه َة التي يتو ُ
املو َ
اخللل ..وقد يظ ُّن َمس ُه ُ
أن اعتقا َده قد َّ فيظن ّ
ُّ
� � � ����������� ���� ����� �� �� � � �� � � �
319 �������� ���� � ������� ���������� �� �
ِ
الشبهات َّ
كأن يضر بإيامنِه ..وقد يظ ُّن تار ًة أخرى أن ما يتصوره من ُرؤى إنام هي ٌّ
شك ُّ
أن كل حيسب َُّ كفر ،أي إنه
الكفر ٌ ِ كل تفكري يف قضايا ب أن َّ حيس ُعق َل ُه قد صدَّ َقه ..وربام َ
خالف الض ِ
اللة أنه ِ
أسباب َّ ِ
ملعرفة ٍ
حمايدة ٍ
عقلية ٍ
وحماكمة متابعة فكر َّي ٍة
ٍ ومتحيصَّ ،
وكل ٍ َحر
ُ ت ٍّ
ضاع ُ ُ ِ ِ ِ
ويقول« :وياله! لقد َ ويرجتف،
ُ يرتعش املاكرة الشيطانية التلقينات اإليامن؛ فأما َم هذه
ِ
اجلزئية األحوال بإرادتِ ِه
َ صل َح تلك واختل» ،وبام أنه ال يستطيع أن ي ِ َّ وفسدَ اعتقادي
ُ ُ قلبي َ
ِ
القاتل. ِ
اليأس ِ
هاوية األغلب -يرت َّدى إىلِ غري إراد َّي ٍة عىل
-وهي ُ
فهو:
عالج هذا اجلرحِ َ
ُ أما
ليس ضالل ًة، ِ ُفراَّ ، ِ أن خت ُّي َلليس كُفرا كام َّ ِ ّ
تصو َر الضاللة َ وإن ُّ ليس ك ً الكفر َ الكفر َ َوه َم
أن ت ُ
أن التفكري يف َّ ِ
َّفكر.. َّصور والت َ
َّوهم والت َ ألن التَّخ ُّي َل والت َ
ليس ضالل ًة؛ ذلك َّ الضاللة َ َ مثلام َّ
والتوهم ُ
التخيل القلبي ،إذ ِ
واإلذعان العقيل ِ
التصديق ومتغاير ك ِّل ًّيا عن متباين َ
أولئك كلُّ
ُ ِّ ِّ ٌ ٌ
االختياري ِ
باجلزء حد ما ،لذلك فهي ال تح َف ُل والتصور والتفكُّر أمور حر ٌة طليق ٌة إىل ٍ
ِّ ٌ ُ ُ
ُ ِ ِ ِ ِ ِ
واإلذعان َّصديق
ُ حتت التَّبعات الدِّ ينية ،بينام الت كثريا َ ترض ُخ ً املنبثق من إرادة اإلنسان ،وال َ
َّفكر َّوهم والت ِ
َّصور والت ِ أن كُال من التَّخ ُّي ِل والت ِ مليزان ،وكام َّ ٍ ِ
خاضعان كذلك ،فهام َ ليسا
مربر- احلالة -دون ٍ ُ وإذعان فال ُيعدُّ شبه ًة وال تر ُّد ًدا؛ لكن إذا تكررت هذه ٍ ٍ
بتصديق ليس
َ
ِ
احلقيقية ،ثم ِ
الشبهات يتمخض عنها ٌ
لون من ُ َّفس ،فقداالستقرار يف الن ِِ وبلغت حال ًة من ْ
ِ
باسم العقلية احلياد َّي ِة أو
ِ ِ
املحاكامت املخالف باسم
َ الطرف
َ -بالتزام ِه
ِ سو ُس الـم َو َ
ينـزلق ُ
ُ قد
ِ
الواجبة ِ
االلتزامات تنصل من ٍ
اختيار منه ،وعندها َي ُ املخالف َ
دون يلتزم ٍ ِ
َ اإلنصاف -إىل حالة ُ
والمخو ِل من بالمفو ِ
ض ُ
يكون فيها تتقر ُر يف ذهنه ٌ
حالة أشب ُه ما ُ ِ
َّ َّ فيهلك ،إذ َّ احلق،
عليه جتا َه ِّ
ِ
الشيطان. ِ
اخلصم أو ف أي الطرف املخالِ ِ
ِ قبل
ُ
«اإلمكان سو َس يلتبِ ُس عليه ِ ِ َّ
املو َ
سوسة اخلطرية هو أن َ الو َ
ولعل أهم نوع من هذه َ
ٌ
ومشكوك ممكن ذهنًا أن ما يراه ممكنًا يف ِ
ذاته: َوه ُم َّ ُ َّ
ٌ ُ الذهني» أي :إنه يت َ
ُّ و«اإلمكان اتـي» الذ ُّ
الذاتـي َ
اإلمكان تنص عىلَّ :
«أن ِ هنالك قاعد ًة كالمي ًة يف علم
َ عقل ،علام َّ ِ
َّ املنطق ُّ بأن فيه ً
ِ
الذهنية ِ
الرضورات َعار َض وال تضا َّد بينه وبني العلمي ،ومن ثم فال ت ُ
َّ اليقني
َ ال ُينايف
وبدهيياهتا».
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 320
البحر األسو ُد َ
اآلن ،فهذا يش ٌء ُ ِ
املمكن أن َي َ
غور نسوق هذا املثال :من ُ ولتوضيح ذلك
احلايل، ِ
موقعه ِ
املذكور يف ِ
البحر ِ
بوجود َحكم يقينًا الذاتـيّ ، ِ ُ
حمتمل الوقو ِع
ِّ إل أننا ن ُ ِّ باإلمكان
واإلمكان الذايت ال يو ِّل ِ
دان شبه ًة وال ُ اإلمكاين ُ
االحتامل ذلك قط ًعا ..فهذا َشك يف َ وال ن ُّ
ُّ ُ ُّ
ي َّل ِن بيقينِنا أبدً ا.
شكًا ،بل ال ُ ِ
إل َّ
أن ُرش َق غدً اَّ ، أل ت ِ ِ
املمكن ّ الشمس اليو َم ،ومنُ تغيب
َ ِ
املمكن ألَّ آخر :من
ومثال ٌ ٌ
شبهة ِ
ٍ ِ ٍ ِ
عليه. بأي حال من األحوال ،وال تَطر ُأ َأ ُ
صغر واالحتامل ال ُيـخ ُّل بيقيننا ِّ
َ َ
اإلمكان هذا
ِ ِ
غروبِ يت عىل فاألوهام التي ِتر ُد من اإلمكان الذا ِّ ُ هذين املثا َل ِ
يـن: غرار َ وهكذا عىل
لل يف يقينِنا ِ
اإليامنية ال ت َُو ِّلدُ َخ ً ِ
الغيب ِ
حقائق اآلخرة التي هي من ِ ِ
ورشوق ِ
احلياة الدنيا
ِ
لالحتامل الفقه« :ال ِعبر َة ِ ِ
وأصول ِ
الدين ِ
أصول اإليامين قط ًعا ..وهلذا فالقاعد ُة املشهور ُة يف
ِ
الناشئ عن الدَّ ليل». غري
ِ
املؤملة املزعج ِة للن ِ
ّفس س ِ
الوساو ِ املؤمنني هبذه ِ
ابتالء ُ
احلكمة من قلت :تُرى ما
وإذا َ
َ َ
ِ
للقلب؟
تكون حافز ًة للتي ُّق ِ
ُ الو ْس َوس َة
ظ، اإلفراط والغلب َة جان ًبا فإن َ
َ اجلواب :إننا إذا ما َّ
نحينا
للتهاون ..وألجل هذا ِ ِ
املباالة ،ودافع ًة وداعي ًة للتحري ،ووسيل ًة للجدِّ ِية ،وطارد ًة لعد ِم
حيث به ِ
الشيطان كي َّ ٍ
تشويق وأعطا ُه بيد نوعا من س ِ
وط احلكيم الوسوس َة ً العليم ك ِّله َ
جعل
َ ُ ُ
رط يف األذىَ ،ف َر ْرنا باق إىل تلك ِ
الحك َِم ..وإذا ما أ ْف َ ِ
وميدان الس ِ دار االمتحاناإلنسان يف ِ
َ
ِّ
الر ِجيم. ِ ِ
الشيطان َّ احلكيم وحدَ ه مستَرصخني :أعو ُذ باهلل َ
من ِ ِ
العليم إىل
ل��ل �ة ا �� ث ا �ن �ة ا ��ل� ش ن
��
ا � ك�� �م� ل�� �ي�� �و ع���ر�و�
هذهِ الكلمة ُ عبارة ٌ عن مقامين
املقام األول
�﷽
﴿ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ (إبراهيم)25:
﴿ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ (احلرش)21:
كبري ،فغش َي ُهام ما ال طاق َة هلام ِبه فف َقدا َوع َيهام ،وما حوض ٍ ٍ ِ
شخصان ذات يو ٍم يف استحم
َّ
ٍ ِ
غيـر عا َلمهام ،إىل وجدا َّأنام قد ِجي َء هبام إىل عا َل ٍم ِ
وعجيب فيه
ٌ عجيب، ٍ
عالـم إن أفا َقا حتى َ
ِ
بمثابة روعة مجالِه
ِ ِ
األطراف ،ومن منس ُ
قة ٌ انتظامه الدَّ ِ ِ يشء؛ فهو من َف ِ كل ٍ ُّ
مملكة َّ قيق كأنَّه رط
بلهفة فيام حوهلام وقد ٍ ِ
ينظران قرص بديعٍ؛ وبدَ َءا بحكم ٍ ِ تناس ِق أركانِه ِ ِ ٍ
عامرة ،ومن شدَّ ة ُ مدينة َ
وهدَ ت لش ِ جانب منه ُ ٍ عظيم حقا؛ إذ لو ن ِ
ُظ َر إىل ٍ امتآل َحير ًة وإعجا ًبا بام َرأيا أما َمهام من عامل
اجلوانب ،بينام إذا نُظرِ ُ
كاملة ٌ
مدينة آخر لرتا َءت جانب ٍ ٍ مملكة منتظم ٌة ،وإذا ما نُظر إليه من ٌ
يضم عا َل ًم َمهي ًبا ..و َط ِف َقا يتجوالن م ًعا يف شاهق ُّ ٍ ٍ
عظيم ٍ
بقرص آخر فإذا هوجانب ٍ
ٍ إليه من
يتكلمون بكال ٍم ُمعيَّ ٍ ال يفقهانِ ِه ،إلَّ
َ ٍ ِ ِ
خملوقات نظرمها عىل العجيب فو َق َع ُ أرجاء هذا العامل
ٍ
جليلة. ٍ
بواجبات َ
وينهضون أعامل عظيم ًة
ً َ
يؤدون ِ
وتلوحياتم َّأنم ِ
إشاراتم أهنام أدركا من
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 322
ِ
اململكة العجيب ُمد ِّب ًرا يد ِّبر شؤونَه ،وهلذه ِ أن هلذا العامل الشك َّ
َّ لآلخر:ِ قال أحدُ مها
ِ ِ ِ ِ
القرص املنيف صان ًعا الرائعة سيدً ا يتوىل ُأ َ
مورها ،وهلذا البديعة مالكًا يرعاها ،وهلذه املدينة َّ
أبدع ُه ،فأرى لِزا ًما علينا أن نسعى ملعرفتِ ِه ،إذ يبدو أنَّه هو الذي قد أتَى بنا إىل بدي ًعا قد َ
حوائجنا ونحن هاهنا ،وليس أحدٌ غريه؛ فلو مل نعر ْفه فمن ذا غيره ي ِ
سع ُفنا و ُيغي ُثنا و َيقيض
َ ُ ُ ُ َ َ ُ
عفاء ونحن هؤالء العاجزين الض ِ ِ أمل نرجو ُه من بصيص ٍ الغريب؟ فهل ترى ِ يف هذا العاملِ
َ ُّ َ
ِ
صورة العظيم عىل جعل هذا َ
العال إن الذي َ ثم َّ ِ
َ ال نفق ُه لسانَهم وال هم ُيصغون إىل كالمنا؟ َّ
ِ ِ ٍ ِ ٍ ٍ قة وعىل ِ مملكة منس ٍ ٍ
األشياء، خلوارق قصـر بديعٍ ،وجع َل ُه ً
كنـزا شكل رائعة وعىل مدينة هيئة ُ َّ
أقول: حكيمةُ .. ٍ بمعجزات مع ِّب َـر ٍة
ٍ ورص َع نواح َي ُه ك َّلها زينة وأرو ِع ُح ٍ بأفضل ٍ
ِ وجم َل ُه
سنَّ ، َّ
أن له شأنًا الشك َّ َّ وبمن حولنا إىل هاهنا، ِ ِ ِ َّ
إن صان ًعا له كل هذه العظمة واهليبة وقد أتى بنا َ
ٍ ب قبل ِّ
يطلب؟ ُ نعلم من ُه ما يريدُ منا وماذا كل يشء أن نعر َفه معرف ًة جيد ًة وأن َ فو َج َ
يف هذا؛ َ
األو ُل
الربهان َّ
ُ
أن يدً ا خفي ًة ُ
تعمل من ٍ
وأمور؛ أال ترى َّ ٍ
أشياء لنتأمل ما حولنا من َ تعال معي يا صاحبي َ
نفسه(ُ )1
حيمل أصل وال يقوى عىل حمل ِ ً أن ما ال قو َة ل ُهمجيعها؟ َأو ال ترى َّ األمور ِ
ِ ِ
وراء
َ
ٍ
بأعمال يقوم
عور ُ َ
إدراك ل ُه وال ُش َ أن ما ال قيل؟ َأو ال تُشاهدُ َّ األرطال من احلِ ِ
مل ال َّث ِ ِ آالف
َ
أن مو ًلى عليام، تعمل مستق َّل ًة ِ
بنفس ِها ،بل البدَّ َّ احلكمة؟( )2فهذه األشيا ُء إذن ال ُ ِ يف ِ
غاية
بذاتا ،وأمرها ِ
بيدهاَ ،ل َلزم أن جب؛ إذ لو كانت مستقل ًة ِ حل ِ ِ
ُ ُ يديرها من وراء ا ُ قديرا ُوصان ًعا ً
ٌ
فسطة ال معنى هلا! خارقة ،وما هذه إلَّ َس ٍ ٍ
معجزة صاحب كل ٍ
يشء هنا يكون ُّ
َ
َ
الربهان ال َّثاين
ُ
ِ
والساحات ،ففي امليادين ِ
األشياء التي تُز ِّي ُن النظر يف هذه تعال معي يا صاحبي لن ِ
ُمع َن َ
َ َ
تمه؛ كام تَد ُّلنا ُطغرا ُء كأنا ِس َّك ُت ُه َ
وخ ُ
ِ ِ
ذلك املالك وتَد ُّلنا عليه؛ َّ
ربنا عن َ أمور خت ُ
ٍ ِّ
كل زينة منها ٌ
الربهان ال َّث ُ
الث ُ
ِ ِ ِ
كل منها كأنَّه ن ٌ
ُسخة ُمصغر ٌة لننظر إىل مصنوعاته العجيبة املتحركة؛( )3فقد ُص َ
نع ٌّ َ َ
تعال
القرص
َ
يمكن أن ُي ِ
در َج أحدٌ هذا ُ القرص ك ِّل ِه ،فهل
ِ العظيم ،إذ يوجدُ ِ
فيه ما يف ِ ِ
القرص من هذا
يمكن أن ترى عب ًثا أو مصادف ًة يف عا َل ٍم ِ ٍ ٍ
ُ صانعه البديعِ؟ أو هل مص َّغ ًرا يف ماكينة دقيقة ُ
غري
ٍ
صغرية؟ ٍ
ماكينة ُض َّم َ
داخل
الصان ِع البديعِ ،بل ُّ
كل بمثابة ٍ
آية ُّ ِ إن َّ
أي َّ
تدل عىل ذلك َّ مكائن إنام هي
َ كل ما تشاهدُ ُه من
ِ ِ ِ ُ فصح عن عظمتِ ِه، ٌ دليل ِ ٍ
ماكينة ٌ
نحن من إبدا ِع َمن َ
أبدع احلالُ : بلسان ويقول وإعالن ُي ُ عليه،
ٍ ٍ ٍ ٍ
مطلقة. بسهولة هذا العا َلم بسهولة مطلقة كام َ
أوجدَ نا
ابع
الر ُ
الربهان َّ
ُ
لإلعجاب! انظر ،فها قد تبدَّ َل ِ
األمور يف
ُ ت ِ أكثر إثار ًةتعال ُأ ِر َك شي ًئا َاألخ العنيدُ ! َ أهيا ُ
َّغري ،فال والء نرى بأعينِنا هذا الت َ األشياء ،وها نحن ُأ ِ ِ ِ
َّبدل والت َ مجيع
هذه اململكة ،وتغ َّيرت ُ
يتغري ويتجد ُد. ليشء مما نرا ُه بل ُّ ٍ
الكل ُ ثبات
َ
كل منها قد اختذ كأن ً شعوراَّ ، دة التي ال نرى فيها اجلامدة المشاه ِِ انظر إىل هذه األجسا ِم
ً ُ َ
ِ
األشياء سيطر عىل َّ حتت سيطرتِ ِه، َ َ حاكم ُم ٍ ٍ
وكأن كال منها ُي ُ حمكومون َ واآلخرون طلق صور َة
حتتاجه ِمن لواز َمُ
املاكنة التي بقربِنا ( )1كأهنا تأمر فيهرع إليها من ٍ
بعيد ما ُ ُ َ ُ
ِ ك ِّلها ،انظر إىل هذه
بإشارة خف َّي ٍة منه
ٍ عور ل ُه )2(،كأنه ِّ
يسخ ُر اجلسم الذي ال ُش َ ِ وعملها ،وانظر إىل ذلك ِ لزينتِها
األمور األخرى عىل وق ِ
س جسم وأكربه يف شؤونِ ِه اخلاص ِة وجيع ُله طوع إشارتِ ِهِ .. ٍ أضخ َم َ
َ َ ُ َّ َُ
ِ
املثالني. ِ
هذين
فعليك إذن أن ت َ
ُحيل إىل َ ِ
املالك الذي ال نرا ُه، ِ
اململكة إىل ذلك ِ
إدارة أمر
تفوض َ فإن مل ِّ
حجرا أو تُرا ًبا أو حيوانًا أو إنسانًا ٍ
وكامالت ،حتى لو كان ٍ
إتقان ِّ
كل مصنو ٍع ما للبدي ِع من
ً
ِ
املخلوقات. ٍ
خملوق من أي
أو َّ
يديرها، ِ ِ ُ فإذا ما استبعدَ عق ُل َك أن بدي ًعا واحدً ا أحدً ا هو
املالك هلذه اململكة وهو الذي ُ
كل ِ
املوجودات! ٌّ ِ
بعدد املبدعيـن ،بل انعيـن الص ِ ِ ُ عليك إلَّ
َ
َ َ املالييـن من َّ مالييـن قبول فام
البديع يقتيض عد َم
َ املتقن
َ ومتدخل يف شؤونِ ِه! مع َّ
أن النظا َم ٌ ِ
لآلخر ومثي ُله وبدي ُله منها نِدٌّ
أمر من ِ
أمور كان ،ويف أي ٍيشء َ تدخ ٌل مهام كان طفي ًفا ومن أي ٍ َ
هناك ُّ الت ِ
َّدخل ،فلو كان
ِ
مختاران َ
هناك ُ
وتتشابك إن كان األمور ُ
ختتلط واضحا ،إذ أثر ُه ِ ِ ِ
ُ ً لظهر ُ
َ اهلائلة، اململكة هذه
فتنسج ِ
الرقيقة مئات املصانع واملعامل الدقيقة يف أعضائها ِ كأنا ُ
حتمل ِ ِ
ُ ( )1إشارة إىل النباتات املثمرة ،إذ َّ
ِ
الشاخمة أشجار الصنوبر الثامر اليانعة وتقدّ مها إلينا؛ ومنها َ
ُ ُنضج َ واألزهار الزاهية وت ُ َ األوراق اللطيفة
ِ ِ
اجلبال( ،املؤلف) الصامء يف الصخور التي نَصبت معام َلها عىل ُّ
أوراق شجرة،ِ بيوضها عىل ُ
البعوضة مثال َ وبيوض احلرشات ،فتضع ِ ِ
والبذيرات ِ
احلبوب ( )2إشار ٌة إىل
ِ
كالعسل؛ فكأن تلك الشجر َة غري ٍ
بغذاء لذيذ ومتتلئ ِ
اللطيف، فإذا الورقة تكون هلا كرحم األ ِّم واملهد
ُ
ٍ
كائنات حي ًة( ،املؤلف) تثمر
املثمرة ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 326
حص َ
ون ٍ
مملكة؛ فكيف بحكا ٍم ال ُيعدُّ َ ِ ٍ ِ يف ٍ
ون وال ُي َ سلطانان يف مدينة أو حافظان يف قرية أو ُم
ٍ
بديعة؟! منس َق ٍة ٍ
يف مملكة َّ
اخلامس
ُ الربهان
ُ
ِ ِ
العظيمَ ،و ْلنُمع ِن الن َ
َّظر يف ِ القرص ِ
نقوش هذا املرتاب! َ
تعال لنُد ِّق ْق يف ُ الصديق
ُ أهيا
ِ
الواسعة ،و ْلنتأ َّم ِل الصنع َة ِ
اململكة البديع هلذه ِ
ُشاهد النظا َم ِ
العامرة ،و ْلن ِ
املدينة ِ
تزيينات هذه
َ
املالك البدي ِع الذي ِ النقوش كتاب َة ِ
قلم ُ املتقن َة هلذا العاملِ؛ فها نحن نَرى أنه إن مل تكن هذه
شعور هلا ،وإىل َ ِ
األسباب التي ال ونقشها إىل ُ وإبداعه ،و ُأسنِدَ ْت كتابتُها ِ ال حدَّ ملعجزاتِه
ِ
اململكة ِ
أحجار هذه كل منيكون يف ٍَّ امء ،للز َم إذن أن الطبيعة الص ِ ِ ِ
العمياء ،وإىل ِ
املصادفة
َّ
ٍ ٍ ِ
واحد، حرف ِ
الكتب يف ألوف
َ يكتب َ يستطيع أنُ بديع
ٌ وكاتب
ٌ معج ٌز وعشبِها ُم ِّ
صو ٌر ُ
َّقش أن هذا الن َ نقش واحد ،ألنك ترى َّ ٍ ِ
األعامل املتقنة البديعة يف ٍِ ِ ماليين در َج ويمكنُه أن ُي ِ
َ
ِ
املدينة ِ
قوانني القرص ،وينطوي عىل مجي ِع ِ نقوش مجي ِع يضم َ َّ ِ ِ ()1
هذه اللبنَة الذي أمام َك يف ِ
ُّ َ
عظيمة كإجيادٌِ ِ
النقوش الرائعة معجز ٌةِ ِ
إن إجيا َد هذه ويتضمن ُخ َط َط أعامهلا ،أي َّ وأنظمتِها،
ُ
ذلك الصان ِع أوصاف َ ِ ُفصح عن ٍ ُ بديعة ليست إلَّ ٍ ٍ نفسهاُّ ، اململكة ِ
ِ
لوحة إعالن ت ُ صنعة فكل
أختام ِه الدَّ ا َّل ِة عليه.
ِ واضح من ٌ ختم
مجيل هو ٌ نقش ٍ وكل ٍ البديعُِّ ،
اش ِه،
إل أن ينبئ عن ن َّق ِ
َ ٍ
لنقش ّ يمكن
ُ يدل عىل كاتبِه ،وال
إل أن َّ ٍ
لحرف ّ يمكن
ُ فكام أنه ال
ألوف
ُ َقش ن ُِق َشت عليه
عظيم عىل كاتِبِه ،ون ٌ
ٌ كتاب ِ
ُتب فيه ٌ حرف ك َ
ٌ أل َّ
يدل فكيف يمكن إذن ّ َ
نفسه؟ تكون داللتُه أظهر وأوضح من داللتِه عىل ِ َ اشه؟ أالالنقوش عىل َن َّق ِ
ِ
َ َ
ادس
الس ُ
الربهان َّ
ُ
ِ
املفروشة أما َمنا.. ِ ()2 ِ
الفالة الواسعة نتجول يف ِ
هذه ُ ٍ
نـزهة نذهب إىلتعال يا صديقي لِ
َ
ْ
ِ
وبرناجمها؛ فام كتبه ِ
الثمرة التي حتمل فهرس شجرهتا ِ
اإلنسان الذي هو ثمرة اخللقة ،وإىل ( )1إشار ٌة إىل
قلم ال َقدَ ر يف الشجرة قد ِ ِ قلم ُ
كتاب العامل الكبري قد كت َبه جممال يف ماهية اإلنسان ،وما كتبه ُ القدرة يف ُ
ِ ِ
َد َرجه يف ثمرتا الصغرية( ،املؤلف)
ِ
املخلوقات ِ
األلوف من مئات
ُ ِ
والصيف؛ حيث ُتلق موسمي الربيع ِ
األرض يف ِ
سطح ( )2إشار ٌة إىل
َ
� � � �� � � ��� �� � � �
327 ������� � ������ ���������� � -
��� ���� �� ������ ��
ِ ِ
األرض دون خطأ وال قصور ،وتُبدَّ ُل بانتظام ،فت َ
ُفر ُش صحيفة متداخل متشابكًا ،وتُكتب عىل
ً خل ًقا
در إلعداد ِ ٍ ٍ َّ ِ
الرمحن ،ثم تُر َف ُع ُ ِ ألوف ِمن
مطعم ،وكل بستان ق ٌ خادم
ُ شجرة فكأن كل وتدَّ ُد؛ ضيافات ٌ
املأكوالت( ،املؤلف)
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 328
ملكه؟..يشء يف ِكل ٍ
يدين له ُّ ِ تدخ َل يف ِ
الصان ِع البدي ِع قد َّ
تصو َر أن ال َ
أمور اململكة؟ أو أن ُي َّ َّ
ِ
إلنكار ما ترا ُه؟ مربرا
تقدر يا صديقي أن جتدَ ً
فهل ُ
ابع
الس ُ
الربهان َّ
ُ
ِ
أجزائه أوضاع العجيب ،و ْلن ِ
ُشاهدْ ِ نتأمل يف هذا العاملِ ِ
اجلزئيات يا صاحبي ،و ْل ْ لنَدَ ِع
َ
ِ
الشامل واالنتظا ِم ِ
العالـم البدي ِع من النِّظا ِم ِ
اآلخر ..ففي هذا ِ
البعض املتقاب َل ِة ِ
بعضها مع
ذلك النظا ِم
منسجم مع َ ُ
ويتحرك ِ
اململكة ُك ِّلها، خمتار ُيراعي نظا َم كل ٍ
يشء ٌ كأن َّ ِ
الكامل َّ
ً فاعل ٌ
ِ
والتآزر. ِ
للتعاون ِ
اآلخر نحو
العا ِّم؛ حتى ترى األشيا َء املتباعد َة جدً ا يسعى الواحدُ منها َ
ِ
أرزاق َ
صحون الغيب(ُ )1مقبل ًة علينا؛ فهي قافل ٌة ُ
حتمل ِ تنطلق من
ُ إن قافل ًة مهيب ًةانظر! َّ
ِ املصباح الو ِ
يضء( )2املع َّل ِق يف ِ ِ
اجلميع
َ اململكة فهو ُينري قبة ِ َ األحياء ..ثم انظر إىل ذلك
تلتفت معي إىل
ُ بيد غيب َّي ٍة؛ أال
دقيق( )3واملعروض َة أمامه ٍ
َ
ٍ
بخيط ٍ ِ
املأكوالت املع َّلق َة نضج
و ُي ُ
يتدفق
ُ خالص لطيف
ٌ ِ
أفواه َها غذا ٌء كيف ُ
يسيل إىل ِ
العاجزة َ ِ
الضعيفة ِ
النحيفة ِ
احليوانات ِ
هذه
ٌ
أفواهها هبا! تلصق وحس ُبها أن ِ متدلية َ ٍ ٍ ()4 َّ
َ َ فوق رؤوسهاَ ، مضخات من
اآلخر ف ُيغي ُثه ،أو يرى ِ يتطلع إىل إل وكأنَّه يشء يف هذا العامل َّ نَخلص من هذا :أنَّه ما من ٍ
ُ ُ
ويتوج ُه ظهيره وسندَ ه، ُ ِ فيكم ُل الواحدُ َ ِ
َّ ويكون َ اآلخر عمل اآلخر فيشدُّ من أزره ويعاون ُهِّ .. َ
الظواهر مجي ُعها تد ُّلنا دالل ًة ذلك؛ فهذه ِ
طريق احلياة وق ْس عىل َ ِ ِ ٍ
جنب يف اجلميع جن ًبا إىل
ُ ُ
ِ ملالك ِه
سخر ِ ِ ِ وبيقني جاز ٍم إىل أنَّه ما من ٍ ٍ قاطع ًة
القدير إل وهو ُم َّ ٌ العجيب ّ القرص يشء يف هذا
تأه ٍ ِ كل ٍ سبيل ِه ،بل ُّ
باسم ِه ويف ِ ِ ُ ولصانع ِه البدي ِع
ِ
ب لتلقي جندي مطي ٍع ُم ِّ ٍّ بمثابة يشء ويـعمل
فيتحـر ُك بأمره، مالـك ِه وحولِ ِه، ِ واجب ِ
بقوة ٍ ف به من يشء يؤدي ما ُك ِّل َ ٍ فكل ِ
األوامرُّ ،
َّ
تستطيع يا
ُ ويغيث اآلخرين برمحتِه؛ فإن َ
كنت ُ وفضله،ِ ِ
بكرمه ُ
ويتعاون وينتظم بحكمتِه، ُ
الربهان َفهاتِهِ.
ِ والشك أمام هذا ِّ ِ
االعرتاض ٍ
أخي إبدا َء يشء من
ِ
األحياء كافة( ،املؤلف) ِ
ألرزاق ِ
احلاملة ِ
النباتات ( )1وهي ُ
قافلة
ِ
الشمس( ،املؤلف) ( )2إشار ٌة إىل
ِ
اللذيذة( ،املؤلف) ِ
لألثامر ِ
احلاملة ِ
الدقيقة ِ
الشجرة ِ
أغصان ( )3إشار ٌة إىل
ِ
األمهات( ،املؤلف) ( )4إشار ٌة إىل َث ِ
دي
� � � �� � � ��� �� � � �
329 ������� � ������ ���������� � -
��� ���� �� ������ ��
الربهان ال َّث ُ
امن ُ
ُحسن نفسها رشيد ًة وت بالسوء التي تَعدُّ ِ مثيل نفيس األم ِ
ارة املتعاقل ويا َ ِ تعال يا صاحبي َ
ُ َ َ َّ
كل أن َّ القرص البديعِ ،مع َّ ِ صاحب هذا ِ ِ
معرفة ترغب عن أراك يا صاحبي بنفسهاَ .. الظن ِ
ُ َّ
تكذيب ِ جتر ُؤ عىل ِ ٍ يشري إليهَّ ، ِ ٍ يدل عليهَّ ،ِ يشء ُّ ٍ
فكيف ُ َ وكل يشء يشهدُ بوجوده؛ وكل يشء ُ
ُعل َن أنه ال عليك أن ت ِ َ نفسه ،بل القرص ِ ِ تنكر وجو َد َ الشهادات ك ِّلها؟ إذن ِ ِ
عليك أن َ هذه
نفس َك وتَعدَّ ها معدوم ًة ال وجو َد هلا! ..أو ِ
تنكر َ قرص وال مملك َة وال يش َء يف الوجود؛ بل َ َ
املنظر: يديك هذا َ أضع بني ِ َ
َ إلي جيدً ا ،فها أنا ُ ُصغي َّ عليك أن تعو َد إىل ُرشدك وت َ
ِ ِ
كل أرجاء هذا تعم هذه اململك َة والتي توجدُ يف ِّ العنارص واملعادن ( )1التي ُّ تأمل يف هذه
كان مالكًا املوادَ ،فمن َ ِ اململكة إلَّ من تلك ِ ينتج يف هذه ٍ ِ
القرص؛ ومعلو ٌم أنه ما من يشء ُ
ِ
للمزرعة لكل ما ُيصن َُع و ُينت َُج منها ..إذ َمن كان مالكًا مالك ِّ والعنارص فهو إذن ٌ ِ ِ
املواد لتلك َ
مالك ملا ِ
فيه. للبحر فهو ٌ ِ املحاصيل ،و َمن كان مالكًا ِ مالكفهو ُ
ٍ
مكان وتنترش يف كل وظائف مهم ًة شتى ،ومتدُّ كل حمتاج بإذن اهلل
َ اهلواء ِ
واملاء التي تؤدي ِ ( )1إشار ٌة إىل عنارص
ُ
ِ ِ
نقش املصنوعات اإلهلية( ،املؤلف) ِ
األصل يف خيوط ِ ُ ِ ِ
فتهيئ لواز َم احلياة لذوي احلياة ،وهي بأمر اهلل
ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 330
نضجني ِ
فالقدْ ُر ِ ٍ
لذيذة ُ وكل ٍ منسوجه»ُّ ، امش الذي أنا ِ الق ِ
ُ
تقولَ « :من يصن ُعني و ُي ُ لقمة ُ فيه هو
فكل ما يف العاملِ من أمثايل تقولَ « :من قام بصنعي ُّ ٍ
ماكينة ُ الذي ُأط َب ُخ فيه ُملكُه»ُّ ،
وكل
ملكَنا»، والقرص ك ِّله فهو الذي يمكنُه أن ي ِ
ِ ِ
للمملكة مصنوعه وهو مالكُه؛ أي َمن كان مالكًا ُ
َ
ولة عليها شعار الدَّ ِ
ِ ووضع ِ
العسكرية أزرار البِ َّز ِة
ِ ِ
بمثـل َمن أرا َد أن يدَّ عي تَم ُّل َك وذلك
َ
إل اال ِّدعا ُءفليس له ّ َ ملصانعها ك ِّلها حتىِ َ
يكون مالكًا حقيق ًيا ،وإال َ يكون مالكًا البدَّ أن
كالم ِه.
ؤاخ ُذ عىل ِ الكاذب ،بل يعا َقب عىل ِ
عمله و ُي َ ُ ُ ُ
أرجائها فمالكُها إذن واحدٌ ِ اململكة موا ُّد منترش ٌة يف مجي ِع ِ عنارص هذه اخلالص ُة :كام َّ
أن
َ
ُظه ُر متشاهبة ت ِ
ٌ ألنا ِ ِ ِ
اململكة ك ِّلها ،كذلك ِ
يمل ُك ما يف
املصنوعات املنترش ُة يف أرجاء اململكة َّ ُ
كل ٍ
يشء. ِ
املهيمن عىل ِّ ِ
الواحد تدل عىل َ
ذلك وناموسا واحدً ا ،فجمي ُعها إذن ُّ عالم ًة واحد ًة
ً
واضحة ب ِّينَ ٌة ،ذلك
ٌ ِ
التوحيد كة ،وآي َة الوحدة ظاهر ٌة يف هذه املم َل ِِ إن عالم َة فيا صديقي! َّ
ِ
تعدد رغم ٍ رغم أنه واحدٌ فهو موجو ٌد يف ك ُِّل ِ
آخر َ وقسم ٌ ٌ مكان، ألن قسمـًا من األشياء َ
إن الوحد َة وحيث َّ
ُ ِ
األرجاء، ِ
وانتشاره يف ُِ
لتشابه ظهر وحد ًة نوعي ًة مع أقرانِه أشكالِه فإنه ُي ِ
األشياء ومالكُها واحدً ا أحدً ا؛ ِ صانع هذه َ
يكون يلزم أن ِ ت ُّ
ُ َدل عىل الواحد كام هو معلو ٌم ،لذا ُ
خيوطٌ الغيب ،فتتدىل منه ِ وراء ِ
ستار حبل ( )1غليظ من ِ خيرج ٌ زد عىل هـذا فإنَّك ترى أنه ُ
ِ
واإلحسان. ِ
اآلالء والز ِ
مرد من ِ ُ
املاس ُّ أثمن من حتمل ما هو ُ
األمور العجيب َة ويقدِّ ُم هذه يدير هذه ِ ِ
َ يعرف الذي ُ
ُ بالهة َمن ال بنفسك مدى إذن فقدِّ ْر
التفو ِه
رغمه عىل ُّ إن جه َله به ُي ُ شكره عليها! إ ْذ َّ ِ
اهلدايا البديع َة؟ قدِّ ر مدى تعاسة َمن ال يؤدي َ
الآللئ واهلدايا تصنع هذه احلبال هي التي َ -مثل :-إن تلك ً ُ
فيقول ِ
اهلذيان، بام هو من قبيل
َ ُ
احلبال!ِ حبل من تلك لكل ٍ لز ُمه جه ُله أن يمن ََح معنى السلطان ِّ املرصع َة ِ
بنفسها! أي ُي ِ
إن ِ
احلبال فتصن ُعها وتق ِّلدُ ها اهلدايا؛ أي َّ ُ
واحلال أننا نرى أن يدً ا غيبي ًة هي التي متتدُّ إىل تلك
نفس ِه ،فإن مل تعر ْف ُه
صانع ِه املبد ِع دالل ًة أوضح من داللتِ ِه عىل ِ
َ
ِ ِ
القرص ُّ
يدل عىل كل ما يف هذا َّ
عات ،فهي
واملرص ُ ِ
أغصانا ،أما اهلدايا ُ
الرفيعة إشار ٌة إىل ُ
واخليوط ِ
املثمرة، الش ِ
جرة احلبل إشار ٌة إىل َّ(ُ )1
َّ
وأرضاب ِ
الثامر( ،املؤلف) ِ ِ
األزهار إشار ٌة إىل أنوا ِع
� � � �� � � ��� �� � � �
331 ������� � ������ ���������� � -
��� ���� �� ������ ��
ِ
إنكار تضطر إىل ِ
احليوانات ،ألنك املعرفة فستهوي إذن يف َد ْر ٍك َّ
أحط من ِ حق
يا صاحبي َّ
ُّ
هذه األشياءِ.
مجي ِع ِ
التاسع
ُ الربهان
ُ
َرغب يف القرص وال ت ُ ِ مالك هذا تعرف َ ُ طلق أحكا َم ُه ُجزا ًفا ،إنك ال أهيا الصديق الذي ُي ُ
يستوعب
َ عقلك عن أنَ جز وتنساق إىل إنكار أحوالِه ل َع ِ ُ مالك، يكون له ٌ َ معرفتِ ِه ،فتستبعدُ أن
واملشكالت العويص َة ِ احلقيقي، والروائع البديع َة ،مع أن االستبعا َد ِ
املعجزات الباهر َة هذه
َّ َ
ِ
إنكار بك إىلاملالك والذي ُيفيض َ ِ ِ
معرفة العقل إنام هو يف عد ِم ِ الجم َة يف ِ
منطق ِ
والصعوبات َّ
بول العظيمة؛ بينام إذا عرفنا ُه يكون َق ُ ِ هيدة ووفرهتا الز ِ ِ
بأثامنا َّ ِ
املبذولة لك، ِ
وجود هذه املوا ِّد
ومعقول جدً ا ،كأنه يش ٌء واحدٌ ،إذ لو ً ً
ستساغا سهل و ُم
ً القرص ،وما يف هذا العاملِ ِ ما يف هذا
ومبذولٌ متوفر سريا بل ال ترى شي ًئا مما هو ٍ كل ٍ لكان ُّمل نعرف ُه ولوال ُهَ ،
ٌ وع ً عندئذ صع ًبا َ يشء
ِ يات( )1املتد ِّل ِية من ِ ب المرب ِ
اخليوط ،فلو مل تكن هذه ب إىل ُع َل ِ ُ َّ فحس ُ
شئت فانظر ْ أما َم َك ،فإن َ
باهظة. ٍ ٍ
بأثامن احلصول عليها ولو ُ كان باستطاعتِك ِ
املعجزة ،ملا َ ِ
القدرة مطبخ َ
تلك ِ من ِ
إنتاج
ألن واملحال إنام هو يف عد ِم معرفتِهَّ ، َ َ
واهلالك واملشكالت والصعوب َة ِ نعم ،إن االستبعا َد
بمراكز َ ٍ
ثمرة كل بط ُّ نفسها فيام إذا ُر َ جرة ِ كالش ِ شكل َّ يكون صع ًبا و ُم ً ُ -مثل-
ً ٍ
ثمرة إجيا َد
ٍ
بقانون ِ
الثمرة مستساغا إذا ما َ
كان إجيا ُد ً سهلً األمر ُ
يكون ٍ
خمتلفة ،بينام وقوانني
َ ٍ
متعددة
ُ
اجليش ِ جتهيز
َ واحدة؛ َفكام َّ
أن ٍ كإجياد َث ٍ
مرة ِ ِ
األثامر فيكون إجياد ِ
آالف ُ ٍ
واحد واحد ومن ٍ
مركز ٍ
ُ
سهل و ُمستسا ٌغ فاألمر ٌ ٍ
واحد، ٍ
معمل واحد ومن ٍ ٍ
وبقانون ٍ
واحد ٍ
مصدر كان من إن َ ِ
بالعتاد ْ
ُ
فاألمر خيص ُه، ٍ ٍ ٍ عقل؛ بينام إذا ُج ّهز ُّ
ُ معمل ُّ خاص ومن ٍّ مصدر خاص ومن ٍّ بقانون جندي
ٍّ كل ً
جتهيزات ٍ ِ
ومراكز حينئذ إىل مصان ِع ٍ
عتاد ٍ اجلندي سيحتاج َ
ذلك شكل جدً ا ،بل صعب و ُم ٌ
ُّ ُ ٌ
ٍ
كامل. ٍ
جيش مة لتجهيز الز ٌ ِ
ِ
الرائعة، ِ
واملدينة ِ
العظيم ِ
القرص ِ
األشياء يف هذا فإن إجياد ِ
هذه ِ
املثاليـنَّ ، ِ
هذين فعىل ِغرار
َ
األمر ٌ
سهل و ُمستسا ٌغ واحد ٍ
أحد َّ ٍ ِ
املهيب إذا ما ُأسندَ إىل ِ ِ
فإن َ الراقية والعامل اململكة ويف هذه
العارش
ُ الربهان
ُ
ِ
منذ مخس َة َ
عرش نحن هنا ُ ُ اإلنصاف ..فها الصديق ويا من يتقرب شي ًئا فشي ًئا إىل ُ أهيا
ـح ُّق علينا، ِ نعرف أنظم َة هذه يو ًما )1(،فإن مل
فالعقاب َي ُ
ُ نعرف مليكَها
ْ البالد وقوانينَها ومل ْ
ٍ
بيشء؛ ّ
إل أننا وال هذه األيا ِم ،ومل َيتعرضوا لنا ِ
لالعتذار؛ فلقد أمهلونا َط َ إذ ال َ
جمال لنا بعدُ
والع ِ
ربة يف قة ِ بديعة فيها من الد َّق ِة والر ِ
ٍ ٍ
رائعة ٍ
مملكة بني ،فنحن يف ال شك لسنا ُطلقاء ِ
سائ َ
ِّ َ
تفهم ِ ِ ِ ِ ِ
وتستطيع أن َُ أيضا،املتقنة ما َين ُّم عن عظمة َمليكها ،فالبدَّ أن جزا َءه شديدٌ ً املصنوعات
املالك وقدرتَه من هذا: ِ عظم َة
ِ
العجيب أمور هذا العاملِ ٍ تنظيم َق ٍ
ِ ِ إنه ين ِّظ ُم هذا
دير َ رص ُمنيف ،و ُي ُ بسهولة خم
الض َ العالـم َّ
َ
نقص و ُي ْخ ِليها منٍ دون ٍ
كامل َ هذه املدين َة العامر َة بانتظا ٍم أل ِ صغري ،ويم ُ ٍ بيتإدارة ٍ
ِ ِ
بيرس
وينصب املوائد الفخم َة املتنوع َة(،)2 وإفراغ ِه؛
ِ ٍ
صحن سهولة م ِ
لء ِ بحكمة تا َّم ٍة ِ
بمثل ٍ سك ِ
َّانا
ُ َ ُ
ِ
فر ُشها من أقىص املَم َلكة إىل أقصاها ثم ٍ ٍ ِ ِ ِ
و ُيعدُّ األطعم َة اللذيذة بكامل كرمه بيد غيبية و َي ُ
أن هذه العظم َة واهليب َة فستفهم َّ كنت َفطنًَافعها؛ فإن َ فرة الطعا ِم ور ِ بسهولة وض ِع س ِ ِ يرف ُعها
ُ َ ُ
وسخاء ال حدو َد له. ٍ البدَّ أهنا تَنطوي عىل كر ٍم ال حدَّ له
القدير وعىل هيمنتِ ِه ،وعىل
ِ ِ
املالك ِ
عظمة دق عىل شاهد ُة ِص ٍ
أن هذه األشياء ِ
َ ثم انظر كام َّ َّ
ذلكدليل عىل دوا ِم َ املرتادفة ٌ
ُ والتحوالت
ُ ُ
املتعاقبة ُ
القوافل َ
كذلك لطان واحدٌ أحدٌ ،أنه ُس ٌ
واألسباب أيضا؛ فاألشيا ُء
تزول معها أسبا ُبها ً ألن األشيا َء الزائل َة إنام ُ ِ
وبقائهَّ ، ِ
السلطان
ُ
تلك آثار كسابقتِها ،فهي إذن ليست من ِ
فعل َ َعق ُبها تأيت جديد ًة وهلا ٌ
ِ
تزوالن م ًعا ،بينام التي ت ُ
ِ
اللمعان والتَّأ ُّل ِق -بعد زوال َحباب وال! فكام َّ
أن بقا َء الز ُ األسباب ،بل ممن ال يطر ُأ ِ
عليه َّ ِ
ِ
الزائلة بل ِ
احلباب ليس من حلبابُ ،ي ِ النهر اجلاري -يف التي ت ُ
َّألق َفه ُمنا أن هذا الت َ َعقبها من ا َ
عرش
احلادي َ
َ الربهان
ُ
ابقة؛ دعناالعرشة الس ِ ِ ِ
للرباهني ِ
القوة ما يملك من ُ لك برهانًا الصديق ألب ِّي َن َ ُ تعال أهيا َ
َّ
نذهب أتعلم ملاذا ٍ
بعيدة عنَّا، ٍ
جزيرة لنذهب إىل ً ()1
سنركب سفينة حرية،لسفرة ب ٍ ٍ نتأهب
ُ ُ َ ُ َ ْ
أنظار اجلمي ِع
َ أرسار ِه وأعاجي َبه؛ أال ترى ِ ومغاليق
َ ألغاز هذا العا َلم ِ مفاتيح
َ إن فيها إليها؟َّ ،
بالرحلة ..وها قد ِ نحن نبد ُأ األوامر ..فها ون منها بالغا ويتل َّق َ ينتظرون منها ً َ ُمدق ًة هبا،
ُ َ
ِ اآلن أمام ح ٍ ِ ِ
الناس وقد شد َع ٍ
ظيم من أرض اجلزيرة ..نحن َ َ َ ووط َئ ْت أقدا ُمنا َ وصلنا إليها
ِ ِ
الم ِ
هيب.. رئيس االجتام ِع َ ِ النظر يا صديقي إىل أرشاف اململكة جمي ُعهم هنا ..أمع ِن َ ُ اجتمع
َ
ِ ()2 قليل فنعر َفه عن َك َث ٍ هل نتقرب ِ
ب ..فها هو ذا ُمتق ِّلدٌ أوسم ًة راقي ًة تزيدُ عىل األلف إليه ً ُ َّ
تعلمت شيئا مما ُ وحيث إين كنت قد ُ ُ
واالطمئنان، الطيب وال ِّث ُ
قة ُ لؤه ويتحدث بكال ٍم ِم ُ ُ
ِ ُ فسوف ُأع ِّل َ ِ َ ُ
سلطان هذه يتحدث عن مك إيا ُه ..إنه َ السابقة خالل مخس َة َ
عرش يو ًما يقـول
ويقول: ُ ِ
املعجزات ِ
اململكة ذي
ومعجزات باهر ًة بحيث ال ٍ خوارق عجيب ًة
َ إنه هو الذي َأرسلني إليكُم؛ انظر إنه ُيظهر
وكالم ِه،
ِ العظيم؛ أص ِغ جيدً ا إىل حديثِ ِه
ِ يدع ُشبه ًة يف أنه مرس ٌل ِخصيصا ِمن َلدُ ِن الس ِ
لطان ُّ ِّ ً ُ َ ُ
اجلميع َيس َع َ
ون ُ
حيث ِ ِ ُ
اململكة بر َّمتها تُصغي إليه، ٌ
صاغية ل ُه ،بل ِ
فجميع املخلوقات ٌ
آذان
ُ ُ
اإلنسان وحدَ ه يصغي ِ
إليه َ تظن َّ
أن ِ كالم ِه ال َّط ِ
يب ويتله ُف َ إىل سام ِع ِ
ُُ الزاهر؛ َأو ُّ ون لرؤية ُم َّياه
ِ
السعادة النبوية؛ فإذا خلعنا ما خري القرون وهو ُ
قرن التاريخ ،واجلزير ُة إشار ٌة إىل ِ
ِ ُ
السفينة إشار ٌة إىل ()1
بحر الزمان ،وركبناساحل هذا العرص املظلم ،وألقينا أنفسنَا يف ِ ِ مالبس عىل
َ أل َب َستنا احلضار ُة الدن ّية من
ساحل جزيرة عرص السعادة والنور ،وبلغنا اجلزير َة ِ ُتب التاريخ والسرية الرشيفة ووصلنا إىل سفين َة ك ِ
النبي النبوة املقدسة ،عند ذلك نعلم أن َ ُ ِ
ذلك َّ يزاول مهمة ّ بالرسول الكريم ﷺ وهو العربية ،وحظينا
وجهي ِ ٌ
باهر للتوحيد ودليل ساطع عليه بحيث ّنو َر سطح األرض مجيعا ،وأضا َء َ برهان ٌ ﷺ إنام هو
ِ
الزمان املايض واملستقبل وحما ظلامت الكفر والضاللة( ،املؤلف)
ِ
والتحقيق( ،املؤلف) ِ
العلم ِ
البالغة أ ْل ًفا عند أوىل الكريم ﷺ ُ
الرسول ِ
املعجزات التي أظهرها ( )2إشار ٌة إىل
ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 334
وهتتز من َخشيتها
ألوامره ُّ ِ واجلامدات تصغي
ُ ُ
اجلبال أيضا ،بل حتى
احليوانات ً
ُ فحسب؟ بل
مواضع، إليه منأوامر ِه وتذهب إىل ما أشار ِ
ِ ِ
األشجار كيف تنقا ُد إىل وشوقها إليه؛ انظر إىل
َ َ ُ
الز ِ
الل. إنه يفجر املاء أينام يريدُ ،بل حتى من بني أصابِ ِعه ،فريتوي الناس من َ ِ
ذلك املاء ُّ ُ ُ ِّ ُ َ
ِ
بمجرد ني ِ
اثنني ينشق إىل ِش َّق ِ ِ
اململكة( )1إنه ُّ ِ
املصباح املتديل من سقف انظر إىل َ
ذلك
ٍ
بمهمة من رس ٌل فكأن هذه اململك َة وبام فيها تعر ُفه جيدً اَّ إشارة ِمن ُه؛
ٍ
موظف ُم َ
ٌ وتعلم يقينًا أنه
ُ
اجلندي املطيعِ ،فام من ون له انقيا َد فرتاهم ينقا ُد َ ِ ِِ ِ
السلطان ،ومب ِّل ٌغ ٌ َلدُ ِن
ِّ ألوامره اجلليلة؛ ُ أمني
ِ
لكالمه ،ليس هذا كريم ،ويصد ُقونَه و ُيذعنون ٌ ُ ٍ
عاقل ممن حو َل ُه ّ ٍ
رسول ٌ ويقول إنه إل راشد
ِ
بلسان َ
يقولون واجلميع ِ ()2
اجلبال واملصباح العظيم، ِ ِ
اململكة من فحسب بل يصدِّ ُقه ما يف
ُ
وصواب..
