You are on page 1of 934

‫ت��ر ج��م ة�‬

‫�ل‬ ‫ِس‬
‫�لصا ح ي�‬
‫سا� ق��ا م ا َّ‬ ‫إ��ح ن‬
‫َوبه نَستَع ُ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫العالَم َ‬
‫ني‬ ‫احل َ ْم ُد  َر ّب َ‬
‫ِ‬
‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ ُ َ َّ َ‬
‫السل ُم َعل َس ِي ِدنا م َّم ٍد‬ ‫والصلة و‬
‫أجع َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫آ‬ ‫ََ‬
‫ني‪.‬‬ ‫َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه ِ‬

‫ُّأيا ُ‬
‫األخ!‬
‫من‬ ‫َ ِ‬ ‫سدي َ‬ ‫النصائ ِح‪ ،‬فها أنَذا ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫حقائق ض َ‬ ‫بضع‬
‫َ‬ ‫إليك‬ ‫بعض‬ ‫لقد سألتَني َ‬
‫ُ‬
‫تكون إىل‬ ‫وج ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أح َ‬‫ثامين حكايات قصرية‪ ،‬فاستمع إليها مع نفس التي أراها ْ‬
‫خاطبت هبا‬ ‫ُ‬ ‫سكرية لكونِ َك ج ِ‬
‫ند ًيا‪ ،‬فلقد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأمثلة َع‬ ‫ور ُدها لك‬ ‫وسأ ِ‬
‫يحة‪ُ ،‬‬ ‫الن َِّص ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كريامت‪،‬‬ ‫«كلامت» أ َفدتُها من ثامين ٍ‬
‫آيات‬ ‫ٍ‬ ‫سه ًبا‪ ،‬يف ثامين‬ ‫ِ‬
‫نفيس يو ًما خطا ًبا ُم َ‬
‫الرغب َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أذكرها َ‬
‫فمن َيد يف نفسه َّ‬ ‫كرا ُمقت ََض ًبا‪ ،‬وبلسان العوا ِّم‪َ ،‬‬‫اآلن لنفيس ذ ً‬ ‫ُ‬
‫مع معنا‪.‬‬ ‫الس َ‬ ‫فل ُي ِ‬
‫لق َّ‬
‫ل��ل �ة ا � �أ �ل�‬
‫�‬
‫�‬ ‫�‬
‫�‬ ‫ا‬
‫�‬
‫وى‬ ‫�‬ ‫�‬
‫�‬
‫ل‬ ‫�‬
‫م‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ك‬
‫�﷽‬
‫أيضا ن ِ‬
‫َسته ُّل هبا‪.‬‬ ‫فنحن ً‬
‫ُ‬ ‫أمر ِذي ٍ‬
‫بال‪،‬‬ ‫كل ٍ‬‫كل َخ ٍري و َبد ُء ِّ‬
‫رأس ِّ‬
‫«بسم اهلل » ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيا نفسي‪ِ ..‬‬
‫أن هذه الكلم َة الط ِّيب َة املبارك َة كام َّأنا ش ُ‬
‫عار اإلسال ِم‪ ،‬فهي ذ ُ‬
‫كر َجي ِع‬ ‫اعلمي َّ‬
‫ِ‬
‫أحوالا‪.‬‬ ‫املوجودات َبأ ِ‬
‫لسنة‬ ‫ِ‬
‫هائ ٍ‬
‫لة ال تَن َفدُ ‪ ،‬ومدَ ى ما فيها من‬ ‫إدراك مدَ ى ما يف «بسم اهلل» من ُقو ٍة ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن ك ِ‬
‫ُنت راغب ًة يف‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫صرية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫َّمثيلية ال َق‬ ‫ِ‬
‫احلكاية الت‬ ‫َمعي إىل هذه‬ ‫َنضب‪ ،‬فاست ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫َبركة واسعة ال ت ُ ُ‬
‫رئيس َق ٍ‬
‫بيلة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصحراء وي ِسيح فيها ال بدَّ له أن ي ِ‬
‫نتم َي إىل‬ ‫ِ‬ ‫إن البدَ ِو َّي الذي يتَن َّق ُل يف‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫تدار َك حاجاتِه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإل‬ ‫رش األشقياء‪ ،‬و ُينج َز أشغا َله و َي َ‬ ‫نج َو من ِّ‬ ‫حتت محايته‪ ،‬كي َي ُ‬ ‫دخ َل َ‬ ‫و َي ُ‬
‫ِ‬
‫احلاجات التي ال حدَّ هلا‪.‬‬ ‫رة من‬ ‫ِ‬
‫األعداء‪ ،‬و َك ْث ٍ‬ ‫ضطر ًبا أمام َك ْث َر ٍة من‬
‫حائ ًرا ُم ِ‬‫فسيب َقى وحدَ ه ِ‬
‫َ‬
‫واآلخر‬ ‫ِ‬
‫متواض ًعا‪،‬‬ ‫ياحة؛ كان أحدُ ُها‬ ‫بمثل هذه الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اثنان‬ ‫َوافق أن قا َم‬ ‫وهكذا‪ ..‬فقد ت َ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫فتجوال يف هذه‬ ‫االنتساب‪،‬‬ ‫رفض‬
‫ور َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫غر ُ‬ ‫الم ُ‬‫رئيس‪ ،‬بينام َ‬ ‫ب إىل‬ ‫انتس َ‬‫ورا‪ ،‬فاملتواض ُع َ‬ ‫غر ً‬ ‫َم ُ‬
‫ِ‬ ‫حتا ِم والت ِ‬ ‫إل ويقاب ُل ِ‬
‫باال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫االسم‪،‬‬ ‫بفضل ذلك‬ ‫َّقدير‬ ‫ي ُّل يف َخيمة ّ ُ َ‬ ‫ب َُ‬ ‫الصحراء‪ ،‬فام كان املنتس ُ‬
‫قي؛ أ ّما‬ ‫الر ِئ ِ‬
‫يس»‪ ،‬ف َيتن ََّحى عنه َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫باسم ذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫يقول له‪« :‬إنَّني َأت َّو ُل‬ ‫طريق ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وإن ِلقيه ِ‬
‫قاط ُع‬ ‫َ‬
‫وال الس ْف ِ‬ ‫ِ‬ ‫املص ِ‬
‫رة يف‬ ‫ف‪ ،‬إذ كان َط َ َّ‬ ‫يوص ُ‬
‫ائب والويالت ما ال يكا ُد َ‬ ‫ور فقد ال َقى من َ‬ ‫غر ُ‬ ‫الم ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َمر‪ ،‬ويف ت ََس ُّو ٍل ُمستد ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأهانا‪.‬‬
‫َ‬ ‫نفسه‬‫فأذل َ‬‫يم‪َّ ،‬‬ ‫وو َج ٍل ُمست ٍّ‬ ‫َخوف ٍ‬
‫دائم َ‬
‫عة هي‬ ‫ِ‬
‫الواس ُ‬ ‫دوي‪ ،‬وهذه الدنيا‬ ‫َّك ِ‬‫اعلمي أن ِ‬
‫َفسي املغرورةَ‪ِ ..‬‬ ‫ِ‬
‫السائح ال َب ُّ‬
‫ُ‬ ‫أنت ذلك‬ ‫فيا ن َ‬
‫جز ِك» ال حدَّ هلام‪ ،‬كام أن أعدا َءك وحاجاتِك ال هناي َة هلام‪..‬‬ ‫قر ِك» َ‬
‫و«ع َ‬ ‫الصحرا ُء‪ ،‬وإن « َف َ‬ ‫تلك َّ‬ ‫َ‬
‫وحاك ِمها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنج ْي‬
‫األبدي‪ ،‬لت َ‬
‫ِّ‬ ‫الصحراء‬ ‫يقي هلذه‬ ‫األمر هكذا‪ ،‬فتق َّلدي َ‬
‫اسم املالك احلق ِّ‬ ‫ُ‬ ‫فام دا َم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكائنات وم ِ‬
‫ِ‬ ‫َّسو ِل أما َم‬
‫احلادثات‪.‬‬ ‫اخلوف أما َم‬ ‫هانة‬ ‫َ‬ ‫من ُذ ِّل الت ُّ‬
‫� �‬
‫‪7‬‬ ‫�� �‬
‫���������� � �‬
‫«فقرك»‬ ‫ُ‬
‫يرتبط ُ‬ ‫عظيم ال َيفنى أبدً ا‪ ،‬إذ هبا‬
‫ٌ‬ ‫إن هذه الكلم َة الطيب َة «بسم اهلل» ٌ‬
‫كنـز‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫مطلقة ُت ِس ُك‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫ٍ‬
‫بقدرة‬ ‫«عجزك»‬
‫ُ‬ ‫َعلق‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‪ ،‬ويت ُ‬ ‫أوسع من‬
‫َ‬
‫واسعة م ٍ‬
‫طلقة‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫برمحة‬
‫قرك َشفي َع ِ‬
‫ني‬ ‫جزك و َف ِ‬ ‫كل من َع ِ‬ ‫املجرات‪ ،‬حتى إنه ُيصبِ ُح ٌّ‬ ‫الذ ِ‬
‫رات إىل‬ ‫ِ‬
‫الوجود من َّ‬ ‫ِزما َم‬
‫َّ‬
‫الرحيم ِذي اجلالل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القدير َّ‬ ‫مقبو َل ْي ِن َلدى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انخر َط يف‬
‫َ‬ ‫َحر ُك و َيسكُن و ُيصبِ ُح و ُيمس هبذه الكلمة «بسم اهلل» َ‬
‫كمن‬ ‫إن الذي يت َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وباسم‬ ‫ِ‬
‫القانون‬ ‫يتكلم باسم‬ ‫ُ‬
‫حيث إنَّه‬ ‫خياف أحدً ا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الدولة وال‬ ‫ف باسم‬ ‫يترص ُ‬ ‫جلند َّي ِة؛‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ا ُ‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‪.‬‬ ‫األعامل و َيث ُب ُت أما َم ِّ‬
‫َ‬ ‫نج ُز‬ ‫ِ‬
‫الدولة‪ ،‬ف ُي ِ‬

‫اسم اهلل‪ ،‬أي أهنا ُ‬


‫تقول‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البداية َّ‬
‫املوجودات تذك ُُر بلسان حالا َ‬ ‫جميع ُ‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫وقد ذكرنا يف‬
‫أهو كذلك؟‬ ‫«بسم اهلل»‪َ ،‬‬
‫ٍ‬
‫بأعامل‬ ‫رغ ُمهم عىل القيا ِم‬‫واحد‪ ،‬وي ِ‬
‫ٍ‬ ‫يسوق الناس إىل ص ٍ‬
‫عيد‬ ‫ُ‬ ‫رأيت أن أحدً ا‬
‫نعم‪ ،‬فكام لو َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وبقوتِه‪ ،‬وإنام‬ ‫ِ‬
‫الناس باسمه َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يسوق‬ ‫خص ال ُيم ِّث ُل َ‬
‫نفسه وال‬ ‫أن هذا َّ‬
‫الش َ‬ ‫فإنك تتَي َّق ُن َّ‬
‫َلفة‪َ ،‬‬‫خمت ٍ‬
‫ٍ‬
‫سلطان‪.‬‬ ‫ولة‪ ،‬ويستنِدُ إىل ِ‬
‫قوة‬ ‫باسم الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫يترص ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫هو ُجند ٌّي َّ‬
‫فوق‬ ‫حتمل َ‬ ‫غر ُ‬ ‫الص ِ‬ ‫ُ‬
‫املتناهية يف ِّ‬ ‫ذيرات‬
‫ُ‬ ‫أيضا تؤ ِّدي وظائ َفها باسم اهلل‪ ،‬فال ُب‬ ‫فاملوجودات ً‬
‫ُ‬
‫وت ُ‬ ‫تقول «بسم اهلل» َ‬ ‫شجرة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫أي َّ‬ ‫ً ِ‬ ‫ِ‬
‫أل‬ ‫كل‬ ‫وأثقال هائل ًة‪ْ ،‬‬ ‫أشجارا َضخم ًة‬ ‫ً‬ ‫باسم اهلل‬ ‫ِ‬ ‫رؤوسها‬
‫وكل ب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ستان يقول «بسم اهلل» فيغدو‬ ‫الرمحة اإلهلية وتقدِّ ُمها إلينا؛ َّ ُ‬ ‫أيد َيها بثمرات من خزينة َّ‬
‫حيوان من‬ ‫ٍ‬ ‫اللذيذة م ًعا؛ َّ‬
‫وكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األطعمة‬ ‫أنواع من‬ ‫َنض ُج فيه‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية ت َ‬ ‫الق ِ‬
‫درة‬ ‫مطبخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِقدْ ًرا من‬
‫ٌ‬
‫والبقر‪ -‬يقول «بسم اهلل» ف ُيصبِ ُح‬ ‫ِ‬ ‫ياه‬‫والش ِ‬ ‫واملاع ِز ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كاإلبل‬ ‫الربكة والنفع‬ ‫ِ‬ ‫احليوانات ِ‬
‫ذات‬ ‫ِ‬
‫كل ٍ‬ ‫ذور ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وعا د َّفا ًقا ل َّل ِ‬
‫نبات‬ ‫وج َ‬ ‫غذ وأنظ َف ُه؛ ُ‬ ‫ألطف ُم ٍّ‬‫َ‬ ‫الرزاق‬ ‫السائغِ‪ ،‬ف ُيقدِّ م إلينا باسم‬ ‫بن َّ‬ ‫َين ُب ً‬
‫عرياتا احلرير َّي ِة‬ ‫بش ِ‬ ‫وتثق ُبها ُ‬ ‫الصلد َة باسم اهلل ُ‬ ‫الصخور َّ‬‫َ‬ ‫وتشق‬
‫ُّ‬ ‫تقول «بسم اهلل»‬ ‫شب ُ‬ ‫وع ٍ‬ ‫ُ‬
‫شيء صلد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أمر صعب ُّ‬
‫وكل‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن ُّ‬ ‫قيقة ف ُي َس َّخ ُر أما َمها باسم اهلل وباسم‬ ‫الر ِ‬
‫َّ‬
‫وخ ْز َنا للغذاء يف ظلامت الرتاب بمثل‬ ‫الصخور الصمَّ ِء‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلذور يف‬ ‫ب‬
‫إن تش ّع َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫احلرارة‬ ‫ِ‬
‫اخلرضاء شدَّ َة‬ ‫ِ‬
‫األوراق‬ ‫تحم َل‬ ‫األغصان يف اهلواء ومح َلها ل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألثامر؛ وكذا ُّ‬ ‫انتشار‬
‫ِ‬
‫األسباب‪،‬‬ ‫كل ذلك وغيره صفع ٌة قوي ٌة عىل أفواه املاديني َعب ِ‬
‫دة‬ ‫ولفحاتا‪ ،‬وبقا َءها طر َّي ًة ند َّي ًة؛ ُّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫وحرارة أيضا ال‬ ‫ٍ‬ ‫وجوه ِهم‪ ،‬تقول هلم‪« :‬إن ما تتَباهون به من ص ٍ‬
‫البة‬ ‫ِ‬ ‫مدوي ٌة يف‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ورصخة ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪8‬‬
‫العروق الدقيق َة‬
‫َ‬ ‫بحيث ُ‬
‫جيعل تلك‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫بأمر ٍ‬
‫آمر‬ ‫ِ‬
‫تؤديان وظائ َف ُهام ِ‬ ‫تعمالن ِ‬
‫بنفسهام‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫أمر ﴿ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﴾‬ ‫تثل َ‬ ‫وت ُ‬‫الصخور َ‬
‫َ‬ ‫ـق‬ ‫الرقيق َة كأنَّا عصا موسى ُ‬
‫تش ُّ‬
‫السالم تقر ُأ جتا َه‬
‫ُ‬ ‫إبراهيم عليه‬
‫َ‬ ‫األوراق الطرية النَّدي َة َّ‬
‫كأنا أعضا ُء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وجيعل تلك‬ ‫(البقرة‪)60 :‬‬

‫احلرارة‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ (األنبياء‪.»)69 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫لفحة‬

‫الوجود يقول معنًى «بسم اهلل» وجيلب نِ َعم اهلل باسم اهلل ويقدِّ ُمها‬
‫ِ‬ ‫فام دام ُّ‬
‫كل يشء يف‬
‫أيضا أن‬ ‫ونأخذ باسم اهلل؛ وعلينا ً‬‫َ‬ ‫نقول أيضا «بسم اهلل» ون ِ‬
‫ُعط َي باسم اهلل‬ ‫إلينا‪ ،‬فعلينا أن َ‬
‫ِ‬
‫باسم اهلل‪.‬‬ ‫الغافلني الذين مل ُيعطوا‬
‫َ‬ ‫دي‬
‫نر َّد أ ْي َ‬
‫ٍ‬
‫يكون سب ًبا لنعمة علينا‪ ،‬فيا ت َُرى ماذا َيط ُل ُ‬
‫ب منَّا‬ ‫ُ‬ ‫وتوقريا ملن‬
‫ً‬ ‫سؤال‪ :‬إننا نُبدي احرتا ًما‬
‫احلقيقي؟‬
‫ُّ‬ ‫ِّعم ك ِّلها ومالِكُها‬
‫صاحب تلك الن ِ‬
‫ُ‬ ‫اهلل‬
‫ر ُّبنا ُ‬
‫ِ‬ ‫ب منّا ثالث َة ٍ‬
‫الغالية‪:‬‬ ‫أمور ثمنًا لتلك الن ِ‬
‫ِّعم‬ ‫احلقيقي َيط ُل ُ‬
‫َّ‬ ‫نعم‬
‫الم َ‬ ‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫إن ذلك ُ‬
‫ِ‬ ‫كر‪ ..‬الثاني‪ُّ :‬‬ ‫األول‪ِّ :‬‬
‫كر‪ ..‬الثالث‪ :‬الف ُ‬
‫كر‪..‬‬ ‫الش ُ‬ ‫الذ ُ‬
‫كر‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أي‬ ‫يتوس ُطهام هو ف ٌ‬ ‫فـ«بسم اهلل» بدء ًَا هي ذ ٌ‬
‫كر‪ ،‬و«احلمد هلل» ختا ًما هي ُش ٌ‬
‫كر‪ ،‬وما َّ‬
‫مد وهدايا َرمحتِه‬
‫األحد الص ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قدرة‬ ‫بأنا معجز ُة‬ ‫ُ‬
‫واإلدراك َّ‬
‫ِ‬
‫البديعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النعم‬ ‫الت ُ‬
‫َّأمل يف هذه‬
‫كر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواسعة‪ ..‬فهذا التَّأمل هو الف ُ‬
‫لطان‪ ،‬م ِ‬
‫تجاه ًل‬ ‫ولكن أليس الذي يقب ُل أقدام اجلندي اخلاد ِم الذي يقدِّ م هدي َة الس ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫املادية‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫بال َمن ُيثنِي عىل‬
‫يرتكب حماق ًة فظيع ًة وباله ًة ُمشين ًة؟ إذن فام ُ‬ ‫صاح َبها‪،‬‬
‫ُ‬
‫يكون ِ‬
‫مقرت ًفا باله ًة أشدَّ‬ ‫ُ‬ ‫احلقيقي؟! َأل‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املنعم‬ ‫والو ِّد دون‬
‫باحلب ُ‬‫ِّ‬ ‫وي َِّص ُصها‬
‫عم‪ُ ،‬‬ ‫اجلالبة للنِ ِ‬
‫ِ‬
‫ألف ٍ‬
‫مرة؟‬ ‫منها َ‬
‫وخ ِذي‬
‫األبله‪َ ،‬فأعطِي باسم اهلل ‪ُ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمحق‬ ‫ني أن تكوين َ‬
‫مثل‬ ‫إن ِ‬
‫كنت تأ َب َ‬ ‫نفس!! ْ‬ ‫فيا ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫الم‪.‬‬ ‫واعميل باسم اهلل‪َّ ..‬‬
‫والس ُ‬ ‫َ‬ ‫باسم اهلل‪ ..‬وابدَ ئِي باسم اهلل‪..‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬مالحظة‪ :‬وضع األستا ُذ املؤ ِّل ُ‬


‫ف «املقا َم الثاين من اللمعة الرابع َة عرشةَ» َعق َ‬
‫ب هذه الكلمة األوىل ملناسبة‬
‫ِ‬
‫اجع‪.‬‬ ‫يضم ست ًة من أرسار‪ ،‬وسيجدُ ه القارئ الكريم يف موضعه من كتاب «اللمعات»‪ُ ،‬‬
‫فلي َ‬ ‫املقام ُ‬
‫حيث ُّ‬
‫ل��ل �ة � ث ا ن �ة‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا �ل�� ��ي��‬
‫�﷽‬

‫﴾ (البقرة‪)2:‬‬ ‫﴿ ﭝﭞﭟ‬
‫ونعمة‪ ،‬ومدَ ى ما فيه من ٍ‬
‫لذة‬ ‫ٍ‬ ‫اإليامن من س ٍ‬
‫عادة‬ ‫ِ‬ ‫ف مدى ما يف‬ ‫كنت تريدُ أن ت ِ‬
‫َعر َ‬ ‫إن َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القصرية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫احلكاية‬ ‫َمع إىل هذه‬ ‫ٍ‬
‫وراحة‪ ،‬فاست ْ‬
‫أجل االستِجام ِم والت ِ‬
‫ِّجارة‪ ،‬فمىض أحدُ مها وكان‬ ‫ذات يو ٍم‪ ،‬من ِ‬ ‫الن يف ِس ٍ‬
‫ياحة َ‬ ‫خرج رج ِ‬
‫َ ُ‬
‫جهة ثانية‪ٍ.‬‬
‫اآلخر وهو رباين سعيدٌ إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ ٌّ َ‬ ‫أنان ًّيا َشق ًّيا إىل جهة‪ ،‬ومىض َ ُ‬
‫والشؤ ِم يف نظره‪ ،‬جزا ًء وفا ًقا‬ ‫وء ُ‬ ‫فاألناين املغرور الذي كان متشائم َلقي بلدً ا يف غاية الس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ويل من‬ ‫ون بالصُّ اخِ وال َع ِ‬ ‫َ‬
‫يأ ُر َ‬ ‫عىل ُ ِ‬
‫مساكني َ ْ‬
‫َ‬ ‫عجز ًة‬
‫تشاؤمه‪ ،‬حتى إنَّه كان يرى ‪-‬أينام اتّج َه‪َ -‬‬
‫رة؛ فرأى هذه احلال َة املؤمل َة احلزين َة يف‬ ‫ساة ومن أعامهلم المدم ِ‬ ‫غاة ُق ٍ‬
‫رجال ُط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫رضبات ِأيدي‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫مأتم عا ٍّم؛ فلم جيد‬‫دار ٍ‬ ‫شكل ِ‬‫نظره َ‬ ‫المملكة ك ُّلها يف ِ‬
‫ُ‬ ‫كل ما يزوره من أماكن‪ ،‬حتى َّات ِ‬
‫ذت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشعر بحاله‪،‬‬ ‫َ‬ ‫نفسه يف نشوته لكيال‬ ‫السك ِْر‪ ،‬فرمى َ‬ ‫غري ُّ‬
‫المؤلمة المظلمة َ‬ ‫َ‬ ‫عالجا حلاله‬
‫ً‬ ‫لنفسه‬
‫فظل‬‫دوا يتر َّبص به‪ ،‬وأجنب ًيا يتَنك َُّر له‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫واحد من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إ ْذ صار ُّ‬
‫أهل هذه اململكة يرتا َءى له َع ًّ‬ ‫كل‬
‫يائسا َم ِر ًيرا‪.‬‬ ‫َ‬
‫يبكون ُبكا ًء ً‬ ‫رع ٍبة ويتامى‬ ‫جنائز م ِ‬
‫َ ُ‬ ‫جداين مؤملٍ لِام يرى فيام حو َله من‬
‫ٍّ‬ ‫عذاب ِو‬ ‫ٍ‬ ‫يف‬
‫ٍ‬
‫حسنة‬ ‫ٍ‬
‫أخالق‬ ‫احلق‪ ،‬فقد كان ذا‬ ‫ُ‬
‫والباحث عن ِّ‬ ‫انـي العابدُ هلل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الرجل الر َّب ُّ‬ ‫اآلخر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بحيث لقي يف رحلتِه مملك ًة طيب ًة هي يف نظره يف منتهى الر ِ‬
‫الرجل‬ ‫واجلامل‪ ..‬فهذا‬ ‫وعة‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ‬
‫ٍ‬
‫ومهرجانات بارع ًة قائم ًة عىل َقد ٍم‬ ‫ٍ‬
‫احتفاالت رائع ًة‬ ‫ِ‬
‫اململكة التي دخ َلها‬ ‫الح يرى يف‬
‫الص ُ‬ ‫َّ‬
‫كر‪..‬‬ ‫محاريب ِذ ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫بـورا‪ ،‬ويف كل‬ ‫ٍ‬
‫ـرورا‪ ،‬ويف كل زاويـة ُح ً‬
‫ٍ‬
‫وساق‪ ،‬ويف كل َط َرف ُس ً‬
‫ٍ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪10‬‬
‫ِ‬
‫اململكة صدي ًقا صدُ و ًقا وقري ًبا حبي ًبا له؛ ثم يرى‬ ‫ِ‬
‫أفراد هذه‬ ‫فرد من‬‫كل ٍ‬ ‫حتى لقد صار يرى َّ‬
‫ِ‬
‫بكلامت‬ ‫ٍ‬
‫مصحوبة‬ ‫ٍ‬
‫بصيحة‬ ‫ِ‬
‫الفرح‬ ‫حفل الترسيح العام ه ِ‬
‫تافات‬ ‫ِ‬ ‫ُعلن يف‬‫أن اململك َة ك َّلها ت ِ‬ ‫َّ‬
‫ِّ ُ‬
‫املوسيق َّي ِة وهي تُقدِّ م ألحانَها احلامس َّي َة‬
‫أصوات اجلو َق ِة ِ‬ ‫أيضا‬ ‫الشك ِْر وال َّث ِ‬
‫ُّ‬
‫َ َْ‬ ‫ويسمع فيهم ً‬ ‫ُ‬ ‫ناء‪،‬‬
‫ِ‬
‫اخلدمة‬ ‫واعتزاز ِ‬
‫للذين ُي َسا ُقون إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بسعادة‬ ‫احلار ِة‬ ‫ِ‬
‫َّهليالت‬ ‫ِ‬
‫العالية والت‬ ‫ِ‬
‫َّكبريات‬ ‫مقرتن ًة بالت‬
‫َّ‬
‫واجل ِ‬
‫ندية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫نشغل بأ َل ِمه وآال ِم النَّاس ك ِّلهم‪ ،‬كان الثاين‬ ‫ً‬ ‫تشائ ُم ُم‬ ‫جل األول امل ِ‬
‫ُ‬ ‫الر ُ‬‫فبينام كان ذلك َّ‬
‫فضل عن أنَّه َغنِم ِ‬
‫لنفسه‬ ‫ً‬ ‫فرحهم؛‬ ‫َّاس ك ِّل ِهم َف ِرحا مع ِ‬ ‫رسور الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫مرسورا مع‬ ‫ُ‬
‫املتفائل‬ ‫السعيدُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وحدَ ه‪.‬‬ ‫كر ر َّبه َ‬ ‫جتار ًة حسن ًة مبارك ًة َ‬
‫فش َ‬
‫يشء عن‬ ‫كل ٍ‬ ‫فيعلم َّ‬ ‫ِ‬
‫أخباره‪،‬‬ ‫فيسأل عنه وعن‬ ‫ُ‬ ‫الر َ‬
‫جل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ولدى عودته إىل أهله‪َ ،‬يلقى ذلك َّ‬
‫ِ‬
‫ظاهرك‪،‬‬ ‫انعكس عىل‬ ‫َ‬ ‫الشؤ ِم‬‫فإن ما يف باطنِ َك من ُّ‬ ‫نت‪ّ ،‬‬ ‫فيقول له‪« :‬يا هذا! لقد ُجنِ َ‬ ‫ُ‬ ‫حالِه‬
‫َهب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأن َّ‬ ‫موع‪َّ ،‬‬ ‫ابتسامة ُص ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫تتوه ُم َّ‬ ‫ُ‬
‫ترسيح وإجازة ن ٌ‬ ‫كل‬ ‫اخ و ُد ٌ‬ ‫كل‬ ‫أصبحت َّ‬ ‫َ‬ ‫بحيث‬
‫ينـزاح عن َعينَيك‪ ،‬وعسى‬ ‫ُ‬ ‫لعل هذا الغشا َء الن َِّكدَ‬ ‫وطهر قل َبك‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫لب؛ ُعد إىل ُرشدك‪ِّ ،‬‬ ‫وس ٌ‬ ‫َ‬
‫درجات العدلِ‬ ‫ِ‬ ‫ف بمنتهى‬ ‫ِ‬
‫فإن مملك ًة مالكُها متَّص ٌ‬ ‫األبلج؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫جهها‬ ‫أن تُبص َـر احلقيق َة عىل َو ِ‬ ‫ِ‬
‫بمثل هذه الدَّ ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫فق‪ ..‬وإن مملك ًة‬ ‫والر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واملر ِ‬
‫جة من‬ ‫َ‬ ‫والتنظيم املبد ِع ِّ‬ ‫واالقتدار‬ ‫والربوبية‬ ‫محة‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫بمثل ما تريه أوها ُمك من‬ ‫تكون ِ‬ ‫َ‬ ‫َيك‪ ..‬ال يمكن أن‬ ‫ٍ‬
‫ُريك من آثار بأ ِّم عين َ‬ ‫مو مما ت َ‬ ‫والس ِّ‬
‫قي ُّ‬ ‫الر ِّ‬ ‫ُّ‬
‫ُص َو ٍر»‪.‬‬
‫رجع إىل صوابه رويدً ا رويدً ا‪ ،‬ويفكِّر ِ‬
‫بعقله‬ ‫نفسه و َي ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫قي ُيراج ُع َ‬ ‫وبعد ذلك بدأ هذا َّ‬
‫الش ُّ‬
‫ليرض اهلل َ‬
‫عنك‪ ،‬فلقد‬ ‫اخلمر‪َ ..‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعاطي‬ ‫ِ‬
‫لكثرة‬ ‫ويقول ُمتندِّ ًما‪« :‬نعم لقد أصابني ُج ٌ‬
‫نون‬
‫الش ِ‬
‫قاء»‪.‬‬ ‫أنقذتَني من جحيم َّ‬
‫«الفاس ُق الغافِ ُل»‪ ،‬فهذه الدنيا يف‬
‫ِ‬ ‫«الكافر» أو‬
‫ُ‬ ‫األو َل هو‬ ‫َ‬
‫الرجل َّ‬ ‫أن‬‫نفسي! اعلمي َّ‬ ‫َ‬ ‫فيا‬
‫ِ‬
‫الفراق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وصفعات‬ ‫الز ِ‬
‫وال‬ ‫ِ‬ ‫يبكون تأ ًملا من‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمثابة مأت ٍَم عا ٍّم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رضبات َّ‬ ‫األحياء أيتا ٌم‬ ‫ومجيع‬
‫ُ‬ ‫نظره‬
‫األجل‬ ‫ِ‬ ‫َمز ُق‬ ‫ٍ‬ ‫فمخلوقات سائب ٌة بال را ٍع وال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بمخالب َ‬ ‫مالك‪ ،‬تت َّ‬ ‫ٌ‬ ‫واحليوان‬ ‫اإلنسان‬ ‫أما‬
‫ِ‬
‫اجلنائز‬ ‫والبحار‪ -‬فهي يف ُح ِ‬
‫كم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كاجلبال‬ ‫خام‬
‫الض ُ‬‫املوجودات ِّ‬
‫ُ‬ ‫عص َـرتِه؛ وأما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتَعتص ُـر بم َ‬
‫��������� ����� �����‬
‫�� �‬
‫‪11‬‬ ‫�‬
‫ِ‬ ‫املؤملة الن ِ‬
‫َّاشئة من ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّعوش الر ِ‬ ‫اهلامدَ ِة والن‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ُفر‬ ‫املدهشة‬ ‫وأمثال هذه األوها ِم‬ ‫ُ‬ ‫هيبة‪..‬‬ ‫ِ َّ‬
‫ريرا‪.‬‬
‫ُذيق صاح َبها عذا ًبا معنو ًّيا َم ً‬ ‫وضاللتِه ت ُ‬
‫ؤم ُن به‪ ،‬فالدُّ نيا يف‬ ‫املعرفة وي ِ‬
‫ِ‬ ‫عرف خال َقه َّ‬
‫حق‬ ‫«املؤم ُن» الذي َي ُ‬‫ِ‬ ‫جل الثاين‪ ،‬فهو‬ ‫الر ُ‬
‫ُ‬ ‫أ َّما َّ‬
‫ٍ‬
‫واختبار‬ ‫ٍ‬
‫ابتالء‬ ‫ُ‬
‫وميدان‬ ‫وتدريب للبرش واحليوان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تعليم‬ ‫ُ‬
‫وساحة‬ ‫ذكر رمحاين‪،‬‬ ‫دار ٍ‬ ‫ِ‬
‫نظره ُ‬
‫وإنسان‪ -‬فهي إعفا ٌء من الوظائف‪ ،‬وإهنا ٌء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حيوان‬ ‫الوفيات كا َّفـ ًة ‪-‬من‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫واجلان؛ أما‬ ‫لإلنس‬
‫معنوي‬ ‫ٍ‬
‫برسور‬ ‫ِ‬
‫الفناء هذه‬ ‫ون من دار‬‫رح ُل َ‬ ‫اخلدمات‪ ..‬فالذين أهن ْوا وظيف َة ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫حياتم هنا َي َ‬ ‫َ‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫ملوظفني ج ٍ‬‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غري ذي ق َل ٍق‪ ،‬ليفسحوا‬ ‫آخر ِ‬ ‫إىل َ‬
‫يأتون للسعي يف مها ِّمهم‪.‬‬ ‫دد‬ ‫ُ‬ ‫املجال‬ ‫عالٍ َ‬
‫عسكرية‪ ،‬وتس ُّل ُم ِس ٍ‬
‫الح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تجنيد‬ ‫أما املواليدُ كا َّف ًة ‪-‬من حيوان وإنسان‪ -‬فهي َس ْو ُ‬
‫قة‬
‫ف وج ِ‬ ‫فكل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وواجبات‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫مستقيم‬
‫ٌ‬ ‫ومأمور‬
‫ٌ‬ ‫مرسور‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ند ٌّي‬ ‫كائن إنَّام هو مو َّظ ٌ ُ‬ ‫ف‬‫وظائ َ‬ ‫وتَسن ُُّم‬
‫ِ‬
‫يح‬‫ذكر وتَسبِ ٌ‬
‫األصوات املنبع ُثة واألصدا ُء المرتدَّ ُة من أرجاء الدنيا فهي إما ٌ‬
‫ُ‬ ‫قانع؛ وأما‬ ‫ٍ‬
‫راض ٌ‬
‫ِ‬
‫باالنتهاء منها‪ ،‬أو أنغام ِ‬ ‫ٌ‬ ‫الوظائ ِ‬
‫ِ‬ ‫لتسن ُِّم‬
‫صادر ٌة من‬ ‫ٌ‬ ‫وهتليل إيذانًا‬ ‫والشو ِع فيها‪ ،‬أو ُش ٌ‬
‫كر‬ ‫ف ُّ‬
‫العمل وفرحتِ ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫شوق‬ ‫ِ‬

‫فون أخلَّ ُء‪ ،‬و ُكت ٌ‬


‫ُب‬ ‫فاملوجودات ك ُّلها ‪-‬يف نظر هذا املؤمن‪ُ -‬خدَّ ٌام ُمؤنِ َ‬
‫سون‪ ،‬و ُمو َّظ َ‬ ‫ُ‬
‫الر ِ‬
‫حيم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُحلو ٌة لِس ِّي ِده‬
‫الكريم ومالكه َّ‬
‫غاية ال ُّل ِ‬
‫طف‬ ‫احلقائق التي هي يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمثال هذه‬ ‫كثيـر جدًّ ا من‬ ‫يتجل من إيامنِه‬
‫َّ‬ ‫وهكذا‬
‫ٌ‬
‫فاإليامن إذن يضم ح ًّقا بِذر ًة معنوي ًة تَنبثِ ُق عنها « ُطوبى ِ‬
‫اجلنة»‪ ،‬أما‬ ‫ُ‬ ‫وق‪،‬‬‫والذ ِ‬ ‫ِ‬
‫واللذة َّ‬ ‫مو‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫والس ِّ‬
‫ُّ‬
‫جهنم»‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُفر فإنه ُي ِفي بِذر ًة معنوي ًة تُنبِ ُت َ‬
‫«ز ُّقو َم‬ ‫الك ُ‬
‫واألمان إذن ال وجو َد لهما َّإل في اإلسال ِم واإليمان‪ ..‬فعلينا أن نُر ِّد َد دائام‪:‬‬
‫ُ‬ ‫فالسالم ُة‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫دين اإلسال ِم وك ِ‬
‫َامل‬ ‫احلمدُ هلل عىل ِ‬
‫ل��ل �ة � ث ا �� ث �ة‬
‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا �ل�� ل��‬
‫�﷽‬

‫﴿ﮜ ﮝ ﮞ﴾ (البقرة‪)21:‬‬

‫والس َف َه‬
‫الفسق َّ‬
‫َ‬ ‫أن العباد َة جتار ٌة ُعظمى وسعاد ٌة كُربى‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫تفهم كيف َّ‬ ‫كنت تريدُ أن َ‬ ‫إن َ‬
‫احلكاية التَّمثِيل َّي ِة و َأ ْ‬
‫نصت إليها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫وهالك ُم َح َّق ٌق‪ ،‬فانظر إىل هـذه‬ ‫خسار ٌة ِ‬
‫جسيم ٌة‬
‫ٍ‬ ‫جنديان ِ‬
‫ِ‬ ‫تس َّل َم‬
‫مدينة بعيدة‪ ،‬فسافرا معا إىل أن وصال‬ ‫‪-‬ذات يو ٍم‪ً -‬‬
‫أمرا بالذهاب إىل‬ ‫َ‬ ‫اثنان‬
‫رجل يقول هلام‪:‬‬
‫ً‬ ‫فر َق طري َق ِ‬
‫ني‪ ،‬فوجدا هناك‬ ‫َم ِ‬
‫ِ‬
‫الراح َة‬ ‫األيمن‪ ،‬مع عد ِم وجود الضَّ ِر فيه‪ ،‬جيدُ املسافرون الذين يسلكونَه َّ‬ ‫َ‬ ‫إن هذا ال َّط َ‬
‫ريق‬ ‫َّ‬
‫عديم‬
‫َ‬ ‫األيسـر‪ ،‬فمع كونِه‬
‫ُ‬ ‫الطريق‬
‫ُ‬ ‫عش ٍة؛ أما‬ ‫سعة من َ‬ ‫بنسبة تِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫بح مضمونًا‬ ‫والر َ‬ ‫َ‬
‫واالطمئنان ِّ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬ ‫عش ٍة من عابِ ِر ِيه؛ علام أن ِكل ْيهام يف الطول سواء‪ ،‬مع ٍ‬
‫فرق‬ ‫َضـر ُر تسع ٌة من َ‬
‫ٌ‬ ‫النفع يت َّ‬
‫وحكومة‪َ -‬يميض‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املرتبط بنظا ٍم‬ ‫ِ‬
‫‪-‬غري‬ ‫ِ‬
‫األيرس‬ ‫ِ‬
‫الطريق‬ ‫املسافر الـمتَّج َه نحو‬ ‫فقط‪ ،‬هو َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫املسافر‬ ‫ظاهر ًة وراح ًة موهوم ًة‪ ،‬غري أن‬ ‫نفسه ِخ َّف ًة ِ‬ ‫الح‪ ،‬فيجدُ يف ِ‬ ‫حقيبة متا ٍع وال ِس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بال‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رشف اجل ِ‬ ‫ِ‬
‫كاملة‬ ‫حقيبة‬ ‫حل ِ‬
‫مل‬ ‫مضطر َ‬‫ٌ‬ ‫ندية‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫األيمن ‪-‬المنت َظ ِم َ‬
‫حتت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الطريق‬ ‫المت َِّج َه َ‬
‫نحو‬
‫ِ‬ ‫يزن « ُأوقيت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يع أن‬ ‫َني» يستط ُ‬ ‫الحا حكوم ًيا ُ‬ ‫أربع « ُأوق َّيات» وس ً‬ ‫من مستخلصات غذائية ِتز ُن َ‬
‫عدو‪.‬‬ ‫ب به َّ‬ ‫ِ‬
‫كل ٍّ‬ ‫يغل َ‬
‫الطريق‬
‫َ‬ ‫السعيدُ‬ ‫ُ‬
‫المحظوظ َّ‬ ‫الرجل الدَّ ِ‬
‫ليل‪َ ،‬‬
‫سلك‬ ‫ِ‬ ‫ني كال َم ذلك‬ ‫ين اجلند َّي ِ‬
‫هذ ِ‬
‫وبعدَ سام ِع َ‬
‫وروحه قد‬ ‫َ‬ ‫أن قل َبه‬ ‫حامل عىل ظهره وكَتِفه َر ً‬
‫طل من األثقال ّإل ّ‬ ‫ً‬ ‫األيمن‪ ،‬ومىض يف دربِه‬
‫َ‬
‫قي املنكُو ُد الذي آثر ت َْر َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرطال من ث َقل المنَّة واخلوف؛ بينام الرجل َّ‬ ‫ِ‬
‫تخ َّلصا من آالف‬
‫الش ُّ‬
‫‪13‬‬ ‫��������� ����� ������‬
‫�� �‬
‫ص من‬ ‫جسمه قد خت َّل َ‬
‫َ‬ ‫امل‪ ،‬فمـع أن‬ ‫الش ِ‬ ‫َ‬
‫سبـيـل ِّ‬ ‫اجلندية ومل ُي ِر ِد االنتظا َم وااللتزا َم‪ ،‬س َل َك‬ ‫ُ‬
‫روحه‬ ‫ِ‬ ‫رطل‪ ،‬إِلَّ َّ‬
‫أن قل َبه َّ‬ ‫ثِ َق ِل ٍ‬
‫حقت ُ‬ ‫وانس ْ‬‫الم ِّن واألذى‪َ ،‬‬
‫حتت آالف األرطال من َ‬ ‫يرزح َ‬ ‫ظل ُ‬
‫شخص‪َ ،‬و ِجال ُم ً‬
‫رتعشا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ستجد ًيا َّ‬
‫كل‬ ‫حيصها احلدُّ ‪ ،‬فمىض يف سبيله ُم‬ ‫مخاوف ال ُ‬ ‫َ‬ ‫حتت‬
‫َ‬
‫املح َّل املقصو َد‪ ،‬فالقى هناك جزا َء فِ ِ‬
‫راره‬ ‫كل حادثة‪ ،‬إىل ْ‬
‫أن َب َ‬ ‫كل يشء‪ ،‬خائ ًفا من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫من ِّ‬
‫لغ َ‬
‫وعصيانِه‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ُ‬
‫واملحافظ عىل‬ ‫املحب لنظا ِم اجلند َّي ِة‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫األيمن ‪-‬ذلك‬ ‫نحو ال َّط ِ‬
‫ريق‬ ‫المتوجه َ‬
‫ِّ‬ ‫املسافر‬
‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫الوج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يلتفت إىل‬
‫َ‬ ‫دان من دون أن‬ ‫القلب مطمئ َّن ِ ْ‬
‫ِ‬ ‫رتاح‬
‫سار ُمنطلقا ُم َ‬ ‫َحقي َبته وسالحه‪ -‬فقد َ‬
‫ِمن َِّة ٍ‬
‫املقصود َة وهنالك وجدَ ثوا َبه‬ ‫بلغ املدين َة ُ‬
‫خياف من أحد‪ ،‬إىل أن َ‬ ‫َ‬ ‫يطمع فيها أو‬
‫َ‬ ‫أحد أو‬
‫همته باحلسنى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫رشيف َأ َ‬
‫نجز ُم َّ‬ ‫ندي‬
‫كأي ُج ٍّ‬ ‫الالئق به ِّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫َسلمون‬ ‫أولئك املست‬ ‫َ‬ ‫املسافرين أحدمها‬ ‫َ‬ ‫أن ذينِك‬‫حة! اعلمي َّ‬ ‫الس ِار ُ‬ ‫ِ‬
‫السادر ُة َّ‬ ‫النفس َّ‬ ‫ُ‬ ‫فيا أيتها‬
‫ريق فهو‬ ‫لألهواء؛ وأ َّما ذلك ال َّط ُ‬ ‫ِ‬ ‫واآلخ ُر هم العصا ُة المتَّبِ َ‬
‫عون‬ ‫َ‬ ‫للقانون اإلهلي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫املطيعون‬
‫رة‪ ،‬وأما تلك‬ ‫اآلخ ِ‬ ‫األرواح ويمر من القرب املؤدي إىل عامل ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلياة الذي يأيت من َ‬
‫عال‬ ‫ِ‬ ‫طريق‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫أن هلا‬ ‫ظاهرا ّإل َّ‬‫ً‬ ‫مل َث ٍ‬
‫قيل‬ ‫ُن للعبا َد ِة من ِح ٍ‬ ‫َّقوى‪ ،‬فمهام يك ْ‬ ‫الح فهام العباد ُة والت َ‬ ‫والس ُ‬‫يبة ِّ‬
‫ِ‬
‫احلق ُ‬
‫ِ‬ ‫ألن العابِدَ ُ‬ ‫تني ال تُوص ِ‬ ‫عظيم ِ‬ ‫يف معناها راح ًة ِ‬
‫أل إل َه‬ ‫يقول يف َصالته « َأ َ‬
‫شهدُ َّ‬ ‫فان‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وخ َّف ًة‬
‫ِ‬
‫يعمل عبثا كام أنَّه‬ ‫حكيم ال ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بيده‪ ،‬وإنه‬ ‫َّفع والضُّ ُّ‬‫خالق وال َر ِاز َق ّإل هو‪ ،‬الن ُ‬ ‫ّإل اهلل» أي ال َ‬
‫ِ‬
‫واإلحسان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫واس ُع‬ ‫ر ِحيم ِ‬
‫َ ٌ‬
‫طر ُقه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل يشء بابا َينفتِ ُح إىل‬ ‫يقول‪ ،‬لذا جيدُ يف ِّ‬ ‫يعتقدُ بام ُ‬ ‫فاملؤمن ِ‬ ‫ِ‬
‫خزائن الرمحة اإلهلية‪ ،‬ف َي ُ‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫ويتحص ُن أمام ِّ‬ ‫َّرضعِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مسخ ٌر ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫بالدعاء‪ ،‬ويرى َّ‬
‫َّ‬ ‫ألمر ر ِّبه‪ ،‬ف َيلتَج ُئ إليه بالت ُّ‬ ‫يشء‬ ‫كل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـة ُمستندا إىل الت ِ‬ ‫مصيب ٍ‬
‫الكامل‪.‬‬ ‫واالطمئنان‬ ‫األمان التَّا َم‬ ‫يمنحه إيمانُه هذا‬ ‫َّوكل‪َ ،‬ف ُ‬ ‫ُ َ‬
‫منبع‬ ‫بود ُية‪َّ ،‬‬ ‫اإليمان والع ِ‬‫ُ‬ ‫احلسنات احلقيق َّي ِة هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاعة َكك ُِّل‬ ‫منبع َّ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫وإن َ‬ ‫ُ‬ ‫الش‬ ‫إن َ‬
‫األرضية ُقن ُبـل ًة ُمد ِّمر ًة‬‫ُ‬ ‫والسفاهة؛ فلو أص ِ‬
‫بحت الكر ُة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الضاللة‬ ‫ِ‬
‫السيئات هو‬ ‫بن ِّ‬
‫ككل‬ ‫الج ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫خارقة من خوارقِ‬ ‫ٌ‬ ‫منو ٍر‪ ،‬بل قد ينظر إليها َّأنا‬ ‫قلب َّ‬ ‫يف عابدً ا هلل ذا ٍ‬‫وانفجرت‪ ،‬فلربام ال ُت ُ‬
‫َ‬
‫القلب الـمي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بإعجاب وم ٍ‬ ‫القدرة الصم ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ولو كان‬ ‫َ ِّ‬ ‫الفاس ُق ذو‬ ‫تعة‪ ،‬بينام‬ ‫ٍ ُ‬ ‫دانية‪ ،‬ويتَملَّ ها‬ ‫َّ َ‬
‫ويرتع ُش‬‫ِ‬ ‫اخلوف‬ ‫نجم مذنَّبا يعت َِو ُره‬ ‫ِ‬ ‫قل َر ٍ‬‫فيلسوفا ‪-‬ممن ُيعدُّ ذا َع ٍ‬
‫ُ‬ ‫اجح‪ -‬إذا رأى يف الفضاء ً‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪14‬‬
‫وادي األوها ِم‬‫بأرضنا؟» فيرتدى يف ِ‬
‫َطم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َساءل ٍ‬
‫بقلق‪« :‬أال يمكن هلذا الن ِ‬ ‫َه َل ًعا ويت ُ‬
‫َ َّ‬ ‫َّجم أن َيرت َ‬
‫ِ‬
‫مساكنَهم‬ ‫َ‬
‫الكثريون‬ ‫جر‬ ‫ِ‬ ‫َجم مذن ٍ‬ ‫ُ‬
‫ريكان يو ًما من ن ٍ‬
‫ظهر يف السامء حتى َه َ‬
‫َّب َ‬ ‫(لقد ارتَعدَ األ َم‬
‫يل)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ساعات ال َّل ِ‬ ‫أثنا َء‬
‫فرأس مالِه يف ُحكم‬ ‫ِ‬
‫أن حاجات اإلنسان متتدُّ إىل ما ال هناي َة له من األشياء‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫غم َّ‬
‫نعم‪َ ،‬ر َ‬
‫ِ‬
‫حكم ال يش َء‪ ،‬إذ‬ ‫فاقتداره كذلك يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املصائب‬ ‫معر ٌض إىل ما الهناي َة له من‬
‫غم أنه َّ‬ ‫املعدو ِم‪َ ،‬‬
‫ور َ‬
‫ِ‬
‫وآالمه‬ ‫ورغائبِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واقتداره ب َقدْ ِر ما ُ‬
‫ِ‬ ‫رأس مالِه‬
‫ِ‬ ‫َّ‬
‫تصل إليه يدُ ه‪ ،‬بينام َدوائ ُر آماله َ‬ ‫إن مدى دائرتَي‬
‫ِ‬
‫واخليال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البصـر‬ ‫وبالياه واسع ٌة سع َة مدِّ‬
‫ُّل‪ ،‬وإىل‬ ‫حقائق العبا َد ِة والتوك ِ‬‫ِ‬ ‫العاجز َة الضعي َف َة الفقري َة إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البشـر‬ ‫وح‬
‫أحوج ُر َ‬ ‫َ‬ ‫فام‬
‫بصره‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫أعظم ما َي ُ‬ ‫َّوحيد واالستِسال ِم! وما‬ ‫ِ‬
‫فمن مل َيفقدْ َ‬ ‫وسعادة ونعمة! َ‬ ‫نال منها من ربح َ‬ ‫َ‬ ‫الت‬
‫الض ِ‬
‫ار‬ ‫الطريق َّ‬ ‫ِ‬ ‫رج ُح عىل‬ ‫الض ِّار ُي َّ‬‫غري َّ‬ ‫در ْك ُه‪ ،‬إذ من املعلوم أن‬ ‫ك ِّليا َير ذلك و ُي ِ‬
‫الطريق َ‬ ‫َ‬
‫طريق‬ ‫احتامالت؛ علام أن مسألتَنا هذه‬ ‫ٍ‬ ‫عش ِ‬
‫ـرة‬ ‫احتامل واحدً ا من َ‬ ‫ً‬ ‫رر فيه‬
‫ُ‬ ‫الض ُ‬ ‫حتى لو كان َّ‬
‫سعة من‬ ‫ـة باحتمال تِ ٍ‬ ‫للسعادة األبدي ِ‬
‫ِ‬ ‫كنـزا‬
‫عطينا ً‬ ‫ودية‪ ،‬فمع كونِه عديم الرضر‪ ،‬فإنه ي ِ‬ ‫العب ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عديم النف ِع فإنه‬ ‫َ‬ ‫نفسه‪ -‬فمع كونِه‬ ‫الفاس ِق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬باعرتاف‬ ‫ِ‬
‫والسفاهة‬ ‫ِ‬
‫الفسق‬ ‫طريق‬
‫ُ‬ ‫عش ٍة‪ ،‬بينام‬
‫َ‬
‫عشة‪ٍ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للخرسان وانعدا ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـي‪ ،‬مع ٍ‬
‫يقني ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بب الشقاء واهلالك األبد َّي ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلري بنسبة تسعة من َ‬ ‫َس ُ‬
‫بدرجة الت ِ‬
‫َّواتر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلثبات»‬ ‫ِ‬
‫تصاص‬ ‫«أهل ْ‬
‫االخ‬ ‫ِ‬ ‫بشهادة ما ال ُي َص من‬ ‫ِ‬ ‫ثابت‬
‫األمر ٌ‬ ‫وهذا‬
‫ُ‬
‫وق والك ِ‬
‫َشف‪.‬‬ ‫الذ ِ‬ ‫أهل َّ‬ ‫إخبار ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوء‬ ‫جاز ٌم يف‬ ‫يقني ِ‬ ‫واإلمجاعِ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫الـجنـد َّي ِة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أيضا ‪-‬كاآلخرة‪ -‬هي في العبا َدة وفي ُ‬
‫أن سعاد َة الدنيا ً‬
‫نحصل من هذا‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الخالصة هلل‪.‬‬
‫الطاعة والتَّوفِ ِ‬
‫يق» وأن ن َ‬
‫َشكره سبحانه وتعاىل‬ ‫ِ‬ ‫فعلينا إذن أن نُر ِّد َد دائام‪« :‬الحمدُ هلل على‬
‫َ‬
‫مسلمون‪.‬‬ ‫عىل أنَّنا‬
‫ل��ل �ة �� � �ة‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا ل ارب��ع�‬
‫�﷽‬

‫(‪)1‬‬
‫«الصال ُة عام ُد الدِّ ين»‬
‫وأن‬ ‫الصالة وقيمتَها‪ ،‬وكم هو ِ‬
‫يس ٌري ني ُلها وزهيدٌ كس ُبها‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ف أهمي َة‬ ‫كنت تُريدُ أن ت ِ‬
‫َعر َ‬ ‫إن َ‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫بيقني‬ ‫تعرف ذلك ك َّل ُه‬
‫َ‬ ‫كنت تريدُ أن‬ ‫من ال يقيمها وال يؤدي ح َّقها أب َله ِ‬
‫خاس ٌـر‪ ..‬نعم‪ ،‬إن َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫احلكاية التَّمثيليةِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يساوي أربعا‪ -‬فتأ َّمل يف هـذه‬ ‫االثنني يف ِ‬
‫اثنني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضرب‬ ‫ِ‬
‫تــا ٍم ‪-‬كحاصل‬
‫ِ‬
‫صرية‪:‬‬ ‫ال َق‬
‫يمنح‬ ‫اجلميلة‪ ،‬بعد أن‬ ‫ِ‬ ‫اثنني من َخدَ ِمه إىل مزرعتِه‬ ‫‪-‬ذات يوم‪ِ -‬‬ ‫ـظيم‬ ‫ي ِ‬
‫رس ُل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حاكم َع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫عة التي هي عىل‬ ‫الوصول إىل املزر ِ‬‫ِ‬ ‫وعرشين لري ًة ذهب َّيـ ًة‪ ،‬ليتَمكَّنا هبا من‬ ‫كال منهام أرب ًعا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فر‪ ،‬واقتَنِيا‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملصاريف التَّذاك ِر و ُمتطلبات َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫شهرين؛ ويأ ُم ُرمها‪« :‬أنفقا م ْن هذا املبل ِغ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب ِ‬
‫عد‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫واإلقامة‪ ..‬هناك حمط ٌة للمسافرين عىل ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫عد يوم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كن‬ ‫ما يلز ُمكُام هناك من لواز ِم َّ‬
‫ٍّ‬
‫ولكل َثمنُه»‪.‬‬ ‫وق ٍ‬
‫طار‪..‬‬ ‫فينة ِ‬
‫وطائرة وس ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سيارة‬ ‫َّقل من‬‫وسائط الن ِ‬‫ِ‬ ‫ميع أنوا ِع‬
‫َ‬ ‫يوجدُ فيها َج ُ‬
‫يسريا‬
‫رصف شي ًئا ً‬
‫َ‬ ‫األوامر؛ كان أحدُ مها سعيدً ا حمظو ًظا‪ ،‬إ ْذ‬
‫َ‬ ‫اخلادمان بعد تس ُّل ِم ِهام‬
‫ِ‬ ‫َي ُرج‬
‫رأس مالِه‬
‫فارتفع ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫رابحة َيرىض هبا س ِّيدُ ه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تجارة‬ ‫حلني وصولِه املح َّط َة‪ ،‬صر َفه يف‬ ‫مما لديه ِ‬
‫وعرشين مما‬ ‫رصف ثالثـًا‬‫َ‬ ‫وسفاهتِه‬ ‫فل ِ‬
‫سوء ح ِّظه‬ ‫اخلادم اآلخر‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلف‪ ،‬أما‬ ‫ِ‬
‫الواحد إىل‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حلني ِ‬
‫بلوغه‬ ‫فأضاعها ك َّلها ّإل لير ًة واحد ًة منها ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫والقامر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اللهو‬ ‫هبية يف‬ ‫الذ ِ‬ ‫ِ‬
‫الليـرات َّ‬ ‫عندَ ه من‬
‫املح َّط َة‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيهقي‪ ،‬شعب اإليامن ‪38/3‬؛ الديلمي‪ ،‬املسند ‪ ،404/2‬وانظر‪ :‬الرتمذي‪ ،‬اإليامن ‪8‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.237 ،231/5‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪16‬‬
‫سفر‪ ،‬فال تُض ِّي ْعها‬ ‫لديك ِ‬
‫تذكر َة ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الباقية‬ ‫ِ‬
‫اللرية‬ ‫اشرت هبذه‬ ‫ِ‬ ‫صاح ُبه‪« :‬يا هذا!‬ ‫ِ‬ ‫خاط َبه‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقصري‪،‬‬ ‫عمـا بدَ َر َ‬
‫منك من ت‬ ‫فوه َّ‬ ‫يشم ُل َك برمحته وينا ُل َك َع ُ‬ ‫يم‪ ،‬لع َّله َ‬ ‫كريم رح ٌ‬ ‫كذلك‪ ،‬فس ِّيدُ نا ٌ‬
‫َفعل ما أقو ُل ُه‬ ‫ٍ‬
‫واحد؛ فإن مل ت ْ‬ ‫حمل إقا َمتِنا يف يو ٍم‬ ‫ِ‬
‫الطائرة‪ ،‬ونَب ُل َغ م ًعا َّ‬ ‫ِ‬
‫بركوب‬ ‫سمحوا لك‬ ‫ف َي ُ‬
‫ِ‬ ‫كام ِ‬ ‫شهرين ِ‬
‫ِ‬ ‫الس ِري‬ ‫ِ‬ ‫لك فستُض َط ُّـر إىل‬
‫وع‬‫والج ُ‬‫ليـن يف هذه املفازة َمش ًيا عىل األقدا ِم‪ُ ،‬‬ ‫مواصلة َّ‬ ‫َ‬
‫فرة ال َّط ِ‬‫شارد يف هذه الس ِ‬ ‫َيفتِ ُك بك‪ ،‬وال ُغر َب ُة تُخ ِّي ُم‬
‫ويلة»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وأنت وحيدٌ ِ ٌ‬ ‫عليك َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عابرة‪،‬‬ ‫سبيل َش ٍ‬
‫هوة‬ ‫ِ‬ ‫ف حتى تلك اللري َة ِ‬
‫الباقي َة يف‬ ‫فص َ‬ ‫تُرى! لو عاندَ هذا َّ‬
‫خص‪َ َ ،‬‬ ‫الش ُ‬
‫َنـز له‪َ ،‬أل َيعنِي ذلك أنَّه‬
‫مفتاح ك ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمثابة‬ ‫فر هي‬ ‫َذك ِ‬
‫رة َس ٍ‬ ‫ِ‬
‫اقتناء ت ِ‬ ‫بدل من‬‫زائلة‪ً ،‬‬‫ٍ‬ ‫لذ ٍة‬ ‫ِ‬
‫وقضاء َّ‬
‫ٍ‬
‫إنسان؟‬ ‫در ُك هذا أغ َبى‬‫َش ِق ٌّي خارس‪ ،‬وأبل ُه بليدٌ ح ًقا؟ أال ُي ِ‬
‫ٌ‬
‫الـم ِ‬
‫تضايق َة منها!‬ ‫َفيس ُ‬
‫الصالةَ! ويا ن َ‬
‫فيا من ال ُيؤ ِّدي َّ‬
‫ران‪ ،‬فأحدُ مها هو‬ ‫مان املسافِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلاد ِ‬ ‫جل وعال؛ أما ذانِكام‬ ‫وخالقنا َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحاك َم هو ر ُّبنا‬ ‫إن َ‬
‫ذلك‬
‫َّار ُك للص ِ‬
‫الة‪.‬‬ ‫واآلخ ُر هو الغافِ ُل الت ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األداء‪،‬‬ ‫حق‬
‫بشوق ويؤدِّهيا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الصال َة‬
‫َّ‬ ‫يقيم َّ‬
‫المتد ِّي ُن الذي ُ‬ ‫ُ‬
‫رشون ساع ًة من ِّ‬
‫كل يو ٍم‬ ‫َ‬ ‫رشون فهي األربع ِ‬
‫والع‬ ‫َ‬ ‫ـة األربع ِ‬
‫والع‬ ‫الذهب َّي ُ‬ ‫اللريات َّ‬
‫ُ‬ ‫تلك‬‫وأ َّما َ‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫رب‪.‬‬
‫ـة فهي الق ُ‬ ‫تلك املح َّط ُ‬
‫َّـة‪ ،‬وأما َ‬ ‫فهو اجلن ُ‬
‫اخلاص َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫البستان‬ ‫من أيا ِم ال ُع ُم ِر؛ وأ ّما َ‬
‫ذلك‬
‫ِ‬
‫واملاض ُية إىل‬ ‫نحو ِ‬
‫القرب‬ ‫ِ‬ ‫الطويل فهي ِر ُ‬
‫ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫وأما َ‬
‫السائر ُة َ‬
‫البشـر َّ‬ ‫حلة‬ ‫فر‬
‫والس ُ‬
‫ياحة َّ‬ ‫تلك ِّ‬
‫ِ‬
‫اخللود‪.‬‬ ‫قة إىل ِ‬
‫دار‬ ‫ِ‬
‫واملنطل ُ‬ ‫ِ‬
‫احلشـر‬
‫كل حسب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الكون هلذا ال َّط ِ‬
‫ريق ال َّط ِ‬
‫عمله ومدَ ى‬ ‫ويل يقطعونَه عىل درجات ُمتفاوتة‪َ َ َ ٌّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فالس‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫كأنم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سم منهم‬ ‫الربق‪ ،‬وق ٌ‬ ‫عون يف يو ٍم واحد َمساف َة ألف سنة َّ‬
‫سم من املتَّقني يق َط َ‬ ‫تقواه؛ فق ٌ‬
‫يم إىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫خسيـن َ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحد مساف َة َ‬ ‫َ‬
‫القرآن العظ ُ‬ ‫أشار‬
‫اخليال؛ وقد َ‬ ‫َّـهم‬
‫ألف سنة كأن ُ‬ ‫َ‬ ‫يقطعون يف يوم‬
‫ِ‬
‫َريمتني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫آيتيـن ك‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة يف‬ ‫هذه‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الصال ُة التي ال ت ِ‬
‫أكثر من‬ ‫َستغر ُق َخ ُ‬
‫مس صلوات مع ُوضوئها َ‬ ‫أ َّما تلك التَّذكر ُة فهي َّ‬
‫ٍ‬
‫ساعة!‬
‫ِ‬
‫صرية وال‬ ‫ِ‬
‫احلياة الدُّ نيا ال َق‬ ‫رشين من َساعاتِه عىل هذه‬ ‫يرصف ثال ًثا ِ‬
‫وع‬ ‫ُ‬ ‫فيا خسار َة َمن‬
‫َ‬
‫��������� � � �����‬
‫‪17‬‬ ‫�� � � �‬
‫بني! ويا له‬ ‫ـم ِ‬
‫لنفسه ُم ٌ‬ ‫األبدية املديدَ ِة! ويا له ِمن ظالِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫رصف ساع ًة ِ‬
‫واحد ًة عىل تلك‬ ‫ُ‬ ‫َي‬
‫أحمق أبل َه!‬
‫َ‬ ‫من‬
‫شرت ُك فيه أكثر من ِ‬
‫ألف‬ ‫صف ما َيملكُه المر ُء لِ ِ‬
‫قامر اليان َِص ِ‬
‫يب ‪-‬الذي َي ِ‬ ‫َل ِئ ْن كان َد ْف ُع نِ َ‬
‫ُ‬
‫فكيف بالذي ُي ِج ُم عن‬ ‫وز واحدٌ من ٍ‬
‫ألف‪،‬‬ ‫احتامل ال َف ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫معقول‪ ،‬مع أن‬ ‫أمرا‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫شخص‪ُ -‬يعدُّ ً‬
‫زينة أبدي ٍ‬
‫ـة‪،‬‬ ‫َيل َخ ٍ‬
‫وألجل ن ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ضمون‪،‬‬ ‫سبيل ِر ٍ‬
‫بح َم‬ ‫ِ‬ ‫ملكُه يف‬ ‫ٍ‬
‫أربعة وعرشين مما ي ِ‬ ‫واحد من‬‫ٍ‬ ‫َب ِ‬
‫ذل‬
‫َّ‬ ‫َ َ‬
‫وتسعني من ٍ‬
‫مئة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫باحتامل تِس ٍع‬
‫ِ‬

‫نفسه‬ ‫أل ُي ِ‬
‫در ُك ذلك ُّ‬ ‫للح ِ‬
‫كمة؟ َ‬ ‫للعقل وجمانبا ِ‬
‫ِ‬ ‫العمل ِخال ًفا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل من َيعدُّ َ‬ ‫ً‬ ‫أل ُيعدُّ هذا‬
‫ًِ‬
‫عاقل؟‬
‫عم ًل‬ ‫لب وال َع ِ‬‫وح وال َق ِ‬
‫للر ِ‬ ‫ٌ‬ ‫الصال َة بِ ِ‬ ‫َّ‬
‫ليست َ‬ ‫ْ‬ ‫فضل عن أن ّها‬
‫ً‬ ‫قل م ًعا؛‬ ‫ربى ُّ‬ ‫راحة ك َ‬ ‫ذاتا‬ ‫إن َّ‬
‫ِ‬
‫بمثابة‬ ‫ُ‬
‫ستكون له‬ ‫ِ‬
‫املباحة‬ ‫صل الدُّ ِ‬
‫نيوية‬ ‫الـم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ره ًقا للجسم؛‬ ‫م ِ‬
‫سائر أعامل ُ‬ ‫وفوق ذلك فإن َ‬ ‫ُ‬
‫رأس ِ‬
‫مال ُع ُم ِره إىل‬ ‫ِ‬ ‫ميع‬ ‫ِّ‬ ‫حو َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫املصل َج َ‬ ‫فيستطيع إذن أن ُي ِّ‬
‫ُ‬ ‫الصاحلة‪،‬‬ ‫عبادة هلل‪ ،‬وذلك بالنِّية َّ‬
‫ب ُع ُم ًرا خالدً ا بِ ُع ُم ِره ِ‬
‫الفان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬ف َيكس ُ‬
‫� ا �ة‬ ‫��ل �ة �ل�‬
‫خ‬ ‫�‬
‫ا � ك�‬
‫ل�� �م� ا � �م��س�‬
‫�﷽‬

‫﴿ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾ (النحل‪)128:‬‬
‫ِ‬ ‫الكبائر وظيف ٌة ِ‬ ‫أن إقام َة الص ِ‬
‫باإلنسان‬ ‫حقيق َّيـ ٌة ُ‬
‫تليق‬ ‫ِ َ‬ ‫واجتناب‬
‫َ‬ ‫الة‬ ‫َّ‬ ‫أردت أن َترى َّ‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫ِ‬ ‫َّمثيلي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واستمع إليها‪:‬‬
‫ْ‬ ‫القصرية‬ ‫ـة‬ ‫ونتيج ٌة فطري ٌة ُمالئم ٌة مع خلقته‪ ،‬فتأ َّمل يف هذه احلكاية الت َّ‬
‫همتِه‬ ‫در ٌب عىل ُم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األفواج‪ُ ،‬جنديان اثنان‪ ،‬أحدُ ُها ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫العاملية‪ ،‬ويف ِ‬
‫أحد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرب‬ ‫َ‬
‫كان يف‬
‫هيتم ك َُّل االهتام ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُم ِجدٌّ يف واجبِه؛‬
‫المتق ُن واج َبه ُّ‬ ‫َّبع َهوا ُه‪ ،‬كان ُ‬ ‫واآلخ ُر جاه ٌل بوظيفته مت ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫بلواز ِم مع ِ‬ ‫اجلهاد‪ ،‬ومل يكن لِ ُيفك َِّر ُّ‬‫ِ‬ ‫وش ِ‬
‫أدرك‬ ‫َ‬ ‫وأرزاقه‪ُ ،‬‬
‫حيث إنه‬ ‫اشه‬ ‫ِ ََ‬ ‫قط‬ ‫ؤون‬ ‫َّدريب ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأوامر الت‬
‫وضع ال ُّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن إعاشتَه ِ‬
‫قمة‬ ‫ورعاي َة ُشؤونه وتَزويدَ ه بال َعتاد‪ ،‬و ُمداوا َت ُه إذا َم ِر َض‪ ،‬بل حتى ْ َ‬ ‫يقينًا َّ‬
‫واجب الدَّ ِ‬
‫ولة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األمر‪ -‬يف َف ِمه‪ ،‬إنام هو من‬ ‫احتاج ُ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬إذا‬
‫منع‬ ‫علمه َّ‬ ‫اجلهاد ليس ّإل‪ ،‬مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫األساس فهو التَّدَ ُّر ُب عىل ِ‬
‫أن هذا ال َي ُ‬ ‫أمور‬ ‫ُ‬ ‫وأما واج ُبه‬
‫واعني‪ ،‬وحتى يف‬ ‫ِ‬ ‫الـم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلعاشة كال َّط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بشؤون الت ِ‬ ‫ِ‬
‫وغسل َ‬ ‫هي‬ ‫أعامل‬ ‫وبعض‬ ‫َّجهيز‬ ‫من أن يقو َم‬
‫َطو ًعا»‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أقوم ب َب ِ‬ ‫األثناء لو ُس ِئل‪« :‬ماذا ُ‬ ‫ِ‬
‫عض واجبات الدَّ ولة ت ُّ‬ ‫تفعل؟» لقال‪« :‬إنام ُ‬ ‫هذه‬
‫يش»‪.‬‬ ‫كسب ِ‬
‫لواز ِم ال َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫يب‪« :‬إننِّي أس َعى‬ ‫ُي ُ‬
‫رب؛ فكان‬‫حل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أما الج ِ‬
‫تم با َ‬
‫َّدريب وال َي َّ‬‫بايل بالت‬
‫يكن ل ُي َ‬
‫الجاهل بواجباته فلم ْ‬ ‫اآلخر‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ند ُّي‬ ‫ُ‬
‫عيشتِه و َي ُ‬
‫لهث ورا َء‬ ‫ِ‬
‫بأمور َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجب الدَّ ولة‪ ،‬وما يل أنا؟!» ف ُيشغ ُل َ‬
‫نفسه‬ ‫يقول‪« :‬ذلك من َو ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األسواق‪.‬‬ ‫البيع والشِّ ا َء يف‬ ‫الفوج لِ ُي ِ‬
‫زاو َل َ‬ ‫َ‬ ‫زادة منها حتى كان َيدَ ُع‬‫االستِ ِ‬

‫َّدر ُب واالستِعدا ُد‬


‫تك األصل َّي َة هي الت ُّ‬
‫هم َ‬
‫إن ُم َّ‬ ‫الم ِجدُّ َ‬
‫ذات يوم‪« :‬يا أخي! ّ‬ ‫ُ‬
‫صديقه ُ‬ ‫َ‬
‫قال له‬
‫‪19‬‬ ‫��������� ���‬
‫�� �������‬ ‫�� �‬
‫واطم ِئ َّن إليه يف ِ‬
‫أمر‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫أجل ذلك‪ ،‬فاعت َِمدْ عىل‬‫للحرب‪ ،‬وقد ِجي َء بك إىل هنا من ِ‬ ‫ِ‬
‫َطيع أن‬ ‫إنك ِ‬ ‫ووظيفتُه‪ ،‬ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫معاش َك‪ ،‬فلن َيدَ َع َك جائ ًعا‪ ،‬فذلك واج ُبه‬ ‫ِ‬
‫وفقري لن تست َ‬ ‫ٌ‬ ‫عاج ٌز‬
‫ربى‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جهاد ويف س ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فنحن يف ِ‬ ‫َ‬ ‫ت ُِدير أمور معيشتِ َك ِ‬
‫بنفس َك‪،‬‬
‫حرب عاملية ك َ‬ ‫احة‬ ‫َ‬ ‫زمن‬ ‫ُ‬ ‫وفوق هذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لون بك ُعقوب ًة ِ‬
‫صارم ًة‪.‬‬ ‫ْـز َ‬ ‫ألوامرهم ف ُين ِ‬
‫ِ‬ ‫وك ِ‬
‫عاص ًيا‬ ‫أن َي ُعدُّ َ‬
‫أخشى ْ‬ ‫َ‬
‫لطان‪ ،‬وهي قيا ُمه بإعاشتِنا‪،‬‬ ‫يفة الس ِ‬ ‫ِ‬
‫إحداها‪ :‬وظ ُ ُّ‬
‫ُ‬ ‫وان أما َمنا‪:‬‬ ‫َني تَبدُ ِ‬
‫َني اثنت ِ‬ ‫إن وظيفت ِ‬ ‫نعم؛ َّ‬
‫َّدر ُب‬ ‫الوظ ِ‬
‫يفة‪ ،‬و ُأ ُ‬ ‫إنجاز تلك ِ‬ ‫ِ‬
‫نحن‪ ،‬وهي الت ُّ‬
‫خراها‪ :‬هي وظيفتُنا ُ‬ ‫ونحن قد نُستَخدَ ُم جمانًا يف‬
‫الز ٍ‬
‫مة»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫َسهيالت ِ‬ ‫مساع ٍ‬
‫دات وت‬ ‫والس ُ‬
‫لطان ُيقدِّ ُم لنا‬ ‫ِ‬ ‫واالستِعدا ُد‬
‫َ‬ ‫للحرب‪ُّ ،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ب كم‬‫در ِ‬ ‫المهم ُل َس ْم ًعا لكال ِم ذلك املجاهد ُ‬
‫الم َّ‬ ‫ندي ُ‬ ‫الج ُّ‬ ‫فيا أخي تأ َّمل لو مل ُيع ِر ُ‬
‫لألخطار والتَّه ُل ِ‬
‫كة!‬ ‫ِ‬ ‫خارسا و ُمت َع ِّر ًضا‬
‫الحيا ُة الدنيا‬
‫باحلرب هي هذه َ‬ ‫ِ‬ ‫الساح َة التي ُ‬
‫متور َم ْو ًرا‬ ‫نفسي الكسىل! إن تلك َّ‬ ‫َ‬ ‫فيا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫نفسه‬‫وج ُ‬‫األجيال البرش َّي ُة‪ ،‬وأ ّما ذلك ال َف ُ‬ ‫ِ‬
‫األفواج فهو‬ ‫اجليش الم َق َّس ُم إىل‬
‫ُ‬ ‫املائ ُ‬
‫جة‪ ،‬وأ ّما ذلك‬
‫ِ‬
‫والعام ُل‬ ‫ف باهلل‬ ‫ِ‬
‫العار ُ‬ ‫االثنان‪ ،‬فأحدُ ُها هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنديان‬ ‫املعاص؛ وأ ّما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسل ُم‬ ‫َمع‬
‫ُ‬ ‫فهو املجت ُ‬
‫والشيطان َخشي َة‬
‫َ‬ ‫نفسه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالفرائ ِ‬
‫َّقي الذي جياهدُ َ‬ ‫للكبائر‪ ،‬وهو ذلك املسل ُم الت ُّ‬ ‫ب‬‫ض واملجتن ُ‬
‫نوب‪.‬‬ ‫والذ ِ‬
‫الوقو ِع يف اخلطايا ُّ‬
‫العيش لِحدِّ ِّاتا ِم الر ِ‬
‫زاق‬ ‫ِ‬ ‫له ُث ورا َء مهو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخر فهو الفاس ُق اخلاس ُـر الذي َي َ‬ ‫وأما‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫َعرض له‬‫رائ ُض وتت َ‬ ‫العيش أن تَفوتَه ال َف ِ‬
‫ِ‬ ‫احلصول عىل ُل ِ‬
‫قمة‬ ‫ِ‬ ‫يقي‪ ،‬وال ُيبايل يف سبيل‬ ‫ِ‬
‫احلق ِّ‬
‫الصالةُ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّعليامت‪ ،‬فهي العباد ُة ويف ُمقدِّ متها َّ‬
‫ُ‬ ‫َّدريبات والت‬
‫ُ‬ ‫املعاص‪ ،‬وأما تلك الت‬
‫ِ‬
‫األخالق‪،‬‬ ‫َفس ُه وهواه‪ ،‬واجتنا ُبه اخلطايا و َدنَايا‬ ‫ِ‬
‫جماهد ُة اإلنسان ن َ‬
‫احلرب فهي َ‬ ‫ُ‬ ‫وأما تلك‬
‫ِ‬
‫واخلرسان‬ ‫ِ‬
‫األبد ِّي‬ ‫ِ‬
‫اهلالك‬ ‫وحه م ًعا من‬ ‫واإلنس‪ ،‬إنقا ًذا لقلبِه ور ِ‬
‫ِ‬ ‫اجلن‬
‫ُ‬ ‫شياطيـن ِّ‬
‫َ‬ ‫قاومتُه‬
‫و ُم َ‬
‫خرى ِعباد ُة‬ ‫ِ‬
‫نح احلياة ورعايتُها‪ ،‬واألُ َ‬ ‫ُ‬
‫فإحداها َم ُ‬
‫ِ‬
‫االثنتان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوظيفتان‬ ‫املبني؛ وأما تَانِ َك‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫واالطمئنان إليه‪.‬‬ ‫والسؤال منه والتوك ُُّل عليه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلياة و ُمر ِّبيها‬ ‫ِ‬
‫واهب‬
‫َلم ُع‪ ،‬وجع َلها ِحكم ًة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وأنشأها َصنع ًة َص َمدان َّيـ ًة ُمعجز ًة َتت َّ‬ ‫وهب احلياةَ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أجل‪َّ ،‬‬
‫إن الذي‬
‫خارق ًة تتأ ّل ُق‪ ،‬هو الذي ُير ِّبيـها‪ ،‬وهو وحـدَ ه الـذي َيرعاه َا و ُي ِديمـها بالر ِ‬
‫زق‪.‬‬ ‫َربان َّية ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪20‬‬
‫ِ‬
‫(كاألسامك‬ ‫وده‬‫زق وأج ِ‬
‫بأفضل ِر ٍ‬
‫ِ‬ ‫عف حي ٍ‬
‫وان وأ ْبلدَ ه َل ُي َ‬
‫رز ُق‬ ‫َأو ت ُِريدُ الدَّ َ‬
‫ْ‬ ‫أض َ َ‬ ‫ليل؟ إن ْ‬
‫والص ِ‬
‫غار)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحسن ِر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خملوق وأر َّقه َليأك ُُل‬ ‫ِ‬
‫الفواكه)‪َّ ،‬‬ ‫ود ِ‬ ‫ِ‬
‫(كاألطفال ِّ‬ ‫زق وأطي َبه‬ ‫َ‬ ‫أعجز‬
‫َ‬ ‫وإن‬ ‫يدان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولِكي تَفهم َّ ِ‬
‫جز‬
‫واالختيار‪ ،‬بل هي ال َع ُ‬
‫َ‬ ‫دار‬
‫ليست االقت َ‬ ‫الرزق احلالل َ‬ ‫أن وسيل َة ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫الص ِ‬
‫غار الذين ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك أن تَعقدَ مقارن ًة بني األسامك البليدة وال َّثعال ِ‬ ‫ِ‬
‫عف‪َ ،‬يكف َ‬
‫وبني ِّ‬
‫ب‪َ ،‬‬ ‫والـض ُ‬
‫َّ‬
‫الالهثة‪ِ.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشجار املنتَصبِة واحل َيوانات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حوش الكاسة‪ ،‬وبني‬ ‫ُق َّو َة هلم ُ‬
‫والو‬
‫رت ُك ت ِ‬
‫َدري َبه‬ ‫اجلندي الذي ي ُ‬
‫ِّ‬ ‫كم َث ِل ذلك‬ ‫ِ‬
‫العيش َم َثـ ُله َ‬ ‫رت ُك َصالتَه ألجل ُهو ِم‬‫فالذي َي ُ‬
‫ينسى ن َِصي َبه من‬
‫دون أن َ‬‫الصال َة َ‬‫قيم َّ‬ ‫ِ‬
‫تسو ُل متَس ِّك ًعا يف األسواق؛ بينام الذي ُي ُ‬ ‫وخند َقه و َي َّ‬‫َ‬
‫فج ٌ‬
‫ميل‬ ‫ِ‬ ‫يكون عال ًة عىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫رمحة الر ِ‬ ‫طبخ ِ‬
‫يبحث عنه يف َم ِ‬ ‫ُ‬ ‫الر ِ‬
‫ين َ‬ ‫اآلخر َ‬ ‫الكريم‪ ،‬لئال‬ ‫زاق‬ ‫َّ‬ ‫زق‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وشها َم ٌة‪ ،‬وهو َض ْـر ٌب من العبا َدة ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫عم ُله‪ ،‬بل هو ُرجو َل ٌة َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َدل ِن عىل أنه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للعبادة‪ ،‬ألن‬ ‫ٌ‬
‫خملوق‬ ‫معنوية ت َّ‬ ‫أجهزة‬ ‫دع اهلل فيه من‬ ‫ثم إن فطر َة اإلنسان وما َأ ْو َ‬
‫ٍ‬
‫عصفور ‪-‬الذي‬ ‫مل حلياتِه الدُّ نيا ال تَب ُل ُغ َمرتَب َة أدنَى‬
‫رات وما ُيؤ ِّد ِيه من َع ٍ‬ ‫ودع فيه من ُقدُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ما ُأ َ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات من‬ ‫وس ِّيدَ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫سلطان الكائنات َ‬ ‫اإلنسان‬ ‫يكون‬ ‫وأفضل‪ -‬بينام‬ ‫أكثر منه‬
‫يتَمت َُّع باحلياة َ‬
‫خرو ّي ِة‪.‬‬
‫هة إىل حياتِه املعنو َّي ِة واألُ ِ‬ ‫املتوج ُ‬
‫ِّ‬ ‫والترض ُع والعباد ُة‬
‫ُّ‬ ‫قار‬ ‫ِ‬
‫لم واالفت ُ‬
‫ُ ِ‬
‫حيث الع ُ‬
‫فسوف‬
‫َ‬ ‫بيلها ُجهدَ ِك‬‫غت يف س ِ‬
‫َ‬
‫علني احليا َة الدنيا غاي َة املقص ِد وأفر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسي! إن كنت َت َ‬ ‫َ‬ ‫فيا‬
‫ِِ‬ ‫صفور؛ أما إن ِ‬
‫ين‬
‫المنَى وتتَّخذ َ‬ ‫األخرى غاي َة ُ‬ ‫َ‬ ‫جتعلني احليا َة‬
‫َ‬ ‫كنت‬ ‫ٍ َّ‬ ‫غر ُع‬‫أص ِ‬ ‫تكونني يف حكم ْ‬‫َ‬
‫حكم س ِّي ِد‬
‫ِ‬ ‫تكونني يف‬
‫َ‬ ‫وف‬
‫فس َ‬ ‫وسعيت هلا َسع َيها‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫زرع ًة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫هذه احليا َة الدنيا َوسيل ًة هلا و َم َ‬
‫ِ‬
‫الفاض َل يف هذه‬ ‫ِ‬ ‫كرم‬‫الم َّ‬
‫يف ُ‬ ‫الكريم وستُصبِ ِحني َّ‬
‫الـض َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خالقه‬ ‫زيز لدى‬ ‫األحياء والع ِ‬
‫بد ال َع ِ‬ ‫َ‬
‫الهداي َة والتَّوفِ َيق‪.‬‬
‫حيم ِ‬‫الر َ‬ ‫الر َّب َّ‬
‫واسأيل َّ‬
‫ِ‬ ‫فاخ ِ‬
‫تاري أ َّيام تَشائني‪ْ ،‬‬
‫طريقان ِ‬
‫اثنان‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الدُّ نيا‪ ،‬فدُ ون ِ‬
‫َك‬
‫ل��ل �ة � ا �ة‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا �ل��س� د ��س�‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ (التوبة‪)111:‬‬

‫واملال إىل اهلل تعاىل‪ ،‬والعبودي َة له‪ ،‬والجندي َة يف س ِ‬


‫بيله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النفس‬ ‫بيع‬ ‫تعلم َّ‬
‫َ‬ ‫أن َ‬ ‫أردت أن َ‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫ِ‬
‫صرية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫التمثيلية ال َق‬ ‫ِ‬
‫احلكاية‬ ‫تبة‪ ،‬فأنصت إىل هذه‬ ‫وأشرف ر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جتارة‬ ‫أربح‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫لكل منهام‪،‬‬‫واسع ًة ٍّ‬‫اثنني من رعاياه و ِديع ًة وأمان ًة‪ ،‬مزرع ًة ِ‬ ‫سلطان ذات يو ٍم لدَ ى ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َو َض َع‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ‬
‫قت‬
‫الو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ما تتَط َّل ُبه من‬ ‫فيها ُّ‬
‫َوافق أن كان َ‬ ‫وغريها؛ وت َ‬ ‫وحيوانات‬ ‫وأسلحة‬ ‫وآالت‬ ‫مكائن‬
‫َ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رب وتُغ ِّي َر ُه أو تَجع َله ً‬
‫أثرا‬ ‫قرار ليشء‪ ،‬فإما أن ُت َبدِّ َل ُه َ‬
‫الح ُ‬ ‫حرب طاحنة‪ ،‬ال َي َق ُّر ٌ‬ ‫وقت‬
‫آنذاك َ‬
‫بأمره الكريم‬‫بني مصحو ًبا ِ‬ ‫المقر َ‬
‫َّ‬ ‫السلطان َر ْحم ًة منه وفضال أحدَ ِرجالِه‬
‫ُ‬ ‫فأرس َل‬
‫بعد عني‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫ليقول هلام‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صيب‪،‬‬‫الوقت ال َع ِ‬ ‫«بِيعوا يل ما َلديكُم من أمانتي لح َف َظها لكم‪ ،‬فال ت ُ‬
‫َذهب هبا ًء يف هذا‬
‫كأن تلك األمان َة‬ ‫وسأويف ثمنَها لكم َغال ًيا‪َّ ،‬‬ ‫أوزارها‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫رب‬ ‫الح ُ‬ ‫تضع َ‬
‫ُ‬ ‫وس َأ ُر ُّدها لكم حاملا‬‫َ‬
‫ِ‬
‫وباسمي‬ ‫اآلن يف معاميل‬ ‫حوزتِكم َ‬ ‫َ‬ ‫واآلالت التي يف‬
‫ُ‬ ‫املكائن‬ ‫مل ُككُم‪ ،‬وست َُش َّغل تلك‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرباح َستعو ُد‬ ‫مجيع‬ ‫األلف‪ ،‬فضال عن َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواحد إىل‬ ‫َفع أثمانُها من‬
‫َ‬ ‫وسرتت ُ‬‫وعهدَ يت‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫عاجزون ف َقرا ُء ال‬ ‫حيث إنكم ِ‬ ‫اريفها‪ُ ،‬‬ ‫تكاليفها ومص ِ‬
‫ِ‬ ‫أتعهد عنكم بجميع‬
‫َ‬ ‫وس َّ‬ ‫إليكم أيضا‪َ ،‬‬
‫سأ ْب ِقيها‬
‫داتا ومنافِ ِعها‪ ،‬علام أين ُ‬ ‫وار ِ‬
‫مجيع ِ‬
‫وسأر ُّد لكم َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املكائن‪،‬‬ ‫مصاريف تِ َ‬
‫لك‬ ‫َ‬ ‫َحملون‬
‫تت َّ‬
‫مراتب من‬ ‫وقت ِ‬
‫أخذها؛ ف َلكُم َخ ْم ُس‬ ‫حيني ُ‬ ‫َستفيدُ وا منها ولتتَمتَّعوا هبا إىل أن َ‬ ‫عندَ كم لت ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صفقة‬ ‫ِ‬
‫األرباح يف‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪22‬‬
‫مسك‬ ‫أن أحدا ال يستَطيع أن ي ِ‬ ‫ترون َّ‬
‫َ‬ ‫كل ما لدَ يكُم‪ُ ،‬‬
‫حيث‬ ‫حتم ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وإن مل تبِي ُعوها يل‬ ‫ْ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫فسيزول ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النفيسة‬ ‫الدقيقة‬ ‫اآلالت‬
‫ُ‬ ‫ُهمل تلك‬ ‫ُحر ُمون من تلك األثامن ال َغالية‪ ،‬وست َ‬ ‫بام عندَ ه‪ ،‬وست َ‬
‫ٍ‬
‫أعامل‬ ‫َفقدُ ِقيمتَها ك ِّليا‪ ،‬وذلك لعد ِم استِعامهلا يف‬ ‫الثمينة‪ ،‬وت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واملعاد ُن‬ ‫احلس ُ‬
‫اسة‬ ‫واملوازين َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫وس َترون َجزا َء ِخيانتِكم‬ ‫ٍ‬
‫فتلك‬ ‫َ‬ ‫لألمانة‪،‬‬ ‫إدارتَها وتكالي َفها َ‬ ‫تتح َّملون َوحدَ كم َ‬ ‫وس َ‬ ‫راقية‪َ ،‬‬
‫البائع ُيصبِ ُح جنديا‬ ‫البيع يعني َّ‬
‫أن‬ ‫وفوق هذا ك ِّله ّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َخمس َخسائر يف ص ٍ‬
‫َ‬ ‫إن هذا َ‬ ‫واحدة‪،‬‬ ‫فقة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬
‫وشخصا ِ‬
‫سائ ًبا‪.».‬‬ ‫أسريا عاد ًيا َ ً‬ ‫ف باسمي وال َيب َقى ً‬ ‫ترص ُ‬‫ُح ًر ّا أب ّيا خاصا يب‪َ ،‬ي َّ‬
‫العاق ُل‬ ‫ِ‬ ‫الكريم؛ فقال‬ ‫ِ‬ ‫السلطاين‬ ‫اجلميل واألَ ِ‬
‫مر‬ ‫ِ‬ ‫الرجالن َمل ًّيا إىل هذا الكَال ِم‬‫ِ‬ ‫أنصت‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫وش ٍ‬ ‫بكل َف ٍ‬ ‫ألمر الس ِ‬
‫لطان‪ِ ،‬‬
‫اآلخر‬‫ُ‬ ‫كر»‪ ،‬أما‬ ‫خر ُ‬ ‫يت بالبيع ِّ‬ ‫رض ُ‬ ‫«س ْم ًعا و َطاع ًة ِ ُّ‬ ‫زين منهام‪َ :‬‬ ‫الر ُ‬ ‫َّ‬
‫بات الدَّ ِ‬ ‫زرعتَه ال تَبيدُ أبدا‪ ،‬وال تُصي ُبها تَق ُّل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هر‬ ‫ظن أن َم َ‬ ‫املغرور املُـتَفرع ُن الغاف ُل فقد َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َشويت!»‬ ‫أبيع ُملكي وال ُأفسدُ ن َ‬ ‫لطان؟ ال ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫واضطرابات الدنيا‪ ،‬فقال‪« :‬ال!‪ ..‬و َم ِن ُّ‬ ‫ُ‬
‫ود ِ‬
‫أضحى ُ‬
‫يعيش يف‬ ‫َ‬ ‫الرجل األَ َّو ُل يف َمقا ٍم َيغبِط ُه ُ‬
‫الناس مجي ًعا‪ ،‬إذ‬ ‫ُ‬ ‫فأصبح‬
‫َ‬ ‫األيام‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ارت‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حبوحة ِ‬‫ِ‬
‫شر‬
‫ُيل َّ‬
‫اآلخر فقد ابت َ‬
‫ُ‬ ‫ب عىل أرائك أفضاله؛ أما‬ ‫قرص السلطان‪َ ،‬يتن َّعم بألطافه ويتق َّل ُ‬ ‫َ‬ ‫َب‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫غم أهنم قالوا‪« :‬إنه َيستح ُّقها!» إذ هو الذي َو َّر َط َ‬
‫نفسه‬ ‫الناس ك ُّلهم‪َ ،‬ر َ‬
‫بالء حتى َر َثى حلاله ُ‬
‫َشوتُه وال دا َم له ملكُه‪.‬‬
‫دامت له ن َ‬
‫ْ‬ ‫العذاب َجزا َء ما ْار َتكَب ِم ْن َخطأ‪ ،‬فال‬
‫ِ‬ ‫يف م ِ‬
‫رارة‬ ‫َ‬
‫احلقيقة الناص َع ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫احلكاية إىل و ِ‬
‫جه‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫نظار هذه‬‫الل ِم ِ‬ ‫نفسي املغرورةَ! انظري من ِخ ِ‬
‫َ‬
‫فيا ِ‬
‫واآلالت‬
‫ُ‬ ‫واملكائن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املزرعة‬ ‫األزل واألَ ِبد وهو ر ُّب ِك وخالِ ُق ِك‪ ..‬وتلك‬
‫ِ‬ ‫فالسلطان هو ُس ُ‬
‫لطان‬ ‫ُ‬
‫وقلب‪ ،‬وما فيها من‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وروح‬ ‫ٍ‬
‫جسم‬ ‫مجيع ما متلكينَه يف احلياة الدنيا‪ ،‬وما فيها من‬ ‫واملوازين هي ُ‬
‫ُ‬
‫َريم فهو‬ ‫الر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخ ٍ‬‫قل َ‬ ‫وع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َسم ٍع‬
‫سول الك ُ‬ ‫احلواس الظاهرة والباطنة؛ وأما َّ‬ ‫ِّ‬ ‫مجيع‬
‫يال‪ ،‬أي ُ‬ ‫وبصـر َ‬
‫البيع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الكريم الذي ُيعلن هذا َ‬ ‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫المحك َُم فهو‬ ‫لطاين ُ‬
‫الس ُّ‬ ‫األمر ُّ‬ ‫ُ‬ ‫س ِّيدُ نا حممدٌ ﷺ‪ ،‬وأما‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ِ‬ ‫والتِّجار َة الرابح َة يف هذه ِ‬
‫اآلية‬
‫وال هذه الدنيا‪ ،‬إذ ال‬‫أح ُ‬ ‫رب المد ِّمر ُة فهي ْ‬ ‫طر ُب َ‬
‫واحل ُ‬ ‫املض ِ‬ ‫ُ‬
‫امليدان ْ‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﴾ وأما‬
‫ِ‬
‫اإلنسان هبذا السؤال‪:‬‬ ‫بات ت ُِل ُّح عىل فِ ِ‬
‫كر‬ ‫بات‪ ،‬ك ُّلها تق ُّل ٌ‬ ‫قرار فيها وال َث َ‬
‫َ‬
‫يب عنَّا‪ ،‬أليس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جميع ما نَملِ ُ‬
‫هناك من‬ ‫ك ال َيستق ُّر وال يب َقى في أيدينا‪ ،‬بل َيفنَى و َيغ ُ‬ ‫َ‬ ‫«إن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفناء؟!»‪.‬‬ ‫البقاء بهذا‬
‫ُ‬ ‫ـح َّل‬‫عالج لهذا؟ َأل يمكن أن َي ُ‬ ‫ٍ‬
‫‪23‬‬ ‫��������� ������ � �����‬
‫�� �‬
‫دوي يف‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارق يف هذا الت ِ‬
‫اإلنسان َغ ٌ‬
‫ُ‬
‫امو َّّي ُي ِّ‬ ‫يسمع صدَ ى القرآن َّ‬
‫ُ‬ ‫َّفكري‪ ،‬إذا به‬ ‫وبينَام‬
‫لطيف‬
‫ٌ‬ ‫عالج‬ ‫ِ‬
‫عالجا هلذا الداء‪ ،‬بل هو‬ ‫إن َ‬
‫هناك‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪ :‬نعم‪َّ ،‬‬ ‫ويقول له بتلك ِ‬
‫اآلية‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اآلفاق‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫مراتب‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫مخس‬ ‫عظيم يف‬
‫ٌ‬ ‫بح‬ ‫فيه ِر ٌ‬
‫ِ‬
‫سؤال‪ :‬وما الع ُ‬
‫الج؟‬
‫الر ِ‬
‫بح يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مالكها احلقيقي؛ ففي هذا البي ِع‬ ‫ِ‬ ‫اجلواب‪َ :‬ب ْي ُع‬
‫رجات من ِّ‬
‫خمس َد َ‬
‫ُ‬ ‫األمانة إىل‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫ص ٍ‬
‫فقة‬ ‫َ‬
‫للحي القيو ِم‬ ‫ب‬‫يوه ُ‬
‫الزائل الذي َ‬ ‫َ‬ ‫ـجدُ البقا َء‪ ،‬ألن ال ُع ُم َر‬‫املال الفاين َي ِ‬
‫ُ‬ ‫الربح األول‪:‬‬
‫ِّ‬
‫باقيا؛ ِعندَ ٍئذ ت ِ‬‫ِ‬ ‫بذ ُل يف ِ‬ ‫ِ‬
‫دقائق ال ُع ُم ِر ً‬
‫ثامرا يانع ًة‬ ‫ُثم ُر ُ‬ ‫ينقلب ُع ُم ًرا أبد ًّيا ًّ‬
‫ُ‬ ‫سبيله سبحانَه‪،‬‬ ‫الباقي‪ ،‬و ُي َ‬
‫والسنابِ ُل‪.‬‬ ‫ظاهرا وت َ‬‫البقاء مثلام تفنَى البذور ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأزاهير س ٍ‬
‫األزهار َّ‬
‫ُ‬ ‫َنش ُّق عنها‬ ‫ُ ُ‬ ‫وضاء ًة يف عامل‬
‫عادة َّ‬ ‫َ َ‬
‫من هو ُ‬
‫اجلنة‪.‬‬ ‫الربح الثاين‪ :‬ال َّث ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحاس ٍة و َيغ ُلو من‬ ‫كل ُع ٍ‬
‫ثمن ِّ‬ ‫ِ‬
‫األلف‪.‬‬ ‫الواحد إىل‬ ‫َّ‬ ‫ضو‬ ‫الربح الثالث‪َ :‬يرتفع ُ‬
‫َعمله يف س ِ‬ ‫ِ‬
‫بيله‪ ،‬بل َجعلتَه يف سبيل‬ ‫َ‬ ‫ضو وآلة‪ ،‬إن مل تَبِ ْعه هلل ومل تَست ُ‬ ‫العقل ُع ٌ‬ ‫ُ‬ ‫فمثال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َحو ُل إىل ُع ٍ‬
‫حم ُلك آال َم املايض‬ ‫شؤو ٍم ُمزعج وعاج ٍز‪ ،‬إذ ُي ِّ‬ ‫ضو َم ُ‬ ‫َّفس‪ ،‬فإنه يت َّ‬ ‫اهلوى والن ِ‬ ‫َ‬
‫مشؤ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خي َف َة‪ ،‬فينح ِدر ِعندَ ٍئذ إىل در ِك ٍ‬ ‫املستقبل الـم ِ‬
‫أل ترى‬ ‫ومة‪َ ،‬‬ ‫ضارة ُ‬ ‫آلة‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫وأه َ‬
‫وال‬ ‫احلزين َة ْ‬
‫ِ‬
‫إزعاجات‬ ‫لنفسه من‬ ‫اللهو أو السك ِْر إنقاذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫نغم ُس يف‬ ‫واقع حياتِه وي ِ‬ ‫الفاس ُق من ِ‬ ‫كيف يرب ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫يكون مفتاحا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُعم َل يف ِ‬ ‫العقل إىل اهلل‪ ،‬واسـت ِ‬ ‫ِ‬
‫رائ ًعا‬ ‫ُ‬ ‫وألجله‪ ،‬فإنه‬ ‫سبيله‬ ‫ُ‬ ‫عقله؟ ولكن إذا بِ َ‬
‫يع‬
‫صاح ُبه‬‫ِ‬ ‫نظر‬ ‫ِ‬ ‫اإلهلية وك ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الربانية؛ فأينام َي ُ‬ ‫ُنوز احلكمة َّ‬ ‫الرمحة‬ ‫خزائن‬ ‫يفتح ما ال ُيعدُّ من‬ ‫بحيث ُ‬
‫شاهدُ الرمح َة‬ ‫حاد ٍثة؛ وي ِ‬ ‫وكل ِ‬ ‫وجود‪ِّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكل َم‬ ‫يشء‪ِّ ،‬‬ ‫الحكم َة اإلهلي َة يف كل ٍ‬ ‫وكي َفام يفكِّر يرى ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫اح َبه‬‫رش ٍد رباين يهيئ ص ِ‬ ‫مرتبة م ِ‬ ‫ِ‬ ‫قل هبذا إىل‬ ‫جود ك ِّل ِه‪َ ،‬في َقى ال َع ُ‬‫اإلهلي َة متج ِّلي ًة عىل الو ِ‬
‫ُ ِّ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫اخلالدة‪.‬‬ ‫للسعا َد ِة‬ ‫َّ‬
‫َعم ْلها يف سبيل اهلل‪،‬‬ ‫ُط ُّل الروح منها عىل هذا العامل‪ ،‬فإن مل تَست ِ‬ ‫ومثل‪ :‬العين حاس ٌة‪ ،‬ت ِ‬ ‫ً‬
‫ُّ ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫ِ‬
‫الزائلة‬ ‫املؤ َّق ِتة‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة َ‬ ‫ِ‬
‫املناظر‬ ‫عض‬ ‫دتا َب َ‬ ‫شاه ِ‬ ‫ِ‬
‫بم َ‬ ‫واهلوى‪ ،‬فإهنا ُ‬ ‫َ‬ ‫النفس‬ ‫تعملتَها ألجل‬ ‫واس َ‬ ‫ْ‬
‫ولكن إن بِعتَها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫واهلوى‪،‬‬ ‫النفس َ‬ ‫ِ‬ ‫والسمسارة الدَّ نيئة إلثارة َشهوات‬ ‫تُصبِ ُح يف َد ْرك اخلادمة ِّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪24‬‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫لكتاب‬ ‫العين ُمطالِع ًة‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫عندئذ تكون‬ ‫رض ِيه‪،‬‬‫صيـر واستَعملتَها فيام ي ِ‬
‫ُ‬ ‫خالقها ال َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫جود‪ ،‬وكأهنا نَحل ٌة بني‬ ‫الربانية يف الو ِ‬
‫ِ‬ ‫ملعجزات الص ِ‬
‫نعة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومشاهد ًة‬ ‫َبير هذا ِ‬
‫وقارئ ًة له‪،‬‬ ‫الك ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫األرض‪ ،‬فتُق ِّطر من َشه ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية يف ب ِ‬ ‫أزاهيـر الر ِ‬
‫نور‬
‫بـرة واملعرفة واملح َّبة َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ستان‬ ‫ُ‬ ‫محة‬ ‫ِ َّ‬
‫ِ‬
‫املؤمن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫الش ِ‬
‫هادة إىل‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اللسان‪ -‬إىل ِ‬ ‫الذ ِ‬
‫َعملتَها ألجل‬ ‫احلكيم‪ ،‬واست َ‬‫ِ‬ ‫فاطرها‬ ‫وق ‪-‬التي يف‬ ‫ومثال‪ :‬إن مل تَبِ ْع َّ‬
‫حاس َة َّ‬
‫الـم ِعدَ ِة واص َط ِبلها‪ ،‬فتَهبِ ُط قيمتُها‪،‬‬
‫عمل َ‬ ‫ينئذ َت ِوي إىل َد ْر ِك ّبو ِ‬
‫اب َم ِ‬ ‫فح ٍ‬ ‫والنفس‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫الـم ِعدَ ِة‬
‫َ‬
‫الرمحة اإلهلية‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫ناظر ِ‬
‫ماه ٍر خلزائن‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ ،‬فإهنا تَر َقى إىل َدرجة ٍ‬
‫ِ‬ ‫ولكن إن بعتَها إىل الر ِ‬
‫زاق‬ ‫َّ‬
‫القدرة الصمدانية‪ِ.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملطابخ‬ ‫ٍ‬
‫شاكر‬ ‫و ُمفت ٍ‬
‫ِّش‬
‫َّ‬
‫ني!‬ ‫ِ‬
‫الكائنات؟! ويا أيتها ال َع ُ‬ ‫ِ‬
‫كنوز‬ ‫املشؤو َم ُة من ِمفتاح‬ ‫أين ُ‬
‫اآللة‬ ‫ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫العقل! أفق‪َ ،‬‬ ‫فيا أهيا‬
‫ان! ُذق‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية؟! ­ويا أهيا ال ِّل َس ُ‬ ‫ِ‬
‫املكتبة‬ ‫ِ‬
‫اإلمعان يف‬ ‫مس ُة الدَّ نِي َئ ُ‬
‫ـة من‬ ‫الس َ‬
‫أبرصي جيدا‪ ،‬أين َّ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية؟!‬ ‫خزينة الر ِ‬
‫محة‬ ‫ِ‬ ‫بل من ِ‬
‫ناظر‬ ‫واالص َط ِ‬ ‫ِ‬
‫املعمل‬ ‫اب‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫أين َّبو ُ‬
‫جيدً ا‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئت ‪-‬يا أخي‪ِ -‬‬
‫المؤم َن‬ ‫َفه ُم َّ‬
‫أن‬ ‫واحلواس عىل هذا‪ ،‬وعندها ت َ‬‫ِّ‬ ‫األعضاء‬ ‫فق ْس بق َّيـ َة‬ ‫فإن ِش َ‬
‫كل‬ ‫ُوافق جهن ََّم‪ ،‬فام ُج ِ‬
‫وز َي ٌّ‬ ‫كتسب ِ‬
‫ماهي ًة ت ُ‬ ‫باجلنة‪ ،‬كام أن الكافر ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫كسب حقا ِ‬
‫خاصي ًة ُ‬
‫تليق‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وضمن‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬ ‫َعمل بإيامنِه أمان َة ِ‬
‫خالقه سبحانَه‬ ‫املؤمن يست ُ‬ ‫ألن‬ ‫إل َّ‬ ‫ِ‬
‫العادل ّ‬ ‫ِ‬
‫اجلزاء‬ ‫منهام هبذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالسوء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمارة‬ ‫ِ‬
‫ولنفسه‬ ‫ِ‬
‫ستعم ُلها هلواه‬ ‫خيون األمان َة ف َي‬ ‫ُ‬ ‫الكافر‬ ‫دائرة َمرضاتِه‪ ،‬وأن‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ولكن حاجتَه يف‬ ‫َّ‬ ‫ضعيف بينام مصائ ُبه كثريةٌ‪ ،‬وهو َف ٌ‬
‫قري‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫الربـح الرابع‪ :‬إن‬
‫ِ‬
‫القدير‬ ‫ُ‬ ‫يشه ِ‬
‫مره ٌ‬ ‫تكاليف َع ِ‬ ‫وعاجز ّ‬ ‫ازد ٍ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان عىل العيلِّ‬ ‫قة‪ ،‬فإن مل يتوكَّل هذا‬ ‫َ‬ ‫إل أن‬ ‫ٌ‬ ‫ياد‪،‬‬
‫فسيظل يقايس يف ِوجدانِه آالما دائم ًة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ومل يستنِدْ إليه‪ ،‬وإن مل يس ِّل ِم األمر إليه ومل ي ِ‬
‫طمئ َّن به‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِّري عابِ ٍ‬
‫ـجرم َق ِذ ٍر أو ِسك ٍ‬
‫حول ُه إىل ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وت ُ‬
‫ث‪.‬‬ ‫يم‪ ،‬فإما ُي ِّ‬ ‫َخنقه َح َسراتُه و َكدْ ُحه العق ُ‬
‫والذ ِ‬ ‫والش ِ‬
‫هود َّ‬ ‫ِ‬
‫صاص ُّ‬ ‫أهل االختِ‬ ‫إمجاعا بني ِ‬ ‫الـم َّت َف ِق عليه‬
‫وق‬ ‫ً‬ ‫الربـح اخلامس‪ :‬إنه من ُ‬
‫تقوم هبا األعضا ُء عندما ُ‬
‫تعمل ضمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والكشف‪ ،‬أن ِ‬
‫ِ‬
‫واألذكار والتسبيحات التي ُ‬ ‫َ‬ ‫بادات‬ ‫الع‬
‫ثامر اجلن َِّة‪ ،‬وتُقدَّ م إليك يف ٍ‬
‫وقت أنت يف‬ ‫ٍ‬
‫لذيذة من ِ‬ ‫مار َط ٍ‬
‫يبة‬ ‫َحو ُل إىل ثِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫مرضاته سبحانَه تت َّ‬
‫ِ‬
‫احلاجة إليها‪.‬‬ ‫أ َم ِّس‬
‫‪25‬‬ ‫��������� ������ � �����‬
‫�� �‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫األرباح‪ ،‬فإن مل تقم هبا‬ ‫ب من‬‫خمس َمرات َ‬ ‫ُ‬ ‫عظيم فيه‬
‫ٌ‬ ‫وهكذا‪ ،‬ففي هذه التِّجارة ِر ٌ‬
‫بح‬
‫ٍ‬ ‫مجيعها‪ ،‬فضال عن ُخرسانِك‬ ‫أرباحها ِ‬
‫ِ‬
‫أخرى هي‪:‬‬ ‫خمس َخسارات َ‬ ‫َ‬ ‫ُحرم من‬
‫فست َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُح ُّبه من ٍ‬ ‫إن ما ت ِ‬
‫ُعجب به‬
‫النفس‪ ،‬وما ت َ‬ ‫هوى‬ ‫َعش ُقه من َ‬ ‫وأوالد‪ ،‬وما ت َ‬ ‫مال‬ ‫اخلسارة األوىل‪ّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫من ٍ‬
‫هرك‪.‬‬ ‫ويزول‪ ،‬مخ ِّلفا آثا َمه وآال َمه ُمثقال هبا َظ َ‬
‫ُ‬ ‫يع ك ُّله‬
‫وشباب‪َ ،‬سيض ُ‬ ‫حياة‬
‫ِ‬ ‫باستعاملِك‬ ‫ُ‬
‫اآلالت‬ ‫أثمن‬
‫َ‬ ‫خيون األمان َة‪ ،‬ألنك ْ‬
‫ُ‬ ‫عقاب من‬
‫َ‬ ‫ستنال‬ ‫اخلسارة الثانية‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس َك‪.‬‬
‫مت َ‬‫األعامل قد ظ َل َ‬ ‫واألعضاء يف َ‬
‫أخ ِّس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جميع تلك‬
‫َ‬ ‫قطت‬
‫أس َ‬‫َيت عىل احلكمة اإلهلية‪ ،‬إذ ْ‬ ‫يت وجن َ‬ ‫اخلسارة الثالثة‪ :‬لقد َ‬
‫افتر َ‬
‫ِ‬
‫ركات األنعا ِم بل َّ‬
‫أضل‪.‬‬ ‫اإلنسانية الر ِ‬
‫اقية إىل َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األجهزة‬
‫َّ‬
‫والزوال وو ِ‬ ‫دمة ِ‬
‫الف ِ‬ ‫بور دائام‪ ،‬وست َِئن من ص ِ‬
‫طأة‬ ‫ِ َ‬ ‫راق‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫يل وال ُّث ِ‬
‫بالو ِ‬ ‫اخلسارة الرابعة‪ :‬ست ُ‬
‫َدعو َ‬
‫دائم‪.‬‬
‫جزك ٌ‬‫وع َ‬
‫قائم َ‬ ‫أن َف َ‬
‫قرك ٌ‬ ‫الـض ِع َ‬
‫يف مع ّ‬ ‫كاه َلك َّ‬ ‫قت هبا ِ‬
‫أره َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكاليف احلياة التي َ‬
‫ني وال ِّل ِ‬
‫لب وال َع ِ‬‫قل وال َق ِ‬
‫محن اجلميل َة ‪-‬كال َع ِ‬ ‫الر ِ‬
‫سان وما‬ ‫اخلسارة اخلامسة‪ :‬إن هدايا َّ‬
‫ِ‬ ‫أبواب الس ِ‬ ‫شابها‪ -‬ما ُو ِه ْ‬
‫ظمها َخسار ًة أن‬ ‫أع َ‬ ‫األبدية‪ ،‬فام ْ‬ ‫عادة‬ ‫ِ َّ‬ ‫بت لك ّ‬
‫إل لتُه ِّيـ َئ َك لفتح‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أبواب جهن ََّم!‬
‫َ‬ ‫لك‬ ‫َحو َل تلك اهلدايا إىل ُصورة مؤملة ُ‬
‫تفتح َ‬ ‫تت َّ‬
‫َ‬
‫َثريون؟‬ ‫حيث َي ُر ُب منه الك‬‫ب حقا بِ ُ‬ ‫نفسه‪ :‬أهو ٌ ِ‬ ‫واآلن‪ ..‬سنن ُظر إىل البي ِع ِ‬
‫ثقيل ُمتع ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫فسيح ٌة‪ ،‬تكفي للر ِ‬
‫احة‬ ‫واسع ٌة ِ‬
‫احلالل ِ‬
‫ِ‬ ‫قل أبدً ا‪ ،‬ألن دائر َة‬ ‫ب فيه وال ثِ َ‬
‫َّ‬ ‫كال‪ ،‬ثم كال‪ ..‬فال َت َع َ‬
‫لوج يف احلرا ِم‪.‬‬
‫للو ِ‬ ‫والس ِ‬ ‫ِ‬
‫داعي ُ‬
‫َ‬ ‫ور‪ ،‬فال‬ ‫والسعا َدة ُّ‬
‫َّ‬
‫شرف‬
‫ٌ‬ ‫ئيل‪ ،‬وإن ال ُعبودي َة هلل بحدِّ ذاتها‬
‫وض ٌ‬ ‫يف َ‬ ‫افرتض ُه اهلل علينا فهو كذلك َخ ِف ٌ‬
‫َ‬ ‫أما ما‬
‫يوصف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وراحة ِ‬ ‫ندي ٌة في سبيلِه سبحانَه‪ ،‬وفيها من ال َّل ِ‬
‫عظيم إذ هي ج ِ‬
‫جدان ما ال َ‬ ‫الو‬ ‫ذة‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬
‫وتأخذ‬ ‫ِ‬
‫باسم اهلل‪،‬‬ ‫َ‬
‫وتعمل‬ ‫ندي‪ ،‬فتَبد َأ باسم اهلل‪،‬‬
‫الج َّ‬ ‫ذلك ُ‬ ‫َ‬
‫تكون َ‬ ‫الواجب فهو أن‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫ِ‬
‫وأوامره‪ ،‬وإن كان هناك‬ ‫دائرة مرضاتِه‬
‫ِ‬ ‫ضمن‬
‫َ‬ ‫وتسكن‬
‫َ‬ ‫وتتحر َك‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وألجله‪،‬‬ ‫ُعطي يف س ِ‬
‫بيله‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وت َ‬
‫إليه وقل‪:‬‬ ‫غفار‪ ،‬فتَضرع ِ‬ ‫باب االستِ ِ‬
‫َّ ْ‬ ‫تقصري فدونَك َ‬ ‫ٌ‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ َ‬ ‫َّ َّ‬
‫ندنا‬ ‫الل اغ ِف ْر لا خطايَانا‪َ ،‬واقبَلنا ِف ِعبا ِدك‪ ،‬واجعلنا أمناء عل ما أمنته ِع‬
‫ك‪� ..‬آم َ‬
‫ـني‪.‬‬
‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫إِل يومِ ِلقائِ‬
‫ل��ل �ة � ا � �ة‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا �ل��س� ب��ع�‬
‫�﷽‬

‫نت بِاهلل وبِا ْليو ِم ْا ِ‬


‫آلخ ِر‬ ‫َآم ُ‬
‫َ َ‬
‫فتاحني َي ُح َّل ِن‬ ‫ِ‬ ‫اآلخ ِر‪،‬‬ ‫اإليمان باهلل وباليو ِم ِ‬ ‫َ‬ ‫َفه َم كيف َّ‬ ‫ترغب ْ‬
‫أثمن م َ‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫أن ت َ‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬‫إن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح البرش ِ‬ ‫لِ ُر ِ‬
‫أن‬ ‫وكيف َّ‬‫َ‬ ‫السعادة واهلناء‪..‬‬ ‫باب‬
‫غزه‪ ،‬ويفتَحان أما َمها َ‬ ‫الكون و ُل َ‬ ‫ط ْل َس َم‬
‫ناج َعني‪ ..‬وأن‬ ‫الجني ِ‬ ‫ِ‬ ‫خالقه صابرا‪ ،‬والرجاء من َّ ِ‬ ‫اإلنسان عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَوك َُّل‬
‫أنفع ع َ‬ ‫رزاقه شاكرا‪ُ ،‬‬ ‫َّ َ‬
‫الكبائر‪ ،‬أغىل ٍ‬
‫زاد‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وترك‬ ‫لوات‬‫كمه‪ ،‬وأداء الص ِ‬ ‫الكريم‪ ،‬واالنقياد لـح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫اإلنصات إىل‬‫َ‬
‫َ َّ‬ ‫َ ُ‬
‫كنت تريدُ أن‬ ‫اخللود؛ أجل‪ ..‬إن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رحلة‬ ‫ٍ‬
‫مرور يف‬ ‫ِ‬
‫تذكرة‬ ‫وأيسر‬ ‫نور للقرب‪،‬‬ ‫وأسطع ٍ‬ ‫لآلخ ِ‬
‫رة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلكاية التَّمثِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يلية القصرية‪:‬‬ ‫معي إىل هذه‬ ‫األمور ك َّلها؛ فأنص ْت َ‬ ‫َ‬ ‫تفهم هذه‬ ‫َ‬
‫ني ِ‬
‫غائ َر ْي ِن‬ ‫رح ِ‬ ‫عصيب َو َو ْض ٍع ُمح ِّير‪ ،‬إذ‬ ‫ٍ‬ ‫ندي يف احلرب يف ٍ‬
‫بج َ‬ ‫أصبح جرحيا ُ‬ ‫َ‬ ‫مأزق‬ ‫وقع ُج ٌّ‬
‫مجيع‬
‫َ‬ ‫ينقض عليه‪ ،‬وأما َمه ِمشنَقة تُبيدُ‬ ‫وشك أن َّ‬ ‫يف يمينِه ويف شاملِه‪ ،‬وخل َفه أسدٌ هصور ي ِ‬
‫َ ُ ٌ ُ‬
‫ِ‬ ‫وتنتظره أيضا‪ِ ،‬زد عىل ذلك كانت أما َمه ِر ُ‬
‫غم وضعه الفظي ِع‬ ‫نفي شا ّق ٌة طويل ٌة َر َ‬ ‫حلة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أحبته‬
‫فج ِع هذا‪ ،‬إذا‬ ‫واقعه الم ِ‬ ‫يائس من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تفكري‬ ‫ستغرقا يف‬ ‫الـمبتىل ُم ِ‬ ‫املؤمل!‪ ..‬وبينام َ‬
‫ُ‬ ‫املسكني ُ‬ ‫ُ‬ ‫كان هذا‬
‫وي ِ‬ ‫ظه ُر عن يمينِه ُ‬ ‫ِ‬ ‫بِ َر ٍ ٍ‬
‫اط ُبـه‪:‬‬ ‫وجهه نورا َي َ‬ ‫يتلألُ ُ‬ ‫ض عليه السالم َ‬ ‫جل َخ ِّير كأنه اخلَ ُ‬
‫ينقلب ذلك‬ ‫َ‬
‫اســتعاملام‬ ‫أحسنت‬
‫َ‬ ‫ط ْل َس َمني اثنني‪ ،‬إن‬ ‫«ال تَيأس وال تَقنَط‪ ،‬سأع ِّلم َك ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫مسـخرا خلدمتِك‪ ،‬وتتحو ُل تلك ِ‬ ‫رسا َأ ِمينًا‬
‫َأنس‬ ‫َقة ُأ ْر ُجوح ًة ُمرحي ًة لطيف ًة ت ُ‬ ‫المشن ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫األسدُ َف ً‬
‫يك املنْتِنَني َزهرت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫اثنني‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫لك دوا َء ِ‬ ‫وسأ ِ‬‫هبا‪ُ ،‬‬
‫َني‬ ‫رح َ ُ‬ ‫استعاملام ُي َص ِّيران ُج َ‬ ‫أحسنت‬‫َ‬ ‫إن‬ ‫يـن‬ ‫ناو َ‬
‫��������� ������ �����‬
‫�� �‬
‫‪27‬‬ ‫�‬
‫ٍ‬
‫واحد كأنك‬ ‫ٍ‬
‫كاملة يف يو ٍم‬ ‫سفر تستَطيع هبا أن تَقطع مساف َة ٍ‬
‫سنة‬ ‫ِ‬
‫بتذكرة ٍ‬ ‫تني‪ُ ،‬‬
‫وسأ َز ِّو ُدك‬ ‫َش ِذ َّي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وصدْ ِقه»‪.‬‬ ‫وإن مل تُصدِّ ق بام أقول َفجربـه مرةً‪ ،‬وتي َّقن من صـحتِه ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫تطري‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلندي شيئا منه‪ ،‬فرآ ُه صد ًقا َ‬
‫وصوا ًبا‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫فجر َب‬
‫َّ‬
‫«س ِعيدٌ »‪ -‬أصدِّ ُقه‪ ،‬ألنني َج َّر ْبتُه قليال‪ ،‬فرأيتُه ِصد ًقا‬‫املسكني َ‬
‫ُ‬ ‫نعم‪ ،‬وأنا كذلك ‪-‬هذا‬
‫خالصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وح ًقا‬
‫ِ‬ ‫يأتيه من ِ‬
‫يطان‪ِ -‬‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫اليسار مع‬ ‫جهة‬ ‫الش ُ‬ ‫اسا ‪-‬كأنه َّ‬ ‫ثم‪ ،‬عىل حني غ َّرة رأى رجال َل ُعوبا َّ‬
‫دس ً‬
‫ووقف ُقبا َلتَه ُ‬
‫يدعو ُه‪:‬‬ ‫رات م ٍ‬
‫غرية‪،‬‬ ‫جذابة‪ ،‬ومس ِك ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وص ٍ‬
‫ور‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫زينة فاخرة‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونطر َب بسامع‬ ‫بص َو ِر احلسناوات هذه‪َ ،‬‬ ‫ديق‪ ،‬أقبِل لنَ ْل ُه َو معا ونَستمت َع ُ‬
‫الص ُ‬
‫إلي أهيا ّ‬
‫إلي َّ‬
‫‪َّ -‬‬
‫اللذيذة‪ ،‬ولكن يا هذا! ما ِ‬
‫هذه التَّمت ََم ُة التي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املأكوالت‬ ‫َتلذ َذ هبذه‬ ‫ِ‬
‫األلوان من األغاين ون َّ‬ ‫هذه‬
‫تُر ِّد ُدها؟!‬
‫‪ -‬إنه ِ‬
‫ط ْل َس ٌم و ُل ٌ‬
‫غز!‬
‫ِ‬ ‫نس نشوتِنا‬ ‫ِ‬
‫احلارضة‪ ..‬يا هذا‪..‬‬ ‫صفو لذتنا‪ ،‬و ُأ َ‬
‫الغامض‪ ،‬فال تُعكِّر َ‬
‫َ‬ ‫‪َ -‬د ْع عنك هذا اليش َء‬
‫ذلك َ‬
‫بيدك؟‬ ‫وما َ‬

‫‪ -‬إنه َدوا ٌء!‬


‫نس وم ٍ‬ ‫ِ‬
‫ساعة َط ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ارم ِه بعيدا‪َ ،‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫تعة‪.‬‬ ‫رب و ُأ ٍ ُ‬ ‫حيح ما َ‬
‫بك يش ٌء‪ ،‬ونحن يف‬ ‫ـم َص ٌ‬
‫إنك سال ٌ‬
‫ِ‬
‫اخلمس؟‬ ‫ِ‬
‫العالمات‬ ‫ذات‬ ‫‪ -‬وما هذه البِ ُ‬
‫طاقة ُ‬
‫وبطاقة استال ِم املخص ِ‬ ‫‪ -‬إهنا تَذكر ُة َس ٍ‬
‫صات!‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ ْ‬ ‫فر‪،‬‬
‫فر يف هذا الربي ِع ِ‬
‫الزاهي!‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل َس ٍ‬ ‫مزقها‪ ،‬فلسنا‬
‫‪ِّ -‬‬
‫َّ‬
‫َن شيئا‬
‫املسكني يرك ُ‬
‫ُ‬ ‫اجلندي‪ ،‬حتى بدأ ذلك‬
‫َّ‬ ‫ديعة أن ُيقنِع‬
‫وخ ٍ‬ ‫بكل َم ٍ‬
‫كر َ‬ ‫حاول ِّ‬
‫َ‬ ‫وهكذا‬
‫قليال إىل ِ‬
‫كالمه‪.‬‬
‫ِ‬
‫املاكر!‬ ‫َ‬
‫كذلك ملثل هذا‬ ‫نخد ُع‪ ،‬ولقد ُخ ِد ُ‬
‫عت أنا‬ ‫اإلنسان ي ِ‬
‫َ َ‬ ‫نعم‪ ،‬إن‬
‫عد عن يمينِه ُي ِّ‬
‫حذ ُره‪:‬‬ ‫وت كالر ِ‬
‫َّ‬ ‫و َفجأ ًة َّ‬
‫دوى َص ٌ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪28‬‬
‫ِ‬
‫اخلبيث‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املاكر‬ ‫إياك أن ت ِ‬
‫َنخد َع! قل لذلك‬ ‫‪َ -‬‬

‫شنقة من أمامي‪ ،‬وأن‬ ‫لفي‪ ،‬وأن ترفع أعواد املِ ِ‬ ‫ابـض َخ ِ‬


‫ِ‬ ‫الر‬ ‫ِ‬ ‫َطيع َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قتل األسد َّ‬ ‫كنت تَست ُ‬‫‪ -‬إن َ‬
‫ِ‬
‫الطويلة‪..‬‬ ‫الش ِ‬
‫اقة‬ ‫ول بيني وبني ِرحلتِي َّ‬ ‫وشاميل‪ ،‬وأن َ ُت َ‬ ‫رين يف يمينِي ِ‬ ‫ُب َأين من جرحي ِ‬
‫الغائ ِ‬ ‫تِْ‬
‫ُ َ َّ‬
‫لديك‪ ،‬ولك بعدَ ذلك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وهات ما‬ ‫لكل هذا َفه َّيا أرنِ ِيه‪،‬‬
‫سبيل ِّ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إجياد‬ ‫كنت ت ِ‬
‫َقدر عىل‬ ‫نعم إن َ‬
‫الس ِامي الشبي ُه‬ ‫ُ‬
‫الرجل َّ‬ ‫وإل فاسكت أهيا األبل ُه‪ ،‬ليتك َّل َم هذا‬ ‫رب‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اللهو وال َّط ِ‬ ‫َدع َوين إىل‬
‫أن ت ُ‬
‫يروم‪.‬‬ ‫َ‬
‫ليقول ما ُ‬ ‫باخلَرض‬
‫املتور َط‬
‫ِّ‬ ‫املسكني‬
‫َ‬ ‫اجلندي‬
‫َّ‬ ‫شبابا‪ ،‬اعلمي أن َ‬
‫ذلك‬ ‫كت أيا َم ِ‬ ‫فيا نفيس الباكي َة عىل ما َض ِح ْ‬
‫املشنقة تلك هي‬ ‫ِ‬ ‫األج ُـل‪ ..‬وأن أعوا َد‬ ‫ُ‬ ‫هو ِ‬
‫اإلنسان‪ ..‬وأن ذلك األسدَ هو َ‬ ‫أنت‪ ،‬وهو‬
‫بيب إِ َثر‬ ‫كل َح ٍ‬ ‫يفار ُقنا ُّ‬ ‫ين كيف ِ‬ ‫أل ت ََر َ‬ ‫ٍ‬
‫نفس‪َ ..‬‬ ‫تذو ُقه ُّ‬
‫كل‬ ‫والفراق الذي َ‬
‫ُ‬ ‫والز ُ‬
‫وال‬ ‫املوت َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫البش ُّي املزع ُج الذي‬ ‫العجز َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليل هنار‪..‬؟ أما اجلرحان العميقان‪ ،‬فأحدُ مها‬ ‫َح ٍ‬
‫بيب و ُيو ِّد ُعنا َ‬
‫املديدُ‬ ‫ال حدَّ له؛ واآلخر هو الفقر اإلنساين املؤمل الذي ال هناي َة له‪ ،‬أما ذلك النفي والسفر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مار ًة‬ ‫ِ‬ ‫َنطل ُق من عا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫الطويلة هلذا اإلنسان‪ ،‬التي ت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫األرواح َّ‬ ‫ـم‬ ‫رحلة االمتحان واالبتالء‬ ‫فهو‬
‫القرب والربزخِ‬ ‫الشيخوخة ومن الدنيا ثم من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم من‬ ‫ِ‬ ‫من َر ِح ِم األ ِّم ومن‬
‫والصبا َّ‬‫ِّ‬ ‫الطفولة‬
‫ِ‬
‫اط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلرش والصِّ‬ ‫ومن‬
‫ديس‬ ‫املوت هبذا ال ِّط ْل َس ِم ُ‬ ‫ِ‬ ‫اإليامن باهلل وباليو ِم‬ ‫ُ‬ ‫وأما ال ِّط ْلس ِ‬
‫الق ِّ‬ ‫َ‬ ‫اآلخر‪ ..‬نعم‪ ،‬إن‬ ‫امن فهام‬ ‫َ‬
‫املؤمن من‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫راق ُي ِ‬
‫خر ُج‬ ‫األسد‪ ،‬بل يت ِ‬
‫َّخ ُذ صور َة ُب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سخ ٍر بدال عن‬ ‫رس ُم َّ‬ ‫َيل َب ُس صور َة َف ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لون من‬ ‫الكام َ‬ ‫ِ‬ ‫محن ذي اجلالل‪ ،‬ومن هنا كان‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِس ِ‬
‫جن الدنيا إىل َروضة اجلنان‪ ،‬إىل َروضة َّ‬
‫كل يشء‬ ‫روره عىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫يـر الزمان و ُم َ‬ ‫حيث َر َأوا َحقيقتَه؛ ثم إن َس َ‬ ‫املوت و َيط ُلبونَه ُ‬ ‫َ‬ ‫الناس ُي ِح ُّب َ‬
‫ون‬
‫حيث‬ ‫وضاء ًة ُ‬ ‫تخ ُذ هبذا ال ِّط ْل َس ِم اإليامين صور ًة َّ‬ ‫فاة فيه ي ِ‬ ‫واملوت والو ِ‬ ‫ِ‬ ‫والف ِ‬
‫راق‬ ‫الزوال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونفو َذ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خمتل ٍ‬
‫فة‬ ‫ألوان ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫التأمل يف‬ ‫َ‬
‫مبعث‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫الجدَّ ِة بتجدُّ ِد كل يشء‪ ،‬بل‬ ‫اإلنسان إىل ر ِ‬
‫ؤية ِ‬ ‫َ‬ ‫تُح ِّف ُز‬
‫ُ‬
‫وجتليات َرمحتِه‬ ‫ِ‬ ‫وارق ُقدرتِه‪،‬‬ ‫وخ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلالل َ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق ذي‬ ‫ِ‬
‫ملعجزات إبدا ِع‬ ‫متنوعة وأنوا ٍع م ٍ‬
‫تباينة‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫أللوان‬ ‫ِ‬
‫العاكسة‬ ‫وهبجة كام َلني‪ ،‬بمثل ما ُيضفي تبدُّ ُل املرايا‬ ‫ٍ‬ ‫ومشاهدتا باستمتا ٍع‬ ‫ِ‬ ‫سبحانَه‬
‫اجلذ ِ‬
‫ابة‬ ‫املناظر َّ‬ ‫ِ‬ ‫َكو ِن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫نور َّ‬ ‫ِ‬
‫مجال وروعة إىل ت ُّ‬ ‫شاشة السينام من‬ ‫الصور يف‬ ‫مس‪ ،‬وتغ ُّي ُر‬
‫��������� ������ �����‬
‫�� �‬
‫‪29‬‬ ‫�‬
‫بـر‪ ،‬أي االستِنا ُد إىل‬
‫بالص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتَشكُّلها‪ ،‬أما ذانك العالجان‪ :‬فأحدُ مها التَّوك ُّل عىل اهلل والت ََّحيل َّ‬
‫قة بحكمتِه سبحانه‪.‬‬ ‫الكريم وال ِّث ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫ِ‬
‫قدرة‬
‫‪ -‬أهو كذلك؟‬
‫بيده أمر ﴿ ﯠﯡ ﴾‬ ‫الكون الذي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ع ِ‬‫عتمدُ بِ ُه ّو ِية َ‬
‫إن من ي ِ‬
‫سلطان‬ ‫جزه» عىل‬ ‫نعم‪َ َّ ،‬‬
‫ئن ِ‬ ‫ويض ِ‬
‫مرتـاح‬
‫َ‬ ‫البال‬ ‫طر ُب؟ بل َيث ُب ُت أمام أشدِّ املصائب‪ ،‬واث ًقا باهلل ر ِّبه‪ُ ،‬م َ‬
‫طم َّ‬ ‫جيز ُع ْ‬
‫كيف َ‬
‫ِ‬
‫القلب وهو ُير ِّدد‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ (البقرة‪.)156 :‬‬
‫ِ‬
‫اخلوف َلذةً!‬ ‫عجزه وخوفِه من اهلل سبحانَه‪ ،‬وح ًقا إن يف‬ ‫تلذ ُذ من ِ‬ ‫العارف باهلل َي َّ‬
‫َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫َ‬
‫العقل والكال َم‪:‬‬ ‫ني فيه‬‫فرتض َ‬ ‫سنة ِ‬
‫واحد ٌة م ِ‬ ‫ِ‬
‫العمر ٌ‬ ‫فل له من‬ ‫فسار من ِ‬
‫ط ٍ‬ ‫االستِ ِ‬
‫ُ‬ ‫فلو تَمكنَّا من ْ‬
‫ِ‬
‫احلنون‬ ‫ِ‬
‫صدر أ ِّمي‬ ‫يكـون جوا ُبه‪« :‬هو عندَ ما ألو ُذ إىل‬
‫ُ‬ ‫وألـذها؟» فربام‬‫ُّ‬ ‫أطيب حاالتِك‬‫ُ‬ ‫«ما‬
‫ِ‬
‫الوالدات وحنانَهن ما‬ ‫ِ‬
‫اللذيذة»؛ علام أن رحم َة َجي ِع‬ ‫تخ ِّوفا من َصف َعتِها‬ ‫وض ِ‬
‫عفي ُم َ‬ ‫جزي َ‬ ‫ب َع ِ‬
‫اإلهلية الو ِ‬
‫اسعة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫لمعة ٍّ‬
‫تجل من‬ ‫هي إلّ ُ‬
‫َ‬
‫العجز وخما َف ِة اهلل‪ ،‬حتى‬
‫ِ‬ ‫تفوق أي َة ٍ‬
‫لذة كانت يف‬ ‫وجدَ الذين ك َُم َل إيمانُهم لذ ًة ُ َّ‬
‫ومن هنا َ‬
‫ِ‬
‫بعجزهم إليه تعاىل واستَعاذوا‬ ‫وقوتم والذوا‬‫ِ‬ ‫ولم‬ ‫إهنم تَبرؤوا إىل اهلل براء ًة خالص ًة من ح ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫ِ‬
‫اجلليل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البارئ‬ ‫وشفي َعني هلم عند‬ ‫ِ‬
‫واخلوف َوسيلتَني َ‬ ‫جز‬
‫ني هذا ال َع َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫به وحدَ ه‪ُ ،‬مقدِّ م َ‬
‫ِ‬
‫برمحة‬ ‫ُ‬
‫والثقة‬ ‫عليه‬ ‫ِ‬
‫بالعطاء‪ ،‬والشكر ِ‬ ‫ناعة‬ ‫ُ‬
‫والسؤال ثم ال َق ُ‬ ‫اآلخر فهو الدعا ُء‬ ‫العالج‬ ‫أما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الر ِ‬
‫حيم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرزاق َّ‬
‫َّ‬
‫أهو هكذا ؟‬
‫‪َ -‬‬
‫وج َ‬
‫عل‬ ‫مائد ًة حافل ًة بالن ِ‬ ‫نعم‪ ،‬إن من كان َضيفا لدى الذي َفر َش له وجه األرض ِ‬
‫ِّعم‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بجانب تلك املائدة العامرة بل ن َثرها عليها‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ووضعها‬ ‫يقة من الو ِ‬
‫رود َ‬ ‫باقة أنِ ٌ‬ ‫الربيع كأنه ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الكريم َّ‬ ‫ِ‬
‫مؤلما‬
‫واحلاجة لدَ يه ً‬ ‫قر‬ ‫يكون ال َف ُ‬
‫ُ‬ ‫كيف‬‫جل وعال َ‬ ‫ِ‬ ‫اجلواد‬
‫إن َمن كان ضيفا عند هذا َ‬ ‫ّ‬
‫ِّعم‪ ،‬فيسعى إىل االستِ ِ‬ ‫لتناو ِل الن ِ‬ ‫ِ‬
‫زادة‬ ‫قره وفا َقتُه إليه سبحانه ُصور َة ُمش ٍّه ُ‬ ‫وثقيل؟ بل يتَّخ ُذ َف ُ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واعتزازهم‬ ‫افتخار الكاملني‬ ‫بب‬ ‫من تلك الفاقة كمن َيستَزيدُ من َشه َّيته‪ ،‬وهنا ُ‬
‫يكم ُن َس ُ‬
‫ِ‬
‫بالفقر إليه‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫شعار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خالف ما ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالفقر‪ ،‬إنه است ُ‬ ‫َقصد‬ ‫َ‬ ‫تظن‬
‫وإياك أن َّ‬ ‫بالفقر إىل اهلل تعاىل؛‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪30‬‬
‫ِ‬
‫الناس والتذ ُّل َل‬ ‫إظهار ِ‬
‫الفقر إىل‬ ‫َ‬ ‫وليس املقصو ُد‬
‫ؤال منه‪َ ،‬‬ ‫والس ُ‬
‫سبحانَه والتَّرضعُ إليه وحدَ ه ُّ‬
‫ِ‬
‫بالتس ُّو ِل واالستِجداء!‪.‬‬ ‫والس َ‬
‫ؤال منهم َ‬ ‫هلم ُّ‬
‫ناب‬ ‫ِ‬ ‫الفرائض‪ ،‬ويف مقدِّ متِها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التذكر ُة والبطا َق ُة فهي أدا ُء‬
‫اخلمس واجت ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصلوات‬
‫ُ‬ ‫أما تلك‬
‫ِ‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫أهو هكذا ؟‬
‫‪َ -‬‬
‫ِ‬
‫والكشف من العلامء‬ ‫وق‬ ‫الذ ِ‬
‫أهل َّ‬‫ومجيع ِ‬ ‫والش ِ‬
‫هود‬ ‫صاص ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إن مجيع أهل االختِ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اآلباد‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫طريق ِ‬
‫ِ‬ ‫ون عىل ّ‬ ‫َّفق َ‬ ‫ِ‬
‫واألولياء الصاحلني مت ُ‬
‫الرحلة‬ ‫وذخير َة تلك‬ ‫أبد‬ ‫أن زا َد‬ ‫املد ِّق َ‬
‫قني‬
‫وإل‬ ‫الكريم واجتِناب ِ‬
‫نواهيه‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫أوامر‬ ‫ُ‬
‫امتثال‬ ‫ونورها و ُبرا َقها ليس ّ‬
‫إال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الطويلة املظلمة َ‬
‫تقف جميعها م ِ‬
‫نطفئ َة‬ ‫ِ‬
‫كمة شيئا يف تلك الرحلة‪ ،‬بل ُ َ ُ ُ‬ ‫والفلسفة واملهار ُة واحلِ ُ‬
‫ُ‬ ‫لم‬ ‫ِ ِ‬
‫فال ُيغني الع ُ‬
‫باب ِ‬
‫القرب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األضواء عند ِ‬

‫السب ِع وما أر َي َحها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيا نفيس الك َْس َل! ما‬
‫ناب الكبائر َّ‬ ‫اخلمس واجت َ‬ ‫الصلوات‬ ‫أخف أدا َء‬
‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأيسرها أما َم ِع َظ ِم‬
‫أل قويل ملن‬ ‫مني ذلك‪َ ،‬‬ ‫تفه َ‬ ‫وثمراتا ونتائ ِجها! إن كنت َفطن ًة َ‬ ‫فوائدها‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واللهو والس ِ‬ ‫الف ِ‬‫يدعوك إىل ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫املاكر‪:‬‬ ‫اخلبيث‬ ‫الشيطان‬ ‫فاهة‪ ،‬ولذلك‬ ‫ِ َّ‬ ‫سق‬
‫كان ِع َ‬
‫ندك دوا ٌء‬ ‫وال عن الدنيا‪ ،‬ولو َ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫وإلزالة َّ‬ ‫ِ‬
‫املوت‪،‬‬ ‫يك وسيل ٌة ِ‬
‫لقتل‬ ‫«لو كانت لدَ َ‬
‫فهاتا إذن و ُق ْلها‬ ‫األبد‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرب إىل‬ ‫لغلق باب‬ ‫ساطة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لرفع ال َع ِ‬
‫والفقر عن البرشية‪َ ،‬‬ ‫جز‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫سج ِد‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكائنات يف م ِ‬ ‫القرآن الكريم يت ُلو ِ‬
‫آيات‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫فاخرس‪ ،‬فإن‬ ‫َ‬ ‫وأطيع‪ّ ..‬‬
‫وإل‬ ‫َ‬ ‫ألسمع‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫نعمل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكبري هذا‪ ،‬فل ُننْص ْت إليه‪ ،‬و ْلنَتن ََّو ْر ِ‬ ‫ِ‬
‫يكون لسانُنا رطبا‬ ‫َ‬ ‫احلكيم‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬ ‫هبديه‬ ‫بنوره‪ ،‬و ْل َ‬
‫بذكره وتالوتِه»‪.‬‬ ‫ِ‬

‫نش‬ ‫احلق‪ ،‬و ُي ِ‬


‫ظه ُر احلقيق َة و َي ُ‬ ‫باحلق‪ ،‬و َي ُ‬
‫قول َّ‬ ‫ِّ‬ ‫احلق‪َ ،‬‬
‫ونزل‬ ‫فهو ُّ‬
‫إن الكال َم كال ُمه‪َ :‬‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫احلكم َة النُّورانِي َة‪.‬‬

‫َّ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫َّّ َّ َ ِّ ُ ُ َ َ ُ ْ َ َ ُ آ‬
‫ار إلْك َول تف ِق ْرنا‬
‫ال ْف ِتق ِ‬
‫ان والقر� ِن‪ ،‬الل أغ ِننا بِ ِ‬
‫ور اليم ِ‬
‫الل نور قلوبنا بِن ِ‬
‫ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ْ َ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫جأنا إل َحولِك َوق َّوتِك‪،‬‬ ‫الس ِتغنا ِء عنك‪ ،‬تربأنا إِلْك ِمن ح ِ‬
‫ولا وقوتِنا وال‬ ‫بِ ِ‬
‫��������� ������ �����‬
‫�� �‬
‫‪31‬‬ ‫�‬
‫َ ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ِّ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ارحْنَا‬ ‫بف ِظك و‬ ‫كلنا إل أنف ِسنا‪ ،‬واحفظنا ِ ِ‬ ‫فاجعلنا ِمن المتولكِني عليك‪ ،‬ول ت ِ‬
‫ْ‬
‫َ ْ َ ُْ َ َ ُْ َ‬
‫ات‪.‬‬
‫وارحم المؤ ِم ِنني والمؤ ِمن ِ‬
‫َ َ ََ ُ ْ َ‬ ‫َ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ ّ َ َ َ ّ َ َ َ‬
‫كك‬ ‫ال مل ِ‬ ‫وص ِل وس ِلم عل س ِي ِدنا مم ٍد عب ِدك ون ِب ِيك وص ِف ِيك وخ ِلي ِلك وج ِ‬
‫َ َّ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫مح ِتك‬ ‫ال ر‬
‫ان حمب ِتك و ِمث ِ‬ ‫ني ِعناي ِتك وشم ِس ِهداي ِتك ولِس ِ‬ ‫يك صن ِعك وع ِ‬ ‫َوم ِل ِ‬
‫َ َْ َ ُ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َُ َ ْ َ َ َ َ َ ُ َ َ‬
‫ث ِة ملوقاتِك َوك ِش ِف‬ ‫اج َوح َدتِك ِف ك‬ ‫س ِ‬ ‫ك َو ِ َ‬ ‫ور خل ِقك وش ِف موجوداتِ‬ ‫ون ِ‬
‫ُُ‬ ‫َُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫َطل َسم كئنَاتك َو َدلل َسلطنَة ُر ُبوبيَّتك َو ُمبَلغ َم َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وز‬
‫رضياتِك ومع ِر ِف كن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ْ َ َ َ ُ َ ّ َ َ َ َ ُ َ آ َ َ َ آ َ َ ُ ُ َّ َ َ َ َ ُ ُ َ‬
‫ار شهو ِدك‬ ‫ال ربوبِي ِتك ومد ِ‬ ‫ان �ياتِك و ِمر� ِة ج ِ‬ ‫أسمائِك ومع ِل ِم ِعبا ِدك وترج ِ‬
‫ْ‬ ‫آ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ح ًة لل َعالم َ‬ ‫ْ َ َُ َْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ َّ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ‬
‫ني َو َعل � ِ ِل َو َصح ِب ِه‬ ‫الي أرسلته َر ِ ِ‬ ‫يبك َو َرسولِك ِ‬ ‫وإِشها ِدك وح ِب ِ‬
‫َ ّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬
‫ني َو َعل إخ َوانِ ِه ِمن انل ِبيني والمرس ِلني وعل ملئِك ِتك المقربِني وعل‬ ‫أجع َ‬
‫ِ‬
‫َ (‪)1‬‬
‫َ آ‬ ‫َ َ َّ‬
‫ني‪ِ � ..‬مني‪.‬‬ ‫ال‬
‫ِعبا ِدك الص ِ ِ‬

‫ِ‬
‫العربية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باللغة‬ ‫ِ‬
‫باألصل‬ ‫ِ‬
‫أغلب «الكلامت» جا َءت‬ ‫األدعية ِ‬
‫الوارد ُة يف ختا ِم‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )1‬هذه‬
‫ل��ل �ة � ث ا � ن �ة‬
‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا �ل�� م��‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ (البقرة‪)255:‬‬

‫﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (آل عمران‪)19:‬‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫ين عندَ‬ ‫اإلنسانية فيها‪ ،‬وما ِق ُ‬
‫يمة الدِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الروح‬ ‫ور‬
‫تفهم ما الدنيا وما َد ُ‬ ‫أن َ‬ ‫أردت ْ‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫امللحدَ هو‬ ‫ِ‬ ‫خص‬ ‫وأن َّ‬ ‫هيب‪َّ ،‬‬ ‫سجن َر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫احلق لتَحو ِ‬
‫الش َ‬ ‫لت الدنيا إىل‬ ‫َّ‬ ‫ين ُّ‬ ‫وكيف أنَّه لوال الدِّ ُ‬ ‫َ‬
‫الروح البرش َّي َة من‬ ‫َ‬ ‫المح ِّي َر و ُي ِنق ُذ‬
‫غزه ُ‬ ‫ـم و ُل َ‬‫ط ْل َس َم العا َل ِ‬ ‫وأن الذي حي ُّل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‪َّ ،‬‬ ‫أشقى‬
‫كل ذلك‪،‬‬ ‫تفهم َّ‬ ‫كنت تُريدُ ْ‬
‫أن‬ ‫إل اهلل»‪ ..‬أجل‪ ،‬إذا َ‬ ‫إن هو ّإل «يا اهلل»‪« ..‬ال إله َّ‬ ‫ِ‬
‫الظلامت ْ‬
‫َ‬
‫القصرية وتفكَّر فيها مل ًيا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫احلكاية التَّمثِيل َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫فأنصت إىل هذه‬ ‫ِ‬

‫سيرمها َس ِو َّي ًة إىل‬ ‫ياحة َط ٍ‬‫بان معا إىل ِس ٍ‬ ‫ذه ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫قيقان يف َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫كان َش‬
‫فواصال َ‬ ‫َ‬ ‫ويلة‪،‬‬ ‫مان َي َ‬ ‫ديم َّ‬
‫أفضل؟»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الطريقني‬ ‫«أي‬
‫ورا فسأاله‪ُّ :‬‬ ‫هناك رجال َو ُق ً‬ ‫َ‬ ‫ني‪ ،‬فرأيا‬ ‫فر ِق َطري َق ِ‬ ‫أن وصال إىل َم ِ‬
‫ِ‬
‫َّكليف‬ ‫أن يف ثنايا ذلك الت‬ ‫إل َّ‬
‫للقانون والنظا ِم‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫إجباري‬ ‫التزام‬ ‫ريق ال َي ِ‬
‫ميـن‬ ‫فأجاهبام‪« :‬يف َط ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫َّحر ُر ّإل أ َّن يف ثنايا تلك احلر ّي ِة ته ُلك ًة‬ ‫حل ِّر ُية والت ُّ‬
‫طريق ِّ ِ ِ‬
‫الشامل ففيه ا ُ‬ ‫ُ‬ ‫وسعادةٌ؛ أ َّما‬ ‫أمان َ‬ ‫َث َّم َة ٌ‬
‫لوك ِّأيِام»‪.‬‬ ‫الخيار يف س ِ‬
‫لكم َ ُ ُ‬ ‫وشقا ًء‪ ،‬واآلن ُ‬
‫َّلت‬
‫مني قائال «توك ُ‬ ‫ريق ال َي ِ‬
‫يب َط َ‬‫األخ ذو الطب ِع ال َّط ِ‬
‫لك ُ‬ ‫وبعدَ االستِام ِع إىل هذا الكال ِم َس َ‬
‫الغاوي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اآلخر‬
‫ُ‬ ‫نفس باتِّبا ِع النظا ِم واالنتِظا ِم؛ أما ُ‬
‫األخ‬ ‫يب ٍ‬ ‫ط ِ‬ ‫وانطلق راضيا عن ِ‬
‫َ‬ ‫عىل اهلل»‪،‬‬
‫التحر ِر الذي فيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جر ِد هوى‬‫لم َّ‬ ‫طريق ِّ‬
‫الشامل ُ‬ ‫َ‬ ‫رج َح‬
‫فقد َّ‬
‫وباطنُه من ِق َب ِله‬
‫ِ‬ ‫هولة واخلِ ُ‬
‫فة‬ ‫الس ُ‬
‫ظاهره ُّ‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫طريق‬ ‫ِ‬
‫السائ َر يف‬ ‫َ‬
‫الرجل‬ ‫ً‬
‫خيال هذا‬ ‫واآلن ف ْلنتابع‬
‫‪33‬‬ ‫��������� ����� �� �����‬
‫�� �‬
‫وسط‬ ‫دخل َ‬ ‫الو ِعر َة حتى َ‬ ‫ِ‬
‫الوديان العميق َة واملرتفعات العاليـ َة َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قل وال َعنا ُء‪ ،‬فام إن ع َبر‬ ‫ال ِّث ُ‬
‫انطلق‬ ‫أسدا ضخام َغضو ًبا قد‬ ‫فسمع صوتا خميفا‪ ،‬ورأى َّ‬ ‫وح ٍ‬ ‫الية وصحراء م ِ‬ ‫فازة َخ ٍ‬ ‫م ٍ‬
‫َ‬ ‫أن َ‬ ‫َ‬ ‫شة‪،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وه َل ًعا‪ ،‬فصا َدف بئرا ُمع َّطل ًة عىل ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مق‬ ‫رارا وهو َيرتعدُ خوفا َ‬ ‫فر منه ف ً‬ ‫َحوه‪َ ،‬ف َّ‬ ‫األحراش ن َ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫يت َيدا ُه َشجر ًة فتَش َّب َث هبا‪،‬‬ ‫قوط َل ِق ْ‬
‫َّجاة؛ ويف أثناء الس ِ‬
‫ُّ‬
‫راعا‪ ،‬فألقى نفسه فيها ط َلبا للن ِ‬
‫َ‬ ‫ِّني ِذ ً‬ ‫ِست َ‬
‫وأس َو ُد ومها‬ ‫عليهام َف ِ‬ ‫دار البِ ِئر وقد ُس ِّل َط ِ‬ ‫ران نَبت َا عىل ِج ِ‬ ‫جرة ج ْذ ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫هلذه َّ‬ ‫وكان ِ‬
‫يض ْ‬ ‫أران‪ ،‬أ ْب ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫كاحلار ِ‬ ‫ين بأسنانِهام احلاد ِة؛ فنَظر إىل األعىل فرأى األسدَ ِ‬
‫واق ًفا‬ ‫ذر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س عىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫جل َ‬ ‫َيقضامن ذين ََك ا َ‬
‫االقرتاب منه وهو‬ ‫َ‬ ‫رأسه يريدُ‬ ‫رفع َ‬ ‫فل فرأى ُثعبانًا كبريا جدا قد َ‬ ‫األس ِ‬
‫ونظر إىل ْ‬ ‫َ‬ ‫وه ِة ِ‬
‫البئر‪،‬‬ ‫َف َ‬
‫السع ًة‬‫حرشات مؤذي ًة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َفسها؛ ورأى َث ّم َة‬ ‫واسع سع َة البِ ِئر ن ِ‬ ‫راعا‪ ،‬وله فم ِ‬ ‫ثالثني ِذ ً‬ ‫َ‬ ‫عىل َمسا َف ِة‬
‫ُ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬
‫بصورة َخ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ني‪ّ ،‬إل أهنا ت ِ‬ ‫جر ُة تِ ٍ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُت ُ‬
‫ارقة أنواعا‬ ‫ُثم ُر‬ ‫جرة فرأى أهنا َش َ‬ ‫يط به‪ ،‬نظر إىل أعىل َّ َ‬
‫ان‪.‬‬ ‫وز وانتهاء إىل الرم ِ‬ ‫الـج ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ُ ِتلف ًة وكثري ًة من َف ِ‬
‫ُّ ّ‬ ‫ً‬ ‫األشجار ابتدا ًء من َ‬ ‫واكه‬
‫وحاقتِه‪ -‬بأن هذا األمر ليس اعتِ ِ‬
‫ياد ًّيا‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الر ُ‬
‫َ‬ ‫إدراكه َ‬ ‫‪-‬لسوء‬ ‫فهم‬
‫جل ل َي َ‬ ‫مل يكن هذا َّ‬
‫الش ِ‬ ‫فهم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمكن أن تأيت ُّ‬
‫ؤون‬ ‫أن يف هذه ُّ‬ ‫كل هذه األشياء ُمصا َدف ًة ومن دون َقصد؛ ومل يكن َي ُ‬
‫األمور و ُيس ِّي ُـرها‪.‬‬ ‫كل ذلك َمن ُيد ِّب ُر هذه‬ ‫غريب ًة‪ ،‬وأن هناك ورا َء ِّ‬ ‫أرسارا ِ‬ ‫ِ‬
‫العجيبة‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫األليمة إذا ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحيار َعق ُله من‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫بنفسه‬ ‫أوضاعه‬ ‫ُ‬ ‫َرص ُخ ُ‬
‫روحه‬ ‫جل وت ُ‬ ‫لب هذا َّ‬ ‫فبينام َيبكي َق ُ‬
‫ِ‬
‫الشجرة مت ِ‬
‫َجاهل ًة عام حوهلا وكأن شيئا مل َيدُ ث‪،‬‬ ‫َلتهم َف ِ‬
‫واك َه تلك‬ ‫أخذت ت ِ‬ ‫ارة بالس ِ‬
‫وء‬ ‫األم ِ‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسا َّد ًة ُأ ُذنَيها عن َصرخات‬
‫سم من‬‫رغم أن ق ً‬ ‫وح‪ ،‬خادع ًة َ‬
‫نفسها بنفسها َ‬ ‫الر ِ‬
‫وهواتف ُّ‬‫القلب َ‬
‫سموم ًة و ُم ِضرةً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تلك الفواكه كانت َم ُ‬
‫ـي «أنَا ِعندَ‬ ‫احلديث ُ ِ‬
‫القدْ س ِّ‬
‫ِ‬ ‫وم َل ِ‬
‫بمثل ما جا َء يف‬ ‫الشقي قد ُع ِ‬
‫َّ‬
‫جل ِ‬ ‫الر َ‬‫وهكذا َنرى أن هذا َّ‬
‫ومل هكذا‪ ،‬وس ُيعا َمل مث َلها‬ ‫عر ُفني هو‪ ،‬فلقد ُع ِ‬ ‫بدي مثلام َي ِ‬ ‫عامل َع ِ‬
‫َظن َعب ِدي بِي»(‪ )1‬أي أنا ُأ ِ‬
‫ِّ ْ‬
‫شاهده أمرا عاديا بال َق ٍ‬ ‫كل ما ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صد وال‬ ‫ُ‬ ‫مثل هذه املعا َملة َجزا َء تَل ِّقيه َّ ُ‬ ‫أيضا‪ ،‬بل البدَّ أن َيرى َ‬
‫ِ‬ ‫ب يف ِ‬ ‫الـخ ِ‬ ‫وء ظنِّه وبالهتِه َ‬ ‫الحق بعينِه‪ ،‬وذلك لس ِ‬ ‫ِح ٍ‬
‫العذاب‬ ‫نار‬ ‫فصار يتق َّل ُ‬
‫َ‬ ‫رقاء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كمة وكأنه ُّ‬
‫ني‬ ‫سنرجع ِ‬
‫تارك َ‬ ‫ِ‬ ‫ورنا‬‫الكريم؛ ونحن بدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العيش‬ ‫يموت لينجو وال ي ِ‬
‫قد ُر عىل‬ ‫يع أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫وال َيستط ُ‬
‫ٍ‬
‫أحوال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخر من‬ ‫جرى لألخِ‬ ‫يتلوى يف عذابِه لن ِ‬
‫ف ما َ‬ ‫َعر َ‬ ‫المشؤو َم َّ‬
‫ورا َءنا ذلك َ‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬التوحيد ‪15،35‬؛ مسلم‪ ،‬الذكر ‪ ،19 ،2‬التوبة ‪1‬؛ الرتمذي‪ ،‬الزهد ‪ ،51‬الدعوات ‪131‬؛ ابن ماجه‪ ،‬األدب ‪.58‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪34‬‬
‫الـض َيق‬ ‫عاين ِّ‬ ‫يد ما ُ‬ ‫الرش ِ‬
‫قل ِ‬ ‫املبار ُك ذو ال َع ِ‬ ‫الر ُ‬
‫الطريق دون أن ُي َ‬ ‫َ‬ ‫قطع‬
‫يزال َي ُ‬ ‫جل َ‬ ‫فهذا َّ‬
‫بع ِ‬
‫نان‬ ‫أخذ ِ‬ ‫الخ ُل ِق‪ -‬وال َي ُ‬
‫ال ُ‬ ‫اجلميلة ‪-‬لِام له من َج ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إل يف األشياء‬ ‫كأخيه‪ ،‬ذلك ألنه ال ُيفك ُِّر ّ‬ ‫ِ‬
‫الصعوب َة واملش َّق َة كأخيه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف‪ ،‬لذا َ‬ ‫اخليال ّإل بام هو مجِ ٌيل ِ‬ ‫ِ‬
‫كان َيستأن ُس بنفسه وال ُيالقي ُّ‬ ‫ولط ٌ‬
‫ويمض‬ ‫ِ‬ ‫َسه ُل له‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك ألنه َي ِ‬
‫األمور ت ُ‬
‫َ‬ ‫الوالء واالتِّباعِ‪ ،‬فريى‬ ‫بمقتض‬‫َ‬ ‫ويعمل‬ ‫ف النظا َم‪،‬‬ ‫عر ُ‬
‫أزهار مجيل ٌة‬‫ٌ‬ ‫وجدَ بستانًا فيه‬ ‫مض حتى َ‬ ‫قرار؛ وهكذا َ‬ ‫باألمان واالستِ ِ‬‫ِ‬ ‫نطلقا م ِ‬
‫ستظال‬ ‫ُ‬
‫حر ا م ِ‬
‫ُ ًّ ُ‬
‫ِ‬
‫النظافة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إمهال‬ ‫حيوانات وأشيا ُء منتِن ٌة م َبع َثر ٌة هنا وهناك بسبب‬
‫ٍ‬ ‫لطيفة وثم َة ُج َث ُث‬
‫ٌ‬ ‫وفواك ُه‬
‫ِ‬ ‫كان أخوه ِ‬
‫شاهدَ ة‬ ‫انش َغ َل ُ‬
‫بم َ‬ ‫غري أنه َ‬
‫قبل‪ -‬يف مثل هذا البستان أيضا َ‬ ‫دخل ‪-‬من ُ‬‫الشق ُّي قد َ‬
‫يأخذ ِقس ًطا من‬
‫َ‬ ‫فغادره دون أن‬
‫َ‬ ‫وار‪،‬‬ ‫النظر فيها مما ْأشعره بال َغ َث ِ‬
‫يان والدُّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الج َيف امليتة وإنعا ِم‬
‫كل ٍ‬
‫يشء» فقد‬ ‫ِ‬
‫األحسن من ِّ‬ ‫دة «انظر إىل‬ ‫بقاع ِ‬
‫مل ِ‬ ‫األخ ف َع َ‬ ‫ِ‬
‫ملواصلة السري؛ أما هذا ُ‬ ‫ِ‬
‫الراحة‬
‫واكه‪ ،‬وبعدَ ما‬ ‫ِ‬
‫األشياء وال َف ِ‬ ‫ِ‬
‫البستان من‬ ‫ف ومل ي ِ‬
‫لتف ْت إليها ُمطل ًقا‪ ،‬بل استفا َد مما يف‬ ‫أه َل ِ‬
‫الج َي َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫استاح فيه الراح َة التّام َة مىض إىل ِ‬
‫سبيله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ‬

‫أسد‬‫وت ٍ‬ ‫عة‪ ،‬و َفجأ ًة َس ِم َع َص َ‬ ‫واس ٍ‬


‫فازة ِ‬ ‫عظيمة وم ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كأخيه‪ -‬يف صحرا َء‬ ‫ِ‬ ‫خل ‪-‬هو أيضا‬ ‫و َد َ‬
‫َ‬
‫ريه قائال‪:‬‬ ‫َفك ِ‬ ‫مال ت ِ‬ ‫وج ِ‬ ‫بح ِ‬ ‫وف أخيه‪ُ ،‬‬ ‫دون َخ ِ‬ ‫فخاف ّإل أنه َ‬
‫سن ظنِّه َ‬ ‫حيث فكَّر ُ‬ ‫َ‬ ‫َي ُج ُم عليه‬
‫حتت إمرتِه»‪،‬‬ ‫يكون خاد ًما أمينًا َ‬ ‫َ‬ ‫األسدُ إذن ُيحت ََم ُل أن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫«البدَّ أن هلذه الصحراء حاكام‪ ،‬فهذا َ‬
‫مق‬ ‫بئر مع َّط ٍ‬
‫لة ب ُع ِ‬ ‫وجه إىل ٍ‬‫اطمئنانًا‪ ،‬غري أنه فر كذلك حتى وص َل وجها لِ ٍ‬ ‫فوجدَ يف ذلك ِ‬
‫َ َ ً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ريق من ِ‬ ‫ِ‬
‫منتصف ال َّط ِ‬ ‫بش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِست َ‬
‫البئر‬ ‫جرة يف‬ ‫‪-‬كصاحبه‪َ -‬‬ ‫َ‬
‫وأمسك‬ ‫نفسه فيها‬‫ِّني ذراعا فأل َقى َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيـن اثن ِ‬ ‫وبقي مع َّل ًقا هبا‪ ،‬فرأى َحيوان ِ‬
‫َظر إىل‬ ‫َيـن َيق َطعان َج ْذ َر ْي تلك الشجرة ُرو ْيدً ا ُر َويدً ا‪ ،‬فن َ‬ ‫َ‬
‫األسفل فرأى ُثعبانًا َضخام‪ ،‬ونظر إىل نفسه فوجدَ ها ‪-‬كأخيه‬ ‫ِ‬ ‫ونظر إىل‬
‫األسدَ ‪َ ،‬‬ ‫األعىل فرأى َ‬
‫بألف‬ ‫هشة أخيه ِ‬ ‫دون َد َ‬ ‫األمر هو كذلك‪ّ ،‬إل أنه َ‬ ‫ِ‬ ‫جيب غريب‪َ ،‬فدُ ِه َش من‬ ‫متاما‪ -‬يف وضع َع ٍ‬
‫إل ِ‬ ‫الجميل الذي ال ي ِ‬ ‫سن التفكري ِ‬ ‫َم ّر ٍة‪ ،‬لِام من ََحه اهلل من ُحسن ُ‬
‫الجه َة‬ ‫ريه ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫والفك ِْر‬ ‫وح ِ‬ ‫الخ ُل ِق ُ‬
‫ٍ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫عالقات‬ ‫األمور العجيب َة ُ‬
‫ذات‬ ‫َ‬ ‫بب فقد فك َّر هكذا‪« :‬إن هذه‬ ‫اجلميل َة من األشياء؛ وهلذا َّ‬
‫يكون يف هذه‬ ‫َ‬ ‫حركُها‪ ،‬فال بدَّ إذن أن‬ ‫عض‪ ،‬وإنّها َلتَظهر َّ ِ‬ ‫عضها ب َب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رتابطة ب ِ‬
‫كأن آمرا واحدا ُي ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُم‬
‫ٍ‬ ‫رة ِس ٌّر ُم ٌ‬ ‫األعامل المحي ِ‬
‫كشوف‪.‬‬ ‫غير َم‬
‫وطلسم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫غلق‬ ‫ِ ُ ِّ‬
‫‪35‬‬ ‫��������� ����� �� �����‬
‫�� �‬
‫ِ‬ ‫لست ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫كل هذا َي ِ‬
‫أجل‪ ،‬إن َّ‬
‫الحاك َم‬ ‫وحيدً ا‪ ،‬بل إن ذلك‬ ‫حاكم َخ ٍّ‬
‫في‪ ،‬فأنا إذن ُ‬ ‫أوامر‬ ‫رج ُع إىل‬
‫ون ِ‬
‫إليه»‪.‬‬ ‫دع ِ‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪ ،‬و َي ُ‬ ‫ٍ‬
‫قصودة يسوقني إىل‬ ‫ولح ٍ‬
‫كمة َم‬ ‫وي ِتبين‪ِ ،‬‬ ‫إلي و َي ِ‬
‫رعان َ ُ‬ ‫ينظر َّ‬
‫اخلفي ُ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫السؤال‪َ « :‬من يكون‬ ‫أثار هذا‬ ‫ِ‬
‫اللذيذ َش ٌ‬ ‫والخ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َشأ لدَ ِيه من هذا الت ِ‬ ‫فن َ‬
‫وق َ‬ ‫وف‬ ‫اجلميل‬ ‫َّفكير‬
‫ِ‬
‫الطريق‬ ‫نفسه ؟ و َمن هذا الذي َيسو ُقني يف هذا‬ ‫عرفني َ‬ ‫جر ُبني ويريدُ أن ُي ِّ‬ ‫يا تُرى هذا الذي ُي ِّ‬
‫َمت‬ ‫ِ‬
‫الطلسم‪ ،‬ون ْ‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫َّعر ِف َمح َّب ُة‬ ‫نشأ من َّ ِ‬
‫الشوق إىل الت ُّ‬ ‫ثم َ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫جيب إىل غاية هادفة ؟»‪َّ ،‬‬ ‫ال َع ِ‬
‫مجيل وح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تلك املح َّب ِة َر ُ‬
‫الة‬ ‫غبة ِّاتاذ وض ٍع ٍ َ‬ ‫انبثقت َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫الرغبة‬ ‫حل الطلسم‪ ،‬ومن تلك‬ ‫غبة ِّ‬ ‫من َ‬
‫صاحب ال ِّط ْلسم حسب ما ُ ِ‬
‫ي ُّبه ويرضاه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫م ٍ‬
‫قبولة لدى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫آالف األنوا ِع من‬ ‫ِ‬
‫أغصانا‬ ‫ني‪ ،‬غري أن يف ِ‬
‫هناية‬ ‫الشجرة فرأى أهنا َشجر ُة تِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َظر أعىل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ثم ن َ‬
‫بأن شجر َة الت ِ‬ ‫علم علام قاط ًعا َّ‬ ‫وزال هنائيا‪ ،‬ألنه ِ‬ ‫ذهب خو ُفه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّني هذه‬ ‫األثامر وال َفواكه‪ ،‬وعندَ ها َ‬
‫عجز‬ ‫بشكل م ِ‬
‫ٍ ُ‬ ‫نماذج ما يف بستانِه وجنَّاتِه‬ ‫َ‬ ‫اخلفي‬
‫ُّ‬ ‫الحاكم‬
‫ُ‬ ‫حيث َق َّلد‬
‫عر ٌض‪ُ ،‬‬ ‫هر ٌس و َم ِ‬ ‫إنام هي فِ ِ‬
‫وإل فإن َشجر ًة واحد ًة لن‬ ‫ولذائذ لضيوفِه‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أطعمة‬ ‫عليها َوز َّينه َا هبا‪ ،‬إشار ًة ملا أعدَّ ه من‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُعطي أثمار ِ‬ ‫ت ِ‬
‫بانكسار إىل‬ ‫توسال‬ ‫والترض َع‪ ،‬فأ َل َّح ُم ِّ‬
‫ُّ‬ ‫إل الدُّ عا َء‬ ‫األشجار؛ ف َلم َير أما َمه ّ‬ ‫آالف‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وأتوسل‬ ‫َجئ إليك‬ ‫ِ‬ ‫حاكم هذه الدِّ ِ‬ ‫أن ُأ ْل ِه َم‬
‫يار واآلفاق‪ ،‬ألت ُ‬ ‫َ‬ ‫فهتف قائال‪« :‬يا‬ ‫َ‬ ‫مفتاح الطلسم‬ ‫َ‬
‫عنك»‪.‬‬ ‫وأبحث َ‬ ‫ُ‬ ‫بك‬ ‫رضاك وأنا أط ُل َ‬ ‫َ‬ ‫خادم‪ ،‬أريدُ‬‫وأتـضع‪ ،‬فأنا لك ِ‬
‫َ ُ‬
‫يل‪،‬‬ ‫طاهر َج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بستان ِ‬
‫فاخر‬ ‫ٍ‬ ‫باب ُيفت َُح إىل‬ ‫عاء‪ ،‬عن ٍ‬ ‫البئر فجأ ًة بعد هذا الدُّ ِ‬ ‫دار ِ‬ ‫َ ِ‬
‫فانش َّق ج ُ‬
‫ِ‬
‫اخلادم‬ ‫ِ‬
‫والثعبان ُصور َة‬ ‫األس ِد‬ ‫َّـخـذ ٌّ‬
‫الباب‪ ،‬وات َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل من َ‬ ‫الثعبان إىل ذلك‬ ‫فم ذلك‬ ‫انقلب ُ‬ ‫َ‬ ‫وربام‬
‫سخ ٍر َ‬
‫بني‬ ‫صان ُم َّ‬‫شكل ِح ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهي َئ َت ُه‪َ ،‬‬
‫تقم َ‬‫فأخذا يدعوانه إىل البستان حتى إن ذلك األسدَ َّ‬
‫ِ‬
‫يديه‪.‬‬
‫األخ َو ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫هذين َ‬ ‫ُواز َن بني أوضا ِع‬ ‫ِ‬
‫اخليال‪ ..‬تعاليا لن ِ‬ ‫صاحبي يف‬ ‫ِ‬ ‫نفسي الك َْسىل‪ ..‬ويا‬ ‫فيا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املسافر إىل‬
‫َ‬ ‫الشقي‬
‫َّ‬ ‫بالسيئة‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ب احلسن َة وأن السيئ َة تأيت‬ ‫الحسن َة تَج ُل ُ‬
‫َعلم كيف أن َ‬ ‫كي ن َ‬
‫ِ‬
‫الثعبان فهو َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫امل معر ٌض يف ِّ ٍ‬ ‫ِ‬
‫جهة ِّ ِ‬
‫وه َل ًعا‪ ،‬بينام هذا َّ‬
‫السعيدُ‬ ‫ف خو ًفا َ‬‫رجت ُ‬ ‫فم‬
‫كل آن أن َيل َج َ‬ ‫الش ُ َّ‬
‫َمز ُق يف َخ ٍ‬ ‫أنيق ب ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫وف َع ٍ‬
‫ظيم‬ ‫الشقي يت َّ‬‫ِّ‬ ‫لب َ‬
‫ذلك‬ ‫يج ُمثم ٍر بفواك َه شتَّى؛ وإن َق َ‬ ‫دعى إىل بستان ٍ َ‬ ‫ُي َ‬
‫وف ٍ‬ ‫وخ ٍ‬ ‫بعرب ٍة ح ٍ‬
‫لوة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور ٍ‬
‫لذيذ‬ ‫نظر إليها َ ُ‬ ‫عب أليم‪ ،‬بينام هذا السعيدُ يرى َغ َ‬
‫رائب األشياء و َي ُ‬ ‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪36‬‬
‫وأي‬ ‫ِ‬
‫واليأس وال ُي ِ‬ ‫بوبة؛ وإن ذلك الشقي املسكني َليعاين من الو ِ‬ ‫ومعرفة َم ٍ‬
‫ٍ‬
‫تم عذا ًبا َّ‬ ‫حشة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫والش ِ‬
‫وق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمل َّ‬ ‫يتلذ ُذ يف الُ ِ‬
‫نس ويتر ّف ُل يف‬ ‫السعيدُ َّ‬ ‫ٍ‬
‫عذاب! بينام هذا َّ‬
‫سة‪ ،‬بينام هذا السعيدُ‬ ‫املفرت ِ‬
‫حوش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الو‬ ‫ِ‬ ‫ثم إن َ‬
‫معر ًضا هلجامت ُ‬ ‫نفس ُه سجينًا َّ‬ ‫ذلك املنكو َد يرى َ‬
‫مع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف عندَ م ِض ٍ‬ ‫يف َع ٍ‬ ‫املحظوظ يتَمتَّع متع َة َض ٍ‬
‫ُ‬
‫كريم‪ ،‬ف َيستأن ُس َ‬ ‫يف‬ ‫ُ‬ ‫وكيف ال وهو َض ٌ‬ ‫َ‬ ‫زيز‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫عج ُل عذا َبه يف النار بأكله‬ ‫عجائب َخدَ ِمه؛ ثم َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الطعم‬ ‫مأكوالت لذيذ َة‬ ‫الحظ َل ُي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫الس ِّي َئ‬
‫ذلك َّ‬ ‫إن َ‬
‫للتذو ِق منها‬ ‫ُّ‬ ‫َامذ ُج‪ ،‬قد ُأ ِذ َن‬ ‫تلك الفواكه ما هي ّإل ن ِ‬
‫َ‬ ‫إن َ‬ ‫حقيق ًة ومعنًى‪ ،‬إ ْذ َّ‬ ‫ظاهرا ومسموم ًة ِ‬
‫ً َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كاحليوان؛‬ ‫للش َاه ِة منها‬ ‫سامح َّ‬
‫وإل فال َ‬ ‫ِ‬
‫وشار ًيا هلا‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وأصولا‬ ‫ِ‬
‫حلقائقها‬ ‫َ‬
‫ليكون طالبا‬ ‫ب‪،‬‬ ‫فح ْس ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ؤخرا أك َلها و ُم ْلت ًَّذا‬ ‫ِ‬
‫باالنتظار‪.‬‬ ‫َذو ُق منها إذ يعي َ‬
‫األمر‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫السعيدُ املحمو ُد فإنه يت َّ‬ ‫أما هذا َّ‬
‫ذات‬‫ظلام وأوها ًما َ‬ ‫بنفسه‪ ،‬جارا عليها وضعا م ِ‬ ‫يكون قد ظلم نفسه ِ‬ ‫ُ‬ ‫الشقي‬ ‫ثم إن ذلك‬
‫َ ً ُ‬ ‫َ ًّ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مجيلة‬ ‫كالنهار وأوضا ٍع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ساطعة‬ ‫حقائق‬
‫َ‬ ‫بانعدا ِم َبصريتِه عن‬
‫حيم‪ِ ،‬‬ ‫ظلامت حتى كأنه يف َج ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رجل َو ْس َط أح ّب ِائه‬
‫ٍ‬ ‫حق الشكوى؛ َم َث ُله يف هذا م َث ُل‬ ‫قة وال له ُّ‬ ‫ستح ٌق للش َف ِ‬ ‫باهرة‪ ،‬فال هو م ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصيف ويف حديقة َجيلة هبيجة يف َوليمة َط ّيبة لألفراح‪ ،‬فلعدم قناعته هبا َ‬
‫راح‬ ‫يف َموسم َّ‬
‫ويل‪،‬‬‫بالصاخِ وال َع ِ‬ ‫فرشع ُّ‬‫َ‬ ‫أصبح ِسكِّريا َث ِمال‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلبائث‪ -‬حتى‬ ‫كؤوس اخلمر ‪-‬أ ِّم‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫َيرت َِش ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفسه أنه يف ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َط‬ ‫وعار ْ‬ ‫جائع‬
‫ٌ‬ ‫تصورا أنه‬ ‫س‪ ،‬و ُم ِّ‬ ‫القار ِ‬ ‫الشتاء‬ ‫قلب‬ ‫وبد َأ بالبكاء‪ ،‬ظانا َ‬
‫بنفسه‬‫يستحق الش َفق َة والر ْأف َة‪ ،‬إذ ظلم نفسه ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫الرجل ال‬ ‫أن هذا‬ ‫مفرتسة؛ فمثلام َّ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حوش‬ ‫ُو‬
‫َ َ‬
‫وم‪.‬‬‫املشؤ ُ‬‫حوشا‪ُ ،‬م ِتقرا هلم‪ ..‬فكذلك هذا ُ‬ ‫توها أصدقا َءه ُو ً‬ ‫ُم ِّ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة فإنه‬ ‫مجال‬ ‫ِ‬
‫إدراك ِ‬ ‫واحلقيقة ِ‬
‫بذاتا َج ٌ‬
‫يلة؛ ومع‬ ‫ُ‬ ‫بص ُـر احلقيق َة‪،‬‬ ‫ولكنام ذلك السعيدُ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب احلقيقة و ُيو ِّق ُره ف َيستح ُّق َرحمتَه‪.‬‬ ‫صاح ِ‬‫ِ‬ ‫َي ِ‬
‫تـر ُم َ‬
‫كامل‬
‫ِ‬
‫أرسار‪:‬‬ ‫فاعلم إذن ِس ًّرا من‬
‫﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﴾ (النساء‪.)79:‬‬

‫رضت له‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وازنت سائر هذه ال ُف ِ‬


‫أح َ‬‫لألول قد ْ‬ ‫النفس األمار َة‬
‫َ‬ ‫لمت أن‬
‫وأمثالا ل َع َ‬ ‫روق‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فلو‬
‫سن فِ ِ‬
‫كره‪-‬‬ ‫وح ِ‬ ‫ِ‬
‫سن َخصلته ُ‬ ‫وح ِ‬ ‫وح ِ‬
‫سن ظنِّه ُ‬
‫نال ‪-‬بح ِ ِ‬
‫سن ن َّيته ُ‬ ‫ُ‬ ‫اآلخر قد َ‬
‫ُ‬ ‫هنم معنو َّي ًة‪ ،‬بينام‬
‫َج َ‬
‫ميم‪.‬‬ ‫واإلح َ‬
‫سان ال َع َ‬ ‫ْ‬ ‫الفيض والسعاد َة‬
‫َ‬
‫‪37‬‬ ‫��������� ����� �� �����‬
‫�� �‬
‫تكون َ‬
‫مثل‬ ‫َ‬ ‫كنت تُريدُ أن ال‬
‫احلكاية! إذا َ‬ ‫ِ‬ ‫الرجل ِ‬
‫املنص ُت معي إىل هذه‬ ‫ُ‬ ‫نفس‪ ،‬ويا أهيا‬‫فيا ِ‬
‫وارض ْخ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عيد فاس ِ‬ ‫تكون كاألخِ الس ِ‬‫َ‬
‫َ‬ ‫الكريم‬ ‫القرآن‬ ‫تم ْع إىل‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ذلك األخِ املشؤو ِم‪ ،‬وت ُ‬
‫َرغب يف أن‬
‫ِ‬
‫بأحكامه‪.‬‬ ‫واعمل‬ ‫لح ِ‬
‫كمه واعت َِصم به‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يع أن‬ ‫ِ‬ ‫يت ما يف هذه األُقصوص ِة التَّمثِ ِ‬
‫حقائق‪ ،‬فإنك تَستط ُ‬ ‫َ‬ ‫يلية من‬ ‫َ‬ ‫كنت قد َو َع َ‬ ‫وإذا َ‬
‫األس َس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وسأقول لك ُ‬ ‫نيوي َة واإلنساني َة واإليامنِي َة ك َّلها؛‬
‫احلقيق َة الدِّ ينِي َة والدُّ ِ‬
‫تُطب َق عليها ِ‬
‫ِّ‬
‫بنفسك الدَّ ِ‬‫َخرج ِ‬
‫قائق‪:‬‬ ‫واست ِ ْ‬