ٌ ٌ
وعدل ٌ
صدق ينطق به
كل ما ُ إن َّ احلال وبخضوعٍ :نعم ..نعم َّ ِ
الربهان ال َّثاين َ
عرش ُ
أعظم من مجي ِع
َ لك َ
اآلن برهانًا فسأبي َ
ِّ ُ استرشدت بام ُقلنا شي ًئا فشي ًئا؛
َ األخ لع َّل َك
أهيا ُ
ِ
السابقة. ِ
الرباهني
ِ
الضوء ِ
كداللة ِ
العظيم ِ
السلطان لطاين ُّ
يدل عىل ذلك إن َاخلالص ُةَّ : ُ
الس َّذلك املرسو َم ُّ
عىل الن ِ
َّهار.
فإن ما ذكرنا ُه َ
لك ِ
الغفلةَّ ، دت إىل صوابك وأ َف ْقت من نو ِمالصديق :أظن َُّك قد ُع َ
ُ فيا أهيا
ٍ
وواف ،فإن بدا َ
لك يش ٌء فاذكر ُه. ٍ
لكاف براهني
َ وبسطنا ُه من
إل أن َ
قال: ِ
املعاند ّ فام َ
كان من ذلك
ِ
واإليامن باهلل. ِ
للتوحيد ِ
احلقيقة ال ُعظمى تشيـر إىل ُ
احلكاية التي كانت وهكذا ِ
متت
ُ
ِ
إعجازه( ،املؤلف) املوضوعة ِ
عليه إشار ٌة إىل ُ ُ
والعالمة ِ
الكريم ِ
القرآن ( )1إشار ٌة إىل
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 336
مقابل ماَ ِ
اإليامن، ِ
ونور ِ
الكريم ِ
القرآن ِ
وفيض ِ
الرمحن ِ
بفضل وسنبني يف املقا ِم الثاين
ُ
ِ
التوحيد ِ
شمس ِ
ملعات ِ
التمثيلية اثنتي عرش َة ملع ًة من ِ
احلكاية عرش ُبرهانًا يف
جا َء من اثنيس َ
ٍ
بمقدمة. ُمهدَ هلا احلقيقي بعدَ َّ
أن ن ِّ ِّ
َ َ ُ
نسأل َّّ َ
اتلوفيق واهلداية. الل
� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � �
337 ��������� ���� ��������� ���������� �� �
ِ
الثانية والعرشين ِ
الكلمة املقا ُم الثاين من
�﷽
﴿ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ*
ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﴾ (الزمر)63-62:
﴿ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾ (يس)83:
﴿ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ (احلجر)21:
﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ (هود)56:
املقدمة
ُ ِ ِ ِ رسالة «قطر ٌة من ِ ِ
«اإليامن اإليامن وهو أركان بحر التوحيد» ُق َ
طب إمجال يفً لقد ب َّينا
وجود اهلل سبحانَه ويشهدُ ِ ِ
وجوب يدل علـى ِ
املوجودات ُّ ٍ
موجود من أن َّ
كل باهلل»؛ وأثبتنا َّ
ِ
معرفة اهلل «نقطة من ِ
نور ٌ ِ
رسالة َ
كذلك يف ومخسيـن لسانًا ،وذكرنا ٍ
بخمسة عىل وحدانيتِه
َ
برهان منهاٍ وجوده سبحانه ووحدانيتِهُّ ،
كل ِ ِ
وجوب براهني كل َّي ٍة عىل
َ جل جال ُله» أربع َة َّ
وجوده سبحانَه ِ وجوب ِ
القاطعة التي تُب ِّي ُن ِ
الرباهني ٍ
مئات من برهان ،كام ذكرنا ٍ بقوة ِ
ألف ِ
َ
ندخل ُ سبق وال
العربية ،لذا نكتفي بام َ ِ ِ
باللغة يقر ُب من اثنتي عرش َة رسال ًة ِ
ووحدانيته فيام ُ
ِ
إلظهار «اثنتَي عرش َة الثانية والعرشين» ِ ِ
«الكلمة إل أننا نسعى يف هذه دقيقةَّ ، ٍ َ
تفاصيل يف
رسائل ِ
النور. ِ تلك التي ذكرتُها إمجاال يف «اإليامن باهلل» َ ِ ِ
شمس ملع ًة» من
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 338
رشيك ل ُه وال َ
مثيل ،وهذا َ العامي :وهو َّ
«أن اهلل واحدٌ ال ُّ الظاهري
ُّ األول :التَّوحيدُ
الكون ك ُّله ُمل ُك ُه».
ُ
الشهود ،بوحدانيتِه
ِ ُ
يكون إىل أقرب ماَ ٍ
بيقين ُ
اإليامن احلقيقي :وهوُّ الثاين :التَّوحيدُ
عين ل ُه يف ِ َ يد قدرتِه ،وبأنه ال يشء من ِ كل ٍ ِ
وبصدور ِّ
شريك ل ُه يف ألوهيته ،وال ُم َ سبحانه،
القلب ،لرؤيتِ ِه
ِ ائم وسكين َة َ
االطمئنان الدَّ َ هب لصاحبِ ِه ِ ِ ِ
ربوبيته ،وال ندَّ ل ُه يف ُملكه ،إيامنًا َي ُ
نوره كل ٍ
يشء إىل ِ نافذ من ِّشباك ٌٌ فينفتح قلمه ،عىل كل ٍ
يشء؛ ونقش ِ وختم ربوبيتِ ِه َ آي َة قدرتِ ِه
ُ َ
سبحانه.
زرائيل عليه السالم َ أن َع لطيف وحماور ٌة معنوي ٌة هيَّ : ٌ مثال السـر ٌ لبيان هذا ولقد روي ِ
ِّ ُ َ
قبض ِ ِ
علي عند أدائي لوظيفة َ َ «إن عبا َد َك العزةَّ : ِ
ويسخطون َّ يشتكون مني سوف َ لرب ِّ قال ِّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 340
ستائر «سأضع بينَك وبني عبادي ِ
احلكمة: ِ
بلسان اهلل سبحانه وتعاىل له األرواح»َ ،
ِ
َ ُ فقال ُ
ِ
األسباب». لتتوج َه شكاواهم إىل َ
تلك َّ ِ
واألمراض ِ
املصائب
األج ِل ،وكام
مساوئ يف َ
َ توه ُم من األمراض ستائر َي ِ
رج ُع إليها ما ُي َّ َ وهكذا ،تأ َّم ْل! كام َّ
أن
ُ
عليه السالم، زرائيل ِ
َ ِ
وظيفة َع ُ
احلقيقة -يعو ُد إىل ِ
األرواح -وهو ِ
قبض َ
اجلامل املوجو َد يف َّ
أن
ِ
للقدرة وحجاب ِ
الوظيفة ألداء َ
تلك ِ ستار ِ َ َّ
ٌ تار ،فهو ٌ اآلخر س ٌ
ُ زرائيل عليه السالم هو فإن َع
ِ
القدرة ِ
بكامل تليق
رمحة وال ُ ذات ٍ حلاالت تبدو ظاهرا أهنا غير ِ ٍِ أصبح ِ
مرج ًعا ِ
اإلهلية ،إذ
ُ ً َ
ِ
الربانية.
إل َّ
أن ِ
العقلَّ ، نظر ِ
الظاهرية أما َم ِ ِ
األسباب وضع ِ
تستدعيان العز َة والعظم َة
إن َّنعمَّ ،
َ
ِ ِ واجلالل يرد ِ
احلقيقي.
ِّ التأثري األسباب عن ان أيدي َ َّ التوحيدَ
ِ
الدوائر ٍ
دائرة من كلكاجلندي ،الذي له عالق ٌة مع ِّ ِّ
كل ٍ
ذرة إن َّ ◆النافذة ُ الأولىَّ :
ِ
العالقة سب َ
تلك ِ هطه وسريتِ ِه و َف ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ العسكرية أي مع ر ِ
ِ
وجه ولوائه وفرقته وجيشه ،وله َح َ َ َ
نظامها؛ فالذر ُة اجلامد ُةنطاق ِ ضمن ِ خاص ٌة ٌ ِ َ ٌ
َ حركة َّ الوظيفة حسب تلك َ هناك ،وله وظيفة
ورأس َك ِ خاص ٌة ،يف عينِ َك ٌ بؤبؤ عينِ َك هلا عالق ٌة معين ٌة
الصغري ُة جدً ا ،التي هي يف ِ
ووظيفة َّ
اينيِ ِ
األوردة والشَّ رة ،ويفافعة والمصو ِ دة واجلاذب ِة والدَّ ِ وجسمك ،ويف القوى املو ِّل ِ َ
ُ ِّ َ
ِ
اإلنسان. عالقة حتى مع نو ِع ٌ ِ
واألعصاب ،بل هلا
َّسخري ،وهذا
ُ التعانق ،وهذا الت ُ التجاوب ،وهذا
ُ ُ
التعاون ،وهذا فهذا التَّساندُ ،وهذا
يدير ُه، ِ
الكونَ ،يشهدُ شهاد ًة قاطع ًةَّ ،
أن مد ِّب ًرا واحدً ا هو الذي ُ االنتظام ،اجلاري يف هذا
ُ
فإن الحكم َة العا َّم َة ال َّظاهر َة بداه ًة يف ِ
خلق ِ ِ
اجلميع يف الكونِ ،ز ْد عليهَّ ، ُ
يسوق و ُمر ِّب ًيا أحدً ا
َ
ٍ
واسعة ،وما عىل ناية من ٍ
رمحة الع ِ
هذه ِ عناية تام ٍة ،وما يف ِ
ٍ ِ
البديعة ،وما تتضم ُن ُه من ِ
األشياء
َّ
� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � �
351 ��������� ���� ��������� ���������� �� �
ذلككل َ فق حاجاتِ ِهُّ .. ٍ
حياة وتُع ِّي ُش ُه َو َ كل ذي ِ
بحاجة ِّ أرزاق من ُث ٍ
ورة تفي َ
ٍ هذه الر ِ
محة من َّ
ِ
عقل ِه ،ويرا ُه َ
كل من مل ِ
تنطفئ جذو ُة ِ
فهم ُه ُّ َ ِ
والوضوح ما َي ُ ِ
الظهور ِ
للتوحيد له من عظيم
ٌ َخ ٌ
تم
بص ُره؟ ُّ
كل من مل َي ْع َم َ
عور واإلراد ُة قد ُأسب َغت عىل ُّ «احلكمة» التي يرتاءى منها ال َقصدُ ِ إن ُح َّل َة
نعمَّ ،
والش ُ
ف «العناية» التي ت َِش ُّ
ِ احلكمة ِ
هذه ُح َّل ُة ِ عت عىل ُح َّل ِة وو ِض ْ ِ
كل جوانبِهُ .. وج َّل َل ْت َّ ِ ِ
الكون ك ِّله َ
ِ
للعناية ُألقيت ُح َّل ُة هذه احل َّل ِة ال َق ِ
شيبة واإلحسان ..وعىل ِ ِ ِ
َحسني ِ
والتزيني والت طفعن ال ُّل ِ
ُ
َون ك َّل ُه
َغم ُر الك َ ِ ِ محة» التي يتأ َّل ُق منها َب ُ «الر ِ
ريق التَّو ُّدد والتَّعرف واإلنعا ِم واإلكرا ِم وهي ت ُ َّ
ِ ِ ِ ِ ِ
«األرزاق العا َّم ُة» ،و ُمدَّ ت موائدُ ها
ُ للرمحة العا َّمة الح َّلة ُ
المن ََّورة َّ وص َّفت عىل هذه ُ َضم ُهُ ..
وت ُّ
طف الر ِ ِ التي ِ
بوبية. سن الرتبية و ُل َ ُّ وح َ والرأ َف َة الكامل َة ُ واإلحسان واإلكرا َم َّ َ َّرح َم
تعر ُض الت ُّ
موس ،سوا ٌء أكانت أفرا ًدا أم ِ رات إىل ُّ
الش الذ ِ املوجودات؛ ابتدا ًء من َّ ِ إن ِ
هذه نعمَّ ،
الثوب من ُ ُسج هذا لبس ْت ثو ًبا رائ ًعا جدً ا ،ن َ أنواعا وسوا ٌء أكانت صغري ًة أم كبريةً ،قد ُأ َ ً
ِ ِ
واملصالح ..وكُس َي ْت ِ ِ
َّتائج والغايات والفوائد ِ
بنقوش ال َّثمرات والن ِ ِ المز َّي ِن ِ ُق ِ
امش «احلكمة» ُ
كل ٍ
يشء واإلحسان ُقدَّ ْت و ُفص َل ْت حسب ِ
قامة ِّ ِ ِ
اللطف ِ
بأزاهيـر «العناية» املطر ِ
زة ِ بح َّل ِة
َ َ َ ِّ َّ ُ
بربيق التَّوددِ ِ
الساطعة ِ ِ ِ ِ ِ ِ
كل موجود ..وعىل ُح َّلة العناية هذه ُق ِّل ْ ٍ و َم ِ
قاس ِّ
«الرمحة» َّ
شارات َّ ُ دت
عةارات المرص ِ الش ِ واإلفضال ..وعىل تلك َّ ِ ِ
بلمعات اإلنعا ِم ِ
واملتأللئة والتَّكر ِم والت ِ
َّحنن،
ُ َّ
طوائف ذوي ِ مجيع ِ ِ ِ ِ املنو ِ
األرض ،بام يكفي َ سطح امتداد الرزق العا ِّم» عىل رة نُص َبت «مائد ُة َّ
حاجاتم. ِ احلياة وبام يفي سدَّ مجي ِع ِ
ِ
احلكمة، ِ
مطلق ٍ
حكيم الش ِ
مس ،إىل وضوح َّ يشري إشار ًة واضح ًة ُ
َ العمل ُ وهكذا ،فهذا
طلق الر ِ طلق الر ِ
محةٍ َّ ،
زق. ورزاق ُم ِ ِّ ورحيم ُم ِ َّ
ٍ وكريم ُم ِ
طلق الكر ِم، ٍ
زق؟ ٍ
بحاجة إىل الر ِ كل ٍ
يشء أن َّ
-أح ًّقا َّ
ِّ
ِ
موجودات العامل ميع َ ٍ ٍ أن َّ ٍ نعم ،كام أنَّنا نرى َّ
كذلك َج ُ ديم حياتَه،
كل فرد بحاجة إىل رزق ُي ُ
بقائها ،ويف-وال سيام األحياء -ال ُك ِّلي منها واجلزئي ،أو الك ُُّل واجلزء ،هلا يف كيانِـها ،ويف ِ
ُ ُّ ُّ ُ
ورضوريات عديدةٌ ،ماد ًة ومعنًى؛ ومع أهنا ُمفتقر ٌة وحمتاج ٌة
ٌ مطاليب كثريةٌ،
ُ حياتا وإدا َمتِها،
ِ
ذلك الشَّ ِء وقدر ُت ُه يمكن أن َ
تصل يدُ ها إىل أدناها ،بل ال تكفي ُق َّو ُة َ ُ
ٍ
كثرية مما ال ٍ
أشياء إىل
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 352
ِ
واملعنوية تُس َّل ُم ِ
املادية ِ
واألرزاق بتلك املطالِ ِ
مجيع َ أصغر مطالِبِهِ ،
نشاهدُ َّ ِ ِ
أن َ للحصول عىل
ِ الوقت ِ
املناس ِ ِ ٍ إىل ِ
تسليم ُمواف ًقا حلياته ُمت ً
َّسم ً ب كامل ويف حيتسب ،وبانتظا ٍم
ُ يديه من ُ
حيث ال
ِ
الكاملة. ِ
باحلكمة
ِ
واإلعانة ِ
اإلمداد َّمط من ِ
املخلوقات ،وهذا الن ُ ُ
احلاجة يف ِ
وهذه االفتقار، أل َيدُ ُّل هذاَ
ُ
رحيم ذي ٍ
مجال؟ ٍ ٍ
جالل و ُمد ِّب ٍر ٍ
حكيم ذي رب ِ
الغيب َّية ،عىل ٍّ
َتسه ُل ،ومصاري ُفها تتذ َّل ُل ،حتَّى تتساوى ٍ ٍ ٍ ٍ َّ
غري حمدودة لشجرة ُمثمرة ت َّ تكاليف أثامر َ َ إن
الشجرة الواحد َة ألن َّ ذلك َّ الكثرة؛ َِ واحدة تر َّب ْت بأيدي ٍ ٍ
ثمرة ِ
ومصاريف ِ
تكاليف مع
املراكزِ إن الكثر َة وتعدُّ َد واحد ،أي َّ ٍ ٍ
وبقانون ٍ
واحدة، ٍ
وبرتبية ٍ
واحد، ٍ
مركز ُدار من املثمر َة ت ُ
تحتاجه وتكاليف وأجهز ٌة -كمي ًة -ب َقدْ ِر ما ُ مصاريف
ُ ٍ
ثمرة تكون ِّ
لكل َ ِ
يستدعيان أن
ُ
ِ مثل عم ِل َع ٍ ِ
وتوفري جلندي،
ٍّ تاد ليس إلَّ ،م َث ُل ُه يف هذا ُ َ والفرق يف النَّوعية َ ُ شجر ٌة كامل ٌة،
فالعمل إذن ُ بأكمل ِه؛
ِ ُ
اجليش حيتاجها
ُ ِ
املعامل التي معامل بِ َقدْ ِر
َ حيتاج ِ
جتهيزاته العسكر َّية ،إذ ُ
ِِ
األفراد؛ ِ ِ
بعدد ُ
الكمية حيث َّكاليف تزدا ُد من ُ َ فإن الت الكثرة َّ ِ يد الوحدة إىل ِ
ِ انتقل من ِ
يد إذا َ
ِ ِ ِ أثر ال ُي ِ شاهدُ من ِ وهكذا َّ
السهولة ناشئ من ٌ رس والسهولة الظاهرة يف النو ِع إنَّام َ
هو فإن ما ُي َ
الوحدة والت ِ
َّوحيد. ِ ِ
الفائقة يف
ِ
وأفراد نو ٍع ٍ
واحد ٍ
جنس ِ
األساس ألنوا ِع ِ
األعضاء َّوافق يف اخلالص ُة :كام َّ
أن التشا ُب َه والت َ ُ
ُ
السهولة َ
كذلك ٍ
واحد، خالقٍ مخلوقات
ُ األنواع واألفرا َد إنَّام هي أن َ
تلك واحد ،ي ِ
ثبتان َّ ٍ
َ ُ
آثار الجميع َ
ُ َ
يكون ِ
الوجوب أن بدرج ِة
َ
ِ
تستلزمان ِ
التكاليف، وانعدام
ُ ُ
الـمطلقة املشهودةُ،
عوبةالص ُ ِ ِ
تقتضيان هذاّ ، ِ القلم ووحد َة الس ِ ِ ٍ
واحد؛ َّ صان ٍع
وإل لساقت ُّ واخلتم كة ِّ ألن وحد َة
النوع إىل العد ِم. َ
وذلك اجلنس إىل االنعدا ِم، ِ
درجة االمتنا ِع َ
ذلك التي هي يف
َ َ
ِ
األشياء ت ُ احلق سبحانه وتعاىل َّ َحص ُل من هذا :أنه إذا ُأسنِدَ
َكون مجيع
فإن َ الخلق إىل ِّ ُ ن ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 354
لق ُه صع ًبايكون َخ ُُ كل ٍ
يشء فإن َّ ِ
األسباب َّ وإن ُأسنِدَ إىل ِ
اخللقْ ، ِ
سهولة ِ
الواحد يف ِ
كاليشء
ِ ُ ولما َ ِ ِ
كصعوبة ِ
العالـم، شاهد ُة يف
الم َالفائقة ُ فالوفر ُة
األمر هكذاَ ، ُ كان خلق مجي ِع األشياء؛ َّ
هذه الفواك ُه الوفير ُة الوحدة؛ فإن مل تكن ِِ كالش ِ
مس آي َة ِ
ظهران َّ ِ
العني ُي الظاهر أما َم صب ِ
ُ والخ ُ
نأكل ُر َّمان ًة واحد ًة ولو أعطينا ما يف الدُّ نيا ك ِّلهاأحدَ ،لام أمكننا أن َ لواحد ٍٍ ُ
نتناولا ُملكًا التي
نعها.ثمنًا لص ِ
ُ
اللمعة العارشة
ِ ِ
نوع من ِّ
جتل ُ
برهان األحدية ،بل هي ٌ بانـي هي
الر ُِّظهر تَج ِّل َي اجلامل َّ
كام أن احليا َة التي ت ُ
ِ
الواحدية. ُ
برهان اآلخر اإلهلي هو ِ
اجلالل ظهر جت ِّلـي ِ
ُ ِّ فالموت الذي ُي ُ
ُ الوحدة،
ِ
سطح تنساب ُمتأ ِّلق ًة عىل ِ
للشمس ،والتي ِ
املواجه َة باب ِ فمثلَّ : ً
ُ حل َ والز َبدَ وا َ
الفقاعات َّ إن
مس؛ الش ِتلك َّ وجود َِ األرض ،شواهدُ عىل ِ ِ
سطح الشفاف َة املتلمع َة عىل عظيم ،والموا َّد َّ ٍ ٍ
نهر
غروب ِ ببهاء مع ٍ مسالش ِ فدوام جتيل َّ لضوئها،ِ وعكسها ِ
الشمس وذلك بإرا َء ِتا صور َة َ
ُ َ
ِ
القطرات نقص عىل ٍ ذلك التَّج ِّلـي َ
دون واستمرار َ ِ
ـمعان املوا ِّد، وال َل وز ِ ِ
طرات َ تلك ال َق
َ
ُ
وتلك َ ِ
ميسات املثال َّي َة، الشأن تلك ُ املقبلة ُمدَّ ًدا ،هلي شهاد ٌة قاطع ٌة عىل َّ ِ الش ِ
فافة واملوا ِّد َّ
وتتغري وتتبدَّ ُل ُمتجدِّ َدةً، ُ تنطفئ وتيض ُء ُ األنوار املشاهدَ َة التي َ َ
وتلك األضوا َء املنعكس َة،
القطرات اللمَّ ُ
عة فتلك زوال هلا؛ َ واحدة ال َ ٍ دائم ٍة ،عال َي ٍة، ٍ تجليات َش ٍ
ُ مس باقيةَ ، ُ إنام هي
دوامها ووحدَ ِتا. َدل عىل ِ مس ،وبزواهلا ت ُّ الش ِ ِ
وجود َّ َدل عىل مجيئها ت ُّ بظهور ِها وبِ ِ
ِ إذن
ِ
موس ال َّلمع ُة احلادي َة عرش َة َّ
الساطع ُة ُّ
كالش
اسموأعظم ٍ ِ
الكبري، ِ
الكون آية يف ِ
كتاب بأن أعظم ٍ «الكلمة التاسع َة عرشةَ» َّ ِ ف يف لقد ُع ِّر َ
َ َ
العالـم، ِ قرص هذا وشمس ِ ثامرها، وأنور ِ الكون، ِ الكبيـر ،وبذر َة شجرة ِ ِ
القرآن يف َ
ذلك
َ َ
غز احلكيم لِ ُل ِ
َ اف ربوبية اهلل ،والك ََّش َ ِ ِ
سلطان ـم اإلسال ِم ،والدَّ َّال عىل الم َّنو َر لعا َل ِ
والبدر ُ َ
والسالم ِ،الذي َض َّم األنبيا َء مجي ًعا ِ ُ ِ ِ
أفضل الصالة َّ األميـن عليه
ُ حممدٌ
الكائنات ،هو سيدُ نا َّ
ِ ناح اإلسال ِمَ ،ف َح َّل َق ِبام يف ِ
طبقات حتت َج ِ اإلسالمي َ
َّ العالم
َ وحـمى الرسا َلةَ ، ِ
جناح ِّ حتت
وجميع يقني، ِ ِ موكب مجي ِع ِ
َ والصدِّ َ ِّ األولياء وجميع
َ األنبياء واملرسلني، َ احلقيقة ُمتقدِّ ًما
سوي ًة قوة ،فا ًحتا طري ًقا ِ بكل ما ُأوتـي من ٍ قني ُمب ِّينًَا الوحداني َة واضح ًة َجل َّي ًة ِّ ِ
َ األصفياء واملح ِّق َ
ٍ
شبهة ٍ
لوهم أو باﷲُ ،مثبتًا الوحداني َة احل َّق َة ..فأنَّى ِ
اإليامن ِ ِ
طريق دال عىل عرش األحد َّي ِةًّ ، ِ إىل
وي؟
الس َّ ذلك ال َّط َ
ريق َّ ـحجبا َ َ
يكون هلام اجلرأ ُة ل َي ُسدَّ ا أو َي ُ أن
َ
الربهان عشـر» َ
ذلك َّاسع ِ ِ
«الكلمة التَّاسع َة عرشةَ» وملا ُكنَّا قد َب َّينـَّا إمجاال يف
َ و«املكتوب الت َ
بيان ِ
للحياة بأربع عرش َة رشح ًة ،وتسع عرش َة إشارةً ،مع ِ ُ
الباعث القاطع من معرفتِ ِه التي هي املا ُء
َ َ َ
ِ والسال ِم عىل َ ِ ِ ِ ِ ِِ
الربهان ذلك أنوا ِع معجزاته ﷺ ،لذا نكتفي هبذه اإلشارة ُهنا ،ونَخت ُمها َّ
بالصالة َّ
دق ِه:
ِّيه وتشهدُ عىل ِص ِ
س التي تُزك ِ األس ِ
تلك ُ
ِ
تشريان إىل َ القاط ِع للوحدان َّي ِة ،صال ًة وسال ًما ِ
ِ
موس ال َّلمع ُة الثاني َة عرش َة الساطع ُة ُّ
كالش
ِ
احلقائ ِق ويا ل ُه من بحر الكلمة ال َّث ِ
ِ هذه ال َّلمع َة الثاني َة عرش َة من ِ
إن َِّ
هلي ُوالعرشين َ
َ انية هذه
ِ ُ السابق َة ال ِ ِ بحيث َّ
ُ ٍ ٍ
وعرشين
َ اثنتني تكون إلَّ َّ
جمر َد االثنتني والعرشين َّ الكلامت إن عظيم بحر
ِ
االثنتني ِ
الكلامت إن َ
تلك بحيث َّ ُ ٍ
عظيم ِ
األنوار ويا ل ُه من منب ٍع منبع
قطر ًة من ُه؛ وهي ُ
ِ
الشمس. اثنتني وعرشين لمع ًة من تلك ِ والعرشين ليست سوى
ابقة ما هي إلَّ ٌ
ملعة واحد ٌة االثنتني والعرشين الس ِ ِ ِ
الكلامت كلمة من َ
تلك ٍ كلإن َّ نعم َّ
َّ
آية جتري هنر ٍ إل قطر ٌة واحد ٌة من ِ الكريم ،وما هي َّ ِ ِ
القرآن واحدة تسطع يف ِ
سامء ٍ لنجم ٍ
آية ِ
ُ
ِ
كتاب واحدة منٍ جواهر ٍ
آية ِ ِ
صندوق هي إلَّ ُلؤلؤ ٌة واحد ٌة من ِ ِ يف ِ
الكريم ،وما َ الفرقان بحر
الكلمة التاسع َة عرش َةِ الرابع َة عرش َة من الر ُ
شحة َّ األعظم؛ لذا ما كانت َّ ُ الكنـز
ُ اهلل الذي هو
ِ
األعظم.. ِ
االسم َـزل من العظيم ،كال ِم اهلل الذي ن َ ِ اإلهلي تعريف ذلك الكال ِم ِ إلَّ نبذ ًة من
ِّ
مو ُم ٍ ٍ ٍ ِ األعظم ..من التَّج ِّلي ِ
طلق، وس ٍّ األعظم للربوب َّية ال ُعظمى ،يف َسعة ُمطل َقةُ ، ِ ِ العرش من
قطعية آياتِه« :ال
ٍ بكل قوتِ ِه و ُير ِّد ُد ِّ
بكل يقول ِّ
بالعرش ،والذي ُ ِ َ
والفرش ِ
باألبد، َ
األزل ُ
يربط
ينطق م ًعا «ال إل َه َّإل هو». إن العالم ك َّله ُ الكون قاطب ًة؛ ح ًّقا َّ
َ إله َّإل هو» مشهدً ا ِ
عليه ُ َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 358
الس َّت ساطع ٌة ِ سليم ،ترى َّ ٍ ِ
ببصرية ٍ ِ ِ نظرت إىل َ
أن جهاته ِّ قلب الكريم القرآن ذلك َ فإذا
حيلة أ ًّيا كانت أن شبهة وال لِ ٍ لضاللة وال لِ ٍ ٍ لمة وال بحيث ال يمكن ل ُظ ٍ ُ ٌ
رائقة، َن ِّي َرةٌ ،وش َّف ٌ
افة
ُ
ِ
اإلعجاز ،وتح َت ُه: إن ِ
عليهَ :شار َة حيث َّ س َق ُّطُ ، خول يف رحابِ ِه املقدَّ ِ تَرى هلا ِش ًَّقا و ُفرج ًة للدُّ ِ
حض ،وأما َمه :سعاد ُة الـم ُ باين َ
الر ُّ الوحي َّ ُ استناد ِه):
ِ ُ
(نقطة ليل ،وخل َف ُه البرهان والدَّ ُ ُ
باستشهاد ِه،
ِ ِ
الوجدان تثبيت ت ِ
َسليم ُ باستنطاق ِه ،وشما َله:
ِ ِ
العقل تصديق
ُ ارين ،ويمينَه: الدَّ ِ
ِ أنوار إيامني ٌة خالص ٌة ِ وداخ َل ُهِ :ه ٌ
وثمار ُه:
ُ باملشاهدة، رمحانية خالص ٌة بالبداهة ،وفو َق ُهٌ : ٌ داية
ِ
اليقني. بعني ِ
اإلنسانية ِ ِ
بكامالت تح ُّل َ
ون َ َ
الم َ
والصديقون ُ واملحققون واألوليا ُء األصفيا ُء
ِ
األعامق ِ
أعمق ستسمع من ِ
الغيب ُمصغ ًيا فإن ََّك ِ
لسان ِ
صدر قت ُأذنَك إىل
فإذا أ ْل َص َ
ُ
ِ
بالربهان، جه ِز ِ ِ ِ صدً ى سامويا يف ِ
الم َّ
موُ ، والس ِّ
اإليناس واإلمتاعِ ،ويف ُمنتهى الجدِّ َّية ُّ غاية ً
ِ
بدرجة ِ ِ ٍ ٍ ِ
عني اليقني ِ
العلم َ
عليك من فيض جازمة و ُي ُ بقطعية ويكر ُر َها
ِّ ُير ِّد ُد« :ال ال َه َّإل َ
هو»
ِ
اليقني. ِ
اليقني بام يقو ُل ُه من ِّ
حق
باهر ،أظهرا
نور ٌ احلكيم الذي ٌّ
كل منهام ٌ َ َ
والفرقان الكريم ﷺ،
َ الر َ
سول زُبد ُة الكالمَِّ :
إن َّ
حقيقة الت ِ
َّوحيد. ُ حقيق ًة واحدةً؛ هي
احلقيقة بأصاب ِع اإلسال ِم والر ِ
سالة ِ أشار إىل َ
تلك الش ِ
هادة، لسان عا َل ِ
ـم َّ ُ فأحدُ مها:
ِّ َ
ِ
األنبياء ِ
وبتصديق مجي ِع ألف من معجزاتِ ِه
خالل ٍ
ِ بكل ما أويت من ٍ
قوة من ٍ
بجالءِّ ، و َب َّينـَها
ِ
واألصفياء.
وأشار إليها بأصاب ِع
َ أظهر الحقيق َة َ
نفسها َ ـم ال َغ ِ
يب، ِ
لسان عا َل ِ واآلخر :هو بمثا َب ِة ُ
ِ
اإلعجاز، ِ
وجها من وجوه ِ ٍ
كل ِجدٍّ وأصالة ،من وعرضها بِ ِّ ِ
أربعني ً
َ خالل َ حل ِّق واهلداية،
ا َ
مسالش ِ
أبهر من َّ ُ ُ
تكون َ ِ ِ ِ َصديـق من ِق َب ِل َجي ِع
ٍ
احلقيقة َ تلك للكون ..أال َّكوينية اآليات الت وت
وأظهر من ُه؟!
َ وأوضح من الن ِ
َّهار َ وأسطع ِمنها،
َ
موس ُضارع هذه ُّ الض ِ
اللة(َ )1 ُ
الش َ َ تتمكن أن ت
ُ كيف ادر يف َّ
الس ُ تمر ُد َّ
الم ِّ
احلقيـر ُ
ُ اإلنسان أهيا
موس، ِ يمكنك االستغنا ُء عن َ
تلك ُّ
الش َ زيل؟ وكيفخافت َه ٍ ٍ ٍ
بصيص رأسك منَ بام يف
ِ
الغيب ُ
لسان اجلاح ِدَ ،
كيف جتحدُ ما قا َل ُه ِ َ
لعقلك ِ
األفواه؟ َت ًّبا بنفخ ِ
إطفائها ِ وتَسعى إىل
ٍ
دعوة. الكون ،وتُنكر ما دعا ِ
إليه من ِ ِ
ومالك رب العاملني ِ الشها َد ِة من كال ٍم ُ
ولسان َّ
ُ َ باسم ِّ
ِ
القرآن وإزا َلتَه( .املؤلف) فع ُ
حياول َر َ موج ٌه للذي
اخلطاب َّ
ُ ( )1هذا
� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � �
359 ��������� ���� ��������� ���������� �� �
ِ
تكذيب ُور َط َ
نفس َك يف أنت حتى ت ِّ
واألحقر من ُهَ ،من َ
ُ الذ ِ
باب األعجز من ُّ
ُ قي أهيا َّ
الش ُّ
ِ
اجلالل واإلكرا ِم؟ ِ
الكون ذي ِ
مالك
اخلامتة
هذه «الكلم َة فهمت ِ كنت قد ظ! إن َ لب الـمتي ِّق ِ الم َّنو ِر وال َق ِ ِ
َ ُ العقل ُ ديق يا ذا الص ُ
ُّأيا َّ
اجا ِ بيد َك االثنت َْي عرش َة ملع ًة دفع ًة واحدةً، فخ ْذ ِ والعرشين» من بدا َيتِهاُ ، الثاني َة
واظفر هبا س ً ْ َ
ِ
األعظم، ِ
العرش ِ
املمتدة من الق ِ
رآنية ِ
باآليات ُ واعتصم ِ
املصابيح، آالف من بقوة ٍ للحقيقةِ ،
ِ
ْ
معرفة اهلل سبحا َن ُه و ُق ْل:ِ ِ
عرش احلقائق واص َعدْ إىل ِ ِ
ساموات واعر ْج يف ِ ِ
وامتط َ
التوفيق ُ براق
ـم عىل ِ
الكبري للعا َل ِ ِ
املسجد وأعلن يف لك»رشيك َ َ أنت وحدَ َك ال أن ال إل َه إلَّ َ « أشهدُ ْ
ْ
الكون الوحداني َة ً
قائل: ِ ِ
موجودات ِ
ؤوس ُر
وي ُ احلمدُ ،ييي ُ ُ ُ َ َ إل َّّ ُ َ َّ
ميت، امللك ،وهل ُ رشيك هلُ ،هل ُ وحد ُه ال الل ال هلإ
َ ّ َ ُ ُ ٌّ
لك يش ٍء ق ٍ
دير. وهو يح ال يموت ،بيدهِ اخلري ،وهو عىل ِ
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
﴿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾
﴿ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﴾
﴿ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ﴾
َْ َ َ ْ َ ْ َ آ ح ًة للْ َعالَم َ
ا َ َّّ َّ َ ّ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ
ارحْنَا ني َو َعل � ِ ِل َو َصح ِب ِه أج ِعني و لل ص ِل عل من أرسلته َر ِ ِ
ني �آم َ
الر ِ َ ك يَا ْ َ َ ْ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ
ني. اح ِ أرح َم َّ ِ وارحم أمته بِرح ِت
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﴾
ل��ل �ة ا �� ث ا �� ث �ة ا ��ل� ش ن
��
ا � ك�� �م� ل�� ل�� �و ع���ر�و�
وهي مبحثان
�﷽
﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ * ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ *
﴾ (التني)6-4: ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ
املبحث األول
ٍ
نقاط س
ك في خم ِ ن الإيما ِ
ن وذل َ ِ
آلاف محاس ِ حاسن من بين
خمس م َ بيـن
نُ ُ
َ
النُّقطة األوىل
بذلك قيم ًة تجع ُله الئ ًقا باجلن َِّة،َ فيكتسب
ُ ني ِ
اإليامن إىل أعىل ع ِّل ِّي َ اإلنسان يسمو ِ
بنور َ َّ
إن
ذلك َّ لنار جهن ََّمَ ،يؤه ُل ُه ِ ُ ِ ِ بينام يتردى ب ُظ ِ
ألن فيكون يف وض ٍع ِّ سافليـن
َ أسفل الكفر إىل لمة َّ
ُ
فاإليمان إنام هو ِ ٍ ٍ ٍ
اجلليل ،وير ُب ُط ُه َبوثاق شديد ونسبة إليه، ِ ِ ِ
اإلنسان بصانعهَ اإليامن ير ُب ُطَ
فيه، اإلهلية ِ
ِ ِ
الصنعة حيث تج ِّلي ُ باإليامن قيم ًة سامي ًة منِ ُ
اإلنسان يكتسب انتساب؛ لذا
ُ ٌ
فيقطع تلك النسب َة الكفر ِ ِ
الربانية عىل صفحة وجوده؛ أ َّما ِ ِ ِ ِ ِ
ُ ُ نقوش األسامء َّ وظهور آيات
ص ُ ـمهاَ ،ف َُطمس عىل معالِ ِ ِ
قيمة تنق ُ الربان َّي َة وت ُ االنتساب ،وتَغشى ظلمتُه الصنع َة َّ َ وذلك
كم املعدو ِم، وقيمة املا َّد ِة ال ُيعتدُّ هبا فهي يف ُح ِ ُ تنحرص يف ما َّدتِ ِه فحسب؛ ُ اإلنسان حيث ِ
لكوهنا فاني ًة ،زائل ًة ،وحياتُها حيا ٌة حيوان َّي ٌة مؤ َّق ٌتة.
� � �� � � ��� ��� � � �
361 ������� � ������ ������� ����� � -
��� ���� �� ����� ��
ِ ختتلف عن ِ إن قيم َة ِ ٍ ِ
الصنعة قيمة ُ املادة توضيحيَّ : ٍّ بمثال وها نحن ُأوالء نُب ِّي ُن هذا َّ
السر
تكون الماد ُة ُ متساويتني ،وقدِ ِ
القيمتني اإلنسان ،فنرى أحيانًا ُ ِ
اإلجادة فيام َيصن ُع ُه ومدى
عاليةٍ ٍ
ومجالية قيمة ٍ
فنية حديد عىل ٍ ٍ حيدث أن حتتوي ماد ُة ُ نفسها ،وقد نعة ِ أكثر قيم ًة من الص ِ
َّ َ
كونا من ٍ
مادة اللريات رغم ِ ِ ِ
ماليني نفيسة جدً ا قيم َةٌ صنعة نادر ٌة ٌ حتوز
وحيدث أن َ ُ جدً ا،
َ َ
ِ
جيدين َ الـم
ني ُ َّاعني واحلرفِ ِّي َ الصن َ وق َّ َّادرة يف س ِ
ُ
ُّحفة الن ِهذه الت ِ مثل ِ بسيطة جدً ا ،فإذا ُع ِر َض ْت ُ ٍ
ُّحفة خذت الت ُ ِ لرية ،أ َّما إذا ُأ ليون ٍ حتوز سعر ِم ِ فإنا ُ املاهر َّ
َ هري َّالش َ َ الباهر
َ وعرفوا صان َعها َ
رشائها نفق أحدٌ يف ِ ور َّبام ال ُي ُ ِ نَفسها إىل س ِ
-مثل -فقد ال يتقدَّ ُم لرشائها أحدٌ ُ ، ً ادين
وق احلدَّ َ ُ ُ
شي ًئا.
ٍ
عجزة الصان ِع ُسبحان ُه ،وهو أرقى ُم ِ ُ الص ُ ُ
للخالق َّ اخلارقة نعة اإلنسان ،فهو َّ وهكذا
أسامئ ِه احلسنى، ِ اتعجزات ُقدرتِ ِه وألط ُفها ،حيث خ َل َقه الباري مظهرا جلمي ِع جتلي ِ
َّ َ ً ُ
ِ من ُم
للكائنات ِ ونموذجا مثال ُمص َّغ ًراديعة َج َّل ْت عظمتُه ،وص َّير ُه ً ُقوش ِه الب ِ وجع َله مدارا جلمي ِع ن ِ
ً َ ُ ً
ِ
بأرسها.
ِ
اإلنسان من جميع ما عىل ُّور- َ ِ ِ
َ -ذلك الن ُ اإلنسان َب َّي َن اإليامن يف هذا نور
استقر ُ
َّ فإذا
ِ ٍ اآلخرين؛ فيقر ُأها نقوش ح ٍ
كيمة ،بل يست ْق ِرئُها
بتفكر ،و َيش ُع ُر هبا يف نفسه ُش ً
عورا املؤمن
ُ َ ٍ َ
الصان ِع مصنوع َّ
ُ يقول« :ها أنا ذااآلخرين يطالعوهنا ويتم َّلونَها ،أي كأ َّن ُه ُ َ ُ
وجيعل كامل،ً
ِ اجلليل ومخلو ُق ُه ،انظروا َ ِ
الواسـعة شابها من املعاينفي رحم ُت ُه ،وكر ُم ُه» ،وبام َ كيف تَتجلَّ َّ
ِ
اإلنسان. الر ُ
بانية يف نعة َّ الص ُ تتج َّلى َّ
بإظهار مجي ِع ِ الصان ِع سبحانهُ -
يقوم ِ
االنتساب إىل َّ اإليامن -الذي هو ِعبار ٌة عن ُ ْ
إذن
تلك الص ِ اإلنسان عىل َمدى ِِ ـن بذلك ُ ِ ِ ِ ِ
نعة بروز َ َّ قيمة الصنعة الكامنة يف اإلنسان ،فتتع َّي ُ آثار َّ
ِ
مرتبة اإلنسان -الذي ال أمهي َة ل ُه -إىل ُ ُ
فيتحول هذا الصمدان َّي ِة؛ ِ ولمعان َِ الربان َّي ِة،
تلك املرآة َّ َّ
وينال رش ًفا يؤه ُله للضيافةِ اإلهليُ ، ِ
للخطاب أهل
يصبح ً ِ
أسمى املخلوقات قاطب ًة ،حيث
ُ ِّ ُ ِّ ُ
الربان َّي ِة يف اجلن َِّة. َّ
فعندئذٍ ِ
اإلنسان، االنتساب إىل اهلل -يفِ الكفر -الذي هو عبار ٌة عن َقط ِع أ َّما إذا تس َّل َل
ُ
ويتعذ ُرَّ ِ
احلكيمة يف ال َّظال ِم وتُمحى هنائ ًّيا، ِ
اإلهلية األسامء احلسنى ِ ِ
ُقوش جميع معاين ن ُ
تسقط
ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 362
الصان ِع املتوج َه ُة فيه إىل َّ ِّ الجهات املعنو َّي ُة
ُ ُفه َم
يمكن أن ت َ ُ ذلك ألنه ال وقراءتا؛ َ ُ مطالعتُها
نعة الن ِ آيات الص ِ َندرس أكثر ِ ِ ِ
َّفيسة َّ ُ تنقلب عىل َعق َبيها ،وت ِ ُ ُ الصان ِع سبحانه ،بل اجلليل ،بنسيان َّ ِ
عزى فسوف ُي َ
َ ِ
للعـني الية ،أ َّما ما يتب َّقى منها مما يرتاءى النقوش املعنوي ِة الع ِ ِ وأغلب ِ
احلكيمة
َّ َ ُ
ٍ
جوهرة كلتتحول ُّ ُ َزول ،حيث َسقط هنائ ًّيا وت ُ
واملصادفة ،فت ُِ َّافهة ،إىل ال َّط ِ
بيعة األسباب الت ِ ِ إىل
آنذاك عىل املا َّد ِة َ َقتصـر أهميتُها ُ
ٍ
مظلمة ،وت جاجة َسودا َء ٍ اجلواهر املتألل َئ ِة إىل ُز
ِ من تلك
عيشها قصرية ُجزئ َّي ٍة َي ُ ٍ ٍ
حياة مرتا هي قضا ُء إن غاي َة املا َّد ِة و َث َ احليوان َّي ِة وحدَ ها؛ وكام ُقلناَّ ،
ويزول.. ُ املخلوقات وأحوجها وأشقاها ،ومن ثم يتفس ُخ يف الن ِ
ِّهاية ِ أعجز
ُ صاح ُبها وهو
َّ ُ
ٍ
سيسة. َفيسة إىل َف ٍ
حمة َخ وهرة ن ٍ وييلها من ج ٍ الكفر الماهي َة اإلنسان َّي ِة ُ وهكذا َي ِد ُم
َ ُ
ِ
الكريمة: هذه ِ
اآلية أرسار ِ
ِ بمثال؛ استنادا إىل ِ
أحد ٍ السر
ً ُوض ُح هذا َّ
وسن ِّ
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ (البقرة)257:
عصور ِه -كام
ِ عصر من ٍ ذاك مقبر ًة ُعظمى كام ُي َتو َّه ُم ،بل ُّ
كل الغابر إذ َ
ُ الزمن
ُ فليس
ِ
األولياء ٍ
طائفة من رس ٍل ،أو ِ ٍ تشهدُ ُه بصير ُة ال َق ِ
نبي ُم َ
حتت قيادة ٍّ عبودية َ بوظائف
َ زاخر
ٌ لب-
ٍ ِ السامي َة
وجه أتم
الرعية عىل ِّ رس ُخ أركانَها يف َّوينرشها و ُي ِّ ُ يدير تلك الوظيف َة َّ احلنيُ ،
الص َ َّ
األرواح الصافي ِة من ِ ِ ِ ِ صورة ،ومن ِ ٍ ِ
أداء ِ َّ َ الغفرية من ذوي اجلامعات انتهاء هذه بعد وأكمل
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ
أكبر»وظائفها احليات َّية وواجباتا الفطرية تُح ِّل ُق ُمرتَقي ًة إىل املقامات العالية ُمر ِّد َدةً« :اهلل ُ
ِ
املستقبل. حجاب
َ مخترق ًة
َ
هناك ورا َء أن ِ
اإليامنَّ - -بمنظار ن ِ
ُور ِ يسار ِه يرتاءى له من ٍ
بعيد ِ يلتفت إىل ُ وعندما
نان ،قد اجل ِ ِ
سعادة ِ قصور الش ِ
واهق- ِ
اجلبال َّ ِ
بضخامة برزخية وأخرو َّي ٍة -وهي ٍ ٍ
انقالبات
َ
ِ
حوادث حادثة من ٍ كلبأن َّآخر؛ فيتي َّق ُن َّ الرمحن َمدًّ ا ال َ ِ
أول هلا وال َ مضايف
ُ ُمدَّ ْت فيها
مأمورات،
ٌ فاترات ُمو َّظ ٌ سخ ٌ والزالزل وال َّط ِ
اعون وأمثاهلا -إنام هي ُم َّ ِ ِ
-كاألعاصري ِ
الكون
احلوادث التي تبدو قاسي ًة َخشن ًة ،ما هي يف ِ ِ
واملطر وأمثا َلها من الربي ِع فريى َّ
عواصف َّ
َ أن
أبدية ،ويرى ٍ ٍ
لحياة الموت مقدم ًة َ الحك َِم ال َّلطيفةِ ،حتى إنَّه يرىاحلقيقة واملعنى إلَّ مدار ِ ِ
ُ
ِ
الحقيقة عىل املثال. ِ
بتطبيق ِ
الجهات سائر ِ ِ ٍ
خالدة..وقس عىل هذا النوال َ ْ سعادة باب
القبر َ َ
الرابع ُة
النُّقط ُة َّ
األساس
ُ اإلنسان إنسانًا ح ًّقا ،بل جيع ُل ُه ُسلطانًا؛ لذا كانت وظيفتُه
َ اإليامن ُ
جيعل َ َّ
إن
ِ
العجز. اإلنسان حيوانًا مفرتسا يف ِ
غاية َ الكفر ُ
جيعل اإليامن باهلل تعاىل والدُّ عاء ِ
إليه؛ بينام َ
ُ ً ُ َ
وهو: ِ ِ بني ِ
آالف الدَّ ِ واضحا و ُبرهانًا قاط ًعا من ِ
الئل عىل هذه املسألةَ ، ً دليل
وسنُور ُد ُهنا ً
دار الدُّ نيا. ِ
واإلنسان إىل ِ ِ
احليوان ِ ُ
والفروق بني َميء التفاوت
ُ
اكتمال اإلنسان َّي ِةَ يدل عىل َّ
أن هذه الدُّ نيا ُّ واإلنسان إىل ِ ِ ِ
احليوان ِ
جميء التفاوت بني نعمَّ ،
إن
َ
َ وذلك َّ ِ ِ ِ
الحيوان حينام يأيت إىل الدُّ نيا ألن َ باإليامن وحدَ ُه؛ وارتقا َءها إىل اإلنسان َّية احل َّقة إنَّام َ
هو
استعداد ِه ،فيتع َّل ُم يف
ِ ب ِ
رس ُل إليها ُمتكام ًل َح َس َ آخر ،ف ُي َ عالم ٍ اكتمل يف ٍ َ يأيت إليها كأ َّن ُه قد
بالكائنات األُخرى ِ رشائط حياتِ ِه وعالقاتِ ِه ِ جميع ِ
شهرين يومني أوِ ِ
ساعتني أو ِ
ظرف
َ
القدر َة احليات َّي َة -مثلُ - ً صفور أو الن ُ
َّحلة لديه َم َلك ٌة؛ فيتع َّل ُم ال ُع فتحصل ِ ُ وقوانني حياتِ ِه،
ِ
ُ
ِ حص ُل يف ِِ ِ والس َ
عرشين يو ًما بانـي وهدايته سبحا َن ُه ،و َي ُ الر ِّ طريق اإللها ِم َّ لوك العميلَّ عن ُّ
َّكم َل ِ ُ عرشين سن ًة ،إذن اإلنسان إلَّ يفُ عىل ما ال َيتع َّل ُم ُه
األساس للحيوان ليست الت ُّ ُ الوظيفة َ
ِ
بإظهار واملعرفة ،وال االستعان َة والدعا َء ِ الع ِ
لم بكسب ِ ِ الت ِّق َي واالكتامل بالتَّع ُّل ِم ،وال َّ َ
استعداده ،أي العبود َّي ُة الفعل َّي ُة. ِ ب ُ العجز ،وإنَّام وظيفتُه األصل َّي ُة: ِ
حس َ
العمل َ
� � �� � � ��� ��� � � �
367 ������� � ������ ������� ����� � -
��� ���� �� ����� ��
تاج العكس من ذلك متا ًما ،فهو عندما َي ْقدَ ُم إىل الدُّ نيا يقدَ ُمها وهو ُم ٌ ِ اإلنسان فعىل ُ أما
هل ُمطب ًقا ،حتَّى إنَّه قد ال احلياة كا َّف ًة َج ً ِ ِ
بقوانني جاهل ٌ وإدراك ِه؛ إذ هو ِ ٍ
كل يشء إىل تَع ُّل ِم ِّ
َّفه ِم َمدى تاجا إىل التَّع ُّل ِم والت ُّ عرشين سن ًة ،بل قد يبقى ُم ً َ خالل َ شرائط حياتِ ِه َ يستوعب
ُ
َّن من عف وال َع ِ الض ِ احلياة وهو يف ِ ِ فضل عن أنه ُيب َع ُث إىل ُع ُم ِر ِه؛
جز حتَّى إنَّه ال يتمك ُ غاية َّ َ ً
ِ ِ
مخس عرش َة إل بعدَ َ الض ِّر َّ َّفع من ُّ سنتني من ُع ُم ِره ،وال يكا ُد ُيم ِّي ُز الن َ القيا ِم ُمنتص ًبا إلَّ بعدَ
ِ
بالتعـاون دفع الضَّ ِر عنها إلَّ ِ ِِ لنفس ِه
سن ًة ،وال يمك ُنه أن يح ِّق َق ِ
منافع حياته ومصال َحها وال َ َ ُ ُ
احلياة االجتامع َّي ِة البرش َّي ِة. ِ ِ
واالنخراط يف
الت ِّقي َّكم ُل بالتَّع ُّل ِم؛ أي َّ ِ
أن وظيف َة اإلنسان الفطر َّي َة إنَّام هي الت ُّ َّضح من هذا َّ يت ُ
ويستفرس: بنفسه در َك ِ أن ُي ِ عاء وال ُعبود َّي ِة؛ أي ْ واملعرفة ،والدُّ ِ ِ ِ
العلم َسب طريق ك ِ ِ عن
َ
وسخائ ِه ُأربى ِ
هذه ِ مة َمن هبذه الرعاي ِة احلكيم ِة؟! وبمكْر ِ وش َف َقتِ ِه ُأدارى ِ رحمة َمن َ ِ «بِ
َّ َ ُ َ ِّ َ َ
الر ِاز َق ِة ورة َّ
هبذه الص ِ
ُّ َ
ِ غذى وبجود ِه ُأ َّ
ِ وبألطاف َمن ِ محة؟ قة والر ِ
َّ
بالش َف ِ المفعم َة َّ التبي َة ُ َّ
ِ
الفقر ِ
بلسان والرجا ُء وسل َّ ضرع وال َّت ُ أن وظيف َت ُه ح ًّقا هي الدُّ عا ُء وال َّت ُ الرقي َق ِة؟!» ،فريى َّ َّ
ٍ
تصل يدُ ه إىل واحدة من ِ
ليقيض ل ُه طلباته وحاجاته التي ال ُ ِ ِ
جز إىل قاض احلاجات ِ وال َع ِ
َ
«العجزِ بجناحي واالرتفاع َّحليق
األساس هي الت ُ أن وظيف َت ُه األلف منها؛ وهذا يعني َّ ِ
َ ُ َ
ِ وال َف ِ
السامي. قر» إىل مقا ِم ال ُعبود َّية َّ
كل ألن َّ باملعرفة والدُّ عاء؛ َّ ِ َ
يتكامل ِ
ألجل أن اإلنسان إىل هذا َ
العالِ ِ إذن فلقد ِجي َء هبذا
كل العلو ِم فأساس ِّ ِ
واالستعداد؛ حسب املاه َّي ِة ِ
باملعرفة تعلق
لم و ُم ٌ الع ِ فيه موجه إىل ِ يشء ِ ٍ
ُ َ ُ َّ ٌ
هو ِ أن ُأ َّس هذا «معرفة اهلل تعاىل» كام َّ ُ ِ ِ
األساس َ هو
وحها َ ور ُ ُورها ُ احلقيق َّية و َمعدنُها ون ُ
جل وعال». «اإليمان باهلل َّ ُ
ِ واملصائب وم ِ معر ٌض ملا ال ُيحىص ِمن أنوا ِع الباليا
األعداء مع هامجة ِ ُ َ
اإلنسان َّ وحيث َّ
إن ُ
قر ُمدْ قــ ٍع ال هناي َةوحاجات عديد ٌة مع أنَّه يف َف ٍ
ٌ مطالب كثري ٌة
ُ طلق ،وله جز ُم ٍ حيمل من َع ٍ ما ُ
ـخها؛ ِ
العبادة و ُم ُّ أساس ِ
اإليامن ،وهو األساس «الدُّ عا َء» بعدَ تكون وظيفتُه الفطر َّي ُة ُ له؛ لذا
ُ ُ
ِ تنفيذ َرغبتِه بام ال ُ ِ رام ِه أو
حتقيق م ِ ِ
البكاء تصل إليه يدُ ه ،إىل ِ َ العاج ُز عن فل ُ
يلجأ ال ِّط ُ فكام
ِ
مقصوده فعل فيو َّف ُق إىل
قول أو ً عجزه إما ً ِ يطلب مأمو َله ،أي يدعو بلسان ِ
والعويل أو
ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 368
صبي ِ ِ ألطف أنوا ِع اإلنسان ا َّلذي هو
ُ َ
وأفقرها وهو بمنـزلة ٍّ ُ وأعجزها ُ األحياء ُ ذاك ،كذلك
حيم واالنطراح بني ِ الر ِ ِ ٍ ٍ
يديه إ َّما باك ًيا َ الر ِ محن َّ يأوي إىل كَنف َّ َضعيف َلطيف ،فال ُبدَّ ل ُه من أن َ
ٍ ِ جز ِه ،أو داع ًيا بِ ِوع ِ ضعف ِه َ
معبا عن ِ
وعندئذ واحتياجه ،حتى ُت َل َّبى َ
حاجتُه وتُن َّف َذ رغب ُت ُه؛ فقره ُ ِّ ً
غرور كال ِّط ِ قال بِ ٍ َّسخريات ،وإلَّ إذا َ ِ اإلغاثات والت ِ ِ ُ
فل َّلبيات والت كر تلك يكون قد أ َّدى ُش َ
ِ ِ ِ سخر مجيع ِ ِ
بأفكاري وتَدبريي» وهي وأستحو َذ عليها األشياء هذه َ أن ُأ ِّ َأمتكن ْ ُ األمحق« :أنا
فليس ذلك إلَّ كُفرانًا بنِ َع ِم اهلل تعاىل ،و َمعصي ًة كبري ًة ِ
املرات ُق َّو َت ُه وطا َقتَه! َ ألوف َّ
َ ا َّلتي ت ُ
َفوق
لعذاب ٍ
أليم. ٍ نفسه ُمستح ًّقاجلعل ِ ِ وسبب ِ
وتناق ُضها، تُنايف الفطر َة اإلنسان َّي َة
ٌ
لوجه اهلل، ِ تكون خالص ًة َ أرسار العبود َّي ِة ،والعبود َّي ُة ال ُبدَّ ْ
أن ِ سر من وهبذا فالدُّ عا ُء ٌّ
إجراءات ُربوب َّيتِ ِه ،أوِ عجز ُه ،مع عد ِم الت ِ
َّدخل يف ِ ِ ُ ْ
ظهرا َ اإلنسان إىل ر ِّبه بالدُّ عاء ُم ً يأوي
َ بأن
االعتامد عىل حكمتِه من ِ
دون ِ إليه وحدَ ه ،مع َّدبري ك ِّل ِه ِ
األمر والت ِ ِ ِ
وتسليم ِ
االعرتاض عليها،
نوط منها. الق ِاتِّها ٍم لرمحتِه وال ُ
ٍ
بتسبيح كلتسبيح هلل تعاىل؛ ٌّ
ٍ ِ
املوجودات يف َوض ِع أن باآليات البي ِ
نات كام َّ ِ ثبت
نعم ،لقد َ
َ ِّ
َفالكائنات إىل َكن ِ
ِ خاص،كذلك تُر َفع أدعي ٌة من جمي ِع ٍ
سجود خاص ٍة ،يف ٍ
ٍّ خاص ،يف عبادة َّ
ٍّ
ِ
العظيم. الرب
ِّ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 370
ِ
واحليوانات قاطب ًة، ِ
النباتات عاء مجي ِع االستعداد والقابلي ِة»؛ كدُ ِ
ِ ِ
«لسان ِ
طريق إ َّما عن
َّ
ِِ ٍ ِ واحد ِم َنها من الف َّي ِ ٍ حيث يبتغي ُّ
حلسنى، املطلق ُصور ًة ُمع َّين ًة له فيها معان ألسامئه ا ُ اض كل
حاجاتاِ ِ
للحصول عىل ِ
األحياء كأدعية جـمي ِع أنوا ِع ِ الفطر َّي ِة»«لسان احلاج ِة ِ ِ ِ
طريق أو عن
َ
حاجتِ ِه ِ
املطلق؛ بلسان َ ِ كل حي من اجل ِ
واد َ ب ُّ ٍّ قدرتا ،فيط ُل ُِ خارجة عن ٌ الضَّ ور َّي ِة التي هي
ِ
االضطرار»، طريق «لِ ِ
سان ِ رزق ِه ،أو عن وجود ِه التي هي بمثاب ِة ِ ِ ِ
استمرار عناصر الفطر َّي ِة
َ َ
ِ
إل يتوج ُه َّ
ب ،بل ال َّ حل ُج ِ المت ََست ِِّر با ُ
كامل إىل موال ُه ُ ً َرض ًعا يترض ُع ت ُّ
َّ ضطر الذيالم ِّ كدعاء ُ
عاء َمقبو َل ٌة إن الثة من الدُّ ِ ُ ِ
األنواع ال َّث ُ
ُ ويقبل التجا َء ُه ،فهذه حيم ا َّلذي ُيل ِّبي َ
حاجتَه الر ِإىل ر ِّبه َّ
غري َمقبو َل ٍة. مل يطر ْأ عليها ما َيجع ُلها َ
ِ
نوعان: أيضا ِ
فهو ً
املعروفَ ،
ُ عاؤنا»
ابع من الدُّ عاء ،هو « ُد ُ
الر ُ
َّوع َّ
والن ُ
ِ
أحدُ مها :دعا ٌء فعيلٌّ وحا ٌّيل ،وثانيهام :دعا ٌء قلبِ ٌّي و َق ٌّ
ويل.
ليس المرا ُد من ُه ِ
األسباب َ اجتامع
َ باألسباب هو دعا ٌء فعيلٌّ ،علمـًا َّ
أن ِ ُ
األخذ ً
فمثل:
ِ
بلسان ض هلل سبحانه لِ َط َلب المس َّبب من ُه اذ وض ٍع م ِ
الئ ٍم و ُم ْر ٍ ُ
الت ِ
ب ،وإنَّام هو ِّ إجيا َد المس َّب ِ
ِ
لكون هذا النَّو ِع ونظرا
ً حمة اإلهل َّي ِة؛
خزينة الر ِ
َّ
ِ الحراث َة بمنـز َل ِة َط ْر ِق ِ
باب إن ِ احلال ،حتَّى َِّ
أكثرقبول ال ُير ُّد يف ِ
فهو َم ٌ ِِ ِ ِ نحو ِ ِ ِ
املطلق وإىل ُعنوانه َ اجلواد اسم وج ٌه َ علـي ُم َّ
من الدُّ عاء الف ِّ
ِ
األحيان.
ِ
املطالب ِ
الحصول عىل طلب والقلب؛ أي ِ أما القسم ال َّثاين :فهو الدُّ عاء بال ِّل ِ
سان
ُ ُ ُ َّ
وألذ ثمراتِ ِه هو
وألطف غاياتِ ِه ُّ
ُ جهة هلذا الدعاء تصل إليها اليدُ ..فأهم ٍ
ُّ واحلاجات التي ال ُ ِ
القادر يشء ،و َمن هو كل ٍ وتصل يدُ ه إىل ِّ ُ خواطر قلبِ ِه، يسمع أن هناك َمن أن الدَّ اعي ُي ُ
درك َّ َّ
ُ َ ُ
فقر ُه. ِ تلبية مجي ِع رغباتِ ِه وآمالِه ،و َمن
عىل ِ
عجز ُه و ُيواس َ يرحم َ ُ
رحم ٍة واس َع ٍة و َم ِ
صدر ِ
مفتاح خزينَة َ ِ اك أن تتخ َّلى عن الفقري! إ َّي َ العاجز
ُ ُ
اإلنسان فيا ُّأيا
ُ
ِ
الكائنات ْ
واجعل ُدعا َء ِ
اإلنسانية، لترتقي إىل أعىل ِع ِّل ِّيي وهو الدُّ عا ُء ،فتش َّب ْث به قوة ٍ
متينةَ ، ٍ
َ أال َ
ِ نفس َك عبدً ا ُك ِّل ًّيادعائ َك ،ومن ِ جزءا من ِ
ووكيل عا ًّما بقول َك ﴿ ﭤ ﭥ ﴾ وك ْ
ُن ً ُ ً
تقويم هلذا الكونِ.ٍ أحسن
َ
� � ��� � � � �� �� � �
� ��������� ��� ������� ��������� �� ��� ����������� ����� � -
371
املبحث ال َّثاين
ُ
ن وشَقاوتِه ِ
ل سعادة ِ الإنسا ِ س نُ ٍ
كات تدور ُ حو َ وهو َ عِبارة ٌ عن خَم ِ
ٍ ِ نظرا لكونِ ِه خملو ًقا يف
لقيبأتم استعداد جامعٍ ،فإنَّه ُأ َ َقويم وموهو ًبا ِّ أحسن ت ٍ َ
اإلنسان ً إنَّ
ٍ
مصفوفة ابتدا ًء ٍ
ودركات ٍ
ودرجات ومراتب ٍ
مقامات ضمن خول ٍ
امتحان ُي ِّو ُل ُه الدَّ َ ِ
ميدان يف
َ َ
ني» فيسمو أو يرت َّدى ،ويرقى أو هيوي ِ
رياض «أعىل ع ِّل ِّي َ سافلني» إىل
َ ِ
«أسفل من ِس ِّج َ
ني
ُ
المجال جر ِة ،إذ قد ُف ِس َح
الم َّ
العرش األعىل ،من َّ ِ
الذرة إىل َ ِ درجات من ال َّثرى إىل ٍ ضمن
َ
ُ
اإلنسان ُمعجز َة واهلبوط؛ وهكذا ُأ َ
رسل هذا ِ ِ
للصعود للسلوك يف نجدَ ِ
ين ال هناي َة هلام ِ أما َمه
نعة. لقة ،و ُأعجوب َة ص ٍ قدرة ،ونتيج َة ِخ ٍ ٍ
َ
«خ ِ
مس ِ
املرعب يف َ ِ
والسقوط الرائعِ ،أو التَّدنِّي ِ الت ِّقي
والعروج َّ أرسار هذا َّ
َ وسنبي هنا
ِّ ُ
نِ ٍ
كات».
النُّكت ُة األوىل
انترش ْت َ عالقة صميم َّي ٍة معها؛ فلقدْ ٍ الكائنات وهو ذو ِ أكثر أنوا ِع تاج إىل ِ َ
اإلنسان ُم ٌ َّ
إن
ٍ
ب حيث األبدُ ،فمثلام يط ُل ُ ُ العالِ ،وامتدَّ ْت رغباتُه وآما ُله إىل َ طرف من كلحاجاتُه يف ِّ
أيضا يف يرغب ً ُ رج ُم ِبه ٍج يرغب يف َم ٍُ فسيحا ،ومثلام ً أيضا ربي ًعا زاه ًيا يطلب ًُ ُأقحوان ًة،
اجلميل ذي ِ ِ
رؤية ويتوق إىل ُ أيضا
يشتاق ً ُ ٍ
محبوب ل ُه ِ
لرؤية ف يتله ُ ِ ِ
اجلنَّة األبد َّية ،ومثلام َّ
أيضا حمتاج ً يم قاب ٍع فيها ،فهو صديق َح ٍ ٍ ِ
لرؤية باب ُغ ٍ
رفة فتح ِ تاج إىل ِ ِ
ٌ اجلالل؛ ومثلام أنَّه ُم ٌ
ِِ ِ ِ زيارة عا َل ِم الربزخِ الذي يقبع فيه تِسـع وتِ ِ
حمتاج
ٌ هوسعون باملئة من أحبابِه وأقرانه؛ كام َ َ ٌ ُ إىل
الز ِ
اخرة ِ
اآلخرة َّ باب ِ
الكون الواس ِع ِ ِ ِ واذ ِ إىل ال َّل ِ
ويفتح َ ُ باب
املطلق الذي س ُيغل ُق َ القدير بباب
ِ
اإلنسان ليضع مكانَها اآلخر َة إنقا ًذا هلذا بالعجائب ،والذي سري َف ُع الدُّ نيا ِ ِ
واملحشورة
َ
األبدي.
ِّ ِ
الفراق المسكين من ِ
ألم ِ
ِ
األمور ُك ِّلها ،و َمن عندَ ُه إل من ِ ِ
بيده َمقاليدُ لذا فال معبو َد هلذا اإلنسان -وهذا وض ُع ُهَ َّ -
ٍ
مكان، كل نـز ٌه من ِّ ٍ وحارض يف ِّ كل ٍ قيب عىل ِّ ٍ خزائن ِّ
مكان ،و ُم َّ كل ٌ يشء، الر ُ
كل يشء ،وهو َّ ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 372
ِ صور ،وم ٍ
وهو
اجلاللَ ، القادر ذو
ُ وهو عن الن ِ
َّقصَ ، تعال ِ الق ِ ُ ِ
العجز ،و ُمقدَّ ٌس من ُ و ُم َّبر ٌأ من
ِ
احلاجات يستطيع أحدٌ تلبـي َة الكامل؛ ذلك ألنَّه ال ِ احلكيم ذو ِ
اجلامل ،وهو حيم ذو
ُ ُ الر ُ َّ
شامل ال حدو َد ٌ وعلم ٌ
حميط ٍ ومطامح ِ
غري حمدودة إلَّ َمن ل ُه ُقدر ٌة ال هناي َة هلا ٍ ِ
اإلنسان َّية بآمال
ٌ َ
يستحق العباد َة َّ
إل هو. ُّ ل ُه؛ فإ ًذا ال
ٍ
مرموق زت بموق ٍع وأصبحت عبدً ا ل ُه وحدَ هُ ،ف َ
َ آمنت باهلل وحدَ ه اإلنسان! إذا َ ُ فيا َّأيا
ذليل
تكون عبدً ا ً ُ فسوف
َ استنكفت من العبود َّي ِة وتجاهلتَهاَ ِ
املخلوقات؛ أ َّما إذا فوق مجي ِع َ
ِ
الدعاء والت ِ
َّوكل، يت عن َباهيت بقدرتِ َك وأنان َّيتِ َك ،وتخ َّل ََ اجزة ،وإذا ما تللمخلوقات الع ِ
َ
ِ
َّحلة من ِ
جهة َّملة والن ِ
أضعف من الن ِ ُ
فستكون والص ِ
واب، ِ رت ِ
َ احلق َّ طريق ِّ غت عن وز َ وتك َّب َ
وأضر من ِ
اجلبل وستكون َ
أثقل من ُ ِ
والعنكبوت، الذ ِ
بابة أضعف من ُّ َ ِ
واإلجياد ،بل ِ
اخليـر
َّ
ِ
َّخريب. جهة َّ
الش ِّـر والت اعون من ِ ال َّط ِ
ِ
جهتني: إن َ
فيك اإلنسان! َّ
ُ نعمُّ ،أيا
عل. واخلري واإلجيابي ِة ِ
والف ِ ِ ِ
والوجود ِ
اإلجياد ُ
جهة األوىل:
َّ
ِ
واالنفعال. والسلب َّي ِة
َّ ِ
َّخريب والعد ِم والشَّ ِّ جهة الت ُ واألخرى:
الذبا َب ِة
وأضعف من ُّ
ُ ِ
صفور أقل شأنًا من الن ِ
َّحلة وال ُع ِ
اجلهة األوىل فإن ََّك ُّ ِ
اعتبار فعىل
َ
والجبال األرض
َ تتجاوز
َ انية فباستطاعتِ َك أن اجلهة ال َّث ِ
ِ ِ
اعتبار ِ
والعنكبوت؛ أ َّما عىل
ً
وجمال أوسع
َ فتكسب دائر ًة
َ حتمل عىل عاتِ ِق َك ما أش َف ْق َن منه وبوسع َك أن َ ِ ِ
اموات، والس
َّ
هدك ِ ِ
تعمل عىل َسعة طاقت َك وبقدْ ر ُج َ ُ ِ ِ
باخلري واإلجياد فإن ََّك تقوم ألنك عندما َ أفسح؛
ُ َ
تتجاوز وتَسترشي ،وإن َ
إساءتك َّخريبَّ ،
فإن ِ ِ
باإلساءة والت قوتِ َك ،أ َّما إذا ُق َ
مت
ُ وبمدى َّ
وينترش. ُ يعم
تخري َبك ُّ
ِ
حتقري ولكن هذه السيئ َة الواحد َة تُفيض إىلَّ وتكذيب،
ٌ وختريب
ٌ الكفر إساء ٌة
ُ فمثل:
ً
ِ ِ ِ ِ ِ
حلسنى تزييف مجي ِع األسامء اإلهل َّية ا ُ
َ أيضا
وتتضم ُن ًَّ واستهجانا، وازدرائها الكائنات مجي ِع
ِ
املوجودات مقا ًما ألن ِ
هلذه ذلك َّ ِ
وترذيلها؛ َ كذلك عن إهان َِة اإلنسان َّي ِة
َ َّ
وتتمخ ُض وإنكارها؛
َ
مكاتيب ر َّبان َّي ٌة ،ومرايا ُسبحان َّي ٌة ،و ُمو َّظ ٌ
فات ُ ذات مغزىُ ،
حيث َّإنا عال ًيا رفي ًعا ،ووظيف ًة َ
� � ��� � � � �� �� � �
� ��������� ��� ������� ��������� �� ��� ����������� ����� � -
373
ِ
ومنـزلة ِ
َّوظيف ِ
مرتبة الت املوجودات منِ إسقاطه تلك ِ فضـل عن ً فالكفر مأمورات إهل َّي ٌة؛ ٌ
ُ
واملصادفة وال يرى هلا قيم ًة ِ در ِك ال َع َبث َ ومهم ِة ال ُعبود َّي ِة ،فإنَّه ِ
كذلك ُيردهيا إىل ْ َّ َّسخري الت
ِ الن ويفس ِ راق يبدِّ ِ ٍ ِ
املوجودات إىل رضارمهاِ خان بتخريبِهام و َأ ُ ِّ زوال وف ٍ ُ ووزنًا بام َيعرتهيا من
ِ ِ ِ ٍ مواد فاني ٍة ت ٍ
نكر األسما َء وهو يف الوقت نفسه ُي ُ َافهة عقيمة ال أمه َّي َة هلا وال َجدوى منها؛ َ َ ٍّ َ
نقوشها وتجلياتُها وجماالتُها يف مرايا مجي ِع تلك األسام ُء التي ترتاءى ُ اإلهل َّي ِة ويتجاه ُلهاَ ،
ِ ِ
ُعلنإن ما ُيط َل ُق عليه« :اإلنسان َّي ُة» التي هي قصيد ٌة حكيم ٌة َمنظوم ٌة ت ُ الكائنات ،حتَّى َّ
جامعة كالن ِ ٍ ٍ ٍ القدس َّي ِة ،وهي ُمعجز ُة ِ
األسامء اإلهل َّي ِة ُ ِ
َّواة باهرة قدرة جتليات إعالنًا لطي ًفا َ
مجيع
قت َفو ْ ِ ِ يقذ ُفها هذه «اإلنساني ُة» ِ دائمة باقية؛ ِ ٍ ٍ ِ
الح َّية التي ت َّ صورتا َ الكفر من ُ َّ شجرة ألجهزة
لت عىل األمانة الكُربى و ُف ِّض ْ ِ عاتقها من خذت عىل ِ اموات بام َأ ِ والس ِ ِ
ْ األرض واجلبال َّ هبا عىل
األرض ...يقذ ُفها من ِ
هذه ِ مرتبة ِخال َف ِةِ أصبح ْت صاحب َة َرج َح ْت عليها حتَّى ِ
َ املالئكة وت َّ
عاجز َض ٍ ٍ ذليل ٍ مخلوق ٍ ٍ ٍ ِ ِ ِ ِ
عيف فان السامية العالية إىل َد َركات هي أ َذ ُّل وأدنى من ِّ
أي الق َّمة َّ
الز ِ
ائلة رسي ًعا. بيحة َّور ال َق ِ الص ِ ِ ِ َف ٍ
قري ،بل ُيردهيا إىل َدركة أتفه ُّ
الش ِّـر هة َّناية ال هناي َة هلا يف ِج ِ اقرتاف ِج ٍ ُ ِ
بإمكانا النفس األمار َة إن وخالص ُة ال َق ِ
ولَّ : ُ
َ
يستطيع هد َم ُ
اإلنسان وجزئ َّي ٌة؛ إذ ِ
واإلجياد َّ ِ ِ
ُ فإن طاقتَها حمدود ٌة ُ اخلري خريب ،أ َّما يف وال َّت
اإلنسان عن األنان َّي ِة، ُ أن ُيش ِّيدَ ُه يف ِم َئ ِة يو ٍم؛ أ َّما إذا َتلَّ يستطيع ْ
ُ
ٍ
واحد إلَّ أنَّه ال بيت يف يو ٍم ٍ
ِ وفيق اإلهلي وأرجع األمر ِ لب اخلري والوجو َد من ال َّت ِ
خريب، الش ِّـر وال َّت إليه ،وابتعدَ عن َّ َ َ َ ِّ َ و َط َ
ُ
فسيكون ذاكرا ل ُه سبحا َن ُه؛ستغفراً ، ً فاكتمل عبدً ا هلل تعاىل تائ ًبا ُم َ ِّباع هوى الن ِ
َّفس؛ َرك ات َوت َ
فتنقلب القابل َّي ُة ظهرا لآلية الكريمة ﴿ :ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ (الفرقان)70:
ِ ِ
ُ َم ً
تقويم» ف ُي َح ِّل ُق عال ًيا ٍ ِ
«أحسن ويكتسب قيم َة
ُ ِ
للخري، ال ُعظمى عندَ ه للشَّ ِّ إىل قابل َّي ٍة ُعظمى
إىل أعىل ع ِّل ِّي َ
ني.
ِ ِ َ ِ ُ
الوقت الذي تقتيض وكرمه ،ففي تبارك وتعاىل احلق
فضل ِّ نظر إىلالغافل! ُا ْ ُ
اإلنسان أ ُّيـها
فهو -ج َّل ْت العدالة أن يكتب السيئ َة مئ َة سيـ َئ ٍ
ويكتب الحسن َة حسن ًة واحد ًة أو ال يكت َبهاَ ، َ ـة ِّ َ َّ ُ
ٍ عش أمثالِـها أووالحسن َة َي ِز ُنا َب ْ ِ
بسبعمئة أو بسبعني أو
َ الس ِّيـ َئ َة س ِّيـ َئـ ًة واحد ًة َ
يكتب َّ
ُ قدرتُه-
آالف أمثالِـها.
بسبعة ِِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 374
ُ
دخول ِ
العدالة ،وأ َّما عين خول يف جهن ََّم هو جزا ُء ٍ
أن الدُّ َ فافهم من هذه الن ِ
ُّكتة َّ
عمل وهو ُ ْ
رمحة َب ٌ
حتة. خالصة ،و َم ٌ
ٌ كرم ٌة
إهلي َم ٌض و َم ُ اجلن َِّة فهو َف ٌ
ضل ٌّ
التكويني
َّ أمر ﴿ :ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ (األنعام)95: عت أجهزتَها املعنو َّي َة لتتم َّث َل َ
أخض ْ أ َّما إذا َ
لتكتم َل شجر ًة ُمثمر ًة باسق ًة، ِ الض ِّي ِق ستنبثق من عا َل ِ
ولتأخ َذ
ُ ـمها َّ ُ وأحسنت استعما َلهاَّ ،
فإنا ْ
وروحها املعنو َّي ُة الصغري ُة صورتَها احلقيق َّي َة ال ُك ِّل َّي َة الكبريةَ. ُ حقيقتُها اجلزئ َّي ُة،
مهم ٌة من َلدُ ِن ِ كذلك؛ فقد ُأ ِ َ ُ أن البِذر َة هكذا فكام َّ
عت يف ماه َّيته أجهز ٌة َّ ود ْ فاإلنسان
ُ
اإلنسان أخطأ هذاَ اإلهلي ،فإذا برامج دقيق ًة وثمين ًة من َلدُ ِن ال َقدَ ِر نح ِ ُ ِ
ِّ َ القدرة اإلهل َّية ،و ُم َ
ِ
األرض احلياة الدُّ نيا ويف عا َل ِ
ـم ِ حتت َثرى ف أجهزتَه املعنو َّي َة َ وص َر َ
واالختيارَ ،
َ َّقدير
الت َ
ألجل ِ البذرة املتع ِّفن َِة،
ِ ويتفس ُخ كتلك َّ فسوف يتع َّف ُن
َ املحدود ،إىل هوى الن ِ
َّفس، ِ الض ِّي ِق
َّ
ٍ
قصير ويف مكان َم ٍ ٍ من ُع ُم ٍر ِ ٍ ٍ
روح ُه وستتحم ُل ُ
َّ تأز ٍم ُمؤملٍ، صور ويف وض ٍع ُم ِّ لذة ُجزئية ض َ
خارسا.
ً فيرحل من الدُّ نيا خائ ًبا ُ الـمسؤول َّي ِة املعنو َّي ِة ِ
سكينة تَبعات َ ُ المِ
حتت ِ وغ َّذاها بِ ِبماء اإلسال ِمَ ، استعداده وسقاها ِ ِ ُ
اإليامن َ ضياء َ اإلنسان بذر َة أ َّما إذا ر َّبى
األوامر القرآن َّي ِة؛ فال ُبدَّ
ِ ِ
بامتثال غاياتا احلقيق َّي ِة
ِ وج ًها أجهزتَه املعنو َّي َة َ
نحو ِ
ُراب ال ُعبود َّية ُم ِّت ِ
ـم الربزخِ أزاهيرها يف عا َل ِ فروعها وتتفت َُّح ُ ٍ
وأغصان تمتدُّ وبراعم ٍ
أوراق ستنشق عن ُّ َّأنا
ُ َ
اإلنسان بِذر ًة َق ِّيم ًة
ُ فيصبح وكماالت ال حدَّ هلا؛ ٍ اآلخرة ويف اجلن َِّة نِ َع ًم
ِ وتو ِّلدُ يف عا َل ِ
ـم
ُ
ٍ ذات َر ٍ
باقية ،ويغدو آل ًة نفيس ًة َ ولشجرة ٍ
ٍ دائم ٍة ٍ ٍ ٍ
ومجال، ونق حاوي ًة عىل أجهزة جامعة حلقيقة َ
ِ
الكون. ِ
لشجرة و َثمر ًة ُمبار َك ًة ُم َّنور ًة
ِ
والعقل، والروحِ ، ِ ِ
والس ِّرُّ ،
القلبِّ ، بتوجيه هو
الحقيقي إنَّما َ
َّ قي
والر َّ
السمو َُّّ إن
نعمّ ،
كل ِ
واشتغال ٍّ ِ
الباقية، الحياة األبد َّي ِة
ِ لإلنسان ،إلى ِ ِ
الممنوحة ِ
وسائر ال ُقوى ِ
الخيال وحتَّى
موا من ِ
أهل الضاللة ُس ً يتوهمه ُ ُ وظائف العبود َّي ِة؛ أ َّما ما ِ يخصها ويناس ُبها من ُّ منها بما
ِ
الفانية لذ ِاتا ِ
زئيات َّ واالنكباب عىل ُج ِ بملذ ِاتا اهلابِ َط ِة
َّلذ ِذ َّ ِ
احلياة والت ُّ ِ
تفاهات ِ
االنغامس يف
وسائر
َ َ
والعقل القلب
َ رين
سخ َ ولذائ ِذها الباق َي ِة اخلالدَ ِة ُم ِّ ِ مجال الك ِّل ِ
يات االلتفات إىل ِ ِ َ
دون
َسيريها مجي ًعا خلدمتِهاَّ ، ارة بالس ِ َّفس األم ِ ِ
فإن هذا ال وء وت ِ ُّ حتت إمرة الن ِ َّ اللطائف اإلنسان َّي ِة َ ِ
ٌ
وانحطاط. بوطوه ٌ ٌ
سقوط ُ قط ،بل هو يعني ُرق ًّيا ُّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 376
واقعة خيال َّي ٍة كهذا ِ
املثال: ٍ رأيت ِ
هذه احلقيق َة يف ولقد ُ
ورا ضخم ًة ،وكانت تُقام أما َم ٍ ٍ
صورا فخم ًة و ُد ً وجدت فيها ُق ً ُ عظيمة، مدينة دخلت يف ُ
ٍ ِ القصور والدُّ ِ ِ
مسارح و َماله ،فلها ُ كأنا األنظار َّ َ ب وأفراح َتل ُ ٌ هرجانات
ٌ الت و َم ور َح َف ٌ
يداعب كل َب ُه ُ الباب وهو ِ واقف أما َم ٌ ِ
القرص صاحب
ُ َّظر فإذا أمعنت الن َ ُ وهبرجة؛ ثم ٌ ٌ
جاذبية
ألعاب اليافعات ُين ِّظ ْم َن الفتيات رباء ،وكانت باب ال ُغ ِ الش ِ يرقص َن مع َّ ويالع ُبه ،والنِّسا ُء
َ ُ ُ ْ
القرص َ أن هذا فأدركت َّ ُ شر ِف يقو ُد هذا احلشدَ ؛ الم ِ ور ُ القرص قد َّات َذ َط َ ِ اب وبو ُ األطفالَّ ، ِ
ويه ارحون من َذ ِ َ الس ِ أهل ِه وأن ُه قد ُع ِّط َل ْت فيه خال من ِ ٍ
والواجبات ،فهؤالء َّ ُ الوظائف
ُ
رغ ْت ُعقو ُلهم و ُقلو ُبهم ضمائر ُهم و َف َ ُ َت ادرون يف َغ ِّي ِهم قد س َق َط ْت أخال ُقهم ومات ْ َ الس
َّ
القرص. ِ ويلعبون أما َم َ وجوه ِهم ِ هييمون عىل َ ِ
فأصبحوا كالبهائم
ِ
اب رأيت كل ًبا وف ًّيا مستلق ًيا عىل عتبة بابِه ،ومع ُه َّّبو ٌ آخرُ ، قرص ٌ قليل ففاجأين ٌ ثم َمش ْي ُت ً
والسكين َِة ِ ِ
بت من هذا اهلدوء َّ فتعج ُ َّ يثري االنتبا َه، القرص ما ُ وليس أما َم َ هادئ، ٌ وقور
ٌ شهم
ٌ
الوظائف َ
فهناك ِ
بأهله، فدخلت القصر فوجد ُته عامرا ِ بب، الس ِ
ُ ُ ً َ ُ يت عن َّ َح َّر ُ واستغربت! وت َ ُ
خص ِ ِِ أهل ال َق ِ قيقة ُي ِ
ص ل ُه يف الـم َّ رص ،ك ٌُّل يف طابقه ُ نج ُزها ُ هم ُة الدَّ ُ الـم َّ والواجبات ُ ُ املتباين َُة
ِ واهلناء والص ِ ِ ِ
والسعادةَ ،ففي بحيث َيب َع ُث يف الفؤاد ال َفرح َة وال َبهج َة َّ ُ فاء َّ البهاء َج ٍّو من
هناك َ طابق أعىل ٍ َدبري شؤونِ ِه ،ويف رص وت ِ بإدارة ال َق ِ ِ َ
يقومون جال هناك ِر ٌ َ األو ِل ابق َّ ال َّط ِ
بأعامل اخلِ ِ ِ ِ ويتدارسون ،ويف ال َّط ِ
ياطة يقمن
َ يدات الس ُ ابق ال َّثالث َّ َ َ
يتعلمون البنات واألوال ُد ُ
األخريُ الطابقُ املالبس ،أ َّما ِ جلمي َل ِة عىل أنوا ِع ُّقوش ا َ ِ امللو ِنة والن خارف َّ
الز ِ ِ ونسج َّ ِ والت ِ
َّطريز
ِ
العزيزة الح َّر ِة ِ ِ ِ ِ َّصل هاتفيا بالم ِ القرص يت ُ ِ َ
والسالمة واحلياة ُ الراحة َّ لتأمني َّ لك ًّ َ صاحب
ُ فهناك
نجز وظائ َف ُه اللَّ ئق َة بمكانَتِ ِه اختصاص ِه و ُي ُ ِ ب حس َ يامرس أعام َله َ ُ القرص ،ك ٌُّل ِ ألهلِ ِ
املرضية
ِ
أنحاء َّجو ِل يف املالئم َة لكاملِ ِه ومنـز َلتِ ِه؛
ونظرا لكوين َمجو ًبا عنهم فلم يمنعني أحدٌ من الت ُّ ً
بحر َّي ٍة تا َّم ٍة. األمور ِّ َ استطلعت
ُ القرص ،لذا ِ
صور الق ِ َّوعني من ُ فرأيت َّأنا ُمنقسم ٌة إىل هذين الن ِ ِ
املدينة لت يف وجتو ُ
ُ القرص َّ َ غادرت
ُ ثم
أهلها الية من ِ الخ ِ القصور َ ِ األو َل من فق َيل يلَّ : ذلكِ ، سبب َ فسألت عن ِ ِ
َّوع َّ «إن الن َ ُ والبنايات،
اللة؛ أ َّما والض ِ ُفر َّ أئمة الك ِ والمبهرج خارجها والمزين َُة سطوحها وأفنيتُها ما هي إلَّ مأوى ِ
ُ ُ َّ ُ ُ َ ُ
� � ��� � � � �� �� � �
� ��������� ��� ������� ��������� �� ��� ����������� ����� � -
377
هامة والن ِ
َّخوة» ،ثم والش ِ املؤمنني من َذوي ال َغ ِ
رية َّ مساكن ِ
أكابر الق ِ
صور فهي َّوع ال َّثاين من ُ
َ ُ الن ُ
ٍ ِ ِ ٍ
أمعنت
ُ فتعجبت ،وعندما
ُ «سعيد» اسم
مكتوب عليه ُ
ٌ املدينة زاوية من زوايا رأيت َق ً
رصا يف ُ
وأفقت
ُ واسرتجعت عقيل
ُ فصرخت من َدهشتِي
ُ أبرصت َّ
كأن صوريت قد تَرا َء ْت يل، ُ َّظر
الن َ
من خيايل.