‫وقلب‬
‫ُ‬ ‫روح الكافِر‬‫واآلخر ُ‬‫ُ‬ ‫لب الصالِح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وح املؤمن و َق ُ‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫فاألخوان االثنان أحدُ مها ُر ُ‬
‫الش ُ‬
‫مال َف ُ‬
‫طريق‬ ‫ِ‬
‫واإليامن‪ ،‬وأما ِّ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫مين من تَينِ َك ال َّطري َقني فهو َط ُ‬
‫ريق‬ ‫ِ‬
‫الفاسق؛ أما ال َي ُ‬
‫الطريق فهو احليا ُة االجتِ ِ‬
‫امع ُية املؤ َّق ُتة للمجتمع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫البستان يف‬ ‫ُفران؛ وأما ذلك‬ ‫العصيان والك ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫والطاه ُر‬ ‫ُ‬
‫واخلبيث‬ ‫ب‬ ‫وجد فيها َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والشر والط ِّي ُ‬
‫ُّ‬ ‫الخ ُير‬ ‫البش ِّي واحلضارة اإلنسانية التي ُي َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫قاع ِ‬ ‫فالعاقل هو من يعمل عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال َق ِذ ُر معا‪،‬‬
‫سالمة‬ ‫«خ ْذ ما َصفا‪َ ..‬د ْع ما كدَ ر» ف َي ُ‬
‫سيـر مع‬ ‫دة ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫األرض؛ وأما ذلك‬ ‫الصحرا ُء فهي هذه الدنيا وهذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واطمئنان ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الوجدان؛ وأما تلك َّ‬ ‫القلب‬
‫احلياة؛ وأما ذلك‬ ‫ِ‬ ‫وز ُ‬
‫مان‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان َ‬ ‫البئر فهي َجسدُ‬ ‫األج ُل‬
‫واملوت؛ وأما تلك ُ‬ ‫ُ‬ ‫األسدُ فهو َ‬ ‫َ‬
‫تون سن ًة؛ وأما‬ ‫ِ‬
‫الغالب‪ ،‬وهو معدَّ ُل ال ُع ُم ِر س َ‬ ‫ِ‬ ‫العم ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫البالغ ست َِّني ذراعا فهو إشار ٌة إىل ُ‬ ‫مق‬ ‫ال ُع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألبيض فهام‬
‫ُ‬ ‫تلك الشجر ُة فهي ُمد ُة ال ُع ُم ِر وما َّد ُة احلياة؛ وأما احليوانان االثنان‪ْ ،‬‬
‫األس َو ُد‬
‫القبـر؛ ّإل أن‬ ‫اآلخرة الذي َف ُمه‬‫ِ‬ ‫الربزخِ ِ‬
‫ور َو ُاق‬ ‫طريق َ‬ ‫ُ‬
‫الثعبان فهو ُ‬ ‫الليل والنهار؛ وأما ذلك‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫للم ِ‬
‫البستان‪.‬‬ ‫جن إىل‬ ‫باب ُيفت َُح من ِّ‬
‫ؤمن ٌ‬ ‫ذلك ال َف َم هو ُ‬
‫كم‬ ‫للمؤمن يف ُح ِ‬ ‫ِ‬ ‫نيو ُية‪ّ ،‬إل أهنا‬ ‫ب الدُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلرشات ِ‬
‫املض ُة فهي املصائ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وأما تلك‬
‫مطعومات تلك‬ ‫ُ‬ ‫الرمحانية لئال َيغ ُف َل؛ وأما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وااللتفاتات‬ ‫ِ‬
‫احلـلوة‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫اإليقاظات‬
‫ِ‬ ‫ِّعم األُ‬ ‫تكون فِ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خروية‬ ‫هر ًسا للن ِ‬ ‫الكريم لكي‬ ‫ُ‬ ‫الدنيو ُية التي َصنَعها ُّ‬
‫الرب‬ ‫ِّعم‬
‫الشجرة فهي الن ُ‬
‫الز ِ‬
‫بائ ِن إىل‬ ‫ِ‬ ‫البار ُئ احلكيم عىل ِ‬ ‫بمشاهبتِها هلا‪ ،‬وقد َخ َلقها ِ‬
‫لدعوة َّ‬ ‫نامذج‬
‫َ‬ ‫هيئة‬ ‫ُ‬ ‫و ُمذ ِّكر ًة هبا‪ُ ،‬‬
‫آية‬‫املتباين َة إشار ٌة إىل ِ‬‫ِ‬ ‫الشجرة عىل َوحدَ ِتا ال َفواك َه املختلف َة‬ ‫ِ‬ ‫وإن إعطا َء تلك‬‫فواكه اجلن َِّة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫نع ِّ‬ ‫األلوه ِية ذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫راء َسل َط ِنة‬‫اإلهلية و ُط ْغ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصمدانِ ِية َ‬ ‫الق ِ‬
‫كل‬ ‫«ص َ‬ ‫ألن ُ‬ ‫الربوبية‬ ‫وخ ِ‬
‫تم‬ ‫درة َّ‬ ‫ُ َ‬
‫لق مجي ِع‬ ‫واحد‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نع مجي ِع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وخ َ‬ ‫تراب‬ ‫وأثامرها من‬ ‫النباتات‬ ‫َشيء من َشيء واحد» أي ُص َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪38‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واح ٍد‪،‬‬
‫ماء ِ‬‫احليوانات من ٍ‬
‫ِ‬
‫نع‬ ‫وإبداع مجي ِع األجهزة احليوانية من طعا ٍم بسيط؛ وكذا ُ‬
‫«ص ُ‬ ‫َ‬
‫مطعومات ُم ِتل ِ‬
‫فة‬ ‫ٍ‬ ‫سيط لذي ٍ‬
‫حياة من‬ ‫لد ب ٍ‬‫عني ِ ٍ‬
‫حلم ُم ٍ‬ ‫ِ‬
‫كبناء ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫الواحد من ِّ‬ ‫ِ‬
‫وج َ‬ ‫يشء»‬ ‫اليشء‬
‫ِ‬
‫للسلطان‬ ‫املخصوص‬ ‫واخلتم‬ ‫األحدية الص ِ‬
‫مدية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للذات‬ ‫اخلاص ُة‬ ‫ِ‬
‫األجناس‪ ..‬إنام هي ُ‬
‫اآلية‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يمكن تقليدُ ها أبدا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وطغراؤه التي ال‬
‫ُ‬ ‫األبدي‬
‫ِّ‬ ‫األزيل‬
‫ِّ‬
‫شيء‪ ،‬إنما هو ِ‬
‫خاصي ٌة تعو ُد إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شيء من‬ ‫وخلق ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫كل شيء‬ ‫ٍ‬
‫شيء من ِّ‬ ‫خلق‬
‫إن َ‬
‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫شيء‪.‬‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫للقادر على ِّ‬ ‫ٍ‬
‫شيء‪ ،‬وعالم ٌة مخصوص ٌة‬ ‫ِ‬
‫خالق ِّ‬
‫كل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املفتاح‬
‫ُ‬ ‫اإليامن‪ ،‬وأما ذلك‬ ‫بسـر‬
‫اخللق الذي ُيفت َُح ِّ‬ ‫حكمة‬ ‫وأما ذلك ال ِّط ْل َس ُم فهو ُّ‬
‫رس‬
‫انقالب َف ِم‬
‫ُ‬ ‫فهو ﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ و«يا اهلل» و«ال إله َّإل اهلل‪ ،»..‬وأما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن القرب هو ِسجن الو ِ‬ ‫باب الب ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلمهال‬ ‫والنسيان‬ ‫حشة‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫رمز إىل َّ‬ ‫ستان فهو ٌ‬ ‫ذلك الثعبان إىل ِ ُ‬
‫باب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الض ِ‬
‫اللة وال ُّط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والض ِيق‪ ،‬فهو‬
‫ألهل اإليامن والقرآن ٌ‬ ‫غيان‪ ،‬ولكنَّه‬ ‫ألهل َّ‬ ‫الثعبان‬ ‫كبطن‬ ‫ِّ‬
‫وض ِة‬ ‫يدان االمتِ ِ‬
‫البقاء‪ ،‬ومن م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رصاع ِيه من ِس ِ‬ ‫فتوح عىل ِم‬
‫حان إىل َر َ‬ ‫َ‬ ‫بستان‬ ‫جن الدنيا إىل‬ ‫َ‬ ‫َم ٌ‬
‫ِ‬
‫الرمحن‪.‬‬ ‫احلياة إىل ر ِ‬
‫محة‬ ‫ِ‬ ‫نان‪ ،‬ومن َز ِ‬
‫محة‬ ‫ِاجل ِ‬
‫َ‬
‫خاد ٍم ُمؤنِس فهو إشار ٌة إىل أن‬ ‫سخ ٍر وإىل ِ‬ ‫ٍ‬
‫حصان ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫املفرتس إىل‬ ‫األس ِد‬
‫انقالب ذلك َ‬ ‫ُ‬ ‫وأما‬
‫ٍ‬
‫كاذبة إىل‬ ‫ٍ‬
‫دنيوية‬ ‫وخروج من َجن ٍّة‬ ‫األح ِبة‪،‬‬‫فراق أبدي أليم من مجي ِع ِ‬ ‫ِ‬
‫الـضالل ٌ‬ ‫املوت ألهل‬
‫َ‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ ٌ‬
‫ِ‬
‫القرآن ِرحل ٌة‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫ِ‬
‫اهلداية‬ ‫ِ‬
‫ألهل‬ ‫حيق‪ ،‬بينام هو‬ ‫تيه َس ٍ‬ ‫وضياع يف ٍ‬ ‫رادي ِ‬ ‫حشة ِس ٍ ِ‬ ‫و ِ‬
‫للقبر‪ٌ َ ،‬‬ ‫جن انف ٍّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫القدامى‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وو ِس ٌ‬
‫طن‬‫الو ِ‬‫دخول َ‬ ‫وواسط ٌة إىل‬ ‫يلة إىل مالقاة األح َّبة واألصدقاء ُ َ‬ ‫اآلخ ِر‪َ ،‬‬ ‫إىل العامل َ‬
‫وانتظار‬
‫ٌ‬
‫اجل ِ‬
‫نان‪،‬‬ ‫ني ِ‬ ‫سجن الدنيا إىل َبساتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األبدية‪ ،‬ودعو ٌة كريم ٌة من‬‫ِ‬ ‫ومنازل الس ِ‬
‫عادة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫يقي‬
‫احلق ِّ‬
‫ِ‬
‫احلياة وإجاز ٌة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكاليف‬ ‫َرسيح من‬ ‫الر ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيم‪ ،‬وت ٌ‬ ‫محن َّ‬ ‫َفضال من َّ‬‫للخدمات ت ُّ‬ ‫األجرة‬ ‫ألخذ‬
‫ِ‬
‫َّعليامت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وامتحانات الت ِ‬
‫َّعليم والت‬ ‫ِ‬
‫العبودية‬ ‫ِ‬
‫واجبات‬ ‫هاء من‬ ‫وإعالن االنتِ ِ‬
‫ُ‬ ‫وظي َفتها‪،‬‬
‫حقيقـ ًة‬‫فسيكون يف جهنَّم ِ‬
‫ُ َ َ‬ ‫عل احليا َة الفانِي َة ُمبتغا ُه‬ ‫كل من َي ُ‬ ‫ل من هذا كل ِّه‪َّ :‬‬
‫أن َّ‬ ‫َحص ُ‬
‫ن ُ‬
‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫توجها إىل‬ ‫َّعيم؛ وأن َّ‬ ‫حبوح ِة الن ِ‬
‫كل من كان ُم ِّ‬ ‫َ‬ ‫َقلب ظاهرا يف َب‬ ‫ومعنًى‪ ،‬حتى لو كان يت ُ‬
‫وأهل هلام معا حتَّى لو كانت‬ ‫ٌ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫بسعادة الدَّ َار ِ‬ ‫فائز‬
‫وإخالص فهو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫الباق ِية ويس َعى هلا بِجدٍّ‬
‫ِ‬
‫فيتحم ُلها‬
‫َّ‬ ‫انتظار جلنَّتِه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫وض ِّيق ًة‪ّ ،‬إل أنه َسرياها ُحلو ًة ط ِّيب ًة‪ ،‬أل َّن ُه ي ُعدُّ ها قاع َة‬ ‫دنياه َسيئ ًة َ‬
‫الص ِرب‪.‬‬ ‫ويشكُر ربه فيها وهو َي ُ ِ‬
‫امر َّ‬‫وض غ َ‬ ‫َ ُ َّ‬
‫‪39‬‬ ‫��������� ����� �� �����‬
‫�� �‬
‫آ‬ ‫آ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َّّ ُ َّ‬
‫يمان‪� ..‬مني‪.‬‬‫واإل ِ‬ ‫أهل السعاد ِة والسالم ِة والقر� ِن ِ‬ ‫الل اجعلنا من ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ آ‬ ‫َّّ َّ َ ّ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ ُ َ َّ‬
‫يع ال ُروف ِ‬
‫ات‬ ‫ج ِ‬ ‫الل ص ِل َوس ِلم عل س ِي ِدنا مم ٍد َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه بِعد ِد ِ‬
‫ْ‬
‫ات ال َه َوا ِء‬ ‫َ َ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ّ َ ْ َّ ْ َ‬ ‫ال ْ ُمتَ َش ّكَة ف َجيع الْ َ َ‬
‫ات المتم ِثل ِة بِإِذ ِن الرح ِن ِف مرايا تموج ِ‬ ‫كم ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫َّ َ‬ ‫آ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُّ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫آ‬ ‫ْ‬
‫ك َك َم ٍة ِم َن ال ُق ْ‬‫َ َ َ ُّ‬
‫ان‪،‬‬
‫ول إِل � ِخ ِر الزم ِ‬ ‫ئ ِمن أو ِل انلـز ِ‬ ‫ار‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ق‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫�‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫ِعند قِراء ِة ِ‬
‫َ َ َ َ َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ار َحْنَا َو َو َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ْ َ‬
‫أر َحم‬ ‫ك يَا ْ‬ ‫ات بِعد ِدها بِرح ِت‬ ‫الينا وارح ِم المؤ ِم ِنني والمؤ ِمن ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َو ْ‬
‫ال َ ْم ُد َّلل َر ّب الْ َعالَم َ‬‫َ آ َ َ ْ‬ ‫َّ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احني‪ِ � ،‬مني و‬ ‫الر ِ ِ‬
‫ل��ل �ة � ت ا �ة‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك�� �م� ا �ل�� ��س�ع�‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ* ﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﴾ (الروم‪)18-17:‬‬

‫اخلمسة املع َّي ِنة‪،‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوقات‬ ‫الة يف هذه‬‫َخصيص الص ِ‬
‫ِ َّ‬
‫ِ‬
‫حكمة ت‬ ‫أهيا األخ! تَسأ ُلني عن‬
‫واحدة فقط من بني ِحكَمها الو ِ‬
‫فرية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فسنشري إىل ِح ٍ‬
‫كمة‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫لتصر ٍف‬ ‫ُّ‬ ‫هم‪ ،‬فهو كذلك مرآ ٌة‬ ‫ٍ‬
‫عظيم و ُم ٍّ‬ ‫مني‬ ‫ٍ‬
‫انقالب َز ٍّ‬ ‫الة ُ‬
‫بداية‬ ‫كل ص ٍ‬
‫وقت ِّ َ‬ ‫أن َ‬ ‫نعم‪ ،‬كام َّ‬
‫ِ‬ ‫إهلية كُل َّي ٍة يف ذلك التَّرصف؛ هلذا فقد ُأ ِم َر يف تلك‬ ‫ٍ‬
‫آلالء ٍ‬ ‫ظيم‪ ،‬وم ِ‬
‫األوقات‬ ‫عك ٌس‬ ‫إلهي َع ٍ َ‬ ‫ٍّ‬
‫والش ِ‬
‫كر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلكثار من احلمد ُّ‬ ‫ِ‬
‫للقدير ذي اجلالل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّسبيح والت ْع ِ‬
‫ظيم‬ ‫ِ‬
‫الزيادة من الت ِ‬ ‫ِ‬
‫بالصالة‪ ،‬أي ِّ‬ ‫َّ‬
‫ميق‬‫عض من هذا املعنَى ال َع ِ‬ ‫هم َب ٍ‬‫َني‪ ..‬وألجل َف ِ‬ ‫عت بني الوقت ِ‬‫َجم ْ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُحص والتي ت َّ‬ ‫لن َعمه التي ال ت َ‬
‫ٍ (‪)1‬‬
‫مخس نِكات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نبغي اإلصغا ُء ‪-‬مع نفيس‪ -‬إىل‬ ‫قيق‪ ،‬ي ِ‬
‫الدَّ ِ َ‬

‫النكتة األوىل‬
‫جل وعال ِتا َه‬‫َقديسه َّ‬ ‫ظيم ُّ‬ ‫ِ‬
‫كر هلل تعاىل‪ ،‬أي ت ُ‬ ‫والش ُ‬ ‫َّسبيح والت ْع ُ‬
‫الصالة هو الت ُ‬ ‫إن معنَى َّ‬
‫وعمال بقول‪« :‬اهلل‬‫َ‬ ‫َعظيمه ِتا َه كاملِه َلف ًظا‬
‫َجالله َقوال وفعال بقول‪« :‬سبحان اهلل»‪ ،‬وت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقول‪« :‬احلمد هلل»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أكبـر»‪ُ ،‬‬
‫كره جتا َه مجاله قل ًبا ولسانًا وج ً‬ ‫وش ُ‬
‫دت هذه‬ ‫فو ِج ْ‬ ‫بمثابة نُوى الص ِ‬
‫الة و ُب ُذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أي َّ‬
‫ورها‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫والتحميدَ هو‬ ‫َّكبيـر‬
‫َّسبيح والت َ‬‫إن الت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كر‪ ،‬وسم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫جت بد َّق ِة ٍ‬ ‫سألة ِ‬
‫اخلواطر‬ ‫لتأثري‬ ‫الدقيقة نكت ًة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املسألة‬ ‫يت‬ ‫نظر وإمعان ف ٍ ُ ِّ‬ ‫يفة ُأ ِ‬
‫خر ْ‬ ‫لط ٌ‬ ‫ُّكتة‪ :‬هي َم ٌ‬
‫(‪ )1‬الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف استنباطها‪ ،‬التعريفات للجرجاين‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫��������� ����� �������‬
‫�� �‬
‫الطيبة ال َّث ُ‬
‫الث‬ ‫ُ‬ ‫الكلامت‬ ‫ُكر ُر هذه‬ ‫ِ‬ ‫ركات الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّث ُ‬
‫الثة يف مجي ِع َح‬
‫ُ‬ ‫وأذكارها‪ ،‬وهلـذا أيضا ت َّ‬ ‫الة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫َرسيخه‪ ،‬إذ هبذه‬ ‫للتأكيد عىل معنَى الص ِ‬
‫الة وت‬ ‫ِ‬ ‫عقب الص ِ‬
‫الة؛ وذلك‬ ‫ثال ًثا وثالثِني مر ًة ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫زة المجملة يؤ َّكدُ معنى الص ِ‬
‫الة و َمغزاه َا‪.‬‬ ‫الكلامت املوج ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬

‫النكتة الثانية‬
‫الحضرة اإلله ّي ِة؛‬
‫ِ‬ ‫جاب في‬ ‫ٍ‬
‫وبتقدير وإ ْع ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خالصة‬ ‫ٍ‬
‫بمحبة‬ ‫العبادة هو سجود ِ‬
‫العبد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫إن معنى‬
‫َّ‬
‫َقصيره و َعجزَه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بوبية وال ُق ِ‬
‫كمال الر ِ‬
‫ِ‬
‫والرحمة اإللهية ُمشاهدً ا في نفسه ت َ‬
‫الصمدانية َّ‬‫درة َّ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫أما َم‬
‫وفقره‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب العبود ّي َة والطاع َة‪ ،‬فإن ُقدسيتَها ونَـزاهتَها تت ُ‬
‫َطلب‬ ‫الربوبية تتَط َّل ُ‬
‫نعم‪ ،‬كام أن سلطن َة ُّ‬
‫نقص‪ ،‬وأنه م ٍ‬
‫تعال‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫ِ‬
‫تقصريه‪َّ -‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫نـز ٌه عن ِّ‬
‫أن ر َّبه ُم ّ‬ ‫برؤية‬ ‫استغفاره‬ ‫علن ال َعبدُ ‪-‬مع‬ ‫ُ‬
‫عل َن‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‪ ،‬أي أن ي ِ‬ ‫لة‪ ،‬وأنه مقدَّ س من مجيع ِ‬
‫نقائص‬ ‫الباط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضاللة‬ ‫ِ‬
‫أفكار أهل‬ ‫عىل مجي ِع‬
‫ْ ُ‬ ‫ُ ٌ‬
‫بتسبيحه بقوله‪« :‬سبحان اهلل»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ذلك ك َّله‬
‫َوكل عليها ُلرؤيتِه‬ ‫لتج َئ إليها‪ ،‬ويت َ‬ ‫لة تَتط َّلب من ِ‬
‫العبد أيضا أن َي ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكام ُ‬ ‫وكذا ُقدر ُة الر ِ‬
‫بوبية‬ ‫َ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َقدير واستحسان تا َه‬ ‫بإعجاب وت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وعجز املخلوقات قائال «اهلل أكبر»‬ ‫َ‬ ‫نفسه الشديدَ‬‫عف ِ‬ ‫َض َ‬
‫وخشوعٍ‪.‬‬ ‫بكل ُخضو ٍع ُ‬ ‫مدانية‪ِ ،‬‬
‫ماض ًيا إىل الركوع ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الص‬ ‫عظمة آثار ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫القدرة َّ‬
‫ِ‬ ‫اخلاص َة‬ ‫ظه َر العبدُ حاجاتِه‬ ‫َطلب أيضا أن ُي ِ‬ ‫الواس ُ‬ ‫بوبية ِ‬
‫محة الر ِ‬
‫وحاجات مجي ِع‬ ‫َّ‬ ‫عة تت ُ‬ ‫وكذا َر ُ ُّ‬
‫إحسان ر ِّبه وآال َءه ال َع ِميم َة ُّ‬
‫بالش ِ‬ ‫َ‬ ‫وأن ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫بلسان الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كر‬ ‫عل َن‬ ‫ؤال والدُّ عاء‪ُ ْ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وفقرها‬ ‫املخلوقات َ‬
‫واحلمد بقوله «الحمد هلل»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والثناء‬
‫وألجل هذه املعاين ُف َ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال ُة‬
‫رضت َّ‬ ‫املعاين‪،‬‬
‫َ‬ ‫الصالة وأقوا َلها تت َّ‬
‫َضم ُن هذه‬ ‫إن َ‬
‫أفعال َّ‬ ‫أي َّ‬
‫ْ‬
‫من لدُ ن ُه سبحانَه وتعاىل‪.‬‬

‫النكتة الثالثة‬
‫ِ‬
‫للقرآن‬ ‫الفاحتة ِم ٌ‬
‫ثال ُم َّنو ٌر‬ ‫ِ‬ ‫مثال ُمص َّغ ٌر هلذا العامل الكبري‪َّ ،‬‬
‫وأن سور َة‬ ‫اإلنسان هو ٌ‬
‫َ‬ ‫كام َّ‬
‫أن‬
‫سامي ٌة ِ‬
‫تش ُري إىل‬ ‫ريطة ِ‬
‫وخ ٌ‬ ‫ِ‬
‫العبادات‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫شامل جلميع‬ ‫نوراين‬ ‫هر ٌس‬‫فالصال ُة كذلك فِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫العظيم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫املخلوقات َجي ًعا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بادات‬ ‫أنامط ِع‬
‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪42‬‬

‫النكتة الرابعة‬
‫ناظر َ‬
‫اآلخ َر‪،‬‬ ‫والدقائق والس ِ‬
‫اعات واأليا َم‪ٌّ ،‬‬ ‫إن عقارب الس ِ‬ ‫َّ‬
‫كل منها ُي ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫اعة التي َت ُعدُّ الثواين‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫اآلخر‪.‬‬ ‫كم‬
‫كل منها ُح َ‬ ‫أخذ ٌّ‬ ‫و ُيم ِّث ُل َ‬
‫اآلخ َر‪ ،‬و َي ُ‬

‫والنهار الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الليل‬ ‫دو َ‬
‫ران‬ ‫فإن َ‬‫ربى‪َّ ،‬‬ ‫ساعة إهلي ٌة ك َ‬‫ٌ‬ ‫كذلك يف عامل الدنيا الذي هو‬
‫ِ‬
‫اإلنسان التي تَعدُّ‬ ‫ِ‬
‫وطبقات ُع ُم ِر‬ ‫ِ‬
‫الدقائ َق‪،‬‬ ‫للساعة‪ ،‬والس ِ‬
‫نوات التي َت ُعدُّ‬ ‫ِ‬ ‫بِ ُح ِ‬
‫كم الثواين‬
‫َّ‬
‫تشا َبه معه‪ ،‬و ُيامثِ ُله‪،‬‬
‫اآلخر‪ ،‬و َي َ‬
‫َ‬
‫كل منها ي ِ‬
‫ناظ ُر‬ ‫ُ‬ ‫وأدوار ُع ُم ِر العامل التي َت ُعدُّ األيا َم‪ٌّ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الساعات‪،‬‬
‫كمه‪ ،‬فمثال‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ويأخذ ُح َ‬ ‫اآلخر‪،‬‬
‫َ‬ ‫و ُيذك ُِّر ٌّ‬
‫كل منها‬
‫وبأوان س ِ‬
‫قوط‬ ‫ِ‬ ‫ببداية الربي ِع َو ّأولِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مس‪ُ :‬ي ْشبِه و ُيذك ُِّر‬ ‫الش ِ‬
‫الفجر إىل طلو ِع َّ‬‫ِ‬ ‫قت‬
‫َو ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألرض‪َ ،‬فين ِّب ُه‬ ‫ِ‬ ‫الس ِتة يف َخ ِ‬ ‫اإلنسان يف ر ِح ِم األم‪ ،‬وباليو ِم ّ ِ‬
‫ِ‬
‫موات‬ ‫الس‬
‫لق َّ‬ ‫األول من األيا ِم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫اإلهلية الع ِ‬
‫ظيمة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫ؤون‬ ‫ِ‬
‫األوقات من ُّ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان إىل ما يف تلك‬
‫َ‬
‫الشباب‪ ،‬وإىل َف ِ‬
‫رتة‬ ‫ِ‬ ‫يف‪ ،‬وإىل ُعن ُف ِ‬
‫وان‬ ‫ف الص ِ‬ ‫هر‪ :‬فهو يشبِه ويشيـر إىل منتص ِ‬ ‫قت ال ُّظ ِ‬
‫ّأما َو ُ‬
‫َّ‬ ‫ُ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫يوضات الن ِ‬
‫ِّعمة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة و ُف‬ ‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫خلق اإلنسان يف ُع ُم ِر الدنيا‪ ،‬و ُيذكِّر ما يف ذلك ك ِّله من‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫السعادة الذي‬ ‫رص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صـر‪ :‬فهو يشبِه م ِ‬
‫قت ال َع ِ‬
‫ّأما َو ُ‬
‫وع َ‬
‫الشيخوخة‪َ ،‬‬ ‫وزمن‬
‫َ‬ ‫اخلريف‪،‬‬ ‫وس َم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشؤون‬ ‫الم‪ ،‬و ُيذك ُِّر بام يف ذلك ك ِّله من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫والس ُ‬
‫الصال ُة ّ‬
‫الرسل حممد عليه ّ‬ ‫خاتم ُ‬ ‫صـر‬
‫هو َع ُ‬
‫ِ‬
‫محانية‪.‬‬ ‫الر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية واآلالء َّ‬
‫ِ‬
‫اخلريف‪ ،‬و ُيذكِّر‬ ‫ولا ِناي َة‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات وأ ُف ِ‬ ‫أغ ِ‬
‫لب‬ ‫بغروب ْ‬ ‫ِ‬ ‫املغرب‪ :‬فإنه ُيذك ُِّر‬ ‫ِ‬ ‫قت‬
‫ّأما َو ُ‬
‫ِ‬
‫َّجليات اجلاللي َة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الساعة؛ ومع ذلك فهو ُيع ِّل ُم الت‬ ‫دمار الدنيا ِعندَ ِقيا ِم‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بوفاة‬ ‫أيضا‬
‫فلة و ُين ِّب ُهه‪.‬‬ ‫اإلنسان من نَو ِم ال َغ ِ‬ ‫َ‬ ‫وي ِ‬
‫وق ُظ‬ ‫ُ‬
‫النهار بكَفنِه األس ِ‬
‫ِ‬ ‫وس ِ‬ ‫يان عا َل ِ‬ ‫شاء‪َ :‬فيذكِّر ب َغ َش ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫قت ِ‬
‫ود؛‬ ‫ْ‬ ‫آثار عامل‬
‫تـره َ‬ ‫ـم ال َظال ِم َ‬ ‫ّأما َو ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫وبوفاة حتى ِ‬
‫آثار‬ ‫ِ‬ ‫للشتاء وجه األرض ِ‬
‫امليتة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األبيض‬ ‫ِ‬
‫بتغطية ال َك َف ِن‬ ‫و ُيذكِّر أيضا‬
‫َ َ‬
‫عل ُن يف‬ ‫ِ‬
‫هنائيا‪ ،‬وي ِ‬ ‫أبواب ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبانس ِ‬
‫ِ‬ ‫تار الن ِ‬ ‫حتت ِس ِ‬ ‫توف و ُدخولِه َ‬ ‫الـم َّ‬
‫دار امتحان الدنيا ً ُ‬ ‫داد‬ ‫ِّسيان‪،‬‬ ‫ُ‬
‫للقهار ذي اجلالل‪ِ.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َصـرفات َجاللي ًة‬ ‫ذلك ك ِّله ت ُّ‬
‫‪43‬‬ ‫��������� ����� �������‬
‫�� �‬
‫بـر‪ ،‬وبعا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫بالشتاء‪ ،‬وبال َق ِ‬ ‫قت ِ‬
‫الليل‪ :‬فإنه ُيذك ُِّر‬ ‫ّأما َو ُ‬
‫ـم الربزخِ ‪ ،‬فضال عن أنَّه ُيذك ُِّر َ‬
‫روح‬
‫الر ِ‬
‫محن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاجتها إىل َرمحة َّ‬ ‫اإلنسان بمدَ ى َ‬
‫ِ‬
‫ولظلامت عا َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫برضورتِه ِضيا ًء لِ َل ِ‬ ‫ِ‬
‫الليل‪ :‬فإنه ُيذك ُِّر‬ ‫التهجدُ يف‬
‫الب َزخِ ‪،‬‬
‫ـم َ‬ ‫القبـر‪،‬‬ ‫يل‬ ‫َ‬ ‫ّأما َ‬
‫عل ُن أيضا عن مدَ ى‬ ‫ِ‬
‫االنقالبات‪ ،‬وي ِ‬ ‫رب هذه‬ ‫متناهية للم ِ‬
‫ٍ‬ ‫عم ِ‬‫و ُين ِّب ُه و ُيذك ُِّر بنِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫احلقيقي َع َ‬
‫ِّ‬ ‫نعم‬ ‫ُ‬ ‫غري‬
‫ِ‬
‫والثناء‪.‬‬ ‫املنع ِم احلقيقي للح ِ‬
‫مد‬ ‫أهلي ِة ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫ْ َّ‬
‫ومي َء‬ ‫بح هلذا ِ‬
‫الليل‪َ ،‬‬ ‫الص ِ‬
‫أن َمي َء ُّ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‪ ..‬نعم‪ ،‬كام ّ‬ ‫ِ‬
‫بصباح‬ ‫الصباح الثاين‪ :‬فإنه ُيذك ُِّر‬
‫ُ‬ ‫ّأما‬
‫وري وح ِ‬ ‫ِ‬
‫وربي ِع الربزخِ مها‬ ‫ِ‬
‫احلشـر َ‬ ‫ِ‬
‫صباح‬ ‫تم ٌّي‪َّ ،‬‬
‫فإن جمي َء‬ ‫وض ُـر ِ ٌ َ‬ ‫ول َ‬ ‫عق ٌ‬ ‫الشتاء َم ُ‬ ‫الربي ِع هلذا‬
‫َفس ْي ِهام‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالقطعية وال ُّثبوت ن َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اخلمسة‪ -‬كام هو بِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫فكل و ٍ‬
‫انقالب َع ٍ‬
‫ظيم‪ ،‬و ُيذكِّر‬ ‫داية‬ ‫األوقات‬ ‫قت إذن ‪-‬من هذه‬ ‫ُّ َ‬
‫القدر ِة الصمدانِ ِية وهدايا الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫محة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫خرى َعظيمة‪ ،‬فهو ُيذك ُِّر أيضا بمعجزات ُ َ‬ ‫بانقالبات ُأ َ‬
‫ِ‬ ‫وم ّي ِة‬
‫َرصفاتا الي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العظيمة‪.‬‬ ‫ِ َ‬ ‫بإشارات ت‬ ‫رص ّي ُة أو الدَّ ِ‬
‫هر ّي ُة‪،‬‬ ‫نو ّي ُة ِ‬
‫أو ال َع ِ‬ ‫الس ِ‬
‫اإلهلية‪ ،‬سوا ٌء منها َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫طر ِة‬ ‫ظ ُ ِ‬ ‫إن الصال َة املفروض َة التي هي و ِ‬
‫املفروض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ين‬
‫وأساس ال ُعبود ّية والدَّ ُ‬
‫ُ‬ ‫يفة الف َ‬ ‫َ‬ ‫أي َّ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫األوقات ح ًّقا‪.‬‬ ‫َ‬
‫تكون يف هذه‬ ‫الئق ٌة جدًّ ا وم ِ‬
‫ناسب ٌة ِجدًّ ا يف أن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬

‫النكتة اخلامسة‬
‫الح َ‬ ‫صات التي ت ِ‬ ‫عيف جدا‪ ،‬ومع ذلك فام أكثر المن ِّغ ِ‬ ‫اإلنسان بفطرتِه َض ٌ‬
‫زن‬ ‫ُور ُثه ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ِ‬ ‫قت ن ِ‬ ‫واألل؛ وهو يف الو ِ‬ ‫َ‬
‫قري جدا‬ ‫عاجز جدا‪ ،‬مع أن أعدا َءه و َمصائ َبه كثري ٌة جدا؛ وهو َف ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َفسه‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫ثقيلة عليه؛‬ ‫تكاليف احلياة‬
‫َ‬ ‫اقتدار مع َّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫ول وبال‬ ‫مع أن َحاجاتِه كَثِري ٌة وشديدةٌ؛ وهو ك َُس ٌ‬
‫وزوال ما َيستأنِ ُس به ُيؤملانِه‪،‬‬‫َ‬ ‫أن َ‬
‫فراق ما ُي ُّبه‬ ‫بالكون مجيعا مع َّ‬‫ِ‬ ‫وإنسانِيتُه َجعلته َيرتبِ ُط‬
‫ِ‬ ‫سامي ًة وثامرا ِ‬
‫باقي ًة‪ ،‬مع أن يدَ ه ِ‬ ‫ريه مقاصدَ ِ‬ ‫ِ‬
‫وع ُم َره قص ٌري‪ ،‬و ُق َ‬
‫درتَه حمدُ ود ٌة‬ ‫قصريةٌ‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫وعق ُله ُي َ‬‫َ‬
‫ربه َمدو ٌد‪.‬‬
‫وص َ‬
‫ِ‬ ‫قت ال َف ِ‬‫احلالة‪ :‬في و ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بالدعاء‬ ‫تكون إىل أن ت َ‬
‫َطرق‬ ‫ُ‬ ‫جر َأ ْح ُ‬
‫وج ما‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان يف هذه‬ ‫فروح‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫حالا أما َمه‪ ،‬سائل ًة‬
‫عارض ًة َ‬ ‫ِ‬
‫اجلامل‪ِ ،‬‬ ‫حيم ذي‬‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وباب َّ‬
‫َ‬ ‫اجلالل‪،‬‬ ‫القدير ذي‬ ‫باب‬
‫والصالة‪َ -‬‬ ‫َّ‬
‫َحم َل ما‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫الر ِ‬ ‫َ‬
‫والعون منه سبحانَه؛ وما َأشدَّ‬
‫وح إىل نُقطة استناد كي تت َّ‬ ‫افتقار تلك ُّ‬
‫َ‬ ‫التوفيق‬
‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪44‬‬
‫ِ‬
‫النهار الذي َي ُ‬
‫عق ُبه‪..‬‬ ‫ظائف يف عامل‬
‫َ‬ ‫كاه ِلها من َو‬ ‫أعامل‪ ،‬وما ست ِ‬
‫َحم ُل عىل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫سيأيت أما َمها من‬
‫فه ُم ذلك َبداه ًة؟‬
‫أال ُي َ‬
‫وال‪ ،‬وهو‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫النهار وم َيالنُه إىل َّ‬ ‫الوقت الذي هو ِذرو ُة ِ‬
‫كامل‬ ‫ِ‬ ‫هر ذلك‬ ‫قت ال ُّظ ِ‬ ‫وعندَ و ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احة مؤ َّق ٍتة من ع ِ‬‫است ٍ‬ ‫اليوم ّي ِة‪ ،‬و َفرت ُة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ َو ُ‬
‫حاجة‬ ‫املشاغ ِل‪ ..‬وهو ُ‬
‫وقت‬ ‫ناء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫األعامل‬ ‫ان تكا ُم ِل‬
‫قة املؤ َّق ُتة من‬ ‫واألشغال ِ‬
‫املره ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُعط ِيه هذه الدنيا الفانِ ُية‬
‫واح مما ت ِ‬
‫واالست ِ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫الروح إىل التن ُّف ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآلالء‬ ‫أوان ت ِ‬
‫َظاهر‬ ‫راب فضال عن أنه ُ‬ ‫واض ِط ٍ‬ ‫فلة وح ٍ‬ ‫َغ ٍ‬
‫يرة ْ‬ ‫َ‬
‫فلة والـح ِ‬
‫رية‪،‬‬ ‫وانساللا من تلك ال َغ ِ‬‫ُ‬ ‫قات‪،‬‬‫اإلنسان من تلك املضاي ِ‬ ‫ِ‬ ‫خالص ُر ِ‬
‫وح‬ ‫َف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫بااللتجاء إىل باب القيو ِم ِ‬
‫الباقي‬ ‫ِ‬ ‫يكون ّإل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الزائلة‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬
‫التافهة‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫روجها من تلك‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬ ‫وخ ُ‬
‫لمجمو ِع‬ ‫ِ‬ ‫مكتوف اليدَ ِ‬ ‫والتوس ِل أما َمه‬ ‫بالتض ِع‬ ‫‪-‬وهو ِ‬
‫شاكرا حامدً ا َ‬ ‫ً‬ ‫ين‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫احلقيقي‪َ -‬‬
‫ُّ‬ ‫املنع ُم‬
‫الذ ِّل‬ ‫وإع ِ‬
‫الن ُّ‬ ‫بالركوعِ‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫جز أما َم جاللِه‬ ‫ِ‬
‫إظهار ال َع ِ‬ ‫نِ ِ‬
‫وعظمته ُّ‬ ‫َ‬ ‫عمه‪ُ ،‬مستَعينًا به َوحدَ ه‪ ،‬مع‬
‫يزول‪ ،‬وأما َم مجالِه‬ ‫بالسجود أما َم كاملِه الذي ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫وهيا ٍم‪-‬‬‫َعظيم ُ‬ ‫‪-‬بإعجاب وت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واخلضو ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫درها‪ ،‬وما‬ ‫ألذها‪ ،‬وما َأ ْج َ‬ ‫أجملها‪ ،‬وما َّ‬ ‫الظهر‪ ،‬فام َ‬ ‫صالة‬ ‫الذي ال حيول‪ ..‬وهذا هو أدا ُء‬
‫فهم هذا‪.‬‬
‫نفسه إنسانًا إن كان ال َي ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان َ‬ ‫بن‬
‫حس ّ‬ ‫رورهتا! ومن َث َّم فال َي َ‬ ‫أعظم َض َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫للشيخوخة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املحزنة‬ ‫ِ‬
‫وباحلالة‬ ‫ِ‬
‫للخريف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلزين‬ ‫ِ‬
‫باملوس ِم‬ ‫رص الذي ُيذك ُِّر‬ ‫وعند ِ‬
‫وقت ال َع ِ‬
‫ِ‬
‫صول‬ ‫وم ّي ِة‪ ،‬فهو َفرت ُة ُح‬ ‫َتائ ِج األعامل الي ِ‬
‫َ‬
‫ظهور ن ِ‬
‫ِ‬ ‫قت‬ ‫مان‪ ،‬وبو ِ‬
‫َ‬
‫الز ِ‬ ‫األليمة ِ‬
‫آلخر َّ‬ ‫ِ‬ ‫وباأليا ِم‬
‫ٍ‬ ‫حة والتنَ ُّع ِم بالعافِ ِية‪ ،‬والقيا ِم‬
‫أمثال التَّم ُّت ِع بالص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلائل للن ِ‬
‫بخدمات‬ ‫ِّ‬ ‫اإلهلية‪،‬‬ ‫ِّعم‬ ‫املجمو ِع ال ُكيلِّ‬
‫زول‪ ،‬وهو بال‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء َي ُ‬ ‫أمور‪ ،‬وبأن َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َط ٍ‬
‫يف َم ٌ‬ ‫اإلنسان َض ٌ‬ ‫اإلعالن بأن‬ ‫قت‬
‫يبة؛ وهو كذلك َو ُ‬
‫ِ‬
‫األفول‪.‬‬ ‫الـض ِ‬
‫خمة إىل‬ ‫مس َّ‬ ‫الش ِ‬‫انحنا ُء َّ‬ ‫إليه ِ‬
‫رار‪ ،‬وذلك بام يشري ِ‬ ‫ثبات وال َق ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألبد‪،‬‬ ‫للبقاء‬ ‫قت‬ ‫َنشدُ األبد ّي َة واخللود‪ ،‬وهي التي ُخ ِل ْ‬ ‫روح اإلنسان التي ت ُ‬ ‫إن َ‬‫نعم َّ‬
‫رص و ُي َ‬
‫سبغ‬ ‫قت ال َع ِ‬ ‫اإلنسان لِيقو َم َو َ‬
‫ِ‬ ‫َنه ُض هبذا‬ ‫ِ‬
‫الفراق‪ ،‬ت َ‬ ‫اإلحسان‪ ،‬وتَتأ َّل ُ‬
‫ـم من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وتعش ُق‬
‫القديم الباقي‬ ‫الصمدانِ ّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تضـرعا أما َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫باب احلرضة َّ‬ ‫ناجي ُم ِّ‬
‫الوضو َء ألداء صالة ال َعرص‪ ،‬ل ُي َ‬ ‫ُ‬
‫كر واحلمدَ عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتج َئ إىل فضل رمحته الواسعة األبدية‪ ،‬ول ُيقدِّ َم ُّ‬ ‫دي‪ ،‬ول َي ِ‬
‫الش َ‬ ‫والق ُّيو َم الرس َم َّ‬
‫وخضو ٍع أمام ِع َّز ِة ربوبيتِه سبحانَه وي ِوي إىل الس ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫جود‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫بكل ُذ ٍّل ُ‬ ‫نعمه التي ال ُت َص‪َ ،‬ف َ‬
‫ريكع ِّ‬
‫لوان احلقيقي والراح َة التام َة لر ِ‬ ‫الس َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بِ ِّ‬
‫وحه‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َواض ٍع و َفناء أما َم َسمدية ألوه ّيته‪ ،‬وجيدَ ُّ‬ ‫كل ت ُ‬
‫‪45‬‬ ‫��������� ����� �������‬
‫�� �‬
‫ٍ‬
‫وظيفة‬ ‫ِ‬
‫كربيائه جل وعال‪ ..‬فام أسامها من‬ ‫كام ٍل أمام َع ِ‬
‫ظمة‬ ‫عداد ِ‬
‫تامة وباستِ ٍ‬
‫بِو ُقوفِه بِعبودي ٍة ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ُ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫قت لقضاء َد ِ‬‫دمة! بل ما أح َّقه من و ٍ‬
‫صالة العرص هبذا املعنى! وما أليقها من ِخ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ت ُ‬
‫َأدية‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ظمه من َف ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫للسعا َدة يف منتهى اللذة! فمن كان إنسانا حقا َف َ‬
‫سيفه ُم هذا‪.‬‬ ‫وز َّ‬ ‫الفطرة‪ ،‬وما َأ ْع َ‬
‫يف‬ ‫اجلميلة لعامل الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫املخلوقات ال َّل ِط ِ‬
‫يفة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بوقت ُغ ِ‬
‫روب‬ ‫املغرب الذي ُيذك ُِّر‬ ‫ِ‬ ‫وعند و ِ‬
‫قت‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان القبر عند وفاتهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلزين عندَ ابتداء الشتاء‪ ،‬و ُيذكِّر بوقت ُد ِ‬
‫خول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واخلريف يف َوداعها‬
‫َ‬
‫ساكنيها َجي ًعا إىل‬ ‫قال ِ‬ ‫كراتا وانتِ ِ‬ ‫وبوفاة الدنيا ك ِّلها َبز َلز ِلة س ِ‬ ‫ِ‬ ‫أح َّبتِه‪،‬‬‫األليم جلميع ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفراقه‬‫ِ‬
‫َ‬
‫قوي‬ ‫ٍ‬ ‫دار االمتِ ِ‬ ‫مصباح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قت إيقاظ ٍّ‬ ‫حان هذه‪ ،‬فهو َو ُ‬ ‫بانطفاء‬ ‫أخرى‪ ،‬و ُيذكِّر كذلك‬ ‫ـم َ‬ ‫َعوال َ‬
‫ِ‬
‫الزوال‪.‬‬ ‫َغر ُب ورا َء أ ُف ِق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عشق َ ِ‬ ‫ألولئك الذين َي ُ‬ ‫َ‬ ‫وإنذار َش ٍ‬
‫ٍ‬
‫ون لحدِّ العبادة املحبوبات التي ت ُ‬ ‫ديد‬
‫ِ‬
‫اجلامل‬ ‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫مل ُك روحا صافي ًة كاملرآة املج ُل َّوة املشتا َق ِة فِطر ًة إىل‬ ‫فاإلنسان الذي ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫لذا‬
‫َ‬
‫عرش َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أداء ص ِ‬ ‫الباقي‪ ،‬ألجل ِ‬ ‫ِ‬
‫ظمة َمن هو‬ ‫جهه إىل‬ ‫املغرب يف مثل هذا الوقت‪ُ ،‬ي َو ِّلي َو َ‬ ‫الة‬ ‫َ‬
‫باق ال يزال‪ ،‬ومن يدبر أمر هذه العوالِ ِ ِ ِ‬ ‫قديم مل يزل‪ ،‬ومن هو ٍ‬
‫دوي‬ ‫ـم اجلسيمة و ُيبدِّ ُلا‪ ،‬ف ُي ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ِّ ُ َ‬ ‫ٌ‬
‫طلقا يدَ ه منها‪َ ،‬مكتو ًفا يف‬ ‫ِ‬
‫وس هذه املخلوقات الفانية‪ ،‬م ِ‬‫ِ‬ ‫رؤ ِ‬ ‫فوق ُ‬ ‫بصوته قائال‪« :‬اهلل أكبر» َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫وعال‪..‬‬ ‫جل َ‬ ‫نتص ًبا قائام عند من هو دائم ٍ‬
‫باق َّ‬ ‫احلق م ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫خدمة موال ُه ِّ ُ‬
‫واق ًفا‬ ‫مثيل له‪ِ ،‬‬ ‫َقص فيه‪ ،‬وأما َم مجالِه الذي ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪« :‬الحمد هلل» أما َم كامله الذي ال ن َ‬
‫الواس ِ‬
‫عة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫أما َمه ُمثنِ ًيا عىل رمحتِه‬
‫بود ّيتَه واستِعانتَه جتا َه ربوب ّي ِة‬ ‫عر َض ُع ِ‬ ‫فيقول‪  ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ ل َي ِ‬ ‫ُ‬
‫زير هلا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ني هلا وجتا َه ألوهيتِه التي ال َش َ‬
‫مواله التي ال ُم ِع َ‬
‫يك هلا‪ ،‬وجتا َه َسلطنته التي ال َو َ‬
‫كربيائه سبحانَه التي ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات مجيعا أما َم‬ ‫قره مع‬ ‫وض ِ‬
‫عفه و َف ِ‬ ‫ِ‬
‫لعجزه َ‬ ‫إظهارا‬ ‫كع‬
‫ً‬ ‫َفي ُ‬
‫العظيم‬
‫َ‬ ‫جز فيها‪ُ ،‬مس ِّبحا ر َّبه‬ ‫درتِه التي ال حدَّ هلا‪ ،‬وأما َم ِع ّزتِه التي ال َع َ‬
‫منتهى هلا‪ ،‬وأما َم ُق َ‬
‫زول‪ ،‬وأما َم‬ ‫مجال ذاتِه الذي ال َي ُ‬ ‫السجود أمام ِ‬ ‫ِ‬ ‫قائال‪« :‬سبحان ربي العظيم»‪ ..‬ثم َي ِوي إىل‬
‫بوديتَه‬ ‫وع ِ‬‫علنًا بذلك ُح َّبه ُ‬ ‫كامل رسمديتِه الذي ال يتبدَّ ُل‪ ،‬م ِ‬ ‫املقدسة التي ال تتَغي‪ ،‬وأمام ِ‬‫ِ‬ ‫صفاتِه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫وفناء و ُذ ٍّل‪ ،‬تاركا ما ِسواه سبحانه قائال‪« :‬سبحان ربي األعلى» واجدا مجيال باق ًيا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إعجاب‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫التقصري‪..‬‬ ‫رب َأ من‬ ‫ِ‬ ‫فان؛ َفيقدِّ ُس ر َّبه األعىل َّ‬ ‫كل ٍ‬
‫حيم رس َمد ًيا بدال من ِّ‬
‫املنـز َه عن الزوال امل ّ‬ ‫ور ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات َهدي ًة‬ ‫ِ‬
‫الطيبات جلميع‬ ‫املباركات والص ِ‬
‫لوات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التحيات‬ ‫َّشهد‪ ،‬ف ُيقدِّ ُم‬
‫َّ‬ ‫وجيلس للت ُّ‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪46‬‬
‫اجلليل الذي ال يزال‪ ..‬جمددا َبيعتَه مع َرسولِه‬ ‫ِ‬ ‫اجلميل الذي مل يزل وإىل ذلك‬ ‫ِ‬ ‫باسمه إىل ذلك‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫احلكيم لقرص‬ ‫ألوامره‪ ..‬فريى االنتظا َم‬ ‫ِ‬ ‫األكر ِم بالسالم عليه ُمظهرا هبا طاعتَه‬
‫َ‬
‫ُبو ِة‬ ‫شهدُ عىل ن َّ‬ ‫شهدُ ه عىل َوحدانية الصانع ذي اجلالل‪ ،‬ف ُيجدِّ ُد إيامنَه و ُي ِّنو ُره‪ ،‬ثم َي َ‬
‫ِ ِ‬ ‫هذا‪ ،‬و ُي ِ‬
‫يب ﷺ‪.‬‬ ‫آيات ِ‬ ‫ان ِ‬ ‫َرج ِ‬ ‫رض ِ‬ ‫د ّل ِل الربوبية ومب ِّل ِغ م ِ‬
‫كتاب الكون الكبري أال وهو حممدٌ العر ُّ‬ ‫ياتا وت ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫املضمون‪ -‬وما‬ ‫ِ‬ ‫مهمة ‪-‬هبذا‬ ‫ٍ‬ ‫صالة املغرب! وما أج َّلها من‬ ‫ِ‬ ‫أنـزه أدا َء‬ ‫ألطف وما َ‬ ‫َ‬ ‫فام‬
‫أصيلة!‬ ‫قيقة ِ‬‫بود ٍية‪ ،‬وما أعظمها من ح ٍ‬ ‫وألذها من ُع ِ‬ ‫أجملها َّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أعزها وأحالها من َوظيفة‪ ،‬وما َ‬ ‫َّ‬
‫وهكذا نَرى كيف أهنا صحب ٌة كريم ٌة وجلس ٌة مبارك ٌة وسعاد ٌة خالد ٌة يف مثل هذه الـضيافةِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫نفسه إنسانًا؟!‬ ‫هم هذا َ‬ ‫أفيحسب َمن مل ي َف ْ‬ ‫َ‬ ‫الفانية‪..‬‬
‫الباق ُية من ِ‬
‫آثار‬ ‫البقية ِ‬ ‫ُ‬ ‫األفق حتى َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫تغيب يف‬ ‫الوقت الذي‬ ‫ِ‬ ‫شاء ذلك‬ ‫الع ِ‬ ‫قت ِ‬ ‫وعند و ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫والنهار»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الليل فيه عىل العامل‪ ،‬ف ُي َذك ُِّر بالترصفات الربانية لـ« ُمق ِّل ِ‬ ‫النهار‪ ،‬و ُيخ ِّي ُم ُ‬ ‫ِ‬
‫السـوداء؛ و ُيذكِّر‬ ‫ِ‬ ‫وهو القدير ذو اجلالل يف َقلبِه تلك الصحيف َة البيضاء إىل هذه الص ِح ِ‬
‫ـيفة‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫احلكيم ذو الكامل يف َقلبِه‬ ‫مر» وهو‬ ‫الشمس وال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫سخ ِر‬ ‫ِ‬
‫كـذلك باإلجراءات اإللـهية لـ« ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫البار ِ‬ ‫البيضاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المز َّين َة‬
‫للشتاء؛ و ُيذك ُِّر كذلك‬ ‫دة‬ ‫الصحيفة‬ ‫للصيف إىل‬ ‫الصحيف َة اخلرضا َء َ‬
‫الباقية ‪-‬بمرور الزمن‪ -‬ألهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلثار‬ ‫بانقطا ِع‬ ‫واحلياة» ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوت‬ ‫ِ‬
‫لـ«خالق‬ ‫بالشؤون اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫عالٍ َ‬
‫آخ َر‪.‬‬ ‫وانتقالم ك ّل ًيا إىل َ‬ ‫ِ‬ ‫القبور من هذه الدنيا‬ ‫ِ‬

‫موات»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫األرض َّ‬ ‫لـ«خالق‬ ‫اجلاملية‬ ‫وبالتجليات‬ ‫اجلاللية‪،‬‬ ‫بالترصفات‬ ‫قت ُيذك ُِّر‬‫وهو َو ٌ‬
‫ِ‬
‫احلقرية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفانية‬ ‫الـض ِ‬
‫يقة‬ ‫بموت الدنيا َّ‬ ‫ِ‬ ‫اخلالد ال َع ِ‬
‫ظيم‬ ‫ِ‬ ‫يح‬ ‫الفس ِ‬‫اآلخرة الواس ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫انكشاف عامل‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫احلقيقي هلذا الكون‬ ‫َ‬
‫املالك‬ ‫أن‬ ‫الة‪ -‬تُثبِ ُت َّ‬ ‫اهلائلة‪ ..‬إهنا فرت ٌة ‪-‬أو َح ٌ‬ ‫ِ‬ ‫بسكراهتا‬ ‫و َد ِ‬
‫َّ‬ ‫مارها دمارا تاما َ‬
‫ب َ‬
‫الليل‬ ‫يكون ّإل َمن َيست ُ‬
‫َطيع أن ُيق ِّل َ‬ ‫َ‬ ‫احلقيقي فيه ال يمكن أن‬
‫َّ‬ ‫واملحبوب‬
‫َ‬ ‫احلقيقي‬
‫َّ‬ ‫واملعبو َد‬
‫ُب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هولة ت ِ‬‫بسهولة كس ِ‬
‫ٍ‬ ‫والنهار ِّ‬
‫الكتاب‪ ،‬ف َيكت ُ‬ ‫فحات‬ ‫َقليب َص‬ ‫ُ‬ ‫والصيف والدنيا واآلخر َة‬
‫َ‬ ‫والشتا َء‬ ‫َ‬
‫جل َجال ُله‪.‬‬ ‫كمه عىل اجلميع ّ‬ ‫ُ‬
‫النافذ ُح ُ‬ ‫ِ‬
‫املطلق‬ ‫شأن ال َق ِ‬
‫دير‬ ‫محو و ُيبدِّ ل‪ ،‬وليس هذا ّإل َ‬ ‫و ُيثبِ ُت و َي ُ‬
‫واحلاجة‪ ،‬والتي هي يف ح ٍ‬
‫رية‬ ‫ِ‬ ‫غاية ِ‬
‫الفقر‬ ‫جز ويف ِ‬ ‫نتهى ال َع ِ‬
‫َ‬ ‫فروح البرش التي هي يف ُم َ‬
‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫أدائه لص ِ‬
‫الة‬ ‫اإلنسان عند ِ‬
‫َ‬ ‫ُـخف ِيه األيام والليايل‪ ..‬تَد َف ُع‬
‫املستقبل ويف وجل مما ت ِ‬
‫ِ‬ ‫من ظلامت‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫إبراهيم عليه السالم‪:‬‬ ‫العشاء ‪-‬هبذا املضمون‪ -‬أن ال يرتدد يف أن يردد عىل ِغرار ِ‬
‫سيدنا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ َّ َ‬
‫‪47‬‬ ‫��������� ����� �������‬
‫�� �‬

‫لتج َئ بالصالة إىل باب َمن هو املعبو ُد الذي مل يزل‬ ‫﴿ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (األنعام‪ ،)76 :‬ف َي ِ‬
‫ِ‬
‫الفانية‪ ،‬ويف‬ ‫الرسمدي يف هذه الدنيا‬ ‫الباقي‬ ‫ناج ًيا ذلك‬‫املحبوب الذي ال يزال‪ ،‬م ِ‬ ‫و َمن هو‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫النور‬ ‫ِ‬ ‫املظلمة واملسـت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا العامل الفانِـي‪ ،‬ويف هذه‬
‫نش عىل أرجاء ُدنياه َ‬ ‫َقبل املظلم‪ ،‬ل َي ُ‬ ‫احلياة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫والفراق‬ ‫ِ‬
‫الزوال‬ ‫ضمد ِج َ‬
‫راح‬ ‫من خالل ُصحبة خاطفة و ُمناجاة َمؤ ّقتة‪ ،‬ول ُي ِّنو َر ُمستَقب َله و ُي ِّ‬
‫دة تَوج ِه ر ِ‬‫وأحباب‪ ،‬بمشاه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عام يـحبه من أشياء وموج ٍ‬
‫محة‬ ‫ُّ َ‬ ‫ٍ ُ َ‬ ‫أشخاص وأصدقا َء‬ ‫ودات ومن‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ُ ُّ‬
‫نور هدايتِه‪.‬‬‫لب ِ‬ ‫الرمحن الرحيم‪ ،‬و َط ِ‬
‫العشاء‪ ،‬فيسكُب َع ِ‬
‫ربات‬ ‫ِ‬ ‫نسى ‪-‬بدوره‪ -‬تلك الدنيا التي ن َِس َيتْه‪ ،‬والتي ْ‬
‫اخت َف ْت ورا َء‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ف َي َ‬
‫ِ‬
‫الدخول‬ ‫النهائ ّي ِة َ‬
‫قبل‬ ‫ِ‬ ‫بوظيفة عبوديتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‪ ،‬ليقو َم‬ ‫باب تلك‬‫دره‪ ،‬عىل َعت َِبة ِ‬ ‫قلبِه‪ ،‬ولوع َة َص ِ‬
‫فت‬ ‫بيه باملوت‪ ،‬ول َيختِ َم َد َ‬ ‫فعل به بعدَ ه‪ ،‬من نَو ٍم َش ٍ‬‫ف ما ُي ُ‬ ‫عر ُ‬‫العاق ِبة‪ ،‬وال َي ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جمهول‬ ‫فيام هو‬
‫ِ‬
‫اخلامتة‪.‬‬ ‫بح ِ‬
‫سن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أعامله ال َيومية ُ‬
‫املحبوب‬ ‫ِ‬
‫باملثول أمام َمن هو املعبو ُد‬ ‫ف‬
‫ترش ُ‬ ‫ِ‬ ‫وألجل ذلك ك ِّله‬
‫ُ‬ ‫الصالة‪ ،‬ف َي َّ‬ ‫يقوم بأداء َّ‬‫ُ‬
‫الكريم بدال من مجيع‬ ‫القدير‬ ‫ب قائام أمام َمن هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الباقي بدال من املحبوبات الفانية‪ ،‬و َينتص ُ‬
‫ينج َو من‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫العجزة الذين يتسو ُل لدهيم‪ ،‬ولِيسمو باملثول يف ح ِ‬ ‫ِ‬
‫حيم ل ُ‬ ‫الر ُ‬‫احلفيظ َّ‬ ‫رضة َمن هو‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬
‫الـض ِ‬
‫ارة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات َّ‬ ‫رتعدُ منهم من‬ ‫رش من ي ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرحيم الذي هو‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫لرب العاملني‬‫باملدح والثناء ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بالفاحتة‪ ،‬أي‬ ‫ف َيست َِه ُّل َّ‬
‫الصال َة‬
‫وغ ِري ج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ديرة باملدح‬ ‫دح خملوقات ال طائ َل ورا َءها َ َ‬ ‫املطلق‪ ،‬بدال من َم ِ‬ ‫ُ‬ ‫والغني‬
‫ُّ‬ ‫املطلق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكامل‬
‫المن َِّة واأل َذى‪.‬‬ ‫حتت ُذ ِّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاقص ٌة ِ‬ ‫وهي ن ِ‬
‫وفقري ٌة وبدال من البقاء َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الض ِ‬
‫الكريم يف هذا الكون‪ ،‬وإىل َمقا ِم املو َّظف املرموق فيه َر َ‬
‫غم أنه‬ ‫ِ‬ ‫يف‬ ‫فري َقى إىل مقا ِم َّ‬
‫مرتبة خطاب ﴿‪  ‬ﭢ ﭣ ﴾ ِ‬
‫أي‬ ‫ِ‬ ‫موه إىل‬ ‫ٌ‬
‫بس ِّ‬‫عدوم‪ ،‬وذلك ُ‬
‫ٌ‬ ‫غيـر بل هو َم‬ ‫وص ٌ‬‫ضئيل َ‬
‫ولسلطان األزل واألبد‪ ،‬ف ُيقدِّ ُم بقوله‪  ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬‫انتسابِه ملالك يوم الدِّ ِ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫ِ‬
‫األعظم جلميع‬ ‫ِ‬
‫اجلامعة الكربى واملجتم ِع‬ ‫ِ‬
‫واستعانات‬ ‫ِ‬
‫بادات‬ ‫ﭥ﴾ ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوص ُل إىل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األبدية َعرب‬ ‫السعادة‬ ‫الم َّنو ُر‬
‫طريقه ُ‬ ‫ِ‬
‫املستقيم الذي هو‬ ‫اط‬ ‫طال ًبا اهلداي َة إىل الصِّ‬
‫املستقبل بقوله‪﴿ :‬ﭧﭨ ﭩ ﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظلامت‬
‫الشموس املستَرت َة ‪-‬التي هي‬ ‫ِ‬
‫كربيائه ُسبحانَه وتعاىل ويتأ َّم ُل يف أن هذه‬ ‫و َيتفك َُّر يف‬
‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪48‬‬

‫مس ّخر ٌة ِ‬
‫ألمره َج َّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالنباتات واحليوانات النائمة اآلن‪ -‬وهذه النُّجو َم املنتَبه َة‪ُ ،‬جنو ٌد مطيع ٌة َ‬
‫واحد منها ِ‬
‫خاد ٌم‬ ‫ٍ‬ ‫صباح يف دار ِضيافتِه هذه‪َّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫واحد منها ما هو إال ِم‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫وعال‪ ،‬وأن َّ‬
‫ٌ‬
‫الركوع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عامل‪ ..‬ف ُيك ِّب ُـر قائال‪« :‬اهلل أكبر» ل َيب ُل َغ‬
‫َ‬
‫سنة‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات يف ِّ‬ ‫أنواع‬ ‫أن‬ ‫املخلوقات كيف َّ‬ ‫ِ‬ ‫بالسجدة الكربى جلميع‬ ‫ِ‬ ‫ثم َيتأ ّم ُل‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسها وحتى العامل َ‬ ‫األرض َ‬ ‫َ‬ ‫الليل‪ -‬بل حتى‬ ‫النائمة يف هذا‬ ‫‪-‬كاملخلوقات‬ ‫ويف كل َعرص‬
‫املخلوقات من َوظيفتِها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ك َّله‪ ،‬إنام هو كاجليش املن َّظ ِم‪ ،‬بل كاجلند ِّي املطيعِ‪ ،‬وعندما ت َّ‬
‫ُسر ُح‬
‫ِ‬
‫نتهى النِّظا ِم‬ ‫َسجدُ يف ُم َ‬ ‫الغيب ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُرسل إىل عامل‬ ‫الدُّ نيوية بأمر‪ ﴿ :‬ﯠﯡ ﴾ أي عندما ت َ‬
‫ُحش ُـر كذلك يف الربيع‬ ‫الغروب ُمك ِّبرةً‪« :‬اهلل أكبر»‪ ،‬وهي تُب َع ُث وت َ‬ ‫ِ‬ ‫الزوال عىل س ِ‬
‫جادة‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫اجلميع‬ ‫ب‬ ‫أمر ﴿ ﯠﯡ ﴾ َف َ‬ ‫ادر من ِ‬ ‫ٍ‬
‫وإيقاظ َص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثلها‪ ،‬بص ِ‬ ‫بنفسها أو بِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يتأ ّه ُ‬ ‫إحياء‬ ‫يحة‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‪،‬‬ ‫عيف اقتدا ًء بتلك‬ ‫الـض ُ‬ ‫اإلنسان َّ‬ ‫ُ‬ ‫احلق‪ ..‬فهذا‬ ‫موالهم ِّ‬ ‫وخشو ٍع ألمر‬ ‫يف ُخضو ٍع ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حيم ذي اجلامل قائال‪« :‬اهلل أكبر» يف‬ ‫والر ِ‬ ‫السجود أمام ديوان الرمحن ذي الكامل َّ‬ ‫َي ِوي إىل ُّ‬
‫بالبقاء ويف ُذ ٍّل مك َّل ٍل ِ‬
‫بالع ِّز‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫باإلعجاب ويف َفنائي ٍة مفع ٍ‬
‫مة‬ ‫ِ‬ ‫ب ٍ‬
‫غامر‬
‫ُ‬ ‫ّ ُ َ‬ ‫ُح ٍّ‬
‫املعراج‪،‬‬ ‫وصعو ٌد فيام ُيشبِه‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫مت َّ‬ ‫شك يا أخي أنَّك قد ِ‬ ‫فال َّ‬
‫َ‬ ‫أن أدا َء صالة العشاء ُس ُم ٌّو ُ‬ ‫فه َ‬
‫وألذها‬ ‫أعزها َّ‬ ‫دمة! وما َّ‬ ‫واجب! وما أسامها من ِخ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وظيفة! وما أحالها من‬ ‫ٍ‬ ‫أجملها من‬
‫ْ‬ ‫وما َ‬
‫أص ٍ‬
‫يلة!‬ ‫ٍ‬
‫حقيقة ِ‬ ‫بود ّي ٍة! وما أل َي َقها من‬ ‫من ُع ِ‬
‫ٍ‬
‫إلجراءات‬ ‫وأمارات‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‪،‬‬ ‫زمني‬ ‫النق ٍ‬ ‫إشارات ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫إن َّ‬ ‫أي َّ‬
‫ٌ‬ ‫الب ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫األوقات‬ ‫وقت من هذه‬ ‫ْ‬
‫الفرض ‪-‬التي هي‬ ‫ِ‬ ‫كلية‪ ..‬لذا فإن ختصيص ص ِ‬
‫الة‬ ‫إهلية ٍ‬
‫ْعامات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وعالمات إلن‬
‫ٌ‬ ‫ربانية ج ٍ‬
‫سيمة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫كمة‪.‬‬ ‫األوقات هو منتهى احلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفطرة‪ -‬يف تلك‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫َد ُ‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬
‫َ َ ْ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ َ ْ ْ‬
‫أر َسلتَ ُه ُم َع ِلما ِل ِعبَا ِدك‪ِ ،‬لُ َع ِل َم ُهم كي ِف َّية َمع ِرفتك‬ ‫الل ص ِل وس ِلم عل من‬
‫َ َ َ َ ًآ‬ ‫رجانا ليَات كتَ‬‫آ‬ ‫ك‪َ ،‬وتَ ُ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫كنُ‬‫ُ‬ ‫َ ْ ُ ُ َّ َ َ‬
‫ك‪َ ،‬و ُم َع ّ‬
‫اب كئِناتِك‪ ،‬و ِمر�ة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬ ‫ا‬‫م‬ ‫أس‬ ‫وز‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫ِ ِ‬‫فا‬‫ر‬ ‫والعبو ِدية ل‬
‫ْ‬ ‫َْ َ َ ْ ََْ َ َ‬
‫ارحم ال ُم ْؤمن َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫آ‬ ‫ُ َّ َ َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ُ ُ َّ‬
‫ني‬ ‫ِِ‬ ‫ال ُربوبِي ِتك‪ ،‬وعل � ِ ِل وصح ِب ِه أج ِعني؛ وارحنا و ِ‬ ‫بِعبو ِدي ِت ِه ِلم ِ‬
‫اح َ‬ ‫أر َح َم َّ‬
‫ك يَا ْ‬ ‫آ َ َ َْ َ‬ ‫َ ُْْ َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫الر ِ ِ‬ ‫ات‪ِ � ..‬مني بِرح ِت‬ ‫والمؤ ِمن ِ‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا ��� ا ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� لع� ���ر�‬
‫�ش‬‫ح� ث� ا �ل‬
‫ح���ر‬ ‫�م ب�����‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ورة ِح‬
‫والتمثيل بص ِ‬ ‫إن سبب ِ‬
‫الرسائل هو‬ ‫كايات يف هذه‬ ‫َ ُ‬ ‫إيرادي التشبي َه‬ ‫تنبيه‪َ َ َّ :‬‬
‫احلقائق اإلسالم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫وإظهار مدَ ى معقول َّي ِة‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ناحية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األذهان من‬ ‫تقريب املعاين إىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فمغزى احلكايات إنام هو الحقائ ُق‬ ‫َ‬ ‫ومدَ ى تَناسبِها ورصانتها من ناحية َ‬
‫أخرى‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حكايات خيالي ًة وإنام‬ ‫تدل عليها كناي ًة؛ فهي إذن ليست‬ ‫التي تنت َِهي إليها‪ ،‬والتي ُّ‬
‫قة‪.‬‬ ‫قائق ِ‬
‫صاد ٌ‬ ‫َح ُ‬

‫�﷽‬

‫﴿ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم‪.)50:‬‬

‫فهم عا ّم ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫وبعض شؤون اآلخرة عىل وجه ُيالئم َ‬ ‫ِ‬ ‫أمر احلرش‬‫إيضاح ِ‬ ‫َ‬ ‫مت‬ ‫يا أخي! إِ ْن ُر َ‬
‫ِ‬
‫القصرية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلكاية‬ ‫َمع معي إىل هذه‬ ‫الناس‪ ،‬فاست ْ‬
‫أن‬‫يان َّ‬‫اجلامل كاجلن َِّة ‪-‬التشبيه هنا للدنيا‪ -‬وإذا هبام ير ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رائعة‬ ‫ٍ‬
‫مملكة‬ ‫ِ‬
‫اثنان معا إىل‬ ‫ب‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫ذه َ‬‫َ‬
‫ُ‬
‫فاألموال‬ ‫تمون بحراستِها‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أبواب ُبيوتم وحوانيتهم وحمالتم مفتوح ًة ال َي ُّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أه َلها قد تركوا‬
‫رس ُق‬ ‫نفسه‪َ -‬ي ِ‬ ‫األيدي دون ْ ِ‬ ‫والنُّقود يف متَناو ِل ِ‬
‫لت له ُ‬ ‫سو ْ‬
‫أن َيميها أحدٌ ؛ بدأ أحدُ مها ‪-‬بام َّ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫بالون به ً‬ ‫والسفاه ِة‪ ،‬واألَه ُل َ‬
‫ون ال ُي َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الظلم‬ ‫ِ‬
‫مرتك ًبا كل أنوا ِع‬ ‫آخر‬
‫ب حينا َ‬
‫غص ِ‬
‫ُ‬
‫ِحينًا وي ِ‬
‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪50‬‬
‫ومصائب‪،‬‬
‫َ‬ ‫َنال عقا َبك‪ ،‬وستُلقيني يف باليا‬ ‫تفعل؟ إنك ست ُ‬
‫«و ْي َك ماذا ُ‬ ‫ُ‬
‫صديقه‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫فقال له‬
‫ِ‬
‫وأطفالم‪ُ -‬جنو َد‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بعوائلهم‬ ‫وهؤالء األَه ُلون قد أصبحوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدولة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أموال‬ ‫ُ‬
‫األموال‬ ‫فهذه‬
‫الوظائف بِبِ َّز ِت ُم املدن ّي ِة‪ ،‬ولذلك مل ُيبالوا بك‬
‫ِ‬ ‫الدولة أو ُمو َّظ ِفيها‪ ،‬و ُيستَخدَ مون يف هذه‬
‫ِ‬
‫أرس ْع يا‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪ِ ..‬‬ ‫قباؤه وهوات ُفه يف كل‬‫ور ُ‬ ‫ِ‬ ‫صارم‪ ،‬ف ُع ُ‬ ‫كثريا‪ ،‬اعلم َّ‬
‫يون السلطان ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أن النظا َم هنا‬
‫التوسل»‪..‬‬ ‫باالعتذار ِ‬
‫وباد ْر إىل‬ ‫ِ‬ ‫صاحبي‬‫ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الدولة‪،‬‬ ‫َ‬
‫أموال‬ ‫ليست‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫األموال‬ ‫ولكن صاح َبه األبل َه عاندَ قائال‪َ « :‬دعنِي يا صاحبي‪ ،‬فهذه‬ ‫َّ‬
‫ف فيها كام يشا ُء‪ ،‬فال َأرى‬ ‫َرص َ‬ ‫ٍ‬ ‫َطيع ُّ‬ ‫أموال ُم ٌ‬‫ٌ‬
‫كل واحد أن يت َّ‬ ‫شاعة‪ ،‬ال مالك هلا‪ ..‬يست ُ‬ ‫بل هي‬
‫ِ‬
‫املنثورة أمامي؛ واع َلم أنِّ ال‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة‬ ‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫فادة منها‪ ،‬أو االنتِفا ِع هبذه‬
‫ما يمنَعني من االستِ ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫فسطة‪.‬‬
‫الس َ‬ ‫َفو ُه بام هو من ِ‬
‫قبيل َّ‬ ‫يتفلسف ويت َّ‬
‫ُ‬ ‫ُأصدِّ ُق بام ال ترا ُه َع َ‬
‫يناي»‪َ ،‬وبدَ أ‬
‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫لطان؟‬ ‫الس ُ‬ ‫سأل املغ َّف ُل‪« :‬وما ُّ‬ ‫وار يشتدُّ إذ َ‬ ‫وأخذ احل ُ‬ ‫شة اجلا َّد ُة بينهام‪،‬‬ ‫بدأت املنا َق ُ‬ ‫وهنا‬
‫مختار‪ ،‬وال إبر َة بال‬ ‫ٍ‬ ‫َعلم أنه ال قري َة بال‬ ‫شك ت ُ‬ ‫أعر ُفه»‪َ ،‬فر َّد عليه صاح ُبه‪« :‬إنَّك بال ٍّ‬ ‫فأنا ال ِ‬
‫القول‪ :‬إنه ال حاكِ َم وال ُس َ‬
‫لطان‬ ‫ُ‬ ‫يسو ُغ لك‬ ‫فكيف ُ‬ ‫َ‬ ‫ب؛‬ ‫ف بال كاتِ ٍ‬ ‫مالك‪ ،‬وال َح ْر َ‬ ‫صانِ ٍع وبال ٍ‬
‫والثروات‬
‫ُ‬ ‫لة‬ ‫ِ‬
‫الطائ ُ‬ ‫ُ‬
‫األموال‬ ‫تكون هذه‬‫ُ‬ ‫قة؟ وكيف‬ ‫مة المنس ِ‬ ‫عة المن َت َظ ِ‬ ‫المملكة الرائِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لهذه‬
‫َّ‬
‫كل‬ ‫يب َّ‬‫ينة يأيت من ال َغ ِ‬ ‫الثم ِ‬
‫باألرزاق ِ‬‫ِ‬ ‫طارا مشحونًا‬ ‫مالك‪ ،‬حتى َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الن َِّفيس ُة ِ‬
‫الثم ُ‬
‫كأن ق ً‬ ‫ينة بال‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ٍ‬
‫السلطان وب َياناته‪،‬‬ ‫ذهب! َأو ال َترى يف أرجاء هذه اململكة إعالنات ُّ‬ ‫فر ُغ هنا ثم َي ُ‬ ‫ساعة و ُي َ‬
‫ِ‬
‫األموال ك ِّلها‪،‬‬ ‫وس َّكتَه و ُط َّرتَه عىل‬‫وختمه اخلاص ِ‬ ‫كل ُر ٍ‬ ‫ف يف ِّ‬ ‫وأعال َمه التي ت َُر ْف ِر ُ‬
‫فكيف‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫كن‪َ َ ،‬‬ ‫ْ‬
‫اإلفرنج‪ ،‬ولكنك ال‬ ‫ِ‬ ‫مت شيئا من ِ‬
‫لغة‬ ‫أنك تع َّل َ‬ ‫دون مالك؟‪َ ..‬يبدُ و َ‬ ‫ِ‬
‫اململكة َ‬ ‫مثل هذه‬ ‫تكون ُ‬ ‫ُ‬
‫فتعال‬‫َ‬ ‫ويفهمها‪،‬‬ ‫قرؤها‬
‫تسأل َم ْن َي ُ‬ ‫أن َ‬ ‫َرغب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تستطيع قراء َة هذه الكتابات اإلسالمية وال ت ُ‬ ‫ُ‬
‫رة ِمن الس ِ‬ ‫الصاد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لطان»‪..‬‬ ‫َ ُّ‬ ‫واألوامر‬ ‫البالغات‬ ‫أهم تلك‬ ‫إذن ألقر َأ لك َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقاط َعه ذلك املعاندُ قائال‪« :‬لنُس ِّلم بوجود السلطان‪ ،‬ولكن ماذا يمكن أن َي ُض َّره و َي ُنق َ‬
‫ص‬
‫ـجن أو ما ُيشبِ ُهه!»‪.‬‬‫وزه لنفيس منها؟ ثم إين ال َأرى هنـا عقا ًبا من ِس ٍ‬‫أح ُ‬ ‫ِ‬
‫من َخزائنه ما ُ‬

‫احلقائق‪ ،‬والسفسطائية فِرق ٌة ي ِ‬


‫نكرون‬ ‫ِ‬ ‫قصد به متوي ُه‬ ‫ُ‬ ‫طة‪ :‬االستِ ُ‬
‫فس ُ‬
‫ُ‬ ‫الباطل‪ ،‬أو الذي ُي َ‬ ‫والقياس‬
‫ُ‬ ‫دالل‬ ‫الس َ‬‫(‪َّ )1‬‬
‫ِ‬
‫احلسيات والبدهييات وغريها‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الربيع يشبه شاحن َة ٍ‬
‫قطار مملوءة باألغذية ويأيت من عامل الغيب‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل فصول السنة ُ‬
‫حيث‬
‫ُ‬
‫‪51‬‬ ‫��‬‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫����‬ ‫�� �‬
‫حان واختِ ٍ‬
‫بار‪،‬‬ ‫ميدان امتِ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أجا َبه صاح ُبه‪« :‬يا هذا! إن هذه اململك َة التي نَراه َا ما هي ّ‬
‫إل‬
‫البد ِ‬
‫يعة‪ ،‬و َم ِض ٌ‬ ‫السلطان ِ‬
‫ِ‬ ‫رة‪ ،‬وهي َم ِ‬ ‫َدريب ومناو ٍ‬
‫يف ُمؤ َّق ٌت جدا‪..‬‬ ‫عر ُض صنائ ِع‬ ‫ٍ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫وساحة ت‬
‫العام ِ‬
‫رة‪ ،‬إهنا‬ ‫اململكة ِ‬
‫ِ‬ ‫شأن هذه‬‫وتغيب؟ فهذا هو ُ‬ ‫أخرى‬ ‫ُ‬ ‫أال ترى أن قافِل ًة تأيت ي ِ‬
‫ُ‬ ‫وترحل َ‬ ‫وميا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الناس‬ ‫ٍ‬
‫دائمة‪ ،‬و ُين َق ُل إليها‬ ‫وف تُفر ُغ هنائيا وتُبدَّ ُل بأخرى ٍ‬
‫باقية‬ ‫ُخل باستِ ٍ‬ ‫أل وت َ‬ ‫تُم ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وس َ َ‬ ‫مرار‪َ ،‬‬
‫كل حسب ِ‬
‫عمله»‪.‬‬ ‫ب ٌّ َ َ‬ ‫فيثاب أو ُيعا َق ُ‬
‫ُ‬ ‫مجي ًعا‬
‫أؤمن وال ُأصدِّ ُق! فهل يمكن أن‬ ‫ُ‬ ‫احلائر قائال‪« :‬أنا ال‬
‫ُ‬ ‫اخلائن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صديقه‬ ‫تمر َد‬
‫أخرى َّ‬ ‫ومر ًة َ‬
‫أخرى؟»‪ ،‬وعندَ ها َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫صديقه‬ ‫قال له‬ ‫ويرحل عنها أه ُلها إىل مملكة َ‬ ‫َ‬ ‫العامرةُ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اململكة‬ ‫تُبا َد هذه‬
‫عش َة‬ ‫فتعال ُأب ِّي ْن لك «اثن ْ‬
‫َتي ْ‬ ‫َ‬ ‫مت تُعانِدُ هكذا وت ُِص ُّر‪،‬‬
‫األمني‪« :‬يا صاحبي ما ُد َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الناص ُح‬
‫ودارا‬
‫ربى حقا‪ً ،‬‬ ‫َ‬
‫هناك حمكم ًة ك َ‬ ‫حتص‪ ،‬تُؤ ِّكدُ لك َّ‬
‫أن‬ ‫دالئل ال تعدُّ وال َ‬‫َ‬ ‫ُصورةً» من بني‬
‫اململكة من ِ‬
‫أهلها يو ًما‬ ‫ُ‬ ‫ُفر ُغ هذه‬ ‫والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫للثواب واإلح ِ‬‫ِ‬
‫جن‪ ،‬وأنه كام ت َ‬ ‫للعقاب َّ‬ ‫وأخرى‬
‫َ‬ ‫سان‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ُفر ُغ فيه منهم هنائيا وتُبا ُد كل ًّيا»‪.‬‬
‫بعدَ يو ٍم‪ ،‬فسيأيت يو ٌم ت َ‬

‫الصورة األوىل‬
‫يعني‬
‫للمط َ‬‫ِ‬ ‫ثواب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يكون فيها ٌ‬ ‫ظمى‪ ،‬أن ال‬‫لسلطنة‪ ،‬والس َّيام كهذه السلطنة ال ُع َ‬
‫أم َن املمكن َ‬
‫كم املعدو ِم يف هذه ِ‬
‫الدار‪َ ،‬فالبدَّ إذن‬ ‫والثواب يف ُح ِ‬ ‫العقاب‬ ‫للعاصني؟‪ ..‬وملا َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬ ‫قاب‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وال ع ٌ‬
‫ربى يف ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خرى‪.‬‬ ‫دار ُأ َ‬ ‫من محكمة ك َ‬

‫الصورة الثانية‬
‫ِ‬ ‫واإلجراءات يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رغدً ا حتى عىل‬ ‫الرزق َ‬ ‫ُ‬ ‫وز ُع‬‫اململكة‪ ،‬كيف ُي َّ‬ ‫هذه‬ ‫األحداث‬ ‫سري‬‫تأ َّم ْل َ‬
‫دائ ٌ‬ ‫أن الرعاي َة تام ٌة واملواسا َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املرض الذين‬ ‫مة جلميع َ‬ ‫وأفقره‪ ،‬وكيف َّ ِّ َ‬ ‫كائن فيها‬ ‫أضعف‬
‫عة واملالبِس‬ ‫مة املرص ِ‬ ‫واألوس ِ‬
‫ِ‬ ‫رة واألواين اجل ِ‬
‫ميلة‬ ‫الفاخ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األطعمة‬ ‫عيل هلم؛ وان ُظر إىل‬ ‫ال ُم َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واجباتم‬ ‫الجميع ُي ِتق َ‬
‫نون‬ ‫ُ‬ ‫مكان‪ ..‬وانظر!‬‫ٍ‬ ‫مبثوثة يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العامر ُة‬ ‫َشة‪ ..‬فاملوائدُ‬ ‫املزرك ِ‬
‫ٍ‬ ‫َجاوز أحدٌ حدَّ ه َقيدَ ُأنم ٍ‬ ‫ِ‬
‫شخص‬ ‫فأعظم‬
‫ُ‬ ‫لة‪،‬‬ ‫ْ ُ‬ ‫أنت وأمثا َلك من ال ُبلهاء‪ ،‬فال يت ُ‬ ‫إل َ‬ ‫ووظائ َفهم ّ‬
‫يبة والر ِ‬
‫هبة‪..‬‬ ‫جالل اهل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظ ِّل‬ ‫حتت ِ‬‫الطاع ِة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ب بك ُِّل تواضعٍ‪ ،‬ويف ِ‬
‫غاية‬ ‫واج ٍ‬ ‫نيط به من ِ‬ ‫ُيؤ ِّدي ما ُأ َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫شاخمة‪ ،‬وذو‬ ‫عز ٍة‬ ‫واسعة‪ ،‬وذو َّ‬ ‫رمحة ِ‬
‫ظيم‪ ،‬وذو ٍ‬ ‫ِ‬
‫السلطنة و َمليكُها ذو كر ٍم َع ٍ‬ ‫إذن فمالِ ُك هذه‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪52‬‬
‫ب إنعا ًما‪ ،‬والرمح َة ال‬ ‫أن الكرم يست ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َوج ُ‬ ‫َغ َرية جليلة ظاهرة‪ ،‬وذو َشف َسا ٍم‪ ،‬ومن املعلو ِم َّ َ َ‬
‫ني‪،‬‬ ‫َدعي تأديب املست ِ‬
‫َخ ِّف َ‬ ‫والرشف السامي يست ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫إحسان‪ ،‬والعز َة تَقتَيض ال َغريةَ‪،‬‬ ‫تكون َ‬
‫دون‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫الرشف؛‬ ‫الرمحة وال بذلك‬ ‫ِ‬ ‫ليق بتلك‬ ‫اململكة جزء واحدٌ من ٍ‬
‫ألف مما َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫تحقق يف هذه‬
‫بينام ال َي ُ‬
‫ٌ‬
‫ؤج ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ويرحل املظلوم يف ُذ ِّله ُ ِ‬
‫ُ‬ ‫وجربوتِه‬ ‫ِ‬ ‫َفي ُ‬
‫لة إىل‬ ‫وخنوعه‪ ..‬فالقض َّي ُة إذن ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫حل الظامل يف عزته َ‬
‫ربى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حمكمة ك َ‬

‫الصورة الثالثة‬
‫كمة فائ َق ٍة وبانتِظا ٍم بديع‪ ،‬وتأ ّمل كيف ُين َظ ُر إىل‬ ‫بح ٍ‬
‫األعامل هنا ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُنج ُز‬
‫كيف ت َ‬ ‫َ‬ ‫ان ُظر‪،‬‬
‫احلكومة وفِطنتَها‬
‫ِ‬ ‫أن حكم َة‬ ‫ٍ‬
‫صائب‪ ..‬ومن املعلوم َّ‬ ‫ٍ‬
‫وميزان‬ ‫دالة ح َّق ٍة‬
‫بمنظار َع ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعامالت‬
‫ِ‬ ‫ب ِرعا َي َة‬ ‫اللطف بالذين حيت َ ِ‬
‫حقوق‬ ‫َكريم ُهم‪ ،‬والعدال َة املحض َة تتط َّل ُ‬
‫امها وت َ‬ ‫َمون بح َ‬ ‫َ‬ ‫تستدعي‬
‫ضئ ٌيل من ت ِ‬
‫َنفيذ‬ ‫إل جزء ِ‬ ‫غري أنه ال يبدُ و هنا ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُصان َه ُ‬ ‫ِ‬
‫الرعية‪ ،‬لت َ‬
‫ٌ‬ ‫وعظمة الدولة‪َ ..‬‬ ‫احلكومة‬ ‫يبة‬
‫ون هذه اململك َة دون أن‬ ‫الغافلني ي ِ‬
‫غاد ُر َ‬ ‫احلكمة‪ ،‬وبتلك الع ِ‬
‫دالة؛ فأمثا ُلك من‬ ‫ِ‬ ‫يليق بتلك‬ ‫ما ُ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ؤجل ٌة بال ٍ‬ ‫ُ‬
‫ريب إىل حمكمة ُك َ‬
‫ربى‪.‬‬ ‫فالقضية إذن ُم ّ‬ ‫َي َرى أغل ُبهم عقا ًبا‪..‬‬

‫الصورة الرابعة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النادرة املعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألطعمة‬ ‫املعارض‪،‬‬ ‫وضة يف هذه‬ ‫ُ‬ ‫اجلواهر‬ ‫حيص من‬‫ان ُظر إىل ما ال ُيعدُّ وال َ‬
‫حمدود‪،‬‬‫ٍ‬ ‫غري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المز َّي ِنة هبا املوائدُ ‪ ،‬مما ُي ِرب ُز لنا َّ‬ ‫َِ‬ ‫الفريدَ ِة‬
‫أن لسلطان هذه اململكة َسخا ًء َ‬ ‫اللذيذة ُ‬
‫ِ‬
‫اخلزائن التي ال تَن َفدُ ‪،‬‬ ‫الدائم‪ُ ،‬‬
‫ومثل هذه‬ ‫ِ‬ ‫مثل هذا الس ِ‬
‫خاء‬ ‫ولكن ُ‬ ‫ب‪..‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َنض ُ‬ ‫وخزائن مآلى ال ت ُ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫دار ضيافة خالدة أبد َّية‪ ،‬فيها ما تَشتَهيه األن ُف ُس؛ و َيقتضيان كذلك ُخلو َد‬ ‫حتم َ‬ ‫يتَط َّلبان ً‬
‫ُ‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫والزوال؛ إذ كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫املتن ِّع ِمني‬
‫فزوال‬ ‫زوال األمل لذ ٌة‬ ‫الفـراق‬ ‫ين فيها‪ ،‬لئال َيذو ُقوا َ‬
‫ألم‬ ‫املتـلذذ َ‬
‫أص ِغ جيدا‬ ‫ِ‬ ‫اللذة أمل ٌ كذلك‪ ..‬فانظر إىل هـذه املعارض‪ ،‬ود ِّق ِق‬ ‫ِ‬
‫النظر يف تلك اإلعالنــات‪َ ،‬و ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املعجزات‪-‬‬ ‫ِ‬
‫السـلطان ‪-‬ذي‬ ‫ِ‬
‫صنوعـات‬ ‫ب َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنادين الدعـاة الذين ُيشكِّلون َعجائ َ‬ ‫َ‬ ‫إىل هؤالء‬
‫نظري له‪ ،‬و َيذكُرون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫علنون عنها‪ ،‬و ُي ِ‬ ‫وي ِ‬
‫ظهرون كامله‪ ،‬و ُيفص ُحون عن مجاله املعنو ِّي الذي ال َ‬ ‫ُ‬
‫لطائف ُحسنِه املستَتِ ِ‬
‫ـر‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪53‬‬ ‫��‬
‫����‬ ‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫�� �‬
‫َّ‬
‫والشك‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاب؛‬ ‫زاهر‪ ،‬ي ِ‬
‫بعثان عىل‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫كامل ِ‬ ‫السلطان إذن ٌ‬ ‫ِ‬
‫معنوي ٌ َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ومجال‬ ‫باه ٌر‪،‬‬ ‫فلهذا‬
‫املعجبِ َ‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫األشهاد من‬ ‫ِ‬
‫رؤوس‬ ‫نقص فيه َيقت َِض إعالنَه عىل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َت الذي ال َ‬ ‫الكامل املست َ‬ ‫أن‬
‫نظري‬
‫اخلفي الذي ال َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اجلامل‬ ‫ين لقيمتِه؛ أ ّما‬
‫المقدِّ ِر َ‬ ‫ِ‬
‫أنظار ُ‬ ‫ب إعالنَه أما َم‬ ‫نني‪ ،‬ويتَط َّل ُ‬‫َحس َ‬ ‫املست ِ‬
‫جه ِ‬ ‫ِ‬ ‫له‪ ،‬ف َي ِ‬
‫ني‪:‬‬ ‫واإلظهار‪ ،‬أي‪ُ :‬رؤي َة مجاله َبو َ‬
‫َ‬ ‫الرؤي َة‬
‫ستلزم ُّ‬
‫اجلامل من املرايا املخت ِ‬
‫َ‬ ‫كل ما ي ِ‬
‫َلفة‪.‬‬ ‫عك ُس هذا‬ ‫أحدُ مها‪ :‬رؤيتُه بذاته جما َله يف ِّ َ‬
‫َ‬
‫اجلامل‬ ‫واملعجبِني املستحسنِني له‪ ،‬وهذا يعني َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املشتاقني‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫ثانيهام‪ :‬رؤيتُه بنظر املشاهد َ‬
‫يتطلب حتام ُخلو َد‬ ‫دي‪ ..‬وهذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اخلالدَ يستدعي ُرؤي ًة‬
‫ُ‬ ‫شاهدة دائمة‪ ،‬وشهود أ َب ٍّ‬ ‫وظهورا‪ ،‬مع ُم َ‬ ‫ً‬
‫باملشتاق ِ‬
‫الزائ ِل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يرض‬
‫اجلامل اخلالدَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫اجلامل‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫رين لذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المقدِّ َ‬ ‫املشاهدين املشتاقني ُ‬
‫مح َّبتَه عدا ًء‪ ،‬وإعجا َبه استِخفا ًفا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الزوال َ‬ ‫َصو ُر‬ ‫ِ‬
‫بالزوال ُيبدِّ ُل ت ُّ‬ ‫شاهدَ المحكو َم عليه‬ ‫وألن الم ِ‬
‫َّ ُ‬
‫ِ‬ ‫يقص ُر عنه‪ ..‬ومل َّا كان‬ ‫اإلنسان عدو ملا ُ ِ‬
‫ور‬ ‫اجلميع يغادرون َد َ‬
‫ُ‬ ‫جيهل ول َا ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫وتوقيره إهان ًة‪ ،‬إذ‬
‫َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الضيافة هذه برسعة و َيغي ُبون عنها بال ارتواء من نور ذلك اجلامل والكامل‪ ،‬بل قد ال َير َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫دائم َخ ٍ‬
‫شه ٍد ٍ‬ ‫حلة إذن م ِ‬
‫نطل ٌ‬ ‫فالر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ِ‬
‫الد‪.‬‬ ‫قة إىل َم َ‬ ‫ُ‬ ‫ب ملحات َسيعة‪ِّ ..‬‬ ‫إل ظالال خافت ًة منه َع ْ َ‬

‫الصورة اخلامسة‬
‫ضم هذه‬ ‫ِ‬ ‫َظري له رأف ًة عظيم ًة تت َّ‬ ‫ِ‬ ‫كيف َّ‬
‫َجل يف خ ِّ‬ ‫أن هلذا السلطان الذي ال ن َ‬ ‫َ‬ ‫تأ َّمل‪..‬‬
‫َجري‪ ،‬وإذا ما رأى‬ ‫للداعي املست ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويستجيب‬ ‫َ‬
‫املستغيث‪،‬‬ ‫امللهوف‬
‫َ‬ ‫غيث‬ ‫ِ‬
‫واألمور‪ ،‬إذ ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫األحداث‬
‫ُ‬
‫رس ُل دوا ًء أو‬ ‫قة‪ ،‬حتى إنه ي ِ‬ ‫وش َف ٍ‬‫رأفة َ‬ ‫قضيها بكل ٍ‬ ‫فرد من رعاياه فإنه ي ِ‬ ‫ألبسط ٍ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حاجة‬ ‫أدنَى‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َعجة من الن ِ‬
‫ِّعاج‪.‬‬ ‫إلسعاف قدَ ِم ن ٍ‬‫ِ‬ ‫ُي ِّي ُئ َبيطارا‬
‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫غفريا من‬ ‫حيث ت َُض ُّم مج ًعا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلزيرة‪،‬‬ ‫ب معا إىل تلك‬
‫ً‬ ‫َذه َ‬‫ه َّيا بنا يا صاحبي لن َ‬
‫ِ‬
‫للسلطان ُمتق ِّلدٌ‬ ‫كريم‬ ‫اململكة جمتَم ُعون فيها‪ ..‬انظر‪ ..‬فها هو ذا َمب ُع ٌ‬
‫وث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرشاف‬ ‫ميع‬
‫ٌ‬ ‫فج ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مة وأعالها َي َ ِ‬ ‫األوس ِ‬
‫ِ‬
‫ومجيع الذين‬ ‫ُ‬ ‫أمورا‪،‬‬ ‫الرؤوف ً‬ ‫ب فيها من َمليكه َّ‬ ‫رت ُل ُخطب ًة يط ُل ُ‬ ‫أعظم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫م َعه ُيوافقونَه و ُيصدِّ قونَه و َيط ُلبون ما َيط ُل ُبه‪.‬‬
‫َ‬
‫أسبغ‬ ‫ويقول‪ :‬يا من‬ ‫ُ‬ ‫َضر ٍع‬ ‫دعو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يقول حبيب ِ‬ ‫نص ْت ملا ُ‬ ‫َأ ِ‬
‫جم وت ُّ‬ ‫بأدب ٍّ‬ ‫العظيم‪ ،‬إنَّه َي ُ‬ ‫امللك‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وظالل‪ُ ..‬خ ْذ‬ ‫صول ما َأ َريتَه لنا من َ‬
‫نامذج‬ ‫عمه ظاهر ًة وباطن ًة‪ ،‬يا ُسلطانَنا‪َ ،‬أ ِرنا َم َ‬
‫نابع و ُأ َ‬ ‫علينا ن َ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪54‬‬
‫ضورك‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ديوان ُح ِ‬ ‫بالضيا ِع يف هذه ال َف ِ‬
‫الة‪ ..‬اق َب ْلن َا وار َف ْعن َا إىل‬ ‫مقر سلطنتِك وال ُت ِلكْنا َّ‬‫بنا إىل ِّ‬
‫رد َ‬
‫عنك‪ ..‬فهاهم‬ ‫ُعذبنا بأمل التَّنائي وال َّط ِ‬ ‫لذائذ ما أ َذقتَنا إياه هنا‪ ،‬وال ت ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫ارمحنا‪ِ ..‬‬
‫أطعمن َا‬
‫ني‪ ،‬وال تُفنِ ِهم‬ ‫ضائع َ‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫رتك ُْهم ِ‬
‫تائه َ‬ ‫ِ‬
‫ُأوالء َرع َّيتُك املشتا ُقون الشاكرون املطيعون لك‪ ،‬ال َت ُ‬
‫ِ‬
‫بموت ال َرجع َة بعدَ ه‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫در ِة‬‫الق َ‬‫كل هذه ُ‬ ‫ملك َّ‬ ‫املمكن ملن َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫يقول؟ تُرى هل ِمن‬ ‫عت يا صاحبي ما ُ‬ ‫هل َس ِم َ‬
‫َجيب‬ ‫الكريم ما َ‬ ‫عط َي مبعو َثه‬ ‫الشاملة‪ ،‬أن ال ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفائقة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ب به‪ ،‬وال يست َ‬ ‫يرغ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الرأفة‬ ‫وكل هذه‬
‫فرد من‬ ‫ألصغر ٍ‬‫ِ‬ ‫بكل اهتِما ٍم أدنَى ر ٍ‬
‫غبة‬ ‫قض ِّ‬ ‫املقاصد؟ وهو الذي ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغايات وأن َب ِل‬ ‫ألسمى‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتقيق لرغبات اجلميع و َمقاصدهم‪ ،‬وهو من‬ ‫ِ‬ ‫المبعوث الكريم ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أن ما يط ُل ُبه هذا‬ ‫رعايا ُه؟ مع َّ‬
‫رضه‬ ‫بأصعب مما َع َ‬ ‫فليس هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يسري عليه وه ِّي ٌن‪َ ،‬‬ ‫ورمحته ومرضاته‪ ..‬ثم إنَّه ٌ‬ ‫مقتضيات َعدالته َ‬
‫باهظ ًة وأنشأ هذه‬ ‫نفقات ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أنفق‬
‫ومعارضها‪ ..‬فام دا َم قد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اململكة‬ ‫ِ‬
‫متنـزهات هذه‬ ‫نامذج يف‬‫من َ‬
‫احلقيق ّي ِة‬
‫عر ُض يف مقر سلطنتِه من خزائنِه ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫نامذجه َع ْر ًَضا مؤ َّقتًا‪ ،‬فالبدَّ أنه س َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعرض‬ ‫اململك َة‬
‫حان هذه ليسوا‬ ‫دار االمتِ ِ‬ ‫قول‪ ..‬إذن فهؤالء الذين هم يف ِ‬ ‫وعجائبه ما ُي ِبه ُر ال ُع َ‬ ‫ِ‬ ‫ومن كامالتِه‬
‫ياهب الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جون‬ ‫قصور السعا َدة الرس َمد ّية اخلالدة‪ ،‬أو َغ ُ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫تنتظرهم‬ ‫ُ‬ ‫وليسوا ُسدً ى‪ ،‬بل‬ ‫عب ًثا‪ُ ،‬‬
‫يبة‪.‬‬ ‫الره ِ‬‫األبدي ِة ِ‬
‫ّ‬

‫الصورة السادسة‬
‫ِ‬
‫املشحونة‪ ،‬وإىل هذه‬ ‫ِ‬
‫الطائرات‬ ‫الض ِ‬
‫خمة‪ ،‬وإىل هذه‬ ‫ِ‬
‫القاطرات َّ‬ ‫تعال‪ ،‬وان ُظر إىل هذه‬ ‫َ‬
‫وس ِري‬ ‫ِ‬ ‫ض األني َق ِة ّ ِ‬ ‫ِ‬
‫املعار ِ‬ ‫اهلائلة اململو َء ِة‪ ،‬وإىل هذه‬
‫ِ‬ ‫املخاز ِن‬
‫ِ‬
‫اجلذا َبة‪ ..‬وتأ ّمل يف اإلجراءات َ‬
‫فم ُثل هذه‬‫ستار؛ ِ‬
‫ٍ‬ ‫أن هناك سلطن ًة عظيم ًة حقا(‪ )1‬حتكُم من ِ‬
‫وراء‬ ‫ِ‬
‫األمور‪ ..‬إهنا مجيعا تُب ِّين َّ‬
‫ُ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫جرد‬ ‫َحو ُل إىل ما ُيشبِه غاب َة أشواك‪ُ ،‬‬
‫بم َّ‬ ‫اهلائل يف ميدان املناورات أو مبارشة احلرب‪ ،‬يت ّ‬ ‫اجليش َ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬فكام َّ‬
‫أن‬
‫وعر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َحو ُل‬ ‫ِ‬
‫عسكري‬
‫ٍّ‬ ‫ض‬ ‫املعسكر ُبر ّمته يف كل عيد ْ‬ ‫ُ‬ ‫راب»‪ ،‬وكام يت ّ‬
‫السالح‪َ ،‬ركِّبوا احل َ‬
‫َ‬ ‫أمر‪ُ :‬‬
‫«خذوا‬ ‫تَس ُّلمه َ‬
‫ِ‬
‫أمر‪« :‬امح ُلوا شاراتكم‪ ،‬تَق ّلدُ وا أوسمتَكم»‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل ما ُيشبِه حديق ًة مجيل ًة َ‬
‫بمجرد تس ُّلمه َ‬ ‫ّ‬ ‫ملونة‬‫أزهار ّ‬ ‫ذات‬
‫املالئك َة‬‫ِ‬ ‫أن‬‫غري متناه ّي ٍة هلل سبحانَه ‪-‬كام َّ‬ ‫الشعور والتي هي نوع من ج ٍ‬
‫نود ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذات‬‫النباتات غري ِ‬ ‫كذلك‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ُ‬
‫جهادها حلفظِ‬ ‫ِ‬ ‫أمر ﴿ ﯠ ﯡ ﴾ أثنا َء‬ ‫واحليوان ُجنو ُده‪ -‬فهي عندَ ما تَتس َّلم َ‬ ‫َ‬ ‫واإلنس‬
‫َ‬ ‫واجلن‬
‫َّ‬
‫ريات‬ ‫والش َج ُ‬ ‫األشجار ُّ‬ ‫ِ‬
‫ألجل الدّ فاعِ» ُت ِّي ُئ‬ ‫اإلهلي «خذوا أسلحتَكم وعتا َدكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة وتُؤ َم ُر باألمر‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫األبيض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالسالح‬ ‫املدج َج‬
‫َّ‬ ‫الضخم‬
‫َ‬ ‫املعسكر‬
‫َ‬ ‫األرض إىل ما ُيشبِه‬
‫ِ‬ ‫سطح‬
‫ُ‬ ‫ميح ِاتا‪ ،‬فيت ّ‬
‫َحو ُل‬ ‫املشوك َُة ُر َ‬
‫‪55‬‬ ‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫��‬
‫����‬ ‫�� �‬
‫يف‪،‬‬ ‫املض ِ‬
‫ُشاهدُ أهنم قد اجتَمعوا يف هذا ِ‬ ‫ون هبا‪ ،‬بينام ت ِ‬ ‫حتم رعايا َي ِل ُيق َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫السلطنة تقتيض ً‬
‫ميدان االمتِ ِ‬
‫حان‬ ‫ِ‬ ‫ضيف ُيو ِّدع يوميا ُصنو ًفا منهم و َيستقبِ ُل ُصنو ًفا؛ وهم قد حضـروا يف‬ ‫ُ‬ ‫والـم‬
‫َ‬
‫العظيم‪،‬‬ ‫ض‬ ‫ون قليال يف هذا ِ‬
‫املعر ِ‬ ‫كل ساعة‪ ،‬وهم َيلب ُث َ‬‫ٍ‬ ‫امليدان ُيبدَّ ُل َّ‬
‫َ‬ ‫غري أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫واالختبار هذا‪َ ،‬‬
‫نفسه‬ ‫أن ِ‬ ‫غري َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نامذج ِ‬ ‫ِ‬
‫املعر َض َ‬ ‫وعجائب َصنعته البدي َعة‪َ ،‬‬ ‫الثمينة‬ ‫آالء املليك‬ ‫تفرجون عىل‬ ‫َي َّ‬
‫ِ‬
‫فالراح ُل ال َي ِ‬ ‫ٍ‬
‫األمور ت ُِّبي بشكل قاط ٍع‬ ‫ُ‬ ‫رح ُل كذلك‪ ..‬فهذه‬ ‫رج ُع والقابِ ُل َي َ‬ ‫دقيقة‪،‬‬ ‫كل‬‫حو ُل َّ‬ ‫ُي َّ‬
‫املتحو ِلة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وورا َء هذه املعارض‬ ‫ِ‬
‫ين املتبدِّ لة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫املياد ِ‬ ‫املضيف الفاين‪ ،‬وورا َء هذه‬ ‫ِ‬ ‫أن ورا َء هذا‬ ‫َّ‬
‫وخزائن‬ ‫ِ‬
‫النامذ ِج‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بحقائق هذه‬ ‫وجنائن مملو َء ًة‬ ‫دائم ًة خالِدةً‪ ،‬ومساكن طيب ًة ِ‬
‫أبد ّي ًة‬ ‫قصورا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ً‬
‫ولا‪.‬‬‫مشحون ًة بأص ِ‬
‫ُ‬

‫ف‬‫القدير ُيك ِّل ُ‬ ‫فاملل ُك‬ ‫ٍ‬


‫جزاء‪ِ ،‬‬ ‫ألجل ما ُأ ِعدَّ هنالك من‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واألفعال هنا إذن ما هي ّ‬
‫إل‬ ‫ُ‬
‫فاألعامل‬
‫ُ‬
‫اده وما أقدم ِ‬
‫عليه من َخ ٍري‪.‬‬ ‫لون من السعاد ِة حسب استِعدَ ِ‬‫رد ٌ‬ ‫فلكل َف ٍ‬
‫وي ِازي هناك‪ِّ ،‬‬‫هنا ُ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬

‫الصورة السابعة‬
‫حولم من ٍ‬
‫أمور‪..‬‬ ‫جيري َ‬ ‫أحوالم‪ ،‬وما ِ‬ ‫َ‬ ‫قليل بني املدَ نيني من الناس لن ِ‬
‫ُالح َظ‬ ‫َ‬
‫تعال لنت ََّنز َه ً‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫الص َو َر‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ان ُظر‪ ،‬فها قد ن ُِص َب ْت يف ِّ‬
‫كل مكان ُكت ٌ‬
‫ّاب‬ ‫تصوير عديدَ ٌة تَلتق ُط ُّ‬ ‫آالت‬
‫زاوية ُ‬ ‫كل‬
‫ِ‬
‫األمور‪.‬‬ ‫َ‬
‫أهون‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‪ ،‬حتى‬ ‫يسجلون َّ‬ ‫كثريون ِّ‬
‫َ‬
‫السلطان‬ ‫ختص‬ ‫ٍ‬
‫تصوير َض ٌ‬ ‫ِ‬
‫الشاه ِق فقد نُص َبت عليه ُ‬ ‫ِ‬ ‫هيا ان ُظر إىل ذاك‬
‫خمة ُّ‬ ‫آلة‬ ‫اجلبل‬

‫ُظه ُر‬ ‫ِ‬


‫النباتات‪ ،‬فت ِ‬ ‫ِ‬
‫طوائف‬ ‫ٍ‬
‫لطائفة من‬ ‫مثابة ٍ‬
‫عيد‬ ‫وكل أسبوع‪ ،‬هو بِ ِ‬ ‫كل يوم من أيا ِم الربيع‪َّ ،‬‬ ‫وإن َّ‬‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مرصعة‪ ،‬فت ِ‬
‫َعر ُض‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫أنعم عليها من أوسمة ّ‬ ‫لطانا من هدايا مجيلة‪ ،‬وما َ‬ ‫كل طائفة منها ما َوه َبه هلا ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫العسكري‪ -‬أما َم ِ‬
‫َسم ُع أمرا‬
‫واإلشهاد للسلطان األزيل‪ ،‬كأهنا ت َ‬ ‫هود‬ ‫نظر ُّ‬ ‫ّ‬ ‫العر َض‬ ‫نفسها ‪-‬بام ُيشبِه ْ‬ ‫َ‬
‫والثامر‪ ...‬وفت ُِّحوا‬ ‫األزهار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وأوسمة الفطرة اإلهلية التي هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رصعات الصنعة الربانية‪ْ ،‬‬ ‫ر ّبانيا‪« :‬تقلدوا ُم ّ‬
‫هائل رائع‬ ‫ٍ‬
‫استعراض ٍ‬ ‫هبيج‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬
‫عظيم يف يو ِم عيد ٍ‬ ‫عسكر‬ ‫ِ‬
‫األرض كأنه ُم‬ ‫سطح‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ يعو ُد‬ ‫األزهار»؛‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زخ ُر باألوسمة الرباقة والشارات اللامعة‪.‬‬ ‫َي َ‬
‫القدر من التزيني البديع ُي ِري‬
‫ُ‬ ‫فهذا احلشدُ من التجهيز احلكيم وهذا املدى من ال َعتاد املن َّظم وهذا‬
‫ِ‬
‫كيم ال هناي َة حلكمته‪( ،‬املؤلف)‬
‫حاكم َح ٍ‬
‫ٍ‬ ‫وأمر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫سلطان َق ٍ‬ ‫ِ‬
‫منتهى لقدرته‪ُ ،‬‬ ‫دير ال َ‬ ‫أمر‬
‫برصه أنه ُ‬
‫ملن مل َيفقد َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪56‬‬
‫أوامره‬ ‫در‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اململكة؛ بمعنى َّ‬ ‫كل ما ِ‬ ‫صور ِّ‬ ‫نفسه(‪ )1‬ت ِ‬
‫َلتق ُط‬
‫َ‬ ‫أص َ‬ ‫السلطان ْ‬ ‫أن‬ ‫جيري يف هذه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السلطان املع َّظ َم‬
‫َ‬ ‫أن ذلك‬ ‫املعامالت يف مملكتِه‪ ..‬مما يعني َّ‬ ‫ِ‬ ‫وتدو ِ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمور ك ِّلها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َسجيل‬ ‫لت‬
‫ِ‬ ‫ويأمر بت ِ‬ ‫ِ‬
‫الدقيق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلفظ‬ ‫ُ‬
‫البالغ‪ ،‬وهذا‬ ‫َصو ِيرها‪ ..‬فهذا االهت ُ‬
‫امم‬ ‫ُ‬ ‫احلوادث مجي َعها‪،‬‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫َيستكت ُ‬
‫ِ‬ ‫فيظ ‪-‬ال ي ِم ُل أدنى معام ٍ‬ ‫حلاكم ح ٍ‬ ‫اس ٌبة بال ٍّ‬ ‫ِ‬
‫ألبسط‬ ‫لة‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ َ‬ ‫شك‪ ،‬إذ هل يمكن‬ ‫لألمور‪ ،‬ورا َءه ُم َ‬
‫لكبار رعايا ُه‪ ،‬وال ُياس َبهم وال ُي ِازهيم‬ ‫األعامل العظيم َة ِ‬
‫َ‬ ‫دون‬ ‫رعايا ُه‪ -‬أن ال َي َف َظ وال ُي ِّ‬
‫لكربيائه‪ ،‬وتأبا ُه‬ ‫ِ‬ ‫َعر ُض‬ ‫مون عىل أعامل تمس ِ‬
‫املل َك‬ ‫قد َ‬ ‫عىل ما صنعوا‪ ،‬مع أهنم ي ِ‬
‫العزيز‪ ،‬وتت َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ٍ‬ ‫وحيث إهنم ال ي َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤج ٌل إىل حمكمة ك َ‬
‫ربى‪.‬‬ ‫نالون عقا ًبا هنا‪ ،‬فال ُبدَّ أنه ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عة؟‪..‬‬ ‫الواس ُ‬ ‫َرحمتُه‬

‫الصورة الثامنة‬
‫لطان‪ ..‬ان ُظر‪ ،‬إنه يكرر وعدَ ه ِ‬
‫ووعيدَ ه‬ ‫تعال‪ ،‬ألتلو عليك هذه األوامر الصادر َة من الس ِ‬ ‫َ‬
‫ِّ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السجن‪،‬‬ ‫املطيعني منكم‪ ،‬وألَ ُز َّج َّن العصا َة يف‬
‫َ‬ ‫قائال‪ :‬آلتين بكم إىل مقر سلطنتِي‪ ،‬وألُ ِ‬
‫سع َّ‬
‫دن‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ ّ‬
‫جون ِ‬ ‫ِ‬
‫دائم ٌة‪..‬‬ ‫وس ٌ‬ ‫صور خالد ٌة ُ‬ ‫املكان املؤ َّق َت‪ ،‬وألُنش َئ َّن مملك ًة أخرى فيها ُق ٌ‬
‫َ‬ ‫رن ذلك‬ ‫وألُد ِّم َّ‬
‫إخالف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األمهية َلرعايا ُه؛ أما‬ ‫يذه‪ ،‬وهو ُ‬
‫بالغ‬ ‫وعد‪ ،‬هين عليه ت ِ‬
‫َنف ُ‬ ‫نفسه من ٍ‬ ‫أن ما قطعه عىل ِ‬ ‫علام َّ‬
‫ِّ ٌ‬ ‫َ‬
‫درتِه‪.‬‬ ‫ناف كليا َّ ِ‬
‫لعزته و ُق َ‬
‫الوعد فهو م ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬

‫نفسك‪ ،‬وال‬‫وخداع ِ‬ ‫عقلك‪ِ ،‬‬ ‫وهذيان ِ‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫أوهامك‪،‬‬ ‫أكاذيب‬ ‫ُ‬
‫الغافل‪ :‬إنك تصدِّ ُق‬ ‫فان ُظر أهيا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وعزتِه أصال‪ ،‬و َمن‬
‫املخالفة ب َغ َريتِه َّ‬
‫ُ‬ ‫َليق‬ ‫خمالفة الو ِ‬
‫عد قطعا‪ ،‬و َمن ال ت ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫تُصدِّ ُق َمن ال ُ‬
‫حيتاج إىل‬

‫ِ‬
‫التصوير‬ ‫ابعة»؛ ُ‬
‫فآلة‬ ‫«احلقيقة الس ِ‬‫ِ‬ ‫ُشيـر إليها هذه الصور ُة يف‬
‫َّ‬ ‫قسم من هذه املعاين التي ت ُ‬ ‫(‪ )1‬لقد ُو ِّض َح ٌ‬
‫ُ‬
‫«الكلمة‬ ‫ِ‬
‫اللوح املحفوظ‪ ،‬وإىل حقيقته‪ ،‬وقد أث َبتَت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ربى هنا ‪-‬التي ختص السلطان‪ -‬تُشري إىل‬ ‫الك َ‬
‫جوده بام يأيت‪:‬‬ ‫وت ُّق َق و ِ‬ ‫وظ َ‬ ‫اللوح املح ُف َ‬ ‫سة والعرشون»‬ ‫الساد ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وجود ِس ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫الشخصي َة الصغري َة تَر ُم ُز إىل‬‫ِ‬ ‫أن اهل ِ‬
‫والسندات الصغري َة‬ ‫جل كبري للهويات‪،‬‬ ‫ويات‬ ‫كام َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ورشحات قطرات َصغري ًة وغزير ًة تـدل عىل وجود منب ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُشعر ُبوجود س ٍّ‬ ‫ت ِ‬
‫أساس للسندات‪َ ،‬‬ ‫جل‬
‫امر؛ التي كل منها بم ِ‬
‫ثابة‬ ‫ذور ال ِّث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القوى احلافظ َة يف‬ ‫عظيم‪ ..‬كذلك ّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫األشجار‪ ،‬و ُب َ‬ ‫وأثامر‬
‫َ‬ ‫اإلنسان‪،‬‬ ‫فإن َ‬
‫حت من القلم‬ ‫ترش ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وبصورة ترشحات نقاط صغرية َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫هويات صغرية‪ ،‬وبمعنى «لوح حمفوظ صغري» ُ‬
‫والسجل األكرب‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ربى‪ِّ ،‬‬ ‫ُشعر بوجود احلافظة الك َ‬ ‫الكبري‪ ..‬البدَّ أن كال منها ت ُ‬ ‫َ‬ ‫املحفوظ‬ ‫اللوح‬
‫َ‬ ‫َب‬‫الذي كت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقول النافذة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واللوح املحفوظ األعظم‪ ،‬بل تُثبتُه وت ِ‬
‫ُرب ُزه إىل‬ ‫ِ‬
‫‪57‬‬ ‫��‬
‫����‬‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫�� �‬
‫العظيم بال شك‪ ،‬إذ إن َم َث َل َك يف هذا‬ ‫العقاب‬ ‫صدقه‪ ..‬إنك ت ِ‬
‫َستح ُّق‬ ‫ِ‬ ‫األمور كاف ًة عىل‬ ‫تَشهدُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫مس‪ ،‬وي َ ِ‬ ‫ِ‬
‫غم ُض عين َِيه عن ضوء َّ‬ ‫املسافر الذي ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ينري طري َقه‬
‫ستشدُ بخياله‪ ،‬و ُيريدُ أن َ‬ ‫الش ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َم َث ُل‬
‫ِ‬
‫الليل)‪.‬‬ ‫اعة ( ُذ ِ‬
‫باب‬ ‫ِ‬
‫كضياء الي ِ‬ ‫إل‬‫قله الذي ال ُي ِض ُء ّ‬ ‫صيص َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫املخيف ب َب‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫مقتضيات‬ ‫ألن وفا َءه ٌ‬
‫سهل عليه وه ِّي ٌن‪ ،‬وهو من‬ ‫وحيث إنه قد وعدَ ‪ ،‬فسيفي ِ‬
‫بوعده حتام‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫يشء‪ ..‬إذن َ‬‫ولكل ٍ‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫عظمى‪.‬‬
‫ربى وسعاد ٌة َ‬ ‫هناك حمكم ٌة ك َ‬ ‫وري جدا لنا‬
‫َسلطنته‪ ،‬وهو َض ٌ‬

‫الصورة التاسعة‬
‫ِّصال‬ ‫ُهم االت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لننظر إىل بعض رؤساء(‪ )1‬هذه‬
‫قسم منهم ُيمكن ُ‬ ‫الدوائر واجلامعات‪ٌ :‬‬ ‫َ‬ ‫تعال‪،‬‬
‫آخر وسما إىل ديوان ُق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫دسه‪..‬‬ ‫قسم َ ُ َ َ َ‬ ‫خاص‪ ،‬بل لقد ارت َقى ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫هباتف‬ ‫العظيم مبارشةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بالسلطان‬
‫خم رائعا ملكا َف ِأة‬ ‫السلطان قد أعدَّ مكانا َف ً‬ ‫َ‬ ‫يقول هؤالء؟ إهنم ُي ِبونَنا مجيعا َّ‬
‫أن‬ ‫تأ َّم ْل ماذا ُ‬
‫وعدُ وعيدا شديدا‪ ،‬وهو‬ ‫يئني؛ وأنه ي ِعدُ وعدا قويا وي ِ‬ ‫املحسنني‪ ،‬وآخر رهيبا ملعا َق ِبة ِ‬
‫املس َ‬ ‫َ‬
‫ًّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫لت‬ ‫وص ْ‬ ‫املخربين قد َ‬‫َ‬ ‫أخبار‬
‫َ‬ ‫َوعد؛ ِع ًلم أن‬ ‫أن َي ِذ َّل إىل إخالف ما وعدَ وت َّ‬ ‫وأعز من ْ‬ ‫ُّ‬ ‫أج ُّل‬ ‫َ‬
‫ّفاق واإلمجاعِ‪ ،‬فهم ُيب ِّلغونَنا مجي ًعا‪َّ :‬‬
‫بأن‬ ‫درجة االت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق َّو ِة إىل‬
‫التواتر‪ ،‬ومن ُ‬‫ِ‬ ‫الكثرة إىل حدِّ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫بعيدة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـحها هنا‪ ،‬إنام هو يف مملكة َ‬ ‫آثارها ومالم َ‬ ‫مقر هذه السلطنة العظيمة التي نرى َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قتية‪ ،‬وستُبدَّ ُل إىل قصور دائمة‪ ،‬فتُبدَّ ُل هذه‬ ‫نايات َو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأن العامرات يف ميدان االمتحان هذا بِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ف َعظمتُها من ِ‬ ‫ِ‬
‫آثارها‪ -‬ال‬ ‫ُعر ُ‬‫ألن هذه السلطن َة اجلليل َة اخلالد َة ‪-‬التي ت َ‬ ‫األرض بغريها‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫َامل‬ ‫الزائلة التي ال بقا َء هلا وال دوا َم وال ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫َقتص َهيمنتُها عىل مثل هذه‬ ‫ِ‬
‫يمكن أن ت َ‬ ‫ُ‬
‫يمو َمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يليق هبا وبع َظمتها من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قرار وال قيم َة وال َ‬ ‫ِ‬
‫أمور َتتَّس ُم بالدَّ ُ‬ ‫ثبات‪ ،‬بل تَستق ُّر عىل ما ُ‬ ‫وال َ‬
‫والكامل والع ِ‬
‫املقر‪.‬‬
‫الرحيل إىل ذلك ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫أخرى‪ ..‬والبدَّ أن‬ ‫دار َ‬ ‫ظمة‪ ..‬فإذن َ‬
‫هناك ٌ‬ ‫ِ َ‬

‫إن رؤساء الدوائر يف هذا ِ‬


‫املثال‬ ‫َ‬ ‫الثام ِنة» فمثال‪َّ :‬‬
‫«احلقيقة ِ‬
‫ِ‬
‫املعاين التي تُثبِتُها هذه الصور ُة ست َ‬
‫َظهر يف‬ ‫َ‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫إن‬
‫ومظهر‬ ‫الو ِ‬
‫حي‬ ‫ِ‬ ‫سبة ربانِي ٌة ممتد ٌة من‬
‫اهلاتف فهو نِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫القلب الذي هو مرآ ُة َ‬ ‫ُ‬ ‫واألولياء‪ ،‬أما‬ ‫األنبياء‬ ‫ترمز إىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسمعته‪( ..‬املؤلف)‬ ‫اإلهلا ِم وبمثابة بِدَ اية ذلك اهلاتف ّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪58‬‬

‫الصورة العارشة‬
‫رب ُز‬ ‫ملكي عظيم‪ )1(،‬ستَحدُ ث تبدُّ ٌ‬ ‫تعال يا صاحبي‪ ..‬فاليوم يوم ٍ‬
‫وست ُ‬
‫ات َ‬ ‫وتغي ٌ‬ ‫الت ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫عيد‬ ‫ُ ُ‬
‫البهيج من أيا ِم الربي ِع إىل تلك ال َفالةِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ب م ًعا للنـزهة‪ ،‬يف هذا اليو ِم‬ ‫َذه ْ‬ ‫عجيبة‪ ،‬ف ْلن َ‬
‫ٌ‬ ‫أمور‬
‫ٌ‬
‫متوج َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمر‬ ‫هون إىل هنا‪ ..‬انظر‪ ..‬هاهنا ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫الناس‬‫ُ‬ ‫هاه ُم‬ ‫باألزهار اجلميلة‪ ..‬ان ُظر‪ُ ..‬‬ ‫الـمزدانَة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العامرات‬
‫ُ‬ ‫آخر! حقا إنَّه يش ٌء ُمعج ٌز! إذ‬ ‫تنهار وتتَّخ ُذ شكال َ‬ ‫امرات ك ُّلها ُ‬ ‫جيب‪ ،‬فالع ُ‬ ‫غريب َع ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫اخلالية إىل َمدينة عامرة! انظر‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫لبت هذه ال َفال ُة‬ ‫فورا‪ ،‬وان َق ْ‬ ‫اهنارت قد ُأعيدَ ُ‬
‫بناؤها هنا ً‬ ‫ْ‬ ‫التي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُريك َّ‬
‫السينَام‪-‬‬ ‫السابق ‪-‬كشاشة ِّ‬ ‫شكلها‬ ‫كل ساعة َمشهدً ا جديدا و َتتَّخ ُذ شكال َ‬
‫غيـر‬ ‫إهنا ت َ‬
‫ِ‬
‫املشاهدُ‬ ‫َلط فيها‬ ‫الشاشة التي ختت ُ‬ ‫ِ‬ ‫األمر بد ّق ٍة لرتى َر ْوع َة هذا النِّظا ِم املت َق ِن يف هذه‬ ‫ِ‬
‫الحظ‬
‫َ‬
‫غاية الدِّ ِ‬
‫قة‬ ‫يشء مكانَه احلقيقي يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يـأخذ ُّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫حقيق ّي ٌة‬ ‫شاهدُ ِ‬ ‫برسعة فهي م ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َثرة وتَت َغ ّي ُـر‬ ‫بك ٍ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫واإلتقان‪ ،‬بل ال‬‫ِ‬ ‫وع ِة‬ ‫ِ‬
‫تبلغ هذا احلدَّ من االنتظا ِم َّ‬
‫والر َ‬ ‫اخليالية ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالنسجا ِم‪ ،‬حتى الـم ِ‬
‫شاهدُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫العظيم‬ ‫األعامل البديع ِة‪ ..‬إذن فللس ِ‬
‫لطان‬ ‫ِ‬ ‫البارعني القيا َم بمثل هذه‬ ‫َ‬ ‫ماليني السح ِ‬
‫رة‬ ‫ستطيع‬ ‫َي‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫اخلار ِ‬
‫قة‪.‬‬ ‫األمور ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكثري من‬ ‫ُور عنا اليش ُء‬ ‫املست ِ‬
‫ُ‬
‫ديد‬‫العظيمة وتُعمر من ج ٍ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اململكة‬ ‫كيف ِ‬
‫يمك ُن أن تُد َّم َر هذه‬ ‫تقول‪َ :‬‬ ‫فيا أهيا املغ َّف ُل‪ ..‬إنك ُ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫آخ َر؟!‬ ‫ٍ‬
‫مكان َ‬ ‫يف‬
‫ُ‬
‫الرسعة‬ ‫ٍ‬
‫مذهلة‪ ،‬فهذه‬ ‫كثرية وتَبدُّ ٍ‬
‫الت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تقلبات‬ ‫فها هو َذا أما َمك ما ال َيقب ُله عق ُلك من‬
‫قصد‪،‬‬‫واالفت ِاق‪ ،‬وهذا التبدُّ ُل والت َغري‪ ،‬وهذا البناء واهلدم‪ ..‬ك ُّلها تُنبِئ عن م ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يف االجتِام ِع‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صرف ألجل اجتام ٍع يف ساعة واحدة ما ُين َف ُق لعرش سنوات! فهذه‬ ‫ٍ‬ ‫وت ِ‬
‫َنطوي عىل غاية‪ ،‬إذ ُي َ‬
‫َامذ ُج للعرض هنا؛ فالسلطان ُينهي‬ ‫األوضاع إذن ليست مقصود ًة لذاهتا‪ ،‬بل هي أمثل ٌة ون ِ‬
‫ُ‬
‫سج ُل و ُيح َف ُظ‬ ‫ِ‬ ‫أعام َله عىل و ِ‬
‫ُسج َل كام ُي َّ‬ ‫صورها‪ ،‬وتُح َف َظ ُ‬
‫نتائجها وت َّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلعجاز‪ ،‬كي ت َ‬
‫ُؤخذ‬ ‫جه‬ ‫َ‬
‫َجري يف االجتامع األكرب‬ ‫واملعامالت إذن ست ِ‬
‫ُ‬ ‫فاألمور‬ ‫ِ‬
‫املناورات العسكرية؛‬ ‫كل ما يف ميدان‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬

‫فيوم العيد مثال إشار ٌة إىل فصل الربيع‪ ،‬أما الفال ُة‬ ‫(‪َ )1‬سرتى ما تر ُمز إليه هذه الصورة يف «احلقيقة التاسعة»‪ُ ،‬‬
‫املناظر واملشاهدُ املتغيِّ ة يف الشاشة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املزدانة باألزهار فإشار ٌة إىل سطح األرض يف موسـم الربيع‪ ،‬أما‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اخلـاصـة باحليـوان واإلنسـان التـي‬ ‫والصيف من األرزاق‬
‫ُ‬ ‫الربـيـع‬ ‫ـخرجه‬ ‫أنـواع ما ُي‬ ‫فاملقصو ُد منها‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫برمحة‬ ‫ويدِّ ُدها‬‫والفاطر احلكيم ذو اجلامل‪ ،‬والتـي ُيغيِّ ُ ها بانتِظام كامل ُ‬ ‫الصانع القد ُير ذو اجلالل‬ ‫ُيقدِّ ُرها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الصيف‪( ،‬املؤلف)‬ ‫تا ّمة منه ُسبحانَه‪ ،‬و ُيرسلها يف فرتات ُمتعاقبة ُمتَتالية ابتدا ًء من َّأول الربي ِع إىل انتهاء َّ‬
‫‪59‬‬ ‫��‬‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫����‬ ‫�� �‬
‫املشهد األعظم‬ ‫األمور عرضا مستمرا يف‬ ‫ُعر ُض تلك‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وتَستم ُّر وفق ما كانت هنا‪ ،‬وست َ‬
‫األوضاع الزائل َة تُنتِ ُج ثامرا باقية وتو ِّلد صورا خالدة هناك‪..‬‬
‫َ‬ ‫إن هذه‬ ‫ض األكرب؛ أي َّ‬ ‫واملعر ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وغايات‬ ‫ظمى‪ ،‬و َمـحكمة ُك َ‬
‫ربى‪،‬‬ ‫فاملقصو ُد من هذه االحتفاالت إذن هو بلو ُغ سعادة ُع َ‬
‫ٍ‬
‫ستورة عنَّا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سامية َم‬

‫الصورة احلادية ْ َ‬
‫عش َة‬
‫ِ‬
‫الغرب‬ ‫الش ِق أو إىل‬ ‫ب إىل َّ‬ ‫ِ‬
‫َذه َ‬
‫َب طائر ًة أو قطارا‪ ،‬لن َ‬ ‫المعاندُ ‪ ..‬لنَرك َ‬
‫الصديق ُ‬
‫ُ‬ ‫تعال أهيا‬
‫معجزات متنو ٍ‬
‫عة يف سائر‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫السلطان من‬ ‫ِ‬
‫لنشاهدَ ما أظهره‬ ‫‪-‬أي إىل ِ‬
‫املاض أو إىل املستق َبل‪-‬‬
‫ِّ‬
‫َامذج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األماكن؛ فام رأينا ُه هنا يف ِ‬
‫املعر ِ‬
‫األمور العجيبة له ن ُ‬ ‫القرص‪ ،‬من‬ ‫امليدان‪ ،‬أو يف‬ ‫ض‪ ،‬أو يف‬
‫كيب‪.‬‬
‫والت ُ‬
‫كل َّ‬ ‫الش ُ‬
‫حيث َّ‬ ‫إل أنه َي ِتلف من ُ‬ ‫يف كل مكان‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫احلكمة‪ ،‬و َم ْب َل َغ ُو‬ ‫َّظر يف هذا‪ ،‬لرتى َمدى ُظ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ضوح‬ ‫هور انتظا ِم‬ ‫فيا صاحبي‪ ،‬أنع ِم الن َ‬
‫محة الواسعة‪ ،‬يف‬ ‫ثمرات الر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهور‬ ‫ِ‬
‫العدالة‪ ،‬و َدرج َة‬ ‫ِ‬
‫أمارات‬ ‫قدار ُب ِ‬
‫روز‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫إشارات العناية‪ ،‬وم َ‬
‫فقد‬‫املعارض الزائلة؛ َفمن مل ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امليادين الفانية‪ ،‬ويف تلك‬ ‫ِ‬
‫القصور املتبدلة‪ ،‬ويف تلك‬ ‫تلك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حكمة ذلك السلطان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أكمل من‬‫كمة َ‬ ‫تكون بل ال يمكن تصور ِح ٍ‬ ‫َ‬ ‫فهم يقينا أنه لن‬
‫ُ ُّ ُ‬ ‫بصريتَه َي ُ‬
‫أجل من عدالتِه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عدالة َّ‬ ‫مل من رمحتِه‪ ،‬وال‬ ‫أجمل من ِعنايتِه‪ ،‬وال ر ٍ‬
‫محة َأ ْش َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وال ِع ٍ‬
‫ناية‬
‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫ِ‬
‫حقائق هذه‬ ‫اململكة ‪-‬كام هو معلو ٌم‪ -‬قاصر ًة عن إظهار‬ ‫ُ‬ ‫ولكن ملا كانت هذه‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصور دائمة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َوه َت‪-‬‬ ‫ُن هناك يف مقر مملكته ‪-‬كام ت َّ ْ‬ ‫والعناية والرمحة والعدالة‪ ،‬ولو مل تك ْ‬
‫واطنون مقيمون‪ ،‬ورعايا سعدا ُء‪ُ ..‬ت ِّقق‬ ‫طيبة خالدة‪ ،‬وم ِ‬ ‫ومساكن ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مرموقة ثابتة‪،‬‬ ‫وأماكن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وإنكار‬
‫ُ‬ ‫ُبصه من حكمة‪،‬‬ ‫إنكار ما ن ُ‬ ‫ُ‬ ‫يلزم عندئذ‬‫تلك احلكم َة والعناي َة والرمح َة والعدال َة‪ُ ،‬‬
‫رة ال َب ِّي ِنة‬
‫اه ِ‬ ‫ِ‬
‫العدالة ال َّظ ِ‬ ‫إنكار هذه‬‫ُ‬ ‫يلزم‬
‫وإنكار ما نرا ُه من رمحة‪ ،‬كام ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُشاهدُ ه من عناية‪،‬‬ ‫ما ن ِ‬
‫َحامقة من يرى َضو َء الشمس‬ ‫ِ‬ ‫كل ذلك بحامقة فاضحة ك‬ ‫إنكار ِّ‬ ‫ِ‬
‫وإشاراتا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بأماراتا القوية‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫إجراءات‬ ‫القائم بام نراه من‬ ‫ُ‬
‫القول بأن‬ ‫نفسها يف رائعة النهار! و َي َلز ُم أيضا‬ ‫وينكر َّ‬
‫َ‬ ‫مس َ‬ ‫الش َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫عبث و َيغد ُر‬ ‫لهو و َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫تت َِّس ُم باحلكمة وأفعال ذات غايات كَريمة وإحسانات م ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الرمحة إنام َي ُ‬ ‫لؤها‬
‫باتفاق مجي ِع َذ ِوي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املحال‬ ‫أضدادها‪ ،‬وهو‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقائق إىل‬ ‫قلب‬ ‫‪-‬حاشاه ثم حاشاه‪ -‬وما هذا ّ‬
‫إل ُ‬
‫نكر وجو َد األشياء‪ ،‬حتى وجو َد نفسه‪.‬‬ ‫األبله الذي ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫غيـر السوفسطائي‬
‫ُ‬ ‫العقول َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪60‬‬
‫عظيم‪،‬‬ ‫ومقر كر ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ودار َعدالة عليا‪ُّ ،‬‬
‫حمكمة كربى ‪ُ ،‬‬ ‫غري هذه الديار‪ ،‬فيها‬
‫ديار ُ‬
‫فهناك إذن ٌ‬
‫دالة بوضوح وجالء‪.‬‬‫ناية وهذه ال َع ُ‬
‫الع ُ‬‫الحكمة وهذه ِ‬
‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫حمة وهذه‬ ‫َظهر فيها هذه َّ‬
‫لت َ‬

‫الصور ُة الثاني َة َع ْ َ‬
‫ش َة‬
‫وننظر إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلامعات ورؤسا َءها‪،‬‬ ‫اط هذه‬ ‫اآلن يا صاحبي‪ ،‬لن ِ‬
‫َلتق َي ُض ّب َ‬ ‫نرج ِع َ‬ ‫تعال ِ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫قصرية من الزمن يف ميدان التدريب هذا‪ ،‬أم أهنا ُوه َبت‬ ‫ٍ‬ ‫معدَّ ِاتم‪ُ ..‬أزودوا هبا لقضاء ٍ‬
‫فرتة‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫كل واحد منهم‪ ،‬وال‬ ‫يع لقاء ِّ‬ ‫ِ‬
‫قضوا حيا ًة سعيدة مديدة يف مكان آخر؟ وملا كنا ال نَستط ُ‬ ‫هلم ل َي ُ‬
‫ِّ‬
‫وسجل‬ ‫االطالع عىل ُهوية‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وجتهيزاتم‪ ،‬لذا نحاول‬ ‫َّن من اال ِّطال ِع عىل مجيع َل ِ‬
‫وازمهم‬ ‫نَتمك ُ‬
‫واحد منهم كنموذج ومثال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أعامل‬
‫ودستور أعاملِه‪َّ ،‬‬
‫وكل ما‬ ‫َ‬ ‫ومهمتَه‪ ،‬ومطال َبه‪،‬‬
‫َّ‬
‫الض ِ‬
‫ابط‪ ،‬ومر ّت َبه‪،‬‬ ‫ففي اهلوية نجدُ رتب َة َّ‬
‫أن هذه الرتب َة ليست أليام معدودة‪ ،‬بل ملدة مديدة‪ ..‬ولقد كُتِب يف‬ ‫َعلق بأحواله‪ ..‬الحظ‪َّ ،‬‬
‫يت ُ‬
‫َ‬
‫التاريخ بعيدٌ جدا‪ ،‬وال‬ ‫بتاريخ كذا‪َ ..‬غ َري َّ‬
‫أن هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلاصة‬ ‫ِ‬
‫اخلزينة‬ ‫ُهويتِه أنه يتس َّلم ُمر ّت َبه من‬
‫ِ‬
‫التدريب يف هذا امليدان‪..‬‬ ‫إل بعد ِ‬
‫إهناء مها ِّم‬ ‫يأيت ّ‬
‫املؤقت وال ت ِ‬
‫َنسجم م َعه‪ ،‬بل هي للفوز بسعادة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫امليدان‬ ‫ُ‬
‫الوظيفة فال توافق هذا‬ ‫أ ّما هذه‬
‫َ‬
‫تكون لقضاء‬ ‫َ‬
‫كذلك ال ُيمكن أن‬ ‫املطالب فهي‬
‫ُ‬ ‫املل ِك القدير‪ ..‬أ ّما‬ ‫ٍ‬
‫مكان سا ٍم عندَ ِ‬ ‫دائمة يف‬
‫حلياة ُأخرى س ٍ‬
‫عيدة أبدية‪ ..‬وأ ّما هذا الدستور‬ ‫ٍ‬ ‫معدودة يف دار الضيا َف ِة هذه‪ ،‬وإنام هي‬
‫ٍ‬ ‫أيا ٍم‬
‫َ َ‬
‫آخ َر‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عالـم َ‬ ‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلوية ُم ٌ‬ ‫ف َيت َِّض ُح منه بجالء‪ ،‬أن‬
‫آخر‪ ،‬بل َيس َعى َ‬
‫هيأ ملكان َ‬ ‫صاحب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واملسؤوليات املرتتبة‬ ‫ِ‬
‫استعامل المعدَّ ات‬ ‫السجالت التي حدِّ دت فيها ك ِ‬
‫َيف ُية‬ ‫ِ‬ ‫انظر إىل هذه‬
‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫هناك َم ِ‬
‫َ‬
‫اهلوية املتقنة‪،‬‬ ‫غري هذا امليدان‪ ،‬فال َمعنَى هلذه‬ ‫نـزل ٌة رفيعة خالدة َ‬ ‫عليها‪ ،‬فإن مل تكن‬
‫والرئيس املو َّقر إىل َد ْر ٍك‬
‫ُ‬ ‫املكرم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫والقائدُ‬ ‫رتم‬ ‫ولسقط الضابِ ُط املح َ‬
‫َ‬ ‫الس ِجل املن َت َظ ِم‪،‬‬
‫وال هلذا ِّ‬
‫مت‬
‫عف والفقر‪ ..‬وقس عىل هذا‪ ،‬فأينام أن َع َ‬ ‫والض َ‬ ‫والذلة واملهان َة والنكْب َة َّ‬ ‫هابط و َل َ‬
‫قي الشقا َء ِّ‬
‫النظر والتد ُّب ُر إىل َّ‬
‫أن هناك بقا ًء بعدَ هذا الفناء‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫النظر متأ ِّمال قا َدك‬
‫وق‬ ‫ِ‬
‫وميدان تعليم‪ ،‬وس ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مزرعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بمثابة‬ ‫إن هذه اململك َة املؤ َّقت َة ما هي ّ‬
‫إل‬ ‫فيا صديقي‪َّ ..‬‬
‫ُ‬
‫أنكرت هذا‪ ،‬فسوف‬
‫َ‬ ‫عظمى؛ فإذا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫جتار ٍّي‪ ،‬فال ُبدَّ أن تأيت بعدَ ها َمكم ٌة كربى وسعاد ٌة‬
‫‪61‬‬ ‫��‬‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫����‬ ‫�� �‬
‫وكل تلك ال ُعدَ ِد واألعتدَ ِة‬
‫والس ِج ّلت التي يمتلكُها الضابط‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫كل اهلويات ِّ‬ ‫تَض َطر إىل إنكار ِّ‬
‫إنكار و ِ‬ ‫ِ‬
‫جود الدولة‬ ‫ِ ُ‬ ‫األنظمة يف هذه اململكة‪ ،‬بل‬ ‫والتعليامت‪ ،‬بل تُض َط ُّر إىل إنكار مجي ِع‬
‫قال‬‫مجيع اإلجراءات احلادثة‪ ..‬وعندها ال يمكن أن ُي َ‬ ‫نفسها‪ ،‬وينبغي عند ذلك أن ت ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُكذب َ‬
‫ٌ‬
‫إنسان له شعور؛ بل تكون إذ ذاك أشدَّ محاقة من السوفسطائيني‪.‬‬ ‫إنَّك‬

‫***‬

‫ِ‬
‫اململكة ُمنحصـر ٌة يف اث َن َت ْي َع ْشر َة‬ ‫َبديل‬ ‫ِ‬
‫وإشارات ت ِ‬ ‫َ‬
‫دالئل‬ ‫تظن َّ‬
‫أن‬ ‫وإ ّياك إ ّياك أن‬
‫َّ‬
‫إن هناك ما ال ُيعدُّ وال ُي َص من األمارات واألدلة عىل أن هـذه‬ ‫صور ًة التي أوردناها‪ ،‬إذ َّ‬
‫ٍ ٍ‬
‫َثري من اإلشارات‬ ‫َثري الك ُ‬ ‫خرى مسـتقرة باقية‪ ،‬وهناك الك ُ‬‫تتحول إىل ُأ َ‬
‫ُ‬ ‫اململك َة املتغيِّ َة الزائلة‬
‫الز ِ‬
‫ائلة إىل َم َق ِّر‬ ‫املؤ َّق ِتة َّ‬
‫الناس س ُين َقلون من دار الضيافة َ‬ ‫أن هؤالء‬ ‫والعالمات تدل عىل َّ‬
‫َ‬
‫دة‪.‬‬ ‫الدائمة اخلالِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلطنة‬
‫عش‬ ‫ِ‬ ‫يا صاحبي‪َ ..‬‬
‫وحا من تلك الرباهني الثنَي َ َ‬ ‫ووض ً‬ ‫قو ًة ُ‬ ‫أكثر َّ‬
‫ألقر َر لك برهانا َ‬ ‫تعال ِّ‬
‫صاحب األوسمة‬ ‫ِ‬ ‫مة‪ ..‬تعال‪ ،‬فانظر إىل املبعوث الكريم‪،‬‬ ‫الصو ُر املتقدِّ ُ‬
‫َ‬ ‫التي َأ ْ‬
‫نبأت عنها تلك‬
‫ِ‬
‫الغفرية التي َتتا َءى‬ ‫الرفيعة الذي شاهدنا ُه يف اجلزيرة ِم ْن َق ُبل‪ ..‬إنه ُيب ِّل ُغ أمرا إىل احلشود‬
‫الرفيع‬ ‫ُصغي إليه‪ ..‬انتبه! فها هو يبين للم َ ِ‬
‫ل البال َغ السلطاين‬ ‫لنا عىل بعد‪ ،‬فهيا نذهب ون ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ويوضحه قائال هلم‪:‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مملكة رائعة! إن مملكتَنا هذه‬ ‫أعظمها من‬
‫َ‬ ‫خالدة‪ ،‬ما‬ ‫خرى‬ ‫ست َحلون إىل مملكة ُأ َ‬‫هت َّيؤوا! َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بإتقان ستكُونُون‬ ‫بإمعان‪ ،‬ون ّف ُ‬
‫ذتوه‬ ‫األمر‬ ‫أصغيتُم إىل هذا‬ ‫كالس ْج ِن بالنسبة هلا‪ ،‬فإذا ما ْ‬
‫ِّ‬ ‫تُعدُّ‬
‫يبة مثواكُم‬ ‫انات ِ‬
‫الره ُ‬ ‫فالز َنز ُ‬ ‫لرمحة سلطانِنا وإحسانِه يف ُمست َق ِّره الذي تت َِّج ُهون إليه‪ّ ،‬‬
‫وإل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أهال‬
‫وعد ِم اكرتاثِكُم به‪.‬‬ ‫األمر َ‬ ‫ِ ِ‬
‫جزا َء عصيانكُم َ‬
‫ختم السلطان الذي‬ ‫ِ‬
‫العظيم َ‬ ‫وأنت تَرى عىل َ‬
‫ذلك البال ِغ‬ ‫إنه ُيذكّر احلارضين هبذا البالغ‪َ ،‬‬
‫املل ِك‪ ،‬وأن‬
‫أن ذلك البال َغ بال ُغ ِ‬ ‫‪-‬إل أمثا َلك من الب ِ‬
‫لهاء‪َّ -‬‬ ‫دركون يقينا ّ‬ ‫واجلميع ُي ِ‬ ‫ال ُيق َّلد؛‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫أمثالك من العميان‪-‬‬ ‫ميع ّ‬
‫‪-‬إل‬ ‫جل َ‬ ‫الرفيعة ما جي َع ُل ا َ‬
‫األوسمة َّ‬
‫َ‬ ‫الكريم حيم ُل َ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫املبعوث‬ ‫َ‬
‫ذلك‬
‫الم ِل ِك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ألوامر َ‬ ‫ِ‬
‫النظر إليها أنه مب ِّل ٌغ أمني‬ ‫يعرفون بِ ُم َّ‬
‫جرد‬ ‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪62‬‬
‫مسألة ت ِ‬
‫َبديل اململكة التي يدعو إليها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسألة؛‬ ‫االعرتاض عىل هذه‬
‫ُ‬ ‫فيا تُرى هل يمكن‬
‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫امللكي السامي بكل ما ُأوتِيا من قوة؟ ك ََّل‪ ..‬ال‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫املبعوث الكريم‪ ،‬والبال ِغ‬ ‫ٌّ‬
‫كل من ذلك‬
‫ث‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وحواد َ‬ ‫مجيع ما ترا ُه من ٍ‬
‫أمور‬ ‫ذلك أبدا‪ّ ،‬‬
‫أنكرت َ‬
‫َ‬ ‫إل إذا‬
‫أن َ‬
‫تقول ما تشا ُء‪.‬‬ ‫ديق‪ ..‬لك ْ‬
‫الص ُ‬
‫فاآلن أهيا َّ‬
‫يقال‬‫قول لقائل أما َم هذه احلقائق! وهل ُ‬ ‫أقول؟ وهل َبقي مزيدٌ من ٍ‬ ‫أن َ‬ ‫ساي ْ‬
‫‪ -‬ماذا َع َ‬
‫َ‬
‫وألف‬ ‫أن أقو َله هو‪ :‬احلمدُ هلل‪،‬‬
‫كل ما أريدُ ْ‬ ‫إن َّ‬
‫السامء‪ ،‬أين هي؟! َّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫للشمس وهي يف كبد َّ‬
‫والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫إس ِار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وش ٍ‬ ‫ُش ٍ‬
‫جن‬ ‫النفس ِّ‬ ‫رت من َ‬ ‫نجوت من قبضة األوها ِم واألهواء‪َّ ،‬‬
‫وحتر ُ‬ ‫ُ‬ ‫كر‪ ،‬فقد‬ ‫كر ُ‬
‫ونحن ُمه َّيأون هلا بعدَ هذه ِ‬
‫الدار‬ ‫لطان املع َّظ ِم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سعادة عندَ الس ِ‬ ‫دار‬ ‫فآمنت َّ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫بأن هناك َ‬ ‫ُ‬ ‫األبدي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫الفانية املض َط ِ‬
‫ربة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬ ‫احلكاية التي كانت كناي ًة عن احلرش والقيامة‪ ..‬واآلن ننت ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا تـم ِ‬
‫َقل بتوفيق العيلِّ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقائق العليا‪َ ،‬فسنُب ِّينها يف «اثنت َْي َع ْشر َة حقيق ًة»‪ ،‬وهي ُمتساند ٌة ُمرتابِط ٌة ُم َ‬
‫قابل‬ ‫ال َق ِ‬
‫دير إىل‬
‫مة‪.‬‬‫ور االثنَتي عرشةَ‪ ،‬بعد أن نُمهدَ هلا بمقدِّ ٍ‬ ‫الص ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫‪63‬‬ ‫��‬‫��������� ���� ������ ‪�� ���� ������� �� -‬‬
‫����‬ ‫�� �‬

‫املقدمة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الكلمة‬ ‫أماكن ُأ َ‬
‫خرى‪ ،‬أي يف‬ ‫َ‬ ‫املسائل التي أوضحناها يف‬ ‫بعض‬ ‫فحسب إىل‬
‫ُ‬ ‫إشارات‬ ‫ُشري‬
‫ن ُ‬
‫والساد َس ِة والعرشين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتاسع َة ْ‬
‫عشةَ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الثانية والعرشين‪،‬‬

‫الإشارة الأولى‬
‫المذكورين يف احلكاية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫األمني‬ ‫ِ‬
‫الناصح‬ ‫حقائق للمغ َّفل ولص ِ‬
‫ديقه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫هناك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األوىل‪ :‬هي ن ِ‬
‫َفس َي األمار ُة و َقلبِي‪.‬‬
‫ِ‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وتالميذ‬ ‫الثانية‪ :‬متع ِّلمو الفلس ِ‬
‫فة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكفر واألُ َّم ُ‬
‫ـة اإلسالم َّيـة‪.‬‬ ‫الثالثة‪ِ :‬م َّل ُ‬
‫ـة‬
‫والنفس‬ ‫الفلسفة ِ‬
‫ومل َة الكفر‬ ‫ِ‬ ‫أوقع متع ِّل ِمي‬
‫َ‬ ‫إن عد َم معرفة اهلل سبحانَه وتعالى هو الذي َ‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫يمكن أن‬ ‫قال ِ‬
‫الناص ُح األمني يف احلكاية‪ :‬إنه ال‬ ‫األمار َة في الضاللة الرهيبة‪ ..‬فمثلام َ‬
‫ُ‬
‫قانون بال حاكم‪ ،‬كذلك ُ‬
‫نقول‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫حرف بال كاتب‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬
‫كل كلمة من‬ ‫تتضمن ُّ‬
‫َّ‬ ‫كتاب كهذا الذي‬
‫ٌ‬ ‫كتاب بال كاتب‪ ،‬وال س َّيام‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫إنه ٌ‬
‫حمال أن‬
‫حرف من حروفِه قصيد ٌة ُد ِّب َجت بقلم رفيع‪..‬‬‫ٍ‬ ‫كلامتِه كتابا ُخ َّط بقلم دقيق‪ ،‬والذي َ‬
‫حتت ِّ‬
‫كل‬
‫كتاب‬ ‫َ‬
‫الكون‬ ‫حيث إن هذا‬ ‫مبدع‪ُ ،‬‬ ‫الكون من غري ِ‬ ‫ُ‬ ‫وكذلك من أحمل املحال أن يكون هذا‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫حرف‬ ‫كلمة منها كتابا‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٍ‬ ‫كل صحيفة فيه كُتبا كثرية‪ ،‬ال بل ُّ‬
‫كل‬ ‫عىل ن ٍ‬
‫َحو عظيم تتضمن ُّ‬
‫كلمة واحدة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫أكثر ما فيها من كتب! والشجر ُة‬ ‫فوج ُه األرض َصحيف ٌة‪ ،‬وما َ‬
‫منها قصيدةً‪َ ..‬‬
‫هر ُس‬‫النقطة فِ ِ‬
‫ِ‬ ‫حرف‪ ،‬والبِذر ُة نقطة‪ ..‬ويف هذه‬
‫ٌ‬ ‫والثمر ُة‬
‫َ‬ ‫أكثر ما فيها من صحائف!‬
‫وما َ‬
‫در ٍة‬
‫ب ُق َ‬‫صاح ِ‬ ‫ِ‬ ‫إل من إبداع ِ‬
‫قلم‬ ‫ُ‬
‫يكون ّ‬ ‫فكتاب كهذا ما‬
‫ٌ‬
‫وخطة ِ‬
‫عملها‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫الشجرة الباسقة‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪64‬‬
‫إن جمر َد النظر إىل العا َلم ومشاهدَ تَه يست ِ‬
‫َلز ُم‬ ‫مت َِّص ٍ‬
‫ف باجلامل واجلالل واحلكمة املطلقة‪ ،‬أي َّ‬
‫هذا اإليامن‪ّ ،‬‬
‫إل َمن أسكَرته الضاللة!‪.‬‬
‫دار ُز ِّينت بأبدع زينة‪ ،‬ون ُِقشت بأرو ِع‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫دار بال بنّاء‪ ،‬ال س َّيام ٌ‬
‫تكون ٌ‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬ ‫ومثلام ال‬
‫يتجس ُم فيه ف ُّن ما‬ ‫ِ‬
‫أحجارها‬ ‫جر من‬‫كل َح ٍ‬ ‫إن َّ‬
‫بصنعة خارقة‪ ،‬حتى َّ‬‫ٍ‬ ‫وش ِّيدت‬‫نقوش وأعجبِها ُ‬‫ٍ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫الدار بال بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫وبخاصة أنه ُيش ِّيدُ‬ ‫ّاء ٍ‬
‫ماهر‪،‬‬ ‫مثل هذه ِ َ‬ ‫دار ُ‬
‫تكـون ٌ‬‫َ‬ ‫يقبل ٌ‬
‫عاقل أن‬ ‫البناء ك ِّله؛ فال ُ‬ ‫يف‬
‫والتناس ِق‪ ،‬و ُيغ ِّيرها بانتظا ٍم‬
‫ُ‬ ‫غاية االنتِظا ِم‬
‫يف هذا الديوان ‪-‬يف كل ساعة‪ -‬مساكن حقيقي ًة يف ِ‬
‫َ‬
‫ركن ُغ َرفا صغري ًة عدّ ًة يف‬ ‫ِ‬
‫املالبس‪ -‬بل إنه ُينشئ يف كل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تبديل‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كسهولة‬ ‫هولة ِ‬
‫كام َلني‬ ‫وس ٍ‬
‫ُ‬
‫شهد حقيقي‪.‬‬
‫كل َم َ‬
‫َ‬
‫الكون‬ ‫َون العظيم من خالِ ٍق حكيم عليم قدير مطلق‪ ،‬ألن هذا‬ ‫كذلك البد هلذا الك ِ‬
‫ِ‬
‫وقنادي ُله‪،‬‬
‫والزمن‬
‫ُ‬ ‫شموعه‬
‫ُ‬ ‫والنجوم‬
‫ُ‬ ‫مصابيحه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مس وال َق ُ‬
‫مر‬ ‫إنام هو كالقرص البديع؛ َّ‬
‫الش ُ‬
‫الخالق ذو اجلالل ‪-‬يف كل سنة‪ -‬عا َلام آخر ُي ِبر ُزه للوجود‪ ،‬مجدِّ دا فيه‬ ‫ُ‬ ‫رشيط يع ِّلق عليه‬ ‫ٌ‬
‫وطرازا‪ ،‬مبدِّ ال إياه بانتظام تام‪ ،‬وحكمة كاملة‪،‬‬ ‫ثالث ِم ٍئة وستني شكال ِ‬ ‫ِ‬ ‫صورا ُمن َت َظ َم ًة يف‬‫ً‬
‫طح األرض مائد َة نِ َع ٍم‪ُ ،‬يز ِّينُها يف كل ربيع بثالث مئة ألف نوع من أنواع خملوقاتِه‪،‬‬ ‫جاعال َس َ‬
‫كل منها متييزا كامال‪ ،‬عىل الرغم من تداخلها‬ ‫ويملؤها بام ال يعد وال ُي َص من آالئه‪ ،‬مع ِ‬
‫متييز ٍّ‬ ‫ُ‬
‫َّغافل عن صانِ ِع مثل‬‫يمكن الت ُ‬ ‫فكيف‬
‫َ‬ ‫األخرى‪..‬‬ ‫األمور‬ ‫ِ‬
‫وتشابكها‪ ..‬وقس عىل هذه األشياء‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرص الـم ِ‬
‫نيف؟‬ ‫ِ ُ‬ ‫هذا‬

‫الشمس يف رابعة النهار‪ ،‬ويف صحوة السامء! يف الوقت الذي‬ ‫َ‬ ‫أعظم باله َة من ُ‬
‫ينكر‬ ‫َ‬ ‫ثم ما‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُيرى تَأل ُل ُؤ أشعتِها‪،‬‬
‫الالمعة وعىل‬ ‫وحبابِه‪ ،‬وعىل موا ِّد َ ِّ‬
‫الب‬ ‫وانعكاس ضوئها‪ ،‬عىل َز َبد البحر َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫يستلز ُم‬ ‫فضها ‪-‬يف هذه احلالة‪-‬‬ ‫ور َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الشمس الواحدة َ‬ ‫إنكار‬
‫َ‬ ‫بلورات الثلج الناصعة‪ ،‬ألن‬
‫ِ‬
‫ورات‬ ‫والحباب وبعدد بِ َّل‬ ‫ِ‬ ‫يلة‪ ،‬بعدد َق‬ ‫أص ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حقيقية ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بول ُش‬ ‫َق َ‬
‫الز َبد َ‬
‫طرات البحر وبعدد َ‬ ‫ميسات‬
‫ٍ‬ ‫قبول و ِ‬
‫َسع ذر ًة واحدةً‪-‬‬ ‫شمس عظيمة يف كل ُج َزي َئة ‪-‬وهي ت ُ‬ ‫جود‬ ‫الثلج! ومثلام يكون ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫َّصديق بأوصاف كاملِه سبحانه ‪-‬مع‬ ‫ِ‬ ‫ورفض الت‬
‫َ‬ ‫باله ًة‪ ،‬فإن عد َم اإليامن باخلالق ذي اجلالل‪،‬‬
‫بتناسق وانتظا ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫كل آن واملتجدِّ ِ‬
‫دة‬ ‫واملتعاق ِبة بحكمة يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫مة املتبدِّ ِلة‬ ‫الكائنات املن َت َظ ِ‬
‫ِ‬ ‫رؤية هذه‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪65‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫بول ألوه ّي ٍة‬
‫وجنون‪ ..‬ألنه يلزم إذ ذاك َق ُ‬ ‫والشك‪ ،‬بل َه ٌ‬
‫ذيان ُ‬ ‫َّ‬ ‫أدهى‬ ‫ٌ‬
‫ضاللة َ‬ ‫كل وقت‪-‬‬ ‫يف ِّ‬
‫مط َل ٍ‬
‫قة يف كل يشء حتى يف ِّ‬
‫كل ذرة!‪.‬‬

‫ثمرة‪ ،‬ويف‬ ‫تستطيع أن تدخل يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن َّ‬


‫كل زهرة‪ ،‬ويف كل َ‬ ‫ذرات اهلواء ‪-‬مثال‪-‬‬ ‫كل ذرة من‬
‫دورها هناك؛ فلو مل تكن هذه الذر ُة مأمور ًة ومسخر ًة َل ِ‬
‫لز َم‬ ‫وتتمكن من أن َتؤ ِّد َي َ‬ ‫ُ‬ ‫كل ورقة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫بأشكال ما متكَّنت من الدخول فيه‪ ،‬وبصورته وتركيبِه‪ ،‬وهي َئته‪ ،‬أي َي ُ‬ ‫تكون عىل علم‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫تستطيع القيا َم بذلك!!‬ ‫قدرة شاملة كي‬‫ٍ‬ ‫وذات‬
‫َ‬ ‫علم حميط‪،‬‬ ‫ذات ٍ‬ ‫تكون َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أنواعها‬ ‫ونمو‬ ‫َ‬
‫تكون سببا لنشوء ال ُبذور‬ ‫يمكن أن‬ ‫ذرات الرتاب ‪-‬مثال‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫وكل ٍ‬
‫ذرة من‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫معنوية ب َعدَ ِد أنواع‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأجهزة‬ ‫ٍ‬
‫آالت‬ ‫َوي عىل‬
‫ومسخر ًة للزم أن حتت َ‬ ‫َّ‬ ‫مجيعا‪ ،‬فلو مل تكن مأمور ًة‬
‫أشكال تراكيبِها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مجيع‬
‫َعلم َ‬ ‫ُ‬ ‫واألشجار‪ ،‬أو َ ِ‬
‫ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعشاب‬
‫بحيث ت ُ‬ ‫نحها قدر ًة و َمهار ًة‬ ‫ب َم ُ‬
‫سائر املوجودات‪ ،‬حتى تفهم‬ ‫فتنس ُجها‪ ..‬وقس عىل هذا َ‬ ‫صو ِرها‪ُ ،‬‬ ‫مجيع َ‬ ‫وتعرف َ‬ ‫ُ‬ ‫فتَصن ُعها‪،‬‬
‫دالئل واضح ًة باهر ًة يف ِّ‬
‫كل يشء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أن للوحدانية‬
‫كل َش ٍء‪ ،‬إنام هو ٌ‬
‫عمل‬ ‫يشء واحد من ِّ‬‫وخلق ٍ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫شيء من َشيء واحد‪،‬‬ ‫خلق ِّ‬
‫كل‬ ‫نعم‪ ،‬إن َ‬
‫كل يشء‪ ..‬فتد َّبر وتأ َّمل يف قولِه تعاىل‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾‪ ،‬واع َلم‬ ‫خالق ِّ‬
‫يخص َ‬ ‫ّ‬
‫بآهلة بعدَ ِد املوجودات!‬
‫ستلزم االعتِقاد ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن عد َم االعتقاد باإلله الواحد األحد َي ِ ُ‬
‫َّ‬

‫الإشارة الثانية‬
‫فهم من ُرؤ َي ِة‬ ‫كر َّ‬
‫أن َمن مل يكُن أعمى َي ُ‬
‫ٍ‬
‫ذكر مبعوث كريم‪ ،‬و ُذ َ‬ ‫لقد جا َء يف احلكاية ُ‬
‫ُ‬
‫املبعوث‬ ‫إل بأمر السلطان‪ ،‬فهو ِ‬
‫عام ُله اخلاص‪ ..‬فهذا‬ ‫شخص عظيم‪ ،‬ال يأمتر ّ‬ ‫أوسمتِه‪ :‬أنه‬
‫ٌ‬
‫إنام هو َر ُسو ُلنا األع َظ ُم ﷺ‪.‬‬
‫مثل هذا الر ِ‬
‫سول‬ ‫َّ‬ ‫الكون البديع ولصانِعه ال ُقدُّ وس‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫يكون لمثل هذا‬
‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬يلز ُم أن‬
‫ُشع ِضيا ًء كذلك ال‬
‫إل أن ت َّ‬ ‫الكريم‪ ،‬كلزوم الضوء للشمس‪ ،‬ألنه كام ال يمكن للشمس ّ‬
‫سل الكرا ِم ِ‬
‫عليه ُم السالم‪.‬‬ ‫الر ِ‬
‫َفسها بإرسال ُّ‬
‫أل ِ‬
‫لوهية ّ‬
‫إل أن تُظهر ن َ‬ ‫يمكن لِ ُ‬

‫يعرفه؟‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إظهار ِ‬


‫ِ‬ ‫مجال يف ِ‬
‫رغب ٌ‬
‫ودليل ِّ‬ ‫بوسيلة‬ ‫نفسه‬ ‫غاية الكامل يف‬ ‫فهل يمكن أن ال َي َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪66‬‬
‫ساطة ت ِ‬
‫اإلعالن عنه بو ٍ‬ ‫كامل الص ِ‬
‫األنظار إليه؟‬
‫َ‬ ‫َلف ُت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نعة يف غاية اجلامل‬ ‫أم هل يمكن أن ال َيط ُلب ُ َّ‬
‫وص َمدانِ َّيتِها‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫إعالن وحدان َّيتها َ‬
‫شام ٍ‬
‫لة‬ ‫لربوبية عام ٍة ِ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬ ‫ب سلطن ٌة ك ِّلي ٌة‬
‫أم هل يمكن أن ال تط ُل َ‬
‫فة العبود َّي ِة‬‫الطبقات بوساطة مبعوث ذي جناحني؟ أي ذي ِصفتَني‪ِ :‬ص ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ف‬‫ـختل ِ‬
‫عىل م ِ‬
‫ُ‬
‫والق ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رب إليه‪،‬‬ ‫الرسالة ُ‬ ‫الكلية‪ ،‬فهو ُم َم ِّث ُـل طبقات املخلوقات عندَ احلرضة الربانية؛ وصفة ِّ‬
‫ني كافة‪.‬‬
‫ـم َ‬ ‫فهو مرس ٌل من لدُ نه سبحانَه إىل العا َل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫حماسن مجالِه‬ ‫َ‬ ‫شهدَ هو و ُي ِ‬
‫شهدَ خل َقه‬ ‫أم هل يمكن لصاحب مجال مطلق أن ال يروم أن َي َ‬
‫حبيب لتَو ُّد ِده‬
‫ٌ‬ ‫رسول حبيب؛ فهو‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بوساطة‬ ‫َ‬
‫اجلامل؟ أي‬ ‫ولطائف حسنِه يف مرايا ِ‬
‫تعك ُس هذا‬ ‫َ ُ‬
‫بإظهار ِ‬
‫مجال‬ ‫ِ‬ ‫اهلل سبحانه إىل اخللق‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫إىل اهلل سبحانَه بعبوديتِ ِه‬
‫ب َ‬ ‫رسول ألنه ُي ِّب ُ‬ ‫اخلالصة‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬
‫أسامئه احلسنى‪.‬‬
‫يملك خزائن مشحون ًة بأغىل األشياء وأعجبِها وبام ي ِ‬
‫ده ُش‬ ‫ُ‬ ‫يمكن أن ال ُيريدَ َمن‬ ‫أم هل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اخللق أمجعني‪ ،‬وكش َفه عىل‬ ‫ِ‬
‫أنظار‬ ‫عرضه عىل‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬
‫املستت‪ ،‬وأن ال َيط ُل َ‬ ‫إظهار كاملِه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العقول‪،‬‬
‫ومعل ٍن وص ٍ‬
‫اف؟‬ ‫ِ‬ ‫مر ًأى منهم‪ ،‬بوساطة معر ٍف ِ‬
‫حاذق‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫رة عن كامل أسامئه احلسنى‪ ،‬وجع َله‬‫بمخلوقات معب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫الكون‬ ‫أم هل يمكن لِ َمن ز ّين هذا‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجمله ببدائ ِع صنعتِه املذهلة‪،‬‬
‫إيضاحه‬ ‫وعرضه عىل األنظار‪ ،‬ثم ال َيك ُل َ‬
‫أمر‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫قرصا رائعا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مرشد مع ِّل ٍم رائد؟‬ ‫إىل‬
‫ِ‬
‫حتوالت هذا‬ ‫ُ‬
‫الغاية من‬ ‫ِ‬
‫ساطة رسول‪ :‬ما‬ ‫ِ‬
‫الكون َبو‬ ‫أم هل يمكن ْ‬
‫أن ال ُيب ِّي َن ُ‬
‫مالك هذا‬
‫الكون وما ال َقصدُ من هذا الطلسم املغلق؟ وأن ال جييب بوساطته عن ألغاز األسئلة الثالثة‬
‫ُ‬
‫تكون؟‬ ‫أين؟ وإىل أين؟ ومن‬
‫املستعصية يف املوجودات‪ ،‬وهي‪ :‬من َ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫ِ‬
‫الشعور هبذه‬ ‫نفسه إىل ذوي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أم هل ي ِ‬
‫عرف َ‬ ‫للخالق ذي اجلالل الذي َّ‬ ‫مك ُن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إليهم بن َعمه الغالية‪ ،‬أن ال ُيب ِّين هلم َبوسا َطة ر ٍ‬
‫سول ما ُيريدُ منهم وما ُيرضيه‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة‪ ،‬وح َّببها ِ‬
‫َ‬
‫غة؟‬ ‫ِّعم السابِ ِ‬
‫إزا َء هذه الن ِ‬
‫َثر ِة والدنيا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫متوجهة إىل الك َ‬
‫ِ‬
‫بمشاع َر ِّ‬‫اإلنساين َ‬
‫َّ‬ ‫النوع‬
‫َ‬ ‫لرب العاملني الذي ابت ََل‬ ‫ِ‬
‫أم هل ُيمك ُن ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬‫ب َص ْـر َ‬ ‫ووهب له من االستعدا َدات ما َي َس ُع العامل َ ك َّله وه َّيأه للعبودية الكلية‪ ،‬أن ال يط ُل َ‬
‫َ‬
‫رسل؟‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوحدة َبوساطة مرشد ُم َ‬ ‫َثرة إىل َ‬
‫وجهه من الك َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪67‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫«وظائف‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫قاطعة ُتبيِّ ‪:‬‬ ‫راهني‬
‫ُ‬ ‫خرى زياد ًة عىل ما تقدَّ م‪ ،‬ك ُّلها َب‬‫دالئل ُأ َ‬
‫َ‬ ‫وهكذا َّ‬
‫فإن هناك‬
‫تكون بال ِرسا َلة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الن َُّّبو ِة و َمها َّمها»‪ ،‬وت ِّ‬
‫ُوض ُح أن األلوهي َة ال‬
‫والوظائ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جمع لتِ َ‬ ‫ِ‬
‫ف التي‬ ‫األوصاف‬ ‫لك‬ ‫أكثر َأهل َّي ًة‪ ،‬و َأ ُ‬
‫هر يف العامل َمن هو ُ‬ ‫واآلن‪ ،‬فهل َظ َ‬
‫هم ِة‬ ‫الرسا َلة و ُم َّ‬ ‫ب ِّ‬ ‫ملنص ِ‬‫اهلاشمي ﷺ؟ أم هل هناك أحد ألي ُق منه ﷺ ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫حممد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُذ ِك َرت‪ ،‬من‬
‫ِ‬
‫لني‪،‬‬ ‫املرس َ‬ ‫إمام مجي ِع َ‬ ‫أعظم أهل َّي ًة منه؟ ك َّل‪ُ ..‬ث َّم ك َّل‪ ..‬فهو ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الزمان أحدا‬ ‫أظهر‬
‫التَّبليغ؟ وهل َ‬
‫صاحب‬‫ُ‬ ‫واملقربِني‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫املختارين‬ ‫كل‬‫وزبد ُة ِّ‬ ‫املرش ِدين‪ُ ،‬‬
‫وسلطان مجيع ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األصفياء‪،‬‬ ‫كل‬ ‫وقر ُة َع ِ‬
‫ني ِّ‬ ‫َّ‬
‫دالئل نبوتهِ‬ ‫القمر‪ ،‬ونبعان املاء من بني أصابِعه الرشي َفة‪ ،‬مما عدا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫كش ِّق َ‬ ‫ألوف املعجزات َ‬
‫العظيم‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫الفض ِل والعلم‪ ،‬وعدا‬ ‫أهل ْ‬ ‫ـح ُّل إمجا ِع ِ‬ ‫وأماراتا التي ال ُت َص‪ ،‬مما هو َم َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫دق‬ ‫قاط ٌع عىل ِص ِ‬ ‫دليل ِ‬ ‫ِ‬
‫الساطعة ٌ‬ ‫احلقائق واملعجز ُة الكُربى‪ ،‬إذ إنه كالشمس‬ ‫ِ‬ ‫حر‬
‫الذي هو َب ُ‬
‫القرآن بام يقرب من أربعي وجها من و ِ‬
‫جوه‬ ‫ِ‬ ‫إعجاز‬
‫َ‬ ‫حيث أثبتنا‬ ‫رسالتِه‪ ..‬ونكتفي هبذا ال َقدْ ِر ُ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫«الكلمة اخلامس ِة ِ‬
‫والع ِ‬
‫رشين»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلعجاز يف «رسائل النور» والس َّيام يف‬
‫َ‬

‫الإشارة الثالثة‬
‫غري وما ِقيمتُه حتى ت ِ‬
‫َنتهي‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫أهم ُية هذا اإلنسان َّ‬ ‫َ‬
‫فيقول‪ :‬ما ِّ‬
‫بال ٍ‬
‫أحد‬ ‫رن عىل ِ‬ ‫ال َيخ ُط َّ‬
‫خرى ملحاسبتِه عىل أعاملِه!‬
‫العظيمة وتُفت ََح دائر ٌة ُأ َ‬
‫ُ‬ ‫هذه الدنيا‬
‫ٍ‬
‫فطرة جامعة‬ ‫مل ُك من‬ ‫املوجودات رغم أنه صغري جدا‪ ،‬لِما ي ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‪ ،‬هو س ِّيدُ‬ ‫ألن هذا‬
‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫سلطان ألوه ّي ِة اهلل‪ ،‬واملم ِّث ُل للعبودية الكلية‬
‫ِ‬ ‫شاملة‪ ..‬فهو قائدُ املوجودات‪ ،‬والداعي إىل‬
‫ِ‬
‫ظمى‪.‬‬ ‫فإن له أمهي ًة ُع َ‬ ‫ظه ُر َها‪ ،‬لذا َّ‬
‫الشاملة و َم َ‬

‫دي‪ ،‬مع أن له‬ ‫ٍ‬


‫بعذاب أ َب ٍّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان حمكوما‬ ‫ُ‬
‫يكون هذا‬ ‫وال َي ُط َر َّن عىل البال كذلك‪ :‬كيف‬
‫ُع ُمرا قصريا جدا؟‪.‬‬

‫ودرجتِها‬
‫َ‬
‫الكائ ِ‬
‫نات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقيمة‬ ‫حيث إنه ُ‬
‫هيبط‬ ‫وجناية ال حدو َد هلا؛ ُ‬
‫ٌ‬ ‫الكفر جريم ٌة كربى‪،‬‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫ِ‬
‫وجود الغاية‬ ‫ويوهم عد َم‬ ‫مكاتيب َصمدانِ ّي ٍة و َدرجتَها‪ -‬إىل هاوية العبث‪،‬‬ ‫‪-‬التي ت ِ‬
‫ُوازي قيم َة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حلسنَى‬ ‫حتقي ب ِّي ٌن للكائنات ك ِّلها‬ ‫ِ‬
‫شاهد من أنوار األسامء ا ُ‬ ‫وإنكار ملا ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫من إجيادها‪ ..‬وإنَّه ٌ‬
‫آثارها يف هذه املوجودات‪ ،‬ومن َثم فإنه تكذيب ما ال ُيص من األد َّلة الدَّ ِ‬
‫الة‬ ‫وإنكار ِ‬ ‫ك ِّلها‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪68‬‬
‫جناية ال حدو َد هلا‪ِ ،‬‬
‫واجلنا َي ُة التي ال‬ ‫ٌ‬ ‫احلق سبحانَه وتعاىل‪ُّ ،‬‬
‫وكل هذا‬ ‫ِ‬
‫وصدق ِّ‬ ‫عىل ح َّقان َّي ِة‬
‫غري ُمدَّ ٍد بحدُ ود‪.‬‬
‫ب عذابا َ‬
‫ُحدو َد هلا ِ‬
‫توج ُ‬

‫الإشارة الرابعة‬
‫َ‬
‫تكون‬ ‫يمكن بوجه من الوجوه أن‬ ‫ُ‬ ‫عشةَ‪ :‬أنه ال‬
‫َتي ْ‬‫لقد رأينا يف احلكاية بِ ُص َو ِرها االثن ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مستق َّرة‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫دائمة‬ ‫مملكة ُأ َ‬
‫خرى‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫تكون له‬ ‫دار ضيا َفة‪ -‬ثم ال‬
‫مملكة مؤ َّقتة ‪-‬كأهنا ُ‬‫ٌ‬ ‫لسلطان عظيم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ال‬ ‫يمكن بوجه من الوجوه ْ‬‫ُ‬ ‫السامية؛ كذلك ال‬ ‫والئق ٌة ألُ َّبته وعظمته ومقا ِم سلطنته ّ‬
‫العال ِ‬ ‫ي ِ‬
‫الفان‪.‬‬ ‫أن أوجدَ هذا َ َ‬ ‫عالما باقيا بعد ْ‬
‫اخلالق الباقي سبحانَه ًَ‬ ‫ُ‬ ‫نش َئ‬ ‫ُ‬
‫الكائنات البديع َة الزائل َة‪ ،‬وال ي ِ‬
‫نش َئ‬ ‫ِ‬ ‫خيلق الصانِع الس ِ‬
‫مد ُّي هذه‬ ‫مكن أيضا أن َ‬ ‫وال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫كائنات أخرى دائم ًة م ِ‬
‫ستق َّرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العال َ الذي هو بحكم‬ ‫حيم هذا‬
‫الر ُ‬ ‫يم ال َق ُ‬
‫دير َّ‬ ‫الفاطر احلك ُ‬
‫ُ‬ ‫خيلق‬
‫وال يمكن أيضا أن َ‬
‫تكشف عن‬
‫ُ‬ ‫عة الوقتي ِة ثم ال خي ُل َق الدَّ ار ِ‬
‫اآلخر َة التي‬ ‫وميدان االمتحان واملزر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعر ِ‬
‫ض العا ّم‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫وتظهر أهدا َفه!‬
‫ُ‬ ‫غاياتِه‬

‫بـ«اثنتي‬
‫ْ‬ ‫األبواب‬
‫ُ‬ ‫عرش با ًبا»‪ ،‬وتُفت َُح َ‬
‫تلك‬ ‫ني َ‬ ‫إن هذه احلقيق َة يتم الدُّ ُ‬
‫خول فيها من «ا ْث ْ‬
‫عش َة حقيق ًة»‪ ،‬نبدأ بأقرصها وأبسطها‪.‬‬‫ْ‬

‫احلقيقة األوىل‬
‫والسلطنة ِ وهو تجلي اس ِم «الرَّب»‬
‫ّ‬ ‫باب الر بوبية ِ‬
‫ُ ُّ‬
‫وسلطنة األلوه ّي ِة‪ ،‬فأوجدَ كونا بديعا كهذا الكون؛‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الربوبية‬ ‫لـمن له ُ‬
‫شأن‬ ‫ِ‬
‫أم َن املمكن َ‬
‫ثواب للمؤمنني الذين‬ ‫يكون ِ‬
‫لديه‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جليلة‪ ،‬إظهارا لكامله‪ ،‬ثم ال‬ ‫ٍ‬
‫سامية وملقاصدَ‬ ‫ٍ‬
‫لغايات‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الضاللة الذين قابلوا‬ ‫ِ‬
‫ألهل‬ ‫قاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قا َبلوا تلك الغايات واملقاصدَ باإليامن والعبودية‪ ،‬وال ع ٌ‬
‫تلك املقاصدَ بالرفض واالستخفاف؟!‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪69‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫احلقيقة الثانية‬
‫باب ا�لكر ِم والرحمة ِ وهو تجلِّي اس ِم «ا�لكريم والرَّحيم»‬
‫ُ‬
‫ِأمن املمكن لرب هذا العامل ومالِ ِكه الذي أظهر بآثاره كرما بال ٍ‬
‫هناية‪ ،‬ورمح ًة بال هناية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫يقر َر‬ ‫ِ‬ ‫للمحسنني مثوب ًة ُ‬ ‫وعز ًة بال هناية‪َ ،‬‬
‫تليق بكرمه ورمحته‪ ،‬وال ِّ‬ ‫َ‬ ‫وغري ًة بال هناية‪ ،‬أن ال ُيقدِّ ر‬
‫عزتَه َ‬
‫وغريتَه؟‪..‬‬ ‫تناسب ّ‬ ‫سيئني ُعقوب ًة ِ‬
‫َ‬ ‫للم‬
‫ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫عجزا‬
‫حي وأشدِّ ه ً‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫النظر يف سري احلوادث ابتدا ًء من أضعف كائن ٍّ‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان‬ ‫أنعم‬
‫فلو َ‬
‫منح سبحانَه‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫كائن يأتيه رز ُقه َر َغدً ا من ِّ‬ ‫أن َّ‬ ‫وانتها ًء بأقوى ٍ‬
‫كائن‪َ ،‬ل َوجدَ ّ‬
‫كل مكان‪ ،‬بل َي ُ‬
‫داويه‪ ..‬وهكذا‬ ‫مريض بام ُي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ف َّ‬
‫كل‬ ‫األرزاق وأحسنَها‪ ،‬وي ِ‬
‫سع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ألطف‬
‫َ‬ ‫أضع َفهم وأشدَّ هم ً‬
‫عجزا‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫واإلغداق‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‪،‬‬ ‫يافة الفاخر ُة‬‫الض ُ‬‫ب‪ ..‬فهذه ِّ‬ ‫ِ‬ ‫حاجة حاجتَه من ُ‬ ‫ٍ‬ ‫جيدُ ُّ‬
‫حيث ال َيتس ُ‬ ‫كل ذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمور‪.‬‬
‫َ‬ ‫َعم ُل وت ُ‬
‫ُدير‬ ‫أن يدا كريم ًة خالد ًة هي التي ت َ‬ ‫السامي‪ ،‬تد ُّلنا بداه ًة‪َّ ،‬‬ ‫والكرم‬
‫ُ‬ ‫املستم ُّر‪،‬‬

‫حور اجلنَّة‪-‬‬ ‫بالسندُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لل ُخ ْض ٍ‬


‫بح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فمثال‪َّ :‬‬
‫س ‪-‬كأهنا ُ‬ ‫ـر شبيهة ُّ‬ ‫األشجار مجيعا ُ‬ ‫إن إكسا َء‬
‫ألطف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بإنتاجها‬ ‫وتسخيرها خلِدمتِنا‬
‫َ‬ ‫األزهار اجلميلة وال ِّث ِ‬
‫امر اللطيفة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وتزيينَها بمرص ِ‬
‫عات‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اللطيفة‪ ..‬ومتكينَنا من َجن ِْي‬ ‫ِ‬
‫وألذها يف هنايات أغصانا التي هي أيدهيا‬ ‫ِ‬
‫املتنو َعة َّ‬ ‫ِ‬
‫األثامر ِّ‬
‫أمجل ٍ‬
‫ثياب وأل َينَها مما‬ ‫وإلباسنا َ‬
‫َ‬ ‫حشة سامة‪..‬‬ ‫العسل اللذيذ ‪-‬الذي فيه شفا ٌء للناس‪ -‬من َ‬
‫كل ذلك ُيرينا‬ ‫رمحة عظيمة لنا يف بذرة صغرية جدا‪ُّ ..‬‬ ‫زينة ٍ‬‫َ ُتوكُه حرش ٌة بال ي ٍد‪ ..‬وادخار َخ ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫بداه ًة كرما يف غاية اجلامل‪ ،‬ورمح ًة يف غاية ال ُّلطف‪.‬‬

‫َ‬
‫والوحوش‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫‪-‬عدا‬ ‫ِ‬
‫وكبريها َ‬ ‫املخلوقات‪َ ،‬ص ِ‬
‫غيرها‬ ‫ِ‬ ‫عي مجي ِع‬ ‫وكذا‪َّ ،‬‬
‫إن َس َ‬
‫ِ‬
‫واألرض إىل‬ ‫ِ‬
‫والقمر‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫ودقة كاملة‪ ،‬ابتدا ًء من‬ ‫وظائفها بانتظام تام ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكاسةَ‪ -‬إلنجاز‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أص ِ‬
‫الكام ِل‬ ‫واالنقياد‬ ‫الطاعة التا ّمة‬ ‫ضمن‬
‫َ‬ ‫يتجاوز أحدٌ حدَّ ه َق ْيدَ ُأ ُ‬
‫نم َلة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل ال‬ ‫خملوق‪،‬‬ ‫غر‬ ‫ْ‬

‫بقو ِة الكائن وقدرتِه‪ ،‬هو‬ ‫ُ‬


‫يؤخذ َّ‬ ‫ب االفتقار‪ ،‬وال‬ ‫احلالل ُيع َطى َ‬
‫حس َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الرزق‬ ‫الدليل القاطع عىل أن‬ ‫َ‬ ‫(‪ّ )1‬‬
‫إن‬
‫وبدانة األسامكِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضيق معيشة احليوانات الـمفرتسة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫سعة معيشة الصغار الذين ال طاق َة هلم وال حول‪،‬‬ ‫ُ‬
‫كسيا مع االختيار‬‫متناسبا َع ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فالرزق إذن يأيت‬ ‫والقر َدة ذوي الذكاء واحلِ َيل؛‬
‫الثعالب ِ‬
‫ِ‬ ‫وه ُ‬
‫زال‬ ‫البليدة ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُيل بضيق املعيشة وتكاليفها ابتالء أكثر‪( ،‬املؤلف)‬ ‫والقدرة‪ ،‬أي ك َّلام اعتَمدَ الكائن عىل إرادته ابت َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪70‬‬
‫تسكن ّ‬
‫إل بأمر العظيم‬ ‫َتحرك وال‬ ‫ِ‬ ‫المحفو َفني َهبيبة عظيمة‪ُ ،‬ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ظهر لنا أن هذه املخلوقات ال ت َّ‬
‫العز ِة واجلالل‪.‬‬
‫ذي َّ‬
‫أو احليوان ِ‬ ‫ِ‬
‫النبات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكذا‪ِ َّ ،‬‬
‫أو‬ ‫الضعاف العاجزين ‪-‬سوا ٌء يف‬ ‫إن عناي َة األمهات بأوالد َّ‬
‫هن‬
‫محة‪ )1(،‬وتَغذ َيتَها بالغذاء اللطيف السائغ من اللبن‪ ،‬تُريك‬
‫والر ُ‬ ‫الر ُ‬
‫أفة ّ‬ ‫ال َبرش‪ -‬عناي ًة ُ‬
‫ملؤها ّ‬
‫ِ‬
‫الرمحة املطلقة‪.‬‬ ‫عظم َة التّج ِّل ِ‬
‫يات‪ ،‬وسع َة‬ ‫َ‬

‫منتهى هلا‪ ،‬وله‬ ‫الر ُ‬ ‫ِ‬


‫محة التي ال َ‬ ‫الكرم الواس ُع‪ ،‬وهذه ّ‬
‫ُ‬ ‫رب هذا العامل ومد ِّب ُره له هذا‬ ‫فام دام ُّ‬
‫ِ‬
‫المستخ ِّفني‪ ،‬والكر َم‬ ‫واجلالل املطل َقني يقتضيان تأديب‬ ‫َ‬ ‫والعز ُة املطلقان‪ ،‬وأن ِ‬
‫الع ّز َة‬ ‫اجلالل ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫والرمح َة التي َو ِسعت َّ‬
‫َستدعي إحسانا‬ ‫كل يشء ت‬ ‫ب إكراما َغ َري متناه‪ّ ،‬‬ ‫الواسع املطلق َيتط َّل ُ‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫ضئيل‬ ‫إل جز ٌء‬ ‫ِ‬
‫القصري ّ‬ ‫والعم ِر‬ ‫ِ‬
‫يليق هبا‪ ،‬بينام ال يتح َّق ُق من كل ذلك يف هذه الدُّ نيا الفانية‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫طرة من بحر‪.‬‬ ‫جدا هو ك َق ٍ‬

‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫َنسج ُم مع تلك‬‫تليق بذلك الكر ِم العميم‪ ،‬وت ِ‬ ‫تكون هناك دار س ٍ‬
‫عادة ُ‬ ‫َ‬ ‫فالبد أن‬
‫ُ َ‬
‫املشهودة‪ ،‬بام هو كإنكار وجود الشمس التي يم ُ‬
‫أل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫الواسعة‪ّ ..‬‬
‫وإل َي َلز ُم ُجحو ُد هذه‬
‫حقيقة الر ِ‬
‫محة من الوجود‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستلز ُم انتفا َء‬ ‫َ‬
‫الزوال الذي ال َرجع َة بعده‬ ‫النهار‪ ،‬ألن‬ ‫نورها‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫والعقل املحمو َد عضوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتبديله الشفق َة مصيب ًة‪ ،‬واملحب َة ُحرق ًة‪ ،‬والنِّعم َة نقم ًة واللذ َة أملا‪،‬‬
‫مشؤوما‪.‬‬
‫وتنسجم معها‪ ،‬ألنه غالبا ما ُّ‬
‫يظل‬ ‫والعز َة‬ ‫َ‬
‫اجلالل‬ ‫تناسب ذلك‬ ‫ٍ‬
‫جزاء‬ ‫وعليه َفالبدَّ من دار‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫رحالن عىل حاهلام بال عقاب وال ثواب‪.‬‬ ‫الظالم يف عزتِه‪ ،‬والمظلوم يف ِذلته ُ ِ‬
‫وخنوعه‪ ،‬ثم َي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاألمر إذن ليس إمهاال قط‪ ،‬وإن ُأ ِ‬
‫مه َلت إىل حمكمة كربى‪ ،‬فالقضية مل تُهمل ولن تُهمل‪،‬‬ ‫ُ‬

‫الضعيف عىل نفسه بام َيظ َف ُر به من قطعة حلم‪ ،‬وهجو َم الدجاج‬‫َ‬ ‫األسد اجلائع ِشب َله‬
‫ِ‬ ‫إيثار‬
‫إن َ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪َّ ،‬‬
‫ثامرها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلبان عىل الكلب واألسد حفاظا عىل فراخه الصغرية‪ ،‬وإعدا َد شجرة الت ِ‬
‫ِّني لصغارها التي هي ُ‬
‫لت بأمر الرحيم الذي ال‬ ‫يدل بداهة ‪-‬ألهل البصائر‪ -‬عىل أهنا َح َص ْ‬‫كل ذلك ُّ‬ ‫لبنا خالصا من الطني‪ُّ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هناية لرمحته‪ ،‬والكريم الذي ال هناية لكرمه‪ ،‬والرؤوف الذي ال هناية لرأفته وش َف َقته؛ َّ‬
‫وأن قيا َم النباتات‬
‫يبني بالرضورة َّ‬
‫أن‬ ‫عي والشعور واحلكمة‪ُ ،‬‬ ‫الو ِ‬
‫شعور‪ ،‬بأعامل يف منتهى َ‬
‫َ‬ ‫واحليوانات التي ال وعي هلا وال‬
‫ِ‬
‫بأمره تأتـمر‪( ،‬املؤلف)‬‫عليام مطلقا وحكيام مطلقا هو الذي يسو ُقها إىل تلك األعامل‪ ،‬وهي ِ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪71‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ومتردت‬ ‫ِ‬ ‫العذاب يف ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بل قد ُت َع ّج ُل‬
‫القرون الغابرة بأقوام عصت َّ‬ ‫فإنزال‬ ‫العقوبة يف الدنيا؛‬
‫عرض دائام‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان ليس مرتوكا ِزما ُمه‪ ،‬يرسح َو َ‬
‫َ‬
‫فق ما ُيملي عليه هواه‪ ،‬بل هو ُم َّ‬ ‫يبني لنا أن‬
‫لصفعات ذي العزة واجلالل‪.‬‬
‫وز ِّو َد‬ ‫نيط به ‪-‬من بني مجيع املخلوقات‪ -‬مها ُّم َع ٌ‬
‫ظيمة‪ُ ،‬‬ ‫اإلنسان الذي ُأ َ‬
‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬إن هذا‬
‫نفسه إليه‬ ‫عرف ر َّبه «باإليامن» بعد ْ‬ ‫باستعدادات فِ ٍ‬
‫طرية كاملة‪ ،‬إن مل َي ِ‬ ‫ٍ‬
‫عرف سبحانه َ‬ ‫أن َّ‬
‫ِ‬
‫ب سبحانَه‬ ‫بمخلوقاته البديعة املنت َظمة‪ ..‬وإن مل ُيـح ِّبب َ‬
‫نفسه إليه بـ«العبادة» بعد أن ح َّب َ‬
‫الدالة عىل رمحتِه الواسعة‪ ..‬وإن مل يقم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة‬ ‫خلق له من الثامر املتنو ِ‬
‫عة‬ ‫ِّ‬ ‫َفس ُه إليه بام َ‬
‫ن َ‬
‫بالتوقري واإلجالل الالئ َقني به «بالشكر واحلمد» بعد أن َ‬
‫أظهر سبحانَه حم َّبته له ورمحتَه عليه‬
‫رتك سدً ى َ‬
‫دون جزاء‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ر َّبه هكذا‪ ،‬فكيف ُي َ‬ ‫عرف هذا‬ ‫بنعمه الكثرية‪ ..‬نعم‪ ،‬إن مل َي ِ‬
‫دارا للعقاب؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودون أن ُيعدَّ له ذو العزة واجلالل ً‬
‫ٍ‬
‫وسعادة أبدية‪ ،‬ألولئك‬ ‫ٍ‬
‫ثواب‬ ‫دار‬
‫الرب الرحيم َ‬ ‫ُّ‬ ‫منح ذلك‬ ‫وهل من املمكن أن ال َي َ‬
‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫املؤمنِني الذين قابلوا‬
‫تعريف ذاته سبحانَه هلم بمعرفتهم إ ّيا ُه بـ«اإليامن»‪ ،‬وقابلوا َتبِ َ‬
‫يب‬
‫ِ‬
‫وتوقيـره بـ«الشكر»؟‬ ‫ب له بـ «العبادة»‪ ،‬وقابلوا رمحتَه هلم بإجاللِه‬ ‫ِ‬
‫نفسه إليهم بح ِّبه والتح ُّب ِ‬

‫احلقيقة الثالثة‬
‫باب الحكمة ِ والعدالة وهو تَجلِّي اس ِم «الحكيم والعادل»‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫قانون الوجود ابتدا ًء من‬ ‫لطان ُربوبِ َّيتِه بتـدبري‬
‫أظهر ُس َ‬ ‫ٍ‬
‫خلالق ذي جـالل َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫أمن املمكن‬
‫الذرات وانتهاء باملجرات‪ ،‬بغاية احلكمة والنِّـظام وبمنتهى العدالة وامليزان‪ ..‬أن ال ي ِ‬
‫عامل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫والضالل يتو َّل ِ‬
‫دان غالبا‬ ‫َ َ‬ ‫الكفر‬
‫َ‬ ‫تتكرر كثريا‪ ،‬فهي تُفيد غاي ًة مهمة وهي‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )1‬إن عبار َة «أمن املمكن؟»‬
‫مسائل اإليامن بعيد ًة عن ميزان العقل‪ ،‬ف َيعدُّ ها حماال‪ ،‬و َيبدأ باإلنكار‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫من االستبعاد‪ ،‬أي َيرى‬
‫احلقيقي‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫واملحال‬ ‫احلقيقي‬
‫َّ‬ ‫وضحت بأدلة قاطعة‪ :‬أن االستبعا َد‬ ‫والكفر‪ ..‬ولكن هذه الكلمة العارشة َأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصعوب َة احل َّق َة واملشكالت العويص َة التي هي بدرجة االمتناع‪ ،‬إنام هي‬ ‫ِ‬
‫العقل‬ ‫ِ‬
‫موازين‬ ‫والبعدَ عن‬
‫ُّ‬
‫والسهولـ َة اجلاري َة جمرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفر و َم َنه ِج ِ‬
‫احلقيقي‪ ،‬واملعقولي َة التام َة ّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫اإلمكان‬ ‫أهل الضالل؛ وأن‬ ‫يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طريق اإليمـان‪ ،‬وجا ّدة اإلسالم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الوجوب‪ ،‬إنام هي يف‬
‫ِ‬
‫االستبعاد‪ ،‬والكلمة العارشة تبيِّ بتلك العبارة‪:‬‬ ‫إن الفالسف َة إنام َز ّلوا إىل اإلنكار نتيج َة‬ ‫واخلالصة‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫ُوج ُه رضب ًة عىل أفواه ِهم‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫يكمن االستبعا ُد‪ ،‬وت ِّ‬ ‫ُ‬ ‫«أمن املمكن؟» أين‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪72‬‬
‫باإلحسان من احت ََم ْوا بتلك الربوبية وانقادوا لتلك احلكمة والعدالة‪ ،‬وأن ال ُي ِاز َي أولئك‬
‫ِ‬
‫وطغيانم تلك الحكم َة والعدالة؟!‪.‬‬ ‫عصوا بكفرهم‬ ‫الذين َ‬
‫أو العقاب يف هذه احلياة الفانية عىل ٍ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬
‫يستح ُّقه من الثواب ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ال َيلقى ما‬ ‫بينام‬
‫أغلب ِ‬
‫أهل الضاللة دون‬ ‫رحل‬ ‫إل نادرا‪ ،‬بل ُي َّ‬ ‫ِ‬
‫العدالة ّ‬ ‫ِ‬ ‫يليق َ‬
‫ُ‬ ‫ؤخ ُر‪ ،‬إذ َي َ‬ ‫احلكمة وتلك‬ ‫بتلك‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫القضية‬ ‫ثوابم‪ ..‬فالبد أن ت َ‬
‫ُناط‬ ‫أكثر أهل اهلداية َ‬
‫دون أن ينالوا َ‬ ‫ذهب ُ‬ ‫أن َيل َق ْوا عقاهبم‪ ،‬و َي َ‬
‫عادة عظمى‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وبلقاء ِآي ٍل إىل س ٍ‬ ‫بمحكمة كربى‪،‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بحكمة مطلقة‪،‬‬ ‫يترصف فيه‬
‫ُ‬ ‫ف يف هذا الكون‪ ،‬إنام‬ ‫نعم‪ ،‬إنه َلواض ٌح أن الذي َي َّ‬
‫تصـر ُ‬
‫والفوائ ِد يف كل يشء‪ ..‬أال تَرى‬
‫ِ‬ ‫أتطلب برهانا عىل هذا؟ فانظر إىل رعايتِه سبحانَه للمصالح‬ ‫ُ‬
‫جزء منه ومكان‪،‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫اإلنسان مجيعا وعظا َمه وعرو َقه‪ ،‬وحتى َخالياه ِ‬
‫اجلسم َّي َة َّ‬ ‫ِ‬ ‫أن أعضا َء‬
‫ِ‬
‫الفوائد واألرسار‬ ‫سمه من‬ ‫عضو من أعضاء ِج ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كم شتَّى‪ ،‬بل إن يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قد ُروعيت فيه فوائدُ وح ٌ‬
‫األمور؛‬ ‫ُدير‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ب َقد ِْر ما تُنتِ ُجه الشجر ُة الواحد ُة من الثامر‪ ،‬مما يدل عىل َّ‬
‫َ‬ ‫أن يدَ حكمة مطلقة ت ُ‬
‫ين َيدُ َّل ِن عىل ّ‬
‫أن‬ ‫اللذ ِ‬ ‫ِ‬
‫الكام ِل فيها‪َ ،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء واالنتظا ِم‬ ‫ِ‬
‫صنعة ِّ‬ ‫التناس ِق البدي ِع يف‬ ‫فضال عن‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مطلقة‪.‬‬ ‫بحكمة‬ ‫األُ َ‬
‫مور تُؤ َّدى‬
‫ِ‬
‫أعامل‬ ‫ِ‬
‫صحيفة‬ ‫ِ‬
‫الصغرية‪ ،‬وكتاب َة‬ ‫ٍ‬
‫لزهرة مجيلة يف ُب ِ‬
‫ذيرتا‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‬ ‫خل َّط ِة‬ ‫ِ‬
‫نعم‪ ،‬إن تَضمني ا ُ‬
‫املعنوي‪ ..‬يرينا‬
‫ِّ‬ ‫س أجهزهتا‪ ،‬يف ن َُو َّيتِـها ِ‬
‫بقلم ال َقدَ ِر‬ ‫ِ‬
‫وفهر ِ‬ ‫ِ‬
‫حياتا‬ ‫ِ‬
‫وتاريخ‬ ‫شجرة َض ٍ‬
‫خمة‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫صنعة‬ ‫ِ‬
‫روعة‬ ‫تصـرف يف األمر‪ ..‬وكذا‪ ،‬وجــو ُد‬ ‫ٍ‬
‫قلم حكمة مطلقة هو الذي َي َّ‬ ‫بوضـوح أن َ‬
‫ِ‬
‫صـاحب‬
‫ُ‬ ‫ظهر أن صــانعا حكيام مطلقا هـو‬ ‫وإبدا ٍع يف منتهى الدرجة‪ ،‬يف خلقة كل شــيء‪ُ ،‬ي ُ‬
‫هـذا اإلبدا ِع وهذه النقوش‪.‬‬
‫فاتيح خزائن الرمحة كاف ًة‪ ،‬ومرايا األسامء‬ ‫س الكائنات مجيعا‪ ،‬و َم ِ‬ ‫هر ِ‬‫إدراج فِ ِ‬
‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬إن‬
‫الصن َع ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصغري لإلنسان‪َ ،‬لـم َّمـا يدُ ُّل عىل احلكمة البليغة يف ّ‬‫احلسنى ك ِّلها‪ ،‬يف هذا اجلسم َّ‬
‫والش ِ‬
‫ؤون‬ ‫ِ‬
‫اإلجراءات ّ‬ ‫يم ِنة عىل مثل هذه‬ ‫احلكمة الـمه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املمكن ِ‬
‫ملثل هذه‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫َُ‬ ‫البديعة‪ ..‬فهل َ‬
‫ِ‬
‫باإليامن‪ ،‬وأن ال‬ ‫الرباني ِة أن ال ت ِ‬
‫ُحس َن معامل َة أولئك الذين استظ ُّلوا بظ ِّلها وان َقا ُدوا هلا‬ ‫ّ ّ‬
‫تُثِي َبهم إثاب ًة َأ ِبد ّي ًة خالِدةً؟!‬
‫ِ‬
‫وامليزان؟‬ ‫امل بال َعدْ ِل‬
‫األع ِ‬ ‫ِ‬
‫إنجاز ْ‬ ‫وهل تريدُ برهانًا عىل‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪73‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫وإلباسه صور ًة معينة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫خاصة‪،‬‬ ‫وبمقاييس‬ ‫كل يشء وجودا بموازين حس ٍ‬
‫اسة‪،‬‬ ‫منح ِّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫إن َ‬
‫ٍ‬
‫عدالة وميزان مطل َقني‪.‬‬ ‫فق‬
‫األمور تسري َو َ‬ ‫ووض َعه يف موضع مالئم‪ُ ..‬يب ِّين بوضوح أن‬
‫َ‬
‫يلزم‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬
‫استعداده ومواهبِه‪ ،‬أي إعطا ُء ِّ‬ ‫حق ح َّقه َوفق‬ ‫وكذا‪ ،‬إعطا ُء ِّ‬
‫كل ما ُ‬ ‫كل ذي ٍّ‬
‫وري لوجوده‪ ،‬وتوفري مجي ِع ما حيتاج ِ‬
‫أن يدَ عدالة‬‫يدل عىل ّ‬‫لبقائه يف أفضل وضع‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هو َض ِ ٌّ‬
‫مطلقة هي التي تُس ِّير األمور‪.‬‬
‫ِ‬
‫احلاجة الفطرية‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫االستعداد ِ‬
‫أو‬ ‫ِ‬
‫املستم َّر ُة والدائمة ملا ُيسأل بلسان‬ ‫وكذا‪ ،‬االستِ ُ‬
‫جابة‬
‫أن عدال ًة مطلقة‪ ،‬وحكم ًة مطلقة مها اللتان ت ِ‬
‫ُجريان َع َجل َة الوجود‪.‬‬ ‫ُظهر ّ‬
‫بلسان االضطرار‪ ،‬ت ُ‬
‫ظمى‪ ،‬حاج َة‬ ‫احلكمة تلك الحاج َة ال ُع َ‬
‫ُ‬ ‫فاآلن‪ ،‬هل من املمكن أن ُت ِم َل هذه ال َعدا َل ُة وهذه‬
‫حاجة ألضعف خملوق؟‬ ‫ٍ‬ ‫حني أهنام ت ِ‬
‫َستجيبان ألدنى‬ ‫اإلنسان؟ يف ِ‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫خملوق وهو‬ ‫ألسمى‬ ‫ِ‬
‫البقاء‬
‫َ‬
‫وأل تصونا ِحشم َة الربوبية‬ ‫وأعظم ما يتمناه‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫أهم ما يرجو ُه‬
‫فهل من املمكن أن ُتر ّدا َّ‬
‫وتتخ َّلفا عن اإلجابة حلقوق العباد؟!‬
‫ينال وال ي ِ‬
‫مكنُه أن‬ ‫اإلنسان الذي يقيض حيا ًة قصير ًة يف هذه الدنيا الفانية‪ ،‬ال ُ‬
‫َ‬ ‫غيـر َّ‬
‫أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العدالة احل ّق ُة أن ُي َ‬
‫القي‬ ‫ُ‬ ‫حيث تقتيض‬ ‫ُؤخر إىل حمكمة كربى‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫ينال حقيق َة هذه العدالة‪ ،‬وإنام ت َّ‬
‫الصغيـر ثوا َبه وعقا َبه ال عىل أساس ِصغره‪ ،‬بل عىل أساس ضخامة جنايته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫هذا‬
‫إن هذه الدنيا العابر َة بعيد ٌة‬‫وحيث ّ‬
‫ُ‬ ‫همتِه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعىل أساس أمهية ماهيتَّه‪ ،‬وعىل أساس َعظمة ُم َّ‬
‫َ‬
‫املخلوق حلياة‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫خيص هذا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫تكون حمال ملثل هذه العدالة واحلكمة بام ُّ‬ ‫كل البعد عن أن‬
‫اجلامل وللحكيم ِ‬
‫اجلميل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعادل اجلليل ذي‬ ‫ٍ‬
‫دائمة‬ ‫جهنم‬ ‫أبد ّية فالبد من َج ٍنة أبدية‪ ،‬ومن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي اجلالل‪.‬‬

‫احلقيقة الرابعة‬
‫باب الجودِ والجمال وهو تجلِّي اس ِم «الجوادِ» و«الجمي ِ‬
‫ل»‬ ‫ُ‬
‫رسمدي‬ ‫ٍ‬
‫ومجال‬ ‫وخزائن ال تن َفد‪،‬‬ ‫تنضب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وثروة ال ُ‬ ‫ٍ‬
‫لجود وسخاء ُمطل َقني‪،‬‬ ‫أمن املمكن‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫وحمل ضيافة‪ ،‬يخ ُلد فيه‬
‫دار سعادة َّ‬ ‫ٍ‬
‫نقص فيه‪ ،‬أن ال يط ُلب َ‬‫أبدي ال َ‬
‫ٍّ‬ ‫وكامل‬ ‫ال مثيل له‪،‬‬
‫َ‬
‫املعجبون به؟‬ ‫املحتاجون للجود‪ ،‬الشاكرون له‪ ،‬واملشتاقون إىل اجلامل‪،‬‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪74‬‬
‫ِ‬
‫والقمر‬ ‫الشمس ِساجا‪،‬‬‫ِ‬ ‫اجلميلة اللطيفة‪ ،‬وج ْع َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات‬ ‫َزيين ِ‬
‫وجه العامل هبذه‬ ‫إن ت ِ َ‬
‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫بألذ األطعمة الشهية املتنوعة‪ ،‬وج ْع َل‬ ‫وملها ِّ‬ ‫طح األرض مائد ًة للنعم‪َ ْ ،‬‬ ‫وس ِ‬ ‫نورا‪َ ،‬‬
‫كل ذلك ُيظهر َسخا ًء َو ُجودا ال حدَّ هلام؛ فال بدَّ أن‬ ‫كل موسم‪ُّ ..‬‬ ‫وصحافا تتجدَّ ُد مرارا َّ‬ ‫أواني ِ‬
‫َ‬
‫اجلود والسخاء املطل َقني‪ ،‬وملثل هذه اخلزائن التي ال تن َفد‪ ،‬وملثل هذه الرمحة‬ ‫ِ‬ ‫يكون ملثل هذا‬ ‫َ‬
‫األنفس‬ ‫سعادة خالدة حيوي ما تشتهيه‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫ومحل‬ ‫دار ضيافة دائمة‪،‬‬ ‫وس َعت َّ‬ ‫التي ِ‬
‫ُ‬ ‫كل يشء‪َ ،‬‬
‫مالزمني لتلك‬ ‫ِ‬ ‫املتلذذون يف تلك الدار‪ ،‬ويظ ُّلوا‬ ‫ِّ‬ ‫األعني وتستدعي قطعا أن ُيـخ َّلد‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وتلذ‬
‫فمثل‬ ‫اللذة أمل ٌ كذلك‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فزوال‬ ‫أن َ‬
‫زوال األمل لذ ٌة‬ ‫بتعدوا عن الزوال والفراق‪ ،‬إ ْذ كام َّ‬ ‫السعادة لي ِ‬
‫َ‬
‫اإليذا َء قطعا‪.‬‬ ‫هذا السخاء َيأ َبى ِ‬

‫والسخاء‬ ‫جنة أبدية‪ُ ،‬‬ ‫أي إن األمر يقتيض وجود ٍ‬


‫وخلو َد املحتاجني فيها؛ ألن اجلو َد َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫غري املتناه َيني َيتط َّلبان تَن ُّعام‬
‫واإلحسان واإلنعا َم َ‬‫َ‬ ‫المط َل َقني يتطلبان إحسانا وإنعاما مط َل َقني‪،‬‬
‫شكره وامتنانَه‬ ‫ستح ُّق اإلحسان‪ ،‬كي ُي ِ‬ ‫تناهيي‪ ،‬وهذا يقتيض خلود من ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهر َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫غري ُم ّ ْ‬ ‫وامتنانا َ‬
‫والفراق‬ ‫الزوال ِ‬ ‫ُ‬ ‫سرية التي ُين ِّغ ُصها‬ ‫الدائم‪ّ ..‬‬ ‫بتنعمه الدائم إزاء ذلك اإلنعا ِم ِ‬
‫وإل فاللذ ُة ال َي َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫قتض هذا اجلود والسخاء‪.‬‬ ‫َنسجم و ُم َ‬ ‫ِ‬
‫يف هذه الفرتة الوجيزة ال ُيمكن أن ت ِ‬
‫ِ‬
‫مشاهد الصنعة اإلهلية‪ ،‬وتد َّبر يف ما‬ ‫شهدٌ من‬ ‫ثم انظر إىل َم ِ‬
‫عارض أقطار العامل التي هي َم َ‬
‫وأنصت إىل الداعني‬ ‫ٍ‬
‫إعالنات ربانية(‪ِ )1‬‬ ‫والحيوانات عىل وجه األرض من‬
‫ُ‬ ‫النباتات‬
‫ُ‬ ‫َت ِمله‬
‫األدل ِء إىل حماسن الربوبية وهم األنبيا ُء عليهم السالم واألوليا ُء الصاحلون‪ ،‬ﻛﻴﻒ َّﺃﻧﻢ‬ ‫ّ‬
‫ﺑﺘﺸﻬ ِﺮﻴﻫﻢ ﺻﻨﻌﺘَﻪ‬
‫ِ‬ ‫نقص فيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كامالت الصان ِع ذي‬ ‫رون و ُيب ِّي َ‬
‫ظه َ‬ ‫ُي ِ‬
‫اجلالل التي ال َ‬ ‫َّفقني‬
‫نون ُمت َ‬
‫ﻠﻔ َ‬ ‫ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﻭﻳ ِ‬
‫األنظار ﺇﻟﻴﻬﺎ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ﺘﻮﻥ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ ِ‬ ‫فلصانِ ِع هذا العامل ٌ‬ ‫إذن‪ِ ،‬‬
‫َت‪ ،‬فهو ُيريـدُ‬
‫في ُمـست ٌ‬ ‫لإلعجاب‪َ ،‬خ ٌّ‬ ‫ثري‬
‫يم ُم ٌ‬
‫فـائـق عظ ٌ‬ ‫كامل‬
‫َ‬
‫اإلعالن عنه‬ ‫ب‬ ‫اخلفي الذي ال نقص فيه يتط َّل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫الكامل‬ ‫إظهاره هبذه املصنوعات البديعة‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الدائم يقتض ظهورا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الكامل‬ ‫عجبِني بـه؛ َّ‬
‫وأن‬ ‫رؤوس أشهـاد ُمقـدِّ ِرين ُمسـتَحسنني ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬

‫املنضدة وهي يف منتهى اإلتقان‬


‫والثمر َة َّ‬ ‫والز ِ‬
‫خرفة‪،‬‬ ‫الز ِ‬
‫ينة َّ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪ ،‬إن الزهر َة اجلميلة وهي يف غاية ِّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫«لوحة إعالن»‬ ‫قتي بخيط دقيق يف هناية أغصان يابسة ُيبوس َة العظم‪ ..‬الشك أهنام‬ ‫واإلبداع‪ ،‬املع َّل ْ‬
‫ِ‬
‫صنعة الصانع املعجز احلكيم!‪ ..‬قس عىل النباتات احليوانات‬ ‫حماسن‬ ‫جتعل ذوي املشاعر يقرأون فيها‬
‫َ‬
‫أيضا‪( ،‬املؤلف)‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪75‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ِ‬ ‫وره يست ِ‬
‫بقاؤه‬
‫دوم ُ‬‫عجب الذي ال َي ُ‬
‫الم َ‬
‫المعجبني‪ ،‬إذ ُ‬
‫َ‬ ‫املستحسنني‬ ‫َدعي دوا َم‬ ‫دائام‪ ،‬وهذا بِدَ ِ َ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫نظره ِق ُ‬
‫يمة الكامل‪.‬‬ ‫َسق ُط يف ِ‬
‫ت ُ‬
‫الرائع َة املنت َِش َة يف هذا الك ِ‬
‫َون ت ُّ‬
‫َدل‬ ‫البديع َة الدَّ قيق َة ِ‬
‫العجيب َة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫ثم َّ‬
‫إن هذه‬
‫َ‬
‫اللة ض ِ‬
‫وء النهار عىل و ِ‬
‫املعنوي الذي ال‬
‫ِّ‬ ‫اسن اجلامل‬‫الشمس‪ -‬عىل َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫جود‬ ‫ُ‬ ‫بوضوح ‪-‬كدَ ِ َ‬
‫الح ِ‬
‫سن‬ ‫اخلفي الذي ال نظري له؛(‪َّ )2‬‬
‫وإن َت ِّل ذلك ُ‬ ‫ِّ‬ ‫حل ِ‬
‫سن‬ ‫لطائف ا ُ‬
‫َ‬ ‫َمثيل له‪ ،‬وت َ‬
‫ُريك كذلك‬
‫ٍ‬
‫موجودة يف األسامء‬ ‫كنوز كثرية خفية‬ ‫ِ‬
‫اجلامل الزاهر املقدَّ س يشري إىل ٍ‬ ‫نـزه‪ ،‬وذلك‬
‫الم َّ‬
‫ُ‬ ‫الباهر ُ‬
‫احلسنى‪ ،‬بل يف كل اسم منها‪.‬‬
‫مثيل له‪ ،‬أن يرى محاسنَه يف ِم ٍ‬
‫اخلفي السامي الذي ال َ‬ ‫الج ُ‬
‫رآة‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫مال‬ ‫ب هذا َ‬ ‫ومثلام َيط ُل ُ‬
‫ٍ‬
‫وأشواق إليه‪ ،‬فإنه يريد‬ ‫شاعر‬ ‫ِ‬ ‫درجات ُحسنِه‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ومقاييس مجاله يف مرآة ذات َم َ‬
‫َ‬ ‫شهدَ‬
‫عاكسة و َي َ‬
‫َ‬
‫أن َين ُظر إىل مجاله من‬
‫املحبوب أيضا بأنظار اآلخرين‪ ..‬أي ْ‬
‫َ‬ ‫ليى جما َله‬
‫الظهور والتجيل َ َ‬
‫َ‬
‫جهتني‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بالذ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلامل ّ‬
‫املختلفة املتعدِّ دة األلوان‪.‬‬ ‫ات يف املرايا‬ ‫األولى‪ُ :‬م َ‬
‫شاهد ُة‬
‫املستحسنِني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫المعجبِني‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املشتاقني‬ ‫املشاه ِدين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلامل بنظر‬ ‫واألخرى‪ُ :‬مشاهد ُة‬
‫«الرؤي َة واإلرا َءةَ» وهذا الشهو ُد‬
‫الشهو َد واإلشها َد ُّ‬ ‫واحلسن يقتضيان ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اجلامل‬ ‫أي َّ‬
‫إن‬
‫ُ‬
‫اجلامل‬ ‫املعجبِني‪ ..‬وملا كان‬
‫َ‬ ‫املشتاقني واملستحسنِني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املشاهدين‬ ‫واإلشها ُد يستلزمان وجو َد‬
‫الدائم‬ ‫َ‬
‫اجلامل‬ ‫ِ‬
‫املشتاقني وديمو َمتَهم‪ ،‬ألن‬ ‫واحلسن خالِدَ ين رسمد َّيني فإهنام يقتضيان ُخلو َد‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض عليه بعدم ال َعو َدة‬ ‫فالمشاهدُ الذي َيش ُع ُر بالزوال ‪-‬و ُق َ‬ ‫ال يرىض باملشتاق الزائل اآلفل‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫الزوال َمح ّبتُه عدا ًء‪ ،‬وإعجا ُبه استخفافا‪ ،‬واحترا ُمه إهان ًة‪،‬‬ ‫تصو ِره‬
‫بمجرد ُّ‬‫َّ‬ ‫تتحو ُل‬
‫إىل احلياة‪َّ -‬‬

‫عجب ُمس ِّليا‬ ‫اجلامل َط َردت أحدَ املعجبني هبا‪ ،‬فقال هذا امل ُ َ‬‫ِ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪ ،‬لقد َذ َهب مثال‪ :‬أن حسنا َء بارع َة‬
‫ذات عناقيد‬ ‫شجرة ِعنب ِ‬‫ِ‬ ‫مر ُد ٌّب حتت‬ ‫منكرا َ‬ ‫نفسه‪ :‬تبا هلا ما أقبحها‪ِ ..‬‬
‫مجال تلك اجلميلة؛ وذات يوم َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫ِ‬
‫وعجز عن التسلق‪ ،‬قال ُمتمتمـا‪ :‬إنه‬ ‫ِ‬
‫حللو‪ ،‬وملّا مل تصل يدُ ه إليه‪،‬‬
‫َ‬ ‫لذيذةً‪ ،‬فأراد أن يأكل من ذلك العنب ا ُ‬
‫فسل نفسه‪ ..‬ومىض يف طريقه‪( ،‬املؤلف)‬ ‫حامض‪َّ ،‬‬
‫حل ِ‬
‫سن‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات الشبيه َة باملرايا مع أهنا‬
‫تتعاقب بالزوال والفناء فإن وجو َد جتليات اجلامل نفسه وا ُ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )2‬إن‬
‫منـزه‪،‬‬‫حسن َّ‬‫ٍ‬ ‫آيات‬
‫اجلامل ليس ُملكا هلا‪ ،‬بل هو ُ‬ ‫َ‬ ‫تعق ُبها‪ ،‬يدل عىل أن ذلك‬ ‫جهها‪ ،‬ويف التي ُ‬ ‫عينِه يف َو ِ‬
‫ال مقدّ س‪( ،‬املؤلف)‬ ‫وأمارات َج ٍ‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪76‬‬
‫ضمر عدا ًء‬ ‫اإلنسان األناين مثلام يعادي ما جيه ُله‪ ،‬يعادي ما ال تصل إليه يدُ ه أيضا‪ ،‬في ِ‬ ‫َ‬ ‫ألن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وشوق بال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وحقدا وإنكارا لذلك اجلامل الذي ينبغي أن يقا َبل بام يستح ُّقه من َم ّبة بال هناية‬
‫كون الكافر َعدُ وا هلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬ ‫وإعجاب بال حدّ ‪ ..‬ومن هذا يفهم سر ِ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غاية‬
‫ُ َ ُ ُّ‬
‫سن يف اجلامل الذي ال َ‬
‫مثيل له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العطاء ِ‬
‫الح ُ‬ ‫غيـر املحدود‪ ،‬وذلك ُ‬ ‫الجو ُد يف‬‫وملا كان ذلك ُ‬
‫املشتاقني املستَحسنِني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشاكرين‪ ،‬وبقا َء‬ ‫نقص فيه‪ ..‬يقتيض خلو َد‬‫الكمال الذي ال َ‬ ‫ُ‬ ‫وذلك‬
‫دون أن َيستمتِع‬ ‫ضيافة الدنيا هذه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫كل شخص واختفا َءه برسعة يف دار‬ ‫ونحن ن ِ‬
‫ُشاهد رحل َة ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلامل‬ ‫إل نَزرا يسريا بام يفتح َش ِه َّيتَه فقط‪ ،‬ودون أن يرى من نور ذلك‬ ‫بإحسان ذلك السخاء ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الر ُ‬ ‫ِ‬
‫خالدة و َمشاهدَ أبد ّية‪.‬‬ ‫متنـزهات‬ ‫نحو‬
‫منطلقة َ‬ ‫حلة‬ ‫إل لمح ًة خاطفة‪ ..‬إذن ِّ‬ ‫والكامل َّ‬

‫صانعه الكريم‬‫ِ‬ ‫يدل بموجوداتِه دالل ًة قاطِع ًة يقينا على‬ ‫العالم ُّ‬ ‫أن هذا‬ ‫اخلالصة‪ :‬مثلما َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اآلخرة بال‬ ‫تدل كذلك على الدّ ِار‬ ‫ذي الجالل‪َ ،‬ف ِصفاتُه المقدَّ س ُة سبحانَه وأسماؤُ ه الحسنى ُّ‬
‫ريب وتظهرها‪ ،‬بل ت ِ‬
‫َقتضيها‪.‬‬ ‫ُ‬

‫احلقيقة اخلامسة‬
‫باب الشفقة ِ وعُبوديّة ِ ٍ‬
‫محمد ﷺ وهو تجلي اس ِم «المجيب» و«الرحيم»‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫حاجة ألدنى‬ ‫بص أخ َفى‬‫وشفقة َغ ِري متناهية ي ِ‬
‫ٍ‬ ‫رمحة واسعة‬‫ٍ‬ ‫لرب ذي‬
‫ُ‬ ‫أمن املمكن ٍّ‬
‫أخ َفت‬
‫سمع ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫برأفة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫خملوق‪ ،‬وي ِ‬
‫سع ُفه من‬
‫غري متناهية ورمحة سابغة‪ ،‬و َي ُ‬ ‫ب‬‫حيث ال َيتس ُ‬ ‫ُ‬
‫كل دا ٍع بلسان احلال واملقال‪ ،‬أمن املمكن ّ‬
‫أل‬ ‫يب َّ‬ ‫وي ُ‬ ‫صوت ألخ َفى خملوق ف ُيغي ُثه‪ُ ،‬‬
‫ألعظم عباده(‪ )1‬و َأحب ِ‬
‫خلقه إليه‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حاجة‬ ‫أهم‬ ‫ِ‬
‫َ ِّ‬ ‫الرحيم َّ‬ ‫املجيب َّ‬
‫ُ‬ ‫الرب‬
‫ُّ‬ ‫قض هذا‬
‫َي َ‬
‫ُيسع َفه بام يرجو ُه منه؟!‬
‫ِ‬ ‫وثالث ِم ٍئة‬ ‫ِ‬
‫أكثر من‬ ‫ومخسني سن ًة‪ ،‬والذي َعد ُد أ َّمته ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حكمه ألفا‬ ‫ُ‬
‫سلطان‬ ‫كم ودا َم‬‫إن الذي َح َ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪َّ ،‬‬
‫لو مكانتِه‬ ‫شهدون ب ُع ِّ‬ ‫أغلب األوقات‪ -‬وهم جيدِّ دون معه البيع َة يوميا‪ ،‬و َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ومخسني مليونا ‪-‬يف‬ ‫َ‬ ‫ثالث ِم ٍئة‬ ‫ِ‬
‫وخ ُس البرش َّي ِة‬ ‫نصف األرض ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫رغبة و َطواعية‪ ..‬هذا الذي تَرس َب َل‬ ‫ٍ‬ ‫ألوامره انقيادا تاما عن‬ ‫ِ‬ ‫وينقادون‬
‫أرواحهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قلوبم‪ ،‬ومربي َة‬‫الرشيفة حمبوب َة ِ‬
‫ُ‬ ‫حت ذاتُه‬‫املعنوي‪ ،‬و َأص َب ْ‬ ‫وانطبع بطا َب ِعه‬ ‫ِ‬
‫املبارك‪،‬‬ ‫بس َبالِه‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫رحب‬ ‫الكريم الذي َّ‬ ‫ُ‬ ‫لرب العاملني سبحانَه‪ ..‬هذا العبـدُ‬ ‫ومزكّي َة نفوسهم‪ ،‬ال ريب أنه العبدُ األعظم ِّ‬
‫أحب‬ ‫ِ‬ ‫فحمل ُّ‬
‫َ‬ ‫الكائنـات بمهمتِه ورسالتِه‬ ‫ِ‬ ‫أغلب أنوا ِع‬
‫ريب أنه ُّ‬ ‫كـل نوع ثمر ًة من ثمرات معجزاته‪ ،‬ال َ‬ ‫ُ‬
‫استعداد وتط ُلبه كحاجةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫البرشية بكل ما هلا من‬ ‫وأن اخللو َد الذي ترجوه‬ ‫العظيم‪َّ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫خملوق لدَ ى‬‫ٍ‬
‫ُ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪77‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ي تُريانِنا أن‬ ‫بسهولة و ُل ٍ‬
‫طف ِ‬
‫ظاه ِر َّي ْ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وضعافِها‪ ،‬وإعاشتُها‬ ‫ِ‬
‫احليوانات ِ‬ ‫ِ‬
‫صغار‬ ‫سن ترب َّي ِة‬
‫فح ُ‬‫ُ‬
‫َّـص ِ‬
‫فة‬ ‫مالك هذه الكائنات يسيـرها بربوبية ال حدَّ لرمحتِها؛ فهل يع َق ُل هلذه الربوبي ِة الـمـت ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ ُ‬
‫ِ‬
‫ألفضل َملوق؟!‬ ‫أل تَستجيب ألمجل ٍ‬
‫دعاء‬ ‫ِ‬
‫والرأفة ّ‬ ‫ِ‬
‫الشفقة‬ ‫بكامل‬
‫َ‬

‫نت هذه احلقيق َة يف «الكلمة التاسعة عرشة» ُأعيدُ َ‬


‫بيانا هنا‪:‬فيا َصديقي الذي‬ ‫وكام َب َّي ُ‬
‫هناك اجتامعا يف ج ٍ‬
‫زيرة‪َّ ،‬‬ ‫أن َ‬ ‫ِ‬
‫َّمثيلية‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫وأن مبعوثا‬ ‫َ‬ ‫احلكاية الت‬ ‫َيسم ُعني مع نفيس‪ ..‬لقد َذ ْ‬
‫كرنا يف‬
‫ُ‬
‫فاحلقيقة التي يشري ذلك إليها‪ ،‬هي ما يأيت‪:‬‬ ‫يرت ُل ُخطب ًة‪،‬‬‫كريام َ ِ‬

‫عصـر الن َُّّبو ِة‪ ،‬وبخيالنا إىل تلك‬ ‫ِ‬ ‫ب بأفكارنا إىل‬ ‫َذه ْ‬ ‫َجر ْد من هذا الزمان‪ ،‬و ْلن َ‬
‫ِ‬
‫تعال لنت َّ‬
‫زاول وظيفتَه بكامل ُعبود َّيتِه‪ ..‬انظر‪ ..‬كام أنَّه‬ ‫كي نَح َظى بزيارتِه ﷺ‪ ،‬وهو ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلزيرة العرب َّية ْ‬
‫لق‬ ‫وخ ِ‬ ‫ِ‬
‫السعادة َ‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬
‫إلجياد َ‬ ‫وهداية‪ ،‬فإنه ﷺ هو الدَّ ِ‬
‫اعي‬ ‫ٍ‬
‫رسالة ِ‬ ‫ِ‬
‫السعادة بام َأتَى به من‬ ‫بب‬
‫َ‬ ‫َس ُ‬
‫بود َّيتِه‪.‬‬
‫عائه وبع ِ‬
‫ُ‬
‫اجلن ِّة بدُ ِ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ربى‬ ‫دعو إىل السعادة األبد َّية يف َصالة ُك َ‬ ‫يدعو؟ إنه َي ُ‬ ‫الكريم‪ ..‬إال َم ُ‬ ‫َّبي‬
‫انظر إىل هذا الن ِّ‬
‫األرض ُبر َّمتِها‪ ،‬كأهنا ت َُص ِّل‬‫َ‬ ‫إن اجلزير َة العربي َة‪ ،‬بل‬‫َغر َق ٍة‪ ،‬حتى َّ‬ ‫رفيعة ُمست ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عبادة‬ ‫شاملة‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫َضم ُن عبودي َة مجي ِع ُأ َّمتِه‬
‫اجلميل‪ ،‬ذلك ألن ُعبوديتَه ﷺ تت َّ‬ ‫ِ‬ ‫مع صالتِه‪ ،‬وتَبت َِه ُل إىل اهلل با ْبتِهالِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء عليهم‬ ‫العبودية جلميع‬ ‫تتض َّم ُن ‪-‬برس املواف َقة يف األصول‪َّ -‬‬
‫سر‬ ‫الذين اتَّبعو ُه‪ ،‬كام َ‬
‫تضـر ٍع َر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قيق‪ -‬يف‬ ‫ُّ‬ ‫بدعاء ‪-‬ويا له من‬ ‫ترض ُع‬
‫ربى أ َّيام صالة! و َي َّ‬ ‫السالم؛ فهو َي ُؤ ُّم صال ًة ُك َ‬
‫اآلن وإىل يو ِم‬ ‫تنوروا بنور اإليامن ‪-‬من لدُ ن آد َم عليه السالم إىل َ‬ ‫عظيم‪ ،‬كأن الـذين َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُخ ُل ٍق‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫القيامة‪ -‬اقتدوا به‪ ،‬وأ َّمنوا عىل ُدعائه‪.‬‬

‫ٌ‬
‫حاجة‬ ‫أعل ِع ِّليني‪ ..‬فهي‬ ‫ِ‬
‫درجات َ‬ ‫أسفل سافِلني وتر َف ُعها إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دركات‬ ‫ملح ٍة ت ِ‬
‫ُنق ُذها من الرتدي إىل‬ ‫ُ َّ‬
‫باسم اجلميع‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫تقدم هبا ويرف ُعها إىل قايض احلاجات‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫أعظم العباد َي ُ‬
‫َ‬ ‫ظمى‪ ،‬ال ريب أن‬ ‫ُع َ‬
‫والسالم‪-‬‬ ‫ِ‬
‫املناجاة األمحدية ‪-‬عىل صاحبها الصال ُة‬ ‫األمة ك ُّلها‪ ،‬منذ‬
‫ُقيمها ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫مجيع الصلوات التي ت ُ‬
‫(‪ )1‬نعم‪ ،‬إن َ‬
‫عامة‬ ‫ِ‬
‫دائم لدعائه‪ ،‬و ُمشارك ٌة ٌ‬ ‫ومجيع الصلوات‪  ‬والتسليامت التي تبع ُثها إىل النبي ﷺ إن هي ّ‬
‫تأمني ٌ‬
‫ٌ‬ ‫إل‬ ‫َ‬
‫أفراد األمةِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كل فرد من‬ ‫تأميـن عىل ذلك الدعاء؛ وأن ما يؤديه ُّ‬ ‫ٍ‬
‫كل صالة وسالم عليه هو‬ ‫معه‪ ،‬حتى إن َّ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫عام عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تأميـن ٌ‬
‫ٌ‬ ‫من الصلوات عليه يف الصالة‪ ،‬ومن الدعاء َعقب اإلقامة ‪-‬لدى الشافعية‪ -‬إنام هو‬
‫دعائه باسم البرش َّية قاطب ًة البقا َء‬ ‫ذلك الدعاء الذي يدعو به للسعادة األبدية‪ ..‬فالنبي ﷺ يرجو يف ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اإلنسان ويرجو ُه بكل ما أويت من قوة بلسان حال فطرته‪ ،‬لذا‬ ‫ُ‬ ‫والسعاد َة األبدية‪ ،‬وهذا هو ما يريدُ ه‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪78‬‬
‫ِ‬
‫البقاء واخللود! هذه الدعو َة التي ال َي ِ‬
‫شرت ُك‬ ‫ِ‬
‫كحاجة‬ ‫لحاجة ٍ‬
‫عامة‬ ‫ٍ‬ ‫اهلل‬
‫دعو َ‬ ‫كيف َي ُ‬
‫انظر! َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫فتقول‬ ‫وجودات كاف ًة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫أهل الساموات أيضا‪ ،‬ال َب ِل َ‬
‫الم‬ ‫األرض وحدَ ُهم‪َ ،‬ب ْل ُ‬ ‫أهل‬‫فيها م َعه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إليك‬‫ونترض ُع َ‬
‫َّ‬ ‫نتوسل بك‬
‫فنحن َّ‬
‫ُ‬ ‫«آمني ال َّل ُه َّم آمني است ْ‬
‫َجب يا ر َّبنا دعا َءه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫احلال‪:‬‬ ‫بلسان‬
‫مث َله»‪.‬‬
‫ِّ‬
‫وبكل‬ ‫وو ٍّد‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫قة وح ٍ‬ ‫بكل ِر ٍ‬
‫تلك السعاد َة واخللو َد ِّ‬
‫سأل َ‬‫ثم انظر! إنه َي ُ‬
‫ب ُ‬‫وبكل ُح ٍّ‬ ‫زن‪،‬‬ ‫ُ‬
‫سه ُمه يف الدعاء‪.‬‬ ‫الكون مجيعا وي ِ‬
‫بكيه ف ُي ِ‬ ‫َ‬ ‫حز ُن‬ ‫وإحلاح‪ ،‬وبكل تَرض ٍع ور ٍ‬
‫جاء‪ُ ،‬ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شوق‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سامية‪ ..‬يط ُل ُبها ل ُي ِنق َذ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ولغاية‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‪،‬‬ ‫صد‬‫ثم انظر وتأمل‪ ..‬إنه يدعو طالبا السعاد َة ل َق ٍ‬
‫َّ‬
‫طلق‬‫الـم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أسفل سافلني‪ ،‬وهو الفنا ُء ُ‬ ‫التدي إىل هاوية‬ ‫اإلنسان واملخلوقات مجيعا من َّ‬
‫ِ‬
‫الواجبات وتَس ُّل ُم‬ ‫فعة والبقا ُء وتق ُّلدُ‬‫الر ُ‬ ‫والعبث؛ و َير َف َعه إىل أعىل ِع ِّل َ‬
‫ُ‬
‫يني‪ ،‬وهو ِّ‬ ‫ياع‬
‫والض ُ‬
‫َّ‬
‫مرتبة مكاتيب صمدانية‪ٍ.‬‬ ‫ِ‬ ‫ليكون أهال هلا وير َقى إىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املسؤوليات‪،‬‬
‫َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫توسال‬ ‫يطلب اإلعان َة ُمستغيثا ب ُبكاء‪ُ ،‬م ِّ‬
‫ترضعا راجيا من األعامق‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ان ُظر‪ ..‬كيف أنه‬
‫العرش‪َ ،‬ف ُّ‬
‫يهز ُهم وجدً ا‬ ‫َ‬ ‫بل‬ ‫ِ‬
‫الساموات‪ِ ،‬‬ ‫بل‬ ‫ِ‬
‫املوجودات مجيعا‪ِ ،‬‬ ‫بإحلاح‪ ..‬حتى كأنَّه ي ِ‬
‫سم ُع‬ ‫ُ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫هم آمني‪.‬‬ ‫آمني‪ ..‬ال َّل َّ‬ ‫وشوقا إىل دعائه وجي َع ُل ُهم ُير ِّد َ‬
‫دون‪َ :‬‬

‫ِ‬
‫بالقبول واالستجابة؟!‬ ‫قر َن هذا الدعا ُء‬ ‫يمكن ّ‬ ‫َنوروا ِ‬ ‫يؤ ِّم ُن َخل َفه ُ‬
‫أل ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫بنور اإليامن‪ ..‬فهل‬ ‫مجيع الذين ت َّ‬
‫(املؤلف)‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫باملنـزلة الرفيعة من‬ ‫رب هذا العامل عىل أفعال َمن هو‬ ‫لع ُّ‬‫أل ي ّط َ‬ ‫األحوال ّ‬ ‫بحال من‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪ ،‬إنه ال‬
‫مكن أيضا‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫َرصف يف الكون ِّ‬ ‫َخ ِ‬
‫شاهد‪ ..‬وال ُي ُ‬ ‫علم وبصرية وحكمة‪ ،‬كام هو ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫لقه‪ ،‬يف الوقت الذي يت‬
‫كل‬ ‫عباده‪ ،‬وهو امل َّط ِلع عىل ِّ‬‫املختار من ِ‬
‫ِ‬ ‫بدعاء هذا ِ‬
‫العبد‬ ‫ِ‬ ‫العليم‬ ‫الرب‬ ‫ِ‬
‫األحوال ّ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫بايل ذلك ُّ‬ ‫أل ُي َ‬ ‫بحال من‬
‫لتلك‬‫حيم َ‬ ‫ِ‬
‫األحوال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أفعالِه ودعواتِه؛ كذلك ال ي ِ‬
‫الر ُ‬ ‫القدير َّ‬
‫ُ‬ ‫الرب‬
‫ُّ‬ ‫يستجيب ذلك‬‫َ‬ ‫أل‬ ‫بحال من‬ ‫مك ُن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واالفتقار إليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التجرد‬ ‫ِ‬
‫الدعوات وهو َي َرى من صاحبِها َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بذلك‬ ‫َ‬ ‫والكون وماهيت ُُهام‬ ‫اإلنسان‬ ‫النبي ﷺ‪ ،‬وتَب َّين َْت َح ُ‬
‫قيقة‬ ‫وض ُع العا َلـم بنور ِّ‬ ‫نعم‪ ،‬لقد تَبدَّ ل ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مكاتيب صمداني ٌة تَستقر ُئ األسام َء‬ ‫َ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫فظهر أن َموجودات هذا‬ ‫ِ‬
‫بذلك الضياء؛‬ ‫َ‬ ‫فت‬ ‫ِ‬
‫النور‪ ،‬وان َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْكش ْ‬
‫النور‬
‫تليق بالبقاء‪ ..‬فلوال ذلك ُ‬ ‫غزى ُ‬ ‫ذات معنًى و َم ً‬ ‫َفيس ٌة ُ‬ ‫وموجودات ن َ‬‫ٌ‬ ‫فات‪،‬‬ ‫ومأمورات مو َّظ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫احلسنى‪،‬‬
‫ون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتت ظال ِم األوهام‪ ،‬حمكوما عليه بالفناء املطلق والعد ِم‪ ،‬تافها دون معنًى و ُد َ‬ ‫ُ‬ ‫ل َظ َّل‬
‫الكون مستورا َ‬
‫كل يشء يف األرض والسامء‪ ،‬من ال َّثرى‬ ‫ٍ‬ ‫الصدفة‪ ..‬وهلذا السِّ فإن َّ‬ ‫ِ‬
‫ووليدَ ُّ‬ ‫وسدى َ‬ ‫نفع‪ ،‬بل كان عبثا ُ‬
‫العبوديةِ‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إىل ال ُّثريا يستيض ُء بنوره ﷺ و ُيبدي عالقتَه به مثلام ُيؤ ِّم ُن‬ ‫ِ‬
‫روح‬‫اإلنسان لدعائه وال َغ ْر َو أن َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪79‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫قدير َسميع ك َِريم‪ ،‬ومن ٍ‬
‫عليم‬ ‫ويرجوها من ٍ‬ ‫ُ‬ ‫األبدي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يسأل السعاد َة والبقا َء‬ ‫وانظر‪ ..‬إنه ُ‬
‫يب له‪،‬‬‫ستج ُ‬‫ألضعف خملوق ف َيتداركُه برمحتِه‪ ،‬و َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حاجة‬ ‫سم ُع َأخ َفى‬ ‫صري ِ‬
‫رح ٍ‬ ‫َب ٍ‬
‫َ‬ ‫يم َيرى و َي َ‬
‫ِ‬
‫بلسان احلال‪.‬‬ ‫حتى إن َ‬
‫كان دعا ًء‬
‫بحكمة‪ ،‬مما ي ِنفي أي َة ُش ٍ‬
‫بهة بأن تلك الرعاي َة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ورمحة و ُيغي ُثه‬ ‫ٍ‬
‫ببصرية‬ ‫يستجيب ل ُه‬ ‫نعم‪ ،‬إنه‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كريم َر ِحيم‪.‬‬
‫عند ٍ‬ ‫إل ِمن ِ‬ ‫الدقيق ليس ّ‬
‫َ‬ ‫َّدبري‬ ‫ٍ‬
‫إل من َلدُ ن سمي ٍع َبصري‪ ،‬وأن ذلك الت َ‬ ‫ليست ّ‬
‫ْ‬ ‫الفائق َة‬
‫العرش األع َظ ِم‪ ،‬رافعا‬ ‫ِ‬ ‫متوجها إىل‬‫ِّ‬ ‫ميع َبنِي آد َم عىل هذه األرض‬ ‫نعم‪ ،‬إن الذي يقو ُد َج َ‬
‫البرش ّي ِة‪..‬‬ ‫الصة عبود َّي ِة‬ ‫األحد َّي ِة التي هي ُخ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫بود ِية ْ‬ ‫يقة الع ِ‬
‫ُ‬
‫بحق ِ‬ ‫شام ٍل ِ‬ ‫بدعاء ِ‬ ‫َيد ْي ِه‪ ،‬داعيا‬
‫ان؟!‬ ‫األزمان واألكو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‪ ،‬و َف ِريدُ‬ ‫رف اإلنسانِ َّي ِة‪ ،‬و َف ْخ ُر‬ ‫تُرى ماذا ُيريدُ ؟ ماذا ُي ِريدُ َش ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫يسأل اخللو َد يف ِ‬ ‫لنفسه وأل َّمتِه‪ ،‬إنه ُ‬ ‫األبدي َة ِ‬ ‫يسأل السعاد َة ِ‬ ‫ِ‬
‫البقاء‪ ،‬إنه‬ ‫دار‬ ‫ّ‬ ‫لنُنص ْت إليه‪ ..‬إنَّه ُ َّ‬
‫بجاملا يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫املتج ِّل ِية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ُ‬
‫مرآة‬ ‫رجوها مع تلك األسامء اإلهل ّية َ‬ ‫َعيمها‪ ..‬نعم‪َ ،‬يسأهلُا و َي ُ‬ ‫سأل اجلنَّ َة ون َ‬
‫األسامء احلسنَى كام تَرى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ستشف ُع َ‬
‫بتلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪ ..‬إنه َي‬
‫ِ‬
‫دالئل‬ ‫لآلخرة وال يش ٌء من‬ ‫ِ‬ ‫موجبة ال تُعدُّ وال ُت َص‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سباب‬ ‫رأيت إن مل يكن يش ٌء من َأ‬ ‫َأ َ‬
‫إلجياد اجلنَّة(‪ )1‬التي ِهي سهل ٌة‬ ‫ِ‬ ‫الكريم ﷺ َوحدَ ه سببا كافِيا‬ ‫ِ‬ ‫َّبي‬ ‫ِ‬
‫أليس دعا ُء هذا الن ِّ‬ ‫وجودها‪َ ،‬‬
‫احلياة إىل األرض يف أ ّيا ِم الربيع؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعادة‬ ‫كسهو َل ِة‬ ‫ِ‬ ‫درة ِ‬ ‫عىل ُق ِ‬
‫الرحيم‪ُ ،‬‬ ‫خالقنا‬
‫للحرش‪ ،‬فأوجدَ فيه ِمئ َة ألف ن َُمو َذ ٍج‬
‫ِ‬ ‫األرض يف الربيع ِمثاال‬
‫ِ‬ ‫طح‬ ‫نعم‪ ،‬إن الذي َ‬
‫جعل َس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب عليه إيجا ُد اجلنة؟‪ ..‬إذن فكام كانت رسالتُه ﷺ‬ ‫من نامذ ِجه بقدرته املطلقة‪ ،‬كيف َيص ُع ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املحم ِد ِية ُ‬


‫نوع من الدعاء‪َ ،‬فن ُّ‬
‫ُمو‬ ‫إل ٌ‬ ‫حركات الكون ووظائ َفه مجيعا ما هي ّ‬ ‫ومَّها إنام هو الدعا ُء بل إن‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نوع من دعاء لبارئها لتُصبِ َح شجر ًة باسق ًة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إل ٌ‬ ‫وحتوالتا مثال ما هو ّ‬ ‫ُ‬ ‫ذرة‬ ‫البِ َ‬
‫ِ‬
‫بمثابة‬ ‫ِ‬
‫األرض الذي هو‬ ‫البديعة التي ال تُعدُّ وال ُتص عىل و ِ‬
‫جه‬ ‫ِ‬ ‫نعة الدَّ ِق ِ‬
‫يقة‬ ‫َامذج الص ِ‬ ‫إن إبداء ن ِ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ألف‬ ‫ثالث ِم ِئة ٍ‬
‫ِ‬ ‫احلشـر والقيا َم ِة يف‬
‫ِ‬ ‫نامذج‬ ‫سيح‪ ،‬وكذا إراء َة ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة ال َف ِ‬ ‫غرية بالنسبة إىل عامل‬ ‫حيفة ص ٍ‬ ‫ص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موازنة وانتظام‪ ،‬وكتا َبتَها يف تلك الصحيفة الواحدة هبذا النظا ِم البديعِ‪ ،‬الشك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫من خملوقات ذات َ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لق‬ ‫إن َخ َ‬ ‫ُ‬
‫القول‪َّ :‬‬ ‫صح‬ ‫ب‪ ،‬لذا َي ُّ‬ ‫الر ْح ِ‬
‫والر ْفعة يف عامل البقاء َّ‬ ‫املوسومة بالفخامة ِّ‬ ‫أهنا أع َقدُ من َت ِي َئة اجلنَّة ُ‬
‫خلق‬ ‫أكثر مـمـا يبع ُثها ُ‬ ‫ِ‬ ‫بعث عىل ا ِ‬ ‫أمر َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حدائق الربي ِع بام فيها من‬ ‫ِ‬
‫حلرية والدهشة َ‬ ‫َ‬ ‫ياحني ٌ‬ ‫والر‬
‫األزهار ّ‬
‫الربيع‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫درجة اجلنة ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورف َعة مكانتها عىل َّ‬ ‫لو‬ ‫اجلنّة‪ ،‬وبنسبة ُع ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪80‬‬
‫ارت بيانا وإيضاحا ِ‬
‫لس ِّـر « َل ْو َلك َل ْو َل َك َل َما َخ َل ْق ُ‬
‫ت‬ ‫وص ْ‬ ‫ِ‬ ‫َسببا إلجياد ِ‬
‫دار االمتحان هذه‪َ ،‬‬
‫الدار الس ِ‬ ‫األ ْف َل َك»(‪ )1‬فإن ُع ِ‬
‫عيدة األَبد َّية‪.‬‬ ‫خللق تلك ِ َّ‬ ‫بوديتَه كذلك أصبحت َسببا ِ‬

‫الـمتقن َِة‬‫والصنعة ُ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫العقول‪،‬‬ ‫ـم ال َبدي ِع الذي َح َّي َر‬ ‫فهل من املمكن يا ت َُرى ِالنتِظا ِم العا َل ِ‬
‫وفوض‬ ‫َ‬ ‫قبل ُقبحا فظيعا و ُظلام شنِيعا‬ ‫أن َي َ‬ ‫عة‪ْ ،‬‬‫الواس ِ‬‫الرمحة ِ‬ ‫ِ‬ ‫لة يف إِ ِ‬
‫طار‬ ‫الشام ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربوبية‬ ‫وج ِ‬
‫مال‬ ‫َ‬
‫أكثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أطنابا‪ ،‬بعد ِم استجا َبة ذلك الدعاء أي أن ال ُيراع َي وال‬ ‫ضارب ًة‬
‫يسمع وال ُينج َز َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫حني أنه ي ِ‬ ‫ِ‬
‫غرها‪،‬‬ ‫وأص َ‬ ‫أبسط الرغبات ْ‬ ‫َ‬ ‫راعي باهتامم بالغ‬ ‫مهي ًة‪ ،‬وأشدَّ ها رضور ًة يف ِ ُ‬ ‫الرغبات أ ّ‬
‫لف‬ ‫لف َأ ِ‬ ‫كل َأ ُ‬ ‫كل ُث َّم ّ‬ ‫حاجة حاجتَه! ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل ذي‬ ‫ويقض ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصوات وأد َّقها‬ ‫فت‬
‫أخ َ‬ ‫سمع ْ‬‫و َي ُ‬
‫فالرسول ﷺ إذن َيفت َُح بعبود ّيتِه‬ ‫ُ‬ ‫(‪)2‬‬
‫يكون َق ً‬
‫بيحا؛‬ ‫َ‬ ‫ولن‬
‫َّشو َه ْ‬ ‫ِ‬
‫اجلامل َيأ َبى الت ُّ‬ ‫مثل هذا‬ ‫َمرة‪ ،‬إن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫باب الدنيا‪.‬‬‫تح برسالته َ‬ ‫باب اآلخرة مثلما َف َ‬ ‫َ‬
‫ادلنيا َو َدار َ‬ ‫َ َ ْ َ َ َ ُ َّ ْ ٰن م ْل َء ُّ‬
‫ان‪.‬‬
‫اجلن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫علي ِه صلوات الرح ِ ِ‬
‫َُ َ ُّ َ َْْ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ ٰ َ ْ َ َ َ ُ َ ٰ َ َ‬
‫ي َوفخ ُر‬ ‫الى هو س ِيد الكون ِ‬ ‫يب ِ‬ ‫الل ص ِل وس ِلم عل عب ِدك ورسولِك ذلِك احل ِب ِ‬
‫ٰ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َ ُ َّ َ ْ َ َ َ ُ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َّ َ َ ْ‬
‫ي َو َعل‬ ‫ي ورسول اثلقل ِ‬ ‫ي وذو اجلناح ِ‬ ‫ي وحياة ادلاري ِن وو ِسيلة السعادت ِ‬ ‫العالم ِ‬
‫آ‬
‫ني‪� ..‬م َ‬ ‫الم ْر َسل َ‬ ‫ني َو ُ‬ ‫انلب ّي َ‬
‫َ ّ‬ ‫َْ َ َ َٰ ْ َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫آ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫� ِ ِل وصح ِب ِه أج ِعني وعل إخوانِ ِه ِمن ِ ِ‬

‫احلقيقة السادسة‬
‫باب العظمة ِ والسرمدِية ِ وهو تجلِّي اس ِم «الجلي ِ‬
‫ل» و«الباقِي»‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األشجار وإىل‬ ‫ِ‬
‫الشموس إىل‬ ‫ِّ‬
‫ويسخ ُرها من‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫دير‬ ‫ٍ‬
‫جليل ُي ُ‬ ‫لرب‬
‫أمن املمكن ٍّ‬

‫(‪« )1‬إنه صحيح معنًى ولو ُض ّعف مبنى» عيل القاري‪ ،‬رشح الشفا ‪6/1‬؛ األرسار املرفوعة ‪385‬؛ العجلوين‪ ،‬كشف اخلفاء‬
‫‪214/2‬؛ الشوكاين‪ ،‬الفوائد املجموعة ‪.326‬‬

‫من عـدَ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حمال باالت ِ‬ ‫ِ‬


‫احلقائق ٌ‬ ‫(‪ )2‬نعم‪َّ ،‬‬
‫الضدِّ إىل ضدِّ ه؛ وض َ‬ ‫الب ِّ‬ ‫ِّفاق‪ ،‬وأشدُّ ُماالته هو انق ُ‬ ‫انقالب‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫احتفاظ ِه‬
‫ِ‬ ‫الش ِء مع‬ ‫انقالب َّ‬
‫ُ‬ ‫الضدَّ قطعا‪ ،‬وهي‬ ‫قيقة ال ت ُ‬
‫َقبل ِّ‬ ‫ِ‬
‫أضدادها َح ٌ‬ ‫ِ‬
‫انقالب احلقائق إىل‬ ‫ِ‬
‫إمكان‬
‫احلقيقي!‬ ‫الق ِ‬
‫بـح‬ ‫ِ‬
‫اجلمـال إىل ُ‬ ‫ِ‬
‫احتفاظه هبذا‬ ‫املطلق مع‬ ‫ُ‬
‫اجلامل‬ ‫نقلب‬ ‫بامهيتِه إىل ِ ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫عني ضـدِّ ه‪ ،‬كـأن َي َ‬ ‫َّ‬
‫وأكثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواضح والظاهر ظهورا َجليا إىل ضدِّ ه مع بقائه عىل ماه َّيته هو َأشدُّ ُماال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحـو ُل مجال الربوبية‬
‫ُ‬ ‫فت ُّ‬
‫عجبا يف أحكا ِم العقل‪( ،‬املؤلف)‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪81‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫يقضون حيا ًة ُمؤقت ًة‬
‫َ‬ ‫فانني‬
‫مساكني َ‬ ‫َ‬ ‫نرش سلطانِه عىل‬
‫قص َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذرات‪ ،‬كأهنا جنو ٌد ُمجنَّدةٌ‪ ،‬أن َي ُ َ‬
‫باق ٍية له؟!‬
‫جليلة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ومدار ُربوب َّي ٍة‬
‫َ‬
‫نشئ مقرا ساميا س ِ‬
‫مديا‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دار ضيا َفة الدنيا هذه‪ ،‬وال ُي َ ًّ‬ ‫يف ِ‬
‫ِ‬
‫املواس ِم‪..‬‬ ‫خم ِة َ‬
‫أمثال تَبدُّ ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن ما ن ِ‬
‫الض َ‬‫اجلليلة ّ‬ ‫اإلجراءات‬ ‫الكون من‬ ‫ُشاهدُ ه يف هذا‬
‫عل‬‫أمثال َج ِ‬ ‫شة َ‬ ‫ده ِ‬ ‫ِ‬
‫التسخريات الـم ِ‬ ‫َسي ِري النجو ِم‪ ..‬ومن‬ ‫أمثال ت ِ‬
‫العظيمة َ‬ ‫ِ‬ ‫ومن الترص ِ‬
‫فات‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫َزيينها‬ ‫األرض وت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّحوالت الواسعة َ‬
‫أمثال إحياء‬ ‫ِ‬ ‫والش ِ‬ ‫األرض ِمهادا َّ‬
‫ِ‬
‫مس ساجا‪ ..‬ومن الت ُّ‬
‫احلجاب ربوبي ًة جليل ًة َعظيم ًة َتكُم وتُه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بعدَ جفافِها‬
‫يم ُن‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ ُ ّ‬ ‫بجالء أن ورا َء‬ ‫وموتا‪َ ..‬ل ُيب ِّي ُن لنا‬
‫َدعي رعايا ي ِل ُيقون هبا‪ ،‬ومظاهر ت ِ‬
‫ُناس ُبها‪.‬‬ ‫ربوبية كهذه تَست ِ‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫فسلطنة‬ ‫ِ‬
‫بسلطانا اجلليل؛‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اجتمعوا مؤقتا‬ ‫والعباد قد‬ ‫ِ‬ ‫أفضل املزايا وأجم ُعها من الرعايا‬ ‫ُ‬ ‫بينام ت ََرى أن َمن هلم‬
‫َ‬
‫إل‬‫فر ُغ يوميا‪ ،‬والرعايا ال يلبثون فيه ّ‬ ‫نفسه ُيم ُ‬ ‫منهوكني يف م ِض ِ‬
‫أل و ُي َ‬ ‫ضيف ُ‬ ‫ُ‬ ‫والـم‬
‫َ‬ ‫يف الدنيا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫فالرعايا‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه يتبدَّ ُل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امتم يف ميدان اال ْخت ِ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار أداء َتربة م ِه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل ساعة؛ َّ‬ ‫والميدان ُ‬ ‫بار هذا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اآلالء ال ّثمين َِة للخالق ذي‬ ‫ِ‬ ‫معارض س ِ‬ ‫دقائق معدود ًة لر ِ‬ ‫َي ِق َ‬
‫وق العاملِ من ن ِ‬
‫َامذج‬ ‫ِ ُ‬ ‫ؤية ما يف‬ ‫ُ‬ ‫فون َ‬
‫اهلائ ِل‪ ،‬ومن‬‫ض ِ‬ ‫املعر ِ‬ ‫نعه سبحانَه يف هذا ِ‬ ‫ِّجارة‪ -‬بدائع ص ِ‬ ‫شاه ِدين ‪-‬ألجل الت ِ‬ ‫اجلالل‪ ،‬وم ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫فمن َي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تغي َّ‬ ‫والم ِ‬ ‫َث َّم َي ِغ َ‬
‫والقابل‬ ‫رحل فال َع ْود َة له‪،‬‬ ‫كل دقيقة! َ‬ ‫نفسه َيتبدّ ُل و َي َّ ُ‬ ‫عر ُض ُ‬ ‫يبون‪َ ،‬‬
‫وخلف‬
‫َ‬ ‫يف الفاين‪،‬‬ ‫أن وراء هذا الـم ِض ِ‬ ‫بوضوح وبشكل قاطع َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الوضع ُي َبيِّ ُ‬ ‫راحل؛ فهذا‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مد ّي ِة‪،‬‬
‫لطنة الس ِ‬
‫ّ‬
‫تليق بالس ِ‬
‫ّ‬ ‫املعرض املتبدِّ ِل‪ ،‬قصورا دائم ًة ُ‬ ‫ِ‬ ‫ـر‪ ،‬و َبعد هذا‬ ‫ِ‬
‫امليدان املتغ ِّي ِ‬ ‫هذا‬
‫الراقية للنامذج التي نَراها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالصة‬ ‫ِ‬
‫باألصول‬ ‫وخزائن َم ْلى‬ ‫نان‪،‬‬ ‫ذات ِج ٍ‬ ‫ومساكن أبدي ًة َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واالستخدام هنا ل َق ِ‬
‫بض‬ ‫ُ‬ ‫عي هنا إنام هو ألجل تلك األصول‪..‬‬ ‫والس ُ‬‫أب َّ‬ ‫يف الدنيا؛ لذا فالدَّ ُ‬
‫يفقدها‪.‬‬ ‫واجتهاده سعاد ٌة وافِر ٌة إن مل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استعداده‬ ‫حسب‬ ‫فلكل‬‫األجرة هناك‪ٍّ ..‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫الفانني األَ ِذ ّل ِء‪..‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرسمدية مقصور ًة عىل هؤالء‬ ‫ِ‬
‫السلطنة‬ ‫تظل ُ‬
‫مثل هذه‬ ‫حمال أن َّ‬
‫نعم‪ ،‬إنه ٌ‬
‫ِ‬
‫منظار هذا املثال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة من خالل‬ ‫فانظر إىل هذه‬
‫عظيم لضيوفِه‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫ملك‬ ‫هب أنَّك تسري يف طريق‪ ،‬وت ِ‬
‫ُشاهدُ أن عليها « ُفندُ قا فخام» بنا ُه ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُي ِنفق‬
‫ربوا‬‫مبالغ طائل ًة لتزيينه وجتميله لليلة واحدة كي ُيدخل البهج َة يف قلوب ضيوفه‪ ،‬و َيعت ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫التزيينات‪ ،‬وال‬ ‫إل عىل أقل القليل من تلك‬ ‫تفرجون ّ‬ ‫َ‬ ‫بام يرون؛ َبيد َّ‬
‫الضيوف ال َي َّ‬
‫َ‬ ‫أولئك‬ ‫أن‬
‫إل قليال ومن َث َّم يغادرون ال ُفندُ َق‬ ‫َ‬
‫لبثون ّ‬ ‫ِ‬
‫القليل من تلك النِّعم‪ُ ،‬‬
‫حيث ال َي‬ ‫إل َّ‬
‫أقل‬ ‫َيذوقون ّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪82‬‬
‫ملكون من‬ ‫الفندق بام ي ِ‬
‫ِ‬ ‫صور أشيا َء يف‬ ‫ِ‬ ‫طون من‬ ‫لتق َ‬ ‫دون أن يرتَووا ويشبعوا‪ِ ،‬سوى ما ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ُ‬
‫حركات هؤالء‬ ‫ِ‬ ‫حيث يلتقطون‬ ‫وخدّ ا ُمه ُ‬ ‫ِ‬
‫الفندق ُ‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫يفعل ُ‬
‫عامل‬ ‫تصـوير وكذلك ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫آلة‬
‫لونا‪ ..‬فها أنت ذا ترى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ُّـزالء وس ِ‬ ‫ِ‬
‫امللك ُيهدِّ ُم يوميا‬‫أن َ‬ ‫كناتم بكل د ّقة وأمانة و ُي ِّ‬
‫سج َ‬ ‫َ‬ ‫الن‬
‫جديدة للضيوف اجلدُ ِد‪ ..‬أ َف َبعد هذا َيب َقى‬ ‫ٍ‬ ‫َّفيس ِة‪ُ ،‬مدِّ دا إياها بأخرى‬ ‫ِ‬
‫أغلب تلك التزيينات الن َ‬
‫ملك قصورا دائم ًة عالي ًة‪،‬‬ ‫قارعة هذه الطريق ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الفندق عىل‬ ‫أن َمن بنى هذا‬ ‫شك يف َّ‬ ‫لديك ٌّ‬
‫َ‬
‫بديه من الكرم يف‬ ‫ينقطع؛ وأن ما ي ِ‬ ‫دائم ال ِ‬ ‫سخاء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫ثمينة ال تنفدُ ‪ ،‬وهو ذو‬ ‫وله خزائن ِ‬
‫زاخر ٌة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحتريكها ملا أعدَّ‬ ‫رغباتم‬‫ِ‬ ‫الفندق هو إلثارة َشه َّي ِة ضيوفِه إىل ما عندَ ه من أشيا َء‪ ،‬ولِتنبِيه‬ ‫ِ‬ ‫هذا‬
‫هلم من هدايا؟!‬

‫املثال يف أحوال ُفندُ ِق الدنيا هذه‪ ،‬وأ ْن َع َ‬


‫مت النظر فيها بِ ْ‬
‫وع ٍي‬ ‫لت من خالل هذا ِ‬
‫فإن تأ َّم َ‬
‫األسس التِّسع َة اآلتية‪:‬‬
‫َ‬ ‫فستفهم‬
‫َ‬ ‫تا ٍم‬

‫الأساس الأول‪ :‬أنك َس ُ‬


‫ٌ‬
‫فمحال‬ ‫يست ِ‬
‫لذاتا‪،‬‬ ‫أيضا كهذا ال ُف ِ‬
‫ندق َل ْ‬ ‫أن هذه الدنيا ً‬ ‫تفهم َّ‬
‫نـزل ِح ٍّل‬ ‫بنفسها هذه الصور َة واهليئ َة‪ ،‬وإنام هي دار ِض ٍ‬
‫يافة تُمأل وتُفر ُغ‪ ،‬و َم ُ‬ ‫ُ‬
‫لنفسها ِ‬
‫َّخ َذ ِ‬ ‫أن تت ِ‬
‫ِ‬
‫املوجودات واملخلوقات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لقافلة‬ ‫ٍ‬
‫بحكمة‬ ‫َرحال‪ُ ،‬أ ِ‬
‫نش َئت‬ ‫ٍ‬ ‫وت‬
‫ربم‬ ‫مسافرون‪َّ ،‬‬
‫وأن َّ‬ ‫َ‬ ‫يوف‬ ‫ِ‬
‫الفندق هم ُض ٌ‬ ‫الأساس الثاني‪ :‬وست َ‬
‫َفه ُم أن ساكني هذا‬
‫السالم‪.‬‬ ‫الكريم يدعوهم إىل ِ‬
‫دار َّ‬ ‫َ‬
‫َّلذ ِذ والتّم ُّت ِع‬ ‫ِ‬
‫التزيينات يف هذه الدنيا ليست ألجل الت ُّ‬ ‫وستفهم َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫الأساس الثالث‪ :‬‬
‫ُذيق َك‬‫وساعات‪ ،‬فهي ت ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ساعات‬ ‫األلم بفراقها‬ ‫فحسب‪ ،‬إ ْذ لو أذا َقت َْك اللذ َة ساع ًة‪ ،‬أذا َق َ‬
‫تك‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫للش َبع‪ ..‬إذن‬ ‫عمرك‪ ،‬إذ ال يكفي ِّ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫عمرها أو لق َصر‬ ‫ِ‬
‫ُمثير ًة شهيتَك دون أن تُشبِعك‪ ،‬لق َصر ِ‬
‫وللحض عىل الوصول‬ ‫ِّ‬ ‫كر‪،‬‬‫وللش ِ‬ ‫للع ِ‬
‫ربة‪ُّ )1(،‬‬ ‫العمر هي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الغالية ال َّثمن ِوالقصير ُة‬
‫ُ‬ ‫الزينَة‬
‫فهذه ِّ‬
‫سام ٍية‪.‬‬
‫ولغايات ُأخرى ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الدائمة‪،‬‬ ‫إىل تَناو ِل ُأ ِ‬
‫صولا‬ ‫ُ‬

‫ونفيس‪ ،‬إلَّ أن‬ ‫كيب‪ٍ ،‬‬


‫غال‬ ‫الت ِ‬ ‫ِ‬
‫ّصوير‪َ ،‬ج ُيل ّ‬ ‫الصنع‪َ ،‬بدي ُِع الت‬
‫دقيق ُّ‬
‫كل يشء هو ُ‬ ‫الرغم من أن َّ‬
‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬عىل َّ‬
‫إل‪..‬‬ ‫وصور ألشيا َء أخرى ليس ّ‬‫ٌ‬ ‫نامذج‬
‫إل زمنا يسريا‪ ،‬فهو إذن ُ‬ ‫ُ‬
‫يستغـرق ّ‬ ‫قصري‪ ،‬ووجو َده ال‬
‫ٌ‬ ‫عمره‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شعر بتوجيه األنظار إىل احلقائق األصيلة‪ ،‬فال غراب َة إذن يف أن يقال‪ :‬إن زين َة‬ ‫وملا كان َ‬
‫وضع ُي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫هناك‬
‫أحب من عباده‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة الدنيا ما هي ّ‬
‫يم بفضله ولطفه ملَن َّ‬ ‫الرب الرح ُ‬
‫نامذج لن َعم اجلنَّة التي ه َّيأها ُّ‬
‫إل ُ‬
‫ُ‬
‫احلقيقة هي هذه فعال‪( ،‬املؤلف)‬ ‫بل‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪83‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ِ‬
‫ونامذ َج للن ِ‬
‫ِّعم‬ ‫ِ‬
‫بمثـابـة ُص َو ٍر‬ ‫(‪)1‬‬ ‫أن هذه املزي ِ‬
‫نات يف الدنيا‬ ‫َّ‬ ‫وستفهم َّ‬
‫ُ‬ ‫الأساس الرابع‪:‬‬
‫ِ‬
‫اإلهليـة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫خـرة للمؤمنني يف اجلنة من َلدُ ِن‬
‫المدَّ َ‬

‫يتوه ُم أهل‬ ‫ليست بم ِ‬ ‫غايات‪ ،‬وحلياتِه أهدافا‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬


‫لوجود ِّ‬
‫نحصـرة ‪-‬كام َّ‬ ‫ْ ُ‬ ‫فهي‬
‫ونتائج‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يشء‬ ‫(‪ )1‬نعم‪ ،‬إن‬
‫يمكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تتوج ُه إىل الدنيا أو التي تنحرص يف الـموجود نفسه‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الضاللة‪ -‬عىل الغايات واملقاصد التي َّ‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫كل يشء ومقاصدَ حياتِه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وجود ِّ‬ ‫دم القصد؛ بل إن غايات‬ ‫ُ‬ ‫أن يتسـ َّل َل إليها‬
‫وع ُ‬ ‫العبث َ‬
‫كل يشء و َبدي ِع‬ ‫دقائق ُصنع ِّ‬ ‫ِ‬ ‫عرض‬ ‫املتوجه إىل صانِ ِعه سبحانَه وتعاىل‪ ،‬أي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َّأو ُلا‪ :‬وهو أسامها وهو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َْركيبِ ِه أما َم‬
‫النظر‬ ‫حيث تكفي لذلك‬ ‫الرسم َّي‪ُ -‬‬ ‫أنظار الشاهد األزيل سبحانَه ‪-‬بام ُيشبِه االستعراض َّ‬
‫ربز‬ ‫بيهة بِن َّيتِ ِه ‪-‬وملَّا َي ْ‬ ‫الش ِ‬ ‫الكامنة َّ‬ ‫ِ‬ ‫للحظة واحدة‪ ،‬بل قد يكفيـه استعـدا ُده إلبراز ُقواه‬ ‫ٍ‬ ‫حيا ُة اليشء ولو‬
‫َسن هلا التَّسن ُبـل‪ ،‬تفيدُ هذه‬ ‫ٍ‬ ‫اللطيفة التي ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والبذور التي مل يت َّ‬ ‫ُ‬ ‫َزول برسعة‪،‬‬ ‫فاملخلوقات‬
‫ُ‬ ‫الوجود‪،-‬‬ ‫إىل‬
‫كل يشء هو‪:‬‬ ‫ول غايات ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بث وال انتفا ُء النفـ ِع البتة؛ أي إن ُأ َ‬ ‫الغاي َة و ُتعبِّ عنها متاما‪ ،‬فال َيطر ُأ عليها َع ٌ‬
‫وآثار صنعته‪ ،‬أما َم ن َظ ِر مليكه ذي اجلالل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫درة صانعه‪َ ،‬‬ ‫وإظهاره ‪-‬بحياته ووجوده‪ -‬معجزات ُق َ‬ ‫ُ‬ ‫إعالنُه‬
‫كل يشء‬ ‫الشعور‪ ،‬أي إن َّ‬ ‫ِ‬ ‫التوج ُه إىل ذوي‬ ‫وهدف احلياة هو‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫الوجود َ‬ ‫والقسم الثاين‪ :‬من غاية ُ‬
‫عرضها‬ ‫احلكمة‪َ ،‬ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بالحقائق‪ ،‬وقصيدة تنضح ُلطفا ور ّق ًة‪ ،‬وكلمة تُفصح عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫بمثابة رسالة ربان َّية زاخرة َ‬
‫كل يشء‬ ‫دعوهم إىل التأ ُّمل‪ ،‬أي إن َّ‬ ‫ِ‬
‫واإلنسان‪ ،‬و َي‬ ‫ِ‬
‫واحليوان‬ ‫واجلن‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫ِ‬
‫أنظار‬ ‫البارئ عز وجل أما َم‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫حمل مطالعة وتأ ُّم ٍل وعربة لكُل َمن ينظر إليه من ذوي الشعور‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫هو ُّ‬
‫ِ‬
‫وقضاء‬ ‫والتلذ ِذ‬
‫ُّ‬ ‫نفسه‪ :‬كالتمتُّع‬ ‫احلياة هو‪ :‬التوجه إىل ذات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهدف‬ ‫غاية الو ِ‬
‫جود‬ ‫القسم الثالث‪ :‬من ِ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫امللح يف َسفين َِة‬ ‫مل َّ‬ ‫املقاصد اجلزئ َّية‪ ،‬فمثال‪ :‬إن نتيج َة َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫وغريها من‬ ‫ِ‬ ‫والبقاء فيها ٍ‬
‫هبناء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬
‫وتسعون بالـمئة من‬ ‫َ‬ ‫سع‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫العظيم ِة تعو ُد‬
‫أجرتُه‪ ،‬وهي بنسبة واحد يف الـمئة‪ ،‬بينام ت ٌ‬ ‫فائدتا إليه وهي َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫املتوجهة إىل نفسه وإىل دنياه‬ ‫ِ‬ ‫إن كانت غايتُه‬ ‫ٍ‬
‫كل يشء ْ‬ ‫أمر ِّ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫نتائج عمله تعو ُد إىل السلطان‪ ..‬وهكذا ُ‬
‫َ‬
‫وتسعون‪.‬‬ ‫سع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املتوج َهة إىل بارئه سبحانَه هي ت ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫واحدةً‪ ،‬فغاياتُه‬
‫خاء‬ ‫صاد والس ِ‬ ‫واجلود» أي بني االقتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«احلكمة‬ ‫بني‬ ‫ِ‬ ‫كم ُن ِس ُّـر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫التوفيق َ‬ ‫ففي تَعدُّ د الغايات هذا َي ُ‬
‫ِ‬ ‫والنقيضني؛ وتوضيح ذلك‪ :‬إذا ُل ِ‬ ‫ين يبدُ ِ‬
‫بمفردها فإن‬ ‫وح َظت ٌ‬
‫غاية‬ ‫َ‬ ‫كالضدَّ ين‬ ‫ِّ‬ ‫وان‬ ‫اللذ ِ َ‬ ‫الـمطل َقني َ‬ ‫ُ‬
‫الغاية الـمفردةِ‬ ‫ِ‬ ‫ب تلك‬ ‫ِ‬ ‫والسخا َء يسودان آنذاك‪ ،‬ويت َّ‬
‫ُ‬ ‫حس َ‬ ‫واحلبوب َ‬ ‫ُ‬ ‫فالثامر‬
‫ُ‬ ‫«اجلواد»‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اسم‬ ‫َجل ُ‬ ‫اجلو َد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغايـات‬ ‫ُ‬ ‫حص َـر له‪ ،‬أ َّما إذا لوحظت‬ ‫حتص؛ أي إهنا تُفيدُ جودا ُمط َلقا وسخا ًء ال ْ‬ ‫امللحوظة ال تعدُّ وال َ‬
‫توخا ُة‬ ‫الـم ّ‬ ‫‪ ‬والغايات ُ‬ ‫ُ‬ ‫اسم «احلكيم»‪ ،‬فتكون احلِك َُم‬ ‫َجل ُ‬ ‫وت ْي ِم ُن‪ ،‬ويت َّ‬ ‫َظهر ُ‬ ‫ك ُّلها فإن احلكم َة هي التي ت ُ‬
‫سبق‬ ‫الثالثة التي َ‬ ‫ِ‬ ‫الغايات عىل األقسام‬ ‫ُ‬ ‫فتتوز ُع هذه‬ ‫َّ‬ ‫الشجرة‪،‬‬ ‫ثامر تلك‬ ‫واحدة بعدَ ِد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لشجرة‬ ‫من َثم ٍ‬
‫رة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َجتم ُع احلكمةُ‬ ‫واقتصاد غري مـحدَّ د‪ ،‬فت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫غري هنائية‪ٍ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الغايات العام ُة تشري إىل حكمةٍ‬ ‫ُ‬ ‫ذكرها‪ ..‬فهذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫كالضدَ ين‪.‬‬ ‫يبدوان ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املطلقة مع اجلود املطلق اللذان َ‬
‫َظرت إىل اجليش‬ ‫األمن والنِّظام‪ ،‬فإذا ن َ‬ ‫ِ‬ ‫ظة عىل‬ ‫الغايات من اجليش هي املحا َف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ومثال‪ :‬إن إحدَ ى‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪84‬‬
‫ِ‬
‫للفناء‪ ،‬ومل تُخلق‬ ‫ليست‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات الفاني َة‬ ‫أن هذه‬ ‫تفه ُم َّ‬
‫وس َ‬
‫َ‬ ‫الأساس الـخامس‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لفرتة َق‬ ‫ِ‬
‫صرية كي‬ ‫املطلوب‬
‫َ‬ ‫مكانا‬
‫وأخذت َ‬ ‫ْ‬ ‫هب َهبا ًء‪ ،‬وإنام اجتَم َع ْت هنا‪،‬‬ ‫ُشاهدَ حينًا ثم ت َْذ َ‬
‫لت َ‬
‫اخللود مناظر أبدي ٌة ِ‬
‫دائم ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫ُنس َج ألهل‬ ‫ُدو َن نَتائ ُجها‪ ،‬ولت َ‬
‫ُفه َم معان َيها‪ ،‬وت َّ‬ ‫تُل َت َق َط َ‬
‫صو ُرها‪ ،‬وت َ‬
‫ـم الب ِ‬ ‫ٍ‬
‫قاء‪.‬‬ ‫دارا لغايات أخرى يف عا َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ولتكون َم ً‬
‫الظاهري ليس ّ‬
‫إل‬ ‫للفناء بل لِلب ِ‬
‫قاء‪ ،‬بل إن فنا َءها‬ ‫ِ‬ ‫ُخلق‬ ‫والدَّ ُ‬
‫ليل على أن األشيا َء مل ت ْ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫جهات‬ ‫إل أنَّه َيب َقى من‬ ‫احها بعدَ ما أهنت مهامها‪ ،‬هو أن اليشء يفنَى من ٍ‬
‫جهة ّ‬ ‫إطال ًقا لس ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫فمثل‪:‬‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‪،‬‬
‫اإلهلية‪ -‬إهنا تَنظر إلينا م ِ‬
‫بتسم ًة لنا‬ ‫ِ‬ ‫در ِة‬ ‫ِ‬
‫كلامت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫هر ِة ‪-‬وهي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الق َ‬ ‫كلمة من‬ ‫الز َ‬
‫تأ َّمل يف هذه َّ‬
‫كالكلمة التي نتَفوه هبا‪ ،‬التي ت ِ‬
‫ُود ُع آالفا من‬ ‫ِ‬ ‫تار ال َف ِ‬
‫ناء‪ ،‬فهي‬ ‫صرية‪ ،‬ثم َت ِتفي ورا َء ِس ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لفرتة َق‬
‫َّ ُ‬
‫ـض بعد أن أ َّدت‬ ‫املنصت َِة هلا‪ ،‬وتـَم ِ‬ ‫العقول ِ‬
‫ِ‬ ‫األذهان بعدَ ِد‬
‫ِ‬ ‫ُبقي َمعانِيها يف‬‫مثيالتا يف اآلذان وت ِ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫شاهدَ ها‬
‫كل من َ‬ ‫ذاكر ِة ِّ‬ ‫ِ‬
‫َرح ُل بعد أن تُود َع يف َ‬ ‫وظي َفتَها‪ ،‬وهي إفاد ُة املعنى؛ فالزهر ُة أيضا ت َ‬
‫ِ‬
‫وكل بِ ٍ‬
‫ذرة‬ ‫رة َّ‬ ‫ذاك ٍ‬
‫كل ِ‬ ‫ذيراتا ِ‬
‫ماه َّيتَها املعنو ّي َة‪ ،‬فكأن َّ‬ ‫ُود َع يف ُب ِ‬ ‫الظاهرةَ‪ ،‬وبعد أن ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُصورتَها‬
‫وصورتا وزينتِها‪ ،‬ومـح ٍّل إلدام ِة ِ‬
‫بقائها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مجالا‬ ‫ِ‬
‫حلفظ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َصوير‬ ‫بمثابة ِ‬
‫آلة ت‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫للبقاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املعاملة‬ ‫مثل هذه‬ ‫ِ‬
‫احلياة ُيعا َم ُل َ‬ ‫ِ‬
‫مراتب‬ ‫املصنوع الذي هو يف أدنَى‬ ‫فلئن كان هذا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫احلياة‪ ،‬والذي ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫مل ُك ُروحا باقي ًة‪ ،‬أال‬ ‫َ‬ ‫طبقات‬ ‫فام با ُل َك باإلنسان الذي هو يف ْ‬
‫أس َمى‬
‫وقانون تركيبِه ‪-‬الشبي ُه‬‫ُ‬ ‫ثم ِر‪،‬‬‫زه ِر الم ِ‬ ‫ِ‬
‫النبات الم ِ‬ ‫واخللود؟ ولئن كانت صور ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالبقاء‬ ‫ُمرتبِطا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بات الكثرية‪ ،‬أ َفال‬ ‫بكل انتظام‪ ،‬يف ِخضم التق ُّل ِ‬ ‫ذيراتا ِّ‬ ‫ومفوظ ًة يف ُب ِ‬ ‫بالروح‪ -‬باقي ًة َ‬
‫ِّ‬ ‫ُجزئيا ُّ‬
‫قانون ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫تكون روح اإلن ِ‬
‫ْسان باقي ًة‪ ،‬وكم‬
‫أمر ٌي‬ ‫تكون مشدود ًة مع اخللود‪ ،‬علام َّأنا‬ ‫ُ ُ‬ ‫فهم كم‬
‫ُي ُ‬
‫شام ٍ‬‫جامعة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وذات ٍ‬ ‫متلك ِ‬
‫ماهي ًة راقي ًة‪،‬‬ ‫ذات ُش ٍ‬
‫لة‪ ،‬وقد‬ ‫ص‬ ‫وذات َخصائ َ‬ ‫ُ‬ ‫حياة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عور‪ُ ،‬‬ ‫ُوراين‪ُ ،‬‬
‫ن ٌّ‬
‫ِ‬
‫خارج ًّيا؟!‬ ‫ُألبِ َست ُو ُجودا‬

‫ِ‬
‫الغايات األخرى‬ ‫فوق املطلوب منه‪ ،‬أما إذا نظرنا إليه مع ِ‬
‫أخذنا‬ ‫ِ‬
‫املنظار َف َسرتى أن هناك عددا َ‬ ‫هبذا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أن العدَ َد بالكاد يفي باحلد‬ ‫ِ‬
‫وغريها‪ ،‬عند ذلك نَرى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجماهدَ ة األعداء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االعتبار كحفظ احلدُ ود‪،‬‬ ‫بن ِ‬
‫َظر‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫القول يف‬ ‫احلكومة مع عظمتِها؛ وهكذا ُيمكن‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حكمة‬ ‫احلكمة‪ ،‬إذ َت ِ‬
‫تم ُع‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫متوازن بكامل‬ ‫املطلوب‪ ..‬فهو‬
‫فوق احلدِّ املطلوب‪( ،‬املؤلف)‬‫ليس َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اجليش َ‬ ‫احلالة‪ :‬إن‬ ‫هذه‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪85‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫لريتع‬
‫َ‬
‫رتك حب ُله عىل غاربه‪ ،‬ومل يرتك ِ‬
‫طليقا‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان مل ُي ْ َ‬
‫َ‬ ‫الأساس السادس‪ :‬وستفهم أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُسج ُل‬
‫ب عليها‪.‬‬‫حاس َ‬ ‫وتدو ُن ُ‬
‫مجيع أفعاله ل ُي َ‬ ‫َّ‬ ‫جميع أعامله وتُلت َق ُط َ‬
‫صو ُرها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أينام ُيريدُ ‪ ،‬بل ت َّ‬
‫ِ‬
‫لوقات‬ ‫ِ‬
‫اخلريف َم‬ ‫صيب يف‬
‫ثار الذي ُي ُ‬
‫ِ‬
‫تفهم أن املوت واالند َ‬ ‫وس ُ‬ ‫َ‬ ‫الأساس السابع‪:‬‬
‫وظائفها بعد إكامهلِا‬ ‫ِ‬ ‫جلميل َة‪ ،‬ليس َفنا ًء وإعدا ًما‪ ،‬وإنام هو إعفا ٌء من‬ ‫ِ‬
‫الربي ِع والصيف ا َ‬‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخلية مكان ملا َسيأيت يف الربي ِع اجلديد من‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إفساح َمجال وت ُ‬ ‫(‪)1‬‬
‫َرسيح منها‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وإيفائها‪ ،‬وت ٌ‬
‫ِ‬
‫اجلديدة‪ ،‬وهو تنبي ٌه‬ ‫ِ‬
‫املأمورة‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫يح ُّل من‬ ‫وت ِي َئ ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ـة ملا َس ُ‬ ‫ـؤ َ‬
‫خملوقات جديدة؛ وهو َت ُّي ٌ‬
‫الشك ِْر‪.‬‬
‫عن ُّ‬ ‫السك ُْر ِ‬ ‫ُ‬
‫الغفلة َمها َّم ُهم‪ ،‬ومنَ َع ُه ُم ُّ‬ ‫أنست ُْهم‬‫الذين َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املشاعر‬ ‫رباين لِ ِ‬
‫ذوي‬ ‫ٌّ‬
‫غري هذا‪ ،‬وهو‬
‫الرسمدي هلذا العامل الفاين له عامل ٌ ُ‬
‫َّ‬ ‫أن الصانِ َع‬
‫وستفهم َّ‬
‫ُ‬ ‫الأساس الثامن‪:‬‬
‫شو ُق عبا َده إليه‪ ،‬ويسو ُقهم إليه‪.‬‬ ‫عالـم ٍ‬
‫باق خالدٌ ‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫ٌ‬
‫جل جال ُله سوف ُي ِ‬
‫كرم يف ذلك العامل‬ ‫الرحيم َّ‬
‫َ‬ ‫الرمحن‬
‫َ‬ ‫الأساس التاسع‪ :‬وستفهم أن‬
‫خطر عىل قلب برش‪ ..‬آمنا‪.‬‬
‫أذن سمعت وال َ‬ ‫عني رأت وال ٌ‬‫املخل ِصني بام ال ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفسيح عبا َده‬

‫احلقيقة السابعة‬
‫قيب»‬
‫باب الحفظِ والحفيظيَّةِ وهو تجلي اس ِم «الحفيظِ » و«الر َّ ِ‬
‫ُ‬
‫ورقيب َي َف ُظ بانتظام وميزان ما يف السامء واألرض‪ ،‬وما يف ال َب ِّـر‬ ‫ٍ‬ ‫أمن املمكن حلفيظ‬
‫ِ‬ ‫ب ويابِس‪ ،‬فال ُيغادر صغير ًة وال كبير ًة ّ‬ ‫ِ‬
‫والبحر من َر ْط ٍ‬
‫راقب‬‫إل أحصاها‪ ،‬أن ال ُياف َظ وال ُي َ‬
‫مهم َة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان الذي يملك فطر ًة ِ‬
‫سامي ًة‪ ،‬و َيش َغ ُل رتب َة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وحيمل ّ‬ ‫اخلالفة يف األرض‪،‬‬ ‫أعامل‬
‫َـم ُّس الربوبي َة العام َة؟ وال‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫حيافظ عىل أفعاله التي ت َ‬ ‫األمانة الكربى؟! فهل يمكن أن ال‬

‫ِ‬
‫األشجار ‪-‬التي هي‬ ‫ِ‬
‫ورؤوس‬ ‫ِ‬
‫أغصان‬ ‫ِ‬
‫املحمولة عىل‬ ‫زوال ال ِّثامر واألزهار واألوراق‬‫ِ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪ ،‬ال بدَّ من‬
‫الباب أمام ما َي ُ‬
‫سيـل‬ ‫ُ‬ ‫وصد‬ ‫وه ِر َمت‪ ،‬كيال ُي َ‬
‫األرزاق للرمحة اإلهلية‪ -‬بعد أن أدت وظي َفتها َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫خزينة‬
‫ِ‬
‫أخواتا‪ ،‬فضال عن أهنا‬ ‫ِ‬
‫الرمحة وحائال أمام مها ِّم‬ ‫وإل صارت سدًّ ا منيعا أمام ِ‬
‫سعة‬ ‫ورا َءها وخي ُلفها‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫فالربيع أشب ُه بتلك الشجرة املثمرة‪ ،‬املُظهرة للحرش‪،‬‬ ‫نفسها تذوي وتذ ُبل بزوال ِ‬
‫شبابا؛ وهكذا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هي ُ‬
‫حكمة وعربة‪ ،‬واألرض مجيعا شجر ُة ُق ٍ‬
‫درة‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫كل عرص‪ -‬هو شجر ٌة ِ‬
‫مثمرة ُ‬ ‫وعالـم اإلنسان ‪-‬يف ِّ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ثامرها إىل سوق اآلخرة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ُ‬ ‫بديعة والدنيا كذلك َشجر ٌة رائع ٌة‬ ‫ٍ‬
‫ترسل َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪86‬‬
‫ٍ‬
‫ثواب‬ ‫يليق به من‬ ‫ِ‬
‫العدالة؟ وال ُي ِازي فاع َلها بام ُ‬ ‫ِ‬
‫بميزان‬ ‫حاسبة؟ وال َي ِز َنا‬ ‫َي ِ‬
‫بالـم َ‬
‫ُ‬ ‫فر ُزها‬
‫لوا كبريا‪.‬‬
‫وعقاب؟! تعاىل اهلل عن ذلك ُع ًّ‬

‫ضمن نظا ٍم وميزان‪ ،‬والن ُ‬


‫ِّظام‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫الكون ُيافِظ عىل كل يشء فيه‬ ‫ِ‬ ‫أمر هذا‬ ‫نعم‪ ،‬إن الذي ُيدير َ‬
‫أي‬ ‫ِ‬ ‫مظاهر العلم واحلِكمة مع اإلراد ِة ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والقدرة‪ ،‬ألننا نُشاهد أن ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ظهران من‬ ‫وامليزان مها َم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َو َر التي ُيغ ِّي ُرها‬ ‫إل يف غاية االنتظا ِم وامليزان‪ ،‬وأن ُّ‬ ‫خلق ّ‬ ‫خلق وال ُي ُ‬ ‫مصنوع كان مل ُي ْ‬
‫جمموعها أيضا ضمن نظا ٍم ُمت َق ٍن ُمك ٍَم؛ ونرى أيضا أن‬ ‫َ‬ ‫وال حياتِه يف انتظام دقيق‪ ،‬كام أن‬ ‫َط َ‬
‫ويرحل من عامل‬ ‫ُ‬ ‫يشء حاملا خيتِم ُع ُم َره مع انتهاء وظيفتِه‬ ‫كل ٍ‬ ‫اجلالل َيـح َف ُظ ُص َو َر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫احلفيظ ذا‬
‫املحفوظة(‪ )1‬ويف ما‬ ‫ِ‬ ‫تكون باأللواح‬ ‫ُ‬ ‫الشهادة‪ ،‬حي َف ُظها سبحانه يف األذهان التي هي أشب ُه ما‬
‫ِ‬
‫يم حياتَه‬ ‫نقشه نقشا يف ثامره‪ ،‬ف ُيد ُ‬ ‫معظم تاريخ حياته يف بذوره و َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ُيشبِ ُه مرايا مثال َّي ًة‪ ،‬فيكت ُ‬
‫ُب‬
‫الز ْه ِر‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ذر َّ‬ ‫الشجر‪ ،‬ونوا ُة ال َّث َمر‪ ،‬وبِ ُ‬ ‫مر‬ ‫وحيف ُظها يف مرايا ظاهرة وباطنة‪ ..‬فذاكر ُة ال َب َش‪ ،‬و َث ُ‬
‫إحاطة احلفيظ ّي ِة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كل ذلك ُيبيِّ عظم َة‬ ‫ُّ‬

‫العظيم‪ ،‬وكيف‬ ‫ِ‬ ‫الشاسع‬ ‫ِ‬ ‫ثمر يف الربيع‬ ‫زهر و ُم ٍ‬ ‫أال ترى كيف يحا َفظ عىل كل يشء م ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ونامذج ُص َو ِره‪ ،‬كتاب ًة‬ ‫ِ‬ ‫وانني تركيبِه‬‫اخلاص ِة به‪ ،‬وعىل مجيع َق ِ‬ ‫حائف أعاملِه‬ ‫ِ‬ ‫ُيحا َفظ عىل مجيع َص‬
‫َّ‬
‫حساب‬ ‫ٍ‬ ‫الصحائف َوفق‬ ‫ُ‬ ‫ُنش ُر تلك‬ ‫الربيع ت َ‬ ‫ذيرات‪ ..‬حتى إذا ما َ‬
‫أقبل‬ ‫ِ‬ ‫دد حمدود من ال ُب‬ ‫يف َع ٍ‬
‫ُ‬
‫واحلكم ِة؟ أال ُيبيِّ هذا مدى‬ ‫َ‬ ‫غاية االنتظام‬ ‫خرج إىل الوجود ربيعا هائال يف ِ‬
‫ً‬ ‫دقيق يناسبها‪ ،‬ف ُي ِ ُ‬
‫احلفظ إىل هذا احلدِّ من‬ ‫ُ‬ ‫لة؟ فلئن كان‬ ‫الشام ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إحاطتهام‬ ‫والرقا َب ِة‪ ،‬ومدى قوة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نُفوذ احلفظ َّ‬
‫بأعامل‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االحتفاظ‬ ‫عدم‬ ‫عادية‪ ،‬فهل ُي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫واإلحاطة فيام ال أمهِّ ي َة له ويف أشيا َء مؤ َّق ٍتة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عقل ُ‬ ‫اإلتقان‬
‫ِ‬
‫الربوبية‬ ‫واح‪ ،‬ولدى‬ ‫األر ِ‬ ‫اآلخرة وعا َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب وعا َل ِ‬ ‫ـم الغ ْي ِ‬ ‫مهمة يف عا َل ِ‬ ‫ٌ‬
‫ـم ْ‬ ‫ـم‬ ‫ثامر‬
‫البرش‪ ،‬التي هلا ٌ‬
‫حاش هلل‪..‬‬ ‫وعدم تدوينِها؟ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إمهالا‬ ‫العا َّم ِة؟! فهل يمكن‬
‫الواضحة‪ ،‬أن ملالك هذه‬ ‫ِ‬ ‫يظية‪ ،‬وعىل هذه الص ِ‬
‫ورة‬ ‫احلف ِ‬ ‫نعم‪ ،‬يفهم من جتيل هذه ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫كل ما جيري يف ُملكه‪ ،‬وله منتهى‬ ‫ِ‬ ‫وضبط ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل يشء وحفظه‪َ ،‬‬ ‫َسجيل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات عناي ًة َبالغ ًة لت‬ ‫ِ‬
‫ب أدنى‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫العنا َية يف َسلطنة ربوبيتِه‪،‬‬ ‫الرعاية يف حاكميتِه‪ ،‬ومنتهى ِ‬
‫يكتب و َيستكت ُ‬ ‫ُ‬ ‫بحيث إنه‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كل ما َي ِري يف ملكه يف َمحاف َظ كثرية؛ فهذه‬ ‫بص َو ِر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫املحافظة‬ ‫عمل ُمتف ًظا ُ‬ ‫َ‬
‫وأهون‬ ‫حادثة‬

‫الصورة الس ِ‬
‫ابعة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬انظر حاشي َة‬
‫ّ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪87‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ِ‬
‫املخلوق‬ ‫ِ‬
‫ملحاسبة األعامل‪ ،‬وال س َّيام هلذا‬ ‫شك ِس ِج ٌّل‬
‫عة الدقيقة تدل عىل أنه س ُيفت َُح بال ٍّ‬ ‫الواس ُ‬‫ِ‬
‫تدخل أعما ُله التي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان؛ فالبدَّ أن‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‪ ،‬أال وهو‬ ‫ِ‬
‫واملفطور عىل مزايا‬ ‫والمعز ِز‬
‫َّ‬ ‫المكر ِم‬
‫َّ‬
‫ُنرش‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هي عظيم ٌة‪ ،‬وأفعا ُله التي هي ُم ِهم ٌة‬
‫وماسبة دقيقة‪ ،‬والبد أن ت َ‬ ‫حساس ُ‬ ‫ضمن ميزان‬ ‫َ‬
‫صحائف أعاملِه‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألمانة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باخلالفة‬ ‫مكر ًما‬ ‫ُ‬ ‫أن ُي َ‬
‫عقل ْ‬‫يقبل ٌ‬ ‫فيا تُرى هل ُ‬
‫أصبح َّ‬
‫َ‬ ‫اإلنسان الذي‬ ‫رتك هذا‬
‫أغلب‬ ‫ِ‬ ‫بتدخ ِله يف شؤون ِع ِ‬
‫بادة‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪ُّ ،‬‬ ‫والشاه ِد عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القائد‬ ‫ِ‬
‫مرتبة‬ ‫والذي ارت َقى إىل‬
‫شؤون‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫وشهوده‬ ‫ِ‬
‫الكثرية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ميادين املخلوقات‬ ‫وتسبيحاتا‪ ،‬وبإعالنِه الوحداني َة يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬
‫ب إىل القرب لينا َم هادئًا دون أن ُين َّب َه‬ ‫يذه ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‪َ ،‬‬ ‫الربوبية الكل َّي ِة‪ ..‬فهل يمكن أن ُي َ‬
‫رتك هذا‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫املحكمة‬ ‫ِ‬
‫الـمحرش ل ُيحاك ََم يف‬ ‫ساق إىل‬‫وكبرية من أعاملِه‪ ،‬ودون أن ُي َ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صغرية‬ ‫عن ِّ‬
‫كل‬ ‫ل ُي َ‬
‫سأل ْ‬
‫كل!‬
‫كل ثم ّ‬
‫الكُربى؟ ّ‬
‫الت ِ‬
‫اب‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان إىل العد ِم‪ ،‬وكيف يمكن أن يتوارى يف ُّ‬ ‫يذهب هذا‬
‫َ‬ ‫وكيف يمكن أن‬
‫معجزات قدرتِه يف‬
‫ُ‬ ‫جميع الوقائ ِع التي هي‬
‫ُ‬ ‫َشهدُ‬ ‫ِ‬
‫ف َيفل َت من َيد القدير ذي اجلالل الذي ت َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األزمنة(‪ )1‬اآلتِ َية‪ ..‬تلك‬ ‫العظيمة ملا سيحدُ ث من الـم ِ‬
‫مكنات يف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الغابرة عىل ُقدرتِه‬
‫ِ‬ ‫األزم ِنة‬
‫ِ‬

‫بالوقائع واألحداث‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫منذ اآلن إىل ِ‬


‫هر إىل الوجود منه‬ ‫فكل يوم َظ َ‬ ‫اخلليقة َميل ٌء‬ ‫بدء‬ ‫املايض املمتدَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬إن‬
‫ِ‬
‫القدرة آياتاِ‬ ‫ِ‬
‫قلم القدَ ر‪ ،‬وخ َّط ْت فيه يدُ‬ ‫ٍ‬ ‫وكل َسنة منه صحيف ٌة‪ُّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َس ْط ٌر‪ُّ ،‬‬
‫كتاب‪َ ،‬ر َس َمه ُ‬ ‫ٌ‬ ‫عرص من ُه‬ ‫وكل‬
‫ِ‬
‫املستقبل الذي يمتدُّ من اآلن إىل يوم القيامة‪ ،‬وإىل اجلنَّة‪ ،‬وإىل‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫املعجز َة بكل حكمة وانتظام؛ وإن‬
‫ممكنات‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫فاملستقبل كذلك‬ ‫عت فعال‪،‬‬ ‫وقائع و َق ْ‬ ‫املايض هو‬ ‫املمكنات‪ ،‬أي كام أن‬ ‫ِ‬ ‫ضمن‬ ‫األبد‪ ،‬إنام هو‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األمس بام‬ ‫خلق‬
‫ريب يف أن الذي َ‬ ‫الز ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عل‪ ..‬وإذا قوبِ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ماني وكام ال َ‬ ‫لت سلسلتا َهذ ْين َّ‬ ‫تقع ف ً‬ ‫يمكن أن َ‬
‫ات‪ ،‬فال ريب كذلك أن موجوداتِ‬ ‫سيكون فيه من املوجود ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قادر عىل خلق الغد بام‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫املوجودات ٌ‬ ‫فيه من ُ‬
‫اجلالل وهي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدير ذي‬ ‫زات‬
‫عج ُ‬ ‫والغرائب هي م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العجائب‬ ‫عر ُض‬ ‫من املايض الذي هو َم ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫َ‬
‫وخوارق َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َقبل ك َّله‪ ،‬وما فيه من‬ ‫خيلق املست َ‬ ‫ِ‬
‫املمكنات‬ ‫قادر عىل أن َ‬ ‫َشهدُ شهاد ًة قاطع ًة عىل‪ :‬أنه سبحانَه وتعاىل ٌ‬ ‫ت َ‬
‫ِ‬
‫عر َض فيه عجائ َبه ومعجزاته كاف ًة‪.‬‬ ‫ُك ِّلها‪ ،‬وأن َي ِ‬
‫ـم مجي ًعا‪،‬‬ ‫تفاح العا َل ِ‬
‫قادرا عىل خلق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫نعم‪ ،‬فكام أن الذي َيقد ُر عىل خلق تفاحة واحدة البدَّ أن يكون ً‬
‫خيلق تفاح ًة‪ ،‬ألن تلك التفاح َة‬ ‫قد ُر عىل خلق الربيع ال يمكن أن َ‬ ‫بل عىل إجياد الربيع الكبري‪ ،‬إذ من ال ي ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فالتفاحة‬ ‫الربيعِ‪،‬‬‫قادر عىل خلق ّ‬ ‫ُنس ُج يف ذلك املصنع؛ و َمن يقد ُر عىل خلق ت ّفاحة واحدة فهو إذن ٌ‬ ‫ت َ‬
‫ُ‬
‫واإلتقان‬ ‫الص ُ‬
‫نعة‬ ‫والتفاحة من ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وللحديقة‪ ،‬بل هي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثال مص ّغ ٌر للشجرة‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫حيث ّ‬ ‫مثال الكائنات مجي ًعا؛‬ ‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪88‬‬
‫حاسب‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫القدرة التي ت ِ‬
‫ُـحد ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان ال ُي َ‬ ‫بالقيامة واحلرش؟ وملا كان‬ ‫الشبيهني‬
‫َ‬ ‫والربيع‬
‫َ‬ ‫ث الشتا َء‬
‫ظمى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف هذه الدنيا حسابا ي ِ‬
‫ستح ُّقه‪ ،‬فالبدَّ أنه‬
‫سيذهب يو ًما إىل حمكمة كُربى وسعادة ُع َ‬
‫ُ‬ ‫ً َ‬

‫احلقيقة الثامنة‬
‫«الـجميل» و«الـجَليل»‬
‫َ‬ ‫باب الوعدِ والوَعيدِ وهو تجلي اس ِم‬
‫ُ‬
‫ويف بام‬ ‫املطلق ّ‬ ‫العليم املط َل ُق‬ ‫ِ‬ ‫أمن املمكن لم ِ‬
‫أل ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫والقدير‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫املوجودات وهو‬ ‫بدع هذه‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يقون‬ ‫وش ِهدَ به ِّ‬
‫الصدِّ َ‬ ‫ووعيد‪َ ،‬‬‫عليهم السالم كاف ًة بالتواتر من وعد َ‬
‫ُ‬ ‫مكر ًرا األنبيا ُء‬
‫أخبـر به َّ‬
‫َ‬
‫كبريا‪ ..‬علام‬ ‫ظهرا عجزا وجهال بذلك؟ تعاىل اهلل عن ذلك ُع ُلوا ً‬ ‫واألوليا ُء كا َّف ًة باإلمجاع‪ُ ،‬م ً‬
‫أن األمور التي َو َعدَ هبا‪ ،‬و َأ ْوعدَ ها‪ ،‬ليست عسري ًة عىل قدرته قطعا‪ ،‬بل هي يسري ٌة وه ِّين ٌة‪،‬‬
‫بمثلها(‪ )2‬يف‬ ‫بذواتا(‪ )1‬أو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات التي ال ُتىص للربيع السابق‬ ‫ِ‬
‫إعادة‬ ‫هلة كسهولة‬ ‫وس ٌ‬ ‫َ‬
‫رضوري كذلك لسلطنةِ‬ ‫ِ‬
‫ِ ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ولكل يشء‪،‬‬ ‫ض ٌ‬
‫وري لنا‬ ‫بالوعد فكام هو َ ُ‬ ‫ِ‬
‫املقبل‪ ..‬أما الوفا ُء َ‬ ‫الربيع‬
‫حيث ال‬ ‫ُ‬ ‫ومناف إلحاطة ِ‬
‫علمه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عد فهو مضا ٌد لعزة قدرته‪،‬‬‫إخالف الو ِ‬
‫ِ‬ ‫ربوب َّيتِه‪ ..‬بعكس‬
‫َ‬
‫إل من اجلهل أو العجز‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوعد ّ‬ ‫إخالف‬
‫ُ‬ ‫يتأتَّى‬

‫َ‬
‫وإنكارك!‬ ‫َ‬
‫بكفرك‬ ‫ظمى‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ترتكب من جناية ُع َ‬‫ُ‬ ‫محاقة ما‬ ‫َعلم مدى‬
‫املنكر‪ ..‬هل ت ُ‬
‫ُ‬ ‫فيا أهيا‬
‫ُكذ َب َمن ال ُيض َط ُّـر‬
‫ونفس َك الخدّ اع َة‪ ،‬وت ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكاذ َب وعق َلك‬
‫َ‬ ‫اهلاذي‬
‫َ‬ ‫إنك تُصدِّ ُق َ‬
‫وهم َك‬

‫لقها َخ ْل ًقا بدي ًعا كهذا ال‬ ‫شجرتا؛ فالذي َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حياة‬ ‫َ‬
‫تاريخ‬ ‫بذورها‬ ‫تتضمن‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‪ ،‬حيث‬ ‫هي م ِ‬
‫عجز ُة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عج ُزه يش ٌء مطل ًقا‪.‬‬ ‫ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫القيامة‪ ،‬والذي ي ِ‬ ‫ِ‬
‫إحداث‬ ‫قادر عىل‬
‫الربيع ٌ‬
‫َ‬ ‫ـحد ُ‬
‫ث‬ ‫ُ‬ ‫قادر عىل خلق يو ِم‬ ‫وهكذا‪ ،‬فالذي خي ُلق اليو َم هو ٌ‬
‫يقدر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ـم املايض وع َّلقها عىل رشيط الزمان‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بكل حكمة وانتظام‪ -‬الشك أنه ُ‬ ‫أظهر عوال َ‬
‫احلرش‪ ،‬والذي َ‬
‫قاطع يف كثري من‬‫بخيط املستقب ِل‪ ،‬وسيظهرها حتام‪ ..‬وقد أثبتنا بشكل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظه َر عوامل َ أخرى و ُيع ِّلقها‬ ‫عىل أن ُي ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫يقدر عىل خلق يشء‪،‬‬ ‫ـق َّ‬ ‫رشين» بأن «من ال يـخ ُل ُ‬ ‫الثانية ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كـل يشء ال ُ‬ ‫َ‬ ‫والع‬ ‫«الكلمة‬ ‫«الكلامت» وال سيام يف‬
‫ٍ‬
‫واحدة‬ ‫أحيل إيـجاد األشيـاء إىل ٍ‬
‫ذات‬ ‫كل يشء؛ وكذلك لو َ‬ ‫يقد ُر عىل أن خي ُل َق َّ‬ ‫ومن خي ُل ُق شي ًئا واحدً ا ِ‬
‫ُ‬
‫ألصبح إيـجا ُد‬ ‫دة وإىل الكثرة‬ ‫لت األشيـاء كـ ُّلها كاليشء الواحد‪ ،‬ولو ُأسنِدَ إىل األسباب املتعدِّ ِ‬ ‫لسه ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫والـمحال»‪(.‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اليشء الواحد صع ًبا بمقدار إيـجاد األشياء ك ِّلها‪ ،‬ويكون مشك ًل بدرجة االمتنا ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألشجار‪( ،‬املؤلف)‬ ‫شاب‬‫األع ِ‬
‫وأصول ْ‬ ‫ِ‬ ‫كج ِ‬
‫ذور‬ ‫(‪ُ )1‬‬
‫ِ‬
‫والثمـار‪( ،‬املؤلف)‬ ‫كاألو ِ‬
‫راق‬ ‫ْ‬ ‫(‪)2‬‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪89‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ميع‬ ‫بعزتِه َ ِ‬ ‫الوعد‪ ،‬وال إىل ِخالفِه أبدا‪ ،‬بل ال َي ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فج ُ‬ ‫وعظمته قط ًعا‪َ ..‬‬ ‫اإلخالف َّ‬
‫ُ‬ ‫ليق‬ ‫إخالف‬ ‫إىل‬
‫ترتكب إذن جناي ًة عظمى ال‬ ‫املشهودات تَشهدُ عىل صدقه وأح ِّق َّيتِه! إنك‬ ‫ِ‬ ‫يع‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وج ُ‬ ‫األشياء َ‬
‫تستحق عقابا عظيام أبديا‪ ..‬ولقياس ِع َظم ما‬ ‫ُّ‬ ‫رك املتناهي‪ ،‬فال َج َر َم َ‬
‫أنك‬ ‫هناي َة هلا مع ِص َغ ِ‬
‫أهل ِ‬
‫النار كاجل َبل(‪ ..)1‬إن َم َث َلك هو كم َثل‬ ‫بعض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناية فقد َو َر َد أن ِض َس‬
‫يرتكبه الكافر من ِج ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عقله من خيال‪ ،‬ثم يريد أن‬ ‫الشمس ويتبع ما يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫غم ُض َعين َِيه عن نور‬
‫املسافر الذي ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬
‫اعة!‬
‫الي َ‬ ‫يص ك ِ‬
‫َنور َ‬ ‫خيف بضياء ما يف عقله من َب ِص ٍ‬ ‫الـم َ‬ ‫ينو َر طري َقه ُ‬‫ِّ‬
‫ِ‬
‫احلواد ُ‬
‫ث‬ ‫باحلق‪ ،‬وهذه‬
‫قة ِّ‬ ‫ِ‬
‫الصاد ُ‬ ‫املوجودات كلماتُه‬ ‫وعدَ ‪ ،‬وهذه‬‫اهلل سبحانَه قد َ‬
‫ُ‬ ‫فام دام ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫وسيفتح حمكم ًة كربى‪َ ،‬‬
‫وس َيه ُ‬ ‫ُ‬ ‫حتم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الناطقة بالصدق‪ ،‬فإنه َسيويف بوعده ً‬ ‫يف العامل آياتُه‬
‫ظمى‪.‬‬ ‫سعاد ًة ُع َ‬

‫احلقيقة التاسعة‬
‫و«المميت»‬
‫ِ‬ ‫حي القيِّو ِم» و«المحيي»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باب الإحياء والإماتة وهو تجلي اس ِم «ال ِّ‬
‫ُ‬
‫موتا وجفافِها‪ ،‬وب َع َث‬ ‫خمة بعد ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫ِ‬
‫أظهر قدرتَه بإحياء األرض َّ‬ ‫َ‬ ‫أمن املمكن للذي‬
‫كأعجو َبة‬ ‫عجيب ُ‬ ‫كل نَو ٍع‬ ‫أن َب ْع َث ِّ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪ ،‬مع َّ‬ ‫ألف نو ٍع من أنواع‬ ‫مئة ِ‬ ‫ثالث ِ‬‫ِ‬ ‫أكثر من‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫كائن من بني ذلك‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫أظهر إحاط َة علمه ضمن ذلك اإلحياء بت ِ‬
‫َمي ِيزه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْعث البرش‪ ..‬والذي َ‬
‫احلرش يف‬ ‫ِ‬
‫بوعده ُم‬ ‫ِ‬
‫السعادة األبدية‬ ‫زاج والتشاب ِك‪ ..‬والذي وجه أنظار مجي ِع ِ‬
‫عباده إىل‬ ‫االمتِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫املوجودات ُمتكاتف ًة ُمرتافِق ًة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بجعله‬‫ِ‬ ‫أظهر عظم َة ُربوب َّيتِه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫السامو َّية‪ ..‬والذي‬ ‫مجيع أوامره‬
‫البرش‬
‫َ‬ ‫ول‬ ‫عضا‪ ..‬والذي َأ َ‬ ‫بعضها َب ً‬ ‫مسخرا أفرا َدها‪ُ ،‬معاونًا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫أمره وإرادتِه‪،‬‬ ‫فأدارها ضمن ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫أجمع ثمرة يف شجرة الكائنات‪ ،‬وألط َفها وأشدَّ ها ِرق ًة و َد ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بج ْع ِله‬
‫الل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫األمهي َة القصوى‪َ ،‬‬
‫متخذا إياه خما َطبا‪ ..‬أ َف ِم َن املمكن ملثل هذا‬ ‫كل يشء‪ِ ،‬‬ ‫مسخرا له َّ‬ ‫ِّ‬ ‫وأكثرها مستجابا للدعاء‪،‬‬ ‫َ‬
‫بعث‬‫احلرش وال َي َ‬ ‫ث‬ ‫ِ‬
‫احلكيم أن ال يأيت بالقيامة؟ وال ُيحد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العليم‬ ‫يم وملثل هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدير الرح ِ‬
‫َ‬
‫اجلنة والنار؟!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخلق‬ ‫َمة الكربى‬ ‫أبواب املحك ِ‬ ‫ِ‬ ‫فتح‬‫عج َز عن ِ‬ ‫وأن َي ِ‬ ‫عج َز عنه؟ ْ‬ ‫البرش‪ْ ،‬أو َي ِ‬
‫َ‬
‫ذلك ُع ُلوا ً‬
‫كبريا‪.‬‬ ‫تعاىل اهلل عن َ‬

‫الكافر أو نَاب الكافِر مثل ُأح ٍد وغلظ ِج ِ‬


‫لده مسرية‬ ‫ِ‬ ‫رضس‬ ‫(‪ )1‬عن أيب هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ّ :‬‬
‫«إن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ثالث»‪( ،‬مسلم‪ ،‬اجلنة ‪44‬؛ الرتمذي‪ ،‬صفة جهنم ‪3‬؛ ابن ماجه‪ ،‬الزهد ‪38‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.) ،334 ،328 ،26/2‬‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪90‬‬
‫حدث يف هذه األرض املؤ َّق ِتة الضي َق ِة‬‫جل جال ُله ي ِ‬
‫ُ‬ ‫املترصف يف هذا العامل َّ‬
‫َ‬ ‫الرب‬
‫نعم‪ ،‬إن َّ‬
‫ِ‬ ‫للح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف كل َع ٍ‬
‫األكرب‪،‬‬ ‫رش‬ ‫نامذج وأمثل ًة كثري ًة وإشارات عديد ًة َ‬
‫رص ويف كل سنة ويف كل يو ٍم َ‬
‫ِ‬
‫سبيل املثال‪:‬‬ ‫فعىل‬
‫ألف نو ٍع من أنواع‬ ‫ثالث ِم ِئة ِ‬ ‫ِ‬ ‫أكثر من‬ ‫بضعة أيام يف حرش الربيع و َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫إنه َي ُش ُـر يف‬
‫بعث َ‬
‫بعض‬ ‫واألعشاب‪ ،‬ويعيدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫ذور‬ ‫َبري‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫غري وك ٍ‬ ‫واحليوانات من َص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيي ُج َ‬ ‫النباتات‬
‫ِ‬
‫املتناهية‬ ‫ِ‬
‫ذيرات‬ ‫الفروق املادي َة بني ال ُب‬ ‫َ‬ ‫بعضها اآلخر؛ ومع أن‬ ‫احليوانات بعينِها كام يعيدُ َ‬
‫أمثال ِ‬
‫الرسعة يف ِ‬‫ِ‬
‫ستة‬ ‫ص يف منتهى‬ ‫ُبعث وتُحيا بكل تَم ُّي ٍز وت َُش َّخ ُ‬ ‫إل أهنا ت ُ‬ ‫جزئية جدا‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫غر‬‫الص ِ‬ ‫يف ِّ‬
‫رغم‬ ‫ٍ‬
‫وميزان َد ٍ‬ ‫فرة‪ ،‬وبانتِظا ٍم ِ‬ ‫السهولة والو ِ‬
‫ِ‬ ‫أيا ٍم‪ ،‬أو ِس ِتة‬
‫قيق‪َ ،‬‬ ‫كامل‬ ‫َ‬ ‫أسابيع‪ ،‬ويف منتهى‬ ‫َ‬
‫عج ُز عن‬ ‫األعامل يشء‪ ،‬أو َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقوم بمثل هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫يصعب عىل َمن ُ‬ ‫ُ‬ ‫وامتزاجها‪ ..‬فهل‬ ‫اختالطها‬
‫ٍ‬
‫واحدة؟!‬ ‫ٍ‬
‫بصيحة‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫حيش َـر‬‫يستطيع أن ُ‬ ‫واألرض يف ِ‬
‫ستة أيام‪ ،‬أو ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫ِ‬
‫خلق‬
‫ُ‬
‫فون‪.‬‬‫بحان اهلل عام َي ِص َ‬ ‫ُس َ‬

‫كتاب ُم ِس َح ْت حرو ُفها‬ ‫ٍ‬ ‫ثالث ِم ِئة ِ‬


‫ألف‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خوارق يكتب‬ ‫كاتب ذو‬
‫ٌ‬ ‫فيا تُرى إن كان َث َّم َة‬
‫ِ‬
‫اجلامل‪ ،‬ويك ُت ُبها مجي ًعا‬ ‫َقص‪ ،‬ويف ِ‬
‫غاية‬ ‫سهو وال ن ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اختالط وال ٍ‬ ‫سخ ْت‪ ،‬يف صحيفة واحدة َ‬
‫دون‬ ‫و ُم َ‬
‫حفظه يف دقيقة واحدة كتا َبك‬ ‫معا خالل ساعة واحدة‪ ،‬وقيل لك‪ :‬إن هذا الكاتب سيكتُب من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يستطيع‪ ..‬ال أصدِّ ُق؟!‬ ‫تأليفه‪ ،‬فهل يمكنك أن ُتر َّد عليه وتقول‪ :‬ال‬ ‫الذي وقع يف املاء وهو من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويحو ُل‬ ‫اجلبال وي ِ‬ ‫ٍ‬
‫البحر‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫املدن بكاملها‪،‬‬ ‫نس ُفها ويغ ِّي ُر‬ ‫َ َ‬ ‫يرفع‬
‫أو أن سلطانًا ذا معجزات ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ظهارا لقدرتِه‬
‫بصخرة‬ ‫َ‬
‫األعامل إذا‬ ‫وجعلها آي ًة للناس‪ ..‬فبينام تَرى منه هذه‬ ‫ًبرا‪ ،‬بإشارة منه‪ ،‬إِ ً‬
‫َ‬
‫السلطان‬ ‫الطريق عىل ضيوفِه‪ ،‬وقيل لك‪ :‬إن هذا‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫واد وسدَّ ِ‬‫عظيمة قد تَدحرج ْت إىل ٍ‬
‫ْ َ‬
‫ٍ‬
‫يدع ضيو َفه يف‬ ‫يمكن أن َ‬
‫ُ‬ ‫تلك الصخر َة أو حي ِّط ُمها مهام كانت كبريةً‪ُ ،‬‬
‫حيث ال‬ ‫حتم َ‬
‫يط ً‬‫َس ُي ِم ُ‬
‫يستطيع أن يفعل؟!‬ ‫ُ‬ ‫هذيانًا أو جنونًا إذا ما أجبتَه بقولك‪ :‬ال‪ ،‬ال‬‫يكون جوا ُبك َ‬
‫ُ‬ ‫الطريق‪ ..‬كم‬
‫ِ‬
‫عظيم يف يوم واحد‪ ،‬وق َيل لك‪ :‬إن هذا س َي ُ‬
‫جمع أفرا َد‬ ‫جيشا ً‬ ‫أو أن قائدً ا ُيشك ُِّل من جديد ً‬
‫ٍ‬
‫بنفخة من ٍ‬ ‫ِ‬
‫بوق‪ ،‬فأجبتَه‪:‬‬ ‫نض ِوي حتت لوائه أولئك الذين ُس ِّرحوا َّ‬
‫وتفرقوا‪،‬‬ ‫الفرق وس َي َ‬ ‫تلك‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جنون!!‬ ‫ال‪ ،‬ال ُأصدِّ ُق! عندها تفهم أن جوا َب َك هذا ُينبِ ُئ عن ترصف ُجنوين‪ّ ،‬‬
‫أي‬
‫املص ِّو ِر سبحانَه وتعاىل‪ ،‬الذي‬ ‫كم ِ‬ ‫ِ‬
‫البار ِئ َ‬ ‫مت هذه األمثل َة الثالث َة فتأمل يف ذل ُ‬ ‫فإذا ِ‬
‫فه َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪91‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ثالث ِم ِئة ِ‬
‫ألف‬ ‫ِ‬ ‫أكثر من‬ ‫در ِة وال َق ِ‬ ‫وأتـمها بقلم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫در َ‬ ‫الق َ‬ ‫ِّ‬ ‫صورة‬ ‫بأحسن‬ ‫يكتب أما َم أنظارنا‬
‫ُ‬
‫حيفة اخلرضاءِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيفة األرض‪ ،‬مبدِّ ال صحيف َة الشتاء البيضاء إىل الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫نو ٍع من األنواع عىل‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫التباس‪ ،‬رغم‬ ‫ٍ‬
‫مزامحة وال‬ ‫ٍ‬
‫اختالط‪ ،‬يكت ُبها معا دون‬ ‫يف‪ ،‬يكت ُبها متداخل ًة َ‬
‫دون‬ ‫للربي ِع والص ِ‬
‫َّ‬
‫خطأ مطل ًقا‪.‬‬‫يكتب ً‬ ‫ِ‬
‫اآلخر يف الرتكيب والشكل‪ ،‬فال‬ ‫بعضها مع البعض‬ ‫تباين ِ‬
‫ُ‬
‫ومنهاجها يف‬ ‫الض ِ‬
‫خمة‬ ‫ِ‬
‫الشجرة َّ‬ ‫احلكيم الذي أدرج ُخط َة ِ‬
‫روح‬ ‫ُ‬
‫احلفيظ‬ ‫أ َفيمكن أن ُي َ‬
‫سأل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫متناهية يف الصغر حماف ًظا عليها‪ ،‬كيف َسيحافِ ُظ عىل أرواح األموات؟‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذر ٍة‬
‫بِ َ‬
‫ٍ‬
‫فائقة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫برسعة‬ ‫ور ِتا‬ ‫ِ‬ ‫أم هل يمكن أن ُي َ‬
‫األرض يف َد َ‬ ‫َ‬ ‫اجلالل الذي ُيجري‬ ‫القدير ذو‬
‫ُ‬ ‫سأل‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬وكيف س ُيد ِّم ُرها؟‬ ‫ِ‬
‫الضيوف املسافرين إىل‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫كيف س ُي ِزي ُلها من‬
‫َ‬
‫ونس َقها بأمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أم هل يمكن أن ُي َ‬
‫سأل ذو اجلالل واإلكرا ِم الذي أوجدَ الذرات من العدم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ﯠ ﯡ ﴾ يف أجساد‬
‫اجليوش اهلائل َة‪ ،‬كيف س َي ُ‬
‫جمع‬ ‫َ‬ ‫األحياء‪ ،‬فأنشأ منها‬ ‫جنود‬
‫ِ‬
‫األساس ّي َة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فت فيام بينها‪ ،‬وتلك األجزا َء‬ ‫بصيحة واحدة تلك الذرات األساسي َة التي َ‬
‫تعار ْ‬
‫ِ‬
‫ونظامه؟‬ ‫ِ‬
‫اجلسد‬ ‫التي انضوت حتت ِ‬
‫لواء فِر َق ِة‬ ‫َ ْ‬
‫وأمارات للحرش شبيه ًة بحرش الربيع‪ ،‬قد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأمثلة‬ ‫نماذج‬ ‫َيك كم من‬ ‫فها أنت ذا ترى بعين َ‬
‫َ‬
‫يل والن ِ‬
‫َّهار‪،‬‬ ‫تبديل ال َّل ِ‬
‫َ‬ ‫موسم‪ ،‬ويف كل عرص‪ ،‬حتى إن‬ ‫ٍ‬ ‫البارئ سبحانه وتعاىل يف كل‬ ‫ُ‬ ‫أبدعها‬
‫َ‬
‫وأمارات ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫نماذج للحرش وأمثل ٌة‬ ‫اجلو‪،‬‬ ‫السحاب ال ِّث ِ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫قال وإفنا َءها من ِّ‬ ‫وإنشا َء‬
‫املاض واملست ِ‬
‫َقبل‪،‬‬ ‫مان ِ‬ ‫الز ِ‬
‫جناحي َّ‬ ‫وقابلت بني‬ ‫ألف ٍ‬
‫سنة مثال‪،‬‬ ‫رت نفسك قبل ِ‬ ‫تصو َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وإذا َّ‬
‫ِ‬
‫احلشـر‬ ‫ِ‬
‫استبعاد‬ ‫ذهبت إىل‬
‫َ‬ ‫ونامذجها بعدد العصور واأليام؛ فلو‬ ‫ِ‬
‫والقيامة‬ ‫ِ‬
‫احلشـر‬ ‫ترى أمثل َة‬
‫َ‬
‫دت هذا العد َد اهلائل من‬ ‫شاه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مها أنه بعيدٌ عن العقل‪ ،‬بعد ما َ‬ ‫اجلسامين و َبعث األجساد متو ً‬
‫احلرش‪.‬‬ ‫ينكر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فستعلم أنت كذلك مدى محاقة من ُ‬ ‫ُ‬ ‫األمثلة والنامذج‪،‬‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬ ‫الدستور األع َظ ُم َ‬
‫حول هذه‬ ‫تأمل ماذا يقول‬
‫ُ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم‪.)50:‬‬
‫ِ‬ ‫كل يشء ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‪ ،‬بل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يح ُ‬
‫ويستدعيه‪ ..‬نعم‪،‬‬ ‫يقتضيه‬ ‫حدوث‬ ‫ول دون‬ ‫اخلالصة‪ :‬ال يش َء ُ‬
‫ٍ‬
‫حيوان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العجائب‪ -‬ويميتُها كأدنى‬ ‫عر ُض‬‫األرض اهلائل َة ‪-‬وهي َم ِ‬
‫َ‬ ‫إن الذي ُي ِيي هذه‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪92‬‬
‫ِ‬
‫وموقدا‬ ‫الشمس ضيا ًء‬ ‫َ‬
‫وجعل‬ ‫والذي جع َلها مهدً ا ُمرحيا وسفين ًة مجيل ًة لإلنسان واحليوان‪،‬‬
‫َ‬
‫طائرات للمالئكة‪ ..‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫مساكن‬ ‫ِ‬
‫الالمع َة‬ ‫الكواكب الس ّيار َة والنجو َم‬ ‫هلذا املضيف‪ ،‬وجعل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الدرجة‪ ،‬ال ت ِ‬
‫َستقران‬ ‫ِ‬ ‫ربوبي ًة خالد ًة جليل ًة إىل هذا الحدِّ ‪ ،‬وحاكمي ًة حميط ًة َع ِظيم ًة إىل هذه‬
‫رية‪ ..‬فالبدَّ أن‬ ‫هة املت َغ ِ‬ ‫الواهية السيا َل ِة التافِ ِ‬
‫ِ‬ ‫الزائ ِ‬
‫لة‬ ‫الفانية ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمور الدنيا‬ ‫ان يف‬ ‫وال ت ِ‬
‫َنحص ِ‬
‫َّ‬
‫تليق به سبحانَه فهو يسو ُقنا إىل‬ ‫ستقرةً‪ُ ،‬‬ ‫عظيم ًة‪ ،‬م ِ‬‫دائم ًة‪ ،‬جليل ًة‪ِ ،‬‬ ‫هناك دارا أخرى باقي ًة‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫شهد عىل هذا‬ ‫والديار ويدعونا إليه و َي ُنق ُلنا إىل هناك‪َ ..‬ي َ‬ ‫ِ‬ ‫الدائب ألجل تلك املاملِ ِك‬ ‫ِ‬ ‫السعي‬
‫العقول النُّورانِ ِية‪ ،‬الذين َن َف ُذوا‬
‫ِ‬ ‫وأرباب‬
‫ُ‬
‫القلوب املنو ِ‬
‫رة‪،‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫وأقطاب‬
‫ُ‬ ‫األرواح الن ِّي َـر ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬
‫متفقني أنه‬ ‫رشف التقرب إليه سبحانه‪ ،‬فهم يب ِّلغونَنا ِ‬ ‫َ‬ ‫من الظاهر إىل احلقيقة‪ ،‬والذين نالوا‬
‫ُ‬
‫ويوعدُ وعيدا جاز ًما‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سبحانه قد أعدَّ ثوابا وجزا ًء‪ ،‬وأنه َي ِعد وعدا قاطعا‪،‬‬

‫إخالف‬
‫ُ‬ ‫وتذ ٌلل‪ ،‬وأما‬ ‫دنو إىل جالله المقدَّ ِ‬
‫س‪ ،‬ألنه ذ ّل ٌة َ‬ ‫فإخالف الوعد ال يمكن أن َي َ‬
‫ُ‬
‫العفو‬
‫َ‬ ‫مطلقة(‪ )1‬ال يست ُّ‬
‫َحق‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جناية‬ ‫الكفر‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العجز؛ واحلال أن‬ ‫ناشئ من العفو أو‬
‫ٌ‬ ‫الوعيد فهو‬
‫َ‬
‫املخربون والشهو ُد فهم‬ ‫املطلق فهو ُقدُّ وس َّ‬
‫منـز ٌه عن العجز‪ ،‬وأما‬ ‫ُ‬ ‫القدير‬
‫ُ‬ ‫واملغفرةَ‪ ،‬أما‬
‫ِ‬
‫ومشاربم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومناهجهم‬ ‫ِ‬
‫مسالكهم‬ ‫ِ‬
‫اختالف‬ ‫غم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أساس هذه املسألة َر َ‬ ‫متفقون اتفاقا كامال عىل‬
‫حيث‬‫النوعية بلغوا قو َة اإلمجاع‪ ،‬ومن ُ‬
‫ُ‬ ‫حيث الكثر ُة بلغوا درج َة التواتر‪ ،‬ومن ُ‬
‫حيث‬ ‫فهم من ُ‬
‫ُ‬
‫األمهية‬ ‫عيون الطوائف‪ ،‬ومن ُ‬
‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البرشية وهداتُها وأعز ُة القو ِم وقر ُة‬ ‫نجوم‬ ‫ُ‬
‫املنزلة فهم‬
‫ُ‬
‫حكم اثنَني من ِ‬
‫أهل‬ ‫إثبات»‪ ..‬ومن املعلوم أن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اختصاص وأهل‬ ‫ِ‬
‫املسألة «أهل‬ ‫فهم يف هذه‬
‫َ‬
‫يرج ُح‬ ‫ٍ‬
‫رج ُح عىل آالف من غريهم‪ ،‬ويف األخبار والرواية َّ‬ ‫االختصاص يف علم أو صنعة ُي َّ‬
‫رؤية هالل رمضان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رين‪ ،‬كام يف إثبات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اثنني من املثبِتِني عىل‬
‫قول ِ‬ ‫ُ‬
‫النافني املنك َ‬
‫َ‬ ‫آالف من‬
‫ِ‬
‫احلائط‪.‬‬ ‫عرض‬
‫النافني َ‬ ‫مثبتان‪ ،‬بينام يرضب بكالم ٍ‬
‫آالف من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهدان‬ ‫يرج ُح‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حيث ّ‬

‫ِ‬
‫أسامء‬ ‫تزييف جتا َه‬ ‫ِ‬
‫وانتفاء النفع؛ وهو‬ ‫يتهمها بالعبثية‬ ‫ِ‬
‫للكائنات مجي ًعا‪ُ ،‬‬ ‫الكفر إهان ٌة َ‬
‫ٌ‬ ‫حيث ُ‬ ‫قري‬
‫وت ٌ‬ ‫َ‬ ‫(‪ )1‬نعم إن‬
‫حيث‬ ‫تكذيب للمخلوقات مجيعا ُ‬ ‫ِ‬
‫ينكر جتيل تلك األسامء عىل مرايا املوجودات؛ وهو‬
‫ٌ‬ ‫اهلل احلسنى‪ ،‬ألنه ُ‬
‫يسلب‬ ‫ٍ‬
‫درجة‬ ‫اإلنسان واستعداداتِه إىل‬
‫ِ‬ ‫الوحدانية‪ ..‬لذا فإنه ي ِ‬
‫فسدُ ُق َوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات عىل‬ ‫ير ُّد شهاد َة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جتاوز حلقوق مجي ِع املخلوقات‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عظيم جدا‪ ،‬إذ هو‬
‫ٌ‬ ‫منه القدر َة عىل تق ُّب ِل اخلري والصالح‪ ..‬وهو ٌ‬
‫ظلم‬
‫نفس الكافِر من قبول اخلري‪ ،‬اقتىض‬ ‫احلقوق‪ ،‬ولعدم متكُّن ِ‬‫ِ‬ ‫ومجي ِع األسامء احلسنى‪ ،‬لذا فحفاظا عىل هذه‬
‫الكريمة‪  ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‪ ﴾ ‬تفيدُ هذا املعنَى‪(.‬املؤلف)‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واآلية‬ ‫ِحرمانَه من العفو؛‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪93‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫أصوب منها‪ ،‬وال حقيق َة ُ‬
‫أظهر‬ ‫ُ‬ ‫أصدق من هذا يف العامل‪ ،‬وال قضي َة‬
‫ُ‬ ‫واخلالصة‪ :‬ال َ‬
‫خبر‬
‫ضح‪.‬‬
‫منها وال ْأو ُ‬
‫ِ‬
‫خمزنان‪.‬‬ ‫والنار‬ ‫بيدر‪ ،‬واجلن ُ‬
‫َّـة‬ ‫فالدنيا إذن مزرع ٌة بال ٍ‬
‫ُ‬ ‫واملحرش ٌ‬
‫ُ‬ ‫شك‪،‬‬

‫احلقيقة العارشة‬
‫باب الحِكمة ِ والعناية ِ والرحمة ِ والعَدالة ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫حيم»‬
‫حكيم» و«ا�لك َريمِ» و«العَادلِ» و«الر َّ ِ‬ ‫وهو تجلي اس ِم «ال ِ‬
‫ِ‬
‫الفانية هذه‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫ضيافة الدنيا‬ ‫أظهر يف دار‬ ‫اجلالل الذي‬‫ِ‬ ‫املمكن ملالِ ِك امللك ذي‬ ‫ِ‬ ‫أمن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫آثار احلِكمةِ‬ ‫ِ‬
‫ض األرض املتبدِّ ل هذا‪ ،‬هذا ال َقدْ َر من ِ‬ ‫معر ِ‬ ‫ائل هذا‪ ،‬ويف ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫ميدان االمتحان َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫القاه ِ‬
‫رة‪ ،‬وهذا‬ ‫آثار العدا َل ِة ِ‬
‫رة‪ ،‬وهذه الدرج َة من ِ‬ ‫الظاه ِ‬
‫ِ‬ ‫الع ِ‬
‫ناية‬ ‫الباهرة‪ ،‬وهذا املدَ ى من آثار ِ‬ ‫ِ‬
‫لكه وملكوتِه مساكن ِ‬ ‫محة الواسعة! ألَّ ينشئ يف عامل م ِ‬ ‫آثار الر ِ‬
‫دائم ًة‪ ،‬وسكن ًة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫حلدَّ من ِ َّ‬ ‫ا َ‬
‫ِ‬
‫الظاهرة‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫جميع‬ ‫منثورا‬ ‫فتذهب هبا ًء‬ ‫ٍ‬
‫وخملوقات مقيمني‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫ومقامات باقي ًة‪،‬‬ ‫دين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫خال َ‬
‫العدالة‪ ،‬وهلذه الر ِ‬
‫محة؟!‬ ‫ِ‬ ‫العنا َي ِة‪ ،‬وهلذه‬
‫احلكمة‪ ،‬وهلذه ِ‬
‫ِ‬ ‫هلذه‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‪ ،‬وج َع َله ُما َط ًبا‬ ‫اإلنسان من ِ‬
‫بني‬ ‫َ‬ ‫اختار هذا‬ ‫حلكيم ذي َج ٍ‬
‫الل‬ ‫ٍ‬ ‫وهل ُيع َق ُل‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫حلسنَى‪ ،‬و ُمقدِّ ًرا ملا يف َخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تذوقا هلا‬ ‫نابيع‪ ،‬و ُم ِّ‬
‫زائن رمحته من َي َ‬ ‫ك ِّل ًيا له‪ ،‬ومرآ ًة جامع ًة ألسامئه ا ُ‬
‫ِ‬
‫أسامئه احلسنَى‪َ ،‬فأح َّب ُه وح َّب َبه‬ ‫بجمي ِع‬‫ف ُسبحانَه ذاتَه اجلليل َة له َ‬ ‫َعر ًفا إليها‪ ،‬والذي َّ‬
‫عر َ‬ ‫و ُمت ِّ‬
‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫«احلكيم» َج َّل َ‬
‫وعال هذا‬ ‫رس َل َ‬
‫ذلك‬ ‫كل هذا أن ال ي ِ‬ ‫ول بعدَ ِّ‬ ‫رين‪ ..‬أ َف ِم َن ُ‬
‫املعق ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لآلخ َ‬
‫تلك في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني إىل َم َلكتِ ِه اخلالِ ِ‬ ‫الـم ِ‬ ‫ِ‬
‫سعدَ ُه فيها؟‬ ‫السعيدة الدائمة َ ُ‬ ‫يدع َو ُه إىل الدَّ ِار َّ‬
‫دة تلك؟ وال ُ‬ ‫سك َ‬
‫الش ِ‬ ‫ذرةً‪ -‬بِث َق ِل َّ‬ ‫ٍ‬
‫جرة‪،‬‬ ‫جم ًة ‪-‬و َل ْو كان بِ َ‬ ‫وظائف َّ‬
‫َ‬ ‫موجود‬ ‫حم َل َّ‬
‫كل‬ ‫أم هل ُيع َق ُل أن ُي ِّ‬
‫جود َ‬
‫تلك‬ ‫ثامرها‪ ،‬ثم َيع َل غاي َة و ِ‬ ‫أزهارها‪ ،‬و ُيق ِّلدَ ُه َمصالِ َح بعدَ ِد ِ‬‫ِ‬ ‫ِّب عليه ِحكَام بعدَ ِد‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫و ُيرك َ‬
‫الـم َتو ِّج ِه إىل الدُّ نيا؛ أي‬
‫يل ُ‬‫الض ِئ ِ‬ ‫ِ‬
‫مجر َد ذلك اجلزء َّ‬ ‫ِ‬
‫والـمصال ِح َجيعها َّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫الوظائـف واحلِ ِ‬
‫كم‬ ‫ِ‬
‫بمثقال َح ٍبة من َخر َد ٍل؟‬
‫ِ‬ ‫جود هي البقا َء يف الدُّ نيا فقط‪ ،‬الذي ال َأمهِّ ّي َة له حتى‬ ‫جيعل غاي َة الو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‬ ‫لعالـم ِ‬
‫ِ‬ ‫ذورا لعامل املعنَى‪ ،‬وال َم ْز َرع ًة‬ ‫ِ‬ ‫وال َ‬
‫واملصالح ُب ً‬
‫َ‬ ‫والحك ََم‬ ‫الوظائف‬
‫َ‬ ‫جيعل تلك‬
‫اللئق َة هبا‪.‬‬ ‫غاياتا الـح ِق ِ‬
‫يـق َّيـ َة ّ‬ ‫ِ‬ ‫لت ِ‬
‫ُثم َر‬
‫َ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪94‬‬
‫واالحتفاالت الع ِ‬
‫ظيمة هبا ًء بال‬ ‫ِ‬ ‫املهرجانات الر ِ‬
‫ائعة‬ ‫ِ‬ ‫يع هذه‬ ‫ِ‬ ‫وهل ُيع َق ُل أن‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫تذهب َجم ُ‬
‫َ‬
‫وج َهها ك َّلها إىل عاملِ املعنَى‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وسدً ى بال معنًى وعب ًثا بال حكمة؟! أم هل ُيع َق ُل أن ال ُي ِّ‬ ‫غاية‪ُ ،‬‬
‫ُظهر غاياتِها األصيل َة وأثمارها ِ‬
‫الجدير َة هبا؟!‬ ‫َ‬ ‫وعاملِ اآلخرة لت ِ َ‬
‫للحقيقة‪ ،‬خال ًفا ألوصافِه المقدَّ ِ‬
‫سة‬ ‫ِ‬ ‫كل ذلك ِخال ًفا‬ ‫املمكن أن ُي ِ‬
‫ظه َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫نعم‪ ،‬أمن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املمكن‬ ‫كل‪ ..‬ثم كَّال‪ ..‬أم هل من‬ ‫الر ِ‬
‫حيم» َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«احلك ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ ،‬العادل‪َّ ،‬‬ ‫يم‪،‬‬ ‫وأسامئه احلسنَى‪:‬‬
‫وعدْ ٍل‬ ‫ٍ‬
‫حكمة َ‬ ‫الة عىل أوصافِه المقدَّ َس ِة من‬ ‫نات الدَّ ِ‬
‫الكائ ِ‬
‫ِ‬ ‫حقائق مجي ِع‬
‫َ‬ ‫كذ َب سبحانَه‬ ‫أن ُي ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وير َّد َشهاد َة املوجودات مجيعا‪ ،‬و ُيبط َل دالل َة املصنوعات مجيعا! تعاىل ُ‬
‫اهلل‬ ‫ورمحة‪ُ ،‬‬ ‫وكر ٍم َ‬
‫لوا كَبِريا‪.‬‬
‫عن ذلك ُع ًّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬مع أنَّه‬ ‫زهيدةً‪َ ،‬زهاد َة َش ٍ‬
‫عرة‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان ُأجر ًة دنيوي ًة ِ‬ ‫العقل أن ي ِ‬
‫عط َي‬ ‫ُ‬ ‫وهل َيق َب ُل‬
‫ُ‬
‫بمثل هذا‬ ‫رأس ِه؟ فهل ي ِ‬
‫مك ُن أن يقو َم ِ‬ ‫رات ِ‬ ‫ووظائف هي بعدَ ِد شع ِ‬
‫َ‬ ‫وبحواسه َمها َّم‬ ‫َ‬
‫أناط به‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫احلقيق َّي ِة؟ سبحانه‬
‫غزى خالفا لعدالتِه احل َّق ِة‪ ،‬ومنافا ًة حلكمتِه ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العمل الذي ال معنَى له وال َم َ‬ ‫ِ‬
‫ولون علوا كبريا‪.‬‬ ‫وتعاىل عام ُيق َ‬

‫سان مثال‪ -‬بل‬ ‫ضو فيه ‪-‬كال ِّل ِ‬ ‫كل ُع ٍ‬ ‫حياة‪ ،‬بل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ذي‬ ‫املمكن أن يق ِّلدَ سبحانَه َّ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َأو َ‬
‫ظه ًرا ِحكم َت ُه املط َلق َة ثم ال َيمن ََح‬ ‫شجرة ُم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫الحك َِم واملصالِ ِح بعدَ ِد أ ْث ِ‬
‫امر ِّ‬ ‫كل مصنوعٍ‪ ،‬من ِ‬
‫َّ َ‬
‫وأهم املصالِ ِح‪،‬‬‫ُّ‬ ‫الحك َِم‪،‬‬ ‫أعظم ِ‬
‫السعاد َة األبد َّي َة التي هي ْ ُ‬ ‫هيب له َّ‬ ‫اإلنسان البقا َء واخللو َد‪ ،‬وال َ‬ ‫َ‬
‫الحكم َة ِحكم ًة‪ ،‬والنعم َة‬ ‫النتائ ِج؟ فيتـر َك البقاء وال ِّلقاء والسعاد َة األبدي َة التي تَجع ُل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وألزم ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرمحة ومن َب ُعها‪ ..‬فهل‬ ‫ِّعم َّ‬‫صدر مجي ِع احلك َِم واملصالح والن ِ‬ ‫والرمح َة رحم ًة‪ ،‬بل هي َم ُ‬ ‫نعم ًة‪َّ ،‬‬
‫ويضع‬ ‫ِ‬
‫املطلق؟‬ ‫ِ‬
‫العبث‬ ‫هاو ِية‬
‫األمور مجي َعها إىل ِ‬ ‫سق َط تلك‬ ‫ـهم َلها وي ِ‬ ‫يمكن أن يتـركَها وي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كل َح َج ٍر‬‫ضع يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رصا عظيام َي ُ‬ ‫بمنـزلة من َيبني َق ً‬ ‫ذلك علوا كبريا‪-‬‬ ‫اهلل عن َ‬ ‫‪-‬تعال ُ‬ ‫َ‬ ‫نفسه‬
‫َ‬
‫آالف‬‫َ‬ ‫كل ُغر َف ٍة فيه‬ ‫خار ِف‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫والز ِ‬ ‫ينة َّ‬ ‫الز ِ‬ ‫آالف ِّ‬ ‫َ‬ ‫كل َز ِاو ٍية فيه‬ ‫ُّقوش‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫آالف الن‬
‫َ‬ ‫فيه‬
‫ويرتك كل‬‫َ‬ ‫ورية‪ ..‬ثم ال َيبنِي له َس ْق ًفا ليح َف َظه؟! فيرتكَه‬ ‫الض ِ‬ ‫ات َّ‬ ‫واحلاجي ِ‬
‫ِ َّ‬
‫ِ‬
‫الثمينة‬ ‫ِ‬
‫اآلالت‬
‫الخيـر‪ ،‬وال َيصدُ ُر من‬ ‫المطلق إال‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخيـر‬ ‫حاش هلل‪ ..‬ال َيصدُ ُر من‬ ‫والفساد! َ‬ ‫ِ‬ ‫يشء للبِ َل‬
‫ُ‬
‫العبث الب َّت َة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المطلق‬ ‫الجمال‪ ،‬فلن َيصدُ َر من الحكي ِم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المطلق إال‬ ‫ِ‬
‫الجميل‬
‫َت بع ِ‬
‫دد‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫كل من ي ِ‬
‫نعم‪ ،‬إن َّ‬
‫ويذهب خياال إىل جهة املاض َس َريى أنه قد مات ْ َ‬
‫ُ‬ ‫التاريخ‬ ‫متطي‬ ‫َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪95‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ض‬ ‫وميدان االبتِ ِ‬
‫الء و َم ِ‬
‫عر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمنـزل الدنيا‬ ‫ٌ‬
‫شبيهة‬ ‫وعوالم‬ ‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ومعار ُض ومياد ُ‬ ‫منازل‬ ‫نيـن‬
‫الس َ‬
‫ِّ‬
‫اآلخ ِر صور ًة‬ ‫ِ‬
‫البعض َ‬ ‫بعضها عن‬ ‫ِ‬
‫اختالف ِ‬ ‫الر ِ‬
‫غم مما ُي َرى من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشياء يف و ْقتِنا‬
‫احلارض؛ فعىل َّ‬
‫كمتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإبراز ُقدرة الصان ِع وح َ‬ ‫ونوعا‪ ،‬فإهنا تتشا َبه يف االنتظا ِم واإلبدا ِع‬
‫الـم ِ‬
‫يادين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسيى كذلك ‪-‬ما مل َيفقدْ بصريتَه‪ -‬أن يف تلك املنازل املتبدِّ لة‪ ،‬ويف تلك َ‬ ‫َ‬
‫للحكمة‪ ،‬واإلشاراتِ‬
‫ِ‬ ‫الباهر ِة الساطعةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض الفانيـة‪ ..‬من األنظمة ِ‬ ‫ِ‬
‫املعار ِ‬ ‫الزائلة‪ ،‬ويف تلك‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مح ِ‬
‫ـة‬ ‫ِ‬
‫الواسعة للر َ‬ ‫ِ‬
‫للعدالة‪ ،‬وال ِّث ِ‬
‫امر‬ ‫يمن َِة‬
‫رة الـمه ِ‬
‫القاه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألمارات‬ ‫الظاهرة للعنا َي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الجل َّي ِة‬
‫َُ‬ ‫َ‬
‫ما س ُي ِ‬
‫در ُك يقينًا أنه‪:‬‬
‫تكون عناي ٌة‬
‫َ‬ ‫يمك ُن أن‬ ‫أكمل من تلك احلِ ِ‬
‫كمة املشهود ِة‪ ،‬وال ِ‬ ‫ُون ِحكم ٌة َ‬ ‫يمكن أن تك َ‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أجل من تلك الع ِ‬
‫دالة‬ ‫دالة َّ‬
‫تكون َع ٌ‬
‫َ‬ ‫يمكن أن‬ ‫ِ‬
‫اآلثار‪ ،‬وال‬ ‫اه ِ‬
‫رة‬ ‫الع ِ‬
‫ناية ال َّظ ِ‬ ‫أروع من تلك ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحـة ال َّظاهرة ال ِّث ِ‬
‫مـار‪.‬‬ ‫رمحة ْأش َ‬
‫ُون ٌ‬‫أماراتا‪ ،‬وال يمكن أن تك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مل من تلك َّ‬ ‫ُ‬ ‫الواضحة‬
‫األمور‪ ،‬و ُيغ ِّي ُـر‬ ‫دير هذه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫حال‪ ،‬وهو َّ‬ ‫الـم ُ‬
‫َ‬ ‫السمد َّي ‪-‬الذي ُي ُ‬ ‫السلطان َّ‬ ‫أن‬ ‫ُرض ُ‬ ‫وإذا افت َ‬
‫سامي ٌة وال‬ ‫راقية ِ‬ ‫أماك ُن ٌ‬ ‫مة وال ِ‬ ‫دائ ٌ‬ ‫منـاز ُل ِ‬
‫ليست ل ُه ِ‬ ‫ٍ‬
‫ـمرار‪-‬‬ ‫واملستضافات باستِ‬
‫ِ‬ ‫الضيوف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫اخلالدة؛ َي َلز ُم‬ ‫باق ٌية وال َرعا َيا خالِدُ ون‪ ،‬وال ِعبا ٌد ُسعدا ُء يف مملكتِه‬ ‫ثابتة وال مساكن ِ‬ ‫قامات ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َم‬
‫ُ‬
‫ناص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِعندَ ٍئذ‬
‫معنوي ٌة‬ ‫محة» التي هي َع ُ‬ ‫والر َ‬ ‫احلقائق األربعة‪« :‬احلكمة وال َعدا َلة والعنا َية َّ‬ ‫إنكار‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واهلواء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قوي ٌة ِ‬
‫العناص‪ ،‬ألنه‬ ‫ظهور تلك‬ ‫َ‬ ‫الظاه ِر‬ ‫وجودها‬ ‫وإنكار‬
‫ُ‬ ‫اب‪،‬‬ ‫والت ِ‬
‫واملاء ُّ‬ ‫كالنور‬ ‫شامل ٌة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أن هذه الدنيا وما فيها ال ت َِفي ل ُظ ِ‬
‫آخر ما‬ ‫هناك يف مكان َ‬ ‫لو مل يكن َ‬ ‫تلك احلقائ ِق‪َ ،‬ف ْ‬ ‫هور َ‬ ‫من املعلو ِم َّ‬
‫الشمس‬ ‫نك ُر‬‫نون من ي ِ‬ ‫يشء أمامنا ‪-‬بج ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫كمة املوجو َد ِة يف ِّ‬ ‫أهل هلا‪ ،‬فيجب إنكار هذه احلِ ِ‬ ‫هو ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُشاهدُ ها دائام يف ِ‬ ‫أل نورها النهار‪ -‬وإنكار هذه العناي ِة التي ن ِ‬
‫أغلب األشياء‪..‬‬ ‫أنفسنا ويف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫التي َيم ُ ُ‬
‫كل مكان‪..‬‬ ‫محة التي نراها يف ِّ‬ ‫األمارات‪ )1(..‬وإنكار هذه الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الظاه ِ‬
‫رة‬ ‫ِ‬ ‫العدالة اجلل َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫وإنكار هذه‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫كل ذي ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫حق َح َّق ُه؛‬ ‫يب فهو‪ :‬إعطا ُء ِّ‬ ‫واآلخر َسلبِ ّي‪ :‬أما اإلجيا ُّ‬
‫ُ‬ ‫يب‪،‬‬‫إن العدال َة ش ّقان أحدُ ُها إجيا ّ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪َّ ،‬‬
‫البداهة‪ ،‬فكام أثبتنا يف «احلقيقة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكل ما يف هذه الدنيا لدرجة‬ ‫ِ‬
‫ـحيط وشام ٌل ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫سم من العدالة ُم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فهذا الق ُ‬
‫ب التي يط ُل ُبها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يشء وما هو َض ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بأن ما يط ُل ُبه ُّ‬ ‫الثالثة» َّ‬
‫ور ٌّي لوجوده وإدا َمة حياته‪ ،‬تلك املطال ُ‬ ‫كل‬
‫ٍ‬
‫خاص‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاطر ذي اجلالل تَأتيه بميزان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اضطراره من‬ ‫بلسان استِعداده وبِ ُلغة حاجاته الفطر َّية وبلسان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القسم من الع ِ‬ ‫ومقاييس معي ٍنة‪ ،‬أي إن هذا ِ‬ ‫َد ِق ٍ‬
‫واحلياة؛‬ ‫الوجود‬ ‫ظهور‬
‫َ‬ ‫ظاهر‬
‫ٌ‬ ‫دالة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ُ َّ‬ ‫يـر‬ ‫ِ‬
‫وبمعاي َ‬ ‫يـق‪،‬‬
‫والعذاب عليهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلزاء‬ ‫ِ‬
‫بإنزال‬ ‫احلق‬ ‫ُ‬
‫إحقاق ِّ‬ ‫غيـر ِ‬
‫املح ِّقني‪ ،‬أي‬ ‫تأديب ِ‬ ‫لبي فهو‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الس ّ‬‫سم َّ‬ ‫وأما الق ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪96‬‬
‫ِ‬
‫واآلالء‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألفعال‬ ‫احلك ِ‬
‫يمة‬ ‫اإلجراءات ِ‬ ‫ِ‬ ‫صاحب ما نرا ُه من‬ ‫وكذلك َي َلز ُم أن ُيعت َب َـر‬
‫ُ‬
‫العبا َظالِـام غدَّ ارا تعاىل اهلل عن ذلك ُعلوا كبريا‪،‬‬ ‫حاش هلل‪ -‬الهيا ِ‬
‫ً‬ ‫‪-‬حاش هلل ُث َّم َ‬ ‫َ‬ ‫الر ِح ِ‬
‫يمة‬ ‫َّ‬
‫السوفسطائ ُّيون الذين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الب احلقائ ِق ْ‬ ‫ِ‬ ‫وما هذا َّ‬
‫الـمحال‪ ،‬حتى ُّ‬ ‫نتهى ُ‬ ‫بأضدادها‪ ،‬وهو ُم َ‬ ‫إل انق ُ‬
‫حال بسهو َل ٍة‪.‬‬ ‫َصو ِر هذا الـم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ينكرون وجو َد ِّ‬
‫ُ‬ ‫كل يشء حتى ُوجو َد أنفسهم ال َيدنُون إىل ت ُّ‬
‫ِ‬ ‫ناسب ٌة بني ما ُي َ‬ ‫واخلالصة‪ :‬أنه َل ْ‬
‫شؤون العاملِ من‬ ‫شاهدُ يف‬ ‫يست هناك عالق ٌة أو ُم َ‬
‫رسيعة‪،‬‬‫ٍ‬ ‫خمة‪ ،‬وتَشت ٍ‬
‫ُّتات‬ ‫ُّالت َض ٍ‬ ‫للموت‪ ،‬وتَكت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وافرتاقات س ٍ‬
‫يعة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للحياة‪،‬‬ ‫واس ٍ‬
‫عة‬ ‫معات ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َت‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وغايات‬ ‫زئية‪،‬‬ ‫َتائج ج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫رائ ٍ‬
‫يات ِ‬ ‫وت ِّل ٍ‬ ‫هائلة‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحتِ‬
‫معلوم لدينا من ن َ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫وبني ما هو‬ ‫عة‪َ ..‬‬ ‫فاالت‬
‫ناس ٍبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بينهام بعالقة‪ ،‬أو إجياد ُم َ‬ ‫بط ُ‬ ‫فالر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تافهة ُمؤ َّقتة‪ ،‬و َفرتة َقصرية تعو ُد إىل الدنيا الفانية؛ لذا َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫وغ ٍ‬
‫ايات‬ ‫ٍ‬
‫هائلة َ‬ ‫حكمة‪ ،‬إذ ُيشبِه ذلك َر ْب َط ِحك ٍَم‬ ‫ٍ‬ ‫يتوافق مع‬
‫ُ‬ ‫قل وال‬ ‫نسج ُم مع َع ٍ‬ ‫ال َي ِ‬
‫بجبل َع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بحجم احل ِ‬ ‫زئية ُمؤقت ٍَة‬
‫تافهة ج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غرية جدا‪ ،‬ورب َط ٍ‬ ‫بحصاة ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ظيم!!‬ ‫صاة‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫غاية‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫كاجلبل‬
‫غاياتا التي ت ُعو ُد إىل‬ ‫ِ‬ ‫وش ِ‬
‫ؤونا وبني‬ ‫ِ‬
‫املوجودات ُ‬ ‫بني هذه‬‫القة َ‬‫جود َع ٍ‬ ‫إن َعدم و ِ‬ ‫أي َّ‬
‫َ ُ‬
‫هة إىل‬ ‫توج ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ويدل َدالل ًة واضح ًة عىل َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الدنيا‪ ،‬يشهدُ َشهاد ًة ِ‬
‫قاطع ًة‪،‬‬
‫أن هذه املوجودات ُم ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫األسامء‬ ‫عة إىل‬‫أنظارها ُمتط ِّل ٌ‬ ‫الالئق َة هناك‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ِ‬ ‫امرها اللطيف َة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عا َل ِم املعنَى‪،‬‬
‫َ‬ ‫حيث تُعطي ث َ‬
‫إل‬ ‫حتت ت ِ‬
‫ُراب الدنيا ّ‬ ‫ذورها َمبوء ٌة َ‬ ‫غاياتا تَرنُو إىل ذلك العامل؛ ومع َّ‬ ‫ِ‬
‫أن ُب َ‬ ‫حلسنَى‪ ،‬وأن‬ ‫ا ُ‬
‫وي ِصدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استعداده‪َ -‬‬ ‫ب‬
‫هنا‪-‬حس َ‬
‫َ‬ ‫زر ُع‬
‫زر ُع و ُي َ‬ ‫ُ‬
‫فاإلنسان َي َ‬ ‫املثال‪..‬‬ ‫أن َسنابِ َلها ت ُ‬
‫َبـر ُز يف عامل‬ ‫َّ‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫هناك يف ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املوجودات املتوج ِ‬ ‫ِ‬ ‫رت إىل و ِ‬


‫اآلخرة‬ ‫األسامء احلسنَى وإىل عاملِ‬ ‫هة إىل‬ ‫ِّ‬ ‫جوه‬ ‫ُ‬ ‫نعم‪ ،‬لو َن َظ َ‬
‫غايات كبير ًة ِكبر الشج ِ‬
‫ٍ‬ ‫درة اإلهل َّي ِة‪-‬‬
‫الق ِ‬ ‫ذر ٍة ‪-‬وهي معجز ُة ُ‬ ‫أن لِ ِّ‬
‫رة؛ وأن ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫كل بِ َ‬ ‫لرأيت‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫كل َثم ٍ‬ ‫أزهار الشج ِر؛ َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬ ‫هرة ‪-‬وهي ك َِل ُ ِ‬ ‫َز ٍ‬
‫رة ‪-‬وهي‬ ‫وأن ل ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫بمقدار‬ ‫ان َج َّم ًة‬
‫مة احلكمة ‪َ -‬م َع َ‬

‫وأمارات تدل عىل هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫إشارات‬ ‫إل أن هنالك‬ ‫بجالء يف هذه الدنيا ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ظه ُر‬ ‫ِ‬
‫سم وإن كان ال َي َ‬ ‫فهذا الق ُ‬
‫املتمر َد ِة‬
‫ِّ‬ ‫عاد و َثمو َد بل باألقوام‬ ‫َزلت بقوم ٍ‬ ‫ِ‬
‫التأديب التي ن ْ‬ ‫العذاب وص ِ‬
‫فعات‬ ‫ِ َ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة؛ خذ مثال َس ْو َط‬
‫السامية ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يمنـ َة‬ ‫ِ‬ ‫ظه ُر باحلدْ ِ‬ ‫يف عرصنا هذا‪ ،‬مما ُي ِ‬
‫وسيا َدتَـها‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬ ‫العدالة‬ ‫س ال َقطع ِّي َه َ‬
‫الق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الزهر ِة والبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلت‪ِ :‬ل ت ِ‬
‫درة‬ ‫معجزات ُ‬ ‫ذرة وال َّث َمرة؟ اجلواب‪ :‬ألهنا ُ‬
‫أبدع‬ ‫َ‬ ‫ب األمثلة من َّ َ‬ ‫أغ َل َ‬
‫ُور ُد ْ‬ ‫(‪ )1‬سؤال‪ :‬فإن َ َ‬
‫قلم ال َقدَ ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولما َع َج َز ُ‬ ‫ِ‬
‫أهل الضاللة والطبيعة والفلسفة املاد ّية عن قراءة ما َخ ّط ُه ُ‬ ‫وأعج ُبها وأل َط ُفها‪ّ ..‬‬ ‫َ‬ ‫اإلهلية‬
‫اآلس ِن‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬ ‫الطبيعة ِ‬
‫ِ‬ ‫وغ ِرقوا فيها‪ ،‬وس َقطوا يف ُمستَنق ِع‬ ‫تاهوا َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫والقدرة فيها من الكتا َبة الدَّ قيقة‪ُ ،‬‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪97‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫هة ِ‬
‫كونا أرزاقا لنا‬ ‫الشجرة ِ‬
‫نفسها؛ أما ِج ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرمحة‪ -‬من ِ‬
‫الحك َِم ما يف‬ ‫ِ‬ ‫عجز ُة الصنع ِة ِ‬
‫وقصيد ُة‬ ‫م ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫َموت‬ ‫حيث إهنا ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألوف احلك َِم‪ُ ،‬‬ ‫فهي ِح ٌ‬
‫ُنهي َمها َّمها‪ ،‬وتُويف مغزاها فت ُ‬ ‫كمة واحد ٌة من بني‬
‫وتُد َف ُن يف َم ِعداتِنا‪.‬‬
‫املكان‪ ،‬وت ِ‬
‫ُود ُع هناك ُص َورا دائم ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ثمارها يف غري هذا‬ ‫ُ‬
‫الفانية تُؤيت َ‬ ‫فام دا َم ْت هذه األشيا ُء‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫فاإلنسان إذن‬ ‫الس َمد َّي َة هناك‪..‬‬ ‫أذكارها وتسابِ َ‬
‫يحها اخلالد َة َّ‬ ‫َ‬ ‫خالدة‪ ،‬وتُؤ ِّدي‬ ‫معان‬ ‫وتُع ِّبر عن‬
‫هة نحو اخللود‪ِ ..‬‬ ‫الوجوه املتوج ِ‬
‫ِ‬
‫وعندَ ها جيدُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُيصبِ ُح إنسانا حقا مادا َم يتأ َّم ُل و َي ُ‬
‫نظر إىل تلك‬
‫سبيال من الفاين إىل الباقي‪.‬‬
‫قة التي ت َِس ُيل يف ِخ َض ِّم‬ ‫دة واملتفر ِ‬
‫ِّ‬
‫املوجودات املحت َِش ِ‬ ‫ِ‬ ‫إذن هناك َقصدٌ آخر ِضمن ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َّب‬ ‫ِ‬ ‫إن أحوا َلـها تُشبِه ‪-‬وال ُم َ‬ ‫حيث َّ‬ ‫واملوت‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤاخذ َة يف األمثال‪ -‬أحواال وأوضاعا تُرت ُ‬ ‫احلياة‬
‫الص َو ِر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫امعات ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َهي ِئة اجتِ‬
‫ظة لت ِ‬ ‫باه ٌ‬ ‫قات ِ‬ ‫للت ِ‬
‫َّمثيل‪ ،‬فتُن َف ُق َن َف ٌ‬
‫وافتاقات قصرية‪ ،‬ألجل التقاط ُّ‬
‫الشاش ِة َعرضا ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَركيبِها‬
‫دائمـا‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫لعرضها عىل‬
‫صرية يف هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ـة يف ٍ‬
‫فرتة َق‬ ‫ـة واالجتِامعي ِ‬ ‫خصي ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة َّ‬ ‫غايات َق ِ‬
‫ضاء‬ ‫ِ‬ ‫فإن إحدَ ى‬ ‫وهكذا َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح ُ ِ‬ ‫أخذ الصو ِر وتَركيبها‪ِ ،‬‬
‫األكرب‪،‬‬ ‫الـجم ِع‬
‫ب أما َم َ‬ ‫حاس َ‬ ‫فظ نتائج األعامل‪ ،‬ل ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫الدنيا هي ُ ُّ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عر َض أما َم ال َع ْر ِ‬
‫فاحلديث‬ ‫ظمى‪،‬‬ ‫ظه َر استعدا ُده وليا َقـتُـ ُه للسعادة ال ُع َ‬ ‫ِ‬
‫األعظم‪ ،‬ول َي َ‬ ‫ض‬ ‫ول ُي َ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫هذه‬‫رة»(‪ )1‬يعبـر عن ِ‬ ‫اآلخ ِ‬ ‫عة ِ‬ ‫زر ُ‬
‫ُ ِّ ُ‬ ‫الرشيف‪« :‬الدُّ نيا َم َ‬
‫ُ‬
‫الظاهر ُة‬ ‫ِ‬ ‫محة وال َع ُ‬
‫دالة‬ ‫والر ُ‬ ‫ناية َّ‬ ‫والع ُ‬ ‫ِ‬ ‫فام دامت الدنيا موجود ًة فِعال‪ ،‬وفيها احلِ ُ‬
‫كمة‬
‫كل‬ ‫ثبوت هذه الدنيا‪ ..‬وملا كان ُّ‬ ‫ِ‬ ‫وجود ٌة حتام‪ ،‬وثابِ ٌتة بِقطع َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بآثارها‪ ،‬فكذلك اآلخر ُة َم ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حلة إىل هناك‪ ،‬لذا فإن‬ ‫والر ُ‬ ‫يـر إذن ِّ‬ ‫فالس ُ‬ ‫يشء يف الدنيا َيتط َّل ُع من جهة إىل ذلك العامل‪َّ ،‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬فاجلن ُ‬ ‫َ‬ ‫نتظ ِ‬ ‫أن األج َل وال َقبـر ي ِ‬ ‫اآلخ ِ‬
‫إنكار ِ‬
‫َّـة‬ ‫ران‬ ‫ْ َ َ‬ ‫إنكار للدُّ نيا وما فيها‪ ..‬فكام َّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫رة هو‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َرتصدانه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والنار كذلك تنتظرانه وت َّ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين ‪19/4‬؛ عيل القاري‪ ،‬األرسار املرفوعة ‪205‬؛ وقال‪ :‬معناه صحيح مقتبس من قوله تعاىل‬
‫﴿ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﴾ (الشورى‪ ..)20:‬انظر‪ :‬العجلوين‪ ،‬كشف اخلفاء ‪.495/1‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪98‬‬