بتوفيق اهلل ِ
هذه الواقع َة اخليال َّي َة: ِ أفس وأريدُ ْ
أن ِّ َ
قرص من وكل ٍ احلضارة اإلنسان َّي ِةُّ ،
ِ ُ
ومدينة املدينة هي احليا ُة االجتامع َّي ُة البرش َّي ُة ُ َ
فتلك
كالعني واألُ ُذ ِن،
ِ ِ
اإلنسان القصـر َفهم َج ُ
وارح ِ ٍ
إنسان ،أ َّما ُ
أهل القصور ِعبار ٌة عن ِ َ
تلك
وكلالشهوان َّي ِة وال َغضب َّي ِةُّ ،والق َّو ِة َّ ونوازع ُه كاهلوى ُ ُ والر ِ
وح، والس ِّـر ُّ كالقلب ِّ ِ و َلطائ ُف ُه
َّفس ُ وظيفة ُعبود َّي ٍة ُمع َّي ٍنة وهلا ِ ِ ِ تلك ال َّل لطيفة من َ ٍ
لذائذها وآال ُمها ،أ َّما الن ُ ألداء طائف ُمعدَّ ٌة
فإخضاع
ُ ِ
احلارس، ِ
الكلب اب وبِمثا َب ِة بحك ِْم ال َب َّو ِ فهي ُ الشهوان َّي ُة وال َغضب َّي ُة َ والق َّو ُة َّ واهلوى ُ
وظائفها األصل َّي ِة ال َّ
شك ُيعت َب ُـر ِ مس َّفس واهلوى و َط ُ
ِ
ألوام ِر الن ِ امية إذن طائف الس ِ
َّ
ِ تلك ال َّلَ
ِ
اجلهات عليها. سائر سقو ًطا وانحطا ًطا وليس تر ِّقيا وصعوداِ ..
أنت َ وقس َ ً ُ ً َ ُ
الذوق َّي ُة حاستُه َّ ِ حل ِ ِ ِ ً
سن واجلامل؟ وأين َّ مراتب ا ُ جميع
َ اإلنسان التي تُم ِّي ُز عينفمثل :أين ُ
ِ
احلقائق ِ
قرارة اخلاص ِة؟ وأين عق ُله الذي َين ُف ُذ إىل بلذائذهاِ ِ
املطعومات ِ
خمتلف التي تُم ِّي ُز بني
َّ
كل ِ
هذه أين ُّ ِ ف إىل مجي ِع أنوا ِع ُ ِ وإىل ِّ
الكامل؟ َ المتله ُ ِّ املشتاق تفاصيلها؟ وأين قل ُبه أدق
مرتبتني أو ِ إل حلدِّ تنكشف َّ ُ البسيطة التي قد ال ِ اآلالت احليوان َّي ِة ِ األجهزة وأمثالِها مما يف ِ
حيوان ُمعيَّ ٍ ،والذي يؤدي ٍ بجهاز خاص يف ٍ األعامل اخلاص َة الـم ِ
ناطة َ ثالث!! فيام عدا
ُ َّ
ِ ِ مثل ِ مهمتِه ُ ِ ٍ
والوظائف. األعامل هذه فض ُل ما عندَ اإلنسان الذي ليس من َّ بشكل قد َي ُ عم َله
ِ هوَّ : ِ ِ ِ ِ
ومشاعره َ اإلنسان حواس
َّ أن نح ْت لإلنسان وغناها َ والس ُّر يف َو ْف َرة األجهزة التي ُم َ ِّ
كثريا ِ ِ ُ قد اكتس َب ْت قو ًة ونما ًء وانكشا ًفا وانبسا ًطا َ
والعقل ،فقد تبا َي َن ً الفكر يملك من أكثر؛ ملا
دت أحاسيسه وتعدَّ ْ عت تنو ْ ِِ ِ ِ ِ ِ
ُ لتباين وكثرة احتياجاته؛ لذا َّ نظرا
حواسهً ، ِّ استقطاب مدى
للتوج ِه ُّ ومدارا ً ورغبات عدَّ ٍة ٍ ٍ
آلمال حمورا
أصبح ً َ يملك فطر ًة جامع ًة فقد ُ مشاعره ..وألنَّه ُ
ِ
وبسبب عت.. وتوس ْ َّّ انفرج ْت أجهزتُه َ وظائف ِه الفطر َّي ِة فقد ِ ِ
لكثرة ونظراً إىل مقاصدَ شتَّى..
ِ ِ ِ ِ َِ ِ فطرتِ ِه
الكامل؛ لذا ال لبذور نح استعدا ًدا جام ًعا املهيأة لشتَّى أنوا ِع العبادة فقد ُم َ البديعة
احلياة الدُّ نيو َّي ِة ِ لتحصيل ِ
هذه ِ الدرجة الكثي َف ِة ِ هذه األجهز ُة الوفري ُة إىل ِ
هذه يمكن أن تُمنح له ِ
َ ُ
وظائفهِ ِ اإلنسان هي أن يتف َّط َن إىل ِ أن الغاي َة ال ُقصوى هلذا فحسب ،بل البدَّ َّ ِ
املؤ َّقتة الفانية ِ
ْ
وفقره أما َم اهلل تعاىل بعبود َّيتِ ِه ،وأن ِ ِ
عجزه املتط ِّل َع ِة إىل مقاصدَ ال هناي َة هلا ،وأن ُيعلِ َن عن
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 380
ِ ِ بنظر ِه الواس ِع
يرى ِ
الرمح ُة اإلهل َّي ُة ذلك و َي َّط َ
لع عىل ما َتدُّ ُه َّ املوجودات ،فيشهدَ عىل َ تسبيحات
ِ
املصنوعات القدرة الرباني ِة يف ِ
هذه ِ ِ
معجزات عاين ٍ من إنعا ٍم
َّ فيشكر اهلل عليها ،وأن ُي َ
َ وآالء
ِ
واإلعجاب. الع ِ
ربة فيتفكَّر فيها ويتأم َل وينظر إليها نظر ِ
َ َ َّ َ
الغافل عن رس «أحس ِن تقويم»! استمع إىل ِ
هذه َ ِ
الفانية ِ
احلياة وعاشقَ فيا عابدَ الدُّ نيا
َ ِّ
حقيقة ِ الواقعة اخليال َّي ِة التي تتم َّث ُل فيها ِ
رآها «سعيدٌ الواقعة التَّمثيل َّي ُة التي َ
ُ حياة الدُّ نيا ،تلك ُ
طويلة ،أي ٍ ٍ
طريق أسافر يف كأن رأيت نفيس ِّ اجلديد» وهي :أين ُ ِ ٍ
«سعيد فحول ْت ُه إىل
ُ القديم» َّ
ُ
ٍ ٍ
كل ستني لري ًة ذهب َّي ًة يمنحني منها َّ َ مقدار
َ ص يل خص َ رس ُل إىل مكان بعيد ،وكان س ِّيدي قد َّ ُأ َ
لريات ،يف ٍ
ليلة ٍ عشر بذ ُر ما ُ فطفقت ُأ ِّ دخلت إىل ٍ يو ٍم شي ًئا ،حتى
أملك ،وهي ُ ُ فندق فيه َملهى ُ
ِ
اليدين فر ِ ِ الش ِ سبيل ُّ ِ والس ِ الق ِمائدة ِ
ِ واحدَ ٍة عىل
فأصبحت وأنا ص ُ ُ واإلعجاب، هرة هر يف امر َّ
نفيس ِسوى ِ ِ ِ ِ ٍ مل أت ِ
سأحتاج إليه يف املكان الذي أقصدُ ُه ،فلم أو ِّف ْر ل َ ُ آخذ شي ًئا مما بيشء ،ومل ْ َّج ْر
ِ اجلروح والغص ِ مرشوعةِ ، ٍ ات ِ لذ ٍ
بت من َّ
واآلهات ات َّ ِ وسوى غري ترس ْ اآلال ِم واخلطايا التي َّ
ِ
فاالت.. والس ِ ترشح ْت من َ
السفاهات َّ تلك َّ َ التي
مجيع
«أنفقت َ َ فقال: رجلَ ، البائس ِة إذ تم َّث َل أمامي ٌ َ الكئيبة احلزين َِة
ِ ِ
احلالة وبينام أنا يف هذه
ِ
اليدين، خاوي للعقاب ،وستذهب إىل ِ
البلد الذي تريدُ ُه ِ مستح ًّقاِ رت
وص َرأساملِ َك سدً ىِ ، ِ
َ ُ ُ
ِ بصرية فباب الت ِ ِ كنت َفطنًا وذا
نصف ما
َ مفتوح مل ُيغلق بعدُ ،فبإمكان َك أن تَدَّ َ
خر ٌ َّوبة ُ فإن َ
بعضا مما حتتاج ِ لك من ال َّل ِ ِ
إليه يف َ
ذلك ُ اخلمس عرش َة لتشرتي ً َّ َ ريات َت ُص ُل عليه ،مما َ
بقي َ
جل« :فا َّد ِخ ْر إذن ُث ُل َثه»، الر ُ فقال َّ بذلكَ ، َ ٍ
راضية غري
فاستشرت نفيس فإذا هي ُ ُ ِ
املكان»..
فرأيت نفيس ال تريدُ أن ُ فقال« :فا َّد ِخ ْر ر ُب َعه»،
أيضاَ ، راضية هبذا ً ٍ غري
وجدت نفيس َ ُ ولكن
ْ
طريق ِه.
ِ يظ ومىض يف وغ ٍوأدبر يف ِحدَّ ٍة َ َ رأس ُه الرجل َ ُ فأدار
بتليت هباَ ، تَدَ َع العاد َة التي ُا ْ
ٍ
فائقة يف ٍ
برسعة منحدرا ينطلق
ُ فرأيت نفيس يف ٍ
قطار ُ رت،
األمور قد تغ َّي ْ رأيت َّ
كأن ثم ُ
ً َ
حيث ال يمكنني ُ مناص يلَ ولكن ال
ْ فاضطربت من دهشتِي، ُ ِ
األرض، حتت نفق َداخل ٍ
ِ
جذاب ٌة
مجيلة َّ
أزهار ٌ ٌ ِ
القطار ِ
الغريب أ َّن ُه كانت تبدو عىل طر َفي شامل ،ومنالذهاب يمينًا وال ًُ
صولوالح َ أزهارها ِ قطف ِ
أحاو ُل نحوها ِ متنوع ٌة
ُ َ فمددت يدي -كاألغبياءَ - ُ وثامر لذيذ ٌة ِّ
ٌ
بمجر ِد مال َم َستِها
َّ يدي
انغرزت يف َّْ ُ
األشواك فيها ِ
املنال، إل َّأنا كانت بعيد َة ِ
ثمراتاَّ ، عىل
� � ��� � � � �� �� � �
� ��������� ��� ������� ��������� �� ��� ����������� ����� � -
381
الرابع ُة
النُّكت ُة َّ
عف ِه حيمل يف َض ِ املحبوب ُ ِ الض ِ
عيف فل َّ يكون بال ِّط ِ ُ الكون أش َب ُه ما ِ اإلنسان يف هذا َ َّ
إن
رت العجز ُس ِّخ ْ ِ ذلك درة َ عف و ُق ِ الض ِ ذلك َّ بقوة َ عجز ِه ُقدر ًة عظيم ًة؛ ألنَّه ِ ِ قو ًة كبير ًة ويف َّ
وطورا، ً
وحال اإلنسان ضع َف ُه ودعا ر َّب ُه ً
قول ُ َ
أدرك الموجودات وانقا َد ْت ،فإذا ما ُ له ِ
هذه
ً ُ
َّسخري ،ويو َّف ُقِ ذلك الت ـكر وال َّثنا َء عىل َ الش َ واستغاث ر َّب ُه ،فسيؤ ِّدي ُّ َ عجزه فاستنجدَ وأدر َك َ َ
يعجز عن ُ ِ
وستخضع ل ُه مقاصدُ ُه وتتح َّق ُق مآر ُب ُه وتأيت إليه طائع ًة منقا َد ًة مع أ َّن ُه ِ
إىل مطلوبِه
ُ
حييل ذلك؛ إلَّ أ َّن ُه ُ عشار َ الـجزئ َّي ِة املحدو َد ِة بل وال يتسنَّى له ُع ْش ِم ِ ينال بقدرتِ ِه َّ ِ
الذات َّية ُ أن َ
ُ
الق َّو َة إن ُاملثالَّ : ِ ِ
سبيل الذات َّي ِة ،وعىل
احلال إىل ُقدرتِ ِه َّ ِ ِ
لسان ِ
بدعاء -خطأ -أحيانًا ما نا َل ُه ً
وإن القو َة الكامن َة يف َض ِ جاج ُ ِ
عف تدفع عن ُه األسدَ َّ َّ .. ُ جتعل أ َّم ُه ضعف َفرخِ الدَّ ِ الكامن َة يف
يتضو ُر من اجلو ِع بينام َّ بحيث يبقى األسدُ ُ لنفس ِه، الضاري َة ِ ُسخ ُر أ َّم ُه املفرتس َة َّ ِ
األسد ت ِّ بلِش ِ
ري الهائلة يف َّ ِ ُ جلدير باملالح َظ ِة؛ القو ُة عف ِه ،وإ َّن ُه وض ِ
مع ِص َغ ِر ِه َ
الضعف ،بل َح ٌّ ٌ يشبع هو َ ُ
عف. الض ِ ذلك َّ محة يف َ واإلعجاب :جتيل الر ِ ِ باملشاهدَ ِة
َّ
وببكائ ِه عىل ِ اآلخرين،
َ
بضعف ِه عىل َش ِ
فقة ِ ُ
حيصل قيق
الر َ المحبوب َّ
َ َ
الطفل وكام َّ
أن
األلف ِ ينال واحدً ا من فينال ما ال يمك ُن ُه أن َ الطين ُ والس مطالِبِه ،ف َي
ُ خضع ل ُه األقويا ُء َّ ُ
الشفق َة واحلامي َة ثريان َّ كان وي ِ ذان يحر ِ جزه إذن مها ال َّل ِ وع ُ فضع ُفه َ الضئيلةَ ،ِ بقوتِ ِه
ُ ُ ِّ منه َّ
أنكر ُ غرية الكبار وينقاد ِ بح ِّق ِه حتى إنَّه يذ ِّل ُل بسبابتِه الص ِ
الملوك واألمرا ُء؛ فلو َ إليه ُ َ َّ َّ َ ُ
ٍ ٍ َّهم تلك الحماي َة وقال ذلك ال ِّط ُ
رت سخ ُ وغرور« :أنا الذي َّ بحامقة الشفق َة وات َ فل تلك َّ َ
فعة، طمة والص ِ يستحق أن يقاب َل بال َّل ِ شك أ َّن ُه بقويت وإراديت»! فال َّ ِ ِ َّ
َّ َ ُّ كل هؤالء األقوياء َّ
ُ مثل ما َ وقال َ َ ِِ
قارون قال َّـه َم حكم َت ُه أنكر رحم َة خالقه وات َ َ اإلنسان إذا ُ َ
وكذلك
عر ُض شك أ َّن ُه ُي ِّ جاحدً ا النِّعم َة ﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ (القصص ،)78:فال َّ
يات البرش َّي ُة الت ِق ِ وهذه َّ ِ ُ
اإلنسان يتمتع هبا لطنة التي والس ُ ُ ِ ِ
ُ املنـزلة َّ فهذه للعذاب؛ نفس ُه
َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
بجالبٍ هو
وهيمنة غلبته وال َ وقوة ِجداله َ َفوقه َّ ليست ناشئ ًة من ت ُّ ْ واآلفاق احلضار َّي ُة ُ
� � ��� � � � �� �� � �
� ��������� ��� ������� ��������� �� ��� ����������� ����� � -
383
لفقر ِه،
إليه ِ حسن َْت ِ لعجز ِه ،و ُأ ِ ِ عف ِه و ُمدَّ ْت ل ُه يدُ املعاون َِة لض ِ ِ
لإلنسان َ نحت
هلا ،بل ُم ْ
قو ٍة وال ما يتمت َُّع به يملك من َّ ُ ليس ما ِ
السلطنة َ سبب َ
تلك َّ َ الحتياج ِهَّ ،
وإن ِ و ُأ ِ
كر َم هبا
رتكمة اإلهل َّي ُة التي َس َّخ ْ حمة واحلِ ُ والر ُ الربان َّي ُة َّ أفة َّ والر ُ
فقة َّ الش ُ هو َّ ٍ ٍ
من ُقدرة علمية ،بل َ
وح َّي ٍة بال ٍ
عقرب بال عيونَ ، ٍ المغلوب أما َم
َ َ
اإلنسان إليه؛ نعمَّ ،
إن له األشياء وس َّلمتْها ِ
َ
العسل من حرشةٍ َ ٍ
الحرير من دودة صغرية وأطعم ْت ُه ٍ أرجل ليست قدرتُه هي التي أل َبستْه ٍ
َ
ضعف ِه.
ِ محاين الذي هو ثمر ُة الر ِّ واإلكرا ِم َّ باين ِ الر ِّسخري َّ ِ سا َّم ٍة ،بل هو ال َّت
رور واألنان َّي َة، ُ اإلنسان! ما دام ُِ
وأعلن
ْ عنك ال ُغ َ َ احلقيقة هكذا فدَ ْع ت َ فيا أ ُّيـها
ِ
وأفص ْح ِ
االستمداد، ِ
بلسان عجز َك وضع َف َك ،أعلنهام َ باب األُلوه َّي ِة
ِ ِ
عتبة أما َم
قائل:
ً خالص ِ
وأظه ْر بأن ََّك عبدٌ هلل بلسان التَّرض ِع والدُّ ِ
عاء، ِ وحاجتِ َك َ
فقرك عن
ٌ ُّ َ
ِ
مدارج ال ُعال. ِ
وارتق يف فارتفع
ْ ﴿ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾
احلكيمِ الكون من َلدُ ِن ُ سخ َر يل هذا بيشء وما أمه َّيتِـي ح َّتى ُي َّ ٍ لست وال ُتق ْل« :أنا
ُ
ب ِ بح َس ِ ٍ ِ ٍ
نفس َك ُنت َ الكل»؛ ذلك وإن ك َ كر ِّ ُّ الش ُ ب منِّي ُّ العليم عن قصد وعنا َية وحتَّى ُيط َل َ ِ
شاهدٌ َف ِط ٌن، ب وظيفتِ َك ومنـز َلتِ َك م ِ
ُ بحس ِ إل أ َّنك َ كم العد ِمَّ ، وصورتِ َك ال َّظاهر َّي ِة يف ُح ِ
ِ ظيمة ،وأن ََّك ال ِّل ُ الكائنات الع ِ ِ
هذه ِ
باسم ينطق
ُ ُ
البليغ َّاطق
سان الن ُ َ كي عىل ومتفر ٌج َذ ٌّ ِّ
لكتاب العاملِ هذا ..وأن ََّك ِ والمطالع النبي ُه القارئ الدَّ اهي ُ ِ
املوجودات احلكيمة ..وأ َّن َك ِ
ُ
عامر اخلبري واملِ ِ ِ ِ
األستاذ ِ
بحكم حة ..وأن ََّك املخلوقات المسب ِ
ِّ
ِ املرشف المتفك ُِّر يف هذه ُ
ِ
اجدة. الس ِ ِ ِ ِ
الكريم هلذه املصنوعات العابدَ ة َّ
وجزئي ٌّ صغريٌ ونفس َك احليوان َّي ِة ُجز ٌء جسم َك النَّبايت ِ
ِّ
ِ َّك من ِ
جهة ُ
اإلنسان! إن َ نعمُّ ،أيا
املتزاحـم ِة َ
ِ
املوجودات األمواج اهلادر ِة ِ
هلذه َ ِ ختوض يف ضعيف ُ ٌ ٌ
وحيوان فقيـر ٌ
وخملوق ٌ حقيـر
ٌ
ِ
اإليامن الم َّنو َر ُة ِ
بنور ِ املتكاملة َّ ِ ُ إل أن ََّك من حيث إنسان َّيت َُك ِ
املدهشة؛ َّ
بالتبية اإلسالم َّيةُ ،
هذه ال َعبد َّي ِة ..وأن ََّك ُك ِّل ٌّي يف جزئيتِ َك ..وأن ََّك سلطان يف ِ ٌ لضياء املح َّب ِة اإلهل َّي ِة ِ المتضم ِن
ِّ
البصري ِة َ ف ذو شر ُ الم ِ فأنت ُ حقارتِ َكَ ، َ السامي مع المقام َّ ُ ولكصغر َكَ .. َ واسع يف ٌ عا َل ٌم
جعل حيم قد َ القولَّ : ُ مكن َُك املنظورة ،حتَّى ي ِ ِ الفسيح ِة ِ النَّـ ِّي َـر ِة عىل هذه
الر َ ربي َّ «إن َ ُ َ الدائرة
بيع باق َة َ ِ وجعل َيل َّ َ
الر َ وجعل َيل َّ ُورا،
اجا ون ً والقمر س ً َ مس
الش َ مأوى ومسكنًا، يل الدُّ نيا ً
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 384
وأخريا َ
جعل يل الحيوان خاد ًما َذ ً
ليل، َ َ
وجعل َيل يف مائد َة ٍ
نعمة، الص َ َ ٍ
ورد زاهي ًة،
ً وجعل َيل َّ
وبج ًة لداري و َمسكني».
َّبات زين ًة وأثا ًثا َ
الن َ
ِ
أسفل ُ
فستسقط إىل والش ِ
يطان َّفس َّ مع إىل الن ِ ِ
القول :إن ََّك إذا وخالص ُة
الس َ
ألقيت َّ
َ
ٍ
تقويم» يف «أحسن وكنت
َ نيارتقيت إىل أعىل ع ِّل ِّي َ
َ ِ
والقرآن احلق
أصغيت إىل ِّ
َ سافليـن وإذا
َ َ
هذا الكونِ.
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾
﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﴾
ل��ل �ة ا �� ا �� �ة ا ��ل� ش ن
��
ا � ك�� �م� لرب�ع� �و ع���ر�و�
ابع ٍ ْ ٍ ِ ُ
الر َ
الغصن َّ
َ بإمعان الحظ أغصان.. مخسة الكلمة عبار ٌة عن هذه
ثامره.
لتقطف َ
َ ِ
اخلامس واصعدْ ِ
بالغصن ْ
واستمسك
�﷽
﴾ (طه)8: ﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ق ا�لكبرى الجليلة ِ لهذه ِ الآية ِ ا�لكريمة ِ
ن لحقيقة ٍ واحدة ٍ من الحقائ ِ
نشير إلى خمسة ِ أغصا ٍ
ُ
ُصن ُ
األول الغ ُ
طبقات رعايا ُه، ِ ضمن دوائر حكومتِه ،وأوصا ًفا متباين ًة ِ عناوين خمتلف ًة يف ِ
للسلطان إن َّ
َ َ
ِ ِ ِ سلطنته؛ ً ِ ِ وعالمات متنوع ًة يف ٍ
دوائر العادل» يف «احلاكم اسمفمثل :ل ُه ُ مراتب وأسام ًء
وائر «القائد العا ِّم» يف الدَّ ِ ِ اسم ِ لطان» يف الدَّ ِ وعنوان «الس ِ ُ ِ
وائر املدن َّية ،بينام ل ُه ُ ُّ العدل،
ِ
والعناوين ..فل ُه ِ
األسامء سائر ِ «اخلليفة» يف الدَّ ِ ِ ُ العسكر َّي ِة
وائر الشَّ ع َّية ..وهكذا ل ُه ُ وعنوان
َ
يكون يمكن أن ِ
وعليه معنوي ل ُه؛ بمثابة َع ٍ
رش ِ وكريس مقام ِ ِ ٍ يف ِّ
ُ ٍّ ٌّ دوائر دولته ٌ دائرة من كل
ِ ِ تلك الس ِ ِ ٍ أللف ٍ ِ ُ
طبقات مراتب لطنة ويف دوائر َ َّ واسم يف اسم السلطان الفر ُد مالكًا ذلك
بعض، ٍ بعضها يف املتداخ ِل ُ ِ ِ
العروش وعرش منٍ ٍ
عرش ألفيكون له ُ َ يمكن أن ِ
احلكومة؛ أي
ُ
ويعلم ما جيري فيها ُ دوائر دولتِ ِه.. ِ دائرة منٍ كل وحارض يف ِّ ٌ احلاكم موجو ٌد َ ذلك كأن َ حتَّى َّ
بقات بقانونِ ِه طبقة من ال َّط ِ ٍ كل شاهدُ و َي ْش َهدُ يف ِّ اخلاص ،و ُي َ ِّ وهاتفهِ بشخص َّيتِ ِه املعنو َّي ِة،
وبعلمه ِ املراتب بحكمتِ ِه ِ مرتبة من ٍ كلاحلجاب َِّ ليه ..ويراقب ويدير من ِ
وراء ونظامه وبمم ِّث ِ ِ
ُ ُ
خاص هبا ،أحكا ُمه خمتلف ٌة ،طبقاتُه متغايرةٌ. وموقع خيصها ٍ وبقوتِ ِهِّ ..
ٌّ ٌ مركز ُّ دائرة ٌ فلكل َّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 388
شؤون ٌ مراتب ربوب َّيته ِ ضمن واألبد -ل ُه ِ ِ
األزل ُ
سلطان رب العاملني -وهو وهكذا َّ
َ فإن َّ
عالمات وأسام ٌء ٌ دوائر ألوه َّيتِ ِه ِ ضمن
َ بعض ..وله ٍ بعضها مع يتناظر ُ ُ خمتلفة ،لكن ٌ وعناوين
ُ
وجلوات ات
العظيمة جتل َّي ٌ ِ ضمن إجراءاتِ ِه بعض ..وله ٍ بعضها يف شاهدُ ُ
ٌ َ متغايرةٌ ،لكن ُي َ
شع ُر عة ،لكن ي ِ متنو ٌ فات قدرتِ ِه بعضا ..وله ضمن ترص ِ متباينة ،لكن ُيشابِ ُه ُ ٌ
ُ عناوين ِّ ُ َ ُّ ُ بعضها ً
بعضها ظهر ُ سة متفاو َت ٌة ،لكن ُي ِ مظاهر ُمقدَّ ٌ ُ جتليات ِصفاتِ ِه ِ ضمن
َ ببعض ..ول ُه ٍ بعضها ُ
ُكم ُل الواحد ُة األخرى ..وله ِِ ِ
فات متباين ٌة ،لكن ت ِّ ترص ٌ ضمن جت ِّليات أفعاله ُّ َ بعضا ..ول ُه ً
تلح ُظ إحداها األُخرى. ِِ ِِ
ضمن صنعته ومصنوعاته ربوب َّي ٌة َمهيب ٌة متغاير ٌة لكن َ َ
ـمكل عا َل ٍم من عوالِ ِ حلسنى ،يف ِّ ِ عناوين ٍ ِ ومع هذا يتجلَّ ُع ٌ
اسم من األسامء ا ُ نوان من َ
ُ
وبقية ِ
تلك الدَّ ائرة، حاكم ُمهيمنًا يف َ ِ االسم ويكون َ
ذلك ُ ِ ِ ِ
كل طائ َفة من طوائفه، ٍ الكون ويف ِّ ِ
ً ُ
خاص ٌة االسم ل ُه ٍّ ِ َ ِ
خاص وربوب َّي ٌة َّ ٌّ تجل َ إن َ
ذلك ثم َّ هناك ،بل مندرج ًة فيهَّ ، األسامء تابع ًة ل ُه
خاص ًة كانت املخلوقات ،صغير ًة كانت أو كبريةً ،قليل ًة كانت أو كثريةً، ِ ِ
طبقات كل يف ِّ
َّ
بقصد ٍ متوج ٌه إل أ َّن ُه يشء وعا ًّماَّ ، ٍ بكل كان حمي ًطا ِّ وإن َ االسم ْ أن ذلك أو عا َّم ًة؛ بمعنى َّ
ِّ َ
ذلك الشَّ ِء، ات إىل َ وبالذ ِ َّ متوج ٌه فقط ِّ االسم
َ ذلك كأن َ شيء ما ،حتَّى َّ ٍ بالغة إىل ٍ وبأمه َّي ٍة
بذلك الشَّ ِء. َ خاص ٌّ وكأ َّن ُه
حجاب من ٍ ألف سبعني َ أن ل ُه يشء ،مع َّ كل ٍ قريب إىل ِّ َ
اجلليل اخلالق
َ ذلك َّ
فإن ِز ْد عىل َ
َ ٌ
مراتب ِ ب املوجو َد ِة يف الـح ُج ِ -مثل -من ُ ً ذلك تقيس َ جب النُّوران َّية ،ويمكن َُك أن َ
ِ الـح ِ ُ
بخ ْل ِق َك ،وانتهاء باملرتبةِ عليك َ َ ِّ
املتجل ِ
اخلالق ِ
السم ِ
جلزئ َّية ِ ِ ِ
ً اخلالق ،ابتدا ًء من املرتبة ا ُ اسم
يات تبلغ نهاي َة جت ِّل ِ تستطيع أن َ أمجع ،بمعنى أن ََّك ِ ِ ِ ِ
ُ خلالق الكون َ األعظم والعنوان الكُربى
وعندئذ ٍ الكائنات ورا َء َك، ِ َدع ِ ِ وتدخ َل إليها من ِ ُ ِ ِ
باب املخلوق َّية ،برشط أن ت َ اخلالق اسم
فات. دائرة الص ِ ِ تتقر ُب إىل
ِّ َّ
َّداخل يف ِ ِ
األسامء ،والت ُس يف ؤون ،والتَّعاك ِ الش ِ َّناظر يف ُّ جب ،والت ِ الح ِ ِ ِ
المنافذ يف ُ ولوجود َ
َّعاض ِد َّرصفات ،والت ُ ِ هور ،والتَّسان ُِد يف الت َّشابه يف ال ُّظ ِ العناوين ،والت ِ ِ َّامزج يف الت ،والت ِ التَّم ُّث ِ
والربوب َّي ِة ِ ِ ٍ بوبياتَ ،لز َم ال َبتَّـ َة لِ َم ْن عر َف ُه سبحانه يف
ِ
والعناوين ُّ األسامء واحد ممَّا َم َّر من الر
يف ُّ
إن َظ َّل يترض َر ْ ِ ِ ِ ِ
هوّ ،
وإل َّ يفهم بداه ًة أنَّـ ُه َ
هو َ والعناوين والشؤون؛ بل ُ األسامء ألَّ ُينك َر َ
سائر
آخر. جتل ٍ األسامء األخرى ومل ْ
ينتقل من ِّ ِ ِ
اسم إىل َ جتليات حمجو ًبا عن
� �� � � � � � �
389 ��� ���� �� �������� ��
�������
ضاللة ال َّطبي َع ِة،
ِ ُ
يسقط يف ِ
العليم، أثر ِ
اسم ِ
والقدير ،ومل َير َ ِ
اخلالق أثر ِ
اسم فمثل :إذا رأى َ ً
يشءْ ،
وأن كل ٍ هو ،ويشاهدَ تج ِّل ِيه يف ِّ بنظر ِه فيام حو َل ُه ويرى َّ ول ِ أن َي َ لذا ِ
عليه ْ
هو َ اهلل َ
أن َ
دائم :ال إل َه نص َت ِ
إليهْ ، يشء ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ وي ِ كل ٍ تسمع أذنُه من ِّ
وأن ُير ِّد َد لسانُه ً ُ َ
ويعلن «آل إ َله إلَّ ُه ْو َب َرا َب ْر ِم َيزنَدْ َعا َل ْم».
َ إلَّ اهلل،
ِ
الكريمة ﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾ هبذه ِ
اآلية القرآن الكريم ِ
ُ يشري
ُ وهكذا ُ
ناها.
ذكر َ ِ
احلقائق ا َّلتي ْ (طه )8 :إىل
هائج ،وإىل بحر ٍ فاذهب إىل ٍ الرفيع َة عن ُق ٍ
رب، ُشاهدَ َ أن ت ِكنت تريدُ ْ ْ
ْ احلقائق َّ
َ تلك فإن َ
جليل.. جليل ..يا ُ ِ
يناديان :يا ُ حتم َّأنام
ستسمع ً
ُ
ِ
تقوالن؟ بالز ِ
الزل ،وأسأهلُام :ما هتز ٍة َّ ٍ
أرض ُم َّ
البحر أوِ تعيش يف ِ
احليوانات ،ا َّلتي ُ والص ِ
غار من اذهب إىل الفراخِ عزيز ..يا ج َّب ُار ..ثم يا ُ
ِّ ْ
تقولني؟ ال ُبدَّ َّأنا ترتن َُّم:
َ ْ
وأسألا :ما فقة والر ِ
محة، الش ِ ِ
األرض ،وا َّلتي تُر َّبى يف ُمنتهى َّ عىل
َّ
ُنادي :يا ُ
جليل كيف ت ِامء َ جميل ..يا رحيم ..يا رحيم؛( )1ثم أنصت إىل الس ِ ُ ُ
جميل ..يا يا
َّ ْ َّ ُ ُ
ولعبت ،نا َمت؛ فور َد إىل ذهنيْ أكلت
ْ فرأيت أهنا بعدماُ وتأملت فيها،
ُ َ
القطط الحظت
ُ ( )1حتَّى إنني
اضطجعت
ُ حيوانات مبارك ٌة طيب ٌة؟ ثم يف الليل
ٌ ِ
باملفرتسة، ِ
الشبيهة ِ
احليوانات سؤالِ :ل َ ُيط َل ُق عىل هذه
ٌ
ذكرا ِ ٍ
بت فمها إىل أذين ،وذكرت اهلل ً وقر ْ
واستندت إىل خمديت َّ ْ جاءت
ْ ألنا َم وإذا بقطة من تلك القطط
ِ
باسم ِ
واإلهانة ِ
االعرتاض وكأنا ر َّدت ما ور َد من رحيم» رحيم ..يا رحيم ..يا ِ
باسم« :يا حيا
َّ ُ ُ ُ رص ً
ِ
خاص هبذه القطة فقط أم بطائفة القطط عامة؟ وإن ِ
إن هذا الذكر طائفتها ،فور َد إىل عقيل :تُرى هل َّ
ُّ
ٍ
إنسان يستطيع االستامع كلأن َّومنحرص ملعرتض بغري حق مثيل ،أم ّ ذكرها ،هل هو خاص يب استامع ِ
ٌ
نفسه تكر ُر الذكر َبدأت أنصت إىل القطط األخرى ،كانت ِّ ُ أعار سمعه إليها؟ ويف الصباح إىل حدٍّ ،لو َ
الذكر ثم يمكن متييز: حيا مثل األوىل ،إذ يف بداية هريرها ال يتميز هذا ٍ ٍ
ُ بدرجات متفاوتة وإن مل يكن رص ً
ذكرا حزينًا فتذكر اهلل ً ُ رحيم» نفسه، ُ هريرها كله إىل «يا يتحول ُ ُ ِ
اهلرير ،ثم رحيم ..يف ُ رحيم ..يا ُ يا
ذكرا لطي ًفا بـ« :يا رحيم». ِ ٍ
إخراج للحروف حيث تسد فمها وتذكر اهلل ً فصيحا دون ً
نسمع
ُ األمر ،ثم قالوا: َ َ
يالحظون بدورهم بدؤوا ِ نفسها للذين أتوا لزياريت ،وهم ذكرت احلادثة َ ُ
القطط هذا االسم ُ ِ
االسم :يا رحيم؟ ول َ تذكر ِ ختصيص هذاِ الذكر إىل حدٍّ ما ،ثم ور َد بقلبي :ما وج ُه ِّ
لطيفٌ رقيق
حيوان ٌ ٌ أن القط احليوانات ،فور َدَّ : ِ اإلنسان وال تذكره بلسان ِ ِ
لسان ِ
بلهجة َّ
بالذات
حمتاج إذن إىل صديقه فهو ُ ِ
كل زاوية من مسكنه ،حتى كأنه ٍ كالطفل الصغري ،خيتلط مع اإلنسان يف ِّ ِ
ٌ
الكلب،ِ ِ
بخالف األسباب، ستأنس به حيمدُ اهلل تاركًا محة ،فعندما ُيال َطف و ُي فقة والر ِ الش ِ مزيد من َّ ٍ
َ ُ َّ
ِ َ ُ ِِ
وبنداء اإلنسان السادر يف نوم الغفلة، فيوقظ بذلك الذكر حيم، الر ِ اخلاص رمح َة خالقه َّ ِّ و ُمعلنًا يف عامله
محة؟ (املؤلف). الر ُوالعون وممن ُيتو َّق ُع َّ
ُ ِ
قائل :ممَّن َير ُد املد ُد األسباب ً ِ رحيم» ين ِّبه َع َبدة
ُ «يا
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 390
ِ
للحيوانات ِ
اجلالل ،وتَصن َّْت مجيل ذو كيف تُر ِّد ُد :يا ُ
األرض َ ِ اجلامل! ِ
وأع ْر سم َع َك إىل ِ ذو
فستسمع منـ ُه :يا حن ُ ِ كيف ُ
رحيم يا
ُ رمحن يا
ُ َّان يا ُ بيع،
الر َرز ُاق؛ واسأل َّ رمحن يا َّ
ُ تقول :يا َ
ِ
الكثرية. ِ
األسامء صو ُر يا ُم ِّنو ُر يا ُم ِس ُن يا ُمز ِّي ُن ..وأمثا َلـها من
عطوف يا ُم ِّ
ُ لطيف يا
ُ كريم يا
ُ
حلسنى ،فهي مكتوب ٌة ِ كيف يقر ُأ ِ ٌ واسأل إنسانًا هو ح ًّقا ْ
جميع األسامء ا ُ َ َ وشاهدْ إنسان،
الكون ك َّل ُه موسيقىَ َّ
وكأن أنت ِ
بنفس َك، ستقر ُؤها َ َّظر ِ
َ عىل جبهته ،حتَّى إذا أن َع ْم َت الن َ
نتج ٍ ِ نغمة وأو َط ِئها مع ٍ ِ ٍ األحلان ٍ ِ ُ
أعظم نَغمة وأعالها ُي ُ أصغر فامتزاج
ُ عظيم، لذكر متناغمة
وق ْس عىل ذلك.. حلنًا لطي ًفا مهيباِ ،
ً
ِ حلسنى إلَّ َّ ِ اإلنسان مهام َ َ غيـر َّ
حلسنى تنوع األسامء ا ُأن َ مظهرا جلمي ِع األسامء ا ُ ً كان أن َ
واختالف عبادةِ
ِ احلال يف تنو ِع الكائناتِ ُ ِ
ُّ هولتنو ِع اإلنسان إىل حدٍّ ما ،كام َ أصبح سب ًبا ُّ َ
ِ
وطرائق األولياء املتفاوت َُةُ ُ
املختلفة ِ
شرائع األنبياء نشأت من هذا التَّنو ِع املالئكة ،بل قد ِ
ُ ْ
جتل ِ
اسم السالم هو ِّ ِ ِ فمثلَّ : املتنو َع ُةً ، ِ
الغالب يف س ِّيدنا عيسى عليه َّ َ إن ومشارب األصفياء ِّ ُ
ِ
اسم «الودود» ،والمستحو َذ ِ
أهل الع ِ هيمن عىل ِ ِ ِ
شق هو ُ والم َ «القدير» مع األسامء األخرىُ ،
ِ
«احلكيم». اسم
َّفكر هو ُ أهل الت ِ عىل ِ
ُصن ال َّثاين
الغ ُ
مفاتيح أسرا ٍر كثيرة ٍ يبين سر ي ِن يتضمنا ِ
ن
َ ُ َّ
الأو ُل
الس ُّر َّ
ِّ
ِ
اإليامن ،إذ ِ
أصول مشهوداتم وكشف َّي ِاتم مع َّأنم يت ُ
َّفقون يف ِ كثريا يف
خيتلف األوليا ُء ً
ُ لِ َم
للحق؟ وملاذا يرىهود مخالِف ًة للواق ِع و ُمجانب ًة ِّ الش ِ درجة ُِّ تظهر أحيانًا كشو ُفهم ا َّلتي هي يف
ُ
ِ ِ
رغم إثبات أحق َّيتها ِ ِ
َّظر الحقيق َة متناقض ًة يف وأرباب الن ِ ِ
أفكارهمَ ، ُ الفكر أصحاب
ُ و ُيب ِّي ُن
ٍ ِ ٍ ِ ِ
بألوان شتَّى؟ ُ
الحقيقة الواحد ُة َلو ُن
لم َتت َّ
منهم؟ ف َ بالربهان القاط ِع لدى ك ُِّل واحد ُ
يشبه ُه
باألسباب ،والذي ُِ املدارس احلدي َث ِة ،واملعتقدُ
ِ درس يف الفيلسوف الذي َُ أ َّما هذا
الـمستفا َد من ِ يمنحها َّ ِ ِ
فليكن «القطرةَ» العاشق َة
ظل الضياء ُ ُ للقمر ،الذي القديم»،
ُ «سعيدٌ
القمر ،وال
َ بذلك الن ِ
ُّور إلَّ َ ولكن «القطرةَ» ال ترى َّ نورا فتتألألُ ِبه..
مس ف ُيعطي عينَها ًالش ِ َّ
ِ
بإيامنا. مسالش ِ رؤية َّ مس ،بل يمكنُها ُ تستطيع أن ترى ِبه َّ
الش َ ُ
ُصن ال َّث ُ
الث الغ ُ
ُ
تبحث يف يفة التياألحاديث الشَّ ِ
ِ قسم من فهم ٍ ِ ليشء من ال ُغ ٍ
يكتنف َ ُ موض الذي نظرا
ً
ِ
العلم وثوابا» فقد ض َّع َفها عد ٌد من ِ
أهل ِ ِ
األعامل ِ
«فضائل اعة وأحداثِها» ويف «عالمات الس ِ
َّ
ِ
عافآخرون من ِض ِ َ ف وتطر َ ِ
«املوضوعات» بعضها يف ِع ِ
داد ووضعوا َ ين بعقولِـهمَ ،
َّ المعتدِّ َ
ِ ِ ِ ِ
تفصيل ،بل
ً ونحن هنا ال نريدُ أن نُناق َش ْ
هم ُ فذهبوا إىل اإلنكار، ين بعقولـهم َ املغرور َ اإليامن
هميمكن االستهدا ُء هبا يف َف ِ ُ واع ِد العا َّم ِة التي
األصول وال َق ِ
ِ أصل» من
ً شنن ِّب َه إىل «اثنَي َع َ َ
ِ
البحث. األحاديث الشَّ ي َف ِة موضو ِع
ِ هذ ِه
ِ
( )1انظر :مسلم ،اإليامن 247؛ الرتمذي ،الفتن 53؛ أبو داود ،املهدي7، 6 ،4 ،؛ ابن ماجه ،الفتن34 ،25 ،؛ أمحد بن حنبل،
املسند ،99/1قال الشوكاين يف التوضيح :واألحاديث الواردة يف املهدي التي أمكن الوقوف عليها منها مخسون حديثا
فيها الصحيح واحلسن والضعيف املنجرب ،وهي متواترة بال شك وال شبهة ،بل يصدق وصف التواتر عىل ما هو دوهنا عىل
مجيع االصطالحات املحررة يف األصول ،وأما اآلثار عن الصحابة املرصحة باملهدي فهي كثرية أيضا هلا حكم الرفع ،إذ ال
جمال لالجتهاد يف مثل ذلك ،اهـ (اإلذاعة ملحمد صديق حسن خان .)114 - 113
( )2انظر :احلاكم يف املستدرك 4/520والسيوطي يف الآللئ 2/388واإلسفرايني ،2/75والبداية والنهاية البن كثري
وتذكرة القرطبي.