‫احلقيق ُة احلادي َة ْ‬
‫عش َة‬
‫باب الإنسانية ِ وهو تجلِّي اس ِم «ال ِّ‬
‫حق»‬ ‫ُ‬
‫عبد لربوب َّيتِه‬
‫اإلنسان أهم ٍ‬
‫َ َّ‬ ‫احلق أن َي ُل َق هذا‬
‫للحق سبحانَه وهو املعبو ُد ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املمكن‬ ‫أمن‬
‫ألوامر ِه‬
‫ِ‬ ‫وفهم‬
‫ً‬ ‫وأكثر املخا َطبِ َ‬
‫ني إدراكًا‬ ‫َ‬ ‫للعاملني‪،‬‬
‫َ‬ ‫خملوق ُلربوب َّيتِه العا َّم ِة‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املطلقة وأكر َم‬
‫ِ‬
‫أحسن‬ ‫ِ‬
‫مرتبة‬ ‫ٍ‬
‫معجزة للقدرة‪ ،‬يف‬ ‫مرآة لتجيل أسامئه احلسنى‪ ،‬وأمجل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بحانية‪ ،‬وأمجع‬ ‫الس‬
‫ُّ‬
‫اسم من األسامء احلسنى؛ وأغنى‬ ‫تقويم‪ ،‬نال جتيل االسم األعظم‪ ،‬وجتيل املرتبة العظمى لكل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اإلهلية من ك ٍ‬ ‫ِ‬ ‫زائن الرح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أجه ٍ‬ ‫صاحب ِ‬ ‫ُمدَ ِّق ٍق‬
‫وأكثر‬ ‫َ‬ ‫ُنوز‪،‬‬ ‫ـمة‬ ‫وتقدير ما يف َخ ِ ْ‬ ‫ملعرفة‬ ‫وموازين‬
‫َ‬ ‫زة‬ ‫ُ‬
‫وأزيدَ ها َشوقا إىل‬ ‫وأكثرها تأ ُّل ًما من الفناء‪ْ ،‬‬ ‫عمه التي ال ُت َص‪،‬‬ ‫املخلوقات َفاق ًة وحاج ًة إىل نِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أكثرها تَعاس ًة‪ ،‬ومن‬ ‫ِ ِ‬ ‫البقاء‪ ،‬وأشدَّ ها لطاف ًة ِ‬ ‫ِ‬
‫قرا وحاج ًة؛ مع أنه من جهة احلياة الدُّ نيا ُ‬ ‫ورق ًة و َف ً‬
‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫ورةً‪ ..‬فهل من املمكن أن َيـخ ُل َق املعبو ُد ُّ‬
‫احلق‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫طري أسامها ُص َ‬ ‫جهة االستعداد الف ِّ‬
‫محق احلقيق َة‬ ‫ِ‬ ‫ومشتاق إليه من ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ؤه ٌل له‬ ‫ِ‬
‫اخللود؟! ف َي َ‬ ‫دار‬ ‫هبذه املاهية ثم ال يبع َثه إىل ما هو ُم َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسانِ َّيـ َة و َي َ‬
‫كبريا‪..‬‬ ‫لوا ً‬ ‫ذلك ُع ًّ‬ ‫اهلل عن َ‬ ‫عمل ما هو ُمناف كليا ألح ِّق ّيتـه سبحانه؟ تعاىل ُ‬
‫اإلنسان استِعدا ًدا فِطر ًيا‬ ‫ِ‬ ‫ب هلذا‬ ‫املطلق الذي َو َه َ‬ ‫ِ‬ ‫والر ِ‬
‫حيم‬ ‫باحلق َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للحاكم‬ ‫وهل ُيع َق ُل‬
‫حيملنَها‪،‬‬ ‫واجلبال أن ِ‬ ‫ُ‬ ‫واألرض‬
‫ُ‬ ‫السماوات‬
‫ُ‬ ‫األمانة الكربى التي ِ‬
‫أبت‬ ‫ِ‬ ‫ساميا ُيم ِّكنُه من َح ِل‬ ‫ِ‬
‫الشامل َة املحيط َة وشؤونَه الكُل َّي َة وجتلياتِه املطلق َة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صفات خالِ ِقه سبحانَه‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫عر َ‬ ‫أي َخل َقه ل َي ِ‬
‫وأعجزها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫ف‬ ‫كل أ ْل َط ِ‬ ‫بش ِ‬ ‫ئيلة‪ ..‬والذي َبرأ ُه َ‬ ‫الض ِ‬ ‫بموازينِه اجلزئ َّي ِة وبمهاراتِه َّ‬
‫تدخال يف‬ ‫رشفا و ُمن ِّظام و ُم ِّ‬ ‫نص َبه ُم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫فسخ َر له َجمي َعها من نبات وحيوان‪ ،‬حتى َّ‬ ‫وأضعفها‪،‬‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫لإلجراءات‬ ‫رة‪-‬‬ ‫وعباداتا‪ ..‬والذي جع َله نموذجا ‪-‬بمقاييس مص َّغ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تسبيحاتا‬ ‫ِ‬
‫أنامط‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الكائنات‪ ،‬حتى من ََحه منزل ًة‬ ‫ِ‬ ‫ول‪ -‬عىل‬ ‫عل و َق ً‬ ‫هة ‪-‬فِ ً‬ ‫إلعالن الربوبِي ِة الم َّنز ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف الكون‪ ،‬و َد ً‬
‫لَّل‬
‫ُّ َّ ُ‬
‫ِ‬
‫لإلنسان‬ ‫ب سبحانَه‬ ‫مرتبة اخلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫املالئ ِ‬
‫نزلة ِ‬ ‫أكرم من م ِ‬
‫يمكن أن َ َي َ‬ ‫ُ‬ ‫الفة‪ ..‬فهل‬ ‫كة‪ ،‬راف ًعا إيا ُه إىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السعاد ُة األبد َّي ُة؟ َفريم َيه إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وثامرها وهي َّ‬ ‫ب له غاياتا ونتائ َجها َ‬ ‫كل هذه الوظائف ثم ال َي َه َ‬
‫العقل الذي‬ ‫َ‬ ‫أتعس خملوقاتِه؟ وجي َع َل هذا‬ ‫الذ َّلة واملسكَنة واملصيبة واألسقا ِم‪ ،‬وجيع َله َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫در ِك ِّ ِ‬
‫َْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نورانية حلكمته سبحانَه ووسيل ٌة ملعرفة السعا َدة آل َة‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫مبار ٌ‬
‫وشؤ ٍم‪ ،‬خالفا‬ ‫تعذيب ُ‬ ‫كة‬ ‫هو هد ّي ٌة َ‬
‫َبريا‪.‬‬ ‫املطلقة؟ تعاىل اهلل عن َ‬ ‫ِ‬ ‫حلكمتِه املطلقة‪ ،‬ومنـافـا ًة لرمحتِه‬
‫لوا ك ً‬ ‫ذلك ُع ً‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪99‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫فت خدمتِه ُرتبتَه‪ ،‬ووظيفتَه‬ ‫ط و َد َ ِ‬ ‫احلكاية أن يف ه ِوي ِة الضابِ ِ‬
‫ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫اخلالصة‪ :‬كام أننا َرأينَا يف‬
‫ِ‬
‫امليدان‬ ‫عمل ألجل هذا‬ ‫الضابط ال َي ُ‬‫َ‬ ‫َّضح لدينا أن َ‬
‫ذلك‬ ‫وعتَا َده‪ ،‬وات َ‬ ‫ودستور أفعالِه َ‬
‫َ‬ ‫ومر َّت َبه‬
‫دائمة؛ كذلك فإن ما يف ُه ِو َّي ِة‬ ‫ٍ‬ ‫مستق َّر ٍة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مملكة‬ ‫ٍ‬
‫تكريم وإنعا ٍم يف‬ ‫ريح ُل إليه من‬ ‫ِ‬
‫املؤ َّقت‪ ،‬بل ملا َس َ‬
‫وع ٍ‬
‫تاد‬ ‫ٍ‬
‫أجهزة َ‬ ‫حواس‪ ،‬وما يف فِطرتِه من‬ ‫قله من‬ ‫فت َع ِ‬
‫لطائف‪ ،‬وما يف َد َ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان من‬ ‫ِ‬
‫قلب‬
‫َّ‬
‫السعا َد ِة األبد َّي ِة‪،‬‬
‫ألجل تلك َّ‬‫ِ‬ ‫حت له ّ‬
‫إل‬ ‫السعادة األبد َّي ِة‪ ،‬بل ما ُمنِ ْ‬
‫ِ‬ ‫توج ٌ‬
‫هة مجي ًعا وم ًعا إىل‬ ‫ُم ِّ‬
‫ِ‬
‫والكشف‪.‬‬ ‫أهل الت ِ‬
‫َّحقيق‬ ‫عليه ُ‬‫وهذا ما يت َِّف ُق ِ‬
‫َ‬

‫قل‬ ‫ٍ‬
‫َصوير لل َع ِ‬ ‫درة التَّخ ُّي ِل يف اإلنسان التي تُعدُّ َوسيل َة ت‬‫املثال‪ :‬لو ِق َيل ُلق ِ‬
‫ِ‬ ‫فعىل َس ِ‬
‫بيل‬
‫مصيرك‬
‫ُ‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫ليون َس ٍنة‬
‫وزينتُها مع ُعم ٍر يزيدُ عىل ِم ِ‬
‫ُ َ‬ ‫لطنة الدنيا ِ‬ ‫وخادم ًة له‪ :‬ستُمنح ِ‬
‫لك َس ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫تدخ ِل‬
‫َتحس ُر‪ ،‬إن مل َي َّ‬ ‫ِ‬
‫أعظم‬
‫َ‬ ‫النفس؛ أي إن‬ ‫وهوى‬ ‫الوهم َ‬
‫ُ‬ ‫إىل الفناء والعد ِم َحتام نراها ت َّ‬
‫َتأو ُه وت َّ‬
‫ُ‬
‫اخليال!‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان وهي‬ ‫فان ‪-‬وهو الدُّ نيا وما فيها‪ -‬ال يمكنُه أن يشبِع أصغر ٍ‬
‫آلة يف‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫طري والذي له ٌ‬
‫آمال َتتَدُّ إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ظه ُر من هذا جل ًّيا َّ‬
‫اإلنسان الذي له هذا االستعدا ُد الف ُّ‬ ‫أن هذا‬ ‫َي َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان إنام‬ ‫السعادة األبد َّي ِة؛ هذا‬
‫ِ‬ ‫غبات تَنتَرش يف ثنايا أنوا ِع‬
‫ور ٌ‬ ‫ِ‬
‫حتيط بالكون‪َ ،‬‬ ‫وأفكار ُ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األبد‪،‬‬
‫اآلخ ِ‬ ‫انتظار ِ‬
‫ِ‬ ‫وصال َة‬ ‫وس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫إل ُمستَضا ًفا ُمؤ َّقتا‪َ ،‬‬‫فليست هذه الدنيا ّ‬ ‫ريحل إليه حتام‪َ ،‬‬ ‫ُخل َق لأل َبد َ‬

‫احلقيقة الثانية عرشة‬


‫ِيم»‬
‫ن الرَّح ِ‬ ‫باب الرِّسالة ِ والتَّنـز ي ِ‬
‫ل وهو تجلي «ب ِس ْ ِم الله الرَّحم ِ‬ ‫ُ‬
‫جميع‬ ‫وأقر بِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِأم َن املمكن ملن أ َّيد كال َمه‬
‫ُ‬ ‫جميع األنبياء المعتمدين على معجزاتهم َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألصفياء‬ ‫ِ‬
‫العلامء‬ ‫جميع‬ ‫بصدق ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكراماتم‪ ،‬وشهد‬ ‫ِ‬
‫بكشفياتم‬ ‫المعز ِزين‬ ‫ِ‬
‫األولياء الصاحلني‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫يت من‬ ‫فتـح بام ُأو َ‬
‫الكريم ﷺ الـذي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرسول‬ ‫وحتقيقاتم‪ ..‬ذلِكُم هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تدقيقاتم‬ ‫املستندين إىل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫وبآالف من ِ‬
‫آيات‬ ‫ٍ‬ ‫بألف من معجزاتِه ال َّث ِ‬
‫ابتة‪،‬‬ ‫اجلنة‪ ،‬مصدَّ قا ٍ‬ ‫اآلخرة وباب ِ‬ ‫ِ‬ ‫طريق‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قوة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الكريم ال َّث ِ‬
‫جناح‬ ‫ِ‬ ‫وهى من‬ ‫وجها؛ فهل من املمكن َأن ت َُسدَّ أوها ٌم هي َأ َ‬ ‫بأربعني ً‬
‫َ‬ ‫إعجازه‬
‫ُ‬ ‫ابت‬ ‫ِ‬
‫وباب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫اجلنة؟!‬ ‫اآلخرة‬ ‫طريق‬ ‫الكريم ﷺ من‬‫ُ‬ ‫الرسول‬ ‫ُذبابة ما َ‬
‫فتح ُه هذا‬
‫***‬
‫يقة ِ‬ ‫احلرش ِ‬ ‫احلقائق الس ِ‬
‫ُ‬
‫بحيث ال يمكن‬ ‫خة ٌ‬
‫قوية‬ ‫راس ٌ‬ ‫حق ٌ‬ ‫ِ‬ ‫أن مسأل َة‬
‫ابقة َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫وهكذا لقد ُف ِه َم من‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪100‬‬
‫ُزحزحها أي ُة ُق ٍ‬
‫وت ِّط َمها‪ ،‬ذلك‬ ‫ُزيح الكر َة األرض َّي َة ُ‬‫استطاعت أن ت َ‬ ‫َ‬ ‫وة مهام كانت حتى لو‬ ‫أن ت ِ َ ّ‬
‫ِ‬
‫اجلليلة‬ ‫مجيعها وصفاتِه‬ ‫أسامئه احلسنَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫بمقتض‬ ‫قر تلك احلقيق َة‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ألن اهلل سبحانَه وتعاىل ُي ُّ‬
‫الكريم ُيثبِتها‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والقرآن‬ ‫الكريم ﷺ ُيصدِّ ُقها بمعجزاتِه وبراهينِه ك ِّلها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رسو َله‬
‫وأن ُ‬‫ك ِّلها‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ـة وشؤونِه‬ ‫والكون يشهد هلا بجمي ِع آياتِه التكوينِـي ِ‬ ‫ِ‬ ‫بجمي ِع آياتِه‬
‫احلكيمة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫وحقائقه‪،‬‬
‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫جميع‬ ‫الوجود سبحانَه وتعاىل‬ ‫ِ‬ ‫واجب‬‫ِ‬ ‫ـق مع‬ ‫املمكن يا تُرى أن يت ِ‬
‫َّـف َ‬ ‫ِ‬ ‫فهل من‬
‫ُ‬
‫يح هذه احلقيق َة‬ ‫واهية ِ‬
‫ضعيف ٌة لت ِ‬ ‫ٌ‬ ‫بهة شيطانِ ٌية‬ ‫ِ‬
‫احلشـر‪ ،‬ثم تأيت ُش ٌ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬عدا الك ِ‬
‫ُـز َ‬ ‫حقيقة‬ ‫ُفار‪ -‬يف‬
‫الراسخ َة الشامـخ َة وت ِ‬
‫ُزعز َعها؟! ك ََّل‪ ..‬ثم ك ََّل‪..‬‬ ‫ِ‬

‫عشةَ‪ ،‬بل كام َّ‬


‫أن‬ ‫ِ‬
‫احلقائق اال ْثنت َْي ْ‬ ‫منحص ٌة يف ما بحثناه من‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلشـر‬ ‫دالئل‬‫وال تَحسبن ِ‬
‫َ ّ‬
‫ِ‬
‫واألمارات‬ ‫األوج ِه‬ ‫بآالف من‬‫ٍ‬ ‫احلقائ َق‪ ،‬فإنه ُي ِش ُري كذلك‬
‫ِ‬ ‫الكريم َوحدَ ُه ُيع ِّل ُمنا َ‬
‫تلك‬ ‫َ‬
‫القرآن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫دار الب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـة إىل َّ ِ‬‫القوي ِ‬
‫قاء‪.‬‬ ‫أن خال َقنا س َي ُنق ُلنا من دار الفناء إىل ِ َ‬ ‫َّ‬
‫األسامء احلسنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َضيات‬ ‫احلشـر منحرص ٌة فيام بحثناه من ُمقت‬ ‫ِ‬ ‫بن كذلك أن َ‬
‫دالئل‬ ‫َحس َّ‬ ‫وال ت َ‬
‫لية يف تَدبِ ِري‬ ‫األسامء احلسنى املتج ِ‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫احلفيظ» بل إن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العادل‪،‬‬ ‫حيم‪،‬‬‫الر ِ‬ ‫يم‪ ،‬الك ِ‬ ‫ِ‬
‫«احلك ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َريم‪َّ ،‬‬
‫َلز ُمها‪.‬‬‫الكون تقت َِض اآلخر َة وتَست ِ‬

‫سب‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال حتسب أيضا أن ِ‬


‫فح ُ‬ ‫ناها َ‬ ‫الكون الدَّ الة عىل احلرش هي تلك التي ذك َْر َ‬ ‫آيات‬ ‫َ ْ‬
‫املوجودات تُفتَح وتتوجه ي ِمينا ِ‬ ‫ِ‬ ‫وج ٌه يف ِ‬
‫شهد وج ٌه‬ ‫يدل و َي َ‬ ‫وشامال‪ ،‬فمثلام ُّ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫أكثر‬ ‫آفاق و َأ ُ‬ ‫هناك ٌ‬
‫ومئ ِ‬
‫إليه‪.‬‬ ‫عىل الصانِع سبحانَه وتعاىل ي ِشيـر وجه آخر إىل احلرش وي ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫تقويم‪ ،‬مثلام هو إشار ٌة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫أح َس ِن‬ ‫خلق اإلنسان يف ْ‬
‫ِ‬ ‫نعة املت َق ِنة يف ِ‬ ‫فمثال‪ :‬إن حسن الص ِ‬
‫ُ َ َّ‬
‫جامعة‪ُ ،‬ي ِشري إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قابليات و ُق ًوى‬ ‫فيه من‬ ‫سرية مع ما ِ‬ ‫الصانِع سبحانَه‪ ،‬فإن َزوا َله يف مدَّ ٍة ي ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫احلرش‪ ،‬حتى إذا ما ُلوح َظ َوج ٌه واحدٌ فقط بنظرت ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلشـر م ًعا‪،‬‬ ‫الصان ِع‬ ‫َني‪ ،‬فإنه َيدُ ُّل عىل َّ‬
‫الع ِ‬
‫ناية‬ ‫يـن ِ‬ ‫َزي ِ‬ ‫احلكمة وت ِ‬‫ِ‬ ‫َنظ ِ‬
‫يم‬ ‫األشياء من ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغلب‬ ‫ماهية ما هو ِ‬
‫ظاه ٌر يف‬ ‫ُ‬ ‫ظت‬ ‫فمثال‪ :‬إذا ِ‬
‫لوح ْ‬
‫ادل‪،‬‬‫كريم‪َ ،‬ع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حكيم‪،‬‬‫ٍ‬ ‫درة لصانِع‬ ‫الق ِ‬ ‫صادر ٌة من َي ِد ُ‬ ‫محة‪ ،‬تُبين أهنا ِ‬
‫ِّ ُ‬
‫افة الر ِ‬
‫َّ‬
‫دالة ول َط ِ‬ ‫وتقدير الع ِ‬
‫ِ َ‬
‫اجلليلة وقوتُها وطالقتُها‪ ،‬مع ِقصر ِ‬
‫حياة‬ ‫ِ‬ ‫ظمة هذه الص ِ‬
‫فات‬ ‫ظت َع ُ‬ ‫وح ْ‬ ‫رحيم؛ كذلك إذا ُل ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫إن َّ‬ ‫ـن من ِخاللِـها‪ ،‬أي َّ‬ ‫املوجودات يف هذه الدنيا َ ِ‬ ‫ِ‬
‫وزها َدتها فإن اآلخر َة تَت َبـ َّي ُ‬ ‫هذه‬
‫نت بِاهلل َوبِا ْل َي ْو ِم ْال ِخ ِر‬ ‫ِ‬
‫احلال‪َ :‬آم ُ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫َيقر ُأ و َي ِ‬
‫ستقر ُئ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪101‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫اخلامتة‬
‫خرى‬ ‫ُكم ُل إحداها األُ َ‬‫اآلخر‪ ،‬وت ِّ‬
‫َ‬ ‫البعض‬
‫َ‬ ‫احلقائق االثنت َْي َع ْش َة السابِق َة ُيؤ ِّيدُ ُ‬
‫بعضها‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ادها معا؛ فأي وهم ي ِ‬
‫مكنُه أن َينْ ُف َذ‬ ‫جمموعها واتِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫النتيج ُة من‬ ‫ي‬‫َدعمها‪ ،‬فتَت َب َّ ُ‬
‫ُّ َ ْ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وتَس ُنُدُ ها وت ُ‬
‫ِ‬
‫باحلشـر‬ ‫َ‬
‫اإليامن‬ ‫األملاس‪ ،‬ل ُي ِ‬
‫زعز َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاحلديد‪ ،‬بل‬ ‫عش َـر املُحكم َة‬ ‫االثن َْي َ‬ ‫األسوار ِ‬
‫ِ‬ ‫من هذه‬
‫ني؟‬‫احلص ِ‬ ‫صن ِ‬ ‫حص ِن باحلِ ِ‬‫الم َّ‬‫ُ‬
‫خلق مجي ِع‬ ‫يمة ﴿ ﰊ ﰋﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﴾ (لقامن‪ )28:‬ت ُِفيدُ أن َ‬ ‫فاآلية ِ‬
‫الكر ُ‬ ‫ُ‬
‫ـرهِ؛ نعم‪ ،‬وهو‬‫وح ْش ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫در ِة‬ ‫سيـر عىل ُ‬ ‫شر ُهم َس ٌ‬ ‫ِ‬
‫كخلق إنسان واحد َ‬ ‫اإلهلية‪،‬‬ ‫الق َ‬ ‫هل و َي ٌ‬ ‫وح َ‬ ‫البشـر َ‬
‫فة ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫عر ِ‬ ‫ُقطة من ِ‬
‫نور َم ِ‬ ‫الة «ن ٌ‬ ‫حث «احلرش» من رس ِ‬ ‫يقة يف ب ِ‬ ‫ِ‬
‫جل‬ ‫َ‬ ‫لت هذه احلق ُ َ‬ ‫حيث ُف ِّص ْ‬
‫هكذا ُ‬
‫التفصيل َفلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫نش ُري هنا إىل ُخالصتِها مع ِ‬
‫إل أننا س ِ‬
‫اجع تلك‬ ‫َ ُ‬ ‫األمثلة‪ ،‬و َمن أرا َد‬ ‫ذكر‬ ‫َ‬ ‫جال ُله»‪ّ ،‬‬
‫الرسال َة‪.‬‬
‫الشمس مثلام ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫فمثال‪ :‬وهلل ُ‬
‫ُرسل ‪-‬ولو إراد ًّيا‪-‬‬ ‫األمثال‪ -‬إن َّ َ‬ ‫جدال يف‬ ‫املثل األعىل ‪-‬وال‬
‫نفسها إىل مجيع املوا ِّد الشفا َف ِة‬ ‫بالسهولة ِ‬
‫ِ‬ ‫ُرس ُله‬ ‫واحدة‪ ،‬فإهنا ت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تامة إىل َذ ٍ‬
‫رة‬ ‫بسهولة ٍ‬‫ٍ‬ ‫ضو َءها‬
‫ِ‬ ‫واح ٍ‬ ‫شفافة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ذر ٍة‬ ‫ِ‬ ‫التي ال حصـر هلا‪ ،‬وذلك ِ‬
‫لصورة‬ ‫دة‬ ‫أخذ ُبؤ ُب ِؤ ّ‬‫وإن َ‬ ‫ُّورانية»؛ َّ‬ ‫بس ِّـر «الن‬ ‫َ َ‬
‫الطفل مثلام‬‫َ‬ ‫«الشفافِ َّي ِة»؛ َّ‬
‫وإن‬ ‫بس ِّـر َّ‬ ‫الواس ِع هلا‪ ،‬وذلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر‬ ‫ألخذ َس ِ‬
‫طح‬ ‫ِ‬ ‫الشمس ُم ٍ‬
‫ساو‬ ‫ِ‬
‫حر َك كذلك السفين َة احلقيق َّي َة‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حير َك ُدم َيتَه الشبيه َة بالسفينَة‪ُ ،‬يمكنُه أن ُي ِّ‬ ‫ُيمكنُه أن ِّ‬
‫القائدَ الذي يسير اجلندي الواحدَ بأمر ِ‬ ‫وإن ِ‬ ‫سر «االنتِظا ِم» الذي فيها؛ َّ‬
‫اجليش‬ ‫يسوق َ‬ ‫ُ‬ ‫«س ْر»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫بِ ِّ‬
‫اعة»‪.‬‬ ‫ثال وال َّط ِ‬ ‫نفسها‪ ،‬وذلك بسر «االمتِ ِ‬ ‫بأكمله بالكلمة ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫صغرية‬ ‫وزن َج ْو َز ٍة‬ ‫يتحس ُس َ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫وحساس‬ ‫كبريا جدً ا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫افت ْضنا يف الفضاء ميزانًا ً‬ ‫ولو َ‬
‫تي جو َز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الوقت الذي ِ‬ ‫ِ‬
‫تان أو‬ ‫وو ِجدَ ت يف الك َّف ْ ِ َ ْ‬ ‫توض َع يف ك َّفت ْيه َشمسان‪ُ ،‬‬ ‫يمك ُن أن َ‬ ‫يف‬
‫ِ‬ ‫الك َّف ْ ِ‬‫املبذول لرف ِع إحدَ ى ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫جلهدُ‬
‫األسفل هو ا ُ‬ ‫واألخرى إىل‬ ‫َ‬ ‫تي إىل األعىل‬ ‫َشمسان‪ ،‬فإن ا ُ‬
‫جلهدَ‬
‫«املواز ِنة»‪.‬‬
‫َ‬ ‫بسـر‬
‫نفسه‪ ،‬وذلك ِّ‬ ‫ُ‬
‫الواح ِد يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاليشء‬ ‫ظه ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫فام دام أكبر ٍ‬
‫أصغره‪ ،‬وما ال ُيعدُّ من األشياء َي َ‬ ‫يتساوى مع‬ ‫َ‬ ‫يشء‬ ‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪102‬‬
‫ناقص ٌة فانِي ٌة‪ -‬ملا فيها من «النُّورانِ َّي ِة والشفاف َّي ِة‬ ‫واملمكنات االعتِيادي ِة ‪-‬وهي ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫هذه‬
‫والكثير‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ليل‬‫املطلق ال َق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدير‬ ‫واملواز ِنة» فال ُبدَّ أنه يتساوى أما َم‬ ‫َ‬ ‫واالنتظا ِم واالمتِ ِ‬
‫ثال‬
‫ِ‬ ‫واح ٍ‬‫يحة ِ‬ ‫الناس بص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والصغير والكبير‪ ،‬وحشر ٍ‬
‫بالتجليات‬ ‫دة‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ َ‬ ‫واحد ومجي ِع‬ ‫فرد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫و«الشفاف َّي ِة» يف َملكوت َّي ِة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الكامل‪،‬‬ ‫املطلقة وهي يف منتهى‬ ‫ِ‬ ‫املطلقة لقدرتِه الذاتِ َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫«النُّوران َّي ِة»‬
‫التكوينِ َّي ِة امتثاال‬ ‫ِ‬ ‫ألوامر ِه‬
‫ِ‬ ‫وطاعتِها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫ثال»‬‫در‪ ،‬و«امتِ ِ‬ ‫كمة وال َق ِ‬ ‫األشياء‪ ،‬و«انتِظا ِم» احلِ ِ‬ ‫ِ‬

‫جود وال َعد ِم‪.‬‬ ‫املمكنات يف الو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َساوي‬ ‫اإلمكان الذي هو ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫واز ِنة»‬
‫وبس ِّـر « ُم َ‬ ‫كامال‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫تداخ ِل ِضدِّ ِه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫والض ِ‬
‫احلرارة‬ ‫رجات‬
‫ُ‬ ‫فيه‪ ،‬فدَ‬ ‫ليشء َما عبار ٌة عن ُ‬ ‫عف‬ ‫القو ِة َّ‬ ‫ب َّ‬
‫ثم َّ ِ‬
‫إن مرات َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وطبقات‬ ‫ُ‬ ‫بح‪،‬‬ ‫الق ِ‬ ‫تداخل ُ‬ ‫اجلامل متو ِّلد ٌة من‬ ‫تداخ ِل ال ُبـرو َدة‪ ،‬و َم ُ‬
‫راتب‬ ‫‪-‬مثال‪ -‬ناجت ٌة من ُ‬
‫لضدِّ ِه أن‬ ‫أن اليشء إن كان ذاتيا غير َعريض‪ ،‬فال يمكن ِ‬ ‫إل ّ‬ ‫خول الظال ِم؛ ّ‬ ‫الضوء من ُد ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ٍّ‬ ‫َ‬
‫وأصيل‪ ،‬فام‬ ‫ٌ‬ ‫يت‬
‫مراتب فيام هو ذا ٌّ‬ ‫َ‬ ‫حمال‪ ،‬أي إنه ال‬ ‫الضدَّ ين وهو ٌ‬ ‫اجتامع ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وإل ِلز َم‬ ‫دخ َل فيه‪ّ ،‬‬ ‫َي ُ‬
‫فمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املطلق ذاتِي ًة‪ ،‬وليست َع َر َض َّي ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املطلق‪َ ،‬‬ ‫الكامل‬ ‫كاملمكنات‪ ،‬وهي يف‬ ‫القدير‬ ‫دامت قدر ُة‬
‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫لق الربي ِع بالنِّس َب ِة لذي‬ ‫إن َخ َ‬ ‫جز الذي هو ِضدُّ ها‪ ،‬أي ّ‬ ‫املحال إذن أن َيطر َأ عليها ال َع ُ‬ ‫ِ‬
‫بخالف‬ ‫ِ‬ ‫فرد منهم‪،‬‬ ‫كبعث ٍ‬ ‫ِ‬ ‫سري عليه‬ ‫الناس مجيعا ٌ‬ ‫ِ‬ ‫واحدة‪ ،‬و َب َ‬ ‫ٍ‬ ‫كخلق َز ٍ‬ ‫ِ‬
‫سهل و َي ٌ‬ ‫عث‬ ‫هرة‬ ‫ه ِّي ٌن‬
‫الربيعِ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لق َز ٍ‬ ‫ُ‬
‫يكون َخ ُ‬ ‫فع ٍ‬ ‫املادية‪ِ ،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما إذا ُأسنِدَ‬
‫كخلق َّ‬ ‫واحدة صع ًبا‬ ‫هرة‬ ‫ندئذ‬ ‫األسباب‬ ‫األمر إىل‬ ‫ُ‬
‫***‬

‫ِ‬
‫وحقائقه ما هي‬ ‫ِ‬
‫احلشـر‬ ‫لص َور‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫‪-‬منذ البداية‪ُ -‬‬ ‫واإليضاحات‬ ‫األمثلة‬ ‫وكل ما تَقدَّ َم من‬
‫ُ‬
‫القول‬ ‫بول؛ إذ‬ ‫والقلب لل َق ِ‬
‫ِ‬ ‫َّفس للت ِ‬
‫َّسليم‬ ‫ِ‬
‫لتهيئة الن ِ‬ ‫َريم‪ ،‬وما هي ّ‬
‫إل‬ ‫ِ‬
‫القرآن الك ِ‬ ‫ِ‬
‫فيض‬ ‫َّ‬
‫إل من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫البالغة‪..‬‬ ‫والقول قو ُله‪ ،‬ف ْلنستَمعْ إليه‪ ..‬فل ّله ُ‬
‫الح َّج ُة‬ ‫ُ‬ ‫والكالم كال ُمه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫للقرآن‬ ‫ُ‬
‫الفصل‬
‫﴿ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ‬
‫(الروم‪)50:‬‬ ‫ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﴾‬
‫﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ * ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫(يس‪)79-78:‬‬ ‫ﮨﮩﮪﮫ ﴾‬
‫﴿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ *‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪103‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫(احلج‪)2-1:‬‬ ‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ ﴾‬
‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕ ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ﴾‬
‫(النساء‪)87:‬‬

‫(االنفطار‪)14-13:‬‬ ‫﴿ ﮊﮋﮌﮍ * ﮏﮐﮑﮒ ﴾‬


‫﴿ ﭩﭪﭫﭬ * ﭮﭯﭰ * ﭲﭳﭴﭵ * ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ* ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ * ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ * ﮇ‬
‫(سورة الزلزال)‬ ‫ﮈﮉﮊﮋﮌ * ﮎﮏﮐﮑﮒﮓ ﴾‬
‫﴿ ﭜ * ﭞﭟ * ﭡﭢﭣﭤ * ﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪ * ﭬﭭﭮﭯ * ﭱﭲﭳﭴ * ﭶﭷﭸ‬
‫ﭹ* ﭻﭼﭽﭾ * ﮀﮁ* ﮃﮄﮅﮆ * ﮈﮉ ﴾‬
‫(سورة القارعة)‬

‫﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫(النحل‪)77:‬‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾‬
‫ولنقل‪ :‬آمنَّا وصدَّ قنا‪..‬‬ ‫نات‪ُ ،‬‬ ‫اآليات البي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمثال هذه‬ ‫و ْلنست َِمع إىل‬
‫ِّ‬
‫ورشهِ َ‬‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫آ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫آ ُ َّ‬
‫من‬ ‫در خريهِ ِ‬ ‫تبه ورس ِله وايلومِ ال ِخ ِر وبالق ِ‬ ‫�منت بالل ومالئِك ِته وك ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫وانلار ٌ‬
‫َ‬ ‫اجلنة ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫بعد املوت ٌ‬ ‫وابلعث َ‬‫ُ‬ ‫َّ‬
‫حق‪ ،‬وأن الشفاعة‬ ‫حق‪،‬‬ ‫حق‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫الل تعاىل‪،‬‬
‫ٰ ّ‬ ‫أش ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َّ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫هد أن ال لإ َ إل‬ ‫بور؛‬
‫ِ‬ ‫الق‬ ‫يف‬ ‫من‬ ‫بعث‬ ‫ي‬ ‫الل‬ ‫وأن‬ ‫‪،‬‬ ‫حق‬ ‫منكرا ونكريا ٌ‬
‫ِ‬ ‫حق‪ ،‬وأن‬ ‫ٌ‬
‫أك َمل َو ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ‬ ‫ُ ََّّ َّ َّ َ ّ َ َ ْ َ‬ ‫ً‬ ‫ََّّ ُ ْ ُ َّ‬
‫أج ِل‬ ‫ِ‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫أش‬ ‫و‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫أل‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ص‬ ‫الل‬ ‫‪،‬‬ ‫الل‬ ‫رسول‬ ‫ا‬‫حممد‬ ‫أن‬ ‫الل وأشهد‬
‫ْ َ ْ َ ُ َ ْ َ ً ْ َ َ َ َ َ َ ً ُ ُ َ َ َْ‬ ‫ُ َ َ ْ َ َ َّ‬ ‫َََ‬
‫ولا إل أزي ِن‬ ‫الي أرسلته رحة لِلعال ِمني وو ِسيلة لِوص ِ‬ ‫ات طوب رح ِتك ِ‬ ‫ثمر ِ‬
‫ّْ‬ ‫ْ َ ُّ َ ْ ُ َ َ ّ َ َ َ َ ْ آ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ َ َْ َََ‬
‫ار ال ِخ َرة أي الَنة‪،‬‬ ‫ات تِلك الطوب المتد ِل ِة عل د ِ‬ ‫وأحس ِن وأجل وأعل ثمر ِ‬
‫أدخل َوالينَا اجل َ ّن َة َم َع ْالب ْ َر َ‬ ‫َّ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ ّ َ ْ ْ َ َ ْ‬
‫ار ِباهِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ار وأد ِخلنا و‬ ‫أجر و ِالينا ِمن انل ِ‬ ‫أجرنا و ِ‬ ‫الل ِ‬
‫آ‬
‫ك ال ُمختَار‪� ..‬م َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ّ َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ن ِب ِي‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪104‬‬

‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫فهم هبذه‬ ‫ْصاف! ال ت َُقل لِ َم ال ُأ ِح ُ‬ ‫الة بإن ٍ‬ ‫القارئُ لهذه الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيا أيها األخُ‬
‫يط ً‬ ‫َ‬
‫ابن ِسينا(*)‪-‬‬‫‪-‬أمثال ِ‬
‫َ‬ ‫السف ًة ُدها ًة‬‫فإن َف ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلحاطة هبا‪َّ ،‬‬ ‫َضايق من َعد ِم‬‫العارشة‪ ..‬ال تَغت ََّم وال تت ْ‬‫ِ‬
‫سلوك س ِ‬ ‫ُؤمن به فحسب‪ ،‬فال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ليس عىل َم ِ‬
‫بيله‪،‬‬ ‫ُ َ‬ ‫مك ُن‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫يس َعقلية» أي ن ُ‬ ‫قاي َ‬ ‫«احلشـر َ‬
‫ُ‬ ‫قد قالوا‪:‬‬
‫إن‬‫احلرش َق ِض ّي ٌة نقل َّيـ ٌة‪ ،‬أي َّ‬‫ِ‬ ‫َّفق علام ُء اإلسال ِم بأن َقض َّي َة‬ ‫بالعقل‪ ..‬وكذلك ات َ‬ ‫ِ‬ ‫وره‬‫رب َغ ِ‬
‫وس ُ‬
‫غائرا‪ ،‬و َطري ًقا َعاليا ِ‬
‫ساميا يف‬ ‫بيل ِ‬ ‫قل؛ لذا فإن َس ً‬ ‫الوصول إليها َع ً‬ ‫ُ‬ ‫يمكن‬ ‫أد َّلتَها ٌ‬
‫نقلية‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫كل سالِ ٍك‪.‬‬ ‫أن يس ُلكَه ُّ‬ ‫ريق عا ٍّم يمكن ْ‬ ‫يكون بس ِ‬
‫هولة َط ٍ‬ ‫َ ُ‬ ‫مك ُن أن‬‫نفسه‪ ،‬ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫الوقت ِ‬

‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َريم‪ ،‬وبر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الطريق‬ ‫الس ُير يف هذا‬
‫حيم قد ُم َّن علينا َّ‬ ‫اخلالق َّ‬ ‫محة‬ ‫بفيض القرآن الك ِ َ‬ ‫ولكن‬
‫والتسليم؛ فام علينا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلذعان‬ ‫صـر الذي تَح َّط َم فيه التقليدُ وفسدَ‬ ‫الرفي ِع ال َع ِ‬
‫ميق‪ ،‬يف هذا ال َع ِ‬
‫ظيم‪ ،‬إذ َّ‬
‫إن هذا‬ ‫ضله ال َع ِ‬ ‫العميم و َف ِ‬
‫ِ‬ ‫وجل عىل إحسانِه‬ ‫عز َّ‬ ‫ِ‬
‫البارئ َّ‬ ‫الش ِ‬
‫كر إىل‬ ‫تقديم ِ‬
‫آالف ُّ‬ ‫ُ‬
‫إل ِ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫المطالعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بتكرار‬ ‫قدار ِ‬
‫فهمنا و َنزيدَ ه‬ ‫بم ِ‬ ‫نرضى ِ‬‫إلنقاذ إيامنِنا وسالمتِه‪ ،‬فال ُبدَّ أن َ‬
‫ِ‬ ‫القدْ ر ِ‬
‫يكفي‬ ‫َ‬
‫مسألة احلرش عقال هو ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذا َّ‬
‫األعظم من‬‫َ‬ ‫احلرش‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫صول إىل‬ ‫أرسار َعد ِم ُ‬
‫الو‬ ‫وإن أحدَ‬
‫ظيمة الص ِ‬ ‫األفعال الع ِ‬
‫ِ‬
‫االسم‬ ‫ادرة من َت ِّل‬ ‫َّ‬ ‫ِ َ‬ ‫«االسم األع َظ ِم»‪ ،‬لذا فإن ُرؤي َة وإِراء َة‬ ‫ِ‬ ‫َت ِّل‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إثبات‬ ‫َ‬ ‫عل‬‫األسامء احلسنى هي التي َت ُ‬ ‫من‬
‫اسم َ‬‫لكل ٍ‬ ‫ظمى ِّ‬ ‫األَع َظ ِم‪ ،‬ومن جتيل املرتبة ال ُع َ‬
‫القطعي‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اإلذعان‬ ‫الربي ِع وثبوتِه‪ ،‬والذي ُيؤ ِّدي إىل‬ ‫ِ‬
‫األعظم سهال ه ِّينا وقاط ًعا كإثبات َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‬
‫يقي‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫واإليامن احلق ِّ‬
‫الق ِ‬
‫رآن‬ ‫ِ‬
‫بفيض ُ‬ ‫العاش ِ‬
‫ـرة»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة‬ ‫وو ِّض َح يف هذه‬ ‫وعىل هذه الص ِ‬
‫شر ُ‬ ‫الح ُ‬
‫َوض َح َ‬ ‫ورة ت َّ‬ ‫ُّ‬
‫عاج ًزا مضطرا إىل التَّقليد‪ِ.‬‬ ‫لظل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قاييسه الكَليلة َّ‬ ‫ِ‬ ‫قل عىل َم ِ‬ ‫وإل لو اعتَمدَ ال َع ُ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ّ ،‬‬
‫ُ ً‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪105‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫العاش ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للكلمة‬ ‫مهم‬ ‫ٌ‬
‫ذيل ٌ‬
‫والقطعة األوىل من الحقتها‬
‫﴿ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ * ﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩﭪﭫ * ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻ * ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ *ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ * ﮟ‬
‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ * ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ*ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ‬
‫ﯴ * ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡ * ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ * ﭭ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ﴾ (الروم‪)27-17:‬‬

‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫«الشعا ِع التاسعِ» ُبرهانا قويا‪ ،‬وحج ًة كربى‪ ،‬ملا تُب ِّيـنُـه هذه‬
‫سنُب ّين يف هذا ُّ‬
‫الدالة ع َل ِيه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السامية املقدَّ ِ‬
‫سة‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬
‫الرباه ِ‬ ‫احلرش‪ ،‬ومن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليامن و ُقطبِه‪ ،‬وهو‬ ‫ـحو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة من م َ‬
‫يم» قبل ثالثني سن ًة يف ِختام ُمؤ َّل ِفه‬ ‫ِ‬
‫َتب «سعيدٌ القد ُ‬ ‫ٌ‬
‫لطيفة أن ك َ‬ ‫ناية ربانِ ٌية‬
‫لع ٌ‬ ‫وإنه ِ‬
‫ِ‬
‫المقصد‬ ‫ِ‬
‫اإلجياز» ما يأيت‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫مظان‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز يف‬ ‫ِ‬
‫«إشارات‬ ‫ِ‬
‫لتفسري‬ ‫«حماكامت» الذي كت َبه ُمقدِّ م ًة‬
‫ُشريان ِ‬
‫إليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احلرش وت‬ ‫سوف تُفس ِ‬
‫آيتان تُب ِّينان‬ ‫الثاني‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪106‬‬

‫الك ُ‬
‫تابة‪.‬‬ ‫ف‪ ،‬ومل ُتتَح له ِ‬
‫ولكنـه ابتَد َأ بـ‪ :‬نخو(‪ ﷽�   )1‬وتو َّق َ‬
‫احلرش وأماراتِه أن و َّفقنِي لبيان‬
‫ِ‬ ‫دد ِ‬
‫دالئ ِل‬ ‫الكريم وبِع ِ‬
‫ِ َ‬ ‫ِ‬
‫للخالق‬ ‫وش ٍ‬
‫كر‬ ‫ُ‬ ‫ف ُش ٍ‬
‫كر‬ ‫فأ ْل ُ‬
‫ِ‬
‫اآلية األُ َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫بعدَ ثالثني سن ًة‪ ،‬فأنعم سبحانَه وتعاىل علي بت ِ‬
‫َفس ِري‬ ‫ِ‬
‫التفسيـر‬ ‫ذلك‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫﴿ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ‬
‫نوات‪ ،‬فأص ِ‬ ‫رش س ٍ‬ ‫قبل ن ِ‬
‫بحت «الكلم َة‬ ‫ْ‬ ‫َحو َع ِ َ‬ ‫وذلك َ‬
‫َ‬ ‫ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم‪،)50:‬‬
‫املنكرين‬ ‫ساطعتان قوي ِ‬
‫تان ْ‬
‫أخرستَا‬ ‫ِ‬ ‫والعرشين» ومها ُح َّجتان‬ ‫العاشةَ» و«الكلم َة ِ‬
‫التاسع َة‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫دين‪..‬‬ ‫ِ‬
‫اجلاح َ‬
‫علي‬
‫أفاض َّ‬
‫للحرش‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫حل ِصين ِ‬
‫َني‬ ‫بيان ذلِكُام احلِصن ِ‬
‫َني ا َ‬
‫سنوات من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وبعدَ َحوايل َع ِ‬
‫رش‬
‫الرسال َة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اآليات املتصدِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكان هذه ِّ‬ ‫رة هلذا الشعاعِ‪،‬‬ ‫َفسيـر‬
‫وأنعم بت‬
‫َ‬ ‫سبحانَه وتعاىل‬
‫مقامات س ٍ‬
‫امية‪ ،‬أشارت إليها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مة مهمة وتِ ِ‬
‫سعة‬ ‫ِ‬ ‫هذا ُّ‬
‫َ‬ ‫عاع التاس ُع» عبار ٌة عن ُمقدِّ ُ‬
‫«الش ُ‬
‫ُ‬
‫الكريمة‪.‬‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬

‫املقدمة‬
‫تصار نتيج ًة ِ‬
‫واحد ًة جامع ًة من بني‬ ‫وباخ ٍ‬‫ول ْ‬ ‫نذكر َأ ً‬ ‫هذه املقدِّ ُ‬
‫مة نقطتان‪َ :‬س ُ‬
‫ِ‬
‫العقيدة‬ ‫نني مدى رض ِ‬
‫ورة هذه‬ ‫ِ‬
‫احلرش‪ُ ،‬مب ِّي َ‬ ‫لعق ِ‬
‫يدة‬ ‫وحية ِ‬
‫والفوائد الر ِ‬
‫ِ‬ ‫النتائج احلياتِ َّي ِة‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫االجتامعية‪.‬‬ ‫للحياة اإلنسان َّي ِة والس َّيام‬‫ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِ‬


‫اإليامن‬ ‫لعقيدة‬ ‫العديدة‬ ‫ُور ُد كذلك ُحج ًة ك ِّلي ًة واحد ًة ‪-‬من بني ا ُ‬
‫حل َج ِج‬
‫ريب وال ُش ٌ‬
‫بهة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ضوحها ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيث ال يداخلها ٌ‬ ‫وو‬
‫نني أيضا مدى بداهتها ُ‬ ‫باحلرش‪ُ -‬مب ِّي َ‬

‫النقطة األوىل‬
‫ِ‬
‫األدلة عىل أن‬ ‫ِ‬
‫مئات‬ ‫قيايس من َبني‬ ‫ِ‬
‫املثال وكن َُمو َذ ٍج‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫أربعة أد َّل ٍة عىل‬
‫ِ‬ ‫س ِ‬
‫نش ُري إىل‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬
‫وأساس مجي ِع كامالتِه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والفردية‪،‬‬ ‫اإلنسان االجتِ ِ‬
‫امعية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلياة‬ ‫ِ‬
‫األساس‬ ‫اآلخ ِ‬
‫رة هي ُأ ُّس‬ ‫عقيد َة ِ‬
‫و ُم ِثله وسعا َدتِه‪.‬‬

‫مانج ّية الشاملية‪ ،‬تعني‪ :‬فإذن‪.‬‬ ‫ِ‬


‫باللهجة الكُر ِ‬ ‫ٌ‬
‫كردية‬ ‫(‪ )1‬نخو‪ِ :‬‬
‫كلم ٌة‬
‫ْ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪107‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫الدليل الأول‬
‫ِ‬
‫احلاالت التي‬ ‫َحملوا تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لون نِ َ‬ ‫الذين ُيم ِّث َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫صف البرش َّية‪ ،‬ال يمكنُهم أن يت َّ‬ ‫َ‬ ‫األطفال‬ ‫إن‬
‫يانم‬ ‫وك ِ‬‫أنفس ِهم ِ‬ ‫إل بام َيدونَه يف ِ‬ ‫فاة ّ‬‫املوت والو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاالت‬ ‫فجع ًة أما َمهم من‬ ‫تَبدُ و مؤلِم ًة وم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باب‬
‫القوة املعنو َّية النَّاشئة من «اإليامن باجلنَّة»‪ ،‬ذلك اإليامن الذي َيفت َُح َ‬ ‫الرق ِيق اللطيف من َّ‬
‫والصمود وت ِ‬
‫ِ‬ ‫قيقة التي ال تتمكن من املقاو ِ‬ ‫طبائ ِعهم الر ِ‬ ‫رشق أمام ِ‬ ‫األمل الـم ِ‬
‫َبكي ألدنَى‬ ‫مة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ِ ُ‬
‫نفسه‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ـرور‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫حاو ُر ال ِّط ُ‬ ‫وس ٍ‬ ‫َّنون به من العيش ٍ‬
‫هبناء و َف ٍ‬ ‫بب؛ فيتَمك َ‬ ‫َس ٍ‬
‫املؤمن باجلنة َ‬ ‫ُ‬ ‫فل‬ ‫رح ُ‬
‫اجلنة‪ ،‬فهو إذن‬ ‫طيور ِ‬ ‫ِ‬ ‫أصبح اآلن ط ْي ًـرا من‬ ‫احلبيب الذي ت ُُويف‪،‬‬ ‫الصغري أو صديقي‬ ‫إن أخي‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫باجلنة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اإليامن‬ ‫وإل فلوال هذا‬ ‫وأهنأ ِمنَّا‪ّ )1(.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أفضل‬ ‫عيش‬ ‫حيث يشا ُء‪ ،‬و َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلنة‬ ‫رسح من‬ ‫َي ُ‬
‫نو َّي َة هلؤالء الذين‬ ‫القو َة امل ْع ِ‬ ‫يب أطفاال أمثا َله ‪-‬وكذلك‬ ‫ِ‬
‫الكبار‪ -‬تلك َّ‬ ‫َ‬ ‫الموت الذي ُيص ُ‬ ‫ُ‬ ‫هلَد َم‬
‫جميع‬ ‫َبكي ِع ٍ‬
‫ندئذ‬ ‫نفسياتِ ِهم‪ ،‬ولدَ مر حياتَهم ون َّغصها‪ ،‬فت ِ‬ ‫ال ِحيل َة هلم وال قوة‪ ،‬ولح َّطم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يسهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعقل مع ب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فهم من ُر ٍ‬ ‫ِ‬
‫ولطائ ِ‬ ‫ِ‬
‫متوت أحاس ُ‬ ‫َ‬ ‫عيونم؛ فإ َّما أن‬ ‫كاء‬ ‫ُ‬ ‫وقلب‬ ‫وح‬ ‫جوارحهم‬
‫الضالة الت َِّع ِ‬
‫سة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاحليوانات‬ ‫مشاع ُرهم أو ُيصبِ ُحوا‬ ‫ِ‬ ‫وتَغ ُل َظ‬

‫الدليل الثاني‬
‫فيـر ال َق ِرب‬ ‫ـرون وهم عىل َش ِ‬ ‫لون و َيصبِ َ‬ ‫َحم َ‬ ‫ِ‬ ‫يوخ الذين هم نِ ُ‬ ‫الش َ‬ ‫إن ُّ‬ ‫َّ‬
‫صف ال َبرشية‪ ،‬إنام يت َّ‬
‫علة حياتِهم الع ِ‬
‫زيزة‬ ‫ِ‬
‫انطفاء ُش ِ‬ ‫رب‬ ‫لوان من ُق ِ‬ ‫والس َ‬ ‫رة»‪ ،‬وال َي َ‬ ‫باآلخ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫رب ُّ‬ ‫الص َ‬ ‫دون َّ‬ ‫بـ«اإليامن‬
‫ِ‬
‫اإليامن؛‬ ‫إل يف ذلك‬ ‫جوههم ّ‬ ‫اجلميلة يف و ِ‬ ‫ِ‬ ‫احللو ِة‬ ‫دنياه ُم‬ ‫الق ِ‬
‫باب‬ ‫انغ ِ‬ ‫عليهم‪ ،‬وال ِم ِن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وطبائ ِ‬ ‫ِ‬
‫أرواحهم‬ ‫رهفي احلِ ِّس يف‬ ‫كاألطفال وأصبحوا ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫يوخ الذين عا ُدوا‬ ‫الش ُ‬ ‫فهؤالء ُّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫باألمل‬ ‫وال‪ ،‬و َيصبِ َ‬
‫ـرون عليه‬ ‫والز ِ‬
‫املوت َّ‬ ‫ِ‬ ‫الناش َئ من‬ ‫لون ذلك اليأس القاتِ َل األليم ِ‬ ‫إنام ُيقابِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واألمهات الذين هم‬ ‫ِ‬
‫هؤالء اآلبا ُء‬ ‫لشعر‬ ‫ِ‬
‫باآلخرة‬ ‫ُ‬
‫اإليامن‬ ‫وإل فلوال هذا‬ ‫رة‪ّ ،‬‬ ‫اآلخ ِ‬ ‫احلياة ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اهلاد ِئة‪،‬‬
‫واحلياة ِ‬ ‫ِ‬ ‫االطمئنان والس ِ‬
‫كينة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلاجة إىل‬ ‫أفة والذين هم يف أشدِّ‬ ‫قة والر ِ‬
‫َّ‬
‫بالش َف ِ‬ ‫أجدَ ُر َّ‬
‫َحولت‬ ‫واضطرابا ن ِ‬
‫َفس ًّيا و َقل ًقا قلب ًّيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِضا ًما ُروح ًّيا‬
‫ولضاقت عليهم الدنيا بام َر ُحبت‪ ،‬ولت َّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫أليم ٍ‬
‫قاس‪.‬‬ ‫عذاب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ت الحيا ُة إىل‬ ‫ظلام رهيبا‪ ،‬والن َقلب ِ‬ ‫ِسجنا م ِ‬
‫َ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫َرس ُح من‬ ‫ِ‬ ‫ناديل م َع ّل ٌ‬
‫ض هلا َق ُ‬ ‫(‪ )1‬عن عبد اهلل بن مسعود قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ «‪ ..‬أرواحهم يف ج ِ‬
‫وف َط ْ ٍي ُخ ْ ٍ‬
‫بالعرش ت َ‬ ‫قة‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫حيث شا َء ْت»‪( ،‬مسلم‪ ،‬اإلمارة ‪121‬؛ الرتمذي‪ ،‬تفسري سورة آل عمران ‪9‬؛ أبو داود‪ ،‬اجلهاد ‪25‬؛ ابن ماجه‪ ،‬اجلنائز‬ ‫اجلن ِّة ُ‬
‫‪ ،4‬اجلهاد ‪16‬؛ الدارمي‪ ،‬اجلهاد ‪18‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.)265/1‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪108‬‬

‫الدليل الثالث‬
‫رهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مشاع ِ‬ ‫ِ‬
‫االجتامعية ال ُيهدِّ ُئ َف ْو َر َة‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫ـحو َر‬ ‫واملراهقيـن الذين يم ِّث َ ِ‬
‫ِ‬ ‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫لون م َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫باب‬
‫الش َ‬
‫طيش أن ُف ِسهم ونَزواتِها‪ ،‬وال‬ ‫منع َ‬ ‫ِ‬
‫وجتاوز احلدود‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتخريب‬ ‫منعهم من ال ُّظ ِ‬
‫لم‬ ‫وال َي ُ‬
‫الخوف‬
‫ُ‬ ‫جهنم‪ ،‬فلوال هذا‬ ‫َ‬ ‫الخوف من ِ‬
‫نار‬ ‫ُ‬ ‫إل‬ ‫االجتامع َّي ِة ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عالقات ُم‬ ‫َ‬
‫األفضل يف‬ ‫السير‬
‫َ‬ ‫ُيؤ ِّم ُن‬
‫ِ‬ ‫شون ال َّث ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم الدنيا إىل َج ٍ‬
‫حيم‬ ‫لون بأهوائ ُ‬ ‫الطائ َ‬ ‫َ‬
‫املراهقون‬ ‫ب هؤالء‬‫عذاب جهن ََّم ل َق َل َ‬ ‫من‬
‫الس ِاميـ َة إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَتأجج عىل الض ِ‬
‫للغالب» و َل َح َّولوا اإلنسان َّي َة َّ‬ ‫كم‬
‫«الح ُ‬‫والعجائز‪ ،‬حيث ُ‬ ‫عفاء‬ ‫ُّ‬ ‫َّ ُ‬
‫ٍ‬
‫سافلة‪.‬‬ ‫َحيوان َّي ٍة‬

‫الدليل الرابع‬
‫عادتا و َقلعتُها‬ ‫نيوية و َلول ُبها وهي َج ُنة س ِ‬ ‫البرش الدُّ ِ‬ ‫حلياة ِ‬ ‫جامع ِ‬ ‫ركز ِ‬ ‫العائلي َة هي َم ٌ‬ ‫إن احليا َة ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫روح‬ ‫اخلاص ُة‪ ،‬فال َسعاد َة لِ ِ‬ ‫َّ‬ ‫فرد هو عا َل ُمه ودنياه‬ ‫كل ٍ‬ ‫بيت ِّ‬ ‫وإن َ‬ ‫األمني؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫وملجؤها‬‫ُ‬ ‫ينة‬‫احلص ُ‬ ‫ِ‬
‫والرأفة الص ِ‬
‫ادقة‬ ‫ِ‬ ‫بني اجلميعِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إل باالحرتا ِم املتبا َد ِل اجلا ِّد‬ ‫لية ّ‬ ‫العائ ِ‬
‫احلياة ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫اخلالص َ‬ ‫والوفاء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والرمحة التي ت َِص ُل إىل حدِّ‬ ‫ِ‬
‫محة‬‫والر ُ‬ ‫اخلالص َّ‬ ‫ُ‬ ‫رتام‬ ‫االح ُ‬ ‫واإليثار؛ وال َي ُص ُل هذا ْ‬ ‫التضحية‬
‫ٍ‬ ‫مة‪ ،‬و َمع َّي ٍة‬ ‫دائ ٍ‬ ‫فقة ِ‬ ‫ور ٍ‬ ‫صداقة أبد َّي ٍة‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫باإليامن بو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوف ّي ُة ّ‬
‫رسمدية‪،‬‬ ‫عالقات‬ ‫جود‬ ‫ُ‬ ‫إل‬ ‫املتبا َد ُلة َ‬
‫رموقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رتمة َم‬ ‫عالقات ُأبو ٍة ُم ٍ‬ ‫حياة ال حدو َد هلا‪ ،‬ترب ُطها‬ ‫ٍ‬ ‫ظ ِّل‬ ‫وحتت ِ‬ ‫من ال هناي َة له‪،‬‬ ‫يف َز ٍ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫نفسه‪« :‬إن َزوجتِي هذه‬ ‫الزوج َ‬‫ُ‬ ‫ث‬‫نزهية‪ ،‬حيث ُيحدِّ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ـة‬‫داقة وفي ٍ‬
‫َّ‬
‫َقية‪ ،‬وص ٍ‬
‫َ‬
‫خالصة ن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خو ٍة‬ ‫و ُأ َّ‬
‫ت اآلن دميم ًة أو‬ ‫إن أصبح ِ‬ ‫اخلالدة‪ ،‬فال َض َري ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلياة‬ ‫ـم األ َب ِد‬ ‫وصاحبتِي يف عا َل ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫رفيقة حيايت َ‬
‫والرأفة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ستوج ُبه الوفا ُء‬ ‫ِ‬ ‫أقص ما َي‬ ‫ِ‬ ‫عجوزا‪ ،‬إذ إن هلا مجاال أبديا سيأيت‪ ،‬لذا فأنا م ِ‬
‫لتقديم َ‬ ‫ستعدٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ًّ‬ ‫ً‬
‫الرجل ُح ًّبا‬ ‫ُ‬ ‫مكن أن ُي ِك َّن هذا‬ ‫مة»‪ ..‬وهكذا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫الدائ ُ‬ ‫الصداقة ِ‬ ‫ُ‬ ‫كل ما تتط َّل ُبه تلك‬ ‫ضحي بِ ِّ‬ ‫و ُأ ِّ‬
‫َستغر ُق‬ ‫وري ًة ت ِ‬ ‫فإن ُصحب ًة وصداق ًة ُص ِ‬ ‫وإل َّ‬ ‫العني؛ ّ‬ ‫للحور ِ‬ ‫ِ‬ ‫العجوز كام ُي ِكنُّه‬ ‫ِ‬ ‫ورمح ًة لزوجتِه‬
‫ظاهر َّيـ ٌة‬‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫وصداقة‬ ‫هلي ُص ٌ‬
‫حبة‬ ‫دائ ٌ‬‫فراق أبدي ومفارق ٌة ِ‬ ‫يعق ُبها ٌ‬ ‫َني ومن َثم ُ‬ ‫ساع ًة أو ساعت ِ‬
‫مة َ‬ ‫ٌّ ُ َ‬
‫وعط ًفا‬ ‫إل َرحم ًة َم ِازي ًة‪ ،‬واحرتا ًما ُمص َطن ًعا‪َ ،‬‬ ‫ُعط َي ّ‬ ‫ال أساس هلا وال سندَ ‪ ،‬وال يمكنُها أن ت ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يطرتا عىل تلك الرمحةِ‬ ‫والشهوات النَّفسانِ ِية وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املصالح‬ ‫تدخ ِل‬‫املشاعر‪ ،‬فضال عن ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يواين‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َح َّ‬
‫طاق‪.‬‬‫حيم ال ُي ُ‬ ‫نيوية إىل َج ٍ‬ ‫الجنة الدُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب ِعندَ ٍئذ تلك‬ ‫ِ‬
‫واالحرتا ِم فتَنقل ُ‬
‫ِ‬
‫باحلياة‬ ‫النتائج التي تتع َّل ُق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مئات‬ ‫باحلشـر من بني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لإليامن‬ ‫فإن نَتيج ًة واحد ًة‬ ‫وهكذا َّ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪109‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫يست عىل تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫االجتامع َّي ِة‬
‫األوجه والفوائد‪ ،‬إذا ما ق َ‬ ‫ُ‬ ‫مئات‬
‫لإلنسان‪ ،‬وتَعو ُد إليها‪ ،‬والتي هلا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثبوت‬ ‫كقطعية‬ ‫طعي‬‫احلرش وحت ُّق َقها َق ٌّ‬ ‫حقيقة‬ ‫قوع‬
‫أن ُو َ‬ ‫الدالئ ِل األربعة املذكورة آن ًفا‪ُ ،‬ي َ‬
‫درك َّ‬
‫دة إىل‬ ‫املع ِ‬
‫حاجة ِ‬
‫ِ‬ ‫أظهر دالل ًة من داللة‬ ‫ـة؛ بل هي‬ ‫السامية وحاجاتِه الكُلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وأكثر دالل ًة عىل حتققها‪.‬‬ ‫ضح شهاد ًة منها؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وأو ُ‬ ‫األطعمة واألغذية‪ْ ،‬‬
‫سامية و ُم ِهم ٌة‬
‫ٌ‬ ‫احلرش‪ ،‬تُصبِ ُح ماهيتُها التي هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسانية من هذه‬ ‫فإذا ما س ِ‬
‫لبت‬ ‫ُ‬
‫جل ِ‬
‫راثيم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحيو َّي ٌ‬
‫ومأوى امليكروبات وا َ‬ ‫ـة بمثابة جيفة نَتـنَـة َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫بشؤون‬ ‫واألخالق من املعنِ ِّي َ‬
‫ـني‬ ‫ِ‬ ‫لق السمع ُعلماء االجتام ِع والس ِ‬
‫ياسة‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َف ْل ُي ِ َّ َ‬
‫ضم َ‬ ‫يداو َ‬ ‫ِ‬
‫واجتامعه‪ ،‬و ْليأتوا و ُيب ِّينوا بامذا َس‬ ‫ِ‬
‫دون‬ ‫ون و ُي ِّ‬ ‫يمألون هذا الفرا َغ؟ وبامذا َس ُ‬
‫َ‬ ‫وأخالقه‬
‫هذه اجلروح الغائر َة ِ‬
‫العميق َة؟!‬ ‫َ‬

‫النقطة الثانية‬
‫حرص هلا‪ -‬عىل‬ ‫ِ‬
‫الرباهني التي ال‬ ‫بني‬ ‫بإجياز َش ٍ‬
‫ديد برهانًا واحدً ا ‪-‬من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫النقطة‬ ‫تُبـيِّ ُ هذه‬
‫َ‬
‫األركان اإليامن َّي ِة‪ ،‬وعىل الن ِ‬
‫َّحو اآليت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سائر‬ ‫ِ‬
‫شهادة ِ‬ ‫ِ‬
‫الصة‬ ‫ناشئ من ُخ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫احلرش وهو‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬
‫دالئل نبوتِه ومجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫مد ﷺ مع مجي ِع‬ ‫سيـدنا ُم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الة عىل ِر ِ‬
‫سالة‬ ‫املعجزات الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫مجيع‬
‫إن َ‬
‫وتدل عليها وتُثبِتُها‪،‬‬ ‫احلرش‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫بمجموعها معا‪ ،‬عىل‬‫ِ‬ ‫َشهدُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الب ِ‬
‫اهني الدَّ الة عىل صدقه‪ ،‬ت َ‬ ‫َ‬
‫وأن مجيع معجزاتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن دعوتَه ﷺ َط َ‬
‫احلرش؛ َّ َ ُ‬ ‫وال حياته املباركة قد انص َّبت بعدَ التَّوحيد عىل‬
‫َصد ِيقهم‪،‬‬‫صدقهم والتي َت ِم ُل الناس عىل ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح َج َج ُه ُم الدال َة عىل‬ ‫ِ‬
‫الم ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫عليهم َّ‬
‫ُ‬ ‫األنبياء‬
‫ت الشهاد َة‬ ‫املنـز ِلة» التي ر َّق ِ‬ ‫ِ‬
‫«الكتب َّ‬ ‫احلرش‪ ،‬وكذا َشهاد ُة‬ ‫نفسها‪ ،‬وهي‬ ‫احلقيقة ِ‬
‫ِ‬ ‫َشهدُ عىل‬
‫ُ‬ ‫ت َ‬
‫َفسها‪ ،‬وعىل الن ِ‬
‫َّحو‬ ‫احلقيقة ن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َشهدان عىل‬ ‫ِ‬
‫البداهة‪ ،‬ت‬ ‫ِ‬
‫درجة‬ ‫سل الكرا ِم» إىل‬ ‫«الر ِ‬ ‫ِ‬
‫الصادر َة من ُّ‬ ‫َّ‬
‫اآليت‪:‬‬
‫ِ‬ ‫وح َج ِج ِه‬ ‫ِ‬ ‫البيان الم ِ‬ ‫ِ‬
‫وحقائقه ‪-‬التي‬ ‫شهد بجمي ِع معجزاته ُ‬ ‫عج ِز‪َ -‬ي َ‬ ‫ُ‬ ‫الكريم ‪-‬ذو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬
‫الس ِ‬
‫ور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأوائ َل‬ ‫ِ‬ ‫إن ُث َ‬ ‫حيث َّ‬ ‫احلرش و ُيثبتُه‪ُ ،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تُثبِ ُت َأح ِّقـ َّيـتَـ ُه‪ -‬عىل‬
‫أغلب ُّ‬ ‫القرآن‪،‬‬ ‫لث‬ ‫حدوث‬
‫ٍ‬
‫بآالف من‬ ‫احلقيقة ِ‬
‫نفسها‬ ‫ِ‬ ‫الكريم ُينبِ ُئ عن‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫احلشـر‪ ،‬أي َّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫آيات جلي ٌة عىل‬
‫صار‪ٌ ،‬‬ ‫الق ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بجالء‪.‬‬ ‫ظه ُرها‬ ‫بوضوح‪ ،‬و ُي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة َصاح ًة أو َإشار ًة و ُيثبِتُها‬ ‫آياتِه‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪110‬‬
‫فمثال‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ (التكوير‪ ﴿ )1:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫﴿ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ (الزلزال‪ ﴿ )1:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﴾‬ ‫(احلج‪)1:‬‬ ‫ﭙﭚ ﴾‬
‫(االنفطار‪ ﴿ )1:‬ﭜ ﭝ ﭞ ﴾ (االنشقاق‪﴿ )1:‬ﭑ ﭒ﴾ (النبأ‪ ﴿ )1:‬ﭤ ﭥ‬
‫قار ُب‬ ‫ِ‬
‫وأمثالا يف ُمف َتت َِح ما ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫الكريم هبذه‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ﭦ ﭧ﴾ (الغاشية‪ )1:‬ف ُيثبِ ُت‬
‫ُ‬
‫وأن ُحدو َثه‬
‫الكون‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمهية يف‬ ‫دث يف ِ‬
‫غاية‬ ‫أن احلشـر ال ريب ِ‬
‫فيه‪ ،‬وأنه َح ٌ‬ ‫أربعني سور ًة َّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫دالئل ُمتلف ًة ُمقنِع ًة عىل تلك‬ ‫ِ‬ ‫َض ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خرى‬ ‫ور ٌّي جدا والبدَّ منه‪ ،‬و ُيبـيِّ باآليات األُ َ‬
‫العلمي َة والكونِي َة‬ ‫احلقائق ِ‬ ‫َ‬ ‫آلية من آياتِه تلك‬ ‫ُثمر إشار ٌة واحد ٌة ٍ‬ ‫ِ‬
‫كتاب ت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫إن كان‬ ‫تُرى ْ‬
‫َ‬
‫اإليامن‬ ‫ـن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلسالمي ِة‪ ،‬فكيف إذن َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫املعروف َة بالعلو ِم‬
‫بشها َدة آالف من آياته و َدالئله التي تُب ِّي ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كالش ِ‬
‫كإنكار‬ ‫مس بل‬ ‫كإنكار َّ‬ ‫اإليامن‬ ‫الجحو ُد هبذا‬ ‫مس ساطع ًة؟ أال يكون ُ‬ ‫باحلرش َّ‬
‫ال؟!‬ ‫حال يف ِ‬
‫مئة ُم ٍ‬ ‫باطل و ُم ً‬ ‫ً‬ ‫يكون ذلك‬ ‫ُ‬ ‫نات قاطب ًة؟! أال‬ ‫الكائ ِ‬ ‫ِ‬

‫بالكذب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫عظيم‬ ‫لطان َع ٍ‬
‫زيز‬ ‫يد لكال ِم س ٍ‬ ‫الوعد والو ِع ِ‬‫ِ‬ ‫آالف‬ ‫وصم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تُرى هل ُيمكن أن ُي َ‬
‫صادر ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ُكذب إشار ٌة‬ ‫احلرب لئال ت َّ‬ ‫ِ‬ ‫امر‬ ‫ُ ِ‬ ‫قيقة‪ ،‬يف ِ‬ ‫أو أنا بِال ح ٍ‬
‫الجيش غ َ‬ ‫خيوض‬ ‫ُ‬ ‫حني قد‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رش قرنًا‬ ‫يمنتُه ثالث َة َع َ‬ ‫وه َ‬ ‫كمه َ‬ ‫العظيم الذي دا َم ُح ُ‬ ‫ِ‬ ‫َوي‬
‫فكيف بالسلطان املعن ِّ‬ ‫َ‬ ‫من ُسلطان‪،‬‬
‫ِ‬ ‫األرواح وال ُع ِ‬ ‫دون ِ‬
‫داره َا‬ ‫ُّفوس‪ ،‬وزكَّاها و َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫والقلوب والن‬ ‫قول‬ ‫ِ‬ ‫انقطاعٍ‪ ،‬فر َّبى ما ال ُيعدُّ من‬ ‫َ‬
‫آالف‬ ‫َ‬ ‫أن فيه‬ ‫احلرش؟ ِع ًلم ّ‬ ‫ِ‬ ‫إلثبات ح ِ‬
‫قيقة‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫واحد ٌة منه‬ ‫َكفي إشار ٌة ِ‬ ‫يقة‪ ،‬أال ت ِ‬ ‫واحلق ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلق‬
‫عىل ِّ‬
‫جاهال؟ أال‬ ‫أحمق ِ‬ ‫َ‬ ‫الواضح َة‬ ‫ِ‬ ‫در ُك هذه احلقيق َة‬ ‫الـمثبِت َِة! أليس الذي ال ُي ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫احة الواضحة ُ‬
‫الص ِ‬
‫َّ َ‬
‫النار َمثوا ُه؟‬
‫تكون ُ‬ ‫َ‬ ‫املحض ِة أن‬ ‫َ‬ ‫يكون من الع ِ‬
‫دالة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫لفرتة من‬‫ٍ‬ ‫كل منها‬‫والكتب املقدَّ َس َة جمي َعها التي حكَمت ٌّ‬ ‫ف الساموي َة‬ ‫الص ُح َ‬ ‫ثم َّ‬
‫َ‬ ‫إن ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واألزم ِنة‪ ،‬قد َصدَّ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة احلرش‬ ‫ِ‬
‫الكريم يف‬ ‫القرآن‬ ‫قت بآالف من الدَّ الئ ِل َ‬
‫دعوى‬ ‫العصور‬
‫عة التي‬ ‫ِ‬
‫القاط ُ‬ ‫الح ُ‬
‫قيقة‬ ‫وع ِ‬ ‫قتض َز ِ‬
‫رصها‪ ،‬تلك َ‬ ‫مانا َ‬ ‫بم َ‬
‫وموج ٌز‪ ،‬وذلك ُ‬ ‫َ‬ ‫خمتص‬
‫مع أن بيانَها هلا َ ٌ‬
‫ِ‬
‫املستقبل ك ِّله‪ ،‬ب َّينها‬ ‫يم َن عىل‬ ‫القرآن الكريم الذي ساد حكمه عىل الع ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫وه َ‬
‫صور َجيعها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب َّينها‬
‫ِ‬
‫إيضاحها‪.‬‬ ‫وأفاض يف‬ ‫ٍ‬
‫بجالء‬
‫َ‬
‫حل َّج ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نص ما جا َء يف آخر رسالة «المناجاة» انسجا ًما مع البحث‪ ،‬تلك ا ُ‬ ‫در ُج هنا ُّ‬‫ُي َ‬
‫األركان اإليامنِ ّي ِة وال سيام اإليامن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سائر‬ ‫والناشئة من َش ِ‬
‫هادة‬ ‫ُ‬ ‫لخ َص ُة للحرش‪،‬‬
‫الم َّ‬ ‫ُ‬
‫القاطعة ُ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪111‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫َ‬
‫والشكوك‪ُ ،‬‬
‫حيث‬ ‫اإليامن باليو ِم ِ‬
‫اآلخ ِر‪ ،‬والتي تُبدِّ ُد األوها َم‬ ‫ِ‬ ‫والكتب و َداللتِها عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالرسل‬
‫ناج ٍاة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫موج ٍز‪ ،‬وعىل ُصورة ُم َ‬
‫بأسلوب َ‬‫ٍ‬ ‫اءت‬
‫َج ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َدر ِ‬ ‫مت من ت ِ‬ ‫سول ﷺ ِ‬ ‫َعليم الر ِ‬
‫احلكيم‪،‬‬ ‫القرآن‬ ‫يس‬ ‫وفه ُ‬ ‫أدركت بت ِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫حيم‪ ..‬لقد‬ ‫الر َ‬ ‫«يا َربي َّ‬
‫السالم َجي َعهم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الكريم‪ ،‬واألنبِيا َء عليهم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫الكتب املقدَّ َس َة َجمي َعها‪ ،‬ويف ُمقدِّ متِها‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫أن‬ ‫ِّفاق إىل َّ‬ ‫ريون باإلمجا ِع واالت ِ‬ ‫دون و ُي ِش َ‬ ‫شه َ‬ ‫ون و َي َ‬ ‫األكرم ﷺ‪ ،‬يدُ ُّل َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرسول‬ ‫ويف ُمقدِّ متِهم‬
‫آثارها يف هذه الدنيا‪ ،‬ويف العواملِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جتليات األسامء احلسنَى ‪-‬ذات اجلالل واجلامل‪ -‬الظاهرة ُ‬
‫الرمحة‪ -‬وآال َءها‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬ذات‬
‫َ‬ ‫وأن تَج ِّلياتِها‬ ‫اآلباد‪َّ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫كا َّف ًة‪ ،‬ستدُ وم دواما أسطع وأبهر يف ِ‬
‫أبد‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وستب َقى دوما يف‬ ‫وأعظم تأ ُّل ٍق‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫المشاهد َة نمـاذ ُجها يف هذا العـامل الفاين‪َ ،‬ستُثم ُر بأهبى ن ٍ‬
‫ُور‬ ‫َ‬
‫صرية‪ -‬بِ َلهفةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تم َّل ْو َنا ‪-‬يف هـذه احلياة الدنيا ال َق‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أولئك املشتاقني الذين َي َ‬ ‫السعادة‪ ..‬وأن‬ ‫دار َّ‬
‫يع‬ ‫ِ‬ ‫ون معها خالِ ِ‬ ‫بونا إىل األ َب ِد‪ ،‬و َيظ ُّل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ٍ‬
‫دين‪ ..‬وأن َجم َ‬ ‫صح َ‬ ‫والو ِّد‪ ،‬و َي َ‬ ‫قونا باملح َّبة ُ‬ ‫وشوق َسرياف َ‬
‫األولياء َو ُهم‬ ‫ِ‬ ‫وجميع‬ ‫األكرم ﷺ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الرسول‬ ‫َّرية ويف ُمقدِّ متِهم‬ ‫األرواح الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫األنبياء َو ُهم َذ ُوو‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أولئك‬ ‫َ‬ ‫كل‬ ‫رة‪ُّ ،‬‬ ‫ذة الني ِ‬ ‫قول النافِ ِ‬ ‫نابع ال ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫يقني وهم َم ُ‬ ‫الصدِّ َ‬ ‫ميع ِّ‬ ‫وج َ‬ ‫املنورة‪َ ،‬‬ ‫القلوب َّ‬ ‫أقطاب‬ ‫ُ‬
‫األبدية‪ِ،‬‬ ‫بالسعادة ِ‬ ‫ِ‬ ‫رون ال َب ِ‬
‫شـر َّي َة‬ ‫بش َ‬ ‫شه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫ّ‬ ‫دون عليه و ُي ِّ‬ ‫نون إيامنًا راس ًخا َعمي ًقا باحلرش و َي َ‬ ‫ؤم َ‬ ‫ُ‬
‫َهم اجلن َُّة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بش َ‬ ‫هم الن َُّار‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫أهل َّ ِ‬ ‫رون َ‬ ‫نذ َ‬ ‫وي ِ‬
‫ـرون أهل اهلداية بأن عاقبت ُ‬ ‫صيـر ُ‬ ‫الضاللة بأن َم َ‬ ‫ُ‬
‫رارا‬ ‫ِ‬ ‫الباهرة واآليات القاطعة‪ ،‬وإىل ما َذكرتَه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املعجزات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنت يا ريب م ً‬ ‫دين إىل مئات‬ ‫ُمستن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتَكرارا يف الص ِ‬
‫ين‬
‫والوعيد؛ ومعتَمد َ‬ ‫الوعد َ‬ ‫والكتب املقدّ َسة ك ِّلها من آالف َ‬ ‫الساموية‬ ‫حف‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬
‫كالقدر ِة والرمحةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫وشؤون َك اجلليلة‪ ،‬وصفاتك املقدّ َسة ُ َ‬ ‫وسلطان ُربوب ّيت َك ُ‬ ‫عىل ع ّزة جالل َك ُ‬
‫غيـر املعدُ ِ‬ ‫ياتم ِ‬ ‫وكشف ِ‬ ‫ِ‬ ‫شاه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناية واحلِ ِ‬ ‫والع ِ‬ ‫ِ‬
‫ودة التي‬ ‫داتم‬ ‫واجلامل‪ ،‬وبِنا ًء عىل ُم َ‬ ‫واجلالل‬ ‫كمة‬
‫لم‬‫درج ِة ِع ِ‬ ‫اجلاز ِم الذي هو بِ َ‬ ‫قادهم ِ‬ ‫إيامنم واعتِ ِ‬ ‫حاتا‪ ،‬وبناء عىل ِ‬
‫ً‬
‫رة ور َش ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تُنبِ ُئ عن آثار اآلخ َ‬
‫ِ‬
‫اليقني‪.‬‬ ‫وع ِ‬
‫ني‬ ‫اليقني َ‬ ‫ِ‬
‫العز َِّة والع ِ‬
‫ظمة‬ ‫الوعد الكريم‪ ،‬ويا ذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫رحيم ويا ِ‬
‫صاد َق‬ ‫َفيا قدير ويا حكيم ويا رحمن ويا ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫بالكذب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأنت م ٍ‬
‫تعال عن أن تَصم‬ ‫نـز ٌه‪،‬‬ ‫قه ُار ذو الجالل َ‬
‫أنت ُمقدَّ ٌس و ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫والجالل ويا ّ‬
‫َ ُ‬
‫وشؤونِ َك املقدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصفاتِك‬ ‫ود َك ِ‬‫وكل و ُع ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ما‬ ‫َحج َ‬‫وأن ت ُ‬ ‫ُكذ َبهم‪ْ ،‬‬
‫سة‪ ..‬فت ِّ‬ ‫اجلليلة ُ‬ ‫أوليائك َّ ُ‬
‫احلني‬
‫الص َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ي ِ‬
‫الصادرة من عبادك َّ‬‫سلطان ُربوب َّيتك بعدم استجابتك لتلك األدعية َّ‬ ‫قتضيه قطعا‬ ‫َ‬
‫فأنت ُم َّنز ٌه‬ ‫والطاع ِة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َّصديق‬ ‫ِ‬
‫باإليامن والت‬ ‫وك‪ ،‬وح َّببوا أن ُف َسهم َ‬
‫إليك‬ ‫الذين أح َببتَهم وأح ُّب َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪112‬‬
‫إنكار ِهم احلرش‪ِ ،‬‬ ‫الض ِ‬ ‫وم ٍ‬
‫أولئ َك الذين‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫اللة والك ِ‬
‫ُفر يف‬ ‫أهل َّ‬‫تعال ُمط َل ٌق عن أن تُصدِّ َق َ‬ ‫ُ‬
‫لك ولو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وك ِ‬
‫ربيائك ِ‬ ‫زون عىل َعظمتِك ِ‬
‫عودك‪ ،‬والذين‬ ‫بكفرهم وعصيانم وتَكذيبِهم َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َجاو َ‬ ‫يت َ‬
‫أفة ُربوب َّيتِك‪..‬‬
‫ظمة ألوهيتِك ور ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وع ِ‬ ‫عز ِة َجاللِك َ‬
‫ون بِ ِّ‬ ‫يست ِ‬
‫َخ ُّف َ‬ ‫َ‬
‫ُنـز ُهها‬‫الواسع َة ون ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وجما َلك املط َل َق ْي ورمحتَك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فنحن نُقدِّ ُس بال حد وال هناية َعدالتَك َ‬
‫اآلالف‬
‫َ‬ ‫كل ما ُأوتِينا من ُق َّو ٍة بأن‬ ‫ُؤم ُن بِ ِّ‬ ‫َعتقدُ ون ِ‬ ‫َناهي‪ ..‬ون ِ‬ ‫غري املت ِ‬ ‫بح ِ‬ ‫والق ِ‬‫لم ُ‬ ‫من هذا ال ُّظ ِ‬
‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكرام‪ )1(،‬وبام ال ُيعدُّ وال ُي َص من‬ ‫ِ‬
‫واألنبياء ِ‬ ‫الر ِ‬
‫الذين ُ‬ ‫َ‬ ‫واألولياء‬ ‫األصفياء‬ ‫سل‬ ‫من ُّ‬
‫زائن َرمحتِك‬ ‫اليقني عىل َخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وع ِ‬
‫لم‬ ‫اليقني ِ‬‫ِ‬ ‫وع ِ‬
‫ني‬ ‫اليقني َ‬ ‫ِ‬ ‫حق‬ ‫ون بِ ِّ‬ ‫شاهدُ َ‬ ‫إليك هم ِ‬ ‫ون َ‬ ‫المنا ُد َ‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خرو َّية وك ِ‬‫ِ‬
‫ف ُك ِّليا‬ ‫حلسنَى التي تَنكش ُ‬ ‫وتليات أسامئك ا ُ‬ ‫ُنوز إحساناتك يف عامل البقاء‪َ ،‬‬ ‫األُ َ‬
‫وواق ٌع‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫دق‬‫إشاراتم ِص ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وح ِقيق ٌة‪ ،‬وأن‬ ‫السعادة‪ ..‬ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬
‫حق َ‬ ‫ُؤم ُن أن هذه الشهاد َة ٌ‬ ‫دار‬
‫نون بأن ِ‬ ‫ؤالء مجيعا ي ِ‬ ‫عة‪ ..‬فه ِ‬ ‫ِ‬ ‫شاراتم ص ِ‬
‫هذه احلقيق َة الكربى (أي احلرش)‬ ‫ؤم َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وواق ٌ‬ ‫ادق ٌة‬ ‫ِ َ‬ ‫بِ‬
‫دون ِعبا َدك‬ ‫مسها‪ُ ،‬في ِش َ‬ ‫وش ُ‬ ‫ِ‬
‫احلقائق َ‬ ‫رج ُع َجي ِع‬ ‫هو م ِ‬
‫«احلق» الذي َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ظيم من ِ‬
‫اسم‬ ‫عاع َع ٌ‬ ‫ُش ٌ‬
‫احلق ِ‬
‫يقة‪.‬‬ ‫احلق‪ ،‬ويع ِّلمونَهم بعني ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ضمن دائرة ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬بإذن منك‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلامتة‪،‬‬ ‫وارزقنا ُح ْس َن‬‫إرشاداتم‪ ،‬آتِنا إيامنًا كامال ُ‬ ‫ِ‬ ‫وبحر َم ِة‬
‫روس هؤالء‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫فيا ربِّ ‪ ،‬بحق ُد‬
‫لشفاعتِهم‪ ..‬آمني»‪.‬‬ ‫النور‪ ،‬واجعلنا أهال َ‬ ‫الب ِ‬ ‫لنا ول ُط ِ‬

‫***‬

‫ُتب‬‫َريم بل َجي ِع الك ِ‬ ‫ِ‬


‫القرآن الك ِ‬ ‫والـح َج َج التي تُثبِ ُت ِص َ‬
‫دق‬ ‫َ‬
‫الدالئل‬ ‫وهكذا َّ‬
‫فإن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األنبياء َج ِ‬ ‫املعج ِ‬
‫وإن ِ‬ ‫الس ِ‬
‫يعهم‪ ..‬كام ّأنا‬ ‫بيب اهلل ِ‬
‫بل‬ ‫ُبو َة َح ِ‬ ‫والرباهيـن التي تُثبِ ُت ن َّ‬
‫َ‬ ‫زات‬ ‫اموية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫األد ّلةِ‬
‫أغلب ِ‬ ‫َدل عليه؛ كذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدعون إليه‪ ،‬وهو تَح ُّق ُق اآلخرة وت ُّ‬ ‫َ‬ ‫تُثبِ ُت بدَ ِ‬
‫فإن ْ َ‬ ‫أهم ما‬
‫ورها َّ‬
‫شاهد ٌة عىل‬‫ورها ِ‬ ‫ووحدَ تِه سبحانَه‪ ،‬هي بِدَ ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجود َ‬ ‫ب ُ‬ ‫جود ِ‬
‫واج ِ‬ ‫دة عىل و ِ‬
‫ُ‬
‫اه ِ‬ ‫الش ِ‬‫حل َج ِج َّ‬ ‫وا ُ‬
‫البقاء التي هي مدار الربوبِي ِة واأللوهي ِة وأعظم مظه ٍر هلام‪ ،‬وهي ِ‬ ‫ِ‬ ‫دار الس ِ‬
‫شاهد ٌة‬ ‫ُ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ُّ ّ‬ ‫عادة وعامل‬ ‫ِ َّ‬
‫اآلتية‪ -‬ألن ُوجو َده سبحانَه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقامات‬ ‫تاح ِ‬
‫أبوابا ‪-‬كام َس ُيبيَّ ُ يف‬ ‫الدار ِ‬
‫وانف ِ‬ ‫جود تلك ِ‬ ‫عىل و ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وشؤونَه احلكيم َة‪ ،‬وأوصا َفه املقدّ َس َة َ‬
‫أمثال‬ ‫ِ‬
‫وأغلب أسامئه احلسنَى‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتعاىل‪ ،‬وصفاته اجلليل َة‪،‬‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬قال أبو ذر ريض اهلل عنه‪« :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل كم وفاء عدة األنبياء؟ قال‪ :‬مائة ألف وأربعة وعرشون ألفا‪ ،‬الرسل من ذلك‬
‫ثالثامئة ومخسة عرش مجا غفريا»‪( ،‬أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪265/5‬؛ ابن حبان‪ ،‬الصحيح ‪77/2‬؛ الطرباين‪ ،‬املعجم الكبري‬
‫‪217/8‬؛ احلاكم‪ ،‬املستدرك ‪652/2‬؛ إبن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.)54 ،23/1‬‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪113‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫اآلخر َة وت ِ‬
‫ُالز ُمها‪،‬‬ ‫َقتض جميعها ِ‬ ‫دالة‪ ،‬ت ِ‬
‫كمة والع ِ‬ ‫ناية واحلِ ِ‬ ‫والع ِ‬
‫والرمحة ِ‬‫ِ‬ ‫الربوبِ ّي ِة واأللوه ّي ِة‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫للثواب ِ‬
‫والع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بل ت ِ‬
‫قاب‬ ‫ُّشور‬
‫احلشـر والن َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫جوب وتَط ُل ُ‬ ‫َستلز ُم وجو َد عاملِ البقاء بدَ رجة ُ‬
‫ور ِة أيضا‪.‬‬ ‫الض َ‬
‫بدَ ِ‬
‫رجة َّ‬
‫سلطان ألوه ّيتِ ِه وهو‬
‫ِ‬ ‫ور‬‫ـح َ‬
‫واحدٌ ‪َ ،‬أزيل أبدي‪ ،‬فالبدَّ َّ ِ‬
‫أن م ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ َ ٌّ‬
‫نعم‪ ،‬ما دام اهلل موجودا‪ ،‬وهو ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وحكمةٍ‬ ‫ظمة ِ‬
‫وع ٍ‬ ‫ذات َج ٍ‬
‫الل َ‬ ‫املطلقة التي هي ُ‬ ‫ُ‬ ‫الربوبِ ّي ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرةُ‪َ ،‬موجو ٌد أيضا‪ ..‬وما دا َمت ُّ‬
‫أن هناك سعاد ًة‬ ‫ِ‬
‫األحياء‪َ ،‬فالبدَّ َّ‬ ‫نات وال سيام يف‬ ‫الكائ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واضح ًة يف هذه‬ ‫ظاهر ًة ِ‬ ‫تتجل ِ‬ ‫أفة َّ‬ ‫ور ٍ‬
‫َ‬
‫ثواب‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُبـر ُئ‬ ‫ٍ‬ ‫ـمال َ‬
‫دون‬ ‫اخللق َه َ‬
‫َ‬ ‫ظن بكوهنا ت ُ‬
‫َرتك‬ ‫أي ٍّ‬ ‫الربوبِ ّية املط َلقة َّ‬ ‫أبدي ًة تَنفي عن ُّ‬
‫وجود ٌة قطعا والبدّ من‬ ‫الرأف َة من ال َغ ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحكم َة من الع ِ‬ ‫ِ‬
‫در‪ ،‬أي إن تلك الدّ َار َم ُ‬ ‫َصون َّ‬ ‫بث‪ ،‬وت‬ ‫َ‬
‫الدُّ ِ‬
‫خول فيها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهد ًة‬ ‫األنواع من اإلنعا ِم واإلحسان وال ّلطف والكر ِم والعناية َّ‬
‫والرمحة ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫وما دامت هذه‬
‫ِ‬
‫وجود‬ ‫القلوب التي مل متت‪ ،‬وتَد ُّلنا عىل ُو ِ‬
‫جوب‬ ‫ِ‬ ‫العقول التي مل ت ِ‬
‫َنطفئ‪ ،‬وأما َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وظاهر ًة أما َم‬
‫هزاء‬‫خالدة‪ ،‬لت ُِنق َذ اإلنعام من االستِ ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫حياة ٍ‬
‫باقية‬ ‫جاب‪َ ،‬فالبدَّ من ٍ‬ ‫حيم ورا َء احلِ ِ‬ ‫محن َر ٍ‬ ‫رب َر ٍ‬ ‫ٍّ‬
‫اإلحسان من اخلِدا ِع ليستَويف حقيقتَه‪ ،‬وت ِ‬
‫ُنق َذ العناي َة من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َصون‬ ‫اإلنعام َمدا ُه‪ ،‬وت‬ ‫َ‬
‫يأخذ‬ ‫أي‬
‫َْ َ‬ ‫ُ‬
‫اللطف والكر َم‬
‫َ‬ ‫النقمة َفيتِ َّم ُو ُجو ُدها‪ ،‬ولت ُِرب َئ‬
‫ِ‬ ‫ُنج َي الرمح َة من‬ ‫ِ‬
‫َستكم َل َت ُّق َقها‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬
‫العبث لت‬
‫اإلحسان إحسانًا ح ًقا‪ ،‬والنِّعم َة نِعم ًة حقا‪ ،‬هو وجود ٍ‬
‫حياة‬ ‫َ‬ ‫اإلهانة؛ نعم‪ ،‬إن الذي ُ‬
‫جيعل‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫واخللود‪ ..‬نعم‪ ،‬البدَّ أن يتَح َّق َق هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البقاء‬ ‫ٍ‬
‫خالدة يف عامل‬ ‫ٍ‬
‫باقية‬
‫ٍ‬ ‫غرية‪ ،‬مئ َة ألف‬ ‫قة ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتاب‪،‬‬ ‫فصل الربي ِع ويف َصحيفة َض ِّي َ‬ ‫يكتب يف‬
‫ُ‬ ‫القدرة‬ ‫وما دا َم َق ُ‬
‫لم‬
‫ب وال ت ٍ‬ ‫نص ٍ‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬
‫َ‬ ‫جيل أمام أعيننا‪ ،‬وأن‬ ‫واضح ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫َعب‪ ،‬كام هو‬ ‫كتاب ًة ُمتداخل ًة بال خطأ وال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ ٍ‬
‫املكتوب‬ ‫كتاب الربي ِع‬ ‫أسهل من‬ ‫ووعدَ مئ َة ألف مرة‪« :‬ألكت َّ‬
‫ُبن كتابا‬ ‫َعهدَ َ‬ ‫ِ‬
‫القلم قد ت َّ‬ ‫ذلك‬
‫ِ‬
‫املكان الض ِّي ِق‬ ‫مل من هذا‬ ‫وأج َ‬ ‫ٍ‬ ‫أما َمكم‪ ،‬وألكتُبنَّه كتاب ًة خالدةً‪ ،‬يف‬
‫حب ْ‬ ‫وأر َ‬‫أوسع ْ‬ ‫َ‬ ‫مكان‬
‫وإعجاب!»؛ وأنه‬‫ٍ‬ ‫َقرؤونَه بِح ٍ‬
‫رية‬ ‫وألجعلنَّكُم ت ُ‬ ‫كتاب ال َيفنَى أبدً ا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املتداخل‪ ،‬فهو‬ ‫ط‬‫املختل ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫بت بال‬ ‫الكتاب قد كُتِ ْ‬
‫ِ‬ ‫صول ذلك‬ ‫ره‪ ..‬فالبدَّ أن ُأ َ‬ ‫أوام ِ‬‫سبحانَه يذكُر ذلك الكتاب يف مجي ِع ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫أعامل اجلميعِ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫صحائف‬ ‫ُدو ُن فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهوام ُشه باحلرش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫وست َّ‬ ‫والنشور‪َ ،‬‬ ‫ُكتب حواشيه َ‬ ‫ريب‪ ،‬وست ُ‬
‫واؤها عىل ك ٍ‬
‫َثرة‬ ‫حيث احتِ ُ‬
‫ظمى من ُ‬ ‫ٍ‬
‫ذات أمهِّ ّية ُع َ‬
‫حت َ‬‫األرض قد أص َب ْ‬
‫ُ‬ ‫وما دا َمت هذه‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪114‬‬
‫َلفة املتبدِّ ِلة‪ ،‬حتى‬
‫واح املخت ِ‬ ‫واألر ِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫ذوي‬ ‫ِ‬
‫األلوف من أنواع ِ‬ ‫ِ‬
‫ومئات‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪،‬‬ ‫من‬
‫فذ ِك َرت دائام ِص ًنوا‬
‫لقه؛ ُ‬ ‫وزبدتَه ونتِيجتَه وسبب َخ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ركزه ُ‬
‫الصتَه‪ ،‬و َم َ‬
‫وخ َ‬
‫ِ‬
‫الكون ُ‬ ‫ارت َق َ‬
‫لب‬ ‫َص ْ‬
‫األوامر السامو ّي ِة‪..‬‬
‫ِ‬ ‫للساموات كام يف‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ يف مجيع‬ ‫ِ‬

‫واخلواص‪-‬‬ ‫ات‬
‫األرض ‪-‬التي هلا هذه املاه ّي ُ‬ ‫ِ‬ ‫جهات هذه‬ ‫ِ‬ ‫ابن آد َم حيك ُُم يف شتَّى‬
‫ُّ‬ ‫وما دام ُ‬
‫حتوم حو َله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خملوقاتا ُم ِّ‬
‫أكثر املصنوعات ُ‬ ‫أكثر األحياء له‪ ،‬جاعال َ‬ ‫سخ ًرا َ‬ ‫ف يف أغلب‬ ‫ترص ُ‬ ‫و َي َّ‬
‫األنواع‬
‫َ‬ ‫نس ُق‬ ‫عر ُضها و ُيز ِّينُها‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫الفطر ّي ِة‪ ،‬و ُين ِّظ ُمها و َي ِ‬ ‫يس هواه‪ ،‬وحسب حاجاتِه ِ‬
‫َ َ‬ ‫قاي ِ َ‬ ‫فق َم ِ‬ ‫َو َ‬
‫لف ُت أيضا‬ ‫لف ُت نظر اإلنس واجلن وحدَ هم‪ ،‬بل ي ِ‬ ‫بحيث ال ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫العجيب َة منها يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الكون‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نظر ِ‬
‫والتقدير‬
‫َ‬ ‫اإلعجاب‬
‫َ‬ ‫فنال‬ ‫مالك‬ ‫أهل الساموات والكون قاطب ًة‪ ،‬بل حتى َ‬
‫نظر‬ ‫َ‬
‫فأظهر بام أويت‬ ‫يمة عالي ٌة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أه ّي ٌة عظيم ٌة‪ ،‬وق ٌ‬ ‫ِ‬
‫حت له ‪-‬من هذه اجلهة‪َ -‬‬ ‫حسان‪ ،‬وأص َب ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫واالست‬
‫َ‬
‫العظمى‬
‫َ‬ ‫الكائنات‪ ،‬وأنه هو نَتِيجتُها‬ ‫ِ‬ ‫حكمة َخ ِ‬
‫لق‬ ‫ِ‬ ‫املقصو ُد من‬
‫ُ‬ ‫هارة أنه هو‬‫علم وم ٍ‬
‫من ٍ َ‬
‫يعة‪،‬‬‫البد ِ‬ ‫اخلالق ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صنائ َع‬ ‫يعر ُض‬ ‫وحيث إنه ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪..‬‬ ‫النفيس ُة‪ ،‬وال َغ ْر َو فهو َخ ُ‬
‫ليفة‬ ‫وثمرتُها‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غم عصيانه وك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وسـمح‬ ‫ُفره‪ُ ،‬‬ ‫جذاب يف هذه الدنيا‪ ،‬فقد ُأ ِّج َل عذا ُبه َر َ‬ ‫بشكل َج ٍ‬
‫يل‬ ‫ٍ‬ ‫و ُين ِّظ ُمها‬
‫ٍ‬
‫بنجاح‪..‬‬ ‫هم ِة‬ ‫مه َل ليقو َم هبذه ُ‬
‫الـم ّ‬ ‫له بالعيش يف الدنيا و ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وما دا َم ِ‬
‫ات ال تُحدُّ مع‬ ‫اج ٌ‬ ‫البن آد َم ‪-‬الذي له هذه املاه ُية واملزايا خلق ًة وطب ًعا‪ ،‬وله َح َ‬
‫ُ‬
‫والرأفة‬ ‫كمة والقدر ُة‬ ‫قدير‪ ،‬له احلِ ُ‬ ‫رب ٌ‬ ‫الكامل‪ٌّ -‬‬ ‫ِ‬ ‫الشديد‪ ،‬وآال ٌم ال ُت َعدُّ مع َع ِ‬
‫جزه‬ ‫ِ‬ ‫عفه‬ ‫َض ِ‬
‫حيتاجها‬ ‫ِ‬
‫املعاد ِن التي‬ ‫خمزنًا عظيام ألنوا ِع‬ ‫اهلائل َة ال َع ِظيم َة َ‬ ‫األرض ِ‬ ‫َ‬ ‫جيعل هذه‬ ‫قة مما ُ‬ ‫املط َل ُ‬
‫ُ‬
‫رغ ُبها‪،‬‬ ‫املختلفة التي َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألموال‬ ‫ور ّي ِة له‪ ،‬وحانوتا‬ ‫مة الرض ِ‬ ‫األطع ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬و ُمستَو َدعا ألنوا ِع‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫زو ُده بام ُيريدُ ‪..‬‬ ‫وأنه سبحانَه َين ُظ ُر إليه بعني العناية والرأفة و ُير ِّبيه و ُي ِّ‬
‫نفسه إليه‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬و ُي َح ِّب ُ‬ ‫ب‬ ‫الرب سبحانَه ‪-‬كام يف هذه احلقيقة‪ُ -‬يح ُّ‬ ‫وما دا َم ُّ‬
‫فق حكمتِه‪ ،‬وأن‬ ‫يشء َو َ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫عم ُل َّ‬ ‫ِ‬ ‫باق‪ ،‬وله عوامل باق ّي ٌة‪ ،‬و ُي ِ‬ ‫ٍ‬
‫فق َعدالته‪ ،‬و َي َ‬ ‫األمور َو َ‬ ‫َ‬ ‫جري‬ ‫ُ‬
‫القصريةُ‪،‬‬ ‫حاكميتِه ال َتصـرمها هذه الدنيا ِ‬ ‫اخلالق األزيل وسمدي َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫سلطان هذا‬ ‫ِ‬ ‫ظم َة‬
‫ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َع َ‬
‫ِ‬ ‫املؤ ّق ِتة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظل‬ ‫حيث َي ُّ‬ ‫الفانية؛ ُ‬ ‫األرض َ‬ ‫ِ‬ ‫عم ُر هذه‬ ‫عم ُر اإلنسان ال َقص ُري جدا‪ ،‬وال ُ‬ ‫وال يكف ِيهام ُ‬
‫ُفر‬ ‫إنكار وك ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قرت ُفه من‬ ‫لم‪ ،‬وما َي ِ‬ ‫رتك ُبه من وقائ ِع ال ُّظ ِ‬ ‫جزاء يف هذه الدنيا ملا ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان َ‬
‫دون‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫قة تا ّم ٍة‪ ،‬مما ينايف نظا َم‬ ‫وش َف ٍ‬‫لة َ‬ ‫كام ٍ‬ ‫برأفة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أنعم عليه ور َّباه‬ ‫وعصيان‪ ،‬جتا َه مواله الذي َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قض‬ ‫ف جما َله وحسنَه‪ ،‬إذ ي ِ‬ ‫الكامل َة التي فيها‪ ،‬وخيالِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ف ال َعدال َة واملوازن َة‬ ‫نس ِق‪ ،‬وخيالِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الم َّ‬ ‫ُ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪115‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫شك أن‬ ‫يش‪ ،‬فال َّ‬ ‫ظف من ال َع ِ‬ ‫بش ٍ‬ ‫قضيها َ‬ ‫البائس ي ِ‬ ‫براحة‪ ،‬بينام املظلوم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الظامل ُ القايس حياتَه‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الكائنات‪ -‬ال ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َرض‬ ‫َقبل أبدا‪ ،‬وال ت َ‬ ‫آثارها يف‬ ‫ُشاهدُ ُ‬ ‫ماه ّي َة تلك العدالة املط َلقة ‪-‬التي ت َ‬
‫املوت‪.‬‬‫ِ‬ ‫َساو ْو َن معا أما َم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مطل ًقا‪ ،‬عدم ِ‬
‫الظاملني ال ُعتاة مع املظلومني البائسني الذين يت َ‬ ‫َ‬ ‫بعث‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫هب له‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫األرض من الك ِ‬ ‫وما دام مالِ ُك ِ‬
‫وو َ‬ ‫األرض‪َ ،‬‬ ‫اإلنسان من‬ ‫واختار‬
‫َ‬ ‫َون‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اختار‬
‫َ‬ ‫امللك قد‬
‫ِ‬
‫الناس‪،‬‬ ‫واختار األنبيا َء واألوليا َء واألصفيا َء من ِ‬
‫بني‬ ‫سامي ًة‪ ،‬و َأواله االهتِامم ِ‬
‫والعناي َة‪،‬‬ ‫مكان ًة ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ‬
‫لهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنفسهم إليه باإليامن والتسل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وج َع ُ‬ ‫يم‪َ ،‬‬ ‫انسجموا مع املقاصد الربان ّية‪ ،‬وح َّب ُبوا َ‬ ‫َ‬ ‫الذين‬
‫َ‬ ‫وهم‬
‫ُ‬
‫األعامل وأ َّد َب أعدا َءهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتوفيق يف‬ ‫ِ‬
‫ني له‪ ،‬وأكر َمهم باملعجزات‬ ‫ني املخا َطبِ َ‬ ‫أوليا َءه املحبوبِ َ‬
‫زاز ِهم‪،‬‬ ‫خر ِهم واعتِ ِ‬ ‫ور ْم َز َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫واصط َفى من ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫بالص َف ِ‬
‫ني إما َمهم َ‬ ‫بني هؤالء املحبوبِ َ‬ ‫السامو ّية‪ْ ،‬‬ ‫عات‬
‫ذوي‬ ‫وخ ُم َس البرش ّي ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫األمهية‪ُ ،‬‬ ‫ُرة األرضي ِة ِ‬
‫ذات‬ ‫ّ‬
‫صف الك ِ‬ ‫بنوره نِ َ‬ ‫فنو َر ِ‬ ‫أال وهو حممدٌ ﷺ؛ َّ‬
‫ِ‬ ‫ألجله‪ُ ،‬لب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكائنات قد ُخ ِل ْ‬ ‫ِ‬ ‫ون ِعدّ ٍة‪ ،‬حتى كأن‬ ‫وال قر ٍ‬ ‫ِ‬
‫غاياتا َجـي ًعا به‪،‬‬ ‫وز‬ ‫قت‬ ‫األمهية‪َ ،‬ط َ ُ‬
‫بالقرآن الـذي ُأ ِنز َل عليه؛ فبينام َيست َِح ُّق أن‬ ‫ِ‬ ‫الئها‬ ‫وانج ِ‬‫ِ‬ ‫بالدين الـذي ُب ِع َث به‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هورهـا‬‫و ُظ ِ‬
‫قض‬ ‫إل أنه َ‬ ‫أهـل له‪ّ ،‬‬ ‫دود وهو ٌ‬ ‫غيـر َم ٍ‬ ‫مديد ِ‬ ‫املحدودة بعم ٍر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اجلليلة ِ‬
‫غري‬ ‫ِ‬ ‫كافأ عىل ِخدماتِه‬ ‫ُي َ‬
‫ُ‬
‫عقل‬ ‫مكن‪ ،‬وهل ُي ُ‬ ‫َعب! فهل ي ِ‬ ‫ب وت ٍ‬ ‫ونص ٍ‬ ‫تون سن ًة يف ُم ٍ‬ ‫وس َ‬ ‫الث ِ‬ ‫قص ًريا وهو َث ٌ‬ ‫عمرا ِ‬
‫ُ‬ ‫اهدة َ‬ ‫َ‬ ‫ًُ‬
‫اآلن ح ًّيا‬ ‫يكون َ‬ ‫َ‬ ‫وأل‬ ‫اؤه معا؟! ّ‬ ‫أل ُيب َع َث هو وأمثا ُله وأح ّب ُ‬ ‫ٍ‬
‫أي احتامل ّ‬ ‫مطل ًقا‪ ،‬وهل هناك ُّ‬
‫ألف َم ّر ٍة؛‬ ‫ألف ِ‬ ‫ويصيـر إىل ال َعد ِم؟ كال‪ ..‬ثم كال‪ ..‬وحاشاه َ‬ ‫َ‬ ‫بروحه؟! وأن يفنَى هنائيا‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حقائ ِق العاملِ ُ‬ ‫ِ‬
‫الكون حياتَه‪.‬‬ ‫رب‬
‫ب من ِّ‬ ‫يدعو إىل بعثه و ُيريدُ ه ويط ُل ُ‬ ‫وجميع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الكون‬ ‫نعم‪ ،‬إن‬
‫***‬

‫إمجاعا‬ ‫وثالثني‬ ‫ٍ‬


‫بثالثة‬ ‫السابع وأثبت َْت‬ ‫الشعاع‬ ‫ربى» وهي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫«اآلية الك َ‬ ‫رسالة‬ ‫نت‬
‫ولقد ب َّي ْ‬
‫واحد‬‫ٍ‬ ‫إل من ِ‬
‫يد‬ ‫الكون مل َيصدُ ر ّ‬ ‫َ‬ ‫األشم يف ُق ّو ِة ُح ّجتِه‪ ،‬بأن هذا‬ ‫ِ‬
‫كاجلبل‬ ‫كل منها‬ ‫عظيام‪ٌّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫ب بداه ًة‪-‬‬ ‫الرباهني واملراتِ ِ‬
‫ِ‬ ‫التوحيدَ ‪-‬بتلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فأظهرت‬ ‫لواحد ٍ‬
‫أحد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أح ٍد‪ ،‬وليــس ُملكًا ّ‬
‫إل‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫جميع‬ ‫َحو ُل‬ ‫ِ‬ ‫نت أنه بالو ِ‬ ‫الكامل اإلهلي و ُقط ُبه‪َ ،‬وب َّي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫واألحد ّية يت َّ‬‫َ‬ ‫حدة‬ ‫َ‬ ‫ـحو ُر‬
‫الذي هو م َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األحد‪ ،‬و ُمو َّظ ِفني ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫وبمجيء‬ ‫ين له؛‬ ‫سخ ِر َ‬ ‫الواحد‬ ‫ين لذلك‬ ‫بمثابة ُجنود ُمستَن َف ِر َ‬
‫الظلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫املطلقة‪ ،‬وتَنجو من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السقوط وتَسو ُد عدالتُه‬ ‫ُصان من‬‫ووجودها تتَح ّق ُق كماالتُه وت ُ‬ ‫ِ‬
‫عة مدَ اه َا‪ ،‬وتُن َق ُذ من‬ ‫َأخ ُذ رحمتُه ِ‬
‫الواس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُبـر ُأ من‬ ‫ِ‬
‫والسفاهة‪ ،‬وت ُ َ‬
‫َ‬ ‫العبث‬ ‫وت َُّنزه حكمتُه العا ّم ُة وت َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪116‬‬
‫ِ‬
‫الذليل؛ وتتَقدَّ ُس‬ ‫ِ‬
‫العجز‬ ‫املطلقتان وتُن َق ِ‬
‫ذان من‬ ‫ِ‬ ‫وقدرتُه‬
‫َ‬ ‫شني؛ وتتجىل ِع ّزتُه‬‫الـم ِ‬ ‫ِ‬
‫التعذيب ُ‬
‫منزه ًة جليل ًة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وتتجل َّ‬ ‫فة من صفاتِه سبحانَه‬
‫كل ِص ٍ‬
‫ُّ‬

‫دار‬ ‫أبواب ِ‬
‫َ‬ ‫ث‪ ،‬وأن‬ ‫والنشور َسيحدُ ُ‬ ‫َ‬ ‫احلرش‬ ‫ستقوم‪ ،‬وأن‬‫ُ‬ ‫يب مطل ًقا أن القيام َة‬ ‫َفالبدَّ وال َر َ‬
‫َ‬
‫املبتد ِئة بـ«ما‬
‫املذكورة ِ‬
‫ِ‬ ‫رات الثامنِ ّي ِة‬ ‫الف ْق ِ‬ ‫حقائق هذه ِ‬ ‫ِ‬ ‫قتض ما يف‬ ‫بم َ‬ ‫قاب ستُفت َُح‪ُ ،‬‬ ‫والع ِ‬‫الثواب ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫لإليامن‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‬ ‫مئات الن ِ‬
‫ِّكات‬ ‫ِ‬ ‫لطيف من ِ‬
‫بني‬ ‫ٍ‬ ‫مغزى‬ ‫ذات ً‬ ‫ُكتة ُ‬ ‫مسألة دقيق ٌة ون ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫دام» التي هي‬
‫وأهمية اإلنسانِ َّي ِة ومكانتُها‪ ..‬ولكي‬ ‫ُ‬ ‫أهمية األرض و َم ِ‬
‫ركز ّيتُها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫باهلل؛ وذلك‪ :‬كي تتَح ّق َق‬
‫نج َو األوليا ُء‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫األرض واإلنسان وحكمتُه ورمحتُه وسلطانُه‪ ..‬ولكي َي ُ‬ ‫رب‬‫عدالة ِّ‬ ‫تتقر َر‬
‫ّ‬
‫األبدي‪ ..‬ولكي َيرى‬ ‫ِ‬
‫الرب الباقي من الفناء واإلعدا ِم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألح َّبا ُء احلقيق ّي َ‬
‫ِّ‬ ‫واملشتاقون إىل ِّ‬ ‫ون‬
‫ِ‬
‫الكائنات يف‬ ‫اجلليلة التي ج ِ‬
‫علت‬ ‫ِ‬ ‫ونتائج ِخدماتِه‬ ‫وأعزهم ثواب َع ِ‬
‫مله‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫أعظمهم وأح ُّبهم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والتقصري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النقص‬ ‫دي من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫امتِنان ً‬
‫ٍ‬
‫كمال السلطان الرس َم ِّ‬ ‫ورض دائ َمني‪ ..‬ولكي يتقدَّ َس‬
‫ِ‬
‫الظلم‪.‬‬ ‫وتتعال عدالتُه عن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫السفاهة‪،‬‬ ‫َبـر َأ ِحكمتُه من‬ ‫ِ‬
‫العجز‪ ،‬وت َ‬ ‫َنـز َه قدرتُه من‬ ‫وتت َّ‬

‫جل جال ُله َموجو ًدا فإن اآلخر َة ال َر َ‬


‫يب فيها َقط ًعا‪.‬‬ ‫واخلالصة‪ :‬ما دام اهلل َّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫األركان اإليامن ّي ُة‬
‫ُ‬ ‫وكام تُثبِ ُت‬
‫الحشر بجمي ِع دالئلها وت َ‬
‫َشهدُ‬ ‫َ‬ ‫الثالثة ‪-‬املذكور ُة آنفا‪-‬‬
‫ورش ِه من اهلل تعاىل»‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ستلز ُم الركنان اإليامنيان «وبمالئكته‪ ،‬وبالقدَ ر َخريه ِّ‬ ‫عليه‪ ،‬كذلك َي ِ‬
‫ِ‬
‫النحو اآليت‪:‬‬ ‫دالن ِ‬
‫عليه عىل‬ ‫العال الباقي وي ِ‬
‫دان شهاد ًة قو ّي ًة عىل َ‬ ‫أيضا الحشر‪ ،‬ويشه ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫بود ّيتِهم‪،‬‬ ‫ظائف ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملشاهدات واملكاملات الدا َّلة عىل ُوجود املالئكة َ‬
‫وو‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الدالئل‬ ‫مجيع‬
‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫رة ودار‬ ‫اآلخ ِ‬
‫البقاء وعامل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الغيب وعامل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرواح وعامل‬ ‫جود عامل‬ ‫الئل عىل و ِ‬ ‫هي بدَ ْو ِرها َد ُ‬
‫ُ‬
‫يمكنهم ‪-‬بإذن إهلي‪-‬‬ ‫واإلنس‪ ،‬ألن املالئك َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫باجلن‬ ‫والنار اللتَني ستُعم ِ‬
‫ران‬ ‫ِ‬ ‫السعادة واجلن ِّة‬
‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ َّ‬
‫‪-‬كج َ‬
‫ربيل‬ ‫ِ‬ ‫ون باالت ِ‬
‫ّفاق‬ ‫بون ُي ِب َ‬‫المقر َ‬ ‫كة‬ ‫ِ‬
‫فاملالئ ُ‬ ‫ـم ويدخلوها‪ ،‬لذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫أن يشاهدوا هذه العوال َ‬
‫ِ‬ ‫تلك العوالِ ِ‬ ‫ِ‬
‫نعلم‬
‫ـم املذكورة وجتواهلم فيها؛ فكام أننا ُ‬ ‫بوجود َ‬ ‫عليه السالم الذي قا َب َل َ‬
‫البرش‪-‬‬
‫اإليمان َبدهي ًة بام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫القاد ِمني منها‪ ،‬كذلك‬ ‫بديه ًة وجود قار ِة أمريكا التي مل نرها من كال ِم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواتر‪ -‬عن وجود عامل البقاء ِ‬ ‫ِ‬
‫بقوة مئة ت ٍ‬ ‫ِ‬
‫والنار‪..‬‬ ‫ودار اآلخرة واجلنّة‬ ‫خب ْت به املالئكة ‪-‬وهو ّ‬ ‫َأ َ‬
‫ُؤم ُن ونُصدِّ ُق‪.‬‬ ‫وهكذا ن ِ‬
‫ِ‬
‫«الكلمة‬ ‫ِ‬
‫رسالة القدَ ِر‬ ‫«اإليمان بال َقدَ ِر» ‪-‬كام جا َءت يف‬ ‫َ‬ ‫الدالئل التي تُثبِ ُت‬‫ُ‬ ‫وكذلك‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪117‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫األعامل ِعندَ‬
‫ِ‬ ‫واز ِنة‬
‫حف و ُم َ‬ ‫َرش الص ِ‬
‫احلرش ون ِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫دالئل عىل‬‫ُ‬ ‫ورها‬ ‫رشين»‪ -‬هي بدَ ِ‬ ‫َ‬
‫سة ِ‬
‫والع‬ ‫الساد ِ‬ ‫ِ‬
‫كل ٍ‬ ‫ين مقدَّ ِ‬ ‫ألن ما نرا ُه أما َم أع ُينِنا من ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألواح النظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫يشء عىل‬ ‫رات ِّ‬ ‫َدو ِ ُ‬ ‫األكبـر‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫امليزان‬
‫ظة‪ ،‬ويف ُحبوبِه ونَواه‪،‬‬ ‫حياة يف قوتِه احلافِ ِ‬ ‫لكل ذي ٍ‬ ‫ووقائعها ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫تابة أح ِ‬
‫داث‬ ‫وك ِ‬ ‫وامليزان‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫وإقرارها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫وح وال سيام‬ ‫األعامل لكل ذي ُر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يت َدفاتِ ِر‬ ‫األلواح املثالي ِة؛ وتَثبِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ويف ِ‬
‫سائر‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫التدو ِ‬ ‫احلكيم‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫املحيط‪ ،‬ومن الت ِ‬
‫َّقد ِير‬ ‫ِ‬ ‫كل هذا ال َقدْ ِر من ال َقدَ ِر‬ ‫حمفوظة‪ُّ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ألواح‬ ‫يف‬
‫ثواب‬ ‫ٍ‬ ‫ربى‪ ،‬ولن ِ‬
‫َيل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يكون ّ‬ ‫َ‬ ‫األم ِ‬
‫الكتابة ِ‬‫ِ‬ ‫الدق ِيق‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫ألجل حمكمة ك َ‬ ‫إل‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬ ‫ينة‪ ،‬ال‬
‫تابة التي‬ ‫والك ِ‬ ‫ِ‬ ‫املح ِ‬
‫يط‬ ‫ين ِ‬ ‫التدو ِ‬ ‫ِ‬ ‫مغزى وال َف ِائد ٌة أبدا لذلك‬ ‫وإل فال َيب َقى ً‬ ‫مني‪ّ ،‬‬ ‫دائ ِ‬ ‫قاب ِ‬ ‫وع ٍ‬ ‫ِ‬
‫مجيع معاين‬ ‫يقة؛ كام َّ‬ ‫واحلق ِ‬
‫ِ‬ ‫الف احلِ ِ‬ ‫قع إذن ما هو ِخ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وت َف ُظ َأ َّ‬ ‫ُسج ُل َ‬
‫أن َ‬ ‫كمة‬ ‫األمور‪ ،‬ف َي ُ‬ ‫دق‬ ‫ت ِّ‬
‫وف تَفسدُ وتُمس ُخ هي األخرى بعد ِم ح ِ‬ ‫الكون احل َّق ِة التي كُت َبت ب َق ِ‬ ‫ِ‬
‫دوث‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لم ال َقدَ ِر َس َ ُ‬ ‫ِ‬
‫كتاب‬
‫ِ‬
‫كإنكار‬ ‫حمال يف ٍ‬
‫حمال‪،‬‬ ‫احتامل أبدا‪ ،‬بل هو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يكون مطلقا‪ ،‬وليس له‬ ‫َ‬ ‫مك ُن أن‬‫احلشـر! وهذا ال ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫إل‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫هذيان ليس ّ‬ ‫هذا الكون‪ ،‬بل هو‬
‫ِ‬
‫احلرش‬ ‫دالئل عىل‬‫ُ‬ ‫اخلمس ِة هي بِ ِ‬
‫دورها‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫مجيع َد ِ‬
‫الئل‬ ‫َحصل مما تَقدّ م‪ :‬أن َ‬ ‫ن ُ‬
‫أبوابا؛ بل تَستَدْ ِع ِيه‬
‫تاح ِ‬ ‫رة وان ِْف ِ‬
‫اآلخ ِ‬
‫جود الدَّ ِار ِ‬‫النشور وحدوثِه‪ ،‬وعىل و ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫وو ِ‬
‫جوده‪ ،‬وعىل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫بحث ُث ُ‬
‫لث‬ ‫ِ‬
‫واالنسجا ِم التا ِّم أن َي َ‬ ‫ِ‬
‫الكام ِل‬ ‫الو ِ‬
‫فاق‬ ‫َشهدُ عليه‪ ،‬لذا فإنه من ِ‬ ‫وت َ‬
‫ِ‬ ‫عج ِز الب ِ‬
‫اسا‬ ‫أس ً‬ ‫َزع َز ُع‪ ،‬وجي َع َله َ‬
‫ني التي ال تت ْ‬ ‫والرباه ِ‬ ‫س‬ ‫يان عن ْ ِ‬
‫احلش ملا له من األُ ُس ِ‬ ‫الـم ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ِ‬
‫األساس‪.‬‬ ‫جر‬ ‫كيز ًة جلمي ِع َحقائقه التي ير َف ُعها عىل ذلك ا َ‬
‫ور َ‬ ‫َ‬
‫(انت ِ‬
‫َهت املقدِّ م ُة)‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪118‬‬

‫الذ ِ‬
‫يل‬ ‫ِ‬
‫القط َعة الثاني ُة من َّ‬
‫َدور َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫حول‬ ‫األو ُل من تسعة َمقامات لطبقات الرباهني التِّس ِع التي ت ُ‬
‫املقام َّ‬
‫ُ‬ ‫هي‬
‫الكريمة اآلتِ ُية‪:‬‬
‫ُ‬ ‫اآلي‬ ‫ٍ‬
‫بإعجاز ُ‬ ‫أشارت إليها‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫احلرش والتي‬

‫﴿ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢ * ﭤﭥﭦﭧﭨﭩ‬
‫ﭪﭫ * ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﴾ (الروم‪)19-17:‬‬

‫واحلج ِة‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الباه ِر‬ ‫ِ‬
‫الربهان‬ ‫يمة من‬ ‫اآليات ِ‬
‫الكر ُ‬ ‫ُ‬ ‫س ُيب َّين ‪-‬إن شا َء اهلل‪ -‬ما أ ْظ َ‬
‫هر ْت ُه هذه‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫للحرش‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫القاطعة َ‬

‫الرمز الرابع من النكتة اخلامسة ل َّلمعة الثالثني‬


‫الست َة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪َّ ،‬‬ ‫الثام ِنة ِ‬‫لقد بين يف اخلاص ِة ِ‬
‫أركان اإليامن ِّ‬ ‫ُثبت‬
‫أن احليا َة ت ُ‬ ‫رشين من‬‫َ‬ ‫والع‬ ‫ّ‬ ‫ُّ َ‬
‫ِ‬
‫نحوها وتُش ُري إىل حت ُّققها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوج ُه َ‬ ‫وتت َّ‬
‫وهرها‪ ،‬فال‬ ‫نات‪ ،‬وأهم نتِ ِ‬ ‫الكائ ِ‬‫ِ‬ ‫كمة ِ‬ ‫دامت «احلياةُ» هي ِح ُ‬ ‫ِ‬
‫وج ُ‬‫يجتها َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫خلق‬ ‫نعم‪ ،‬فام‬
‫ِ‬
‫املؤملة‪ ،‬بل إِ َّن‬ ‫الناق ِ‬
‫صة‬ ‫القصرية ِ‬
‫ِ‬ ‫احلياة الدنيا الفانِ ِية‬ ‫ِ‬ ‫السام ُية يف هذه‬ ‫ِ‬ ‫احلق ُ‬
‫يقة‬ ‫َنحص تلك ِ‬ ‫ت ِ‬
‫ُ‬
‫َتيجتِها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فهم من غاية َشجرتها ون َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وعظم َة ماه ّيتها‪ ،‬وما ُي َ‬
‫ِ‬
‫للحياة َ‬ ‫رشين‬
‫َ‬
‫اخلواص التسع ِ‬
‫والع‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اآلخر ُة واحليا ُة احل ّي ُة‬ ‫إل احليا ُة األبدي ُة واحليا ُة ِ‬ ‫الشجرة‪ ،‬ما هي ّ‬ ‫ِ‬ ‫ظمة َ‬
‫تلك‬ ‫اجلديرة بع ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َث َمرتِها‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وإل َي َلز ُم أن ت َّ‬ ‫السعادة اخلالدَ ِة؛ ّ‬
‫ِ‬ ‫وش ِ‬ ‫بح َج ِرها وتُرابِها َ‬
‫جهز ُة‬ ‫الم َّ‬‫َظل َشجر ُة احلياة ُ‬ ‫جرها يف دار‬ ‫َ‬
‫الش ِ‬ ‫دة وال ح ٍ‬ ‫فائ ٍ‬
‫دون ثم ٍر وال ِ‬ ‫ِ‬ ‫األجهزة ال َغ ِ‬ ‫ِ‬
‫عور وال سيام‬ ‫قيقة تَعو ُد إىل ذوي ُّ‬ ‫َ‬ ‫املتنوعة َ َ‬ ‫زيرة ِّ‬ ‫َ‬ ‫هبذه‬
‫حيث‬ ‫بعرشين درج ًة‪ ،‬من ُ‬ ‫ِ‬
‫صفور‬ ‫وأحط من ال ُع‬ ‫َّ‬ ‫وشق ًّيا وذليال‬ ‫تع ًسا َ‬ ‫اإلنسان ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ولظل‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان؛‬
‫َ‬

‫جت هنا؛ ويف‬


‫در ْ‬‫احلرش‪ ،‬فقد ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫وحيث إن مسأل َة «احلياة» و َقض َّيتها هلا عالق ٌة مع‬
‫ُ‬ ‫املقام بعدُ ‪،‬‬
‫كتب هذا ُ‬ ‫(‪ )1‬مل ُي ْ‬
‫ِ‬
‫وعميقة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫مسألة دقيق ٌة جدا َ‬
‫ٌ‬ ‫اإليامين «ال َقدَ ر»‪ ،‬وهي‬ ‫الر ِ‬
‫كن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ختا ِم هذه املسألة‬
‫ّ‬ ‫إشارات احلياة إىل ُّ‬
‫ُ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪119‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫بعرشين درج ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العصفور‬ ‫وأرفع من‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫وأكرم ذوي‬ ‫ٍ‬
‫خملوق‬ ‫أسمى‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َسعاد ُة احلياة‪ ،‬مع أنه َ‬
‫ِ‬
‫الزمان‬ ‫ِ‬
‫أحزان‬ ‫اإلنسان بتَفك ُِّر ِه يف‬
‫ِ‬ ‫عمة ُيصبِ ُح بال ًء ومصيب ًة عىل‬‫قل الذي هو أ ْثمن نِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫بل ال َع ُ‬
‫َّ‬
‫والشك أن‬ ‫ِ‬
‫بتسعة آال ٍم!‬ ‫واح ٍ‬
‫دة‬ ‫لذ ٍة ِ‬
‫فو ّ‬ ‫او ِف املست ِ‬
‫َقبل‪ ،‬ف ُي ِّ‬ ‫وم ِ‬ ‫ِ‬
‫الغابر َ‬
‫عذ ُب قل َبه دائام ُمعكِّرا َص َ‬
‫بمئة در ٍ‬
‫جة‪.‬‬ ‫باطل ِ‬ ‫هذا ٌ‬
‫َ‬
‫باآلخرة» إثباتًا ِ‬
‫قاط ًعا‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُظه ُر لنا يف ِّ‬
‫كل ربي ٍع‬ ‫«اإليامن‬ ‫فهذه احليا ُة الدنيا إذن تُثبِ ُت َ‬
‫ركن‬
‫ِ‬
‫احلرش‪.‬‬ ‫مئة ِ‬
‫ألف ن َُمو َذ ٍج من ن ِ‬
‫َامذج‬ ‫أكثر من ثالثِ ِ‬
‫َ‬
‫قة هبا َجي ًعا و ُي َو ّف ُر‬ ‫احلاجات املتَع ِّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫قدير‪ُ ،‬ي ِّي ُئ ما َي َلز ُم حياتَك من‬ ‫لرب ٍ‬ ‫ِ‬
‫فيا تُرى هل ُيمك ُن ٍّ‬
‫ب‬ ‫رس ُله يف وقتِه ِ‬
‫املناس ِ‬ ‫لدك‪ ،‬وي ِ‬ ‫سمك أو يف حديقتِك أو يف ب ِ‬ ‫لك أجهزتَها ك َّلها سواء يف ِج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫سمع‬ ‫علم َرغب َة َمعدَ تك فيام َيك ُف ُل لك ال َع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ ٍ‬
‫يش والبقا َء‪ ،‬و َي ُ‬ ‫ورمحة‪ ،‬حتى إنه َي ُ‬ ‫بحكمة وعناية َ‬
‫مة‬‫األطع ِ‬‫ِ‬ ‫الدعاء بام َب َّث من‬ ‫ِ‬ ‫بديا َقبو َله لذلك‬ ‫للرزق م ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلزئي‬ ‫اخلاص‬ ‫ِ‬
‫الدعاء‬ ‫ف به من‬ ‫ما تَهتِ ُ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫عر َفك؟‬ ‫دير أن ال َي ِ‬ ‫المد ِّب ِر ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يذ ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫الـمعدةَ‪ ..‬فهل ُيمك ُن هلذا ُ‬ ‫غري املحدُ ودة ل ُي َطمئ َن تلك َ‬ ‫اللذ َ‬
‫لإلنسان وهي احليا ُة األبد ّي ُة؟ وال‬ ‫ِ‬ ‫ألعظم ٍ‬
‫غاية‬ ‫ِ‬ ‫األسباب الرضور ّي َة‬ ‫راك؟ وال ُي ِّي َئ‬ ‫وال َي َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دعاء و َأ ِ‬ ‫ٍ‬
‫احلياة‬ ‫بإنشاء‬ ‫واخللود؟ وال َيق َب َله‬ ‫البقاء‬ ‫عمه‪ ،‬وهو دعا ُء‬ ‫همه و َأ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ألعظم‬ ‫يب‬‫َيست َِج َ‬
‫الكون بل هو‬ ‫ِ‬ ‫خملوق يف‬ ‫ٍ‬ ‫أسمى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫مع دعا َء هذا اإلنسان وهو َ‬ ‫اآلخرة وإجياد اجلنّة؟ وال َي ْس َ‬
‫األعامق‪ ،‬والذي َي ُّز‬ ‫ِ‬ ‫الصادر من‬ ‫يجتُها‪ ..‬ذلك الدعا َء العا َّم ِ‬
‫القو َّي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫األرض ونت َ‬ ‫سلطان‬
‫ـي هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والفر َش! فهل‬ ‫َ‬
‫الـمعدَ ة الصغرية وال ُيرض َ‬ ‫ـهتم به اهتما َمه بدعاء َ‬ ‫يمكن أن ال َي َّ‬ ‫ُ‬ ‫العرش ْ‬
‫ألف م ٍ‬ ‫ألف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورح َمتَه املط َلق َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رة ك ََّل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫لإلنكار؟ ك ََّل‪ ..‬ثم ك ََّل َ‬ ‫كمتَه الكامل َة ْ‬ ‫عر َض ح َ‬ ‫اإلنسان؟ و ُي ِّ‬ ‫َ‬

‫سع َفه‪،‬‬ ‫لشكواه وي ِ‬ ‫ستم َع َ‬ ‫احلياة في ِ‬ ‫ِ‬ ‫زئ ٍّي من‬ ‫صوت ألدنَى ج ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فت‬ ‫أخ َ‬ ‫سم َع ْ‬ ‫وهل ُي ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عقل أن َي َ‬
‫الكون‪،‬‬‫ِ‬ ‫أكب خملوقاتِه يف‬ ‫سخرا له َ‬ ‫عاية تا ّم ٍة وباهتام ٍم بالغ ُم ِّ‬ ‫ور ٍ‬ ‫لة ِ‬ ‫كام ٍ‬ ‫ناية ِ‬ ‫بع ٍ‬ ‫عليه ويرب ِيه ِ‬
‫ُ ِّ‬
‫وي ُلم ِ‬
‫َ َ‬
‫أل‬ ‫وأدو ِمها؟ وهل ُيع َق ُل ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كه ِ‬
‫ألعظم حياة وأسامها وألطفها َ‬ ‫السامء‬ ‫زيم‬ ‫سم ُع صوتًا َ‬ ‫ثم ال َي َ‬
‫َ‬ ‫َوس ِله؟‬ ‫ِ‬ ‫وأل ينظر إىل ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويكون كمن‬ ‫ورجائه وت ُّ‬ ‫َرضعه َ‬ ‫ُّ‬ ‫املهم وهو دعا ُء البقاء‪َ َ ّ ،‬‬ ‫تم بدُ عائه ِّ‬ ‫َي َّ‬
‫والـي له!! وكمن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫كاملة ج ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الـم َ‬ ‫اجلرار ُ‬ ‫َ‬ ‫اجليش‬ ‫رعى‬ ‫بالعتاد‪ ،‬وال َي َ‬ ‫نديا واحدا‬ ‫ُ‬ ‫بعناية‬ ‫جه ُز‬
‫ُي ِّ‬
‫حاش‬ ‫يسمع رعو َد السامء! َ‬ ‫ُ‬ ‫الذباب وال‬ ‫ِ‬ ‫يسمع طنني‬ ‫ُ‬ ‫الشمس! أو كمن‬ ‫َ‬ ‫الذر َة وال يرى‬ ‫َيرى ّ‬
‫حاش هلل‪.‬‬ ‫مرة َ‬ ‫ألف ٍ‬ ‫هلل مئ َة ِ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪120‬‬
‫الواسعة وذا املح ّب ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫احلكيم ذا‬
‫َ‬ ‫القدير‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األوجه‪ -‬أن‬ ‫ٍ‬
‫‪-‬بوجه من‬ ‫ُ‬
‫العقل‬ ‫قبل‬‫وهل َي ُ‬
‫نفسه هبا إىل خملوقاتِه وهو‬ ‫ب َ‬ ‫ب صنعتَه كثريا‪ ،‬و ُيح ِّب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الفائقة وذا الرأفة الشاملة والذي ُي ُّ‬
‫ِ ِ‬
‫املحبوب‪ٌ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫ُ‬ ‫أكثر ح ًبا له‪ ،‬وهو‬ ‫أشدُّ حبا ملن ُيبونَه‪ ...‬فهل ُيع َقل أن ُيفن َي حيا َة َمن هو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األبدي‬
‫ِّ‬ ‫باملوت‬ ‫الروح‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وهرها وهو‬ ‫وج َ‬ ‫ب احلياة َ‬ ‫ب‪ ،‬وعابِدٌ خلالقه فطرةً؟ و ُيفن َي كذلك ُل َّ‬ ‫للح ِّ‬ ‫ُ‬
‫سر رمحتِه‬ ‫جعل َّ‬ ‫ـمهم أشدَّ اإليال ِم‪ ،‬ف َي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلعدا ِم النهائ ِّي‪ ،‬و ُيو ِّلدَ َجفو ًة بينَه وبني ُم ِّبيه و ُيؤل َ‬
‫املطلق الذي ز َّي َن بتَج ِّل ِيه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاجلامل‬ ‫حاش هلل‪..‬‬ ‫مرة َ‬ ‫ألف ٍ‬ ‫حاش هلل َ‬ ‫ِ‬
‫لإلنكار! َ‬ ‫عرضا‬ ‫ِ‬
‫ونور حمبته ُم َّ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫محة املط َل ُ‬
‫الشك أهنام‬ ‫َّ‬ ‫أهبجت املخلوقات قاطب ًة وز َّينَتها‪،‬‬ ‫قة التي َ‬ ‫والر ُ‬‫وجم َله‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الكون‬ ‫هذا‬
‫املطلق‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والظلم‬ ‫ِ‬
‫املطلق‬ ‫ساوة وعن هذا ِ‬
‫القبح‬ ‫حد عن هذه ال َق ِ‬ ‫هناية وال ٍ‬ ‫ستان بال ٍ‬‫ِ‬ ‫تان و ُمقدَّ‬ ‫نـز َه ِ‬‫ُم َّ‬
‫ِ‬
‫البرش‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫احلياة من‬ ‫رس‬ ‫َ‬ ‫النتيجة‪ :‬ما دامت يف الدنيا َحياةٌ‪ ،‬فالبدَّ أن‬
‫يفهمون َّ‬ ‫الذين‬
‫َ‬
‫جنة ٍ‬
‫باقية‪ ..‬آمنّا‪.‬‬ ‫باقية ويف ٍ‬
‫دار ٍ‬ ‫حلياة ٍ‬
‫باقية‪ ،‬يف ٍ‬ ‫يكونون أهال ٍ‬‫َ‬ ‫عامل ِ‬
‫حياتم‪،‬‬ ‫ون استِ َ‬
‫ُي ِسي ُئ َ‬
‫***‬

‫والز َب ِد‬
‫باب َّ‬ ‫حل ِ‬ ‫ِ‬
‫َلم َع ال ُفقاعات وا َ‬ ‫األرض‪ ،‬وت ُّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫اعة عىل‬‫َأللؤ المواد اللم ِ‬
‫ِّ َّ‬ ‫ثم‪ ،‬إن ت َ‬
‫َعق ُبها‬ ‫ِ‬
‫وملعان التي ت ُ‬ ‫ِ‬
‫قاعات‬ ‫ِ‬
‫بزوال ال ُف‬ ‫ِ‬
‫والربيق‬ ‫البحر‪ ،‬ثم انطفا َء ذلك التأل ُل ِؤ‬ ‫ِ‬ ‫عىل َس ِ‬
‫طح‬
‫ِ‬
‫انعكاس‬ ‫إل ِّ‬
‫جتل‬ ‫ِ‬
‫اللمعات ما هي ّ‬ ‫ظه ُر لنا بداه ًة أن تلك‬ ‫ٍ‬
‫خيالية‪ُ ،‬ي ِ‬ ‫ٍ‬
‫ميسات‬ ‫كأهنا مرايا ُ‬
‫لش‬
‫بأصابع من‬ ‫َ‬ ‫الشمس‪ ،‬وت ُِش ُري إليها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلسنة وجو َد‬ ‫عالية؛ وتَذكُر بمخت َل ِ‬
‫ف‬ ‫ُ ُ‬
‫ٍ‬ ‫واح ٍ‬
‫دة‬ ‫شمس ِ‬
‫ٍ‬
‫بالقدرة اإلهل ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر‪،‬‬ ‫األرض ويف‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫ِ‬
‫احلياة عىل‬ ‫األمر يف تَأل ُل ِؤ ذوي‬ ‫ُ‬ ‫نور‪ ..‬وكذلك‬ ‫ٍ‬
‫سح املجال‬ ‫ِ‬
‫الغيب ل َف ِ‬ ‫فائها ورا َء ِس ِ‬
‫تار‬ ‫جل جال ُله‪ ،‬واختِ ِ‬ ‫للحي القيو ِم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫«املحيي»‬ ‫ِ‬ ‫وبتج ِّلي اسم‬
‫وإشارات للحياة الرسمد ّي ِة‬ ‫ٌ‬ ‫شهادات‬
‫ٌ‬ ‫دت «يا حي»‪ -‬ما هي ّ‬
‫إل‬ ‫للذي َيخ ُل ُفها ‪-‬بعد أن َر َّد ْ‬
‫احلي الق ُّيو ِم سبحانَه وتعاىل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ولو ِ‬
‫جوب ُوجود ِّ‬ ‫ُ‬

‫يم‬ ‫العلم اإلهلي الذي تُشاهدُ آثاره من ِ‬


‫تنظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َشهد عىل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫الدالئل التي ت َ‬ ‫مجيع‬
‫وكذا‪ ،‬فإن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرباهني التي تُثبِ ُت القدر َة‬ ‫ِ‬
‫حل َج ِج التي‬
‫ميع ا ُ‬
‫وج َ‬ ‫املتصـرف َة يف الكون‪َ ،‬‬‫ِّ‬ ‫وجميع‬
‫َ‬ ‫املوجودات‪،‬‬
‫ِ‬
‫واملعجزات التي‬ ‫ِ‬
‫العالمات‬ ‫وجميع‬ ‫َنظ ِ‬
‫يمه‪،‬‬ ‫الكون وت ِ‬
‫ِ‬ ‫املهيمن َة عىل ِ‬
‫إدارة‬ ‫ِ‬ ‫تُثبِ ُت اإلراد َة ِ‬
‫واملشيئ َة‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدالئ ِل التي‬ ‫يع هذه‬ ‫اإلهلي‪َ ..‬جم ُ‬
‫ِّ‬ ‫حي‬ ‫والو ِ‬
‫مدار الكال ِم الرباين َ‬ ‫تُثبِت الرساالت التي هي ُ‬
‫«احلي‬ ‫ِّفاق عىل ِ‬
‫حياة‬ ‫َشهد أيضا باالت ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة‪ ،‬ت ُّ‬ ‫السب ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َشهدُ وت ُّ‬
‫ِّ‬ ‫َدل وت َ‬ ‫َدل عىل الصفات اإلهلية َّ‬ ‫ت َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪121‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫مع‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫القيو ِم» سبحانَه؛ ألنه لو و ِج ِ‬
‫الرؤية يف يشء فالبدَّ أن له حيا ًة أيضا‪ ،‬ولو كان له َس ٌ‬ ‫دت‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫يار‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫احلياة‪ ،‬ولو و ِجدَ الكالم فهو إشار ٌة إىل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫هناك االخت ُ‬ ‫احلياة‪ ،‬ولو كان‬ ‫جود‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عالمة‬ ‫فذلك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آثارها‬ ‫ُشاهدُ ُ‬ ‫مجيع دالئ ِل الصفات اجلليلة التي ت َ‬ ‫فتلك َمظاه ُر احلياة‪ ..‬وهكذا فإن َ‬ ‫واإلراد ُة َ‬ ‫َ‬
‫املحيط‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لم‬ ‫والع ِ‬ ‫لة‪ِ ،‬‬ ‫الشام ِ‬ ‫ِ‬ ‫املطلقة‪ ،‬واإلر ِ‬
‫ادة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫وت ُّق ُقها؛ َ‬
‫أمثال‬ ‫و ُيع َل ُم َبداه ًة ُوجو ُدها َ‬
‫َ‬
‫رت‬ ‫َشهدُ عىل َحياتِه الرس َمد ّي ِة التي ن ََّو ْ‬ ‫جوب ُوجوده‪ ،‬وت َ‬
‫ِ‬ ‫وو ِ‬ ‫«احلي الق ُّيو ِم» ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫حياة‬ ‫َدل عىل‬ ‫ت ُّ‬
‫بذر ِاتا م ًعا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدار اآلخر َة ك َّلها َّ‬ ‫َجل منها َ‬ ‫الكون وأح َي ْت بت ٍ‬ ‫بِ ُشعا ٍع منها َجم َ‬
‫يع‬
‫كة» وتُثبِتُه َرمزًا‪.‬‬ ‫«اإليمان بالمالئِ ِ‬ ‫ـي‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫واحليا ُة كذلك تَن ُظ ُر وت ُّ‬
‫ُ‬ ‫كن اإليامن ِّ‬ ‫َدل عىل ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأن َذ ِوي‬ ‫ِ‬ ‫َتيج ٍة‬ ‫ِ‬
‫شارا‬ ‫كثر انت ً‬ ‫لنفاس ِتهم هم َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫احلياة‬ ‫للكون‪َّ ،‬‬ ‫أهم ن َ‬ ‫الحيا ُة هي َّ‬ ‫إ ْذ ما دا َمت َ‬
‫َبته ُج‪ ،‬وما‬ ‫لة‪ ،‬ف َت ْع ُم ُر ِهبم وت ِ‬ ‫األرض قافِل ًة إثر قافِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫دار ِضيا َف ِة‬ ‫الذين يتَتا َب ُعون إىل ِ‬ ‫َكاثرا‪َ ،‬و ُه ُم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وت ً‬
‫َّجد ِ‬ ‫كمة الت ِ‬ ‫بح ِ‬ ‫ُخل ِ‬ ‫احلياة‪ ،‬فتُم ُ‬ ‫ِ‬ ‫يل من َذ ِوي‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد‬ ‫أل وت َ‬ ‫دا َمت الكُر ُة األرض َّي ُة هي َم َّط هذا َّ‬
‫زارة‪ ،‬حتى أصبح ِ‬ ‫حياة ب َغ ٍ‬ ‫فونات َذوو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والتكا ُث ِر باستِ ٍ‬
‫ت‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫األشياء وال ُع‬ ‫أخس‬ ‫مرار‪ ،‬و ُيخ َل ُق يف ِّ‬
‫ٍ‬ ‫هائ ٍ‬ ‫َثرة ِ‬ ‫ياء‪ ..‬وما دام يخ َل ُق بك ٍ‬ ‫عرضا عاما لألح ِ‬ ‫ِ‬
‫الصة‬ ‫األرض أص َفى ُخ‬ ‫ِ‬ ‫لة عىل‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ًّ‬ ‫األرض َّي ُة َم ِ ً‬ ‫الكُر ُة‬
‫قل وجوهرها ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فكأن‬ ‫وح‪،‬‬ ‫الر ُ‬ ‫يف الثابِ ُت وهو ُّ‬ ‫اللط ُ‬ ‫عور وال َع ُ َ َ ُ‬ ‫الش ُ‬ ‫احلياة وهو ُّ‬ ‫َـر ُّش ِح‬ ‫لت َ‬
‫الس ِ‬ ‫اح‪ ..‬فال ي ِ‬ ‫والش ِ‬ ‫باحلياة وال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫امو َّي ُة التي‬ ‫األجرام َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫مك ُن أن‬ ‫ُ‬ ‫واألرو ِ‬ ‫َ‬ ‫عور‬ ‫قل ُّ‬ ‫َتي َا وتت َّ‬
‫َجم ُل‬
‫عور؛ فالبد إذن من‬ ‫ياة وبال ُش ٍ‬ ‫جامد ًة بال ح ٍ‬ ‫األرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫أهي ًة من‬ ‫وأعظم َ‬ ‫نورا‬ ‫أكثر َلطا َف ًة‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وأكثر ً‬ ‫ُ‬ ‫هي ُ‬
‫لون نتِيج َة‬ ‫يو َّي َة‪ ،‬و ُيم ِّث َ‬ ‫حل ِ‬ ‫وي ُبون هلا ا َ‬ ‫الشموس والنجو َم‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫الساموات و ُي ِبه ُج َ‬ ‫ِ‬ ‫ون‬ ‫عم ُر َ‬ ‫سكنة َي ُ‬
‫عور و َذوو ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حياة من‬ ‫السبحان َّية‪ ،‬وهم َذ ُوو ُش ٍ ُ‬ ‫فون باخلطابات ُّ‬ ‫َرش َ‬ ‫خلق الساموات و َث َم َر َتا‪ ،‬ويت َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السموات وأهالِيها‬ ‫ِ‬ ‫سك ِ‬
‫املالئكة‪.‬‬‫ُ‬ ‫وه ُم‬ ‫أال ُ‬ ‫احلياة؛ َ‬ ‫سر‬‫دون هناك بِ ِّ‬ ‫يوج َ‬ ‫حيث َ‬ ‫املتالئمني معها ُ‬ ‫َّان‬ ‫ُ‬
‫سل» و ُيثبِتُه َرمزًا‪.‬‬
‫بالر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«اإليمان ُّ‬ ‫َوج ُه إىل‬
‫سـر احلياة وماه َّيتُها ويت َّ‬
‫نظر ُّ‬
‫وكذلك َي ُ‬
‫ُ‬
‫وأمجل‬ ‫وأكمل ن ٍ‬
‫َقش‬ ‫ُ‬ ‫أعظم ٍّ‬
‫جتل‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪َّ ،‬‬
‫وأن احليا َة هي‬ ‫َون قد ُخ ِل َق ألجل‬ ‫نعم‪َ ،‬ما دا َم الك ُ‬
‫ُ‬
‫ُظهر وت ِ‬ ‫ص ٍ‬
‫ف عن‬ ‫َكش ُ‬ ‫دية اخلـالد ُة ت ِ ُ‬ ‫جـل جال ُله‪ ،‬وما َد ْ‬
‫امت حياتُه الرس َم ُ‬ ‫للحي القيو ِم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫نعة‬ ‫َ‬
‫ُتب» ملا ُع ِر ْ‬ ‫ُتب‪ ،‬إذ لو مل َتكُن َ‬ ‫ِ‬
‫وإنزال الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فت َ‬
‫تلك‬ ‫«ر ُس ٌل» وال «ك ٌ‬ ‫هناك ُ‬ ‫الرسل‬ ‫بإرسال‬ ‫نفسها‬
‫رد ُي ّبي ِ‬ ‫أن تَك ُّلم ال َف ِ‬
‫السالم‬
‫ُ‬ ‫والر ُس ُل ع َل ُ‬
‫يهم‬ ‫حيو َّيتَه وحياتَه كذلك األنبيا ُء ُّ‬ ‫َ‬ ‫احليا ُة األزل َّي ُة‪ ،‬فكام َّ‬
‫احلي الذي َيأ ُم ُر و َي َنهى بكلامتِه‬
‫ون عىل ذلك املتك ِّل ِم ِّ‬ ‫نون و َيدُ ُّل َ‬
‫املنـز ُلة عليهم‪ُ ،‬يب ِّي َ‬
‫ُب َ‬ ‫والكت ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪122‬‬
‫َدل‬ ‫ِ‬
‫الكون كام ت ُّ‬ ‫أن احليا َة التي يف‬ ‫ِ‬
‫الكون؛ َفالبدَّ َّ‬ ‫املحجوب َورا َء ِس ِ‬
‫تار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫وخطاباتِه من و ِ‬
‫راء‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫جوب و ِ‬ ‫ِ‬ ‫دالل ًة ِ‬
‫أركان‬ ‫َدل عىل‬ ‫جوده‪ ،‬كذلك ت ُّ‬ ‫وتعال وعىل ُو ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ـي» سبحانَه‬ ‫«احلي األزل ِّ‬‫ِّ‬ ‫قاطع ًة عىل‬ ‫َ‬
‫األزل َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫احلياة ِ‬ ‫ات‬ ‫األركان التي هي ُش َ‬
‫عاع ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُب»‪ ،‬تلك‬ ‫ِ‬
‫و«إنزال الكت ِ‬ ‫الر ِ‬
‫سل»‬ ‫ِ‬
‫اإليامن مثل «إرسال ُّ‬
‫ِ‬
‫رآين»‪ ،‬إذ‬ ‫الق ُّ‬ ‫حي ُ‬ ‫و«الو ُ‬
‫َ‬ ‫املحم ِد َّي ُة»‬
‫َّ‬ ‫«الر ُ‬
‫سالة‬ ‫ِ‬
‫مزا‪ ،‬وال س َّيام ِّ‬ ‫راتا‪ ،‬وتُثبِتُهام َر ً‬ ‫َظاه ِ‬ ‫ِ‬
‫وتَج ِّلياتها وت ُ‬
‫قلها‪.‬‬ ‫وع ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة َ‬ ‫ِ‬
‫بمثابة ُر ِ‬
‫وح‬ ‫حيث َّإنام‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ثبوت‬ ‫طع َّي ِة‬
‫عان ك َق ِ‬
‫قاط ِ‬‫تان ِ‬ ‫القول‪ :‬أهنام ثابِ ِ‬
‫صح ُ‬ ‫َي ُّ‬
‫رتش ِ‬ ‫ِ‬ ‫رتش ٌ‬‫الص ٌة ُم ِّ‬ ‫نعم‪ ،‬كام َّ‬
‫حان من‬ ‫واحلس ُم ِّ‬‫َّ‬ ‫والشعور‬
‫َ‬ ‫الكون‪،‬‬ ‫حة من هذا‬ ‫أن الحيا َة هي ُخ َ‬
‫الصة الش ُع ِ‬ ‫ُ‬ ‫واحلس‪ ،‬فهو ُخ‬ ‫الش ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وح‬ ‫والر َ‬ ‫ور‪ُّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫عور‬ ‫مترش ٌح من ُ‬ ‫والعقل ِّ‬ ‫الصتُها‪،‬‬‫احلياة‪ ،‬فهام ُخ َ‬
‫املحمد ّي ُة ‪-‬املا ِّد ُية‬ ‫املستق َّل ُة؛ كذلك احليا ُة‬ ‫ِ‬ ‫ذاتا الثابِ ُتة‬‫للحياة‪ ،‬فهي ُ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِاف‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ص َّ‬ ‫وهر اخلال ُ‬ ‫جل ُ‬ ‫هي ا َ‬
‫املحمد ّي ُة‬ ‫والر ُ‬ ‫ِ‬ ‫الص ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رتش ٌ‬ ‫واملعن َِو َّي ُة‪ُ -‬م ِّ‬
‫َّ‬ ‫سالة‬ ‫خالصتها‪ِّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وح الكَون‪ ،‬فهي ُخ َ‬ ‫احلياة ومن ُر ِ‬ ‫حة من‬
‫إن حيا َة ُم َّم ٍد ﷺ ‪-‬املا ِّدي َة‬ ‫قله‪ ،‬فهي أص َفى ُخالصتِه‪ ،‬بل َّ‬ ‫وع ِ‬ ‫عور ِه َ‬
‫وش ِ‬ ‫َون ُ‬ ‫حة من ِحس الك ِ‬
‫ِّ‬ ‫رتش ٌ‬ ‫ُم ِّ‬
‫ِ‬ ‫لش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بش ِ‬
‫هادة ِ‬ ‫ِ‬
‫ونور ل ُه‪،‬‬
‫عور الكون ٌ‬ ‫عور ُ‬ ‫املحمد ّي َة ُش ٌ‬‫والرسال َة َّ‬ ‫آثارها حيا ٌة حلياة الكَون‪ِّ ،‬‬ ‫واملعنو َّي َة‪َ -‬‬
‫عوره‪ ..‬أجل‪ ..‬أجل‪ ..‬أجل‪.‬‬ ‫لش ِ‬ ‫قل ُ‬ ‫وع ٌ‬ ‫ِ‬
‫الكون َ‬ ‫قه احلي ِوي ِة روح ِ‬
‫حلياة‬ ‫قائ ِ‬‫هادة ح ِ‬ ‫بش ِ‬ ‫والوحي القرآين َ‬
‫َ َّ ُ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت الكائِ ُ‬
‫نات‪،‬‬ ‫الكون وتُو ِّفي ِ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫مات‬
‫الكون وغا َدره‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫المحم ِد ّي ِة‬
‫َّ‬
‫فارق نور الر ِ‬
‫سالة‬ ‫فإذا ما َ ُ ِّ‬
‫ت الكر ُة األرضي ُة َصوا َبها‪ ،‬وز ِ‬
‫ُلز َل‬ ‫الكون‪ ،‬جن جنونُه و َفقدَ ِ‬ ‫َ‬
‫وفارق‬ ‫القرآن‬ ‫غاب‬
‫َ ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫وإذا ما َ‬
‫امت ِ‬
‫القيام ُة‪.‬‬ ‫الفضاء‪ ،‬و َق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سيارات‬ ‫طدمت بإحدَ ى‬ ‫عق ُلها‪ ،‬و َظ َّلت بال ُش ٍ‬
‫واص َ‬
‫عور‪ْ ،‬‬
‫عليه وتُثبِـتُه رمزًا؛ إ ْذ ما دام ِ‬ ‫َدل ِ‬ ‫اإليامين «ال َقدَ ر» وت ُّ‬ ‫الر ِ‬
‫كن‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َنظر إىل ُّ‬ ‫واحليا ُة كذلك‪ ،‬ت ُ‬
‫ِ‬
‫الوجود وغا َيتُه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫نتيجة‬ ‫وقد استَو َلت عليه وأحا َطت به‪ ،‬وهي‬ ‫الشهادة ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحيا ُة ضيا ًء لِعاملِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هر ٍ‬ ‫وأتم فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأوسع ٍ‬
‫كأنا‬ ‫س ون َُمو َذ ٍج للف َّعال ّية الر َّبان َّية‪ ،‬حتى َّ‬ ‫خالق الكَون‪ُّ ،‬‬ ‫لتجليات‬ ‫مرآة‬ ‫ْ َ ُ‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫أن س َّـر احلياة يقتَيض أن‬ ‫ِ‬ ‫جاز التشبي ُه‪ -‬فالبدَّ َّ‬ ‫نهجها ‪-‬إذا َ‬ ‫ِ‬
‫ثابة نو ٍع من ُخ َّطتها وم ِ‬ ‫بم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لة‪ -‬يف نظا ٍم‬ ‫املخلوقات ِ‬
‫املاض ُية واملقبِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َقبل‪ ،‬أي‬ ‫الغيب أيضا ‪-‬وهو املايض واملست ِ‬ ‫ِ‬ ‫عالم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التكوين َّية‪ ،‬أي كأنه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوامر‬ ‫ثال‬ ‫ِ‬
‫يكون معلوما ومشهو ًدا ومتع ِّينا ومته ِّيـئا المت ِ‬ ‫َ‬ ‫وانتِظا ٍم ْ‬
‫وأن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أثامرها التي‬‫صولا‪ ،‬والنَّوى ىف ِ‬ ‫للشجرة و ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذرة األصل ّي ِة‬ ‫كمثل تلك البِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫معنوية؛ َم َث ُلها‬ ‫يف ٍ‬
‫حياة‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ذور‬ ‫كالشجرة نفسها‪ ،‬بل قد َتم ُل تلك ال ُب ُ‬ ‫َ‬ ‫احلياة‬ ‫بمزاي َا نو ٍع من‬ ‫يف ُمنتَهاها‪ ،‬التي تتَم َّي ُـز َ‬
‫حياة الشج ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫قوانيـن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أدق من‬ ‫وانني حيات ّي ٍة َّ‬
‫َق َ‬
‫َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪123‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫حتم ُل‬‫الخريف املايض‪ ،‬وسيخ ُلفها هذا الربيع ِ‬ ‫واألصول التي خ َّلفها‬ ‫َ‬ ‫ذور‬ ‫فكام َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أن ال ُب َ‬
‫حياة‪ ،‬كذلك َشجر ُة‬ ‫حيم ُله هذا الربيع من ٍ‬ ‫مثل ما ِ‬ ‫قوانيـن حيات ّي ٍة‪َ ،‬‬ ‫فق‬
‫وتسيـر َو َ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫نور‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األطوار‬ ‫ٌ‬
‫مؤلفة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكل فرعٍ‪ ،‬له ماضيه و ُمستق َب ُله‪ ،‬وله سلسل ٌة‬ ‫صن منها ُّ‬ ‫وكل ُغ ٍ‬ ‫الكائنات‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ولكل ج ٍ‬ ‫واملاض َي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫العلم‬ ‫خمتلفة يف‬ ‫بأطوار‬ ‫زء منه ُوجو ٌد متعدِّ ٌد‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ِّ‬
‫ولكل نو ٍع‬ ‫املقبلة‬ ‫واألوضا ِع‬
‫عنو ٍّي‬‫َجل َم ِ‬‫ظه ٌر لت ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫شكِّل بذلك سلسل َة‬
‫العلمي هذا‪َ ،‬م َ‬ ‫ُّ‬ ‫والوجو ُد‬
‫علمي‪ُ ،‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وجود‬ ‫اإلهلي‪ُ ،‬م ً‬ ‫ِّ‬
‫رات احليات ّي ُة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظهر ّي ِة‬
‫كم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المقدَّ ُ‬ ‫ُؤخ ُذ ُ‬ ‫احلياة‪ُ ،‬‬
‫حيث ت َ‬ ‫لتلك‬‫اخلارجي َ‬
‫ِّ‬ ‫الوجود‬ ‫للحياة العا ّمة َ‬
‫ِ‬
‫العظيم‪.‬‬ ‫املغزى‬ ‫ذات َ‬ ‫األلواح ال َقدَ ِري ِة احلي ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫احلياة‪،‬‬ ‫عين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نوع من عاملِ‬ ‫ِ‬ ‫إن ا ْمتال َء عاملِ‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫هي ُ‬ ‫باألرواح التي َ‬ ‫الغيب‪-‬‬ ‫األرواح ‪-‬وهو ٌ‬
‫آخر من عاملِ‬ ‫ُ‬ ‫يكون ِ‬ ‫َ‬ ‫وهرها و َذواتُها‪َ ،‬ي ِ‬
‫واملستقبل ‪-‬ومها نوع ُ‬ ‫املاض‬ ‫ستلز ُم أن‬ ‫وج ُ‬ ‫وما َّدتُها‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الكام َل يف‬ ‫والتناس َق‬ ‫فإن االنتِظا َم التا َّم‬
‫ثان منه‪ُ -‬متج ِّلي ًة فيهام احلياةُ‪ ..‬وكذا َّ‬ ‫وقسم ٍ‬ ‫يب ِ‬‫ال َغ ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫أن له‬ ‫ِ‬
‫احليو ّي َة ل ُيب ِّي ُن َّ‬ ‫وأطواره‬ ‫ليشء ما ِ‬
‫ونتائ َجه‬ ‫ٍ‬ ‫لط ٍ‬
‫يفة‬ ‫عان ِ‬
‫ذات م ٍ‬‫العلمي ألوضا ٍع ِ‬ ‫الوجود ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫املعنو ّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫أهل ّي ًة لنو ٍع من‬

‫نحص‬ ‫األزلي ِة لن ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذي هو ِضيا ُء َش ِ‬ ‫احلياة ِ‬


‫ِ‬ ‫َّجل‪ِّ ،‬‬‫مثل هذا الت ِّ‬ ‫إن َ‬
‫نعم‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مس احلياة َ ّ‬ ‫جتل‬
‫جي‪ ،‬بل‬ ‫جود ِ‬ ‫ـر‪ ،‬وال يف هذا الو ِ‬ ‫ِ‬
‫احلاض ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ـم الشها َد ِة هذا فقط‪ ،‬وال يف هذا َّ‬ ‫يف عا َل ِ‬
‫اخلار ِّ‬ ‫ُ‬ ‫مان‬
‫ُ‬
‫فالكون‬ ‫حسب قابل َّيتِه؛‬ ‫جتل ذلك الض ِ‬
‫ياء‬ ‫ـم من العواملِ مظهر من م ِ‬
‫ظاه ِر ِّ‬ ‫كل عا َل ٍ‬‫أن َّ‬‫البدَّ َّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌَ‬
‫ـم ‪-‬كام‬ ‫كل من العوالِ ِ‬ ‫ألصبح ٌّ‬
‫َ‬ ‫وإل‬‫التجل‪ّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫حي و ُم ِش ٌّع ميض ٌء بذلك‬ ‫ِ‬
‫بجمي ِع عوامله‪ٌّ ،‬‬ ‫إذن َ‬
‫مظلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احلياة املؤ َّق ِتة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضاللة‪ -‬جناز ًة هائل ًة خميف ًة َ‬
‫وعالما خر ًبا ً‬ ‫ًَ‬ ‫الظاهرة‪،‬‬ ‫حتت هذه‬ ‫عني‬
‫ترا ُه ُ‬
‫ِ‬
‫احلياة و َيث ُب ُت به ويت َِّض ُح‪ ،‬أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهم وج ٌه من أوجه اإليامن بال َقضاء والقدَ ر من ِّ‬
‫رس‬ ‫وهكذا ُي َ‬
‫املخلوقات‬ ‫وبنتائ ِجها‪ ،‬كذلك‬ ‫ِ‬ ‫ظامها‬ ‫احلارضة بانتِ ِ‬
‫ِ‬ ‫الشهادة واملوج ِ‬
‫ودات‬ ‫ِ‬ ‫َظه ُر حيو ّي ُة عاملِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كام ت َ‬
‫لمي‬ ‫ٌ ِ‬ ‫الغيب هلا وجود معنوي‪ ،‬ذو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واآلتية التي تُعدّ من عاملِ‬ ‫ُ‬
‫ثبوت ع ٌّ‬ ‫حياة معنًى‪ ،‬وهلا‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ َ‬ ‫املاضية‬
‫ِ‬
‫القضاء وال َقدَ ِر‪.‬‬ ‫بوساطة ِ‬
‫لوح‬ ‫ِ‬ ‫احلياة املعنو ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫أثر تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بح ُ‬ ‫ذو ٍ‬
‫باسم املقدَّ رات ُ‬ ‫ظهر‬
‫يث َي ُ‬ ‫روح َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪124‬‬

‫القطع ُة الثالِث ُة من َّ‬


‫الذ ِ‬
‫يل‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫احلرش‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مبحث‬ ‫ِ‬
‫بمناسبة‬ ‫سؤال ِير ُد‬
‫ٌ‬

‫رارا ﴿ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ (يس‪،)29:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫الكريم م ً‬ ‫القرآن‬ ‫إن ما َور َد يف‬
‫ظه ُر‬‫األعظم س َي َ‬
‫َ‬ ‫احلشـر‬
‫َ‬ ‫﴿ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ (النحل‪ُ )77:‬يبيـ ُِّن لنا َّ‬
‫أن‬
‫َطلب أمثل ًة واقع ّي ًة مشهود ًة‬ ‫ولكن ال ُع َ‬ ‫ٍ‬
‫واحد بال َز ٍ‬ ‫فجأ ًة إىل الو ِ‬
‫جود‪ ،‬يف ٍ‬
‫قول الض ِّيق َة ت ُ‬ ‫َّ‬ ‫مان؛‬ ‫آن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واملسألة التي ال َم َ‬
‫ثيل هلا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلارق جدا‬ ‫ُذعن هلذا احلدَ ِ‬
‫ث‬ ‫ِ‬ ‫كي ت َ‬
‫َقبل وت َ‬
‫ِ‬
‫األجساد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األجساد‪ ،‬وإحيا ُء‬ ‫ِ‬
‫األرواح إىل‬ ‫ثالث ِ‬
‫مسائ َل هي‪َ :‬عود ُة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‬ ‫إن يف‬‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫وإنشاء األج ِ‬
‫ساد وبِ ُ‬
‫ناؤها‪.‬‬ ‫ُ ْ‬
‫أجسادها ِ‬
‫ومثا ُله هو‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ودتا إىل‬
‫وع ُ‬ ‫ِ‬
‫األرواح َ‬ ‫ ◆المسألة الأولى‪ :‬وهي َمي ُء‬
‫ِ‬
‫الصوت‬ ‫ِ‬
‫اجلهات عىل‬ ‫قني يف شتَّى‬
‫واملتفر َ‬ ‫االست ِ‬
‫احة‬ ‫ِ‬ ‫املنتشين يف َف ِ‬
‫رتة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنود‬ ‫اجتامع‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫العسكري‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫املدوي للبوق‬
‫ِّ‬
‫العسكري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البوق‬ ‫قاصا عن‬ ‫إرسافيل عليه السالم‪ ،‬ليس ِ‬
‫َ‬ ‫وق‬‫ور الذي هو ُب ُ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫الص َ‬
‫إن ُّ‬
‫ابت بـ ﴿ ﭵ ﭶ ﴾‬ ‫أج ْ‬ ‫األبد وعاملِ َّ ِ‬
‫هة ِ‬ ‫األرواح التي هي يف ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن طاع َة‬ ‫كام َّ‬
‫الذرات والتي َ‬
‫ِ‬
‫األزل‪،‬‬ ‫عت نداء ﴿ ﭲﭳ﴾ (األعراف‪ )172:‬المقبِ َل من ِ‬
‫أعامق‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫(األعراف‪ )172:‬عندما َس ِم ْ‬
‫ُ‬
‫«الكلمة‬ ‫تت‬ ‫ِ‬
‫اجليش املن َّظ ِم؛ وقد أث َب ْ‬ ‫ِ‬
‫أفراد‬ ‫ِ‬
‫أضعاف ما عندَ‬ ‫أضعاف‬
‫َ‬ ‫يفوق بال ٍّ‬
‫شك‬ ‫ونِظا َمها ُ‬
‫الذ ِ‬
‫رات أيضا‬ ‫يع َّ‬ ‫ِ‬ ‫ليست َوحدَ ها ً‬ ‫دام ٍ‬
‫غة َّ‬ ‫برباهني ِ‬ ‫َ‬
‫جيشا ُسبحان ًّيا بل َج ُ‬ ‫ْ‬ ‫األرواح‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫الثالثون»‬
‫ِ‬
‫للنفري العا ِّم‪.‬‬ ‫املتأه َ‬
‫بون‬ ‫ُجنو ُده ِّ‬
‫ِ‬
‫األجساد‪ ،‬ومثا ُله هو‪:‬‬ ‫ ◆المسألة الثانية‪ :‬وهي إحيا ُء‬
‫ينة َع ٍ‬
‫ظيمة‪ ،‬من‬ ‫مد ٍ‬
‫مهرجان ِ‬
‫ِ‬ ‫ابيح الكهربائ ّي ِة ليل َة‬
‫املص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثلام ُيمك ُن إنار ُة مئات اآلالف من َ‬
‫ِ‬
‫املصابيح‬ ‫ِ‬
‫املاليني من‬ ‫مكن إنار ُة ِ‬
‫مئات‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َم ٍ‬
‫كأنا بال زمان‪ ،‬كذلك ُي ُ‬ ‫ركز واحد يف حلظة واحدة‪َّ ،‬‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪125‬‬ ‫��� ���� ���� �‬
‫ِ‬
‫خملوقات اهلل سبحانَه‬ ‫ٌ‬
‫خملوقة من‬ ‫ت الكهربا ُء وهي‬ ‫واحد؛ فام دام ِ‬
‫ٍ‬ ‫األرض من َم ٍ‬
‫ركز‬ ‫ِ‬ ‫عىل َس ِ‬
‫طح‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫اءة يف ِ‬ ‫إض ٍ‬ ‫ِ‬
‫وخاد ُ‬
‫ب‬ ‫والقدر ُة عىل القيا ِم بأعاملا َ‬
‫حس َ‬ ‫دار ضيافته‪ ،‬هلا هذه اخلصائ ُ‬ ‫مة َ‬ ‫وتعاىل‬
‫ِ‬
‫كلمح‬ ‫ظم َسيحدُ ُ‬
‫ث‬ ‫يغات ونظا ٍم من ِ‬
‫خالقها‪ ،‬فالبدَّ َّ‬ ‫وتبل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تعليامت ِ‬ ‫ما تتل َّقا ُه من‬
‫األع َ‬
‫احلرش ْ‬‫َ‬ ‫أن‬
‫ِ‬ ‫الم َّنو ِرين‬ ‫كمة اإلهل ّي ِة التي ُيم ِّث ُلها ُ‬
‫للح ِ‬ ‫مة ِ‬‫البصـر ِضمن َقوانين من َّظ ٍ‬ ‫ِ‬
‫كالكهرباء‪.‬‬ ‫آالف اخلد ِم ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫األجساد َفورا‪ِ ،‬‬
‫ومثا ُله هو‪:‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ ◆المسألة ُ الثالِثةُ‪ :‬وهي إنشا ُء‬
‫ألف َم ّر ٍة عىل جممو ِع البرش ّي ِة‪،‬‬ ‫األشجار ا َّلتِي يزيدُ َعد ُدها َ‬ ‫ِ‬ ‫األوراق ل ُعمو ِم‬ ‫ِ‬ ‫إنشا ُء مجي ِع‬
‫نفسها التي كانت عليها‬ ‫وباهليئة ِ‬‫ِ‬ ‫كام ٍل‪،‬‬ ‫وبشكل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بضعة أيا ٍم يف الربيعِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غضون‬ ‫واحد ًة يف‬ ‫دفع ًة ِ‬
‫فة‪،‬‬ ‫خاط ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وأوراقها بس ٍ‬
‫عة‬ ‫ِ‬ ‫امرها‬ ‫جار وثِ ِ‬ ‫األش ِ‬ ‫أزهار ْ‬ ‫ِ‬ ‫الربي ِع السابِ ِق‪ ..‬وكذلك إيجا ُد مجي ِع‬
‫ُ‬ ‫يف َّ‬
‫حتص وال تُعدُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كام كانت يف الربي ِع ِ‬
‫والبذور وهي ال َ‬ ‫ذيرات والن َُّوى‬ ‫املاض‪ ..‬وكذلك تَن ُّبه ال ُب‬
‫ث‬ ‫حياؤها‪ ..‬وكذلك نُشور اجل َث ِ‬ ‫وانكشا ُفها وإِ ُ‬ ‫واحد معا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نشأ ذلك الربيع يف ٍ‬
‫آن‬ ‫والتي هي َم ُ‬
‫ُ‬
‫وكذلك‬ ‫َ‬ ‫املوت»‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫«البعث بعدَ‬ ‫ِ‬ ‫فورا ِ‬
‫ألمر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واهلياك ِل ال َع ْظ ِم ّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫املنتص ِبة‬ ‫ِ‬
‫لألشجار‪ ،‬وامتثالا ً‬
‫واإلتقان‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫وطوائفها التي ال حصـر هلا بمنتهى الدِّ ِ‬
‫قة‬ ‫ِ‬ ‫احليوانات الدَّ قي َق ِة‬ ‫ِ‬ ‫أفراد أنوا ِع‬ ‫ِ‬ ‫إحيا ُء‬
‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫لوجوهنا‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫واملالط ُ‬‫ِ‬ ‫‪-‬املاثل أما َم أعينِنا‬ ‫ُ‬ ‫باب‬ ‫احلرشات وال سيام ُّ‬ ‫ِ‬ ‫شر ِ‬
‫الذ ُ‬ ‫أمم‬ ‫وكذلك َح ُ‬
‫مرار‪ -‬الذي‬ ‫ناح ِيه باستِ ٍ‬ ‫يف يدَ ِيه ُ ِ‬ ‫َنظ ِ‬ ‫لقيامه بت ِ‬ ‫افة ِ‬ ‫بالوضوء والن َظ ِ‬ ‫ِ‬
‫وج َ‬ ‫وعيونه َ‬ ‫والذي ُيذك ُِّرنا‬
‫مجيعهم من َلدُ ْن آد َم عليه السالم‪ ،‬والذي‬ ‫واحدة َعدد بنِي آدم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يفوق َعدد ما ينرش منه يف ٍ‬
‫سنة‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫ُعطين َا‬ ‫بضعة أيام‪ ..‬فهذه النامذج ال ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويي َا يف‬ ‫سائر احلرشات األخرى ُ‬ ‫كل ربي ٍع مع ِ‬ ‫حش ُر يف ِّ‬ ‫ُي َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القيامة‪.‬‬ ‫األجساد البرش ّي ِة فورا يو َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمثلة عىل إنشاء‬ ‫ِ‬ ‫آالف‬‫َ‬ ‫مثاال واحدا بل‬
‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫فإن إجيا َد‬ ‫در ِة» َّ‬ ‫دار ُ‬ ‫ِ‬ ‫كم ِة»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الق َ‬ ‫والدار اآلخر ُة هي ُ‬ ‫ُ‬ ‫دار «احل َ‬ ‫نعم‪ ،‬ملا كانت الدنيا هي ُ‬
‫كثري من‬ ‫ب ٍ‬ ‫وبموج ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربانِ ّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّدر ِ‬ ‫بيشء من الت ِ‬ ‫ٍ‬
‫قتض احلكمة َّ‬ ‫بم َ‬ ‫الزمن‪ُ ،‬‬ ‫ومع‬
‫يج َ‬ ‫صار‬
‫يف الدنيا َ‬
‫ِّب‪ ،‬املد ِّب ِر‪ ،‬املربِّ »‪.‬‬ ‫المرت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«احلكيم‪ُ ،‬‬ ‫أمثال‬ ‫األسامء احلسنَى‬
‫كمة» فال َحاج َة إىل املا ّد ِة‬ ‫ران أكثر من «احلِ ِ‬ ‫تتظاه ِ‬ ‫و«الرمح َة»‬ ‫«القدرةَ»‬ ‫فإن ُ‬ ‫اآلخرة َّ‬ ‫ِ‬ ‫أ ّما يف‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫هناك نشأ ًة آني ًة؛ وما ي ِشيـر ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫ظار‪ ،‬فاألشيا ُء ت ُ‬
‫ُنشأ‬ ‫من وال إىل االنتِ ِ‬ ‫والز ِ‬ ‫والـمدّ ِة َّ‬
‫ُ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫نشأ هنا‬ ‫أن ما َي ُ‬ ‫الكريم بـ ﴿ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﴾ (النحل‪ ،)77:‬هو َّ‬ ‫ُ‬
‫اآلخرة‪ِ.‬‬ ‫البصـر يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كلمح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ينشأ يف َل ْمحة واحدة‬ ‫ٍ‬
‫من األشياء يف يو ٍم واحد ويف سنة واحدة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪126‬‬
‫ِ‬
‫املقبل‬ ‫ِ‬
‫جميء الربي ِع‬ ‫كقطع ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫قطعي‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫تفهم َّ‬ ‫َرغب ْ‬
‫ٌّ‬ ‫احلشـر ٌ‬ ‫أن جمي َء‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫كنت ت ُ‬ ‫وإذا َ‬
‫والعرشين»‪ ،‬وإن مل تُصدِّ ق‬ ‫التاس ِ‬
‫عة‬ ‫و«الكلمة ِ‬
‫ِ‬ ‫العاش ِة»‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة‬ ‫النظر يف‬ ‫تم ّيتِ ِه‪ ،‬فان ِْع ِم‬
‫وح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫به كم ِ‬
‫سريا‪.‬‬‫فلك أن ُتاس َبني حسا ًبا َع ً‬ ‫جيء هذا الربيعِ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫الساعة‪ِ ،‬‬
‫ومثا ُله‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وقيام‬
‫ُ‬ ‫ ◆المسألة الرابعة‪ :‬وهي ُ‬
‫موت الدنيا‬
‫دار ضيافتِنا‪ ،‬لدَ َّم َر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رباين بكرتنا األرض ّية التي هي ُ‬ ‫َّب ٍ‬
‫بأمر ٍّ‬ ‫سيار أو مذن ٌ‬
‫كوكب ٌ‬
‫ٌ‬ ‫اصطدَ َم‬ ‫لو ْ‬
‫ٍ‬
‫سنوات‪.‬‬ ‫قرص ُبنِ َي يف ِ‬
‫عرش‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مأوانا و َمس َكنَنا ‪-‬أي‬
‫األرض‪ -‬كام ُيد َّم ُر يف دقيقة واحدة ٌ‬
‫َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪127‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫الذ ِ‬
‫يل‬ ‫ِ‬
‫القطع ُة الرابع ُة من َّ‬
‫﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ * ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﴾‬
‫(يس‪)79-78:‬‬

‫إن‬ ‫قال لك أحدُ هم‪َّ :‬‬ ‫العارش ِة أنَّه‪ :‬إذا َ‬


‫َ‬
‫عة للك ِ‬
‫َلمة‬ ‫التاس ِ‬
‫احلقيقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثالث يف‬ ‫لقد جاء يف ِ‬
‫املثال‬ ‫َ‬
‫جيمع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ضخم يف يو ٍم واحد ُيمكنُه أن‬ ‫جيشا‬‫أنظارنا ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عظيم يف الوقت الذي ُينش ُئ أما َم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫شخصا ً‬ ‫ً‬
‫حتت نِظا ِم‬ ‫ينض ُوون َ‬ ‫ويع َل ُهم َ‬ ‫بوق‪َ ،‬‬ ‫بنفخ من ٍ‬ ‫احة ٍ‬ ‫لالست ِ‬‫ِ‬ ‫قني‬ ‫ِ‬
‫فرق ًة كامل ًة من اجلنود ِّ‬
‫املتفر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإنكارك جنونًا وباله ًة؟ كذلك‪،‬‬ ‫يكون جوا ُبك‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‪ ،‬أال‬ ‫وقلت‪ :‬ال‪ ،‬ال أصدِّ ُق َ‬ ‫َ‬ ‫الف ِ‬
‫رقة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫تلك األجسا َد التي‬ ‫احلياة كا ّف ًة من ال َعد ِم‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وذوي‬ ‫احليوانات كا ّف ًة‪ِ ،‬‬‫ِ‬ ‫فإن الذي أوجدَ أجسا َد‬
‫ولطائ َفها َ‬ ‫ِ‬ ‫ذراتِها‬ ‫ِ‬ ‫للكائنات الشبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رق العسكَر ّي ِة‬ ‫هي ِ‬
‫كالف ِ‬
‫ووض َعها‬ ‫خم ون َّظ َم َّ‬ ‫الض ِ‬ ‫باجليش َّ‬ ‫يهة‬
‫كل‬ ‫لق يف ِّ‬ ‫فيكون»‪ ،‬وهو الذي َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫«كن‬
‫بأمر ْ‬ ‫كيم ِ‬ ‫وميزان َح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كامل‬ ‫الالئق‪ ،‬بنظا ٍم‬ ‫ِ‬ ‫موض ِعها‬‫يف ِ‬
‫باجليش‪ ..‬فهل‬ ‫ِ‬ ‫بيه ِة‬
‫الش َ‬
‫ِ‬
‫وطوائفها َّ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫ذوي‬ ‫اآلالف من أنوا ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ربيعٍ‪ِ ،‬‬
‫مئات‬ ‫رن بل يف ِّ‬ ‫َق ٍ‬
‫َ‬ ‫دة من ِ‬ ‫واح ٍ‬
‫يحة ِ‬ ‫كيف سيجمع بص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يمكن أن ُي َ‬
‫إرسافيل‬ ‫بوق‬ ‫يم َ َ ُ َ‬ ‫دير وهذا العل ُ‬ ‫سأل هذا ال َق ُ‬ ‫ُ‬
‫قة اجلسدِ‬ ‫لواء فِر ِ‬‫املتعارفيـن حتت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫جميع الذرات األساس ّية واألجزاء األصل ّية من اجلنود‬ ‫َ‬
‫ليس استِبعا ُده باله ًة وجنونًا؟‬ ‫ونظامه؟! وهل يمكن أن ُيستَب َعدَ هذا منه؟ َأو َ‬
‫ِ‬

‫والبديعة كي ُي ِعدَّ‬
‫ِ‬ ‫أفعال اهلل الدنيوي ِة الع ِ‬
‫جيبة‬ ‫ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫يذكر من‬ ‫الكريم قد ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫وكذلك َّ‬
‫فإن‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اآلخرة؛ أو أنه ُي َص ِّو ُر‬ ‫زة يف‬‫املعج ِ‬
‫ِ‬ ‫لإليامن بأفعالِه‬
‫ِ‬ ‫لوب‬ ‫ّصد ِيق و ُي ِّ‬
‫حض َـر ُ‬ ‫هان للت ِ‬‫األ ْذ َ‬
‫الق َ‬
‫َطمئ ُّن إليه بام‬‫كل نَقنَع ون ِ‬ ‫بش ٍ‬ ‫واآلخ ِ‬
‫رة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املستقبل‬ ‫ث يف‬ ‫َ‬
‫األفعال اإلهل ّي َة العجيب َة التي ستَحدُ ُ‬
‫ُ‬
‫العديدة‪ ،‬فمثال‪ ﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نظائرها‬ ‫ِ‬
‫نشاهدُ ه من‬
‫الرباهني‬
‫َ‬ ‫ويس ُ‬
‫وق‬ ‫الكريم ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫احلشـر‪ُ ،‬يثبِ ُت‬ ‫ورة (يس)‪ ..‬هنا يف َقض ّي ِة‬ ‫آخر س ِ‬
‫ﮒ﴾ إىل ِ ُ‬
‫فة متنو ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫عة‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬بسب ِع أو ثامين ُص َو ٍر ُمتل ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫النطفة‬ ‫ون نشأتكُم من‬ ‫ِ‬
‫لألنظار قائال‪ :‬إنكم َتر َ‬ ‫عر ُضها‬ ‫إنه ُيقدِّ ُم النشأ َة األُوىل ّأوال‪ ،‬و َي ِ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪128‬‬
‫رون إذن‬ ‫ُنك َ‬ ‫فكيف ت ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫لق‬ ‫ِ‬
‫املضغة إىل َخ ِ‬ ‫ِ‬
‫املضغة ومن‬ ‫العلقة إىل‬‫ِ‬ ‫لقة ومن‬ ‫إىل الع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫مثل هذه بل أه ُ ِ‬
‫يـر بـ ﴿ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ون منها؟‪ ..‬ثم ُيش ُ‬ ‫ْ‬ ‫خرى التي هي ُ‬ ‫النشأ َة األُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنعمه‬‫ﮱ ﯓ ﯔ ﴾ (يس‪ )80:‬إىل تلك اآلالء وذلك اإلحسان واإلنعا ِم الذي َ‬
‫رتكَكم‬ ‫مثل هذه الن ِ‬ ‫نع ُم عليكم َ‬ ‫إن الذي ي ِ‬ ‫قائل‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫ِّعم‪ ،‬لن َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان‪ً ،‬‬ ‫الحق ُسبحانَه عىل‬ ‫ُّ‬
‫ون إحيا َء‬ ‫يقول رمزا‪ :‬إنكم َتر َ‬ ‫دون قيا ٍم‪ ..‬ثم إنَّه ُ‬ ‫رب وتناموا َ‬ ‫لتدخلوا الق َ‬ ‫ُسدً ى وال عب ًثا‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫للحياة‬ ‫ِ‬
‫باحلطب‬ ‫ِ‬
‫الشبيهة‬ ‫اكتساب العظا ِم‬ ‫دون‬‫َبع َ‬ ‫فكيف تَست ِ‬ ‫َ‬ ‫األشجار امل ِّي ِتة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫واخ ِض َار‬ ‫ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إحياء‬ ‫واألرض عن‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫خلق‬
‫عج َز َمن َ‬ ‫مك ُن أن َي ِ‬ ‫ون عليها؟‪ ..‬ثم هل ي ِ‬ ‫َقيس َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وال ت ُ‬
‫الشجرة ويرعاها‬ ‫ِ‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان وإماتتِه وهو َث َمر ُة‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪ ،‬وهل يمكن ملن ُيد ُير َ‬ ‫الساموات‬
‫اخللقة» التي‬ ‫ِ‬ ‫للعبث «شجر َة‬ ‫ِ‬ ‫رت َك‬ ‫رتكَها لآلخرين؟! فهل تَظن َ‬ ‫ِ‬
‫ُّون أن َي ُ‬ ‫ثمرتَها وي ُ‬ ‫أن ُيمل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يجتَها؟!‬ ‫جميع أجزائها باحلكمة‪ ،‬بأن ُيهم َل َث َمرتَها ونت َ‬ ‫ُ‬ ‫ُعجنَت‬
‫ِ‬ ‫بيد ِه مقاليدُ‬
‫احلرش هو من ِ‬ ‫إن الذي َس ُي ْح ِييكُم يف‬‫و ُي ِفيدُ أيضا‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫واألرض‪َ ،‬‬
‫وت َض ُع‬ ‫الساموات‬ ‫ِ َ‬
‫«كن ف َي ُ‬ ‫سخ ُرهم ِ‬ ‫ني ِ‬
‫ألمره ف ُي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫له ِ‬
‫تسخريا كامال‪ ..‬و َمن‬
‫ً‬ ‫كون»‬ ‫بأمر ْ‬ ‫املطيع َ‬ ‫اجلنود‬ ‫نات ُخ ُض َ‬
‫وع‬ ‫الكائ ُ‬
‫سهل عىل ُقدرتِه‬ ‫ِ‬
‫احليوانات ٌ‬ ‫دة‪ ،‬وإجيا ُد مجي ِع‬‫واح ٍ‬
‫زهرة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كخلق‬ ‫يسيـر وه ِّي ٌن‬
‫ٌ‬ ‫ِعندَ ه َخ ُ‬
‫لق الربي ِع‬
‫درة‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ﴾؟‬ ‫الق ِ‬‫صاحب هذه ُ‬ ‫سأل للت ِ‬
‫َّعج ِيز‬ ‫دة‪ ..‬فال و َلن ُي َ‬ ‫واح ٍ‬‫بابة ِ‬
‫كإجياد ُذ ٍ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫بيده‬‫بعبارة ﴿ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﴾ (يس‪ )83:‬يب أنه سبحانَه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم إنَّه‬
‫ُ يِّ‬
‫والصيف ِّ‬ ‫ب َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫بكل‬ ‫َ‬ ‫والنهار‪ ،‬والشتا َء‬
‫َ‬ ‫الليل‬ ‫كل يشء‪ُ ،‬يق ِّل ُ‬ ‫يح ِّ‬‫كل يشء‪ ،‬وعندَ ه مفات ُ‬ ‫مقاليدُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫كم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫س ٍ‬
‫هولة و ُي ٍ‬
‫نـز َلني ُيغل ُق هذا و َي ُ‬
‫فتح‬ ‫كتاب‪ ،‬والدنيا واآلخر ُة مها عندَ ه َ‬ ‫فحات‬
‫ُ‬ ‫رس كأهنا َص‬ ‫ُ‬
‫حيييكُم من‬‫الدالئل هي‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﴾ أي إنه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن نتيج َة مجي ِع‬‫األمر هكذا َّ‬
‫ذاك؛ فام دا َم ُ‬
‫س‪.‬‬‫احلرش‪ ،‬و ُي َوفِّ حسا َبكم عندَ ديوانِه املقدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويسو ُقكم إىل‬
‫القرب‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫احلرش‪،‬‬ ‫بول قض َّي ِة‬
‫القلوب ل َق ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وأحرضت‬ ‫َ‬
‫األذهان‪،‬‬ ‫اآليات قد هي ِ‬
‫أت‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫أن هذه‬‫وهكذا َترى َّ‬
‫بإظهارها نظائر من فِ ِ‬
‫علها يف الدنيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫الدنيوية و ُي ِش ُري إليها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بنظائرها‬ ‫بشكل ي ِ‬
‫شع ُر‬ ‫ٍ ُ‬ ‫القرآن أيضا أفعاال ُأ ِ‬
‫خرو ّي ًة‬ ‫ُ‬ ‫هذا وقد َيذك ُُر‬
‫اإلنكار واالستِبعا َد فمثال‪:‬‬
‫َ‬ ‫منع‬
‫ل َي َ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪129‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫�﷽‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ * ﭕ ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ*ﭡ‬
‫ﭢﭣ * ﭥﭦﭧ * ﭩﭪﭫ * ﭭﭮﭯ * ﭱ‬
‫ﭲﭳ * ﭵﭶﭷ * ﭹﭺﭻ * ﭽﭾﭿ * ﮁﮂﮃ *‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ‪ ﴾ ...‬إىل آخر السورة‪.‬‬

‫�﷽‬
‫﴿‪  ‬ﭑ ﭒ ﭓ * ﭕ ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ *‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ إىل آخر السورة‪.‬‬

‫�﷽‬
‫﴿‪  ‬ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ * ﭤ ﭥ ﭦ * ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ * ﭭ‬
‫ِ‬
‫السورة‪.‬‬ ‫ﭮ ﭯ ‪ ﴾ ...‬إىل ِ‬
‫آخر‬
‫ِ‬
‫القيامة‬ ‫والترصفات الرباني َة ِ‬
‫اهلائل َة يف‬ ‫ِ‬ ‫االنقالبات العظيم َة‬ ‫ِ‬ ‫الس َو َر تَذكُر‬ ‫رتى َّ‬
‫ّ‬ ‫أن هذه ُّ‬ ‫ف َ‬
‫بكل س ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هولة‬ ‫اإلنسان يرى نظائ َرها يف اخلريف والربي ِع فيق َب ُلها ِّ ُ‬ ‫َ‬ ‫بأسلوب ُ‬
‫جيعل‬ ‫واحلشـر‬
‫قل دونَها ويبقى يف ح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رية؛‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ويضيق ال َع ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫هائلة‪،‬‬ ‫دهشة‬ ‫أسري‬
‫القلب َ‬ ‫َ‬ ‫ويرس‪ ،‬مع َّأنا كانت ُ‬
‫جتعل‬
‫الثالث هذه ُ‬ ‫ِ‬ ‫الس َو ِر‬
‫وذجا‪ ،‬فمثال‪:‬‬ ‫نأخذ كلم ًة واحد ًة ن َُم ً‬ ‫يطول‪ ،‬لذا َس ُ‬ ‫تفسري ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ومل َّا َ‬
‫كان‬
‫الفرد مكتوب ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعامل‬ ‫جميع‬ ‫ِ‬
‫احلرش‬ ‫ُنش ُـر يف‬ ‫اآلية أنه َست َ‬ ‫﴿ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ ت ُِفيدُ هذه ُ‬
‫ُ‬
‫السور َة‬ ‫إل َّ‬ ‫بيل‪ّ ،‬‬ ‫بذاتا فال يرى ُ‬ ‫عجيبة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫إن هذه املسأل َة‬ ‫وحيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫أن ُّ‬ ‫العقل إليها َس ً‬ ‫صحيفة؛‬ ‫عىل‬
‫نرش‬ ‫نظير ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربيع ِّي وكام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نظائرها وأمثلتَها كذلك ُ‬ ‫َ‬ ‫األخرى‬‫َ‬ ‫للنقاط‬ ‫أن‬ ‫احلرش‬ ‫ُشيـر إىل‬‫كام ت ُ‬
‫أفعال وله‬ ‫ٌ‬ ‫شج ٍر‪ٌ ،‬‬
‫أعامل وله‬ ‫ِّ‬ ‫ولكل ُع ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫فلكل َث َم ٍر‬ ‫جيل؛ ِّ‬ ‫ف ومثا ُله‬ ‫الصح ِ‬
‫ولكل َ‬ ‫شب‬ ‫واضح ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ ُ‬
‫كل الذي ُي ِ‬ ‫بالش ِ‬ ‫ِ‬
‫ميع‬ ‫فج ُ‬ ‫ـظه ُر به األسام َء اإلهلي َة احلسنَى‪َ ،‬‬ ‫وتسبيحات َّ‬‫ٌ‬ ‫وظائف وله عبود ّي ٌة‬ ‫ُ‬
‫آخر‬ ‫َظهر جمي ُعها يف ربي ٍع َ‬ ‫وره ونُواه ك ِّلها‪ ،‬وست ُ‬ ‫تاريخ حياتِه يف ُب ُذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ندر َج ٌة مع‬ ‫األعامل ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬
‫والشكل‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالصورة‬ ‫أعمال ُأ َّمهاتِه و ُأ ُصولِه‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بالغة‬ ‫ٍ‬
‫بفصاحة‬ ‫ذكر‬ ‫ٍ‬
‫آخر‪ ،‬أي إنه كام َي ُ‬ ‫ومكان َ‬
‫ثامر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األوراق واألَ ِ‬ ‫ِ‬
‫األغصان وتفت ُِّح‬ ‫َرش‬ ‫صحائف أعاملِه بن ِ‬ ‫َ‬ ‫نش كذلك‬ ‫الظاهر‪ ،‬فإنه َي ُ ُ‬ ‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪130‬‬
‫وتربية و ُل ٍ‬
‫طف هو الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وتدبري‬ ‫ٍ‬
‫وحفظ‬ ‫ٍ‬
‫حكمة‬ ‫يفعل هذا أما َم أعينِنا ِّ‬
‫بكل‬ ‫إن الذي ُ‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫املنوال‪ ،‬وإن كانت‬ ‫األخرى عىل هذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النقاط‬ ‫س‬‫يقول‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﴾‪ ،‬وهكذا ِق ِ‬ ‫ُ‬
‫لدَ يك قو ُة استِ ٍ‬
‫نباط فاستَنبِ ْط‪.‬‬ ‫ّ‬
‫سنذكر ﴿‪ ‬ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ أيضا‪ ،‬فإن لفظ «ك ُِّو َر ْت»‬ ‫ُ‬ ‫عاونتِك‬ ‫وألجل م َ ِ‬
‫ساعدتك و ُم َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فوق أنّه يوم ُئ‬‫رائع ساطع َ‬‫مثال ٌ‬ ‫الذي ِير ُد يف هذا الكال ِم هو بمعنَى‪ُ :‬ل ّف ْت ُ‬
‫وجم َع ْت‪ ،‬فهو ٌ‬
‫ِ‬
‫ومثيله يف الدنيا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫نظيـره‬ ‫إىل‬
‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫رة‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والسامء‪ ،‬عن جوه ِ‬ ‫ِ‬
‫واألثري‬ ‫ستائر ال َعد ِم‬
‫َ‬ ‫رفع‬
‫إن اهلل سبحانَه وتعاىل قد َ‬ ‫أولا‪َّ :‬‬
‫وسي ُل ُّ‬
‫ف تلك‬ ‫وأظهرها إىل الدنيا؛ َ‬
‫َ‬ ‫خزينة رمحتِه‬
‫ِ‬ ‫فأخرجها من‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫كاملصباح‪،‬‬ ‫التي تُيض ُء الدنيا‬
‫غل َفتِها عندما ت ِ‬
‫َنتهي هذه الدنيا و َتن َْسدُّ أبوا ُبها‪.‬‬ ‫اجلوهر َة َبأ ِ‬
‫َ‬
‫األماس‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسحار ول ِّفها يف‬ ‫ِ‬
‫الضوء يف‬ ‫ِ‬
‫الالت‬ ‫موظفة ومأمور ٌة ِ‬
‫بنرش ُغ‬ ‫ٌ‬ ‫الشمس‬‫َ‬ ‫ثانيا‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫تاعها ُم َق ِّلل ًة من تَعا ُم ِلها‪ ،‬أو قد‬ ‫جتمع َم َ‬
‫األرض‪ ،‬وهي ُ‬ ‫ِ‬ ‫والنهار عىل ها َم ِة‬ ‫ُ‬ ‫َناو ُب ُ‬
‫الليل‬ ‫وهكذا َيت َ‬
‫متاعها‬ ‫جتمع َ‬ ‫أن هذه املو َّظف َة‬ ‫وعطائها ذلك؛ أي كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ألخذها‬ ‫ِ‬ ‫حد ّما‪ -‬نِقا ًبا‬‫يكون القمر ‪-‬إىل ٍ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُفص َل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت يو ٌم تُع َفى من َمها ِّمها‪ ،‬وت َ‬ ‫األسباب فالبدَّ من أن يأ َ‬ ‫أعاملا هبذه‬ ‫دفاتر‬
‫َ‬ ‫وتطوي‬
‫شاهدُ ه ال َف َل ِك ُّيون‬ ‫ولعل توسع ما ي ِ‬ ‫ِ‬
‫والعزل؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫لإلعفاء‬ ‫سبب‬ ‫هناك‬ ‫َ‬ ‫وظيفتِها‪ ،‬حتى إن مل يكن‬
‫ُّ َ ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫َضخ ِ‬ ‫َني َتتَوس ِ‬ ‫ِ‬
‫َسرتج ُع‬ ‫امن ُر َويدً ا ُر َويدً ا‪ ،‬ت‬ ‫عان و َتت َّ‬ ‫َني اآلن اللت ِ َّ‬ ‫الصغريت ِ‬
‫َ‬
‫جهها من ال ُبق َعت ِ‬
‫َني‬ ‫عىل َو ِ‬
‫بإذن إهلي من‬ ‫األرض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأس‬ ‫ربانـي ما َل َّف ْت ُه َ‬
‫ونش َرتْه عىل‬ ‫ٍ‬
‫وبأمر‬ ‫الشمس ‪-‬هبذا التوسعِ‪-‬‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العزة‪ :‬إىل هنا انت ََهت ُم ِه ّمتُك مع األرض‪ ،‬فه ّيا إىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫وء‪ ،‬ف َت ُل ُّ‬ ‫الض ِ‬
‫فيقول َر ُّب ّ‬ ‫نفسها‪،‬‬
‫ف به َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫وح َّق ُروها ُمت َِّه ِمني إياها‬ ‫وك وأهانوا مو َّظف ًة م َّ ِ ِ‬ ‫َحرقي الذين َعبدُ ِ‬ ‫جهنم لت ِ‬
‫باخليانة‬ ‫سخر ًة مث َلك َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وعد ِم الوفاء‪ِ.‬‬

‫الـم ِبقعِ‪.‬‬ ‫الرباين ﴿‪ ‬ﭑ ﭒ ﭓ ﴾ عىل ِ‬


‫وجهها ُ‬ ‫َّ‬ ‫األمر‬
‫الشمس َ‬
‫ُ‬ ‫هبذا تَقر ُأ‬
‫� �� � � ���� �‬
‫‪131‬‬ ‫��� ���� ���� �‬

‫الذ ِ‬
‫يل‬ ‫القطع ُة ِ‬
‫اخلامس ُة من َّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إن إخبار ٍ‬
‫واملرسلون‬
‫َ‬ ‫األخيار وهم األنبيا ُء‬ ‫وعرشين ألفا من املص َط َف ْي َ‬
‫ـن‬ ‫َ‬ ‫وأربعة‬ ‫مئة‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫والتواتر مست ِ‬
‫َندين إىل‬ ‫ِ‬ ‫عليه احلديث(‪ -)1‬إخبارا باإلمجا ِع‬ ‫عليهم الصالة والسالم ‪-‬كام نص ِ‬
‫َّ‬
‫وإعالنم‬ ‫ِ‬
‫الدار اآلخرة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخرين‪ ،‬عن وجود‬ ‫ِ‬
‫اليقيـن عندَ‬ ‫حق‬
‫بعضهم وإىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫الشهود عند ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة بال‬ ‫بالدار ِ‬‫ِ‬ ‫اخلالق سبحانَه وتعاىل سيأيت‬ ‫َ‬ ‫الناس س ُيساقون إليها‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫باإلمجا ِع َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫وعدً ا ِ‬
‫قاط ًعا‪.‬‬ ‫يب‪ ،‬مثلام َوعدَ بذلك ْ‬ ‫َر ٍ‬
‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫رب به‬ ‫كشفا ُ‬ ‫ِ‬
‫األولياء ْ‬ ‫وعرشين ِمليونًا من‬ ‫ٍ‬ ‫تصديق ٍ‬ ‫َّ‬
‫وشهو ًدا ما أخ َ‬ ‫َ‬ ‫وأربعة‬ ‫مئة‬ ‫َ‬ ‫وإن‬
‫وأي ٍ‬
‫دليل عىل‬ ‫بعلم ال َي ِ‬
‫قني ٌ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة ِ‬ ‫ِ‬
‫قاطع ُّ‬
‫ٌ‬ ‫دليل‬ ‫وجود‬ ‫وشهادتم عىل‬
‫َ‬ ‫األنبيا ُء عليهم السالم‪،‬‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‪..‬‬ ‫وجود ِ‬‫ِ‬
‫َون المتَج ِّل ِية يف أر ِ‬
‫جاء العاملِ ك ِّله‪،‬‬ ‫خلالق الك ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسامء احلسنَى‬ ‫فإن تج ّل ِ‬
‫يات مجي ِع‬ ‫وكذا‪َّ ،‬‬
‫ْ‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫وجود ِ‬
‫ِ‬ ‫خالد‪ُّ ،‬‬
‫وتدل دالل ًة واضح ًة عىل‬ ‫بالبداهة وجود عاملٍ آخر ٍ‬
‫ِ‬ ‫تقتَيض‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عة‬ ‫ِ‬
‫الواس ُ‬ ‫ُ‬
‫األزلية‬ ‫در ُة‬ ‫إرساف فيها وال ع َب َث‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الحكمة اإلهل ّي ُة‬
‫ُ‬
‫والق َ‬ ‫َ‬ ‫املطلقة التي ال‬ ‫وكذا‬
‫وهياك ِلها املنت َِص ِبة‪ ،‬حتييها عىل‬ ‫ِ‬ ‫األشجار الم ِّي ِتة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جنائز‬ ‫حيص من‬ ‫التي ُت ِيي ما ال ُيعدُّ وال َ‬
‫ِ‬
‫«البعث بعد‬ ‫فيكون» وجتع ُلها عالم ًة عىل‬ ‫ُ‬ ‫«كن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األرض يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫كل ربيعٍ‪ ،‬ويف كل سنة‪ ،‬بأمر ْ‬ ‫سطح‬
‫وتنشها‪ُ ،‬م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهر ًة‬ ‫َحش ثال َثمئة ألف نو ٍع من طوائف النباتات وأ َم ِم احليوانات ُ ُ‬ ‫املوت» فت ُ ُ‬
‫اآلخ ِ‬
‫جود ِ‬ ‫ودالئل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بذلك ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫ِ ُ‬ ‫والنشور‬ ‫احلشـر‬ ‫ِ‬
‫نامذج‬ ‫األلوف من‬ ‫مئات‬
‫زق‪ ،‬وتُع ِّي ُشها‬ ‫املحتاجة إىل الر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫يم حيا َة مجي ِع ِ‬
‫ذوي‬ ‫ِ‬ ‫الواس ُ‬ ‫الرحمة ِ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫عة التي تُد ُ‬ ‫وكذا‬
‫ِ‬
‫واملحاسن بام ال‬ ‫ِ‬
‫الزينة‬ ‫أنواع‬ ‫ناية الدائمة التي ت ِ‬
‫ُظه ُر‬ ‫للغاية؛ ِ‬
‫والع ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرأفة ِعيش ًة خارق ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بكامل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫مان وجو َد‬ ‫تستلز ِ‬ ‫ِ‬ ‫شك أهنام‬ ‫كل ربيعٍ‪ ..‬ال َّ‬ ‫رية جدا يف ِّ‬ ‫قص ٍ‬ ‫رتة ِ‬ ‫يعدُّ وال ُيص‪ ،‬يف َف ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بداه ًة‪.‬‬

‫العاش ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫ِ‬
‫القطعة األوىل من ِ‬
‫ذيل‬ ‫جيه يف‬
‫(‪ )1‬تقدَّ م ختر ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪132‬‬
‫وآمال الرسم ِ‬ ‫ِ‬
‫األبدية ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وكذا‪ِ ،‬ع ُ‬
‫دية الشديد ُة املغروز ُة َغ ً‬
‫رزا ال انفصا َم‬ ‫َ‬ ‫والشوق إىل‬ ‫البقاء‪،‬‬ ‫شق‬
‫ِ‬ ‫خملوق إىل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أكمل ثم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫خالق‬ ‫وأحب‬‫ُّ‬ ‫الكون‪،‬‬ ‫رة هلذا‬ ‫هلا يف فطرة هذا اإلنسان الذي هو ُ َ‬
‫باق‬‫عال ٍ‬ ‫ِ‬
‫وجود َ‬ ‫ِ‬
‫بالبداهة إىل‬ ‫يشيـر‬ ‫شك أنه‬ ‫ِ‬
‫موجودات الكون ك ِّله‪ ،‬ال َّ‬ ‫وهو َأ ْو ُثق صل ًة مع‬
‫ُ‬
‫عادة األبد َّي ِة‪.‬‬
‫ودار الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعدَ هذا العاملِ ِ‬
‫الفان‪ ،‬وإىل وجود عاملِ اآلخرة ِ َّ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫وجود الدُّ نيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بداهة‬ ‫ستلز ُم َ‬
‫قبولا بمثل‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة إىل حدٍّ َي ِ‬ ‫الدالئل تُثبِ ُت وجو َد‬
‫ِ‬ ‫فجميع هذه‬
‫ُ‬
‫تني إىل‬
‫رصني و َم ٌ‬ ‫ُ‬
‫اإليامن‬ ‫رة»؛ وهذا‬ ‫باآلخ ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫«اإليامن‬ ‫ُ‬
‫القرآن إ ّياه هو‬ ‫ٍ‬
‫درس ُيل ِّقنُنا‬ ‫أهم‬
‫ٌ‬ ‫فام دا َم ُّ‬
‫عت ُ‬
‫مئة‬ ‫اجتم ْ‬ ‫يم ما ِ‬
‫لو‬ ‫شديدٌ وس ٌ ِ‬ ‫اإليامن نور باهر ورجاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫لوان عظ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫الدرجة‪ ،‬ويف ذلك‬ ‫هذه‬
‫النابع‬ ‫الس ُ‬
‫لوان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّور‪ ،‬وذلك الرجا ُء‪ ،‬وذلك ُّ‬ ‫شخص َواحد لكفاها ذلك الن ُ‬ ‫شيخوخة يف‬ ‫ألف‬
‫قائلني‪« :‬احلمدُ هلل عىل‬
‫َ‬ ‫بشيخوختِنا ونبت َِه َج‬
‫َ‬ ‫نفر َح‬
‫أن َ‬‫الشيوخ ْ‬
‫َ‬ ‫نحن‬ ‫ِ‬
‫من هذا اإليامن؛ لذا علينا ُ‬
‫ِ‬
‫اإليامن»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كامل‬

‫ظهر يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن مدى الس ِ‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫واإلشكال يف «نفي وإنكار» ذلك‪َ ،‬ي َ‬ ‫الصعوبة‬ ‫«إخبار األمر الثبويت» ومدَ ى‬ ‫هولة يف‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ثامرها ك ُع ِ‬ ‫ِ‬
‫احلليب‪،‬‬ ‫لب‬ ‫املثال اآليت‪:‬إذا قال أحدُ هم‪ :‬إن هناك ‪-‬عىل سطح األرض‪ -‬حديق ًة خارق ًة جدا ُ‬
‫سهولة أن يثبت‬ ‫ٍ‬ ‫يستطيع ِّ‬
‫بكل‬ ‫فاألو ُل‬ ‫ِ‬ ‫اآلخر قو َله هذا قائال‪ :‬ال‪ ،‬ال توجدُ ُ‬ ‫وأنكر ِ‬
‫ُ‬ ‫مثل هذه احلديقة؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫عليه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ثامرها؛ أما الثاين (أي املنكر) فعليه أن َيرى و ُي ِر َي‬ ‫ِ‬
‫جرد إراءة مكان تلك احلديقة أو بعض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بم َّ‬ ‫دعوا ُه ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر يف‬
‫ُ‬ ‫عدم وجود مثل هذه احلديقة‪ ..‬وهكذا‬ ‫مجيع أنحاء الكرة األرضية ألجل أن ُيثبِ َت نف َيه‪ ،‬وهو ُ‬ ‫َ‬
‫وآثارها‪ ،‬علام أن‬ ‫ِ‬
‫ترشحاتا‪ ،‬و ُيب ِّي َ‬ ‫ِ‬
‫ظهرون مئات اآلالف من ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذين ُيربون عن اجلنة‪ ،‬فإهنم ُي ِ‬
‫ثامرها َ‬‫نون َ‬
‫إثبات دعواهم‬ ‫ُ‬ ‫لوجودها‪ ،‬ال يس ُعهم‬ ‫ِ‬ ‫إلثبات دعواهم‪ ،‬بينام ِ‬
‫املنكرون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كافيان‬ ‫شاهدَ ين صاد َقني منهم‬
‫ُ‬
‫يش‪ ،‬وعند‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غري املحدود‪ ،‬مع َس ِرب َغ ْو ِرها بالبحث والتفت ِ‬ ‫والزمن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شاهدَ ِة الكون ِ‬
‫غيـر املحدود‪،‬‬ ‫ّ‬
‫إل بعدَ ُم َ‬
‫أعظم‬
‫َ‬ ‫الكبـر ِعت ًّيا ويا أهيا اإلخوة‪ ..‬اعلموا ما‬‫ُ‬ ‫لغ به‬‫إثبات دعواهم! فيا من َب َ‬ ‫ُ‬ ‫رؤيتهم هلا‪ُ ،‬يمكنِهم‬ ‫ِ‬ ‫َعد ِم‬
‫ِ‬
‫قو َة اإليامن باآلخرة وما أشدَّ رصانتَه!‪(.‬املؤلف)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫��ل �ة �ل�‬
‫� ا � �ة � ش ة‬ ‫�‬
‫ا � ك�‬
‫ل�� �م� اح� دي� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿ﭑﭒ * ﭔﭕﭖ* ﭘﭙﭚ* ﭜﭝ‬


‫ﭞ* ﭠﭡﭢ* ﭤﭥﭦ* ﭨﭩﭪ*‬
‫ﭬﭭﭮ* ﭰﭱﭲﭳ* ﭵﭶﭷﭸ﴾‬
‫(الشمس‪)10-1:‬‬

‫لس ِمه‪ ،‬و ُل ِ‬


‫غز َخ ْل ِق‬ ‫َ ِ‬
‫العالِ وط َ‬
‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫أس ِ‬
‫رار‬ ‫تفهم شي ًئا من ْ‬‫َ‬ ‫أن‬ ‫إن ِش َ‬
‫ئت ْ‬ ‫األخ‪ْ ..‬‬
‫ُّأيـا ُ‬
‫القص ِ‬
‫رية‪:‬‬ ‫احلكاية التَّمثِيلي ِة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة‪ ،‬فتَأ َّم ْل معي يف هذه‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫ور ِ‬
‫موز‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان‪ُ ،‬‬
‫جل ِ‬ ‫وخزائن هائل ٌة حتوي‬ ‫ٌ‬ ‫سلطان له َث َر ٌ‬‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫واهر‬ ‫مجيع أنوا ِع ا َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫طائلة‬ ‫وات‬ ‫زمان َما‬ ‫كان يف‬
‫لم ِ‬‫صاحب ِع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والز ُم ُّر ِد‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬
‫واس ٍع جدا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عجيبة جدا‪ ،‬وكان‬ ‫أخرى‬ ‫كنوز َخفية َ‬ ‫واألملاس ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ٍ‬
‫فائقة وبدائ ِع‬ ‫هارات‬ ‫وإحاطة تا َّمة؛ وا ِّطال ٍع شام ٍل عىل ال ُعلو ِم ال َبديعة التي ال ت َ‬
‫ُحدُّ ‪ ،‬مع َم‬
‫الص ِ‬
‫نعة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫السلطان‬ ‫أن َي َرى و ُي ِري مجا َله وكام َله‪ ،‬كذلك هذا‬ ‫ب ْ‬ ‫مجال وك ٍ ِ‬ ‫كل ذي ٍ‬ ‫إن َّ‬ ‫وحيث َّ‬
‫ُ‬
‫َمال ُيح ُّ‬
‫أنظار َرع َّيتِه‬
‫َ‬ ‫لف َت‬ ‫الدقيقة كي ي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫هائل لعرض َمصنوعاتِه‬ ‫ً‬ ‫أن َيفت ََح َم ْع ِر ًضا‬ ‫العظيم‪ ،‬أرا َد ْ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫معرفته‬ ‫ِ‬
‫وعجائب‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‬ ‫خوارق َصنعتِه‬ ‫ِ‬ ‫ظه َر هلم من‬ ‫ِ‬
‫ثروته و ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫وعظمة‬ ‫هة َس ْلطنتِه‪،‬‬ ‫إىل ُأب ِ‬
‫َّ‬
‫جه ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪:‬‬ ‫عنو َّي ْي ِن عىل َو َ‬ ‫وغرائبِها‪ ،‬ل ُيشاهد جما َله وكما َله َ‬
‫بنظر َغ ِ‬
‫ريه‪.‬‬ ‫راها ِ‬ ‫ِ‬
‫الدقيق؛والثاني‪ْ :‬‬ ‫صري ِ‬
‫الثاق ِ‬ ‫اتمعروضاتِه ِ‬
‫بنظرهال َب ِ‬ ‫بالذ ِ‬ ‫األو ُل‪ْ :‬‬
‫أن َيرى َّ‬
‫أن َي َ‬ ‫ب‬ ‫َّ‬
‫بش ٍ‬
‫كل‬ ‫خم ِ‬
‫شام ٍخ جدا‪ ،‬و َق َّس َم ُه َ‬ ‫صر َف ٍ‬ ‫َشي ِ‬
‫يد َق ٍ‬ ‫السلطان بت ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‪َ ،‬بدَ أ هذا‬ ‫وألجل هذه‬
‫ْ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪134‬‬
‫لت َيدا ُه‬ ‫وجم َله بام َع ِم ْ‬
‫َّ‬
‫عات خزائنِه املتنو ِ‬
‫عة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫سم بمرص ِ‬
‫كل ق ٍ ُ َّ‬
‫منازل ودوائر مزينا َّ ِ‬
‫َ َ َ ُ ِّ‬ ‫بار ٍع إىل‬‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫بأدق َد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫من أ ْل َط ِ‬
‫قائق ُفنون علمه وحكمته؛ َف َّ‬
‫جهز ُه‬ ‫ونس َق ُه ِّ‬
‫وأج َملها‪ ،‬و َن َّظ َم ُه َّ‬
‫آثار إبداعه ْ‬
‫لمه‪.‬‬ ‫وارق ِع ِ‬
‫لخ ِ‬ ‫املعج َز ِة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باآلثار‬ ‫وحسنَه‬
‫َّ‬
‫أطعمتِه‬ ‫َ‬ ‫جميع أنوا ِع‬
‫َ‬ ‫تض ُّم‬ ‫فاخر ًة ِبهيج ًة ُ‬ ‫رص موائدَ ِ‬ ‫وكم َله‪ ،‬أقا َم يف ال َق ِ‬ ‫أتمه َّ‬ ‫أن َّ‬ ‫وبعدَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ليق هبا و ُيوافِ ُقها من‬ ‫طائ ٍ‬
‫لكل ِ‬ ‫خمص ًصا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫املوائد‪ ،‬فأعدَّ‬ ‫فة ما َي ُ‬ ‫اللذيذة‪ ،‬وأ ْف َض َل ن َعمه الثمينة‪ِّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫كأن َّ‬ ‫ثيل‪ ،‬حتى َّ‬ ‫شهد له َم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مائدة‬ ‫كل‬ ‫بذلك ضياف ًة فاخر ًة عا ّم ًة‪ُ ،‬مب ِّينًا َسخا ًء وإبداعا وكرما مل ُي َ‬
‫عم‬ ‫وآثارها‪ ،‬بام َمدَّ عليها من نِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‬ ‫لطائف الص ِ‬
‫نعة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫بمئات من‬ ‫ٍ‬ ‫امتألت‬
‫ْ‬ ‫املوائد قد‬ ‫ِ‬ ‫من تلك‬
‫غالِ ٍية ال ُت َص‪.‬‬
‫كبير ُر ُس ِله‬ ‫وع َّل َم َ‬ ‫والضيا َف ِة‪َ ،‬‬ ‫َّنـز ِه ِّ‬ ‫دة والت ُّ‬ ‫طار مملكتِه ورعاياه‪ ،‬للمشاه ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫أهايل أ ْق ِ‬
‫َ‬ ‫ثم دعا‬
‫عان‬ ‫رائعة‪ ،‬وما يف جوانبِه ومشتَمالتِه من م ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫العظيم من ِح ٍ‬
‫كم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرص‬ ‫ني ما يف هذا‬ ‫المكر ِم َ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫القرص‬ ‫ِ‬ ‫الناس َعظم َة باين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دقيقة‪ُ ،‬م ِّص ًصا إ َّياه ُمع ِّلام رائدا وأستاذا بارعا عىل رع َّيته‪ ،‬ل ُيع ِّل َم‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫عات‬ ‫رص ُ‬ ‫ِ‬ ‫الداخ ِل َ‬ ‫ِ‬ ‫عرفا ِّ‬ ‫يعة م ُ ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫الم َّ‬ ‫موزه وما َت ْعنيه هذه ُ‬ ‫ني ُر َ‬ ‫لكل‬ ‫وزونة‪ ،‬و ُم ِّ‬ ‫نقوش بد َ‬ ‫بام فيه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صاح ِ‬ ‫ظم ِة‬ ‫ِ‬
‫وكماله‬ ‫القرص‬ ‫ب‬ ‫الدقيقة التي فيه‪ ،‬ومدَ ى َدال َلتها عىل َع َ‬ ‫ُ‬ ‫واإلشارات‬
‫ُ‬ ‫املن َت َظ َم ُة‬
‫آداب‬ ‫يفات بام يف ذلك‬ ‫َّرش ِ‬ ‫يم الت ِ‬ ‫ِ‬
‫مراس ِ‬ ‫ِ‬
‫َعليمات‬ ‫الدقيقة‪ُ ،‬مب ِّينا هلم أيضا ت‬ ‫ِ‬ ‫هارتِه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الفائق و َم َ‬
‫ِ‬
‫وراء‬ ‫إل من‬ ‫السلطان الذي ال ُي َرى ّ‬ ‫َ‬ ‫الس ِري َو ْف َق ما ُيريض‬ ‫والتجو ِل‪ ،‬و ُأ ُص ُ‬ ‫الدُّ ِ‬
‫ول َّ‬ ‫ُّ‬ ‫خول‬
‫جاب‪.‬‬ ‫ِح ٍ‬

‫خم وكان‬ ‫الض ِ‬


‫رص َّ‬ ‫ِ‬
‫دوائر ال َق ِ‬ ‫ٍ‬
‫دائرة من‬ ‫وكان هذا المع ِّلم الخبِير يتَوس ُط ِ‬
‫تالمذتَه يف أوس ِع‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ ُ‬
‫َوجيهاتِه إىل‬ ‫ِ‬
‫بإلقاء ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َشين يف ٍّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المع ِّل ُم هذا‬
‫خرى للقرص؛ بدأ ُ‬ ‫كل م َن الدوائر األُ َ‬ ‫ُمساعدو ُه ُمنت ِ َ‬
‫ين كاف ًة قائال‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫الـمشاهد َ‬
‫ُ‬
‫هار ما‬‫ببنائه هذا وبإ ْظ ِ‬‫البديعِ‪ ،‬ي ِريدُ ِ‬ ‫الواس ِع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرص‬ ‫مليك هذا‬ ‫َ‬ ‫الناس َّ‬
‫إن َس ِّيـدَ نا‬ ‫«أيا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫عرفتِه؛ وإنه‬ ‫حلسن َم ِ‬
‫ِ‬ ‫فاع ِرفوه ْ‬
‫واس َع ْوا‬ ‫نفسه إليكم‪ْ ،‬‬ ‫ف َ‬ ‫عر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ََر ْونه أما َم أع ُينكم من َمظاه َر‪ ،‬أن ُي ِّ‬
‫باستِحسانِكم‬ ‫نفسه إليكم‪َ ،‬فح ِّببوا أن ُف َسكم إليه‪ْ ،‬‬ ‫ب َ‬ ‫أن ُيح ِّب َ‬ ‫ـة‪ْ ،‬‬‫ينات اجلاملي ِ‬
‫َّ‬
‫ي ِريدُ هبذه الت َّْـز ِي ِ‬
‫ُ‬
‫آالئه ونِ َع ِمه‬
‫وتقديركُم لصنعتِـه؛ وإنه يتَودد إليكم وي ِريكُم َمبته بام يسبِ ُغه عليكم من ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫أعما َله‬
‫ور ْحمتَه‬ ‫ظه ُر لكم َش َف َقتَه َ‬‫وبطاعتِكم إ ّياه؛ وإنه ُي ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ألوامره‬ ‫ِ‬
‫إصغائكم‬ ‫بح ِ‬
‫سن‬ ‫ِ ِ‬
‫وأفضاله فأح ُّبوه ُ‬
‫� �� � � �� � � � �‬
‫‪135‬‬ ‫��� ���� �� � ����������‬
‫ظه َر لكم َجما َله‬ ‫كر؛ وإنه ُي ِريدُ أن ُي ِ‬ ‫بالش ِ‬
‫ِّعم ف َع ِّظمو ُه أنتم ُّ‬
‫داق من الن ِ‬ ‫واإلغ ِ‬
‫ْ‬ ‫هبذا اإلكرا ِم‬
‫ولفتَـكُم‬ ‫فأظهروا أنتم َشو َقكم َ‬ ‫ِ‬ ‫الكام ِ‬
‫لة‬ ‫ِ‬ ‫املصنوعات اجل ِم ِ‬
‫يلة‬ ‫ِ‬ ‫بآثار كاملِه يف هذه‬
‫املعنوي ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫باحلاكم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫الـمت َف ِّر ُد‬
‫لطان ُ‬‫الس ُ‬ ‫َيل ِرضا ُه؛ وإنه ُيريدُ منكم أن ت ِ‬
‫َعر ُفوا أنّه ُّ‬ ‫ورؤ َيتِه‪ ،‬ون ِ‬‫للقائه ُ‬
‫ِ‬
‫شعاره‬ ‫ِ‬ ‫يد ُقدرتِه‪ ..‬بام وضع من‬ ‫شيء له‪ ،‬وخاص به‪ ،‬صدر من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قالل‪ ،‬وأن َّ‬
‫كل‬ ‫واالستِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫ص‪ ،‬و ُط َّرته التي ال تُق َّلدُ عىل مجي ِع املصنوعات؛ فعليكم إذن أن‬ ‫ِ‬ ‫املخ َّص ِ‬ ‫ِ‬
‫وخاته َ‬‫َ‬ ‫اخلاص‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫السلطان الواحدُ األَحدُ الذي ال َ‬
‫نظري‬ ‫ُ‬ ‫إل هو‪ ،‬فهو‬ ‫حاكم َّ‬ ‫َ‬ ‫تُدركوا جيدا‪ ،‬أن َّل ُس َ‬
‫لطان وال‬
‫ثيل‪.»..‬‬ ‫له وال َم َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫بأمثال هذا الكال ِم الذي‬ ‫واملتفر ِج َ‬
‫يـن‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للقصـر‬ ‫يـن‬
‫ب الداخل َ‬ ‫الكبري ُياط ُ‬
‫ُ‬ ‫كان هذا املع ِّل ُم‬
‫َ‬
‫لون إىل َفري َق ِ‬ ‫ِ‬
‫الداخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪:‬‬ ‫ب ذلك المقا َم؛ ُث َّم َ‬
‫انقس َم‬ ‫ُيناس ُبه و ُيناس ُ‬
‫كون َقدْ َر‬ ‫املطمئن َِّة‪ِ ،‬‬
‫املدر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصافية‬ ‫والق ِ‬
‫لوب‬ ‫قول النيِّ ِة‪ُ ،‬‬ ‫الفريق األول‪ :‬وهم ذوو ال ُع ِ‬
‫ِ‬
‫بنظرهم إىل عجائبِه‬ ‫رس َ‬ ‫ِ‬ ‫لون يف ِ‬‫يتجو َ‬ ‫فحي ُثام‬ ‫ِ‬
‫حون‬ ‫ِ‬
‫العظيم و َي َ‬ ‫القرص‬ ‫آفاق هذا‬ ‫َّ‬ ‫أن ُفسهم‪َ ،‬‬
‫أن ليس هناك‬ ‫أن وراءه غاي ًة ِ‬
‫سامي ًة!! ف َع ِلموا ْ‬ ‫عظيم !! والبدَّ َّ‬ ‫يقولون‪ :‬البدَّ َّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫أن يف هذا شأنًا ً‬
‫يكمن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ع َب ٌث‪ ،‬وليس هو ب َل ٍ‬
‫بياين‪ ..‬ومن َح َريتم بدؤوا يقولون‪ :‬يا تُرى أين ُ‬ ‫عب‪ ،‬وال بلهو ص ٍّ‬
‫شاهدْ ناه ون ِ‬
‫ُشاهدُ ه؟!‬ ‫ُ‬
‫احلكمة يف ما َ‬ ‫القرص‪ ،‬وما‬‫ِ‬ ‫حل ُل ِ‬
‫غز‬ ‫ُّ‬

‫ارف‬‫األستاذ الع ِ‬
‫ِ‬ ‫صوت ُخ ِ‬
‫طبة‬ ‫يسم َ‬
‫عون‬ ‫ِ‬ ‫َحاور َ‬ ‫وبينام هم يتأ َّم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫األمر‪ ،‬إذا هبم َ‬ ‫ون يف‬ ‫لون ويت ُ‬
‫األلغاز‪ ،‬فأقبلوا إليه‬ ‫ِ‬ ‫وح َّل مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫فاتيح جمي ِع‬ ‫ِ‬ ‫فعرفوا َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫األرسار َ‬ ‫أن لديه َم َ‬ ‫و َب َياناته الرائعة‪َ ،‬‬
‫يف‬‫يكون له َع ِر ٌ‬ ‫َ‬ ‫الباذخِ ينبغي أن‬ ‫القصر ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن ِم َثل هذا‬ ‫ني‪ :‬السالم عليكم ُّأيـا األُ ْستا ُذ! َّ‬ ‫م ِ‬
‫رسع َ‬ ‫ُ‬
‫العظيم‪.‬‬ ‫مك س ِّيدُ نا‬ ‫أمني مث ُلك‪ ،‬فالرجا ُء أن تُع ِّل َمنا ممّا ع َّل َ‬ ‫صاد ٌق ُمد ِّق ٌق ٌ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫رضى‬ ‫بكل ً‬ ‫عني‪ ،‬وتَق َّبلوا كال َمه ِّ‬ ‫خاش َ‬ ‫إليه ِ‬ ‫املذكورة آن ًفا‪ ،‬فاستَمعوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫بخطبتِه‬‫َفذك ََّر ُهم األُ ْستا ُذ ُ‬
‫ُ‬
‫الس ُ‬
‫لطان بام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نيمة‪ ،‬إذ َع ِملوا‬ ‫ئنان‪ ،‬فغنِموا أيام َغ ٍ‬ ‫واطم ٍ‬ ‫ِ‬
‫ض عنهم ُّ‬ ‫ضمن مرضاة ُسلطانم‪َ ،‬فر َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫وس ٍ‬
‫وصف‪ ،‬و َأكر َم ُهم‬ ‫ُ‬ ‫أعظم وأر َقى ال يكاد ُي‬ ‫َ‬ ‫عاهم إىل َق ٍ‬
‫رص‬ ‫ور بأوام ِره؛ فدَ ُ‬ ‫َأبدَ ْوا من ِر ًضى ُ‬
‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫الئ ُم‬‫القرص العايل‪ ،‬وبام ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫والئق بذلك‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪،‬‬ ‫ليق باملالِك اجل ِ‬
‫واد‬ ‫ٍ‬
‫دائمة‪ ،‬بام َي ُ‬ ‫بس ٍ‬
‫عادة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لألوام ِر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هبؤالء ِ‬
‫ين‬
‫يعني املنقاد َ‬ ‫املط َ‬ ‫ري‬ ‫وح ٌّ‬‫ني‪َ ،‬‬ ‫يوف الكرا َم املتأ ِّدبِ َ‬
‫الض َ‬ ‫ُّ‬
‫إن‬ ‫ذو ُة ِ‬
‫قلوبم‪ ،‬فام ْ‬ ‫دت ُعقو ُلهم‪ ،‬وان َط ْ‬
‫فأت َج َ‬ ‫فس ْ‬
‫الذين قد َ‬
‫َ‬ ‫اآلخ ُر‪َ :‬و ُه ُم‬
‫ريق َ‬‫ّأما ال َف ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪136‬‬
‫َهيه أن ُف ُسهم‬‫إل ملا تشت ِ‬ ‫لتفت َ‬
‫ُون ّ‬ ‫دخ ُلوا القرص‪ ،‬حتى َغلب ْت عليهم شهواتُهم‪ ،‬فلم يعودوا ي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اللذيذة‪َ ،‬ص ِار َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آذانم عن مجي ِع‬ ‫أبصارهم عن مجي ِع تلك املحاس ِن‪ ،‬سا ِّد َ‬
‫ين َ‬ ‫َ‬ ‫فني‬ ‫األطعمة‬ ‫من‬
‫يذه‪ ..‬فأقبلوا عىل‬ ‫تالم ِ‬
‫يهات ِ‬ ‫َوج ِ‬ ‫العظيم‪ ،‬وت ِ‬
‫ِ‬ ‫الـمع ِّل ِم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الصادرة من ذلك ُ‬ ‫اإلرشادات َّ‬ ‫تلك‬
‫السك ُْر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كاحليوانات‪َ ،‬فأطب َق ْت‬ ‫بش ٍ‬
‫اهة ون ََه ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫هم ُّ‬ ‫والنوم وغش َي ُ‬
‫ُ‬ ‫الغفلة‬ ‫عليهم‬
‫ُ‬ ‫املأكوالت َ‬
‫ب ما مل ُيؤ َذن هلم به؛ ْ‬ ‫أفرطوا يف ُش ِ‬ ‫ِ‬
‫رين‬
‫اآلخ َ‬ ‫الضيوف َ‬
‫َ‬ ‫عجوا‬‫فأز ُ‬ ‫حتى َفقدُ وا أن ُف َسهم لكثرة ما َ‬
‫ذهم‬ ‫أخ ُ‬ ‫وأنظمتِه‪ ..‬لذا َ‬
‫ِ‬ ‫وانني الس ِ‬
‫لطان املع َّظ ِم‬ ‫األدب مع َق ِ ُّ‬ ‫َ‬ ‫دتم؛ فأسا ُءوا‬ ‫وعر َب ِ‬ ‫ِ‬
‫بجنونم َ‬
‫ِ‬ ‫جن ِ‬ ‫وهم إىل ِس ٍ‬
‫دب‪.‬‬ ‫احلق‪َ ،‬جزا ًء ِوفا ًقا عىل إسا َء ِت ُم األَ َ‬ ‫قابم َّ‬ ‫يب ل َينالوا ع َ‬ ‫ره ٍ‬ ‫جنُو ُده وسا ُق ُ‬
‫الس َ‬
‫لطان قد َبنى هذا‬ ‫مت َّ‬ ‫أنك قد ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكاية؛ البدَّ َ‬ ‫فيا من ي ِ‬
‫أن ذلك ُّ‬ ‫فه َ‬ ‫نص ُت معي إىل هذه‬ ‫َ ُ‬
‫أمر ِ‬
‫ين‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقاصد يتو َّق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القصر الشام َخ‬
‫ف عىل َ‬ ‫فحصول تلك‬ ‫املذكورة‪،‬‬
‫َ‬ ‫املقاصد‬ ‫ألجل تلك‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هبت‬
‫لذ ْ‬ ‫وسم ْعن َا خطا َبه‪ ،‬إذ لواله َ‬ ‫أحدُ مها‪ :‬وجو ُد ذلك املع ِّل ِم األستاذ الذي َ‬
‫شاهدْ ناه‬
‫فه ُم معناه‪ ،‬وال ُيب ِّينُه أستا ٌذ‪ ،‬في َظ ُّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َبه ِم الذي ال ُي َ‬
‫كالكتاب ُ‬ ‫منثورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫املقاصدُ َهبا ًء‬ ‫تلك‬
‫ٍ‬
‫أوراق ال معنَى هلا!‬ ‫ُم َّر َد‬
‫ِ‬
‫الناس إىل كال ِم ذلك املع ِّل ِم‪ ،‬وتَق ُّب ُل ُهم له‪.‬‬ ‫ثانيهام‪ :‬إصغا ُء‬
‫ِ‬
‫القرص‪،‬‬ ‫الناس إليه سبب ِ‬
‫لبقاء‬ ‫ِ‬ ‫ماع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لوجود ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫بمعنى َّ‬
‫َ ٌ‬ ‫رص‪ ،‬واست َ‬ ‫األستاذ مدعا ٌة‬ ‫أن وجو َد‬
‫رص لوال هذا األُ ْستا ُذ؛ وكذا َي ِص ُّح‬ ‫ِ‬ ‫القول‪ :‬مل َي ِ‬
‫ُ‬
‫العظيم ل َيبن َي هذا ال َق َ‬
‫ُ‬ ‫الس ُ‬
‫لطان‬ ‫كن ُّ‬ ‫صح‬
‫لذا َي ُّ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫السلطان هذا‬ ‫فس ُيغيِّ ُ‬ ‫ون إليه وال ُي َ‬
‫لقون ً‬
‫بال إىل كالمه‪َ ،‬‬ ‫ول‪ :‬حينَام ُيصبِ ُح ُ‬
‫الناس ال ُيص ُغ َ‬ ‫ال َق ُ‬
‫رص و ُيبدِّ ُله‪.‬‬
‫ال َق َ‬
‫ِ‬
‫خاللا إىل‬ ‫احلكاية‪ ،‬فان ُظ ْر ِم ْن‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫فه َ ِ‬
‫مت َّ‬ ‫كنت قد ِ‬
‫فإن َ‬‫القص ُة يا صديقي‪ْ ..‬‬ ‫ِ‬
‫إىل هنا انتَهت َّ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪:‬‬ ‫و ِ‬
‫جه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السامء الـمتَأللِ ِئة بالنُّجو ِم املتبس ِ‬
‫مة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫سقوف هبذه‬
‫ُ‬ ‫صـر هو هذا العا َل ُم‪َ ،‬‬
‫الم‬ ‫ذلك ال َق َ‬
‫إن َ‬‫َّ‬
‫هار املتنو ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرض المز َّي ِنة من‬
‫عة‪.‬‬ ‫باألز ِ ِّ‬ ‫ِ‬
‫الغرب ْ‬ ‫الرشق إىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واملفروش هبذه‬
‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫وس ذو‬
‫القدُّ ُ‬ ‫األز ِل واأل َب ِد ُ‬
‫امللك ُ‬ ‫اهلل تعاىل ُس ُ‬
‫لطان َ‬ ‫لطان ال َع َ‬
‫ظيم‪ ،‬هو ُ‬ ‫الس َ‬‫وذلك ُّ‬
‫واإلكرا ِم الذي ﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‪( ﴾. .‬اإلرساء‪ُ )44:‬‬
‫حيث ﴿ﯠ‬
‫� �� � � �� � � � �‬
‫‪137‬‬ ‫��� ���� �� � ����������‬
‫دير ﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫وهو ال َق ُ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ (النور‪َ )41:‬‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﴾ (األعراف‪.)54:‬‬
‫ِ‬
‫العوال(‪ )1‬التي تَز َّي َن ٌّ‬ ‫عشر أل ًفا من‬ ‫ِ‬ ‫نازل ذلك ال َق ِ‬ ‫أما َم ُ‬
‫َظم‬
‫كل منها وانت َ‬ ‫صر فهي َثماني َة َ‬
‫درة اإلهل َّي ِة‬
‫الق ِ‬ ‫زات ُ‬‫عج ُ‬ ‫الغريب ُة في ذلك القصر فهي م ِ‬
‫ُ‬ ‫الصنَائِ ُع ِ‬ ‫ٍ‬
‫بام ُيالئ ُمه من خملوقات‪ّ ..‬أما َّ‬
‫ِ‬
‫المات‬ ‫اللذيذ ُة التي فيه‪ ،‬هي َع‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫األطعم ُة‬ ‫صري ٍة‪ ..‬وأما‬ ‫كل ذي َب ٍ‬ ‫ـمنا لِ ِّ‬
‫الظاهرة يف عا َل ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫صـر و َب َ‬
‫الس ِنة‬ ‫ِ‬
‫ضوح يف مجي ِع مواس ِم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بكل ُو‬ ‫ُشاهد ِّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫امر والفواكه البديعة التي ت َ‬ ‫محة اإلهل َّي ِة من األ ْث ِ‬
‫الر ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫طبخ هذا ال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫ص يف َبسات ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫طح‬‫رص هو َس ُ‬ ‫يـن «بارال»؛ و َم ُ‬ ‫َ‬
‫وباألخ ِّ‬ ‫الصيف‬ ‫وخاص ًة يف َّ‬
‫ِ‬
‫و َقل ُبها الذي يتَّقدُ ً‬
‫نارا‪.‬‬
‫يات‬‫أمثلة لتَج ِّل ِ‬ ‫الكنوز اخلفي ِة‪ ،‬هي يف ِ‬
‫الواقع ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجواه ِر يف تلك‬ ‫ِ‬
‫احلكاية من‬ ‫وما َرأيتَه يف‬
‫َّ‬
‫املخلوقات المز ِّي ُنة‬ ‫موزها‪ ،‬هي هذه‬ ‫ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫النقوش ُ‬ ‫األسامء احلسنَى املقدَّ َسة؛ وما رأيناه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القدر ِة اإلهلي ِة الدَّ ِ‬ ‫َ‬
‫اجلالل‪.‬‬ ‫القدير ذي‬ ‫أسامء‬ ‫الة عىل‬ ‫َّ‬ ‫بقلم ُ َ‬
‫وزون ٌة ِ‬ ‫للعالِ‪ ،‬وهي ن ٌ‬
‫ُقوش َم ُ‬
‫ِ‬ ‫أ ّما ذلك المع ِّل ُم األستا ُذ فهو َس ِّيدُ نا‪ ،‬وس ِّيدُ الكَون ِ‬
‫هم األنبيا ُء‬ ‫ومساعدو ُه ُ‬
‫َيـن ُم َّمدٌ ﷺ‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫الصاحلون‪ ،‬والعلام ُء األصفيا ُء؛ أما ُخدَّ ا ُم‬ ‫ِ‬
‫وتالم ُيذه ُه ُم األوليا ُء‬ ‫الكرام عليهم السالم‪،‬‬‫ُ‬
‫السالم يف هذا َ‬ ‫املالئ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العالِ؛ وأ ّما الضيوف الذين‬ ‫ُ‬ ‫عليهم‬
‫ُ‬ ‫كة‬ ‫السلطان العظي ِم ْ‬
‫فهم إشار ٌة إىل‬
‫ٍ‬
‫حيوانات وأنعا ٍم‬ ‫َ‬
‫اإلنسان من‬ ‫ِ‬
‫واإلنس وما خيدُ ُم‬ ‫اجلن‬ ‫للتنز ِه ِّ ِ‬
‫والضيافة فهم إشار ٌة إىل ِّ‬ ‫ُد ُعوا ُّ‬
‫يف دار ِض ِ‬
‫يافة الدنيا هذه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الكريم الذي‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫مائدة‬ ‫َتلم َ‬
‫ذون عىل‬ ‫ِ‬ ‫فاألو ُل‪ :‬هم ُ‬
‫أهل اإليامن الذين يت َ‬ ‫أ ّما الفريقان‪َّ :‬‬
‫كتاب الك ِ‬
‫َون ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يفسر ِ‬
‫آيات‬ ‫ُ ِّ ُ‬
‫الذين اتَّب ُعوا أهوا َءهم‬ ‫الضا ُّل َ‬
‫ون‬ ‫كم َّ‬ ‫ِ‬ ‫أهل الك ِ‬
‫واآلخ ُر‪ :‬هم ُ‬
‫َ‬ ‫الص ُّم ال ُب ُ‬
‫ُفر والطغيان ُّ‬ ‫َ‬
‫سبيل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ظاهرها‪ ،‬فهم كاألنعا ِم بل هم ُّ‬
‫أضل‬ ‫إل‬ ‫ِ‬
‫احلياة ّ‬ ‫والش َ‬
‫يطان‪ ،‬فام َع َرفوا من‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واألستاذ‬ ‫ِ‬
‫العظ ِ‬
‫يم‬ ‫أنصتُوا إىل املع ِّل ِم‬ ‫األو ُل‬
‫السعدا ُء؛ فقد َ‬
‫األبرار ُّ‬
‫ُ‬ ‫هم‬
‫الذين ُ‬
‫َ‬ ‫الفريق َّ‬
‫ُ‬ ‫أ ّما‬
‫ف ر َّبه و َيص ُفه بام‬ ‫ِ‬ ‫اجلليل ذي احلقي َقت ِ‬
‫َني؛ إذ هو َعبدٌ ‪ ،‬وهو َر ٌ‬ ‫ِ‬
‫حيث ال ُعبود َّي ُة ُي ِّ‬
‫عر ُ‬ ‫سول؛ فمن ُ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪63/1‬؛ أبو نعيم‪ ،‬حلية األولياء ‪219/2‬؛ ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن ‪.25 ،24/1‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪138‬‬
‫احلرضة اإلهل َّي ِة‪ ..‬ومن ُ‬
‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫كم ُم َم ِّث ٍل عن ُأ َّمتِ ِه لدى‬
‫يليق به من أوصافٍ‪ ،‬فهو إذن يف ُح ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫العظيم‪.‬‬ ‫بالقرآن‬ ‫واإلنس كا َّف ًة‬ ‫سالة ُيب ِّل ُغ أحكا َم ر ِّبه إىل ِّ‬
‫اجلن‬ ‫الر ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ألوام ِر‬ ‫وانصاعوا‬ ‫ِ‬
‫الكريم ﷺ‬ ‫أص َغ ْوا إىل ذلك الر ِ‬
‫سول‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫اجلامعة السعيدَ ُة بعدما ْ‬ ‫فهذه‬
‫سام ٍية‬
‫مقامات ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ون أن ُفسهم قد ُق ِّلدوا م ٍ‬
‫همت لطيف ًة ترت َّقى ض َ‬
‫من‬ ‫ُ َّ‬ ‫احلكيم‪ ،‬إذا هبم َي َر َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫ِ‬
‫بادات‪.‬‬ ‫كثرية‪ ،‬تلك هي الصالةُ‪ ،‬فِه ِرس أنوا ِع ِ‬
‫الع‬ ‫ٍ‬
‫ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫قامات الرفي َع ِة التي ت ُِش ُري إليها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوح ت َفاص َيل الوظائف َ‬
‫والم‬ ‫ٍ‬ ‫نعم‪ ،‬لقد َش َ‬
‫اهدوا ُبو‬
‫بأذكارها وحركاتِها املتنو ِ‬
‫عة‪ ،‬عىل الن ِ‬
‫َّحو اآليت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الصال ُة‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫شاه ِ‬
‫ين‬
‫المشاهد َ‬‫وجدوا أن ُف َسهم يف مقا ِم ُ‬
‫الربان َّي َة املبثو َث َة يف الكون‪َ ،‬‬ ‫اآلثار َّ‬
‫َ‬ ‫دت ُم‬ ‫َّأوال‪ُ :‬‬
‫بم َ‬
‫أكبر‪.‬‬
‫قائلني‪ :‬اهللُ ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫التكبري والت ِ‬
‫َّسبيح‪،‬‬ ‫لة ِغياب َّي ٍة‪ ،‬فأ َّد ْوا وظيف َة‬
‫عظمة الربوبي ِة‪ ،‬بمعام ٍ‬
‫َّ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫لِم ِ‬
‫حاس ِن‬ ‫َ‬
‫وآثاره الس ِ‬
‫اطعة‪،‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫صنائ ِعه سبحانَه‬
‫ِ‬ ‫واألد ّل ِء إىل َبدائ ِع‬
‫ِ‬ ‫هور ِهم يف مقا ِم الدُّ ِ‬
‫عاة‬ ‫َ‬ ‫ثانيا‪ :‬وب ُظ ِ‬
‫سبحان اهلل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والتحميد بقوهلِم‪:‬‬ ‫يس‬ ‫أسامئه احلسنَى‪ ،‬أدوا وظيف َة الت ِ‬
‫َّقد ِ‬ ‫ِ‬ ‫التي هي َج َل ُ‬
‫وات‬
‫َّ ْ‬
‫والحمدُ هلل‪.‬‬
‫ظاه ٍ‬
‫الرمحة اإلهلي ِة بِتَذو ِقها بحواس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المدَّ َخ َر ِة يف‬ ‫ِ‬
‫رة‬ ‫َ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫خزائن‬ ‫ثالثا‪ :‬ويف مقا ِم إدراك النِّ َع ِم ُ‬
‫كر واحل ِ‬
‫مد‪.‬‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫بوظيفة ُّ‬ ‫وباط ٍنة َش ُعوا‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫بم ِ‬
‫واز ِ‬
‫ين‬ ‫حق َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جواه ِر‬ ‫ِ‬ ‫رابعا‪ :‬ويف َمقا ِم‬
‫درها َ‬ ‫وتقديرها َّ‬ ‫األسامء احلسنَى‬ ‫كنوز‬ ‫معرفة‬
‫عة فيهم‪ ،‬بدؤوا بوظي َف ِة الت َِّنز ِيه وال َّث ِ‬
‫ناء‪.‬‬ ‫زة املعنوي ِة املود ِ‬ ‫األجه ِ‬
‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫رة بق َل ِم ُقدرتِه تعاىل ِ‬
‫بمس َط ِر ال َقدَ ِر‪،‬‬ ‫الرسائل الرباني ِة المس َّط ِ‬ ‫خامسا‪ :‬ويف مقا ِم مطا َل ِ‬
‫َ‬ ‫ِ َّ َّ ُ‬ ‫عة‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫حسان‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلعجاب واالست‬ ‫ِ‬
‫بوظيفة التَّفك ُِّر‬ ‫باشوا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلامل يف‬ ‫ور َّق ِة‬ ‫ِ‬
‫األشياء‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اللطف يف َخ ِ‬
‫لق‬ ‫َّظر إىل ِد َّق ِة‬ ‫َّنـزيه بإم ِ‬
‫عان الن ِ‬ ‫سادسا‪ :‬ويف َمقا ِم الت ِ‬
‫ْ‬
‫جل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاط ِر‬ ‫وق إىل ِ‬ ‫إتقانا‪ ،‬دخ ُلوا َوظيف َة املح َّب ِة َّ‬
‫والش ِ‬ ‫ِ‬
‫ميل‪.‬‬ ‫اجلليل والصان ِع ا َ‬ ‫مجال‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عاملة‬ ‫الساب َقة‪ ،‬والقيا ِم بالعبا َدة الالز َمة ُ‬
‫بم‬ ‫وهكذا‪َ ..‬بعدَ أداء هذه الوظائف يف املقامات َّ‬
‫ِ‬
‫احلكيم‬ ‫َّظر إىل معام ِ‬
‫لة الصان ِع‬ ‫ِ‬
‫درجة الن ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪ ،‬ار َت َق ْوا إىل‬ ‫ِغيابي ٍة‪ ،‬لدَ ى مشاه ِ‬
‫دة‬
‫ُ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫اجلليل‬ ‫اخلالق‬ ‫تعريف‬
‫َ‬ ‫وشهودها و ُمعا َملة أفعاله ُمعا َمل ًة ُحضور َّي ًة‪ ،‬وذلك أن ُ‬
‫َّـهم‪ :‬قابلوا َّأوال‬
‫� �� � � �� � � � �‬
‫‪139‬‬ ‫��� ���� �� � ����������‬
‫والحير ُة قائلني‪:‬‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫بمعرفة ِم ُ‬
‫لؤها ال َع َج ُ‬
‫ٍ‬ ‫زات َصنعتِه‪ ..‬قا َبلو ُه‬
‫عج ِ‬ ‫عور بم ِ‬
‫الش ِ ُ‬ ‫لذوي ُّ‬‫نفسه ِ‬
‫َ‬
‫بمعجزات مجي ِع َملوقاتِ َك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عروف‬
‫ُ‬ ‫عرفتِك(‪ )1‬يا َم‬
‫حق َم ِ‬ ‫بحانك ما َعر ْف َ‬
‫ناك َّ‬ ‫َ‬ ‫ُس‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم استجابوا لتَح ُّب ِ‬
‫وهيا ٍم ُمر ِّدد َ‬
‫ين‪:‬‬ ‫الرمحن ب َثمرات َرمحته سبحانَه‪َ ،‬‬
‫بمح َّبة ُ‬ ‫ب ذلك‬
‫﴿ ﭢﭣﭤﭥ ﴾ ‪.‬‬
‫بالشكر واحل ِ‬
‫ِ‬ ‫وإظهار رأفتِه عليهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يقي بنِ َع ِمه الط ِّي ِبة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َرح َم ذلك املنع ِم احلق ِّ‬ ‫ثم َل َّب ْوا ت ُّ‬
‫يحة ت ِ‬
‫َنط ُق هبا‬ ‫فص ٍ‬ ‫أحوال ِ‬
‫ٍ‬ ‫مشكور بأ ْل ِس ِنة‬ ‫كر َك يا‬‫حق ُش ِ‬ ‫شكرناك َّ‬ ‫َ‬ ‫وبقوهلِم‪ :‬سبحان ََك ما‬
‫ُ‬
‫سوق‬ ‫إعالنات نِ َع ِمك المعدَّ ُة يف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُعل ُن الحمدَ والثنا َء‬ ‫َون‪ ،‬وت ِ‬ ‫جميع إحساناتِ َك املبثو َث ِة يف الك ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ومجيع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نضدة لرمحتك الواسعة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الم َّ‬ ‫ِ‬ ‫العالِ واملنثور ُة عىل األرض كا َّف ًة؛‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫فجميع الثمرات ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بشهادتا عىل ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األغذي ِة املوزون َِة لنِ ِ‬
‫أنظار‬ ‫وكرم َك لدى‬ ‫ود َك‬ ‫ُ‬ ‫العميمة‪ ،‬ت ُْو ِيف ُش َ‬
‫كرها‬ ‫َ‬ ‫عم َك‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‪.‬‬
‫املوجودات املتبدِّ ِلة عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كربيائه سبحانَه‪ ،‬يف مرايا‬ ‫إظهار مجالِه وجاللِه وكاملِه و‬
‫َ‬ ‫ثم قا َبلوا‬
‫جود يف حم َّب ٍة‬
‫بالتعظيم‪ ،‬وهووا إىل الس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِ َ َ ْ‬ ‫ورك ُعوا يف َع ٍ‬
‫جز مك َّل ٍل‬ ‫أكبر‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوجه الكون‪ ،‬بقوهلم‪ :‬اهلل ُ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وإجالل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وتعظيم‬ ‫ٍ‬
‫إعجاب‬ ‫مرة‬ ‫ِ‬
‫والفناء هلل‪ ،‬ويف َغ ِ‬ ‫فعم ٍة ُّ‬
‫بالذ ِّل‬ ‫ُم َ‬
‫املطلق سبحانَه َثروتَه التي ال تَن َفدُ ورحمتَه التي ِ‬
‫عت‬
‫وس ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ ُ‬ ‫الغني‬
‫ِّ‬ ‫إظهار ذلك‬
‫َ‬ ‫ثم أجابوا‬
‫َعين‪.‬‬ ‫قرهم وحاجتِهم قائلني‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫بإظهار َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِل ِّح‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫إياك نَست ُ‬ ‫والسؤال اجلا ِّد‪،‬‬ ‫كل يشء‪ ،‬بالدعاء ُ‬
‫ِ‬
‫بدائعه ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َرشه هلا يف‬ ‫اخلالق اجلليل ل َلطائف َصنائعه َ‬
‫وروائ ِع‬ ‫عرض ذلك‬ ‫ثم استَقبلوا َ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ني‪ِ ،‬‬‫الل ِز َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنظار األنا ِم‪،‬‬ ‫َم ِ‬
‫تبارك ُ‬ ‫اهلل‪،‬‬
‫ني‪ :‬ما شا َء ُ‬ ‫قائل َ‬ ‫والتقدير َّ‬ ‫باإلعجاب‬ ‫عار َض أما َم‬
‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َحسنِ َ‬
‫شاه ِدين مست ِ‬ ‫خلق هذا‪ِ ..‬‬ ‫َ‬
‫ملشاهدَ ة هذه البدائعِ‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫هلموا‬
‫ني هلا‪ ،‬هاتفني‪ُّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫أجمل َ‬ ‫ما‬
‫اشهدُ وها وكُونُوا ُش َهدا َء ع َليها‪.‬‬
‫الفالح‪َ ..‬‬‫ِ‬ ‫عىل‬
‫األز ِل واأل َب ِد‪ -‬لسل َط ِنة ربوب َّي ِته يف‬ ‫العظيم ‪-‬س ِ‬
‫لطان َ‬ ‫ِ ُ‬
‫إعالن ذلك الس ِ‬
‫لطان‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ثم أجابوا‬
‫سمعوا‪ ،‬وانقا ُدوا‬ ‫بقولم‪ :‬س ِمعن َا وأ َطعن َا‪َ ..‬ف ِ‬ ‫ِ‬
‫للوجود كا َّف ًة‪ِ ،‬‬ ‫وإظهاره وحدانِ َّيتَه‬ ‫الكون ك ِّله‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأطاعوا‪.‬‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬املناوي‪ ،‬فيض القدير ‪410/2‬؛ الطرباين‪ ،‬املعجم الكبري ‪184/2‬؛ احلاكم‪ ،‬املستدرك ‪629/4‬؛ البيهقي‪ ،‬شعب‬
‫اإليامن ‪.183/1‬‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪140‬‬
‫هم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫العاملني ألوه َّيتَه اجلليل َة‪ُ ،‬‬
‫الصة عبود َّية َتن ُُّم عن َضعف ُ‬ ‫بخ َ‬ ‫َ‬ ‫رب‬
‫ثم استَجا ُبوا إلظهار ِّ‬
‫الصالةُ‪.‬‬
‫حاجاتم‪ ..‬تلك هي َّ‬‫ِ‬ ‫قرهم املندَ ِمج يف‬
‫جزهم‪ ،‬و َف ِ‬ ‫ِ‬
‫الكام ِن يف َع ِ‬

‫حياتم يف‬‫ِ‬ ‫هم َة‬


‫مرهم و ُم َّ‬ ‫عة للعبود َّي ِة‪ ،‬أ َّد ْوا فريض َة ُع ِ‬
‫ظائف املتنو ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫الو‬ ‫ِ‬
‫بمثل هذه َ‬ ‫وهكذا‬
‫أحس ِن‬ ‫سمى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقويم‪ ،‬واع َت َل ْوا مرتَب ًة‬
‫ٍ‬ ‫بدار الدنيا‪ ،‬حتى َّات ُذوا صور َة َ‬ ‫الم َّ‬
‫األكبـر ُ‬ ‫املسجد‬ ‫هذا‬
‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫ود َع فيهم من‬ ‫األرض‪ ،‬بام ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات قاطب ًة‪ ،‬إذ أصبحوا ُخلفا َء ُأ َمنا َء يف‬ ‫مجيع‬ ‫ُ‬
‫تفوق َ‬
‫واألم ِ‬
‫انة‪..‬‬ ‫َ‬
‫الكريم إىل‬ ‫ربم‬ ‫بضة االختِ ِ‬ ‫واخلروج من َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبعد انتِ ِ‬
‫هاء مدَّ ِة االمتِ ِ‬
‫ُ‬ ‫دعوهم ُّ‬ ‫ُ‬ ‫بار َي‬ ‫حان‬ ‫ُ‬
‫خول إىل ِ‬ ‫هم الدُّ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّعيم ِ‬
‫عادة األبد َّي ِة والن ِ‬
‫الس ِ‬
‫السال ِم جـزا َء‬ ‫دار َّ‬ ‫ويرز ُق ُ‬
‫ُ‬ ‫إليامنم‪،‬‬ ‫يم ثوا ًبا‬ ‫املق ِ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ني َر َأ ْت وال ُأ ُذ ٌن سم ْ‬ ‫ِ‬
‫أكر َمهم‪ -‬بن َع ٍم ال َع ٌ‬ ‫ِ‬
‫طر عىل‬ ‫عت وال َخ َ‬ ‫إسـالمهم‪ ،‬و ُيكر ُم ُهم ‪-‬وقد َ‬
‫ِ‬
‫والعاش ُق‬ ‫دي‬ ‫لج ٍ‬ ‫ُ‬ ‫رش‪ )1(،‬ويمنَحهم األبدي َة والبقاء‪ ،‬إذ الم ِ‬ ‫قلب َب ٍ‬
‫ِ‬
‫مال رس َم ٍّ‬ ‫املشتاق َ‬ ‫شاهدُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الق ِ‬
‫رآن‪..‬‬ ‫يذ ُ‬‫تالم ِ‬‫األبد؛ هذه هي ُعقبى ِ‬ ‫مض إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاملرآة‪ ،‬البدَّ أن َي َّ‬
‫َ‬ ‫ظل باقيا و َي َ‬ ‫عكسه‬
‫الذي َي ُ‬
‫هم اج َعلن َا منهم‪ ..‬آمني!‪.‬‬‫ال َّل َّ‬
‫َ‬
‫العالِ‬ ‫إن دخلوا ِ‬
‫بس ِّن البلو ِغ َق ْص َر هذا‬ ‫واألرشار فام ْ‬ ‫الفج ُار‬
‫ُ‬ ‫وهم ّ‬ ‫اآلخر ُ‬
‫ُ‬ ‫الفريق‬
‫ُ‬ ‫أ ّما‬
‫وات ُموا‬
‫عليهم‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وبالكفران اآلال َء التي تُس َب ُغ ِ‬ ‫الوحدانِ َّي ِة ك ِّلها‪،‬‬ ‫َ‬
‫دالئل َ‬ ‫إل وقابلوا بالك ِ‬
‫ُفر‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫األسامء اإلهل ّي ِة عىل‬ ‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫ورفضوا‬ ‫بالتفاه ِة وح َّقروها بالعبثِ َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫الموجودات ك َّلها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تح ُّقوا عذا ًبا خالدً ا‪.‬‬
‫اس َ‬‫املوجودات ك ِّلها‪ ،‬فارتكبوا جريم ًة ال حدَّ هلا يف ُمدَّ ة قصرية‪ ،‬مما ْ‬
‫إل‬ ‫مال ال ُع ُم ِر‪ ،‬ومل ُيو َدع فيه أجهز ٌة إنسانِ َّي ٌ‬
‫ـة راق َي ٌة ّ‬ ‫رأس ِ‬
‫وهب له ُ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان مل ُي َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫اجلليلة املذك ِ‬
‫ُورة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوظائف‬ ‫ِ‬
‫لتأدية‬ ‫ؤه َله ذلك‬
‫ل ُي ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم َة حياتكم» ُ‬
‫حمصور ٌة‬ ‫أن « ُم ّ‬‫أحتس ُبون َّ‬
‫باهلوى‪َ ..‬‬
‫المغر َم َ‬‫َ‬ ‫َفس احلائر َة ويا صديقي‬ ‫فيا ن َ‬
‫ِ‬ ‫لشـه ِ‬ ‫احلضار ِة‬ ‫ورعايتِها َبو ِ‬ ‫ِ‬
‫بالسوء ِ‬ ‫النفس األم ِ‬ ‫يف َت ْلبِ ِية متَط َّل ِ‬
‫البطن‬ ‫وة‬ ‫إشـباعا َ ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫سائل‬ ‫ارة‬ ‫ِ َّ‬ ‫بات‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لطائف معنَوية رقيقة‪ ،‬وآالت وأعضا َء‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أن الغاي َة من َد ْر ِج مـا ُأود َع فيكم من‬
‫ُّون َّ‬
‫وال َف ْر ِج؟ أ ْم تَظن َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬بدء اخللق ‪ ،8‬تفسري سورة السجدة ‪ ،1‬التوحيد ‪35‬؛ مسلم‪ ،‬اإليامن ‪ ،312‬اجلنة ‪5-2‬؛ الرتمذي‪ ،‬اجلنة‬
‫‪ ،15‬تفسري سورة السجدة ‪ ،2‬تفسري سورة الواقعة ‪1‬؛ ابن ماجه‪ ،‬الزهد ‪39‬؛ الدارمي‪ ،‬الرقاق ‪105 ،98‬؛ أمحد بن حنبل‪،‬‬
‫املسند ‪.334/5 ،506 ،495 ،466 ،462 ،438 ،416 ،407 ،370 ،313/2‬‬
‫� �� � � �� � � � �‬
‫‪141‬‬ ‫��� ���� �� � ����������‬
‫اسة‪ ،‬إنام هي ملجر ِد اسـتِ ِ‬
‫ومشاعر وحواس جس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وج ِ‬ ‫ٍ‬
‫عاملا‬ ‫َّ‬ ‫وار َح وأجهزة َبديعة‪ّ َ َّ َ َ َ ،‬‬ ‫َح ّساسة‪َ ،‬‬
‫حاش وكال!!‬ ‫ـة؟ َ‬ ‫احلـياة الفانـي ِ‬
‫ِ‬ ‫النفس الدَّ نِي َئ ِة يف هـذه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لرغبات‬ ‫حاجات ُسـفل َّي ٍة‬‫ٍ‬ ‫إلشـبا ِع‬
‫َ‬
‫طرتِكم إنام‬ ‫ِ‬
‫وإدراجها يف ف َ‬
‫َ‬
‫اع ِر يف و ِ‬
‫جودكم‬ ‫ُ‬
‫واملش ِ‬ ‫واحلواس َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اللطائف‬ ‫خلق تلك‬ ‫إن َ‬‫بل َّ‬
‫َي‪:‬‬ ‫ي اثن ْ ِ‬
‫اس ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫أس َ‬
‫َيستَندُ إىل َ‬
‫ِّعم التي أسب َغها عليكُم الـم ِ‬ ‫شعركم َّ‬‫أن ي ِ‬
‫نع ُم سبحانَه؛‬ ‫ُ‬ ‫كل نو ٍع من أنواع الن ِ‬ ‫األول‪ُ ْ :‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫بش ِ‬
‫كره تعاىل وعبا َدته‪.‬‬ ‫يام ُ‬ ‫ِ‬ ‫ويسوقكم إىل الشكر‪ ،‬فعليكُم ُّ‬
‫عور هبا والق ُ‬
‫الش ُ‬
‫الوجو َد ك َّله‪َ ،‬م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن َتع َلكُم ت ِ‬
‫عر َفتَها‬ ‫فون أقسا َم جت ِّليات األسامء احلسنَى التي َت ُع ُّم ُ‬ ‫َعر َ‬ ‫الثاين‪ْ :‬‬
‫األسامء ومعر َفتُها معرف ًة َذ ْو ِقي ًة خالِص ًة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اإليامن بتلك‬ ‫ُ‬ ‫وت ََذ ُّو َقها َفر ًدا َفر ًدا؛ فعليك ُُم‬
‫اإلنسان إنسانًا ّ‬
‫حقا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ـة‪ ،‬وهبام َيغدُ و‬ ‫الكامالت اإلنسانِ َّي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َنمو‬‫يـن ت ُ‬ ‫األساس ِ‬ ‫َ‬ ‫وعىل َه َذ ِ‬
‫ين‬
‫جه ِ‬
‫زة‬ ‫زو ْد باألَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫ف َّ‬ ‫ِ‬
‫املثال لت ِ‬ ‫ِ‬ ‫فانظر َ‬
‫اإلنسان بخالف احليوان مل ُي َّ‬ ‫أن‬ ‫َعر َ‬ ‫خالل هذا‬ ‫اآلن من‬
‫احلياة الدنيا فقط‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ب هذه‬‫لك َْس ِ‬
‫ِ‬ ‫ليشتي هبا بدْ َل ًة ِ‬ ‫خاد َمه ِع‬ ‫أع َطى سيدٌ ِ‬
‫اخلاد ُم‬ ‫امش ُمعيَّ ٍ ‪َ ،‬‬
‫فراح‬ ‫لنفسه‪ ،‬من ُق ٍ‬ ‫َ‬ ‫رشين لري ًة َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ألف ٍ‬
‫لرية‬ ‫آخ َر َ‬ ‫خادما َ‬ ‫األقم َش ِة و َلبِسها؛ ثم أع َطى السيدُ نفسه ِ‬ ‫ِ‬ ‫أج َو ِد أنوا ِع‬
‫ُ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫َ‬ ‫واشتاها من ْ‬ ‫َ‬
‫قل‬‫فكل َمن يملك ُم ْسك ًة من ال َع ِ‬ ‫ِّجار ِة؛ ُّ‬ ‫وأرسله للت َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫تعليامت‬ ‫ورق َة‬ ‫ولكن َو َض َع يف َجيبِه َ‬
‫األو ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫در ُك يقينا َّ‬ ‫ُي ِ‬
‫بعرشين لريةً! فلو مل‬ ‫َ‬ ‫املبلغ ليس لرشاء بد َلة‪ ،‬إذ َقد اشرتاها اخلاد ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫أن هذا‬
‫رتى منه‬ ‫ٍ‬ ‫صاح ِ‬‫ِ‬ ‫كل ما لدَ ْي ِه إىل‬ ‫قة‪ ،‬وأع َطى َّ‬ ‫يقر ْأ هذا الثاين ما كُتِب له يف الور ِ‬
‫ب حانوت واش َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يكون قد ارتَكب محا َق ًة مت ِ‬
‫َناهي ًة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البدالت‪ ،‬أال‬ ‫اآلخر‪ -‬ومن أردإ أنوا ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصديقه‬ ‫َبد َل ًة ‪-‬تقليدا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫نف وعقابه عقابا ِ‬
‫راد ًعا؟‬ ‫نبغي تأديبه بع ٍ‬ ‫ي ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫الحميم‪ ،‬ويا نفيس األمار َة بالسوء!‬
‫َ‬ ‫فيا صديقي‬
‫طاقات حياتِكم‬‫ِ‬ ‫مال ُع ُم ِركم‪ ،‬وال تُبدِّ ُدوا‬ ‫رأس ِ‬ ‫ِ‬
‫استَجم ُعوا ُعقو َلكم‪ ،‬وال َتد ُروا َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫فالعاق ُبة‬ ‫حيواين‪..‬‬ ‫لذ ٍة ما ِّد ٍية و َمتا ٍع‬
‫لة‪ ،‬ويف سبيل َّ‬‫الزائ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفانية‬ ‫ِ‬
‫عداداتا هلذه الدنيا‬ ‫واستِ‬
‫ٍّ‬
‫رأس مالِكُم‬‫أن َ‬ ‫ني درج ًة‪ِ ،‬علام َّ‬ ‫بخ ِ‬
‫مس َ‬ ‫ٍ‬
‫حيوان َ‬ ‫كة أدنَى من َ‬
‫أخ ِّس‬ ‫ون إىل در ٍ‬
‫ََ‬ ‫وخيم ٌة‪ ،‬إذ ت َُر ُّد َ‬‫ِ‬
‫ني ِضع ًفا‪..‬‬ ‫بخ ِ‬
‫مس َ‬ ‫ٍ‬
‫حيوان َ‬ ‫أثم ُن من أر َقى‬ ‫َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪142‬‬
‫ـة َحياتِ ِك‪،‬‬‫ماهي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين أن تَفهمي شي ًئا من‪ :‬غاية َحياتك‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس الغافل َة‪ ..‬إن كُنت تُريد َ‬‫َ‬
‫فيا ِ‬
‫ِ‬
‫«غايات‬ ‫َمال سـعا َد ِة َحياتِ ِك‪ ..‬فان ُظ ِري إىل ُم َم ِل‬
‫حقيقة َحياتِ ِك‪ ،‬ك ِ‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُصورة َحياتك‪ِّ ،‬‬
‫سعة ُأ ٍ‬‫فإنا تِ ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫مور‪:‬‬ ‫َحياتك» َّ‬
‫سم ِك‪،‬‬
‫املغروز ِة يف ِج ِ‬
‫َ‬ ‫احلواس‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وازين‬‫بم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املدخرة يف َخزائ ِن الرمحة اإلهل َّية َ‬
‫َ‬ ‫زن الن ِ‬
‫ِّعم‬ ‫َّأو ُلا‪َ :‬و ُ‬
‫ـي‪.‬‬ ‫بالش ِ‬
‫كر ال ُك ِّل ِّ‬ ‫والقيام ُّ‬
‫ُ‬
‫األجهزة املود ِ‬
‫عة يف‬ ‫ِ‬ ‫ـة احلسنَى بمفاتِ ِ‬
‫يح‬ ‫ِ‬
‫لألسماء اإلهلي ِ‬ ‫الكنوز املخف َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫فتح‬ ‫ثانيها‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األسامء احلسنَى‪.‬‬ ‫جل وعال بتلك‬ ‫فة ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫عر ُ‬‫فِطرتِ ِك‪ ،‬و َم ِ‬

‫وبدائع َصنعتِها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ياتا‬ ‫ِ‬


‫طائف جت ِّل ِ‬ ‫فيك األسام ُء احلسنَى من َل‬ ‫َّبت ِ‬ ‫ُ‬
‫إعالن ما رك ْ‬ ‫ثال ُثها‪:‬‬
‫ب حياتِ ِك كا َّف ًة‬‫عور‪ ،‬وبجوانِ ِ‬ ‫وش ٍ‬ ‫املخلوقات ِ‬
‫بع ْل ٍم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنظار‬ ‫ِ‬
‫البديعة أما َم‬ ‫ف‬‫اللطائ ِ‬
‫ِ‬ ‫وإظهار تلك‬
‫ُ‬
‫معر ِ‬
‫ض الدُّ ني َا هذه‪.‬‬ ‫يف ِ‬
‫احلال والـم ِ‬
‫قال‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫الق ِك‪،‬‬
‫تاب ربوبي ِة َخ ِ‬
‫أع ِ ُ َّ‬ ‫بود َّيتِ ِك عند ْ‬
‫رابعها‪ :‬إظهار ُع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األسامء‪،‬‬ ‫جتليات‬ ‫لك‬‫ـة التي وهبتْها ِ‬ ‫ف اإلنساني ِ‬ ‫طائ ِ‬
‫خامسها‪ :‬التجم ُل بمزايا ال َّل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫جل وعال‪َ ..‬م َث ُلك يف هذا ك ََم َث ِل‬
‫ـي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشهود واإلشهاد َّ‬ ‫ِ‬ ‫وإبرازها أما َم ن َظ ِر ُّ‬
‫األزل ِّ‬ ‫للشاهد َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا ِ‬
‫لطان إ َّياه َا‪،‬‬
‫الس ُ‬ ‫املتنوع َة التي َ‬
‫منح ُه ُّ‬ ‫الرسم َّية الشارات ِّ‬ ‫جلند ِّي الذي يتَق َّلدُ يف املناسبات َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكرمه عليه وعنايته به‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عر ُضها أما َم ِ‬
‫نظره ل ُي ِ‬ ‫و َي ِ‬
‫آثار ُّ‬
‫ظه َر َ‬
‫احلياة‪ُ ،‬شهود ِع ْل ٍم وبصري ٍة‪ ،‬إذ هي ت ِ‬
‫َح ّياتُها‬ ‫ِ‬ ‫لذ ِوي‬ ‫ِ‬
‫احلياة َ‬ ‫ِ‬
‫مظاهر‬ ‫سادسها‪ :‬شهو ُد‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وع ٍ‬
‫ربة‪،‬‬ ‫تسبيحاتا خلالِ ِقها‪ ،‬رؤي ًة بتَفك ٍُّر ِ‬
‫ِ‬ ‫ور ُ‬
‫ؤية‬ ‫ِ‬ ‫الالتا َ ِ‬
‫ُ‬ ‫بحياتا عىل بارئها سبحانَه‪ُ ..‬‬ ‫و َد ُ‬
‫والشهاد ُة‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احلياة سبحانَه‬ ‫ب‬ ‫بوديتِها إىل ِ‬
‫واه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عرض ُع َّ‬ ‫حياتا‪ ..‬ومشاهد ُة‬ ‫موز‬
‫إذ هي ُر ُ‬
‫ونتيجتُها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫حياتا‬ ‫عليها‪ ،‬إذ هي ُ‬
‫غاية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلليل‪ِ ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫فات املطل َق ِة للخالِ ِق‬
‫فة الص ِ‬ ‫ساب ُعها‪َ :‬م ِ‬
‫ب‬ ‫زنا بام ُوه َ‬ ‫وو ُ‬
‫وشؤونه احلكيمة‪َ ،‬‬ ‫عر ُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حلياتِ ِك من ِع ْل ٍم جزئي و ُق ٍ‬
‫درة جزئ َّية وإرا َدة جزئ َّية‪ ،‬أي بجعلها نامذ َج مص َّغر ًة َ‬
‫وو ْحد ًة‬ ‫َ‬ ‫ُ ٍّ‬
‫قة اجلليلة‪ِ.‬‬‫الصفات املط َل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملعرفة تلك‬ ‫ِ‬
‫قياس َّي ًة‬
‫َ‬
‫ـة وإرا َدتِ ِك اجلزئ َّي ِة‪،‬‬
‫كام ٍل‪ُ ،‬بقدرتِ ِك اجلزئي ِ‬
‫َّ‬
‫دت هذه الدار بنظا ٍم ِ‬
‫َ‬
‫َّك قد َشي ِ‬
‫َّ‬
‫فمثال‪ :‬كام أن ِ‬
‫� �� � � �� � � � �‬
‫‪143‬‬ ‫��� ���� �� � ����������‬
‫ِ‬
‫ونظامه املت َق ِن‪َّ -‬‬
‫أن‬ ‫رص َ‬
‫العالِ‬ ‫مة ِ‬
‫بناء َق ِ‬ ‫سبة ع َظ ِ‬
‫َعلمي ‪-‬بنِ ِ‬
‫عليك أن ت ِ‬
‫ِ‬ ‫اجلزئي‪ ،‬كذلك‬ ‫لم ِك‬
‫وع ِ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫كيم‪ُ ،‬مد ِّب ٌر‪.‬‬
‫ليم‪َ ،‬ح ٌ‬
‫قدير‪َ ،‬ع ٌ‬
‫بنَّا َءه ٌ‬
‫املعنو َّي ِة ٌّ‬
‫‪-‬كل‬ ‫ِ‬ ‫كلامتِه‬
‫وإدراك ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العالِ‬ ‫كل موج ٍ‬
‫ود يف‬ ‫الصادرة من ِّ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األقوال َّ‬ ‫فهم‬
‫ُ‬ ‫ثامنُها‪:‬‬
‫حسب لسانِه اخلاص‪ -‬فيام َيُص وحدانِي َة خالِ ِقه وربوبِي َة م ِ‬
‫بد ِعه‪.‬‬ ‫ُ َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ين ال َع ْج ِز‬ ‫بم ِ‬
‫واز ِ‬ ‫رو ِة الر َّبان َّي ِة املط َلق َت ْي ِ‬
‫ـن‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫الق ِ‬
‫درة اإلهل َّية وال َّث َ‬
‫ِ‬
‫راك درجات ُ َ‬ ‫تاس ُعها‪ :‬إ ْد ُ‬
‫األطع َم ِة ودرجاتُها‬
‫ِ‬ ‫أنـواع‬
‫ُ‬ ‫ُدر ُك‬ ‫ِ ِ‬
‫ـوية يف نفـسك‪ ،‬إذ كام ت َ‬
‫قر واحلاج ِة الـمنـ َط ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عف وال َف ِ‬ ‫والض ِ‬ ‫َّ‬
‫القدرة اإلهل َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫درجات‬ ‫ِ‬
‫االحتياج إليها‪ ،‬كذلك ع َليك ُ‬
‫فهم‬ ‫ِ‬ ‫وبم ِ‬
‫قدار‬ ‫بدرجات اجلو ِع ِ‬
‫ِ‬ ‫ولذاتُها‪،‬‬
‫ي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املتناه َي ْ ِ‬ ‫قر ِك ِ‬
‫غري‬ ‫جز ِك و َف ِ‬ ‫رو ِة الر َّبان َّي ِة املط َلقت ْ ِ‬
‫َي ب َع ِ‬ ‫وال َّث َ‬
‫«غايات َحياتِ ِك»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫األمور التس َع ُة وأمثا ُلها هي ُم َم ُل‬
‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫ِ‬
‫الغرائ ِ‬ ‫جم ُلها هو‪ :‬إهنـا فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ص األسام َء‬ ‫ب التي ت ُ‬
‫َـخ ُّ‬ ‫هر ُس‬ ‫فم َ‬ ‫أ ّما «ماه َّي ُة َحياتك الذات َّية» ُ‬
‫وم ٌ‬ ‫اجلليلة‪ِ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫وصفاتِه‬‫ؤون اهلل سبحانَه ِ‬ ‫ِ‬
‫ملعرفة ُش ِ‬ ‫ِ‬
‫يزان‬ ‫قياس ُمص َّغ ٌر‬‫اإلهل َّي َة احلسنَى‪ ..‬وم ٌ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫وخريط ٌة هلذا‬ ‫ِ‬
‫الكبري‪َ ..‬‬ ‫جات هذا العا َل ِ‬
‫ـم‬ ‫الكون‪ ..‬والئح ٌة ملندَ ر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـم التي يف‬ ‫للعوالِ ِ‬
‫َ‬
‫در ِة اإلهل َّي ِة اخلف َّي ِة‪..‬‬
‫الق َ‬ ‫كنوز ُ‬
‫مفاتيح تَفت َُح َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وجمموعة‬ ‫ِ‬
‫الكبري‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫لكتاب‬ ‫الواسعِ‪ ..‬و َف ْذ َل ٌ‬
‫كة‬
‫ِ‬
‫واألزمان‪..‬فهذه‬ ‫ِ‬
‫األوقات‬ ‫ِ‬
‫واملنشورة عىل‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪،‬‬ ‫للكامالت املبثو َث ِة يف‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تقويم‬ ‫سن‬
‫وأح ُ‬‫ْ‬
‫«ماه َّي ُة َحياتِ ِك»‪.‬‬
‫وأمثالا هي ِ‬ ‫ُ‬

‫يمة مكتُوب ٌة‬


‫حك ٌ‬ ‫كلمة ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َك‬‫أن حيات ِ‬ ‫ك» و َط ْر َز وظي َفتِها‪ ،‬وهي‪َّ :‬‬ ‫وإليك اآلن «صور َة حياتِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫األسامء احلسنَى‪ ..‬فهذه‬ ‫ِ‬ ‫سموع ٌة تدُ ُّل عىل‬ ‫قالة ٌ‬‫در ِة اإلهل َّي ِة‪ ..‬وهي َم ٌ‬ ‫لم ُ‬ ‫ب َق ِ‬
‫شهود ٌة و َم ُ‬ ‫بليغة َم ُ‬ ‫الق َ‬
‫وأمثا ُلها هي ُصور ُة حياتِ ِك‪.‬‬
‫أن‬‫الص َم ِد َّي ِة‪ ،‬أي َّ‬ ‫لتجل األَحدي ِة‪ ،‬وج ِ‬ ‫ِّ‬ ‫وس ُّرها» فهي‪َّ :‬أنا مرآ ٌة‬ ‫ك ِ‬ ‫أما «حقيق ُة حياتِ ِ‬
‫لوة َّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكأن حياتَك نقط ٌة‬ ‫َّ‬ ‫الصمد جت ِّل ًيا جام ًعا‪،‬‬ ‫جتل الذات األَحد َّ‬ ‫حياتَك كاملرآة َينعك ُس عليها ِّ‬
‫أمجع‪.‬‬ ‫ـة عىل العا َل ِ‬‫ـة املتج ِّلي ِ‬ ‫ِ‬
‫األسامء اإلهلي ِ‬ ‫ـة جلمي ِع أنوا ِع جت ِّل ِ‬ ‫َم ِ‬
‫ركز َّي ٌ‬
‫ـم َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫يات‬
‫ـة يف ِ‬
‫يات اإلهلي ِ‬
‫أنوار التج ِّل ِ‬
‫َجل من ِ‬ ‫«كمال سعاد ِة حياتِ ِ‬
‫مرآة‬ ‫َّ‬ ‫ور بام يت َّ‬ ‫ك» فهو‪ُّ :‬‬
‫الش ُع ُ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫أ ّما‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪144‬‬
‫ِ‬
‫وترس ُ‬
‫يخ‬ ‫عور‪ ،‬ثم الفنا ُء يف حم َّبتِها‪،‬‬ ‫وأنت مالِك ٌة ُّ‬
‫للش ِ‬ ‫ِ‬ ‫وق إليها‪،‬‬ ‫الش ِ‬
‫وإظهار َّ‬ ‫وح ُّبها‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َحياتك ُ‬
‫ني َقلبِ ِك‪.‬‬‫املنعك َس ِة ومتكينُها يف ُبؤ ُب ِؤ َع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنوار‬ ‫تلك‬‫َ‬

‫س الذي َر َف َع ِك إىل أعىل‬ ‫َّبوي ُ ِ‬


‫القدُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بالفارس َّيـة هذا املعنَى للحديث الن ِ ِّ‬ ‫وألجل هذا ِق َيل‬
‫ِ‬
‫ع ِّل ِّي َ‬
‫ني‪:‬‬
‫���� ْم ���قَ����لْ�� �ُم ْؤ �م ن���� ن‬
‫ُگ ن �جَ‬ ‫�جَ ْ‬‫اَ زْ َ‬
‫� وَ زَ �م�� ن �‬
‫� ْ ْ سَ ٰ تُ‬ ‫مَ نَ ُگ ن َ‬
‫ب‬ ‫�‬
‫�‬ ‫�‬
‫��‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ع‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫وَا‬‫��م‬
‫�‬ ‫��‬ ‫دَر‬‫م‬ ‫�ج‬
‫��‬ ‫� � ن� �������� �‬
‫(‪)1‬‬
‫�‬
‫ِ ب ِ ِ ِي�‬ ‫ب‬ ‫ِ ي�‬

‫ُ‬
‫اجلامعة ملثل هذه‬ ‫الـم َثل‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫َوج ُه إىل ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيا نفيس‪َّ ..‬‬
‫ثل هذه الغايات ُ‬ ‫إن حياتَك التي تت َّ‬
‫ِ‬ ‫حظوظ تافِ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫اخلزائن القي ِ‬
‫ِ‬
‫النفس‬ ‫لرغبات‬ ‫هة‪ ،‬تلبي ًة‬ ‫ف يف‬ ‫ليق عقال وإنصا ًفا أن ت َ‬
‫ُصـر َ‬ ‫مة‪ ..‬هل َي ُ‬ ‫ِ ِّ‬
‫بلذائذ دنيوي ٍة ٍ‬
‫فانية‪ ،‬فتُهدَ َر وتُض َّي َع بعدَ ذلك ؟!‬ ‫َ‬ ‫ارة‪ ،‬واستِ ً‬
‫متاعا‬ ‫األم ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وجواب ال َق َس ِم يف‬ ‫ضياعها سدً ى‪ ،‬ففك ِِّري وتد َّب ِري يف ال َق َس ِم‬ ‫ِ‬ ‫فإن ك ِ‬
‫ُنت راغب ًة يف َعد ِم‬
‫اع َميل‪.‬‬ ‫واحلقيقة املذك ِ‬
‫ُورة‪ ،‬ثم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التمثيل‬ ‫مس» الذي َير ُم ُز إىل‬ ‫«الش ِ‬‫ور ِة َّ‬
‫ُس َ‬

‫�﷽‬

‫﴿ ﭑﭒ* ﭔﭕﭖ* ﭘﭙﭚ* ﭜﭝﭞ* ﭠ‬


‫ﭡ ﭢ‪ * ‬ﭤ ﭥ ﭦ * ﭨ ﭩ ﭪ * ﭬ ﭭ ﭮ * ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ * ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ (الشمس‪)10-1:‬‬
‫انلبُ َّوة‪َ ،‬و َع َل �آل َو ْ‬
‫أص َ‬ ‫الل َص ّل َو َسلّ ْم َع َل َش ْمس َس َماء ّ َ َ َ َ ُ‬
‫َّ َّ‬
‫حابِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫رج ُّ ِ‬ ‫الرسال ِة َوقم ِر ب ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ارحنَا َو َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫ُُ ْ َ َ َ َ‬
‫ات‪.‬‬
‫ارح ِم المؤ ِم ِنني والمؤ ِمن ِ‬ ‫نومِ ال ِهداي ِة؛ و‬
‫ني �آم َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫آ َ آ َ‬
‫� ِمني � ِم ِ‬

‫اهليتمي يف «الفتاوى‬ ‫املؤمن»‪ ،‬قال ابن َح َج ٍر‬ ‫بدي ِ‬ ‫رض ولكن و ِسعنِي قلب عَ ِ‬ ‫(‪ )1‬هذا معنى احلديث «ما و ِسعنِي سامئي وال َأ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصوفية‬ ‫وصالـحو‬
‫ُ‬ ‫كر مجاعة له من الصوفية ال ُيريدون حقيق َة ظاه ِره من االتِّـحاد واحللول‪ ،‬ألن كال منهام ٌ‬
‫كفر‪،‬‬ ‫احلديثية»‪ :‬وذ ُ‬
‫َ‬
‫اإليامن باهلل وحم ّبتَه و َمعرفتَه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قلب املؤم ِن َي َس ُع‬ ‫ِ‬ ‫جيب له وما َيست ُ‬
‫َحيل عليه‪ ،‬وإنام ُيريدون بذلك ّ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫الناس باهلل وما ُ‬ ‫أعرف‬
‫ُ‬
‫أ هـ ‪ ..‬وانظر‪ :‬أمحد بن حنبل‪ ،‬الزهد ص‪81‬؛ الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين ‪15/3‬؛ الديلمي‪ ،‬املسند ‪174/3‬؛ الزركيش‪،‬‬
‫التذكرة يف األحاديث املشتهرة ص‪135‬؛ السخاوي‪ ،‬املقاصد احلسنة ص‪990‬؛ العجلوين‪ ،‬كشف اخلفاء ‪.255/2‬‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا ��لث ا �ن� �ة � ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� �� ي�� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ (البقرة‪)269:‬‬

‫كم ِة‬ ‫ِ ِ‬
‫املقدسة وح َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫الق ِ‬
‫رآن‬ ‫ِ‬
‫حكمة ُ‬ ‫وازنة إمجال َّي ٍة َ‬
‫بني‬ ‫الكلمة تُشري إىل م ٍ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫القرآن من ترب َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حكمة‬ ‫ٍ‬
‫خمترصة ملا تُل ِّقنُه‬ ‫ٍ‬
‫خالصة‬ ‫ُشري أيضا إىل‬
‫الفلسفة‪ ،‬وت ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ترج ِح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف حيا َت ْي ِه َّ‬
‫َضم إشار ًة إىل جهة ُّ‬
‫الشخص ّية واالجتامع َّية فضال عن أهنا ت ُّ‬
‫أن‬ ‫موه عىل األقوال قاطب ًة؛ بمعنى َّ‬ ‫وس ِّ‬ ‫اإلهلي ُ‬
‫ِّ‬ ‫الكريم وأفضل َّيتِه عىل ِ‬
‫سائر الكال ِم‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫أس ٍ‬
‫الكلمة‪:‬‬ ‫س يف هذه‬ ‫هناك أربع َة ُ‬

‫األساس األول‬
‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫بني‬ ‫ِ‬
‫الفروق َ‬ ‫احلكاية التَّمثيل َّي ِة ان ُظر إىل‬
‫ِ‬ ‫الل ِم ِ‬
‫نظار هذه‬ ‫من ِخ ِ‬
‫وح ِ‬
‫كمة ال ُعلو ِم‪:‬‬ ‫ِ‬

‫احلكيم كتاب ًة‬ ‫َ‬


‫القرآن‬ ‫ُب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫وصالح وذو َمهارة وإبداع أن َيكت َ‬ ‫تقوى‬
‫عظيم ذو ً‬
‫ٌ‬ ‫حاكم‬
‫ٌ‬ ‫أرا َد‬
‫الكريم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫البديع يف كلامتِه‪ ،‬فأرا َد أن ُيلبِ َس‬ ‫َ‬ ‫إعجازه‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َليق بقدس َّية معانيه اجلليلة وتُناس ُ‬ ‫ت ُ‬
‫خارق ِم ْث ِل ِه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫يب‬‫ثوب َق ِش ٍ‬ ‫ِ‬
‫السام َي من ٍ‬ ‫إعجازه‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫ما ُيناس ُ‬
‫ِ‬
‫اجلواه ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مبدع‪ ،‬كتاب ًة عجيب ًة جدا ُمستَعمال َ‬
‫مجيع أنوا ِع‬ ‫ٌ‬ ‫َف َطف َق بكتابة القرآن‪ ،‬وهو ُم ِّ‬
‫صو ٌر‬
‫بعض حروفِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنو ِع حقائقه العظيمة؛ فك َ‬
‫َتب َ‬ ‫شري هبا إىل ت ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّفيسة واألحجار الكريمة؛ ل ُي َ‬
‫الن ِ‬
‫َ‬
‫قيق‬‫باجلوهر وال َع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقسم منها بال ُّل ْؤ ُل ِؤ واملرجان وطائف ًة منها‬ ‫ِ‬
‫والز ُم ُّرد‬ ‫ِ‬
‫باألملاس ُّ‬ ‫ِ‬
‫املجسمة‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪146‬‬
‫ب هبا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫بالذ ِ ِ ِ‬
‫كل‬ ‫لألنظار ُي ْع َج ُ‬ ‫هب والف َّضة‪ ،‬حتى أض َفى مجاال رائ ًعا ُ‬
‫وحسنًا جال ًبا‬ ‫ونوعا منها َّ‬
‫ً‬
‫الكتابة الب ِ‬
‫ِ‬ ‫ميع َي ِق َ‬ ‫ِ‬
‫وتني‬
‫ديعة َم ُبه َ‬ ‫َ‬ ‫فون أما َم هذه‬ ‫من يراها سوا ًء أعل َم القراء َة أم َجه َلها؛ َ‬
‫فالج ُ‬
‫َ‬
‫ينظرون إليها نظر َة‬ ‫دؤوا‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة الذين َب ُ‬ ‫واإلعجاب‪ ،‬وال س ّيام ُ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬
‫التبجيل‬ ‫هم‬
‫ُ‬ ‫غم ُر ُ‬
‫َي ُ‬
‫ف َعما حتتَه من ِ‬
‫مجال املعاين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الج َ‬ ‫يعلمون َّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫وتقدير َأشدَّ ‪ ،‬ملا‬ ‫ٍ‬
‫مال الباه َر هذا َيش ُّ ّ‬ ‫أن َ‬ ‫إعجاب‬
‫والذ ِ‬
‫وق‪.‬‬ ‫ذة َّ‬‫وغاية ال َّل ِ‬
‫ِ‬ ‫وهو يف منتهى السطو ِع وال َّل ِ‬
‫معان‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َ‬
‫اجلامل‪ ،‬عىل َفيلس ٍ‬
‫وف‬ ‫ِ‬ ‫الرائع‬ ‫ِ‬
‫الكتابة‪،‬‬ ‫البديع‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫العظيم‪ ،‬هذا‬ ‫احلاكم‬ ‫عر َض ذلك‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل منكام كتا ًبا َح َ‬‫ُب ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم ًحا‬
‫ول حكمة هذا القرآن» ُم ِّ‬ ‫َبي وعىل عال ٍم ُمسل ٍم‪ ،‬وأ َم َر ُها‪« :‬ل َيكت ْ‬ ‫أجن ٍّ‬
‫بار ِها ل ُيكافِ َئ ُهام‪.‬‬
‫إىل اختِ ِ‬

‫بح ُث عن‬ ‫ِ‬ ‫املسلم ِكتا ًبا؛ كان‬ ‫ِ‬


‫كتاب الفيلسوف َي َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـم‬
‫َب العال ُ‬ ‫الفيلسوف كتا ًبا‪ ،‬و َكت َ‬ ‫ُ‬ ‫َب‬ ‫كت َ‬
‫جواه ِرها‬‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وعالقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نقوش احل ِ‬
‫وخواص‬
‫ِّ‬ ‫كل منها‪،‬‬ ‫ببعض‪ ،‬وأوضا ِع ٍّ‬ ‫بعضها‬ ‫ومجالا‪،‬‬ ‫روف‬ ‫ِ ُ‬
‫قط‪ ،‬إذ إنَّه‬ ‫العظيم ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫َعر ْض يف كتابِه إىل معاين ذلك‬ ‫ِ‬ ‫وم ِ‬ ‫ِ‬
‫ب؛ ومل يت َّ‬ ‫فح ْس ُ‬ ‫وصفاتا َ‬ ‫يزاتا‬
‫عظيم َتن ُُّم‬
‫ٌ‬ ‫كتاب‬
‫ٌ‬ ‫البديع هو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫أن ذلك‬‫درك َّ‬ ‫باللغة ال َعرب َّي ِة جهال ُمطبِ ًقا‪ ،‬بل مل ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاه ٌل‬ ‫ِ‬
‫اخلار ِق؛ ومع هذا فهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومجالا‬ ‫وع ِة حروفِه‬ ‫نظره يف َر َ‬ ‫ص َ‬
‫ٍ‬
‫حرو ُفه عن معان َجليلة‪ ،‬وإنَّام َح َ َ‬
‫ٍ‬
‫َتب كتا َبه هذا َو ْف َق‬ ‫ٌ ِ‬ ‫ّان‪ ،‬وكيميائي ِ‬
‫حاذ ٌق‪،‬‬ ‫صو ٌر فن ٌ‬ ‫ِ‬
‫وصائغ ماه ٌر‪ ،‬لذا فقد ك َ‬ ‫ٌّ‬ ‫بارع‪ ،‬و ُم ِّ‬ ‫ُمهند ٌس ٌ‬
‫نون‪.‬‬‫وييدُ ه من ُف ٍ‬ ‫مهارات ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ما ُي ِتقنُه من‬
‫ني و ُق ٌ‬
‫رآن‬ ‫كتاب ُمبِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نظر إىل تلك الكتابة ال َبدي َعة حتى عل َم أنَّه‪ٌ :‬‬ ‫ـم املسل ُم ‪ ،‬فام إن َ‬ ‫أ ّما العال ُ‬
‫البديع ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫خار ِف ُحروفِه‬ ‫نفسه َبز ِ‬ ‫غل َ‬ ‫رة‪ ،‬وال ْأش َ‬ ‫الظاه ِ‬
‫ِ‬ ‫ف اهتِام َمه إىل ِزينَتِه‬ ‫حكيم؛ فلم َي ْص ِر ْ‬ ‫ٌ‬
‫ف وأن َف ُع‬ ‫وأرش ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫وأثم ُن وأل َط ُ‬ ‫أسمى َ‬ ‫للحق‪ -‬إىل ما هو َ‬ ‫ِّ‬ ‫َوجه ك ِّل ًيا ‪-‬وهو الت َّ‬
‫َّـو ُاق‬ ‫وإنَّام ت َّ‬
‫حتت تلك‬ ‫فبح َث عام َ‬ ‫ِ‬ ‫الي ِ‬
‫بم ِ‬ ‫انش َ‬ ‫وأشم ُل ممّا َ‬
‫ـني األضعاف‪َ ،‬‬ ‫َبي َ‬ ‫الفيلسوف األجن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫غل به‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سام ٍية‬ ‫حقائق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفسريا ق ِّيام هلذا‬ ‫ً‬ ‫َب كتا َبه‬ ‫وأرسار ن ِّي َـرة بديعة ف َكت َ‬ ‫جليلة‬ ‫َ‬ ‫اجلميلة من‬ ‫النقوش‬
‫فأجا َد وأت َق َن‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكيم‪َ ،‬‬ ‫القرآن‬
‫ِ‬
‫الفيلسوف ون َظ َر‬ ‫ف‬‫احلاكم َّأوال ُمؤ َّل َ‬ ‫َ‬
‫تناول‬ ‫ِ‬
‫العظيم؛‬ ‫ِ‬
‫احلاكم‬ ‫منهام ما كَت َبه إىل‬ ‫قدَّ َم ٌّ‬
‫ُ‬ ‫كل ُ‬
‫قط‪،‬‬ ‫للطبيعة‪ ،‬مل يكتُب ِحكم ًة ِ‬
‫حقيق َّي ًة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫أن ذلك المعجب ِ‬
‫بنفسه والمقدِّ َس‬ ‫ِ‬
‫إليه َم ِل ًّيا‪ ،‬فرأى َّ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫مر‪،‬‬ ‫َلط عليه األَ ُ‬
‫الكتاب‪ ،‬بل زا َغ واخت َ‬ ‫ِ‬ ‫معاين ذلك‬
‫َ‬ ‫كل ما يف َط ْوقه‪ ،‬إذ مل ْ َ‬
‫يفه ْم‬ ‫بذ َل َّ‬
‫مع أنَّه َ‬ ‫َ‬
‫� �� � � ��� �� � � � �‬
‫‪147‬‬ ‫��� ���� �� ����������‬
‫وظن أنه‬ ‫َّ‬ ‫السام َي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ث بمعانِ ِيه‬ ‫كرت ْ‬‫حيث إنه مل َي ِ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫وإجالل لذلك‬‫ٍ‬ ‫وأظه َر َعد َم ت ٍ‬
‫َوقري‬ ‫َ‬
‫حيث املعنَى؛ لذا َر َّد‬ ‫ُ‬ ‫واز َدرا ُه من‬ ‫ِ‬
‫القرآن ْ‬ ‫حق‬ ‫فبخ َس َّ‬ ‫بديعة‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫روف‬ ‫مجيلة وح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نقوش‬ ‫ُم َّر ُد‬
‫ُ‬
‫جهه و َطر َده من ديوانِه‪.‬‬ ‫وض َبه عىل َو ِ‬ ‫الفيلسوف َ‬ ‫ِ‬ ‫ف ذلك‬ ‫كيم ُمؤ َّل َ‬‫حل ُ‬ ‫احلاك ُم ا َ‬
‫ِ‬

‫بالغ النَّفعِ‪،‬‬ ‫تفسري ق ِّي ٌم جدا‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫املسل ِم املح ِّق ِق املد ِّق ِق‪ ،‬فرأى أنَّه‬ ‫ِ‬ ‫ـم‬ ‫ف العالِ ِ‬ ‫أخ َذ ُمؤ َّل َ‬ ‫ثم َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ـم‬ ‫اسم العال ِ‬ ‫طلق ُ‬ ‫حقا‪ ،‬وإنَّام ُي ُ‬ ‫احلكمة ّ‬
‫ُ‬ ‫وقال‪ :‬هذه هي‬ ‫وهنَّأ ُه عليه َ‬ ‫عم َله‪ ،‬وقدَّ َر ُجهدَ ه‪َ ،‬‬ ‫َف َب َار َك َ‬
‫وجتاوز‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أفرط‬ ‫َّاعا قد‬
‫إل فنَّانًا صن ً‬ ‫وليس َ‬
‫اآلخ ُر ّ‬ ‫ف‪،‬‬ ‫ب هذا المؤ َّل ِ‬ ‫ِ‬
‫صاح ِ‬ ‫حقا عىل‬ ‫واحلكيم ّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫لريات ذهب َّي ٍة‬
‫ٍ‬
‫أن ُتن ََح ُ‬
‫عرش‬ ‫وأجز َل ثوا َبه‪ً ،‬‬
‫آمرا ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املسل َم‬ ‫ـم‬ ‫ِ‬
‫كافأ ذلك العال َ‬ ‫حدَّ ُه‪ ..‬وعىل إِ ِثره َ‬
‫روف كتابِه‪.‬‬ ‫رف من ح ِ‬ ‫لكل ح ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِّ َ‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪ :‬فذلك‬ ‫احلكاية التَّمثيلي ِة‪ ،‬فان ُظر إىل ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫مت ‪-‬يا أخي‪ -‬أبعا َد هذه‬ ‫فإذا َف ِه َ‬
‫َّ‬
‫األز ِل واألَ ِبد‬ ‫يب‪ ،‬هو ُس ُ‬
‫لطان َ‬ ‫الـم ِه ُ‬
‫احلاكم َ‬
‫ُ‬ ‫ديع‪ ..‬وذلك‬ ‫ُ‬
‫الكون ال َب ُ‬ ‫الزاهي‪ ،‬هو هذا‬‫اجلميل ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫واآلخ ُر‪ :‬هو‬ ‫وحكامؤها؛‬
‫ُ‬ ‫الن‪ :‬األو ُل ‪-‬أي ذلك األجنَبي‪ -‬هو ِعلم ال َفلس ِ‬
‫فة‬ ‫سبحانَه‪ ،‬والرج ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ُ‬
‫يذه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكريم وتالم ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬
‫ُ‬
‫مان وأعاله لهذا‬ ‫َرج ٍ‬ ‫َفسير وأسماه‪ ،‬وأبلغُ ت ُ‬ ‫أعظم ت ٍ‬ ‫ُ‬ ‫«المقروء» هو‬
‫َ‬ ‫الكريم‬
‫َ‬ ‫القرآن‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫نعم‪َّ ،‬‬
‫احلكيم هو الذي‬ ‫َ‬ ‫إن ذلك ال ُف َ‬
‫رقان‬ ‫«منظور»‪ ..‬نعم‪َّ ،‬‬‫ٌ‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫آخ ُر‬‫قرآن َ‬‫الكون البديعِ‪ ،‬الذي هو ٌ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫حائ ِ‬
‫القدر ِة اإلهلي ِة عىل ص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫الكون‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫لم ُ َ‬ ‫واإلنس إىل اآليات الكَون َّية التي َس َّط َرها َق ُ‬ ‫َ‬ ‫اجلن‬
‫َّ‬ ‫رشدُ‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫املوجودات ‪-‬التي ٌّ‬ ‫صور؛ وهو الذي َين ُظ ُر إىل‬ ‫األزم ِنة وال ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أوراق‬ ‫الواسع ود َّب َجها عىل‬ ‫ِ‬
‫حيث دال َلتُها عىل الصانِ ِع‬ ‫ُ‬ ‫ـي‪ ،‬أي َين ُظ ُر إليها من‬ ‫ِ‬
‫غزى‪ -‬باملعنى احلرف ِّ‬ ‫حرف ذو َم ً‬ ‫ٌ‬ ‫منها‬
‫ِ‬
‫اجلليل!‬ ‫مجال ِ‬
‫املبدع‬ ‫أجمل َخ ْل َق ُه! ما أعظم دال َل َت ُه عىل ِ‬ ‫َ‬ ‫أحس َن َخ ْل َق ُه! ما‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فيقول‪ :‬ما َ‬ ‫اجلليل‪،‬‬
‫للكائ ِ‬
‫نات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احلقيقي‬ ‫مال‬ ‫الج َ‬ ‫ِ‬ ‫وهكذا ي ِ‬
‫َّ‬ ‫األنظار َ‬ ‫ف أما َم‬ ‫كش ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املوجودات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حروف‬ ‫ينات‬ ‫َزي ِ‬ ‫قت يف ت ِ‬ ‫فة‪ ،‬فقد َغ ِر ْ‬ ‫الفلس ُ‬ ‫كمة وهي‬ ‫لم احلِ ِ‬ ‫بع ِ‬‫أما ما يسمونَه ِ‬
‫َ‬ ‫ّ َ ُ َ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ببعض‪ ،‬حتَّى ض َّل ْت عن‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪ ..‬فبينَام كان عليها أن‬ ‫بعضها‬ ‫مبهو َت ًة أما َم‬ ‫وظ َّل ْت ُ‬
‫ال ْس ِم ِّي‪،‬‬
‫بحساب اهلل‪ ،‬فقد نَظر ْت إليها باملعنَى ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫احلريف أي‬
‫ِّ‬ ‫الكون باملعنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كتاب‬ ‫تَن ُظ َر إىل‬
‫َقول‪ :‬ما‬ ‫ِ‬
‫الصورة فت ُ‬ ‫ث عنها علـى هذه‬ ‫أت تتحدَّ ُ‬ ‫بذاتا‪ ،‬وبدَ ْ‬ ‫الموجودات قائم ًة ِ‬ ‫ِ‬ ‫أي َّ‬
‫إن‬
‫احلقيقي لليشء؛‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الجمال‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫أمجل َخ ْل َق هذا‪ ،‬سالِب ًة هبذا‬
‫أجمل هذا! َبـدَ ًل من‪ :‬ما َ‬
‫َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪148‬‬
‫ِ‬ ‫املوجودات حتى جع ِ‬
‫ِ‬ ‫نفس ِه‬
‫يء ِ‬‫الش ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫لت‬ ‫َ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫الجمال إىل َّ‬ ‫بإسنادها‬ ‫انت‬
‫أه ْ‬ ‫َف َ‬
‫ِ‬
‫القيامة‪..‬‬ ‫شاكي ًة عليها يو َم‬
‫ِ‬
‫للكون وإهان ٌة له‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فسط ٌة ال حقيق َة لها وت ٌ‬
‫َحقير‬ ‫الفلسف َة الملحدَ َة إنما هي َس َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫نعم‪َّ ،‬‬

‫األساس الثاين‬
‫َ‬
‫تالميذه‪،‬‬ ‫الكريم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫األخالقي ِ‬
‫ـة التي ُير ِّبي هبا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرتبية‬ ‫صول إىل مدَ ى ال َف ِ‬
‫رق بني‬ ‫ِ‬ ‫للو‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫املواز ِنة‪:‬‬
‫يذ ْيِام يف َ‬ ‫نضع تِ ِ‬
‫لم َ‬ ‫أن َ َ‬
‫حكمة الفلس ِ‬
‫فة‪ ،‬نرى ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والدَّ ِ‬
‫رس الذي تُل ِّق ُن ُه‬
‫ٍ‬
‫ألج ِل‬ ‫أخس يشء ْ‬ ‫َّ‬ ‫ذليل‪ ،‬إذ َيع ُبدُ‬ ‫ون ٌ‬ ‫ون» ولكنَّه فِ َ‬
‫رع ٌ‬ ‫رع ٌ‬ ‫فة «فِ َ‬ ‫فالتلميذ اخلالص للفلس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وعنو ٌد» ولكنَّه‬ ‫َمر ٌد َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كل ما ينف ُعه َر َّبا له؛ ثم َّ‬ ‫َّخ ُذ َّ‬‫منفعتِه‪ ،‬ويت ِ‬
‫التلميذ الجاحدَ «مت ِّ‬ ‫إن ذلك‬
‫لذ ٍة‪ ،‬وهو َعنو ٌد دين ٌء إذ يتَذ َّل ُل‬ ‫احلصول عىل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫الذ ِّل يف‬
‫نتهى ُّ‬ ‫ِ‬
‫يرض لنفسه ُم َ‬ ‫سكني َ‬
‫ٌ‬ ‫تم ِّر ٌد ِم‬
‫ُم َ‬
‫يذ الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ياطني‪ ،‬بل ُيق ِّب ُل أقدا َمهم! ثم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫«مغرور‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫لحدَ‬ ‫ذلك التلم َ ُ‬ ‫إن َ‬ ‫ألشخاص هم َّ‬
‫كالش‬ ‫وين َُع‬‫َ‬
‫حيث ال جيدُ يف قلبِه نُقط َة استِناد؛ٍ‬ ‫ِ‬
‫العجز يف ذاته‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫نتهى‬ ‫ِ‬ ‫َجبار» ولكنَّه َجبار ِ‬
‫بم َ‬ ‫لشعوره ُ‬ ‫عاج ٌز‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫النفس‬ ‫ِ‬
‫رغبات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فغاية ه َّمته تَلبِ َي ُة َ‬ ‫ُ‬ ‫إل ذاتَه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َفعي و َمصلح ٌّي» ال َيرى ّ‬ ‫َ‬ ‫ثم َّ‬
‫التلميذ «ن ٌّ‬ ‫إن ذلك‬
‫مصالح األ َّم ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الشخص َّي ِة ِض ْم َن‬ ‫َحرى عن مصاحلِه َّ‬ ‫َّار» يت َّ‬ ‫اس مك ٌ‬ ‫«دس ٌ‬ ‫والفر ِج‪ ،‬وهو َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫والبطن‬

‫ِ‬
‫ألعظم‬ ‫ٍ‬
‫ليشء حتى‬ ‫عزيز ال ي ِ‬
‫ستذ ُّل‬ ‫«عبدٌ » ولكنَّه َعبدٌ‬ ‫ِ‬ ‫بينام تِ ُ‬
‫ٌ َ‬ ‫القرآن اخلالص هو َ‬ ‫لميذ‬
‫أن تِ َ‬
‫لميذه‬ ‫ظمى‪ -‬غاي ًة لعبود َّيتِه هلل؛ كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يرض حتى باجلنة ‪-‬تلك النِّعمة ال ُع َ‬ ‫خملوق‪ ،‬وال َ‬ ‫ٍ‬
‫أمر ِه وإذنِه؛‬ ‫ِ‬
‫ولغري ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫لغري ِ‬
‫فاطره‬ ‫يتذ َّل ُل بإرا َدتِه ِ‬ ‫احلقيقي «م ِ‬
‫تواض ٌع‪َ ،‬ل ِّي ٌن ه ِّي ٌن» ولكنَّه ال َ‬ ‫َّ ُ‬
‫ٍ‬ ‫وض ِ‬
‫خره له مالكُه‬ ‫كل يشء بام ا َّد َ‬ ‫عفه‪ ،‬ولكنّه ُمست ٍ‬
‫َغن عن ِّ‬ ‫قر ِه َ‬ ‫عيف» م ِ‬
‫وق ٌن ب َف ِ‬ ‫وض ٌ ُ‬ ‫«فقري َ‬
‫ٌ‬ ‫ثم إنَّه‬
‫قة؛ ثم إنه ال‬ ‫ناده إىل ُقو ِة سي ِده املطـ َل ِ‬‫رة؛ وهو « َقوي» الستِ ِ‬ ‫اآلخ ِ‬
‫الكريم من خزائن ال تَن َفدُ يف ِ‬
‫َّ ِّ‬ ‫ٌّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ونرشها‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفضائل‬ ‫من ِرضا ُه ً‬
‫بلوغا إىل‬ ‫لوجه اهلل‪ ،‬بل ال يسعى ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعم ُل ّ‬
‫إل ض َ‬ ‫َ‬ ‫إل‬ ‫َ‬
‫املقار ِنة بني تِ َ‬
‫لميذهيِام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلكمتان‪ ،‬لدَ ى َ‬
‫َ‬ ‫وهكذا ُت ْف َه ُم التَّرب َّي ُة التي ُتربِّ هبا‬
‫� �� � � ��� �� � � � �‬
‫‪149‬‬ ‫��� ���� �� ����������‬
‫األساس الثالث‬
‫إن ِحكم َة‬
‫اإلنساين فهي‪َّ :‬‬
‫ِّ‬ ‫للمجتَم ِع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وحكمة القرآن من تربِية ُ‬ ‫ُ‬ ‫حكمة الفلس ِ‬
‫فة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أما ما ت ِ‬
‫ُعطيه‬ ‫َّ َ‬
‫كل ٍ‬ ‫ف إىل «املن َف ِ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫عة» يف ِّ‬ ‫وتدُ ُ‬ ‫احلياة االجتِامع َّي ِة‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫«القوةَ» نقط َة االستِ ِ‬
‫ناد يف‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة َترى ُ َّ‬
‫ِ‬ ‫نص َّي ِة وال َقوم َّي ِة السلب َّي ِة» رابِط ًة‬ ‫ِ‬
‫للحياة‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬
‫للجامعات؛‬ ‫َلتز ُم «بال ُع ُ‬ ‫ستورا‬
‫راع» ُد ً‬ ‫وتتَّخ ُذ ِّ‬
‫«الص َ‬
‫وامليول الن ْف ِس َّي ِة وتزييد احلاجات البرشية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األهواء‬ ‫ِ‬
‫رغبات‬ ‫إشباع‬ ‫ثمراتا فهي‬ ‫أ َّما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫«التزاح ُم»‪ ،‬إذ ال‬ ‫عة» هو‬‫وشأن «المن َف ِ‬


‫َ‬ ‫«الق َّو ِة» هو «االعتِدا ُء»‪..‬‬
‫أن ُ‬‫أن َش َ‬ ‫ِ‬
‫وم َن املعلو ِم َّ‬
‫ُ‬
‫ِّـزاع ِ‬
‫واجل ُ‬
‫دال»‪..‬‬ ‫َ‬ ‫حاجات اجلميع وت ِ‬
‫َلبية ر َغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َغط ِية‬
‫ِتفي لت ِ‬
‫وشأن «الصِّ اعِ» هو «الن ُ‬ ‫باتم‪..‬‬ ‫َ‬
‫حساب ال َع ِ ِ‬
‫ناص‬ ‫ِ‬ ‫َوس ُع عىل‬ ‫َكب بابتِال ِع ِ‬
‫غريها و َتت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نص َّية» هو «االعتدا ُء»‪ ،‬إذ ت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫وشأن «ال ُع ُ‬
‫األُ َ‬
‫خرى‪.‬‬
‫هاث وراء هذه احلِ ِ‬
‫كمة‪.‬‬ ‫بت سعاد ُة البرشي ِة‪ ،‬من جر ِاء ال َّل ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َلم ُس ل َم ُسل ْ َ‬
‫ومن هنا ت َ‬
‫احلياة االجتِامع َّي ِة‪ ،‬بدَ ال من‬ ‫ِ‬ ‫ناد يف‬ ‫«الحق» نُقط َة استِ ٍ‬
‫َّ‬ ‫فهي تَق َب ُل‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫كم ُة‬ ‫ِ‬
‫أ َّما ح َ‬
‫َّخ ُذ‬‫«املنفعة»‪ ..‬وتت ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الغاية‪ ،‬بدَ ال من‬ ‫ِ‬
‫الفضائل هو‬ ‫ونيل‬ ‫«ر َض اهلل سبحانَه» َ‬ ‫«الق َّو ِة»‪ ..‬وتَج َع ُل ِ‬
‫ُ‬
‫ين»‬ ‫ِ‬
‫برابطة «الدِّ ِ‬ ‫ستور «الصِّ اعِ»‪ ..‬وت ِ‬
‫َلتز ُم‬ ‫احلياة‪ ،‬بدَ ال من ُد ِ‬ ‫ِ‬ ‫أساسا يف‬ ‫«التعاو ِن»‬ ‫دستور‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وجتعل‬ ‫الس ْلب َّي ِة‪..‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والوطن لربط فئات اجلامعات بدَ ال من ال ُعنرص َّية والقوم َّية َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫والصنف‬ ‫ِّ‬
‫شاع ِرها‬‫األمور‪ ،‬وإشباع م ِ‬ ‫ِ‬ ‫عال‬ ‫وح إىل َم ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غاياتِها الحدَّ من‬
‫َ َ‬ ‫فع ُّ‬ ‫النفس األ ّمارة‪ ،‬و َد َ‬ ‫جتاوز‬
‫والـم ُثل اإلنسان ّي ِة‪.‬‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫نحو‬ ‫ِ‬
‫لس ْو ِق اإلنسان َ‬
‫ِ‬
‫السام َية َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫دستور‬ ‫َ‬
‫وشأن‬ ‫ِ‬
‫«الفضيلة» هو «التَّسانُدُ »‪..‬‬ ‫َ‬
‫وشأن‬ ‫«احلق» هو «االت ُ‬
‫ِّفاق»‪..‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫شأن‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َ‬
‫وشأن «إجلا ِم‬ ‫ُف»‪..‬‬ ‫خو ُة والتكات ُ‬‫ين» هو «األُ َّ‬
‫وشأن «الدِّ ِ‬
‫َ‬ ‫لآلخ ِر»‪..‬‬
‫كل َ‬‫«التعاو ِن» هو «إغا َث ُة ٍّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدار ْي ِن»‪.‬‬
‫«سعاد ُة َ‬ ‫وح وح ِّثها َ‬
‫نحو الكامل هو َ‬ ‫َبح ِجاحها وإطالق ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫النفس» وك ِ‬

‫ِ‬ ‫ني يف الـم ِ‬ ‫الناس املنس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬املقصو ُد‪ :‬االرتِ ُ‬
‫واألفكار‬ ‫يول‬ ‫ُ‬ ‫جم َ‬ ‫ِ َ‬ ‫من‬
‫الصنف الواحد َ‬ ‫ضمن ِّ‬ ‫َ‬ ‫املوجو ُد‬
‫ُ‬ ‫باط‬
‫كأرباب احلِ َر ِف والِ َه ِن‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والطبائع‬ ‫ِ‬
‫واألذواق‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪150‬‬

‫األساس الرابع‬
‫َفو ِقه عىل‬
‫ف مدَ ى ت ُّ‬ ‫الكلامت اإلهل َّي ِة وت ِ‬
‫َعر َ‬ ‫ِ‬ ‫القرآن عىل ِ‬
‫سائ ِر‬ ‫ُ‬ ‫سمو‬
‫كيف َي ُ‬
‫تفه َم َ‬ ‫أن َ‬ ‫دت ْ‬ ‫إذا َأر َ‬
‫ين املثا َل ِ‬
‫ني‪:‬‬ ‫هذ ِ‬
‫مجي ِع الكال ِم‪ ،‬فان ُظ ْر وتأ َّم ْل يف َ‬

‫الأولُ‪ُّ َّ :‬‬ ‫ل‬


‫المثا ُ‬
‫املكاملة‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫َوع ِ‬ ‫إن للس ِ‬
‫راز ْي ِن من‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫اخلطاب والكال ِم‪:‬‬ ‫وط َ‬ ‫ني من‬ ‫لطان ن َ‬
‫زئي‬ ‫ف خاص مع ِ‬
‫أحد َرعاياه من العوا ِّم‪ ،‬يف ٍ‬ ‫مكاملة خاص ٌة بوسا َط ِة هاتِ ٍ‬
‫ٌ‬ ‫األو ُل‪:‬‬
‫أمر ُج ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫خاصة به‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫َيعو ُد إىل حاجة ّ‬
‫احلاكم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫عز ِة‬
‫ربى وبِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظمى‪ ،‬وب ُعنوان اخلالفة الك َ‬
‫ِ‬
‫السل َطنة ال ُع َ‬ ‫ِ‬
‫باسم َّ‬ ‫ٌ‬
‫مكاملة‬ ‫واآلخ ُر‪:‬‬
‫َ‬
‫مع‬ ‫ِ ِ‬ ‫جرهيا مع ِ‬ ‫كاملة ُي ِ‬
‫فهي ُم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العام ِة‪ ،‬ب َق ِ‬
‫صد ن ِ‬
‫أحد َمبعوثيه أو َ‬ ‫َ‬ ‫السلطان ّية يف اآلفاق‪َ ،‬‬ ‫أوامره ُّ‬ ‫َرش‬ ‫ّ‬
‫اجلميع‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم َ ُي ُّم‬ ‫بأمر‬ ‫أح ِد ِ‬
‫كبار ُم َو َّظفيه‪ ..‬فهي مكامل ٌة ٍ‬ ‫َ‬
‫ب َسعتِها‪ -‬نورا‬ ‫المثال الثاني‪َ :‬ر ٌ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مس ُك ِمرآ ًة جتا َه‬
‫جل ي ِ‬
‫‪-‬ح َس َ‬‫الشمس‪ ،‬فاملرآ ُة تَلتق ُط َ‬
‫ِ‬
‫بنسبة تلك‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫جل ذا َع ٍ‬
‫القة مع‬ ‫الر ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫السبع َة يف‬ ‫َ‬ ‫وضياء ِ‬
‫حيم ُل‬ ‫ِ‬
‫فيكون ّ‬ ‫الشمس؛‬ ‫األلوان َّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الصغري‬ ‫اخلاص‬ ‫ِ‬
‫املظلمة‪ ،‬أو إىل َمشت َِله‬ ‫أن يستَفيدَ منها فيام إذا َو ّج َهها إىل ُغر َفتِه‬ ‫ِ‬
‫املرآة‪ ،‬و ُيمكنُه ْ‬
‫ِّ‬
‫نور‬ ‫املرآة عىل ما ت ِ‬
‫َعك ُسه من ِ‬ ‫ِ‬ ‫بمقدار قابِل ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫الضوء ت ِ‬
‫َنحص‬ ‫ِ‬ ‫أن استِفادتَه من‬ ‫سق ِ‬
‫وف‪َ ،‬ب ْيدَ َّ‬ ‫الم ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مس‪.‬‬‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار ع َظ ِم ّ‬ ‫وليس ْت‬ ‫ِ‬
‫الشمس َ‬
‫در ُك َعظمتَها‪،‬‬ ‫شاهدُ َهيبتَها و ُي ِ‬ ‫ويابِه الشمس مبارشةً‪ ،‬وي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫رت ُك املرآةَ‪ُ ُ ،‬‬ ‫جل َ‬
‫آخ ُر ي ُ‬ ‫بينام َر ٌ‬
‫ات‬ ‫بالذ ِ‬ ‫املهيب‪ ،‬و ُيقابِ ُلها ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواس ِع‬ ‫عة س ِ‬
‫لطانا‬ ‫عال جدا وين ُظر إىل َش َ ِ‬ ‫جبل ٍ‬ ‫ثم َيص َعدُ عىل ٍ‬
‫عش ُ‬ ‫َ ُ‬
‫واسع ًة‬ ‫وف اخلاص نَوافِ َذ ِ‬ ‫املسق ِ‬
‫الصغري ومن َم ْشت َِله ُ‬ ‫ِ‬ ‫رج ُع و َيفت َُح من بيتِه‬ ‫جاب ثم َي ِ‬ ‫ون ِح ٍ‬ ‫ُد َ‬
‫ِّ‬
‫امء ثم ي ِري ِحوارا مع الض ِ‬
‫ياء‬ ‫مس التي هي يف أعايل الس ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫واجدً ا سبال إىل ّ‬ ‫الشمس‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫نحو‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫المك َّل َل ِة‬ ‫ِ‬
‫املحاورة ُ‬
‫َ‬ ‫او ُرها هبذه‬ ‫وي ِ‬ ‫بلسان حالِه ُ‬ ‫ِ‬ ‫الشمس‬
‫َ‬ ‫ناجي‬‫مس احلقيق ّي ِة؛ ف ُي ِ‬‫للش ِ‬ ‫ِ‬
‫الدائ ِم ّ‬
‫ـم‪ ..‬يا‬ ‫ال العا َل ِ‬ ‫رش َج ِ‬ ‫عت عىل َع ِ‬ ‫«إيـه يا َشمس‪ ..‬يا من تَرب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬ ‫بالشـك ِْر واالمتِ ِ‬
‫نان‬ ‫ُّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫األزهار ابتِسا َم ًة‬ ‫األرض بهج ًة ونورا‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫أض َف ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َحت‬ ‫يت عىل‬ ‫وزهرا َءها‪ ..‬يا من ْ‬ ‫لطيف َة السامء َ‬
‫أمجع‬ ‫بت للعا َل ِ‬ ‫الصغري كام وه ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنور م ًعا لِ َبيتِي و َم ْشتيل‬ ‫وسورا‪َ ،‬فل َقدْ من ِ‬
‫ـم َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َحت الدِّ ف َء‬ ‫ُ ً‬
‫ُّور»‪.‬‬
‫ف َء والن َ‬
‫الدِّ ْ‬
‫� �� � � ��� �� � � � �‬
‫‪151‬‬ ‫��� ���� �� ����������‬
‫ِ‬
‫األسلوب‪ ،‬إذ‬ ‫وي ِ‬
‫او َرها هبذا‬ ‫الشمس ُ‬ ‫يستطيع أن ُي ِ‬
‫ناج َي‬ ‫السابق ال‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املرآة‬ ‫صاحب‬ ‫بينَام‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تلك ِ‬
‫املرآة‬ ‫ب قابل ّي ِة َ‬
‫بحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫حمصور ٌة َ‬
‫الشمس ُمدَّ َد ٌة بحدود املرآة وقيودها‪ ،‬وهي ُ‬ ‫آثار ضوء‬
‫إن َ‬
‫ِ‬
‫للضوء‪.‬‬ ‫واستِ ِ‬
‫يعابا‬
‫إعجازه‪ ،‬وت ِ‬
‫ُدر َك‬ ‫َ‬ ‫ُشاهدَ‬ ‫ِ‬
‫القرآن الكريم لت ِ‬ ‫ين املثا َل ِ‬
‫ني إىل‬ ‫خالل ِمنظار َ‬
‫هذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َب ْعدُ ‪ ..‬فان ُظر من‬
‫موه‪.‬‬
‫وس َّ‬
‫قدس ّيتَه ُ‬
‫يقول‪ ﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫الكريم ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫أجل‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫َ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﴾ (لقامن‪.)27:‬‬

‫الكلامت التي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الكلامت َجي ًعا‪ ،‬تلك‬ ‫أعل مقا ٍم من ِ‬
‫بني‬ ‫القرآن الكريم َ‬ ‫ِ‬ ‫فإن َمن َْح‬ ‫وهكذا َّ‬
‫ب‬ ‫مرتبة من مراتِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األعظم ومن أع َظ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫نزل من‬ ‫القرآن قد َ‬ ‫َ‬ ‫ال َتدُّ ها حدو ٌد‪ ،‬مر ُّده َّ‬
‫أن‬
‫صفه إل َه‬ ‫صفه رب العالمين‪ ،‬وهو أمره بو ِ‬ ‫اهلل‪ ،‬بو ِ‬ ‫األسامء احلسنَى‪ ،‬فهو كالم ِ‬ ‫ِ‬ ‫اسم من‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بصفة‬ ‫واألرض‪ ،‬وهو مكا َلـم ٌة ِ‬
‫سام ٌية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫خالق‬‫ِ‬ ‫ودات‪ ،‬وهو ِخطا ُبه َبو ْص ِفه‬ ‫املوج ِ‬
‫ُ‬
‫جل االلتِ ِ‬ ‫ظمى؛ وهو ِس ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهو ِخطا ُبه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فات‬ ‫السلطنة اإلهل ّية ال ُع َ‬ ‫باسم َّ‬‫ِ‬ ‫األز ُّيل‬ ‫الربوبِ ّية املط َلقة‪َ ،‬‬
‫رسائل ربان ّي ٍة‬ ‫َ‬ ‫جمم ُ‬
‫وعة‬ ‫ٍ‬ ‫املحيطة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الواس ِ‬ ‫ِ‬ ‫نابع من َرمحتِه‬ ‫ِ‬
‫بكل يشء؛ وهو ُ‬ ‫عة‬ ‫الرمحاين ٌ‬‫ِّ‬ ‫والتكريم‬
‫نثر‬ ‫موز ِ‬ ‫بدايات ِ‬‫ِ‬ ‫األلوه ّي ِة‪ ،‬إذ يف‬‫ِ‬ ‫ُبي عظم َة‬
‫الكتاب املقدَّ ُس الذي َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫فرات؛ وهو‬ ‫وش ٌ‬ ‫بعضها ُر ٌ‬ ‫ت ُّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ناز ٌل من ُم ِ‬ ‫احلكم َة‪ِ ،‬‬
‫وألجل هذه‬ ‫األعظم‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العرش‬ ‫أحاط به‬ ‫نظر إىل ما‬‫االسم األع َظ ِم َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫يط‬
‫والئق به اسم «كالم ِ‬
‫اهلل»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الكريم ما هو أه ُله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫طل َق عىل‬ ‫األرسار ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫زئي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫خاص‪ ،‬وب ُعنوان ُج ٍّ‬‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫باعتبار‬ ‫نابع‬
‫كالم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫قسم منها‬
‫فإن ً‬ ‫الكلامت اإلهل ّي ِة‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫سائر‬
‫أ ّما ُ‬
‫محة خصوص ّي ٍة‪..‬‬
‫لطان خاص‪ ،‬ور ٍ‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬
‫صوص‪ ،‬وبربوبِي ٍة خاص ٍة‪ ،‬وس ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬
‫السم ُخ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫جزئي‬
‫ٍّ‬ ‫وبت ٍّ‬
‫َجل‬
‫ِ‬
‫اإلهلامات من‬ ‫فأكثر‬ ‫حيث اخلصوص َّي ُة والك ِّل ُية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫متفاوت ٌة من ُ‬ ‫فة‬ ‫ِ‬
‫الكلامت ُم ِتل ٌ‬ ‫جات هذه‬ ‫فدر ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫درجاتها متَفاوت ٌة جدً ا‪.‬‬ ‫إل َّ‬ ‫ِ‬
‫هذا الق ِ‬
‫سم ّ‬
‫أن َ‬
‫إهلام عوا ِّم الن ِ‬ ‫ِ‬
‫إهلام‬
‫ّاس‪ ،‬ثم ُ‬ ‫وأكثره َا جزئ ّي ًة هي ُ‬
‫إهلام احليوانات‪ ،‬ثم ُ‬ ‫َ‬ ‫أبسطه َا‬
‫إن َ‬‫فمثال‪َّ :‬‬
‫املالئ ِ‬
‫كة‪.‬‬ ‫بار ِ‬ ‫إهلام ِك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األولياء‪ ،‬ثم ُ‬‫إهلام ْ‬
‫عوا ِّم املالئكة‪ ،‬ثم ُ‬
‫يقول‪« :‬حدَّ ثنِي‬ ‫دون وس ٍ‬
‫ـاطة ‪ُ -‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومن هذا الس نرى َّ ِ‬
‫أن َول ًّيا ُيناجي ر َّبه هباتف قلبِه ‪َ َ َ -‬‬ ‫ّ ِّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪152‬‬
‫عرش ِ‬
‫ومرآ ٌة‬ ‫إن قلبِي ٌ‬ ‫العاملني»‪ ..‬أو نراه ُ‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫رب‬ ‫ِ‬ ‫قلبِي عن ربِّ »‪ ،‬وال ُ‬
‫َ‬ ‫يقول‪« :‬حدَّ ثني عن ِّ‬
‫ِ‬
‫اخلطاب‬ ‫ينال َحظا من‬ ‫العاملني؛ ألنّه ي ِ‬
‫مك ُن أن َ‬ ‫رب‬ ‫يقول‪ُ :‬‬ ‫سة لتج ِّل ِ‬
‫يات ربِّ ؛ وال ُ‬ ‫عاك ٌ‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عرش ِّ‬
‫ٍ (‪)1‬‬
‫ألف ِحجاب‪.‬‬ ‫سبعني َ‬
‫َ‬ ‫يقارب‬
‫ُ‬ ‫درجة قابلياتِه وبنِس َبة َرف ِع ما‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫وحس َ‬
‫ِ‬ ‫الرباين َ ِ‬
‫وفق استعداداته َ‬ ‫ِّ‬
‫مو ِه عىل‬‫وس ِّ‬ ‫العظمى ُ‬
‫َ‬ ‫الس ُ‬
‫لطنة‬ ‫ُ‬
‫حيث ّ‬ ‫اد ِر من‬‫لطان الص ِ‬
‫ّ‬
‫بمقدار ُعلو كال ِم الس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِ ِّ‬ ‫نعم‪ ،‬إنّه‬
‫ِ‬
‫فيض ِّ‬
‫جتل‬ ‫يفوق االستِفا َد َة من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبمقدار ما‬ ‫أحد َرعاياه من العوا ِّم‪،‬‬ ‫اجلزئي ِة مع ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫مكاملتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫السامء عىل استفا َدة فيضها من املرآة‪ُ ،‬يمك ُن َف ُ‬
‫هم ُس ُم ِّو‬ ‫مس التي هي يف َّ‬ ‫الضوء من ّ‬
‫ُب السامو ّي ِة‪.‬‬ ‫اإلهلي والكت ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكريم عىل مجي ِع الكال ِم‬
‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السامو ّي ُة ِ‬ ‫فالكتب املقدّ َس ُة‬
‫الكريم يف ال ُع ِّ‬ ‫القرآن‬ ‫الثانية بعدَ‬ ‫بالدرجة‬ ‫تأت‬ ‫حف ّ‬ ‫والص ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫للتفو ِق‪.‬‬
‫الرس ُّ‬ ‫َفو ُقه‪ٌّ ،‬‬
‫كل له َح ُّظ ُه من ذلك ِّ‬ ‫درجتُه وت ُّ‬ ‫كل له َ‬ ‫والس ُم ِّو‪ٌّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫رتش ْح عن‬ ‫واجلن ‪-‬الذي مل َي َّ‬ ‫ِ‬
‫لإلنس‬ ‫ِ‬
‫اجلميل‬ ‫مجيع الكال ِم الط ِّي ِ‬
‫ب‬
‫ِّ‬ ‫َمع ُ‬ ‫فلو اجت َ‬
‫مكن أن َيدن َُو إىل أن َي َ‬
‫كون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نظريا ُّ‬ ‫َ‬ ‫يمكن ْ‬ ‫ِ‬
‫الكريم وال ُي ُ‬ ‫للقرآن‬ ‫قط‬ ‫يكون ً‬ ‫أن‬ ‫ُ‬ ‫الكريم‪ -‬فإنّه ال‬
‫ِم ْث َل ُه‪.‬‬
‫ِ‬
‫األعظم ومن‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫الكريم قد ن َ‬
‫َـزل من‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫أن‬ ‫كنت ت ُِريدُ أن َ‬
‫تفه َم شيئا من َّ‬ ‫وإذا َ‬
‫ِ‬
‫الكريمة‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫ُرس» وكذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ظمى ِّ‬
‫اسم من األسامء احلسنَى فتَد َّبر يف «آية الك ِّ‬ ‫املرتبة ال ُع َ‬
‫الس ِام ِية‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التالية وتَأ َّم ْل يف َمعانيها الشاملة العا ّمة َّ‬
‫﴿ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ (األنعام‪)59:‬‬

‫﴿ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﴾ (آل عمران‪)26:‬‬

‫﴿‪  ‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛﮜ ﴾ (األعراف‪)54:‬‬

‫﴿ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ (هود‪)44:‬‬

‫﴿ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ (اإلرساء‪)44:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أبو يعىل‪ ،‬املسند ‪520/13‬؛ الطرباين‪ ،‬املعجم األوسط ‪382/8 ،278/6‬؛ الروياين‪ ،‬املسند ‪212/2‬؛ ابن أيب‬
‫عاصم‪ ،‬السنة ‪367/2‬؛ الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪95/16‬؛ اهليثمي‪ ،‬جممع الزوائد ‪.79/1‬‬
‫� �� � � ��� �� � � � �‬
‫‪153‬‬ ‫��� ���� �� ����������‬
‫﴿ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﴾ (لقامن‪)28:‬‬

‫﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ (األحزاب‪)72:‬‬

‫﴿ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ (األنبياء‪)104:‬‬

‫﴿ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ (الزمر‪)67:‬‬

‫﴿ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‪( ﴾..‬احلرش‪)21:‬‬
‫ِ‬ ‫ِِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأمثالِها من‬
‫و«س َّب َح»‪،‬‬
‫حل ْمدُ هلل» َ‬ ‫الس َو ِر املبتدئة بـ«ا َ‬
‫النظر يف ُّ‬
‫َ‬ ‫اجلليلة‪ ،‬ثم د ِّق ِق‬ ‫اآليات‬
‫ِ‬
‫املسته َّلة بـ«ا ل م» و«الر»‪،‬‬ ‫الس َو ِر‬
‫العظيم ثم ان ُظ ْر إىل ُّ‬
‫ِ‬ ‫الس ِّر‬ ‫و« ُي َس ِّب ُح‪ ..»..‬لرتى ُش َ‬
‫عاع هذا ِّ‬
‫ِ‬
‫العاملني‪.‬‬
‫َ‬ ‫رب‬ ‫َفهم أمهي َة القرآن لدى ِّ‬
‫و«حم» لت َ‬‫‬
‫تفهم‪:‬‬
‫َطيع أن َ‬ ‫ِ‬
‫األساس الرابعِ‪ ،‬تَست ُ‬ ‫اللطيف هلذا‬
‫َ‬ ‫الرس‬
‫فهمت َّ‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫واس ٍ‬
‫طة‪.‬‬ ‫طة م َل ٍك‪ ،‬أما اإلهلام فبِال ِ‬
‫بواس ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء إنام هو ِ‬ ‫حي الن ِّاز ِل إىل‬
‫الو ِ‬ ‫الرس يف َّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أكثر َ‬
‫أن َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‪.‬‬ ‫نبي كان من‬ ‫أعظم َو ٍّيل من األولياء ال َيب ُل ُغ َّ‬
‫أي ٍّ‬ ‫َ‬ ‫الرس يف َّ‬
‫أن‬ ‫َفهم َّ‬
‫وت َ‬
‫ِ‬
‫إعجازه‪..‬‬ ‫لو‬ ‫وعزتِه القدس ّي ِة ُ‬
‫وع ِّ‬
‫ِ‬
‫القرآن َّ‬ ‫وتَفهم الرس الكامن يف َع ِ‬
‫ظمة‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اموات‬ ‫الس‬
‫الرس يف رحلته ﷺ إىل َّ‬ ‫املعراج وحكم َة َضورته‪ ،‬أي َ‬
‫تفهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫رس لزو ِم‬
‫َفهم َّ‬
‫وت َ‬
‫وس ْ ِ‬
‫ي أو أدنَى ومن َث َّم مناجاته م َعه سبحانَه‪ ،‬مع‬ ‫العال وإىل ِس ِ‬
‫قاب َق َ‬
‫املنتهى حتى كان َ‬
‫درة َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جل جال ُله ﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ ُث َّم عو َدته يف طرفة ٍ‬
‫عني إىل مكانه‪.‬‬ ‫أنَّه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫واإلنس؛‬ ‫اجلن‬
‫ُبوتَه إىل ِّ‬ ‫الرسالة‪ ،‬أ ْظ َ‬
‫هر ْت ن َّ‬ ‫شق ال َق َم ِر كام أنه ُمعجز ٌة إلثبات ِّ‬
‫إن َّ‬‫أجل‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫واملالئكة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫أظه َرت حمبوبِ َّيتَه إىل‬ ‫ِ‬ ‫املعراج هو م ِ‬
‫عجز ُة عبود َّيته ﷺ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‬
‫ك َوبُ ْر َمته �آم َ‬
‫ـني‪.‬‬
‫ُ َ َْ َ‬ ‫َ آ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫َّ َّ ّ‬
‫الل َص ِل َو َس ِل ْم َعليْ ِه َو َعل � ِ ِل‪ ،‬ك َما ي ِليق بِرح ِت‬
‫ِ ِِ ِ‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا ��لث ا ��لث �ة � ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� �� �� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ (اإلرساء‪)82:‬‬

‫﴿ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ (يس‪)69:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أردت أن ت ِ‬


‫دت‬
‫وأر َ‬
‫الفلسف ّية‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫حل ِ‬
‫كيم والعلو ِم‬ ‫ومقارن ًة بني حكمة القرآن ا َ‬‫َ‬ ‫وازن ًة‬
‫َعقدَ ُم َ‬ ‫َ‬ ‫إذا‬
‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ص من ٍّ‬ ‫أن ت ِ‬
‫تلم َس‬
‫مت أن َ‬ ‫ور َ‬‫دروس العربة والعظة‪ُ ،‬‬ ‫منهام من‬ ‫كل ُ‬ ‫ف ما يمكن أن ُيستَخ َل َ‬ ‫َعر َ‬
‫يأت‪:‬‬‫النظر وتأ ّم ْل فيام ِ‬
‫َ‬ ‫يان عليه من علو ٍم‪ ..‬فأ ْم ِع ِن‬‫ما ين َط ِو ِ‬
‫َ‬
‫وستار العا َد ِة املل َقى عىل‬ ‫َ‬ ‫مز ُق غطا َء األُل َف ِة‬ ‫النافذ ِة‪ ،‬إنام ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫الكريم‪ ،‬ب َبياناتِه القو ّي ِة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ٍ‬
‫بديعة‬ ‫وار ُق ُق ٍ‬
‫درة‬ ‫عاد ّي ٌة مألوف ٌة مع ّأنا َخ ِ‬ ‫إل كأهنا ِ‬ ‫الكون قاطب ًة‪ ،‬والتي ال تُذك َُر ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موجودات‬
‫الشعور‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حقائق عجيب ًة لِ ِ‬
‫ذوي‬ ‫َ‬ ‫َمزيقه ذلك ِ‬
‫الغطا َء‬ ‫القرآن بت ِ‬‫ُ‬ ‫ف‬‫كش ُ‬‫العظيمة؛ في ِ‬
‫ُ َ‬ ‫زاتا‬
‫عج ُ‬‫وم ِ‬
‫ُ‬
‫كنـزا ال َي ْفنَى لل ُعلو ِم‬ ‫ِ‬
‫بار والعظة‪ ،‬فا ًحتا ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دروس َبليغة لالعت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أنظارهم إىل ما فيها من‬ ‫و َيلف ُت‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫قول‪.‬‬ ‫أمام ال ُع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫غطاء‬ ‫حتت‬ ‫ِ‬ ‫زات ُ ِ‬ ‫عج ِ‬ ‫جميع م ِ‬ ‫فة‪ ،‬فهي ُت ِفي‬ ‫حكمة الفلس ِ‬ ‫ُ‬
‫َستها َ‬ ‫القدرة اإلهل ّية وت ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫أ ّما‬
‫أنظار‬ ‫ِ‬ ‫اكرتاث‪ ،‬بل تتَجاه ُلها دون م ٍ‬
‫باالة‪ ،‬فال َت ْع ِر ُض أما َم‬ ‫ٍ‬ ‫ُجاو ُزها دون‬ ‫ِ‬
‫والعادة‪ ،‬فت ِ‬ ‫لفة‬ ‫األُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ليمة‬ ‫الفطرة الس ِ‬‫ِ‬ ‫لقة‪ ،‬وتَر َّد ْت عن ِ‬
‫كامل‬ ‫إل أفرادا نادر ًة َش َّذ ْت عن تناس ِق اخلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الشعور ّ‬ ‫َذ ِوي‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫رب ٍة‪.‬‬ ‫ٍ ِ ِ‬
‫َامذج حكمة ذات ع َ‬ ‫ُمدّ عي ًة أهنا ن ُ‬
‫ِ‬
‫� �� � � ��� ��� � � � �‬
‫‪155‬‬ ‫��� ���� �� ���������‬
‫درة اإلهل ّي ِة‪،‬‬
‫الق ِ‬ ‫ِ‬
‫ملعجزات ُ‬ ‫جامع‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫تقويم‬ ‫أحس ِن‬
‫السوي الذي هو يف َ‬‫َّ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫فمثال‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫األنظار إىل ذلك‬ ‫مألوف‪ ،‬بينام ت ِ‬
‫َلف ُت‬ ‫ٍ‬ ‫عادي‬ ‫نظرها إىل يشء‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫تَن ُظ ُر إليه‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫الفلسفة َ‬‫َ‬ ‫حكمة‬
‫رأسان مثال‪ ،‬فتُثِ ُير حو َله‬
‫ِ‬ ‫أرج ٍل أو‬ ‫ُ‬
‫ثالثة ُ‬ ‫َ‬
‫يكون له‬ ‫ِ‬
‫اخللقة‪ ،‬كأن‬ ‫شذ عن ِ‬
‫كامل‬ ‫شو ِه الذي َّ‬‫الم َّ‬ ‫ُ‬
‫ربة واالستِ ِ‬
‫غراب‪.‬‬ ‫الع ِ‬
‫نظر ِ‬
‫َ‬
‫يب إعاش ًة يف منتهى االنتِظا ِم التي ُت ِّث ُل‬ ‫ِ‬
‫خزائن ال َغ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصغار من‬ ‫إن إعاش َة مجي ِع‬ ‫ومثال‪َّ :‬‬
‫فة أهنا‬ ‫حكمة الفلس ِ‬‫ُ‬ ‫َنظر إليها‬ ‫ِ‬ ‫معجزات رمحتِه تعاىل‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫وأعمها يف الوجود‪ ،‬ت ُ‬ ‫َّ‬ ‫معجزة من‬ ‫ألطف‬
‫َ‬
‫شذ ْت عن‬ ‫حش ٍة َّ‬ ‫ِ‬
‫إعاشة َ‬ ‫األنظار إىل‬
‫َ‬
‫ُفران‪ ،‬بينام ت ِ‬
‫َلف ُت‬ ‫بستار الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫َستها‬ ‫ادي‪ ،‬فت ُ ُ‬‫مألوف َع ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫ٌ‬
‫َقتات عىل‬ ‫دأت ت ُ‬ ‫ِ‬
‫البحر‪ ،‬ف َب ْ‬ ‫ِ‬
‫أعامق‬ ‫نأت عن طائفتِها وظ َّل ْت َو ِحيد ًة يف ال ُغر َب ِة فريد ًة يف‬ ‫النظام َو ْ‬
‫ادين ملا يتج َّلى منها من ُل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ور ِق ٍ‬
‫طف وكر ٍم بل‬ ‫الص ّي َ‬ ‫َ‬
‫أشجان َّ‬ ‫أخضر هناك حتى إهنا َلت ُ‬
‫ُثري‬ ‫َ‬ ‫نبات‬ ‫ََ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫البكاء واحلزن‪.‬‬‫ِ‬ ‫وتَدف ُعهم إىل‬

‫يدان‬ ‫ِ‬
‫معرفة اهلل ويف م ِ‬ ‫الواسع يف‬ ‫ِ‬
‫القرآن الطائل َة وغناه‬ ‫ِ‬
‫األمثلة ثرو َة‬ ‫ِ‬
‫ضوء هذه‬ ‫فش ِ‬
‫اهدْ يف‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ِ‬
‫العربة ويف‬ ‫لم ودروس‬ ‫املدقع يف ِ‬
‫الع ِ‬ ‫فة وفقرها ِ‬ ‫واحلكمة‪ ..‬وإ ْفالس الفلس ِ‬
‫ِ‬ ‫الع ِ‬
‫لم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلليل‪.‬‬ ‫الصان ِع‬
‫َّ‬

‫اطعة ال هناي َة هلا‪،‬‬‫اهرة س ٍ‬ ‫حلقائق ب ٍ‬ ‫جامع‬ ‫الكريم الذي هو‬ ‫ُ‬


‫فالقرآن‬ ‫الرس‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫وألجل هذا ِّ‬
‫َ‬ ‫عر هو َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُمست ٍ‬
‫القرآن مع أنه‬ ‫أن‬ ‫القرآن عن ِّ‬ ‫َنـزه‬
‫آخ ُر لت ُّ‬ ‫عر‪ ..‬وثم َة ٌ‬
‫سبب َ‬ ‫خياالت ِّ‬ ‫َغن عن‬
‫نعة اإلهل ّي ِة‬
‫مة‪ -‬تناس َق الص ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫عج ٍز ويفسر ‪-‬بأساليبه املن َت َظ ِ‬
‫ُ ِّ ُ‬
‫ارق وأكم ِل انتِظا ٍم م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يف أتم نظا ٍم َخ ٍ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كأنا‬ ‫الوزن‪ ،‬لذا تُصبِ ُح َّ‬ ‫فكل آية من نُجو ِم آياته ال تتَق َّيدُ بنظا ِم َ‬ ‫يف الكون نرا ُه َغ َري منظو ٍم‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫املرتابطة يف املعنى دائر ًة‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫العالقة بني‬ ‫وشقي َقتُها‪ ،‬إذ ُت ِّث ُل ُخ ُ‬
‫يوط‬ ‫ِ‬
‫اآليات َ‬ ‫ِ‬
‫ألكثر‬ ‫ركز‬
‫َم ٌ‬
‫ِ‬ ‫متلك عيونًا ِ‬ ‫ِ‬ ‫غري مقي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واسع ًة‪ ،‬فكأن َّ ٍ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‪،‬‬ ‫باص ًة إىل أكثر‬ ‫الوزن‪ُ ،‬‬ ‫دة بنظا ِم‬ ‫كل آية ُح ّرة ِ ّ‬
‫متوجه ًة إليها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫جوها‬
‫وو ً‬ ‫ُ‬

‫حيث‬ ‫ِ‬
‫القرآن؛ ُ‬ ‫نفس‬ ‫لوف ٍ‬
‫قرآن في ِ‬ ‫ألوف ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحتوي على‬ ‫الكريم‪،‬‬ ‫القرآن‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ومن هذا ن ِ‬
‫َجدُ َّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مشرب قرآنًا منه‪.‬‬ ‫لكل ذي‬‫ب ِّ‬‫إنه َي َه ُ‬

‫ُ‬
‫احلادثة فعال يف أمريكا‪( ،‬املؤلف)‬ ‫(‪ )1‬لقد َوق َعت هذه‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪156‬‬
‫َضم ثالثني ُسور َة‬ ‫ِ‬ ‫ظيمة ِ‬
‫لع ِ‬ ‫زينة َع ٍ‬ ‫اإلخالص مثال تَشت َِم ُل عىل َخ ٍ‬ ‫ِ‬
‫لم التّوحيد‪ ،‬ت ُّ‬ ‫فسور ُة‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬كام‬ ‫العالقات املرتاب َط ِة ُ‬
‫ِ‬ ‫ت ِ‬
‫ذات‬ ‫تراكيب ُج ِلها الس ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َتكو ُن من‬
‫إخالص‪ ،‬ت ّ‬ ‫ٍ‬
‫والعرشين»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«اخلامسة‬ ‫و ِّضح ذلك يف الك ِ‬
‫َلمة‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫وكأنا‬ ‫غير ُمق ّي ٍد‬ ‫كل ٍ‬ ‫عل َّ‬ ‫اهر يف نجوم الس ِ‬
‫امء‪َ ،‬ي ُ‬ ‫إن َعد َم االنتِظا ِم ال ّظ ِ‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫نجم منها َ‬ ‫ّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫األوارص إىل ٍّ‬ ‫َ‬
‫وخطوط‬ ‫ِ‬
‫العالقات‬ ‫َ‬
‫خيوط‬ ‫دائرة ُم ِ‬
‫يطها؛ فت َُمدُّ‬ ‫ِ‬ ‫ألكثر النُّجو ِم ضمن‬ ‫ِ‬ ‫ركز‬
‫َم ٌ‬
‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫نجم ‪-‬كنجو ِم‬ ‫كل ٍ‬ ‫وكأن َّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات قاطب ًة؛‬ ‫العالقات اخلف ّي ِة فيام بني‬
‫ِ‬ ‫منها إشار ًة إىل‬
‫توجه ًة إليها مجيعا ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الكريمة‪ -‬ي ِ‬ ‫ِ‬
‫جوها ُم ِّ‬ ‫مل ُك ُعيونًا باص ًة إىل النُّجو ِم كا ّف ًة َو ُو ً‬ ‫َ‬
‫كمال االنتِظا ِم يف َعد ِم االنتِظا ِم‪ ،‬واعترب! واعلم من هذا ِسا من أس ِار ِ‬
‫اآلية‬ ‫َ‬ ‫َف َش ِ‬
‫اهدْ‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫الكريمة ﴿ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ (يس‪.)69:‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬


‫احلقائق‬ ‫عر هو َت ُ‬
‫ميل‬ ‫شأن ِّ‬‫إن َ‬ ‫خرى لـ ﴿ ﯮ ﯯ ﯰ ﴾ مما يأيت‪َّ :‬‬ ‫وأيضا حكم ًة ُأ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫حقائق‬
‫ُ‬ ‫اإلعجاب‪ ..‬بينام‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫الب ِاق‪َ ،‬‬
‫وجع ُلها َمقبول ًة َت ُل ُ‬ ‫ِ‬
‫الصغرية اخلامدة‪ ،‬وتَزيينُها باخليال َ ّ‬ ‫ّ‬
‫دونا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بحيث تب َقى‬
‫ُ‬ ‫واجلاذب ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعظم اخلياالت وأسط ُعها قاص ًة َ‬ ‫ُ‬ ‫مو‬
‫والس ِّ‬
‫القرآن من ال َعظمة ُّ‬
‫وخافِت ًة أما َمها‪.‬‬
‫(األنبياء‪)104:‬‬ ‫تعال ﴿ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾‬
‫فمثال‪َ :‬قو ُله َ‬
‫﴿ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﴾ (األعراف‪ ﴿ )54:‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ِ‬
‫القرآن الك ِ‬
‫َريم‬ ‫ِ‬
‫احلقائق التي ال حدَّ هلا يف‬ ‫ُ‬
‫وأمثالا من‬ ‫ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ (يـس‪،)53:‬‬
‫دات عىل ذلك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شاه ٌ‬
‫ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫َنرش ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إذا ِش َ‬
‫نور اإلعجاز‬ ‫ِ‬
‫الكريم َ‬ ‫القرآن‬ ‫آية من‬ ‫َتذو َق كيف ت ُ‬ ‫ئت أن تُشاهدَ وت َّ‬
‫ِ‬
‫اجلاهيلِّ ويف‬ ‫ِ‬
‫العرص‬ ‫َفس َك يف ذلك‬ ‫ُفر كالنجم ِ‬
‫الثاق ِ‬ ‫ِ‬
‫ظلمات الك ِ‬
‫تصور ن َ‬
‫ب؛ َّ‬ ‫واهلداية وتُبدِّ ُد‬
‫الغفلة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تلك الب ِ‬ ‫ِ‬
‫ظالم‬
‫ُ‬ ‫وغش َي ُه‬ ‫كل يشء قد ُأسد َل عليه س ُ‬
‫تار‬ ‫واجلهل؛ فبينا َتدُ َّ‬‫ِ‬ ‫داوة‬ ‫صحراء َ َ‬
‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫ُشاهدُ وقد دب ِ‬
‫ت احليا ُة يف تلك‬ ‫بك ت ِ‬ ‫اجلمود وال ّطبي َع ِة‪ ،‬إذا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بغالف‬ ‫ف‬ ‫ِ‬
‫اجلهل َو ُل َّ‬
‫َ َّ‬
‫َنهض ُمس ِّبح ًة ذاكر ًة اهلل بِصدَ ى قولِه تعاىل‪:‬‬ ‫ني فت ُ‬ ‫أذهان الس ِ‬
‫امع َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫دة أو امل ّي ِتة يف‬ ‫اهلام ِ‬
‫ِ‬

‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ (اجلمعة‪ )1:‬وما َ َ‬
‫شابها‬
‫ِ‬
‫اجلليلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫من‬
‫� �� � � ��� ��� � � � �‬
‫‪157‬‬ ‫��� ���� �� ���������‬
‫َظر الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫امع َ‬ ‫َحو ُل يف ن ِ ّ‬‫ُجوم جامدةٌ‪ ،‬تت َّ‬ ‫إن َوج َه السامء املظلمة التي تَستع ُر فيها ن ٌ‬ ‫ثم َّ‬
‫كل‬ ‫بِصدَ ى قولِه تعاىل‪ ﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﴾ (اإلرساء‪ )44:‬إىل َف ٍم ٍ‬
‫ذاكر هلل‪ُّ ،‬‬
‫حكيم ًة ِبليغ ًة‪.‬‬ ‫بث ِحكم ًة ِ‬ ‫حلقي َق ِة و َي ُّ‬ ‫ن ٍ ِ‬
‫عاع ا َ‬‫َجم ُيرس ُل ُش َ‬
‫الصدَ ى‬ ‫َحو ُل بذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫العاجز َة تت ّ‬ ‫الض ِعي َف َة‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات ّ‬ ‫َضم‬
‫األرض التي ت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫وكذا َوج ُه‬
‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫ومجيع‬ ‫ّقد ِ‬
‫يس‬ ‫يح والت ِ‬ ‫ِ‬
‫يلهجان بالتّسبِ ِ‬ ‫حر لِسان ْ ِ‬
‫َي‬ ‫رأس َع ٍ‬ ‫اموي إىل ٍ‬
‫ُ‬ ‫والب وال َب ُ‬
‫ظيم‪ُّ َ ،‬‬ ‫الس ِّ‬
‫َّ‬
‫األرض ك َّلها تَنبِ ُض باحلياة‪ِ.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫لكأن‬ ‫ٍ‬
‫واحليوانات كلامت ذاكر ًة ُمس ِّبح ًة؛ حتى‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫اإلعجاز يف تلك‬ ‫ِ‬ ‫دقائق‬ ‫َذو ُق‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫وهكذا بانتِقالِ َك ُّ‬
‫َ‬ ‫العرص تت ّ‬ ‫عور ِّي إىل ذلك‬
‫ِ‬
‫الكريمة‪.‬‬ ‫اللطيفة يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫َذو ِق تلك الدَّ ِ‬
‫قائق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحر ُم من ت ُّ‬ ‫الكريمة؛ وبخالف ذلك ت َ‬
‫احلاض الذي است َ‬
‫َنار‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضع َك‬ ‫الكريمة من خالل و ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫رت إىل‬ ‫نعم‪ ،‬إنك إذا ن َظ َ‬
‫سائ ُـر العلو ِم اإلسالم ّي ِة‪ ،‬حتى‬ ‫رص حتى َغد َا معرو ًفا‪ ،‬وأضاء ْته ِ‬
‫َ ُ‬ ‫نذ ذلك ال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن ُم ُ‬ ‫ِ‬
‫بنور‬
‫ّك بال َش ٍّك ال‬ ‫لفة‪ ،‬فإن َ‬ ‫تار األُ ِ‬
‫اآليات من خالل ِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫رت إىل‬‫القرآن‪ ،‬أو إذا ن َظ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بشمس‬ ‫وض َح ْت‬ ‫َ‬
‫بنورها‬ ‫لامت الدّ ِام َس ِة ِ‬ ‫وكيف أنا تُبدِّ د ال ُّظ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫آية‪،‬‬‫كل ٍ‬
‫املعج ِز يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلامل‬ ‫َترى ُرؤي ًة حقيق ّي ًة مدَ ى‬
‫ِ‬ ‫بني وج ِ‬
‫الكثرية‪.‬‬ ‫وهه‬ ‫اإلعجاز من ِ ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َذو ُق وج َه هذا النو ِع من‬ ‫اج؛ ومن بعد ذلك ال تت َّ‬ ‫الوه ِ‬
‫ّ‬
‫َمع إىل هذا ِ‬
‫املثال وتأ َّم ْل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫درجة إلعجاز القرآن الكثرية‪ ،‬فاست ْ‬ ‫أعظم َ‬ ‫شاهد َة‬
‫دت ُم َ‬ ‫وإذا َأر َ‬
‫سد َل‬ ‫عة؛ قد ُأ ِ‬ ‫شار والس ِ‬ ‫غاية االنتِ ِ‬ ‫رابة ويف ِ‬ ‫نفر ْض شجر ًة عجيب ًة يف منتهى العلو وال َغ ِ‬ ‫فيه‪ :‬لِ ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ِ‬
‫الغيب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫طي‬ ‫ِ‬
‫فاست ََت ْت َّ‬ ‫الغيب‪ْ ،‬‬ ‫عليها غطا ُء‬
‫راتا‬ ‫الش ِ‬
‫جرة و َثم ِ‬ ‫ِ‬
‫أغصان ّ‬ ‫وعالقات ارتِ ٍ‬
‫باط بني‬ ‫ِ‬ ‫َناس ًبا‬ ‫فم َن املعلو ِم َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َوازنًا وت ُ‬
‫أن هناك ت ُ‬
‫ِ‬ ‫فكل ج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعضاء ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أجزائها‬ ‫زء من‬ ‫سم اإلنسان‪ُ ُّ -‬‬ ‫وجو ٌد بني‬ ‫وأوراقها وأزاه ِريها ‪-‬كام هو َم ُ‬
‫الشج ِ‬ ‫ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫ب ماه ّية تلك ّ َ‬ ‫حس َ‬‫وصور ًة ُمع ّين ًة َ‬ ‫يأخ ُذ شكال ُمع ّينًا ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫شاشة‬ ‫ُشاهدُ ‪َ -‬و َر َس َم عىل‬ ‫ُشاهد ُّ‬ ‫بل تلك ّ ِ‬ ‫فإذا قا َم َأ َحدٌ ‪-‬من ِق ِ‬
‫قط وال ت َ‬ ‫الش َجرة التي مل ت َ‬
‫ِ‬
‫العالقات‬ ‫وض َع ُخطو ًطا ُت ّث ُل‬ ‫وحدَّ له‪ْ ،‬‬ ‫أعضاء تلك ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لكل ُع ٍ‬ ‫صور ًة ِّ‬
‫بأن َ‬ ‫الش َجرة‪َ ،‬‬ ‫ضو من‬
‫بدئها ومنتَهاها ‪-‬البعيدَ ي ِن عن ِ‬
‫بعض ِهام بام ال‬ ‫أل ما بني م ِ‬ ‫راقها‪ ،‬و َم َ‬‫راتا و َأو ِ‬ ‫ِ‬
‫أغصانا و َثم ِ‬ ‫بني‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شك‬ ‫ُرب ُز ُص َو َرها كامل ًة‪ ..‬فال َيب َقى أدنى ٍّ‬ ‫ِ‬
‫أعضائها َتا ًما وت ِ‬ ‫َ‬
‫أشكال‬ ‫وخ ٍ‬
‫طوط ُت ّث ُل‬ ‫ُيدُّ ‪ -‬بِ ُص َو ٍر ُ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪158‬‬
‫يط هبا ِع ًلم‪،‬‬
‫وي ُ‬ ‫ِ‬
‫الغيب ُ‬ ‫الم َّط ِل ِع عىل‬ ‫الشجر َة ال َغيبِي َة بن ِ ِ‬
‫َظره ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الرسا َم ُيشاهدُ تلك ّ َ‬ ‫أن َ‬
‫ذلك َّ‬ ‫يف َّ‬
‫صو ُرها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومن َبعد ذلك ُي ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن َبياناتِه‬
‫املوجودات ‪-‬تلك‬ ‫ص حقيق َة‬ ‫املعجز َة التي َت ُّ‬ ‫املبني كهذا املثال أيضا‪َّ ،‬‬ ‫القرآن ُ‬ ‫ُ‬ ‫َف‬
‫رة والـمنت َِش ِة من‬ ‫اآلخ ِ‬
‫هناية ِ‬
‫دء الدنيا إىل ِ‬ ‫اخللق املمتدّ ِة من ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلقيق َة التي تَعود إىل َشج ِ‬
‫رة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫البيانات ال ُفرقان ّي ُة عىل‬
‫ُ‬ ‫ظت َ‬
‫تلك‬ ‫موس‪ -‬قد َحـا َف ْ‬ ‫ِ‬ ‫الش‬ ‫ِ‬
‫الذرات إىل ُّ‬ ‫رش ومن ّ‬ ‫رش إىل ال َع ِ‬ ‫ال َف ِ‬
‫رة من ال ّثم ِ‬ ‫ولكل َثم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لكل ُع ٍ‬ ‫ّناس ِ‬ ‫َ ِ‬
‫تليق هبا‬
‫رات ُصور ًة ُ‬ ‫َ‬ ‫ضو من األعضاء ِّ َ‬ ‫وأع َط ْت ِّ‬ ‫ب ْ‬ ‫املوازنة والت ُ‬
‫واالنش ِ‬
‫ِ‬ ‫يقاتم وأبحاثِهم‪ -‬إىل االنبِ ِ‬ ‫حتق ِ‬ ‫إجراء ِ‬‫ِ‬
‫داه‬ ‫هار‬ ‫ون ‪-‬لدى‬ ‫ص العلام ُء املح ِّق ُق َ‬ ‫يث َخ ُل َ‬ ‫بح ُ‬ ‫َ‬
‫اخللق إنام هو‬ ‫ِ‬ ‫عمى‬ ‫الكون وي ِ‬‫ِ‬ ‫ط ْل َس َم‬ ‫إن الذي حي ُّل ِ‬ ‫بارك اهلل! َّ‬ ‫ني‪« :‬ما شا َء اهلل! َ‬ ‫َق ِ‬
‫ف ُم َّ‬ ‫كش ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ائل َ‬
‫كيم»!‬ ‫حل ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن ا َ‬ ‫أنت َو ْحدَ َك ُّأيا‬ ‫َ‬
‫الربانِ ّي َة؛‬ ‫َ‬
‫واألفعال ّ‬ ‫والش ُؤ َ‬
‫ون‬ ‫األع َل‪ -‬األسامء والص ِ‬
‫فات اإلهل ّي َة ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫نم ِّثل ‪-‬وهلل امل َث ُل ْ‬‫ف ْل َ‬
‫ِ‬ ‫ُور َتتدُّ دائر ُة ع َظمتِها من َ‬
‫َسع ُحدو ُد‬ ‫األز ِل إىل األَبد‪ ،‬وت ُ‬ ‫كأنا َش َجر ُة طو َبى من ن ٍ‬ ‫ّ‬
‫إجراءاتا من حدودِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وحتيط به‪ ،‬و َيمتدُّ مدى‬ ‫ِ‬
‫غري املحدود‬ ‫ِ‬
‫كربيائها ال َفضا َء‬
‫ُ‬ ‫املطلق َ‬
‫َ‬
‫﴿ ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ (األنعام‪ ﴿ )95:‬ﯩﯪﯫﯬ﴾ (األنفال‪ ﴿ )24:‬ﮈﮉﮊ‬
‫﴿ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ (هود‪)7:‬‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ (آل عمران‪ )6:‬إىل‬
‫﴿ ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ (الرعد‪.)2:‬‬ ‫(الزمر‪)67:‬‬ ‫وإىل ﴿ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ﴾‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبجمي ِع‬ ‫الكريم يبني تلك احلقيق َة النوران ّي َة بجمي ِع ُفروعها وأغصانا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫أن‬‫فنرى َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اياتا و َث ِ‬‫َغ ِ‬
‫خرى وال‬ ‫ُعيق حقيق ٌة حقيق ًة ُأ َ‬ ‫بحيث ال ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫واالنسجا ِم‬ ‫التوافق‬ ‫نتهى‬ ‫مراتا َبيانًا يف ُم َ‬
‫غريها‪.‬‬ ‫حقيقة من ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َوح ُش‬ ‫قيقة حكْام ألُخرى‪ ،‬وال تَست ِ‬ ‫فسدُ حكم ح ٍ‬ ‫ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األسامء اإلهل ّي ِة‬ ‫حقائق‬ ‫الكريم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ي‬ ‫املتناس ِ‬
‫ِ‬ ‫الصورة املتجانِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫قة َب َّ َ‬ ‫سة‬ ‫وعىل هذه‬
‫مجيع ِ‬
‫أهل‬ ‫بحيث َ‬
‫ُ‬ ‫احلكيمة بيانا م ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربان َّي ِة‬ ‫اجلليلة ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫والص ِ‬
‫جعل َ‬ ‫عج ًزا‬ ‫ُ‬ ‫واألفعال‬ ‫والشؤون ّ‬ ‫فات‬ ‫ّ‬
‫امللكوت‪ُ ،‬يصدِّ قونَه‬‫ِ‬ ‫جيولون يف عامل‬ ‫َ‬ ‫الذين‬ ‫املعرفة واحلِ ِ‬
‫كمة‬ ‫ِ‬ ‫ومجيع ُأويل‬ ‫ِ‬
‫واحلقيقة‬ ‫ف‬‫الك َْش ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غم ُرهم‪:‬‬ ‫واإلعجاب َي ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املعج ِز‬ ‫مجال بيانِه‬
‫ني أمام ِ‬
‫قائل َ َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة وما أمج َله‬ ‫انسجا َمه وتوا ُف َقه وتَطا ُب َقه مع‬ ‫«سبحان اهلل! ما أصوب هذا! وما أكثر ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وأل َي َقه!»‪.‬‬
‫� �� � � ��� ��� � � � �‬
‫‪159‬‬ ‫��� ���� �� ���������‬
‫الو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جوب‪،‬‬ ‫تتوجه إىل مجي ِع دائرة اإلمكان ودائرة ُ‬ ‫الست َة التي ّ‬ ‫أركان اإليامن ِّ‬‫َ‬ ‫أخذنا مثال‬ ‫فلو َ‬
‫القرآن الكريم بجمي ِع ُف ِ‬
‫روعها‬ ‫ُ‬ ‫صو ُرها‬ ‫ِ‬ ‫والتي ُت َعدُّ ُغصنًا من تِلكُام َّ‬
‫ُ‬ ‫يمتَني‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫الش َجرتَني ال َعظ َ‬
‫ِ‬
‫وأزاهريها‪،‬‬ ‫انسجاما بدي ًعا بني َثم ِ‬
‫راتا‬ ‫َصو ِيره ِ‬ ‫وأزاه ِريها م ِ‬
‫راع ًيا يف ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأغصانا و َثم ِ‬
‫راتا‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عاج ًزا عن‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان ِ‬ ‫جيعل َع َ‬
‫قل‬ ‫بحيث ُ‬
‫ُ‬ ‫ّواز ِن واالت ِ‬
‫ِّساق‪،‬‬ ‫نتهى الت ُ‬ ‫التناس ِ‬ ‫عر ًفا َط َ‬
‫ب يف ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫رز‬ ‫ُم ِّ‬
‫سن َجالِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أبعاده و َم ُبهوتًا أما َم ُح ِ‬ ‫إدراك‬
‫عج ِ‬‫القرآن الكريم وأتَى بالرائ ِع امل ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫رع من ُغ ِ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫اإليامن‪ ،‬أبدَ َع‬ ‫صن‬ ‫إن اإلسال َم الذي هو َف ٌ‬ ‫ثم َّ‬
‫التواز ِن فيام بينها‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫ّناس ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َصوير َأ ِّ‬
‫ُ‬ ‫وكامل‬ ‫ب‬ ‫افظ عىل َجال الت ُ‬ ‫دق ُفرو ِع أركانه اخلمسة َ‬ ‫يف ت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مق ِحك َِمها‬
‫وأع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ِ‬ ‫ب فيام بني أبس ِ‬‫ّناس ِ‬
‫فوائدها‬ ‫وأصغر‬ ‫غاياتا ْ‬ ‫نتهى‬
‫آدابا و ُم َ‬ ‫َ‬ ‫حا َف َظ عىل الت ُ‬
‫نصوص ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النابعة من‬ ‫ظمى‬ ‫َامل انتِظا ِم ّ ِ‬ ‫وأهبر دليل عىل ذلك هو ك ُ‬ ‫ِ‬
‫الشيعة ال ُع َ‬ ‫وثمراتا‪ُ ..‬‬
‫ور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موزه‪..‬‬ ‫القرآن اجلام ِع ومن إشاراته ُ‬
‫ِ‬
‫أحكامها‪،‬‬ ‫ب‬‫َناس ِ‬
‫سن ت ُ‬ ‫وح ُ‬ ‫َواز ِنا الدَّ ِ‬
‫قيق‪ُ ،‬‬ ‫ومجال ت ُ‬‫ُ‬ ‫يعة ال َغ ّر ِاء‪،‬‬
‫فكامل انتِظا ِم هذه الشَّ ِ‬ ‫ُ‬
‫يب‬ ‫ٌ‬ ‫كل منها ِ‬
‫شاهدُ َع ٍ‬ ‫ورصا َنتُها‪ٌّ ..‬‬
‫الر ُ‬
‫باهر عىل هذه احلقيقة ال َيدنُو منه َّ‬
‫وبرهان ٌ‬ ‫دل ال ُي َر ُح؛‬ ‫َ‬
‫رش‪ ،‬وال سيام إنسانٍ‬ ‫ِ‬
‫زئي ل َب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن تَستَندَ إىل ع ٍ‬ ‫ِ‬
‫أن ال َبيانات القرآن ّي َة ال يمكن ْ‬ ‫بمعنَى َّ‬
‫ّ‬ ‫لم ُج ٍّ‬ ‫أبدً ا‪َ ،‬‬
‫بكل ٍ‬ ‫لم و ِاس ٍع ُم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشء‪.‬‬ ‫يط ِّ‬ ‫ُأ ِّم ٍّي‪ ،‬بل ال ُبدَّ أن تَستَندَ إىل ع ٍ َ‬
‫احلقائق يف ٍ‬
‫آن‬ ‫ِ‬ ‫واملشاه ِد جلمي ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشياء م ًعا‪،‬‬ ‫اجلليل ال َب ِ‬
‫صري بجمي ِع‬ ‫ِ‬ ‫فهو كَالم ِ‬
‫ذات اهلل‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة ُ‬
‫اآلية‬ ‫شري إىل هذه‬ ‫ِ‬ ‫واح ٍد من َ ِ‬
‫ِ‬
‫األزل إىل األبد‪ ..‬ومما ُي ُ‬
‫﴿‪  ‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ (الكهف‪)1:‬‬

‫الل يَا ُمنـز َل الْ ُقر�آن‪ ..‬بَ ّق الْ ُقر�آن َوبَ ّق َمن اُنـز َل َعلَيه الْ ُقر� آ ُن نَ ّو ْر قُلُ َ‬
‫وبنَا‬ ‫َّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُُ ََ ُ ْ َ َ ُْ آ آ َ َ ُ ْ ََ ُ‬
‫ان والقر� ِن � ِمني يا مستعان‪.‬‬ ‫اليم ِ‬ ‫ور ِ‬ ‫وقبورنا بِن ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪160‬‬

‫املقام الثاين‬

‫�﷽‬

‫الإغراءات والأهواء ُ‬
‫ُ‬ ‫الذين تتَجاذبُهم‬
‫َ‬ ‫الشباب‬
‫ِ‬ ‫حوار ٌ مع عدَدٍ من‬
‫ِ‬
‫صوابَهُم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫و�لكنَّهم لم يَفقدوا بعدُ َ‬
‫النور» وتَمدَّ هلم يدَ النَّجدَ ِة ِ‬
‫سائل ِ‬‫«ر ُ‬ ‫الشباب ْ ِ‬
‫ِ‬
‫ني‪:‬‬
‫سائل َ‬ ‫ُ‬ ‫أن تُعينَهم َ‬ ‫ط َل َ‬
‫ب َعد ٌد من‬
‫وجاذب ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلغراء‬ ‫حييط بنا يف َزمانِنا هذا من فِ ِ‬
‫تنة‬ ‫ُنق َذ ِ‬
‫آخرتَنا إزا َء ما ُ‬ ‫مكنُنا أن ن ِ‬‫كيف ي ِ‬
‫َ ُ‬
‫اهلوى ِ‬
‫وخدا ِع ال َّل ِ‬
‫هو؟‬ ‫َ‬
‫النور» املعنو ّي ِة ً‬
‫قائل‪:‬‬ ‫«رسائل ِ‬
‫ِ‬ ‫خص َّي ِة‬
‫باسم َش ِ‬
‫ِ‬ ‫فأجبتُهم‬
‫ناص‪ ..‬والدّ ُ‬ ‫مكن أن ي ِ‬
‫ِ‬
‫خول‬ ‫َدخ ُله ال َم َ‬
‫نك َره أحدٌ ‪ ..‬ك ُّلنا سن ُ‬ ‫رب ٌ‬
‫ماثل أما َم اجلميعِ! ال ُي ُ ُ‬ ‫ال َق ُ‬
‫رق ال ِ‬
‫غريها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بثالثة ُط ٍ‬ ‫فيه‬
‫ياض َج ٍ‬
‫يلة وعا َل ٍم َر ْح ٍ‬ ‫نني إىل ِر ٍ‬ ‫أن القرب باب ينفتِح للم ِ‬‫األو ُل‪ُ :‬يؤ ِّدي إىل َّ‬ ‫ال ّط ُ‬
‫ب‬ ‫ؤم َ‬ ‫َ ٌ َ ُ ُ‬ ‫ريق َّ‬
‫وأجمل من هذه الدّ نيا‪.‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫أفضل‬ ‫ِ‬
‫فس ٍ‬
‫يح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫باب لِ ِس ٍ‬ ‫الثان‪ :‬ي ِ‬
‫الضاللة وال َغ ِّي ‪-‬مع‬ ‫ين يف‬
‫للمتامد َ‬ ‫جن ٍ‬
‫دائم ُ‬ ‫رب ٌ‬ ‫وص ُل إىل َّ‬
‫أن الق َ‬ ‫ريق ِ ُ‬ ‫ال ّط ُ‬
‫رو َن الوجو َد واحليا َة من ِخاللِه؛‬ ‫ِ‬
‫نس ما كانوا َيعتقدونَه و َي ْ‬ ‫لون بِ ِج ِ‬ ‫باآلخ ِ‬
‫رة‪ -‬فهم ُيعا َم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيامنم‬
‫راد ِّي‪ ،‬لِعدَ ِم َع َم ِلهم بام كانوا َيعت َِقدونَه‪.‬‬‫االنف ِ‬
‫جن ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫عز َ‬
‫لون عن مجيع أح َّبتهم يف هذا ِّ‬ ‫ف ُي َ‬
‫والضال َلة‪ ،‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫اجلحود ّ‬ ‫ِ‬
‫أرباب‬ ‫رة من‬‫باآلخ ِ‬
‫ِ‬ ‫نساق إليه من ال ي ِ‬
‫ؤم ُن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ث‪َ :‬ي ُ‬ ‫ريق الثالِ ُ‬
‫ال ّط ُ‬
‫جميع‬
‫َ‬ ‫َظره ِمشنَق ٌة تُفنِيه وتُفنِي معه‬
‫رب يف ن ِ‬
‫هنائي له؛ والق ُ‬
‫وإعدا ٌم ٌّ‬ ‫ِ‬
‫املحض ْ‬ ‫باب إىل ال َعدَ ِم‬
‫رب ٌ‬ ‫الق ُ‬
‫باآلخ ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحبتِه؛ فهذا هو جزاء ج ِ‬
‫حوده‬ ‫ِ‬
‫َ ُ ُ‬ ‫َّ‬
‫رأي ال َع ِ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ان إىل َدلِ ٍ‬‫ان‪ ،‬ال َيتاج ِ‬‫قان ِبدهيي ِ‬
‫الش ِ‬ ‫هذان ِّ‬
‫شاهدَ ُتام َ‬ ‫يل‪ ،‬إذ ُيمك ُن ُم َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪161‬‬

‫رض ُب‬‫حني‪َ ،‬ي ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫دركَنا يف ِّ‬ ‫والموت يمكنُه أن ُي ِ‬ ‫ُ‬ ‫يب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بستار ال َغ ِ‬ ‫مستورا عنَّا‬‫ً‬ ‫ُ‬
‫األجل‬ ‫فام دام‬
‫عيف الذي َي َرى هذه‬ ‫الض َ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان ّ‬ ‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫يخ‪ ،‬فال ّ‬ ‫اب ّ‬
‫والش ِ‬ ‫اإلنسان دون َت ِي ٍيز بني ّ‬ ‫ِ‬
‫الش ِّ‬ ‫ُعن َُق‬
‫وف يتَحرى عام ُي ِ‬ ‫كل و ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دي‬‫نجيه من ذلك اإلعدا ِم األ َب ِّ‬ ‫َّ‬ ‫قت‪َ ،‬س َ‬ ‫القض ّي َة املذهل َة أمام َعينَيه‪ ،‬يف ِّ َ‬
‫ُور ِ‬ ‫القرب من ُظلم ٍة ٍ‬
‫قامتة إىل ن ٍ‬ ‫باب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫والس ِ‬
‫ساط ٍع‬ ‫َ‬ ‫حو ُل له َ‬ ‫بح ُث عام ُي ِّ‬ ‫جن االنفراد ِّي الدّ ائم‪ ،‬و َي َ‬ ‫ِّ‬
‫أن هذه‬ ‫يب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ياض ُمون َقة يف عامل الن ِ‬ ‫ور ٍ‬ ‫ـم خالد ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َينفتِ ُح إىل عا َل ٍ‬
‫والسعا َدة اخلالدَ ة‪ ..‬وال َر َ‬ ‫ّور ّ‬
‫وأجل من الدّ نيا ك ِّلها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعظم‬
‫ُ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬بل هي‬ ‫ربى لدى‬ ‫املسأل َة هي ال َقض ّي ُة ال ُك َ‬
‫الثالثة املتقدِّ َم ِة‪ُ ،‬ينبِ ُئ هبا ِمئ ٌة‬
‫ِ‬ ‫والقرب‪ -‬بال ُّط ُر ِق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوت‬ ‫ِ‬
‫‪-‬حقيقة‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫ظهور هذه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫احلام َ‬
‫لون‬ ‫ني‪ ،‬وهم األنبياء الكرام عليهم السالم ِ‬ ‫ِ‬ ‫رشون ألفا من ِ ِ‬ ‫َ‬ ‫وأربع ٌة ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصادق َ ُ ُ‬ ‫ين ّ‬ ‫املخب َ‬ ‫وع‬
‫رشون ِمليونًا من‬ ‫َ‬ ‫عة ِ‬ ‫الباهرةُ‪ ..‬و ُينبِ ُئ هبا ِمئ ٌة وأر َب ٌ‬ ‫زاتم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وع‬ ‫لوا َء تَصديقهم الذي هو ُمعج ُ ُ‬
‫احلق ِ‬
‫يقة‬ ‫دون هلم عىل ِ‬ ‫شه َ‬ ‫ِ‬ ‫الصاحلني‪ُ ،‬يصدِّ َ‬ ‫ِ‬
‫رام‪ ،‬و َي َ‬
‫رب به أولئك األنبيا ُء الك ُ‬ ‫قون ما أخ َ‬ ‫األولياء ّ‬
‫ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫هود‪ ..‬و ُينبِ ُئ هبا ما ال ُي َعدُّ وال ُي َص من العلامء املح ِّق ِق َ‬ ‫والش ِ‬ ‫وق ُّ‬ ‫والذ ِ‬
‫َشف َّ‬ ‫نفسها بالك ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫اليقني‪،‬‬ ‫درج َة ِع ِ‬
‫لم‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫هم ال َعقل ّية القاطعة البالغة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫رب به أولئك األنبيا ُء واألوليا ُء بأد َّلت ُ‬ ‫تون ما أخ َ‬ ‫ُيثبِ َ‬
‫ون‪َّ :‬‬
‫قر ُر َ‬ ‫جلز ِم(‪..)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبام َي ِص ُل إىل تِس ٍع وتِ َ‬
‫أن النَّجا َة من‬ ‫فاجلميع ُي ِّ‬
‫ُ‬ ‫سعني باملئة من ال ُّثبوت وا َ‬
‫أبد َّي ٍة‪ ،‬إنَّام‬
‫عادة ِ‬
‫املوت إىل س ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫راد ِّي‪ ،‬وت ِ‬
‫َحو َيل‬ ‫االنف ِ‬
‫جن ِ‬ ‫الس ِ‬
‫والخالص من ِّ‬ ‫َ‬ ‫اإلعدا ِم األَ ِبد ِّي‪،‬‬
‫إل‪.‬‬‫وطاعتِه ليس َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫باإليامن باهلل‬ ‫ُ‬
‫تكون‬

‫هل ٍك‪ ،‬ولو‬ ‫طر م ِ‬ ‫ِ‬


‫خبر عن ُوجود َخ ٍ ُ‬ ‫ول ُم ٍ‬ ‫ث ب َق ِ‬ ‫كرت ٍ‬
‫غير ُم ِ‬ ‫طريق َ‬ ‫ٍ‬ ‫سار أحدُ ُهم يف‬‫نعم‪ ،‬لو َ‬
‫اط َر‬ ‫وف عم يتَصوره ويتَو َّقعه من َم ِ‬ ‫وخ ٍ‬ ‫لق َ‬ ‫يط به من َق ٍ‬ ‫أليس ما ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫باحتِ ِ ِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ّ‬ ‫امل واحد من املئة‪َ ،‬‬
‫ني‪،‬‬ ‫المصدَّ ِق َ‬‫ني ُ‬ ‫اد ِق َ‬
‫اآلالف من الص ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫مئات‬ ‫بإخبار ِ‬
‫ِ‬ ‫فكيف إذن‬ ‫َ‬ ‫كافِ ًيا ل َقط ِع َشه ّيتِه عن ال ّطعا ِم؟‬
‫َ‬ ‫سق يد َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫املئة‪ ،‬وات ِ‬ ‫إخبارا يب ُل ُغ ِصد ُقهم مئ ًة يف ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫عان‬ ‫الضالل َة والف َ َ‬ ‫أن ّ‬ ‫ِّفاقهم مجيعا عىل َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً َ‬
‫والعباد َة‬ ‫اإليامن ِ‬‫َ‬ ‫ماثل أما َمكم‪َّ -‬‬
‫وأن‬ ‫األبد ِّي ‪-‬كام هو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫راد ِّي‬ ‫االنف ِ‬
‫وسجنِه ِ‬ ‫َقة ال َق ِرب ِ‬
‫إىل ِمشن ِ‬
‫ِ‬
‫وحتويل‬ ‫االنف ِ‬
‫راد ِّي‪،‬‬ ‫جن ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫وإغالق ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعواد املِشن ِ‬
‫ِ‬ ‫يالن برف ِع‬‫املئة‪ -‬ك َِف ِ‬‫ني ِم ٍئة يف ِ‬
‫‪-‬ب َي ِق ِ‬
‫باب ِّ‬ ‫َقة‬
‫وكنوز م ٍ‬ ‫رة بالسعاد ِة الدّ ِائ ِ‬ ‫عام ٍ‬ ‫صور مزي ٍنة ِ‬
‫ب‪ ..‬علام‬ ‫َنض ُ‬ ‫ليئة ال ت ُ‬ ‫ٍ َ‬ ‫مة‪،‬‬ ‫ّ َ‬ ‫باب ُيفت َُح إىل ُق ٍ ُ َّ‬ ‫ِ‬
‫القرب إىل ٍ‬
‫آثارها‪.‬‬ ‫ظه َ‬ ‫ِ‬
‫أماراتا و ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫إخبارهم هذا َيدُ ُّل َ‬
‫رون َ‬ ‫ون عىل‬ ‫ّأنم مع‬

‫اجلميع‪( ،‬املؤلف)‬
‫ُ‬ ‫رسائل ِ‬
‫النور كام يراها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أولئك‬ ‫أحدُ‬
‫(‪َ )1‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪162‬‬
‫الس َ‬
‫ؤال‪:‬‬ ‫واآلن ُأ ِّ‬
‫وجه إليكُم هذا ُّ‬
‫اجلسيمة الر ِه ِ‬
‫يبة؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسألة‬ ‫ِ‬
‫املسلم‪ -‬إزا َء هذه‬ ‫س ‪-‬وال ِس ّيام‬ ‫اإلنسان ِ‬
‫البائ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫‪ -‬تُرى ما م ِ‬
‫وق ُ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ت ُِز َيل َس ُ‬
‫لطنة الدّ نيا ك ُّلها مع ما فيها من ُم َت ٍع و َلذائ َذ‪ ،‬ما ُيعانيه‬ ‫مك ُن ْ‬‫هل ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫القرب‪ ،‬إن كان ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل حل ٍ‬
‫ظة للدُّ ِ‬ ‫ظار َد ِ‬‫راب و َق َل ٍق يف انتِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اضط ٍ‬
‫لإليامن‬ ‫فاقدً ا‬ ‫خول إىل‬ ‫وره يف ِّ َ‬
‫ِ‬
‫والعبادة؟!‬
‫ٍ‬
‫ث من َوفيات هنا وهناك‪ ،‬تُق ِّط ُر ذلك األمل َ‬ ‫واملرض والبال َء‪ ،‬وما َيدُ ُ‬ ‫َ‬ ‫يخوخ َة‬
‫َ‬ ‫إن ّ‬
‫الش‬ ‫ثم َّ‬
‫الضا ِّل َ‬
‫ني‬ ‫أن أولئك ّ‬ ‫بم ِص ِريه املحتو ِم؛ فال َج َر َم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نفس ِّ‬‫ِ‬
‫كل إنسان‪ ،‬وتُنذ ُره دوما َ‬ ‫املرير إىل‬
‫َ‬
‫عنو ٌّي‪ُ ،‬يعذ ُِّبم ب َلظاه حتى لو َتتّعوا‬‫حيم َم ِ‬ ‫تأج ُج يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلوبم َج ٌ‬ ‫فاهة واملجون َس َي َّ‬ ‫الس َ‬
‫وأرباب ّ‬
‫َ‬
‫شعار ِهم ذلك‬‫ول دون استِ ِ‬ ‫أن الغفل َة وحدَ ها هي التي ت َُح ُ‬ ‫ذائ ِذها‪َ ،‬ب ْيدَ َّ‬
‫باه ِج الدنيا و َل ِ‬ ‫بم ِ‬
‫َ‬
‫األليم‪.‬‬
‫َ‬ ‫العذاب‬
‫َ‬
‫مة ون َِع ٍ‬
‫يم‬ ‫دائ ٍ‬
‫عادة ِ‬‫رياض س ٍ‬
‫ِ َ‬ ‫رب َ‬
‫املاثل أما َمهم با ًبا إىل‬ ‫اع ِة َير َ‬
‫ون الق َ‬
‫ِ‬
‫اإليامن وال ّط َ‬ ‫فام دام ُ‬
‫أهل‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪َّ ،‬‬
‫فإن كُال‬ ‫ِ‬
‫بشهادة‬ ‫كنوزا ال َت ْفنَى‬
‫ُكس ُبهم ً‬ ‫يقة ت ِ‬‫يم‪ ،‬بام منِحوا من ال َقدَ ِر اإلهلي من وثِ ٍ‬ ‫ُم ِق ٍ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ناديه‬‫حلظة من ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫روح ّي ًة لدى انتِ ِ‬
‫ظاره َّ‬ ‫راسخ ًة‪ ،‬ونَشو ًة ِ‬ ‫حقيقي ًة ِ‬ ‫لذ ًة َع ِميق ًة ِ‬
‫منهم س َيش ُع ُر ّ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫بمثابة جن ٍّة‬
‫ِ‬ ‫الروح ّي َة لو َت َّس َم ْت ألَص َب ْ‬
‫حت‬ ‫َّشو َة ُّ‬
‫إن تلك الن َ‬ ‫بحيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫قائال‪:‬تعال ُخ ْذ بِطاقتَك‪،‬‬
‫َ‬
‫َجس ُم َشجر ًة ِ‬ ‫املؤم ِن‪ِ ،‬‬‫معنوية خاص ٍة بذلك ِ‬ ‫ٍ‬
‫وارف ًة‪.‬‬ ‫ذر ُة وتت ّ‬ ‫َحو ُل البِ َ‬
‫ثل ما تت َّ‬ ‫بم ِ‬ ‫ّ‬
‫غير‬‫ذة ُمؤ ّق ٍتة ِ‬ ‫وحي َة اخلالِص َة ألج ِل َل ٍ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الر ّ‬ ‫األمر هكذا‪ ،‬فالذي َيدَ ُع تلك املتع َة ُّ‬ ‫ُ‬ ‫و َلا كان‬
‫نح ُّط‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سل املسمو ِم‪ ،‬بدافِ ٍع من َط ِ‬ ‫صة باآلالم كال َع ِ‬ ‫مرشوعة من َّغ ٍ‬
‫ٍ‬
‫وسفاهته؛ س َي َ‬ ‫الشباب َ‬ ‫يش‬ ‫ُ‬
‫املالح ِ‬
‫دة‬ ‫ِ‬ ‫يكون حتى بمثل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احليوان‪ ..‬بل ال َيب ُل ُغ أن‬ ‫ستوى أدنى بكثري من ُمستَوى‬ ‫إىل ُم ً‬
‫آخرين؛ وإن مل‬ ‫ؤم ُن ُبر ُس ٍل‬‫نكر منهم رسو َلنا الكريم ﷺ فقد ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب أيضا؛ َّ‬ ‫األجانِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ألن َمن ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫جوده تعاىل؛ وإن مل ي ِ‬ ‫ؤمن بو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلصال‬ ‫تكون له من‬ ‫ُ‬ ‫ؤم ْن باهلل فقد‬ ‫ُ‬ ‫بالر ُس ِل ك ِّلهم فقد ُي ُ ُ‬ ‫ُيؤم ْن ُّ‬
‫ِ‬
‫الكامالت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلميدة ما ُي ِريه‬
‫إل‬ ‫الكامالت اإلنسانِ ّي َة ّ‬
‫ِ‬ ‫رف‬
‫آمن بر ِّبه وال َع َ‬ ‫الرسل الكرا َم وال َ‬ ‫َ‬ ‫عر ِف‬‫املسلم مل َي ِ‬
‫ُ‬ ‫بينام‬
‫كة و َي ُح ُّل ِربقتَه عن‬ ‫الكريم ﷺ لذا من يتر ُك منهم التأدب برتبيتِه املبار ِ‬ ‫ِ‬ ‫النبي‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫بواسطة هذا ِّ‬
‫َطيع أن ُيافِ َظ‬ ‫آخ َر‪ ،‬بل َي َحدُ حتى باهلل سبحانَه وتعاىل‪ ،‬وال َيست ُ‬ ‫َبي َ‬‫ف بن ٍّ‬ ‫أوامره فال َيعت َِر ُ‬ ‫ِ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪163‬‬
‫ِ‬
‫الرتبية التي جاء‬ ‫ول الدِّ ِ‬
‫ين و ُأ ُس َس‬ ‫ألن ُأ ُص َ‬
‫وحه؛ ذلك َّ‬ ‫الكامالت اإلنسانِي ِة يف ر ِ‬
‫ِ‬ ‫س‬‫عىل ُأ ُس ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قط َمن‬ ‫نورا وال كامال ُّ‬ ‫الرسوخِ والكامل ما ال ُيمك ُن أن ُي ْح ِر َز ً‬ ‫الكريم ﷺ هي م َن ُّ‬
‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫سول‬ ‫هبا َّ‬
‫قوط املط َل ِق‪ ،‬إذ هو ﷺ خات َُم النَّب ِّيني وس ِّيدُ‬ ‫يدَ ُعها ويتركُها‪ ،‬بل يحكَم عليه بالتّردي والس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫خرها واعتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زازها‪،‬‬ ‫دار َف ِ‬‫وإمام البرشية بأكملها‪ ،‬يف احلقائ ِق ك ِّلها‪ ،‬بل هو َم ُ‬ ‫ُ‬ ‫واملرسلني‪،‬‬
‫َ‬ ‫األنبياء‬
‫ِ‬
‫كام َأث َب َت ذلك إثباتًا رائعا عىل مدَ ى َأربع َة َ‬
‫عشر َقرنًا‪.‬‬
‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫ِ‬
‫ضامن‬ ‫هدهم لِ‬ ‫يبذلون ُقصارى ج ِ‬ ‫تاعها‪ ،‬ويا َمن ُ‬ ‫احلياة الدُّ نيا وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيا من ُفتِنتُم َبز ِ‬
‫هرة‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫عليهام! ُّأيا البائ َ‬
‫سون!‬ ‫َقبل بال َق َل ِق ِ‬
‫واملست ِ‬

‫املرشوع ُة‬
‫َ‬ ‫عادتا وراحتِها‪ ،‬فال َّل ِ‬
‫ذائ ُذ‬ ‫بلذة الدنيا والتَّـنَ ُّعم بس ِ‬ ‫إن كُنتُم ترومون التمتُّع ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أدركتُم‬ ‫افية لتَلبِية َرغباتكُم وتَطمني أهوائكم‪ ..‬ولقد َ‬ ‫وو ٌ‬ ‫كافية َ‬‫ٌ‬ ‫كل يشء‪ ،‬فهي‬ ‫تُغنيكُم عن ِّ‬
‫عرض‬ ‫أمكن ُ‬ ‫وألٍ‪ ،‬إذ لو‬‫ألف أ َل ٍم َ‬
‫الش ِع فيها ُ‬ ‫نطاق َّ‬‫خار َج ِ‬ ‫تعة ِ‬ ‫كل َل ّذ ٍة وم ٍ‬ ‫أن َّ‬‫‪-‬مما ب َّيناه آنفا‪َّ -‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أحداث مقبِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األحداث‬ ‫ُعر ُض‬ ‫مخسني سن ًة مثال‪ ،‬عىل شاشة اآلن مثلام ت َ‬ ‫َ‬ ‫لة بعد‬ ‫ُ‬ ‫يقع من‬
‫ما َس ُ‬
‫كون له َ‬
‫اآلن‪.‬‬ ‫ضح َ‬ ‫فلة والس ِ‬ ‫املاضي ُة عليها َلبكَى أرباب ال َغ ِ‬
‫فاهة ُبكا ًء ُم ًّـرا أليام عىل ما َي َ‬‫َّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫واآلخ ِ‬‫ِ‬
‫رة‪ ،‬عليه أن‬ ‫قيم يف الدنيا‬ ‫الم َ‬
‫والفرح ُ‬
‫َ‬ ‫الدائم‬
‫َ‬ ‫الخالص‬
‫َ‬ ‫رور‬
‫الس َ‬ ‫فمن كان ُي ِريدُ ُّ‬
‫اإليامن من ترب ّي ِة ُم ّم ٍد ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫طاق‬‫َيقت َِد َي بام يف نِ ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪164‬‬

‫الش ِ‬
‫باب‬ ‫وار مع َف ٍ‬
‫ريق من َّ‬ ‫ِ‬
‫ح ٌ‬
‫ٍ‬
‫تنبيهات َق ِو ّي ًة‬ ‫قون نَضار ًة وذكا ًء‪ ،‬طالبِ َ‬
‫ني‬ ‫الش ِ‬
‫باب‪ ،‬يتَد َّف َ‬ ‫ذات َيو ٍم َف ٌ‬
‫ريق من ّ‬ ‫جا َءين َ‬
‫الشباب ومن‬ ‫ِ‬ ‫احلياة ومن ُف َّتو ِة‬
‫ِ‬ ‫رور تتَطاير من متَط َّل ِ‬
‫بات‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وإرشادات َق ِويم ًة ت َِق ِيهم من ُش ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫املحيطة ِهبم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األهواء‬
‫رسائل الن ِ‬
‫ّور‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ثل ما ُقلتُه ألولئك الذين َطل ُبوا ال َع َ‬
‫ون من‬ ‫فقلت هلم ِ‬
‫بم ِ‬ ‫ُ‬
‫أنفسكم‬ ‫ذاهب ال َمحال َة‪ ،‬فإن مل ت ِ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫ِ‬
‫ونضارة‬ ‫َّعون به من ربي ِع ال ُع ُم ِر‬ ‫اع َل ُموا َّ‬
‫أن ما تتَمت َ‬
‫ُلز ُموا َ‬ ‫ٌ‬
‫منثورا‪ ،‬و َي ُج ُّر عليكم يف‬ ‫ويذهب هبا ًء‬ ‫الشباب‬ ‫يضيع ذلك‬ ‫فس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫من احلدود الرشعية‪َ ،‬‬ ‫بالبقاء ض َ‬
‫ات الدنيا التي أذا َقكُم إ ّياها‪..‬‬ ‫لذ ِ‬
‫تفوق كثريا َم ّ‬
‫صائب وآال ًما ُ‬ ‫اآلخ ِ‬
‫رة باليا و َم‬ ‫القرب ويف ِ‬
‫الدنيا ويف ِ‬
‫َ‬
‫طاع ِة ر ِّبكم برتبيتِه‬ ‫الش ِف ويف َ‬ ‫النفس ويف َص ْو ِن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ربيع ُع ُم ِركم يف ِع ّف ِة‬ ‫ولكن لو َصفتُم َ‬
‫ِ‬
‫والشباب‪ ،‬فسيب َقى‬ ‫ِ‬ ‫عم ِة ال ُفت ُّو ِة‬ ‫ِ‬
‫كر اهلل تعاىل عىل ما أن َع َم ع َليكُم من ن َ‬ ‫لش ِ‬
‫عىل اإلسالم‪ ،‬أدا ًء ُ‬
‫دة‪.‬‬‫دائم خالِ ٍد يف اجلن ِّة اخلالِ ِ‬ ‫بشباب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للفوز‬ ‫كون لكم وسيل ًة‬ ‫دوم ذلك العهدُ معنًى‪ ،‬وس َي ُ‬ ‫و َي ُ‬
‫فإنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اإليامن‪ ،‬أو َف َقدَ‬‫ِ‬ ‫َت خالِي ًة من‬
‫تأثيره فيها لكثرة املعاص‪َّ ،‬‬ ‫اإليمان َ‬ ‫فاحلياةُ‪ ،‬إن كان ْ‬
‫أضعاف‬‫ِ‬ ‫أضعاف‬
‫َ‬ ‫واألحزان واهلُمو َم‬ ‫َ‬ ‫القصرية جدا ت ُِذ ُيق اآلال َم‬ ‫ِ‬ ‫ولذ ِتا الظاهر ّي ِة‬ ‫مع م ِ‬
‫تاعها َّ‬ ‫َ‬
‫عالقة فطري ٍة و ٍ‬
‫ثيقة‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان ‪-‬بام ُمنِ َح من َع ْق ٍل وفِك ٍْر‪ -‬ذو‬ ‫َ‬ ‫ات‪ ،‬ذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫وامللذ ِ‬
‫ّ‬ ‫تلك املت ِع‬
‫ّ َ‬
‫َ‬
‫لذائذ‬ ‫ّن من أن َي َ‬
‫ذوق‬ ‫حاض حتى إنه يتَمك ُ‬ ‫زمان ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َقبل فضال عام هو عليه من‬ ‫باملايض واملست ِ‬
‫ُ‬
‫األحزان‬ ‫رة‬‫الحاض ِ‬
‫ِ‬ ‫للحيوان الذي ال تُعك ُِّر َص ْف َو َل َّذتِه‬ ‫ِ‬ ‫بآالمها‪ِ ،‬خال ًفا‬‫األزمنة ويشعر ِ‬‫ِ‬ ‫تلك‬
‫َ َُ‬
‫حيث مل يمن َِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬
‫الفك َْر‪.‬‬ ‫املستقبل‪ُ ُ ،‬‬ ‫املتو َّق ُ‬
‫عة يف‬ ‫ف َ‬ ‫خاو ُ‬ ‫الوارد ُة من املايض وال َ‬
‫ِ‬
‫احلاض ُة بام‬ ‫َفسد ُمت َعتُه‬ ‫الض ِ‬
‫اللة وأطب َق ْت عليه ال َغ ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫فلة ت ُ‬ ‫فاإلنسان الذي تَر َّدى يف ّ‬ ‫ومن هنا‬
‫اضطراب من ال َق َل ِق عىل املست ِ‬
‫َقبل؛ فتَتكدَّ ُر َحياتُه‬ ‫ٍ‬ ‫املاض‪ ،‬وما َي ِر ُده من‬ ‫زان من ِ‬ ‫ي ِرده من أح ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬
‫العس ِل املسمو ِم َتا ًما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املرشوعة‪ ،‬فهي يف ُح ِ‬ ‫ِ‬
‫احلارض ُة باآلال ِم واألوها ِم‪ ،‬سـ َّيام‬
‫كم َ‬ ‫َ‬ ‫غري‬
‫امللذات ُ‬
‫ُ‬
‫يث التمتُّع بم َل ّذ ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫احليوان من َح ُ‬ ‫بم ِئة ٍ‬
‫مرة من‬ ‫كة أدنَى ِ‬
‫سق ُط إىل در ٍ‬ ‫اإلنسان َي ُ‬
‫َ‬ ‫أي َّ‬
‫إن‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫إل يو ُمهم‬ ‫فلة‪ ،‬بل ُو ُجو َدهم وعا َل َمهم‪ ،‬ما هو ّ‬ ‫اللة وال َغ ِ‬
‫الض ِ‬ ‫ِ‬
‫أرباب ّ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪ ،‬بل َّ‬
‫إن حيا َة‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪165‬‬

‫بس َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫األزمن َة ِ‬
‫املاضي َة ك َّلها وما فيها من‬
‫ب‬ ‫ومة‪َ ،‬م ِّيت ٌة‪َ ،‬‬
‫الكائنات َمعدُ ٌ‬ ‫حيث َّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫احلارض‪،‬‬
‫ُ‬
‫قلية حوالِ ُك ال ُّظ ُل ِ‬
‫القة الع ِ‬
‫فتردهم من هناك بالع ِ‬ ‫ِ‬
‫امت‪!..‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َضاللت ِهم‪ُ ِ ،‬‬
‫أل‬ ‫إليهم‪ ،‬وذلك لِعد ِم ِ‬
‫إيامنم بال َغ ِ‬
‫يب‪ ..‬فتَم ُ‬ ‫ومة بالن ِ‬
‫ِّسبة ِ‬ ‫لة فهي أيضا َمعدُ ٌ‬ ‫ِ‬
‫األزم ُنة املقبِ ُ‬ ‫أما‬
‫َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مل َ‬ ‫بظلامت ٍ‬
‫قامتة‪ ،‬ما داموا ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األبدية التي ال ت ِ‬
‫ُ‬
‫العقل جاحد َ‬ ‫كون‬ ‫َ‬ ‫َنقط ُع حياتَهم‬ ‫الفراقات‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالبعث والن ِ‬
‫ُّشور‪.‬‬
‫ِ‬
‫األزم ُنة ِ‬ ‫نوره‪ ،‬استَنار ِ‬‫وش َّع فيها من ِ‬ ‫اإليامن حيا ًة للح ِ‬
‫املاض ُية‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ياة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ولكن إذا ما َأ ْص َ‬
‫بح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت البقاء وأمدَّ ْت روح ِ‬ ‫لة‪ ،‬ووجدَ ِ‬ ‫واستَضاء ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫زاوية‬ ‫املؤمن وقل َبه من‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫األزمنة املقبِ ُ َ‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫احلاض‪.‬‬ ‫ثل ما َيمدُّ ُها َّ‬
‫الز َم ُن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأنوار ُو ُجودية باقية‪ ،‬بم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأذواق َمعنَوية سامية‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توضيحا واف ًيا يف «الرجاء السابعِ» من رسالة «الشيوخِ » ف ْل ُي َ‬
‫اج ْع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫احلقيقة ُم َو َّض ٌ‬
‫حة‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫بالحياة وتَلت َُّذوا بها فأح ُيوا حياتَكم‬ ‫هكذا احلياةُ‪ ..‬فإن كنتُم تريدون أن تَستَمتِعوا‬
‫ِ‬ ‫ض‪ ،‬وحافِظوا عليها باجتِ ِ‬ ‫بأداء الفرائِ ِ‬ ‫باإليمان و َزينوها ِ‬
‫المعاصي‪.‬‬ ‫ناب‬ ‫ِ ِّ‬
‫ٍ‬
‫مكان‪،‬‬ ‫كل يوم‪ ،‬يف ِّ‬
‫كل‬ ‫أهوالا‪ ،‬الو َفي َا ُت التي ن ِ‬
‫ُشاهدُ ها َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُطل ُعنا عىل‬ ‫ِ‬
‫املوت التي ت ِ‬ ‫ُ‬
‫حقيقة‬ ‫أ ّما‬
‫َ‬
‫آخرين من أمثالِكم ‪.‬‬ ‫لشب ٍ‬
‫ان َ‬ ‫فسأب ِّينُها لكم يف ٍ‬
‫مثال‪ ،‬مثلام َب َّينتُها ُ ّ‬ ‫ُ‬

‫جوائز‬
‫َ‬ ‫َقة‪ ،‬وبجانِبِها دائر ٌة ت َُو ِّز ُع‬
‫للمشن ِ‬
‫بت أمامكم ِ‬
‫َ‬ ‫َصوروا ههنا ‪-‬مثال‪ -‬أعوا ًدا ن ُِص ْ‬ ‫ت َّ‬
‫ُدعى إىل هناك َط ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعا أو‬ ‫األشخاص ال َع َش ُة هنا سن َ‬
‫ُ‬ ‫ونحن‬
‫ُ‬ ‫ني‪..‬‬
‫حظوظ َ‬ ‫للم‬
‫ربى َ‬ ‫َسخ ّي ًة ك َ‬
‫يقول ٍّ‬
‫لكل منّا‪:‬‬ ‫ظار َمن ُ‬ ‫دقيقة بانتِ ِ‬
‫ٍ‬ ‫فنحن يف ِّ‬
‫كل‬ ‫زمان االستِ ِ‬
‫دعاء َم ِف ٌّي عنَّا‪،‬‬ ‫ألن َ‬
‫ولكن َّ‬ ‫َرها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك ً‬
‫ماليني‬
‫َ‬ ‫تعال ُخ ْذ بِطاق ًة تُربِ ُح َك‬‫يقول‪َ :‬‬‫إعدامك‪ ،‬واص َع ِد املِشنَق َة‪ ..‬أو ُ‬‫ِ‬
‫تعال‪ ..‬ت ََس َّلم َق َ‬
‫رار‬ ‫َ‬
‫الذهب ّي ِة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اللريات َّ‬

‫أحدُ مها امرأ ٌة َجيل ٌة‬ ‫ِ‬ ‫خص ْ ِ‬ ‫َظرون‪ ،‬إذا َ‬ ‫فون منت ِ‬
‫واق َ‬ ‫وبينا نحن ِ‬
‫الباب‪َ :‬‬ ‫ي َح َضا لدى‬ ‫بش َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لوى‪ ،‬تُقدِّ ُمها إلينا تَبدُ و ّأنا َشه ّي ٌة‪ ،‬ولكنها‬ ‫حل َ‬‫وب شب ُه َعارية َتم ُل يف يدها قطع ًة من ا َ‬ ‫َل ُع ٌ‬
‫سموم ٌة يف َح ِقي َقتِها‪.‬‬
‫َم ُ‬
‫ِ‬
‫املرأة َ‬ ‫خل عىل إ ْث ِر تلك‬ ‫ور ك ِّي ٌس‪ ،‬ليس ِخ ًّبا وال ِغ ًّرا‪َ ،‬د َ‬
‫وقال‪:‬‬ ‫اآلخ ُر فهو َر ُج ٌل َو ُق ٌ‬ ‫أما َ‬
‫رس ومل تأك ُلوا من تلك‬ ‫بدرس بليغٍ‪ ،‬إذا َقرأت ُُم الدَّ َ‬‫ٍ‬ ‫جيب‪ِ ،‬‬
‫وجئتُكم‬ ‫لقد أتَيتُكم بِ ِط ْل َس ٍم َع ٍ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪166‬‬
‫ينة‪ ..‬فها أنتم‬ ‫اجلائزة ال ّث ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫مون هبذا ال ِّط ْل َس ِم بِطاق َة تلك‬ ‫ون من املِشن ِ‬
‫َقة‪ ،‬وتت ََس َّل َ‬ ‫َنج َ‬ ‫لوى‪ ،‬ت ُ‬ ‫حل َ‬
‫ا َ‬
‫البطن حتّى َيص َعدَ الِشنَق َة‪.‬‬‫ِ‬ ‫يتلوى من آال ِم‬ ‫أن َمن ُ‬ ‫ون ُبأ ِّم أعينِكم َّ‬ ‫ِ‬
‫ُأوالء ت ََر َ‬
‫احللوى‪َّ ،‬‬ ‫يأكل تلك َ‬
‫نص َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أما ِ‬
‫الفائ َ‬
‫زون ببطاقة اجلائزة‪ ،‬فمع ّأنم َم ُجو ُبون عنّا‪ ،‬ويبدو لنا ّأنم َيص َعدُ ون م َّ‬ ‫ّ‬
‫ون بأنم مل يشنَقوا‪ ،‬وإنّام َّات ُذوا أعواد الِشن َقةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املِشن َقة ّ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الشهود ُي ِب َ َّ‬‫أكثر من ماليني ُّ‬ ‫أن َ‬ ‫إل َّ‬
‫ِ‬
‫اجلوائز‪.‬‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫بسهو َل ٍة و ُي ٍ‬
‫رس إىل‬ ‫ُس َّلام ِللجتِ ِ‬
‫ياز ُ‬
‫ِ‬
‫اجلوائز‬ ‫َوزي ِع تلك‬‫املرشفِني عىل ت ِ‬
‫ني ِ‬ ‫بار املسؤولِ َ‬ ‫ّوافذ‪ ،‬لِ َتوا كيف َّ ِ‬
‫أن ك َ‬ ‫ْ‬
‫فهيا ان ُظروا من الن ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫اجلوائز‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ببطاقة‬ ‫ِ‬
‫العجيب قد فازوا‬ ‫أصحاب ذلك ال ِّط ْل َس ِم‬ ‫ني‪َّ :‬‬
‫«إن‬ ‫صوتم ِ‬
‫قائل َ‬ ‫ِ‬ ‫ون بأعىل‬‫ُينا ُد َ‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫الشك يف‬ ‫ني إىل املِشن َق ِة‪ ،‬فال ُي ِ‬
‫ساور َّنكُم‬ ‫أولئك الذاهبِ َ‬
‫َ‬ ‫ني‬ ‫ني ِ‬
‫اليق ِ‬ ‫اع َل ُموا هذا ِيقينًا كام رأيتُم ب َع ِ‬
‫مس يف رابِ ِ‬
‫عة الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ّهار»‪.‬‬ ‫الش ِ َ‬ ‫وح ّ‬ ‫هذا‪ ،‬فهو واض ٌح ُو ُض َ‬

‫لذاتِه المحظور َة َش ًعا كال َع َس ِل‬ ‫باب و َم ّ‬‫الش ِ‬ ‫ِ‬


‫املثال‪َّ :‬‬
‫فإن ُمت ََع ّ‬ ‫وهكذا عىل ِغ ِ‬
‫رار هذا‬
‫ِ‬
‫اإليامن التي تُربِ ُحه السعاد َة األبد ّي َة كأنَّه‬ ‫الموت لدَ ى الذي ف َقدَ بطاق َة‬
‫َ‬ ‫املسمو ِم‪ ..‬تَج َع ُل‬
‫حلظة ‪-‬خل ِ‬
‫فاء َوقتِه عنّا‪ -‬لِ َيق َط َع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِمشن ٌ‬
‫َ‬ ‫كل‬‫ض َّ‬ ‫َقة‪ ،‬ف َينتَظ ُر َج ّل َد األَ َج ِل الذي يمكن أن َي ُ َ‬
‫لظلمات أ َبد ّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫باب‬
‫القرب الذي هو ٌ‬ ‫فر ِة ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يخ‪ُ ..‬فيديه إىل ُح َ‬ ‫وش ٍ‬‫شاب َ‬
‫بني ٍّ‬‫األعناق دون َت ِي ٍيز َ‬
‫َ‬
‫ظاه ِره‪..‬‬‫كام هو يف ِ‬

‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشاب عن تلك امل َل ّذ ِ‬


‫بيهة بال َع َس ِل املسمو ِم‬ ‫املحظورة‪ّ ،‬‬ ‫ات‬ ‫عرض ّ ُّ‬ ‫ولكن إذا ما َأ َ‬
‫ُ‬
‫اإليامن وأدا ُء‬ ‫رآين وهو‬ ‫احلصول عىل ذلك ال ِّط ْل َس ِم ُ‬ ‫ِ‬ ‫وض َب عنها َص ً‬
‫الق ِّ‬ ‫فحا‪ ،‬وبا َد َر إىل‬ ‫َ َ‬
‫حص‬ ‫ِ‬ ‫فإن ِمئ ًة وأربع ًة ِ‬
‫ض‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الفرائ ِ‬
‫شرين ألفا من األنبياء عليهم السالم‪ ،‬وما ال ُي َعدُّ وال ُي َ‬ ‫َ‬ ‫وع‬
‫ظه ِرين َ‬
‫آثار ما ُي ِبون‬ ‫بشرون باالت ِ‬
‫ِّفاق ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫والعلامء ِ‬
‫العام ِلني ُي ِبون و ُي ِّ‬ ‫الصاحلِني‬ ‫ِ‬
‫من األولياء ّ‬
‫كنوز الس ِ‬
‫عادة األ َبد ّية‪.‬‬ ‫ٍ ِ‬ ‫بأن ِ‬
‫عنه َّ‬
‫يفوز ببطاقة تُكس ُبه َ ّ‬ ‫املؤمن َس ُ‬
‫ِ‬ ‫وس ُ‬
‫ض يف سبيل‬ ‫يزول ال َمال َة؛ فإن كان قد ُق َ‬ ‫ذهب حتام َ‬
‫باب س َي ُ‬
‫الش َ‬‫إن ّ‬‫حاصل الكالم‪َّ :‬‬
‫املوج ِ‬
‫عة سوا ٌء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملصائب‬ ‫آالف الباليا واآلال ِم‬
‫َ‬ ‫رور؛ فس ُي ِ‬
‫ور ُ‬
‫ث‬ ‫يش وال ُغ ِ‬ ‫ات ون َْش ِ‬
‫وة ال َّط ِ‬ ‫امللذ ِ‬
‫ّ‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫أو ِ‬ ‫يف الدنيا ِ‬

‫مر‬ ‫يؤول حا ُلهم يف غالِ ِ‬


‫ب األَ ِ‬ ‫الش ِ‬
‫باب َس ُ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء ّ‬ ‫بأن َ‬
‫أمثال‬ ‫َفهموا َّ‬
‫وإن كنتُم ترومون أن ت ُ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪167‬‬

‫َفس ّي ٍة‪ ..‬أو إىل‬


‫ألمراض ن ِ‬
‫ٍ‬ ‫َعر ِض ِهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َرصفات ُم الطائشة وإرسافاتم وت ُّ‬
‫ِ‬
‫إىل املستَش َفيات‪ ،‬بسبب ت ُّ‬
‫والخم ِ‬ ‫وغ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهانة والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ارات‬ ‫رورهم‪ ..‬أو إىل املالهي َ َّ‬ ‫نـزواتم ُ‬ ‫ّحقري‪ ،‬بسبب‬ ‫وأماكن‬ ‫جون‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسبب ض ِيق ُصدُ ِ‬
‫ورهم من اآلال ِم واالضطرابات املعنَو ّية والنّفس ّية التي ت ُ‬
‫َنتابم‪..‬‬
‫والس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قابر‪..‬‬
‫والم َ‬ ‫جون َ‬ ‫المستَش َفيات ُّ‬ ‫نعم‪ ،‬إن شئتُم أن تت َّيقنُوا من هذه النتائج فاسألوا ُ‬
‫ات املنبعث َة من‬ ‫واآلهات واحلس ِ‬ ‫ِ‬ ‫املستشفيات األن ِ‬
‫ّات‬ ‫ِ‬ ‫سان ِ‬
‫حال‬ ‫شك من لِ ِ‬ ‫َسمعون بال ٍّ‬
‫ََ‬ ‫فست َ‬
‫أمر ِهم‪ ..‬وستَسمعون أيضا من الس ِ‬
‫جون‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫باب وإرسافِ ِهم يف ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫نـزوات ّ‬ ‫أمراض ن ََج َم ْت من‬ ‫ٍ‬
‫بان األشقيا ُء الذين‬ ‫الش ُ‬‫طل ُقها أولئك ُّ‬ ‫احلرسات ي ِ‬‫ِ‬ ‫وأصوات النّدم وز َف ِ‬
‫رات‬ ‫ِ‬ ‫األسى‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َص ْيحات َ‬
‫الش ِ‬
‫عية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األوامر ّ‬ ‫خلروج ِهم عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التأديب‬ ‫رور ِهم فتَل ّق ْوا َصف َع َة‬ ‫وغ ِ‬ ‫يش ِهم‪ُ ،‬‬ ‫انسا ُقوا وراء َط ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الربزخ ِّي الذي ال َتدَ ُأ أبوا ُبه‬ ‫المر َء يف َق ِربه ‪-‬ذلك َ‬
‫العالِ َ‬ ‫أكثر ما ُي ِّ‬ ‫َعلمون أيضا َّ‬
‫عذ ُب َ‬ ‫أن َ‬ ‫وست ُ‬
‫فات س ّي ٍئة يف‬ ‫إل ما كَسبت يداه من تَرص ٍ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الداخ ِلني فيه‪ -‬ما هو ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكثرة‬ ‫ِ‬
‫واالنغ ِ‬
‫الق‬ ‫عن ِ‬
‫االنف ِ‬
‫تاح‬
‫احلقيقة ِ‬
‫ِ‬ ‫وش ِ‬ ‫ِ‬ ‫أهل ك ِ‬ ‫ثابت بمشاه ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والع ِ‬
‫لم‬ ‫هادة مجي ِع ِ‬
‫أهل‬ ‫القبور‪َ ،‬‬ ‫َشف‬ ‫دات ِ‬ ‫سن ِّي شبابِه‪ ،‬كام هو ٌ ُ َ‬
‫َصد ِيق ِهم‪.‬‬‫وت ِ‬

‫َسمعون َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واسألوا إن ِشئت ُُم ُّ‬


‫أن‬ ‫واملرض الذين ُيم ِّثلون غالب ّي َة البرش ّية‪ ،‬فست َ‬‫َ‬ ‫الش َ‬
‫يوخ‬
‫ٍ‬ ‫ربيع شبابِنا يف ٍ‬ ‫ِ‬
‫تافهة‪ ،‬بل‬ ‫أمور‬ ‫أس َفى عىل ما َ‬
‫فات! لقد َض ّي ْعنا َ‬ ‫َهم املط َلق َة يقولون‪« :‬وا َ‬ ‫أكثر ّيت ُ‬
‫ذار أن تَف َعلوا ِمث َلنا!»‪.‬‬
‫ذار َح ِ‬
‫وح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف ٍ‬
‫أمور َض ّارة! فإ ّياكُم إ ّياكُم أن تُعيدوا سيرتَنا‪َ ،‬‬
‫ونار َس َق َر‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك َّ‬
‫والعذاب يف الربزخِ ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫واله ِّم يف الدنيا‪،‬‬
‫الغم َ‬ ‫ألن الذي ُيقايس سنوات من ِّ‬
‫ٍ‬ ‫لذ ٍ‬ ‫الش ِ‬ ‫ٍ‬
‫سنوات من ُع ُم ِر ّ‬ ‫ِ ِ‬
‫حمظورة‪..‬‬ ‫ات‬ ‫بم ّ‬‫باب َ‬ ‫دوم َخ ْم َس أو َع ْش َر‬‫ألج ِل َت ُّت ٍع ال َي ُ‬ ‫يف اآلخرة‪ْ ،‬‬
‫رض‬ ‫ثاء؛ َّ‬ ‫قة والر ِ‬‫للش َف ِ‬‫درارا َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ألن الذي َي َ‬ ‫ّ‬ ‫جدير باإلشفاق‪ ،‬مع أنَّه يف أشدِّ احلاالت است ً‬ ‫غري‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫َّظر إىل حاله بعني الرمحة‪ ،‬و ْف َق‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وينساق إليه َط ْو ًعا‪ ،‬ال َيستَح ُّق‬‫ُ‬ ‫بالضر‬
‫اإلشفاق عليه وال الن َ‬ ‫َّ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫بالضر ال ُين َظ ُر له»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«الرايض َّ َ‬ ‫القاعدة احلكيمة‪َّ :‬‬
‫وجنانا من ُشورها‪� ..‬آم َ‬
‫ني‬ ‫الزمان املغرية ّ‬ ‫اكم من فتن ِة هذا ّ‬ ‫َ َّّ ّ ُ‬
‫ح ِفظنا الل وإي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫(‪ )1‬اإلمام الرباين‪ ،‬املكتوبات ج‪( 2‬املكتوب ‪« :)49‬الرايض بالرضر ال يستحق النظر»‪.‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪168‬‬
‫من َموازين َر ِ‬
‫سائل النور‬

‫ِ‬
‫الكلمة الثالث َة عرش َة‬ ‫ِ‬
‫حاشي ُة املقام الثاين من‬
‫ُ َ َ‬
‫بحان ُه‬ ‫بِاس ِم ِه س‬
‫وان حقيقي وع ٍ‬
‫زاء‬ ‫ّور» من س ْل ٍ‬ ‫«رسائل الن ِ‬
‫ِ‬ ‫احلاجة إىل ما يف‬ ‫ِ‬ ‫أمس‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ٍّ َ‬ ‫ُ‬ ‫املسجونني هم يف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫إن‬
‫َـزواتم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التأنيب بن‬ ‫التأديب و َل َط ِ‬
‫امت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صفعات‬ ‫ان الذين تَل َّق ْوا‬ ‫الش ّب ُ‬ ‫ص‪ ،‬وال س َّيام أولئك ُّ‬ ‫خالِ ٍ‬
‫خل ِبز‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هؤالء إىل الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّور كحاجتهم إىل ا ُ‬ ‫ُ‬
‫فحاجة‬ ‫جن‪،‬‬‫الس ِ‬ ‫نضار َة ُع ُم ِرهم يف ِّ‬ ‫وأهوائهم‪ ،‬ف َق َض ْوا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املشاع ِر‪،‬‬
‫للعقل‬‫ِ‬ ‫َجيب‬
‫أكثر مّا تَست ُ‬ ‫وتستجيب هلا َ‬ ‫ُ‬ ‫هلوى‬‫باب تَنبِ ُض َ‬ ‫الش ِ‬ ‫وق َّ‬ ‫إن ُع ُر َ‬ ‫َّ‬
‫مها من َل ّذ ٍة‬ ‫رات اهلوى ‪-‬كام هو معلوم‪ -‬ال ُتب ِصر العقبى‪ ،‬فت ِّ ِ‬
‫ُفض ُل در ً‬ ‫ْ ُ ُ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫وس ْو ُ َ‬ ‫َرض ُخ له؛ َ‬ ‫وت َ‬
‫ٍ‬
‫بريء‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫اب بدافِ ِع اهلوى عىل ِ‬
‫قتل‬ ‫آجلة؛ ف ُي ْق ِد ُم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عاجلة عىل َطن من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الش ُّ‬ ‫لذة‬ ‫ٍّ‬ ‫حارضة‬
‫ساعة من آال ِم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫آالف‬ ‫جر ِائها ثامني َة‬ ‫ِ‬ ‫دة من ّ ِ ِ‬ ‫واح ٍ‬‫بدقيقة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّلذ ِذ‬ ‫للت ُّ‬
‫لذة االنتقام‪ ،‬ثم يقاس من َّ‬
‫ختص‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫واحدة يف ال ّل ِ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نساق إىل التَّم ُّت ِع‬ ‫اب َي ُ‬ ‫جن‪ّ ..‬‬ ‫الس ِ‬
‫هو وال َع َبث يف قضية ُّ‬ ‫لساعة‬ ‫والش ُّ‬ ‫ِّ‬
‫س من ال َعدُ ِّو‬ ‫َوج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َجر ُع من ورائها آال َم ُألوف األ ّيا ِم من َس ْج ٍن َ‬ ‫ِ‬
‫وخوف وت ُّ‬ ‫ف‪ ،‬ثم يت ّ‬ ‫الش َ‬ ‫َّ َ‬
‫وف وآال ٍم‪.‬‬ ‫وخ ٍ‬ ‫واضطراب َ‬ ‫ٍ‬ ‫يع منه َسعاد ُة ال ُع ُم ِر بني َق َل ٍق‬ ‫ِ‬ ‫املرت ِّب ِ‬
‫ص به‪ ..‬وهكذا تَض ُ‬
‫ُحو َل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وعىل ِغ ِ‬
‫ني يف َو ْر َطات و َمشاك َل عويصة كثرية حتى ت ِّ‬ ‫املساك ُ‬ ‫باب‬
‫الش ُ‬ ‫قع َّ‬ ‫رار هذا َي ُ‬
‫حياتم وأحالها إىل أمر األيا ِم وأقساها‪ ،‬ويف ٍ‬
‫حالة ُير َثى هلا‪ ..‬وال س َّيام بعدَ أن‬ ‫ألطف أ ّيا ِم ِ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫الش ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ِ‬
‫باب‬ ‫يح هلوى ّ‬ ‫امل َتم ُل ف َتنًا ُمد ِّمر ًة هلذا ال َع ْص؛ إذ تَستَبِ ُ‬ ‫ف َه ْوجا ُء من َّ‬ ‫عواص ُ‬ ‫َه َّب ْت‬
‫نات وتد َفعهم إىل االختِ ِ‬
‫الط ِ‬
‫املاج ِن‬ ‫ِّساء والعذارى الفاتِ ِ‬ ‫الذي ال يرى العقبى أعراض الن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫األغنياء لِ ُفقرا َء ُسفها َء‪.‬‬ ‫َ‬
‫أموال‬ ‫يء‪ ،‬فضال عن إباحتِها‬ ‫الب ِذ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص البرش ّية ك ِّلها َلتتعدُ أما َم هذه اجلرائ ِم املنكَرة التي تُرتك ُ‬
‫َب بح ِّقها‪.‬‬ ‫إن فرائ َ‬
‫اجلدِّ لي ِنق ُذوا ِ‬ ‫ِِ‬ ‫العرص ال َع ِص ِ‬
‫ف‪،‬‬‫املوق َ‬ ‫شم ُروا عن ساعد ِ ُ‬ ‫يب أن ُي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسلم يف هذا‬ ‫الش ِ‬
‫باب‬ ‫فعىل ّ‬
‫رسالة «ال َّثم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حل َج ِج «رسائل النور» وبراهينِها‬
‫رة»‬ ‫َ‬ ‫الدامغة ‪-‬التي يف‬ ‫يوف األملاس ّي َة ُ‬ ‫و َي ُس ُّلوا ُّ‬
‫الس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رش ِد ّ‬
‫و«م ِ‬
‫الكاس َح الذي‬ ‫باب» وأمثالام‪ -‬ويداف ُعوا عن أن ُفس ِهم‪ ،‬و َي ُصدُّ وا هذا ُ‬
‫الهـجـو َم‬ ‫الش ِ‬ ‫ُ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪169‬‬

‫الس ِعيدةُ‪،‬‬‫ب حياتُه ّ‬ ‫َذه ُ‬ ‫الش ِ‬


‫باب يف الدُّ نيا‪ ،‬وت َ‬ ‫َقبل ّ‬ ‫يع مست ُ‬ ‫ِ‬
‫فسيض ُ‬ ‫وإل َ‬ ‫عليهم من ِجهت َْي‪ّ ..‬‬ ‫ُش َّن ِ‬
‫يات‪ ،‬بام‬‫سيكون ن َِز َيل املست َْش َف ِ‬
‫ُ‬ ‫وع ٍ‬
‫ذاب؛ إذ‬ ‫ب ك ُّلها إىل آال ٍم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫و َيفقدُ تَن ُّع َمه يف اآلخرة‪ ،‬فتَنقل ُ‬
‫بكي أ ّيا َم شيخوختِه‬ ‫وغيه‪ ..‬وسي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السجون‪ ،‬بِ َطيشه َ ِّ‬ ‫وسفاهة‪ ..‬ون َِز َيل ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بت يداه من إرساف َ‬ ‫ك ََس ْ‬
‫ٍ ِ‬
‫واآلالم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رات‬
‫الح َس ُ‬ ‫ُبكا ًء ُم ًّرا و َيز ُف ُر َز َفرات م ْل ُؤها َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فسيكون شا ًّبا‬ ‫النور»‬ ‫«رسائل‬ ‫بحقائق‬ ‫ووقاها‬ ‫صان َن ْف َسه َبتبية القرآن‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ولكن إذا ما‬
‫ِ‬ ‫وسلطانًا عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪.‬‬ ‫سائر‬ ‫رائدً ا ح ًّقا‪ ،‬وإنسانًا كامال‪ ،‬و ُمسل ًم صاد ًقا َسعيدً ا‪ُ ،‬‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جن‬ ‫الشاب إذا َد َف َع ساع ًة واحد ًة من أرب ٍع وعرشين ساع ًة من يومه يف ِّ‬ ‫َّ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفرائ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّب اخلطايا‬ ‫جن‪ ،‬وتَجن َ‬ ‫وتاب عن س ّيئاته ومعاصيه التي د َف َعتْه إىل ّ‬
‫َ‬ ‫ض‪،‬‬ ‫إقامة‬ ‫إىل‬
‫والذنوب مثلام يجنِّبه السجن إياه َا‪ ..‬فإنه سيعود ب َفوائدَ جم ٍة إىل حياتِه وإىل مست ِ‬
‫َقبله وإىل‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ّ ُ ّ‬ ‫ُّ َ‬
‫ب َشبا ًبا خالِدً ا يف الن ِ‬
‫ّعيم املقيم َبدَ ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأقاربِه‪ ،‬فضال عن أنه َيكس ُ‬ ‫أح ّب ِائه‬
‫بالده وإىل أمتِه وإىل ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫دوم َخ ْم َس َع ْش َر َة سن ًة‪.‬‬
‫من هذا الذي ال َي ُ‬
‫الكتب السامو ّي ِة ويف ُمقدِّ َمتِها‬
‫ِ‬ ‫ب عنها عن ٍ‬
‫يقني َجاز ٍم ُ‬
‫مجيع‬ ‫وي ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة ُي ِّ‬
‫بش ُر هبا ُ‬ ‫هذه‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬
‫ب‪ -‬باالستِ ِ‬ ‫اجلميل الط ِّي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عم ِة‬ ‫ِ‬
‫قامة‬ ‫العهد‬ ‫الشباب ‪-‬ذلك‬ ‫الشاب ر َّب ُه عىل ن َ‬‫ُّ‬ ‫نعم‪ ،‬إذا ما َش َ‬
‫كر‬
‫ص‪ ،‬وتب َقى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِو ِّي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المهدا َة تَزدا ُد وال ت َُنق ُ‬‫فإن تلك النعم َة ُ‬ ‫العبادات‪ّ ،‬‬ ‫وأداء‬ ‫عىل الصِّ اط َّ‬
‫تكون بال ًء و ُم ِصيب ًة ُمؤمل ًة ومغمور ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وبج ًة‪ّ ..‬‬
‫وإل فإنَّها‬ ‫من ُدون زوال‪ ،‬وتُصبِ ُح َ‬
‫أكثر ُمت َع ًة َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال عىل‬ ‫ِ‬
‫الشباب َو َب ً‬ ‫َ‬
‫فيكون َعهدُ‬ ‫ب هبا ًء‪،‬‬ ‫والـح ْز ِن واملضايقات املزعجة حتى ت َ‬
‫َذه َ‬ ‫ُ‬ ‫بال َغ ِّم‬
‫بالده و ُأ ّمتِه‪.‬‬
‫وأقاربِه وعىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفسه‬ ‫ِ‬

‫ٍ‬
‫كامل‬ ‫ِ‬
‫كعبادة يو ٍم‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫املسجون الذي ُح ِك َم عليه ُظ ًلم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ساعات‬ ‫ٍ‬
‫ساعة من‬ ‫كل‬‫وإن َّ‬ ‫هذا َّ‬
‫من الن ِ‬ ‫ٍ‬
‫انـزواء واعتِ ٍ‬ ‫ويكون السجن بِح ِّقه م ِ‬ ‫ِ‬
‫للفرائ ِ‬
‫ّاس كام كان‬ ‫زال َ‬ ‫وض َع‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫ض‪،‬‬ ‫له إن َ‬
‫كان ُمؤ ِّديا‬
‫َ‬
‫يكون هو‬ ‫للعبادة؛ أي ي ِ‬
‫مك ُن أن‬ ‫ِ‬ ‫تفر ُغون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫نـز ُوون يف الكهوف واملغارات و َي ّ‬
‫الزها ُد وال ُع ّبا ُد َي َ‬
‫ُّ‬
‫الزه ِ‬ ‫ِ‬
‫اد‪.‬‬ ‫م َثل أولئك ُّ ّ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫ِ‬
‫بحقائ ِق‬ ‫وش ْيخا ُمتَع ِّلقا َقل ُبه‬
‫ومريضا َ‬ ‫فقريا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تكون ُّ‬
‫ُ‬
‫ً‬ ‫كل ساعة من ساعاته إن كان ً‬ ‫وس‬
‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪170‬‬
‫بح ِّقه‬
‫جن َ‬‫الس ُ‬ ‫َحو ُل ِّ‬
‫شـرين ساع ًة له‪ ،‬ويت َّ‬ ‫عبـادة ِع ِ‬
‫ِ‬ ‫الفرائض‪ ،‬يف ُح ِ‬
‫كم‬ ‫َ‬ ‫أناب إىل اهلل وأ َّدى‬ ‫وقد َ‬
‫حيث يقيض أيامه مع ُز ِ‬
‫مالئه‬ ‫ف‪ُ ،‬‬ ‫ومكان تَعا ُط ٍ‬
‫َ‬ ‫ب‬‫وض َع تحا ُب ٍ‬ ‫إرشادي ًة‪ ،‬وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َمدرسـ ًة تربوي ًة‬
‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫السجن عىل‬ ‫فض ُل بقا َءه يف‬ ‫ِ‬
‫بالرمحة‪ ،‬بل لع َّله ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫األنظار إليه‬ ‫وتو ُّجه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يف راحة فضال عن راحته َ‬
‫جانب‪ ،‬ويأن َُس بام يت َل َّقى من‬ ‫ٍ‬ ‫الذنوب واخلطايا من ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫َنثال عليه‬ ‫اخلارج التي ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُح ِّريتِه يف‬
‫أخذ ِ‬
‫الثأر‪ ،‬وإنّام‬ ‫غادره قاتال وال حريصا عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ً‬ ‫دروس الرتبية والتزكية فيه‪ ..‬وحينام ُيغاد ُره ال ُي ُ‬
‫ِ‬
‫للبالد‬ ‫تائ ًبا إىل اهلل‪ ،‬قد َغنِ َم َت ِار َب حياتِي ًة غزيرةً‪ ،‬ف ُيصبِ ُح ُعضوا نافِعا‬ ‫َيرج رجال صاحلا ِ‬
‫ُ ُ َ ُ‬
‫شاهدوا الذين‬ ‫القول‪ ،‬بعدما َ‬ ‫ِ‬ ‫جن « َدنِ ْيزيل» إىل‬ ‫سؤويل ِس ِ‬ ‫األمر ببعض َم ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعباد‪ ،‬حتى َحدا‬ ‫ِ‬
‫رسائل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األخالق ولو ملدَّ ٍة‬
‫ِ‬
‫النور‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وجيزة من‬ ‫وسا إيامني ًة يف ُس ُم ِّو‬ ‫َأ َخ ُذوا ُد ُر ً‬
‫ّور يف َخ ِ‬ ‫ِ‬
‫رسائ ِل الن ِ‬ ‫ِ‬
‫أسابيع‪ ،‬فإنّه أجدَ ى‬
‫َ‬ ‫مسة‬ ‫اإليامن من‬ ‫«لو تَل َّقى هؤالء ُد ُر َ‬
‫وس‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مس َع ْشر َة سن ًة»‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫جن َخ َ‬ ‫إلصالحهم من إلقائ ِهم يف ِّ‬
‫يب‪ ،‬وي ِ‬ ‫بس ِ‬ ‫جود‪ ،‬واألج ُل مستورا عنّا ِ‬ ‫املوت ال ي ْفنى من الو ِ‬
‫مكنُه أن َي ُح َّل‬ ‫تار ال َغ ِ ُ‬ ‫َ َ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫فام دام‬
‫لة‪ ..‬وما دام‬ ‫والبشي ُة تغيب وراءه قافل ًة إِثر قافِ ٍ‬ ‫غلق با ُبه‪..‬‬ ‫رب ال ُي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بنا يف ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫كل َوقت‪ ..‬وما دام الق ُ‬
‫فاء من اإلعدا ِم ِ‬ ‫تسريح وإع ٍ‬ ‫بحق املؤمنِني ما هو ّ‬ ‫املوت َن ْف ُسه ِّ‬
‫األبد ِّي ‪-‬كام ُو ِّض َح‬ ‫ٍ ْ‬ ‫إل تذكر ُة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫إعدام َأبد ٌّي كام ُيشاهدونَه أما َمهم؛ إذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫السفهاء‬ ‫ني ُّ‬‫بحق الضا ِّل َ‬ ‫ذلك باحلقيقة القرآنية‪ -‬وهو ِّ‬
‫بأن أسعدَ‬‫شك ّ‬ ‫املوجودات قاطب ًة‪ ..‬فال ُبدَّ وال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأقار ِبم بل‬ ‫راق َأ ِبد ٌّي عن مجيع أح َّبتِهم‬ ‫هو فِ ٌ‬
‫غالل‪ ،‬ساعيا خلِ ِ‬
‫دمة‬ ‫أفضل استِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫إنسان هو َمن َيشك ُُر ر َّبه صابرا حمت َِس ًبا يف ِسجنِه ُمست َِغال وقتَه‬ ‫ٍ‬
‫برسائل ِ‬
‫النور‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ست ِشدا‬ ‫ِ‬
‫واإليامن ُم َ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫خمس وس ِ‬ ‫مت ِ‬ ‫والـمتعِ! لقد َعلِ ُ‬ ‫بالملذ ِ‬
‫بعين سن ًة‬ ‫ٍ َ‬ ‫يقينًا َط َ‬
‫وال‬ ‫ُ‬ ‫ات‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان المبتلى‬‫ُ‬ ‫أ ُّيها‬
‫علي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وبألوف الت ِ‬
‫َّجار ِ‬ ‫ِ‬
‫مر ْت َّ‬ ‫كسبتُها في حياتي‪ ،‬ومثلها من الحوادث التي َّ‬ ‫ب التي َ‬ ‫من ال ُع ُمر‪،‬‬
‫والسعاد َة‬‫زن‪َّ ،‬‬ ‫والفر َح الذي ال ُيكدِّ ُره ُح ٌ‬ ‫َ‬ ‫الحقيقي‪ ،‬وال َّل ّذ َة التي ال يشو ُبها أ َل ٌم‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الذ َ‬
‫وق‬ ‫أن َّ‬ ‫ّ‬
‫فإن ّلذ ًة دنيوي ًة‬ ‫حقائقه ليس ّإل‪ ..‬ومن دونِه َّ‬ ‫ِ‬ ‫نطاق‬ ‫اإليمان‪ ،‬وفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحياة إنما هي في‬ ‫ِ‬ ‫التام َة في‬
‫َب تص َف ُعك‬ ‫َحم ُل آالما كثير ًة كثيرةً‪ ..‬وإذ تُقدِّ ُم إليك الدنيا ّلذ ًة ب َقدْ ِر ما في َح ّب ِة ِعن ٍ‬ ‫واحد ًة ت ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ومت َعتَها‪.‬‬‫بعشر َص َفعات مؤلمات‪ ،‬سالب ًة ّلذ َة الحياة ُ‬
‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫جن‪..‬‬ ‫ُّأيا املساكني املب َت َل ْو َن ُ‬
‫بمصيبة ّ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪171‬‬

‫ِ‬
‫واملصائب‪ ،‬فا ْب ُذلوا ما يف‬ ‫وإن َحيا َتكُم قد ت َعك َّر ْت باآلال ِم‬‫ما دا َم ْت دنياكُم َحزين ًة باكي ًة‪ّ ،‬‬
‫فاغتنِموا يا إخويت‬ ‫وتس َعدَ حيا ُتكُم األبد ّي ُة‪ْ ..‬‬ ‫َفر َح َ‬
‫وت ُل َو ْ‬
‫ِ‬
‫آخرتُكم‪ ،‬ولت َ‬
‫ِ‬
‫ُوسعكم كيال تَبك َي َ‬
‫ِ‬
‫ظروف شا ّق ٍة يمكن أن‬ ‫ٍ‬ ‫واح ٍ‬
‫دة أمام ال َعدُ ِّو ِض ْم َن‬ ‫ساعة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ُمرا َبط َة‬‫هذه الفرص َة‪ ،‬إذ كام َّ‬
‫َحو ُل إىل‬
‫جن تت َّ‬ ‫الس ِ‬ ‫ُقاسونا يف ّ‬
‫َ‬ ‫ساعة من ساعاتِكم التي ت‬ ‫ٍ‬ ‫فإن َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫العبادة‪ّ ،‬‬ ‫تَتحو َل إىل ٍ‬
‫سنة من‬ ‫َّ‬
‫واملصاعب إىل رحم ٍ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫َحو ُل املش ّق ُ‬
‫ات‬ ‫ٍ‬
‫كثرية هناك إذا ما أ َّديت ُُم ال َف َ‬ ‫ٍ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫رائض‪ ،‬وعندها تت َّ‬ ‫ساعات‬
‫وغ ٍ‬
‫فران‪.‬‬ ‫ُ‬
‫***‬

‫ُ َ َ‬
‫بحان ُه‬ ‫بِاس ِم ِه س‬
‫دائم‪.‬‬
‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته أبدً ا ً‬
‫األعزا ُء األوف ّيا ُء!‬
‫ّ‬ ‫ُّأيا اإلخو ُة‬
‫يقوم‬ ‫ِ‬ ‫نقاط َث ٍ‬
‫ٍ‬ ‫رأيت أنوار س ٍ‬
‫لوان ثالث ًة‪ُ ،‬أب ِّينُها يف‬
‫بالسجن ومن ُ‬ ‫الث للذين ابتُلوا‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫ِ‬
‫وأرزاق ِهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أعاملم‬ ‫ِ‬
‫والرمحة ومن ُيعينُهم يف‬ ‫َظار ِتم ورعا َيتِ ِهم بالش َف َق ِة‬
‫بن َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫يمكن أن ُيكس َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫السجن‪،‬‬ ‫كل يوم من أ ّيام ال ُع ُم ِر التي َت ِض يف‬
‫إن َّ‬ ‫النقطة ُ الأُولى‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫النتيجة‪ -‬إىل‬ ‫ُ‬
‫حيث‬ ‫حو َل ساعاتِه الفانِي َة ‪-‬من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثواب عبادة عرشة أيام‪ ،‬ويمكن أن ُي ِّ‬ ‫َ‬ ‫المر َء‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫نجاة من‬ ‫ِ‬
‫السجن وسيل َة‬ ‫ني يف‬ ‫ُون قضا ُء بض ِع ِسنِ َ‬‫خالدة‪ ..‬بل يمكن أن يك َ‬ ‫ٍ‬ ‫ساعات ٍ‬
‫باقية‬ ‫ٍ‬

‫ملاليني السنِ َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أبدي‬
‫جن ٍّ‬ ‫ِس ٍ‬
‫ِ‬
‫الذنوب‬ ‫الفرائض والت ِ‬
‫َّوبة إىل اهلل من‬ ‫ِ‬ ‫اإليامن ِ‬
‫بأداء‬ ‫ِ‬ ‫وط ألهل‬ ‫رش ٌ‬
‫العظيم َم ُ‬
‫ُ‬ ‫الربح‬
‫ُ‬ ‫فهذا‬
‫السجن‬
‫َ‬ ‫بالشك ِْر صابرا ُمت َِسبا‪ ،‬علام ّ‬
‫أن‬ ‫السجن‪ ،‬والت ََّو ُّج ِه إليه تعاىل ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملعاص التي َدف َعته إىل‬
‫ِ‬
‫الذنوب‪.‬‬ ‫وبني ٍ‬
‫كثري من‬ ‫ول بينَه َ‬ ‫ي ُ‬‫نفسه َ ُ‬
‫َ‬
‫ـم‪.‬‬ ‫وال ّ ِ‬
‫اللذة أ َل ٌ‬ ‫لذةٌ‪ ،‬كام أن َز َ‬ ‫وال األ َل ِ‬
‫ـم ّ‬ ‫النقطة الثانية‪ّ :‬‬
‫إن َز َ‬
‫باهلناء والفرح يشعر يف ِ‬
‫روحه حرس ًة وأس ًفا‬ ‫ِ‬ ‫إن َّ‬
‫كل من ُيفك ُِّر يف األيام التي قضاها‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫َ ُُ‬
‫ِ‬
‫احلرسات‪ّ :‬أواه‪ ..‬آه‪ ..‬بينام إذا تَفك ََّر يف األيام التي َم ّر ْت‬ ‫ِ‬
‫بكلامت‬ ‫عليها‪ ،‬حتى ي ِ‬
‫نطل َق لسانُه‬ ‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪172‬‬
‫ينطلق لسانُه بـ‪:‬‬
‫َ‬ ‫باملصائب والباليا فإنّه يشعر يف ِ‬
‫روحه وقلبِه َف َـر ًحا وهبج ًة من زواهلا حتى‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ويرتاح‪.‬‬ ‫صدره‬ ‫نرش ُح‬ ‫احلمدُ هلل والشكر له‪ ،‬فقد و َّل ِ‬
‫ت الباليا تارك ًة ثوا َبها‪ ..‬ف َي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫لذ ٌة ُمؤ ّق ٌتة‬
‫الروح‪ ،‬بينام ّ‬ ‫يتـر ُك ّ‬
‫لذ ًة معنوي ًة يف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لساعة من‬ ‫ِ‬ ‫إن أملًا مؤ ّقتًا لساعة من الزمان ُ‬‫أي ّ‬
‫الروح‪ِ ،‬خال ًفا لذلك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َرتك أملًا َم ِ‬
‫عنو ًيا يف‬ ‫ِ‬
‫الزمان ت ُ‬
‫آالمها أصبح ْت يف ِع ِ‬
‫داد‬ ‫املصائب التي و َّل ْت مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫وساعات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة هذه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫دامت‬ ‫فام‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫وأن أيام الباليا التي مل ِ‬
‫كم املعدو ِم‪ ..‬وإنّه ال َ‬
‫ألم من‬ ‫تأت بعدُ ‪ ،‬هي أيضا يف ُح ِ‬ ‫املعدو ِم‪َ ّ ّ ،‬‬
‫الص ِرب اآلن‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اجلز ِع ونَفا ُد َّ‬
‫إظهار َ‬
‫ُ‬ ‫البالهة إذن‬ ‫ـم‪ ..‬فمن‬ ‫َغ ِري يشء‪ ..‬وال َي ِر ُد من ال َعدَ ِم أ َل ٌ‬
‫ِ‬
‫احلامقة أيضا‬ ‫داد املعدو ِم‪ ،‬ومن‬ ‫تأت بعدُ ‪ ،‬علام أهنا َجيعا يف ِع ِ‬‫ساعات آال ٍم و ّل ْت‪ ،‬ومن آال ٍم مل ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫املحاس ِبة‪ ،‬ومن بعد ذلك قضا ُء‬ ‫َ‬ ‫رة من‬‫األمارة المقص ِ‬
‫ُ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النفس‬ ‫ُ‬
‫وترك‬ ‫الشكوى من اهلل‬ ‫َ‬ ‫إظهار‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ـمن ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫والز َفرات‪َ ..‬أو ليس من ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األكل‬ ‫داو ُم عىل‬ ‫يفعل هذا أشدَّ باله ًة م َّ‬ ‫الوقت باحلرسات َّ‬ ‫َ‬
‫وع أو يع َط َش بعد أ ّيا ٍم؟‬
‫ي َ‬‫وال اليوم خشي َة أن َ ُ‬ ‫ِ‬
‫والرشب َط َ‬
‫اإلنسان إن مل يشت ِّْت قو َة ص ِربه يمينًا ِ‬
‫وشامال ‪-‬إىل املايض واملستقبل‪ -‬وسدَّ َدها‬ ‫َ‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫ّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املضايقات‪.‬‬ ‫كافية لت َُح َّل له ِح َ‬
‫بال‬ ‫ٌ‬ ‫فإنا‬ ‫ِ‬
‫إىل اليوم الذي هو فيه‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫ضون‬ ‫ِ‬
‫الثالثة(‪ )1‬يف ُغ‬ ‫وسف ّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫حتى إنني أذك ُُر ‪-‬وال َأشكُو‪ّ -‬‬
‫علي يف هذه املدرسة ال ُي ُ‬ ‫مر َّ‬ ‫أن ما َّ‬
‫وال حيايت‪ ،‬والس َّيام ِحرماين ِم َن القيا ِم‬ ‫املضايقات املا ِّد ّي ِة واملعنو ّي ِة مل َأرها َط َ‬
‫ِ‬ ‫الئل من‬‫أيا ٍم َق َ‬
‫الضيق‬ ‫ِ‬ ‫ان معا من‬ ‫وحي يعت َِص ِ‬ ‫أمراض‪ ..‬فبينام كان َقلبِي ور ِ‬ ‫ٍ‬ ‫في من‬ ‫ِ‬ ‫بخ ِ‬‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫النور مع ما َّ‬ ‫دمة‬
‫وو َّل ْت تلك‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫السابقة‪ ،‬فانرش َح َص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناية اإلهل ّي ِة ُتِدُّ ين‬
‫بالع ِ‬
‫واليأس إذا ِ‬ ‫ِ‬
‫انرشاح َ‬ ‫دري أ َّيام‬ ‫َ‬ ‫باحلقيقة‬
‫وأوجاعه‪ ،‬إذ َمن كان ِمثيل عىل َش ِف ِري ال َق ِرب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملرض‬ ‫ِ‬
‫وآالمه‬ ‫يت بالسجن‬ ‫رض ُ‬ ‫املضايقات َف ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ساعات‬ ‫فلة إىل ِ‬
‫عرش‬ ‫يمكن أن تَـمر ب َغ ٍ‬ ‫يعدُّ ِربحا عظيم له أن تتَحو َل ساع ٌة من ساعاتِه التي ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫َرت اهلل كثريا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من العبا َدة‪َ ..‬فشك ُ‬
‫بش َف َق ٍة ور ٍ‬
‫أفة وإعطا َءهم أرزا َقهم التي‬ ‫َ‬ ‫عاو ِنة املسجونني َ‬ ‫بم َ‬ ‫إن القيا َم ُ‬‫النقطة الثالثة‪َّ :‬‬
‫عمل ِ‬
‫بس ٌ‬
‫يط ّ‬
‫إل‬ ‫املعنوية بِبلس ِم التَّس ِّلي والع ِ‬
‫زاء‪ ،‬مع أنه ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جراحات ُم‬ ‫ِ‬
‫وتضميدَ‬ ‫تاجون إليها‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َي ُ‬
‫ُرس ُل ِ‬
‫إليهم‬ ‫ِ‬ ‫حيث َّ‬‫ُ‬ ‫أنّه َي ِم ُل يف َط ّياتِه ثوابا َجزيال‬
‫هم التي ت َ‬
‫تسليم أرزاق ُ‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫عظيم‪،‬‬
‫ً‬ ‫وأجرا‬
‫ً‬

‫(‪ )1‬املقصود‪ :‬سجن «أفيون» حيث دخله األستاذ النوريس وطالب النور سنة ‪.1948‬‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪173‬‬

‫ِ‬
‫العمل‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫حسنات ِّ‬
‫كل َمن قا َم هبذا‬ ‫ِ‬ ‫جل‬‫َب يف ِس ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫يكون بحكم َصدَ قة‪ ،‬وتُكت ُ‬ ‫اخلارج‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫املسجون‬ ‫نوهم‪ ،‬والس َّيام إن َ‬
‫كان‬ ‫اخلارج أو احلراس أو ِ‬
‫املراق ُب َ‬ ‫ِ‬ ‫الذين َأ ْتوا هبا من‬
‫عاو ُ‬ ‫ون الذين َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫املعنوية‬ ‫فإن ثواب تلك الصدَ ِ‬
‫قة‬ ‫لده أو فقريا ُمعدَ ما‪َّ ،‬‬ ‫مريضا أو َغريبا عن ب ِ‬ ‫كبريا أو‬ ‫ً‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شيخا ً‬
‫كثريا‪.‬‬
‫َيزدا ُد ً‬
‫دمة لو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وط ِ‬
‫جه‬ ‫الفرائض من الصلوات لتُصبِ َح تلك اخل ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫بأداء‬ ‫رش ٌ‬ ‫العظيم َم ُ‬
‫ُ‬ ‫بح‬
‫الر ُ‬
‫وهذا ِّ‬
‫دون أن‬ ‫والرمحة واملحب ِة من ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫دمة مقرون ًة بالش َف ِ‬
‫قة‬ ‫ُون اخلِ ُ‬‫آخ َر هو أن تك َ‬ ‫ط َ‬ ‫اهلل‪ ..‬مع َش ٍ‬
‫المن ِّة‪.‬‬
‫يحم َل شيئا من ِ‬
‫ُ ِّ‬
‫***‬

‫ُ َ َ‬
‫بحان ُه‬ ‫بِاس ِم ِه س‬
‫﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﴾‬

‫دائم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ورمحة اهلل وبركاتُه أبدً ا ً‬ ‫السالم عليكُم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫السجن‪..‬‬ ‫ين‪ ..‬ويا ُز ِ‬
‫مالئي يف‬ ‫يا إخويت يف الدِّ ِ‬
‫واآلخ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خطر لقلبِي أن ُأبين لكم حقيق ًة مهم ًة‪ ،‬ت ِ‬‫ِ‬
‫رة‬ ‫عذاب الدنيا‬ ‫ُنق ُذكم بإذن اهلل من‬ ‫ُ ّ‬ ‫ِّ َ‬ ‫لقد ُأ َ‬
‫وهي كام ُأ ِ‬
‫وض ُحها بمثال‪:‬‬
‫لذ ِة ُغ ِ‬
‫رور‬ ‫أقربائه‪ ..‬فهذا ال َق ُتل ِ‬
‫الناج ُم من ّ‬ ‫ِ‬ ‫شخص َ‬
‫آخ َر أو أحدَ‬ ‫ٍ‬ ‫إن أحدا قد َقت ََل ِ‬
‫شق َيق‬ ‫ّ‬
‫لب وآال ِم‬‫الدقائق من ِض ِيق ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماليني‬ ‫َستغر ُق دقيق ًة واحد ًة ِ‬
‫تور ُثه ُمقاسا َة‬ ‫االنتِقا ِم التي ال ت ِ‬
‫خذ ِ‬
‫الثأر‪،‬‬ ‫ص ألَ ِ‬ ‫ِ‬
‫املقتول أيضا يف ق َل ٍق دائم وتَح ُّي ِن ال ُف َر ِ‬ ‫ظل أقربا ُء‬‫نفسه َي ُّ‬‫الوقت ِ‬
‫ِ‬ ‫السجن؛ ويف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫عذاب‬ ‫احلياة بام ُيكابِدون من‬ ‫لذ ُة ال ُع ُم ِر و ُم ُ‬
‫تعة‬ ‫يع منهم ّ‬‫ُك َّلام َفك َُّروا بالقاتل ورأوا َذ ِويه‪ ،‬فتَض ُ‬
‫والغض ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اخلوف والق َل ِق واحلِ ِ‬
‫قد‬ ‫ِ‬

‫والـم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫صال ُة َب ُ‬
‫ينهام‪ ،‬وذلك الذي يأ ُم ُر به‬ ‫ُ‬ ‫لح‬
‫الص ُ‬ ‫األمر وال دوا َء له ّ‬
‫إل ُّ‬ ‫الج هلذا‬
‫وال ع َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫ني‪ ،‬وت ِ‬
‫َقتضيه‬ ‫حة ال َّطر َف ِ‬
‫واحلقيقة‪ ،‬وفيه َمص َل ُ‬
‫ُ‬ ‫احلق‬
‫دعو إليه ُّ‬
‫الكريم‪ ،‬و َي ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬
‫ُ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وحيث عليه‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪174‬‬
‫َغي‪ ،‬فذلك‬ ‫األج َل واحدٌ ال يت ّ ُ‬ ‫ألن َ‬ ‫لح َخ ٌري؛ ّ‬ ‫والص ُ‬ ‫لح‪ُّ ،‬‬ ‫الص ِ‬ ‫إن املص َلح َة واحلقيق َة يف ُّ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫أج ُله قد جا َء؛ أ ّما ذلك القاتِ ُل‬ ‫ِ‬
‫ظل عىل َقيد احلياة ما دام َ‬
‫ِ‬ ‫حال ما كان ل َي َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫املقتول عىل ِّ‬ ‫ُ‬
‫الن يعانِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َقدْ أصبح وسيل ًة لذلك ال َق ِ‬
‫اخلوف‬
‫َ‬ ‫يان‬ ‫فسي َظ ُ‬ ‫لح َ‬ ‫الص ُ‬ ‫ي َّل َبين َُهام ُّ‬ ‫اإلهلي‪ ،‬فإن مل َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ضاء‬ ‫ْ َ‬
‫ٍ (‪)1‬‬
‫ثالثة أ ّيام؛‬ ‫ِ‬ ‫وق‬ ‫جر املسلم أخاه َف َ‬ ‫اإلسالم بِعدَ ِم َه ِ‬ ‫وعذاب االنتِقا ِم ُمدّ ًة َم ِديدةً؛ لذا يأ ُم ُر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫املنافقني سببا‬ ‫ِ‬ ‫أحدُ‬ ‫قد َدفِ ٍ‬ ‫يل ومن ِح ٍ‬ ‫أص ٍ‬ ‫عداء ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فإن مل يكُن ذلك ال َق ُتل قد ن ََجم من‬
‫ني‪ ،‬وكان َ‬
‫اجلزئ ُية‬‫ِ‬ ‫املص ُ‬ ‫مت تلك ِ‬ ‫لح ل َع ُظ ْ‬ ‫عال ِ ِ ِ‬ ‫يف ْإش ِ‬
‫يبة‬ ‫الص ُ‬ ‫ورا‪ ،‬ألنه لوال ُّ‬ ‫لح َف ً‬ ‫الص ُ‬ ‫نار الفتنَة‪ ،‬ف َي َلز ُم ُّ‬
‫الدعاء للم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودام ْت‪ ،‬بينام إذا ما تَصا َلح ال َّط ِ‬
‫قتول‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َمر عىل‬ ‫وتاب القات ُل عن َذنبِه‪ ،‬واست َّ‬ ‫َ‬ ‫رفان‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كس ِ‬ ‫ني ي ِ‬
‫دوه‬ ‫والتآلف بينَهام‪ ،‬ف َيص َف ُح هذا عن َع ِّ‬ ‫ُ‬ ‫احلب‬
‫ُّ‬ ‫حيث يدُ ُّب‬ ‫ُ‬ ‫الكثري‪،‬‬
‫َ‬ ‫بان‬ ‫فإن الطر َف ِ َ‬ ‫َّ‬
‫َسل ِ‬ ‫راح ٍل‪ ،‬ويست ِ‬ ‫واحد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امن م ًعا‬ ‫َ‬ ‫شقيق‬ ‫رارا َبدَ ال من‬ ‫و َيع ُفو عنه واجدً ا أما َمه إخو ًة أتقيا َء أ ْب ً‬
‫ِ‬ ‫وس ِ‬ ‫ِ‬
‫كل ما‬ ‫جر ِّ‬ ‫ـه ِ‬ ‫دعوون ل َ‬ ‫النور‪ ،‬فهم َم ُّ‬ ‫در ِ‬ ‫لقضاء اهلل و َقدَ ِره‪ ،‬وال س ّيام الذين استَم ُعوا إىل ُ‬
‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫طاق ِ‬ ‫من نِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فسدُ بني اثن ِ‬ ‫ي ِ‬
‫در‪،‬‬ ‫وسالمة َّ‬ ‫وراحة البال َ‬ ‫النور‪،‬‬ ‫خو ُة التي تربِ ُطهم ض َ‬ ‫َني‪ ،‬إذ األُ َّ‬ ‫ُ‬
‫فاق ِ‬
‫والوئا ِم‪.‬‬ ‫الو ِ‬ ‫وإحالل ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفات‬ ‫نبذ اخلِ‬ ‫َقتض ك ُّلها َ‬ ‫حة العام ِة‪ ..‬ت ِ‬ ‫واملص َل ِ‬
‫ّ‬
‫سجن « َدنِ ْيزيل» فأص َب ُحوا‬
‫ِ‬ ‫بعضهم بعضا يف‬ ‫عادي ُ‬‫ني ي ِ‬ ‫ِ‬
‫عل بني َمسجون َ ُ‬ ‫ولقد َح َص َل هذا فِ ً‬
‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫رسائل ِ‬
‫النور‪ ،‬بل َغدَ ْوا َس َب ًبا من‬ ‫ِ‬ ‫وسا من‬ ‫ني بعد أن تَل َّق ْوا ُ‬
‫در ً‬ ‫ب َف ِ‬
‫ضل اهلل إخو ًة ُمتَحا ِّب َ‬
‫خر ِو ِّي‪ ،‬فقالوا‬ ‫براءتِنا‪ ،‬حتى مل َي ِد ِ‬
‫ب األُ َ‬ ‫الناس ُبدًّ ا أما َم هذا التحا ُب ِ‬
‫ِ‬ ‫امللحدون والسفها ُء من‬
‫بار َك ُ‬
‫اهلل!!‬ ‫اهلل‪َ ..‬‬
‫ضطرين‪ :‬ما شا َء ُ‬
‫ُم ِّ‬
‫الص َعدا َء ب َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ضل اهلل‪ ..‬إذ إنِّ َأرى‬ ‫السجناء مجي ًعا وتَن َّف ُسوا ُّ‬ ‫دور ُّ‬‫انش َحت ُص ُ‬ ‫وهكذا َ‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫ناق عىل ِم ٍئة منهم بج ِ‬
‫ريرة‬ ‫ُ َ‬ ‫حيث ُيشدَّ ُد اخلِ ُ‬ ‫ني‪ُ ،‬‬ ‫الواقع عىل املسجونِ َ‬ ‫الظلم ِ‬ ‫ِ‬ ‫هنا مدَ ى‬
‫الغيور‬ ‫املؤمن‬ ‫إل ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫الراحة‪َّ ..‬‬ ‫ِ‬
‫أوقات‬ ‫ِ‬
‫السجن يف‬ ‫واحد‪ ،‬حتى إهنم ال يرجون معا إىل فِ ِ‬
‫ناء‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫اخلاص ِة‪ ،‬فالبدَّ‬
‫ّ‬ ‫ب له األ َذى ملن َف َعتِه اجلزئ ّي ِة‬ ‫فكيف ُيس ِّب ُ‬
‫َ‬ ‫املؤمن ُّ‬
‫قط‪،‬‬ ‫َ‬
‫ال تَسعه َشهامتُه أن ي ِ‬
‫ؤذ َي‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫طئه وتَسببِه يف أ َذى ِ‬ ‫بخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫سارع إىل الت ِ‬
‫املؤم ِن‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫واإلنابة إىل اهلل حاملا َيش ُعر َ‬ ‫َّوبة‬ ‫أن ُي ِ َ‬
‫***‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬األدب ‪ ،62 ،57‬االستئذان ‪9‬؛ مسلم‪ ،‬الرب ‪26 ،25 ،23‬؛ أبو داود‪ ،‬األدب ‪47‬؛ الرتمذي‪ ،‬الرب ‪24 ،21‬؛‬
‫ابن ماجه‪ ،‬املقدمة ‪.7‬‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪175‬‬

‫ُ َ َ‬
‫﴿ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾‬ ‫بحان ُه‬ ‫بِاس ِم ِه س‬
‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته أبدا دائام‬

‫ني ُ‬
‫القدا َمى‪..‬‬ ‫األعزا َء اجلدُ َد واملسجونِ َ‬
‫ّ‬ ‫إخويت‬
‫ِ‬
‫ألجلكُم‬ ‫العناي َة اإلهل ّي َة هي التي أل َق ْت بنا إىل ههنا وذلك‬ ‫أن ِ‬‫ناعة تا ّم ٍة من َّ‬
‫لقد بِ ُّت عىل َق ٍ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫زاء الذي َت ِم ُله‬ ‫لوان والع ِ‬
‫إن مـجي َئنا إىل هنا إنَّام هو لِب ِّث الس ِ‬
‫النور إليكُم‪،‬‬ ‫رسائل‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫أنتم‪ ،‬أي َّ َ‬
‫ٍ‬
‫كثيـر من باليا الدنيا‬ ‫وصونِكُم من‬ ‫ِ‬
‫بحقائق اإليامن‪َ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫جن عنكُم‬‫الس ِ‬ ‫ِ‬
‫وتفيف ُمضايقات ِّ‬
‫َ ِ‬
‫ِ‬
‫وإنقاذ‬ ‫اجلدوى‪..‬‬ ‫باألحزان واهلُمو ِم من ال َعبثِ ّي ِة َ‬
‫وعدَ ِم‬ ‫ِ‬ ‫املل ِ‬
‫يئة‬ ‫شال حياتِكُم ِ‬ ‫وائها‪ ،‬وانتِ ِ‬
‫ولْ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تكون كدنياكُم ح ِزين ًة ِ‬
‫باكي ًة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫آخرتِكُم من أن‬ ‫ِ‬
‫َ‬

‫ني كطالب النور وكأولئك‬ ‫ُ‬


‫احلقيقة هي هذه‪ ،‬فعليكُم أن َتكُونوا إخو ًة ُمتحا ِّب َ‬ ‫ت‬‫فام دام ِ‬
‫َ‬
‫سجن « َدنِ ْيزيل»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الذين كانوا َمعن َا يف‬

‫الكثري ِم َن‬ ‫بخدْ ماتِكُم ُيعانون‬


‫ون الـحراس الذين َي ِرصون عىل القيام ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فها أنتم ُأوالء ت ََر َ ُ ّ َ‬
‫حة‪ ،‬ل َي ُحو ُلوا‬ ‫آلة ِ‬
‫جار ٌ‬ ‫يش‪ ،‬بل حتى إهنم ُيفتِّشون طعا َمكم لئال تكون فيه ٌ‬ ‫ات يف التفتِ ِ‬ ‫الـمش ّق ِ‬
‫َ‬
‫اآلخ ِر ليق ُت َله‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وش ُم ِ‬‫او ِز بعضكُم عىل بعض‪ ،‬وكأنكم ُو ُح ٌ‬ ‫ِ‬
‫فرتس ٌة ين َق ُّض الواحدُ عىل َ‬ ‫دون َت ُ‬
‫َ‬
‫والراحة َخو ًفا من ن ِ‬
‫ُشوب‬ ‫ِ‬ ‫ُتاح لكم للت َف ُّس ِح‬ ‫فضال عن أنكم ال تَستَمتِعون بال ُف َر ِ‬
‫ص التي ت ُ‬
‫الع ِ‬
‫راك فيام بينَكُم‪.‬‬ ‫ِ‬

‫بالسجن‪ ،‬يا َم ْن َت ِملون بطول ًة فِطري ًة َ‬


‫وشهام ًة َ‬
‫وغرية َ‬
‫ً‪..‬أال‬ ‫ِ‬ ‫هد‬‫احلدي ُثو َع ٍ‬
‫اإلخو ُة ِ‬
‫فيا أهيا ِ َ‬
‫ِ‬
‫الوقت‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة يف هذا‬ ‫ببطولة معنو ّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫فقولوا أمام ِ‬
‫اهليئة‬ ‫َ‬
‫البسيطة‪ ،‬بل لو سلمتم إىل أيدينا ِ‬
‫أسلح ًة ِ‬
‫نار ّي ًة فال نتَعدَّ ى عىل‬ ‫ُ‬ ‫اآلالت ِ‬
‫اجلار ُ‬
‫حة‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫«ليس ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أصدقائنا وأحبابِنا هؤالء الذين نُك ُبوا َم َعنا‪ ،‬حتى لو كان َبينَنا عدا ٌء أص ٌيل سابِ ٌق؛ فقد َع ْ‬
‫فونا‬
‫قرارنا‬ ‫ِ‬ ‫سعنا َّ‬ ‫َبذل ما يف و ِ‬‫وسن ُ‬
‫خاطرهم‪ ،‬هذا هو ُ‬ ‫َ‬ ‫َكس‬
‫شعورهم ون َ‬ ‫َ‬ ‫َجر َح‬
‫أل ن َ‬ ‫ُ‬ ‫عنهم مجيعا‪َ ،‬‬
‫صلحتِنا مجي ًعا»‪.‬‬
‫قتض َم َ‬ ‫وبم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبأمر ُأ ُخ َّوة اإلسال ِم ُ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫بإرشاد‬ ‫الذي اختذناه‬
‫سة َطي ٍبة م ٍ‬
‫باركة‪.‬‬ ‫وهكذا تُحولون هذا السجن إىل مدر ٍ‬
‫ّ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪176‬‬

‫رت يف ِ‬
‫ليلة ال َق ْد ِر‬ ‫هم ٌة َت َّط ْ‬
‫َمسأل ٌة ُم ّ‬
‫ل المقا ِم الثاني من الكلمة ِ الثالثة َ عَشْرةَ]‬
‫[ذي ُ‬
‫لب ليل َة ال َقدْ ِر َس ُأ ِ‬
‫حاو ُل‬ ‫طرت عىل ال َق ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫هذه حقيق ٌة ِ‬
‫واس ٌ‬
‫وطويلة يف الوقت نفسه‪َ ،‬خ َ‬ ‫عة جدا‬
‫أشري إليها إشار ًة ُم َ‬
‫تص ًة جدا‪ ،‬كاآليت‪:‬‬ ‫أن َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫البشرية من و ِ‬ ‫أَ ولا‪ :‬لقد قاس ِ‬
‫ّ‬
‫رأت‬ ‫قاساة‪ ،‬إذ ْ‬ ‫أي ُم‬ ‫احلرب العامل ّية األخرية َّ‬ ‫ِ‬ ‫يالت هذه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأقسى أنوا ِع االستبداد والتحك ُِّم‪ ،‬مع الدَّ مار الظال املري ِع يف األرض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لم‬‫أشدَّ أنوا ِع ال ُّظ ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫أمر ِهم يف‬ ‫واحد‪ ،‬وو َق َع املغلوبون عىل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األبرياء بج ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بؤس‬ ‫خص‬ ‫ريرة َش‬ ‫َ‬ ‫مئات‬
‫ب ُ‬ ‫كا ّف ًة؛ فقد نُك َ‬
‫مار ِهم ِ‬ ‫جز ِهم عن‬ ‫عذاب ِو‬ ‫مريرين‪ ،‬وبات الغالِبون يف‬ ‫َ ٍ‬
‫الفظي ِع‬ ‫إصالح َد ِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أليم ل َع ِ‬
‫جداين ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وشقاء َ‬
‫للناس بج ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عجزوا ِ‬ ‫وخش َيتِ ِهم من أن َي ِ‬
‫الء تا ٍّم َّ‬
‫أن احليا َة‬ ‫ِ َ‬ ‫هر‬‫عن احلفاظ عىل سيا َدتم‪ ..‬و َظ َ‬ ‫َ‬
‫خت‬ ‫ُجدي شي ًئا‪ ،‬وتَل َّط ِ‬ ‫خاد َع ٌة ومخدِّ ر ٌة ال ت ِ‬ ‫ف املدني ِة ِ‬ ‫خار َ‬ ‫وأن َز ِ‬ ‫الدنيا ُمؤ ّق ٌتة فانِ ٌية ال َمال َة‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫الرفيعة يف‬ ‫ِ‬
‫عدادات‬ ‫ات اإلنساني ِة وباالستِ‬ ‫بالذ ِ‬ ‫عنات القو ّي ِة التي نَـز َل ْت َّ‬ ‫ماء ال َّط ِ‬ ‫البرشي ُة ِبد ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بات سيفِ‬ ‫حتت َض ِ‬ ‫دة الصمءِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هر للعيان َت ُّط ُم ال َغفلة والضاللة والطبيعة اجلام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ّ‬ ‫فطرتا‪ ..‬و َظ َ‬
‫ارة والتي هي‬ ‫وهاء الغدَّ ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫للسياسة الدَّ ولِ ّي ِة َّ‬
‫ِ‬ ‫ت الصور ُة احلقيق ّي ُة‬ ‫األملاس‪ ..‬وافت ُِضح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫لروح ِهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وأشدُّ ه َخنْ ًقا ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلغ ِ‬ ‫سع ِس ٍ‬
‫داعا‬ ‫وخ ً‬ ‫وإضاللم َ‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫فال‬ ‫تار وأك َث ُفه ْ‬ ‫َأ ْو ُ‬
‫احلقيقي‬ ‫ِ‬
‫عشوقها‬ ‫األمور‪ -‬ست ُ‬
‫َبحث عن َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضوح هذه‬ ‫أن فِطر َة البرش ّي ِة ‪-‬بعد‬
‫شك ّ‬‫فال َّ‬
‫ِّ‬
‫قو ٍة ‪-‬وقد َبدَ ْت أماراتُها يف َش ِ‬
‫امل‬ ‫ِ‬
‫بكل ما ُأوت َيت من ّ‬
‫وهو احليا ُة ِ‬
‫الباق ُية اخلالد ُة وتس َعى إليها ِّ‬
‫َعش ُقها ِعش ًقا َم ِازيا‬ ‫دركَت ج ّيدً ا ّ‬
‫أن احليا َة الدنيا التي تت َّ‬ ‫وغربِه ويف أمريكا‪ -‬بعد ما َأ َ‬ ‫َ‬
‫العالِ َ‬
‫دميمة َشوهاء‪ ،‬فاني ٌة ِ‬
‫زائ ٌ‬
‫لة‪.‬‬ ‫ٌ ْ ُ‬
‫رص ثال ُث ِم ِئة ِم ٍ‬
‫ليون من‬ ‫كل َع ٍ‬
‫الكريم الذي له يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫َبحث ِ‬
‫عن‬ ‫يب َّأنا ست ُ‬‫وال َر َ‬
‫ألف وثالثِ ِم ٍئة ِ‬
‫وستِّني سن ًة‪ ..‬والذي ُيصدِّ ق َّ‬
‫كل ُح ٍ‬
‫كم من‬ ‫منذ ٍ‬ ‫َلم ِذين ِ‬
‫عليه ُ‬ ‫ني له املتت ِ‬ ‫ِ‬
‫العام ِل َ‬
‫َ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪177‬‬

‫ِ‬
‫قلوب‬ ‫ـتف ُظ بمكانـتِه املقـدّ َس ِة يف‬ ‫احلقيقة‪ ..‬والذي َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرباب‬ ‫عاو ِيه َم ُ‬
‫اليني من‬ ‫ِ‬
‫أحكامه و َد ِ‬
‫بش ُرها بأسلوبِه‬ ‫بألسنـتِهم‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫رشدُ البرشي َة ِ‬ ‫دقيقـة‪ ..‬والـذي ي ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫اظ يف كل‬‫ماليـني الح َّف ِ‬
‫ِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضمدا هبا ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باأللوف‬ ‫بش ُر هبا‬ ‫راحاتا الغائرةَ‪ ،‬بل ُي ِّ‬ ‫املعج ِز باحلياة الباقية والسعادة الدائمة‪ُ ،‬م ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلوف من‬ ‫بعرشات‬ ‫ب عنها صراح ًة أو إشار ًة‬ ‫املكررة‪ ،‬بل قد ُي ِ ُ‬ ‫من آياته القو ّية الشديدة َّ‬
‫ِ‬
‫الثابتة‪.‬‬ ‫حل َج ِج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القاط ِ‬
‫ِ‬ ‫األد ّل ِة‬
‫املرات‪ ،‬ناصبا عليها ما ال يعدُّ من ِ‬
‫والرباهني الساطعة وا ُ‬ ‫عة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬

‫عن‬ ‫تبح ُث حتام ِ‬


‫فس َ‬ ‫مادية أو معنوي ٌة َ‬ ‫ٌ‬ ‫صوابا ك ِّل ًيا ومل ت َُقم عليها ٌ‬
‫قيامة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫البرشية‬ ‫َفق ِد‬
‫فإن مل ت ِ‬
‫وحدث فِعال‬
‫َ‬ ‫العظمى‪،‬‬
‫َ‬ ‫العالِ ك ِّله و ُد َو ِلا‬
‫ات َ‬ ‫ث يف قار ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫البيان كام حدَ َ‬ ‫ِ‬
‫املعج ِز‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫وتقوم‬ ‫لتا‬ ‫ُّرويج و فِن َلند َا‪ ،‬ومث َلام يسعى لقبولِه ُخطباء مشهورون من ِ‬
‫إنك ِ‬ ‫يد و الن ِ‬ ‫يف السو ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ َ‬
‫أمريكا‪ ..‬وال ُبدَّ أنهم بعدَ أن‬ ‫شأن يف ِ‬ ‫ذات ٍ‬ ‫احلق وهي ُ‬ ‫تتحرى الدِّ ين َّ‬ ‫بالبحث عنه ِ‬
‫مجع ّي ٌة‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫دركوا حقائ َقه سي ِ‬
‫ليس‬ ‫بكل ُم َه ِج ِهم وأرواحهم‪ ..‬ذلك ألنّه َ‬ ‫عتص ُمون به و َيلت ُّفون َحو َله ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُي ِ‬
‫ِ‬
‫املعجزة‬ ‫يمكن أن َي ُسدَّ َم َسدَّ هذه‬ ‫ُون‪ ،‬وال ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪ ،‬ولن يك َ‬ ‫جل ِة هذه‬ ‫ِ‬ ‫من ن ٍ‬
‫َظير للقرآن يف ُمعا َ‬
‫ربى يش ٌء قط ًعا‪.‬‬
‫الك َ‬

‫ربى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫أملايس قاطع ب َيد هذه املعجزة ال ُك َ‬ ‫ٍّ‬
‫ٍ‬
‫كسيف‬ ‫رت خدماتِها‬ ‫أظه ْ‬‫النور قد َ‬ ‫رسائل ِ‬ ‫َ‬ ‫ثانيا‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫ظيفتِها بني‬ ‫وأجلأتم إىل االستِسال ِم‪ ،‬وأنَّها تقوم بو ِ‬ ‫ِ‬
‫العنيدين‬ ‫حل ّج َة أعدا َءها‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُْ‬ ‫حتى ألز َمت ا ُ‬
‫ِ‬ ‫معجز ًة لِـمعانِيه‬ ‫حيث كونا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُنو َر‬
‫َستطيع أن ت ِّ‬
‫ُ‬ ‫املعجزة عىل نحو ت‬ ‫يدَ ْي هذه اخلزينة القرآن ّية من ُ ُ‬
‫الداعية إىل هذا‬‫ُ‬ ‫الناجع َة‪ ..‬وال َغ ْر َو فهي‬ ‫الجاتا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ناول ًة ك ٍُّل منها ِع‬
‫واملشاع َر‪ُ ،‬م ِ‬ ‫ِ‬ ‫وح‬
‫والر َ‬ ‫القلب ُّ‬ ‫َ‬
‫إل ِ‬
‫إليه‪.‬‬ ‫َرج ُع ّ‬ ‫َفيضة منه وحدَ ه وال ت ِ‬ ‫ُ‬ ‫العظيم واملست‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫ِ‬ ‫املغر ِ‬ ‫عايات ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإنا إذ تقوم بم ِ‬
‫الظاملة‬ ‫ضة‬ ‫نفسه عىل الدِّ‬ ‫َرص ْت يف‬ ‫خري قيا ٍم‪ ،‬انت َ‬ ‫همتها َ‬ ‫ُ ُ ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعداؤها‪ ،‬و َق َضت عىل أشدِّ الزنادقة تَعنُّتًا‪ ،‬و َدكَّت أقوى قال ِع الضاللة التي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫التي ُيشي ُعها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َت ِ‬
‫التوحيد يف‬ ‫نور‬
‫هرت َ‬ ‫«الطبيعة» برسالة «الطبيعة»‪ ،‬كام بدَّ َدت الغفل َة وأ ْظ َ‬ ‫ُ‬ ‫تمي هبا وهي‬
‫رة»‬‫سة للثم ِ‬ ‫اد ِ‬ ‫بـ«املسألة الس ِ‬
‫ِ‬ ‫اخلانقة لل َغ ِ‬
‫فلة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظلامت‬ ‫ِ‬
‫احلديثة وأشدِّ‬ ‫ميادين ال ُعلو ِم‬ ‫َأوس ِع ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫وسى»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حل َج ِج األُ َ‬
‫«ع َصا ُم َ‬ ‫ول والثانية والثالثة‪ ..‬والثامنة من جمموعة َ‬ ‫وبا ُ‬
‫النور ‪-‬يف ح ِ‬
‫دود‬ ‫طالب ِ‬ ‫‪-‬وأكثر َضرور ًة لأل ّم ِة‪ -‬أن َيفت ََح‬ ‫الض ِ‬
‫ور ِّي لنا‬ ‫ومن هنا فإنه من َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪178‬‬
‫ُوري ًة صغري ًة بعدَ ما سم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الدولة يف الوقت‬ ‫حت‬ ‫َ‬ ‫مدارس ن ِ ّ‬
‫َ‬ ‫مكان‬ ‫املتاحة‪ -‬يف ِّ‬
‫كل‬ ‫درات‬ ‫ُ‬
‫الق‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫يس الدِّ ين‪.‬‬ ‫خاص ٍة لت ِ‬
‫َدر ِ‬ ‫مدارس ّ‬
‫َ‬ ‫احلاض ِ‬
‫بفتح‬ ‫ِ‬

‫ستفيدَ منها شيئا ِ‬ ‫ستطيع أن ي ِ‬ ‫للرسائل ي ِ‬ ‫كل ِ‬


‫قار ٍئ‬ ‫ِ‬
‫يستطيع‬
‫ُ‬ ‫لنفسه ّ‬
‫إل أنّه ال‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ َ‬ ‫إن َّ‬ ‫يح؛ ّ‬‫َصح ٌ‬
‫وس ِعلم ّي ٌة‪،‬‬
‫در ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيضاح حلقائ ِق اإليامن‪ ،‬فهي ُ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫مسائلها؛ وبام َّأنا‬ ‫ٍ‬
‫مسألة من‬ ‫ب َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫أن َيستَوع َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫قت ِ‬ ‫وعباد ٌة هلل يف الو ِ‬
‫للقلب ِ‬
‫ِ‬ ‫وس ٌ‬ ‫و َم ِ‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كينة‬ ‫عرف ٌة إهلي ٌة‪َ ،‬‬
‫س أو‬‫وال َخ ْم ِ‬ ‫التقليد ّي ِة َط َ‬
‫س الدِّ ينِي ِة ِ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫املدار ِ‬ ‫احلصول عليها يف‬ ‫ُ‬ ‫مكن‬ ‫إن النتائج التي كان ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أسابيع بإذن اهلل‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫عشرة‬ ‫مخسة أو‬‫ِ‬ ‫النور يف‬‫س ِ‬ ‫احلصول عليها يف ِ‬
‫مدار ِ‬ ‫ُ‬ ‫سنوات ِ‬
‫يمكن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عشر‬
‫َ‬
‫العرشين سن ًة التي َخ َلت واحلمدُ هلل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫النتائج يف‬
‫َ‬ ‫َض ِمنَت تلك‬
‫ملعات من ِ‬
‫أنواره‬ ‫ٌ‬ ‫الداعية إىل القرآن؛ والتي هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسائل‬ ‫فائد ُة هذه‬ ‫بات من المس َّل ِم به ِ‬ ‫ثم َ‬
‫ُ‬
‫حياتا األخرو ّي ِة؛ فمن‬ ‫السياس ّي ِة فضال عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫البالد؛ وحتى ِ‬
‫حلياتا‬ ‫ِ‬ ‫حلياة األُ َّم ِة وأل ْم ِن‬
‫رة‪ِ ،‬‬ ‫الباه ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫ُشج َع‬ ‫بسوء بل تَس َعى جا ّد ًة إىل ن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للحكومة ّ‬
‫َ‬ ‫َرشها وت ِّ‬ ‫َعر َض هلا‬ ‫أل تت ّ‬ ‫الرضوري إذن‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عىل قرا َء ِتا‪..‬‬
‫وسدًّ ا َمني ًعا يف‬ ‫اقت َفت من سيئات فاحشة سابقة َ‬ ‫عم َ‬ ‫ليكون َعم ُلها هذا ك َّفار ًة ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫وإرهاب‪.‬‬ ‫وض‬ ‫ب و َف َ‬‫َوجه ما َس ُيقبِ ُل من َويالت و َمصائ َ‬

‫ِ‬ ‫أواخ ِر ِ‬
‫ت املدارس الدِّ ينِي ُة يف تركيا منذ ِ‬ ‫لغي ِ‬ ‫ِ‬
‫رشينات حتى سنة ‪.1950‬‬ ‫الع‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )1‬لقد ُأ َ‬
‫املعرفة اإلهل ّي ِة أو إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادة أو إىل‬ ‫وق إىل‬‫شك يف َش ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل التع ُّل ِم فهو بال ٍّ‬ ‫أحدُ هم‬ ‫إن مل يكن َ‬ ‫(‪ )2‬حتى ْ‬
‫ٍ‬
‫لكل َفرد‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬‫وري ِّ‬ ‫رسائل ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وسكينَته‪ ،‬وهلذا ّ‬ ‫ِ‬
‫اطمئنان ال َق ِ‬
‫رس َض ٌّ‬ ‫النور َد ٌ‬ ‫فإن‬ ‫لب َ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪179‬‬

‫رسالة الثم ِ‬
‫رة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السادس ُة من‬ ‫املسأل ُة‬
‫َ‬
‫الرباهني الك ّل ِية‬
‫ِ‬ ‫واحد فقـط من بني ُأ ِ‬
‫لوف‬ ‫ٍ‬ ‫املسألة إشار ٌة خمتص ٌة إىل ب ٍ‬
‫رهان‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫مواضع من‬‫َ‬ ‫القاطعة يف ِعدّ ِة‬
‫ِ‬ ‫إيضاحه مع ُح َج ِج ِه‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫(اإليامن باهلل) والذي ت ََّم‬ ‫َح َ‬
‫ول‬
‫رسائل ِ‬
‫النور‪.‬‬ ‫ِ‬

‫لني‪:‬‬ ‫الثانوية يف « َقس َطموين»(‪ِ )1‬‬


‫قائ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طالب‬ ‫فريق من‬
‫جا َءين ٌ‬
‫ُ‬
‫درسين َا ال َيذك َ‬
‫ُرون اهلل لنا!»‪.‬‬ ‫«عرفن َا خالِ َقنا‪ّ ،‬‬
‫فإن ُم ِّ‬ ‫ِّ‬
‫اخلالق‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫عر ُ‬ ‫ُ‬
‫يبحث عن اهلل َدو ًما‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫ونا‬‫َقرؤ َ‬ ‫كل ِع ٍ‬
‫لم من العلو ِم التي ت ُ‬ ‫«إن َّ‬
‫فقلت َلم‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫املدر ِسني»‪.‬‬
‫دون ِّ‬ ‫اخلاص ِة؛ فأصغوا إىل تلك العلو ِم َ‬
‫ّ‬ ‫الكريم ب ُلغتِه‬
‫َحرضات‬
‫ٌ‬ ‫ِّينة من َقنانِيها َأ ٌ‬
‫دوية و ُمست‬ ‫كل ِقن ٍ‬ ‫خمة‪ ،‬يف ِّ‬
‫هناك َصيدل ّي ٌة َض ٌ‬ ‫َ‬ ‫فمثال‪ :‬لو كانت‬
‫أن َورا َءها َصيدلِ ًّيا‬‫قيقة؛ فكام ّأنا تُرينا ّ‬ ‫اسة‪ ،‬وبمقادير د ٍ‬
‫َ َ َ‬
‫يوي ٌة‪ ،‬و ِضعت فيها بموازين حس ٍ‬
‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َح ِ ّ ُ َ‬
‫ألف نَو ٍع‬‫أربع ِم ِئة ِ‬
‫األرضية التي تَضم أكثر من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكرة‬ ‫ُ‬
‫صيدلية‬ ‫ماه ًرا‪ ،‬كذلك‬ ‫يميائيا ِ‬‫وك ِ‬ ‫حكيام‪ِ ،‬‬
‫ُّ َ‬ ‫ّ‬
‫َحضرات كيمياو ّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫جاجة ُمست‬ ‫احلقيقة بم ِ‬
‫ثابة ُز‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحد منها يف‬ ‫وكل‬‫األحياء نباتًا وحيوانًا‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الصيدل ُية الكربى ت ُِري حتى لل ُعميان َصيدَ ل َّيها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يط َحيوية ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دقيقة‪ ،‬وقنِّينة َمخال َ‬‫ٍ‬
‫عجيبة؛ فهذه َّ‬
‫ياسا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ف خال َقها‬ ‫ِ‬
‫بدرجة كاملا وانتظامها وعظمتها‪ ،‬ق ً‬ ‫الكريم سبحانه َ‬ ‫َ‬ ‫ُعر ُ‬
‫احلكيم ذا اجلالل‪ ،‬وت ِّ‬ ‫َ‬
‫الطب الذي تَقرؤونَه‪.‬‬ ‫يس ع ِ‬
‫لم‬ ‫ِ‬ ‫فق ِ‬
‫مقاي ِ‬ ‫السوق‪َ ،‬و َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الصيدَ لية التي يف ُّ‬ ‫عىل تلك َّ‬
‫واألقم ِ‬
‫ِ‬ ‫املنسوجات املتنو ِ‬
‫ِ‬ ‫نس ُج ُألو ًفا من أنـوا ِع‬ ‫ِ‬ ‫أن َمصنَ ًعا ِ‬
‫شة‬ ‫عة‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫خار ًقا عجي ًبا َي ُ‬ ‫ومثال‪ :‬كام َّ‬
‫عر ُفه لنا؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫شك ّ‬ ‫بسيطة جدً ا‪ُ ،‬يرين َا بال ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫املختلفة‪ ،‬من ما ّد ٍة‬
‫ِ‬
‫أن َورا َءه ُمهندسا ميكانيك ًّيا ماه ًرا‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫اإلهلي الذي فيه‬ ‫ُّ‬ ‫املصنع‬
‫ُ‬ ‫األرض ِية‪ ،‬وهذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالكرة‬ ‫ينة الربان ّي ُة السيار ُة ُ‬
‫الم َس َّما ُة‬ ‫املاك ُ‬‫كذلك هذه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اآلالف من َمصانِ َع‬ ‫ِ‬
‫عرف لنا‬ ‫مئات اآلالف من املصانع املت َقنة‪ُ ،‬ي ِّ‬ ‫رئيسية‪ ،‬ويف كل منها ُ‬ ‫مئات‬
‫ُ‬

‫ِ‬ ‫تقع َشاميل تركيا‪ ،‬نُفي إليها األستا ُذ النوريس سنة ‪1936‬م َّ‬ ‫ِ‬
‫اإلقامة اجلربية إىل أن‬ ‫حتت‬
‫وظل فيها َ‬ ‫(‪ )1‬مدين ٌة ُ‬
‫ِ‬
‫اجلزاء الكُربى يف « َدنِيزيل»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حمكمة‬ ‫ِسيق منها سن َة ‪ 1943‬موقوفا ملحاكمتِه يف‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪180‬‬
‫كامل هذا‬ ‫ِ‬
‫بدرجة ِ‬ ‫يعر ُفه‬ ‫ِ‬ ‫مقاييس ِع ِ‬
‫ِ‬ ‫بال ٍّ‬
‫املكائن الذي تقرأونَه‪ِّ ،‬‬ ‫لم‬ ‫فق‬
‫شك صان َعه‪ ،‬ومالكَه‪َ ،‬و َ‬
‫اإلنساين‪.‬‬ ‫ياسا عىل ذلك املصن ِع‬ ‫ِ ِ‬ ‫املصن ِع‬
‫ِّ‬ ‫اإلهلي‪ ،‬وعظمته ق ً‬
‫ِّ‬
‫لألغذية واملواد‪ُ ،‬أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومثال‪ :‬كام َّ‬
‫حض َر‬ ‫ِّ‬ ‫أن حانوتًا أو َم َزنا لإلعاشة واألرزاق‪ ،‬وحمال ً‬
‫عظيم‬
‫وص ِّفف يف‬ ‫اآلخ ِر‪ُ ،‬‬ ‫كل نوع عن َ‬ ‫ألف نو ٍع من املوا ِّد الغذائ َّي ِة‪ ،‬و ُم ِّي َـز ُّ‬ ‫جانب‪ُ -‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫فيه ‪-‬من ِّ‬
‫سيح‬ ‫الرمحاين لإلعاشة الذي َي ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫املخزن‬ ‫أن له مالِكا و ُمد ِّبرا؛ كذلك هذا‬ ‫اخلاص به‪ُ ،‬يرينا ّ‬ ‫ِّ‬ ‫حم ِّله‬
‫مئات‬ ‫دقيق مت َقن‪ ،‬والذي يضم يف ثناياه ِ‬ ‫سنة‪ ،‬يف نظا ٍم ٍ‬ ‫ألف ٍ‬ ‫وعرشين َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أربعة‬ ‫كل َس ٍنة َمساف َة‬ ‫يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫مر‬ ‫ِ‬ ‫كل منها إىل نو ٍع‬ ‫حيتاج ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خاص من الغذاء‪ ،‬والذي َي ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫املخلوقات التي‬ ‫أصناف‬ ‫اآلالف من‬
‫األطعمة‪ ،‬فيأيت‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫لة بآالف األنوا ِع من ُم ِتل ِ‬ ‫كشاح ٍنة ُمم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫األربعة فيأيت بالربي ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صول‬ ‫عىل ال ُف‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫والسفينة‬ ‫ُ‬
‫األرضية‪،‬‬ ‫الشتاء‪ ..‬تلك هي الكر ُة‬ ‫ِ‬ ‫اخللق املساكني الذين َن َفد قوتُهم يف‬ ‫ِ‬ ‫هبا إىل‬
‫ِ‬ ‫واألجهزة ومع َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخز ُن‬ ‫َ‬ ‫الغذاء‪ ،‬فهذا‬ ‫بات‬ ‫ُ‬ ‫البضائع‬ ‫آالف األنوا ِع من‬ ‫َ‬ ‫تض ُّم‬ ‫السبحانِ ُية التي ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقرؤونَه‪ -‬صاح َبه‬ ‫لم اإلعاشة والتجارة الذي ت ُ‬ ‫مقاييس ع ِ‬ ‫ِ‬ ‫فق‬‫‪-‬و َ‬ ‫الرباين‪ُ ،‬ي ِري َ‬ ‫ُّ‬ ‫واحلانوت‬
‫ُ‬
‫بل‬ ‫املخز ِن املصنو ِع من ِق ِ‬ ‫َ‬ ‫املخز ِن‪ ،‬قياسا عىل ذلك‬ ‫َ‬ ‫ظمة هذا‬ ‫بدرجة َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫تصر َفه‬ ‫ومالكَه و ُم ِّ‬
‫عر ُفه لنا‪ ،‬و ُيح ِّب ُبه إلينا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫الشعوب واأل َم ِم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ألف نو ٍع من‬ ‫لوائه أربع ِم ِئة ِ‬ ‫حتت ِ‬ ‫يشا عظيام َي ُض ُّم َ‬ ‫أن َج ً‬ ‫ومثال‪ :‬لو َّ‬
‫َ‬
‫اآلخر‪ ،‬وما‬ ‫ِ‬ ‫سالح‬ ‫سالح ُي ِ‬
‫غاي ُر‬ ‫ٍ‬ ‫َعم ُله من‬ ‫اآلخ ِر‪ ،‬وما يست ِ‬ ‫املستق ُّل عن َ‬ ‫ِ‬ ‫جنس طعا ُمه‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫لِ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اآلخ َر‪ ،‬ومدَّ ُة‬ ‫اآلخ ِر‪ ،‬ون ََم ُط تدريباتِه وتعليامتِه ُيباين َ‬ ‫ألبسة َ‬ ‫ِ‬ ‫تلف عن‬ ‫مالبس َت ُ‬ ‫َ‬ ‫رتد ِيه من‬ ‫ي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لآلخ ِر‪ِ ..‬‬ ‫غير املدَّ ِة َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫باألرزاق‬ ‫زو ُدهم وحدَ ه‬ ‫اجليش الذي ُي ِّ‬ ‫فقائدُ هذا‬ ‫عمله وفرت ُة ُر َخصه هي ُ‬
‫رية‪،‬‬ ‫التباس وال ح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أي منها وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫املتباي ِنة‪،‬‬‫ِ‬ ‫واألسل ِ‬ ‫ِ‬ ‫املخت َِل َف ِة‪،‬‬
‫َ‬ ‫املتغايرة‪ ،‬دون نسيان ٍّ‬ ‫واأللبسة‬ ‫حة‬
‫اخلار َق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بداه ًة ذلك القائدَ‬ ‫العجيب يرينا َ‬ ‫َ‬ ‫املعسكر‬
‫َ‬ ‫أن هذا‬ ‫ريب؛ فكام َّ‬ ‫خوارق بال ٍ‬ ‫َ‬ ‫هلو قائدٌ ذو‬
‫األرض؛ ففي كل ربيع ُيجنَّدُ جمدَّ دا‬ ‫ِ‬ ‫سكر‬‫وإعجاب؛ كذلك م َع ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تقدير‬ ‫بل ُي ِّب ُبه إلينا بكل‬
‫احليوانات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبـاتات و ُأ ِ‬
‫مم‬ ‫شعوب‬‫ِ‬ ‫ألف نو ٍع من‬ ‫أربع ِم ِئة ِ‬ ‫جيش سبحاين عظيم مكو ٌن من ِ‬ ‫ٌ‬
‫ٌ ُ َّ‬ ‫ٌّ‬
‫دن ٍ‬ ‫اخلاص ُة به‪ ،‬من َل ْ‬ ‫ِ‬
‫عظيم‬ ‫ٍ‬ ‫قائد‬ ‫َّ‬ ‫ور َخ ُصه‬ ‫و ُيمن َُح لكل نوع ألبستُه وأرزا ُقه وأسلحتُه وتَدري ُبه ُ‬
‫ِ‬
‫وغاية‬ ‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫َـحي ويف منتهى‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أح ٍد َّ‬ ‫ٍ‬
‫جل وعال‪ ،‬بال نسيان ألحد وال اختالط وال ت ُّ‬ ‫واحد َ‬
‫طح األرض ُيري ‪-‬ألُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫الواس ُع للربيع املمتَدُّ عىل َس ِ‬ ‫الشاس ُع‬ ‫سكر‬ ‫االنتظا ِم‪ ..‬فهذا امل َع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َّبها و ُمد ِّب َرها‪ ،‬وقائدَ ها‬ ‫األرض َح َسب العلو ِم ال َعسكرية َ‬ ‫حاك َم‬ ‫والبصائر‪-‬‬ ‫األلباب‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪181‬‬

‫املهيب‪ ،‬ومدَ ى عظمتِه‪ ،‬قياسا إىل‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بدرجة ِ‬
‫كامل هذا املعسك َِر‬ ‫عر ُفه هلم‪،‬‬ ‫َّ‬
‫األجل‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫األقدَ َس‬
‫يح‪.‬‬‫والتقديس والتسبِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالتحميد‬ ‫ب مليكَه سبحانه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املذكور‪ ،‬بل ُي ِّب ُ‬ ‫املعسكر‬ ‫ذلك‬
‫اد للو ِ‬ ‫عجيبة دون َن َف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َتجو ُل يف‬ ‫ِ‬ ‫ب ّ‬
‫قود‬ ‫َ‬ ‫مدينة‬ ‫املصابيح الكهربائ َّية ت َّ‬ ‫ِ‬ ‫ماليني‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫ومثال‪َ :‬ه ْ‬
‫هندسا ِ‬ ‫ِ‬ ‫انطفاء؛ أال ت ُِري ‪-‬بإعجاب وتقدير‪َّ -‬‬ ‫ٍ‬
‫بارعا ملصن ِع‬ ‫حاذ ًقا‪ ،‬وكهربائ ًيا ً‬ ‫أن هناك ُم ً‬ ‫وال‬
‫األرض وهي‬ ‫ِ‬ ‫قف َقرص‬ ‫لية من س ِ‬ ‫املصابيح؟‪ ..‬فمصابيح النجو ِم املتدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكهرباء‪ ،‬ولتلك‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫انطالق‬ ‫ِ‬ ‫أسرع من‬ ‫َ‬ ‫وتسري‬
‫ُ‬ ‫لم الف َل ِك‪،‬‬ ‫ب ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رب من الكرة األرض َّية نفسها بألوف املرات َح ْس َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أك ُ‬
‫انطفاء‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها مطل ًقا ومن ِ‬
‫دون‬ ‫بنظامها‪ ،‬أو تتَصادم مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫يفة‪ ،‬من دون أن ُت َّل‬ ‫القذ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫نور إىل ُق ِ‬ ‫بأصابع من ٍ‬ ‫علم الف َلك‪ ..‬هذه‬ ‫اد و ٍ‬ ‫ِ‬
‫درة‬ ‫َ‬ ‫تشري‬
‫املصابيح ُ‬ ‫ُ‬ ‫فق ما تقرؤونَه يف ِ‬ ‫قود َو َ‬ ‫َن َف َ‬
‫وأقدم منها‬ ‫ِ‬
‫األرضية‪،‬‬ ‫مرة من كُرتِنا‬ ‫بمليون ٍ‬ ‫ِ‬ ‫رب‬ ‫ِ‬
‫املحدودة؛ َ‬ ‫خالقها ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫مسنا مثال وهي أك ُ‬ ‫فش ُ‬ ‫غري‬
‫ِ‬
‫إدامة‬ ‫ِ‬
‫فألجل‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ضيافة‬ ‫ستم ٌر ِ‬
‫لدار‬ ‫وقدٌ م ِ‬ ‫إل مصباح دائم‪ ،‬وم ِ‬ ‫سنة‪ ،‬ما هي ّ‬ ‫ليون ٍ‬ ‫بم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬
‫جبالا‪،‬‬ ‫األرض‪ ،‬وفحم ب َقدْ ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫بحار‬‫ِ‬ ‫يلز ُم َوقودا ب َق ِ‬
‫در‬ ‫كل يوم َ‬ ‫َسجريها َّ‬ ‫ِ‬ ‫عالا وت‬ ‫ِّقادها واشتِ ِ‬ ‫ات ِ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحط ًبا ب َقدْ ِر‬
‫مجيع النجو ِم‬ ‫األرض‪ ،‬ولك َّن الذي ُيشع ُلها ‪-‬و ُيشعل َ‬ ‫ِ‬
‫حجم‬ ‫أضعاف‬ ‫أضعاف‬ ‫َ‬
‫بسعة عظيمة معا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫أمثالا‪ -‬بال َوقود وال َف ٍ‬‫ٍ‬ ‫األخرى ِ‬
‫ودون انطفاء و ُيس ِّي ُـرها ُ‬ ‫حم وال َزيت‬ ‫َ‬
‫العظيم‬ ‫عظيمة ال حدو َد هلا‪ ..‬فهذا الك ُ‬
‫َون‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وسلطنة‬ ‫دون اصطدا ٍم‪ ،‬إنام هي ُقدر ٌة ال هناي َة هلا‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫علم الكهر ِ‬
‫باء‬ ‫مقاييس ِ‬ ‫ِ‬ ‫فق‬ ‫‪-‬و َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫وما فيه من مصابيح م ِض ٍ‬
‫َ‬ ‫وقناديل ُمتدلية ُيبيِّ بوضوح َ‬ ‫يئة‪،‬‬ ‫َ ُ‬
‫ف ُم ِّنو َره‬ ‫عر ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املعر ِ‬ ‫سلطان هذا ِ‬ ‫َ‬ ‫الذي َقرأمتو ُه أو َستقرؤونَه‪-‬‬
‫العظيم واملهرجان الكبري‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫ض‬
‫ِ‬
‫بالتحميد‬ ‫وي ِّبـ ُّبه إىل اجلميع‬ ‫املتأللئة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بشهادة هذه النجو ِم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اجلليل‪،‬‬ ‫و ُمد ِّب َره البديع وصان َعه‬
‫يس بل يسو ُقهم إىل عبادتِه سبحانَه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والتقد ِ‬ ‫ِ‬
‫والتسبيح‬
‫كل ك ٍ‬ ‫ب يف ِّ‬ ‫خط ٍ ِ‬ ‫كتاب بِ ٍّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ب يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫َلمة‬ ‫دقيق وكُت َ‬ ‫سطر منه ٌ‬ ‫ومثال‪ :‬لو كان هناك ٌ‬
‫كتاب‪،‬كُت َ‬
‫بعضها‬ ‫ميق‪ ،‬وك ُّلها ُيؤ ِّيدُ ُ‬ ‫مغزى ومعنًى َع ٍ‬ ‫ذات ً‬ ‫مسائله َ‬‫من كلامتِه سور ٌة قرآنية‪ ،‬وكانَت مجيع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شك مهار َة كاتبه الفائق َة‪ ،‬و ُقدر َة ُمؤ ِّلفه الكامل َة؛ أي‬‫جيب ُيب ِّي ُن بال ٍّ‬‫الكتاب ال َع ُ‬
‫ُ‬ ‫بعضا‪ ،‬فهـذا‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫النهار‪ ،‬و ُيبيِّ ُ كمـا َله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن َ‬
‫ف كات َبه و ُمصنِّـ َفه تعري ًفا ُيضاهي ُو َ‬
‫ضوح‬ ‫عر ُ‬
‫الكتاب ُي ِّ‬ ‫مثل هذا‬ ‫َّ‬
‫إل ت ِ‬ ‫الناظرين إليه ما ال ي ِ‬
‫َرديدَ ‪:‬‬ ‫كون معه ّ‬ ‫مل َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬
‫والتقدير لدى‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاب‬ ‫ويثري من‬
‫ُ‬ ‫و ُقـدرتَه‪،‬‬
‫واإلعجاب؛ كذلك هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حسان‬ ‫كلامت االستِ‬
‫ِ‬ ‫اهلل! من‬ ‫تَبار َك اهلل‪ ،‬س َ ِ‬
‫بحان اهلل‪ ،‬ما شا َء ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫كتب‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫سطح‬
‫ُ‬ ‫َب يف َصحيفة واحدة منه‪ ،‬وهي‬ ‫الكبري للكون الذي ُيكت ُ‬ ‫ُ‬ ‫الكتاب‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪182‬‬
‫طوائف‬
‫ُ‬ ‫َلفة‪ ،‬وهي‬ ‫ُتب املخت ِ‬ ‫ألف نو ٍع من الك ِ‬ ‫واحدة منه‪ ،‬وهي الربيع‪ ،‬ثال ُث ِم ِئة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف م َلز ٍ‬
‫مة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كتاب‪ ..‬يكتَب كل ذلك معا وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تداخال‬ ‫ً ُ‬ ‫ٍ ُ ُ‬ ‫بمثابة‬ ‫كل منها‬ ‫النباتات‪ٌّ ،‬‬ ‫احليوانات و َأ ْج ُ‬
‫ناس‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كتب‬ ‫والكامل بل ُي ُ‬ ‫نتهى االنتظا ِم‬ ‫ببعض بال اختالط وال َخطأ وال نسيان‪ ،‬ويف ُم َ‬ ‫بعضها‬ ‫ُ‬
‫كتاب‬ ‫ٍ‬ ‫هر ُس‬ ‫رة‪ ،‬فِ ِ‬ ‫نقطة منه كالبِ ْذ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫رائعة‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫قصيد ٌة كامل ٌة‬ ‫رة‪ِ ،‬‬ ‫كلمة منه كالشج ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫يف ِّ‬
‫كل‬
‫أن ورا َءه َق َلام َسياال ُيس ِّط ُر‪ ،‬فلكم‬ ‫بالتأكيد َّ‬‫ِ‬ ‫وماثل أما َمنا‪ ،‬و ُيرينا‬ ‫ٌ‬ ‫شاهدٌ‬ ‫كامل؛ فكام ّ‬ ‫ٍ‬
‫أن هذا ُم َ‬
‫ج ٌة‬ ‫كلمة منه م ٍ‬
‫عان َ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫العظيم الذي يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكبري‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫كتاب‬ ‫إذن أن تُقدِّ روا مدَ ى د ِ‬
‫اللة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بارئه سبحانَه‬ ‫األكرب املجس ِم وهو العا َلـم‪ ،‬عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫داللة هذا‬‫ِ‬ ‫وحك ٌَم شتَّى‪ ،‬ومدَ ى‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َقرؤونَه‬ ‫قتض ما ت ُ‬ ‫بم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعىل كاتِبه َّ‬
‫املذكور يف املثال؛ وذلك ُ‬ ‫الكتاب‬ ‫ياسا إىل ذلك‬ ‫جل وعال‪ ،‬ق ً‬
‫ِ‬
‫الواسعة‬ ‫ِ‬
‫وبالنظرة‬ ‫رب‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تابة‪ ،‬وتَناولِه ِ‬ ‫والك ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫األشياء أو فن ِ‬ ‫ِ‬ ‫علم ِح ِ‬ ‫من ِ‬
‫قياس أك َ‬ ‫بم‬ ‫ُ‬ ‫راءة‬ ‫ْ ِّ‬ ‫كمة‬
‫وكيف ُيع ِّل ُم‬ ‫رب»‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫إىل هذا الك ِ‬
‫َ‬ ‫العظيم بـ«اهلل أك ُ‬ ‫َ‬ ‫الخالق‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫عر ُ‬ ‫تفهمون كيف ُي ِّ‬ ‫الكبري؛ بل‬ ‫َون‬
‫ناء «احلمدُ هلل»‪.‬‬ ‫وكيف يحبب اهلل سبحانَه إلينا ب َث ِ‬ ‫التقديس بـ«سبحان اهلل»‬
‫َ ُ ِّ ُ َ‬ ‫َ‬
‫‪-‬قياسا‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫ِ‬
‫الكون ذي‬ ‫دل عىل خالِق‬ ‫ديدة جدا‪َ ،‬ي ُّ‬ ‫لم من العلو ِم الع ِ‬
‫َ‬ ‫كل ِع ٍ‬ ‫فإن َّ‬ ‫وهكذا َّ‬
‫اجلليلة وكامالتِه‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬ ‫بصفاتِه‬ ‫بأسامئه احلسنَى‪ ،‬ويع ِّلمنا إياه ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫عر ُفه لنا سبحانَه‬ ‫عىل ما َس َبق‪ -‬و ُي ِّ‬
‫ذات ِع ٍ‬ ‫ونظرات ِ‬ ‫ٍ‬ ‫باص ٍة‪،‬‬ ‫وعيون حاد ٍة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫خاص ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ربة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫قاييس واسعة‪ ،‬ومرايا َّ‬ ‫بام يمل ُك من َم َ‬
‫الكريم من‪ ﴿ :‬ﭸ ﭹ‬ ‫ِ‬ ‫القرآن‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكرار‬ ‫إن ِحكم َة‬ ‫الشباب‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ألولئك ال َّط ِ‬
‫لبة‬ ‫َ‬ ‫فقلت‬
‫ُ‬
‫احلقيقة املذك ِ‬
‫ُورة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلرشاد إىل هذه‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫ﭺ ﴾ و ﴿ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ إنام هي‬
‫وألجل ت ِ‬ ‫للتوح ِ‬
‫ِ‬ ‫َلقني الب ِ‬
‫العظيم سبحانَه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َعريفنا خال َقنا‬ ‫ِ‬ ‫يد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الباهر‬ ‫هان‬ ‫وت ِ ُ‬
‫ُ‬
‫السامية عينُها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة‬ ‫ِ‬
‫الدرس الذي هو‬ ‫بغري حدٍّ ‪ ،‬عىل هذا‬ ‫ِ‬
‫اخلالق ِ‬ ‫فقالوا‪ً :‬‬
‫شكرا لر ِّبنا‬
‫يض َ‬
‫عنك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ور َ‬‫خري اجلزاء َ‬‫فجزاك اهلل عنا َ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان ِ‬
‫ماكين ٌة َح ِ‬
‫بآالف األنوا ِع من اآلال ِم‪ ،‬ويتَلذ ُذ بآالف‬ ‫يو ّي ٌة‪ ،‬يتأ َّل ُ‬
‫ـم‬ ‫َ‬ ‫قلت‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫ِ‬ ‫منتهى ال َع ِ‬
‫جز‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ني‬
‫فإن له من األعداء ما ال ُيدُّ سوا ٌء املاد ِّي َ‬ ‫األنوا ِع من اللذائذ‪ ،‬ومع أنه يف َ‬
‫ٍ‬ ‫ني‪ ،‬ومع أنه يف ِ‬
‫غاية ال َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫خملوق‬ ‫ص؛ فهو‬ ‫فإن له رغبات باطن ًة وظاهر ًة ال ُت َ ُ‬ ‫قر َّ‬ ‫املعنو ِّي َ‬ ‫أو‬
‫غم كل هذا‪ ،‬فإنه َيدُ بانتسابِه‬ ‫راق باستِ ٍ‬
‫مرار‪َ ..‬فر َ‬
‫الزوال ِ‬
‫والف ِ‬ ‫ِ‬ ‫سكني يتجرع آالم ص ِ‬
‫فعات‬ ‫َّ ُ َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِم‬
‫تمي إليه يف دفع‬ ‫بودية‪ ،‬مستنَدً ا قويا‪ ،‬ومرتك ًَزا عظيام َي ِ‬
‫باإليامن والع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫ِ‬
‫السلطان ذي‬ ‫إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪183‬‬

‫وتلبية رغباتِه وآمالِه‬


‫ِ‬ ‫لقضاء حاجاتِه‬ ‫ِ‬ ‫مداد َيست ُ‬
‫َغيث به‬ ‫أعدائه كاف ًة‪ ،‬وجيدُ فيه كذلك مدار استِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬
‫بمكانة منـزلتِه ِ‬‫ِ‬ ‫برشف انتِسابِه إليه‪ ،‬و َي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫كل إىل َس ِّي ِده و َي َ‬ ‫ب ٌّ‬ ‫ِ‬
‫لديه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫عتز‬ ‫فخ ُر‬ ‫كاف ًة‪ ،‬فكام َينتس ُ‬
‫ِ‬
‫الرحيم‬ ‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫القدير الذي ال ِناي َة ُلقدرتِه‪ ،‬وإىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باإليامن إىل‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫انتساب‬
‫َ‬ ‫كذلك َّ‬
‫فإن‬
‫والموت من‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األجل‬ ‫والشك ِ‬
‫ْران‪ُ ،‬يبدِّ ُل‬ ‫ِ‬
‫بالطاعة ُّ‬ ‫الواسعة‪ ،‬و ُدخو َله يف عبوديتِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫ذي‬
‫ُ‬
‫يكون هذا‬ ‫الباقي! فلكم أن تُقدِّ روا كم‬ ‫ـم ِ‬ ‫خص ٍة إىل العا َل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َذك ِ‬
‫اإلعدا ِم األبدي إىل ت ِ‬
‫ور َ‬ ‫مرور ُ‬ ‫رة‬ ‫ِّ‬
‫العبودية بني يدي ِ‬‫ِ‬ ‫تلذذا بح ِ‬
‫ومتنًّا باإليامن الذي َيدُ ه يف قلبه‪ ،‬وسعيدً ا‬ ‫سيده‪ُ ،‬‬ ‫َ ْ‬ ‫الوة‬ ‫اإلنسان ُم ِّ َ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليامن واإلسال ِم‪.‬‬ ‫شاكرا له نعم َة‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫الرحيم‬ ‫ِ‬
‫القدير‬ ‫فتخرا بس ِّي ِده‬‫بأنوار اإلسالم‪ ،‬وم ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬

‫للمسجونِني‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أقول كذلك‬ ‫ِ‬
‫الطلبة‪ُ ،‬‬ ‫ومث َلام ُ‬
‫قلت ذلك إلخواين‬
‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ف اهللَ وأطاعه سعيدٌ ولو كان في ِ‬
‫غياه ِ‬
‫قي‬‫ومن َغ َف َل عنه ونَس َيه َش ٌّ‬
‫جن‪َ ،‬‬ ‫ب ِّ‬ ‫َ‬ ‫إن َمن َع َر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صور مشي ٍ‬
‫نص َة‬‫ذات يو ٍم بوجه الظاملني وهو َيعتيل م َّ‬
‫مظلوم َ‬
‫ٌ‬ ‫دة‪ ..‬فلقد َص َخ‬ ‫ولو كان في ُق ٍ ُ َّ‬
‫اإلعدا ِم َف ِر ًحا َج ِذ ًل َ‬
‫وقال‪:‬‬
‫السعادة األبد َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إنَّني ال ِ‬
‫سجن الدنيا طلي ًقا إىل‬ ‫أنتهي إىل الفناء وال ُأعدَ ُم‪ ،‬بل ُأ َّ‬
‫سر ُح من‬
‫وعدَ ما‪ ،‬فأنا إذن قد‬ ‫املوت فنا ًء َ‬
‫َ‬ ‫األبدي لِ َما ت ََر َ‬
‫ون‬ ‫ِّ‬ ‫باإلعدا ِم‬
‫ْ‬ ‫ولكني أراكُم أنتم َمكو ًما عليكم‬
‫ِ‬
‫العني ُير ِّد ُد‪ :‬ال إله ّإل اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قرير‬
‫وحه وهو ُ‬ ‫ثأرت لنفس منكم‪َ ..‬فس َّلم ُر َ‬
‫ُ‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪184‬‬

‫توحيدي ٌة يف ِ‬
‫لفظ «هو»‬ ‫ِ‬ ‫نُكت ٌة‬
‫ْ ُ ْ َ َ‬
‫حان ُه‬ ‫بِاس ِم ِه سب‬

‫﴿ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﴾‬

‫دائم‬
‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته أبدً ا ً‬
‫ٍ‬
‫خيالية‪،‬‬ ‫سياحة فِكر َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫خالل‬ ‫شاهد ًة آني ًة‪-‬‬
‫دت ‪ُ -‬م َ‬
‫شاه ُ‬ ‫إخويت األعزا َء األوفيا َء‪ ..‬لقد َ‬
‫املادية فقط‪ ،‬نُكت ًة توحيدي ًة ظريف ًة تَو َّلدَ ت من‬
‫ُ‬ ‫حيث ِجهتُه‬‫اهلواء من ُ‬ ‫ِ‬ ‫طالعة ص ِ‬
‫حيفة‬ ‫ِ‬ ‫لدى ُم‬
‫َ‬
‫بيل‬ ‫أن َس َ‬
‫ورأيت فيها َّ‬ ‫ُ‬ ‫الـموجود يف ﴿ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ ويف ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لفظ «هو»‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫املحاالت‬ ‫ِ‬
‫والضاللة فيه من‬ ‫سبيل الشِّ ِك‬ ‫ِ‬
‫الوجوب‪ ،‬بينمـا ُ‬ ‫ويسيـر إىل حدِّ‬ ‫هل‬ ‫ِ‬
‫اإليمـان َس ٌ‬
‫ٌ‬
‫صار تلك النكت َة الظريف َة‬ ‫بإشارة يف منتهى االختِ ِ‬
‫ٍ‬ ‫الت إىل حدِّ االمتِناعِ‪َ ،‬س ُأب ِّيـن‬‫والـمعض ِ‬
‫ِ‬
‫الواسع َة الطويل َة‪:‬‬
‫املزه ِ‬
‫رة إن‬ ‫ِ‬
‫النباتات ِ‬ ‫مئات من‬ ‫استنبات ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تكون ِ‬
‫موض َع‬ ‫َ‬ ‫تراب‪ِ ،‬‬
‫يمك ُن أن‬ ‫إن َحفن ًة من ٍ‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُو ِض ْ‬
‫تكون يف تلك‬‫َ‬ ‫يلزم‪ :‬إما أن‬
‫واألسباب ُ‬ ‫الطبيعة‬ ‫عت فيها ُمتعاقب ًة‪ ،‬فإن ُأح َيل هذا ُ‬
‫األمر إىل‬
‫ذر ٍة من‬‫كل ّ‬ ‫أن َّ‬ ‫ِ‬
‫األزهار؛ أو َّ‬ ‫املعنوية‪ ،‬بل بع ِ‬
‫دد‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫مئات من املصان ِع املص َّغ ِ‬
‫رة‬ ‫الرتاب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫احل ِ‬
‫فنة من‬ ‫َ‬
‫بخصائ ِصها املتنوعةِ‬ ‫ِ‬ ‫املتنوعة وتركي َبها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫األزهار ِّ‬ ‫َعلم بنا َء تلك‬‫الرتاب ت ُ‬ ‫ذرات تلك احلفنة من‬
‫اإلله وقدرتِه!!‬ ‫مطلقة بام يشبِه ِعلم ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫علم ٌ‬
‫حميط وقدر ٌة‬ ‫ِ‬
‫وأجهزتا احليوية‪ ،‬أي هلا ٌ‬
‫ِ‬

‫جزء منه‪ ،‬من‬ ‫كل ٍ‬ ‫فل ِّ‬ ‫ِ‬


‫اإلهلية‪ِ ،‬‬ ‫األمر واإلرا َد ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫روش‬ ‫رش من ُع‬ ‫وكذلك اهلوا ُء الذي هو َع ٌ‬
‫ئيل عندما ي ِ‬
‫نط ُق كلم َة‬ ‫الض ِ‬ ‫ِ‬ ‫زء من َن َف ِ‬ ‫املوجود يف ج ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن ٍ‬
‫َ‬ ‫اإلنسان َ‬ ‫س‬ ‫ُ‬ ‫للهواء‬ ‫وريح‪ ،‬بل حتى‬ ‫َسيم‬
‫وظائف ال تعدُّ وال ُت َص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫«هو»‬
‫ِ‬
‫واألسباب‪ :‬فإ ّما أنه (أي اهلوا ُء)‬ ‫ِ‬
‫واملصادفة‬ ‫ِ‬
‫الطبيعة‬ ‫الوظائف إىل‬
‫ُ‬ ‫دت هذه‬ ‫فلو ُأسنِ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بمقياس مص َّغ ٍر ِ‬
‫ومكاملات يف‬ ‫أصوات‬ ‫واستقبال جلميع ما يف العا َل ِ‬
‫ـم من‬ ‫مراك َز ٍّ‬
‫بث‬ ‫ٍ ُ‬ ‫َي ُ‬
‫مل‬
‫ثات‪ ،‬وأن‬ ‫األصوات للكال ِم واملحاد ِ‬
‫ِ‬ ‫واهلاتف واملِذيا ِع مع ما ال ُيدُّ من أنوا ِع‬
‫ِ‬ ‫الت ِِّل ِ‬
‫غراف‬
‫َ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪185‬‬

‫الجز َء‬ ‫واحد؛ أو َّ‬ ‫ٍ‬ ‫جميـعها يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكون له القدر ُة عىل القيا ِم بتلك‬ ‫َ‬
‫أن ذلك ُ‬ ‫وقت‬ ‫الـوظـائف‬
‫شخصيات‬ ‫وكل َذ َّر ٍة من ذراتِه‪ ،‬هلا‬ ‫أجزائه َّ‬ ‫ِ‬ ‫جزء من‬ ‫وكل ٍ‬ ‫كلمة «هو»‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجود يف‬ ‫ِ‬
‫اهلواء‬ ‫من‬
‫ٌ‬
‫عة ومجي ِع‬ ‫الربقيات املتنو ِ‬ ‫ِ‬ ‫باهلواتف ومجي ِع َمن ي ُب ُّث من‬ ‫ِ‬ ‫كل َمن يتَك َّل ُم‬ ‫دد ِّ‬ ‫وقابليات بع ِ‬ ‫ٌ‬
‫معنوية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ٌ َ‬
‫نفسه إىل‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫جاتم مجيعا‪ ،‬وتُع ِّل َمه يف‬ ‫ول ِ‬ ‫غاتم َ‬ ‫من يذيع كالما من املذاييعِ‪ ،‬وأن تَعلم ُل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وأن أجزا َء‬ ‫إن قسام من ذلك الوض ِع َمشهو ٌد أما َمنا‪َّ ،‬‬ ‫حيث َّ‬ ‫َنرشه وتَبث ُه؛ ُ‬ ‫خرى‪ ،‬وت َ‬ ‫الذرات األُ َ‬ ‫َّ‬
‫طريق الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُفر من املا ِّد ِّيني‬ ‫ـحال واحدٌ يف‬ ‫فليس هناك ُم ٌ‬ ‫اهلواء ك َّلها َتمل تلك القابلي َة‪ ..‬إذن َ‬
‫ِ‬
‫اهلواء‪.‬‬ ‫ات‬ ‫وإشكاالت بعدَ ِد ذر ِ‬ ‫الت‬ ‫واضح ٌة جلي ٌة وم ِ‬ ‫ـحاالت ِ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫عض ٌ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫الطبيع ِّيني بل ُم‬
‫ذراتِه جنديا ُمستعدًّ ا‬ ‫فإن اهلوا َء ُيصبِ ُح بجمي ِع َّ‬ ‫اجلليل‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫األمر إىل الصان ِع‬ ‫ُ‬ ‫ولكن إن ُأسنِدَ‬
‫خالقها‬ ‫عة التي ال تُـحدُّ ‪ ،‬بإذن ِ‬ ‫وظائفها الك ِّل ِية املتنو ِ‬ ‫ِ‬ ‫فعندئذ تقوم ذراتُه ِ‬
‫بأداء‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األوام ِر‪،‬‬ ‫لِتل ِّقي‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫الربق‪-‬‬ ‫عة ِ‬ ‫صانعها جتليا آنيا ‪-‬بس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قدرة‬ ‫َجل‬ ‫نادها إليه سبحانَه‪ ،‬وبت ِّ‬ ‫سابا واستِ ِ‬ ‫وبقوتِه‪ ،‬وبانتِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذرة واحدة َبوظيفة من وظائفها‪ ،‬وب ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ومتو ِج اهلواء فيها‪..‬‬ ‫رس تل ُّفظ كلمة «هو» ُّ‬ ‫وبسهولة قيا ِم َّ‬ ‫ُ‬
‫القدر ِة اإلهلية‪ِ،‬‬ ‫املنسقة البديعة التي ال ُت َص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لقلم ُ َ‬ ‫يكون الهوا ُء َصحيف ًة واسع ًة للكتابات َّ‬ ‫ُ‬ ‫أي‬
‫قلم ال َقدَ ِر‪ ،‬لذا‬ ‫قاط ِ‬ ‫الذرات كذلك نِ َ‬ ‫ِ‬ ‫وظائف‬
‫ُ‬ ‫ُصبح‬ ‫لم‪ ،‬وت ُ‬ ‫بدايات ذلك ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتكون ذراتُه‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫ذر ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كسهولة حركة َّ‬ ‫األمر سهال ُ‬ ‫يكون ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم‬‫كنت ُأشاهدُ عا َل َ‬ ‫اليقني عندما ُ‬ ‫كامل وب َعني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبتفصيل‬ ‫ضوح تا ٍّم‬ ‫ٍ‬ ‫أيت هذه احلقيق َة ُبو‬ ‫َر ُ‬
‫ِ‬ ‫طالع َص ِحيـفـتَه يف سيـاحتي‬ ‫ِ‬
‫الفـكرية وتأ ُّمـيل يف ﴿ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ و ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫اهلواء و ُأ ُ‬
‫للوحدانِ َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مت ِ‬
‫أن يف اهلواء املوجود يف لفظ «هو» ُبرهانًا ساط ًعا َ‬ ‫اليقني َّ‬‫ِ‬ ‫لم‬‫بع ِ‬ ‫وع ِل ُ‬ ‫ﭔ﴾ َ‬
‫القو ِة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وح ّج ًة توحيد َّي ًة يف غاية َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألحد َّية يف غاية النوران ّية ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن يف معناه ويف إشارته جتليا َ‬
‫ِ‬ ‫مثلام َّ‬
‫عندئذ ملاذا‬ ‫ٍ‬ ‫فت‬‫مري «هو» أي إىل َمن يعو ُد؟ ف َع َر ُ‬ ‫لض ِ‬ ‫مة َ‬ ‫قة املبه ِ‬ ‫اإلشارة املط َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫قرينة‬ ‫حيث فيها‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫التوحيد‪.‬‬ ‫كر هذه الكلم َة عندَ َمقا ِم‬ ‫الذ ِ‬‫وأهل ِّ‬ ‫القرآن الكريم ُ‬ ‫ُ‬ ‫كر ُر‬ ‫ُي ِّ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫جم ن ٍ‬
‫ُقطة‬ ‫بح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫يضع عد َة نقاط ‪-‬مثال‪ -‬عىل َورقة بيضا َء َ‬ ‫شخص أن َ‬ ‫ٌ‬ ‫نعم‪ ،‬لو أرا َد‬
‫َلط عليه‬ ‫ٍ‬
‫واحد الخت َ‬ ‫بوظائف عدّ ٍة يف ٍ‬
‫آن‬ ‫َ‬ ‫القيام‬ ‫شك ًل؛ ولو ُط ِلب من ٍ‬
‫أحد‬ ‫لكان األمر م ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫كلامت كثري ٌة يف‬
‫ٌ‬ ‫صغري أعبا ًء ثقيل ًة‪ ،‬فإنَّه َي َ‬
‫رز ُح حتتَها؛ ولو َخ َ‬
‫رج ْت‬ ‫ٌ‬ ‫ـم َل ٌ‬
‫كائن‬ ‫األمر؛ ولو ُح ِّ‬
‫ُ‬
‫األذن معا س ِ‬
‫يختل ُط‬ ‫َ‬ ‫الفم ودخ َل ِ‬ ‫ٍ‬
‫َبعثر‪..‬‬
‫النظام ويت ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫وقت واحد من ِ َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪186‬‬
‫ِ‬
‫وبمثابة‬ ‫فتاحا‬ ‫ِ‬ ‫اللة ِ‬ ‫اليقني‪ ،‬وبدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫دت ِ‬
‫أصبح م ً‬ ‫َ‬ ‫لفظ «هو» هذا الذي‬ ‫بعني‬ ‫شاه ُ‬ ‫ولكني َ‬
‫توضع ‪-‬أو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُوضع‪-‬‬ ‫َ‬ ‫يمك ُن أن ت‬ ‫وحرو ًفا وكلمات َ ُ‬ ‫أن نقا ًطا خمتلف ًة تعدُّ باأللوف ُ‬ ‫بوصلة‪ّ ،‬‬
‫عاتق‬ ‫توضع ك ُّلها عىل ِ‬ ‫يمكن أن‬ ‫أسيح فيه فِكرا بل ِ‬ ‫اهلواء الذي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أجزاء‬ ‫جزء من‬ ‫كل ٍ‬ ‫عىل ِّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الذرةَ‬ ‫أن تلك َّ‬ ‫النظام‪ ،‬علام َّ‬ ‫الط أو تشاب ٌك أو ِ‬
‫ينفس َخ‬ ‫ث اختِ ٌ‬ ‫دون أن حيدُ َ‬ ‫واحدة من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ذر ٍة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وحتمل أثقاال‬ ‫ُ‬ ‫لتبس عليها يش ٌء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أخرى كثري ًة جدا يف الوقت نفسه‪ ،‬فال َي ُ‬ ‫بوظائف َ‬
‫َ‬ ‫تقوم‬
‫ُ‬
‫وظائفها املتنو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عة‬ ‫ِّ‬ ‫تكاسال‪ ،‬فال نراها قاصر ًة عن أداء‬ ‫هائل ًة جدا من دون أن تُبدي ضع ًفا أو ُ‬
‫أنامط‬‫ٍ‬ ‫الكلامت املخت ِ‬
‫َلفة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلوف من‬ ‫ألوف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الذرات‬ ‫واحتفاظها بالنظا ِم؛ إذ ت َِر ُد إىل تلك‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫وترج منها أيضا يف ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫اختالط أو‬ ‫غاية النظام مث َلام َد َخ َلت‪ ،‬دون‬ ‫ُمتلفة وأصوات خمتلفة‪ُ ُ َ ،‬‬
‫متل ُك آذانا صاغي ًة صغري ًة‬ ‫ِ‬
‫الذرات ِ‬ ‫فكأن تلك‬ ‫َّ‬ ‫األخرى؛‬ ‫ُفسدَ إحداها‬ ‫امتزاج ودون أن ت ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫وت ُر ُج من ألسنتِها‬ ‫اآلذان َ‬ ‫َ‬ ‫تلك‬ ‫الكلامت َ‬ ‫ُ‬ ‫تدخ ُل تلك‬ ‫ُناس ُبها َف ُ‬ ‫وألسن ًة دقيق ًة ت ِ‬ ‫عىل قدِّ ها‪ِ ،‬‬
‫َجو ُل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ذر ٍة‬ ‫فإن َّ‬ ‫العجيبة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فمع ِّ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬وكل جزء من اهلواء‪ -‬تت َّ‬ ‫كل ّ‬ ‫األمور‬ ‫كل هذه‬ ‫الصغرية تلك‪َ ..‬‬
‫والو ْج ِد قائل ًة‪  ﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾‬ ‫اجلذب َ‬ ‫ِ‬ ‫احلال ويف ن َْش َو ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫ـة ذاكر ًة خال َقها‬ ‫بحرية تام ٍ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫وشهادتِـها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الـمذكورة آنفا َ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫و ﴿ ﭑﭒﭓﭔ ﴾‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربق‪،‬‬ ‫ويتلم ُع الفضا ُء بِ َسن َا‬ ‫َّ‬ ‫الرعد‪،‬‬ ‫أه ِاز ُ‬
‫يج‬ ‫ُدوي َ‬ ‫ف القو ّي ُة وت ِّ‬ ‫العواص ُ‬ ‫ث‬ ‫وحينام َتدُ ُ‬
‫َفقدُ نظامها‪ ،‬وال تتع ّثـر يف ِ‬
‫أداء‬ ‫الذرات ال ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن‬‫مة؛ َب ْيدَ َّ‬ ‫متالط ٍ‬
‫ِ‬ ‫أمواج َض ٍ‬
‫خمة‬ ‫ٍ‬ ‫َحو ُل اهلوا ُء إىل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫يت ّ‬
‫اليقني‪ ،‬إذن‪ ،‬فإ ّما‬ ‫ِ‬ ‫دت هذه احلقيق َة بعني‬ ‫شاه ُ‬ ‫غل عن ُش ٍ‬ ‫وظائفها‪ ،‬فال َيمن ُعها ُش ٌ‬ ‫ِ‬
‫غل‪ ..‬هكذا َ‬
‫ٍ‬
‫مطلقة‬ ‫ٍ‬
‫وإرادة‬ ‫وحكمة مط َل ٍ‬
‫قة‬ ‫ٍ‬ ‫علم ُم ٍ‬
‫طلق‬ ‫صاحب َة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اهلواء‪-‬‬‫ِ‬ ‫جزء من‬ ‫‪-‬وكل ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ذر ٍة‬ ‫تكون ُّ‬‫َ‬
‫ُ‬ ‫كل ّ‬ ‫أن‬
‫بأداء هذه‬ ‫الذرات‪ ..‬كي تتَمكّن من القيام ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاملة عىل مجيع‬ ‫ٍ‬ ‫قة وه ٍ‬
‫يمنة‬ ‫مطلقة وقدر ٍة مط َل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقو ٍة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ‬
‫وباطل بطالنًا‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االت يف حماالت ب َعدد الذرات‬ ‫ٍ‬ ‫إل ُم ٌ‬ ‫جهها‪ ..‬وما هذا ّ‬ ‫ِ‬
‫املتنوعة عىل َو ِ‬ ‫ِ‬
‫الوظائف ِّ‬
‫يطان كان‪..‬‬ ‫مطل ًقا‪ ،‬بل حتى ال يذكره أي َش ٍ‬
‫ُ ُّ‬ ‫ُ‬
‫أن َصحيف َة‬ ‫ِ‬
‫اليقني‪َّ -‬‬ ‫لم‬ ‫وع ِ‬ ‫اليقني ِ‬
‫ني ِ‬ ‫وع ِ‬‫اليقني َ‬‫ِ‬ ‫بحق‬ ‫تقتض ‪-‬بل هو ِّ‬ ‫فإن البداه َة ِ‬ ‫لذا َّ‬
‫درتِه‬ ‫ِ‬ ‫بع ِ‬ ‫الخالق فيها ِ‬ ‫اهلواء هذه إنام هي َص ِح ٌ‬ ‫ِ‬
‫لم ُق َ‬ ‫املطلق ما يشا ُء ب َق ِ‬ ‫لمه‬ ‫ُ‬ ‫يكتب‬
‫ُ‬ ‫يفة ُمتبدِّ ٌلة‬
‫ـر والتَّبدُّ ِل‬ ‫ٍ‬ ‫وح ِة َم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عالِ التغ ُّي ِ‬
‫وإثبات يف َ‬ ‫حو‬ ‫بمثابة َل َ‬ ‫و َقدَ ِره الذي ُي ِّركُه بحكمته املطلقة‪ ،‬وهي َ‬
‫وح املح ُف ِ‬
‫وظ‪.‬‬ ‫رة يف ال َّل ِ‬ ‫ون المس َّط ِ‬ ‫للشؤ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫� �� �‬ ‫� � �� �� � � � ‬
‫� ��������� ��� ����������� ‪�� ��� ���� ���������� � -‬‬
‫‪187‬‬
‫ِ‬ ‫األمور الع ِ‬ ‫ِ‬
‫املذكورة آن ًفا‪ ،‬وذلك‬ ‫جيبة‬ ‫ِ َ‬ ‫حدانية هبذه‬ ‫الو‬
‫جتل َ‬ ‫أن اهلوا َء َيدُ ُّل عىل ِّ‬ ‫فكام َّ‬
‫نفسه بيانا‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫بي يف‬ ‫ِ‬ ‫ظائفه وهي ن ُ‬ ‫واحدة من و ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وظ ٍ‬ ‫أداء ِ‬ ‫لدى ِ‬
‫األصوات‪ ،‬و ُي ّ ُ‬ ‫َقل‬ ‫َ‬ ‫يفة‬
‫ِ‬
‫األمهية‬ ‫ِ‬
‫غاية‬ ‫بوظائف يف‬ ‫َ‬ ‫يقوم‬ ‫الضاللة التي ال ُت َص‪ ،‬كذلك فهو‬ ‫ِ‬ ‫االت‬ ‫واضحا ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مثل‬ ‫طيفة ِ‬‫َقل املواد ال َّل ِ‬ ‫باس كن ِ‬ ‫أو ا ْلتِ ٍ‬ ‫اختالط أو تَشا ُب ٍك ِ‬ ‫ٍ‬ ‫غاية النظا ِم ومن دون‬ ‫ِ‬ ‫ويف‬
‫ِّ‬
‫النباتات‬‫ِ‬ ‫داخ ِل‬ ‫دخل إىل م ِ‬ ‫نفسه َي ُ‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫والضوء‪ ..‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫واجلاذب َّي ِة والدافِ َع ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكهرباء‬
‫َ‬
‫َقل‬ ‫قوم بن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحليوانات بالتن ُّف ِ‬
‫الوقت عينه َي ُ‬ ‫همـاته احلياتية بإتْقان‪ ،‬ويف َ‬ ‫س ُمؤ ِّد ًيا هناك ُم َّ‬
‫األساس َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوظائف‬ ‫أمثال هذه‬ ‫ِ‬ ‫النباتات‪ -‬وهكذا‬ ‫ِ‬ ‫وظيفة ت ِ‬
‫َلقيح‬ ‫ِ‬ ‫قاح ‪-‬أي‬ ‫حبوب ال ِّل ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة‪ ،‬و ُيثبِ ُت أيضا‬ ‫ِ‬ ‫اهلل وإرادتِه‬ ‫مر ِ‬ ‫عرش ِل ِ‬ ‫أن اهلوا َء ٌ‬ ‫احلياة؛ ِمّا ُيثبِ ُت يقينًا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلدامة‬
‫ِ‬
‫التائهة‬ ‫ِ‬
‫السائبة‬ ‫ِ‬
‫واألسباب‬ ‫املصادفة الع ِ‬
‫شواء‬ ‫ِ‬ ‫مال قط ًعا لتَدَ ُّخ ِل‬ ‫أن ال احتِ َ‬ ‫اليقني ْ‬ ‫بعني ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ـة ويف أداءِ‬ ‫اهلوائي ِ‬ ‫ِ‬ ‫البديعة هلذه الص ِ‬
‫حيفة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتابة‬ ‫اجلاه ِ‬
‫لة يف‬ ‫ِ‬ ‫اجلام ِ‬
‫دة‬ ‫ِ‬ ‫العاج ِ‬
‫زة‬ ‫ِ‬ ‫واملوا ِّد‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وكل ٍ‬
‫جزء‬ ‫كل َذ ّر ٍة َّ‬ ‫أن َّ‬ ‫فت َّ‬ ‫ِ‬ ‫الدقيقة‪ ..‬فاقتَن ْع ُت هبذا َقناع ًة تا ّم ًة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وع َر ُ‬ ‫اليقني َ‬ ‫بعني‬ ‫وظائفها‬
‫حالا‪  ﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ و ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ ‪.‬‬ ‫بلسان ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلواء ُ‬
‫تقول‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫اهلواء هبذا املِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دت هذه األمور ِ‬
‫مفتاح‬
‫َ‬ ‫فتاح‪( ،‬أعني‬ ‫املادية من‬ ‫اجلهة‬ ‫العجيب َة يف‬ ‫َ‬ ‫شاه ُ‬ ‫ومث َلام َ‬
‫وعال املعنَى؛ إذ قد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املثال‬ ‫فتاحا َ‬
‫لعال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫«هو») ف ُعنرص اهلواء ُبر َّمتِه‬
‫أصبح أيضا كلفظ «هو» م ً‬ ‫َ‬
‫وادث‬ ‫َلتق ُط صورا ال تعدُّ وال ُتص للح ِ‬ ‫ظيمة جدًّ ا ت ِ‬‫تصوير َع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املثال ِ‬
‫كآلة‬ ‫ِ‬ ‫أن َ‬
‫عال‬ ‫مت َّ‬ ‫َع ِل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫يض ُّم‬ ‫َ‬
‫العال ُ ُ‬ ‫التباس حتى َغد َا هذا‬ ‫ٍ‬ ‫الط وال‬ ‫واحد بال اختِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َلتق ُطها يف ٍ‬
‫آن‬ ‫اجلارية يف الدنيا‪ ،‬ت ِ‬‫ِ‬
‫حاالت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألوف الدُ نى ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فانية‬ ‫أوضاع‬
‫َ‬ ‫َعر ُض‬ ‫ألوف‬
‫َ‬ ‫خروي ًة ت ََس ُع‬ ‫َمشاهدَ عظيم ًة وواسع ًة ُأ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودات ٍ‬
‫فانية وت ِ‬ ‫ملوج ٍ‬
‫أصحاب‬ ‫ُعر ُض أما َم‬ ‫ثامر حياتا العابرة يف َمشاهدَ و َلوحات خالدة ت َ‬ ‫ُظه ُر َ‬ ‫ُ‬
‫وذكرياتم اجلميلةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحوادث الدنيا‬ ‫إياهم َ‬‫س َمد َّية ُمذكِّر ًة ُ‬ ‫اجلنة والسعادة األَبد َّية يف َمعار َض َ ْ‬
‫ِ‬
‫املاضية فيها‪.‬‬
‫ِ‬
‫املثال ون َُمو َذ ُجها املص َّغ ُر هو ما‬ ‫ـم‬ ‫ِ‬
‫املحفوظ وعا َل ِ‬ ‫وح‬ ‫القاطعة عىل و ِ‬
‫جود ال َّل ِ‬ ‫ُ‬ ‫فالـح َّج ُة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الن حجم حبةٍ‬ ‫يال‪ ،‬فمع أنام ال تَش َغ ِ‬ ‫ِ‬
‫قوة َخ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يف َر ِ‬
‫َ َ َّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫أس اإلنسان من ُق ّوة حافظة وما َيمل ُك من ّ‬
‫باس ويف انتِظام ِ‬ ‫اختالط وال التِ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫بوظائفهام عىل أتم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إل أنام ُتق ِ‬ ‫ٍ‬
‫كامل‬ ‫وجه بال‬ ‫ِّ‬ ‫ومان‬ ‫من َخ ْردل ّ ّ ُ‬
‫والو ِ‬
‫ثائق‪ ..‬مما ُيثبِ ُت لنا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫بمكتبة َضخمة جدا من املعلومات َ‬ ‫كأنام َيتفظان َ‬ ‫وإتقان تا ٍّم‪ ،‬حتى َّ‬
‫ـم ِ‬
‫املثال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املحفوظ وعا َل ِ‬ ‫وح‬ ‫َني نَمو َذ ِ‬
‫جان ل َّل ِ‬ ‫أن تَينِ َك ُ‬
‫الق َّوت ِ‬ ‫َّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪188‬‬
‫ُّطف‪ ،‬وال َّل ِ‬
‫ذان‬ ‫سائل الن ِ‬ ‫أن اهلوا َء واملا َء وال س ّيام ُ‬ ‫ِ‬
‫القاطع َّ‬ ‫ِ‬
‫اليقني‬ ‫وهكذا لقد ُع ِلم ِ‬
‫بع ِ‬
‫لم‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واسعتان‬ ‫البحث‪ -‬صحي َف ِ‬
‫تان‬ ‫ِ‬ ‫اللة عىل اهلل ‪-‬الذي أوردنا ُه يف ُمست ِّ‬
‫َهل‬ ‫وقان التراب يف الدَّ ِ‬ ‫ي ُف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يان فيهام اإلراد َة وق َل َم ال َقدَ ِر‬ ‫وي ِر ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلكمة كتاب ًة حكيم ًة بليغ ًة‪ُ ،‬‬ ‫لم ال َقدَ ِر‬
‫ُب فيهام َق ُ‬ ‫َيكت ُ‬
‫ِ‬
‫واألسباب‬ ‫ِ‬
‫الص ّمـاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫داخل َة املصاد ِ‬ ‫وأن ُم َ‬ ‫در ِة؛ َّ‬ ‫ُ‬
‫والقوة ال َعمياء والطبيعة َّ‬ ‫ّ‬ ‫فة ال َعشواء‬ ‫َ‬ ‫والق َ‬
‫وغري ُم ِك ٍن قط ًعا‪.‬‬
‫ُ‬
‫احلكيمة ُم ٌال يف ِم ِئة ُم ٍ‬
‫ال‬ ‫ِ‬ ‫الك ِ‬
‫تابة‬ ‫اجلامدة يف تلك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التائهة‬
‫ُ ِ ٍ‬
‫ألف ألف َتية َ‬
‫وسال ٍم إىل اجلميعِ‪.‬‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا �� ا �� �ة � ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� لرب�ع� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ (هود‪)1:‬‬