( )3عن أبى هريرة ريض اهلل عنه قال :قال رسول اهلل ﷺ« :لقد كان فيمن كان قبلكم من األمم ناس حمدَّ ثون من غري أن
يكونوا أنبياء ،فإن يكن من أمتي أحد فإنه عمر» ،البخاري ،فضائل أصحاب النبي ﷺ 6؛ مسلم ،فضائل الصحابة .23
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 400
ف الحقي َق َة يف يظهر ما خيالِ ُ العوار ِ ِ ِ ُ ِ َّ
فيمكن أن َ ُ ض، لبعض يكون خاط ًئا األولياء قد أن إهلا َم
ِ ِ
وايات. أمثال هذا النَّو ِع من ِّ
الر
احلكاية جمرى ُ َّاس ،فتجري َ
تلك بني الن ِ احلكايات َ ِ بعض ادس :تُشت ََه ُر ُ الس ُ ل َّ الأص ُ
ساق ِ
إليه اهلدف الذي ُي ُ ِ نظر إىل واألمثال ال ُين َظ ُر إىل معناها ُ ِ
احلقيقي ،وإنَّام ُي ُ
ِّ األمثال،
صصٍ َّاس من ِق ِ
ف عليه الن ُ َعار َ
بعض ما ت َ ِ كر ِ ِ
بعض األحاديث ذ ُ ِ كان يف الم َث ُل ،هلذا َ َ
َ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ
صور يف نقص و ُق ٌ هناك ٌ فإن َ
كان سبيل التوجيه واإلرشادْ ، ومتثيل عىل ً وحكايات كناي ًة
ِ أعراف الن ِ ِ ِ ِ
ويرجع إىلُ وعاداتم َّاس فهو يعو ُد إىل مثل هذه املسائ ِلَ ، احلقيقي يف ِ ِّ املعنى
ٍ
حكايات. عليه من ما تَسامعوه وتَعار ُفوا ِ
َ َُ ُ
كحقائق ماد َّي ٍة،َ َّمثيالت البالغ َّي ِة ت َ
ُؤخ ُذ ِ ِ
َّشبيهات والت كثيـر من الت هناك ٌ َ ابع:
الس ُ ل َّ الأص ُ
هل ،فيقع الناس يف اخلطأِ من ح ِ
سبان جل ِ ِ ِ من أو بانتقالِـها من ِ الز ِ ِ
ُ ُ ُ العلم إىل يد ا َ يد بمرور َّ إ َّما
حقائق ماد َّية. َ ِ
َّشبيهات تلك التَ
ثال، َيهام يف عا َل ِم الِ ِ واحلوت ،واملتم ِّث َلني عىل صورت ِ ِ سم َيني بال َّث ِ
ور الم َل ِ فمثالَّ :
الم َّكيـن ُ إن َ
خمور َض ٍ رب َّي ِة والبحر َّي ِة ،قد حتو ََّل إىل َث ٍ ِ
رش َفة عىل احليوانات ال ِّ
مالئك َِة اهلل الم ِ ِ
ُ
وها من ِ ُ
ِ ()1 وح ٍ
االعرتاض عىل احلديث. ِ ِ
اخلاطئ ،ممَّا أ َّدى إىل َصو ِر ِه ُم
َّاس وت ّ وت ُم َّس ٍم يف َظ ِّن الن ِ ُ
جهنم َّ حجر هيوي يف ٍ صوت
ُ فقال :هذا سول ﷺَ ، جملس الر ِ
ِ َّ صوت يف ٌ ومثلُ :س ِم َع ً
احلديث ومل تتبيَّ ْ ل ُه ِ يسمع هبذا عرها( )2فالذي حيـن انتهى إىل َق ِ فاآلنَ سبعيـن خري ًفا ُ
منذ
ُ َ َ
وجيزة جا َء أحدُ ُهم ٍ ثابت قطعا ،أ َّنه بعدَ ٍ
فرتة علم ما هو ٌ ُ ُ
ُ ً ولكن إذا َ ْ فيزيغ، ينكر ُه،احلقيقة ُ
الر َ ٍ
عندئذ يتي َّق ُن َّ ٍ مات َ
سول ﷺ أن َّ هنيهة، قبل املشهور قد َ َ املنافق ال ُف َّ
الين َ النبي ﷺ َّ
أن رب َّ فأخ َ
يتدحرج ُ كحج ٍر
َ بعني من ُع ُمرهالس َ دخل َّذلك املنافِ َق الذي َ صو َر ببالغتِ ِه النَّبو َّي ِة الفائ َق ِة َ قد َّ
أسمع
َ أسفل سافلني ،وقد ِ ُفر وتَر ٍّد إىل سقوط إىل الك ِ ٌ إن حيا َت ُه ك َّلها حيث َّ جهنمُ ، َّ عر إىل َق ِ
املنافق وجع َله عالم ًة ِ
عليه. ِ موت ذلك حلظة ِ ِ الصوت يف
َ اهلل سبحانه ذلك
( )1انظر:اللمعة الرابعة عرشة؛ وانظر :احلاكم ،املستدرك ،636/4وقال :واحلديث صحيح ومل خيرجاه؛ املنذري ،الرتغيب
والرتهيب ،258/4وقال :يف متنه نكارة.
( )2انظر :مسلم ،اجلنة 31؛ أمحد بن حنبل ،املسند .346 ،341/3
� �� � � � � � �
401 ��� ���� �� �������� ��
�������
الأصل الث َّامن :ي ِ
ُ
ِ ِ ِ
أمورا
دار االمتحان وميدان االبتالء هذاً ، العليم يف ِ
ُ الحكيم
ُ خفي ُ ُ
ِ
اإلخفاء ِحك ٌَم كثري ٌة ُ ِ بني ثنايا ٍ
ومصالح شتًّى.
ُ وترتبط هبذا األمور، كثرة من هم ًة جدً ا َ
ُم َّ
ِ
اإلجابة» يف يو ِم رمضان ،و«ساع َة َ القدر» يف ِ
شهر ِ فمثل :قد أخفى سبحانه وتعاىل «ليل َة ً
اعة» و«األجل» يف العم ِر ،و«قيام الس ِ َ شـر،بني جمامي ِع ال َب ِ احليـن» َ الص ِ
َ َّ ُُ َ اجلمعة ،و«أوليا َء ُه َّ
ُ
اإلنسان اإلنسان ُمع َّينًا ومعلو ًما َوق ُت ُه ،ل َقىض هذا ِ أج ُل يف ُع ُم ِر الدُّ نيا ..وهكذا ،فلو َ
كان َ
ساق ُخطو ًة كم ْن ُي ُ دهوشا َ ً اآلخر مرعو ًبا َم َ فلة تا َّم ٍة ،ونِص َف ُه نصف ُعم ِر ِه يف َغ ٍ
َ ُ املسكني
ُ
ِ
واآلخرة بيـن الدُّ نيا ِ حافظة عىل الت ِ ُ ُخطو ًة نحو ِ ِ ِ
املطلوب َ َّوزان الم
حبل المشنقة ،بينام تقتيض ُ َ
دقيقة تَمر باإلنسانِ ٍ يكون يف ِّ ِ ِ ِ ِ
ُّ كل َ الرجاء واخلَوف ،أن صلحة بقاء اإلنسان مع َّل ًقا قل ُبه بني َّ ُ و َم
جهول ِ سنة من ُع ُم ٍر َم رشون ٍ َ رج ُح ِع ِ ِ ِ ِ ُ
استمرار احلياة ..وعىل هذا ُي َّ املوت أو حدوث إمكان
ِ
األجل. سنة من ُع ُم ٍر معلو ِم ألف ٍ األج ِل عىل ِ
َ
كإنسان ٍ ٍ ِ وهكذا فقيام الس َ ِ
كان وق ُت ُه مع َّينًا كبري ،فلو َ أج ُل هذه الدُّ نيا ،التي َ
هي اعة ،هو َ ُ َّ
رون األخري ُة الق ُ تظل ُ ِ
القرون األوىل والوسطى سادر ًة يف نو ِم الغفلة ،بينام ُّ ُ ملض ْت و ُمع َلنًا َ
لد ِه األع َظ ِم، األكبـر وب ِ
ِ َ بحياة مسكَنِ ِه ِ اإلنسان وطيدُ العال َق ِة َ ذلك َّ
ألن ودهشة؛ َ ٍ يف ُر ٍ
عب
كم حياتِ ِه اليوم َّي ِة بح ِ ِِ ِ ِ
يرتبط بمسكَنه وبلده ُ ُ كم حياتِ ِه االجتامع َّي ِة واإلنسان َّي ِة مثلام بح ِ الدُّ نياُ ،
والشخص َّي ِة. َّ
مرور
ُ يناقض ُه
ُ الكريم ِة ﴿ :ﮬ ﮭ ﴾ ال َ
القرب املذكور يف ِ
اآلية َ أن ُ َ نفهم من هذا َّ ُ
نني إىل ُع ُم ِر الس ِ ِ ألف ٍ اع ُة أج ُل الدُّ نيا ،وما نِسب ُة ِ ٍ ِ ٍ ِ
من ِّألفني َ سنة أو َ الس َ َ ألف سنَة و َن ِّيف ،إذ َّ
عن ني ال ُع ُم ِر ،فال ينبغي أن ِ دقيقة ودقيقت ٍِ ِ ِ
كنسبة يو ٍم أو الدُّ نيا إلَّ
يغيب ْ َ َيـن إىل س ِّ يوميـن أو
بمقياس ُع ُم ِرها،
ِ قاس ُقر ُب ُه و ُبعدُ ُه
فحسب حتى ُي َ ُ أج َل اإلنسان َّي ِة
ليس َ
ِ ِ
أن يو َم القيا َمة َ بالِنا َّ
القياس واحلِ ِ
ساب. ِ األعامر املهو َل ِة التي تَنِدُّ ِ
عن ِ بل هو أج ُل الدنيا ِ
ذات َ
لم ِه بيـن المغي ِ
اع ِة يف ِع ِ ِ
وألجل هذا فقدْ أخ َفى
بات َ ُ َّ العليم موعدَ قيا ِم َّ
الس َ ُ الحكيم
ُ
صور قيام الس ِ حكمة ِ ِ
ِ ِ
اعة ،حتَّى الناس يف مجي ِع ال ُع ِ َ َّ اإلخفاء هذا أن َيشى ُ وكان منَ اخلمسة،
غريهم ،معقيامها يف َزمنِهم من ِ عليهم كانوا أشدَّ َخشي ًة من ِ
ضوان اهلل ِ
ُ الكرام ِر
ُ ُ
الصحابة
ِ
احلقائق ،بل َ ِ قرن الس ِ ِ يعيشون يف ِ
بعض ُهم:
قال ُ وانجالء عادة خيـر القرون ،وهو ُ َّ َ َّأنم كانوا
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 402
ِ ِ
الوقت اإلخفاء وحقيق َت ُه يف جيهلون حكم َة
َ اعة وعالماتِها قد حت َّق ْ
قت ،فالذين أرشاط الس ِ
َ َّ َّ
إن
ٍ رضوان اهلل ِ ِ
حقيقة رب وقو ِع عليه ْم ُق َ ُ الكرام
ُ الص ُ
حابة ظن َّ كيف َّيقولون ُظ ًلمَ :
َ احلاضـر
ِ سنة ،ظنُّوها قريب ًة يفوأربعمئة ٍ
ِ وخطري ٍة ستأيت بعدَ ٍ ٍ
بأنم كانُوا علم َّ عرصهم؛ ً ألف مهمة َ َ َّ
وأره َفهم ِح ًّسا
َ املؤمنني بصري ًة
َ اآلخر ِة ،وأحدَّ
َ
ِ
إدراك معاين املسلميـن وأفض َلهم يف
َ أقدر
َ
ألف سنة!ٍ ِ
فكرهم قد حا َد عن احلقيقة َ َّ ِ ِ
لكأن َ من؟
الز ُ
بإرهاصات ما سيأيت به َّ
أكثر الن ِ
َّاس تَفك ًُّرا الصحاب َة الكرام -ريض اهلل عنهم أمجعني -كانوا َ ألن ََّّ اجلواب:
ُ
إخفاء اهلل سبحانه لوقتِِ ناء الدُّ نيا ،وأوسعهم فِقها بحكمةِ وأرسخهم يقينًا ب َف َِ ِ
باآلخرة،
ً َ
أج َل الدُّ نيا، ِ ِ ِ ِ بفضل ن ِ
ِ الق ِِ
الصحبة النَّبو َّية و َفيضها عليهم ،لذا كانوا ُمنتظ َ
رين َ ُور ُّ َ
وذلك يامة،
ِ
آلخرتم سع ًيا حثي ًثا. خيص ،فس َعوا أج َل ُه َّ
الش ِ
متهيئ َ ِ
َّ ينتظر َ
ُ كم ْن ني ملوتا َ
ِ
اإلخفاء هذه احلِكم ِة ِح ِ
كمة سول ﷺ « ..فانتظروا الساع َة»( )1نابع من ِ إن تَكرار الر ِ ثم َّ
َ ٌ َّ َ َّ
عنبالوحي ،حتَّى ُي َظ َّن ُبعدُ ه ِ
ِ ملوعد الس ِ
اعة ِ وليس تَعيينًا بليغ،نبوي ٌ واإلهبا ِم ِ
وفيه إرشا ٌد
َّ َ ٌّ
فاألحاديث الشَّ ي َف ُة التي هي من هذا
ُ الع َّل ِة ،وهكذا
عن ِ خيتلف ِ
ُ ُ
الحكمة يش ٌء ِ
احلقيقة ،إذ
ِ
اإلخفاء واإلهبا ِم. ِ
حكمة ِ
القبيل نابع ٌة من
منذ ِ زمن م ٍ احلكمة ِ ِ وبناء عىل ِ
زمن التَّابعني، ديد ،بل ُ منذ ٍ َ َّاس ُ انتظر الن ُ َ نفسها ،فقد هذه ً
قال قسم من األولياءِ حاق بِـهم ،حتى َ أمل ال َّل ِ فياين ،عىل ِ ِ
ٌ الس ِّ املهدي والدَّ جال ُّ ِّ ظهورَ
بفوات وقتِهم! ِ احلني
الص َ َّ
تعييـن يو ِم القيا َم ِة؛
ِ نفسها يف عد ِم ُ
احلكمة ُ هورهم هي أوقات ُظ ِ ِ ِ
تعيني فالحكمة يف عد ِمُ
أساسا ُ
يكون املهدي الذي بحاجة إىل معنى ٍ ٍ
عصـر وقت َّ
وكل كل ٍ إن َّ ص بام يأيتَّ : َّ
ً ِّ وتتلخ ُ
نصيب من هذا املعنى، ٌ ٍ
عرص يكون ِّ
لكل َ فيلز ُم أن ِ
اليأسَ ، الصا من وخ ً للقو ِة املعنو َّي ِةَ ، َّ
ٍ ِ ٍ
ذرين من شخص َّيات ش ِّريرة ت ُ
َكون عرص متي ِّق َ كل ٍ َّاس يف ِّ َ َ
وح َ ظني َ يكون الن ُ جيب أن وكذلك ُ
ب َّفس بالتَّس ُّي ِ
نان الن ِ وذلك لِئَلَّ يرختي ِع ُ َ الش ِّـر،عظيم من َّ ً ِّفاق وتَقو ُد ت َّي ًارا رأس الن ِ ِ عىل
ِ
األشخاص ُمعين ًة جال وأمثالِهام مناملهدي والدَّ ِ ِّ ِ
ظهور أوقات
ُ املباالة ،فلو كانت ِ وعد ِم
اإلرشاد والت ِ
َّوجيه. ِ ُ
مصلحة لضاعت
ْ
( )1انظر :البخاري ،العلم ،2الرقاق 35؛ أمحد بن حنبل ،املسند .361/2
� �� � � � � � �
403 ��� ���� �� �������� ��
�������
َ الذين َف َّسروا َ فهوَّ : وايات ِ ِ ِ ِ ِ
األحاديث تلك َ أن الوار َدة يف َح ِّقهام َ الر
أ َّما س ُّـر االختالف يف ِّ
أن ِ
كتفسريهم َّ ِ
احلديث؛ الشخص َّي َة مع ِ
متن ِ
واجتهادات ُم َّ ِ
استنباطاتم الشَّ يف َة قد أدجموا
تصو ِرهم؛ إذ
حسب ُّ
َ رصة و الكُو َف ِة الشا ِم و الب ِ
َ حول َّتقع َجال ُ وأحداث الدَّ ِ
َ املهدي
ِّ وقائع
َ
والشا ِم.
رة َّ املدينة املنو ِ
ِ ٍ
يومئذ يف ِ
اخلالفة ِ
مركز تقع َ
حول تلك ُ َت َ
َّ املدن ُ كان ْ
َ
ألولئك الشخص َّي َة املعنو َّي َة اآلثار العظيم َة التي تُم ِّث ُل َّ َ األحاديث َّ
بأن َ سوا تلك أو َّأنم َف َّ ُ
اتية ال َفرد َّي ِة ،مما الذ ِهم َّ ِ
َصو ُروها ناشئ ًة من شخص َّيت ُ تقوم هبا جماعاتُهم ،ت َّ ُ ِ
األشخاص أو
هورا خار ًقا للعا َد ِة ،فيعر ُف ُهم ِ
جميع
ُ سيظهرون ُظ ً
َ األشخاص
َ هؤالء فه َم َّ
أن أن ُي َ أ َّدى إىل ْ
رب وامتحانَّ ، ٍ ٍ ُ واحلال -كام ُقلناَّ - ُ الن ِ
وأن اهلل تعاىل عندما خيت ُ اختبار ميدان أن الدُّ نيا َّاس،
ِ عقل ِه َ اإلنسان يفتَح الباب أمام ِ
األشخاص -أي ُ فهؤالء االختيار؛ لذا
َ أن َيس ُل َ
ب من ُه دون ْ َ َ َ َ ُ
ذلك ف َ عر ُ هورهم ،بل ال َي ِ َّاس عندَ ُظ ِ كثيـر من الن ِ ٍ فون من ِق َب ِل عر َ واملهدي -ال ُي َ
ُّ الدَّ ُ
جال
اإليامن الن ِ
ِ ينظر إليهم ِ باد َئ ِ جال الرهيب نفسه أ َّنه دج ٌال ِ
َّافذ بنور األمر ،وإنَّام يعر ُفهم َمن ُ الدَّ ُ َّ ُ َ ُ َّ
ِ
األعامق. إىل
أيام ِه كَسن ٍَة
إن يوما من ِ الر ُ اعة َعالمات الس ِ ِ جال الذي هو ِمن والدَّ ُ
سول ﷺ َّ ً قال عن ُه َّ َّ
ويسيح تسمع صوتَه، وإن الدُّ نياكأيامكمَّ )1(، ِ كجمعة وسائر ِ
أيامه ٍ ٍ
كشهر ويو ًما ويو ًما
ُ ُ َ
ِ الر ُ ِ
حاالت، الـم
واية َض ٌب من ُ أربعني يو ًما ،فالذين مل ُينص ُفوا قالوا :هذه ِّ َ األرض يف يف
يف احلديث الشَّ ِ
ِ -والعلم عندَ اهلل -هي اآليتَّ :
إن يف إن حقيقتَهاحاش هلل ،بل َّ وأنكروهاَ ،
ُ َ
تيارا ـم الك ِ ٍ
منطقة لعا َل ِ الش ِجهة َّ شخص من ِ ٍ ِ
ُفر ،يقو ُد ً أكثف
ُ امل ،الذي هو ظهور إشار ًة إىل
احلديث ِ
فيه ِ ِ
اخلالق ،فمعنى ِ
وإنكار ِ
اإلحلاد اجلاحدة ،ويدعو إىل ِ يتمخ ُض عن املا ِّد َّي ِة َّ عظيم
ً
امل َ
العالِ. خص من َش ِ
ِ ِ
ظهور هذا َّ
الش إشار ٌة إىل
الس ُنة ِ
للقطب َّ أن الدَّ ائر َة القريب َة
وهوَّ : وتتضمن ِ
اميل تكون َّ الش ِّ حكيم َ
ً رمزا
هذه اإلشار ُة ً ُ
جال هذا ليل والست َة األخرى هنار ،أي يوم الدَّ ِ ٍ
أشهر منها ٌ إن س َّت َة
حيث َّ
فيها يو ًما وليل ًةُ ،
ُ ٌ ِّ
تلك الدَّ ِ
ائرة ،أ َّما املرا ُد هور ِه قري ًبا من َ
فهذه إشارة إىل ُظ ِ ِ ٍ
كسنة»؛ «يوم ٌ
سنة واحد ٌة كام ور َد ٌ
( )1األحاديث يف هذا الباب كثرية نذكر منها :رواية مسلم« :قلنا يا رسول اهلل :ما لبثه يف األرض؟ قال :أربعون يوما ،يوم
كسنة ،ويوم كشهر ،ويوم كجمعة ،وسائر أيامه كأيامكم»( ،مسلم ،الفتن 110؛ أبو داود ،املالحم 14؛ الرتمذي ،الفتن
59؛ ابن ماجه ،الفتن 33؛ أمحد بن حنبل ،املسند .)181/4 ،367/3
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 404
كامل، ً شهرا
َّهار أحيانًا ً
يكون الن ُُ مناط ِقنا
امل نحو ِ
الش ِ َ فهو أ َّن ُه ك َّلام تقدَّ منا من َّ
كشهر» َ ٍ بـ«يو ٍم
جتاوز الدَّ ِ
جال إىل عا َل ِ ِ الشمس شهرا يف الص ِ ُ
ـم أيضا إىليف ،وهذه إشار ٌة ً َّ ً تغرب َّ ُ ُ حيث ال
جال ..وهكذا ِ
إسناد اليو ِم إىل الدَّ ِ وهذه اإلشار ُة آتي ٌة من ِ الش ِ
امل، ظهوره يف َّ ِ احلضار ِة بعدَ
َ
َ
تكون أسبوعا ،إىل ْ
أن ً تغرب
ُ مس ال اجلنوب نرى َّ
الش َ ِ الش ِ
امل إىل نـزول من َّ ً ك َّلام اقرتبنا
أسريا ٍ ٍ ُ وق وال ُغ ِ بني الشُّ ِ
كنت ًمكان كهذا عندما ُ كنت يف
ساعات ..وقد ُ ثالث روب الفرت ُة َ
رجونَ َّاس َي ٍ ِ ٍ يف روسيا ،فكانت َّ
قريب منَّا ،حتى كان الن ُ مكان أسبوعا يف
ً تغرب
ُ مس ال الش ُ
ِ
الغريب. ِ
املنظر ملشاهدَ ِة
( )1الرتمذي ،الزهد 13؛ ابن ماجه ،الزهد 3؛ احلاكم ،املستدرك .341/4
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 406
هي الدُّ نيا التي ِ ٌ ورسائل صمدان َّي ٍة ،وال هي بالدُّ نيـا التي هـي َ
مزرعـة لآلخرة ،وإنَّام َ احلسنى
واملصائب ،هي دنيا عبدَ ِة
ِ كل الباليا ومنبع ِّ
ُ والذ ِ
نوب ومنشأ مجي ِع اخلطايا ُّ ُ ِ
اآلخرة نقيض
هي ُ
ِ ِ ذر ًة واحد ًة من عا َل ِ ِ
فأين
املؤمننيَ ،
َ لعباد اهلل ِ
املمنوح مدي
ِّ ـم اآلخرة السَّ الدُّ نيا التي ال تعد ُل َّ
املني ملا ظنُّو ُه مبالغ ًة؟! ِ
اإلحلاد ال َّظ َ فهم ِ
أهل ائبة من ِ الص ُ الص ُ ُ ِ
ادقة َّ احلقيقة َّ هذه
أن ما ور َد من بتعس ِفهم حني ظنُّوا َّ َ
امللحدون ومتا َدوا فيه ُّ هب ومثال آخر :هو ما َذ َ ٌ
الكريم ُمبالغ ٌة
ِ ِ
القرآن الس َو ِر يف ِ ِ ِ ِ ـريفة َالش ِ ِ
األحاديث َّ
بعض ُّ وفضائل األعامل ثواب حول
ٍ
معقولة ،بل حتَّى قا ُلوا َّإنا ُمال ٌة! غري
ُ
«اإلخالص» ِ
ِ «الفاحتة» هلا ثواب ُ ِ ِ
تعد ُل القرآن(ُ ،)1
وسور َة ُ أن ُسـور َة -مثلَّ -
ً فقد ور َد
ِ ()4 ِ القرآن )2(،وسور َة ِّ ِ ِ
وسور َة «الكافرون» ُر ُب ُع القرآن «الزلزال» ُر ُب ُع القرآنُ )3(، ُ ُث ُل َث
إنصاف وليس هلم نع َ القرآن؛( )5فالذين ال ي ِ
ِ ِ ثواب َع َش ِة
ٌ َّظر َمون الن َ َ ُ أمثال وسور َة «يس» هلا ُ
سور ِة
ألن القرآن حيوي َ يقولون :هذا ُمستحيل؛ َّ َ ِ
وايات! إذ الر ِ
عون استحال َة هذه ِّ َرو َيدَّ َوت ٍّ
وس َو ًرا ُأخرى فاضل ًة ،فيكون ذلك ال معنى له؟! «يس» ُ
الكريم َثوا ًبا، ِ ِ ٍ أن ِّ هيَّ : ِ ِ
ِ القرآن حروف حرف من لكل إن حقيق َة هذه ِّ
الروايات َ الجوابَّ :
ثمر حينًا ِ وكرم ِه
ِ ِ حسنة واحدةٌ )6(،ولكن
ٌ
ثواب هذه احلروف و ُي ُيتضاعف ُ
ُ بفضل اهلل وهو
َ
ِ ِ ٍ ٍ
ُريس) ورابع ًة :أل ًفا
سبع مئة (كام يف حروف آية الك ِّ سبعني ،و ُأخرى َ
َ عرش حسنات ،وأحيانًا
َ
( )1حديث« :احلمد هلل رب العاملني هي السبع املثاين الذي أوتيته والقرآن العظيم» ،انظر :البخاري ،تفسري سورة الفاحتة ،1
فضائل القران 9؛ الرتمذي ،ثواب القران 1؛ أمحد بن حنبل ،املسند .221/4
( )2حديث« :قل هو اهلل أحد تعدل ثلث القرآن» ،البخاري ،فضائل القران 13؛ الرتمذي ،ثواب القران 11 ،10؛ أبو داود،
الوتر 18؛ النسائي ،االفتتاح 69؛ ابن ماجة ،األدب .52
( )3عن أنس بن مالك ريض اهلل عنه« :أن رسول اهلل ﷺ قال لرجل من أصحابه :هل تزوجت يا فالن؟ قال :ال واهلل ،وال
عندي ما أتزوج به ،قال :أليس معك «قل هو اهلل»؟ قال :بىل ،قال :ثلث القرآن ،قال :أليس معك «إذا جاء نرص اهلل
والفتح»؟ قال :بىل ،قال :ربع القرآن ،قال :أليس معك «قل يا أهيا الكافرون»؟ قال :بىل ،قال :ربع القرآن ،قال أليس معك
تزوج »..الرتمذي ،ثواب القران 10؛ أمحد بن حنبل ،املسند
تزوج ّ «إذا زلزلت األرض» قال :بىل قال :ربع القرآن ،قالّ :
..221 ،147/3
( )4حديث ابن عمر« :قل هو اهلل أحد تعدل ثلث القرآن ،وقل يا أهيا الكافرون تعدل ربع القرآن» ،الرتمذي ،ثواب القران
10؛ أمحد بن حنبل ،املسند .221 ،147/3
( )5عن أنس بن مالك قال :قال رسول اهلل ﷺ« :إن لكل يشء قلبا وقلب القرآن يس ،ومن قرأ يس كتب اهلل له بقراءهتا قراءة
القرآن عرش مرات» ،الرتمذي ،ثواب القران .7
( )6الرتمذي ،فضائل القران 16؛ الدارمي ،فضائل القران .1
� �� � � � � � �
407 ��� ���� �� �������� ��
�������
ِ
اآليات ِ
(كقراءة ٍ
حسنة اإلخالص) وخامس ًة :عرش َة ِ
آالف ِ ِ
سورة ِ
حروف مئة (كام يف ومخس ٍ
َ
ِ
احلسنات (كام يف ثالثيـن أل ًفا من شعبان) وسادس ًة:
َ وليلة الن ِ
ِّصف من ِ ِ
الفاضلة ِ
األوقات يف
َ
ويمكن ِ
اخلشخاش، بذور فتتضاعف ِ ليلة القدْ ِر) اآليات يف ِ
ِ ِ
ُ تتكاثر ُُ احلسنات كام
ُ هذه ُ قراءة
الكريمة ﴿ :ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾ (القدر.)3: ِ ثالثني أل ًفا من ِ
اآلية َ واب إىل ِ
تضاعف ال َّث ِ فهم
ُ
العددي ِ
َّضاعف ِ
وجود هذا الت ِ
الكريم مع ِ
القرآن ُ
موازنة ُ
مقايسة وال يمكن وهكذا فال
ِّ ُ
الس َو ِر. ِ
لبعض ُّ أصل ال َّث ِ
واب ِ مع
ذلك َ يمكن َُ ِ
املذكور ،وإنَّام دي لل َّث ِ
واب َّصاع ِّ
الت ُ
أنبتت
ْ الذ َر ِة ،فلو
ألف َح َّب ٍة من ُ
أن مزرع ًة ُز ِر َع ْت فيها ُ لنفرض َّ ْ ٍ
بمثال: نوض ْح َ
ذلك و ْل ِ
رة ِ
الذ ِ مئة ح َّب ٍةَّ ، ٍ
تعد ُل فإن ح َّب ًة واحد ًة من ُ سنبلة ُ (عرانيس) يف ِّ
كل َ َ
سنابل بعض ح َّب ِاتا َ
سبع ُ
(عرانيس)
َ َ
سنابل أن ح َّب ًة ُأخرى أنبت َْت َ
عرش املزرع ِة ،ولو فرضنا ً
مثلَّ ، َ ٍ
عندئذ ُثلثي ما يف
ِ
املزروعة ِ
احلبوب ضعف
َ ذلك تساوي سنبلة منها مئتي ح َّب ٍةَّ ،
فإن ح َّب ًة واحد ًة عندَ َ ٍ كل يف ِّ
أصل ..وهكذا ِق ْس يف ضوءِ هذا ِ
املثال. ً
مع ثوابِ ِه ٍ ِ
كل حرف فيه َ الكريم مزرع ًة سماو َّي ًة نوران َّي ًة ُمقدَّ س ًةُّ ،
َ َ
القرآن نتصور
ُ َ
فاآلن
السابِ ِق ِ ِ بغض الن ِ ٍ األصيل بمثا َب ِة ح َّب ٍة
َّظر عن سنابِلها ،فإذا ما ط َّب ْق َت هذا عىل املثال َّ واحدةِّ ، ِّ
ِ
بأصل ِ
األحاديث الشَّ ي َف ُة ،بمقارنَتها
ُ ِ
الس َور التي ور َد ْت بح ِّقها ِ ُ َ
فضائل ُّ معرفة يمكنك
ِ
القرآن. ِ
حروف
وحروف
َ وعرشون حر ًفا،
َ وست ٍ
مئة ُّ ثالثمئة ٍ
ألف ِ ِ
الكريم ِ
القرآن حروف
َ إنفمثالَّ :
ِ
مئتني وستني تساوي أضعاف تس ٍع ِ ُ
فثالثة وستون حر ًفا،َ تسع ِ ِ ِ
َ اإلخالص مع البسملة ٌ سورة
ومخس تقار ُب أل ًفااإلخالص ِ
ِ ِ
سورة ِ
حروف حرف من ٍ كل حسنات ِِّ ٍ
حروف ،أي َّ
إن وسبع َة
َ
وبني جممو ِعوأخذ َت النِّسب َة بينها َ ْ سورة «يس»ِ حروف
َ حسبت
َ َ
وكذلك إذا ٍ
حسنة، ِ
مئة
حرف ٍ أن ِّ
لكل ِ
االعتبار ،نجدُ َّ عرشة أمثالِـها ِ
بنظر ِ َّضاعف إىل
َ رآن ،وأخذنا الت الق ِ روف ُح ِ
ُ
حسنة.ٍ مخس ِ
مئة ِ يقارب من فيها ما
ُ
ُدرك مدى األحاديث فست ُ ِ الس َو ِر يف ِ املنوال بقي َة ما ور َد يف ِ فإذا ِق ْس َت عىل هذا
فضائل ُّ
ِ
واإلرساف يف الكال ِم. يومئ إىل املبال َغ ِة عدها عن ِّ كونِـها حقيق ًة صائب ًة لطي َف ًة ،ومدى ب ِ
كل ما ُ ُ
هو ُ
احلال يف ِ ِ
واألفعال البرش َّية ،كام َ ِ
األعامل ل العاشرُ :قد يوجدُ أفرا ٌد أفذا ٌذ يف
الأص ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 408
ِ
اخليـر وبز ُهم يف
اآلخرين َّ سبق الفــذ هذا قد َ ُّ كان الفر ُد ِ
املخلوقات؛ فإن َ ِ
طوائف ِ
أكثر
َ
ٍ
وبالء َذير شؤ ٍم اعتزازهمَّ ،ِ فخر لبني ِ مبعث ٍ َ ُ والص ِ
فهو ن ُ وإل َ ومدار
َ جنسه فسيكون الح، َّ
اآلخرون أن َ ُ
وحياول ٍ
مكان، ينبث كشخص َّي ٍة معنو َّي ٍة يف ِّ
كل ِ
األفذاذ ُّ ِ
هؤالء فكل من عليهمٌّ ، ِ
ـة الشخص وبإمكاهنم ذلك ،واستنادا لذلك اإلهبام يمكن احلكم عىل ُك ِّلـي ِ يكونوا ذلك َّ
َّ ُ ً
ِ
الفرد ِ
وجود َ
ذلك ِ
إلمكان ٌ
ممكنة، املنطق هي قض َّي ٌة
ُ ذلك الشخص ،فالقض َّي ُة إذن من ُ
حيث
كهذه. ِ ٍ
بنتيجة يت ألي ٍ
عمل ْ ِ مكان ،وجو ًدا خمف ًّيا ومطل ًقا؛ أي منٍ ِ
اخلارق يف ِّ
أن يأ َ املمكن ِّ كل
ِ
ركعتني هبذه املعاينَ :من صلَّ رشيفة ورد ْت ِ ٍ أحاديث نبو َّي ٍة
َ ضوء هذا ِ
املثال إىل ِ فان ُظ ْر يف
َ
حقيقة ثابت ٌة،
ٌ يقابل ِحج ًةِ ،
هذه أوقات مع َّين ٍَة ُ ٍ ِ
ركعتني يف ثواب أجر ِح َّج ٍة؛( )1أي
َّ ُ كذا فل ُه ُ
الوقوع الفعيلَّ
َ ولكن
َّ الة بالك ِّل َّي ِة هذا املعنى،ركعتيـن من الص ِ
َّ ِ كلحتمل ُّ فيجوز إذن أن َ ُ
ِ
للقبول رشائ َط ُه املع َّينَ َة ،لذا تنتَفي حيث َّ ُ دائم وال ك ِّل ًّيا، ِ
إن ليس ً هلذا النَّو ِع من الروايات َ
هي ِ
-بالفعل مؤ َّقت ٌَة -مطل َق ٌة؛ أو َ فة ال ُك ِّل َّي ِة والديمو َم ِة؛ فهي إ َّما وايات ِص ُ ِ الر ِ ِ
من أمثال هذه ِّ
ُ
اإلمكان ،كام هو يف: حيثاألحاديث هي من ُ ِ أمثال ِ
هذه ِ قض َّي ٌة ممكن ٌَة ،ك ِّل َّي ٌة ،فال ُك ِّل َّي ُة إذن يف
هو يف« :الكلم ُة قاتل؛ وكام َ يكون ُسمًّ ُزعا ًفا ً ُ إن يف الغي َب ِة فر ًدا قد كالقتل»؛( )2أي َّ ِ «الغيب ُة
ٍ ()3 ال َّط ِّيب ُة صدق ٌة ِ
كعتق رق َبة».
إبراز إمكاني ِة وقو ِع هذا ال َف ِ
رد ال َف ِّذ الصي َغ ِة؛ أي ُ ِ ِ ِ ِ
َّ واحلكم ُة يف إيراد هذه األحاديث هبذه ِّ َ
وأكثر والت ِ
هيب غيب َّالت ِ هي :أ َّن ُه ُ
أبلغ يف َّ ٍ ٍ ٍ ِ
املطلق يف ِّ املبه ِم
ُ فعلَ ، بصورة واقعة ً َ كل مكان َ
ِ
اخليـر وأشدُّ جتني ًبا هلا من الشَّ ِّ . ِ
للنفوس عىل حضا ًّ
أضخم ما عندنا إن ِ
احلارض ،إذ َّ بمقاييس عا َل ِ
ـمنا ِ ُوز ُن
األبدي ال ت َ َ
شؤون العاملِ ثم َّ
إن
َ ِّ
األبدي َّ
فإن ذلك َ
العالِ نظرا لكونِ ِه يتط َّل ُع إىل َ ِ َ ال يوازي أصغر ٍ
ِّ فثواب األعامل ً ُ هناك، يشء َ
نستوع َب ُه بعقولِنا املحدو َد ِة.
ِ فنعجز عن أن ُ الض ِّي َق َة تغدو قاصر ًة دو َن ُه، نظر َتنَا الدُّ نيو َّي َة َّ
ِ أنظار من ال ُي ِد ِّق ُق َ رواية ت ِ
هي: نصفون يف أحكام ِهمَ ، َ َّظر وال ُي
ون الن َ َ َلف ُت ٌ َ
هناك فمثل: ً
ِ
ورب
السماوات ِّ رب َّ وهارون» ،أي «الحمدُ هلل ِّ َ ثواب موسى، ِ عطي ل ُه ُ
مثل قرأ هذا ُأ َ «من َ
ذر ٍة ـم من ُه يف َّ ينحرص عا َل ٌ َ يمكن أن ُ اخلالد ،الذي ِ ـم الن ِ
ُّور واألجر من عا َل ِ َ إن ال َّث َ
واب ثم َّّ
جاج ورؤ َيتِها غرية من ُز ٍ ـة ص ٍ ٍ ِ
الساموات بنجـومـها يف قطـ َع َ
ِ ِ ِ
انحصار صـُورة َّ ِ واحدَ ٍةِ ،
بمثل
وح الر ِ يمكن أن تُو ِّلدَ شفاف َّي ًة يف ُّ ُ خالص ٍة َ ـن بن َّي ٍة كر ُمع َّي ٍ آية واحدَ ٍة أو ِذ ٍ فيها ،وهكذا فقراء ُة ٍ
اموات الواس َع ِة. ِ
ب َثوا ًبا نوران ًّيا َّ
كالس ِ
تستطيع أن تستوع َ ُ جاج- -كالز ِ ُّ
ٍ ِ جريح ِ ِ ِ ٍ
تدقيق ،ويا َذا دون ومن ِ النقد وال َّت بعني يشء اظر إىل ِّ
كل النتيج ُةُّ :أيا النَّ ُ
ِ
األصول هذهأد ِم النظر يف ِ قليل! ِ ف ً أنص ْ اململوء بال َفلس َف ِة املادي ِة! ِ ِ والف ِ
كر الواهي ِ ِ ِ
اإليامن
َ ِّ َّ
ي ُّل وبدورها إىل ما ُ ِ ِ األحاديث الشَّ ي َف ِة ِ اعرتاض َك إىل ِ إصبع اك أن ت َُمدَّ ال َع َش ِة ،وإ َّي َ
َ
قطعي للواق ِع ٍ
خالف رواية من ٍ بح َّج ِة ما ترا ُه يف ِ بمر َت َب ِة ِعصم ِة الن َُّّبو ِة للر ِ
ٍّ الكريم ﷺ ُ سول َّ َ
ِ
اإلنكار، تطبيقها جتع ُل َك تتخلَّ عن ِ وميادين األصول ال َع َشةُ،ُ للحقيقة؛ إذ ِ
هذه ِ ِ
ومنافاة
ُ
راج ٌع إلينا (أي هناك تقصري حقيقي ،فهذا ِ َ أول ،ثم ختاط ُب َك :إن َ
كان فض ً الر ِ وتَك ُّف َك ِ
ٌّ ٌ عن َّ
حقيقي فهو يعو ُد تقصري ثم َة يف قط ًعاْ ، احلديث الشَّ ِ ِ ِ
ٌّ ٌ يكن َّ وإن مل ْ وليس إىل َ األصول) إىل
وء ِ إىل س ِ
أنت!فهم َك َ ُ
� �� � � � � � �
411 ��� ���� �� �������� ��
�������
َ
األصول ال َع َش َة فضِ ،
عليه أن ُيفنِّدَ والر ِ ِ ِ
يسرتس ُل يف ُ
وحاصل الكالمَِّ :
اإلنكار َّ إن من
ِ
األصول كنت منص ًفا ح ًّقا فتأم ْل جيدً ا يف ِ
هذه املذكور َة وإلَّ فال
َّ َ ِّ اإلنكار ،فإن َ ُ َ يستطيع
ُ
نبوي يرا ُه عق ُل ُك خمال ًفا للحقي َق ِة ،بل ْقل:
ٍّ
ٍ
حديث ِ
إلنكار َنهضعد ِها ال ت ْ العرش ِة ،ومن ب ِ
َ َ َ
َ
االعتراض! تعبيرَ ،و َد ِع ٌ
تأويل ،أو ٌ تفسير ل ُه ،أو
ٌ ر َّبما َ
هناك
تأويل أوٍ حتتاج إىل
ُ
ٍ
متشابهات الكريم ٍ
آيات ِ ِ
القرآن أن يف الـحادي عشرَ :كام َّ َ لالأص ُ
َفسري وت ٍ حتتاج أحيانًا إىل ت ٍ احلديث الشَّ ِ ِ
َعبري شكالت ُ ٌ يف ُم كذلك يف َ املطلق،
َ َّسليم
ب الت َ تَط ُل ُ
املذكور ِة.
َ
ِ
باألمثلة ني ،ويمكن َُك االكتفا ُء دقي َق ِ
ِ نعم ،إن ال َي ِق َظ
يسمع َمن حوله من ُ َّائم الذي يستطيع أن ُيع ِّب َـر عن رؤيا النَّائ ِم ،بينام الن ُ ُ
يالئم ُه يف النَّو ِم ،فيا أ ُّيـها منامه ،ف ُيع ِّب ُـر عن ُه بام بشكل ما يف ِ ٍ يـن قد ُيط ِّب ُق كال َمهم ِ ِ
ُ ال َيقظ َ
اهلل تعاىل يف ح ِّق ِه: يقول ُ إن الذي ُ ِ
اإلنصاف! َّ عديم
َ املاد َّي ِة ،ويا فلة وال َفلس َف ِة ِ المنوم بال َغ ِ
ُ َّ ُ
()1
عيناي وال ينا ُم قلبي» َ نفس ِه «تنا ُم يقول عن ِ ﴿ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ (النجم )17:والذي ُ
والتمس َ
رؤياك، تعبريا ل ُه يف وجدْهو ،بل َع ِّبر عن ُه ِ ِ هو ال َي ُ
ْ ً ْ احلقيقي ،فال تُنك ْر ما يرا ُه َ ُّ قظان
عليه وكأ َّن ُه قد ُج ِر َح ذلك تَظهر ِ آثار َ نائمَّ ، بعوض ٌة
ُ فإن َ شخصا ً ً َ لسعت
ْ تفسريا ،إذ لو ً ل ُه
دام َي ٍة واملدافِ ُع حرب ِ ٍ كنت يف فسيقول :نعم ُ ُ صحو ِه، ِ ُفس عن ُه بعدَ ِ
احلرب ،وإذا ما است َ ِ يف
َظر ِ يأخذون اضطرا َب ُه هذا َم َ َ الذين حو َله اليق ُظ َ مصوب ٌة نحوي! بينام ِ
أخذ االستهزاء ،فن ُ َ ون ُ َّ َ
للحقائق النبويةِ. ِ ِ ِ ِ
كر ال َفلسفة املاد َّية ال ِ ِ ِ
َّ يمكن أن يكونَا قط ًعا م َحكًا ُ الم ِّنو َمة وف ُ ال َغفلة ُ
ُور األُلوه َّي ِة َّاني عشرََ َّ : ل الث َ الأص ُ
احلقائق يف ن ِ
َ ِ
واإليامن يرى إن نظر النُّبو ِة والت ِ
َّوحيد َّ
َّجريبي وال َفلس َف ُة احلدي َث ُة فإ َّن ُه يرى لم الت ِ ِ ِ ِ ِ
ُّ توج ٌه إليها ،أ َّما الع ُ
واآلخرة ووحدَ ة الكون ،أل َّن ُه ُم ِّ
َثرة وال َّطبي َع ِة ،أل َّن ُه ُم َتو ِّج ٌه إليها ،فاملسا َف ُة إذن َ
بني األسباب املادي ِة والك ِ
َّ ِ ِ
زاوية األمور من
َ
وصغري ٌة ال تكا ُد
َ أهل ال َفلس َف ِة تافِه ٌة
جليلة لدى ِ ٍ ٍ
عظيمة َّظر بعيد ٌة ِجدًّ ا؛ فرب ٍ
غاية ُ َّ زاو َيتَي الن ِ
أهل ِ مقاص ِد ع ِ
َّجريبي
ِّ الع ِل ِم الت وعلم الكال ِم ،وهلذا فقد تقدَّ َم ُ ِ ين ِ
أصول الدِّ ِ لامء ِ ُ بني
ت َُرى َ
ِ ِ ِ ِ ِ كثريا يف معر َف ِة
كثريا خواص املوجودات وتفاصيلها وأوصافها الدَّ قيقة ،يف حني تخ َّل ُفوا ً ِّ ً
( )1انظر :البخاري ،الرتاويح ،1املناقب ،24التهجد 16؛ مسلم ،املسافرين .125
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 412
السام َي ُة جمال ِ
املؤمنني وأق ِّلهم علم يف ِ ِ
العلوم اإلهل َّي ُة َّ
ُ وهو
احلقيقي َ
ِّ الع ِ
لم ْ ً َ أبسط حتَّى عن
واملعارف األخرو َّي ُة.
ُ
بيعة ِ
علامء ال َّط ِ متأخ َ
رون عن أن ُعلام َء اإلسال ِم ِّ ُّون َّ
الس َّرَ ،يظن َ َ
يدركون هذا ِّ فالذين ال
َ
ِّرون إلَّ بام َي َ
رون، عيونم وأصبحوا ال ُيفك َ من انحدر ْت عقو ُلهم إىل ِ أن ِ ُ
واحلال َّ والفالس َف ِة،
َ
الم ِ لحقوا َبور َث ِة
الجر َأ ُة ل َي ُ ِ وغر ُقوا يف الك ِ
ِ
الس ُ
عليهم َّ
ُ األنبياء هلم ُ َثرة من املخلوقات ،أنَّى ُ َ
ِ
الرفيع َة العال َي َة.
السامي َة وغاياتا َّ الذين ب َل ُغوا املقاصدَ اإلهل َّي َة َّ
َني ،وقدَني ُمتباينَت ِ
هور حقي َقت ِ
َني ،فال ُبدَّ من ُظ ِ َني خمتلفت ِ َت من زاو َيت ِ الرؤي َة إن كان ْإن ُّثم َّ َّ
القرآنيةِ ِ ِ ِ
ُّصوص ُ َّ حقائق الن تتعارض حقي َق ٌة علم َّي ٌة قاط َع ٌة َ
مع ُ وحتم ال
ً َاها حقيق ًة،تكون كلت ُ ُ
الق ِ
رآن ِ
حقائق ُ رف من أهداب َط ٍ
ِ َّجريبي قارص ٌة عن بلو ِغ ِ
للعلم الت إذ اليدُ القصري ُة املقدَّ س ِةِ ،
ِّ َ
قط عىل هذا: ثال واحدً ا َف ْ ِ
ُور ُد م ًنـز َهة ،وسن ِِ الم َّ ِ
الرفي َعة ُ َّ
ِ ِ أهل ِ ُرة األرض َّي ِة يف ن ِ حقيقة الك ِ
حل ِ
جم الس َّيارات ذات ا َ هيَّ :أنا إِحدى َّلم َالع ِ َظر ِ ُ
ب والنُّجو ِم التي ال تُعدُّ ِ
بالكواك ِ قياسا وهي ِجر ٌم الش ِ حول ََّدور َ ِ
صغري ً
ٌ مسَ ، املتوسط ،ت ُ ِّ
أهل ُ ِ
القرآن ،فحقي َقتُها َ
هي كام َو َّض َحتْها بنظر ِوال ُت َص ،أ َّما إذا نَظرنَا إىل الك َُر ِة األرض َّي ِة ِ
«الكلمة اخلامس َة عرشةَ»:
ُ
ادر ِ
معجزات ال َق ِ جامعة من ٌ عجز ٌة
ـم ،و ُم َ ثمرة للعا َل ِ ٍ ألطفُ اإلنسان الذي هو َ إنَّ
األرض َ أعجزها وأضع ُفهاَّ ..
فإن ُ وأعزها وأل َط ُفها ،مع أ َّن ُه ُّ ِ
املخلوقات وأبدع ِ
احلكيم،
ُ
عظيم ٌة وجلي َل ٌة ِ
اموات الس ِ مع ِص َغ ِرها ِ
َ قياسا إىل َّ وحقارتا ً َ مسكن اإلنسان ومهد ُه َ ُ التي هي
ومركز ُه ِ
الكون قلب ِ
باملنظور ُ من ُ
َ رآينَ : الق ِّ أصبح ْت
َ حيث املعنى واملغزى واإلبداعِ؛ حتى
الـحسنى ِ وموضع ِّ املعجز ِة.. ِ عرض مجي ِع ُ
جتل األسامء ُ َ َ املصنوعات حيث املعنى ..و َم َ من
الر َّبان َّي ِة املطل َق ِة ومرآ ُتِها..
ومحشر األفعالِ َّ ُ ِ
األنوار.. اجلام َع ُة َ
لتلك ك ِّلها ،حتَّى لكأنا البؤر ُة ِ
َّ ُ َ
إلبراز اخلـلَّ قي ِة اإلهلية املطل َق َة ،والسيام إيجادها الكثر َة اهلائل َة من الن ِ
َّباتات َ ُ َّ َّ ِ َ َّ ٌ
واسعة ٌ
وسوق
ِ
اآلخرة الواس ِع ملصنوعات عا َل ِ
ـم ِ َموذج ُمص َّغ ٌر جود وكَر ٍم ..ون ٍ َات الدَّ قي َق ِة ِّ
بكل واحليوان ِ
ٌ
ِ
لنامذج وض ٌع َع ٍ
رض منسوجات خالدَ ٍة ..وم ِ ٍ ِ
إلنتاج برسع ٍة ُقصوى صنع ُ
يعمل ال َف ِ
َ َ سيح ..و َم ٌ
� �� � � � � � �
413 ��� ���� �� �������� ��
�������
ٍ
ذيرات تُر َّبى ِ
الستنبات ُب برسعة فائ َق ٍة ..ومزرع ٌة ض ِّي َق ٌة ُمؤ َّق ٌتةس
ٍ املناظر السَّ مد َّي ِة املت َبدِّ ِلة
ِ
للبساتني اخلالدَ ِة الر ِ
ائعة. ِ ٍ
برسعة
َّ
حيث عظمتُها معنًى ُ ِ
اموات ،من للس َ ِ الق ُ هلذا ُك ِّل ِه َي ُ
عل ُ
األرض ص ًنوا َّ َريم
رآن الك ُ
ٍ
ضخم، ٍ
جلسد صغري قلب ٍ ٍ وأهميتُها َصنع ًة؛
ٌ وكأنا ٌ َّ ضخمة، لشجرة وكأنا ثمر ٌة صغري ٌةَّ
ِ ٍ ِ ٍ ِ
ماوات ك ُّلها يف ك َّفةُ ،ف ِّ
تكر ُر ُ فهي يف ك َّفة َّ
والس بالسامواتَ ،َريم َمقرو َن ًة َّ
رآن الك ُ الق ُفيذك ُُرها ُ
الكريمة ﴿ :ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ .
ُ ُ
اآلية
الحقائق الم ِّي َت َة المنكف َئ َة للفلس َف ِة،
َ أن
وافهمَّ :
ْ
ِ
املنوال، ِ
املسائل عىل هذا سائر
فقس َ وهكذا ْ
رآن الحي ِة والمنو ِ
االختالف
َ أنفكلتاهما حقيق ٌةَّ ،إل َّ
ُ رة، َّ حقائق ال ُق ِ َِّ مع
أن تتصا َد َم َ ال يمكنُها ْ
الحقائق متباينَ ًة.
ُ فتظهر
ُ هو في زاو َي ِة الن ِ
َّظر، َ
ابع
الر ُ
ُصن َّ
الغ ُ
﴿ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ (احلج.)18:
وذلكَّ :
أن َ ِ
الكريمة، هلذه ِ
اآلية الواسعة ِ
ِ ِ
اخلزينة ال ُعظمى سنبني جوهر ًة واحد ًة فقط من ُ
ِ ِ ِ ِ كل ٍ
ومن
السمكَ ، الم َلك إىل َّ
ومن َ
الفرشَ ، العرش إىل يشء من بأن َّ
صر ُح َّ احلكيم ُي ِّ
َ َ
القرآن
كل منها َيسجدُ هلل ،ويع ُبدُ ه ،ويحمدُ ه راتٌّ ..الذ ِ ِ
يارات إىل َّ الس ِ ِ
املجرات إىل احلرشات ،ومن َّ َّ
ياتَيلها لتج ِّل ِ
قابلياتا ،ومدى ن ِ
ِ ب متنوع ٌةٌّ ، ٌ ٌ أن عباداتِهاويقدِّ ُسه ،إلَّ َّ
حس َكل َ متباينة ِّ خمتلفة
ِ
األسامء احلسنى.
ٍ
بمثال: ِ
املخلوقات وتباينَها ِ
عبادات َنو َع
نب ِّي ُن هنا ت ُّ
ملكًا عظيم وسلطانًا ذا ٍ
إن ِ فمثل -وهلل ُ
يستخدم أربع َة أنوا ٍع َ
من ُ شأن، ً املثل األعىلَّ - ً
ٍ
مدينة. ِ
العمَّ ِل يف بناء ٍ
قرص أو
ينالون ذو ًقا يف ُمنتهى
َ َّب هلم وال أجرةَ ،بل الأولُ :عبيدُ ه ،هذا الن ُ
َّوع ال ُمرت َ َّ النَّوع ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 414
ذلك ُ
اجلليل َ الفاطر يستخدم ِ ()1
الورود واألزهار، ِ ِ
بعاشق املعروف
ُ ُ
البلبل ً
فمثل:
ُ ُ
س َغ ٍ
ايات: غري ويستعم ُل ُه يف َخ ِ َ
الص َ احليوان َّ
ِ بإعالن ِشدَّ ِة الع ِ
ِ حليوان َّي ِة، ِ ُأوالها :أ َّن ُه
طوائف القة جتا َه َ باسم ال َقبائ ِل ا َ
ِ مأمور و ُمك َّل ٌ
ف، ٌ
الن ِ
َّباتات.
الرز ِاق
بل َّ المرس َل ِة من ِق ِ والت ِ
حيب باهلدايا ُ رح والسُّ ِ
ورَّ ، ِ
بإعالن ال َف ِ فثان َيتُها :أ َّن ُه مو َّظ ٌ
الر ِ
محن، ِ ِ َ بتغريد ِه
ِ ُ ُ الك ِ
أرزاق احليوانات ،ضيوف َّ يستقبل انـي
خطيب ر َّب ٌّ
ٌ حيث إ َّن ُه َريم،
زق.يـن إىل الر ِ ِ
املحتاج َ
ِّ
يغرد تغريدا شاعريا فإن بحثنا هذا قد انساب فيه يشء من روح الشاعريةّ ،
إل أنه ليس ( )1ملا كان البلبل ّ
بخيال بل حقيقة( ،املؤلف)
� �� � � � � � �
417 ��� ���� �� �������� ��
�������
إرسال الن ِ
َّباتات ِ تعبريا عن ِ ِ ِ إظهار ُح ِ ثال َثتُها:
رؤوس النَّباتات مجي ًعاً ، االستقبال عىل سن ُ
نسه من ال َّط ِري واحل ِ
يوان. إمدادا لبني ِج ِ
َ ً
ِ
الوجوه ِ
العشق جتا َه احليوانات إىل الن ِ
َّباتات التي تب ُلغ حدَّ ِ ِ
حاجة بيان شدَّ ِة
ُ رابعتُها:
ِ
األشهاد. ِ
رؤوس وإعالنا عىل املليح ِة للن ِ
َّباتات
ُ َ
اجلالل واإلكرا ِم يفِ امللك ذيمالك ِ ِ ديوان ِ
رمحة ِ ٍ
تسبيح إىل ِ
ألطف تقديم ِ
خامستُها:
ُ
وجه ،وهو الور ُد. ألطف ٍ ِ وو ْج ٍد ،ويف ألطف ٍ ِ
شوق َ
الغايات ،هي
ُ ِ
وهذه مسِ ،
فهذه املعاين ِ
الغايات اخلَ ِ شبيهة ِ
هبذه ٌ ٍ
معان ُأخرى وهكذا َ
هناك
ونحن
ُ غر ُد بلغتِه احلق سبحانه وتعاىل ،فال ُب ُ
لبل ُي ِّ ألجل ِّ ِ يقوم به لبل الذي ُ عمل ال ُب ِ
الغاية من ِ ُ
وإن عد َم ِ
فهم وحانياتَّ ، والر ُ ِ ِِ ِ
ُ املالئكة ُّ أيضا فهم َها ً نفهم هذه املعاين من نغامته احلزينَة ،مثلام َي ُ ُ
والم ُثل: ِ ِ ِِ ال ُب ِ
قدح فيهَ ، لذلك ،وال َي ُ نحن َ حائل أما َم فهمنا ُ ً ليس لبل ملعنى نغامته َمعرف ًة كامل ًةَ ،
ِ
َّفصيل ايات بالتهلذه ال َغ ِ لبل ِ إن عد َم معر َف ِة ال ُب ِ ثم َّ مستم ٍع أوعى من متك ِّل ٍم» ِ
مشهورَّ ،
ٌ «ر َّب
ُ
ُعر ُف َك أوقات َ ِ فهو يف ِّ ِ ال ُّ
تعلم شي ًئا
َك وهي ال ُ كالساعة التي ت ِّ األقل َّ يدل عىل عد ِم وجودهاَ ،
ضر بمعر َفتِ َك. َعملَ ،فجه ُلها ال َي ُّ مما ت ُ
ِ ِ
َبس ِم حيص ُل عليه من ُمشاهدَ ة ت ُّ وق الذي ُ الذ ُ
فهي َّ زئية َجل ُلبل و ُمكافأ ُت ُه ا ُ ذلك ال ُب َِّب َ َأ َّما ُمرت ُ
الحزين َة وأصواتِه ِِ
إن نَغماته َ حماور ِتا ،أي َّ َ
َّلذ ُذ الذي حيص ُل ِ
عليه من ُ جلمي َل ِة ،والت ُ ِ
األزهار ا َ
وحدٌ و َثنا ٌء ِتا َه ال َعطايا كر َ هي ُش ٌ
ٍ ٍ
ليس ْت َشكاوى نابع ًة من تأ ُّلامت حيوان َّية ،بل َ الرقيق َة َ
الرمحان َّي ِة. َّ
غرية،واحليوانات الص ِ ِ مل واهلَوا ِم نكبوت والنَّ ِ ِ حل وال َع بالبل النَّ ِ َ وق ْس عىل ال ُب ِ
لبل؛ ِ
َّ
كمرت ٍ
َّب خمصوص ٌةُ ، َ خاصَّ ،
ولذ ٌة ٌّ ذوق در َج فيها ٌ غايات كثري ٌة يف أعاملِـهاُ ،أ ِ ٌ فلكل منها ٍّ
أن ِ
لعام ٍل وق ،فكام َّ الذ ِ بذلك َّ نعة ر َّبان َّي ٍةغايات جلي َل ٍة لص ٍ ٍ فهي َت ِد ُم ٍ ٍ
َ َ وكمكا َف َئة ُجزئ َّيةَ ،
ِ
دمات ِ كذلك ِ َ ِ ِ ٍ
ختدم اخلَ
ُ احليوانات التي هلذه زئي،جل َالسلطان ُمر َّت َب ُه ا ُ بسيط يف سفينَة ُّ
اجلزئي.
ُّ السبحان َّي ِة مر َّت ُبها ُّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 418
لبل ِ
لبحث ال ُب ِ َتم ٌة
ت َّ
ِ اإلعالن والدَّ ال َل ِة والتَّغني هبزج ِ
ِ الربان َّي َة يف ال تحسبن َّ ِ
َّسبيحات ات الت َ أن هذه الوظيف َة َّ َّ
ِ ِ ِ لكل نو ٍع من ِ إن ِّ ِ
بالعندليب ،ل ُه أكثر أنوا ِع املخلوقات صن ًفا ً
شبيها بالعندليب ،بل َّ خاص ٌّ
َّسبيحات بألطفِ ِ ِ
ذلك النَّو ِع ويتغنَّى بأل َطف الت ِ
ألطف مشاع ِر َ َ لطيف أو أفرا ٌد يم ِّث َ
لون ٌ فر ٌد
ِ السج ِ
حلرشات ،فبالبِ ُلها كثري ُةٌ ،وعناد ُلها ِّ
متنوع ٌة جدًّ ا ،تُمت ُِّع أنواع اهلوا ِم وا َ ُ عات ،وال س َّيام َ
ِ
َنثر عىل رؤوسهم ِ ٍ
أصغر حيوان إىل ِ ِ آذان صاغ َي ٌة جميع َمن ل ُه ٌ
أكربه ،وت ُ إليهم بد ًءا من ْ َ
بأمجل ِ
نغامتا. ِ ِ
تسبيحاتا
ِ
الليل املؤنس يف ذلك والقاص املحبوب األنيس ُ
يكون ِ
البالبل لييلٌّ ، فقسم من ِ
هذه
َ َّ َ َ ٌ
ِ ِ ِ ِ ِ الس ِ
كل دت إىل اهلدوء ،حتّى َّ
كأن ً الصغرية التي خ َل ْ اكن واملوجودات الصامتة ،للحيوانات َّ َّ
انسحب أفرا ُده إىل َ املجلس الذي ِ ذلكوسط َ َ كر َخ ِف ٍي، حلقة ِذ ٍِ طب يف البالبل ُق ٌ ِ من َ
تلك
اجلالل بنو ٍع من التسبيح والتَّهليل. ِ بقلوبم فاطرهم ذا ِ َ
ذكرون كون ،ف َياهلدوء والس ِ ِ
ُّ
الر ِ وض ِح الن ِ هذه البالبِ ِل وقسم آخر من ِ
حيم عىل الر ِ
محن َّ َّهار رحم َة َّ علن يف َ هناريُ ،ي ُ ٌّ ٌ ُ
والربيعِ، ِ ِ األشهاد ،ويتغنَّى ِبا ،وال س َّيام يف ِ ِ ِ منابِ ِر
الصيف َّ موسم َّ رؤوس األشجار وعىل
ِ ِِ ِ قيقة َ ِ وينثر بتغريداتِ ِه الر ِ
كل وق ،لدى ِّ والش َ
َّ الو ْجدَ سج َعة َ الم َّ وشدْ ِوه ال َّلطيف وتسبيحاته ُ َّ َ ُ
اص ِة؛ بمعنى اص ،وبنغامته اخلَ َّ
ِِ ِِ
اجلليل بلسانه اخلَ ِّ ِ اطر ِه
بذكر َف ِ امع ِ الس ُ يرشع ََّ سام ٍع ل ُه ،حتّى
خاص هبم ،بل حلقة ٍ
ذكر ِ رئيس ِ ِ
املوجودات بل ُب َل ُه لكل نو ٍع من أنوا ِع أن ِّ َّ
ٍّ فهو ُ اخلاص بهَ ، َّ
بأضوائ ِه.
ِ بأنواره ويرتن َُّم ِ اخلاص هباَ ،يشدو امء بلب ُلها حتى لنجو ِم الس ِ
ُّ َّ
وأعظمها وأكر َمها ،وأعالها وأبهرها وأنورها ِ
البالبل ُط ًّرا وأشر َفها أفضل ِ
هذه َ ولكن
َ َ َ َّ
وأكملها ماه َّي ًة وأحسنَها صورةً ،هو الذي شكرا ِ
َ وأعمها ًَّ كراوأتمها ذ ً صوتًا وأجالها نعتًا َّ
ِ
العظيم، ِ
الكون ِ
بستان هذا ِ
اموات ال ُعىل ،يف والس ِ والش َ
واجلذب َّ
األرض َّ وق يف َ يثري الوجدَ
ُ
العظيم لنو ِع العندليب ِ ِ ِ ِ
وتضرعاته ال َّلذيذة ،وتسبيحاته ال ُعلو َّية ..وهو ِ ِ ِ ِ
بس َجعاته ال َّلطيفة
ُ ُ ُّ َ
� �� � � � � � �
419 ��� ���� �� �������� ��
�������
آله وأمثالِ ِه،
عليه وعىل ِ
األمنيِ ،
ُ ِ
القرآن لبني آد َم ،حممدٌ بلبل ِ
البرش ،يف بستان الكائناتُ ،
ِ
َّسليامت. ُ
وأجمل الت ِ
الصلوات ُ
أفضل
امتثال ً األوامر التَّكوين َّي َة َ َون َتتثِ ُل قصـر الك ِ ِ احليوانات اخلادم َة يف ِ سبقَّ :
إن الص ُة ما َ ُخ َ
باسم اهلل ،فتسبيحاتُها وعباداتُها ِ صورتا ِ بأجملِ غايات ٍ فطرتا من ِ ُظه ُر ما يف تا ًّما ،وت ِ
العمل ،هي هداياها ِ الجهد يف وببذل ُ ِ بقو ِة اهلل سبحانه، راز َّ ط ٍ حياتا بأبد ِع ِ بوظائف ِ ِ بقيامها ِ
احلياة. ِ ب واه ِ اجلليل ِ ِ ِ
الفاطر وحتياتا التي تُقدِّ ُمها إىل ُ
اخلامس
ُ ال ُغ ُ
صن
ٍ
ثمرات: مس لهذا الغ ِ
ُصن َخ ُ
حيم -مسكنًا جام ًعا جلمي ِع رغباتِ ِك املاد َّي ِة، الر ِ ِ
الرمحن َّ
ِ
-باسمه وإن حمبو ًبا أزل ًّيا أعدَّ َّ
ِ ِِ َ ِ ور ِ
الع ِ حل ِ
رغبات حلسنى آال َء ُه العميم َة إلشبا ِع وهيأ بسائ ِر أسامئه ا ُ ني، الجن َُّة املز َّين َُة با ُ
وهو َ َ
حلسنى ِِ كل ٍ لطائف ِك ،بل ل ُه سبحانه يف ِّ ِ وعقل ِك وبق َّي ِة ِ وس ِّر ِك
روح ِك وقلبِ ِك ِ ِ
اسم من أسامئه ا ُ
ِ
املحبوب ِ
محبة َ
ذلك ذر ًة من شك َّاإلحسان واإلكرا ِم ،فال َِّ خزائن معنو َّي ٌة ال تَن َفدُ من
أن َّ ُ
َجل بديل عن ت ٍّ الكائنات بر ّمتِها ً
ُ َ
تكون يمكن أن
ُ
ِ
الكائنات ك ِّلها ،وال بديل عن األزيل تكفي ً ِّ
ِ ِ
زئي من جتليات حم َّبته سبحا َن ُه. ُج ٍّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 424
( )1البخاري ،األذان ،148العمل يف الصالة ،4االستئذان 28 ،3؛ مسلم ،الصالة .62 ،60 ،55
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 426
ثيعلم ما َيـدُ ُ وحيث َّ
ُ ِ
األرض ك ِّلها؛ ِ أسامئ َك احلسنى يف ِ
إن اهلل سبحا َن ُه وتعاىل ُ أرجاء
ِ ِ ث ،فإ َّن ُه ُ
كأنا حد َث ْت ،ومن ُهنا ت ُ
َعلم كأنا عـباد ٌة فعل َّي ٌة ،أي َّالصاد َق َة َّ يقبل النِّ َّي َة َّ وكيف َيدُ ُ َ
غري هنائ َّي ٍة يف ِ
مثل: ٍ
بأعداد ِ كم َة الت ِ
َّسبيح َ ِ
كذلك ح َ وتفه ُم ِِ
خري من عملهَ ، ِ
املؤمن ٌ أن ن َّي َة
كيف َّ َ
حكومدا َد كلامتِ َك»( )1ونس ِّب َعرش َك ِ
وز َن َة ِنفس َك ِ خلق َك ورضاء ِ
َ
وبحمد َك عدد ِ
َ
ِ َ
«سبحانك
وأوليائ َك ومالئكَتِ َك.
ِ تسبيحات ِ
أنبيائ َك ِ بجمي ِع
( )1انظر :مسلم ،الذكر 79؛ الرتمذي ،الدعوات 103؛ أمحد بن حنبل ،املسند .258/1
� �� � � � � � �
427 ��� ���� �� �������� ��
�������
توج ًها إهل ًّيا ،وهذا ِ
اجلليل سبحانه ،أي يعطي ُّ بالشار ِع
ِّرك ََّّصور ُيذك َتصو ًرا روح ًّيا ،وهذا الت ُ
ُّ
لب.السكينَ َة وال ُّطمأنينَ َة يف ال َق ِ
ُب َّ
هو الذي َيسك ُ
للحياة األبد َّي ِة،
ِ مدارا
القصري ً
َ اين السن َِّة الشَّ ي َف ِة ُ
جيعل ال ُع ُم َر ال َف َ فق ُّ
ِ
األعامل َو َ إنجاز
َ أي َّ
إن
فأنصتِي ج ِّيدً ا إىل قولِ ِه تعاىل ﴿ :ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ٍ
خالدة ،لذا َ وذا ٍ
ثامر
أن تكوني ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ (األعراف )158:واس َعي ْ
المنتشر ِة في
َ
ِ
األسماء الحسنى لكل اس ٍم من تج ِّل ِ
يات تجل ِّ لفيض ٍّ ِ ً
شامل مظهرا جام ًعا
ً
ِ
الشري َفة َّ ِ
السنَّة َّ
والشرعِ. أحكا ِم ُّ
الرابع ُة
ال َّثمر ُة َّ
ِ فاهة َ أهل الس ِ
نخدع ًة
َ خاص ًةُ ،م
الكفر َّ وأهل أهل الدّ نيا ،وال س َّيام َ َّ
َّفس! ال تُق ِّلدي َ
أ ّيتها الن ُ
َّك بالت ِ
املرشوع ِة ،ألن ِ اخلادع ِة ِ ِ ِ ِ ِ
تكونني
َ َّقليد ال َ غيـر َ هم
الصور َّية ،ولذائذ ُهم ال َّظاهر َّية ُّ
بزينت ُ
العقل الذي يف َ أيضا؛ َّ
ألن لن تكوين حتّى حيوانًا ً كثريا جدًّ ا ،بل ْ مث َل ُه ْم قط ًعا ،بل تتر َّدين ً
قرص َف ٌ
خم ثم َة ٌ إن َ
كان َّ رأس ِك ،إ ْذ ْ ُنـز ُل بم َط ِار ِقها عىل ِ
صبح آل ًة مشؤوم ًة مزعج ًة ت ِ رأسك ُي ُ
ِ ِ
عة يف وز ٍ ِ ِ فيه ِم
ِ
فأصغر ُم َّ َ أصغر
َ مصابيح
َ الكهرباء إىل عظيم تش َّع َب ْت منه قو ُة
ٌ كهربائ ٌّي صباح
ٌ
الكبري،
َ الكهربائي
َّ المصباح
َ هم ئيس؛ فلو َ
أطفأ أحدُ ُ الر ِ ِ
باملصباح َّ صغيرة مرتب َط ٍة ُك ِّلهاٍ َ
منازل
كل آخر يف ِّ قرص ُ هناك ٌ َ حشة عليها ،بينامالو ُ المنازل األُخرى ك َّلها وتستويل َ َ فسيعم ال َّظ ُ
الم ُّ
فإن َ الكبريْ ، ِ ٍ ٍ
صاحب
ُ أطفأ ِ
باملصباح غري مربوطة مصابيح كهربائ َّي ٌة صغري ٌة ُ ُ ثم َة منزل من ُهَّ ،
منازل ُأخرى َ ِ
إضاءة تعمل عىلمصابيح صغري ًة ُ الكبري َّ
فإن الكهربائي المصباح رصهذا ال َق ِ
َ َ َّ َ
يشء من ُه.بحيث يمك ُنه أن يؤدي هبا عم َله ،فال يستطيع ال ُّلصوص نَهب ٍ ُ ذلك ال َق ِ
رص، من َ
َ ُ ُ ُ ُ ُ ِّ
قلب سول ﷺ يف ِ الر ُ الكبري ،هو س ِّيدُ نا َّ
ُ واملصباح
ُ املسلم،
ُ األو ُل ،هو
القرص َّ ُ نفيس!
َ فيا
نبيبأي ٍّ يؤمن بعدُ ِّ
ُ اإليامن ِبه من قلبِ ِه -والعيا ُذ باهلل -فال َ وأخرج
َ املسلم ،فإن ن َِس َيه
ِ َ
ذلك
در َج يف ماه َّيتِ ِه
ويكون ما ُأ ِ
ُ َ
اجلليل روح ِه ،بل ينسى ر َّبه
للكامالت يف ِ
ِ موضع
ٌ آخر ،بل ال يبقى َ
الو ُ ِ ِ عم ًة لل َّظال ِم ،و َيحدُ ُ َ
حشة؛ رهيب وتستويل عليه َ ٌ دمار
ث يف قلبه ٌ ولطائف ُط َ َ منازل من
يعم َر أن ِّ يستطيع ْ
َ َّفع الذي َيكس ُب ُه حتّى الر ِ
هيب ،وما الن ُ عو ُض عن هذا الدَّ ِ
مار َّ تُرى ما الذي ُي ِّ
حش َة؟!
والو َ
مار َ َ
ذلك الدَّ َ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 428
حممد ﷺ من ِ بحيث لو أخرجوا نور ٍ
ُ رص ال َّثاين،
قلوبم، َ شبهون ال َق َ
َ فإنم ُي
األجانب َّ
ُ أ َّما
ِ
العقيدة تظل! إذ يمكن أن يبقى لدهيِم يش ٌء من
ُّون َّأنا ُّ تظل لدهيِم أنوار بالن ِ
ِّسبة هلم ،أو يظن َ ُّ
ٌ
كمال أخالق َّي ِاتم.
ِ حور ِ واإليامن بموسى وعيسى ِ ِ
الم ،والذي هو م ُ
الس ُ عليهام َّ باهلل
كررنا َ قلت :أنا ال أريدُ ْوء! إذا ِ فيا نفسي األمار َة بالس ِ
أكون أجنب ًّيا بل حيوانًا! فلقد َّ أن ُّ َ
ُ
العقل عقل ،فهذا
متلكيـن ً ِ ِ
القول يا نفيس :إنَّك لن تكوين حتّى كاحليوان ،ألنَّك َ ِ
عليك
َ
برأس ِك فعات مؤمل ًة ِ
ضربات موجع ًة وص ٍ
ُ َ َ
ٍ نـزل ِ
املستقبلُ -ي ُ ِ
وخماوف ِ
-اجلام ُع آلال ِم املايض
غري مشو َب ٍةبلذ ٍة ِ
احليوان يستمتِ ُع َّ
ُ لذ ٍة واحدَ ٍة ،بينام
ألوف اآلال ِم يف ثنايا َّ
َ فيذيق ِك
ُ وعينِ ِك،
َ
ِ عقل ِك ًت أن تكوين حيوانًا فتخ َّلي عن ِ إن أرد ِ
وتعريض أول وارميه بعيدً اَّ ، ْ باآلال ِم؛ لذا ْ ْ
الكريمة ﴿ :ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﴾ (األعراف.)179: ِ َّأديب يف ِ
اآلية لصف َع ِة الت ِ
َباه ْت بجاملِـها ون ْ
َظرت ُكو َن ال ُب َ
ذور ،ت َ َت عىل أن ت ِّ إدراك أوشك ْ ٍ أن ثمر ًة َق ِّي َم ًة َ
ذات لو َّ
شك نفسها يف أيدهيم أو غف َل ْت فسق َطت ،فال َّ األرواح وأل َق ْت َِ أسفل منها من ذوي َ إىل
المدرك َة إن تلك ال َّثمر َة ُ
ولكن َ
َّ ثمرة اعتياد َّي ٍة،
أنا تتفت َُّت وتتالشى يف أيدهيِم ،وتضيع كأي ِة ٍ
ُ َّ َّ
ِ
وإظهار ِ
جرة ِ
ستكون وساط ًة لبقاء َّ ُ ِ ِ
َوجدَ ْت نُقط َة استنادها وتَم َّكن َْت من الت
الش َ َّفكيـر يف َّأنا
لتلك فإن البذر َة الواحد َة َللش َج َر ِةَّ ، الوحدَ ِة َّ ِ ِ
حقيقتها ودوامها ،بام ُت ِّب ُئ يف نفسها من جهة َ
ِ ِ
باق ٍ
دائم.. من ُعم ٍر ٍ ِ مرة الواحدَ ِة ُ
تنال حقيق ًة ُك ِّل َّي ًة دائم ًة ض َ ُ
ال َّث ِ
تنبيه
ِ
أواخر ُب َخ ْم َس ُش َع ٍل ،ولكن يف ِ ِ ِ
لقد َع َزمنا يف بداية هذه الكلمة عىل أن نكت َ
بشهرين( -)1اض ُط ِررنا إىل اإلرسا ِع
ِ ِ
اجلديدة ِ
احلروف علة األوىل َ
-قبل وض ِع الش ُِّ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
عرشين
َ بعض األيا ِم- ُب -يف يف الكتابة ل َطبعها باحلروف القديمة ،حتى كنا نَكت ُ
ِ
بثالث ُش َع ٍل ٍ
ساعات ،لذا اكتفينا ِ
ثالث َني أو ِ
غضون ساعت ِ ثالثني صحيف ًة يف
َ أو
اآلن ُشعلت ِ
َني. تصةً ،وتركنا َ جمل ًة ُم َ
ف َكتَبناها ُم َ
ِ
واملساحمة إىل ما كان منّي من ِ
اإلنصاف فآ ُم ُل من إخواين الكرام أن َين ُظروا ب َع ِ
ني
ٍ
وإشكاالت وأخطاء. ونقائص ٍ
تقصريات
َ
ِ ِ ِ ٍ ٍ نفسه َ ِ ف ِ اجلملة هي زياد ُة املؤ ِّل ِ
استعامل لدي ،وهي ُتدِّ ُد زمن تأليف هذه الرسالة ،إذ كان َق ُ
رار بخ ِّطه يف نسخة خمطوطة ّ ُ ( )1هذه
ِ ِ ِ
استعامل احلروف العربية يف .1928/11/23 ظر وح ) ِ
(اجلديدة اللتِينِي ِ
ة َّ ِ
احلروف
َ ُ ّ
� �� � � ��� � � � �
431 ��� ���� �� �������� ��
�������
«المعجزات القرآن ّي ُة» إ ّما أهنا َأص َب َحت
ُ ِ
الرسالة ِ
الواردة يف هذه ِ
اآليات آية من ِ
أكثر كل ٍ
إن َّ َّ
ِ
شياط ِ ِ اعتراض ِ امللح ِدين ،أو أصا َبها
انتقاد ِِ م ِ
ني شبهات
ُ مستها أهل ال ُعلو ِم احلديثة ،أو َّ ُ وض َع َ
ِ
واإلنس وأوها ُمهم. اجلن
ِّ
نت حقائ َقها ونِكاتِها ِ
اآليات وب َّي ْ اخلامسة والعرشون» تلكُ ُ
«الكلمة لت هذه َناو ْ
ولقد ت َ
ِ ٍ ِ ِ فضل و ٍ
ومدار ضعف نقاط اإلحلاد والعلو ِم من إن ما ظنَّه ُ
أهل بحيث ّ
ُ جه، الدقيق َة عىل َأ ِ َ
ِ
بالغة القرآن. ِ
كمال ومنابع ٍ
إعجاز لمعات
ُ بقواعدها العلم ّي ِة أنه
ِ ُ
الرسالة نقصَ ،أثبت ِ
َت ٍ
ُ
بهة ِ الش ِ قاطعة من دون ِذ ِ
ٍ ٍ
نفسها وذلك لئال كر ُّ بأجوبة يب عنها بهات فقد ُأ ِج َالش ُ أ َّما ُّ
األذهان ،كام يف اآلية الكريمة ﴿ :ﯢ ﯣ( ﴾..يس ﴿ )38:ﭩ ﭪ﴾ ُ َتتَكدّ َر
حول ٍ
عدد من األو ِل من الكلمة العرشين َ إل ما ذكرناه من ُش ُب ِ (النبأّ ،)7:
هاتم يف املقام ّ
اآليات.
عة ّ
إل غاية الس ِ
شديد ويف ِ
ٍ ٍ
باختصار إن هذه الرسال َة «املعجزات القرآنية» وإن كُتِ َبت ثم ّ
ُّ
يـر ٍ ِ بأسلوب علمي ِ
رص ٍ ٍ ِ ِ
وعميق ُيث ُ ني ٍّ العربية بيانًا شافيا البالغة وعلو َم جانب
َ أهنا قد َب َّينَت
ِ
العلامء. إعجاب
َ
حقمهتم وال يستفيدُ منه َّ كل بحث من بحوثِها ال يست ِ
َوع ُبه ُّ ٍ كلأن َّ
الرغم من َّ
ٍّ َ ُ وعىل َّ
ِ ِ فإن ٍّ ِ
الوارفة. الرياض لكل ح َّظه َّ
املهم يف تلك الفائدةّ ،
ٍ
قصور يف والرسالة وإن ُأ ِّل َفت يف أوضا ٍع ُمض َط ِر ٍبة وكُتِ َبت عىل َع َج ٍل ،ومع ما فيها من
ُ
نظر ِ
الع ِ
لم. املهمة من ِو ِ
جهة ِ ِ ِ
املسائل حقائق ٍ
كثير من َ ِ
والتعبيـرّ ،
إل أهنا قد َب َّينَت ِ
اإلفادة
س سعيدٌ الن ِ
ُّور ّ
ْ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 432
﷽
﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ (اإلرساء)88:
ِ
احلكيم ِ
للقرآن ُحدُّ ٍ ِ لقد َأ َشنا إىل ِ
إعجاز ال ت َ وجوه وجها من
ً أربعني
َ نحو
ِ ِ
املعجزات واملعجز ُة الكربى للر ِ
رسائيل ِ
الكريم ﷺ ،وذلك يف سول َّ ا َّلذي هو ُ
منبع
ِ
اإلعجاز يف بـ«إشارات
ُ ِ
العربية ،ويف تفسريي املوسو ِم ِ
النور ِ
رسائل ِ
العربية ،ويف
الكلامت األرب ِع والعرشين الس ِ
ابقة. ِ ِ
اإلجياز» ويف ِّ
مظان
َ ّ
ِ
التفصيل، ٍ
بيشء من ِ
الوجوه ونُب ِّينُها ٍ
خمسة من َ
تلك نشري إىل ِ
ويف هذه الرسالة ُ
جمل ًة. ِ ون ِ
سائر الوجوه ُم َ
ُدر ُج فيها َ
الكريم وماه َّي ِته.
ِ ِ
القرآن ِ
تعريف نشري إىل ِ
ويف املقدمة ُ
� �� � � ��� � � � �
433 ��� ���� �� �������� ��
�������
املقدمة
ِّ
عبارة ٌ عن ثلاثة ِ أجزاءٍ
األول
اجلزء َّ
ُ
ُ
القرآن ما هو؟ وما تعر ُيفه؟
القرآن:
َ أن َ
رسائل أخرى َّ عش َة و ُأثبِ َت يف ِ
الكلمة التاسع َة ْ لقد ُو ِّض َح يف
ِ
الكبري.. ِ
الكائنات ِ
لكتاب الترجمة األزل ّي ُة
ُ هو
ِ
التكوينية.. ِ
لآليات ِ
التالية ِ
املتنوعة األبدي أللسنتِها َّرج ُ
مان
ُّ والت ُ
ِ
والشهادة.. ِ
الغيب ِ
كتاب عا َل ِم فس ُر
و ُم ِّ
ِ
الساموات ِ
صحائف ِ
املسترتة يف ِ
اإلهلية ِ
لألسامء ِ
املعنوية ِ
الكنوز ِ
ملخفيات اف وكذا هو ّ
كش ٌ
ِ
واألرض..
ِ
احلادثات.. ِ
سطور الشؤون الم ْضم ِ
رة يف ِ ِ
حلقائق مفتاح وكذا هو
ُ َ ٌ
ِ
الشهادة.. ِ
الغيب يف عامل لسان عا َل ِم
ُ وكذا هو
ِ
الواردة ِ
الرمحانية ِ
األبدية ِ
وااللتفاتات ِ
السبحانية ِ
األزلية خزينة للمخا َط ِ
بات ٌ وكذا هو
ِ
الشهادة هذا.. ِ
حجاب عا َل ِم ِ
املستور ورا َء ِ
الغيب من عا َل ِم
وأساسه وهندستُه..
ُ املعنوي
ِّ شمس عا َل ِم اإلسال ِم
ُ وكذا هو
ِ قدس ٌة للعوالِ ِم
األخروية.. وكذا هو خريط ٌة ُم َّ
ِ
لذات اطع َّرج ُ ُ ُ
الس ُ
مان َّ القاطع والت ُ
ُ والبرهان الواضح
ُ والتفسير
ُ الشارح
ُ القول وكذا هو
وأسامئه وشؤونِه..
ِ اهلل وصفاتِه
ِ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 434
اإلنساين..
ِّ وكذا هو املربِّ هلذا العا َل ِم
اإلسالم.. ِ
لإلنسانية الكربى التي هي ِ
والضياء ِ
وكاملاء
ُ
ِ
البرش.. ُ
الحقيقية لنو ِع ُ
الحكمة وكذا هو
ِ
السعادة.. يسوق اإلنساني َة إىل
ُ وهو المرشدُ الم ِ
هدي الذي ُ
حكمة ،وكام أنه كتاب ٍ
دعاء ٍ كتاب ٍ
شريعة ،كذلك هو كتاب ِ
لإلنسان :كام أنه وكذا هو
ُ ُ ُ
كتاب ٍ
فكر.. كتاب ٍ ٍ كتاب ٍ ٍ
ذكر كذلك هو ُ أمر ودعوة ،وكام أنه ُ وعبودية ،كذلك هو ُ
ِ ِ ِ
اإلنسان حاجات الكتب التي ُت ِّق ُق َ
مجيع لكلاجلامع ِّ ُ المقدَّ ُس
الكتاب الوحيدُ ُُ وهو
كل ِ
ولمسلك ِّ ِ
املختلفة، ِ
املشارب واحد من ِ
أهل ٍ ب ِّ
كل لمشر ِ برز ِ
املعنوية ،حتى إنه قد َأ َ
َ
ِ
العرفاء واملح ِّققني رسال ًة الئق ًة والصدِّ يقني ومن ِ ِ ِ ٍ
واحد من ِ
أهل املسالك املتباينة من األولياء ِّ
الساموي الكتاب ِ
وتصويره ..فهذا ِ
المسلك ِ
ولمساق ذلك ِ
وتنويره، ِ
المشرب ِ
ملذاق ذلك
ُّ ُ
بالكتب.ِ ٍ
مشحونة بمكتبة مقدَّ ٍ
سة ٍ ُ
يكون أشب ُه ما
ُ
وتتم ُة التعريف
اجلزء الثاين ّ
ُ
ِ
األعظم، ِ
العرش القرآن قد َ
نـزل من َ أن عشةَ» و ُأ َ
ثبت فيهاّ : ِ
«الكلمة الثاني َة ْ لقد ُو ِّضح يف
ِ
األسامء احلسنى.. مرتبة لِك ُِّل ٍ
اسم من ٍ ِ
أعظم ِ
األعظم ،من ِ
االسم من
املوجودات ،وهو خطا ُبه ِ بوصفه ِ
إله ِ أمر اهلل ِِ
رب العاملني ،وهو ُ كالم اهلل َبو ْصفه َّ فهو ُ
خطاب ِ
املطلقة ،وهو ِ
الربوبية ِ
بصفة مكاملة سامي ٌة
ٌ واألرض ،وهو ِ ِ
الساموات بوصفه ِ
خالق ِ
ٌ
الرمحاين النّاب ِع ِ
والتكريم ِ
االلتفات ُّ
سجل الشاملة ال ُعظمى ،وهو ِ ِ
اإلهلية ِ
السلطنة أز ٌّيل باسم
ِّ
ِ
األلوهية، ٍ
ربانية تُب ِّي ُن عظم َة َ
رسائل ُ
مجموعة يشء ،وهو بكل ٍ ِ
المحيطة ِّ ِ
الواسعة من رمحتِه
نازل من ينثر الحكم َةٌ ، وش ْف ٌ رموز ِ ِ
بدايات ِ
الكتاب املقدَّ ُس الذي ُ ُ رات ،وهو ٌ بعضها إذ يف
األعظم. العرشُ َ
أحاط به األعظم َين ُظ ُر إىل ما
ِ ِ
االسم ِ
حميط
ُ
اسم وهو: عليه دوما ما يستح ُّقه من ٍ طلق ِ ِ
الكريم و ُي ُ ِ
القرآن طلق عىل الرس ُأ َ ومن هذا ِّ
السالم ِ ِ ُ ِ ِ
لسائر األنبياء عليهم ّ املقدسة الكتب
ُ الكريم القرآن «كالم اهلل» ،وتأيت بعدَ ُ
ِ اإلهلية التي ال تَن َفدُ ،فمنها ما هو مكامل ٌة يف ِ ِ
صورة إلها ٍم الكلامت وص ُح ُفهم؛ أما ُ
سائر ُ
� �� � � ��� � � � �
435 ��� ���� �� �������� ��
�������
ٍ
خاصة، ٍ
وبربوبية السم خصويص،ٍ خاص ٍّ
وبتجل جزئي، ٍ
وبعنوان خاص، ٍ
باعتبار ناب ٍع
ٍّ ٍّ ٍّ
ٌ
خمتلفة جدا ِ
واحليوانات ِ
والبرش الم َل ِك ورحمة خصوص ّي ٍة..
ٍ ٍ
فإلهامات َ
ُ خاص،
ٍّ وسلطان
حيث الكل ّي ُة واخلصوص ّي ُة.
من ُ
ُ
الثالث اجلزء
ُ
ِ ِ ً َ
ُب مجي ِع األنبياء المختلفة ُع ُص ُ
ورهم، إمجال ُكت َ يتضمن
ُ ساموي
ٌ كتاب
الكريمٌ ،
َ القرآن إن
ِ ِ وآثار جمي ِع ِ ِ َ
المختلفة مسالك ُُهم.. األصفياء ورسائل مجي ِع األولياء المختلفة مشار ُبهمَ ،
ِ
الشبهات.. ِ
شائبة ِ
ظلامت األوها ِم ،طاهر ٌة من رشقة ساطع ٌة نقي ٌة من
الست ُم ٌ
ُّ جهاتُه
والكالم األز ُّيل بال َي ِ
قني.. الساموي الوحي ِ
استناده: إذ نقط ُة
ُ ُّ ُ
األبدية باملشاه ِ
دة.. ُ هد ُفه وغايتُه :السعاد ُة
َ
ِ
بالبداهة.. هداية خالص ٌة
ٌ حمتوا ُه:
ِ
بالرضورة.. ِ
اإليامن أنوار َأعاله:
ُ
ِ
اليقني.. والبرهان ِ
بع ِ
لم ُ ُ
الدليل أسف ُله:
ِ
بالتجربة.. ِ
جدان القلب ِ
والو ِ تسليم يمينُه:
ُ
ِ
اليقني.. واإلذعان ب َع ِ
ني ُ ِ
العقل تسخير
ُ يساره:
ُ
ِ
اليقني.. بحق
اجلنان ِِّ ودار ِ ُ َث َمرتُه:
الرمحن ُ رحمة
ِ
الصادق. س واجلان باحلدْ ِ
ِّ ِ
واإلنس الم َل ِك
قبول َ مقامهُ : ُ
ِ
الثالثة ،قد ُأثبِتَت ِ
بأجزائه ِ
الكريم ِ
القرآن ِ
تعريف ِ
املذكورة يف ِ
الصفات إن كل ٍ
صفة من ّ
عاء من ِ ت جمرد اد ٍ ِ
دليل ،بل ٌّ
كل دون ٍ َ ّ إثباتا قاطعا يف َمواض َع ُأخرى أو ستُث َبت ،فدَ عوانا َ
ليس ْ
ِ
بالربهان القاطعِ. ربه ٌن
منها ُم َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 436
الشعل ُة األوىل
ُّ
شع ّ ٍ
ات ثلاث أَ ِ
ُ شعلة ُ لها
هذه ال ُّ
األو ُل
عاع ّ ُّ
الش ُ
بلاغة ُ القرآ ِ
ن معجزة ٌ
ِ
بداعة أساليبِه سن متانتِه ،ومن
وح ِ ِ ِ
البالغة املعجز ُة نَب َعت من جزالة َن ْظ ِم القرآن ُ ُ هذه
دقها ،ومن وص ِ براعة بيانِه وتَفو ِقه وصفوتِه ،ومن قو ِة معانِيه ِ ِ ودتا ،ومن وج ِ ِ
ّ َ ُّ وغرابتها َ
وسالستِها.َ
ِ
ألفاظه ِ
فصاحة
السنني -أذكى َ وثالث ٍ
مئة من ِ القرآن الكريم -منذ ٍ
ألف ُ ِ
اخلارقة تَحدَّ ى ِ
البالغة هبذه
ُ ُ
فة ،معنت َش ٍ علامئهم ،فام عار ُضوه ،وما حاروا ( )1ببِ ِ ِ وأعظم ِ
خطبائهم وأبرع ب ِ
لغاء َبني آد َم
ُ َ َ َ ُ
أن ِمن ُب َلغائهم وسهم بِ َهوان ،مع َّرؤ َذل ،و َنك َُّسوا ُ شدة تَحدِّ يه إياهم ،بل َخ َض َع ْت رقا ُبهم بِ ٍّ ِ
وره. السحاب ب ُغ ُر ِ من ي ِ
ناط ُح
َ َ ُ
ورت ِ
َني: ِ ِ نُشري إىل ِ
بص َ
اإلعجاز يف بالغته ُ وجه ُ
الصور ُة األوىل
ُّ
مفاخرهم ِ
الوقت ُأ ِّم ِّي َ
ني ،لذا كانوا َي َفظون ِ
العرب كانوا يف ذلك ِ
جزيرة ِ
سكان أكثر ّ
َ إن َ
ِ أخالقهم يف ِش ِ
ِ ِ
عرهم وبلي ِغ كالم ُ
هم ومحاسن
َ ووقائ َعهم التارخيي َة وأمثا َلهم وح َ
كمهم
ِ
األذهان و َيتَنا َق ُله املتنا َق ِل ِشفاها ،بدَ ال من الكتابة؛ فكان الكالم احلكيم ذو املغزى ي ِ
ستق ُّر يف َ ُ ُ َ
(البقرة)3: ُ
املثال الثاين :قو ُله تعاىل ﴿ :ﭢ ﭣ ﭤ﴾
بول الصدَ ِ ٍ ِ ِ ِ
قة: يـر إىل مخسة ُشوط ل َق ِ َّ
يئات هذه اجلملة تُش ُ
فه ُ َ
ِ ِ ِ ِ الش ُ
المتصدِّ ُق األو ُل :املستفا ُد من «من» التَّبعيض ّية يف َلفظ ﴿ ﮨ ﴾ أي أن ال َي ُ
بس َط ُ رط ّ َّ
ط فيحتاج إىل الصدَ ِ كل البس ِ
قة. َ َيدَ ُه َّ َ ْ
يأخ َذ من َز ٍ
يد و َيتَصدّ َق عىل لفظ ﴿ ﭣ ﴾ أي أن ال ُ الشرط الثاني :املستفاد من ِ
ُ
ُ
زق لكُم.ُون من مالِه ،بمعنى :تَصدَّ قوا مما هو ِر ٌ
ب أن يك َ مر ،بل َ ِ
ي ُ َع ٍ
َ ْ
﴿ر َزقنا﴾ أي أن ال َي ُم َّن ف َيستَكثِ َر ،أي ال ِمنّ َة الثالث :املستفاد من ِ
لفظ «نا» يف ُ ُ ُ
الشرط
ُنف ُقون من مايل عىل ِ
عبدي. أرز ُقكم ،وت ِ
لكم يف التصدُّ ِق ،فأن َا ُ
ِ
باسم اهلل ،أي ُون التصدُّ ُق
الخامس :املستفا ُد من ﴿ ﭣ ﴾ أيضا ،أي يك ُ
ُ ُ
الشرط
ِ
باسمي. المال مايل ،فعليكُم أن ت ِ
ُنف ُقوه ُ
ِ
باملال ،تك ُ
ُون أن الصدق َة تك ُ
ُون يم يف التصدُّ ِق ،إذ كام َّ ِ ِ
الشوط هناك تَعم ٌ ومع هذه ُّ
والنصيحة كذلك ،وت ُِش ُري إىل هذه األقسا ِم ُ
كلمة «ما» التي يف ِ ول ِ
والف ِ
عل لم أيضا ،وبال َق ِ ِ
بالع ِ
ٌ
مطلقة تفيدُ العمو َم. ِ
اجلملة بالذات ،ألهنا وتشري إليها يف هذه موم َّيتِها،
﴿ ﮨ ﴾ بع ِ
ُ ُ
ِ
اإلنسان خمس َة الجملة الوجيز ُة -التي تُفيدُ الصدق َة -إىل ِ
عقل ُ تجو ُد هذه وهكذا ُ
ِ
هبيئاتا. الواسعِ ،وت ِ
ُشع ُرها ِ ِ
ميدانا للصدقة مع ِ
بيان ِ ٍ
رشوط
ِ
القرآنية ُن ُظ ٌم كثري ٌة ُ
أمثال هذه. ِ
اجلمل ِ
هيئات وهكذاِ ،
فل
ِ
اآلخر؛ وكذا للكال ِم مثل ذلكًّ ،
كل جتا َه واسع ُ يدان ن ٍ
َظم ِ
القرآنية أيضا َم ُ ِ
للكلامت وكذا
ٌ
دوائر ن ٍ
َظم كتلك. ُ ولج َم ِله
القرآين ُ
ِّ
��� � � � � � � � �
441 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
فمثال قو ُله تعاىل ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ * ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ * ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
(اإلخالص)4-1: ﭢ﴾
وثالث منها َم ِنف ّي ٌة ،تُثبِ ُت ِس َّت
ٌ ثالث منها ُمث َبت ٌةٌ اجلليلة فيها ِس ُّت ُج َم ٍل:
ُ اآليات
ُ هذه
للج َم ِل مجلة منها تك ُ فكل ٍ الرشك؛ ُّ ِ مراتب من التوحيد كام ُتر ُّد ست َة أنوا ٍع من
ُون دليال ُ َ
ِ ِ ٍ
لكل مجلة َمعنَ َي ِ
باعتبار أحدمها نتيج ًة، ني ،تك ُ
ُون ُون نتيج ًة هلا ،ألن ِّ خرى كام تك ُ األُ َ
اآلخ ِر َدلِ ً
يل. ِ
وباعتبار َ
اإلخالص ..سور م ِ ني ُسور ًة من ُس َو ِر اإلخالص تَشت َِم ُل عىل ثالثِ َ
نتظم ٌة ِ ُ ٌَ ُ ِ أي َّ
إن ُسور َة
بعضا ،عىل الن ِ
َّحو اآليت: بعضها ً دالئل ُيثبِ ُت ُ
َ ُمركَّب ٌة من
أحدٌ ،ألنه َص َمدٌ ،ألنه مل ِيلدْ ،ألنه مل ُيو َلدْ ،ألنه مل يكُن له ك ُف ًوا
﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ :ألنه َ
أحدٌ .
وكذا﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ :ألنه مل ُيو َلدْ ،ألنه مل َي ِلدْ ،ألنه َص َمدٌ ،ألنه أحدٌ ،
اهلل.
ألنه هو ُ
أحدٌ ،فهو َص َمدٌ ،فإذن مل َي ِلدْ ،فإذن مل ُيو َلدْ ،فإذن مل يكُن له ك ُف ًوا
وكذا ﴿ :ﭒﭓ ﴾ فهو َ
فقس عىل هذا ِ
الـم ِ
نوال. أحدٌ ،وهكذا ِ
َ
ومثال :قو ُله تعاىل ﴿ :ﭑ * ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ (البقرة)2-1:
فباعتبار ِ
ِ كل من هذه الجم ِل األرب ِع معن ِ ِ
خرى، للج َم ِل األُ َ ُون دليال ُ أحدمها يك ُ َيان: َ ُ َ فل ٍّ
نقش ن ِ ِ
عش خ ًّطا من إعجازي من س ّت َة َ َ
ٌّ َظم ٌّي حص ُل من هذا ٌ اآلخ ِر نتيج ًة هلا ..ف َي ُ
وباعتبار َ
ِ املناس ِبة ِ
والعالقة. ُخ ُطوط َ
اآليات القرآن ّي ِة َعينًا
ِ آية من ِ
أكثر لكل ٍ
كأن ِّ ِ
اإلعجاز» حتى َّ «إشارات
ُ كتاب
وقد َب َّي ذلك ُ
ِ
املناسبات كل منها ُخطوطا معنو ّي ًة من جها ُم َتو ِّجها إليها ،فت َُمدُّ إىل ٍّ ِ
وو ًناظر ًة إىل أكثر اآلياتَ ،
وخ ُريعشةَ»َ ، ِ
«الكلمة الثالث َة ْ َقشا إعجاز ًّيا ،كام ُب ِّين ذلك يف ِ
واالرتباطات ،ناسج ًة ن ً
َّظم هذه. ِ
جلزالة الن ِ رشح ِ ِ ِ اإلعجاز» إذ من ّأو ِل
ِ شاه ٍد عىل هذا ِ
الكتاب إىل آخره ٌ «إشارات
ُ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 442
عشةَ» وهو قو ُله تعاىل: «الكلمة اخلامس َة ْ ِ املثال الذي ُأثبِ َت يف ِ ومثال :ان ُظ ْر إىل هذا
﴿ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚﯛﯜ * ﯞﯟﯠﯡ * ﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﯩ ﯪ * ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ (الرمحن ﴿ )36-33:ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ (امللك.)5:
ورون ُّ ول؟ إهنا ُتق ُ ِ
اآليات وتَد َّبر ما ُتق ُ
املغر ُ
واجلان ،أهيا ُ اإلنس
ُ ول« :أهيا َمع هلذه
است ْ
تم ِّر ُغون يف ِ الم َتو ِّحلون ب َع ِ
الم َ
جزهم وضعفهم ،أهيا املعاندُ ون اجلاحمُون ُ املتمر ُدونُ ،
ِّ
ِ
اخر ُجوا من حدود ُملكي وسلطاين ِ ِ
فقر ِهم وضعفهم! إنكم إن مل تُطي ُعوا ِ
أوامري ،فه َّيا ُ
واألقامر النجوم ٍ
عظيم: ٍ
سلطان إن استَطعتُم! فكيف َتتَجر ُؤون إذن عىل ِعصيان ِ
أوام ِر ِ
ُ ُ َّ ْ
تأه ُبون ..فأنتُم ب ُطغيانِكُم هذا إنام ت ِ
ُبار ُزون ِ
بأوامره ،كأهنا جنو ٌد ُم ِّ َأمتر ِ
والشموس يف قبضته ،ت ُ
ُ
��� � � � � � � � �
443 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
ِ
كاجلبال ،حتى بقذائف
َ رجوا جليل له جنود مطيعون م ِهيبون يست ِ
َطي ُعون أن َي ُ ً عظيم حاكم
ُ َ ُ َ ٌ ً ً
ٍ مملكة ٍ
ِ ِ
جليل ،له ٍ
عظيم مالك َح ّم َلت ..وأنتم بكُفرانكم هذا إنام َتت ّ
َمر ُدون يف شياطينَكم لو ت َ
ِ
واجلبال- ِ
األرض ِ
ضخامة ستطيعون أن ي ِ
قص ُفوا أعدا ًء كفر ًة -ولو كانوا يف جنود عظام ي ِ
َ ُ ٌ َ ٌ
ِّتونم؛ فكيف مز ُق َ
ونم و ُيشت َ
ِ
واجلبال ،ف ُي ِّ ِ
األرض ِ
كأمثال وشظايا من ٍ
هليب لته ٍبة َ بقذائف ُم ِ
َ
ِ
-بإذن ضعيفة أمثالِكُم؟! وأنتم ُتالِ ُفون قانونًا صار ًما َيرتبِ ُط به َمن له القدر ُة
ٍ ٍ
بمخلوقات
أمثال النجو ِم». ٍ
ورامجات َ قذائف
َ مط َر عليكم اهلل -أن ي ِ
ُ
ِ ِ ِ قو َة معاين ِ ِقس يف ض ِ
وء هذا ِ
إفاداتا. ورصان َة بالغتهاُ ،
وس ُم َّو سائر اآليات َ املثال ّ َ ْ
ِ
التمثيل، الكريمة ُنب ُ ُأسلوبا منها يف ِم ِ
رآة ِ بالغة هذه ِ
اآلية ِ طرة من ِ
بحر لإلشارة إىل َق ٍ
ِ
ً يِّ
وق ُفواَّرصَ « :أ ِ ِ
إحراز الن ِ ٍ
شاملة يأ ُم ُر َ
جيشه بعد حرب عالـم ّي ٍة
ٍ عظيم يف أن قائدً ا وذلكّ :
ً
ُ
إطالق نفسها ي ِ
نقط ُع اللحظة ِ
ِ اآلخ َرُ « :ك ُّفـوا عن اهلجو ِم» ،ففي
يشه َ ويأمر َج َ إطالق ِ
النار»، َ
َ ُ
ِ
األعداء وقد كل ٍ
يشء واستَو َلينا عىل قائل« :لقد انتهى ُّ َوج ُه إليهم ً النار ِ
ِ
اهلجوم ،و َيت َّ
ُ فويق ُ
ِ
أسفل وو َّلوا إىل ن ُِصب ْت راياتُنا عىل ِقم ِة ِق ِ
العهم َ
ونال أولئك الظاملون الفاسدون جزا َءهم َ ّ َ
سافلني».
َ
ِ ِ السلطان الذي ال نِدَّ له وال َ
بإهالك َقو ِم واألرض
َ الساموات مرمثيل ،قد َأ َ َ كذلكّ ،
فإن
ِ
وأنت أ ّيتُها السما ُء األرض اب َل ِعي ما َءك، َوجه إليهام« :أ ّيتُها نوح ،وبعد ِ
أن امتَث َلتا ٍ
ُ األمر ت َّ
َ
ُ
سفينة ث واست ََوت دون تَري ٍ فقد انتَهت مهم ُتكُام؛ فانسحب املاء َفورا من ِ اسكُنِي واهدئي ِ
ُّ َ َ َ ُ ً َ ُ ّ
جبل ،و َل ِق َي الظاملون جزا َءهم». قم ِة ٍ ٍ
كخيمة ُ ِ ِ
ض َبت عىل ّ اإلهلي
ِّ املأمور
ِ ني م ِ األرض والسامء كج ِ األسلوبِ ،
للطاعة ستعدَّ ين ني ُمطي َع ِ ُند َّي ِ ُ ُ ُ إذ ِ فان ُظ ْر إىل ُع ِّ
لو هذا
ِ
اإلنسان ِ
عصيان ب من ِ ِ
األسلوب إىل ّ ُشري ُ ِ وتل ِّقي
َغض ُ
الكائنات ت َ أن اآلية هبذا األوامر ،فت ُ
واألرضُ الساموات
ُ تقول« :إن الذي تَـمتثِ ُل ِ
اإلشارة ُ واألرض؛ وهبذه
ُ السماوات
ُ وت ُ
َغتاظ منه
أن ِ
لإلنسان؛ فأنت تَرى ّ نبغي أن يعص» مما يفيدُ زجرا شديدً ا ِ
راد ًعا بأمره ال يعص وال ي ِ ِ
ً ُ َ َ ُ َ
��� � � � � � � � �
447 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
مجيل مجم ٍل يف بض ِع جـم ٍل حادث َة ال ُّط ِ ِ ٍ
وفان التي هي عام ٌة ُ َ موج ٍز ُمعج ٍز ٍ ُ َ
اآلي َة قد َج َعت ببيان َ
ِ ِ ِ وحقائقهاِ ..
ِ ِ
القطرة. خرى عىل هذه البحر األُ َ قطرات هذا فق ْس نتائجها ٌ
وشاملة مع مجي ِع
ِ
الكلامت: ِ
نوافذ القرآن من
ُ ِ
األسلوب الذي ُيريه واآلن ان ُظر إىل
الكريمة ﴿ :ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ِ كلمة ﴿ ﯱ ﯲ﴾ يف ِ
اآلية ِ فمثال إىل
غاية ال ُّل ِ
طف. َعر ُض أسلوبا يف ِ
ﯱ ﯲ﴾ (يس )39:كيف ت ِ
ً
قديم
رجونًا ً الل فيه يشب ُه ُع ُ القمر ِه ًُ للقمر َم ِنز ًل هو دائر ُة ال ُّثر َّيا ،حينام يك ُ
ُون ِ وذلكّ :
أن
ِ ()1 ستار َ كأن َورا َء ِ
خيال السامعِّ ، ِ ِ
التشبيه أما َم ِ ون ،فت ََض ُع ُ َأبي َض ال َّل ِ
الـخرضاء عني اآلية هبذا َ
ِ
اخلارج، رأسه إىل ِ النورانية املد َّب ِبة
ِ شجر ًة َش َّق أحدُ أغصانِها
الستار ومدَّ َ
َ البيضاء ذلك
ِ
املستورة.. لشجرة اخلِ ِ
لقة ِ ِ
النورانية وال ُّثريا كأهنا ُع ُنقود مع ّل ٌق فيه ،وسائر النجو ِم كال َّثم ِ
رات َ ُ ٌ َُ
يشهم و ُمع َظ ُم ُقوتِهم اهلالل هبذا التشبيه ألولئك الذين مصدَ ر َع ِ
َ ُ
ِ عرض فإن َ وال َج َرم ّ
ِ ِ من الن ِ
لو ،فإن كنت التناس ِق وال ُع ِّ
ُ واللطافة ،ويف منتهى الح ِ
سن وب يف غاية ُ يل هو ُأس ُل ٌ َّخ ِ
ُدر ْك ذلك. وق ت ِصاحب َذ ٍ
َ
(يس)38: الكريمة﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ ِ كلمة ﴿ ﯣ﴾ يف ِ
اآلية ُ ومثال:
ِ
الكلمة التاسع َة ْ
عشةَ -وذلك: ألسلوب ٍ
عال -كام ُأثبِ َت يف ختا ِم ٍ تفتح نافذ ًة
ُ
ِ
بتذكريه ِ
اجلليل ِ
الشمسُ ،ي َف ِّه ُم عظم َة الصان ِع لفظ ﴿ ﯣ ﴾ الذي يعني َد َو َ
ران إن َ َّ
والنهار ،وي ِ ِ ران الص ِمة يف دو ِ اإلهلية املنت َظ ِ
ِ ِ ِ
لف ُت ِ َ ِ
الليل والشتاء وتعا ُق ِ
ب يف َّ ََ القدرة ترصفات
ِ
الفصول ،ف ُيع ِّل ُم ِ ِ ِ ِ ِ
صحائف اإلهلية يف القدرة األنظار إىل املكتوبات الصمدانية التي َكتَبها ُ
قلم َ
ِ
اجلالل. ِ
اخلالق ذي حكم َة
بتعبري ﴿ ﭺ﴾ِ مصباحاَ ،يفت َُح
ً وإن قو َله تعاىل ﴿ :ﭸﭹﭺ ﴾ (نوح )16:أي
أن هذا ِ
بتذكريه ّ ِ
اخلالق َ
وإحسان فه ُم عظم َة الصان ِع ِ
األسلوب :وهو أنه ُي ِّ نافذ ًة ملثل هذا
ِ
احلياةّ ،
وأن ِ
لإلنسان و َذوي وزينة قد ُأ ِعدَّ ت
ٍ ٍ
وأطعمة قرصّ ،
وأن ما فيه من لواز َم َ
العال َ كأنه ٌ
ُ
يطول كالمه ويف ِ
مجله ِ ِ
الكريم ويف ِ
القرآن ِ
آيات ِ
الفصاحة يف ِ
أسباب إيضاح ّ
إن
َ
َلم ُع من أوضا ِع ٍ إظهار ِ
ِ ِ
إعجاز َتت ّ ملعة َقص ُـر الكال َم عىل من اإلطالة ن ُ
كثريا ،فتَفاد ًيا َ
ً
ِ ٍ ٍ ِ ِ
احلروف اهلجائية وكيفياتا يف آية واحدة فقط ،عىل سبيل املثال ،وهي قو ُله تعاىل :ِ
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ
ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
عمران.)154: (آل ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾
ِ
الثقيلة ،ومع ذلك مل ِ
احلروف وأجناس ِ
اهلجاء ِ
حروف جميع ُ
اآلية لقد َج َعت هذه
َ َ
ِ
الـفصاحة َن َب َعت من َغم ًة من ي ِ
الستَها بل زا َدها بها ًء إىل مجاهلا و َم َز َج ن َ
اجلمع َس َ
ُ فقدها هذا ُ
َناسبة متَنو ٍ
أوتار مت ٍ
عة. ُ ِّ ٍ ُ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 450
حروف ِ أخف
ُّ ف واليا َء ألهنام اإلعجاز وهي أن األلِ َ ِ ذات اللمعة ِ ِ النظر يف هذه ِ
فأنع ِم
َ
ِ ِ ِ ِ
وأن كل منهام إحدى وعرشين مرةًّ .. تكرر ٌّ كأنام ُأختانَّ ، إحداهام باألُخرى ّ ُ ب اهلجاء وتَنقل ُ
حمل األُخرى فقد ُذكر ٌّ ِ ِ
كل منهام َـح َّل إحدامها َّ ألنام ُأختان ،و ُيمك ُن أن ت ُ والنون(ّ )1 َ امليم
َ
والصوت ِ املخرج والص ِ
فة ِ ب والشني ُم ٌ ثال ًثا وثالثني مرةًّ ..
ِّ تآخية َح َس َ َ والسني
َ وأن الصا َد
ٍ فذ ِك ِ وأن ال َعني وال َغني ُمتآخ َيتان ُ اتّ .. ثالث مر ٍ ٍ فذ ِكر ُّ
مرات ست ني َّ رت ال َع ُ َ ّ واحد منها كل ُ
َ ات أي نص َفه ..وأن الطا َء والظا َء ثالث مر ٍ قلها ُذ ِك َرت الغني لِثِ ِ
والزاي، َ والذال َ ّ ُ خل ّفتها بينام
واأللف َ وأن الال َم مرتنيّ .. ِ واحد منها ٍ كلفذ ِك َر ُّ والصوتُ ، ِ فةاملخرج والص ِ ِ متآخية َح َسب ٌ
ِّ
الل ُم اثنَت ِ فذ ِك ِ صورة «ال» ُ ِ وأن حص َة األلِ ِ ِ ِ
َني رت ّ نصف يف ٌ ف ُمتّحدَ تان يف صورة «ال»ّ ّ ،
ِ مرةًّ .. رت األلِ ُ ِ وأرب ِعني مرةً ،و ُذ ِك ِ
متآخيتان وأن اهلمز َة واهلا َء ف -نص ُفها -إحدَ ى وعرشين ّ ّ َ
ِ فذ ِ
أخف منها َّ لكونا عش َة مر ًة أربع ْ عشة مر ًة ( )2واهلا ُء َ ثالث ْ َ كرت اهلمز ُة املخرج ُ ِ حسب َ
نقطة فيها، لزيادة ٍ ِ مرات ٍ عش فذ ِك ِ والكاف ُمتآخي ٌةُ ، بدرجةّ .. ٍ
القاف ْ َ ُ رت َ القاف والفا َء َ وأن
مرات ،والتا َء ُذ ِكرت اثنتي ٍ تسعوأن البا َء ُذكرت َ
ِ والكاف تِس ًعاّ .. ُ مراتٍ تسع
وذكرت الفا ُء َ
ِ
مئتان والال َم ثالثون ِ ولك ّن الرا َء أخت الال ِمِ ، ُ وأن الرا َء ثالثةّ .. ٌ ألن درجتَها عش َة مرةًّ ، ْ
فانخ َف َضت عنها درجات َ ٍ بس ِّت فوق الال ِم ِ إن الرا َء َ جل َّم ِل» أي ّ ِ ِ
حساب «أبجد ّية ا ُ َح َسب
وألن اخلا َء ّ مرات فقط.. ٍ فذ ِكرت ِس َّت ظ فت َُثق ُلُ ، درجات؛ وأيضا الراء َتتَكرر يف التل ُّف ِ ٍ بست
ِّ
ُ ُّ
أخف ُّ الواو
وألن َ ّ مر ًة واحدةً.. كل منها ّ باتُ ،ذ ِكر ٌّ ناس ٌ ثقيلة وبينها ُم َ واحلا َء والثا َء والضا َد ٌ
ِ ِ مر ًة َ ِ ِ ِ ُ ِ ِ
الثقيلة اهلمزة فوق عش َة ّ سبع ْ وأثقل من «الياء واأللف» ُذكرت َ واهلمزة» «اهلاء من
درجات أيضا. ٍ اخلفيفة بأرب ِع ِ ِ
األلف درجات وحتت ٍ بأرب ِع
يشء، غري ٍ
األحياء قاطب ًة من ِ ِ بعث أجسا َد إن الذي َي ُ املثل األعىلَّ :- واألمر كذلك -وهلل ُ ُ
ات تلك األجسادِ احلكمة ،وجيمع ذر ِ ِ بكامل االنتظا ِم وبميزانِ ِ جيش ضخم ٍ كأهنا أفرا ُد
ُ ّ
ِ
وجه كل ربيعٍ ،عىل كل َق ْر ٍن ،بل يف ِّ بأمر ﴿ ﯠ ﯡ ﴾ يف ِّ ولطائ َفها ويحف ُظها ِ
العليم القدير إن ِ
احلياةَّ .. أمثالا من أنوا ِع ذوي ِ ِ
األلوف من ِ
مئات ِ
ويوجدُ ِ
األرض كا ّف ًة،
َ َ
ِ
األصلية ِ
واألجزاء ِ
األساسية الذ ِ
رات جمع َّ مك ُن أن ُيستَبعدَ منه يفعل هذا هل ي ِ الذي ُ
ُ ُ
إن استبعا َد َ
إرسافيل؟ َّ ور ٍ
بصيحة من ُص ِ ٍ
جيش من َّظ ٍم، ِ
اجلسد كأهنا أفرا ُد ِ
املتعارفة حتت نظا ِم
ٌ
جنون! العليم ال محال َة
ِ ِ
القدير ذلكم
ُ هذا من
ٌورفيعة ومؤنس ٌة ورقيق ٌة حتى إهنا تَـم ُ
أل ٌ ِ
البيانات القرآني َة مؤ ِّثـرة ِ
«اإلرشاد» َّ
فإن ويف َمقا ِم
آالف أمثلتِه ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ املثال من بني ِ
والعقل لهف ًة وال َعني دم ًعا؛ فلنأخذ هذا َ
َ الروح شو ًقا
َ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ﴾
��� � � � � � � � �
455 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
ِ ِ األو ِل ِ ِ ِ (البقرة )74:فكام َأ َ
العرشين» للكلمة وضحنا وأث َبتنا يف مبحث اآلية الثالثة من «املقا ِم ّ
ِ
إرسائيل حتى ال تُبا ُلون
َ إرسائيل قائل ًة :ماذا أصابكم يا بني َ ب بني فإن اآلي َة هذه ُتاط ُ َّ
تدمع ،وقلو ُبكم قاسي ٌة وسى عليه السالم ،فع ُيونُكم شاخص ٌة جا ّف ٌة ال ِ
ُ بجمي ِع معجزات ُم َ
الدموع ِ
من اثنَتَي فتالقاسية قد َذر ِ
ُ الصلد ُة ِ غليظ ٌة ال حرار َة فيها وال َ
َ َ شوق ،بينام الحجار ُة َّ
بضربة من عصا ُموسى عليه السالم ،وهي معجز ٌة واحد ٌة من معجزاتِه! ٍ عشر َة عينًا ْ
إيضاحا اإلرشادي حيث ُو ِّض َح هذا املعنى ِ
الكلمة ُ نكتفي هبذا القدْ ِر هنا ون ِ
ُح ُيل إىل تلك ِ
ً ُّ
كاف ًيا.
آالف أمثلتِه.
ويف مقا ِم «اإلفحا ِم واإللزامِ» تأم ْل يف هذين املثا َلني فحسب من بني ِ
َ ْ ُ َّ
املثال األول ﴿ :ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ (البقرة.)23:
وضحنـاه و َأث َبتنـاه و َأ َشـرنا إليه يف فحسب ،إذ قـد َأ َ ُ جمل ًةُشيـر هنـا إشـار ًة ُم َ سن ُ
واجلن ..إن ِ
اإلنس معشـر البيان ُ
يقول :يا ِ ِ
الـمعج َز َ
القرآن أن ِ
اإلعجاز» وهوَّ : ِ
«إشـارات
ِّ َ
فه ّيا ،فها هو َم ُ
يدان ـرَ ، َوهون أنه من كال ِم َب َش ٍ كالم اهلل ،و َتت ّ َ
القرآن ُ كانت لديكُم ُش َبه ٌة يف َّ
أن
يعرف القراء َة وال الكتاب َةِ ،
مثل ُ ٍ
شخص ُأ ِّم ٍّي ال مثل هذا َيصدُ ُر عن ٍ
بقرآن ِ التَّحدِّ ي ،فا ْئتُوا
ِ
بـ«األمني».. محمد الذي ت َِص ُفونه أنتم ٍ
كالمع ِّطلة
﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ أم َي َحدُ ون ُوجو َد اهلل تعاىل ُ
ِ
الساموات نكروا وجو َد للقرآن! فع َليهم إ َذن أن ي ِ
ِ املنكرين للخالِ ِق؟ فال ي ِ
ستم ُعون احلم َقى ِ
ُ َ
دخلوا يف َه َذ ِ
يان ِ
العقل ُك ّل ًّيا و ْل َي ُ نسل ُخوا من واألرض ،أو يقولوا :نحن اخلالِ ُقون؛ و ْلي ِ ِ
َ
ِ
أزاهري ِ
وبعدد ِ
السامء بعدد نجو ِم ِ َون ِ
أرجاء الك ِ ُقر ُأ يف ٌ ِ ألن ِ اجلنونَّ ،ِ
واضحة ت َ التوحيد براهني
ِ ِ ِ
األرض ،ك ُّلها ُّ
للحق ِّ الر ُضوختدل عىل وجوده تعاىل وتُفص ُح عنه؛ فإ َذن ال َيرغ ُبون يف ُّ
لوفحرف منه ُأ ُ ٍ كلَندر ُج يف ِّ العظيم هذا الذي ت ِ
ِ أن كتاب الك ِ
َون وإل فكيف ظنُّوا َّ ِ
واليقنيّ ،
َ
ٍ
كاتب؟ ُون َ
دون أن حر ًفا واحدً ا ال يك ُ كاتب! مع َّأنم َيع َلمون جيدً ا َّ ٍ ُب ،أنَّه دون الكت ِ
ِ
الفالسفة الضا ِّلني أو ِ
كبعض ﴿ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ أم إهنم َين ُفون اإلراد َة اإلهلي َة
آثار ِ
الحك َِم مجيع ِ ِ ِ ِ ِ ِ نكرون َ ي ِ
أصل الن ُّّبوة كالرباهة؟ فال ُيؤمنون بك! فعليهم إذن أن ُينكروا َ ُ
والعناية الفائقةِ
ِ الرمحة الواسعةِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
والغايات اجلليلة واالنتظامات البديعة والفوائد املثمرة ِ
وآثار ِ ِ
مجيع ِ ِ ِ ِ ِ ِ
املوجودات كاف ًة، ِ
وعليهم أن ُينكروا َ واختياره، إرادة اهلل والدالة عىل الظاهرة عىل
ِ السالم ،أو عليهم أن ُيقو ُلواَّ : ِ ِ
باإلحسان َفيضإن اخلزين َة التي ت ُ ُ عليهم
ُ األنبياء معجزات
اخلطاب،
َ بأنُم ال َيست َِح ُّقون ِ ِ ِ
اخللق أمجعني هي عندنا وبأيدينا؛ ول ُي ْسفروا عن حقيقتهم ّ ِ عىل
يوانات ضا ّل ٌة كثريةٌ.
ٌ إنكارهمِ ،
فل َّله َح ِ أهل له ..إذن فال َت َز ْن عىلوال هم ٌ
ِ
أعامل اهلل تعاىل؟ أ َف ُيـريدُ ون أن َوهوا أن ُف َسهم ُرقبا َء عىل
﴿ ﮀﮁﮂ ﴾ أم َّإنم ت ّ
ث هبم إذ تبال وال ت ِ
َكرت ْ العقل حاكم! فال ِ َ نصبوا ِ ً َيع ُلوه سبحانَه
ً مسؤول ،كاملعتزلة الذين َّ
ِ
وأمثالم. ِ
املغرورين ِ
هؤالء ِ
إلنكار تأثري
ال َ
��� � � � � � � � �
459 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
﴿ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ أم َّإنم يظنُّون أن ُف َسهم
َّ
واجلان، الشياطني
َ ان الذين اتَّب ُعوا عالِ ال َغ ِ
يب كام يدَّ عيه الك ُّه ُ آخر إىل َ قد َو َجدوا طري ًقا َ
ِ
الساموات التي ُصكَّت أبوا ُبها أن لدهيِم ُس َّل ًـم إىل
األرواح؟ أم يظنُّون َّ
ِ ِ
حتضري عو ِذي
وكم َش ِ
ُ
الكذابِني
رة َّ ِ
الشياطني ،حتى ال يصدِّ قوا بام َتتَل ّقاه من خرب السامء! فإنكار هؤالء ال َفج ِ ِ ُبو ُجوه
َ ُ ُ ُ
ِ
وأمثالم ،هو يف ُح ِ
كم العد ِم.
ِ
العقول ِ
باسم ِ
الصمد ِ
األحد ﴿ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ أم َّإنم ُيسنِدُ ون الشِّ َك إىل
املنسوبة إىل ِ ِ
األلوهية فالسفة ُمرشكون ،أو بنَو ٍع من ٌ عتقدُ به وأرباب األنوا ِع كام ي ِ ِ ال َع َش ِة
َ
كامللح ِدين والضا ِّلني ،فينسبون ِ ِ الو َل ِد إليه تعاىل ِ ِ ِ
إليه َ ُ ُ كالصابِئة ،أو بإسناد َ النجو ِم واملالئكة َّ
املتعال؟ِ وص َمدان ّيتِه ،فهو املستَغنِي ِ ِ ِ
جوب ُوجود األحد الصمد ول َوحدان ّيته َ
ِ ِ املنايف لِ ُو ِ َ الو َلدَ َ
وجنسهم؟ أ َف ُهم يظنُّون َّأنم ِ صمتِهم ِ ِ ِ ِ
أم ُيسندُ ون األنوث َة إىل املالئكة املنافي َة لعبود ّيتهم وع َ
الو ِر َ ألنفسهم ،فال َيتّبِ ُعونك!؟ َّ ِ هبذا ُي ِ
يث ب َ الفاين الذي َيط ُل ُ َ َ
اإلنسان إن وجدون ُشفعا َء
َوعه، الـم ِعني ،والمطبوع عىل حب الدُّ نيا إىل حدِّ الـهيا ِم هبا ،وهو العاجز الفقري إىل ِ
بقاء ن ِ
ُ ُ ُ ُ ِّ َ ُ
ِ
رابطة البقاء ِ ِ والتجز ِؤ ِ َّناس ِل
وآص َر ُة ُ التناسل الذي هو اجلسامين ،ذلك
ِّ ُّ والتكاثر ؤه ُل للت ُ والم َّ ُ
ِ
الدائم الباقي، واجب وهو التناس ِل هذا إىل َمن ُوجو ُده ِ
احلياة للمخلوقات كا ّف ًة ..فإسنا ُد ِ
ُ ٌ ُ
جتزئة املاه ّي ِة ،املتعايل عن أن َي َم َّس ِ المقدَّ ُس عن ِ
عن اجلسامن ّيةُ ، نـزه ذاتُه ِ الم َّاألبديُ ، ُّ األزيل
ُّ
األوالد إليه والسيام البناتِ ِ ِ ُ
َّ اجلليل ذو اجلالل ..وإسنا ُد العجز ،وهو الواحدُ األحدُ ُ درتَه ُق َ
ِ ِ ِ ِ ِ
اجلنون نتهى فس َطة و ُم َ الس َ العاجزين ،إنَّام هو ُ
نهاية َّ الضعفاء رور هؤالء الليت مل َيرتَضها ُغ ُ ّ
طالنا فال ت ِ وإظهار ب ِ ِ يان ،حتى إنَّه ال حاج َة إىل تَفنِ ِ وغاية الـه َذ ِ
ُنص ْت إليهم وال ِ ُ افرتاءاتم يد ُ َ
ٍ
جمنون. كل كل َث ِم ٍل وال َه َذ ُ
يان ِّ طة ِّ فس ُ ُسم ُع َس َ بال ،إذ ال ت َ ُلق هلم ً ت ِ
ِ
العبودية التي تطل ُبها تكاليف
َ ﴿ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ أم إهنم َي َرون
الخ َّس ِة
ون عىل ِ ون عىل الدنيا املعتا ُد َ يص َ ون ِ
احلر ُ الباغ َ
منهم ثقيل ًة عليهم؟ كام َيراها ال ُّطغا ُة ُ
إل منه أحد ّالتكاليف! أال يع َلمون أنَّك ال تُريدُ منهم َأجرا وال من ٍ ِ هر ُبون من تلك
ً َ ف َي ُ
ِ اهم ليزدا َد ُ سبحانَه؟ ِ
أيع ُّز عليهم التصدُّ ُق من ِ
حص َن من املال برك ًة ول ُي َّ مال اهلل الذي أعطا ُه إ ّي ُ ُ
واحد من ِ ٍ فالزكا ُة ِ ِ ِ ِ
أربعني، ش أو بم ِ
قدار ال ُع ْ ِ بالسوء عىل مالِ ِكه؟ َّ
ومن الدُّ عاء ُّ
ِ
َح َسد الفقراءَ ،
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 460
ثقيل حتى يربوا من اإلسال ِم؟ إنم ال ي ِ
ستح ُّقون حتى ِ
َ َّ َ ُُ والتصدُّ ُق هبا عىل ُفقرائهم أتُعدُّ ً
أمرا ً
التافه جدً ا ،بل ي ِ
ستح ُّقون التأديب. ِ اجلواب عىل ت ِ
َكذيبِهم
َ َ
يبَ ،فيدَّ ُعون ِ
أخبار ال َغ ِ وق هلم ما َتتَل َّقاه من
﴿ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾ أم َّإنم ال َي ُر ُ
كتاب من وذيني وكالعقالنِيني الذين َيسبون ُظنونم يقينًا! ِ
أعندَ هم ِ معرف َة ال َغ ِ
ٌ َ َ ِّ يب كال ُب ِّ
إن ذلك العا َل َم ال َي ُ
نـزاح الغيبي!؟ َّ
َّ مفتوح هلم َيكتُبون منه حتى َير ُّدوا كتا َبك
ٌ يب وهو ال َغ ِ
قط ،وال ي ِ وج فيه ِ ٍ
ستخ َّفن ََّك َ بنفسه ُّ بالو ُل ِ
املوحى إليهم ،وال طاق َة ألحد ُ للر ُس ِل َ إل ُّ حجا ُبه ّ
او ُزوا َط َ
ورهم وتَعدَّ ْوا ُحدو َدهم، ـرين الذين َت َ املغر ِ
ورين املتك ِّب ِ تكذيب هؤالء ُ
ُ عن َدعوتِك
ني. أثرا بعدَ َع ٍ
حقائقك أحال َمهم وجتع ُلها ً ُ ٍ
قريب ست َُح ِّط ُم ف َعن
إنفالقرآن ك ُّله من بدايتِه إىل هنايتِه أمثل ٌة هلذا املقا ِم ،نعمَّ ،
ُ مثال عىل هذا املقا ِم، ئت ً فإن ِش َ
ِ
والعلامء ِ
وحكامء اإلسال ِم، املجته ِدين ،والصدِّ ِيقني،
ِ ِ
إلرشاده من القرآن واملست َِم ِعني
ِ ِ
تالم َذ َة
ِ
واألقطاب العاشقني، ِ
واألولياء العارفني، الفقه ،واملتك ِّل ِمني،
ِ ِ
أصول ِ
وعلامء املح ِّق ِقني،
باالت ِ
ِّفاق« :نحن َنتَل َّقى اإلرشا َد عىل املسل ِمني ..ك َّلهم يقولون ِ
ِ ِ
وعامة ِ
والعلامء املد ِّققني،
ِ
القرآن». من ٍ ِ
أفضل وجه َ
أيضا (مقا ِم اإلفها ِم والت ِ
َّعل ِ ِ ِ واخلالص ُةَّ :
إن ملع َة
يم) كام تتلمع يف هذا املقا ِم ً َ
ُ القرآن إعجاز
ِ
املقامات. احلال يف ِ
سائر هو ُ
��� � � � � � � � �
463 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
ً
ومثل﴿ :ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﴾ (حممد)19:
ِ
األولياء يف شتَّى ِ
طبقات جميع ِ
العديدة حتى َر َأت ِ
واملراتب ِ
الكثرية ِ
الوجوه هذه ُ
اآلية هلا من
ُ
بمرتبتِه ِ
كل منهم غذا ًء معنو ًّيا الئ ًقا َ
لوكهم ومراتبِهم حاجتَهم إىل هذه ِ
اآلية ،فأخذ ٌّ وسائل س ِ
ِ ُ
ِ ِ ِ ألن َالتي هو فيهاَّ ،
التوحيد جامع جلمي ِع األسامء احلسنى ،ففيه ٌ
أنواع من ٌ اسم
لفظ اجلاللة «اهلل» ٌ
إل هو ..وهكذا. رمحن ّ إل هو ،ال خالق ّ
إل هو ،ال َ نفسها ،أي ال َ
رزاق ّ ِ
األسامء ِ ب َقدْ ِر ِ
عدد
َ
َ
وأمثالا من املعاين املعاين املوجود َة هنا ِ
اإلعجاز» َذكَرنا هذه كتاب «إشارات ِ نعم ،ففي
َ
دساتري ِع ِ
لم ِ ب
وح َس َ الص ِف والن ِ
َّحو َ لم َّقواعد ِع ِ
ِ فق ِ
القرآن ،و َأث َبتناها َو َ ِ
لكلامت املتعدِّ َد ِة
ِ
البالغة. فن وفن املعاين و َقوانِ ِ ِ
ني ِّ البيان ِّ
ِ
العربية، ب ُعلو ِم ٌ ِ جانب هذا َّ ِ
حس َ صحيحة َ الوجوه واملعاين التي هي مجيع
فإن َ وإىل
َحس ٌنة يف ِع ِ
لم ِ
لم البيان و ُمست َ والئقة يف ِع ِ
ٌ ين ،ومقبول ٌة يف ِّ
فن املعاين، ِ
أصول الدِّ ِ فق ٌ
وصائبة َو َ
ين ِ
أصول الدِّ ِ املجته ِدين واملف ين وع ِ
لامء ِ ِ
الكريم ،بإمجا ِع ِ
القرآن البالغة ،هي من معاين ِ
ُ سِّ
ٍ
أمارات عىل الكريم ُ
القرآن وضع نظرهم؛ وقد جهات ِِ ِ
اختالف ِو ِ
وبشهادة ِ
الفقه ِ
وأصول
ُ َ
ُ
املعنوية هي :إ ّما درجاتا ،وهي إ ّما لفظي ٌة أو معنوي ٌة ،واألمار ُة ِ ب
حس َ ٍّ
كل من تلك املعاين َ
ٍ ِ ِ ِ
تشري إىل ذلك املعنى. من سياق الكال ِم ،أو من سابقه ،أو أمار ٌة من آيات ُأ َخ َر ُ
بعضها ثامنني جم ّلدً ا(- )1وقد َأ ّل َفها علام ُء ِ
التفاسري التي قد َ
بلغ ُ ِ
األلوف من ِ
مئات َّ
إن
وخارق ّيتِه.
ِ ِ
القرآن جامعية ِ
لفظ ِ باهر عىل
قاطع ٌ
ٌ ٌ
برهان ُم ِّق ُقون-
اللمعة الثانية
الجامِعية ُ الخارِقة ُ في مَعانيه ِ
ّ
اللمعة الثالثة
الجامِعيّة ُ الخارِقة ُ في ع ِلم ِه
ِ حر ُع ِجرى من َب ِ
الرشيعة املتعدِّ د َة الوفريةَ، لومه ُعلو َم الكريم مثلام َأ َ
َ َ
القرآن نعمّ ،
إن
ِ ِ ِ
جرى كذلك غري املحدودة ،فإنه َأ َوعلو َم الطريقة املختلف َة َ املتنوع َة الغزيرةَُ ،
وعلو َم احلقيقة ِّ ُ
ِ
لدائرة ِ
املمكنات ،والعلو َم احلقيق ّي َة ِ
لدائرة الحكم َة احلقيق ّي َة ٍ
بسخاء وانتظا ٍم ِ ِ
البحر من ذلك
ِ
اللمعة فالبدَّ من رة ،ولو َأردنا إيرا َد ٍ
مثال هلذه اآلخ ِ
لدائرة ِِ واملعارف الغامض َة
َ ِ
الوجوب،
َ
ِ ٍ كتابة ُم ّل ٍد
ِ
ب. كامل! لذا نُب ِّي ُن «الكلامت» اخلمس َة والعرشين السابق َة كمثال هلا َ
فح ْس ُ
خس ِ ِ
للكلامت اخلَ ِ
مس والعرشين ك ِّلها إن هي ّ ِ
الصادق َة نعمّ ،
وعرشون إل َ ْ ٌ احلقائق
َ إن
راجع إىل فهمي ِ ِ
القاص. ٌ
ِ
«الكلامت» فهو ِ ِ
لم القرآن ،فإن ُوجدَ ُق ٌ
صور يف تلك بحر ِع ِ
قطر ًة من ِ
اللمعة الرابعة
الجامِعيّة ُ الخارقة ُ في مباحث ِه
حر َضم ُن َب َ
إن ُسور ًة واحد ًة َتت ّ جامع ّي ًة عجيب ًة ،حتى ّ القرآن ِِ ِ
ألسلوب الأولُّ :
إن ◆الضَّ وء ُ ّ
وإن ورة؛ ّ وإن آي ًة واحد ًة ت َُضم خزين َة تلك الس ِ َون بني جوانِ ِحه؛ ّ العظيم الذي َض َّم الك َ ِ ِ
القرآن
ُّ ُّ
فمن هذا صغريِ )1(، ٍ ٍ
كقرآن -كل منها- الس َو ِر ٌّ ٍ كل منها كس ٍ ِ
اآليات ٌّ
وأكثر ُّ
ُ صغرية، ورة ُ أكثر
َ
الر ِ
غم ٍ ألن َّ مجيلّ ، واسع ٌ ِ
عظيم لإلرشاد وت ٌ نشأ ُل ٌ ِ
املعج ِز َي ُ ِ
كل إنسان عىل َّ ٌ َسهيل ٌ طف اإلجياز
صور باوتِه و ُق ِ كامل ،إ ّما ل َغ َ ً تاح له تِالوتُه كل وقت ،فإنه قد ال ُي ُ
ٍ ِ
القرآن َّ ِ
تالوة من حاجتِه إىل
كم ٍ ٍ ِ ِ ٍ ِ
قرآن سورة تكُون يف ُح ِ كلفإن َّ
القرآن ّ حر َم أحدٌ من خرى ،فلكَيال ُي َ ألسباب ُأ َ فهمه أو
َ
القرآن الكشف ُمت ِّف ُقون ّ
أن ِ أهل إن َ
قصرية ،حتى ّ ٍ طويلة يف مقا ِم س ٍ
ورة ُ َ
ٍ كل ٍ
آية صغري ،بل َّ ٍ
ِ
العلامء. ِ
التحق ِيق من إجماع ِ
أهل ُ
الربهان عىل هذا فهو ِ
البسملة؛ أ ّما ِ
الفاحتة ،والفاحت َة يف يف
ُ
( )1ورد عن بعض السلف وصف السورة بأهنا صغرية ،فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده« :ما من املفصل سورة صغرية
وال كبرية إال وقد سمعت رسول اهلل ﷺ يؤم الناس هبا يف الصالة املكتوبة» ،أبو داود ،الصالة 814؛ الطرباين ،املعجم
الكبري .365/12
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 472
ِ
واملعارف وإشاراتا ألنوا ِع الكال ِم ِ ِ
الالتا اآليات القرآني َة جامع ٌة بدَ ِ الضَّ وء ُ الثانيّ :
إن
جرالز ِ ِ
والرتهيبَّ ، ِ
الرتغيب ِ
والوعيد، ِ
الوعد ِ
والنهي، ِ
كاألمر ِ
البرشية ِ
واحلاجات احلقيق ّي ِة
ِ
ورشائط نياإلهلية ،العلو ِم الكَون ّي ِة ،وقوانِ ِِ واملعار ِف
ِ ِ
واألمثال ،األحكا ِم ِ
واإلرشاد ،ال َق َص ِ
ص
األخر ِو ّي ِة..
َ
ِ
واحلياة املعنو ّي ِة،
ِ ِ
واحلياة واحلياة ال َقلب ّي ِة،
ِ ِ
االجتامعية، ِ
واحلياة خص ّي ِة،
الش ِاحلياة َِّ
ِ ئت» ،بمعنى ّ ئت ملا ِش َ «خذ ما ِش َ ِ السائر بني ِ الم َث ُل
اآليات أن احلقيقةُ : أهل ُ حتى َيصدُ ُق عليه َ
ٍ
حاجة. لكلداء وغذا ًء ِّ لكل ٍ ُون دوا ًء ِّ مك ُن أن يك َ اجلامعي ِة ما ي ِ القرآني َة فيها من ِ
ّ ُ
الكامل الذين ِ أهل ِ
طبقات ِ الكام َل املط َل َق جلمي ِعِ ألن الرائدَُونّ ، نعم ،هكذا ينبغي أن يك َ
ِ
اخلاصية. العظيم -البدَّ أن يك َ
ُون مالكًا هلذه ُ
القرآن الر ِق ِّي -ذلك َيق َطعون
ُ املراتب َدو ًما إىل ُّ
َ
ٍ
طويلة و ُمنتَهاها لس ٍ
لة القرآن مبد َأ ِس ِ
ُ ِ
للقرآن؛ فقد َيذكُر ِ
المعج ُز الثالث :اإليجا ُز
ُ ◆الضَّ وء ُ
عوى؛ َصراح ًة ٍ ِ ٍ لسل َة ِ
بكام ِلها ،وقد ُي ِ ِذكرا لطي ًفا يري الس ِ
ين كثير ًة لدَ َ
در ُج يف كلمة واحدة براه َ ِّ ُ ً
مزا وإيما ًء ،فمثال:
ور ً وإشار ًة َ
﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ (الروم)22:
ِ
آيات ُ
سلسلة َون و ُمنتهاها ،وهي لق الك ِ ِ
سلسلة َخ ِ الكريمة تَذكُر َمبد َأ
ُ ُ
اآلية هذه
ِ
القار َئ َيقر ُأ السلسل َة األُوىل ،وذلك: ِ
ودالئله ،ثم ُتبيِّ السلسل َة الثاني َة ،جاعل ًة ِ
التوحيد
ِ
واألرض ،ثم ِ
الساموات لق ِ
احلكيم هي َخ ُ ِ
الشاهدة عىل الصان ِع َ
العال ِ
صحائف ولأن ُأ َ
ّ
ِ
الشمس املواس ِم بت ِ
َسخ ِري ِ ِ
احلياة ،ثم تبدُّ ُل بذ ِوي ِ
األرض َ وإعامر ِ
الساموات بالنجو ِم، ني ت ِ
َزي ُ
ُ
ِ
والنهار وتَعا ُقبِهام ..وهكذا تَدرجي ًّيا ِ
الليل ِ
اختالف ِ
الربانية يف ِ
الشؤون ُ
سلسلة ِ
والقمر ،ثم
ِ
مواض ِع أكثر
َشخصاتا التي هي ُ
يازها وت ُّ ِ واألصوات وامتِ َ
ِ ِ
املالم ِح حتى تَب ُل َغ ُخ ُصوص ّي َة
ِ
الكثرة. ِ
انتشار
حكيم يف ِ
أكثر ٍ عمل َق َل ِم َصنّا ٍع ِ
لأللباب ،وتَب َّي َن ُ حكيم حم ِّي ٌـر
ٌ فإذا ما ُو ِجدَ انتظا ٌم ٌ
بديع
ِ للمصادفة ظاهرا ،تلك هي م ِ ِ ِ ِ
املواض ِع ُبعدا ِ
وجوه الم ُح َ عن االنتظا ِم وأزيدها ت ُّ
َعر ًضا
ُفهم ِ ِ
ُّ
وتدل عىل بنفسها الظاهر نظا ُمها ت ِ ُ
ُ الصحائف األُ َ
خرى؛ َ اإلنسان وألوانُه ،فالبدَّ ّ
أن
صو ِرها البديعِ.ُم ِّ
��� � � � � � � � �
473 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
ِ
واألرض التي جع َلها ِ شاهدُ يف أصل َخ ِ ِ
الساموات لق أثر اإلبدا ِع واحلكمة ُي َ
ثم إنه ملا كان ُ
ظاهر جدا يف وأثر اإلبداعِ ِ أن َ الصانع احلكيم الحجر األساس للك ِ
َون ،فالبدَّ ّ
ٌ نقش احلكمة َ َ ُ َ ََ ُ
ِ
الكون. ِ
أجزاء سائر
ِ
الظاهر َفأ ِ ِ إجيازا لطي ًفا م ِ
وجزت و َأ َ
جم َلت. ْ وإضامر اخلفي
ِّ إظهار عج ًزا يف ُ فهذه ُ
اآلية َح َوت ً
بتد ِئة من ﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾
الرباهيـن الـم ِ
ُ
ِ إن سلسل َة
ح ًّقا ّ
﴿ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ (الروم)27: (الروم )17:إىل
جواهر، لس ُ
لة مرات ﴿ﮟ ﮠ ﴾ ﴿ ..ﮟ ﮠ ﴾ إنام هي ِس ِ ٍ َكر ُر فيها ِس ُّت
َ والتي َتت َّ
اجلواهر الكامن َة القلب أن ُأب ِّي َن إعجازي؛ َيتَمنَّى لة ٍ
إجياز إعجازِ ،س ِ
لس ُ ٍ لس ُ
لة نورِ ،س ِ لة ٍ لس ُ ِس ِ
َ ُ ٍّ
األمر إىل
َ الباب ،و ُأع ِّل ُق َ َحم ُله ،فال َأفت َُح ذلك فاملقام ال َيت ّ
ُ الكنوز ،ولكن ما ِحيلتِي ِ يف هذه
آخر بم ِش ِ ٍ
يئة اهلل. وقت َ َ َ
كلمة ﴿ ﭥ﴾ ِ ومثال ﴿ :ﭥ * ﭧ ﭨ ﭩ﴾ (يوسف )46-45:ف َبـني
ِ ِ ِ
رس ُلوه، الرؤياَ ،فأ َ َعب منه ُّ يوسف ألست ِ ََ التالية« :إىل العبارة كم ُن معنى وكلمة ﴿ ﭧ ﴾ َي ُ
خ َّل واحدة من دون أن ي ِ ٍ وجز عد َة جم ٍل يف ُج ٍ
لة جن ،وقال »..بمعنى أنه َأ َ الس ِ َ
ُ ُ َ فذ َهب إىل ِّ
أشكل يف َف ِ
همها. َ وح ِ
اآلية وال ُبو ُض ِ
ِ
القرآن ض َر ِّد عر ِ ومثال ﴿ :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﴾ (يس :)80:ففي َم ِ
عىل اإلنسان العايص الذي َيتَحدَّ ى اخلال َق بقوله ﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ (يس)78:
ِ ِ ِ
ويقول أيضا: ُ يقول ﴿ :ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ (يس)79: ُ
رميم.
يي العظا َم وهي ٌ
قادر عىل أن ُي َ
﴿ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﴾ ٌ
لس ِ
لة جهات ويثبِتُها ،إذ إنه يبدَ ُأ من ِس ِ
ٍ ِ
اإلحياء من عدّ ِة عوى
َ ُ يتوج ُه إىل َد َ
الكالم ّ
ُ فهذا
إل أنه َي ِ ِ ِ
تص ُـر عورهّ ،ثيـر ُش َ
حس َن اهلل هبا إىل اإلنسان ،ف ُيذك ُِّره هبا و ُي ُ اإلحسانات التي َأ َ
إن الذي َمنَحكُم من ِ
العقل ،أي ّ وج ُزه ُمحيال إ ّيا ُه عىل آيات ُأخرى ،و ُي ِالكالم ،ألنه َفص َله يف ٍ
َ َّ َ
ِ
والنباتات، الحبوب ِ
الرتاب واحلبوب ،ومن الر َ
زق ِ ِ
الشجر ال َّث َم َر
َ َ األعشاب ِّ والنار ،ومن
َ
لواز ِم حياتِكُم؛
جميع ِ ُ قرصا فيه ِ
جميع أرزاقكُم ،والعا َل َم ً ُ األرض َمهدً ا ،فيها
َ وقد َج َع َل ُ
لكم
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 474
تـركَكم ُسدً ى فت َِف ُّروا منه ،وتَـخت ُفوا عنه يف العد ِم؟ فال يمكن أن َتكُونوا ِ
فهل ُيمك ُن أن َي ُ
كسبتُم ! ٍ ِ ٍ ُسدً ى فت ُ
عما َ
رب وتَنا ُموا براحة دون إحيائكُم ودون سؤال ّ َدخلوا الق َ
بكلمة ﴿ ﮱ ﯓ ﴾: ِ مزا ُ
فيقول َر ً عوى: ٍ ثم ُي ِش ُري إىل
دليل لتلك الدَّ َ
أشجارا ال حدَّ هلا يف الربي ِع بعد فإن َمن ُي ِيي ِ
األشجارّ ، املنك ُر للحرش ..ان ُظر إىل «أهيا ِ
ً
ٍ خض ّرةً ،بل ُي ِ ِ
شجرة ظه ُر يف ِّ
كل أن ماتَت يف الشتاء و َأص َب َحت شبيه ًة بالعظا ِم ،و َيجع ُلها ُم َ
القدير ال ُتتَحدَّ ى ُقدرتُه إن هذا ِ
واألثامرّ .. ِ
واألزهار ِ
األوراق نماذج من احلرش ،يف َ ثالث َة
َ
احلرش». ِ
باإلنكار ،وال ُيستَب َعدُ منه
ُ
النار ،تلك املا ّد َة اخلفيف َة النوران ّي َة،
خرج لكم َ«إن الذي َأ َويقولّ : ُ آخر شيـر إىل ٍ
دليل َ ثم ُي ُ
وش ٍ ِ ٍ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
عور كالنارُ ، لطيفة حياة الثقيل املظل ِم ،كيف تَستَبعدُ ون منه َم َ
نح الكثيف الشجر من
ُّور لِ ِعظا ٍم كاحل َط ِ
ب». كالن ِ
املشهور لدَ ى ال َب ِ
دو ِّيني ِ جرالش ِ «إن الذي َي ُل ُق َ
النار من َّ ُ
ويقولّ : آخر ٍ
بدليل َ رص ُحثم ُي ِّ
إحداها َم ً
نشأ ُ ُ
وجيعل ِ
واحلرارة)، ِ
(الرطوبة وجيمع بني ِصفتَني ُمتضا ّدتَني بِ َح ِّك ُغصن ِ
َني م ًعا،
ُ
َحر ُك ُبق ّوتِه ِ كل ٍ أن َّ
خرىَ ،يدُ ُّلنا عىل ّ ل ُ
والطبائع األساس ّي َة إنام َتت ّ
َ العنارص األصلي َة
َ يشء حتى أل َ
اخلالق العظيم ال ي ِ َحر ُك ُسدً ى ب َطبيعتِه؛ فهذا َ ِ
مك ُن أن ُيستَبعدَ ُ ُ ُ أمره ،وال يش َء منها َيت ّ وتتَث ُل َ
ِ
صيان». الرتاب وأعاده إليها -فال يتَحدَّ ى ِ
بالع ِ ِ
الرتاب -وقد َخ َلقه من ِ
اإلنسان من منه إحيا ُء
ُ َُ
ِ ِ
املشهورة، وسى عليه السالم ثم بعد ذلك ُيذك ُِّر بكلمة ﴿ ﮱ ﯓ ﴾ شجر َة ُم َ
عوى األمحد ّي َة عىل صاحبها الصالة والسالم ِ
األنبياء إيما ًء لطي ًفا ّ ومئ إىل ات ِ ِ
بأن هذه الدَّ َ ِّفاق ف ُي ُ
ِ ِ
آخر. إجياز هذه الكلمة لطاف ًة ُ
وحسنًا َ َ وسى عليه السالم ،مما يزيدُ عوى ُم َهي ب َعينها َد َ
أنضوح ّ
ٍ لش ِ
وهدَ ُبو َّظر فيه ُ ِ
عجزٌ ،فلو ُأنع َم الن ُوم ِ جامع ُ
ٌ ِ
القرآن إن إيجا َزالرابعّ :
ُ ◆الضَّ وء ُ
ين عام ًة طويل ًة، ِ ِ خاص ٍة، ٍ ٍ
دساتير كلي ًة واسع ًة و َقوان َ
َ زئي ويف حادثة ّ َ
القرآن قد َب َّين يف مثال ُج ٍّ
آالف َأمثلتِه.
ني اثنَني من ِ واس ًعا؛ َسنُشري إىل ِمثا َل ِ
ماء بحرا ِ ِ ٍ
ُ وكأنه ُيبيِّ ُ يف ُغرفة َ ً
ِ األو ِل من األو ُل :هو ُ
«الكلمة رحها يف املقا ِم ّ الثالث التي َف َّصلنا َش َ
ُ اآليات
ُ املثال ّ
��� � � � � � � � �
475 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
يم مجي ِع ُ ِ ُ األسماء ك َّلها تُفيدُ العرشين» ،وهي :أنه بتَعلي ِم آد َم عليه السالم
الكريمة :تَعل َ اآلية َ
مة لِ َبني آد َم.
نون المله ِ
ُ َ
العلو ِم وال ُف ِ
ُ
نشأ ٍ
واحد ،من دون أن َي َ وض ٍع ِ
الكثرية يف م ِ املختل ِ
فة ِ ِ
األجناس ح ًّقاَّ ،
إن َج ْم َع مجي ِع هذه
َ
إعجاز َق ّه ٍار ليس َّ
إل. ِ َشو ٌش ،إنام هو ُ
شأن نظا ِم ٌ
اختالط وت ُّ ُ
اختالل نظا ٍم أو منه
يانات نافِ ٍ
ّب ،بب ٍ تار العادي ِ َمز َيق ِس ِ إن ت ِ
ذة، اجلهل املرك ِ َ ِ ات ،التي هي َمصدَ ُر ّ وح ًّقاَ ،
يم ِ ٍ الس ِ العادات المتست ِ ِ وار ِق خراج َخ ِ واستِ
وإظهارها بجالء ،وتَحط َ َ تار حتت ذلك ِّ ِّرة َ ُ َ َ
ب يت ُح ُج ِ األملاسية ،وتَشتِ َ
ِ ِ
الرباه ِ
يـن الضاللة -بس ِ
يوف ُ
ِ منبع
طاغوت الطبيعة -التي هي ُ
ِ ُ ِ
ِ عدِ َّ ، يحات مدو ٍية كالر ِ ٍ ِ ِ
جيب عمى ال َع ِ وحل ط ْل َس ِم الكَون املغ َل ِق ُ
والم َّ َّ ُ ِّ نَو ِم الغفلة الكثيفة َ
بص
ِ
القرآن إل من ُصن ِع هذا الفلسف َة البرش ّي َة واحلِكم َة اإلنسان ّي َة ..ما هو ّ َ ـم الذي َأ َ
عج َز للعا َل ِ
للحق. املظه ِر ِ
للهدايةِ ، يب ،المانِ ِح الم َّط ِل ِع عىل ال َغ ِ ِ ِ ِ ِ
املعج ِز
ِّ البصيـر باحلقيقةُ ، البيان،
وهدَ ت أهنا ال تُشبِ ُه فكرا ِ
اإلنصافُ ،ش ِ الكريم ب َع ِ ِ نعم النَّ َظر يف ِ ِ
ني ِ القرآن آيات ُ نعم ،إذا ُأ َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 478
احلال يف ِ ِ ت ِ
ُب ،بل إهنا ُت ْل َقى سائر ال ُكت ِ ين كام هو ُ قصدَ ِ َدرجي ًّيا ُمت ََسلس ًل ُيتابِ ُع َم َ
قصدً ا أو َم َ
طائفة منها ت َِر ُد معا إنام ت َِر ُد ُمست َِق ّل ًة
ٍ أن َّ
كل وأن عليها عالم َة ّ
وآينّ ، ِ
ور َدفع ٌّي ٌّ إلقا ًء ،وهلا َط ٌ
واجلدِّ ّي ِة.
غاية األمهِّ ّي ِة ِ
رة يف ِ كان َق ِصي ِضمن ُماب ٍ
َ َ ٍّ
ومن م ٍ
َ
ورودا و ِج ًيزا منَجمِ ،
ُ َّ ً ُُ ً َ
ِ جري هذا الكالم الوثِ َيق الص ِ
لة بالك ِ ِ
وبخالق َون ِّ َ يع أن ُي ِ َ
رب العاملني َيستَط ُغير ِّ نعمَ ،من ُ
َّجاو ِز ف َيتَك َّل ُم ِ ِ ِ
َجاو ُز حدَّ ه بام ال َحدَّ له من الت ُ
غيره تعاىل َيت َ
الصورة اجلا ّدة؟ و َمن ُ الكَون وهبذه ُّ
يحا كهذا؟ ِ ِ ِ ِ باسم اخلالِ ِق ذي
ِ
وباسم الكَون كال ًما َصح ً اجلالل ب هواه حس َ
َ
احلق السامي الكالم اجلا ُّد ُّ رب العاملني ..هذا ِ ِ ِ
ُ كالم ِّ
ـي يف القرآن أنّه ُ نعم ،إنه واض ٌح َجل ٌّ
يد ،فلو َف َرضنا ُماال ّ َّقل ِ
ُومئ بالت ِ ِ ٍ ِ
أن هناك ص ،ليس عليه أ ّي ُة أمارة كانت؛ ت ُ احلقيقي اخلال ُ
ُّ
العزةِ ِ ِ ٍ الكذ ِ ِ ِ
او َز َحدَّ ه بغري ُحدود ف َق َّلدَ كال َم خالقه ذي ّ اب الذي َت َ َمن هو م ُثل ُم َسيلم َة ّ
آالف من َظه ُر ٌ ِ نفسه ُمتك ِّلام ِ بنات فِ ِ ِوت وتَك َّلم من ِ واجلرب ِ
عن الكَون ،فالبدَّ أنه َست َ كره ناص ًبا َ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
سمى ورا َأ َ وآالف من َعالمات الغ ِّش وال َّت َك ُّلفّ ،
ألن َمن َيتَل َّب ُس َط ً ٌ أمارات التَّقليد والت ََّصنُّ ِع
تدل عىل الت ِ
َّقليد والت ََّصنُّعِ. حالة من حاالتِه ُّ كل ٍ أن َّ شك ّنيئة ال َّبكثيـر من حالتِه الدَّ ِ ٍ َ
وأعل
نع ِم النَّ َ ُعلن هذه احلقيق َة بال َقس ِم و َأ ِ ِ ِ
ظ َر فيها ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ َ فان ُظ ْر إىل هذه اآلية التي ت ُ
* ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ * ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ (النجم.)4-1:
ُ
الثالث عاع ُّ
الش ُ
يوب ،ودَيمُومَة ِ شباب ِه، إعجاز ُ القرآ ِ
ن ا�لكري ِم الناشئ ُ من إخبارِه عن الغ ُ ِ
س
من النا ِ ٍ وصلاحِه ِ ِّ
لكل طبقة َ
ثالث ج َل ٍ
وات: ُ َ الشعا ِع
وهلذا ُّ
* ﮣ ﮤ ﴾ (القلم ﴿ ،)6-5:ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ * ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ
ِ
الكتاب ألن ال َعز َم عىل طب ِعُوضح هنا ّ
تفاسري كثريةٌ ،فلم ت َّ
ُ وض َحتها ِ
الغيبّ ، اآليات التي تُنبِئ ُعن ُ ( )1هذه
مة ُمق َفل ًة( ،املؤ ِّلف)
الكنوز الق ّي ُ
ُ ِ
االستعجال ،لذا ظ ّلت تلك قديمة عرب ّي ٍة َد َف َع املؤ ِّل َ
ف إىل خطأ ٍ ٍ
بحروف
��� � � � � � � � �
481 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
ٍ
طفيفُّ ،
يدل فقدُ دعواه لخطأٍ
ني وانتقاداتِهم ،وربام ي ِ املعرت ِض َ
ِ ِ
العرتاضات عر ٌض
ُ َّ َ َمن هو ُم َّ
دالل ًة قاطع ًة عىل أنّه يتَل َّقى الدرس من ُأ ِ
ستاذه األَ َز ِّيل ثم يقو ُله للن ِ
ّاس. َ َ َ
َضا َفت ًّيا.كل ٍ ِحافظ عىل َشباب ّيتِه و ُف ّتوتِه حتى كأنه َي ِنز ُل يف ِّ
َ َ ّ
عرص ن ً الكريم قد
َ القرآن إن
البرش يف مجيع ال ُع ِ
صور ِ ِ
طبقات مجيع ِ ِ َ نعمّ ،
ب َ أزيل ُياط ُ
طاب ٌّ
الكريم ألنه خ ٌ
َ القرآن إن
ظه َر شا ًّبا وهو كذلك كام َ ِ
كان، تكون له َشباب ّي ٌة دائم ٌة كهذه؛ فلقد َ َ باشا َي َلز ُم أن
خطا ًبا ُم َ ً
ِ ِ املختل ِ
ِ ِ ٍ حتى إنه َين ُظ ُر إىل ِّ
األفكار واملتباينة يف الطبائ ِع ً
نظرا كأنه فة يف العصور عرص من كل
األنظار. فق مقت ََضياتِه مل ِّقنًا دروسه م ِ
لفتًا إليها ِ
َ ُُ َ ُ ُ وو َ ُ
العرص َ خاص بذلك ٌّ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 482
ِ
القرآن وقوانينَه َهر ُم مث َله ،و َتتَغ َّي ُـر وتُبدَّ ُل؛ ّ
إل ّ
أن أحكا َم ِ ِ ّ
يب وت َ
البرش وقوانينَه تَش ُ آثار
إن َ
بحيث تَظهر متا َنتُها أكثر ك َّلام مر ِ ِ
العصور.
ُ ت َّ َ ُ َُ َ الثبات والرسوخِ هلا من
ٍ ِ ِ إن هذا العرص الذي اغتر ِ
عرص أي وأصم ُأ ُذنَيه عن سام ِع القرآن َ
أكثر من ِّ َّ بنفسه َّ َ نعمّ ،
القرآن الذي ُي ِ
اط ُب ُهم بـ ِ ِ
إرشاد أحوج ما يكُونُون إىل خاص ًة، ِ َ
ُ الكتاب منهم ّ وأهل مىض،
ِ
العرص وج ٌه إىل هذا
اخلطاب ُم َّ
َ كأن ذلك ﴿ ﭫ ﭬ ﴾ ﴿ ﭫ ﭬ ﴾ حتى ّ
ِ ِ َضم ُن معنًىَ : ِ
بالذات إذ إن َ
احلديثة أيضا! الثقافة أهل لفظ ﴿ أهل الكتاب﴾ َيت ّ
بكل شـدّ ٍة
أقطار العا َلـم ِّ ِ
اآلفـاق و َيمأل ِ
أجـواء دوي يف ِ ُ
َ فالقرآن ُيطل ُق ندا َءه ُي ِّ
فيقول ..﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ُ ٍ
وشباب ٍ
نضارة ِّ
وبكل وقـو ٍة
ّ
ﭲ( ﴾..آل عمران.)64:
الدساتيـر واألُ ُس ُس التي تَستنِدُ إليها هذه املدن ّي ُة احلارض ُة هي التي جع َلتها عاجز ًة ُ فهذه
ت البق ّي َةالبرش سعاد ًة ظاهري ًة ،بينام أل َق ِ
ِ -مع َماسنِها -عن أن تَمنَح سوى عرشين ِ
باملئة من
ّ َ
ٍ
وتعاسة و َق َل ٍق. ٍ
شقاء إىل
«القو ِة»،
ّ احلياة االجتامع ّي ِة بدال من ِ ٍ
استناد يف «احلق» نقط َة
َّ َقبل ِ
القرآن فهي ت ُ ُ
حكمة أما
دستور «املنفعة» ،وتت ِ
ّخ ُذ ِ من ُ ِ َ وجتعل ِ ُ
َ واهلدف ،بدال َ
ُ الغاية الفضائل» هو و«نيل «ر َض اهلل»
نف ين والص ِ َلتز ُم «رابط َة الدِّ ِدستور «الصِّ اعِ» ،وت ِ ِ احلياة ،بدال من ِ أساسا يف «التعاو ِن»
ِّ ً ُ
وجتعل غاياتِـهاُ اجلامعات ،بدال من «العنرص ّي ِة» و«القوم ّي ِة السلب ّي ِة»، ِ لربط ِ
فئات والوطن» ِِ
ِ ني م ِ
شاع ِرها ِ ِ ِ ِ او ِز
السامية األمور وتَطم َ َ وح إىل معايل الر ِ ودفع ُّ
َ األمارة، النفس «الحدَّ من َت ُ
ِ
اإلنسان إنسانًا ح ًّقا». ِ
جلعل ـل ال ُعلياوالم ُث ِ ِ ِ لس ِ
نحو الكامل ُ وق اإلنسان َ َ
«التعاو ِن» هو َ
وشأن ِ
«الفضيلة» هو «التَّسانُدُ »، َ
وشأن «االت ُ
ِّفاق»، «احلق» هو ِِّ إن َش َ
أن ّ
ُ
ِ
النفس وك ِ
َبح َ
وشأن «إجلا ِم ُف»، ين» هو «األُ ّ
خو ُة والتكات ُ وشأن «الدِّ ِ
َ لآلخ ِر»،كل َ«إغاثة ٍّ
ُ
ِ
الكامل» هو «سعاد ُة الدَّ َار ِ ِ ِ ِ
ين». وح وح ِّثها َ
نحو الر ِ
جـامحها وإطالق ُّ
من ِ احلكيم مع ما َأ َ
ِ ِ ِ وهكذا ُغ ِلب ِ
ت المدن ّي ُة
خذ ْت من َمحاس َن َ القرآن احلاض ُة أما َم َ
ِ
الكريم. ِ
من القرآن ِ ِ
األديان السابقة ،والس َّيام َ
مسائل فحسب من بني ِ
آالف ُ َ ِ
املثال -أربع َة ِ
سبيل ◆وفي الدرجة ِ الثالثةِ :سن ِّ ُ
ُبي -عىل
ِ
املسائل:
ِ
األزل ،فهي باقي ٌة الكريم وقوانينَه ألهنا ٌ
آتية من ِ ِ
القرآن دساتيـر املسأل ُة األوىلّ :
إن
َ
ومتوت ،بل القوانني املدن ّي ُة َهر ُم َهر ُم أبدا وال ُي ِصي ُبها ِ ٌ
ُ ُ الموت ،كام ت َ
ُ وماضية إىل األبد ،ال ت َ
ٍ
زمان. كل هي شا ّب ٌة وقو ّي ٌة دائام يف ِّ
� ا �ل��ك�ل�م�ا ت 484
ؤسساتِها ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ إن املدن ّي َة ِّ
بكل َج ْمع ّياتها اخلري ّية ،وأنظمتها الصارمة و ُن ُظمها اجل ّبارة ،و ُم َّ فمثالّ :
اهنارت أما َم ُهام، ِ ِ ُعارض َمسألت ِ
تستطع أن ت ِ ِ الرتبو ّي ِة األخالق ّي ِة مل
الكريم ،بل َ القرآن َني من
ومها يف قولِه تعاىل ﴿ :ﮝ ﮞ ﴾ (البقرة )43:و ﴿ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾
(البقرة.)275:
ِ إن ُأ َّس َأ
بمقدِّ مةّ : ِ
ساس مجيع القرآين املعج َز وهذه الغالب ّي َة ُ
َّ الظهور
َ س ُنبيِّ ُ هذا
منبع مجي ِع كلمة واحدةٌ ،كام ّ
أن ٌ اإلنساين إنام هو ِ
ورات يف املجتمع ِ
رابات وال َّث اال ِ
ضط ِ
َ ِّ
ِ
اإلعجاز». ِ
«إشارات ِ
الرذيلة كلم ٌة واحد ٌة أيضا؛ كام ُأثبِ َت ذلك يف ِ
األخالق
من اجلوعِ».
وت غريي َ «إن َشبِ ْع ُت ،فال َّ
عيل أن َي ُم َ الكلم ُة األولىْ :
أنت ألست ِ ِ
يح أنا».
َـر َ ب َ أنت ،آلك َُل أنا ،وات َع ْ
ب َ الكلم ُة الثاني ُة« :اكتَس ْ
ِ
القائم بني التواز ِن
ُ ِ
باملحافظة عىل إل العيش بسال ٍم ِ
ووئا ٍم يف جمتم ٍع ّ ُ نعم ،إنه ال ي ِ
مك ُن ُ
التواز ِن هو ِ ِ
اخلواص
ِّ ُ
رحمة ُ اخلواص والعوا ِّم ،أي بني األغنياء والفقراء؛ و َأ ُ
ساس هذا ِّ
للخواص.
ِّ ُ
وإطاعة العوا ِّم واحترا ُمهم وش َف َقتُهم عىل العوا ِّم،
َ
ُ
الثانية ُ
الكلمة والفساد ،ود َفع ِ
ت ِ الخواص إىل ال ُّظ ِ
لم إن الكلم َة األوىل قد سا َق ِ
ت فاآلنّ ،
َ َ َّ
ٍ
لعصور َخ َل ْت ،كام هو َ
واألمان ت البرش ّي ُة الراح َةقد واحلس ِد والرصاعِ؛ فس ِلب ِ العوام إىل احلِ ِ
ُ َ ََ َّ
ِ ِ ِ
وأصحاب القائم بني العاملني ِ اجلسام بالرصا ِعُ حوادث َأ ُ
ور ّبا ُ هرت حيث َظ َ
العرصُ ، يف هذا
املال كام ال َي َفى عىل َأ ٍ
حد. رأس ِ ِ
ِ
املحكمةَ ،فأس َكتَتها و َأص َب َحت حاشي ًة حمكمة التمييزُ ،أ ِلق َيت أما َم
ِ ِ
املرفوعة إىل ِ
الالئحة من
( )1هذه فقر ٌة َ
ِ ٍ ِ ِ ِ هلذا املقام :وأنا ُ
احلق بعينه،
إهلي وهو ُّ إن إدان َة من ُيفسِّ ُ أقدَ َس دستور ٍّ أقول ملحكمة وزارة العدل! ّ
حياتم االجتامعي ِة ،خالل ألفٍ ِ ِ
ثالث مئة ومخسون مليونا من املسلمني يف كل عرص يف ِ ٍ ُ تك ُم إليهوي َِ
ّ ُ
ٍ
ثالث مئة ومخسون ُ َّفق عليه وصدَّ ق به ِ ٍ
وثالث مئة ومخسني عاما ،هذا املُفسِّ ُ اس َتنَدَ يف تفسريه إىل ما ات َ ِ
أقول: ِ ٍ ِ ٍ
السابقون يف ألف وثالث مئة ومخسني سن ًةُ .. ُ ألف ُمفسِّ ٍ ،واقتدَ ى بالعقائد التي دان هبا أجدا ُدنا
َ
ا �ل��ك�ل�م�ا ت
� 486
منع كذلك ِّاتا َذ ٍ َ الرابعّ :
يمنع عباد َة األصنا ِم بشدّ ةَ ،ي ُ الكريم مثلام ُ َ القرآن إن ُ األساس
ُ
ِ ِ ِ
الص َو َر من نوع من تَقليد عبادة األصنا ِم؛ أ ّما املدن ّي ُة احلاض ُة فإنـها َت ُعدُّ ُّ الص َو ِر الذي هو ٌ ُّ
ِ او ُل أن ت ِ وت ِ وفضائلها ُ ِ
غريها، الص َو َر أ ًّيا كانت ،ظ ِّل ّيـ ًة أو َ أن ُّ واحلال ّ ُ َ
القرآن؛ ُعار َض مزاياها
َدفع حيث تُه ِّي ُج األهوا َء وت ُ ُ متجس ٌم، ِّ هوى متجسدٌ ،أو ً ِّ تح ِّج ٌر ،أو ريا ٌء لم ُم َ فهي إ ّما ُظ ٌ
واهلوى. ِ ِ َ
الظلم والرياء َ اإلنسان إىل
ِ ِ
هن حلرمت َّ بحجاب احلياء ،رحم ًة ِهب َّن وصيان ًة ُ ِ بن يأمر النسا َء أن َيحت َِج َ القرآن ُ َ ثم ّ
إن
اللطيفةُ ِ
املصاد ُر والرأفة ،وتلكِ الش َف ِ
قة معاد ُن َّ الثمينة ِ ُ ِ
املعاد ُن وكرا َم ِته َّن ،ولكي ال تُهان تلك
ِ ِ ِ ِ ِ
الرذيلة و ُمتع ًة تافه ًة هلوسات ُن آل ًة الذ ِّل واملهانة ،ولكي ال َيك َّ حتت أقدا ِم ُّ والرمحةَ ، للحنان
ِ ِ أخرجت النسا َء من َأ ْو ِ ِ ال قيم َة هلا؛( )1أ ّما املدن ّي ُة فإهنا قد
هن وبيوت َّن و َم َّز َقت حجا َب َّ هن
كار َّ
وم باملح ّب ِة واالحرتا ِم املتبا َد ِل أن احليا َة العائل ّي َة إنام تدُ ُ بالبرشية أن ُي َج َّن جنونُهاِ ،علام ّ ِ وأ َّدت
زيالن تلك املح ّب َة اخلالص َة واالحرتا َم اجلا َّد ِ والتبـر ُج ُي ف
التكش ُ ُّ والزوجة ،بينامِ ِ
الزوج بني
ُّ
هد ُمها ك ِّليـًّا ،ويؤ ِّدي األخالق وي ِ امن احليا َة العائلي َة ،والسيام الو َلع بالصو ِر فإنه ي ِ ويسم ِ
َ َ فسدُ ُ َ ُ ُّ َ ّ ُ ِّ
فهم هذا باآليت: ِ الر ِ ِ
وح وتردِّهيا ،و ُيمك ُن ُ إىل انحطاط ُّ
َنتظر الرحم َة وتَرجوهاِ ، ِ ٍ ِ ٍ كام ّ
يهدم ُ اهلوى وبشهوة إىل جنازة امرأة حسنا َء ت ُ النظر بداف ِع َ أن َ
ات نساء حي ٍٍ تات أو إىل ُص َو ِر نساء مي ٍ ٍ بشهوة إىل ُص َو ِر ٍ النظر األخالق و َي ُح ُّطها ،كذلك َ
ّ ِّ ُ
وي ِد ُمها. ِ
زعز ُع مشاع َر اإلنسان و َيع َب ُث هباَ ،
ِ هلنُ -ي ِ ٍ
جنائز ُمص ّغرة َّ َ -وهي يف ُحكم
ِ
األرض، العدالة ،إن كانت هناك عدال ٌة عىل ِ
وجه ُ ظالـم البدَّ أن تَر ُف َضه قرار الـمفس ِ إن إدان َة هذا
ّ
ٌ ـر ٌ ِّ
بح ِّقه وت َُنق َضه( ،املؤلف) ِ
كم الصاد َر َ الـح َ
والبدّ أن ت َُر َّد ذلك ُ
ِ
احلجاب فع ِ إن اللمع َة الرابع َة والعرشين تُثبِ ُت بقطع ّي ٍة تا ّم ٍة ّ(ّ )1
فطري جدا للنساء بينام َر ُ
ٌّ أمر
احلجاب ٌ
َ أن
ينايف فِ َ
طرت َّن( ..املؤلف)
��� � � � � � � � �
487 �������� ���� ���������� ��������� � � ���������������� � -�
فإن املعنوي ،كذلك ّ ِ
القرآن ِ
إعجاز ِ
احلقيقة -إزا َء ِ
زاوية إفالسها -من ظه ُر ِ
ِّ ُ االجتامع ّية ،ف َي َ
ِ ِ املواز ِنة بينها وبني وح املدن ّي ِة) عند ِ
القرآن حكمة َ البشـر (التي هي ُر ُ ور َّبا وحكم َة فلسف َة َأ ُ
عجزةً، ِ
القرآن م ِ ُ
وحكمة رت عاجز ًة ِ
السابقةَ ،ظ َه ْ والعرشين مس ِ
الكلامت اخلَ ِ ِ
بموازين
ُ َ
ِ
الفلسفة ِ
حكمة عجز
َلم َس َ شئت فراج ِع «الكلم َة احلادي َة َع ْشةَ» و«الثاني َة َع ْشةَ» لت ِ وإن َ
وغناها.القرآن ِ
ِ ِ
حكمة وإعجاز
َ وإفالسها
َ
لم ِّي وال َع َميلِّ ، الع ِالقرآن ِ
ِ ِ
حكمة ِ
إعجاز أن المدن ّي َة احلارض َة ُغ ِل َب ْت أما َم وأيضا ،فكام ّ
والنسبة بينَهام أشب ُهُ القرآين وبالغتِه؛
ِّ ِ
األدب آداب املدن ّي ِة و َبالغتُها فهي َمغلوب ٌة أما َم كذلك ُ
عاشق َع ٍ ِ زن القاتِ ُم تكون بب ِ
فيف ٍ إنشاد واليأس ِ
املر ُير ،إىل ُ الح ُ
لؤه ُ يتيم َف َقدَ َأ َبويه ُبكا ًء ِم ُ
كاء ٍ ُ ُ ما
نسبة ُصراخِ ِس ِّك ٍير َيتَخ ّب ُط واألمل ..أو ُ ُ الش ُ
وق لؤه َّ األمد ِغنا ًء ِم ُ
ِ ِ
قصير حزين عىل ٍ
فراق ٍ
ِ
واألموال وبلو ِغ ذل ال َغوايل من األن ُف ِ
س سافل ،إىل قصائدَ محاس ّي ٍة ت َُح ُّض عىل َب ِ ٍ يف وض ٍع
األسلوب ،إما ي ِ ِ ِ
الفرح،
َ زن وإ ّما الح َورثان ُ ِ ّ ُ تأثري
حيث ُ ُ ألن األ َد َب والبالغ َة من النصـرّ ،
والحزن نفسه ِق ِ
سامن: ُ ُ
ٌ
حزن واألخل ِء ،وهو
ّ وجود األح ّب ِةِ نبع ٌث من َف ْق ِد األح ّب ِة ،أي من عد ِم
زن م ِ
إ ّما أنه ُح ٌ ُ
ِ ِ ُ ِ امللو ُثة م ِ
بالطبيعة؛ وإ ّما أنه بالغفلة واملعتقد ُة واملشوبة بالضاللة كئيب تور ُثه المدن ّي ُة َّ
ٌ ظل ٌم ُ
ٍ ُ ولكن فرا َقهم ِ ِ
ناشئ من ف ِ
يبعث عىل حزن ين ُُّم َّ وجو ُدون،أن األح ّب َة َم ُ
راق األح ّبة ،بمعنى ّ ٌ
املنري. ُ ِ احلزن هو الذي ِ
يور ُثه ُ ِ عن َل ِ
القرآن اهلادي ُ االشتياق ،فهذا وعة
أما ال َفرح والسور فهو أيضا ِق ِ
سامن: ُّ ُ ّ َ ُ
ِ ِ أدب م ِ ِ ِ
امئي آداب املدن ّية من ٍ َ َ
رسح ٍّي وسين ٍّ شأن ِشهواتا ،هذا هو ُ النفس إىل
َ األو ُلَ :ي ُ
دفع ّ
ور ِ
وائ ٍّي. ِ
وصور ٌة ممكن ٌة، ِ ٌ ور ًة حمال ًة و ُمبا َلغ ًة بالغ ّي ًة! َ
يـن احلقيقةُ ،
بالغة هي َع ُ حاش هلل! بل إهنا ُص َ
وليست حمال ًة ُّ
قط. ِ
وواق ٌ
عة َ
اإلنس ِ
واجل ُّن الذي مل َي َّ أمجل ما يقو ُله
اجتمع ُ الصور ِة هو أنه ِ ِ
رتشح ُ َ لو فأحدُ وجوه تلك َُّ
ِ
ظهر مثي َله. ِ ِ ِ ِ
قط ولن ُيامث َله ،لذا مل َي َ
القرآن ُّ
َ من القرآن وال هو من َمتاعه ،فال ُيامث ُل
ِ
أفكار نتائج واآلداب األجنب ّي َة التي هي ِ
الفلسفة أن املدن ّي َة وحكم َة
اآلخ ُرّ :
والوج ُه َ
ُ َ َ
العجز أمام أحكا ِم القرآنِ ِ ِ ِ
واإلنس وحتى الشياط ِ ِ
ِ َ ُ
وحصيلة أعاملم ،هي يف َد َركات ني ِ اجل ِّن
وحكمتِه وبالغتِه ،كام قد ب ّينا أمثِل ًة منها.
اجلَلو ُة الثالثة
س ِ كل طبقة ٍ من ط
َبقات النا ِ ِ
خطابُه َّ
عرص من ال ُع ِ
صور ،وكأنّه ٍ كل ِ
البرش يف ِّ ِ
طبقات ٍ
طبقة من ب َّ
كل ِ َ ّ
احلكيم ُياط ُ
َ القرآن إن
مجيع بني آد َم يدعو
القرآن ُ ُ لما كان ِ ِ
َ خاصا إىل تلك الطبقة بالذات ،إذ ّ ًّ َوج ًها توج ٌه ت ُُّم ِّ
ِ ِ ِ
أسمى العلو ِم وأد ُّقها ،وإىل معرفة اهلل التي هي َأ َ
وس ُع بطوائفهم كا ّف ًة إىل اإليامن الذي هو َ
تنوعا ،فمن األلز ِم ِ ِ
وأكثرها ً ُ املعارف وأنورها ،وإىل األحكا ِم اإلسالمية التي هي ُّ
أهم ُ العلوم
الدرس واحدٌ ، ُ
واحلال ّ
أن وكل طائ َف ٍة من الناس درسا ي ِ
ناس ُبهم؛ كل نَو ٍع َّ إذن أن ُيل ِّقن َّ
َ َ ً ُ
ٍ
طائفة من نفسهُّ ،
فكل الدرس ِ ِ ِ
الفهم يف ٍ
طبقات من ِ
وجود وليس ُم ِتل ًفا ،فالبد إذن من
ِ
القرآن. ِ
مشاهد شه ٍد من ِ تأخذ ح َّظها من
ُ ِ
الدرس من َم َ درجاتا- ب-حس َ َ الناس
ِ
باإلشارة إىل ِ
فنكتفي احلقيقةِ ،
يمكن مراجعتُها ،أ ّما هنا ِ ٍ
كثرية هلذه ٍ
بأمثلة ولقد وا َفينا
ب. ِ حظ ٍ
طبقة أو َطبقت ِ ٍ
أجزاء منها ،وإىل ِّ بض ِع
فح ْس ُ
الفهم َ َني منها من
الشعل ُة الثانية
ُّ
شعلة ُ لها ثلاثة ُ أنوا ٍر
هذه ال ُّ
األول
النور ّ
ب والتناس َ
ُ نيالفائق َة والتسانُدَ املتِ َ
الرائق َة والسالم َة ِ
َّ َ
القرآن الكريم قد مجع السالس َة ِ
َ َّ َ َ َ ّ
إن
ومقاص ِدها،ِ ِ
اآليات الرفيع بني
َ والتجاو َب
ُ ِ
وهيئاتا، جل َم ِل القوي بني ا ُ
َّ والتعاو َن
ُ ني
الرص َ ِ
ـخ َش ِّي كالز َم ْأئم ِة هذه العلو ِم َّ ٍ ِ
وعلم املعاين وشهادة ُألوف من ّ ِ ِ
البيان بشهادة ِع ِ
لم ِ
ت ُّل بذلك أسباب مهم ٍة ُ ِ ٍ أن هناك ما ُي ِ
قار ُب تسع َة رجان ،مع ّ جل ِ ِ ِ والسك ِ
ّ ِّ القاهر ا ُ وعبد ّاك ِّي َّ
والسالمة؛ فلم تُؤ ِّثر تلك األسباب يف اإلفسادِ ِ والتساند والسالسةِ ِ ب والتعاونِ التجاو ِ