‫فس ِره‬
‫ولم ِّ‬ ‫ِ‬
‫احلكيم‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫للقرآن‬ ‫السامية الرفي َع ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫سم من‬ ‫نظائر ِق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫نشري إىل‬
‫َس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للصعود إىل تلك‬ ‫لتكون بمثابة َدرجات ُس َّل ٍم ُّ‬ ‫َ‬ ‫الشيف‪ ،‬وذلك‬ ‫احلقيقي احلديث َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫ِ‬
‫خامتة‬ ‫ِ‬
‫واالنقيا ُد‪ ،‬ويف‬ ‫التسليم‬ ‫القلوب التي َي ُنق ُصها‬ ‫ف‬‫ُسع َ‬ ‫احلقائق‪ ،‬لكي ت ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العناية‬ ‫وس ٌّر من أرسار‬ ‫ربة ِ‬ ‫للع ِ‬
‫سيبين درس ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ َّ‬
‫ِ‬
‫اجلليلة؛‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫سب من تلك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َكتفي هنا ِبذ ِ‬ ‫ون ِ‬
‫فح ُ‬ ‫مسائل َ‬ ‫خلمس‬ ‫نماذج‬
‫َ‬ ‫كر‬
‫ِ‬
‫العارشة» وال‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة‬ ‫احلرش والقيام َة قد ُذ ِك َرت يف‬ ‫ختص‬ ‫حيث َّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫النظائر التي ُّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫داعي للتكرار‪.‬‬ ‫عة» منها وال‬ ‫التاس ِ‬
‫«احلقيقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫س ّيام يف‬
‫َ‬

‫﴿ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﴾ (األعراف‪)54:‬‬ ‫ ◆ ُأولاها‪ً :‬‬


‫مثل قو ُله تعاىل‪:‬‬
‫يشان ِس ّت َة أيا ٍم من‬
‫احليوان ي ِع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان وعا َل َم‬ ‫ِ‬ ‫أن دنيا‬ ‫يـر إىل ّ‬ ‫ُ ِ‬
‫الكريمة تُش ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫هذه‬
‫ِ‬ ‫كخ ِ‬ ‫كألف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫القرآني ِة التي هي َزمن ِ‬
‫مديدٌ و َل ُر َّبام هو‬
‫فألجل‬ ‫ألف سنة‪..‬‬ ‫مسني َ‬ ‫سنة أو َ‬ ‫ٌ‬ ‫األيا ِم ُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألنظار ما َي ُلقه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اال ْط ِم ِ‬
‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫الفاط ُر‬ ‫السامية ُنبيِّ‬ ‫القلبي واالقتنا ِع التا ِّم هبذه احلقيقة َّ‬
‫ِّ‬ ‫ئنان‬
‫رص‪ ،‬الذي‬ ‫كل َع ٍ‬ ‫سنة‪ ،‬يف ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫كل يو ٍم‪ ،‬يف ِّ‬ ‫ٍ‬
‫عابرة‪ ،‬يف ِّ‬ ‫وكائنات سي ٍ‬
‫ارة و ُدنًى‬ ‫ٍ‬ ‫وال سي ٍ‬
‫الة‬ ‫ِ‬
‫َ ّ‬ ‫من َع َ ّ‬
‫بحكم يو ٍم ِ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هو‬
‫ِ‬
‫اجلليل َّ‬ ‫ِ‬
‫الفاط ِر‬ ‫ـم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يوف عابِر ٌة أيضا‬
‫كل‬ ‫بأمر‬ ‫كالناس‪ ،‬ف َيمتل ُئ العا َل ُ‬ ‫َح ّقا‪َّ ،‬‬
‫كأن الدُّ نى ُض ٌ‬
‫خل‪.‬‬ ‫م ِ‬
‫وس ٍم و ُي َ‬ ‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪190‬‬

‫(األنعام‪)59:‬‬ ‫ ◆ثانيتُها‪ً :‬‬


‫مثل قو ُله تعاىل ﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﴾‬
‫﴿ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ (يس‪ ﴿ )12:‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ُ‬
‫وأمثالا‬ ‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ (سبأ‪)3:‬‬
‫قبل و ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكريمة التي ت ُِفيدُ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جودها‪،‬‬ ‫أن األشيا َء َجمي َعها وبأحوالا ك ِّلها‪ ،‬مكتوب ٌة َ ُ‬ ‫اآليات‬ ‫من‬
‫القلب‬ ‫األنظار ما يأيت ل َي ِص َل‬
‫ِ‬ ‫ذهابا من الو ِ‬
‫جود‪ ،‬نُب ِّين أما َم‬ ‫ِ‬ ‫جودها‪ ،‬وبعدَ‬ ‫وتُكتَب بعدَ و ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ئنان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫االطم ِ‬ ‫إىل‬
‫ِ‬ ‫درج فهارس و ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫جود ما ال ُيدُّ من‬ ‫َ ُ‬ ‫اجلليل ُسبحانَه ُي ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫املصو َر‬
‫ِّ‬ ‫إن ِ‬
‫البار َئ‬ ‫َّ‬
‫معنو ّيا ُمافِظا عليها يف ُب ِ‬
‫ذور‬ ‫ِ‬ ‫إدراجا‬
‫ً‬ ‫درجها‬ ‫ِ‬
‫ساتري أعاملا‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حياتا و َد‬ ‫ِ‬
‫وتواريخ‬ ‫املنس ِ‬
‫قة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َُوى وأصول تلك املخلوقات التي ُيبدِّهلا يف كل َموس ٍم‪ ،‬عىل صحيفة األرض كا ّف ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫درجها بقلم ال َقدَ ِر ِ‬
‫زوال‬ ‫نفسه َد ْرجا َمعنَو ًّيا ‪-‬بعد‬ ‫والس ّيام يف الربيعِ‪ ..‬كام أنّه ُسبحانَه ُي ِ ُ‬
‫كل ما هو‬ ‫ُب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪ -‬يف َثم ِ‬
‫ذيراتا الدقيقة‪ ،‬حتى إنه ُسبحانَه َيكت ُ‬ ‫راتا ويف ُب‬ ‫َ‬ ‫تلك‬
‫املحدودة الصلب ِة كتاب ًة يف ِ‬
‫غاية‬ ‫ِ‬ ‫السابق يف ُب ِ‬
‫ذورها‬ ‫ِ‬ ‫لوقات الربي ِع‬‫ِ‬ ‫طب ويابِ ٌس من َم‬
‫َّ َ‬ ‫َر ٌ‬
‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫نتهى االنتِظا ِم‪ ،‬حتى‬ ‫اإلتقان ُ ِ‬
‫ِ‬
‫نتهى‬ ‫بمثابة َزهرة واحدة يف ُم َ‬ ‫الربيع َ‬
‫َ‬ ‫لكأن‬ ‫وياف ُظ عليها يف ُم َ‬
‫األرض ثم ت ِ‬
‫َقط ُفها منها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هامة‬ ‫ِ‬
‫اجلليل عىل‬ ‫ِ‬
‫اجلميل‬ ‫التناس ِق واإلبداعِ‪ ،‬تَض ُعها يدُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ضاللة! وهي‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ب أن َي ِض َّل‬ ‫أليس من ال َع َج ِ‬ ‫ُ‬ ‫و َلـمـا ِ‬
‫أع َج َ‬ ‫اإلنسان ْ‬ ‫احلقيقة هي هذه؛ َ‬ ‫كانت‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسم الطبيعة عىل هذه الكتابة الفطر ّية‪ ،‬وهذه الصورة البديعة‪ ،‬وهذا المس َط ِر ُ‬
‫الـمن َفعل‬ ‫إطال ُقه َ‬
‫املحفوظ الذي هو َص ُ‬
‫حيفة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللوح‬ ‫ِ‬
‫جتليات ما ُس ِّط َر يف‬ ‫كاس لت ٍّ‬
‫َجل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للحكمة‪ ،‬والتي هي انع ٌ‬
‫ِ‬ ‫ب أن ي ِ‬ ‫قلم ال َقدَ ِر‬
‫ومصدر ٌ‬
‫فاعل؟!‬ ‫ٌ‬ ‫بالطبيعة أنَّها مؤ ِّثر ٌة‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫عتقدَ‬ ‫اإلهلي! أليس من ال َع َج ِ َ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الغفلة؟ أين ال َّثرى من ال ُّثر ّيا؟‬ ‫اجللية مما َيظنُّه ُ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة‬ ‫أين‬

‫ِ‬
‫العرش‪،‬‬ ‫مل‬‫بح ِ‬
‫الموكَّلني َ‬ ‫صو َر ‪-‬مثال‪ -‬املالئك َة ُ‬
‫ِ‬
‫إن املخبِ َـر الصاد َق ﷺ قد ّ‬ ‫ ◆ثالثتُها‪َّ :‬‬
‫ٍ‬
‫رأس‪ ،‬يف ِّ‬
‫كل‬ ‫لم َلك أربعني َ‬
‫ألف‬ ‫آخ ِرين‪ِ ّ ،‬‬ ‫والساموات‪ ،‬أو م ِ‬
‫الئك ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حمل َة‬
‫بأن ل َ‬ ‫َ‬ ‫األرض‬ ‫وكذا َ‬
‫ِ‬
‫يحات‪ )1(.‬هذه‬ ‫ألف نَو ٍع من أنواع التَّسبِ‬ ‫ٍ‬
‫لسان ُيس ِّب ُح بأربعني َ‬ ‫ٍ‬
‫لسان‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫ألف‬
‫رأس أرب ُعون َ‬ ‫ٍ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الطربي‪ ،‬جامع البيان ‪156/15‬؛ أبو الشيخ‪ ،‬العظمة ‪868/3 ،747 ،742 ،740 ،547/2‬؛ ابن كثري‪ ،‬تفسري‬
‫القرآن ‪62/3‬؛ ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪402/8‬؛ املناوي‪ ،‬فيض القدير ‪.82/2‬‬
‫� �� � � � � � � �‬
‫‪191‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫وش ِ‬
‫مولا‬ ‫الع ِ‬
‫بادة و ُك ِّل َّيتها ُ‬ ‫عن انتِظا ِم ِ‬ ‫ِ‬
‫الرشيفة تُع ِّب ُـر ِ‬ ‫األحاد ِ‬
‫يث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمثال هذه‬ ‫احلقيقة الرفِ ُ‬
‫يعة يف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اآليات الكريم َة‬ ‫ِ‬
‫الشهود‬ ‫احلقيقة الس ِ‬
‫امية نُب ِّي ُن أما َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصعود إىل هذه‬ ‫ِ‬
‫فألجل‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‪،‬‬ ‫لدى‬
‫َّ‬
‫وندعو إىل التد ُّب ِر فيها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫التالي َة‬

‫﴿‪ ‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ (اإلرساء‪ ﴿ )44:‬ﭞﭟﭠﭡﭢ‬


‫ﭣﭤ﴾ (ص‪﴿ )18:‬ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ﴾ (األحزاب‪)72:‬‬

‫وشموال‬ ‫ِ‬
‫املوجودات وأك َث ِرها َسع ًة ُ‬ ‫ألضخ ِم‬
‫َ‬ ‫ُصر ُح ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وأمثالا من اآليات اجلليلة التي ت ِّ‬
‫عة‬ ‫ِ‬
‫الشاس ُ‬ ‫السماوات‬ ‫شاهدٌ ؛ إذ‬ ‫نسجام مع عظمتِه و ُك ِّليتِه‪،‬‬ ‫خاصا م ِ‬
‫ُ‬ ‫واضح و ُم َ‬
‫ٌ‬ ‫واألمر‬
‫ُ‬ ‫َسبيحا ًّ ُ‬
‫ت ً‬
‫األرض الطائر َة‬
‫َ‬ ‫والنجوم‪ ،‬كام َّ‬
‫أن‬ ‫واألقامر‬ ‫الشموس‬ ‫وكلماتُها التَّسبِ ِ‬
‫يح َّي ُة هي‬ ‫حة هلل‪ِ ،‬‬
‫ُمس ِّب ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واألشجار‪.‬‬ ‫والنباتات‬ ‫احليوانات‬ ‫التحم ِ‬
‫يد ّي ُة هي‬ ‫ِ‬ ‫حامد ٌة هلل‪ ،‬وألفا ُظها‬ ‫السامء مسبح ٌة ِ‬‫ِ‬ ‫جو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫يف ِّ‬
‫ِ‬
‫لألرض‬ ‫أن‬‫اخلاص ُة به‪ ،‬مثلام َّ‬ ‫ِ‬
‫اجلزئ ُية‬ ‫نجم‪ ،‬تسبيحاتُه‬ ‫ولكل ٍ‬‫ِّ‬ ‫كل َش ٍ‬
‫جرة‬ ‫أن لِ ِّ‬
‫بمعنى َّ‬
‫َّ‬
‫وق ٍ‬‫جزء ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫تسبيحات ِّ‬ ‫اخلاص َة هبا؛ فهي تَسبِ‬ ‫بِ ُر َّمتِها تسبيحاتِها‬
‫طعة منها‬ ‫يحات كل ّي ٌة ُ‬
‫تض ُّم‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫بأجزائها و ُك ِّل َّيتِها كذلك‬
‫ِ‬ ‫أن لألرض تَسبِيحاتِها‬ ‫وكل َب ٍ‬
‫حر و َب ٍّر فيها؛ فكام َّ‬ ‫ٍ‬
‫وجبل ِّ‬ ‫كل ٍ‬
‫واد‬ ‫بل ِّ‬
‫ُ‬
‫الكلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واألفالك تَسبيحاتُها‬ ‫ِ‬
‫واألبراج‬ ‫ِ‬
‫للسماوات‬

‫الش َّك‬ ‫أس‪َ ،‬‬ ‫لكل َر ٍ‬ ‫ِ‬


‫األلسنة ِّ‬ ‫ِ‬
‫األلوف من‬ ‫ئات‬ ‫الرؤوس‪ِ ،‬‬
‫وم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ألوف‬ ‫ُ‬ ‫األرض التي هلا‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫رات حتميداتِه التي‬ ‫لسان وثم ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫تسبيحات ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫أزاهير‬
‫َ‬
‫ناس ُبها‪ُ ،‬ي ِ‬
‫رتجم‬ ‫أن هلا م َلكا موكَّال هبا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ّ َ‬
‫املثال‪ ،‬و ُيم ِّث ُلها‬ ‫ـم ِ‬ ‫رتجها و ُيب ِّينُها يف عا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫والتحميد‪ُ ،‬ي ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫التسبيح‬ ‫ط من ِ‬
‫أنامط‬ ‫ألف نَم ٍ‬ ‫تَربو عىل ِم ِئة ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جموعة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جماعة أو َم‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫أشياء متعدِّ د ٌة في‬ ‫األرواح‪ ..‬إذ لو َد َخ َلت‬ ‫ِ‬ ‫عل ُن عنها يف َ‬
‫عالِ‬ ‫وي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خص ّي ٌة‬ ‫ُون لها َش ِ‬ ‫خص ّي ٌة معنوي ٌة‪ ،‬وإذا ام َتز ََجت تلك المجموع ُة واتَّحدَ ت‪ ،‬تك ُ‬ ‫َّلت لها َش ِ‬ ‫لتَشك ْ‬
‫ِ‬
‫التسبيحية‪.‬‬ ‫المعنوية‪َ ،‬و َم َلك ُموكَّل ُيؤ ِّدي وظي َفتَها‬ ‫ِ‬ ‫وحها‬ ‫معنوي ٌة تُم ِّث ُلها‪ ،‬ونَوع من ر ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ّ‬
‫ِ‬ ‫شجر ُة الدُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فان ُظر مثال إىل هذه‬
‫األغصان‬ ‫ذات‬
‫لب ُ‬ ‫الشجرة املنتصبة أما َم ُغرفتنا‪ ،‬وهي َ‬ ‫َ‬
‫املوجود يف َف ِم «بارال» أال تَرى كم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلبل‬ ‫ُ‬
‫لسان هذا‬ ‫الثالثة؛ فهي ُت ِّث ُل كلم ًة عظيم ًة ي ِ‬
‫نط ُق هبا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫رات‬ ‫مئات ثم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الثالثة‪ ،‬وكم من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشجرة‬ ‫رأس من ُر ُؤ ِ‬
‫وس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األغصان لك ُِّل‬ ‫ِ‬
‫ألسنة‬ ‫من ِم ِ‬
‫ئات‬
‫َ‬
‫كل‬ ‫ذيرات املجن ِ‬
‫َّحة يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫روف ال ُب‬ ‫لسان؟ وكم من مئات ح ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫مة يف ِّ‬ ‫ونة املنت َظ ِ‬ ‫املوز ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلامت ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم ٍ‬
‫أمر‬‫الم ْلك الذي له ُ‬ ‫الرؤوس واأللسنة ملالك ُ‬ ‫كل من تلك‬ ‫الثمرات؟ أال ُيس ِّب ُح ٌّ‬ ‫رة من‬ ‫َ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪192‬‬
‫ُشاهد تَسبيحاتِها‬ ‫ّك ت ِ‬ ‫ٍ‬
‫وبثناء ِبلي ٍغ ِ‬ ‫أل يسبح بكال ٍم ِ‬ ‫ُن َفيك ُ‬
‫واضح؛ حتى إن َ‬ ‫فص ٍ‬
‫يح‪،‬‬ ‫ُون»؟ َ ُ ِّ ُ‬ ‫«ك ْ‬
‫َسم ُعها؟!‬
‫وت َ‬
‫بألسنة متعدِّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الم َوك ُّل عليها أيضا ُيم ِّث ُل تلك‬
‫دة؛ بل‬ ‫ُ‬ ‫التسبيحات يف عامل املعنى‬ ‫فالم َلك ُ‬
‫َ‬
‫األمر هكذا!‬ ‫ُون ُ‬
‫ِ‬
‫كمة تَقتض أن يك َ‬ ‫احلِ ُ‬

‫ ◆رابعتُها مثال‪ :‬قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﴾ (يس‪)82:‬‬

‫(النحل‪ ﴿ )77:‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ (ق‪)16:‬‬ ‫﴿ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﴾‬


‫(املعارج‪)4:‬‬ ‫﴿ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ ﴾‬
‫أن اهلل سبحانه‬ ‫ِ‬
‫اآلتية وهي‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫السامية‬ ‫عن احلقيقة‬ ‫ِ‬
‫الكريمة التي تُع ِّب ُر ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ُ‬
‫وأمثال هذه‬
‫عال ٍة‬
‫مطلقة دون أ ّي ِة ُم َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رسعة‬ ‫بسهولة مط َل ٍ‬
‫قة يف‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫كل َش ٍء‪َ ،‬ي ُل ُق األشيا َء‬
‫القدير عىل ِّ‬
‫َ‬ ‫وتعاىل‪،‬‬
‫ِ‬
‫األمر‪.‬‬ ‫جر ِد‬
‫بم َّ‬
‫ُوجدُ ُ‬
‫أو م َ ٍ‬
‫باشة‪ ،‬حتى تَبدُ َو األشيا ُء كأنَّها ت َ‬ ‫ُ‬
‫بعيد ٌة عنه غاي َة الب ِ‬
‫عد؛‬ ‫املصنوعات ِ‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات‪ ،‬بينام‬ ‫قريب جدا إىل‬ ‫َ‬ ‫ثم ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اجلليل ٌ‬ ‫الصانع‬
‫َ‬ ‫إن ذلك‬
‫خارج إتقانِه!‬ ‫ِ‬
‫األشياء وأك َثرها جزئي ًة ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وخ ّس ًة‬ ‫ّ‬ ‫قر‬ ‫ثم إنّه سبحانَه مع كربيائه املط َل ِق‪ ،‬ال َيدَ ُع ْ‬
‫أح َ‬
‫هولة مط َل ٍ‬
‫قة‪،‬‬ ‫األكمل يف املوجودات وبس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جريان االنتِظام‬
‫ُ‬ ‫شهدُ هلا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫القرآنية َي َ‬ ‫احلقيقة‬ ‫هذه‬
‫الوظائف التي ق َّلدَ ها‬
‫َ‬ ‫املثل األعىل‪َّ -‬‬
‫إن‬ ‫سر ِحكمتِها‪ :‬فمثال ‪-‬وهلل ُ‬ ‫َ‬
‫التمثيل اآليت َب َّي َن َّ‬ ‫كام ّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫األسامء‬ ‫ِ‬
‫النور من‬ ‫للشمس التي تُـم ِّثل مرآ ًة كثيف ًة السم‬ ‫ِ‬ ‫اإلهلي‬ ‫والتسخير‬ ‫الرباين‬ ‫األمر‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫قريبة جدا من‬ ‫ٌ‬ ‫ورفعتِها‪،‬‬ ‫الشمس ِ‬
‫ِ‬ ‫هم؛ وذلك أنّه مع ُع ُل ِّو‬ ‫ُقر ُب هذه احلقيق َة إىل ال َف ِ‬ ‫احلسنَى ت ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والالم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غم من‬ ‫أقرب إىل ذوات تلك األشياء من أن ُفسها‪ ،‬وعىل َّ‬
‫الر ِ‬ ‫ُ‬ ‫عة‪ ،‬بل إهنا‬ ‫الشفافة‬ ‫املوا ِّد‬
‫بالتص ِف‬
‫َ ُّ‬
‫هات أخرى َش ٍ‬
‫بيهة‬ ‫َ‬
‫وبج ٍ‬‫وئها ِ‬ ‫وبض ِ‬
‫لواتا َ‬‫بج ِ‬ ‫عل األشيا َء تتأ َّث ُر هبا َ‬ ‫الشمس َت ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫َستطيع أن تُؤ ِّث َـر فيها قطعا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫نني‪ ،‬فال ت‬ ‫الس َ‬ ‫أن تلك املوا َّد الشفاف َة بعيد ٌة عنها بألوف ِّ‬ ‫إل ّ‬ ‫فيها‪ّ ،‬‬
‫مكنُها ا ِّدعا ُء القرب منها‪.‬‬ ‫بل ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫ذرة ش َّف ٍ‬
‫كل ٍ‬ ‫الشمس وما ُيشبِ ُه‬
‫ِ‬ ‫انعكاس ض ِ‬ ‫وكذا يفهم من ِ‬
‫افة َح َسب‬ ‫صورتا من ِّ‬ ‫َ‬ ‫وء‬ ‫ِ َ‬ ‫رؤية‬ ‫ُ َ ُ‬
‫أشعتُها؛ وكذا‬ ‫بلغت ِ‬
‫ْ‬ ‫حاض ٌة يف كل َذ ّر ٍة منها‪ ،‬وناظر ٌة أينَام‬
‫أن الشمس كأهنا ِ‬ ‫ونا‪ّ :‬‬‫َقابليتِها و َل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫النورانية هي‬ ‫بع َظم نُوران َّيتِها؛ ف َع ُ‬
‫ظمة‬ ‫أشعة الشمس وشمو َلها وإحا َطتها تزداد ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن ُن ُفو َذ‬
‫ّ‬
‫ُ‬
‫يستطيع يش ٌء مهام َص ُغ َر أن َيختَبِ َئ عنها‬ ‫ِ‬
‫الشاملة حتى ال‬ ‫كل َش ٍء ِ‬
‫داخ َل إحاطتِها‬ ‫تض ُّم َّ‬ ‫التي ُ‬
‫ُ‬
‫� �� � � � � � � �‬
‫‪193‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫َرمي إىل اخلارج حتى األشيا َء الصغري َة اجلزئي َة‪َ ،‬ب ِل‬ ‫كربيائها ال ت ِ‬
‫ِ‬ ‫إن عظم َة‬ ‫هر َب منها؛ أي ّ‬ ‫أو َي ُ‬
‫دائرة إحاطتِها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫ِ ِ‬
‫‪-‬برس النورانية‪ -‬ض َ‬ ‫ِّ‬ ‫تض ُّم مجي َعها‬ ‫يح أي أنَّها ُ‬ ‫ِ‬
‫العكس هو الصح ُ‬ ‫ُ‬
‫وات‪،‬‬ ‫وظائف وج َل ٍ‬ ‫فاعلة ُمتار ٌة فيام نا َل ْت من‬
‫ٌ‬ ‫الشمس ‪َ -‬ف ْر ًضا حماال‪ -‬أنّها‬ ‫فلو َف َر ْضنا‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫هولة ومنتهى الس ِ‬
‫رعة‬ ‫‪-‬بإذن إهلي‪ -‬يف منتهى الس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َرسي‬ ‫أفعالا ت ِ‬
‫َ‬ ‫َصو َر ّ‬
‫أن‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ٍّ‬ ‫َطيع أن نت َّ‬
‫فإننا نَست ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رات وإىل ِ‬ ‫الذرات إىل ال َق َط ِ‬ ‫ِ‬ ‫والشم ِ‬ ‫ِ‬
‫الكواكب‬ ‫البحر وإىل‬ ‫وجه‬ ‫ول‪ ،‬ابتدا ًء من‬ ‫السعة ُّ ُ‬ ‫ومنتهى َّ‬
‫طح‬‫الفيض الذي تَب ُّثه إىل َس ِ‬ ‫ُ‬ ‫ان جتا َه ِ‬
‫أمرها؛ إذ‬ ‫السيار ِس َّي َ‬
‫ُ‬ ‫َب‬
‫ُون الذر ُة والكَوك ُ‬
‫ِ‬
‫السيارة؛ فتك ُ‬
‫دة َح َسب قابليتِها‪.‬‬ ‫الواح ِ‬ ‫ِ‬ ‫للذ ِ‬
‫رة‬ ‫ُعطيه بانتِظا ٍم كامل أيضا َّ‬ ‫البحر ت ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫السامء‪ ،‬وهي‬ ‫سطح َب ِ‬
‫حر‬ ‫ِ‬ ‫اعة عىل‬ ‫قاعة صغري ٌة جدا ُم ِضيئ ٌة َل َّم ٌ‬
‫الشمس التي هي ُف ٌ‬ ‫فهذه‬
‫ُ‬
‫يشء‪ ..‬هذه الشمس تُبين ن ِ‬
‫َماذ َج‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫للقدير عىل ِّ‬ ‫يفة ِ‬
‫تعك ُس تَج ّلي اسم النور‬ ‫ِمرآ ٌة صغري ٌة كثِ ٌ‬
‫ُ ِّ ُ‬
‫كثيفة كثاف َة‬
‫ٌ‬ ‫وحرارتَها‬ ‫ِ‬ ‫شك ّ‬ ‫ِ‬
‫القرآنية‪ ،‬إذ ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األس ِ‬
‫الشمس َ‬ ‫أن َضو َء‬ ‫احلقيقة‬ ‫الثالثة هلذه‬ ‫س‬ ‫ُ‬
‫النور و ُمقدِّ ُر النور‪ِ.‬‬
‫النور و ُم ِّنو ُر ِ‬
‫نور ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم و ُقدرة َمن هو ُ‬
‫الرتاب بالنسبة لع ِ‬

‫حاض‬ ‫لمه وقدرتِه‪ ،‬وهو ِ‬ ‫بع ِ‬ ‫يشء ُقربا مط َل ًقا ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫قريب إىل ِّ‬ ‫ُ‬
‫اجلليل إذن‬ ‫ُ‬
‫اجلميل‬ ‫فذلك‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األشياء بال ت َك ُّل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ف يف‬ ‫عندَ ه وناظ ٌر إليه‪ ،‬بينام األشيا ُء بعيد ٌة عنه بعدا مطل ًقا؛ وإنه َ‬
‫يتص َّـر ُ‬
‫رس‬‫ُوجدُ ب ُي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األمر‪ -‬واألشيا ُء ت َ‬ ‫جر َد‬
‫يأمر ‪ُ -‬م َّ‬
‫فه ُم أنه ُ‬ ‫بحيث ُي َ‬ ‫مطلقة‬ ‫سهولة‬ ‫معاجلة ويف‬ ‫وال‬
‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫خارج‬ ‫كبريا‬ ‫عة ُمط َل َقني‪ ،‬وأنه ليس هناك يش ٌء‪ ،‬مهام كان ُجزئ ّيا أو كل ّيا‪،‬‬ ‫وس ٍ‬
‫َ‬ ‫صغريا أو ً‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫جل جال ُله‪.‬‬ ‫إحاطة ِك ِ‬
‫ربيائه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُقدرتِه‪ ،‬و َب ِعيدً ا عن‬
‫ُؤمن هكذا‪.‬‬ ‫نبغي أن ن ِ‬
‫هود‪ ،‬بل ي ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُؤمن إيامنا يقينِيا وبدَ ِ‬
‫رجة ُّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ ًّ‬ ‫َفه ُم‪ ،‬وهكذا ن ُ‬ ‫هكذا ن َ‬

‫ُبي عظمتَه سبحانَه وتعاىل وكربيا َءه‬ ‫ِ‬


‫التالية ت ّ ُ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫َ‬
‫أمثال‬ ‫ ◆خامِسَتُها‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫ني‪َ :‬فا ْبتِدا ًء من قولِه تعاىل‪ ﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬ ‫املط َل َق ِ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ (الزمر‪ )67:‬إىل قوله تعـاىل ﴿ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ﴾ (األنفال‪ )24:‬ومن قوله تعاىل ﴿ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﴾ (الزمر‪ )62:‬إىل قوله تعاىل ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ (البقرة‪ )77:‬ومن‬
‫قوله تعاىل ﴿ ﮉ ﮊ ﮋ﴾ (األعراف‪ )54:‬إىل قوله تعاىل ﴿ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾‬
‫(الصافات‪ ،)96:‬ومن قوله تعاىل ﴿‪ ‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ (الكهف‪ )39:‬إىل قوله تعاىل‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪194‬‬
‫ِ‬ ‫اجلليلة تُبـ ُ إحاط َة ح ِ‬ ‫﴿‪ ‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ (اإلنسان‪ )30:‬هذه‬
‫عظمة‬ ‫دود‬ ‫ُ‬ ‫ُ يِّ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألبد‬ ‫ِ‬
‫األزل‬ ‫ُ‬
‫سلطان‬ ‫السلطان ِ‬
‫اجلل ُيل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بكل ٍ‬
‫يشء‪ ..‬هذا‬ ‫ربوبيتِه سبحانَه وكربيا َء ألوهيتِه ِّ‬
‫عف‬ ‫الض ِ‬ ‫نتهى َّ‬ ‫نتهى ال َع ِ‬ ‫َ‬ ‫بشدَّ ٍة و ُيعن ُ‬
‫يدِّ د ِ‬
‫جز و ُم َ‬ ‫اإلنسان الذي هو يف ُم َ‬ ‫ويتو ّعدُ هذا‬
‫زج ُر َ‬‫ِّف و َي ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫يارية وك َْس ًبا فقط‪ ،‬فال قدر َة‬ ‫إرادة اختِ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫مل ُك ّ‬
‫إل ُجز ًءا ضئيال من‬ ‫الفقر‪ ،‬والذي ال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫نتهى‬
‫َ‬ ‫و ُم َ‬
‫ِ‬
‫اإلجياد َقط ًعا‪.‬‬ ‫له عىل‬
‫والتهديدات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الزواج ُر‬ ‫ِ‬
‫احلكمة التي تُبنَى عليها تلك‬ ‫أساس‬ ‫ِ‬
‫الوار ُد هو‪ :‬ما‬ ‫ُ‬
‫والسؤال‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الضعيف‪ ،‬وكيف‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة جتا َه هذا‬ ‫الصادر ُة من َعظمتِه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫القرآنية‬ ‫والشكاوى‬ ‫ِ‬
‫املرع ُبة‬
‫َ‬
‫والتوفيق بينَهام؟‪.‬‬ ‫جام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َيت ُّم االنس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والرفيعة‬ ‫العميقة جدا‬ ‫احلقيقة‬ ‫ألج ِل البلو ِغ إىل االطمئنان ال َق ِّ‬
‫لبي‪ ،‬انظر إىل هذه‬ ‫أقول‪ْ :‬‬
‫ني‪:‬‬ ‫ِ‬
‫زاوية املثا َلني اآلت َي ِ‬ ‫قت ن ِ‬
‫َفسه من‬ ‫جدا يف الو ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واألزاهري‬ ‫األثامر اليانِ َع ِة‬
‫ِ‬ ‫عظيم َيوي ما ال ُي َعدُّ وال ُي َص من‬‫ٌ‬ ‫ل الأَ ّول‪ُ :‬ب ٌ‬
‫ستان م َل ٌّ‬
‫كي‬ ‫المثا ُ‬
‫إل‬‫رة؛ ّ‬ ‫الزاه ِ‬
‫احلديقة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بخدمات تلك‬ ‫العاملني واملو َّظ ِفني للقيا ِم‬ ‫كبري من‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اجلميلة‪ُ ،‬عيِّ َ َعد ٌد ٌ‬
‫البستان‪ ،‬تكاسل عن ِ‬
‫أداء ُم ِه َّمتِه‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫قي‬‫وس ِ‬ ‫ب َ‬ ‫للش ِ‬ ‫تح املن َف ِذ الذي َي ِري منه املا ُء ُّ‬
‫ف ب َف ِ‬ ‫أن املُك َّل َ‬
‫ّ‬
‫ب َجفا َفه!‬ ‫ِ‬ ‫يفتح املن َف َذ‪ ،‬فلم َي ِر املا ُء‪ ،‬بمعنى أنّه َ‬
‫أخ َّل ِّ‬ ‫ومل ِ‬
‫بكل ما يف البستان أو َس َّب َ‬
‫الشكوى‬ ‫حق‬ ‫ِ‬
‫للسلطان َّ‬ ‫امللكي‬ ‫الش ِ‬
‫هود‬ ‫البستان‪ ،‬ولنَ َّظ َار ِة ُّ‬
‫ِ‬ ‫فإن جلمي ِع ِ‬
‫العام ِلني يف‬ ‫وعندَ ها َّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الكريم‪،‬‬ ‫الربانية للخالِ ِق‬
‫ِ‬ ‫مل‪ ،‬فضال عن َشكاوى الص ِ‬
‫نعة‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫س عن ال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫املتقاع ِ‬ ‫من ذلك ِ‬
‫العام ِل‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫واهلواء والض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب من‬ ‫العامل الك َْسالن‪ ،‬لـ َام س َّب َ‬ ‫الشكوى من ذلك‬ ‫َ‬ ‫حق‬
‫ياء ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫للرتاب‬ ‫بل حتى‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وار مهم ِ‬
‫إخالل هبا عىل ِّ‬
‫األقل!‬ ‫خدماتم أو‬ ‫وع ْق ِم‬
‫ـاتم ُ‬ ‫َب ِ ُ ّ‬
‫يط وظيفتَه اجلزئي َة‪،‬‬ ‫عامل ِ‬
‫بس ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫للسلطان‪ ،‬إن َتر َك فيها‬ ‫عظ ٌ‬
‫يمة‬ ‫ل الثاني‪َ :‬س ٌ‬
‫فينة ِ‬ ‫المثا ُ‬
‫وإهدارها؛ ألجل ذلك‬ ‫ِ‬ ‫العام ِلني يف الس ِ‬
‫فينة‬ ‫عامل مجي ِع ِ‬‫َتائج َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫إخالل ن ِ‬ ‫فس ُيؤ ِّدي تركُه هذا إىل‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫قص َر هتديدً ا شديدً ا باسم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الم ِّ‬ ‫العظيم‪َ ،‬س ُيهدِّ ُد ذلك ُ‬
‫ُ‬ ‫السلطان‬ ‫ب السفينة‪ ،‬وهو‬ ‫فإن صاح َ‬
‫كل‬‫ول‪َ :‬من أنا حتى أست َِح َّق َّ‬ ‫قصر عىل ال َق ِ‬
‫الم ِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫مجي ِع العاملني يف السفينة‪ ،‬يف حني ال َيقد ُر ذلك ُ‬
‫زئي! ذلك َّ‬
‫ألن َعدَ ًما واحدً ا ُيؤ ِّدي إىل ما ال‬ ‫إل ٌ‬ ‫روعِ‪ ،‬وما َعميل ّ‬ ‫ِ‬
‫إمهال تاف ٌه ُج ٌّ‬ ‫الم ِّ‬
‫هذا التهديد ُ‬
‫ِ‬
‫اليشء يتَو ّق ُ‬ ‫َوعه‪َّ ،‬‬ ‫رات حسب ن ِ‬ ‫ثمر ثم ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ألن وجو َد‬ ‫َ َ‬ ‫َناهى من أنوا ِع ال َعد ِم‪ ،‬بينام الوجو ُد ُي ُ َ‬ ‫يت َ‬
‫� �� � � � � � � �‬
‫‪195‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫حيث النتِ ُ‬ ‫ِ‬
‫يجة إنام‬ ‫دام ذلك اليشء وانتِ ُ‬
‫فاؤه من ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب والرشوط‪ ،‬بينام انع ُ‬
‫ِ‬
‫وجود مجي ِع‬ ‫عىل‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وبانعدا ِم ُجزء منه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫واحد فقط‬ ‫ِ‬
‫هو بانتِفاء َش ٍ‬
‫ط‬
‫الناس‪ ،‬وملا كانت‬‫ِ‬ ‫تعار ًفا لدى‬
‫دستورا ُم َ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫التعمري»‬ ‫هل من‬ ‫أس ُ‬
‫«التخريب ْ‬
‫ُ‬ ‫ومن هنا غدا‬
‫وعدَ م َق ٍ‬ ‫فضا وتَركًا لل َع ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أس ُس الك ِ‬
‫بول‪،‬‬ ‫مل َ َ‬ ‫ور ً‬‫ُفر والضالل وال ُّطغيان واملعصية‪ ،‬إنكارا َ‬ ‫ُ‬
‫وعدَ ٌم‪ ،‬لذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إل أهنا يف حقيقتها انتفا ٌء َ‬ ‫ٍ‬
‫وذات وجود‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الظاه ِر ّي ُة َم ْه َما بدَ ْت إجيابي ًة‬ ‫ورتا‬
‫فص ُ‬‫ُ‬
‫ساري ٌة‪.‬‬ ‫فهي ِج ٌ‬
‫ناية ِ‬
‫ُسد ُل ِستارا أمام التج ِّل ِ‬
‫يات‬ ‫املوجودات كاف ًة‪ ،‬فإهنا ت ِ‬
‫ِ‬ ‫أع ِ‬
‫امل‬ ‫ُخ ُّل ِ‬
‫بنتائ ِج ْ‬ ‫فهذه األمور مثلام ت ِ‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األنظار‪.‬‬ ‫وت ُج ُبها ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬
‫لألسامء احلسنَى َ‬ ‫ِ‬
‫اجلاملية‬
‫اجلليل يهدِّ د ِ‬ ‫حق الشكوى بال ح ٍ‬
‫باسمها هذا‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫سلطانا‬
‫َ‬ ‫دود‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فاملوجودات هلا ُّ‬
‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫العاص يست َِح ُّق بال‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‪ ،‬ألن ذلك‬ ‫الز ْج ِر؛ وهذا هو َع ُ‬
‫ني‬ ‫زج ُره أشدَّ َّ‬ ‫ِ‬
‫العاص و َي ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬
‫ب‪.‬‬ ‫يد ِ‬
‫املرع ِ‬ ‫الوع ِ‬
‫أنواعا من ِ‬‫ً‬ ‫الرهيب كام ي ِ‬
‫ستح ُّق‬ ‫يب ذلك التهديدَ ِ‬ ‫َر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪196‬‬

‫خامتة‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ (آل عمران‪)185:‬‬

‫س الغَفلةِ)‬ ‫(درس للع ِبرة ِ َ‬


‫وصفعة ٌ قو يّة ٌ على رأ ِ‬ ‫ٌ‬
‫لو ًة لذيذ ًة فتَط ُلبِني الدنيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفيس‪ ..‬أ َّيتُها السادر ُة يف الغفلة‪ ..‬يا َمن ت ََر ْي َن هذه احليا َة ُح َ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫ين؟ إنّك لت ِ‬ ‫اآلخرةَ‪ ..‬هل ت ِ‬ ‫وتَنسيـن ِ‬
‫ُشبهني النَّعام َة‪ ..‬تلك التي ت ََرى الصيا َد‬ ‫ين َماذا تُشبِ ِه َ‬
‫َدر َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫خم يف ِ‬
‫اخلار ِج َظنا منها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الض َ‬ ‫سمها َّ‬ ‫الرمال تارك ًة ج َ‬ ‫رأسها يف ِّ‬ ‫َ‬
‫الطريان‪ ،‬بل تُقح ُم َ‬ ‫تستطيع‬
‫ُ‬ ‫فال‬
‫حتت‬‫أطبقت َجفنَ ْيها َ‬
‫ْ‬ ‫أن الصيا َد َيرى‪ ،‬ولكنَّها هي َوحدَ ها التي‬ ‫أن الصيا َد ال يراها‪ ،‬إال َّ‬ ‫ّ‬
‫مال فلم َت ُعدْ ت ََرى!‬ ‫الر ِ‬
‫ِّ‬
‫أن َح ْص َـر النَّ َظ ِر ك ِّله يف الدنيا ُي ِّ‬
‫حو ُل‬ ‫كيف ّ‬‫املثال وتأ َّميل فيه‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫نفيس‪ ..‬ان ُظ ِري إىل هذا‬ ‫فيا‬
‫َ‬
‫حللو َة إىل أملٍ َم ٍ‬
‫رير!‪.‬‬ ‫اللذ َة ا ُ‬
‫اثنان‪ :‬أحدُ مها قد رح َل تسع ٌة وتسعون ِ‬
‫باملئة من‬ ‫الن ِ‬ ‫القرية «بارال» رج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب أنّه يف هذه‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َه ْ‬
‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫يش ًة َط ِّيب ًة مجيل ًة‪ ،‬ومل َي َبق منهم هنا ِس َوى‬‫يشون هناك ِع َ‬‫َ‬ ‫إسطنبول وهم َي ِع‬
‫َ‬ ‫أح َّبتِه إىل‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫إسطنبول أشدَّ‬ ‫َ‬
‫الرجل ُم ٌ‬
‫شتاق إىل‬ ‫فإن هذا‬‫واحد فقط وهو أيضا َس َي َح ُل إىل هناك‪ ،‬لذا َّ‬ ‫ٍ‬
‫وقت من‬‫لتقي األحباب دائام‪ ..‬فلو ِقيل له يف أي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االشتياق بل ُيفك ُِّر هبا‪ ،‬و َي َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ب يف أن َي َ‬ ‫رغ ُ‬
‫فرحا ِ‬ ‫ِ‬
‫باس ًم‪..‬‬ ‫يذهب ِ ً‬ ‫ُ‬ ‫اذهب إىل هناك» فإنّه َس‬
‫ْ‬ ‫األوقات‪« :‬ه َّيا‬
‫بعض ُهم َفنِ َي‪،‬‬ ‫أحبتِه تسع ٌة وتسعون ِ‬
‫باملئة‪ ،‬وي ُظ ُّن أن َ‬ ‫ِ‬
‫الرج ُل الثاين فقد َر َح َل من َّ‬ ‫أ ّما ُ‬
‫املسكني‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫ب ظنِّه؛ فهذا‬ ‫أماكن ال تُرى‪َ ،‬ف َه َلكُوا وت َّ‬
‫َفر ُقوا َح ْس َ‬ ‫َ‬ ‫انـز َوى يف‬
‫ومنهم َمن َ‬
‫واحد‪ ،‬بدَ ال من أولئك مجي ًعا‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سائح‬ ‫ْس وعن س ٍ‬
‫لوان حتى عندَ‬ ‫بح ُث عن ُأن ٍ‬ ‫ذو ٍ‬
‫داء ُع ٍ‬
‫ُ‬ ‫ضال َي َ‬
‫يد‪.‬‬‫الش ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫الفراق َّ‬ ‫و ُيريدُ أن ُيغ ِّط َي به عىل أ َل ِ‬
‫ـم‬
‫� �� � � � � � � �‬
‫‪197‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫هم اآلن يف‬‫حبيب اهلل ﷺ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫رأس ِهم ويف ُمقدِّ متِ ِهم‬
‫َك ك َّلهم‪ ،‬وعىل ِ‬ ‫إن َأ ِحبت ِ‬
‫فيا نفس‪َّ ّ ..‬‬
‫ِ‬
‫للر ِحيل؛ فال‬
‫تأهبون َّ‬ ‫اثنان وهم أيضا ُم ِّ‬‫إل واحدٌ أو ِ‬ ‫يبق هنا ّ‬
‫القرب‪ ،‬فلم َ‬ ‫اآلخ ِر من ِ‬ ‫ِ‬
‫الطرف َ‬
‫الموت‪ ،‬خائف ًة من القبرِ‪ ،‬بل َحدِّ ِقي في القبر وان ُظري إلى ُحفرتِه‬ ‫ِ‬ ‫ك َج ِف َل ًة من‬‫ُدير َّن رأس ِ‬
‫َ‬ ‫ت ِ‬
‫الموت بر ٍ‬
‫جولة‪ ،‬وان ُظ ِري ماذا يريدُ ؟‬ ‫ِ‬ ‫َمعي إلى ما يط ُلب‪ ،‬وابت َِس ِمي بو ِ‬
‫جه‬ ‫هامة واست ِ‬
‫بش ٍ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫بالرجل الثاين!‪.‬‬ ‫اك أن تَغ َفيل فتكوين ْأش َبه‬ ‫وإي ِ‬
‫ّ‬
‫مسوا‬ ‫الناس قد ان َغ ُ‬ ‫وأن َ‬ ‫العرص قد تَبدَّ َل‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الزمان قد تَغ َّير‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫َ‬ ‫يا نفيس‪ ..‬ال تقويل أبدا َّ‬
‫بأن‬
‫وأن‬ ‫املوت ال يتَغ َّي ُـر‪َّ ،‬‬ ‫يش‪ ..‬ذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫كارى هبمو ِم ال َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يف الدنيا وافتُتنُوا بحياتا‪ ،‬فهم ُس َ‬
‫البرشي مها أيضا‬ ‫والفقر‬ ‫اإلنساين‬ ‫العجز‬ ‫بقاء فال يتَغ ّي ُـر أيضا‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫نقلب إىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الفراق ال َي ُ‬
‫ِ‬ ‫وأن ِرحل َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َري ومتيض‪ ..‬ثم ال تقويل‬ ‫تنقطع‪ ،‬بل ت َُح ُّث َّ‬ ‫ُ‬ ‫البرشية ال‬ ‫زدادان‪ّ ،‬‬ ‫َغريان بل َي‬ ‫ال يت‬
‫باب‬ ‫إل إىل َعت َِبة ِ‬ ‫صاح ُب ِك ّ‬ ‫الناس»‪ ،‬ذلك ألنّه ما من أح ٍد من الناس ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫كذلك‪« :‬أنا ِم ُثل ِّ‬
‫كل‬
‫ِ‬
‫املصيبة‬ ‫معك يف‬ ‫مشاركة اآلخرين ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقال عن‬ ‫لوان فيام ُ‬ ‫الس َ‬ ‫تت ُ ِ‬ ‫القرب‪ ..‬ال غري‪ ،‬ولو ذهب ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُّ‬ ‫َنشد َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫اآلخ ِر من ِ‬
‫القرب!‬ ‫الطرف َ‬ ‫ِ‬ ‫أساس ُمطل ًقا يف‬ ‫فإن هذا أيضا ال حقيق َة له وال‬ ‫لك‪ّ ،‬‬ ‫وم ِعيتِ ِهم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ّك إذا ما ن َظ ِ‬ ‫الزما ِم‪ ،‬ذلك ألن ِ‬ ‫نفس ِك سارح ًة ُمف َلت َة ِّ‬
‫ضيافة الدنيا‬ ‫رت إىل دار‬ ‫وال َت ُظنِّي َ‬
‫فكيف تَب َق ْي إذن وحدَ ِك‬ ‫َ‬ ‫غاية‪،‬‬ ‫احلكمة والر ِوي ِة‪ ..‬فلن َت ِدي شيئا بال نِظا ٍم وال ٍ‬
‫َّ َّ‬
‫ِ‬ ‫َظر‬
‫هذه ن َ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بال نِظام وال ٍ‬
‫يست ألعوب ًة‬ ‫احلوادث الكَون ُية والوقائ ُع من أمثال الزالزل َل َ‬ ‫ُ‬ ‫غاية؟! فحتى‬
‫الصد َف ِة‪.‬‬‫بيد ُّ‬
‫ِ‬

‫بعضها‬ ‫لبست ُحلال ُم َزرك ََش ًة ُ‬ ‫األرض قد ُأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُشاه ِدين فيه ّ‬
‫بأن‬ ‫الوقت الذي ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫فمثال‪ :‬يف‬
‫نتهى النظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعض ُمكتَنِف ًة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫اآلخر من أنواع النباتات واحليوانات يف ُم َ‬ ‫َ‬ ‫البعض‬‫َ‬ ‫بعضها‬ ‫فوق‬
‫كم‪،‬‬ ‫ص ال َقدَ ِم باحلِ ِ‬ ‫أخ ِ‬ ‫الرأس إىل ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫مجهز ًة ك َّلها من ِق َّم ِة‬ ‫واجلامل‪ ،‬وت ََر ْينَها َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النقش‬ ‫ويف ِ‬
‫غاية‬
‫ِ‬ ‫َ ِ ٍ (‪)1‬‬ ‫وش ٍ‬ ‫ِ‬
‫بكامل‬ ‫وق َمولو ّية‬ ‫ب َ‬ ‫تدور بام يشب ُه جذب َة ُح ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫بالغايات؛ ويف الوقت الذي‬ ‫ومزين ًة‬
‫ني ذلك‬ ‫ين هذا‪ ،‬وتَع َل ِم َ‬ ‫َشهد َ‬
‫الوقت الذي ت ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫امية‪ ..‬ففي‬ ‫غايات س ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫الدقة والنظا ِم ضمن‬ ‫ِ‬
‫ظهر ًة هبا عد َم‬ ‫األرض(‪ُ )2‬م ِ‬ ‫ِ‬ ‫فك ِ‬
‫ُرة‬ ‫هز ِع ْط ِ‬ ‫الشبيهة بِ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الزلزلة‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫فكيف َي ُسو ُغ إذن أن‬ ‫َ‬
‫الوة اخلشو ِع ون َْش ِ‬
‫الذكر بح ِ‬ ‫ِ‬ ‫يد الـمو َل ِوي الذي يدور ح َ ِ‬ ‫لطيف بالـم ِر ِ‬
‫وة‬ ‫ِ َ‬ ‫حلقة‬ ‫وح َ‬
‫ول‬ ‫ول نفسه َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ ْ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )1‬تَشبي ٌه‬
‫وية طريق ٌة صوفي ٌة منترش ٌة يف تركيا‪.‬‬ ‫والـم ْو َل ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الذكر‪،‬‬
‫حدث يف إِ ْز ِمري‪(.‬املؤلف)‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الزلزال الذي‬ ‫البحث بم ِ‬
‫ناسبة‬ ‫ُ ُ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫(‪ )2‬كُت َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪198‬‬
‫اإليامن منهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫البشـر‪ ،‬وال س ّيام ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعامل‬ ‫الناش ِئ من‬ ‫الض ِيق املعنوي ِ‬ ‫ِرضاها عن ثِ ْق ِل ِّ‬
‫ِّ‬
‫غاية؟ كام ن ََشه‬ ‫صد وال ٍ‬ ‫باملوت‪ ،‬بال َق ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املليئة‬ ‫ِ‬
‫احليو َّي ُة‬ ‫ُ‬
‫احلادثة‬ ‫مك ُن أن تك َ‬
‫ُون تلك‬ ‫كيف ي ِ‬
‫ُ‬
‫فاح ًشا و ُم ِ‬ ‫فة‪ ،‬مرتكبا بذلك خطأ ِ‬ ‫لحدٌ ظنّا منه أهنا مجرد مصاد ٍ‬ ‫م ِ‬
‫بيحا‪ ،‬إذ َص َّير‬ ‫قرت ًفا ظلام َق ً‬ ‫ُ َّ ُ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫واحلال‬ ‫يأس ٍ‬
‫أليم‪..‬‬ ‫قاذ ًفا هبم يف ٍ‬ ‫وأرواح هباء منثورا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أموال‬ ‫جميع ما ف َقد ُه املصابون من‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الرحيم‬ ‫ِ‬
‫احلكيم‬ ‫حول ًة إياها ِ‬
‫بأمر‬ ‫ِ‬
‫أهل اإليامن‪ُ ،‬م ِّ‬ ‫أموال ِ‬ ‫َ‬ ‫احلوادث تَدَّ ِخ ُر دائام‬
‫ِ‬ ‫أن ِم َثل هذه‬ ‫ّ‬
‫ُفران النِّ َع ِم‪.‬‬‫ناشئة من ك ِ‬ ‫ٍ‬ ‫نوب‬ ‫لذ ٍ‬ ‫قة هلم‪ ،‬وهي ك ّفار ٌة ُ‬ ‫إىل صدَ ٍ‬
‫َ‬
‫وج َه َها‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫اليوم الذي َتدُ‬ ‫ف َل َس َ‬
‫آثار البرش َّية‪ ،‬التي تُز ِّي ُن ْ‬‫املسخر ُة َ‬ ‫األرض‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وف يأيت ذلك‬
‫عظيمة ِ‬
‫بأمر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بزلزلة‬ ‫وجهها‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ‬ ‫فتمسح‬ ‫رك البرش وكُفرانُه‪،‬‬ ‫دميم ًة قبيح ًة بام َّلو َثها ِش ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫َفض ُلوا‬ ‫الشك ِْر‪« :‬هيا ت َّ‬‫الرشك بأمر اهلل يف َجهن َّم‪ ،‬وداعي ًة أهل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫فرغ ًة َ‬
‫أهل‬ ‫ُطه ُره ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‪ ،‬وت ِّ‬
‫إىل اجلن ِّة»‪.‬‬
‫� �� � � � � � � �‬
‫‪199‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬

‫ِ‬
‫الكلمة الرابع َة َع ْش َة‬ ‫ُ‬
‫ذيل‬
‫�﷽‬

‫﴿‪  ‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ * ﭮ ﭯ ﭰ * ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ * ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ * ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ إىل آخر السورة‪.‬‬
‫لزالا وحتى يف اهتِ ِ‬
‫زازاتا‬ ‫وز ِ‬ ‫األرض يف َح ِ‬
‫ركاتا ِ‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫اجلليلة ُتبيِّ بيانا قاطعا َّ‬
‫ُ‬ ‫هذه السور ُة‬
‫معنوي‪-‬‬ ‫‪-‬بمعاونة ٍ‬
‫تنبيه‬ ‫ِ‬ ‫القلب أجوب ٌة‬ ‫ِ‬ ‫دت إىل‬ ‫وو ْح ِيه‪ ..‬لقد َو َر ْ‬
‫ٍّ‬ ‫حتت أمر اهلل َ‬ ‫أحيانا‪ ،‬إنام هي َ‬
‫كتابة تلك‬‫ِ‬ ‫مت عىل‬ ‫ورغم أين َع َز ُ‬ ‫َ‬ ‫الز ِ‬ ‫تدور َح َ‬ ‫ٍ‬ ‫عن بِ ِ‬
‫حدث حاليا‪َ ،‬‬ ‫لزال الذي‬ ‫ول ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أسئلة‬ ‫ضعة‬
‫َب خمترص ًة وجممل ًة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فصل ًة عدّ َة مرات‪ ،‬فلم ُيؤ َذن يل‪ ،‬لذا ستُكت ُ‬ ‫األجوبة كتاب ًة ُم َّ‬
‫الناس مصيب ًة معنوي ًة أ ْد َهى من ُم ِصيبتِها‬ ‫ُ‬
‫العظيمة َ‬ ‫ُ‬
‫الزلزلة‬ ‫السؤال الأول‪ :‬لقد أذا َق ْت هذه‬
‫ِ‬
‫النفوس‪،‬‬ ‫نوط التي استَو َل ْت عىل‬ ‫والق ُ‬ ‫واليأس ُ‬ ‫وف واهل َل ُع‬ ‫الخ ُ‬ ‫الفجيعة‪ ،‬تلك هي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املادية‬
‫ُ‬
‫واالضطراب‬
‫ُ‬ ‫القلق‬
‫وعم ُ‬ ‫الناس َليال‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغلب‬ ‫َمرت ودا َم ْت حتى َس َل َب ْت راح َة‬ ‫حيث إهنا است َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األليم وما َسب ُبه؟‬ ‫ِ‬
‫العذاب‬ ‫البالد‪ ..‬تُرى ما َم ُ‬
‫نشأ هذا‬ ‫ِ‬ ‫أغلب ِ‬
‫مناط ِق‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫البالد‬ ‫ِ‬
‫أرجاء هذه‬ ‫ف يف‬
‫رت ُ‬ ‫اجلواب هو اآليت‪َّ :‬‬ ‫بمعاو ِنة ٍ‬
‫إن مما ُيق َ‬ ‫ُ‬ ‫معنوي كذلك‪ ،‬كان‬ ‫ٍّ‬ ‫تنبيه‬ ‫ُ َ‬
‫ليل‬ ‫ٍ‬ ‫وعر َبدة ِجهارا هنارا‪ ،‬ويف ٍ‬
‫شهر مبارك َج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جون َ‬‫‪-‬التي كانت مركزا َطيبا لإلسالم‪ -‬من م ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫أغاني مثريةً‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫ِ‬
‫الناس‬ ‫الرتاويح‪ ،‬وإسام ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رمضان‪ ،‬ويف أثناء إقامة َص َلوات‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫كشهر‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلوف واهلل ِع هذا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عذاب‬ ‫ِ‬
‫وغريه‪ ..‬قد َو ّلدَ إذاق َة‬ ‫بأصوات ٍ‬
‫نساء عرب املذياع‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫واإلحلاد‬ ‫ُفر‬ ‫ِ‬
‫ببالد الك ِ‬ ‫والتأديب اإلهلي‬
‫ُ‬ ‫الرباين‬ ‫العذاب‬
‫ُ‬ ‫السؤال الثاني‪ :‬ملاذا ال َي ِ‬
‫نـز ُل هذا‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الضعفاء؟‬ ‫املساكني ِ‬
‫املسلمني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وينـز ُل هبؤالء‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اجلواب‪ :‬مثلام ت ُ‬
‫ُعهدُ إليها عقوبتُها‬
‫ربى‪ ،‬وت َ‬‫الجرائم الكبري ُة إىل حماك ِم جزاء ُك َ‬
‫ُ‬ ‫ُحال‬
‫ِ‬
‫والنواحي‪ ،‬كذلك‬ ‫ِ‬
‫األقضية‬ ‫ِ‬
‫مراكز‬ ‫والجن َُح يف‬ ‫الجنايات الصغري ُة‬ ‫ُحس ُم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بالتأخري‪ ،‬بينام ت َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪200‬‬
‫ِ‬
‫املحكمة‬ ‫ؤج ُل إىل‬ ‫ِ‬ ‫وجرائم ك ِ‬
‫ِ‬ ‫أهل الك ِ‬ ‫ِ‬
‫عقوبات ِ‬ ‫فإن ِ‬
‫ُفرهم وإحلادهم ُي َّ‬ ‫ُفر‬ ‫األعظم من‬
‫َ‬ ‫الق ْس َم‬
‫طيئاتم يف هذه الدنيا‪،‬‬ ‫سم من َخ ِ‬ ‫اإليامن عىل ِق ٍ‬
‫ِ‬ ‫األعظم‪ ،‬بينام ُيعا َقب ُ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ربى يف احلرش‬ ‫الك َ‬
‫ٍ (‪)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مهمة‪.‬‬
‫بمقت ََض حكمة ربانية ّ‬ ‫وذلك ُ‬
‫ٍ‬
‫أخطاء‬ ‫ٌ‬
‫نامجة من‬ ‫املصيبة البال َد ك َّلها‪ ،‬علام أهنا مصيب ٌة‬
‫ُ‬ ‫السؤال الثالث‪ :‬ملاذا َت ُع ُّم هذه‬
‫ِ‬
‫الناس؟‬ ‫بعض‬
‫رتك ُبها ُ‬ ‫ي ِ‬
‫َ‬
‫مة‪ ،‬إ ّما مشارك ًة فِعل ّي ًة‪،‬‬
‫الق ّل ِة ال َظ َل ِ‬
‫شرت ِكني مع أولئك ِ‬ ‫الناس َيكُونُون ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫أغلب‬
‫َ‬ ‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫إن‬
‫كسب المصيب َة‬ ‫بأوام ِرهم‪ ،‬أي يكُونُون معهم معنًى‪ ،‬مما ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصفوفِ ِهم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أو التزاما‬ ‫أو التحا ًقا ُ‬
‫بمعاص األكثر َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫المصيبة‬ ‫ِ‬
‫العمومية‪ ،‬إذ ت ُع ُّم‬ ‫ِصف َة‬
‫وو َق َعت‬ ‫ِ ِ‬
‫اقتاف اخلطايا واملفاسد‪َ ،‬‬
‫من ِ ِ‬ ‫نش َأت ِ‬ ‫ُ‬
‫الزلزلة قد َ‬ ‫السؤال الرابع‪ :‬ما دا َم ْت هذه‬
‫قر ُبوا اخلطايا‬ ‫تـر ُقون بلظاها وهم مل َي َ‬ ‫وي ِ‬ ‫ُصيب األبريا َء إذن‪َ ،‬‬ ‫للذنوب‪ ،‬فلامذا ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك َّفار ًة‬
‫ُ‬
‫الربانية هبذا؟‬ ‫ُ‬
‫العدالة‬ ‫َسمح‬
‫وكيف ت ُ‬
‫َ‬ ‫نوب‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫والذ َ‬
‫قة برس ال َقدَ ِر‬
‫إن هذه املسأل َة متع ِّل ٌ‬
‫معنوي كان الجواب هو اآليت‪َّ :‬‬ ‫عاونة ٍ‬
‫تنبيه‬ ‫ِ‬ ‫بم‬
‫ٍّ‬ ‫وكذلك ُ‬
‫قال تعاىل‪ ﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬ ‫ِ‬
‫«رسالة ال َقدَ ر» ونكتفي باآليت‪َ :‬‬ ‫اإلهلي‪ ،‬لذا نُحي ُلها إىل‬
‫ِّ‬
‫وسر هذه‬
‫ُّ‬ ‫(األنفال‪)25:‬‬ ‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾‬
‫ِ‬
‫اآلية ما يأيت‪:‬‬
‫يف‬ ‫وتكليف‪ ،‬واالختِبار والت ِ‬
‫َّكل ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بار‪ ،‬ودار ُماه ٍ‬
‫دة‬ ‫َ‬ ‫حان واختِ ٍ‬ ‫إن هذه الدنيا دار امتِ ٍ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصدِّ ُيقون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومف ّي ًة‪ ،‬كي َت ُص َل‬ ‫الحقائق مستور ًة َ‬ ‫يان أن ت َّ‬ ‫قتض ِ‬ ‫ي ِ‬
‫سم َو ِّ‬‫واملسابقة‪ ،‬ول َي ُ‬ ‫املنافسة‬ ‫ُ‬ ‫َظل‬ ‫َ‬
‫فل سافِ ِلني مع أيب‬ ‫أس ِ‬ ‫الصدِّ ِيق‪ ،‬وليتر َّدى َّ‬
‫الكذا ُبون إىل ْ‬ ‫بكر ِّ‬ ‫باملجاهدة إىل أعىل ِع ِّل ِّيني مع أيب ٍ‬
‫ِ‬
‫اإليامن َب ِدهيِيا‪ ،‬أي‬
‫ُ‬ ‫ألصبح‬
‫َ‬ ‫مس ُهم سو ٌء وال أ ًذى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هل‪ ،‬فلو َسل َم األبريا ُء من املصيبة ومل َي َّ‬ ‫َج ٍ‬
‫يبق َسبِ ٌيل‬
‫وانسدَّ با ُبه‪ ،‬ومل َ‬ ‫ٍ‬
‫سواء‪ ،‬والنت َفى‬ ‫الست َْس َل َم‬
‫التكليف َ‬
‫ُ‬ ‫الكفار واملؤمنون معا عىل حدٍّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مراتب‬ ‫مو يف‬ ‫إىل ِ‬
‫والس ِّ‬ ‫الرق ِّي ُّ‬ ‫ُّ‬

‫يم ُّس َغري َة اهلل‪ ،‬مثلام َت ُّسها االستِ ُ‬


‫هانة‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫نسوخا واستهانتَهم به ال َ‬ ‫وأمثالم ِدينًا ُم َّرفا و َم‬
‫ِ‬ ‫الر ِ‬
‫وس‬ ‫فإن َ‬
‫ترك ُّ‬ ‫(‪ )1‬وكذا َّ‬
‫ب عىل هؤالء‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬ ‫للنسخ‪ ..‬لذا ُت ِه ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغيـر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِبد ٍ‬
‫َغض ُ‬ ‫األرض حاليا أولئك وت َ‬ ‫ُ‬ ‫قابل‬ ‫حق خالد‬ ‫ين ٍّ‬
‫� � � �‬ ‫�‬
‫‪201‬‬ ‫���������� ��� ����������������‬
‫��� � �‬
‫� ���‬
‫احلكمة اإلهل ّي ِة‪ ،‬فام‬
‫ِ‬ ‫وفق‬ ‫ِ‬
‫واملظـلومني معا‪َ ،‬‬ ‫يب ك ًُّل من الظاملِني‬ ‫ُ ِ‬
‫املصيبة تُص ُ‬
‫فام دام ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫الواس ِ‬
‫عة؟‬ ‫ِ‬ ‫دالة اهلل ورمحتِه‬
‫املظلومني من َع ِ‬‫ِ‬ ‫يب أولئك‬ ‫ِ‬
‫نَص ُ‬
‫ِ‬
‫األبرياء‬ ‫َ‬
‫أموال أولئك‬ ‫ِ‬
‫والبالء‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ضب‬ ‫ِ‬
‫للرمحة يف ثنايا ذلك ال َغ ِ‬ ‫إن هناك َت ِّليا‬
‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫حياة ٍ‬
‫باقية‬ ‫الفانية فتتَحو ُل إىل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬وتُدَّ َخ ُر َصدق ًة هلم‪ ،‬أ ّما حياتُهم‬ ‫ُخ َّلدُ هلم يف‬
‫الفاني َة ست َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نوع من‬ ‫إن تلك املصيب َة والبال َء بالنِّسبة ألولئك األبرياء ٌ‬ ‫الشهادة؛ أي َّ‬ ‫ب نوعا من‬ ‫بام تَكس ُ‬
‫وقلي َل ْي نِسب ًّيا‪،‬‬
‫وعذاب مؤ ّقتَي‪ِ ،‬‬
‫ٍ ُ ْ‬ ‫حيث تَـمن َُح هلم بمش ّق ٍة‬
‫ت‪ُ ،‬‬ ‫عذاب مؤ ّق ٍ‬
‫ٍ ُ‬
‫محة ٍ‬
‫إهلية ِضمن‬ ‫ر ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َغنيم ًة دائم ًة وعظيم ًة‪.‬‬

‫كيم‪ ،‬ال‬ ‫حل ُ‬‫يم‪ ،‬والقد ُير ا َ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل سبحانَه وتعاىل‪ ،‬وهو العاد ُل الرح ُ‬ ‫إن َ‬ ‫السؤال الـخامس‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُي ِ‬
‫للتأديب‬ ‫كاألرض‪،‬‬ ‫نصا جسيام‬ ‫خاصة‪ ،‬وإنام ُيس ِّل ُط ُع ُ ً‬ ‫اخلاص َة بعقوبات ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذنوب‬
‫َ‬ ‫جازي‬
‫وجمال رمحتِه سبحانَه؟‬ ‫َ‬ ‫مول قدرتِه‬ ‫والعقاب؛ فهل هذا ُيوافِ ُق ُش َ‬ ‫ِ‬

‫نش ُئ عىل‬ ‫وظائف كثريةً‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ‬


‫العناص‬ ‫نص ٍر من‬ ‫اجلليل َّ‬ ‫ُ‬ ‫اجلواب‪ :‬لقد أع َطى‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كل ُع ُ‬ ‫القدير‬
‫ُ‬
‫ومصيب ٌة وبال ٌء‬ ‫يحة وشـرا ِ‬ ‫نتيجة واحد ٌة قبِ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رت‬ ‫نتائج كثريةً‪ ،‬فلو َظ َه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬
‫ٌّ‬ ‫كل من تلك الوظائف َ‬
‫ِ‬
‫واحلسنة‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة‬ ‫ِ‬
‫النتائج‬ ‫سائر‬ ‫الكثرية؛ َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫من ُع ٍ‬
‫فإن َ‬ ‫وظائفه‬ ‫وظيفة من‬ ‫نرص من العنارص يف‬
‫واجلميل‪ ،‬إذ لو ُمنع‬ ‫ِ‬ ‫الح َس ِن‬ ‫الوخيم َة يف ُح ِ‬ ‫عل هذه النتيج َة ِ‬ ‫نرص‪َ ،‬ت ُ‬‫املرت ِّت َب ِة عىل ذلك ال ُع ِ‬
‫كم َ‬
‫ِ‬
‫النتيجة‬ ‫جميء تلك‬ ‫ِ‬ ‫للحي ُلو َل ِة دون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب عىل اإلنسان من تلك الوظيفة َ‬ ‫العنصر الغاض ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫ِّبة عىل سائر‬ ‫رة املرتت ِ‬ ‫النتائج الخي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ريات كثري ٌة بع ِ‬
‫دد‬ ‫كت إذن َخ ٌ‬ ‫جود‪ ،‬لت ُِر ْ‬ ‫عة للو ِ‬ ‫البش ِ‬
‫الوحيدة ِ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫إن عد َم‬ ‫حيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫رة‪،‬‬ ‫النتائج الخي ِ‬ ‫ِ‬ ‫رشور كثري ٌة ب َعدَ ِد تلك‬ ‫صل‬ ‫نص؛ أي َت ُ‬ ‫وظائف ذلك ال ُع ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القيا ِم َ ٍ‬
‫واحد!‬ ‫للحي ُلولة دون جميء ٍّ‬
‫رش‬ ‫كل ذلك َ‬ ‫معلوم‪ُّ ..‬‬‫ٌ‬ ‫رش كام هو‬ ‫بخري َضور ٍّي‪ ،‬إنام هو ٌّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫شني؛ بينام‬ ‫ور ُم ٌ‬ ‫بح واض ٌح‪ ،‬وجمافا ٌة للحقيقة‪ ،‬و ُق ُص ٌ‬ ‫إل منافا ٌة للحكمة‪ ،‬وهو ُق ٌ‬ ‫وما هذا ّ‬
‫َقص و ُق ٍ‬
‫صور‪.‬‬ ‫كل ن ٍ‬ ‫منـزه ٌة عن ِّ‬ ‫واحلقيقة َّ‬ ‫ُ‬ ‫والقدر ُة‬
‫حقوق ٍ‬
‫كثري من‬ ‫ِ‬ ‫شامال وتَعدِّ يا ِ‬
‫فاض ًحا عىل‬ ‫املفاس ِد هو ِعصيانًا ِ‬
‫ِ‬ ‫قسم من‬ ‫وملا كان‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬
‫ُ‬ ‫العناص وال سيام‬ ‫ب‬‫املخلوقات وإهان ًة هلا واستخفا ًفا هبا حتى َيستَدْ عي َغ َض َ‬
‫ٍ‬
‫عظيم بأن ُيؤ ِّد َب أولئك ال ُعصاةَ‪ ،‬إظهارا‬ ‫اإليعاز إىل ُع ُ ٍ‬
‫نص‬ ‫َ‬ ‫فيثري َغي َظها‪ ،‬فال َّ‬
‫شك أن‬ ‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪202‬‬
‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫وعني‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والعدالة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫عين‬ ‫سامة ِجنا َيتِهم‪ ،‬إنام هو‬
‫صيانم وج ِ‬
‫لبشاعة ِع ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الوقت ِ‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫للم ِ‬
‫ظلومني يف‬ ‫َ‬
‫السؤال السادس‪ُ :‬ي ُ‬
‫ِ‬
‫انقالبات‬ ‫إل نتِ ُ‬
‫يجة‬ ‫أن الزلزل َة ما هي ّ‬ ‫ِ‬
‫األوساط‪َّ ،‬‬ ‫شيع الغافلون يف‬
‫صد‪،‬‬‫غري َق ٍ‬
‫نج َم ْت من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫نظر حادثة َ‬ ‫املعادن واضطراباتا يف َجوف األرض‪ ،‬فينظرون إليها َ‬
‫احلادثة وال ِ‬
‫نتائ َجها‪ ،‬كي‬ ‫ِ‬ ‫األسباب املعنوي َة هلذه‬ ‫طبيع ّي ٍة‪ ،‬وال يرون‬
‫وأمور ِ‬
‫ٍ‬ ‫ونتِيج َة مصاد ٍ‬
‫فة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حقيقة ملا َيستنِدون إليه؟‬
‫ٍ‬ ‫َبهوا من ر ِ‬
‫قدتم‪ ..‬فهل من‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫يفيقوا من َغفلتهم و َينت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن َّ‬ ‫ُشاهد َّ‬ ‫الضالل‪ ،‬ألننا ن ِ‬ ‫ِ‬
‫األحياء‬ ‫آالف أنوا ِع‬ ‫كل نو ٍع من‬ ‫اجلواب‪ :‬ال حقيق َة له َ‬
‫غري‬
‫املنسق َة و ُيبدِّ ُلا‬ ‫األرضية‪ ،‬يلبس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مخسني ِمليونًا عىل‬
‫املز ْرك ََش َة َّ‬‫أقم َصتَه َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫الكرة‬ ‫َ‬ ‫التي تزيدُ عىل‬
‫الذباب الذي ال يعدُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعضاء‬ ‫ِ‬
‫مئات‬ ‫واحدٌ من‬ ‫سنة‪ ،‬بل ال يب َقى جناح واحدٌ وهو ُعضو ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينال نور ال َق ِ‬
‫واحلكمة؛‬ ‫واإلرادة‬ ‫صد‬ ‫ه ًل وال ُسدً ى‪ ،‬بل ُ َ‬ ‫العضو َ َ‬
‫ُ‬ ‫وال ُي َص‪ ...‬ال يب َقى هذا‬
‫الضخمة ‪-‬التي هي َم ْهدُ ما ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرضية‬ ‫واألحوال اجلليل َة للك ِ‬
‫ُرة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األفعال‬ ‫أن‬ ‫دل عىل َّ‬ ‫مما َي ُّ‬
‫يار‬‫خارج اإلرا َد ِة واالختِ ِ‬ ‫َ‬ ‫رج ُعهم و َمأواهم‪ -‬ال تب َقى‬ ‫وحضا َنتُهم وم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ُيحدُّ من ذوي املشاع ِر َ‬
‫املطلق‬ ‫َ‬ ‫القدير‬ ‫ولكن‬ ‫خارجها‪ُ ،‬جزئ ًيا كان أم ك ِّل ًيا‪..‬‬ ‫صد اإلهلي‪ ،‬بل ال يب َقى أي ٍ‬
‫يشء‬ ‫وال َق ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫َوج ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قد َج َ‬
‫قتض حكمته املطلقة‪ ،‬إذ حاملا تت َّ‬ ‫بم َ‬ ‫ترصفاته ُ‬ ‫ستائر أما َم ُّ‬ ‫َ‬ ‫الظاهر َة‬ ‫األسباب‬
‫َ‬ ‫عل‬
‫وقدُ ه‬ ‫واحلركة‪ ،‬في ِ‬
‫ِ‬ ‫باالضط ِ‬
‫راب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعاد ِن‬ ‫عدنًا من‬ ‫الزلزلة‪ ،‬يأمر أحيانا م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إحداث‬ ‫إرادتُه إىل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬
‫شع ُله‪.‬‬‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫دث‬ ‫ِ‬
‫واضطراباتا‪ ،‬فال َي ُ‬ ‫ِ‬
‫املعاد ِن‬ ‫ِ‬
‫انقالبات‬ ‫ِ‬
‫حدوث‬ ‫نشأ ‪َ -‬ف ْر ًضا‪ -‬من‬ ‫الزلزال َ‬ ‫َ‬ ‫ب َّ‬
‫أن‬ ‫َه ْ‬
‫سيم‬ ‫واجلنون‪ ،‬وضيا ٍع َج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الباله ِة‬
‫َ‬ ‫كيف أنَّه من‬
‫غري‪ ،‬إذ َ‬ ‫ِ‬
‫ووفق حكمته ال ُ‬ ‫َ‬ ‫إهلي‬
‫بأمر ٍّ‬‫إل ٍ‬ ‫أيضا ّ‬
‫ِ‬
‫طلقة‬ ‫ِ‬
‫املشتعل يف‬ ‫ِ‬
‫البارود‬ ‫النظر يف‬ ‫ص‬ ‫القاتل بنَ َظ ِر االعتِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ؤخ َذ‬
‫أل ُي َ‬ ‫ِ‬
‫املقتول‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وي َ َ‬
‫بار ُ‬ ‫حلق‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫بإشعال‬ ‫اإلهلي‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ُ‬
‫ونسيان‬ ‫ِ‬
‫الطبيعة‬ ‫ياق إىل‬ ‫ِ‬
‫االنس ُ‬ ‫األشنع منها‬ ‫فإن احلامق َة‬ ‫ُبندُ ق ّيتِه‪ ،‬كذلك َّ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫فينة والطائر ُة‬ ‫والس ُ‬
‫املسخر ُة َّ‬ ‫َّ‬ ‫األرض بحكمتِه وإرادتِه‪ ،‬تلك املأمور ُة‬ ‫ِ‬ ‫وف‬ ‫خرة يف ج ِ‬
‫َ‬
‫لة املدَّ ِ‬‫القنب ِ‬
‫ُ ُ‬
‫للغافلني وتَنبِيها لل ُّط ِ‬
‫غاة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الق إيقاظا‬ ‫ِ‬
‫باالنف ٍ‬ ‫فيأمرها سبحانَه‬ ‫ِ‬ ‫لل َق ِ‬
‫اجلليل‪ُ ،‬‬ ‫دير‬
‫� � � �‬ ‫�‬
‫‪203‬‬ ‫���������� ��� ����������������‬
‫��� � �‬
‫� ���‬
‫ون َت ُّردا غري ًبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلحلاد‪ُ ،‬يبدُ َ‬ ‫ِ‬
‫الضالل‬ ‫إن َ‬
‫أهل‬ ‫س وحا ِ‬
‫شيتُه‪َّ :‬‬ ‫ل الساد ِ‬ ‫تتم ّة ُ السؤا ِ‬
‫فاظ عىل‬‫سبيل احلِ ِ‬‫ِ‬ ‫ناد ًما عىل إنسان ّيتِه‪ ،‬وذلك يف‬
‫اإلنسان ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫درجة َت ُ‬
‫عل‬ ‫وحماق ًة ِ‬
‫عجيب ًة إىل‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫حو ِة ِ‬
‫أهل‬ ‫هة َ ِ‬
‫وإعاقة َص َ‬
‫سلكهم‪ ،‬وملواج ِ‬
‫َ‬
‫م ِ‬
‫َ‬
‫عم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العال‬ ‫العصيان الظال َ املظل َم‪ ،‬الذي اقرت َفه ُ‬
‫البرش يف اآلونة األخرية‪ ،‬والذي َّ‬ ‫َ‬ ‫فمثال‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫بصفة‬ ‫ِ‬
‫والساموات‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ربوبية ِ‬
‫خالق‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العناص َـر الكلي َة؛ بل تج ّل ْت‬ ‫ب‬ ‫وش ِمله‪ ،‬حتى َ‬ ‫َ‬
‫أغض َ‬
‫دائرة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫خاص ٍة‪ -‬يف َ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كلية‬ ‫العال أمجعِ‪ ،‬ويف‬ ‫رب العاملني وحاك ِم األكوان ‪-‬ال بصفة ربوبية ُجزئية ّ‬ ‫ِّ‬
‫واس ٍ‬
‫عة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫والزالزل‬ ‫ِ‬
‫العاملية‬ ‫ِ‬
‫كاحلرب‬ ‫رع ٍبة‬
‫وآفات عام ٍة م ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رب العاملني البشري َة ببالي َا‬
‫ّ ُ‬ ‫فع ُّ‬ ‫فص َ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والس ِ‬
‫كل ذلك‬ ‫المد ِّمرة‪ُّ ..‬‬ ‫وج والصواع ِق املحرقة وال ُّطوفانات ُ‬ ‫والرياح اهل ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العار َمة‬ ‫يول‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس ْوقا له ليتَخ ّلى عن ُغ ُروره وطغيانه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرهيب‪،‬‬ ‫إيقاظا هلذا اإلنسان السادر يف َغف َلته‪َ ،‬‬
‫وم َّيتَه‬‫عر ُض عنه؛ فأظهر سبحانه ِحكمتَه وقدرتَه وعدالتَه وقي ِ‬ ‫اجلليل الذي ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫َعريفه بر ِّبه‬ ‫ولت ِ‬
‫ُّ‬ ‫ََ‬
‫شياطين مح َقى ممن هم يف‬ ‫غم من هذا ّ‬
‫فإن‬ ‫الر ِ‬ ‫ِِ‬
‫َ‬ ‫وإرادتَه وحاكم َّيتَه إظهارا جليا‪ ،‬ولكن عىل َّ‬
‫ِ‬
‫العامة‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫والرتبية‬ ‫الربانية ال ُك ِّل ّي ِة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلشارات‬ ‫ِ‬
‫وجه تلك‬ ‫َمر ُدون يف‬ ‫ُص َو ِر‬
‫أناسي‪ ،‬يت َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫وأخالط‬ ‫جار َموا َّد‬ ‫متر ًدا ببالهة ُمشينة‪ ،‬إذ يقولون‪ :‬إهنا عوام ُل طبيع ّي ٌة‪ ،‬إهنا انف ُ‬ ‫للبرشية‪ُّ ،‬‬
‫ثت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فات ليس ّ‬ ‫َ‬
‫الشمس والكهرباء فأحدَ ْ‬ ‫إل‪ ..‬فقد تَصا َد َمت حرار ُة‬ ‫معادن‪ ،‬إهنا ُمصا َد ٌ‬
‫اجلو يف « َق ْس َط ُموين» حتى كأنه‬ ‫ٍ‬ ‫ملدة َخ ِ‬ ‫املكائن يف أمريكا ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَو ُّقفا يف‬
‫واحم َّر ُّ‬ ‫َ‬ ‫ساعات‬ ‫س‬
‫اهلذيانات التي ال معنى هلا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لتهب! إىل آخر هذه‬ ‫َي ِ‬

‫والن دون‬ ‫قة‪ ،‬حي ِ‬ ‫الزندَ ِ‬


‫قيت املتو ِّل ِد من َّ‬ ‫الضالل‪ ،‬والتمر ِد الـم ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاجلهل املريع ِ‬
‫الناش ُئ من‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫إل‪.‬‬‫اإلهلية ليس ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫تائر أما َم‬ ‫ِ‬ ‫إدراك ِهم ماهي َة‬ ‫ِ‬
‫وس ُ‬ ‫ب َ‬ ‫األسباب‪ ،‬التي هي ُح ُج ٌ‬
‫ُ‬
‫الضخمة‬ ‫جهله‪ُ -‬ي ِرب ُز أسبابا ظاهري ًة‪ ،‬ويقول‪ :‬هذه الشجر ُة‬ ‫ِ‬ ‫فرتى أحدَ هم ‪-‬من‬
‫نكرا معجز َة صانِ ِعها اجلليل‪ ..‬علام أنه لو ُأ ِح ْ‬
‫يلت‬ ‫أنش ْأتا هذه البِذرةُ‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬ ‫للصن ِ‬
‫َوبر ‪-‬مثال‪ -‬قد َ‬ ‫َّ‬
‫رية ِ‬
‫مثل هذه‬ ‫ظاه ٍ‬‫أسباب ِ‬
‫ٍ‬ ‫فإبراز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشجرة‪،‬‬ ‫ين تلك‬ ‫َفت ِم ٌئة من املصان ِع لت ِ‬
‫َكو ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب ملا ك ْ‬ ‫إىل‬
‫ِ‬
‫واالختيار‪.‬‬ ‫اجلليلة املفعم ِة باحلِ ِ‬
‫كمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربوبية‬ ‫عظمة فِ ِ‬
‫عل‬ ‫ِ‬ ‫إنام هو َت ِوين من ِ‬
‫شأن‬
‫ََ‬ ‫ٌ‬
‫وع ِ‬
‫مقها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إدراك َمداها ُ‬ ‫ُ‬
‫العقل عن‬ ‫قص ُـر‬ ‫حقيقة م ٍ‬
‫ٍ‬ ‫طل ُق اسام ِع ِ‬
‫وترى آخر ي ِ‬
‫همة َي ُ‬
‫ُ ّ‬ ‫لم ًّيا عىل‬ ‫َ ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪204‬‬
‫وغدَ ت مألوف ًة معتادةً‪ ،‬ال‬ ‫جر ِد وض ِع ٍ‬
‫اسم عليها‪َ ،‬‬ ‫بم َّ‬
‫فكأن تلك احلقيق َة قد ُع ِر َفت ُ ِ‬
‫وعل َمت ُ‬
‫حكم َة فيها وال معنَى!‬
‫ٍ‬
‫صحيفة‬ ‫الحقيقة التي ال ت ََس ُع ُ‬
‫مئة‬ ‫ُ‬ ‫واحلامقة التي ال منتهى هلام! ِ‬
‫إذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البالهة‬ ‫فتأ ّمل يف هذه‬
‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫يان حكمتِها وت ِ‬ ‫لِب ِ‬
‫ولهم‪:‬‬ ‫وض َع هذا ال ُعنوان عليها جع َلها َم ُ‬
‫عروف ًة مألوف ًة! و َق ُ‬ ‫َعريفها‪ّ ،‬‬
‫كأن ْ‬ ‫َ‬
‫جعل ذلك‬ ‫ِ‬
‫الشمس التي اص َطدَ َمت بالكهرباء‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫احلادثة من ما ّدة‬ ‫هذا اليش ُء من هذا‪ ..‬وهذه‬
‫اليش َء معروفا وتلك احلادث َة مفهوم ًة!!‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هل أبى َج ٍ‬ ‫بل ُيظهر أحدُ هم جهال أشدَّ من َج ِ‬
‫قصود ًة‬ ‫هل‪ ،‬إذ ُيسندُ حادث َة ربوبية َم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رجعها إىل ِ‬
‫اإلسناد‬ ‫قطع هبذا‬ ‫القانون هو الفاع ُل! ف َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫وكأن‬ ‫الفطرة‪،‬‬ ‫أحد َق ِ‬
‫وانني‬ ‫خاص ًة‪ُ ،‬ي ِ ُ‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫النافذة التي ُت ِّث ُلها‬ ‫وحاكم َّيتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املطلق‬ ‫ِ‬
‫واختياره‬ ‫إرادة اهلل الك ِّل ِية‬
‫ِ‬ ‫احلاد ِثة إىل‬
‫ِ‬ ‫نِسب َة تلك‬
‫ُ‬
‫فيكون‬ ‫ِ‬
‫والطبيعة!‬ ‫ِ‬
‫املصادفة‬ ‫جود‪ ..‬ثم تراه ُي ِح ُيل تلك احلادث َة إىل‬ ‫اجلارية يف الو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُسنَنُه‬
‫ُ‬
‫احلرب‪ ،‬عىل نظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ند ٌّي أو فِرق ٌة‪ ،‬يف‬ ‫ي ُيل االنتصار الذي ُي ِر ُزه ج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العنيد الذي ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاألبله‬
‫ِ‬
‫واألفعال‬ ‫ِ‬
‫الدولة‪،‬‬ ‫اجليش‪ ،‬وس ِ‬
‫لطان‬ ‫ِ‬ ‫العسكرية‪ ،‬ويق َطعه عن ِ‬
‫قائد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقانون‬ ‫ند ّي ِة‬
‫اجل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلارية املقصودة‪ِ.‬‬
‫ِ‬
‫أوقية من ُم ِتل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ماهر مئ َة‬
‫ّاع ٌ‬ ‫هم الفاضحة هبذا املثال‪ :‬إذا ما َصنَع صن ٌ‬ ‫و ْلنن ُظر إىل َحا َقت ُ‬
‫جمها‬ ‫صغرية من َخ َش ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ومئة ِذرا ٍع من ُم ِتل ِ‬‫األطعمة‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫يتجاوز َح ُ‬
‫ُ‬ ‫ب ال‬ ‫قطعة‬ ‫األقمشة‪ ،‬من‬ ‫ف‬
‫هة!‬ ‫اخلشبية التافِ ُ‬
‫ُ‬ ‫الق ُ‬
‫طعة‬ ‫اخلارق َة قامت هبا تلك ِ‬ ‫األعامل ِ‬‫َ‬ ‫إن هذه‬ ‫فر‪ ،‬وقال أحدُ هم‪ّ :‬‬ ‫ُق َلم َة ُظ ٍ‬
‫وارق ُصن ِع الصان ِع‬ ‫نك ُر َخ َ‬ ‫بـر ُز بِ ْذر ًة صلد ًة وي ِ‬
‫ب محاق ًة عجيب ًة؟ فهذا َشبي ٌه بمن ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أال َيرتك ُ‬
‫ٍ‬
‫مصادفة‬ ‫املعجزة بإحالتها إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫الشجرة‪ ،‬بل يح ُّط من ِ‬
‫قيمة تلك‬ ‫ِ‬ ‫لق‬‫احلكيم يف َخ ِ‬
‫ِ‬
‫َ ُ‬
‫واألمر كذلك يف هذا‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫طبيعية!‬ ‫َ‬
‫عوامل‬ ‫عشوا َء أو‬
‫ُ‬
‫سل ِمي هذه‬ ‫السؤال السابع‪ :‬كيف ُي ُ‬
‫بالذات إىل م ِ‬ ‫ِ‬ ‫توجه ٌة‬
‫ُ‬ ‫بأن هذه احلادث َة األرضي َة ُم ِّ‬
‫فهم ّ‬
‫و«أر ِزن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْجان»‪.‬‬ ‫َقع بكثرة يف جهات «إزمري» ْ‬ ‫البالد‪ ،‬أي َّإنا تَستَهد ُفهم؟ وملاذا ت ُ‬
‫قوعها‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬إذ ُو ُ‬ ‫أن هذه احلادث َة استَهدَ َفت َ‬
‫أهل‬ ‫ٍ‬
‫أمارات كثري ًة عىل َّ‬ ‫إن هناك‬‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫البالد التي ال ُي َت ُم‬ ‫ِ‬
‫الربد‪ ،‬وخاص ًة يف هذه‬ ‫الليل‪ ،‬ويف ِشدَّ ِة‬
‫ِ‬ ‫لمة‬ ‫ِ‬
‫الشتاء ويف ُظ ِ‬ ‫يف ِ‬
‫قار ِ‬
‫س‬
‫ِ‬ ‫رمضان‪ ،‬واستِمرارها الناشئ من َعد ِم ات ِ‬ ‫َ‬
‫وإليقاظ الغافلني من‬ ‫ِّعاظ الناس منها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فيها َش ُ‬
‫هر‬
‫� � � �‬ ‫�‬
‫‪205‬‬ ‫���������� ��� ����������������‬
‫��� � �‬
‫� ���‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬وأهنا‬ ‫أن هذه احلادث َة استَهدَ َفت َ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬
‫األمارات تدُ ُّل عىل َّ‬ ‫ُ‬
‫وأمثالا من‬ ‫َرقدَ ِتم‪..‬‬
‫والتض ِع إليه سبحانَه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والدعاء‬ ‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫ِ‬
‫إقامة‬ ‫ِ‬
‫بالذات لتَد َف َعهم إىل‬ ‫َوج ُه إليهم وت ِ‬
‫ُزلز ُلم‬
‫َ ُّ‬ ‫تت َّ‬
‫ِ‬
‫وجهان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املنكوبة‪ ،‬ف َلها‬ ‫رزن َ‬
‫ْجان»‬ ‫أماكن مثل « َأ ِ‬ ‫أما ِشد ُة َّ‬
‫هز ِتا يف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الطفيفة‪.‬‬ ‫خطاياه ُم‬ ‫تكفريا عن‬ ‫األول‪ :‬أهنا َع َّج َل ْت هبم‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َبت َصف َعتَها َأ ّوال يف تلك‬
‫الزندقة‬ ‫أس َس ُ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬
‫ن‪،‬حيث َّ‬ ‫األماك‬ ‫تم ُل أهنا َ َ‬
‫الثاين‪ُ :‬ي َ‬
‫ِ‬ ‫وح َف َظ ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لنشاطاتم ُم ِ‬
‫اإليامن‬ ‫نتهزين الفرص َة من ق ّلة َعدَ د ُحاة اإلسال ِم األقوياء َ‬ ‫مركزا َقو ًّيا‬
‫يب ّ‬ ‫َونم َمغلوبِني عىل ِ‬ ‫األُص ِ‬
‫الء‪ ،‬أو لِك ِ‬
‫اهلل‪.‬‬
‫إل ُ‬ ‫علم ال َغ َ‬
‫أمرهم‪ ..‬ال َي ُ‬ ‫َ‬
‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬
‫� ا � �ة � ش ة‬‫��ل �ة �ل�‬
‫خ‬ ‫�‬
‫ا � ك�‬
‫ل�� �م� ا � م��س� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ (امللك‪)5:‬‬

‫َ‬
‫فضاق ذهنُه‪،‬‬ ‫علم ال َف ِ‬
‫لك‪،‬‬ ‫للروح يف ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫مسائل فاقد ًة‬ ‫ِ‬
‫احلديثة‬ ‫ِ‬
‫املدارس‬ ‫يا َمن تَع َّلم يف‬
‫ِ‬
‫اجلليلة! اعلم‬ ‫هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫العظيم ِ‬
‫ِ‬ ‫الرس‬ ‫وانحدر عق ُله إىل عينِه حتى استعىص ِ‬
‫استيعاب ِّ‬
‫ُ‬ ‫عليه‬ ‫َ‬
‫ومراتب‪ ،‬ه ّيا نصعدْ إليها معا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن للصعود إىل سامء هذه اآلية الكريمة ُس َّل ًم ذا َس ْب ِع درجات‬ ‫َّ‬
‫َ‬

‫املرتبة األوىل‬
‫ُ‬
‫احلال يف‬ ‫يناسبونا ‪-‬كام هو‬ ‫َ‬
‫أهلون‬ ‫ِ‬
‫للسامء‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫تقتضيان أن‬ ‫إن احلقيق َة واحلكم َة‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والروحانيات‪.‬‬ ‫املختلفة املالئك َة‬
‫ُ‬ ‫األجناس‬ ‫ِ‬
‫الرشيعة أولئك‬ ‫األرض‪ -‬ويسمى يف‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫السامء‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إىل‬ ‫ِ‬
‫وحقارتا‬ ‫صغرها‬‫األرض‪ ،‬مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن َمل َء‬ ‫احلقيقة تقتيض هكذا‪ ،‬إ ْذ َّ‬ ‫ُ‬ ‫نعم‪،‬‬
‫ابقني‬
‫الس َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وإعامر َها حينًا بعدَ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بذوي ٍ‬
‫آخرين بعد إخالئها من َّ‬ ‫َ‬ ‫إدراك‬ ‫حني بذوي‬ ‫َ‬ ‫وإدراك‪،‬‬ ‫حياة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دة‪َ ،‬‬‫الربوج الـمشي ِ‬ ‫الساموات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املزينة‪ ،‬بذوي‬ ‫القصور‬ ‫تلك‬ ‫ِ ُ َّ‬ ‫ذات‬ ‫بامتالء‬ ‫يرص ُح‪-‬‬ ‫يشري ‪-‬بل ِّ‬ ‫ُ‬
‫كتاب الكون‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫قرص هذا العاملِ‪ُ ،‬مطالعو‬ ‫ِ‬
‫واإلنس‪ُ ،‬مشاهدو ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاجلن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إدراك وشعور‪ ،‬فهؤالء‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬
‫ـم وجتمي َله بام ال ُيعدُّ وال ُيىص‬ ‫تزيني العا َل ِ‬
‫َ‬ ‫ون إليها؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫الربوبية و ُمنا ُد َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عظمة‬ ‫أدل ُء إىل‬ ‫َّ‬
‫نني‬ ‫ِ‬
‫ستحس َ‬ ‫ِّرين ُم‬ ‫البديعة‪ ،‬يقتيض ‪-‬بداه ًة‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنظار ُمتفك َ‬ ‫َ‬ ‫والنقوش‬ ‫واملحاسن‬ ‫التزيينات‬ ‫من‬
‫أن‬‫إل جلائعٍ‪ ،‬مع َّ‬ ‫الطعام ّ‬
‫ُ‬ ‫لعاشق‪ ،‬كام ال ُيعطى‬‫ٍ‬ ‫احلسن ّ‬
‫إل‬ ‫ُ‬ ‫بني‪ ،‬إذ ال ُي ْظ َه ُر‬ ‫عج َ‬ ‫رين ُم َ‬ ‫و ُمقدِّ َ‬
‫ِ‬
‫املحدودة‬ ‫الوظائف ِ‬
‫غري‬ ‫ِ‬ ‫مليون من ِ‬
‫هذه‬ ‫ٍ‬ ‫بواحد من‬‫ٍ‬ ‫يستطيعان القيا َم ّ‬
‫إل‬ ‫ِ‬ ‫واجلن ال‬ ‫اإلنس‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غيـر‬ ‫الوظائف املتنوع َة َ‬‫َ‬ ‫املهيب والعبودية الواسعة؛ بمعنى َّ‬
‫أن هذه‬ ‫فضل عن اإلرشاف‬ ‫ً‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪207‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫ِ‬
‫وأجناس‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫حتتاج إىل ما ال ُيعدُّ من أنوا ِع‬ ‫وهذه العباد َة التي ال هناي َة هلا‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املتناهية‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحانيات‪.‬‬ ‫الر‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫القول‪َّ :‬‬ ‫حكمة انتظا ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن‬ ‫العالِ ُّ‬
‫يصح‬ ‫واآلثار‪ ،‬وبمقتىض‬ ‫الروايات‬ ‫بعض‬ ‫إشارة‬ ‫فبنا ًء عىل‬
‫مراكب‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫طرات‬ ‫ِ‬
‫السيارة وانتها ًء بال َق‬ ‫ِ‬
‫الكواكب‬ ‫قسم من األجسا ِم السي ِ‬
‫ارة ابتدا ًء من‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫عالِ الشهادةِ‬
‫ويتجولون يف َ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫يركبون تلك األجسا َم ‪-‬بإذن ٍ‬
‫إهلي‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لقسم من املالئكة‪َ ،‬ف ُهم‬ ‫ٍ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ويتفر َ‬
‫جون عليه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بـ«طيـر‬ ‫ِ‬
‫املوصوفة‬ ‫طيور ِ‬
‫اجلنة‬ ‫ِ‬
‫احليوانية ابتدا ًء من ِ‬ ‫إن قسام من األجسا ِم‬ ‫أيضا‪َّ :‬‬ ‫ويصح ُ‬
‫القول ً‬ ‫ُّ‬
‫ارات‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ط َّي ٌ‬ ‫ِ‬
‫والبعوض يف‬ ‫ِ‬
‫بالذباب‬ ‫ِ‬
‫الرشيف(‪ -)2‬وانتها ًء‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫ُخ ٍ‬
‫ضـر» ‪-‬كام ورد يف‬
‫ـم‬ ‫ِ‬
‫احلق سبحانَه وتشاهدُ عا َل َ‬ ‫بأمر ِّ‬ ‫األرواح يف أجوافِها ِ‬‫ُ‬ ‫تدخل َ‬
‫تلك‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرواح‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جلنس من‬
‫ِ‬
‫اجلسامنية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفطرة‬ ‫ِ‬
‫معجزات‬ ‫ِ‬
‫مشاهد ًة‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫حواس تلك‬ ‫ِ‬
‫نوافذ‬ ‫ُطل من‬ ‫ِ‬
‫سامنيات‪ ،‬وت ُّ‬ ‫ِ‬
‫اجل‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ذوات‬ ‫ٍ‬
‫مخلوقات‬ ‫ِ‬
‫العكر‬ ‫ِ‬
‫واملاء‬ ‫ِ‬
‫الكثيف‬ ‫ِ‬
‫الرتاب‬ ‫ٍ‬
‫باستمرار من‬ ‫خيلق‬
‫الكريم الذي ُ‬ ‫فاخلالق‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫خيلقها‬ ‫ٍ‬
‫وشعور ُ‬ ‫ٍ‬
‫إدراك‬ ‫ِ‬
‫ذوات‬ ‫ٍ‬
‫مخلوقات‬ ‫ٍ‬
‫إدراك ُم َّنورةً‪ ،‬وحيا ًة نوراني ًة لطيف ًة‪ ،‬ال ريب َّ‬
‫أن ل ُه‬
‫وأنسب هلام‪ ،‬بل هي موجود ٌة‬ ‫ِ‬
‫واحلياة‬ ‫ِ‬
‫للروح‬ ‫أليق‬ ‫ِ‬
‫الظلامت‪ ،‬مما هو ُ‬ ‫بحر ِ‬
‫النور بل من بحر‬ ‫من ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫هائلة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بكثرة‬

‫والعرشين»‬ ‫جل جال ُله» و«الكلم َة التاس َع َة‬ ‫ِ‬


‫معرفة اهلل َّ‬ ‫فراجع رسال َة «ن ٌ‬
‫ُقطة من نور‬ ‫شئت‬
‫فإن َ‬‫ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫والروحانيات‪ ،‬فقد أثبتنا وجو َدهم إثباتًا جاز ًما قاط ًعا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫إثبات‬
‫َ‬ ‫يخص‬ ‫فيام‬
‫ُّ‬

‫املرتبة الثانية‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لدولة‬ ‫ِ‬
‫مملكتني‬ ‫ِ‬
‫كعالقة‬ ‫ٍ‬
‫ببعض‪،‬‬ ‫بعضها‬
‫عالقة ُ‬‫ٍ‬ ‫ذات‬ ‫ِ‬
‫والساموات ُ‬ ‫األرض‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫والربكة‬ ‫ِ‬
‫واحلرارة‬ ‫ِ‬
‫الضياء‬ ‫ِ‬
‫لألرض من‬ ‫رضوري‬ ‫ٌ‬
‫مهمة‪ ،‬فام هو‬ ‫ومعامالت‬ ‫وثيق‬ ‫ٌ‬
‫ارتباط ٌ‬ ‫فبينَهام‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ُرس ُل من َ‬
‫هناك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والرمحة وما شا َبـهها تأيت ك ُّلها من‬
‫األرض‪ ،‬أي ت َ‬ ‫السامء إىل‬
‫ِ‬
‫احلاصل من‬ ‫ِ‬
‫وبالتواتر‬ ‫اإلهلي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوحي‬ ‫ِ‬
‫املستندة إىل‬ ‫ِ‬
‫الساموية‬ ‫ِ‬
‫األديان‬ ‫َ‬
‫كذلك فبإمجا ِع مجي ِع‬
‫ِّ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الرتمذي‪ ،‬الزهد ‪9‬؛ ابن ماجه‪ ،‬الزهد ‪.19‬‬
‫(‪ )2‬تقدم خترجيه يف القطعة األوىل من ذيل الكلمة العارشة‪.‬‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪208‬‬
‫ِ‬
‫فباحلدس‬ ‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السامء إىل‬ ‫يأتون من‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫والروحانيات‬ ‫إن املالئك َة‬
‫الكشف‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫شهود مجي ِع ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬
‫دون هبا إىل‬ ‫األرض طري ًقا َيص َع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسكنة‬ ‫إن‬ ‫ِ‬
‫واإلحساس‪َّ -‬‬ ‫ِ‬
‫االستشعار‬ ‫‪-‬أقرب إىل‬ ‫القطعي‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫أرواح‬ ‫َ‬
‫كذلك‬ ‫ٍ‬
‫حيـن‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫كل فرد وخيا ُله و َن َظ ُر ُه إىل السامء يف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫عقل ِّ‬ ‫السامء؛ إ ْذ كام يرنو ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫األموات الذين خل ُعوا أجسا َدهم‬ ‫ِ‬ ‫وأرواح‬ ‫الذين خ ُّفوا بوض ِع أثقاهلم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألولياء‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫هناك‪ ،‬فالبدَّ َّ‬
‫أن‬ ‫يذهبون إىل َ‬
‫َ‬ ‫الذين خ ُّفوا و َل ُط ُفوا‬ ‫السامء‪ ،‬وحيث َّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫إلهي إىل‬ ‫يصعدُ َ ٍ‬
‫َ‬ ‫ون بإذن ٍّ‬
‫ِ‬ ‫وخ َّفتَها من س ِ‬‫وح ِ‬ ‫يلبسون َجسدً ا ِمثال ًيا‪،‬‬
‫األرض‬ ‫كنة‬ ‫َ‬ ‫الر ِ‬ ‫اخلفيفيـن لطا َف َة ُّ‬
‫َ‬ ‫واللطيفيـن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫الذين‬
‫ِ‬
‫السامء‪.‬‬ ‫الذهاب إىل‬ ‫ِ‬
‫واهلواء يمكنُهم‬
‫ُ‬

‫املرتبة الثالثة‬
‫ِ‬
‫ووس َعتها ونورانيتَها يدل عىل‬ ‫سكون السامء وسكوتَها وانتظا َمها وا ِّطرا َدها ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫رون‪ ،‬فليس‬ ‫يفعلون ما يؤ َم ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مطيعون‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫كل ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬بل ُّ‬ ‫كأهل‬‫ِ‬ ‫أن أه َلها ليسوا‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ورون‬ ‫ألن اململك َة واسع ٌة فسيح ٌة جدً ا‪ ،‬وهم َمف ُط‬ ‫ِ‬
‫واالختالفات‪َّ ،‬‬ ‫يوجب املزامح َة‬ ‫هناك ما‬‫َ‬
‫ُ‬
‫األرض التي فيها‬ ‫ِ‬ ‫بخ ِ‬
‫الف‬ ‫ثابت ِ‬ ‫َ‬ ‫الصفاء والن ِ‬‫ِ‬
‫ذنب هلم‪ ،‬ومقا ُمهم ٌ‬ ‫معصومون ال َ‬ ‫َّقاء‪،‬‬ ‫عىل‬
‫ِ‬
‫االضطرابات‬ ‫ِ‬
‫االختالفات املؤ ِّدي َة إىل‬ ‫ِ‬
‫باألبرار‪ ،‬مما و َّلدَ‬ ‫ِ‬
‫األرشار‬ ‫ُ‬
‫واختالط‬ ‫ِ‬
‫األضداد‬ ‫اجتامع‬
‫ُ‬
‫قي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ِّ‬
‫مراتب ُّ‬
‫ُ‬ ‫وظهرت‬
‫ْ‬ ‫باب االمتحان واملسابقة‬ ‫وانفتح بذلك ُ‬
‫َ‬ ‫والقالقل واملشاجرات‪،‬‬
‫ودركات التدين‪.‬‬‫ُ‬
‫قة‪ ،‬ومن املعلو ِم َّ‬
‫أن‬ ‫الخ ْل ِ‬
‫لشجرة ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫النهائية‬ ‫َ‬
‫اإلنسان هو الثمر ُة‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة هي َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫وحكمة هذه‬
‫وأبدع‬ ‫وأمجع‬ ‫ُ‬
‫فاإلنسان هو ثمر ُة العاملِ‪،‬‬ ‫الش ِ‬
‫جرة وأمج ُعها وألط ُفها‪ ،‬لذا‬ ‫ِ‬
‫أجزاء َّ‬ ‫الثمر َة هي أبعدُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عجزا وضع ًفا ولط ًفا‪.‬‬
‫وأكثرها ً‬ ‫ِ‬
‫الربانية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫ِ‬
‫مصنوعات‬
‫ُ‬
‫للسامء معنًى وصنع ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األرض‪ -‬كُف ٌء‬ ‫اإلنسان ومسكنَه ‪-‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫فإن َمهدَ هذا‬ ‫ومن هنا َّ‬
‫ُ‬
‫ومشه ُر جمي ِع‬ ‫ومركزه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫قلب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومع ِص ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وحقارهتا بالنسبة إىل السامء فهي ُ‬ ‫َ‬ ‫األرض‬ ‫غر‬
‫عك ُس‬ ‫وبؤرتا‪ ،‬وم ِ‬ ‫ِ‬
‫األسامء احلسنى‬ ‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫ومظهر مجي ِع‬ ‫ِ‬
‫الربانية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫ِ‬
‫معجزات‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مطلق‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بجود‬ ‫ِ‬
‫املخلوقــات اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫عرض‬ ‫ُ‬
‫وسوق‬ ‫وحمـرشها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املطلقة‬ ‫ِ‬
‫الربانية‬ ‫ِ‬
‫الفعاليات‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عر ُض‬ ‫َموذج مص َّغ ٌر ملا ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫واحليوانات‪ ،‬وهي ن‬ ‫النباتات‬ ‫كاثرة من‬ ‫لكثـرة‬ ‫عرضها‬
‫والس َّيام ُ‬
‫ِ‬
‫األبدية‬ ‫ِ‬
‫املنسوجات‬ ‫ِ‬
‫إلنتاج‬ ‫ٍ‬
‫فائقة‬ ‫ٍ‬
‫برسعة‬ ‫ومصنع ُ‬
‫يعمل‬ ‫اآلخرة من مصنوعات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يف عـواملِ‬
‫ٌ‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪209‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫ِ‬
‫البساتني‬ ‫ِ‬
‫بذور‬ ‫ِ‬
‫الستنبات‬ ‫ٌ‬
‫مؤقتة‬ ‫ٍ‬
‫برسعة‪ ،‬وهي مزرع ٌة ض ِّي ٌ‬
‫قة‬ ‫ِ‬
‫املتبدلة‬ ‫ِ‬
‫الرسمدية‬ ‫ِ‬
‫واملناظر‬
‫ِ‬
‫اخلالدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدائمة‬
‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫الصنعة‪ ،‬جع َلها‬
‫ُ‬ ‫لألرض(‪ )1‬وأمهيتِها من ُ‬
‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعنوية‬ ‫ِ‬
‫العظمة‬ ‫ومن هذه‬
‫الض ِ‬
‫خمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بشجرتا َّ‬ ‫ِ‬
‫الصغرية‬ ‫للساموات كال َّث ِ‬
‫مرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة‬ ‫ً‬
‫وعدل هلا‪ ،‬مع َّأنا‬ ‫ِ‬
‫للساموات‬ ‫ُك ْف ًؤا‬
‫ٍ‬ ‫فيجع ُلها يف ِك َّف ٍة‬
‫فيكر ُر اآلي َة الكريم َة ﴿ ﭷﭸﭹ﴾ ‪.‬‬ ‫والساموات يف كفة ُأخرى‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املذكورة‪ -‬يقتيض أن‬ ‫الدائم ‪-‬بنا ًء عىل هذه احلِك َِم‬
‫َ‬ ‫الرسيع‪ ،‬وتغ ُّي َـرها‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫إن َ َت ُّو َل‬
‫ثم َّ‬
‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫نالت من‬ ‫ِ‬
‫حمدوديتها‪ْ ،‬‬ ‫األرض مع‬
‫َ‬ ‫حتوالت مماثل ٌة هلا‪ ،‬وكذا َّ‬
‫إن‬ ‫ٌ‬ ‫تطر َأ عىل أهليها ً‬
‫أيضا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلنس؛ بحدٍّ‬
‫ُ‬ ‫القدرة اإلهلية املطلقة‪ ،‬وذلك بعد ِم حتديد قوى أهليها ذوي الشأن ومها ُّ‬
‫اجلن‬
‫لرقي ال هناي َة‬ ‫األرض َم ِ‬ ‫احلياة؛ لذا َغ ِ‬
‫ِ‬ ‫لق ٍّي كام هو يف ِ‬ ‫قيد َخ ِ‬‫فطري أو ٍ‬
‫عر ًضا ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫دت‬ ‫سائر ذوي‬ ‫ٍّ‬
‫ٌ‬
‫ميدان‬ ‫ِ‬
‫والشياطني‬ ‫دة ال ُط ِ‬
‫غاة‬ ‫َّامر ِ‬ ‫ِ‬
‫واألولياء وانتها ًء بالن ِ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫له ولِتَدَ ٍّن ال غاي َة له‪ ،‬فابتدا ًء من‬
‫ِ‬
‫واالختبار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لالمتحان‬ ‫واسع جدً ا‬ ‫ٌ‬

‫غير‬ ‫ِ‬
‫برشاراتا ِ‬ ‫ستقذف السام َء وأه َلها‬
‫ُ‬ ‫الشياطيـن املتفرعن َة‬
‫َ‬ ‫األمر هكذا َّ‬
‫فإن‬ ‫وملا َ‬
‫كان‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املحدودة‪.‬‬

‫رب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الساموات‪ ،‬ألنه يصح القول‪َّ :‬‬ ‫يمكن أن َ‬ ‫األرض مع ِ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪َّ ،‬‬
‫دائم العطاء هو أك ُ‬
‫إن نب ًعا َ‬ ‫تعدل‬ ‫ُ‬ ‫صغرها‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ضع جان ًبا‪ ،‬ثم ِكيلت حماصي ُله باملكيال‬
‫وو َ‬ ‫ٍ‬
‫بمكيال‪ُ ،‬‬ ‫بحرية ال َير ُد إليها يشء؛ ثم إنه إذا ِكيل يش ٌء ما‬
‫ٍ‬ ‫من‬
‫نفسه‪ ،‬ووضعت إىل جانب آخر‪ ،‬فمهام كانت هذه املواد أضخم وأكرب من املكيال نفسه‪ ،‬ولو بألوفِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قار َن معه‪.‬‬
‫إل أن املكيال يمكن أن يعادل ذلك اجلسم و ُي َ‬ ‫ظاهرا‪ّ ،‬‬‫ً‬ ‫املرات‬
‫مظهر‬
‫َ‬ ‫مدار حكمته‪،‬‬
‫حمرش إجياده‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫مشهر صنعته‪،‬‬‫َ‬ ‫األرض‪ ،‬فقد خل َقها سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫كذلك‬
‫فياضا تسيل منه «املوجودات» إىل‬ ‫ِ‬
‫مزهر رمحته‪ ،‬مزرع َة جنته‪َ ،‬مك َيل املوجودات وخلقها نب ًعا ً‬ ‫قدرته‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بحار املايض وإىل عامل الغيب‪ ،‬وخلقها بحيث ُيبدِّ ل عليها سنو ًيا أثواهبا املنسوجة ببدائع صنعه‪ ،‬يبدهلا‬
‫الواحدة تلو األخرى‪ ،‬بمئات األلوف من األنواع واألشكال‪.‬‬
‫األثواب الكثرية جدا‬
‫َ‬ ‫ُصب يف عامل الغيب‪ ،‬وتلك‬ ‫واآلن ُخذ أمام نظرك تلك العوامل الكثرية التي ت ُّ‬
‫ِ‬
‫مجيع ما يف املايض حارضا‪ ،‬ثم قابلها مع الساموات التي هي‬ ‫افرتض َ‬
‫ْ‬ ‫َنزعها‪ ،‬أي‬
‫التي تلبسها األرض وت ُ‬
‫ِ‬
‫الساموات فال‬ ‫األرض‪ ،‬إن مل ت َُثق ْل عىل ِ‬
‫كفة‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫معقدة‪ ،‬ووازن بينهام‪ ،‬تر أن‬ ‫ٍ‬
‫وبساطة غري‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وترية‬ ‫عىل‬
‫تبقى قارصة عنها‪ ،‬ومن هنا تَفهم رس اآلية الكريمة‪ ﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ ‪( ،‬املؤلف)‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪210‬‬

‫املرتبة الرابعة‬
‫وعناوين‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اجلالل واإلكرا ِم‪ ،‬أسما ًء ُحسنى‬ ‫العامليـن وخالِ ِقها ومد ِّب ِر َأ ِ‬
‫مرها ذي‬ ‫َ‬ ‫لرب‬
‫إن ِّ‬ ‫َّ‬
‫صف‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للقتال يف‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫َ‬
‫إرسال‬ ‫نوان الذي يقتيض‬ ‫فاالسم وال ُع ُ‬ ‫كثريةً‪ ،‬متغاير ًة أحكا ُمها؛‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫حماربة ال ُك َّف ِار‪ )1(،‬هو‬ ‫مع الر ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس ُه‬ ‫والعنوان ُ‬ ‫نفس ُه‬
‫االسم ُ‬
‫ُ‬ ‫سول ﷺ لدى‬ ‫الصحابة الكرا ِم َ َّ‬ ‫َّ‬
‫بني‬ ‫َ‬
‫هناك مبارز ٌة َ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫وأن‬ ‫ِ‬
‫ياطني‪ْ ،‬‬ ‫املالئكة َّ‬
‫والش‬ ‫ِ‬ ‫هناك حمارب ٌة بني‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫الذي َيقتيض ْ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫األرشار‪.‬‬ ‫واألرضيني‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األخيار‬ ‫امويني‬
‫َ‬ ‫الس‬‫َّ‬
‫قبضة قدرتِه ال ُيفنيهم‬
‫ِ‬ ‫ُفوسهم يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفار وأنْفاسهم‪ ،‬ون ُ‬ ‫ِ‬
‫ألرواح‬ ‫َ‬
‫املالك‬ ‫َ‬
‫اجلليل‬ ‫القدير‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫وبأسامئه‬ ‫ِ‬
‫العامة‪،‬‬ ‫ومبارزة‪ ،‬بعنوان الر ِ‬
‫بوبية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫امتحان‬ ‫َ‬
‫ميدان‬ ‫فتح‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫بأمر من ُه‪ ،‬وال بصيحة‪ ،‬بل َي ُ‬
‫«احلكيم»‪« ،‬المد ِّب ِر»‪.‬‬
‫ِ‬ ‫احلسنى‬
‫عناوين خمتلف ٌة وأسام ُء متنوع ٌة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫السلطان له‬ ‫أن‬‫األمثال‪ :-‬نرى َّ‬ ‫ِ‬ ‫فمثل ‪-‬وال مشاح َة يف‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫العسكرية‬ ‫العادل»‪ ،‬والدائر ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«احلاكم‬ ‫ِ‬
‫باسم‬ ‫العدلية تَعر ُفه‬
‫ُ‬ ‫دوائر حكومتِه‪ ،‬فالدائر ُة‬ ‫ِ‬ ‫حسب‬
‫َ‬
‫املدنية تعر ُفه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باسم «اخلليفة»‪ ،‬والدائر ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعر ُف ُه باسم «القائد العا ِم»‪ ،‬بينام دائر ُة املشيخة تَذكُره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرحيم»‪ ،‬بينام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«السلطان‬ ‫للسلطان يذكرونَه باسم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫املطيعون‬ ‫واأله َ‬
‫لون‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫«السلطان»‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باسم‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وق ْس عىل هذا‪َّ ،‬‬ ‫يقولون‪ :‬إنه «احلاكم القهار»؛ ِ‬
‫املالك‬ ‫َ‬ ‫اجلليل‬ ‫السلطان‬ ‫فإن ذلك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫العصا ُة‬
‫ِ‬
‫املحكمة‬ ‫ذليل‪ ،‬بل يسو ُقه إىل‬ ‫عاجزا عاص ًيا ً‬ ‫شخصا‬ ‫بأمر منه‬ ‫عد ُم ٍ‬ ‫لني كاف ًة‪ ،‬ال ي ِ‬ ‫األه َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫لناصية ْ‬
‫أحد من‬ ‫تكريم إىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يلتفت التفات َة‬ ‫اجلليل ال‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫السلطان‬ ‫ذلك‬ ‫إن َ‬ ‫ثم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫«احلاكم العادل»‪َّ ،‬‬ ‫باسم‬
‫مسابقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ميدان‬ ‫يفتح‬ ‫ِِ‬ ‫لمه به وال ُي ِ‬ ‫مو َّظ ِفيه اجلديرين هبا حسب ِع ِ‬
‫كر ُمه هباتفه اخلاص‪ ،‬بل ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫يكافئ‬ ‫ِ‬
‫لني إىل مشاهدة املسابقة‪ ،‬ثم‬‫ِ‬ ‫األه َ‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫وزيره ويدعو ْ‬ ‫َ‬ ‫يأمر‬
‫استقبال رسم ًيا‪ُ ،‬‬ ‫هيئ له‬ ‫و ُي ُ‬
‫نظير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َ‬
‫علن مكافأتَه يف ذلك امليدان َ‬ ‫الموظف بعنوان هيئة الدولة وإدارة احلكومة‪ ،‬ف ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬
‫ٍ‬
‫امتحان‬ ‫سامني‪ ،‬بعد‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫أشخاص‬ ‫ٍ‬
‫غفرية من‬ ‫عليه أما َم ُجو ٍع‬ ‫ضل ِ‬ ‫استقامتِه‪ ،‬أي يكر ُمه وي َت َف ُ‬
‫إلثبات َجدارتِه أما َمهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هيب‪،‬‬ ‫َم ٍ‬

‫وعناوين‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫شؤون‬ ‫املثل األعىل‪ -‬فل ّله سبحانَه وتعاىل أسام ٌء ُحسنى كثريةٌ‪ ،‬ول ُه‬
‫وهكذا ‪-‬وهلل ُ‬
‫والش ُ‬
‫أن الذي يقتيض‬ ‫فاالسم وال ُع ُ‬
‫نوان َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫مجالية؛‬ ‫جاللية و َظ ُ‬
‫واهر‬ ‫ٌ‬ ‫جتليات‬
‫ٌ‬ ‫كثري ٌة جدً ا‪ ،‬وله‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬أبو يعىل‪ ،‬املسند ‪379/1‬؛ احلاكم‪ ،‬املستدرك ‪72/3‬؛ ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى ‪.16/2‬‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪211‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫نوعا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجو َد ِ‬
‫النور والظال ِم‪،‬‬
‫املبارزة ً‬ ‫قانون‬ ‫شمول‬ ‫والنار‪ ،‬يقتيض‬ ‫واجلنة‬ ‫والشتاء‪،‬‬ ‫والصيف‬
‫ِ‬
‫القوانيـن‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كقانون الت ِ‬ ‫ِ‬
‫َّناسل‪ ،‬وقانون املسابقة‪ ،‬وقانون التعاون‪ ،‬وأمثاله َ‬ ‫أيضا‬
‫َعميمه ً‬
‫ما وت َ‬
‫ِ‬
‫والوساوس‬ ‫ِ‬
‫اإلهلامات‬ ‫املبارز ِة بني‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املبارزة ابتدا ًء من‬ ‫ِ‬
‫قانون‬ ‫الشاملة؛ أي يقتيض ُش َ‬
‫مول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العامة‬
‫ِ‬
‫الساموات‪.‬‬ ‫والشياطني يف ِ‬
‫آفاق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫ِ‬
‫احلاصلة بني‬ ‫ِ‬
‫املبارزة‬ ‫ِ‬
‫القلب وانتها ًء إىل‬ ‫ِ‬
‫الدائرة َ‬
‫حول‬

‫املرتبة اخلامسة‬
‫السامء والصعو ُد‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فالنـزول من‬ ‫امء وعود ٌة منها‪،‬‬ ‫األرض إىل الس ِ‬‫ِ‬ ‫ذهاب من‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫ملا َ‬
‫كان‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫األرواح‬
‫َ‬ ‫هناك؛ وحيث َّ‬
‫إن‬ ‫َ‬ ‫ُرس ُل من‬ ‫ُ‬
‫األرضية ت َ‬ ‫وريات‬
‫ُ‬ ‫اللوازم والضَّ‬
‫ُ‬ ‫إليها َو ِار ٌد ً‬
‫أيضا‪ ،‬بل‬
‫وت َ‬‫اخلبيثة ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يبني‬‫اول تقليدَ ال َّط َ‬ ‫ُ‬ ‫األرواح‬
‫ُ‬ ‫أن تَتش َّب ُث‬
‫األرض‪ ،‬فالبدَّ ْ‬ ‫السامء من‬ ‫تنطلق إىل‬
‫ُ‬ ‫الطيب َة‬
‫ِ‬
‫السامء‪ ،‬بل‬ ‫وخفتِها‪ ،‬والبدَّ ألَّ َيقب َلها ُ‬
‫أهل‬ ‫الساموات‪ ،‬وذلك لِلطافتِها ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِ‬
‫هاب إىل‬ ‫منها يف َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طردونا لـام يف طبعها من ُش ْؤ ٍم َ ٍّ‬
‫وش‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َي‬
‫ِ‬
‫عالـم‬ ‫ِ‬
‫املعنوية يف‬ ‫ِ‬
‫املبارزة‬ ‫ِ‬
‫وهذه‬ ‫ِ‬
‫املهمة‬ ‫ِ‬
‫املعاملة‬ ‫عالمة عىل ِ‬
‫هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫ثم البدَّ من‬
‫ِ‬
‫المهمة‬ ‫ِ‬
‫اإللهية‬ ‫ِ‬
‫الغيبية‬ ‫ِ‬
‫َّصرفات‬ ‫تضع إشار ًة على الت‬ ‫ِ‬ ‫ألن عظم َة‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬‫الربوبية تقتضي ْ‬ ‫الشهادة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصـرها َذوو‬ ‫ِ‬
‫وظيفة‬ ‫ألجل‬ ‫الحامل‬ ‫اإلنسان‬
‫ُ‬ ‫والشعور والس َّيما‬ ‫اإلدراك‬ ‫وعالم ًة عليها ل ُي َ‬
‫املطر إشار ًة إىل‬ ‫جعل َ‬ ‫واإلشراف؛ فكام أنَّه س ُبحانَه قد َ‬ ‫ُ‬ ‫وهي المشاهد ُة والشهاد ُة والدَّ عو ُة‬
‫ـم‬ ‫أهل عا َل ِ‬
‫جاعل َ‬ ‫ً‬ ‫خوارق صنعتِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األسباب الظاهر َة عالم ًة عىل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وجعل‬ ‫ِ‬
‫معجزات الربيعِ‪،‬‬
‫ذلك‬ ‫األرض إىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫أنظار مجي ِع ِ‬
‫أهل‬ ‫جيلب‬ ‫ريب أنَّه‬ ‫الشها َد ِة‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شاهدين عليها؛ فال َ‬ ‫َ‬
‫بروجها‬ ‫صينة التي ُز ِّين َْت‬‫كالقلعة احل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظه ُر تلك السام َء العظيم َة‬ ‫العجيب‪ ،‬ف ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫املشهد العظيم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُشو ُق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِ ُح َّر ٍ‬
‫التأمل فيها‪.‬‬ ‫الفكر إىل‬ ‫أهل‬ ‫حولا‪ ،‬أو كاملدينة العامرة التي ت ِّ‬ ‫يـن َ‬ ‫اس ُم ْص َطـ ِّف َ‬
‫ٍ‬
‫إشارة‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫ُ‬
‫احلكمة‪ ،‬فالبدَّ من‬ ‫الرفيعة رضور ًة تقتضيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املبارزة‬ ‫إعالن هذه‬ ‫ُ‬ ‫فامدا َم‬
‫والساموية ت ِ‬
‫ُالئ ُم هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلوية‬ ‫ِ‬
‫احلادثات‬ ‫ضمن‬ ‫حادثة كانت‬ ‫ٍ‬ ‫ُشاهدُ أ َّي ُة‬
‫َ‬ ‫عليها‪ ،‬بينام ال ت َ‬
‫ِ‬
‫احلادثات النَّجمي َة‪ ،‬من‬ ‫عالمة عليها‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫أنسب‬ ‫فإن ما ذكرنا ُه إذن هو‬ ‫ُناسب ُه‪َّ ،‬‬ ‫اإلعالن وت ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وبروجها‬ ‫ِ‬
‫العالية‬ ‫ِ‬
‫التنوير من القال ِع‬ ‫ِ‬
‫طلقات‬ ‫ِ‬
‫وإطالق‬ ‫ِ‬
‫املجانيق‪،‬‬ ‫الشبِ ِيه بِ َر ْم ِي‬
‫ب َّ‬ ‫الش ُه ِ‬‫َر ْم ِي ُّ‬
‫ِ‬
‫بالشهب‪ ،‬مع أنه ال‬ ‫ِ‬
‫الشياطني‬ ‫ِ‬
‫برجم‬ ‫فه ُم بداه ًة مدى مناسبتِها و ُمال َء َمتِها‬ ‫ِ‬
‫احلصينة‪ ،‬مما ُي َ‬
‫غري التي‬ ‫ف هلا ٌ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تُعرف ِ‬
‫غاية تناس ُبها ُ‬ ‫ُعر ُ‬
‫غري هذه احلكمة‪ ،‬وال ت َ‬ ‫(رجم الشياطني) ُ‬ ‫احلادثة‬ ‫هلذه‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪212‬‬
‫سيدنا آد َم‬‫زمن ِ‬ ‫أن ِ‬
‫هذه احلكم َة مشهور ٌة منذ ِ‬ ‫فضل عن َّ‬ ‫ِ‬
‫للحادثات األخرى؛‬ ‫َاها خال ًفا‬
‫ً‬ ‫ذكرن َ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عليه السالم‪ ،‬ومشهود ٌة لدى ِ‬
‫أهل‬

‫املرتبة السادسة‬
‫قادران عىل ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مترد‬ ‫واجلحود‪ ،‬فهام‬ ‫واجلن حيمالن استعدا ًدا ال هناي َة ل ُه ِّ‬
‫للرش‬ ‫ُ‬ ‫اإلنس‬
‫ُ‬ ‫ملا َ‬
‫كان‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الكريم ببالغتِه‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫سامية‬ ‫باهرة‬ ‫وبأساليب‬
‫َ‬ ‫املعجزة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫وطغيان ال هناي َة هلام‪ ،‬لذا َي ُ‬
‫زجر‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الطغيان‬ ‫واجلن من‬
‫َّ‬ ‫اإلنس‬
‫َ‬ ‫مسائل دقيق ًة‪َ ،‬ي ُ‬
‫زجر هبا‬ ‫األمثال الرفيع َة ال َق ِّيم َة و َيذك ُُر‬ ‫ويرضب‬
‫ُ‬
‫الكون ك َّل ُه‪.‬‬
‫َ‬ ‫جرا عني ًفا ُّ‬
‫يهز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعصيان َز ً‬
‫فمثل قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ً‬
‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ * ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ* ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﴾ (الرمحن‪.)35-33:‬‬
‫وكيف ِ‬ ‫ِ‬ ‫العنيف يف ِ‬
‫تكس‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫اآلية‪،‬‬ ‫هذه‬ ‫َ‬ ‫جر‬
‫والز َ‬ ‫املريع َّ‬
‫َ‬ ‫العظيم والتهديدَ‬
‫َ‬ ‫تأ َّم ِل الن َ‬
‫َّذير‬
‫فيهام من َض ٍ‬
‫عف أما َم‬ ‫عجزمها‪ ،‬مب ِّين ًة مدى ما ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫معجزة‪ ،‬معلن ًة‬ ‫ٍ‬
‫ببالغة‬ ‫ِ‬
‫واإلنس‬ ‫اجلن‬ ‫متر َّد‬
‫ِّ‬
‫فكأن هذه اآلي َة الكريم َة‪ ،‬وكذا اآلي َة األخرى‬
‫َّ‬ ‫جل وعال‪،‬‬ ‫عة ربوبيتِه َّ‬
‫عظمة سلطانِه وس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اطبان هكذا‪:‬‬‫ِ‬ ‫﴿ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ (امللك‪ُ )5:‬ت‬
‫ِ‬
‫وضعفهم! أهيا‬ ‫ِ‬
‫بعجزهم‬ ‫ُ‬
‫املتوحلون‬ ‫ُ‬
‫املتمردون‪،‬‬ ‫ُ‬
‫املغرورون‬ ‫واجلان‪ ،‬أهيا‬ ‫ُّ‬ ‫اإلنس‬ ‫«أهيا‬
‫ُ‬
‫أوامري‪ ،‬فه َّيا اخرجوا‬ ‫وضعفهم إنَّكم إن مل تُطيعوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫غون يف ِ‬
‫فقرهم‬ ‫املتمر َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اجلاحمون ِّ‬ ‫املعاندون‬
‫ٍ‬
‫سلطان‬ ‫ِ‬
‫أوامر‬ ‫ِ‬
‫صيان‬ ‫تتجرؤون إ َذن عىل ِع‬ ‫فكيف َّ‬ ‫َ‬ ‫إن استطعتُم!‬ ‫لكي وسلطاين ِ‬
‫ُ‬
‫حدود م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫كأنا جنو ٌد متأهبون؛ فأنتم‬ ‫ِ‬
‫بأوامره‪َّ ،‬‬ ‫والشموس يف قبضتِه‪َ ،‬‬
‫تأت ُر‬ ‫ُ‬ ‫واألقامر‬
‫ُ‬ ‫النجوم‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم؛‬
‫َ‬
‫يستطيعون أن‬ ‫َ‬
‫هيبون‬ ‫َ‬
‫مطيعون َم‬ ‫جليل له جنو ٌد‬ ‫ً‬ ‫عظيم‬
‫ً‬ ‫حاكم‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫تبارزون‬ ‫بطغيانِكم هذا إنَّام‬
‫َ‬
‫تتمردون‬ ‫حتملت‪ ،‬وأنتم بكفرانِكم هذا إنام‬ ‫بقذائف كاجلبال‪ ،‬حتَّى شياطينَكم لو َّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يرمجوا‬
‫قصفوا أعدا ًء كفر ًة ‪-‬ولو كانوا‬ ‫يستطيعون أن ي ِ‬
‫َ َ‬ ‫جليل‪ ،‬له جنو ٌد ِعظا ٌم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‬ ‫مالك‬‫مملكة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫واجلبال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫كأمثال‬ ‫ملتهبة وشظايا من ٍ‬
‫هليب‬ ‫ٍ‬ ‫بقذائف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واجلبال‪-‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫ضخامة‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫ختالفون قانونًا صار ًما‬ ‫ضعيفة أمثالِكم؟ وأنتم‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمخلوقات‬ ‫فكيف‬
‫َ‬ ‫شتتونم!‬
‫َ‬ ‫فيمزقونم و ُي‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وراجمات َ‬
‫أمثال النجو ِم‪.‬‬ ‫قذائف‬
‫َ‬ ‫يمطر عليكُم‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بإذن اهلل‪ -‬أن‬ ‫ُ‬
‫يرتبط به َم ْن له القدر ُة‬
‫َ‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪213‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫ِ‬
‫األعداء‪،‬‬ ‫بالغة‪ ،‬فهي ليست ناجت ًة من ِ‬
‫قوة‬ ‫أمهية ٍ‬
‫ذات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نعم َّ‬
‫تحشيدات َ‬ ‫الكريم‬ ‫القرآن‬ ‫إن يف‬
‫العدو وشناعتِه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ــح‬ ‫ِ‬
‫األلوهية و َف ْض ِ‬ ‫ِ‬
‫عظمة‬ ‫ِ‬
‫كإظهار‬ ‫ٍ‬
‫أســباب أخرى‬ ‫بل من‬
‫َقر ُن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثم أحيانًا ت ِّ‬
‫ألصغر يشء وأضعفه‪ ،‬وت ُ‬ ‫األسباب وأقواها‬ ‫أعظم‬
‫َ‬ ‫الكريمة‬ ‫اآلية‬ ‫ُحشدُ‬
‫ِ‬
‫العلم‬ ‫ِ‬
‫وهناية‬ ‫ِ‬
‫العدل‬ ‫ِ‬
‫وغاية‬ ‫لكامل االنتظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫إظهارا‬ ‫للضعيف‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تجاوز‬ ‫بينهام دون‬
‫ً‬
‫احلكمة؛ فقوله تعاىل ﴿ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقوة‬
‫النبي‬‫حظي به ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الالئق الذي‬ ‫يبني مدى االحرتا ِم‬ ‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾ (التحريم‪ُ )4:‬‬
‫ِ‬
‫الزوجات‪.‬‬ ‫َ‬
‫حقوق‬ ‫َشمل‬ ‫ِ‬
‫الواسعة التي ت ُ‬ ‫الكريم ﷺ‪ ،‬ومدى الر ِ‬
‫محة‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وبيان‬ ‫لو مكانتِه عندَ اهلل‬‫وع ِّ‬ ‫النبي ﷺ ُ‬ ‫ِ‬
‫إظهار عظمة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فهذه احلشو ُد إنام تفيدُ إفاد ًة رحيم ًة يف‬
‫ِ‬
‫حلقوقهام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرعاية‬ ‫َني ومدى‬ ‫َني ضعيفت ِ‬ ‫أمهية شكوى زوجت ِ‬ ‫ِ‬

‫املرتبة السابعة‬
‫واألسامك‪ ،‬فمنها يف ِ‬
‫غاية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املالئكة‬ ‫كبريا‪ ،‬كام هو ُ‬
‫احلال يف‬ ‫النجوم فيام بينَها تباينًا ً‬
‫ُ‬ ‫تتباين‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالنجم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يلمع يف وجه السامء‬ ‫طلق عىل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َغ ِر ومنها يف غاية الك َ ِب‪ ،‬حتى ُأ َ‬
‫كل ما ُ‬ ‫ِّ‬
‫الفاطر‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫ِ‬
‫اللطيف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫لتزيني ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أجناس النجو ِم هو‬ ‫فنوع من أنوا ِع‬
‫َ‬ ‫وهكذا ٌ‬
‫كاألسامك المسب ِ‬
‫حة هلل‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫جرة‪ ،‬أو‬ ‫الني ِة َ‬
‫لتلك َّ‬ ‫اجلميل قد خل َقها كال ِّث ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ ِّ‬ ‫امر ِّ‬ ‫والصانع‬
‫َ‬ ‫اجلليل‬
‫صغريا من النجو ِم‬
‫ً‬ ‫نوعا‬
‫أيضا ً‬ ‫لق ً‬ ‫وخ َ‬‫املنازل ملالئكتِه‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكاأللوف من‬ ‫ِ‬
‫البحر الواسعِ‪،‬‬ ‫َ‬
‫لذلك‬
‫ِ‬
‫الشياطني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لرجم‬ ‫أدا ًة‬
‫ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫حتمل ثالث َة‬ ‫ِ‬
‫الشياطني قد ُ‬ ‫ِ‬
‫لرجم‬ ‫ُرس ُل‬
‫فالشهب التي ت َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫دوائر‬ ‫ٍ‬
‫دائرة من‬ ‫ِ‬
‫املبارزة يف أوس ِع‬ ‫ِ‬
‫قانون‬ ‫ِ‬
‫جريان‬ ‫رمز وعالم ٌة عىل‬
‫املعنى األول‪ :‬أنّه ٌ‬
‫ِ‬
‫الوجود‪.‬‬
‫الشهب إشار ٌة‬ ‫ِ‬
‫فهذه‬ ‫طيعني‪،‬‬ ‫وأه ِل َ‬
‫ني ُم‬ ‫ِ‬ ‫املعنى الثاين‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫قظني ْ‬
‫راسا َي َ‬
‫الساموات ُح ً‬ ‫أن يف َّ‬
‫ِ‬
‫واسرتاق السم ِع‬ ‫الرشيرين هبم‬ ‫األرضيني‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اختالط‬ ‫ِ‬
‫جنود اهلل من‬ ‫ِ‬
‫امتعاض‬ ‫ٌ‬
‫وإعالن عن‬
‫َ‬
‫إليهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫جواسيس‬ ‫ِ‬
‫إلرهاب‬ ‫ٍ‬
‫تنوير هي‬ ‫وقذائف‬
‫ُ‬ ‫جمانيق‬
‫ُ‬ ‫وكأنا‬
‫َّ‬ ‫الشهب‬
‫َ‬ ‫املعنى الثالث‪َّ :‬‬
‫أن هذه‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪214‬‬
‫متثيل‪ ،‬و َط ْر ِدهم‬
‫املساوئ األرضي َة أسو َأ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يمثلون‬ ‫السمع والذين‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يسرتقون‬ ‫ِ‬
‫الشياطني الذين‬
‫الطاهرين‪ ،‬ولِ َي ُحو ُلوا‬ ‫لو ُثوا السام َء الطاهر َة التي هي ُسكنى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وذلك ل َئال ُي ِّ‬ ‫السامء‬ ‫أبواب‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫اخلبيثة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النفوس‬ ‫ِ‬
‫حلساب‬ ‫ِ‬
‫بالتجسس‬ ‫بينهم وبني القيا ِم‬
‫غمض‬ ‫الرياعة! ويا من ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫نور‬
‫نوره َ‬
‫يتجاوز ُ‬
‫ُ‬ ‫عقله ِ ِ‬
‫القاص‪ ،‬الذي ال‬ ‫أيا الفلكي املعتمدُ عىل ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عينَه عن ِ‬
‫السبع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املراتب‬
‫ُ‬ ‫شمس القرآن املبني! تأ َّم ْل يف هذه احلقائق التي ُ‬
‫تشري إليها هذه‬ ‫نور‬
‫ِ‬
‫الكريمة يف نور‬ ‫عقلك‪ ،‬وشاهدْ معنى ِ‬
‫اآلية‬ ‫َ‬ ‫بصيص‬ ‫تأ َّم ْلها دفع ًة واحدةً‪ ،‬أ ْب ِص ْر‪َ ،‬د ْع َ‬
‫عنك‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫تلك ِ‬ ‫واحدة من ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‬ ‫اآلية‬ ‫سامء َ‬ ‫حقيقة‬ ‫وخ ْذ َ‬
‫نجم‬ ‫النهار‪ُ ،‬‬ ‫وضوح‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الواضح‬ ‫إعجازها‬
‫نفعل هذا‪ ،‬ولن َُق ْل م ًعا‪:‬‬ ‫ونحن كذلك ُ‬ ‫وارج ُه هبا!‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ذهنك‬ ‫القابع يف‬ ‫َ‬
‫الشيطان‬ ‫ف هبا‬
‫واقذ ْ‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫﴿ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ (املؤمنون‪.)97:‬‬

‫ُ‬
‫القاطعة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واحلكمة‬ ‫ُ‬
‫البالغة‬ ‫ُ‬
‫احلجة‬ ‫‪ ..‬فل َّل ِه‬
‫(‪)1‬‬
‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬

‫ُ‬
‫املبحث‬ ‫ِ‬
‫الشيطان وحزبِه» وهو‬ ‫ِ‬
‫القرآن عىل‬ ‫ُ‬
‫«حجة‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة اخلامسة عرشة» هو‬ ‫(‪ )1‬مالحظة‪ :‬ذيل ِ‬
‫هذه‬
‫موض ِعه رجا ًء‪.‬‬
‫السادس والعرشين‪ ،‬فلياجع يف ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املكتوب‬ ‫ُ‬
‫األول من‬
‫ل���ل �ة ا �� ا � �ة � ش ة‬
‫�‬ ‫�‬
‫ا � ك� �م� ل��س� د �س� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿‪  ‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ* ﯵ ﯶ‬
‫﴾ (يس‪)83-82:‬‬ ‫ﯷﯸﯹﯺﯻﯼ‬
‫ِ‬
‫الظلامت من حوهلا‪،‬‬ ‫نفيس العميا َء بصيرةً‪ ،‬ولِتُبد َد‬ ‫ُ‬
‫الكلمة لتَمن ََح‬ ‫كُتب ْت ِ‬
‫هذه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اآلية الكريمة‪ِ.‬‬
‫هذه ِ‬ ‫نور ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أربع أش َّعات من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولتَكون مبع ًثا الطمئنانا‪ ،‬وذلك بإراءتا َ‬

‫الشعاع األول‬
‫كلية أفعالِه‪َ ،‬و َوحد َة‬
‫ذات اهلل سبحانَه وتعاىل مع ِ‬ ‫إن أحدي َة ِ‬ ‫تقولني‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫نفيس اجلاهل َة!‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫وحضور ُه‬ ‫ٍ‬
‫رشيك‪،‬‬ ‫شمول ترصفاتِه َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬ ‫ني‪ ،‬وفرديتَه مع‬ ‫دون ُم ِع ٍ‬
‫عمومية ربوبيتِه َ‬ ‫ِ‬ ‫ذاتِه مع‬
‫َ‬
‫يشء‪ ،‬ووحدانيتَه مع‬ ‫كل ٍ‬ ‫املكان‪ِ ،‬‬
‫ور ْف َعتَه املطلقة مع قربِه إىل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َنـز ِه ِه عن‬ ‫ٍ‬ ‫يف ِّ‬
‫مكان‪ ،‬مع ت ُّ‬ ‫كل‬
‫حكيم‪،‬‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫وتقولني‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫القرآنية‪..‬‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫بالذات‪ ،‬مجي ُعها من‬ ‫ِ‬ ‫يشء يف قبضتِه‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األمور؛ لذا‬ ‫َ‬
‫العقل يرى منافا ًة ظاهري ًة يف هذه‬ ‫العقل ما ال يقب ُل ُه‪َ ،‬ب ْيدَ َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫حم ُل‬
‫واحلكيم ال ُي ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التسليم‪.‬‬ ‫َ‬
‫العقل إىل‬ ‫ُ‬
‫يسوق‬ ‫إيضاحا‬
‫ً‬ ‫أطلب‬
‫ُ‬
‫مستندين‬ ‫ِ‬
‫االطمئنان‪ ،‬فإننا نقول‬ ‫وتطلبني ذلك لبلو ِغ‬
‫َ‬ ‫األمر هكذا‪،‬‬ ‫اجلواب‪ :‬مادا َم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫كثريا من‬ ‫ِ‬
‫األسامء احلسنى‪ -‬قد َّ‬ ‫ِ‬ ‫الكريم‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حل ً‬ ‫«النور» ‪-‬وهو من‬ ‫اسم‬
‫إن َ‬ ‫القرآن‬ ‫فيض‬ ‫إىل‬
‫بإذن اهلل ِ‬
‫هذه املسأل َة ً‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫مشكالتِنا‪ ،‬ويح ُّـل ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫التمثيل‬ ‫طريق‬
‫َ‬ ‫منتقيـن‬
‫َ‬ ‫هندي(*)‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫الفاروقي ِّ‬
‫ُّ‬ ‫الرباين أمحدُ‬
‫ُّ‬ ‫اإلمام‬
‫ُ‬ ‫نقول كام َ‬
‫قال‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للقلب‪:‬‬ ‫واملنو ِر‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للعقل‬ ‫ِ‬
‫الواضح‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪216‬‬
‫نَ��ه ����شَ�� بَ����� ْ نَ��ه ��شَ��� ْ �َرَ ْ����ستَ����� ْ�مَ � نْ‬
‫م�‬ ‫�پ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫گ يَ خَ‬ ‫ُ‬ ‫غُ ٰ شَ ْ سَ ْ اَ زْ شَ ْ‬
‫م � � ْ ْ (‪)1‬‬
‫��لا �ِم ������م�����م �������م ِ��س ِى �و م���بَر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫التمثيل أسطع ٍ‬ ‫ُ‬
‫الرس‬ ‫سننظر إىل هذا ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أيضا‬ ‫فنحن ً‬‫ُ‬ ‫القرآن‪،‬‬ ‫إلعجاز‬ ‫عاكسة‬ ‫مرآة‬ ‫َ‬ ‫ـمـا َ‬
‫كان‬ ‫َل َّ‬
‫خمتلفة‪ ،‬فبينام‬ ‫ٍ‬ ‫بوساطة مرايا‬ ‫ِ‬ ‫ب صف ًة كلي ًة‬ ‫ِ‬ ‫التمثيل‪ ،‬وذلك‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شخصا واحدً ا َيكس ُ‬ ‫ً‬ ‫أن‬ ‫خالل‬ ‫من‬
‫شاملة ٍ‬
‫عامة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لشؤون‬ ‫ٍ‬
‫مالك‬ ‫ِ‬
‫يصبح بمثابة كيلٍّ‬ ‫ُ‬ ‫حقيقي‬
‫ٌ‬ ‫جزئي‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫بحكم‬‫ِ‬ ‫تصبح‬ ‫ِ‬
‫الشفافة‬ ‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫ِ‬
‫بوساطة‬ ‫ص‪ ،‬ولكن‬ ‫َّ‬ ‫فمثال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫مشخ ٌ‬ ‫جزئي‬
‫ٌّ‬ ‫الشمس‪ ،‬وهي‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بعدد‬ ‫ِ‬
‫اجللوات‬ ‫تكون هلا من‬ ‫ُ‬ ‫وانعكاساتا‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بصورها‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫سطح‬ ‫الكيلِّ ‪ ،‬حتى إهنا مت ُ‬
‫أل‬
‫َ‬
‫حييط‬ ‫سبعة‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ألوان‬ ‫فيه من‬ ‫وضياؤها‪ ،‬وما ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫الساطعة‪ ،‬وحرار ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والذرات‬ ‫ِ‬
‫القطرات‬
‫شفاف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يشء‬ ‫كل‬ ‫فإن َّ‬
‫نفسه َّ‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويعمها ويف‬ ‫باألشياء التي تقاب ُلها ويشم ُلها‬ ‫ِ‬ ‫كل منها‬ ‫ٌّ‬
‫ُّ‬
‫جاعل‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫واأللوان السبع َة ً‬ ‫َ‬ ‫الشمس‪ -‬احلرار َة والضيا َء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫ؤبؤ عينِه ‪-‬مع‬ ‫ُي ِّب ُئ يف ُب ِ‬
‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫بصفة واحديتِها بجمي ِع‬ ‫ِ‬ ‫الشمس مثلام ُ‬
‫حتيط‬ ‫عرشا هلا؛ بمعنى َّ‬
‫أن‬ ‫الطاهر ً‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫قلبه‬
‫َ‬
‫كل ٍ‬ ‫ذاتا يف ِّ‬ ‫حيث أحديتُها توجدُ بنو ٍع من جتيل ِ‬
‫خواصها‬ ‫ِّ‬ ‫يشء مع‬ ‫ُ‬ ‫فهي من‬ ‫التي تقاب ُلها‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الكثرية‪.‬‬ ‫وأوصافِها‬
‫حمور‬ ‫َ‬ ‫التمثيل إىل التَّم ُّث ِل‪ ،‬فسنشري إىل ِ‬
‫ثالثة أنوا ٍع من التَّم ُّث ِل‬ ‫ِ‬ ‫وما ُدمنا قد انتق ْلنَا من‬
‫ليكون َ‬ ‫ُ‬
‫هذ ِه‪.‬‬
‫مسألتِنا ِ‬

‫وات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أوهلا‪:‬‬


‫غري وليست عينًا‪ ،‬وهي َم ٌ‬
‫املنعكسة لألشياء املادية الكثيفة‪ ،‬هي ٌ‬ ‫الصور‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الظاهرية‪.‬‬ ‫خاصية غري هويتِها الص ِ‬
‫ورية‬ ‫ٍ‬ ‫وليست مالك ًة ِ‬
‫ألية‬
‫ُّ‬ ‫َ ُ‬

‫ِ‬
‫الشمس أروي حدي َثها فام يل ول َّل ِ‬
‫يل فأروي حدي َثه‬ ‫غالم‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬يعني‪ :‬وإين‬
‫كام يف مكتوبات اإلمام الرباين املرتمجة إىل العربية‪ :‬ج‪ 1‬املكتوب ‪ 130‬وج‪ 2‬املكتوب ‪ ،58‬ويف‬
‫املكتوبات الفارسية لإلمام الرباين جاء البيتان (ط‪ 1‬سنة ‪ 1383‬هجري شميس‪ ،‬انتشارات صديقي‪،‬‬
‫زاهدان)‪:‬‬
‫چو غالم آفتاب هم َاز آفتاب گويم نه شبم نه شب َپرستم كه حديث خواب گويم‬
‫والبيتان ملوالنا جالل الدين الرومي يف ديوانه املسمى «كليات شمس تربيزي» ‪ -‬طبعة طهران سنة‬
‫‪ 1381‬هجري شميس ص ‪ 459‬قصيدة حتت رقم (‪.)1621‬‬
‫� �� � � � �� � � � �‬
‫‪217‬‬ ‫��� ���� ����� � ���������‬
‫ولكن‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‪،‬‬ ‫ألف‬ ‫ُ‬
‫فيكون سعيدٌ واحدٌ َ‬ ‫ِ‬
‫خمزن املرايا‪،‬‬ ‫دخلت ‪-‬يا سعيدُ ‪ -‬إىل‬
‫َ‬ ‫فمثال‪ :‬إذا‬
‫َّ‬
‫خواص‬ ‫أموات ليست هلم‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫والبقية‬ ‫أنت فقط ال غري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األلوف‪ ،‬هو َ‬ ‫يملك احليا َة من ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫الذي‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫احلياة‪.‬‬
‫املنعكسة ليست عينًا‪ ،‬وليست‬ ‫ُ‬ ‫الصور‬ ‫ِ‬
‫املادية؛ هذه‬ ‫ِ‬
‫للنورانيات‬ ‫ُ‬
‫املنعكسة‬ ‫الصور‬ ‫ثانيها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خواص‬ ‫ِ‬
‫ألكثر‬ ‫النوراين املادي َة؛ ولكنها مالك ٌة‬ ‫َستوعب ماهي َة‬ ‫نفسه‪ ،‬إذ ال ت‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫غريا يف‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫ذات حياة مث َله‪.‬‬ ‫ُعتب َ‬ ‫النوراين؛ فت َ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ذلك‬
‫فكل‬ ‫مرآة‪ُّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫صورتا يف ِّ‬ ‫َظهر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الشمس أشعتَها عىل الكرة األرضية ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫َنش‬
‫فمثال‪ :‬عندما ت ُ ُ‬
‫سبعة؛‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وألوان‬ ‫ٍ‬
‫وضوء‬ ‫ٍ‬
‫حرارة‬ ‫مس‪ ،‬من‬ ‫الش ِ‬ ‫خصائص َّ‬ ‫حتمل ما ُ‬
‫يامثل‬ ‫منعكسة منها ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صورة‬
‫َ‬
‫علمها‪،‬‬ ‫عني ِ‬ ‫وضياؤها َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫قدرتا‪،‬‬ ‫عني‬‫حرارتا َ‬
‫ُ‬ ‫شعور‪ ،‬وأصبحت‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫الشمس َ‬ ‫ت‬ ‫افت َض ِ‬
‫فلو ُ ِ‬
‫ُ‬
‫كل ٍ‬
‫مرآة‪،‬‬ ‫الشمس الوحيد ُة الفريد ُة يف ِّ‬ ‫السبع‪ ،‬لكانت تُوجدُ تلك‬ ‫ِ‬
‫صفاتا‬ ‫ُ‬
‫السبعة‬ ‫وألوانا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫نوعا من هاتف؛‬ ‫كل منها ً‬ ‫عرشا هلا َي ُُّصها‪ ،‬ومن ٍّ‬ ‫كل منها ً‬ ‫والت َذ ْت من ٍّ‬ ‫يف اللحظة نفسها‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعيدون عنها؛‬ ‫َ‬ ‫باملرآة التي يف أيدينا‪ ،‬ومع أننا‬ ‫ِ‬ ‫كل ِمنَّا‬ ‫فال َيمن َُع يش ٌء شي ًئا‪ ،‬وألَمكنها أن َ‬
‫تقابل ً‬
‫فإهنا أقرب إلينا من ِ‬
‫أنفسنا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫عني يف‬‫النورانية؛ هذه الصور حي ٌة‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألرواح‬ ‫ُ‬
‫املنعكسة‬ ‫الصور‬ ‫ثالثها‪:‬‬
‫ُ‬
‫بالذات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الروح‬ ‫تسع ماهي َة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ولكن َّ‬ ‫ِ‬
‫فق قابليات املرايا‪ ،‬فاملرآ ُة ال ُ‬ ‫يكون َو َ‬ ‫ظهورها‬‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ْ‬ ‫نفسه‪،‬‬
‫ِ‬
‫صورة‬ ‫النبوة عىل‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جملس‬ ‫حيرض يف‬ ‫السالم‬ ‫جربيل ِ‬
‫عليه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوقت الذي كان سيدُ نا‬ ‫فمثل‪ :‬يف‬
‫ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلهلي بأجنحتِه‬ ‫ِ‬ ‫بي(*)؛(‪َ )1‬‬ ‫الصحا ِ‬
‫العرش‬ ‫املهيبة أما َم‬ ‫ِّ‬ ‫احلضور‬ ‫كان يسجدُ يف‬ ‫يب دح َي َة ال َك ْل ِّ‬
‫ِّ‬
‫األوامر‬ ‫أماكن ال تُعدُّ وال ُتىص‪ ،‬إذ كان يب ِّل ُغ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعظم‪ )2(،‬وهو يف اللحظة نفس ِها موجو ٌد يف‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫فعل‪.‬‬
‫يمنع ً‬
‫فعل ُ‬ ‫اإلهلي َة‪ ،‬فام كان ٌ‬
‫ِ‬
‫األنحاء كا َّف ًة‪ ،‬يف‬ ‫صلوات أ َّمتِه ك ِّلها‪ ،‬يف‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الرسول ﷺ‪،‬‬ ‫يسمع‬ ‫نفهم كيف‬
‫ُ‬ ‫الرس ُ‬
‫ومن هذا ِّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬املناقب ‪ ،25‬فضائل القرآن ‪1‬؛ مسلم‪ ،‬اإليامن ‪ ،271‬فضائل الصحابة ‪100‬؛ الرتمذي‪ ،‬املناقب ‪12‬؛‬
‫النسائي‪ ،‬اإليامن ‪6‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.334/3 ،107/2‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬بدء اخللق ‪ ،6‬األدب ‪ ،41‬التوحيد ‪33‬؛ مسلم‪ ،‬اإليامن ‪ ،346‬الرب ‪157‬؛ الرتمذي‪ ،‬تفسري سورة النحل‬
‫‪6‬؛ أبو داود‪ ،‬السنة ‪21‬؛ اإلمام مالك‪ ،‬املوطأ‪ ،‬الشعائر ‪15‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪،509 ،413 ،354 ،341 ،267/2‬‬
‫‪.263/5 ،514‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪218‬‬
‫يقابل األصفيا َء يو َم‬ ‫كيف أنه ﷺ ُ‬ ‫ونفهم كذلك َ‬ ‫وهو َّيتُه نوراني ٌة؛‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫نور ُ‬ ‫الوقت نفسه‪ ،‬إذ ماهيتُه ٌ‬
‫اآلخر‪ ،‬بل حتى األوليا ُء الذين اكتسبوا مزيدً ا من‬ ‫يمنع الواحدُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫القيامة يف وقت واحد‪ ،‬فال ُ‬
‫ِ‬
‫اللحظة‬ ‫يشاهدُ َ‬
‫ون يف‬ ‫قال إهنم‬‫القسم ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫«األبدال» هذا‬ ‫اسم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫طلق عليهم ُ‬ ‫النورانية والذين ُي ُ‬
‫أعامل متباين ًة كثري ًة جدً ا؛‬‫ً‬ ‫الشخص نفسه ُي ِ‬
‫نج ُز‬ ‫متعددة‪ ،‬و ُيروى عنهم أن‬ ‫ٍ‬ ‫أماكن‬ ‫نفسها‪ ،‬يف‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يصبح اهلوا ُء‬ ‫ِ‬
‫املادية‪ ،‬كذلك‬ ‫وأمثالام من املوا ِّد مرايا لألجسا ِم‬ ‫ُ‬ ‫الزجاج واملا ُء‬ ‫يصبح‬ ‫إذ كام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وت ٍ‬
‫وال هلا‬ ‫ٍ‬
‫سيـر َ‬ ‫َ‬
‫ووسائط‬ ‫ِ‬
‫للروحانيات‬ ‫ِ‬
‫بمثابة مرايا‬ ‫ِ‬
‫املثال‪،‬‬ ‫وموجودات من عامل‬ ‫ٌ‬ ‫واألثري‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسيح يف تلك املنازل ال َّلطيفة واملرايا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الروحانيات وت ُ‬
‫ُ‬ ‫فتتجول تلك‬ ‫يف رسعة الربق واخليال؛‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫األماكن يف ٍ‬
‫آن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألوف‬ ‫ُ‬
‫فتدخل يف‬ ‫ِ‬
‫اخليال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫برسعة‬ ‫ِ‬
‫النظيفة‬
‫ِ‬
‫باملادة‬ ‫نورانية مق َّيد ٌة‬‫ٍ‬ ‫ومصنوعات شب ُه‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫كالشمس‪،‬‬ ‫فمخلوقات عاجز ٌة ومسخر ٌة‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النورانية‪،‬‬ ‫يمكن أن توجدَ يف عدة مواض َع مع َّأنا يف موض ٍع واحد‪ِّ ،‬‬
‫برس‬ ‫ُ‬ ‫وحاين إن كان‬ ‫ِّ‬ ‫كالر‬
‫ُّ‬
‫أعامل كثري ًة يف آنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كم كل ًيا مطل ًقا‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫جزئي‬
‫ٍّ‬ ‫باختيار‬ ‫تفعل‬ ‫ب ُح ً‬ ‫إذ بينام هي ُجزئ َّي ٌة مق َّيد ٌة تَكس ُ‬
‫ِ‬
‫بالقيد‬ ‫ِ‬
‫َّحديد‬ ‫منـز ٌه عن الت‬ ‫املادة و ُمقدَّ ٌس عنها‪ ،‬ومن هو َّ‬ ‫فكيف إذن بمن هو جمرد عن ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫واحد؛‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ألنوار‬ ‫ٌ‬
‫كثيفة‬ ‫ٌ‬
‫ظالل‬ ‫إل‬‫والنورانيات ك ُّلها ّ‬
‫ُ‬ ‫األنوار‬ ‫لمة الكثا َف ِة ومبر ٌأ عنها‪ ،‬بل ما ِ‬
‫هذه‬ ‫و ُظ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫إل مرايا‬ ‫املثال ّ‬‫ِ‬ ‫وعالـم‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫وعالـم‬ ‫واحلياة ك ِّلها‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫مجيع‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أسامئه احلسنى‪ ،‬بل ما ُ‬
‫يشء؛‬ ‫بكل ٍ‬ ‫حميطة ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫اجلليل الذي شؤونُه كُلي ٌة وصفاتُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدوس‬ ‫مجال ذلك‬ ‫إلظهار ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫شفافة‬ ‫ِشب ُه‬
‫وجتل‬ ‫ِ‬
‫املحيطة ِّ‬ ‫ضمن جتيل صفاتِه‬ ‫توج ِه أحد َيتِ ِه التي هي‬ ‫تُرى أي ٍ‬
‫َ‬ ‫رت عن ُّ‬ ‫يستطيع أن يتس َ‬
‫ُ‬ ‫يشء‬ ‫ُّ‬
‫يشء يصعب عليه‪ ،‬وأي يشءٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫أفعاله بإرادته الكلية وقدرته املطلقة وعلمه املحيط‪ُّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫فرد يمكن ُه أن َّ‬ ‫يستطيع أن يتخ َّفى عنه‪ ،‬وأي ٍ‬
‫َقترب‬ ‫يظل بعيدً ا عن ُه‪ ،‬وأ َّي ُة شخصية يمكنُها أن ت َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫تكتسب الكلي َة؟‬
‫َ‬ ‫منه َ‬
‫دون أن‬
‫غري‬ ‫ِ‬
‫املنعكسة ِ‬ ‫ِ‬
‫صورتا‬ ‫ِ‬
‫وبوساطة‬ ‫غير املق َّي ِد‪،‬‬
‫الطليق ِ‬‫ِ‬ ‫نورها‬ ‫ِ‬
‫بوساطة ِ‬ ‫الشمس‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫َ‬
‫بؤبؤ عينِك‪ ،‬ومع هذا فأنت بعيدٌ عنها بعدً ا مطل ًقا‪َ ،‬‬
‫ألنك مق َّيدٌ ‪،‬‬ ‫أقرب إليك من ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املادية‪،‬‬
‫تتقر َب إليها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقطع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫التجر ُد من ٍ‬
‫وجتاوزها كي َّ‬
‫ُ‬ ‫الكلية‬ ‫املراتب‬ ‫كثري من‬ ‫ُ‬ ‫القيود‪،‬‬ ‫كثري من‬ ‫ُّ‬ ‫فيلزم‬
‫ُ‬
‫تتقرب‬ ‫يمكن أن‬ ‫ِ‬
‫القمر‪ ،‬ومن بعد ذلك‬‫ِ‬ ‫لو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يستلزم ْ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وتعلو ُع َّ‬
‫َ‬ ‫ب الكرة األرضية‬ ‫تكب ك َ َ‬
‫أن ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫ٍ‬
‫حجاب‪.‬‬ ‫وتتقابل معها َ‬
‫دون‬ ‫َ‬ ‫حد ما‪-‬‬‫للشمس ‪-‬إىل ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األصلية‬ ‫ِ‬
‫املرتبة‬ ‫من‬
‫� �� � � � �� � � � �‬
‫‪219‬‬ ‫��� ���� ����� � ���������‬
‫ِ‬
‫الكامل ‪-‬وهلل‬ ‫ِ‬
‫واجلميل ذي‬ ‫ِ‬
‫اجلامل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلليل ذي‬ ‫َ‬
‫كذلك يف‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪،‬‬ ‫األمر هكذا يف‬ ‫فكام َّ‬
‫أن َ‬
‫وأنت بعيدٌ عنه سبحانَه بعدً ا ال َحدَّ له؛ فإن‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫إليك من ِّ‬
‫أقرب َ‬ ‫املثل األعىل‪ ،-‬فهو‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫التمثيل عىل‬ ‫َ‬
‫النقاط الوارد َة يف‬ ‫تطبق‬
‫فحاول أن َ‬‫ْ‬ ‫ِ‬
‫العقل‪،‬‬ ‫وعلو يف‬
‫ٌّ‬ ‫ِ‬
‫القلب‪،‬‬ ‫لك قو ٌة يف‬ ‫كانت َ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬

‫الشعاع الثاين‬
‫﴿‪  ‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﴾ (يس‪)82:‬‬ ‫قو ُله تعاىل‪:‬‬
‫﴿ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﴾ (يس‪)53:‬‬ ‫وقو ُله تعاىل‪:‬‬
‫بمجر ِد‬
‫َّ‬ ‫أن األشيا َء تُخ َل ُق‬ ‫ِ‬
‫اآليات الكريم َة وأمثا َل َها تفيدُ َّ‬ ‫إن ِ‬
‫هذه‬ ‫يـن‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫نفيس الغافل َة! تقول َ‬ ‫يا َ‬
‫اآلتية‪ ﴿ :‬ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫للوجود َدفع ًة واحدةً‪ ،‬بينام‬ ‫َظه ُر‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫إهلي‪ ،‬وت َ‬ ‫أمر ٍّ‬
‫ُبي‬ ‫ِ‬
‫اآليات ت ِّ ُ‬ ‫ُ‬
‫وأمثالا من‬ ‫ﰍ ﰎ ﴾ (النمل‪ )88:‬و ﴿‪  ‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ (السجدة‪)7:‬‬
‫حكمة ٍ‬
‫بالغة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضمن‬ ‫الصن ِع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫وعلم حميط‪ ،‬وإتقان يف ُّ‬ ‫عظيمة‪،‬‬ ‫بقدرة‬ ‫ُوجدُ تدرجي ًيا‪،‬‬ ‫أن األشيا َء ت َ‬
‫ِ‬
‫التوفيق بينَهام؟‬ ‫فأين وج ُه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪:‬‬ ‫ِ‬
‫فيض‬ ‫مستندين إىل‬ ‫اجلواب‪ُ :‬‬
‫نقول‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات ُيخ َل ُق كام يف‬ ‫ِ‬
‫األخرية‪،‬‬ ‫اآليات‬ ‫أوال‪ :‬ال منافا َة بني اآليات‪ ،‬إذ ٌ‬
‫قسم من‬
‫املثل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كإعادة ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات األوىل‬ ‫ُ‬
‫يكون كام يف‬ ‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقسم ُ‬
‫ٌ‬ ‫البدء‪،‬‬ ‫كاإلجياد يف‬
‫حل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثانيا‪َّ :‬‬
‫سن يف‬ ‫شاهدُ يف املوجودات من ُمنتهى النظا ِم وغاية اإلتقان و ُمنتهى ا ُ‬ ‫إن ما ُي َ‬
‫ِ‬
‫هذين‬ ‫ِ‬
‫حقائق‬ ‫ِ‬
‫بوجود‬ ‫ٍ‬
‫وسعة‪ ،‬يشهدُ‬ ‫ورسعة وك ٍ‬
‫َثرة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سهولة‬ ‫ضمن‬ ‫لقة‪،‬‬‫وكامل اخلِ ِ‬
‫ِ‬ ‫الص ِ‬
‫نعة‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫األمور‬ ‫حتقق هذه‬ ‫ِ‬
‫البحث َ‬ ‫مدار‬ ‫َ‬ ‫اآليات شهاد ًة مطلق ًة؛ لذا ال داعي ألن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يكون ُ‬ ‫سمني من‬ ‫الق‬
‫لق؟‪ ..‬لذا‬ ‫ِ‬
‫اإلجياد واخلَ ِ‬ ‫سم ْي ِ‬
‫ـن من‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يصح أن ُي َ‬ ‫ِ‬
‫هذين الق َ‬ ‫حكمة‬ ‫سر‬
‫قال‪ :‬ما ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫اخلارج‪ ،‬وإنَّام‬ ‫يف‬
‫مثل‪:‬‬ ‫ُ‬
‫فنقول ً‬ ‫ٍ‬
‫بقياس متثييلٍّ ؛‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫نشري إىل هذه‬
‫ُ‬
‫بذ ُل ُجهدً ا و ُي ُ‬
‫زاول مهار ًة و َفنًّا‪ ،‬لكي‬ ‫مبالغ و َي ُ‬
‫َ‬ ‫يرصف‬
‫ُ‬ ‫مثل‪-‬‬
‫اط ً‬ ‫إن صانعا ماهرا ‪-‬كالخي ِ‬ ‫َّّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫(موديل) ملصنوعاتِه‪ ،‬إذ ُيمكنُه أن‬ ‫ً‬ ‫فيعمل منه ُأنمو َذ ًَجا‬
‫ُ‬ ‫خيص َصن َع َت ُه‪،‬‬
‫مجيل ُّ‬
‫ً‬ ‫يوجدَ شي ًئا‬ ‫ِ‬
‫األمر‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫رسعة ٍ‬
‫تامة‪ ،‬بل قد‬ ‫ٍ‬ ‫تكاليف ويف‬
‫َ‬ ‫مصاريف وال‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الصنعة بال‬ ‫يعمل َ‬
‫أمثال تلك‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪220‬‬
‫ب انتظا ًما‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كس َ‬
‫نج ُز‪ ،‬وذلك ألنَّه قد َ‬
‫والعمل ُي َ‬ ‫يأمر‬
‫ويسريا إىل درجة وكأنَّه ُ‬ ‫ً‬ ‫سهل‬‫ً‬ ‫أحيانًا‬
‫ِ‬
‫األمر له‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بمجرد‬ ‫العمل َيتِ ُّم‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫وا ِّطرادا دقي ًقا كالس ِ‬
‫اعة‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫العالـم‬ ‫قرص‬
‫أبدع َ‬‫العليم‪ ،‬قد َ‬
‫َ‬ ‫واملصو َر‬
‫ِّ‬ ‫احلكيم‬
‫َ‬ ‫الصانع‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫وهكذا ‪-‬وهلل ُ‬
‫املثل األعىل‪َّ -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫أودع يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫قدارا معينًا‪،‬‬
‫كل يشء فيه‪ُ ،‬جزئ ًيا كان أم كل ًيا‪ُ ،‬جز ًءا كان أم ك ًُل‪ ،‬م ً‬ ‫مع مجي ِع ما فيه‪ ،‬ثم َ‬
‫ِ‬
‫اليشء‪.‬‬ ‫بنموذج َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬ ‫بنظا ٍم َقدَ ِر ٍي ٍ‬
‫شبيه‬
‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫عرص ُأ‬ ‫جيعل من ِّ‬
‫كل‬ ‫األزيل‪ ،‬ترا ُه ُ‬ ‫ُ‬ ‫املصور‬
‫ُ‬ ‫تأملت يف أعاملِه سبحانَه‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫فإن‬
‫كل ٍ‬ ‫بمعجزات قدرتِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫سنة‬ ‫وجيعل من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫كرا جديدً ا لطي ًفا ُمز َّينًا‬ ‫(موديل) ُيلبِ ُسه عا َل ًـم بِ ً‬
‫ً‬
‫يكتب فيه‬
‫ُ‬ ‫كل يو ٍم ً‬
‫سطرا‬ ‫وجيعل من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫كرا عىل قدِّ ِه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نس ُج ‪-‬بخوارق رمحته‪ -‬كائنات بِ ً‬ ‫مقياسا َي ُ‬
‫ً‬
‫كل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عرص‬ ‫جعل َّ‬ ‫املطلق كام َ‬ ‫َ‬ ‫القدير‬
‫َ‬ ‫كرا جديد ًة ُمز َّين ًة بدقائق حكمته؛ ثم إن ذلك‬ ‫موجودات بِ ً‬
‫جبل وصحرا َء‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬بل َّ‬ ‫ِ‬
‫األرض ً‬ ‫سطح‬ ‫جعل‬ ‫نموذجا‪ ،‬فإن ُه قد َ‬ ‫وكل يو ٍم ُأ‬
‫سنة َّ‬ ‫وكل ٍ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫غض ًة متجدد ًة‬ ‫كائنات جديد ًة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫نموذجا و ُينشئ‬ ‫ٍ‬
‫وزهر ُأ‬ ‫ٍ‬
‫شجر‬ ‫وكـل‬‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫وبستان‬ ‫ٍ‬
‫حديقة‬ ‫َّ‬
‫وكل‬
‫ً‬
‫سبق‬ ‫سحب ما َ‬ ‫جديد بعد أن‬‫ٍ‬ ‫منس ٍق‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مرتادف ًة عىل‬
‫َ‬ ‫بعالـم َّ‬ ‫خلق ُد ْن ًيا جديدةً‪ ،‬ويأيت‬ ‫األرض‪ ،‬ف َي ُ‬
‫من َ‬
‫عالٍ‪.‬‬
‫املطلقة و ُي ِرب ُز هدايا ُم َجدَّ َد ٍة لرمحتِه‬ ‫ِ‬ ‫كرا لقدرتِه‬ ‫ٍ‬
‫موسم معجزات بِ ً‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫ظه ُر يف ِّ‬ ‫وهكذا ُي ِ‬
‫مطبخ رمحتِه متجد ًدا‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫نص ُ‬ ‫كر‪ ،‬و َي ُ‬
‫ٍ‬
‫جديدة بِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حكمة‬ ‫كتاب‬
‫َ‬ ‫فيكتب‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وبستان‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حديقة‬ ‫كل‬ ‫يف ِّ‬
‫ندس‬‫الس ِ‬ ‫وشاح ُّ‬ ‫َ‬ ‫كل ربي ٍع‬ ‫شجر يف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫لبس الوجو َد ُح َّل ًة بديع ًة جديدةً‪ ،‬و َي ْخ َل ُع عىل كل‬ ‫و ُي ُ‬
‫ِ‬
‫الرمحة‪.‬‬ ‫أيد َيا هبدايا‬ ‫أل ِ‬ ‫املتأللئة‪ ،‬ويم ُ‬ ‫ِ‬ ‫كر كالنجو ِم‬ ‫ٍ‬
‫جديدة بِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمرصعات‬ ‫ويز ِّي ُن ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـم‬ ‫يقوم هبذه األعامل يف منتهى اإلتقان وكامل االنتظا ِم والذي يبدِّ ُل هذه العوال َ‬ ‫فالذي ُ‬
‫ِ‬
‫والعناية‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫بعضا‪ ،‬وهي يف منتهى‬ ‫بعضها ً‬ ‫ب ُ‬ ‫ِ‬
‫الزمان‪َ ،‬ي ُ‬ ‫السيار َة املنشور َة عىل ِ‬
‫عق ُ‬ ‫حبل‬
‫وعليم‬ ‫مطلق‬ ‫وبصري‬ ‫مطلق‬ ‫وحكيم‬ ‫مطلق‬ ‫قدير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ريب أنه ٌ‬ ‫ويف منتهى القدرة واإلتقان‪ ،‬ال َ‬
‫اجلليل‬ ‫ُ‬ ‫اخلالق‬
‫ُ‬ ‫املصادفة قط ًعا‪ ،‬فذلكُم‬ ‫ُ‬ ‫تبدو منه‬ ‫األحوال أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بحال من‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫مطلق‪ ،‬ال‬ ‫ٌ‬
‫يقول‪  ﴿ :‬ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﴾ (يس‪ )82:‬و ﴿ ﯓﯔﯕ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫احلرش والقيام َة‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ـن َّ‬‫ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ﴾ (النحل‪َ )77:‬ف ُيعل ُن قدرتَه املطلق َة و ُيب ِّي ُ‬
‫ألوامره‬ ‫ِ‬ ‫مسخر ٌة‬ ‫َّ‬ ‫وأن األشيا َء ك َّلها‬ ‫واليرس‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السهولة‬ ‫القدرة هي يف منتهى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة لتلك‬
‫� �� � � � �� � � � �‬
‫‪221‬‬ ‫��� ���� ����� � ���������‬
‫ِ‬
‫وألجل‬ ‫ٍ‬
‫مبارشة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مزاولة وال‬ ‫ٍ‬
‫معاجلة وال‬ ‫خيلق األشيا َء َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬
‫االنقياد‪ ،‬وأنه ُ‬ ‫ومنقا َد ٌة إليها َ‬
‫كامل‬
‫املبني أنه سبحانه وتعاىل ُ‬
‫يفعل ما‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن ُ‬ ‫األشياء ع َّب َر‬ ‫إجياد‬ ‫املطلقة يف‬ ‫السهولة‬ ‫اإلفادة عن‬
‫ِ‬
‫األمر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بمجرد‬ ‫يريدُ‬
‫ِ‬
‫احلكمة يف ِ‬
‫خلق‬ ‫ِ‬
‫اإلتقان وغاي َة‬ ‫علن منتهى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واخلالصة‪َّ :‬‬
‫أن قسمـًا من اآليات الكريمة ُي ُ‬
‫السهول َة املطلق َة والسُّ ع َة املطلق َة ومنتهى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشياء وال سيام يف ِ‬
‫بني ُّ‬
‫آخر ُي ُ‬‫وقسم َ‬
‫ً‬ ‫اخللق؛‬ ‫بداية‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وإعادتا‪.‬‬ ‫تكرار ِ‬
‫إجيادها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشياء والس َّيام يف‬ ‫ُلفة يف ِ‬
‫إجياد‬ ‫االنقياد وعدم الك ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬

‫الشعاع الثالث‬
‫تجاوزت حدّ ِك ! إنك تقولني‪َّ :‬‬
‫إن قو َله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ِ‬ ‫يا نفيس املوسوس َة! يا من‬
‫(يس‪)83:‬‬ ‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ (هود‪ )56:‬وكذا قو ُله تعاىل‪  ﴿ :‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‪﴾ ‬‬
‫ي منتهى‬ ‫ُ‬
‫اجلليلة ُت َب ِّ ُ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫وكذا قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ (ق‪ ..)16:‬هذه‬
‫مثل قولِه تعاىل‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﴾ (يس‪  ﴿ )83:‬ﯤ‬ ‫آيات ُأخرى ُ‬
‫اإلهلي بينام ٌ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫القرب‬
‫ِ‬
‫الرسول‬ ‫قول‬ ‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ (املعارج‪ )4:‬وكذا ُ‬
‫كل‬‫املعراج‪ُّ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حقيقة‬ ‫حجاب»(‪ )1‬وكذا‬
‫ٍ‬ ‫ألف‬ ‫ِ‬
‫الرشيف «‪..‬سبعين َ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‬ ‫ِ‬
‫الكريم ﷺ يف‬
‫ِ‬
‫األذهان؟‬ ‫ِ‬
‫الغامض إىل‬ ‫الرس‬ ‫ِ‬
‫لتقريب هذا ِّ‬ ‫إيضاحا‬
‫ً‬ ‫تبني منتهى ُب ْع ِدنا عنه سبحانَه‪ ،‬فأريدُ‬
‫هذه ُ‬
‫استمع‪:‬‬
‫ْ‬ ‫اجلواب‪ :‬وهلذا‬
‫غير المق َّي ِد‪ ،‬ومن حيث‬ ‫الشمس بنورها ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫األول؛ َّ‬
‫أن‬ ‫أوال‪ :‬لقد ذكرنا في ختا ِم الشعا ِع‬
‫عينك ‪-‬التي هي مرأ ٌة لها ونافذ ٌة‬ ‫ِ‬ ‫أقرب إليك من ِ‬
‫بؤبؤ‬ ‫ِ‬
‫المادية‪،‬‬ ‫غير‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫المنعكسة ُ‬ ‫صورتُها‬
‫َ‬
‫يمكنك أن‬ ‫ِ‬
‫المادة‪ ،‬وال‬ ‫ومحبوس في‬ ‫إل أن ََّك بعيدٌ عنها غاي َة ِ‬
‫البعد‪ ،‬ألنك ُمق َّيدٌ‬ ‫لروح َك‪ّ -‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الجزئية‪،‬‬ ‫نوعا من َج َلواتِها‬
‫إل ً‬ ‫المنعكسة وظاللها وال َ‬
‫تقابل ّ‬ ‫ِ‬ ‫قسما ِمن ُص ِ‬
‫ورها‬ ‫تمس إلَّ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ومظاهرها التي هي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إل أللوانها التي هي في حكم صفاتها‪ ،‬ول َطائفة من أشعتها‬ ‫ِ‬ ‫َتقرب ّ‬
‫وال ت َ‬
‫ِ‬
‫أسمائها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طائفة من‬ ‫ِ‬
‫بمثابة‬
‫َ‬
‫عليك‬ ‫وأردت أن تقاب َلها ِ‬
‫بذاتا‪َ ،‬ل ِز َم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫للشمس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األصلية‬ ‫ِ‬
‫املرتبة‬ ‫تتقرب إىل‬ ‫أردت أن‬
‫َ‬ ‫ولو‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬سبق خترجيه يف األساس الرابع من الكلمة الثانية عرشة‪.‬‬


‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪222‬‬
‫َ‬
‫وكأنك َت ْك ُب ُر معنًى ‪-‬من‬ ‫ٍ‬
‫كثرية جدً ا‪،‬‬ ‫القيود وامليض من مراتب ٍ‬
‫كلية‬ ‫ِ‬ ‫كثري جدً ا من‬ ‫التجر ُد عن ٍ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫وتقابل‬ ‫ِ‬
‫كالقمر‪،‬‬ ‫وترتفع عال ًيا‬ ‫ِ‬
‫كاهلواء‪،‬‬ ‫روحا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حيث التجر ُد‪ -‬بِ َقدْ ِر‬
‫ُ‬ ‫وتنبسط ً‬ ‫األرضية‬ ‫الكرة‬
‫ٍ‬
‫حجاب‪.‬‬ ‫رب َ‬
‫دون‬ ‫الق ِ‬‫نوعا من ُ‬
‫عي ً‬ ‫َ‬ ‫كالبدر‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ِ‬
‫يمكنك أن تَدَّ َ‬ ‫بعد ذلك‬ ‫الشمس‬
‫َ‬
‫الواجب‬
‫ُ‬ ‫مثال‪ ،‬ذلك‬ ‫بغري ٍ‬‫اجلميل ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكامل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فاجلليل ذو‬ ‫وهكذا ‪-‬وهلل ُ‬
‫املثل األعىل‪-‬‬
‫أقرب َ‬
‫إليك من‬ ‫ِ‬
‫واألبد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األزل‬ ‫النور السَّ مدُ ‪ُ ،‬س ُ‬
‫لطان‬ ‫ٍ‬
‫موجود‪،‬‬ ‫لكل‬ ‫ِ‬
‫املوجدُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫الوجود‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫التمثيل‬ ‫ِ‬
‫االستنباط‪ ،‬فط ِّب ْق ما يف‬ ‫َ‬
‫لديك قو ُة‬ ‫نفسك‪ ،‬وأنت بعيدٌ عنه بعدً ا مطل ًقا؛ فإن كانت‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الدقائق عىل‬ ‫من‬
‫ٍ‬
‫متداخلة يف‬ ‫دوائر‬ ‫ظهر يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬مثل‪ -‬من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثانيا‪ :‬إن اسم‬
‫َ‬ ‫بني أسامء السلطان الكثرية َي ُ‬ ‫ً‬ ‫القائد‬
‫ِ‬
‫والفريق حتى َ‬
‫يبلغ‬ ‫ِ‬
‫املشري‬ ‫ِ‬
‫ودائرة‬ ‫العسكري‬ ‫ِ‬
‫للقائد العا ِّم‬ ‫ِ‬
‫الكلية‬ ‫ِ‬
‫الدائرة‬ ‫دولتِه‪ ،‬فابتدا ًء من‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫وبشكل‬ ‫ٍ‬
‫ضيقة‬ ‫ودوائر‬ ‫ٍ‬
‫واسعة‬ ‫دوائر‬ ‫ُ‬
‫يكون يف‬ ‫ظهور ِه‬
‫ِ‬ ‫إن تج ِّلي‬ ‫دائر َة املالز ِم والع ِ‬
‫ريف؛ أي َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وجزئي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫كيلٍّ‬
‫ريف مرج ًعا له‪ ،‬لِ َما فِ ِيه من‬ ‫يتخذ من مقا ِم الع ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العسكرية‪،‬‬ ‫فالجندي‪ ،‬أثنا َء خدمتِه‬ ‫ُّ‬
‫ويرتبط به‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الجزئي السمه‪،‬‬ ‫ويتصل بقائده األعلى بهذا التج ِّلي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫جزئي جدً ا للقيادة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ظهور‬
‫ِّ‬ ‫ٍّ‬
‫األصلي‪ ،‬وأن يقاب َله‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬ ‫بالقائد األعلى‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫يتصل‬ ‫الجندي أن‬ ‫ولكن لو أرا َد هذا‬ ‫ٍ‬
‫بعالقة؛‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫المرتبة الك ِ‬
‫ُلية‬ ‫ِ‬ ‫مرتبة الع ِ‬
‫ريف إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المراتب ك ِّلها من‬ ‫وقطع‬ ‫العنوان ينبغي له الصعو ُد‬ ‫ِ‬ ‫بذلك‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وعلمه‬ ‫ِ‬ ‫وحكمه وقانونِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬ ‫الجندي‬ ‫قريب من ذلك‬ ‫َ‬
‫السلطان‬ ‫للقائد العا ِّم؛ أي َّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫يكون قري ًبا إليه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األبدال فإنه‬ ‫ِ‬
‫األولياء‬ ‫ُ‬
‫السلطان نوران ًيا ومن‬ ‫كان ذلك‬ ‫وتدبيره‪ ،‬وإن َ‬ ‫ِ‬ ‫وهاتفه‬ ‫ِ‬
‫الجندي‬ ‫يحول دونَه شي ٌء‪ ،‬مع أن ذلك‬ ‫ُ‬ ‫بالذات‪ ،‬إذ ال َيمن َُع شي ٌء من ذلك‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحضوره‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫وبين‬ ‫َحول بينَه‬‫المراتب التي ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫األلوف من‬ ‫ُ‬ ‫البعد وهناك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلطان غاي َة‬ ‫بعيدٌ عن‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫شف ُق أحيانًا على ِ‬ ‫السلطان ي ِ‬ ‫َفص ُل ُه عنه؛‬ ‫الحجب ت ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫الجنود‬ ‫أحد‬ ‫َ ُ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫األلوف من‬
‫ُ‬ ‫وهناك‬
‫سبغ عليه من أفضالِه وألطافِه‪.‬‬ ‫المعتاد‪ -‬و ُي ُ‬‫ِ‬ ‫‪-‬خالف‬
‫َ‬ ‫فيأخذه إلى حضور ديوانِه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للشموس والنجو ِم‬ ‫ِّ‬
‫المسخ ُر‬ ‫«ك ْن فيكونُ »‬ ‫فاملالك ِ‬
‫ألمر ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا ‪-‬وهلل ُ‬
‫املثل األعىل‪-‬‬
‫كل‬ ‫أن َّ‬‫كان‪ ،‬مع َّ‬ ‫ٍ‬
‫يشء َ‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫أقرب إىل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل يشء من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫املنقادة؛ فهو سبحانه وتعاىل‬ ‫كاجلنود‬
‫ِ‬
‫املقدس بال‬ ‫ِ‬
‫وحضوره‬ ‫ِ‬
‫ديوان قربِه‬ ‫ُ‬
‫الدخول إىل‬ ‫ٍ‬
‫يشء بعيدٌ عنه ُبعدً ا ال حدو َد له؛ وإذا ُأريدَ‬
‫� �� � � � �� � � � �‬
‫‪223‬‬ ‫��� ���� ����� � ���������‬
‫ِ‬ ‫احلجب ال ُّظ ِ‬ ‫ستلزم املرور من سبعني ِ‬
‫والنورانية‪ ،‬أي‬ ‫لامنية‬ ‫ِ‬ ‫حجاب من‬‫ٍ‬ ‫ألف‬ ‫َ‬ ‫حجاب‪ ،‬فإنه َي ِ ُ‬
‫ٍ‬
‫ألوف‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األسامء الذي له‬ ‫كل ٍ‬
‫اسم من‬ ‫واألسامئية والص ِ‬
‫فاتية‪ ،‬ثم الصعو َد إىل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والكونية‬ ‫ِ‬
‫املادية‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫والرفيعة ثم‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة‬ ‫طبقات صفاتِه‬
‫ِ‬ ‫واملرور إىل‬ ‫ِ‬
‫والكلية‬ ‫التجليات اخلصوص َّي ِة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫درجات‬ ‫من‬
‫َ‬
‫ولطف‬ ‫جذب‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫يكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫األعظم؛ فان مل ْ‬ ‫باالسم‬ ‫حظي‬
‫َ‬ ‫األعظم الذي‬ ‫عرشه‬ ‫العروج إىل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والسلوك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫سني‬
‫ألوف من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫يلزم‬
‫إهلي ُ‬ ‫ٌّ‬
‫ٍ‬
‫عالقة‬ ‫وتكوين‬ ‫ُ‬
‫االرتباط‬ ‫َ‬
‫فعليك‬ ‫ِ‬
‫«اخلالق»‬ ‫ِ‬
‫باسم‬ ‫تتقرب إليه سبحانه‬ ‫أردت أن‬
‫َ‬ ‫مثال‪ :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫خالق‬ ‫ِ‬
‫بعنوان أنه ُ‬ ‫ِ‬
‫الناس‪ ،‬ثم‬ ‫خالق مجي ِع‬
‫أنت‪ ،‬ثم من حيث إنه ُ‬ ‫حيث إنه خالِ ُق َك َ‬
‫أول من ُ‬ ‫ً‬
‫تتدرج هكذا تبقى يف ِّ‬
‫الظل‬ ‫فإن مل‬ ‫ِ‬
‫املوجودات ك ِّلها؛ لذا ْ‬ ‫باسم ِ‬
‫خالق‬ ‫ِ‬ ‫الكائنات ِ‬
‫احلية‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬ ‫مجي ِع‬
‫ْ‬
‫إل جلو ًة جزئي ًة‪.‬‬
‫وال جتدُ ّ‬
‫َ‬
‫وسائط‬ ‫ِ‬
‫القيادة‬ ‫مراتب ِ‬
‫اسم‬ ‫ِ‬ ‫ابق قد َو َض َع يف‬‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تنبيه‪َّ :‬‬
‫املذكور يف املثال َّ‬
‫َ‬ ‫السلطان‬ ‫إن‬
‫ذلك القدير الذي ِ‬
‫بيده‬ ‫بنفسه؛ أما َ‬ ‫باألعامل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعجزه عن القيا ِم‬ ‫ِ‬
‫والفريق‪ ،‬وذلك‬ ‫ِ‬
‫كاملشري‬
‫ُ‬
‫أمورا ظاهري ًة بحت ًة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الوسائط ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ملكوت ِّ‬
‫إل ً‬ ‫الوسائط‪ ،‬بل ليست‬ ‫مستغن عن‬ ‫يشء‪ ،‬فهو‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫خالل‬ ‫ِ‬
‫الربوبية من‬ ‫ِ‬
‫سلطان‬ ‫املشاه ِدين والدَّ اللِني إىل‬
‫ِ‬ ‫مة‪ ،‬تقوم بدَ ِ‬
‫ور‬ ‫للع َّز ِة والع َظ ِ‬
‫وستائر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫سائط ُمعين ًة ل ُه سبحانه‬
‫الو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وانبهار أما َم العظمة اإلهلية‪ ،‬وليست تلك َ‬ ‫وافتقار‬ ‫وعجز‬ ‫ُعبودية‬
‫ِ‬
‫الربوبية قط ًعا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سلطنة‬ ‫تكون رشيك ًة يف‬‫َ‬ ‫مكنُها أن‬‫وال ي ِ‬
‫ُ‬

‫الشعاع الرابع‬
‫ِ‬
‫للمثول أما َم‬ ‫ك‬‫المؤمن‪ ،‬هي َقبو ُل ِ‬
‫ِ‬ ‫الصالة التي هي كمعراجِ‬‫ِ‬ ‫إن حقيق َة‬ ‫يا نفسي الكسول َة! َّ‬
‫ُ‬
‫جندي‬ ‫ول‬‫مثل َق ُب ِ‬
‫الجالل؛ َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمعبود ذي‬ ‫ِ‬
‫الجمال‬ ‫ِ‬
‫الجليل ذي‬ ‫طف‬‫بمحض ُل ِ‬
‫ِ‬ ‫جاللِه سبحانه‬
‫ٍّ‬
‫فأنت عندما ُ‬ ‫ِ‬ ‫بمحض ِ‬
‫لطفه كام ُذكر يف املثال‬ ‫ِ‬ ‫لطان األعظ ِم‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تقول‪:‬‬ ‫السابق؛ َ‬ ‫ديوان ُّ‬ ‫بسيط إلى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتقطع خياال أو ن َّي ًة الدنيا واآلخرةَ‪ ،‬حتى تتجر َد عن‬ ‫أكبر»‪ ،‬متيض معنًى‬
‫املادية‪،‬‬ ‫القيود‬ ‫ُ‬ ‫«اهلل ُ‬
‫صو ِرها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عبودية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فتصعدَ مكتس ًبا مرتب َة‬
‫ظالل املرتبة الكلية أو صور ًة من َ‬ ‫ظل من‬
‫كلية أو ّ‬
‫بخطاب‬‫ِ‬ ‫فتنال ُحظو ًة ُعظمى‬ ‫يديه تعاىل َ‬ ‫واملثول بني ِ‬
‫ِ‬ ‫القلبي‬ ‫ِ‬
‫احلضور‬ ‫وتترشف بنو ٍع من‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫حسب درجتِه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫كل‬‫﴿‪  ‬ﭢ ﭣ ﴾ ٌّ‬

‫الصالة وأفعالِها هي إشار ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫حركات‬ ‫وتكرارها يف‬
‫َ‬ ‫إن كلم َة «اهلل أكبر‪ ..‬اهلل أكبر»‬ ‫ح ًقا َّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪224‬‬
‫ِ‬
‫الدوائر‬ ‫ِ‬
‫اجلزئية إىل‬ ‫ِ‬
‫الدوائر‬ ‫ِ‬
‫والصعود من‬ ‫املعنوي‪،‬‬ ‫قي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لقط ِع‬
‫ِّ‬ ‫الر ِّ‬
‫مراتب ُّ‬ ‫والعروج إىل‬ ‫املراتب‬
‫نطاق معرفتِنا‪،‬‬ ‫خارج ِ‬ ‫كربياء اهلل سبحانَه‪ ،‬التي هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كامالت‬ ‫جم ِل‬ ‫ُلية‪ ،‬فهي ُع ٌ ِ‬ ‫الك ِ‬
‫َ‬ ‫نوان ل ُم َ‬
‫فإن البلو َغ‬‫املعراج‪ ..‬وهكذا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مراتب‬ ‫ٍ‬
‫مرتبة من‬ ‫كلمة من «اهلل أكبر» إشار ٌة إىل قط ِع‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫وكأن َّ‬ ‫َّ‬
‫خيال هلو نعم ٌة ُعظمى‬ ‫ً‬ ‫تصورا أو‬ ‫الصالة ِ‬
‫هذه‪ ،‬معنًى أو ني ًة أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫ظل أو شعا ٍع من‬ ‫إىل ٍّ‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫هائلة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلج عباد ٌة يف‬ ‫ألن َّ‬ ‫بكثرة‬ ‫كر «اهلل أكبر» يف ِّ‬
‫احلج‬ ‫وألجل هذا ُير َّد ُد ذ ُ‬ ‫وسعاد ٌة كربى؛‬
‫ِ‬
‫باألصالة‪.‬‬ ‫حاج‬ ‫مرتبة كل َّي ٍة ِّ‬‫ٍ‬
‫لكل ٍّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الفريق‬ ‫ُ‬ ‫يذهب‬
‫ُ‬ ‫‪-‬كالعيد‪ -‬مثلام‬ ‫خاص‬ ‫امللكي يف يو ٍم ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫احلضور‬ ‫يذهب إىل‬ ‫ُ‬ ‫البسيط‬ ‫فاجلندي‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫متوج ٌه إىل ر ِّبه‬ ‫كان من العوا ِّم‪ -‬فهو‬ ‫احلاج ‪-‬مهام َ‬ ‫َ‬
‫كذلك‬ ‫ِ‬
‫مليكه وكر َم ُه؛‬ ‫طف‬‫فينال ُل َ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫املراتب‬ ‫أن‬‫كلية‪ ،‬فالبدَّ َّ‬ ‫بعبودية ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ف‬
‫مشر ٌ‬ ‫ِ‬
‫بعنوان ِ‬
‫َ‬ ‫املراتب‪ ،‬فهو َّ‬ ‫َ‬ ‫قطع‬
‫كالويل الذي َ‬ ‫ِّ‬ ‫رب العاملني‪،‬‬
‫احلج‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكلي َة‬
‫بمنظار ِّ‬ ‫ُشاهدُ‬
‫وآفاق عظمة األلوهية التي ت َ‬ ‫احلج‪،‬‬ ‫بمفتاح ِّ‬ ‫للربوبية التي تُفت َُح‬
‫ومراتب‬‫َ‬ ‫احلج‪،‬‬
‫مناسك ِّ‬ ‫َ‬ ‫احلاج وخيالِ ِه‪ ،‬ك َّلام قا َم وأ َّدى‬ ‫ِّ‬ ‫تتوسع يف ِ‬
‫قلب‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العبودية التي‬ ‫ودوائر‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالنبهار‪ ،‬أما َم‬ ‫واإلعجاب‬ ‫نح حرار َة الشوق‪،‬‬ ‫الكربياء والعظمة و ُأ ُف َق التجليات التي َت ُ‬
‫أن ُيع َل َن‬ ‫يمكن ْ‬ ‫أكبر»! وبه‬ ‫َّن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أكبر‪ ..‬اهللُ ُ‬ ‫إل بـ«اهللُ ُ‬ ‫عظمة األلوهية وهيبة الربوبية‪ ،‬ال ُي َسك ُ‬
‫رة‪.‬‬ ‫املشهودة أو الـمتَصو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنكشفة‬ ‫ِ‬
‫املراتب‬ ‫عن‬
‫ُ َ َّ‬
‫ِ‬
‫االستسقاء‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫صالة ِ‬
‫العيد‪ ،‬وكذا يف‬ ‫ِ‬ ‫احلج يف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فهذه املعاين ال ُع ْل ِو َّي ُة‬
‫والكلية تتجىل بعد ِّ‬
‫ُ‬
‫أمهية‬ ‫تظهر‬ ‫ٍ‬
‫متفاوتة؛ ومن هذا‬ ‫ٍ‬
‫بدرجات‬ ‫ِ‬
‫اجلامعة‬ ‫ِ‬
‫وصالة‬ ‫ِ‬
‫واخلسوف‬ ‫ِ‬
‫الكسوف‬ ‫ِ‬
‫وصالة‬
‫ُ‬
‫جعل خزائنَه بني‬‫‪..‬سبحان من َ‬
‫َ‬ ‫نن الن ِ‬
‫َّبوية‬ ‫الس ِ‬ ‫اإلسالمية حتى لو كانت من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبيل ُّ‬ ‫الشعائر‬
‫ِ‬
‫والنون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكاف‬
‫﴿ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾ (يس‪)83:‬‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬
‫﴿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾‬
‫﴿ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﴾‬
‫ك ْال ْع َظم‪َ ،‬و َع َل �آل َو ْ‬
‫أص َ‬ ‫َ َ ّ َ َ ّْ ََ َ ُ َ ْ َْ َْ َ ْ َ‬
‫حابِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وص ِل وس ِلم عل رسولِك الكرمِ ‪ ،‬مظه ِر اس ِم‬
‫اح َ‬ ‫أر َح َم َّ‬
‫ني يَا ْ‬ ‫أتبَاعه �آم َ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫الر ِ ِ‬ ‫َوإخوانِ ِه َو ِ ِ ِ‬
‫� �� � � � �� � � � �‬
‫‪225‬‬ ‫��� ���� ����� � ���������‬

‫صغري‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ذيل‬
‫أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫تدخل املصادفة يف ِّ‬ ‫ظهر قدرتَه وحكمتَه‪ ،‬وعد َم‬ ‫احلكيم‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫َ‬ ‫والصانع‬
‫َ‬ ‫العليم‬
‫َ‬ ‫القدير‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ِ‬
‫القوانني‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫ُظهره عاداتُه التي هي عىل‬ ‫ِ‬ ‫فعل من أفعالِه قط ًعا‪ ،‬بالنظا ِم‬ ‫ٍ‬
‫والتناسق الذي ت ُ‬
‫ِ‬
‫وبالتغريات‬ ‫وبخوارق عاداتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكونية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القوانني‬ ‫ظهر سبحانَه بشوا ِّذ‬ ‫ِ‬
‫الكونية؛ وكذا ُي ُ‬
‫ظهر مشيئتَه وإرادتَه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّشخصات‪ ،‬وبتبدُّ ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والظهور ُي ُ‬ ‫النـزول‬ ‫زمان‬ ‫وباختالف الت‬ ‫الظاهرية‪،‬‬
‫ممز ًقا هبذا ستار الر ِ‬
‫تابة‬ ‫كان‪ِّ ،‬‬ ‫قيد َ‬ ‫رض ُخ ألي ٍ‬ ‫اختياره ال َي َ‬ ‫املختار‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ُ‬
‫الفاعل‬ ‫وأنَّه‬
‫َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫خيص ُه ويعو ُد‬ ‫شأن من شؤونِه‪ ،‬يف ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫آن‪ ،‬يف ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫يشء‪ ،‬يف ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫عل ُم‪َّ :‬‬ ‫راد‪ ،‬في ِ‬ ‫واال ِّط ِ‬
‫كل ما ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واإلنس‬ ‫اجلن‬
‫أنظار ِّ‬
‫َ‬ ‫ف‬‫صر ُ‬ ‫إليه سبحانَه‪ ،‬منقا ٌد لربوبيتِه؛ وهبذا ُيشت ُِّت الغفل َة‪ ،‬و َي ِ‬ ‫إليه‪ ،‬حمتاج ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫األسباب‪.‬‬ ‫ب‬ ‫األسباب إىل ُمس ِّب ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫الكريم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫بيانات‬ ‫تتوج ُه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫األساس َّ‬ ‫وعىل هذا‬
‫ُثمر سن ًة‪ ،‬أي تُع َطى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األماكن‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫فمثل‪:‬‬
‫األشجار املثمرة‪ ،‬ت ُ‬ ‫قسم من‬
‫أن ً‬ ‫أغلب‬ ‫حيدث يف‬
‫تتسلم الثمر َة‬ ‫ِ‬
‫التالية ال‬ ‫دورها تُس ِّل ُمها إلينا‪ ،‬ولكنها يف السنة‬ ‫خزينة الر ِ‬
‫محة‪ ،‬وهي بِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إليها من‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫لإل ِ‬
‫ثامر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الظاهرية ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫غم‬ ‫وال تعطينا إياها‪َ ،‬ر َ‬
‫الالزمة األخرى‪ -‬متحول ٌة ومتغري ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بخالف‬ ‫نـزول ِ‬
‫املطر‬ ‫ِ‬ ‫أوقات‬
‫َ‬ ‫ومثل‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫والرمحة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للحياة‬ ‫ِ‬
‫الوجود هو‬ ‫أهم موق ٍع يف‬ ‫ِ‬
‫اخلمسة إذ َّ‬ ‫دخلت ضمن المغي ِ‬ ‫ٍ‬
‫إن َّ‬ ‫ـبات‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫درجة‬ ‫إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلياة والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫واملطر ُ‬
‫والرمح َة ُ‬
‫الـمهداةَ‪،‬‬ ‫َ‬
‫الباعث عىل احلياة‪َّ ،‬‬ ‫اخلالصة‪ ،‬لذا َّ‬
‫فإن ذلك املا َء‬ ‫محة‬ ‫َّ‬ ‫منشأ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبضة ذي‬ ‫ُ‬
‫تكون يف‬ ‫وتورث الغفل َة‪ ،‬بل‬
‫ُ‬ ‫جب عن اهلل‬ ‫ضمن القاعدة امل َّطردة التي َت ُ‬ ‫َ‬ ‫يدخل‬‫ُ‬ ‫ال‬
‫الرحيم؛ وذلك لكي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‬ ‫ِ‬
‫املنعم املحيي‬ ‫ِ‬
‫ترصف‬ ‫وضمن‬ ‫ٍ‬
‫حجاب‬ ‫اجلالل مبارش ًة من ِ‬
‫دون‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫والش ِ‬ ‫ِ‬
‫كر مفتوح ًة ً‬
‫دائم‪.‬‬ ‫الدعاء ُّ‬ ‫أبواب‬
‫ُ‬ ‫تبقى‬
‫ٌ‬
‫إحسان‬ ‫ومالم ِحه وصورتِه‪ ،‬إنَّام هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫سيامء‬ ‫وتشخيص‬ ‫ِ‬
‫الرزق‪،‬‬ ‫ً‬
‫ومثل‪َّ :‬‬
‫إن إعطا َء‬
‫َ‬
‫الرباين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واالختيار‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫املشيئة‬ ‫ٍ‬
‫بجالء طالق َة‬ ‫ب‪ ،‬مما ُيب ِّي ُن‬ ‫ِ‬ ‫ب له من ُ‬
‫ِّ‬ ‫حيث ال َيحتس ُ‬ ‫وه ُ‬
‫إهلي ُي َ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الشؤون‬ ‫ِ‬
‫السحاب وأمثا َلـها من‬ ‫وتسخري‬ ‫ِ‬
‫الرياح‬ ‫ترصيف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وق ْس عىل هذا‬
‫َ‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا �� ا �� �ة � ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� ل��س� ب�ع� ع���ر�‬
‫�﷽‬

‫﴿ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ *‬
‫﴾ (الكهف‪)8-7:‬‬ ‫ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬

‫﴿ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ (األنعام‪)32:‬‬

‫ل ساط ٍع‪.‬‬
‫هذه الكلمة ُ عبارة ٌ عن مقامَينِ عاليَينِ وذي ٍ‬
‫عيد‬ ‫صورة ٍ‬
‫ِ‬ ‫جعل هذه الدنيا عىل‬ ‫احلكيم قد َ‬ ‫انع‬ ‫والر َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫والص َ‬ ‫الكريم َّ‬
‫َ‬ ‫زاق‬ ‫حيم َّ‬ ‫الر َ‬
‫اخلالق َّ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرواح والروحاني ِ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم لعاملِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واحتفال َم ٍ‬
‫البديعة‬ ‫باآلثار‬ ‫ات‪ ،‬وز َّينَها‬ ‫َّ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫هرجان‬ ‫هيب و َم‬ ‫ٍ‬
‫هبيج‬
‫سافل‪ ،-‬جسدً ا‬ ‫كان أم‬ ‫كبريا‪ ،‬عال ًيا َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫وخلع عىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫‪-‬صغريا كان أم ً‬ ‫ً‬ ‫روح‬ ‫َ‬ ‫ألسامئه احلسنى‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املختلفة‬ ‫اآلالء‬ ‫لالستفادة من‬ ‫ُ‬
‫يوافقه‬ ‫وكل ما‬ ‫ِ‬
‫واملشاعر ِّ‬ ‫باحلواس‬
‫ِّ‬ ‫عىل قدِّ ه وقدْ ِره‪َّ ،‬‬
‫وجهز ُه‬
‫ِ‬
‫واملعروضة يف ذلك‬ ‫ِ‬
‫البهيج‪،‬‬ ‫واملبثوثة يف ذلك ِ‬
‫العيد‬ ‫ِ‬ ‫املتنوعة التي ال تُعدُّ وال ُتىص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والن ِ‬
‫ِّعم‬
‫األرواح وجو ًدا جسامن ًّيا ماد ًّيا وأرس َلها‬‫ِ‬ ‫روح من تلك‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ومنح سبحانه ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العظيم؛ َ‬ ‫املهرجان‬
‫مر ًة واحدةً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل َ‬
‫ذلك العيد واملهرجان َّ‬
‫ومواسم‪ ،‬بل حتى‬ ‫ٍ‬
‫وسنوات‬ ‫الواسع جدً ا زمانًا ومكانًا إىل ُع ٍ‬
‫صور‬ ‫ذلك العيدَ‬ ‫ثم َق َّس َم َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كل يو ٍم‪ ،‬من‬ ‫موسم‪ ،‬من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫سنة‪ ،‬من ِّ‬ ‫عرص‪ ،‬من كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫جاعل من ِّ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫وأجزاء أيا ٍم‪،‬‬ ‫إىل أيا ٍم‬
‫ِ‬
‫ذوات‬ ‫طائفة من خملوقاتِه‬ ‫ٍ‬ ‫واستعراضا عاما لِ‬ ‫جزء من يو ٍم‪َ ،‬مهرجانًا سام ًيا وعيدً ا رفي ًعا‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫والصيف‪،‬‬ ‫األرض‪ ،‬وخاص ًة في الربي ِع‬ ‫ِ‬ ‫سطح‬ ‫ِ‬
‫النباتية؛ وال س َّيام‬ ‫األرواح ومن مصنوعاتِه‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫لطوائف مصنوعاتِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك العيدُ عيدً ا‬ ‫الصغرية‪ ،‬حتى غدا َ‬ ‫اآلخر‬ ‫أعيا ًدا متعاقب ًة‪ ،‬الواحدَ َ‬
‫تلو‬
‫� � � �‬ ‫�� � �‬
‫‪227‬‬ ‫�������� ������ ������������‬
‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫ِ‬
‫واملالئكة‬ ‫ِ‬
‫الطبقات ال ُعليا‬ ‫ِ‬
‫املوجودة يف‬ ‫لف ُت أنظار الروحاني ِ‬
‫ات‬ ‫رائعا جذابا ي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ً َ‬ ‫ً‬
‫العقل عن استِ ْكن َِاه‬
‫ُ‬ ‫عج ُز‬ ‫الفكر إىل مطالعتِه بمتع ٍة إىل ٍ‬
‫حد َي ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أنظار ِ‬
‫أهل‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫إىل مشاهدتِه‪ِ َ ،‬‬
‫ويل ُ‬
‫ُمتعتِها‪.‬‬
‫ِ‬
‫و«املحيي»‬ ‫ِ‬
‫ِ«الرمحن»‬ ‫اسم‬ ‫ِ‬
‫جتليات ِ‬ ‫الرباين‪ ،‬وما ِ‬
‫فيهام من‬ ‫ولكن هذه الضياف َة اإلهلي َة والعيدَ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫و«املميت»؛ ور َّبام هذا ال يوافِ ُق ‪-‬كام‬
‫ُ‬ ‫«القهار»‬
‫ُ‬ ‫اسم اهلل‬
‫ربز ُ‬ ‫واملوت‪ُ ،‬‬
‫حيث َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الفراق‬ ‫يكتن ُفها‬
‫املذكور يف قولِه‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ (األعراف‪،)156:‬‬ ‫َ‬ ‫شمول رمحتِه تعاىل‬‫َ‬ ‫يبدو‪-‬‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫ُ‬
‫الكاملة مع‬ ‫ُ‬
‫واملوافقة‬ ‫االنسجام‬ ‫جهات عد ٌة َي ْظ َه ُر فيها‬
‫ٌ‬ ‫هناك‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة َ‬ ‫ولكن يف‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫نذكر منها جه ًة واحد ًة فقط‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫استحصال‬ ‫الطوائف‪ ،‬وبعد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫طائفة من‬ ‫الرباين ِ‬
‫لكل‬ ‫ِ‬
‫االستعراض‬ ‫ِ‬
‫انتهاء‬ ‫وهي أ َّن ُه بعدَ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫طائفة‬ ‫الكريم عىل كل‬ ‫والصانع‬ ‫الرحيم‬ ‫الفاطر‬ ‫يتفض ُل‬‫العرض‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫املقصودة من ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النتائج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫االنتقال إىل عا َل ٍم آخر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وميل إىل‬ ‫الراحة واشتيا ًقا إليها‬ ‫ِ‬ ‫هم رغب ًة يف‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫من الطوائف‪ ،‬فيمن َُح ْ‬
‫والس َأ ِم رحم ًة هبم‪.‬‬ ‫بأشكال من الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وي ِ‬
‫ُّفور َّ‬ ‫سئ ُمهم من الدُّ نيا‬ ‫ُ‬
‫أرواحهم‬ ‫ِ‬ ‫وظائفها‪ُ ،‬ين ِّب ُه سبحانَه يف‬ ‫ِ‬ ‫حون من‬‫سر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وحينام ُي َّ‬
‫صون من تكاليف احلياة و ُي َّ‬ ‫رخ‬
‫بسيط ُيقت َُل‬‫ٍ‬ ‫جلندي‬ ‫ِ‬
‫الشهادة‬ ‫يمنح سبحانَه مرتب َة‬ ‫رغب ًة قوي ًة وحنينًا إىل موطنِهم‬
‫ٍّ‬ ‫األصيل؛ وكام ُ‬ ‫ِّ‬
‫اجلهاد‪ ،‬وكام َيمن َُح الشا َة األضحي َة وجو ًدا ماد ًيا باق ًيا يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مهمة‬ ‫وي ِل ُك يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫سبيل أداء اخلدمة َ‬ ‫يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املستقيم‪ )1(،‬فليس‬ ‫ِ‬ ‫الرصاط‬ ‫مار ًة به عىل‬ ‫كالباق لصاحبِها َّ‬ ‫ويكافؤها بجعلها َمط َّي ًة ُ‬ ‫ُ‬ ‫اآلخرة‬
‫يالئ ُمهم‬ ‫واحليوانات ثوابا روحانيا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫الكريم أن يمنَح لذوي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‬ ‫بعيدً ا من ذلك‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫وه َلكُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قاسوا املش َّقات َ‬ ‫يوافق استعدا َدهم‪ ،‬من خزينة رمحته الواسعة‪ ،‬بعدَ ما ُ‬ ‫وأجرا معنو ًيا ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫لألوامر‬ ‫ِ‬
‫اخلاصة هبم‪ ،‬وعانَوا ما عانَوا يف طاعتهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أثنا َء أداء وظائفهم الفطرية الربان َّية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ني‪..‬‬ ‫راضني َمرض ِّي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يكونون‬ ‫تركهم الدُّ نيا‪ ،‬بل‬ ‫بحانية؛ وذلك لِئَلَّ يتأملوا أملا شديدً ا لدى ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫الغيب َّإل اهللُ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يعلم‬
‫وال ُ‬
‫العيد ‪-‬من‬ ‫ِ‬ ‫وأكثرهم استفاد ًة من هذا‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫أرشف ذوي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان الذي هو‬ ‫َب ْيدَ َّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫وحي تُن ِّف ُر ُه‬ ‫ٍ‬
‫ولطف من ُه حال ًة من َّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الكمية والن ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الر ِّ‬
‫الشوق ُّ‬ ‫برمحة من اهلل‬ ‫ب له‬
‫يوه ُ‬
‫َّوعية‪َ -‬‬ ‫حيث‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الديلمي‪ ،‬املسند ‪85/1‬؛ القرطبي‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪111/15‬؛ الرسخيس‪ ،‬املبسوط ‪10/12‬؛ الكاساين‪،‬‬
‫بدائع الصنائع ‪80/5‬؛ ابن حجر‪ ،‬تلخيص اخلبري ‪.138/4‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪228‬‬
‫فاإلنسان الذي مل ت ْ‬
‫َغرق إنسانيتُه يف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بأمان؛‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫رب إىل‬
‫عن الدُّ نيا التي ابتُيل هبا‪ ،‬كي َيع َ‬
‫ِ‬
‫باإليامن‪.‬‬ ‫طمئن‬ ‫ُ‬
‫فريحل عن الدُّ نيا و َقل ُبه ُم‬ ‫احلالة الر ِ‬
‫وحية‬ ‫ِ‬ ‫اللة يستفيدُ من َ‬
‫تلك‬ ‫الض ِ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫سبيل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الروحي َة عىل‬ ‫ِ‬
‫املثال‪:‬‬ ‫ُورث تلك احلال َة ُّ‬
‫الوجوه التي ت ُ‬ ‫نبني هنا خمس ًة من‬
‫ُ‬

‫الوجه ُ الأولُ‪ :‬إنّه سبحانه وتعاىل ُي ُ‬


‫ِ‬
‫الفناء‬ ‫ختم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهر لإلنسان ‪-‬بحلول الشيخوخة‪َ -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َّر عىل األشياء الدنيوية الفتَّانة؛ مما جيعل ُه َين ُف ُر من الدُّ نيا و ُي ُ‬
‫رسع للتحري‬ ‫والزوال ومعنا ُه ُ‬
‫ِ‬
‫الزائل‪.‬‬ ‫باق ٍ‬
‫خالد ً‬
‫بدل من هذا الفاين‬ ‫مطلوب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫عن‬
‫تسع‬
‫رحل ٌ‬‫حيث َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الذهاب إىل‬ ‫اإلنسان شو ًقا ورغب ًة يف‬
‫َ‬ ‫الوجه ُ الثاني‪ :‬إنه تعاىل ُي ُ‬
‫شعر‬
‫ُ‬
‫املحبة‬ ‫فتدفع َ‬
‫تلك‬ ‫ُ‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫استقروا يف َ‬
‫عال َ‬ ‫ُّ‬ ‫معهم والذين‬ ‫ُ‬
‫يرتبط ُ‬ ‫باملئة من أحبتِه الذين‬
‫وتسعون ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وفرح‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫برسور‬ ‫َ‬
‫واألجل‬ ‫املوت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ليستقبل‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫اجلا َّد ُة‬
‫وعجزه‬
‫َ‬ ‫ليستشعر ضع َفه‬‫َ‬ ‫اإلنسان بواسطة بعض األمور‬ ‫َ‬ ‫الثالث‪ :‬إنه تعاىل ُ‬
‫يدفع‬ ‫ُ‬ ‫الوجه ُ‬
‫ِ‬
‫اخللود إىل‬ ‫لديه رغب ًة جا َّد ًة يف‬ ‫ِ‬ ‫العيش‪ ،‬فيو ِّلدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكاليف‬ ‫ِ‬
‫احلياة أو‬ ‫ني‪ ،‬ومدى ثِ ِ‬
‫قل‬ ‫ِ‬
‫املتناه َي ِ‬ ‫غري‬
‫َ‬
‫ديار ُأخرى‪.‬‬ ‫للميض إىل ٍ‬ ‫الراحة وشو ًقا‬ ‫ِ‬
‫خالصا ُ ِّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫ليس إعدا ًما بل‬ ‫املوت َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪َّ -‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بنور‬ ‫ِ‬
‫املؤمن‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان‬ ‫الرابع‪ :‬إنه تعاىل يب ِّي ُن‬ ‫ُ‬ ‫الوجه ُ‬
‫وأن الدُّ نيا مع جمي ِع‬ ‫ٍ‬
‫نورانية‪َّ ،‬‬ ‫لعوالـم‬ ‫باب‬ ‫ٍ‬ ‫ليس َفوه َة ٍ‬ ‫مكان‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫بئر عميقة بل ٌ‬ ‫رب َ‬ ‫وأن الق َ‬ ‫تبديل‬
‫اخلروج من‬
‫َ‬ ‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫اآلخرة وجمالِـها؛ فال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسعة‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة‬ ‫جن ض ِّي ٍق‬ ‫مباهجها في ُحك ِم ِس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫واالنتقال من من ِّغ ِ‬
‫صات‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫خروية‪،‬‬ ‫اجل ِ‬
‫نان األُ‬ ‫بستان ِ‬ ‫ِ‬ ‫سجن الدنيا والنجا َة من ِض ِيقها إىل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـم الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ضجيج‬ ‫َ‬
‫واالنسالخ من‬ ‫ِ‬
‫األرواح‪،‬‬ ‫وطريان‬ ‫مأنينة‪،‬‬ ‫احة وال ُّط‬ ‫املاد َّية املزعجة إىل عا َل ِ َّ‬
‫الراضية‪ ،‬سياح ٌة بل سعاد ٌة مطلوب ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املطمئنة‬ ‫ِ‬
‫اهلادئة‬ ‫احلرضة الر ِ‬
‫بانية‬ ‫ِ‬ ‫وصخبِها إىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وفداء‪.‬‬ ‫بألف ٍ‬
‫فداء‬ ‫ِ‬

‫الـخامس‪ :‬إنّه تعاىل ُي ِّ‬ ‫الوجه ُ‬


‫ِ‬ ‫الكريم ما ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪،‬‬ ‫فيه من ِ‬
‫علم‬ ‫ِ‬ ‫للقرآن‬ ‫نصت‬
‫الم َ‬‫فه ُم ُ‬ ‫ُ‬
‫أي‬
‫تافها ال معنى له؛ ْ‬ ‫والر ُ‬
‫كون إليها ً‬ ‫شقها ُّ‬‫غدو ِع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ويع ِّل ُم ُه ِ‬
‫بنور احلقيقة ماهي َة الدُّ نيا‪ ،‬حتى َي َ‬
‫يقول له و ُيثبِ ُت‪:‬‬
‫ُ‬

‫نفسها‪ ،‬بل تَدُ ُّل‬ ‫ِ‬


‫لألنظار‪ ،‬حرو ُفه وكلامتُه ال ُت ِّث ُل َ‬ ‫مفتوح‬
‫ٌ‬ ‫صمداني‬
‫ٌّ‬ ‫رباني‬
‫ٌّ‬ ‫كتاب‬
‫ٌ‬ ‫أن الدُّ نيا‬
‫َّ‬
‫� � � �‬ ‫�� � �‬
‫‪229‬‬ ‫�������� ������ ������������‬
‫افهم معانِيها ُ‬
‫وخ ْذ هبا‪ ،‬و َد ْع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عىل ذات بارئها وعىل صفاته اجلليلة وأسامئه احلسنى‪ ،‬وهلذا‪ْ ،‬‬
‫وامض إىل شانِ َك‪..‬‬
‫ِ‬ ‫عنك َ‬
‫نقوشها‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫قذاراتا الفاني َة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وأمهل‬ ‫ْ‬
‫واحتفظ هبا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ثمراتا‬ ‫ِ‬
‫واجن‬ ‫فازرع‬ ‫ِ‬
‫لآلخرة‪،‬‬ ‫واعلم أنَّها مزرع ٌة‬
‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫وأدرك‬ ‫أنوار ُه‪،‬‬
‫وعاين َ‬
‫ْ‬ ‫ف عىل َمن يتجىل فيها‪،‬‬ ‫مجاميع مرايا متعاقبة‪َّ ،‬‬
‫فتعر ْ‬ ‫ُ‬ ‫واعلم أنَّها‬
‫ْ‬
‫املتجلية فيها و َأحبب مسماها‪ ،‬واقطع عال َقتك عن تلك القط ِع الزجاجيةِ‬
‫ِ‬ ‫معاين أسامئهِ‬
‫ْ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والزوال‪..‬‬ ‫ِ‬
‫للكرس‬ ‫ِ‬
‫القابلة‬
‫منك‪ ،‬دون أن ت َ‬
‫َلهث ورا َء‬ ‫ِ‬
‫املطلوب َ‬ ‫والش ِاء‬
‫فق ْم بالبي ِع ِّ‬ ‫ٍ‬
‫تجارة س َّي ٌار‪ُ ،‬‬ ‫موضع‬
‫ُ‬ ‫واعلم أنَّها‬
‫فتتعب‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وجاوزتك‪،‬‬ ‫َ‬
‫أمهلتك‬ ‫ِ‬
‫القوافل التي‬
‫ِ‬
‫املتسرت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلميل‬ ‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫رب ِة‪ ،‬ود ِّق ْق يف‬ ‫ِ‬ ‫مؤقت‪،‬‬ ‫واعلم أنَّها ُمتَنـ َّز ٌه‬
‫فارسح ببرصك فيها للع َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫َّفس‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫املتوجه إىل هوى الن ِ‬ ‫ِ‬
‫الدميم‬ ‫ِ‬
‫القبيح‬ ‫ِ‬
‫وأعرض عن الوجه‬ ‫ْ‬ ‫اجلميل الباقي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫املتوج ِه إىل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املناظر اجلميل َة‪..‬‬ ‫ُريك تلك‬ ‫ِ‬
‫الستائر التي ت َ‬ ‫ِ‬
‫انسدال‬ ‫الغرير عند‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالطفل‬ ‫ِ‬
‫تبك‬
‫َ‬
‫الض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضيف مكرم‪ ،‬فك ُْل واشرب ِ‬ ‫ٍ‬
‫ضيافة‪،‬‬ ‫دار‬
‫يافة‬ ‫صاحب ِّ‬ ‫بإذن‬ ‫ْ‬ ‫ٌ ُ َّ ٌ‬ ‫وأنت فيها‬‫َ‬ ‫واعلم أنَّها ُ‬
‫تلتفت‬ ‫وارحل عنها َ‬
‫دون أن‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وحدوده‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أوامره‬ ‫وفق‬
‫إل َ‬ ‫ْ‬
‫تتحرك َّ‬ ‫كر‪ ،‬وال‬ ‫والكَر ِم‪ ،‬وقدِّ ْم ل ُه ُّ‬
‫َ‬ ‫الش َ‬
‫ٍ‬
‫بيشء‪ ،‬فال تُغرق‬ ‫إليك وال ت ُ‬
‫ُفيدك‬ ‫ٍ‬
‫بأمور ال تعو ُد َ‬ ‫ٍ‬
‫بفضول‬ ‫َ‬
‫تتدخل‬ ‫اك أن‬ ‫إىل ِ‬
‫ورائ َك‪ ..‬وإ َّي َ‬
‫ِ‬
‫العابرة التي تفار ُق َك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بشؤونا‬ ‫َ‬
‫نفسك‬
‫كثريا من آال ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظاهرة ُي ِّف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف سبحانَه وتعاىل عن اإلنسان ً‬ ‫احلقائق‬ ‫بمثل هذه‬ ‫وهكذا‬
‫ِ‬
‫حقيقة الدُّ نيا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أرسار‬ ‫ظهر سبحانَه من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فراق الدُّ نيا‪ ،‬بل قد ُي َحبِ ُبه إىل الن ِ‬
‫َّابـهني اليقظني‪ ،‬بام ُي ُ‬
‫ِ‬
‫الواسعة‪.‬‬ ‫أثرا من آثار رمحتِه‬ ‫يشء‪ ،‬ويف كل ْ ٍ‬ ‫أن يف كل ٍ‬ ‫و ُي َبني َّ‬
‫شأن من ُه‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫وجوه‬ ‫تشري إىل‬ ‫فإن ٍ‬
‫آيات كريم ًة‬ ‫ِ‬
‫اخلمسة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الوجوه‬ ‫الكريم إىل هذه‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫يشري‬ ‫وإ ْذ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خاصة ُأخرى كذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الخمسة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوجوه‬ ‫حظ من هذه‬ ‫ِ‬
‫تعاسة من ليس ل ُه ٌّ‬‫فيا َل‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪230‬‬

‫(‪)1‬‬
‫السابع َة عرشةَ‪ ‬‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫املقا ُم ال َّثاين من‬
‫َّ‬
‫مسكين‪ ،‬وتوكل على اللّه في بلواكَ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫راخ يا‬
‫دَع الصُّ َ‬
‫إنَّما الشكوى بلاءٌ‪ ،‬بل بلاء ٌ في بلاءٍ‪ ،‬وآثام ٌ في آثا ٍم وعناء‪.‬‬

‫وجدت مَن ابتلاكَ‪ ،‬عاد َ البلاء ُ عطاء ً في عطاءٍ‪ ،‬وصفاء ً في صفاءٍ‪.‬‬


‫َ‬ ‫إذا‬
‫ِ‬
‫واغنم الشكر َ؛ فالأزهار ُ تبتسمُ من بهجة ِ عاشقِها البلب ِ‬
‫ل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫دع الشكوى‪،‬‬

‫***‬

‫وعذاب‪ ،‬وفناء ٌ وزوالٌ‪ ،‬وهباء ٌ في هباءٍ‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫فبغير ِ اللّه دنياك َ آلام ٌ‬
‫فتعالَ‪ ،‬تَوك ّْل عليه ِ في بلواكَ!‬

‫سع الدُّنيا‪.‬‬
‫مثقل ببلايا ت َ ُ‬
‫ٌ‬ ‫تصرخ من بلية ٍ صغيرةٍ‪ ،‬وأنت‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫ما ل َ‬

‫***‬

‫ل في وجه ِ البلاءِ‪ ،‬ليبتسمَ البلاءُ‪.‬‬


‫تَبس َّ ْم بالتوك ِ‬

‫ل حتى يزول‪.‬‬
‫فكل َّما تبسَّمَ صغُر َ وتضاء َ َ‬

‫ن السعادة َ في هذه ِ الدُّنيا‪ ،‬في ترك ِها‪.‬‬


‫أيُّها المغرور ُ اعلم ْ أ َّ‬

‫عليك‪.‬‬
‫َ‬ ‫أقبلت‬
‫ْ‬ ‫أدبرت عن الدنيا‬
‫َ‬ ‫كنت باللّه مؤمنًا‪ ..‬فهو حسبُك‪ ،‬ولو‬
‫َ‬ ‫إن‬

‫***‬

‫َظمها‪ ،‬بل َّ‬


‫إن‬ ‫ِ‬ ‫عر ّ‬ ‫طع الوارد ُة يف املقام الثاين جاءت بام يشب ُه ِّ‬ ‫ِ ِ‬
‫عرا‪ ،‬ومل ُيقصد ن ُ‬
‫إل أهنا ليست ش ً‬ ‫الش َ‬ ‫(‪ )1‬هذه الق ُ‬
‫شبيها بالنظم‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬‫تتخذ شكال ً‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلقائق جع َلها‬ ‫َ‬
‫كامل انتظا ِم‬
‫ِ‬
‫الرتمجة‪ ،‬فقد اقترصنا عىل املعنى وحدَ ه‪( ،‬املرتجم)‬ ‫أما يف‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪231‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫المبين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ك الهلاك ُ‬ ‫ِ‬
‫بنفسك‪ ،‬فذل َ‬ ‫عجبًا‬
‫كنت م ُ َ‬
‫َ‬ ‫وإن‬

‫تعاديك‪.‬‬
‫َ‬ ‫عملت فالأشياء ُ‬
‫َ‬ ‫ومهما‬

‫ك إذن في كلتا الحالتَينِ‪.‬‬


‫فلاب َّد من التر ِ‬

‫***‬

‫لك اللّه‪ ،‬يُنظر ُ إليها بإذنِه وباسمِه‪،‬‬


‫وترك ُها يعني‪ :‬أ ّنها م ُ ُ‬

‫كنت تَبغي تجارة ً رابحةً‪،‬‬


‫َ‬ ‫وإن‬

‫ل‪.‬‬
‫ل بعُمُرك َ الفاني الزائ ِ‬
‫ق لا يزو ُ‬
‫ل ع ُمُرٍ با ٍ‬
‫فهي في استبدا ِ‬

‫***‬

‫ِك‪ ،‬فهي زائلةٌ‪ ،‬تافهةٌ‪ ،‬واهيةٌ‪.‬‬ ‫ِ‬


‫رغبات نفس َ‬ ‫كنت تريد ُ‬
‫َ‬ ‫وإن‬

‫تتطلع إلى الآفاقِ‪ ،‬فـختم ُ الفناء ِ عليها‪.‬‬


‫ُ‬ ‫كنت‬
‫َ‬ ‫وإن‬

‫***‬

‫يستحق الشراء َ إذن‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫ف‪ ،‬لا‬
‫ق مُزي َّ ٌ‬
‫فالمتاع ُ في هذه السو ِ‬

‫ف خلف َه‪..‬‬
‫ص َّ‬
‫ل منه ُ قد ُ‬
‫لذا دَع ْهُ‪ ،‬فالأصي ُ‬
‫***‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪232‬‬

‫ِ‬
‫األسود‬ ‫شجرة ال ُّت ِ‬
‫وت‬ ‫ِ‬ ‫َثمر ُة ٍ‬
‫تأمل عىل‬
‫حقائق على قمة ِ تلك الشجرة ِ المباركة ِ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ن سعيد الجديدِ هذه ِ ال َ‬
‫ذكر سعيدٌ القديم بلسا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مخاطبي ليس «ضياء باشا»(*) بل المفتونونَ بأوروبا‪.‬‬

‫والمتكلم ُ ليس نفسي‪ ،‬بل قلبي تلميذ ُ القرآ ِ‬


‫ن‪.‬‬

‫حدها‬
‫حقائق؛ إيّاك أن تَحارَ‪ ،‬احذ َْر أن تُجاوز َّ‬ ‫ِ‬
‫«الكلمات» السابق َة َ‬ ‫ن‬
‫إ َّ‬
‫ُ‬
‫ك إلى النَّد ِم‪.‬‬ ‫لا تزغْ‪ ،‬ولا ت ِ‬
‫صغ إلى فكر الأجانب‪ ،‬إنه ضلالٌ‪ ،‬يسوق ُ‬‫ُ‬ ‫َ‬

‫والأحد نظرًا يقول دومًا في حيرَتِه‪:‬‬


‫َّ‬ ‫الأوسع فكرًا‬
‫َ‬ ‫ألا تَرَى‬

‫آهٍ! وا أسفى! ممن أشكو‪ ،‬ولمن! فقد ذُهِل ُ‬


‫ْت!‬

‫ل ولا أتردَّد ُ فالقرآن يُنطقني‪:‬‬


‫وأنا أقو ُ‬

‫أشكو منه ُ إليهِ‪ ،‬ولا أتحيَّـر ُ مثل َ‬


‫َك!‬

‫حدي‪.‬‬
‫حق‪ ،‬لا أتجاوز ُ ِّ‬
‫حق بال ِّ‬
‫أستغيث من ال ِّ‬
‫ُ‬

‫َك!‬
‫ب مثل َ‬ ‫ِ‬
‫ض إلى السماء‪ ،‬ولا أهر ُ ُ‬
‫أدعو من الأر ِ‬

‫َك‪.‬‬
‫ُث مثل َ‬ ‫في القرآ ِ‬
‫ن ا�لكريمِ‪ :‬الدعوة ُكل ُّها؛ من النورِ وإلى النورِ‪ ،‬لا أنك ُ‬

‫ن ا�لكريمِ‪ :‬الحكمة ُ الصائبةُ؛ ُأثبتُها‪ ،‬ولا أعير ُ للفلسفة ِ المخالفة ِ َّ‬


‫أي اهتما ٍم!‬ ‫في القرآ ِ‬

‫ن ا�لكريمِ‪ :‬جواهر ُ الحقائقِ‪.‬أفدِيها بروحي‪ ..‬لا أبيعها مثل َك!‬


‫في القرآ ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪233‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫َك!‬
‫أضل مثل َ‬
‫ُّ‬ ‫حق‪ ،‬لا‬
‫ق إلى ال ِّ‬ ‫ُأجي ُ‬
‫ل طَرْفي من الخل ِ‬

‫ِ‬
‫الشائك‪ ،‬لا أَ طؤ ُهَا مثل َك!‬ ‫ق‬
‫فوق الطر ي ِ‬
‫أطير ُ َ‬

‫ن السماءِ‪ ،‬لا أعصي مثل َك!‬


‫يصعد ُ شُكري إلى عَنا ِ‬

‫أرى الموت صديق ًا‪ ،‬لا أخاف ُه ُ مثل َك!‬

‫ل القبر َ باسمًا‪ ،‬لا أرتعد ُ مثل َك!‬


‫أدخ ُ‬

‫راش الوحشةِ‪ ،‬عتبة َ العَد َ ِم‪ ..‬لا أراه ُ مثل َك!‬


‫فم َ تنِّينٍ‪ ،‬ف ِ َ‬

‫الأحباب‪ ..‬لا أضجر ُ منه‪ ،‬لا أبغِضُه ُ مِث ْل َك!‬


‫ِ‬ ‫موضع تلاقِي‬
‫َ‬ ‫بل‬

‫أتضايق منه‪ ،‬ولا أهابُه‪.‬‬


‫ُ‬ ‫لا‬

‫حق‬ ‫ِ‬
‫باب ال ِّ‬
‫باب النورِ‪ُ ،‬‬
‫باب الرَّحمة‪ُ ،‬‬
‫فهو ُ‬
‫فِت‪ ،‬ولا ت َأْ خ ُذني الدَّهشةُ‪.‬‬
‫أهرب متأوهًا ولا أل ْت َ ُ‬
‫ُ‬ ‫أقرع ُه باسم الله‪ ،‬فلا‬

‫أظل في وحشةٍ‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫سأرقُد قرير َ العين‪ ،‬حامِدا ر َبِّي‪ ،‬لا أقاسي ضِيق ًا‪ ،‬ولا‬

‫إسرافيل في فَجر الحشر ِ‪ ،‬قائل ًا‪« ..‬الله ُ أكبرُ» ‪.‬‬


‫َ‬ ‫سأقوم ُ على صدى أذا ِ‬
‫ن‬

‫أتقاعس عن المجم ِع الأكبر ِ!‬


‫ُ‬ ‫لا أتخل َُّف عن الصلاة ِ ا�لكبرى! لا‬

‫ب من المحشر ِ الأكبر ِ! لا أتخل َُّف عن المسجدِ الأعظمِ!‬


‫لا أره َ ُ‬

‫أيأس أصل ًا‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ض الإيما ِ‬
‫ن‪ ..‬لا‬ ‫لطف الله ونورِ القرآ ِ‬
‫ن ا�لكري ِم وفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬

‫ن‪.‬‬
‫ش الرحم ِ‬
‫ظل عر ِ‬
‫بل أسعى وأَ جري طائرًا إلى ِّ‬

‫مثلك‪ ..‬إن شاء الله‪.‬‬


‫َ‬ ‫ولا أحار ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪234‬‬

‫الفاريس‬
‫ِّ‬ ‫هذه املناجاة تخ َّط ْ‬
‫رت يف القلب هكذا بالبيانِ‬
‫القلب‪ ،‬باللغة ِ الفارسيةِ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫خطرت على‬
‫كُتبت هذه المناجاة ُكما َ‬
‫حكيم»‪.‬‬
‫ن ال ِ‬ ‫ن القرآ ِ‬
‫ضمن رسالة ِ «حباب من ع ُما ِ‬
‫َ‬ ‫وقد نُشرت‬
‫ٌ‬

‫َْ‬ ‫ْ مَ نْ نَ‬ ‫يَارَ ْ بَ شَ ش ْ هَ تْ نَ ظَ ْ ْدَ ْ ْ ُ ْ‬


‫�كَر دَر دِ �خ�ود رَا دَر� �ا � ����مٖى دٖ ي��د‬ ‫� ب� �������� �‬
‫�� � ���� � �� �‬
‫م‬ ‫� جِ � � ر مٖ ي م‬
‫الست‪ ،‬ع َّلني أجدُ دواء ِ‬
‫لدائي‪ ،‬وأنا ُمستندٌ إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلهات‬ ‫رب! لقد َس َّر ْح ُت نظري يف‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫يا ِّ‬
‫أجدَ دوا ًء لدائي‪َ ..‬‬
‫وقيل‬ ‫أستطع أن ِ‬
‫ْ‬ ‫توكل‪ ،‬ولكن وا أسفى مل‬
‫غافل ال ُم ً‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫واختياري‬ ‫ِ‬
‫اقتداري‬
‫َ‬
‫يكفيك الدا ُء دوا ًء‪.‬‬ ‫يل معنًى‪ :‬أال‬

‫َ مَ نَ ْ ْ‬ ‫ُ زْ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ْ تْ‬


‫َر � ������س� ت�‬
‫و� �مَ�زَار پ��د‬
‫ِ ِ‬ ‫ر‬ ‫ى‬‫��ه �‬
‫ك‬
‫ِ‬ ‫�د‬
‫دٖ م دٖ‬ ‫�‬
‫ي‬ ‫م‬
‫ٖى‬ ‫�‬ ‫دَر رَا ����س�‬
‫الس َ‬
‫لوان‪ ،‬ولكنِّي َرأ ْي ُت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫‪-‬بغفلة‪ -‬إىل َّ ِ‬
‫الزمان املايض يف يميني‪ ،‬ألجدَ فيه ُّ‬ ‫نظرت‬
‫ُ‬ ‫نعم‪ ،‬لقد‬
‫ُ‬
‫اجلهة‬ ‫األيام اخلَوايل مقبر ًة كبري ًة ألجدادي؛ فأور َثتْني هذه‬
‫ُ‬ ‫قبر أيب‪ ،‬وترا َء ْت َيل‬
‫األمس ُ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫السلوان(‪.)1‬‬ ‫وحش ًة َ‬
‫بدل‬
‫ِ‬
‫لألحباب‪.‬‬ ‫ومم ًعا ُمؤنِ ًسا‬
‫جملسا ُم َّنو ًرا َ‬
‫تلك املقرب َة الكربى ً‬ ‫َ‬
‫اإليمان ُيري َ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫� ْ َ ْ فَ قَْ مَ نَ ْ ْ‬ ‫وَ ْ �چَ‬


‫��ه � ْردَا � ب��ر � ������س� ت�‬
‫دَر � پ� دٖ ي��د ِك‬
‫م‬
‫ِ‬
‫أن أجدَ ِ‬
‫فيه دوا ًء؛ بل تَراءى َيل الغدُ يف‬ ‫أستطع ْ‬ ‫ِ‬
‫اليسار‪ ،‬فلم‬ ‫ِ‬
‫املستقبل يف‬ ‫نظرت إىل‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ْ‬
‫ُ‬
‫اجلهة‬ ‫ِ‬
‫املقبل‪ ،‬فأورثتني هذه‬ ‫ِ‬
‫للجيل‬ ‫ربا ألمثايل ومقرب ًة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املستقبل ق ً‬ ‫لـي‬
‫صورة قربي‪ ،‬وتراءى َ‬
‫بدل الس ِ‬
‫لوان(‪.)2‬‬ ‫الوحش َة َ ُّ‬
‫ِ‬
‫قصور‬ ‫تلك املقرب َة ال ُعظمى دعو ًة رمحاني ًة إىل‬ ‫ِ‬
‫االطمئنان ُيري َ‬ ‫اإليامن وما ُيور ُث ُه من‬
‫َ‬ ‫ولكن‬ ‫(‪)2‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اللطيفة‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫عادة‬ ‫َّ‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪235‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬
‫مَ نَ ْ ْ‬ ‫وَ ْ ُ زْ تَ ُ ت ْ ُْ ض ْ‬
‫� �جِ���س���ِم پ�ر اِ �� ِ��طرَا ب� � ������س� ت�‬
‫اٖ ي����مرو� �ا ب�و ِ‬
‫ِ‬
‫تابوت‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫وكأن هذا اليو َم‬ ‫فرأيت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلارض‪،‬‬ ‫نظرت إىل اليو ِم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اليسار‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وحيث ال َجدوى من‬
‫ِ‬
‫واحلياة (‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫املوت‬ ‫ِ‬
‫املذبوح بني‬ ‫ينتفض انتفاض َة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حيمل جناز َة جسمي الذي‬
‫ٍ‬
‫باهرة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ضيافة‬ ‫ودار‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫دار جتارة َ‬
‫التابوت َ‬
‫َ‬ ‫اإليامن ُيري ذلك‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫(‪)3‬‬

‫ْ سَ ُ ْ �جَ نَ زَ ۀ مَ ْ ْ تَ اَ ْ ْ‬
‫�بَر �� ِر�ع�م ْر ����ا ��ِ � � ن� اٖ ي�����س���ادَه ����س� ت�‬
‫مة َش ِ‬
‫جرة ُعمري‪،‬‬ ‫َظرت إىل ِق ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدواء يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف َلم َأع ُث ْر عىل‬
‫ورفعت رأيس ون ُ‬
‫ُ‬ ‫اجلهة‪،‬‬ ‫هذه‬
‫هناك (‪.)4‬‬ ‫ِ‬
‫الشجرة‪ ،‬وهي ترق ُبني من َ‬ ‫أن جنازيت هي ال َّثمر ُة الوحيد ُة لتلك‬ ‫ورأيت َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لألبد‬ ‫المرش ِ‬
‫حة‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫انطالق لروحي‬ ‫تلك ال َّثمر َة ليست جنازةً‪ ،‬بل هي‬
‫أن َ‬ ‫اإليامن ُيري َّ‬
‫َ‬ ‫ولكن‬ ‫(‪)4‬‬
‫َّ‬
‫َرسح يف النُّجو ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القديم لت َ‬ ‫من َو ِ‬
‫كرها‬

‫ْ �قَ َ ْ ٰ خَ خ ْقَ ت مَ نْ وَ خَ �ْ ظَ مَ نَ ْ ْ‬
‫تَر ِ�ع����اِم � ������س� ت�‬ ‫دَر �د �م ا ب� ��ا ِك ِ���ل��� ِ �‬
‫� �� ��ا �ِك��س��ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫اختلط مع‬ ‫رميم عظامي قد‬ ‫فرأيت َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫رأيس‪،‬‬ ‫طأطأت‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلهة ً‬ ‫فيئست من َ‬
‫تلك‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اجلهة‪ -‬داء لدائي ومل ت ِ‬ ‫ِ‬
‫ُسع ْفني‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تراب مبدإِ خلقتي وهو ُي ُ‬
‫داس حتت األقدا ِم؛ فزا َدت ‪-‬هذه‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫بيشء (‪.)5‬‬
‫صالة ِ‬
‫اجلنة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وستارا دون‬ ‫ِ‬
‫للرمحة‪،‬‬ ‫التراب با ًبا‬ ‫أظهر َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫اإليامن فقد َ‬ ‫(‪ )5‬أ َّما‬

‫ُنْيَ ْ ْ ْ �چَ ْ ْ‬ ‫ُ نْ ْ َ ْ ن گَرَْ �نَ ْ نْ ُ ْيَ‬


‫ي� د ن���ا ِء �بٖى ب����اد ٖ�ه��ي��چ� دَر ٖ�ه��ي�������س� ت�‬‫� �ي���� � �‬
‫� � �‬ ‫�‬
‫�چ و� دَر پ��س مٖ ي����ِ م بٖ م اٖ‬
‫تتدحرج‬ ‫أن ُدن ًيا فاني ًة‬‫ورأيت‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫الوراء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلهة ُم َو ِّل ًيا وجهي إىل‬ ‫فرصفت نظري عن تلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واخلوف يف دائي ً‬
‫بدل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوحشة‬ ‫ُ‬
‫اجلهة ُس َّم‬ ‫فنفثت هذه‬
‫ْ‬ ‫العبث و ُظ ِ‬
‫لامت العد ِم؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وديان‬ ‫يف‬
‫أن متنحني العزا َء (‪.)6‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫مدانية‬ ‫كاتيب َص‬
‫ُ‬ ‫هي ّ‬
‫إل َم‬ ‫املتدحرج َة يف ال ُّظلامت ما َ‬
‫َ‬ ‫تلك الدُّ نيا‬‫أن َ‬ ‫أظهر َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإليامن فقد‬ ‫(‪ )6‬أما‬
‫ِ‬
‫الوجود ً‬
‫بدل عنها‪.‬‬ ‫وتركت ِ‬
‫نتائ َجها يف‬ ‫ْ‬ ‫وأفادت معان َيها‪،‬‬
‫ْ‬ ‫نقوش ُسبحان َّي ٍة َأ ْ‬
‫هنت َمها َّمها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وصحائف‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪236‬‬
‫� �شَ اَ ْ ْ‬ ‫وَ ْ ْ اَْ زَ ۀ نَ ظَ ُ نَ ْ قَ ْ ُ‬
‫���� �ا دَه ����س� ت�‬ ‫���� ش ندَا � �� ْ � �� ك‬
‫����� � دَر �بِ��ر �ك‬
‫دَر ٖپ ��ي��� � �ِ �� ر مٖ ي م ِ‬
‫زْ بَ َارَ ْ ْ‬ ‫اَبَ ْ بَ ُ‬ ‫وَ‬
‫ور ِد رَا � � ٖ�د ي��د ����س� ت�‬ ‫رَاه �د �د‬
‫ِ � � ِ‬
‫باب ِ‬
‫القرب‬ ‫ورأيت َّ‬ ‫نوت بنظري إىل األما ِم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أيضا يف ِ‬
‫أن َ‬ ‫ُ‬ ‫اجلهة َر ُ‬ ‫هذه‬ ‫خريا ً‬
‫ولما مل أجدْ ً‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫طريق ممتد ٌة إىل األبد (‪.)7‬‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مفتوح يف بداية طريقي‪ ،‬وت ََتا َءى ورا َءه من بعيد‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫السعادة‬ ‫الطريق طري ًقا إىل‬ ‫َ‬
‫وتلك‬ ‫ِ‬
‫عالـم النُّور‪،‬‬ ‫ذاك با ًبا إىل‬ ‫ِ‬
‫القبـر َ‬ ‫باب‬ ‫اإليامن فقد َ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫جعل َ‬ ‫(‪ )7‬أما‬
‫بحق مرمها شافيا ِ‬
‫لدائي‪.‬‬ ‫اإليمان‪ٍ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فأصبح‬ ‫ِ‬
‫اخلالدة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬

‫ْ ْ ْ دَ ْ ْ‬ ‫ْ يَ‬ ‫َ ُ�زْ ُ�زْ‬


‫اِ �خ�ِت�����ارٖ �ى �ي��� �ى نٖ��ي����س� ت� دَر ����س� ت�‬ ‫�مرَا ج� ج� ءِ‬
‫چٖ زٖ‬
‫ً‬
‫استيحاشا‬ ‫وجدت‬ ‫ٍ‬
‫وعزاء بل‬ ‫ت عىل أي س ٍ‬
‫لوان‬ ‫اجلهات الس ِ‬
‫ِ‬ ‫وهكذا مل أعثر يف ِ‬
‫هذه‬
‫ُ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫اختياري ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جتاه َها ُمستندٌ سوى جـزء‬
‫(‪)8‬‬
‫ٍّ‬ ‫وهل ًعا‪ ،‬ولـم يكن يل َ‬
‫عظيمة م ٍ‬
‫طلقة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قدرة‬ ‫االختياري وثيق ًة ألستندَ هبا إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلزء‬ ‫اإليامن فإنَّه يس ِّلمني ً‬
‫بدل من ذلك‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )8‬أما‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫نفسها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الوثيقة ُ‬ ‫ُ‬
‫اإليامن هو‬ ‫بل‬

‫ْ َ ْ عَ يَارَ ْ ْ‬ ‫� ُ ُ��زْ ْ َ ْ عَ ��زْ ْ ُ تَ ُ‬


‫�و�اه و ���هَ � ك� � ��� ����س� ت�‬‫ِك�ه ا و ج ء �ه���م �ا جِ ���هَ � ك‬
‫م‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ناقص‪ ،‬ال يمكنُه‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وإن َ‬
‫قارص‪ٌ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫عاجز‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫اإلنسان‪،‬‬ ‫سالح‬
‫ُ‬ ‫االختياري الذي هو‬
‫ِّ‬ ‫ذلك اجلز َء‬
‫الكسب (‪.)9‬‬
‫ُ‬ ‫اخللق وليس له ّ‬
‫إل‬ ‫ُ‬

‫كاجلندي‬ ‫ِ‬
‫سبيل اهلل‪،‬‬ ‫لكل ٍ‬
‫يشء إذ يستعم ُله يف‬ ‫االختياري كاف ًيا ِّ‬ ‫جيعل َ‬
‫ذلك اجلز َء‬ ‫اإليامن ُ‬
‫َ‬ ‫إل َّ‬
‫أن‬ ‫(‪ّ )9‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫األعامل‪.‬‬ ‫أضعاف قوتِه من‬
‫ِ‬ ‫ألوف‬
‫َ‬ ‫فينجز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدولة‬ ‫ِ‬
‫جيش‬ ‫انس َل َك يف‬
‫الذي َ‬

‫اَ ْ ْ‬ ‫َجَ ُ ُ ْ نَ ْ ُ ْ تَ قْ بَ ْ مَ نُ فُ ذْ‬


‫����س� ت�‬ ‫دَر �مَ�ا ��ى م‬
‫��ا ِل ح�لول ��ه دَر �م����س�������ل � �دَار �����و�‬
‫نَ ْ‬
‫��ه‬
‫ِ‬ ‫ضٖ‬
‫ِ‬
‫املستقبل؛‬ ‫ِ‬
‫النفوذ يف‬ ‫ِ‬
‫للحلول يف املايض‪ ،‬وال‬ ‫ليس له القدر ُة‬ ‫َّ‬
‫االختياري َ‬
‫َّ‬ ‫ألن ذلك اجلز َء‬
‫لة (‪.)10‬‬‫املاضية واملستقب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وآالمي‬ ‫َفع له آلمايل‬
‫َ‬ ‫لذا ال ن َ‬
‫ِ‬
‫والروح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫احليواين و ُيس ِّلم ُه إىل‬ ‫ِ‬
‫اجلسم‬ ‫االختياري من‬ ‫ِ‬
‫اجلزء‬ ‫اإليامن ُ‬
‫يأخذ زما َم ذلك‬ ‫َ‬ ‫ولكن‬ ‫(‪)10‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫واسعة جدً ا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والروح‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫حيث دائر ُة ِ‬
‫حياة‬ ‫ِ‬
‫املستقبل؛ ُ‬ ‫َ‬
‫وينفذ يف‬ ‫يستطيع أن َي ُح َّل يف املايض‬ ‫لذا‬
‫ُ‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪237‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫مَ ْ ن ُ � نْ زَ مَ ن حَ ْ يَ ْ ٰ ن َ لَ ْ ْ‬
‫ي� �� �ا ِ� �ا ل و ��ك ا ِ� ���سَ�يّ���ا �����س� ت�‬ ‫� ي���دَا ِ� ا و اٖ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن س َّي ٌال َ‬
‫ليس ّ‬
‫إل‪.‬‬ ‫القصري وهو ٌ‬
‫ُ‬ ‫احلارض‬
‫ُ‬ ‫الوقت‬
‫ُ‬ ‫االختياري هو‬
‫ِّ‬ ‫اجلزء‬ ‫جوالن َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬
‫ميدان‬ ‫َّ‬
‫إن‬

‫بَ � نْ َ�همَ �فَ قْ ْ َ وَ ضَ ْ فْ هَ �قَ َ �ُق ْ رَ ت تُ ٰ ش كَ� نُ ْ تَ اَ ْ ْ‬


‫��ا رَه � ِو ش��������ه ����س� ت�‬ ‫� �و ا �ِ��‬
‫�ا اٖي� � �ه ����ر�ه�ا ���ع�������ا ِ��لم �د ِ‬
‫ْ ف ْ َ ت مَ مَ اَبَ ْ اَ مَ سَ ْ مَ ْ‬
‫� � �ا � يْ���ل ��د وَ � �ل �� ر� �د‬‫دَر ِ���طر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫االستيحاش‬ ‫ِ‬
‫هجامت‬ ‫حتت‬
‫هذه‪ ،‬وضعفي وفقري وعجزي‪ ،‬وأنا َ‬ ‫عىل مجي ِع حاجايت ِ‬
‫آمال ممتد ٌة إىل ِ‬
‫األبد‪ ،‬ويف فطريت‬ ‫در َج ْت يف ماهيتِي ٌ‬ ‫ِ‬
‫اجلهات‪ ،‬فقد ُأ ِ‬ ‫ِ‬
‫الواردة من هذه‬ ‫ِ‬
‫واملخاوف‬
‫ِ‬
‫القدرة‪.‬‬ ‫بوضوح ِ‬
‫بقلم‬ ‫ٍ‬ ‫رغبات ُس ِّط َرت‬
‫ٌ‬

‫بَ ْ هَ ْ َ ْ ْ َ ْ ْ‬
‫��ه � ر چ��ه �ه����س� ت� ‪� ،‬ه����س� ت�‬
‫��ل ِ�ك‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫واآلمال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرغبات‬ ‫ٍ‬
‫عالقة بجمي ِع تلك‬ ‫نماذجه يف فطريت‪ ،‬فأنا عىل‬ ‫كل ما يف الدنيا‪،‬‬ ‫بل ُّ‬
‫ُ‬
‫بل أسعى هلا‪ ،‬و ُأد َف ُع إىل السعي هلا‪.‬‬

‫� يَ ْ مَ نَ ْ ئرَ ۀ مَ ّ نَ ظَ ُ ُ ْگ دَارَ ْ ْ‬ ‫ئرَ ۀ ْ‬


‫حِت�����ا ج� � �ا �ن� ِ�د دَاِ� �ِ � ِ�د ���� ْر ب� ز� ر�ٖى ����س� ت�‬ ‫دَاِ� �ِ اِ‬
‫ِ‬
‫النظر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫ِ‬
‫احلاجة واسع ٌة سع َة‬ ‫َّ‬
‫إن دائر َة‬

‫�خَ يَ ْ ُ ْ رَ سَ ْ ْ يَ ْ ْ رَ سَ ْ‬
‫حِت�����ا ج نٖ�ي�� ز� �� �د‬
‫��دَا �� �د ا �‬ ‫����ا ك‬
‫ِ �‬ ‫ل م‬
‫� يَ ْ َ ْ ْ‬ ‫ْ تْ ْ ْ‬ ‫ْ دَ ْ تْ هَ ْ‬
‫حِت�����ا ج� �ه����س� ت�‬ ‫دَر ����س�� � ر چِ��ه نٖ��ي����س�� دَر اِ‬
‫َ‬ ‫فاحلاجة ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أيضا‪ ،‬بل‬
‫هناك ً‬ ‫إذن‬ ‫هناك؛‬ ‫احلاجة إىل‬ ‫تذهب دائر ُة‬
‫ُ‬ ‫ب‪،‬‬‫اخليال أينام َذ َه َ‬ ‫حتى َّ‬
‫إن‬
‫احلاجة‪ ،‬وما ليس يف ِ‬
‫اليد ال حدَّ له‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ضمن‬ ‫متناول ِ‬
‫اليد فهو‬ ‫ِ‬ ‫ليس يف‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫كل ما َ‬

‫� تَ ْ ُ تَ َ ْ ْ‬ ‫ئرَ ۀ ْق � ْ هَ ْ ُ ئرَ ۀ دَ ْ ت ُ‬
‫�و�ا �ه����س� ت�‬
‫� كو�اه ك‬ ‫� �‬ ‫� �‬
‫دَاِ �ِ اِ ��ِ�ت�دَار ��� ��م���چ و دَاِ �ِ ����س� ِ‬
‫تصل ِ‬
‫إليه يدي القارص ُة‬ ‫بقدر ما ُ‬ ‫ِ‬
‫القدرة ض ِّيق ٌة وقارص ٌة ِ‬ ‫بينام دائر ُة‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪238‬‬
‫َ ْ �فَقْ ُ حَ جَ ت مَ بَ قَ ْ � هَ نَ ْ ْ‬
‫����ا �����س� ت�‬
‫� � �ا ������د ِر جِ‬
‫پ���س ����ر و �ا ��ا ِ‬
‫إن فقري وحاجايت ب َقدْ ِر الدُّ نيا ك ِّلها‪.‬‬
‫بمعنى َّ‬

‫وَ � سَ ْ مَ يَ ۀ مَ َ ْ �ُ ُ��زْ يَ�تَ�َ ّ اَ ْ ْ‬


‫��ج� ز�َا ����س� ت�‬
‫� ر� �ا ���ِ � �ا �ه���م �چ و ج ِء لَا �‬
‫ٌ‬
‫ضئيل‪.‬‬ ‫جزئي‬
‫ٌ‬ ‫أ ّما ر ْأ ُس مايل فهو يش ٌء‬

‫� ْ وَ � نْ َ ئ نَ ت حَ جَ تْ ُ مَ ْ ْ‬ ‫ْ ُ�زْ ْ ُ‬
‫ن‬
‫��دَا � ����س� ت�‬ ‫اٖ �ي� ج� ء م اٖ ي� ِ ِ‬
‫� �ا ��ا � ك‬ ‫ا‬
‫�‬‫�‬‫�‬ ‫ا‬
‫ك‬
‫�‬ ‫َا‬
‫د‬ ‫�‬
‫ك‬
‫ِ‬
‫اجلزء‬ ‫ِ‬
‫باملليارات من هذا‬ ‫ُستحص ُل ّ‬
‫إل‬ ‫ِ‬
‫العالـم‪ ،‬وال ت‬ ‫احلاجات التي بِ َقدْ ِر هذا‬ ‫أين‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الزهيد‬ ‫ِ‬
‫الثمن‬ ‫ِ‬
‫احلاجات هبذا‬ ‫االختياري الذي ال يساوي شي ًئا؟‪ ،‬إنّه ال يمكن رشا ُء تلك‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تلك هبذا! فالبدَّ إذن من البحث عن وسيلة أخرى‪.‬‬ ‫ُستحص َل َ‬ ‫جدً ا؛ وال يمكن أن ت‬
‫َ‬
‫َ ْ ْ تُ اَ زْ نْ ُ�زْ ْ زْ بَ زْ ُگ‬
‫��ذَ شْ تَ نْ چَارَ ۀ مَ نْ اَ ْ تْ‬
‫رَاه �و � اٖ�ي� ج� ء نٖ�ي��� �ا � مٖى �� � ِ � ��س�‬
‫�‬ ‫��‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬
‫�‬ ‫��‬‫��‬ ‫�‬ ‫پ���س دَر ِ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلرادة‬ ‫أمر ِه إىل‬
‫َفويض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫االختياري وت ُ‬
‫ِّ‬ ‫اجلزء‬ ‫التبر ُؤ من ذلك‬
‫الوسيلة هي ُ‬ ‫وتلك‬
‫االعتصام‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫َ‬
‫وبذلك‬ ‫حول اهلل وقوتِه؛‬
‫ِ‬ ‫نفسه وحولِه وااللتجا ُء إىل‬
‫ِ‬ ‫قوة‬ ‫ِ‬
‫المرء من ِ‬ ‫وت َُّبر ُؤ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلزء‬ ‫هذه؛ فإنَّني أتخ َّلى عن َ‬
‫ذلك‬ ‫النجاة هي ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وسيلة‬ ‫ِ‬
‫التوكل؛ فيا َر ّب! ملا كانت‬ ‫ِ‬
‫بحبل‬
‫االختياري وأتبر ُأ من أنانيتي‪ ،‬يف ِ‬
‫سبيلك‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬

‫ن هَ يَ ت تُ َ نَ مَ ْ اَ ْ ْ‬
‫� �و پ���اهِ � � ن� ����س� ت�‬ ‫�‬ ‫شَوَدْ رَ ْح�مَ� ت‬
‫��‬‫�‬ ‫گ�� �مَ� نْ‬
‫�‬
‫تَ � نَ يَ ت تُ دَ ْ تْ‬
‫�‬ ‫ا‬
‫�‬
‫ِ ِ ِ‬‫��‬
‫�‬ ‫بٖى‬ ‫�‬ ‫� �و ����س ٖ ِ �‬
‫ير‬ ‫�‬ ‫��‬ ‫�ا ِع���ا � ِ‬
‫تكون رحمتُك م ِ‬
‫ستندي‪ ،‬رأف ًة بفقري‬ ‫وضعفي‪ ،‬ولِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعجزي‬ ‫لِ ْتأ ُخ ْذ عنايتُك بيدي‪ ،‬رحم ًة‬
‫ُ‬
‫بابا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تفتح يل َ‬
‫واحتياجي‪ ..‬ول َ‬

‫ن هَ يَ ت رَ ْ مَ ْ يَ فْ ْ اَ ْ ْ‬ ‫ٰ نْ كَ ْ بَْ‬
‫� ح� � ت� �ا �� ت� ����س� ت�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫��‬
‫�‬ ‫�‬
‫ا � ���س كِ�ه ح ِ ِ ِ‬
‫�‬ ‫بٖى‬ ‫ر‬ ‫� � �‬
‫يَ ْ قَ ْ سَ بَ ْ ْ‬ ‫تَ ْيَ نَ ُ نَ ْ ْ نْ ُ ْ ْ يَ‬
‫��ه ��ك ���طرَه �� رَا �����س� ت�‬ ‫ي� ج��ز ءِ اِ �خ�ِت����� �ى ِك‬‫���د �بَر �‬
‫اٖ‬ ‫���ك��ه ��ه �ك‬
‫ارٖ‬
‫ساحل له‪ ،‬ال يعتمدُ عىل ج ِ‬ ‫ِ‬
‫وهو‬
‫االختياري َ‬
‫ِّ‬ ‫زئه‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫الرمحة الذي ال‬ ‫نعم‪َ ،‬ف َمن َو َجدَ َ‬
‫بحر‬
‫ِ‬
‫الرمحة‪.‬‬ ‫رساب‪ ،‬وال يفو ُض إليه أمره‪ ،‬من ِ‬
‫دون َ‬
‫تلك‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كقطرة‬
‫َُ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪239‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬
‫ْ ُ خَ بَ ْ ْ‬ ‫اَْ ْ نْ ْ َگ‬
‫ي� زِ�ن� ِ�د �‬
‫�ا �نٖى ���هَ � �چ�و ��ا �����س� ت�‬ ‫ي�وَاه �‬
‫اٖ‬
‫م‬
‫ْ ُ ْ ُ نْيَ ْ هَ ْ ُ بَادَ ْ ْ‬
‫�ي ن� �ع�مِر �بٖى ب����اد ��� � �چ�و � ����س� ت�‬
‫م‬ ‫وٖ‬
‫يا َأسفى‪ ،‬لقد ُخدعنا‪َ ،‬ف َظننّا هذه احليا َة الدنيا ُمستَقر ًة ثابت ًة‪َ ..‬‬
‫فأضعناها هبذا ال َّظ ِّن ُك ِّلـ ًّيا‪..‬‬
‫ٍ‬
‫يذهب َذ َ‬
‫هاب‬ ‫ُ‬ ‫كرؤيا عابرة! وهذا ال ُع ُم ُر الذي ال َق َ‬
‫رار له‬ ‫إن هذه احلياة غفو ٌة قد مضت ْ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫الر ِ‬
‫يح‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫نْ سَ نْ بَ ْ ُ ْ يَ بَ فَ نَ اَ ْ ْ ٰ مَ ْ بَ قَ ٰ ْ بَ �بَ قَ اَ ْ ْ‬
‫اِ ���� �ا � ��زَوَا ل د ن����� �ا ��������� �ا ����س� ت� ا � �ا ل �بٖى ������ا ا لَا �م ����� ���ا ����س� ت�‬
‫ِ‬
‫بالزوال؛ إنَّه‬ ‫بنفسه‪ ،‬الذي حيسب نفسه أبديا‪ ،‬حمكوم ِ‬
‫عليه‬ ‫اإلنسان املغرور‪ ،‬المعتدَّ ِ‬‫َ‬ ‫إن‬‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫َ ُ َ ُ ً‬ ‫َ ُ‬
‫أدراج‬ ‫ُ‬
‫اآلمال‬ ‫فتذهب‬ ‫ِ‬
‫ظلامت العد ِم‪،‬‬ ‫يذهب رسي ًعا‪ ،‬أ َّما الدنيا التي هي َم ْأوا ُه؛ فستهوي يف‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرواح‪.‬‬ ‫اآلالم حمفور ًة يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرياح وتبقى‬

‫ُ‬
‫ك� نْ‬ ‫يَ اَ ْ نَ فْ نَ فَْ جَ ْ ُ ُ فَ ن �خُ ْ فَ‬
‫�‬ ‫َا‬
‫د‬ ‫�‬
‫�‬ ‫ِب������ا �ى �������س �ا �ر��ا �م و�ج�ودِ ��ا ِ�ى �ود رَا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عَ َ ْ ْ‬ ‫نْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫خَ ُ‬
‫ي� �ه��س�ى وَدٖ �ي��ه �ه����س� ت�‬ ‫��اِ�ل ق��خ�ود رَا ِك‬
‫��ه اٖ �‬
‫تٖ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الطويل‪ ،‬والعاشق َة للدنيا‪ ،‬واملبتال َة‬ ‫نفيس املشتاق َة إىل احلياة‪ ،‬والطالب َة ال ُع َ‬
‫مر‬ ‫َ‬ ‫ـي يا‬ ‫َفتَعا َل ْ‬
‫ترين‬
‫َ‬ ‫شد ِك‪َ ،‬‬
‫أل‬ ‫الشقي َة انتبهي وعودي إىل ر ِ‬
‫ُ‬ ‫وآمال ال هناي َة هلا‪ ،‬يا نفيس َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بآال ٍم ال حدَّ هلا‬
‫البهيم‪ ،‬بينام النَّحل التي ال تَعتدُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫ِ‬
‫ظلامت‬ ‫تظل بني‬ ‫ِ‬
‫ضوئها ُّ‬ ‫أن ال َيراع َة التي تعتمدُ عىل‬ ‫َّ‬
‫الشمس‪ ..‬كذلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بضوء‬ ‫ذه َب ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األزهار ُم َّ‬ ‫صديقاتا من‬ ‫مجيع‬
‫النهار‪ ،‬وتشاهدُ َ‬ ‫بنفسها‪ ،‬جتدُ ضيا َء‬
‫ولكن‬ ‫ِ‬
‫كالرياعة؛‬ ‫فستكونني‬
‫َ‬ ‫نفسك وعىل أنانيتِ ِك؛‬ ‫ِ‬ ‫وجود ِك وعىل‬ ‫ِ‬ ‫اعتمدت عىل‬‫ِ‬ ‫أنت‪ ،‬إن‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫َّحل‪،‬‬ ‫تكونيـن كالن ِ‬ ‫سوف‬
‫َ‬ ‫الكريم الذي وهبه ِ‬
‫لك‬ ‫ِ‬ ‫خالق ِك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫ِ‬
‫بوجودك يف‬ ‫يت‬ ‫إن ضح ِ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫لديك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫وأمانة‬ ‫ِ‬
‫عندك‬ ‫بنفسك‪ ،‬إذ هذا الوجو ُد وديع ٌة‬ ‫ِ‬ ‫وجود ال حدَّ ل ُه‪ ،‬فضحي‬‫ٍ‬ ‫نور‬
‫وجتدين َ‬ ‫َ‬

‫ُ تَ بَ قَ يَ بَ ْ‬ ‫فَ نَ‬ ‫وَ ُ ْ ُ وَ ُ‬


‫�ك ا و ا و دَادَه ����ا ك� نْ� �ا ������ا �ا ��د‬ ‫�م�ل ِ‬
‫اَ زْ ٰ نْ � ّ � نَ فْ نَ فْ ْ ثْبَ تْ اَ ْ ْ‬
‫� ����س� ت�‬ ‫� ا � ِ�سر�ى كِ�ه ‪���� ،‬ى ����ى اِ ���ا‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬
‫لك‪ ،‬لذا ا ْفد ِِيه من دون من ٍَّة وال إحجا ٍم‪،‬‬
‫إن الوجود م ْل ُكه سبحانه وهو الذي وهبه ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ثم َّ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪240‬‬
‫كان العدم معدوما فهو موجود‪ِ ،‬‬
‫وإن‬ ‫إثبات‪ ،‬أي إنْ َ‬ ‫ِ‬
‫النفي‬ ‫نفي‬ ‫وا ْف ِ‬
‫نيه كي جيدَ البقا َء‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ً َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ألن َ‬
‫ُ‬
‫يكون موجو ًدا‪.‬‬ ‫الـمعدَ ُم‬
‫انعدَ َم ُ‬
‫خَ ْ اَ زْ تُ‬ ‫ُ ْ كَرَ ْ �خُ ْ ُ ْ �خ ُ ْ‬ ‫خُ‬
‫�ك �ود رَا مٖى �رَد � �و‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫�‬‫م‬‫�‬ ‫ود‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ِ پ م‬ ‫ر‬ ‫�‬ ‫ى‬ ‫َا�‬‫د‬ ‫�‬
‫�‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫گ‬
‫� ت ن � دَارَ ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬‫ن‬ ‫بَ هَ‬
‫��ا ه ����س� ت�‬ ‫�رَا � دَادَه بَرَا �ِى �و ِ�‬
‫����ا �ِى �بٖى ِك‬

‫لك َ‬
‫ذلك‬ ‫حيفظ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلنة؛ وإنَّه‬ ‫ِ‬
‫ويعطيك ثمنَه عظيمـًا‪ ،‬وهو‬ ‫إن اهلل يشرتي ِ‬
‫منك ملكَه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وس ُيعيدُ ه إليك بأبقى صورة وأكملها‪ ،‬فيا نفيس! َأنفذي ً‬
‫فورا هذه‬ ‫ويرفع قيمتَه وثمنَه َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫امللك‬
‫ْجي من‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬و َتن ْ َ‬ ‫ٍ‬
‫صفقة‬ ‫ٍ‬
‫أرباح م ًعا يف‬ ‫تكسبني مخس َة‬ ‫ٍ‬
‫أرباح‪ ،‬كي‬ ‫الرابح َة مخس َة‬
‫َ‬ ‫التِّجار َة َّ‬
‫خسائر م ًعا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫مخس‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪241‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫�﷽‬

‫﴿ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (األنعام‪)76:‬‬
‫ِ‬
‫عليه‬ ‫إبراهيم‬ ‫ِ‬
‫خليل اهلل‬ ‫نعي‪  ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ﴾ من‬
‫َ‬ ‫لقد أبكاين ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عين قلبي َق َطرات باكيات عىل‬ ‫ِ‬ ‫السالم الذي ينعي به َ‬
‫زوال الكائنات‪ ،‬فص َّب ْت ُ‬
‫ِ‬
‫البكاء‬ ‫ويدفع إىل‬ ‫َ‬
‫األشجان‬ ‫يثري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قطرة ُ‬ ‫ِ‬
‫شؤون اهلل‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حتمل من احلزن والكمد ما ُ‬ ‫كل‬
‫ِ‬
‫بالفارسية‪..‬‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫األبيات التي وردت إىل‬
‫ُ‬ ‫القطرات هي هذه‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والنحيب؛ تلك‬
‫ُ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫احلكيم كام تضمنت ُه ُ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونبيه‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‬ ‫ِ‬
‫خليل‬ ‫ٍ‬
‫تفسري لكال ِم‬ ‫وهي ٌ‬
‫نمط من‬
‫﴿‪  ‬ﭺﭻﭼ﴾ ‪.‬‬

‫�ْ ُ ْ‬ ‫بَ ْ ْ ُ فُ ْ ُ‬
‫گ ْ شُ َ نْ َ‬ ‫نَ‬
‫����مٖى زٖ�ي����� �ا ���س� ت� ا �و�ل�دَه م � بو ب�‬
‫��‬
‫ح‬ ‫م‬ ‫�د‬
‫��‬ ‫�‬ ‫�‬
‫�‬

‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫بالزوال لن‬ ‫فاملحكوم عليه‬ ‫مجيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بمحبوب ٍ‬ ‫ِ‬
‫املغيب! ليس‬ ‫يغرق يف ِ‬
‫أفق‬ ‫حمبوب‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬
‫أنوار‬ ‫ِ‬
‫ليعشق خالدً ا‪ ،‬ويعك َس‬ ‫أص ًل‬ ‫القلب الذي ُخ َ‬ ‫مجيل ح ًقا وال حي ُبه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لق ْ‬ ‫ُ‬ ‫القلب‪ ،‬إذ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫الز َ‬
‫ائل وال ينبغي ل ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصمد‪ ،‬ال َي َو ُّد َّ‬

‫نَ ْ ْ �غُ ُ ْ غَ ْ ْ ُ َ نْ َ ْ ُ ْ‬
‫����مٖى اَر �زَد � روب�دَه ��ي��� ب� �ش���د � �م��ط�لو ب�‬

‫الفكر؛ ألنَّه‬ ‫القلب‪ ،‬وال ُي َشدَّ مع ُه‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫يرتبط به‬ ‫أهل أن‬ ‫ِ‬
‫باألفول! ليس ً‬ ‫حمكوم عليه‬ ‫مطلوب‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫القلب‬ ‫ُ‬
‫يعشقه‬ ‫حرسات‪َ ،‬أت َ‬
‫ُراك‬ ‫ٍ‬ ‫لآلمال‪ ..‬فالنفس ال تذهب ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يكون مرج ًعا‬ ‫عاجز عن أن‬
‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ْأو َي ُ‬
‫نشدُ ُه و َيعبدُ ه؟‪.‬‬

‫نَ �خ ٰ َ ْ فَ نَ َ ْ ْ شُ َ نْ مَ قْ ُ ْ‬
‫����م �وا �ه���م ����ادَه م‬
‫�‬
‫حو ����د � � �������صود‬ ‫ٖى‬
‫املسكني‪ ،‬فامذا‬ ‫ُ‬
‫ويزول! ال أريد ُه؛ أنا ال أريدُ فان ًيا‪ ،‬ألنِّي الفاين‬ ‫ِ‬
‫الفناء‬ ‫مقصو ٌد‪ُ ،‬يمحى يف‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫الفانون عني؟‬ ‫ُيغني‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪242‬‬
‫نَ �خ ٰ نَ ْ ْ دَ فْ ْ شُ َ نْ مَ ْ ُ ْ‬
‫����مٖى �وا �م �زَوَا �ل�دَه �� ن� ����د � � �ع ب��ود‬

‫من َ‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬


‫عاجزا ال‬
‫ً‬ ‫كان‬ ‫ألتجئ إليه‪ ،‬إ ْذ ْ‬
‫ُ‬ ‫وال! ال أدعو ُه‪ ،‬وال أسأل ُه‪ ،‬وال‬ ‫معبو ٌد‪ُ ،‬يد َف ُن يف َّ‬
‫فكيف‬ ‫ِ‬
‫األبدية‪،‬‬ ‫امد جراحايت‬‫اجلسيمة وال يقدر عىل ِض ِ‬
‫ِ‬ ‫حتم أن جيدَ دوا ًء ألدوائي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يستطيع ً‬
‫ُ‬
‫الز ِ‬
‫وال؟‬ ‫ِ‬
‫قبضة َّ‬ ‫ِ‬
‫نفسه من‬ ‫يكون معبودا من ال يقدر عىل ِ‬
‫إنقاذ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ً‬

‫� ْ‬ ‫زَ نَ ْ ُ َ‬ ‫ْن‬ ‫عَ قْ ْ فَْ يَ ْ‬


‫ح���م‬‫� �����ل �ر��اد مٖى دَارَد ِ�دَا ِء ﴿‪  ‬ﭺ ﭻ ﭼ﴾ مٖى ���د ر و‬
‫يائسا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الز ِ‬
‫وال‪َ ،‬ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمام ِ‬
‫باملظاهر ً‬ ‫املفتون‬ ‫«العقل»‬ ‫رصخ‬ ‫املنسابة إىل َّ‬ ‫املضطربة‬ ‫الكائنات‬ ‫هذه‬ ‫َ‬
‫أنني‬ ‫ٍ‬
‫خالد َ‬ ‫ٍ‬
‫حمبوب‬ ‫ُ‬
‫الساعية إىل‬ ‫«الروح»‬ ‫زوال معشوقاتِه‪ ..‬وتئ ُّن‬ ‫ِ‬
‫األعامق‪ ،‬ك َّلام رأى َ‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫﴿‪  ‬ﭺﭻﭼ﴾ ‪.‬‬

‫نَ �خ ٰ َ ْ نَ �خ ٰ نَ ْ نَ تَ بَ ْ ف‬
‫����مٖى �وا �ه���م ����مٖى �وا �م ����مٖى �ا �م �ِرَا �قٖى‬
‫َ‬
‫الفراق‪.‬‬ ‫أطيق‬ ‫َ‬
‫الفراق‪ ..‬ال‪ ..‬ال ُ‬ ‫ال‪ ..‬ال أريدُ‬

‫ْ ْ َ ْ تَ َ‬ ‫نَ ْ ْ َ قَ نْ‬
‫����مٖى اَر �زَد �مرَا ��ه اٖ �ي� �زَوَا ل دَر پ���س �لا �قٖى‬
‫باللهفة‪ ،‬بل ال‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جديرة‬ ‫غري‬ ‫ِ‬ ‫وال مؤمل‪ِ ،‬‬ ‫الز ُ‬ ‫ٌ‬
‫اللقاءات املكدَّ ر ُة بالزوال ُ‬
‫ُ‬ ‫هذه‬ ‫ٌ‬ ‫وصال يعقب ُه َّ‬
‫ألـم ِم ْث ُله‪،‬‬
‫كذلك ٌ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اللذة‬ ‫ِ‬
‫زوال‬ ‫تصو َر‬
‫فإن ُّ‬‫ألـم َّ‬‫هو ٌ‬
‫ِ‬ ‫ألن َ‬
‫زوال اللذة مثلام َ‬ ‫تستحق شو ًقا؛ َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫قصائدهم إنَّام هي‬ ‫ومجيع‬ ‫َ‬
‫جمازيون‪-‬‬ ‫َّسيب ‪-‬وهم ُع َّش ٌ‬
‫اق‬ ‫زل والن ِ‬ ‫ِ‬
‫شعراء ال َغ ِ‬ ‫فدواوين مجي ِع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رت روح ِد ِ‬ ‫الز ِ‬
‫تصو ِر َّ‬
‫يوان‬ ‫َ‬ ‫وال هذا‪ ،‬حتى إذا ما اس َت ْع َص َ‬ ‫تنجم من ُّ‬ ‫تنطلق من آال ٍم ُ‬
‫ُ‬ ‫رصاخات‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الزوال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تصور‬ ‫ً‬
‫رصاخا أليمـًا ناش ًئا من‬ ‫إل وتَـقـ ُط ُر‬
‫أي منهم فال تَراها ّ‬
‫ٍّ‬

‫زَ نَ ْ قَ ْبَ ْ‬ ‫اَ زْ ٰ نْ ْ گ‬


‫� �ي ن� ﴿ ﭺﭻ ﭼ﴾ مٖى ���د ���ل�����م‬
‫� �‬ ‫ا‬
‫� � دَر دٖ ى ِرٖ ِ‬
‫تعرص قلبي‬ ‫الـم ِ‬
‫ور ُثة لألملِ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫املجازية ُ‬ ‫املحبوبات‬
‫ُ‬ ‫وتلك‬ ‫بالزوال‪،‬‬ ‫املشوبة‬ ‫ات‬
‫فتلك اللقا َء ُ‬
‫سيدنا إبراهيم ِ‬
‫عليه السالم‪.‬‬ ‫رار ِ‬‫قائل‪ ﴿ :‬ﭺﭻﭼ﴾ عىل ِغ ِ‬ ‫ِ‬
‫بالبكاء ً‬ ‫حتَّى َ‬
‫جيهش‬
‫َ‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪243‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬
‫ْ فَ نَادَ نْ‬ ‫بَ قَ‬ ‫ْ نْ فَ بَ قَ خَ‬
‫دَر اٖ �ي� ��ا �نٖى ������ا ��ا زٖ� �ى ������ا خٖ�ي���زَد ���� �‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاعلم‪:‬‬
‫ْ‬ ‫الفانية‬ ‫كنت طال ًبا للبقاء ح ًقا‪ ،‬وأنت ما َ‬
‫زلت يف الدنيا‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬
‫بالبقاء!‬ ‫ِ‬
‫األمارة لتحظى‬ ‫َّفس‬ ‫ِ‬
‫بفناء الن ِ‬ ‫فجدْ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ينبثق من الفناء‪ُ ،‬‬
‫أن البقا َء ُ‬

‫فَ نَ شُ ْ َ ْ فَ ُ نْ َ ْ عَ َ ْ نْ اَ زْ ُ نْيَ بَ قَ يَ ْ فَ نَادَ نْ‬


‫��ه � د ���ا ������ا ��ه رَاه ���� �‬ ‫����ا ����د �ه���م ��دَا ك�‬
‫�� �ه���م �د �م �ي��� ِك‬
‫بٖ‬
‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫عبادة الدنيا؛ أفنِ ِه عن ِ‬
‫نفسك‪ُ ،‬جدْ بام متلكُه يف‬ ‫ِ‬ ‫كل ُخ ُل ٍق ٍ‬
‫ذميم هو َم ُ‬
‫بعث‬ ‫تجر ْد ِمن ِّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫البقاء إنَّام‬ ‫ُ‬
‫فالسبيل يف الدنيا إىل‬ ‫ِ‬
‫املاضية نحو العد ِم؛‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫احلق‪ ،‬أ ْب ِص ْر ُعقبى‬ ‫ِ‬
‫املحبوب ِّ‬
‫ِ‬
‫الفناء‪.‬‬ ‫َت ُّر من ِ‬
‫درب‬

‫زَ نَ ْ ْ نْ‬ ‫ْ اَ‬ ‫ف ْ ْ‬


‫�ر فٖ�ي���زَار مٖى دَارَد نٖ�ي��نِ� ﴿ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ مٖى ���د ِو ج��دَا �‬
‫ِ� ِك�‬
‫ِ‬
‫زوال الدنيا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مشهد‬ ‫وقلق أما َم‬ ‫املادية يف ح ٍ‬
‫رية ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫ارح يف‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫الس ُ‬
‫«فكر» اإلنسان َّ‬
‫ويظل ُ‬
‫إبراهيم‬ ‫يتبع ُخطى سيدنا‬ ‫ُ‬
‫«الوجدان» الذي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ينشدُ وجو ًدا حقيق ًيا ُ‬ ‫قنوط؛ بينام‬ ‫فيستغيث يف‬
‫وي ُّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عليه السالم يف أنينِه‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ﴾‬ ‫ِ‬
‫ويقطع أسبا َبه مع املحبوبات املجاز َّية َ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الرسمدي‪ ..‬باملحبوب‬
‫ِّ‬ ‫باملحبوب‬ ‫حبا َله مع املوجودات الزائلة‪ُ ،‬م ً‬
‫عتصم‬

‫ْ هَ ْ فَ ْ اَ زْ فَ ُ ْ َ ْ ْ‬ ‫نْ اَ ْ نَ ْ نَ نَ ْ‬
‫��ه دَر � ر � ْرد � ��ا �نٖى د و رَاه �ه����س� ت�‬ ‫ب�دَا � �ى ���ف����س �ادَا �� � ِك‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بَ بَ � ُ ّ جَ ن جَ نَ‬
‫�ا �ا قٖى د و �ِ�س ِر ��ا ِ� ��ا �ا �نٖى‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫البقاء من ِّ‬ ‫يـن إىل‬ ‫جدان سبي َل ِ‬
‫َ‬ ‫تستطيعيـن ِو‬ ‫فيا نفيس الغافل َة اجلاهل َة! اعلمي أنَّك‬
‫َ‬
‫أنوار ِ‬
‫مجال‬ ‫ين من ِ‬ ‫وسر ِ‬ ‫فيهام ملعت ِ‬ ‫ِ‬
‫يمكنك أن تُشاهدي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يشء ٍ‬
‫َني َّ‬ ‫الفانية‪ ،‬حتى‬ ‫فان يف هذه الدنيا‬
‫ِ‬
‫نفسك‪.‬‬ ‫وخرقت حدو َد‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفانية‬ ‫ِ‬
‫الصورة‬ ‫ِ‬
‫جتاوز‬ ‫ائم‪ ،‬فيام إذا َقدر ِ‬
‫ت عىل‬ ‫ِ‬
‫املحبوب الدَّ ِ‬
‫ْ‬

‫مَ ْ نَ‬ ‫ْ ن ْ مَ تْ هَ نْعَ ْ َ ْ تْ وَ َ ْ ٰثَ ْ َ اَ ْ مَ گ ْ مَ ْ وَ زَ نْ ْ فَ نَ ٰ نْ ق ْ‬


‫���ير � غ�� �ى �مٖ ي���� دَر ����ا ا � ِ� ش���ر �بٖى � �ع���ا‬
‫��ه دَر ِ��ع��� �����ا اِ ���ا �ه����س�� پ���س ا �ار �ه�ا ��س��� �ا � �‬
‫ِك‬
‫ِ‬ ‫بِ ٖ �زٖ‬ ‫م‬
‫ِّعمة‪ ،‬فإن َن َف ِ‬
‫محن يستشعر يف ثنايا الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ذت‬ ‫َُ‬ ‫الر ِ ُ‬ ‫النعمة‪ ،‬و ُل َ‬
‫طف َّ‬ ‫شاهدُ َط َّي‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن اإلنعا َم ُي َ‬
‫وجدت الم ِ‬
‫نع َم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رؤ ِية اإلنعا ِم فقد‬ ‫ِ‬
‫النعمة إىل ْ‬ ‫ِ‬
‫خالل‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪244‬‬
‫ِ‬
‫صانعه‬ ‫كل منها يب ِّي ُن أسام َء‬‫املكتوبة‪ٌّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مد إنّام هو رسالتُه‬‫األحد الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن ك َُّل أ َث ٍر من ِ‬
‫آثار‬ ‫ثم ّ‬
‫َّ‬
‫وجدت طري ًقا إىل‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباطن فقد‬ ‫النقش ال َّظ ِ‬
‫اهر إىل املعنى‬ ‫ِ‬ ‫العبور من‬ ‫ِ‬
‫استطعت‬ ‫احلسنى؛ ِ‬
‫فإن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الوصول إىل‬ ‫نفيس‪-‬‬ ‫َ‬ ‫األقدس من خالل األسامء احلسنى‪ ..‬فام دام يف ُو ْس ِع ِك ‪-‬يا‬ ‫ِ‬ ‫املس َّمى‬
‫َ‬
‫قشورها َي ُر ُفها ُ‬
‫سيل‬ ‫فاستمسكي باملعنى‪ ،‬ودعي‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفانيات ول ِّبها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫مغزى هذه‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫حرسة عليها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الفناء َ‬
‫دون‬

‫بَ ٰثَ ْ َ ُ‬
‫�خَ�ا نْ �مَ�ْع��نَ�ا وَ � �� زَ نْ ْ �هَوَا اٰ نْ �لَ��فْ�� ظ��� � �� ْ‬
‫سَودَا‬ ‫�‬ ‫گ يَ نْ ْ ز اَ ْ مَ لَ فْ ظ ُ ْ مَ ْ نَ‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ِ بٖى‬ ‫�‬ ‫�‬
‫مٖ ي� دَر‬ ‫�‬ ‫بِ‬ ‫ا‬
‫�‬‫��‬ ‫ع‬
‫�‬ ‫ِ پر‬‫�‬
‫��‬‫��‬‫�‬
‫�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫�‬
‫��‬‫�س‬ ‫��لٖى ا �ار �ه�ا �و ِ�‬
‫�د‬‫�‬
‫ٍ‬
‫جليلة‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬
‫معان‬ ‫فصح عن‬ ‫هو ٌ‬ ‫ٍ‬
‫يشء ّ‬ ‫ِ‬
‫جمسم ُي ُ‬
‫ٌ‬ ‫لفظ‬ ‫إل َ‬ ‫املوجودات من‬ ‫نعم‪ ،‬ليس يف‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫َ‬
‫ألفاظ‬ ‫املخلوقات‬ ‫ِ‬
‫صانعه البديعِ؛ فام دامت هذه‬ ‫ِ‬
‫أسماء‬ ‫كثيرا ِمن‬
‫ُ‬ ‫يستقرئ ً‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القلب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أعامق‬ ‫فاقرئيها ‪-‬يا نفيس‪ -‬وتأميل يف معانِيها واحفظيها يف‬
‫ِ‬ ‫املج َّسدَ ةَ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكلماتها َ‬
‫ٍ‬
‫انشغال هبا‪.‬‬ ‫أسف عليها‪ ..‬ودون‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الرياح دون‬ ‫أدراج‬ ‫ِ‬
‫التافهة‬ ‫ِ‬
‫بألفاظها‬ ‫وارمي‬
‫َ‬

‫زَ نْ اَ ْ نَ فْ سَ ْ‬ ‫�عَ��قْ���ْ �فَْ �يَ�ادْ م دَارَدْ غ��يَ���ا ث‬


‫� ﴿ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ �مٖ ي���� �ى ����������م‬
‫ِ ِ‬ ‫ل ر ٖى‬
‫ِ‬
‫أفكاره‬ ‫ُ‬
‫سلسلة‬ ‫معارف آفاقي ًة خارجي ًة‪ ،‬ت ُّ‬
‫َجر ُه‬ ‫َ‬ ‫يملك إلَّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بمظاهر الدنيا وال‬ ‫ُ‬
‫والعقل املبتىل‬
‫جزعا‪ ،‬باح ًثا‬ ‫ُ‬ ‫يضطرب يف حريتِه وخيبتِه؛‬ ‫إىل حيث العدم وإىل غري ٍ‬
‫يائسا ً‬
‫فيرصخ ً‬ ‫ُ‬ ‫يشء؛ فرتاه‬ ‫ُ‬
‫زق ليب ِل َغه طري ًقا سويا يوص ُله إىل احلقيقة‪ِ.‬‬‫ِ‬ ‫خمرج من هذا ْ‬
‫المأ‬ ‫عن ٍ‬
‫ًّ‬ ‫ُْ ُ‬
‫ِ‬
‫املحبوبات املجاز َّي َة‪،‬‬ ‫والقلب قد َ‬
‫ترك‬ ‫الزائلني‪،‬‬ ‫اآلفلني‬ ‫وح قد َك َّف ْت يدها عن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الر ُ‬
‫فام دامت ُّ‬
‫إبراهيم عليه‬ ‫ِ‬
‫بغياث‬ ‫نفسـي المسكين َة‬ ‫ِ‬
‫الفانيات‪ ..‬فاستغيثي يا‬ ‫أعرض عن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جدان قد‬ ‫ِ‬
‫والو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نفس ِك‪.‬‬
‫السالم‪ ﴿ :‬ﭺﭻﭼ﴾ وأنقذي َ‬

‫� يَ ْ ُ شَ ْ جَ � شْ قْ �خ�ُ ْ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫گ‬ ‫�خ ش‬
‫�‬
‫ٖى ِ � وى‬‫���‬‫ع‬ ‫م‬ ‫ا‬
‫�‬‫�‬ ‫َا‬
‫د‬ ‫�‬‫چِ��ه �و��� �و و ي‬
‫��‬‫�‬
‫�‬ ‫�‬‫��‬ ‫ا‬ ‫�د‬
‫�‬

‫َّ‬
‫لكأن فطرتَه قد‬ ‫ِ‬
‫العاشق الوهلان؛ حتى‬ ‫ِ‬
‫الشاعر‬ ‫قول «جامي»(*) ذلك‬ ‫أمجل َ‬‫وانظري! ما َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُع ِجن َْت‬
‫التشتت يف‬ ‫التوحيد ويرص َفها عن‬ ‫شطر‬
‫األنظار َ‬
‫َ‬ ‫اإلهلي حينام أرا َد أن ُيو ِّل َ‬
‫ـي‬ ‫ِّ‬ ‫باحلب‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الكثرة‪ ..‬إذ َ‬
‫قال‪:‬‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪245‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬
‫ُ‬
‫گ‬
‫� ْ‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� دَا نْ ‪� 5‬يَ‬ ‫� ��� نْ ‪� 4‬يَ‬ ‫� �ُ � ْ ‪� 3‬يَ‬ ‫� �خ�ٰوا نْ ‪� 2‬يَ‬ ‫� �خ�ٰواهْ ‪� 1‬يَ‬ ‫يَ‬
‫�‬
‫ٖى وى‬‫ك‬ ‫�‬ ‫ك‬
‫ٖى وى ٖى بٖي� ٖى‬‫ك‬ ‫�ج‬ ‫ك‬ ‫�‬ ‫ك‬ ‫� كٖى‬
‫‪)1( 6‬‬
‫ٖى‬
‫ِ‬
‫بالقصد‪.‬‬ ‫جديرا‬ ‫ليس‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ً‬ ‫‪ -1‬اقصد الواحدَ ‪ ،‬فسوا ُه َ‬

‫يستجيب دعا ًء‪.‬‬


‫ُ‬ ‫‪ُ -2‬ا ُ‬
‫دع الواحدَ ‪ ،‬فام عدا ُه ال‬

‫ِ‬
‫للطلب‪.‬‬ ‫أهل‬
‫ليس ً‬
‫فغري ُه َ‬ ‫‪ُ -3‬ا ِ‬
‫طلب الواحدَ ‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫الزوال‪.‬‬ ‫يغيبون ورا َء ِ‬
‫ستار‬ ‫َ‬ ‫يشاه َ‬
‫دون دائمـًا‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬
‫فاآلخرون ال َ‬ ‫شاه ِد الواحدَ ‪،‬‬
‫‪ِ -4‬‬

‫طائ َل من ِ‬
‫ورائه‪.‬‬ ‫وص ُل إىل معرفتِه ال ِ‬ ‫‪ -5‬اِ ِ‬
‫عرف الواحدَ ‪ ،‬فام ال ي ِ‬
‫ُ‬

‫ذكار ُهرا ٌء ال ُيغني المر َء شي ًئا‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫أقوال و َأ ٍ‬ ‫يدل ِ‬
‫عليه من‬ ‫‪ُ -6‬ا ِ‬
‫ذكر الواحدَ ‪ ،‬فام ال ُّ‬
‫نَ عَ ْ َ ْق تَ اَ ْ جَ‬
‫� �د ��� �ى ٖى‬
‫م‬ ‫ا‬
‫�‬‫�‬ ‫���� ��م صَ‬
‫� ُ ُ ُوَ ْ مَ قْ ُ ُ ُوَ ْ مَ ْ ُ ُ‬ ‫ُوَ ْ َ ْ ُ ُ ُوَ ْ ْ‬
‫� * �ه ا �ل���مَ��ح ب��و ب� * �ه ا �ل����������صود * �ه ا �ل��� �ع ب��ود‬‫�ه ا �ل���م��ط�لو ب‬

‫� � ْ � زَ نَ ْ عَ �لَ ْ‬
‫��ه ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾ بَرَا بَر مٖ ي�����د �ا �م‬
‫ِك‬
‫ِ‬
‫املختلفة‪:‬‬ ‫املتنوعة ونغامتِه‬
‫ِ‬ ‫وهتليل كربى يرد ُّد بألسنتِه‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بحلقة ٍ‬
‫ذكر‪،‬‬ ‫فالعامل ك ُّله‪ ،‬أش َب ُه‬
‫فجر ُه‪﴿ :‬‬ ‫البالغ ال َغ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ﭕ ﭖﭗ ﭘ﴾ و َيشهدُ ُّ‬
‫ور الذي ُي ِّ‬ ‫اجلرح‬
‫َ‬ ‫التوحيد‪ ،‬ف ُيداوي به‬ ‫الكل عىل‬
‫نفضوا أيد َيكُم من ِّ‬
‫كل‬ ‫الدائم الباقي‪ُ ..‬ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املحبوب‬ ‫ﭺ ﭻ ﭼ﴾ وكأنَّه ُ‬
‫يقول‪ :‬ه َّيا إىل‬
‫ِ‬
‫الزائلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املجازية‬ ‫حمبوباتِكم‬

‫(‪ )1‬هذا البيت ملوالنا جامي‪( ،‬املؤلف)‬


‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪246‬‬

‫َ‬
‫بإسطنبول‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سفور‬ ‫طل عىل ال ُب‬‫الم ِّ‬ ‫وعرشين عا ًما (‪ )1‬عىل ِّتل ُي َ‬ ‫ٍ‬ ‫كُنت َ‬
‫وش َع ُ‬ ‫َ‬ ‫مخسة‬ ‫قبل‬
‫أصحاب أعزا ُء‪ ،‬ل ُيثنوين عن عزمي و ُيعيدوين إىل‬ ‫ٌ‬ ‫ترك الدنيا‪ ،‬أتاين‬‫قررت َ‬
‫ُ‬ ‫عندما‬
‫ِ‬
‫الصباح‬ ‫أستخري ر ِّبي؛ ويف‬ ‫حالتي األوىل‪ ،‬فقلت هلم‪ :‬د ُعوين وشأين إىل ِ‬
‫الغد‪ ،‬كي‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إل أنَّهام ليستَا‬ ‫ِ‬
‫بالشعر‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هاتان اللوحتان إىل قلبي‪ ،‬ومها شبيهتان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباكر َخ َط ْ‬
‫رت‬
‫ِ‬
‫امليمونة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلاطرة‬ ‫حافظت عىل َع ْفو َّيتِهام وأبقيتُهام كام وردتَا ألجل تلك‬ ‫ُ‬ ‫شعرا‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫والعرشين»‪ ،‬وملناسبة املقا ِم ُأدرجتَا ُهنا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقد ُأحل َقتَا بختا ِم «الكلمة الثالثة‬
‫َ‬

‫اللوح ُة األوىل‬
‫ِ‬
‫الغفلة]‬ ‫تصو ُر حقيق َة الدُّ نيا لدى ِ‬
‫أهل‬ ‫ٌ‬
‫لوحة ِّ‬ ‫[وهي‬
‫لا ت َ ْدعُني إلى الدنيا‪ ،‬فقد جِئتُها ورأيتُ الفسادَ‪.‬‬
‫حق‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ترت نور َ ال ِّ‬
‫صارت الغفلة ُ حجابًا‪ ،‬وسَ ْ‬ ‫إذ لما‬
‫ِ‬
‫الموجودات كل َّها‪ ،‬فانية ً مضرة ً‬ ‫رأيتُ‬
‫عانيت من البلاء ِ في العد ِم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬الوجودُ! فقد لَب ِْستُه‪ ،‬و�لكن كم‬
‫ن َ‬ ‫إ ْ‬
‫العذاب‪.‬‬
‫َ‬ ‫قاسيت‬
‫ُ‬ ‫قلت‪ :‬الحياةُ! فقد ذُقتُها‪ ،‬و�لكن كم‬
‫وإن َ‬

‫ل عقابًا‪ ،‬والبقاء ُ بلاء ً‬‫إذ صار َ العق ُ‬


‫عين الهباءِ‪.‬‬
‫ل َ‬ ‫عين الهواءِ‪ ،‬وا�لكما ُ‬
‫والعُمُر ُ َ‬
‫عين الألمِ‪.‬‬
‫ل َ‬ ‫عين الر ياءِ‪ ،‬والأم ُ‬
‫ل َ‬ ‫والعم ُ‬
‫عين الدَّاءِ‪.‬‬
‫عين الزوالِ‪ ،‬والدواء ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫والوصا ُ‬
‫والأحباب أيتامًا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ظلمات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والأنوار ُ‬
‫والأصوات نَع َ ٍ‬
‫يات‪ ،‬والأحياء ُ أموات ًا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وانقلبت العلوم ُ أوهامًا‪ ،‬وفي الحِكَم ِ ُ‬
‫ألف سَقَمٍ‪.‬‬ ‫ِ‬

‫حولت اللذائذ ُ آلامًا‪ ،‬وفي الوجودِ ُ‬


‫ألف عد ٍم‪.‬‬ ‫وت ِ‬
‫حبيب! فقد وجدتُه‪ ،‬آهٍ! كم في الفرا ِ‬
‫ق من ألمٍ‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال ُ‬
‫وإن َ‬
‫(‪ )1‬أي سنة ‪.1922‬‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪247‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫اللوح ُة الثاني ُة‬


‫ِ‬
‫اهلداية]‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫حقيقة الدنيا لدى ِ‬ ‫تشري إىل‬ ‫ٌ‬
‫لوحة ُ‬ ‫[وهي‬
‫حق عَيان ًا‪.‬‬
‫أبصرت نور َ ال ِّ‬
‫ُ‬ ‫َالت الغَفلةُ‪،‬‬
‫لمَّا ز ِ‬

‫حق‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وإذا الوجود ُ برهانُ ذاته‪ ،‬والحياة ُ مرآة ُ ال ِّ‬
‫باب البقاءِ‪.‬‬
‫مفتاح ا�لكنز ِ‪ ،‬والفناء ُ ُ‬
‫ُ‬ ‫ل‬
‫وإذا العق ُ‬

‫شمس الجمالِ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫وانطفأت لمعة ُ ا�لكمالِ‪ ،‬وأشرقت‬

‫عين اللذةِ‪.‬‬
‫عين الوصالِ‪ ،‬والألـم ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫فصار َ الزوا ُ‬

‫عين العمرِ‪.‬‬
‫ل نفسُه‪ ،‬والأبد ُ َ‬
‫والعمر ُ هو العم ُ‬
‫ِ‬
‫الموت حياة ٌ حقةً‪..‬‬ ‫غلاف الضياءِ‪ ،‬وفي‬
‫َ‬ ‫والظلام ُ‬
‫والأصوات ذكرا‪..‬‬
‫َ‬ ‫وشاهدت الأشياء َ مؤ ْنسةً‪،‬‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫مسبحات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ذاكرات‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الموجودات كل ُّها‬ ‫فذرات‬
‫ُ‬
‫ت القوة َ في العجزِ‪.‬‬
‫وجدت الفقر َ كنز َ الغ ِنى وأبْص َ ْر ُ‬
‫ُ‬ ‫ولقد‬

‫ك‪.‬‬
‫وجدت اللّه فالأشياء ُ كل ُّها ل َ‬
‫َ‬ ‫إن‬

‫ك‪..‬‬
‫ك الملكِ ‪ ،‬فم�لك ُه ل َ‬
‫كنت عبدًا لمال ِ‬
‫َ‬ ‫نعم إن‬

‫عد‪ ،‬وذُقهَا عذابًا بلا ٍ‬


‫حد‪.‬‬ ‫فأبصر بلاء ً وعِبئًا بلا ٍّ‬ ‫ِك مُعجبًا بها‪،‬‬
‫كنت عبدًا لنفس َ‬
‫َ‬ ‫وإن‬
‫ْ‬
‫عد‪ ،‬ونَل‬ ‫كنت عبدًا للّه حق ًا مؤمنًا به‪ ،‬فأبصر صفاء بلا ٍ‬
‫حد‪ ،‬وذُق ثوابًا بلا ٍّ‬ ‫َ‬ ‫وإن‬
‫ً‬
‫حد‪.‬‬
‫سعادة ً بلا ٍّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪248‬‬

‫مناجاة‬
‫األسامء احلسنى للشيخ الكيالين(*) ُقدِّ َس ِس ُّره بعد ِ‬
‫عرص يو ٍم‬ ‫ِ‬ ‫لقد قر ْأ ُت قصيد َة‬
‫أكتب‬ ‫فوددت أن‬
‫ُ‬ ‫وعرشين سن ًة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مخس‬ ‫املبارك‪ ،‬وذلك َ‬
‫قبل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫رمضان‬ ‫من أيا ِم ِ‬
‫شهر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫در يف حينِه‪ ،‬إذ إنَّني أر ْد ُت كتاب ًة نظري ًة‬ ‫ِ‬
‫مناجا ًة باألسامء احلسنى‪ ،‬فكُتب هذا ال َق ُ‬
‫ِ‬
‫النظم؛ لذا‬ ‫هيهات‪ ،‬فإين ال ِ‬
‫أمل ُك موهب ًة يف‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫السامي‪ ،‬ولكن‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫ِ‬
‫ملناجاة أستاذي‬
‫ت املناجا ُة مبتورةً‪.‬‬ ‫جز ُت‪ ،‬و َظ َّل ِ‬
‫َع ْ‬
‫ُ‬
‫الثالث والثالثون»‬ ‫«املكتوب‬ ‫ِ‬
‫«النوافذ» وهي‬ ‫ِ‬
‫برسالة‬ ‫قت هذه املناجا ُة‬ ‫لح ْ‬ ‫وقد ُأ ِ‬
‫ُ‬
‫خذت إىل هنا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫ملناسبة املقا ِم ُأ‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬

‫بَ‬‫ُوَ ْ‬
‫�ه ا �ل��ا �قٖى‬
‫�ُ �ْعَ ْ ُ �َ ُ ْال ْ ض�ُ وَ � َّ مَ ُ‬ ‫ُ وَ ْ كَ‬ ‫ْ‬ ‫قَ‬ ‫حَ ُ ْ قَ ضَ يَ نَْ‬
‫حَ �م ا ل��د ل ل�ه اَر � ا ل��س��� �اء‬ ‫��م� ۝ �ه ا �ل‬
‫�‬ ‫ح� نُ �فٖى ���بْ ض���� ُح ِك‬ ‫�‬
‫هٖ‬ ‫ِ‬ ‫�ي�����م ا �ل���������ا �ا � �‬ ‫ٖك‬
‫��ه ۝ ُ�هوَ ا �لْ����قَ�اد ُ ا �لْ��قَ��ّ��ُ �ُ �لَ�هُ ا �لْ�عَ ْش��ُ وَ ا �ل��ثَّرَا ءُ‬ ‫�‬
‫ك‬
‫ُْ‬
‫�ل‬ ‫�‬
‫��م‬ ‫�‬
‫ُْ‬ ‫عَ ُ ْ فَ‬
‫�� خَ�����ا يَ�ا وَ ا �ل غ��ي��ُو� �‬
‫��لي�����م ا �ل‬
‫ر�‬ ‫ِ ر يو م‬ ‫فٖى‬
‫ِٖ‬ ‫بِ‬ ‫ٖ‬
‫هَ‬ ‫بَ‬ ‫ْ‬
‫ح����س نُ وَ ا �ل�� �اءُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫فَ‬ ‫ْ‬ ‫وَ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫وَ ن ق ش � ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫يَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ف‬
‫�ل‬ ‫��ص ن���ع� ۝ �ه ا �ل���� ُ‬
‫�‬ ‫�اطر ا �لوَد ود �ل�ه ا � �‬ ‫ِ‬ ‫�لطٖ�� ي��� ا �ل���مَ�زَا �ا ا �ل���و��ِ� فٖى ِ هٖ‬
‫�ْ�� يَ�اءُ‬ ‫ُ وَ ْ مَ ُ ْ قُ ُّ ُ َ ُ ْ �زُّ وَ ْ‬ ‫���لْ�‬‫جَ ُ ْ َ يَ وَ شُّ ؤُ ن � خَ‬
‫ِ ب ِر‬ ‫�‬
‫ك‬ ‫�‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫�‬ ‫ل‬‫�‬ ‫ا‬ ‫�ه‬
‫ل‬‫�‬ ‫��‬ ‫�د‬ ‫��‬‫�‬
‫�‬ ‫�‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫�ك‬‫�‬ ‫��‬ ‫�‬‫�‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫�ه‬ ‫۝‬ ‫��ٖ�ل����ي�ل ا �ل���مرَا �ا ا �ل����و ِ� فٖى ِ هٖ‬
‫�‬‫�ق‬ ‫��‬
‫وس ِ‬ ‫ِ‬
‫ح� نُ �م� نْ �نَ��قْ�� ش�� ُ�صنْ���ع� ۝ ُ�هوَ ا �ل ّ�دَا �ئ ُ ا �لْ���بَ�ا � �لَ�هُ ا �لْ� ُ��م�لْ ُ وَ ا �ْل�بَ ���قَ� �اءُ‬ ‫بَ ُ ْ يَ نَْ‬
‫�ك‬ ‫ِ م � قٖى‬ ‫�� ِ � ِ �‬ ‫��د �ي ا �ل��بَرَا �ا �‬
‫� ِ هٖ‬ ‫ٖع‬
‫��ا � �لَ�هُ ا �ْل��حَ ْ��م ُ�د وَ ا �ل���َّ��ثنَ���ا ءُ‬ ‫ُ وَ َّ زّ قُ ْ كَ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ عَ طَ يَ نَ�ْ نُ نْ رَ ْ ضَ‬
‫� ���ي��ِ���هٖ ۝ �ه ا �لر�َا � ا �ل � فٖى‬ ‫�‬‫ح� �م� ك�‬
‫� ِ � بِ‬
‫� �م ا �ل����ا �ا �‬
‫كَرٖي‬
‫طَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫خَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫نَ‬ ‫ْ‬ ‫نَ‬ ‫هَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫��� �ا �ل قُ ا �لوَا � �ل�هُ ا �ل�ود وَ ا �ل���ع��ا ءُ‬
‫ج‬
‫وَ‬
‫ح� ن� �ِم� ن� ���س��جِ� ِع�ل�ِم�هٖ ۝ �ه ا �ل ِ� فٖى‬
‫�ُ ْ ْ‬ ‫�جَ �مٖ��� ي��� ا ��ل��� �دَايَ�ا �‬
‫ل‬
‫نَ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫� ا �ل�����ث���ا ءُ‬ ‫وَ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ّ‬ ‫وَ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫خَ‬ ‫عَ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫وَ‬ ‫يَ‬ ‫كَ‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫�� ��ل����ق� ۝ �ه ا � َّا � ُ ش‬ ‫�ل�‬ ‫���سَ� �� �� ا � ش‬
‫ح���م ا �ل����ا �فٖى �ل�ه ا �ل��� ك�ر‬ ‫لر ِ‬ ‫��ا �ا ا �ل�د �ا ِء ِ ِ هٖ‬ ‫ل��� �‬
‫مٖ يع‬
‫ُ عَ ْ وَ ّ ضَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُ وَ غَ فّ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫�عَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ّ‬ ‫طَ‬ ‫خَ‬ ‫ْ‬
‫غَ فُ ُ �ل� يَ‬
‫حي�����ُم �ل�ه ا �ل���ف�� ُو ا �لر���ا ءُ‬ ‫ار ا � ّلر�‬ ‫�‬
‫��‬ ‫�‬
‫�‬ ‫�‬‫�‬ ‫ل‬‫�‬ ‫ا‬ ‫�ه‬ ‫�� ��ا �ا وَ ا �ل��ذ ن�و ب� �ِل��� بْ�� ِ�د ۝‬ ‫������ور ا‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫هٖ‬ ‫ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪249‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫ويا نفيس! استغيثي وابكي مثل قلبي وقويل‪:‬‬


‫أنا فا ٍ‬
‫ن مَن كان فانيًا لا أريد ُ‬

‫أنا عاجز ٌ من كانَ عاجز ًا لا أريد ُ‬

‫ن‪ ،‬سواه ُ لا أريد ُ‬


‫روحي للرحم ِ‬
‫َ‬ ‫مت‬
‫سل َّ ُ‬

‫بل أريد ُ ‪ ..‬حبيبًا باقيا أريد ُ‬

‫أنا ذرةٌ‪ ..‬شمسًا سرمدًا أريد ُ‬


‫ِ‬
‫الموجودات كل َّها أريدُ‪.‬‬ ‫أنا لا شيءَ‪ ،‬ومن غير ِ شيءٍ‪،‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪250‬‬

‫نوبر وال َقطِران‪،‬‬


‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫وأشجار َّ‬ ‫ثمر ُة ٍ‬
‫تأمل يف مراعي بارال‪،‬‬
‫ِ‬
‫األسود‪.‬‬ ‫واحل ْو ِر‬
‫وال َعر َع ِر َ‬
‫ِ‬
‫ملناسبة املقا ِم]‪.‬‬ ‫ش‪ُ ،‬أخذت هنا‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫احلادي َع َ َ‬
‫َ‬ ‫املكتوب‬ ‫قطعة من‬ ‫[وهي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُنت عىل ِ‬
‫الصنوبر‬ ‫أشجار‬ ‫النظر يف‬
‫رس ُح َ‬ ‫منفاي‪ُ ،‬أ ِّ‬
‫َ‬ ‫جبل يف «بارال» أيا َم‬ ‫قمة ٍ‬ ‫بينام ك ُ‬
‫ِ‬
‫وروعة‬ ‫ِ‬
‫أوضاعها‬ ‫ِ‬
‫هيبة‬ ‫ِ‬
‫اجلهات‪ ..‬وأتأ َّم ُل يف‬ ‫رع ِر‪ ،‬التي تُغطي‬ ‫وال َق ِطران وال َع َ‬
‫الرائع إىل أوضا ِع‬
‫َ‬ ‫املهيب‬
‫َ‬ ‫الوضع‬
‫َ‬ ‫حول َ‬
‫ذلك‬ ‫رقيق َّ‬
‫نسيم ٌ‬ ‫ب ٌ‬ ‫وص َو ِرها‪ ،‬إذ َه َّ‬ ‫أشكاهلا ُ‬
‫البهيج‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املشهد‬ ‫َ‬
‫بذلك‬ ‫ٍ‬
‫وهتليل؛ وإذا‬ ‫نشوة ٍ‬
‫شوق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واهتزازات‬ ‫ٍ‬
‫جذابة‬ ‫وذ ٍ‬
‫كر‬ ‫تسبيحات ِ‬
‫ٍ‬

‫ببايل الفقر ُة‬


‫خطرت َ‬ ‫ْ‬ ‫السمعِ‪ ،‬وفجأ ًة‬ ‫وينفث احلكم َة يف َّ‬‫ُ‬ ‫يتقطر ِع َب ًرا أما َم الن ِ‬
‫َّظر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الس ِّار‬
‫َّ‬
‫(*)‬
‫زري»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الـج ِّ‬
‫اآلتية بالكردية لـ«أمحد َ‬

‫هَ ْ كَ ْ تَ مَ شَ َگ ُ ْ نَ تَ ز هَ ْ جَ ْ تَ شْ نگَ نْ َ مَ تَ نَ ز نْ‬


‫��ا رَا � ب ��‬
‫��ج�� �الَا ��ه ِد �ا ِ��‬ ‫�ِ�ه �‬
‫ح����س���ا ��ه �� ر ��ا �ى ������ي�ِ�ه ِ� �‬ ‫���س ب�ِ����� �ا ����ا �‬
‫�ر�‬
‫ِ‬ ‫بٖ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫بجاملك‬ ‫شهر ُحسنِ َك‪ ،‬إنَّهم‬ ‫ِ‬
‫ملشاهدة َم ِ‬ ‫ٍ‬
‫صوب‬ ‫رسعني من كل‬
‫َ‬ ‫اجلميع ُم‬
‫ُ‬ ‫أي لقدْ أتَى‬
‫َّجون ويتد َّل َ‬
‫لون‪.‬‬ ‫يتغن َ‬
‫ِ‬
‫الصورة‪:‬‬ ‫الع ِ‬
‫ربة‪ ،‬بكى قلبي عىل هذه‬ ‫وتعبريا عن معاين ِ‬
‫ً‬
‫يَ رَ ْ هَ ْ ْ تَ مَ شَ َگ ُ نْ تُ ز هَ ْ جَ ْ بَتَ‬
‫ع �و ِ�� ر��ا �ى ���ا زٖ�ى‬
‫�‬ ‫�ا ب� � ر �حَى ب�ِ����� �ا ����ا �‬
‫�ِ�ه ��ص��ِ‬
‫َ‬
‫ويتأملون يف‬ ‫فينظرون م ًعا إىل َم ِ‬
‫شهر ُح َ‬
‫سنك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪،‬‬ ‫يتطلع من ِّ‬
‫كل‬ ‫حي‪،‬‬ ‫إن َّ‬‫رب! َّ‬
‫ُ‬ ‫كل ٍّ‬ ‫يا ُّ‬
‫َ‬
‫صنعك‪.‬‬ ‫معرض‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض التي هي‬ ‫روائ ِع‬

‫�‬ ‫وَا‬
‫ٰ‬
‫ء‬ ‫َا‬ ‫� اَ زْ ف� َا � �مَ�ا نَ�نْ��د دَلَّالَا نْ � ن‬
‫زن ُ‬
‫ا‬‫�‬
‫� بِ ِ بِ زٖ� ى‬
‫ِ‬ ‫د‬ ‫�‬
‫�‬ ‫ِ��ِ شٖ����ي�� ب � ِر زٖ�ى ِ‬
‫ِ‬
‫الساموات ال ُعىل إىل‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪ ،‬من‬ ‫ينادون من ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫عاة األدلَّ ِء‪،‬‬
‫فهم كالدُّ ِ‬
‫مجالِ َك‪.‬‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪251‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬
‫ْ ق تُ ْ رَ ْق ْ بَ‬ ‫دَ ْ دَ ْ �جَ مَ نَ ْ ُ نُْ �خَ‬
‫�م �م ز� � �ا ِل ���ق�� ش��� ت�و ( ���س����ه‪ :‬ز��هَوَا �ِى ���‬
‫شَو ِ� �و ) دَر ����ص �ا زٖ� �ى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الوجود‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نقوشك يف‬ ‫مجال‬ ‫ِ‬
‫هبجة ِ‬ ‫األدال ُء الدُّ عاةُ‪َ ،‬ج ِذ َل ًة من‬
‫ّ‬ ‫األشجار‪،‬‬ ‫فرتقص تلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ز كَ مَ ُ نْ تُ �خُ ش ْ �خُ ش ْ گَ‬
‫ع �و �و��� �و��� ب�ِ زٖ� ى‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�‬
‫�‬
‫ا‬
‫�‬ ‫ِ�� �ا ِل ��ص��ِ‬
‫لكامل صنعتِ َك‪..‬‬
‫ِ‬ ‫رؤيتِهم‬ ‫ُصدر أنغاما شدي ًة وأصداء ندي ًة من ن ِ‬
‫َشوة ْ‬ ‫ً َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫فت ُ‬

‫ٰ ز �خُ ْ ْ ْ نَ‬ ‫ز‬


‫ِ��شٖ����يرٖ ي� نٖ�ى ا وَا ِ� �ود �هَى �هَى ِد �ا زٖ� �ى‬
‫ٍ‬
‫ودالل‪.‬‬ ‫نج‬ ‫ُ‬
‫فتتاميل يف ُغ ٍ‬ ‫وتهزها طر ًبا‪،‬‬
‫نشوتا ُّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أصدائها‪ ،‬تزيدُ‬ ‫َّ‬
‫فكأن حالو َة‬
‫اَ زْ وَ ْ رَ ْق صَ ٰ مَ ْ جَ �ذْ بَ خَ‬
‫� �ى ���� �ه ا � �د �� ��ه زٖ� ى‬
‫�‬ ‫ا‬
‫�‬‫�‬

‫ِ‬
‫اجلميل‪ ،‬منتشي ًة منجذب ًة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للرقص‬ ‫األشجار‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وألجل هذا ه ّب ْت هذه‬

‫اَ نْ ٰثَ رَ ْحمَ تْ يَ فْ تْ هَ ْ � ْ ْ تَ ْ ُ نَ مَ‬


‫ار � �� �ا ��� � ر حَى دَر��ِس ���س�بٖ���ي��ح ���� زٖ�ى‬
‫�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫� ا‬
‫زٖ�ي� � ِ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫آثار ِ‬
‫هذه‬ ‫اخلاص َة وتسبيحاتِه املخصوص َة من ِ‬ ‫حي صالتَه‬ ‫يستلهم ُّ‬
‫َّ‬ ‫كل ٍّ‬ ‫ُ‬

‫ْ تَادَ ْ تْ �هَ ْ يَ � ْ نْگ بَ سَ ْ ف‬


‫� �الَا �� ر �ِرَا زٖ� �ى‬
‫ٖى بَر ���سَ��� ِ‬
‫اٖ ي�����س��� ����س�� ر � ك‬
‫�‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َنتصب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫التزو ِد‬
‫شما َء‪ ،‬فاتح ًة َ‬
‫أيديا‬ ‫شجرة قائم ًة َ‬
‫فوق صخرة َّ‬ ‫كل‬ ‫ُ‬ ‫بالدرس البليغِ‪ ،‬ت‬ ‫ُّ‬ ‫وبعدَ‬
‫ِ‬
‫العرش‪.‬‬ ‫متطلع ًة إىل‬

‫زْ ْدَ ْ تْ دَ ْ تْ هَ بَ ْ َگ ٰ َ ْ ُ شَ ْ بَ‬


‫�ا ِه اِ ��ل�هٖى �ه���م �چ�و �����ه زٖ� ى‬
‫�‬ ‫ا‬‫�‬
‫��‬ ‫ِد رَا ��كَر ����س�� ����س�����ارَا ��دَر �‬

‫مئات من أيدهيا ضارع ًة أمام َعت َِبة‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫العبودية‪ ،‬ومدَّ ْت‬ ‫ِ‬
‫رسبال‬ ‫ٍ‬
‫شجرة بِ‬ ‫تسربلت ُّ‬
‫كل‬ ‫ْ‬ ‫لقد‬
‫(‪)1‬‬
‫«ش ْه َب ُاز َقلنْدَ ْر»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‪ ،‬كأنَّها َ‬ ‫ِ‬
‫احلرضة‬

‫ِ‬
‫الوالية‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫مراتب‬ ‫الشيخ الكيالين حتى تر َّقى يف‬
‫ِ‬ ‫مشهورا‪ ،‬تربى عىل يدي‬ ‫بطل‬
‫(‪ )1‬كان ً‬
‫ً‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪252‬‬
‫�ُ نْ َ ْ تْ زُ ْ فْ هَ بَ ْ قْ اَ نْگ ز شَ ْ نَ‬
‫�‬ ‫بِ ج�����ي��د ����س�� ��ل�������ارَا ����شَو� � ٖ�‬
‫�ي��ِ� �����ه�� زٖ�ى‬
‫ا‬
‫�‬
‫بٖ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهد‬ ‫لـ«ش ْهن ََاز اجلميلة»(‪ )1‬مثري ًة يف ُ‬
‫الـم‬ ‫ُ‬
‫الفاتنة َ‬ ‫الضفائر‬
‫ُ‬ ‫أغصانا الرقيق َة َّ‬
‫كأنا‬ ‫َ‬ ‫وهتز‬
‫ُّ‬
‫أشوا ًقا لطيف ًة وأذوا ًقا سامي ًة‪.‬‬

‫شْ قْ بَ‬ ‫زَ نَنْ ْ اَ زْ ْ َ َ ُ‬ ‫بَبَ‬


‫���الَا �مٖ ي��� ���د � پ�َردَه �ه�ا �ِى �ه�ا �ِى �هو�ِى ِ�ع���� �ا زٖ��ى‬
‫(‪)2‬‬

‫ِ‬
‫األوتار وأشدَّ ها حساس َّي ًة‪.‬‬ ‫أعمق‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫العشق‪ ،‬بل َي َم ُّس‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫يهز‬ ‫َ‬
‫اجلامل ُّ‬ ‫َّ‬
‫لكأن هذا‬

‫اَ زْ ُ ّ َجَ‬ ‫نْ هَ‬ ‫َ ْ ُ شَ گ نْ هَ‬


‫�‬ ‫ا‬
‫�‬‫�‬‫م‬ ‫�‬ ‫�‬
‫ح‬‫�‬
‫�رٖ ي���� ِى دَرٖ ي � ِى �زَوَالٖى � بِ زٖ� ى‬
‫�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫��‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫مٖ� ي�� ِ�د �ه�د �هو����ه ِ�‬
‫ِ‬
‫الفكر هذا املعنى‪:‬‬ ‫املنظر المع ِّب ِر َي ِر ُد إىل‬
‫ِ‬ ‫أمام هذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وبكاء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يذكِّر ُه ٍ‬
‫الزوال‬ ‫ِ‬
‫بألـم‬ ‫األعامق‪ ،‬املك ُلوم َ‬
‫يـن‬ ‫أعمق‬ ‫ينبعثان من‬ ‫مرير‪،‬‬ ‫حزين‪،‬‬ ‫بأنني‬
‫يصيب األح َّبة املجازي َة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الذي‬
‫ْ سَ َ ْ ُ ْ َ نَ غْ �مَ هَ ُ�زْ نْ اَ ْگ ز اَيَ‬
‫� � ن� �‬
‫�ي��ِ� �ا زٖ��ى‬ ‫�بَر �� ر م‬
‫��ح��مود �ه�ا ������ ��ا �ِى ح‬
‫ٖ‬ ‫ِ‬
‫العاشقني املفارقني ألحبتِهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أشهاد‬ ‫وس‬ ‫الشج َّي ِة عىل ُ‬
‫رؤ ِ‬ ‫ِ‬
‫واأللـم َّ‬ ‫ِ‬
‫الفراق‬ ‫إنّه ي ِ‬
‫سم ُع أنغا َم‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫السلطان حممو ٌد محبو َبه‪.‬‬ ‫كام َ‬
‫فارق‬
‫گ�� ز‬ ‫ُ ْ دَ َ نَ غْ �مَ هَ اَ اَ زْ ُ �زْ نْ اَ ْ‬
‫ح ن‬
‫� � � ٖ ي ِ� زٖ�ى‬
‫�‬ ‫�‬
‫نَوَا‬ ‫�‬
‫�‬ ‫�مر �ه�ارَا ������ ��ا �ِى �زَلٖى �‬
‫َ‬
‫ألولئك‬ ‫ِ‬
‫اخللود‬ ‫ِ‬
‫أصداء‬ ‫ِ‬
‫احلزينة‪ ،‬ت َُؤ ِّدي مهم َة إسام ِع‬ ‫ِ‬
‫الرقيقة‬ ‫ِ‬
‫بنغامتا‬ ‫األشجار‬ ‫َّ‬
‫وكأن هذه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وأصدائها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حماورات الدنيا‬ ‫الذين انقطعوا عن‬ ‫ِ‬
‫األموات‬
‫َ‬

‫ِ‬
‫وضفائرها‪( ،‬املؤلف)‬ ‫شعرها‬ ‫ِ‬
‫ومجال ِ‬ ‫(‪ )1‬حسنا ُء شهري ٌة بجامهلا‬
‫رع ِر يف املقربة‪:‬‬
‫(‪ )2‬هذا البيت يشري إىل شجرة ال َع َ‬
‫زَ نَ نْ ْ اَ زْ ْ َ َ ُ چَ ْ خ بَ‬ ‫بَبَ‬
‫���الَا مٖ� ��ي� ���د � پ�َردَه �ه�ا�ِى �ه�ا �ِى �هو�ِى �ر ِ� �ا زٖ��ى‬
‫گ�� ز‬ ‫ُ ْ دَ َ نَ غْ �مَ هَ اَ اَ زْ ُ ْ نْ اَ ْ‬
‫ي� �نَوَا زٖ��ى‬ ‫��ز ن� �‬
‫�‬ ‫ح‬ ‫�مر �ه�ارَا ������ �ا �‬
‫� ِى �زَلٖى � � ٖ ِ‬
‫(املؤلف)‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪253‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬
‫ٰيَ ْ اَ زُ زَ ْ�زَ مَ ۀ نَ زُ نيَ‬ ‫ُوحَ‬
‫�‬
‫ر �ه مٖى ا ��د �و ��م � ��ِ �ا � ِ� زٖ ى‬
‫�‬ ‫ا‬‫�‬
‫�‬
‫ِ‬
‫أسامء الصان ِع‬ ‫ِ‬
‫جتليات‬ ‫أن األشيا َء تتوج ُه إىل‬ ‫ِ‬
‫املشاهد‪َّ :‬‬ ‫تعلمت من ِ‬
‫هذه‬ ‫الروح فقد‬ ‫أ َّما‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ترضعاتا وتوس ِ‬
‫التا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أصوات وأصدا ُء‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والتهليل فهي‬ ‫ِ‬
‫بالتسبيح‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬
‫ُّ‬
‫�ْجَ‬ ‫قَ ْ ْ �خٰ نَ ْ اَ نْ ٰيَ ْت هَ ّ ْ ْ ُ نَ‬
‫حي���د ز� ُع�ل ّو � ظْ�����م اِ ع‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�‬
‫��ا زٖ��ى‬ ‫���ل� ب� �مٖ ��ي�� وا ��د زٖ�ي� ا �ا ����ا �ِ�س ِر �تَو ٖ ِ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القلب فإنه َيقر ُأ من الن ِ‬
‫كأنا‬
‫األشجار َّ‬ ‫التوحيد يف هذه‬ ‫َّظم الرفي ِع هلذا اإلعجاز‪َّ ،‬‬
‫رس‬ ‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫ِ‬
‫احلكمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإعجاز‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫ِ‬
‫خوارق النظا ِم وإبدا ِع‬ ‫كل منها من‬ ‫إن يف ِ‬
‫خلق ٍّ‬ ‫أي َّ‬‫امت؛ ْ‬
‫جمس ٌ‬‫آيات َّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما ِ‬
‫تقليدها‪.‬‬ ‫زت عن‬‫عج ْ‬ ‫أسباب الكون ك ُّلها‪ ،‬وأصبحت فاعل ًة خمتارةً‪َ ،‬ل َ‬
‫ُ‬ ‫احتدت‬
‫ْ‬ ‫لو‬
‫ْ فَ نَ ُ نْيَ بَ‬ ‫نَ فْ ْ �خ ٰ َ ْ ْ نْ وَ ْوَ �لَهَ زَ ْ زَ�لَهَ ْ ق بَ‬
‫�������س �مٖ ��ي���وا �ه�د دَر اٖ�ي� �ل � ��ا ��ل�� ��ا �ذَو ِ� �ا �قٖى دَر ����ا �ِى د ���ا �ا زٖ��ى‬
‫يتدحرج يف‬
‫ُ‬ ‫كأن الوجو َد‬‫رأت َّ‬ ‫ِ‬
‫لألشجار‪ْ ،‬‬ ‫الوضع‬
‫َ‬ ‫النفس؛ فكلام شاهدت هذا‬
‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫ستجدين البقا َء‬ ‫باق‪ ،‬فتل َّقت هذا املعنى‪« :‬إن ِ‬
‫ّك‬ ‫ذوق ٍ‬
‫والفراق‪ ،‬فتحرت عن ٍ‬
‫ِ‬ ‫الز ِ‬
‫وال‬ ‫دو ِ‬
‫امات َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫برتك عبادة الدنيا»‪.‬‬‫ِ‬

‫ْمَ ْ كَ‬ ‫نَ ْ اَ نْ زَ ْ�زَ �مَ هَ دَ ْ َ �مَ هَ نَظْ خ ْقَ تْ نَ‬


‫�‬ ‫رَا‬ ‫�� ن��ْز‬ ‫�� ت‬‫� ���قْ�� ش�� ِح �ك‬ ‫�‬
‫��‬‫ل‬
‫�‬‫�‬‫�‬ ‫م‬ ‫�‬
‫��‬ ‫��‬‫�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�د‬
‫م‬ ‫�‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫�‬ ‫�م‬ ‫�‬ ‫�د‬
‫��‬ ‫��‬‫�‬‫�‬‫��‬ ‫�‬
‫عَ قْ ْ‬
‫� �����‬
‫ِ� زٖ�ى‬ ‫ِ�‬ ‫ِ ِ‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬ ‫�‬
‫زٖ ي‬ ‫ي‬ ‫ل مٖ ي بٖ‬
‫عظيمة يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أرسار‬ ‫وخزائن‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫َ‬
‫ونقش‬ ‫ِ‬
‫اخللقة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫العقل فقد وجدَ انتظا َم‬ ‫أ َّما‬
‫َ‬
‫َّسائم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫جريات والن ِ‬ ‫ِ‬
‫أنداء ُّ‬
‫الش‬ ‫ِ‬
‫واحليوانات م ًعا‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫ِ‬
‫املنبعثة من‬ ‫ِ‬
‫اللطيفة‬ ‫ِ‬
‫األصوات‬
‫ٍ‬
‫بجهات شتَّى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء يس ِّب ُح للصان ِع‬ ‫أن َّ‬‫و َف ِه َم َّ‬

‫ْ اَ نْ َ ْ هَ �مَ هَ ْ َوَ َ َ ْگ �خُ ْ ْ ْ اَ ذْ ق َجَ‬ ‫ٰ‬


‫ا ْر ز�ُو � ي���دَارَد �هَوَا � �� �ه��م���� ��ا �هَو�ه �ه�ا �مر� �ود دَر �تَرك � وَا � م‬
‫��ا زٖ��ى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫زٖ ي‬ ‫مٖ‬
‫َّسيم ذو ًقا لطي ًفا‬ ‫ِ‬
‫وهبوب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫ِ‬
‫حفيف‬ ‫يلتذ ويستمتِ ُع من‬ ‫ِ‬
‫النفس‪ ،‬فإ َّن ُه ُّ‬ ‫أ َّما هوى‬
‫ِ‬
‫واللذة‬ ‫احلقيقي‬ ‫ِ‬
‫الذوق‬ ‫يموت ويفنى يف َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫األذواق املجازي َة ك َّلها‪ ،‬حتى إنَّه يريدُ أن‬
‫َ‬ ‫نس ِيه‬‫ي ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جوهر حياته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هي‬‫األذواق املجازي َة‪ ،‬التي َ‬
‫َ‬ ‫احلقيقية‪ ،‬برتكه‬

‫نْ ْ‬ ‫بَ‬ ‫� سَ ْ ٰ مَ ْ سَ مَ‬ ‫�خَ�يَ ْ نَ ْ اَ نْ اَ ش��ْ�جَ ْ مَ َا ئ ْ �جَ‬


‫�‬
‫� نَى‬ ‫�‬
‫هَ�زَارَا‬ ‫ا‬
‫�‬ ‫�‬
‫اوٖى‬‫�‬ ‫�‬
‫��‬ ‫��‬ ‫�د‬ ‫�‬ ‫ا‬ ‫�د‬ ‫��‬ ‫���ا ل �ي���د �ي�� ��ار � �ل �ِ�ك رَا‬
‫زٖ‬ ‫بٖ‬
‫جذوعها ولبسوا‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األشجار قد دخلوا‬ ‫َّلني ِ‬
‫هبذه‬ ‫كأن املالئك َة املوك َ‬ ‫ُ‬
‫اخليال فإنَّه يرى َّ‬ ‫أ َّما‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪254‬‬
‫السلطان الرسمدي قد ألبسهم ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‪،‬‬ ‫َّاي بأنوا ٍع‬ ‫ِ‬
‫صيبات الن ِ‬ ‫أغصانا املال َك َة ُلق‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫أوضاع‬ ‫األشجار‬ ‫َّاي‪ ،‬كي ت ِ‬
‫ُظهر تلك‬ ‫آالف أنغا ِم الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫هيب مع‬ ‫ٍ‬
‫استعراض َم ٍ‬ ‫األجسا َد يف‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للشعور‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بشعور تا ٍّم‪ ،‬ال أجسا ًدا ميت ًة فاقد ًة‬ ‫ِ‬
‫واالمتنان له‬ ‫ِ‬
‫الشكر‬

‫ت �ْ‬ ‫اَ نْ نَ ْ هَ شُ َ تْ ُ ش ْ تَ شْ هَ‬


‫زٖ�ي�� �ي����ا ���� نٖ�ي��د � �هو��� ِ����س���ا ي�ِ����� ِى ِ َى‬
‫ح‬ ‫�‬ ‫ذَا‬
‫�‬ ‫�‬ ‫ا‬
‫�‬

‫رج أصواتًا لطيف ًة كأنَّها منبعث ٌة من موسيقى‬‫النايات مؤ ِّثر ُة األنغا ِم صافيتُها‪ ،‬إذ ُت ُ‬
‫ُ‬ ‫فتلك‬
‫ِ‬
‫العشاق‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫والزوال‪ ،‬كام يسم ُعها ُّ‬ ‫ِ‬
‫الفراق‬ ‫الفكر منها شكاوى آال ِم‬ ‫يسمع‬ ‫ٍ‬
‫علوية‪ ،‬فال‬ ‫ٍ‬
‫ساموية‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأنواع‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للمنعم‬ ‫ِ‬
‫الشكر‬ ‫أنواع‬
‫َ‬ ‫يسمع‬
‫ُ‬ ‫الرومي» بل‬
‫ِّ‬ ‫جالل الدِّ ِ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫ويف مقدمتِهم «موالنا‬
‫احلي القيو ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلمد تُقدَّ ُم إىل ِّ‬

‫وَرَ �ْق هَ زَ بَ نْ دَارَ نْ ْ َ�همَ ُ ُ ذ ْ ْ ٰرَ نْ ْ بَ ْ مَ ْ نَ � ُّ � ْ‬


‫�ر ا ��د ��دَر � �ع���ا �ِى حَى حَى‬
‫����ارَا � �ا � ��د � �ه �هو �هو ِ� ك‬
‫ِ‬
‫بآالف‬ ‫كذلك ألسن ًة‪ٌّ ،‬‬
‫كل منها تُر ِّد ُد‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫األوراق‬ ‫ِ‬
‫صارت‬ ‫األشجار أجسا ًدا‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬
‫صارت‬ ‫وإ ْذ‬
‫ُ‬
‫أن صان َعها‬ ‫ات ِ‬
‫حياتا َّ‬ ‫ُعلن بتحي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫بمجرد َم ِّس اهلواء هلا‪ ،‬وت ُ‬
‫َّ‬ ‫ذكر اهلل بـ«هو‪ ..‬هو‪»..‬‬
‫األلسنة َ‬
‫القيوم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫احلي‬
‫هو ُّ‬
‫ْ زَ نَ ْ هَ ْ شَ ْ‬ ‫ُ‬
‫�چ�و ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾ �بَرَا �بَر �مٖ ي�����د � ر ���ى‬
‫ِ‬
‫الكائنات ال ُعظمى‪.‬‬ ‫ذكر‬ ‫ِ‬
‫حلقة ِ‬ ‫ضمن‬ ‫ُ‬
‫وتعمل‬ ‫تقول‪ ﴿ :‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﴾‬ ‫ِ‬
‫األشياء ُ‬ ‫مجيع‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫ألن َ‬
‫دَ مَادَ ْ ُ يَ َ ْ ْ يَ َ ْ سَ سَ ْ ُ‬
‫� يَ� َ�د نْ� ْ�د يَ�ا �ح ْ �بَرَا � ْ � �� زَ �نَنْ� ْ�د اَ�ل�ّ�لٰ�هْ‬
‫گ‬ ‫� ن �ق‬
‫َى بَر مٖ ي�‬ ‫� � �م �ج و��د ��د �ا ح� �� رَا �� ر �و‬
‫َ‬
‫حقوق‬ ‫وتطلب‬ ‫ِ‬
‫والفطرة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االستعداد‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الرمحة‬ ‫ِ‬
‫خزينة‬ ‫كل ٍ‬
‫حني من‬ ‫فتسأل َّ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫حق»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫برتديدها‪« :‬يا ُّ‬ ‫ِ‬
‫حياتا‪،‬‬
‫ِ‬
‫احلياة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ملظاهر‬ ‫نيلها‬ ‫ِ‬
‫بلسان ِ‬ ‫حي»‬
‫َذكر مجي ًعا اسم «يا ُّ‬
‫وت ُ‬
‫حَ ّ ْ ّ قَ ُّ‬ ‫فَ يَ ُّ قَ ُ‬
‫َى يَ�ا �ي��ّوُ ب�‬
‫� ق� اِ ��س���ِم�حَِى �ي��و�ِم‬ ‫����� �ا �ح‬
‫مِ ِ‬
‫ْ ت قَ مَ تْ ْ بَ نْ عَ قْ ُ َّ ش ْ ٰ نْ‬ ‫شَ نْ‬ ‫ْ بَ نْ قَ ْ‬
‫�‬ ‫َ�يَ‬
‫�پ�َرٖ �ي����ا � رَا اِ����سِ�����ا � �� ِد ه �اٖ�ي� � ����� ِل �م���شَو��� رَا ا �مٖ ي���‬ ‫بِ‬
‫�‬
‫�ل‬‫�‬ ‫ي�‬‫�‬ ‫�‬ ‫ه‬
‫ح ِ اٖ‬
‫د‬ ‫�‬
‫تٖى‬ ‫ا‬
‫�‬‫��‬
‫ُ َّ‬ ‫�� � ‬
‫‪255‬‬ ‫������ ‪ -‬ا �ل���م��ق���ا �م ا �لث��ا ن�ي�‬‫��������� ������ �������‬
‫�� �‬

‫امء يف س ِ‬‫وجه الس ِ‬‫نظرت إىل ِ‬ ‫قمم ِ‬ ‫قم ٍة من ِ‬ ‫ِ‬


‫كون‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫جبل «جام»‬ ‫كنت يو ًما عىل ُذروة َّ‬
‫ُ‬
‫تنطق به‬ ‫ً‬
‫خيال إىل ما ُ‬ ‫استمعت‬
‫ُ‬ ‫ختطر ببايل‪ ،‬فكأنَّني‬ ‫ِ‬
‫اآلتية‬ ‫ِ‬
‫بالفقرات‬ ‫ِ‬
‫الليل‪ ،‬وإذا‬
‫ُ‬
‫والش ِ‬
‫عر‬ ‫َّظم ِّ‬ ‫ِ‬
‫قواعد الن ِ‬ ‫ٍ‬
‫تنسيق عىل‬ ‫خطرت َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬
‫احلال‪ ..‬كتبتُها كام‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫ُّجوم‬
‫ْ‬ ‫الن ُ‬
‫لعد ِم معرفتي هبا‪.‬‬
‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫ِ‬
‫األول من‬ ‫ِ‬
‫املوقف‬ ‫الرابعِ‪ ،‬ومن ختا ِم‬ ‫ِ‬ ‫وقد ُأ ِخ َذ ْت إىل هنا من‬
‫املكتوب َّ‬
‫والثالثني‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الثانية‬

‫تستنطق النَّجو َم‬


‫ُ‬ ‫رسال ٌة‬
‫َّيب اللذيذِ‪.‬‬
‫واستمع إلى النجو ِم أيضًا‪ ،‬إلى حُلْو ِ خطابِها الط ِ‬
‫ْ‬
‫ختم ُ الحِكمة ِ النيِّر ِ على الوجودِ‪.‬‬
‫لترى ما قرَّرَه ُ َ‬

‫حق‪:‬‬ ‫ل معًا بلسا ِ‬


‫ن ال ِّ‬ ‫تهتف وتقو ُ‬
‫ُ‬ ‫إ َّنها جميعًا‬

‫براهين ساطعة ٌ على هيبة ِ القدير ِ ذي الجلا ِ‬


‫ل‬ ‫ُ‬ ‫حن‬
‫ن ُ‬

‫ل وعلى وحدانيتِه وقدرتِه‪.‬‬ ‫ق على وجودِ َّ‬


‫الصان ِع الجلي ِ‬ ‫حن شواهد ُ صد ٍ‬
‫ن ُ‬
‫ِ‬
‫المعجزات اللطيفة ِ التي جمَّلت وجه ِ الأرضِ‪.‬‬ ‫تلك‬
‫نتفرج كالملائكة ِ على َ‬
‫ُ‬

‫(‪)1‬‬
‫السماء ِ إلى الأر ِ‬
‫ض وترنو إلى الجنةِ‪.‬‬ ‫ن الباصرة ِ ُّ‬
‫تطل من َّ‬ ‫ألوف العيو ِ‬
‫ُ‬ ‫فنحن‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫اإلهلية؛‬ ‫ِ‬
‫معجزات ُ‬
‫القدرة‬ ‫أزاهري ِ‬
‫اجلنة ومزرعتها‪ ،‬تُعرض فيه ما ال حيدُّ من‬ ‫ِ‬ ‫شتل‬ ‫ِ‬
‫األرض َم ُ‬ ‫إن وج َه‬‫(‪ )1‬أي َّ‬
‫النجوم التي هي بمثابة‬ ‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫املعجزات‪ ،‬تُشاهدها ً‬ ‫ُشاهد تلك‬ ‫ِ‬
‫الساموات وت ِ‬ ‫ِ‬
‫عالـم‬ ‫ُ‬
‫مالئكة‬ ‫تتفرج‬ ‫ومثلام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عيون األجرام الساموية البارصة؛ فهي كلام نظرت كاملالئكة إىل تلك املصنوعات اللطيفة التي متأل وج َه‬ ‫ِ‬
‫اخلوارق املؤقت َة يف صورهتا الباقية َ‬
‫هناك؛ أي إهنا عندما‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فتشاهدُ تلك‬ ‫أيضا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬نظرت إىل عامل اجلنة ً‬
‫ذينك العا َلني م ًعا‪( ،‬املؤلف)‬
‫أن هلا إرشا ًفا عىل َ‬ ‫األرض تُلقي األخرى إىل ِ‬
‫اجلنة‪ ،‬بمعنى َّ‬ ‫ِ‬ ‫تُلقى نظر ًة إىل‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪256‬‬

‫ل على‬
‫ل ذي الجلا ِ‬ ‫ألوف الث َّ ِ‬
‫مرات الجميلة ِ لشجرة ِ الخلقةِ‪ ،‬عل َّقتنا يد ُ حكمة ِ الجمي ِ‬ ‫ُ‬ ‫حن‬
‫ن ُ‬
‫درب التَّبانةِ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫السماء ِ وعلى أغصا ِ‬
‫ن‬ ‫شطرِ َّ‬

‫دوارة ٌ وأوكار ٌ سامية ٌ عالية ٌ‬ ‫ِ‬


‫ومساكن َّ‬
‫ُ‬ ‫ماوات مساجد ُ سيارة ٌ‬ ‫الس‬
‫ل َّ‬‫فنحن لأه ِ‬
‫ُ‬
‫وطائرات هائلة ٌ!‬
‫ٌ‬ ‫ن جبارة ٌ‬
‫ومصابيح نوَّارة ٌ وسفائ ُ‬
‫ُ‬

‫وخوارق صنعة ِ‬ ‫معجزات قدرة ِ قدير ٍ ذي كما ٍ‬


‫حكيم ذي جلالٍ‪ ،‬ونوادر ُ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫حن‬
‫ن ٌ‬
‫حكمة ٍ ودواهي خلقة ٍ وعوالم ُ نورٍ‪.‬‬

‫ن ولسا ٍ‬
‫ن‪ ،‬ونُسمعُها إلى مَن هو‬ ‫ن‪ ،‬بمئة ِ ِ‬
‫ألف لسا ٍ‬ ‫ن وبرها ٍ‬
‫ألف برها ٍ‬
‫ن مئة َ ِ‬
‫هكذا نُبي ِّ ُ‬
‫ن حق ًا‪.‬‬
‫إنسا ٌ‬

‫آيات‬
‫ٌ‬ ‫فنحن‬
‫ُ‬ ‫يسمع أَ قوالَنا البيِّنةَ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫عين الملحدِ لا يرى وجوهَنا النيِّرةَ‪ ،‬ولا‬
‫َميت ُ‬
‫ع ْ‬
‫حق‪.‬‬
‫ناطقة ٌ بال ِّ‬

‫رات تحت أمر ِه‪.‬‬


‫مسخ ٌ‬
‫َّ‬ ‫عابدات لر بِّنا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حات نحن‬
‫سكَّتُنا واحدةٌ‪ ،‬طُرَّتُنا واحدةٌ‪ ،‬مُسب ِّ ٌ‬
‫منسوبات إلى حلقة ِ ذكر ِ‬
‫ٌ‬ ‫جذوبات بحبِّهِ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫حن م‬
‫نذكرُه تعالى ون ُ‬
‫رب التبانةِ‪.‬‬
‫دَ ِ‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا ��لث ا �م ن �ة � ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� �� �� ع���ر�‬
‫ن؛ ولم يكتب بعد ُ المقام ُ الثاني‪،‬‬‫لهذه ِ الكلمة ِ مقاما ِ‬
‫ٍ‬
‫نقاط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ثلاث‬ ‫ل عبارة ٌ عن‬‫والمقام ُ الأو ُ‬

‫النقط ُة األوىل‬

‫�﷽‬

‫﴿ﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (آل عمران‪)188:‬‬

‫بالسوءِ!‬
‫ديب لنفسيَ الأمَّارة ِ ُّ‬
‫لطمة ُ تأْ ٍ‬

‫نفيس الغو َّي َة!‬ ‫ِ‬ ‫بالش ِ‬


‫هرة‪ ،‬اهلائم َة ورا َء ِ‬ ‫ِ‬
‫بالفخر‪ ،‬املعجب َة ُّ‬ ‫نفسـي املغرم َة‬
‫املدح والثناء! يا َ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫لبة التي‬ ‫الص ُ‬ ‫ُ‬ ‫والس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫النحيفة َّ‬ ‫اق‬ ‫منشأ ألوف الثمرات‪َّ ،‬‬ ‫التني التي هي‬ ‫إن كانت ُبذير ُة‬
‫ذيرة والس ِ‬ ‫تلك الب ِ‬ ‫الثمرات والعناقيدُ من ِ‬ ‫ِ‬
‫اق‬ ‫َّ‬ ‫عمل َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫العناقيد‪ ..‬إن كانت هذه‬ ‫مئات‬
‫تعلقت هبا ُ‬
‫أقول‪:‬‬ ‫ويظهر الثنا َء هلام! ُ‬ ‫املدح‬
‫يبدي َ‬ ‫ِ‬
‫النتائج أن َ‬ ‫كل من يستفيدُ من تلـك‬ ‫ِ‬
‫مهارتـام لز َم َّ‬ ‫ومن‬
‫َ‬
‫رور ملا‬‫الفخر وال ُغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا يف‬
‫حق ً‬ ‫لك ‪-‬يا نفيس‪ٌّ -‬‬ ‫هذه الدعوى ح ًّقا‪ ،‬فلربام يكون ِ‬ ‫إن كانت ِ‬ ‫ْ‬
‫لت من الن ِ‬
‫ِّعم‪.‬‬ ‫حم ِ‬
‫ُ ِّ‬
‫َ‬ ‫كتلك الس ِ‬ ‫كتلك الب ِ‬ ‫ِ‬ ‫تستحقني إلَّ َّ‬ ‫بينام ِ‬
‫وذلك‬ ‫اق‪،‬‬ ‫َ َّ‬ ‫ذيرة وال‬ ‫َ ُ‬ ‫لست‬ ‫الذ َم‪ ،‬ألنَّك‬ ‫َ‬ ‫أنت ال‬
‫وتبخسني‬ ‫تلك الن ِ‬
‫ِّعم‬ ‫وغرور ِك من ِ‬
‫قيمة َ‬ ‫ِ‬ ‫بفخر ِك‬
‫ِ‬ ‫فتنتقصني‬ ‫اختياري‪،‬‬ ‫ملا حتملني من ج ٍ‬
‫زء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الشكر؛ وال‬ ‫الفخر‪ ،‬بل‬ ‫ح َّقها‪ ،‬وتُبطلينَها بكفرانِك النِّعم‪ ،‬وتغتصبينَها بالتم ُّل ِك؛ فليس ِ‬
‫لك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪258‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫تليق ِ‬
‫ومالزمة النَّد ِم‪ ،‬ال ُ‬
‫املدح‪،‬‬ ‫االستغفار‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عليك َّ‬
‫إل‬ ‫التواضع واحليا ُء؛ وما‬
‫ُ‬ ‫بك الشهرةُ‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫معرفة اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األنانية‪ ،‬بل يف‬ ‫فليس كام ُل ِك يف‬
‫َ‬

‫ُ‬
‫والطبيعة» قد‬ ‫«النفس‬ ‫ِ‬
‫العالـم‪ ،‬فأنتام‬ ‫ُشبهيـن ال َّطبيع َة يف‬ ‫أنت يف جسمي ت‬‫نعم‪ ،‬يا نفيس! ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫املنفعل َّ‬
‫وحمل‬ ‫َ‬ ‫املصدر‪ ،‬بل‬ ‫َ‬
‫الفاعل وال‬ ‫أي أنتام لستام‬ ‫للرش؛ ْ‬ ‫ِ‬
‫للخري‪ ،‬مرج َع ِ‬ ‫ُخلقتُام قاب َل ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ين ِّ‬ ‫ي‬
‫الخير‬
‫َ‬ ‫الشر‪ ،‬عندَ عد ِم قبولِكُما‬
‫تأثيرا واحدً ا فقط وهو تس ُّببكُما في ِّ‬ ‫أن لكما ً‬ ‫الفعل‪ّ ،‬إل َّ‬ ‫ِ‬
‫قبول حسنًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المطلق ً‬ ‫ِ‬
‫الخير‬ ‫الوار َد من‬

‫شاهدُ‬ ‫والقبائح ال َّظ ُ‬


‫اهرية التي ال ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫ستار ِ‬
‫ين‪ ،‬كي تُسنَد إليكام املفاسدُ‬ ‫ثم إنَّكام قد ُخلقتُام َ‬
‫ختالف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة؛ ولكنَّكُام قد لبستُام صور ًة‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫الذ ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫لتنـزيه َّ‬ ‫جما ُلها‪ ،‬لتكونا وسيلت ِ‬
‫َني‬
‫ِ‬
‫تشاركان‬ ‫ِ‬
‫القابليات‪ ،‬فكأ َّنكُام‬ ‫ِ‬
‫الفتقاركُام إىل‬ ‫رش‬ ‫َقل ِ‬
‫وظيفتَكام الفطري َة‪ ،‬إذ ت ِ‬
‫الخير إىل ٍّ‬
‫َ‬ ‫بان‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفعل!‬ ‫خال َقكُام يف‬

‫لم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلامقة ومنتهى ال ُّظ ِ‬ ‫َّفس ويعبدُ الطبيع َة إذن يف ُمنتهى‬
‫فالذي يعبدُ الن َ‬
‫مجيل‪ ..‬كال‪ ،‬إن ِ‬
‫َّك مل‬ ‫ُ‬
‫يكون ً‬ ‫َ‬
‫اجلامل‬ ‫ينال‬ ‫ِ‬
‫اجلامل‪ ،‬فالذي ُ‬ ‫مظهر‬ ‫فيا نفيس! ال تقويل‪ :‬إنَّني‬
‫ُ‬
‫تكونني مظهرا له بل ممرا ِ‬
‫إليه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫متثُّل تا ًّما‪ ،‬فال‬ ‫َ‬
‫اجلامل ً‬ ‫تتمثيل‬
‫ً‬ ‫ً ُ‬

‫تظهر‬ ‫الثمرات إنَّام‬


‫ُ‬ ‫بت من ِ‬
‫دون الن ِ‬
‫َّاس ك ِّلهم‪ ،‬وهذه‬ ‫ُخ ُ‬ ‫قد ُانت ِ‬ ‫أيضا‪ :‬إنَّني ِ‬‫وال تقويل ً‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الثمرات‬ ‫ِ‬
‫عطيت َ‬
‫تلك‬ ‫وحاش هلل‪ ..‬بل قد ُأ‬ ‫َ‬ ‫فضل ومز َّي ًة! كال‪..‬‬ ‫ً‬ ‫أن يل‬ ‫بوسا َطتي‪ ،‬بمعنى َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وأكثرهم تأملًا‪.‬‬ ‫إفالسا‬ ‫وأكثرهم‬ ‫ِ‬
‫الناس إليها‪،‬‬ ‫أحوج‬ ‫ألن ِ‬
‫ّك‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫النقطة الثانية‬
‫الكريمة‪  ﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ (السجدة‪ )7:‬نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫أرسار ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫رسا من‬
‫نوضح ً‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أقبح شيء‪ ،‬فيه جه ُة ُح ٍ‬
‫سن حقيقي ٌة‪ ،‬فما من شيء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫كل شيء في الوجود‪ ،‬بل حتى ما يبدو أنَّه ُ‬
‫ِ‬
‫بنتائجه‬ ‫أي ٌ‬
‫مجيل‬ ‫بغريه‪ْ ،‬‬ ‫مجيل بذاتِه‪ ،‬أو ٌ‬
‫مجيل ِ‬ ‫إل وهو ٌ‬ ‫يقع فيه َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫في الكون‪ ،‬وما من حادث ُ‬

‫نفسه إىل هذا احلدِّ من اإللزا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املناظرة‪ُ ،‬أ‬
‫إعجاب بإلزا ِم سعيد اجلديد َ‬ ‫عجبت أ َّيام‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬حقا! إنني يف هذه‬
‫ٍ‬
‫مرة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫قائل‪ :‬بارك اهلل َ‬
‫ألف َّ‬
‫فيك َ‬ ‫فباركتُه وهنأتُه ً‬
‫� �� � � ��� � � � � � �‬
‫‪259‬‬ ‫��� ���� �� �����������‬
‫شوش ًة‪،‬‬ ‫ظاهر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أمرها قبيح ًة مضطرب ًة و ُم َّ‬ ‫احلوادث التي تبدو يف‬ ‫فهناك من‬ ‫التي ُيفيض إليها‪..‬‬
‫ٍ‬
‫دقيقة‪.‬‬ ‫رائق‪ ،‬وأنام ًطا من ُن ُظ ٍم‬ ‫أنواعا من ٍ‬
‫مجال ٍ‬ ‫ً‬ ‫الظاهري‬ ‫ِ‬
‫الستار‬ ‫حتت ذلك‬
‫أن َ‬‫إل َّ‬
‫ّ‬
‫ِّ‬
‫ابتسامات‬
‫ُ‬ ‫ختتبئ‬ ‫الغزيرة يف الربي ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألمطار‬ ‫ِ‬
‫والعواصف‬ ‫الطيـن والغبارِ‬ ‫ِ‬ ‫حجاب‬‫ِ‬ ‫َفت َْح َت‬
‫ُ‬
‫اجلميلة‪ ..‬ويف ثنايا‬ ‫ِ‬ ‫اهليفاء الس ِ‬
‫احرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫ُ‬
‫رشاقة‬ ‫وحتتجب‬ ‫الزاهية بروعتِها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األزهار‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اخلرضاء‬ ‫ِ‬
‫لألوراق‬ ‫واهلاز ِة‬ ‫ِ‬
‫والنباتات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لألشجار‬ ‫ِ‬
‫املكتسحة‬ ‫اخلريفية املدم ِ‬
‫رة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العواصف‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ُذر ال َب ِ‬ ‫ِ‬
‫واالندثار‪ ،‬هناك بشار ُة‬ ‫واملوت‬ ‫جن‬ ‫حلن َّ‬ ‫ني‪ ،‬وعازف ًة َ‬ ‫من فوق األفنان‪ ،‬حامل ًة ن َ‬
‫أوان تفت ُِّح‬‫للحياة يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتفتح‬ ‫عيفة التي‬ ‫الض ِ‬ ‫الرقيقة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرشات‬ ‫ِ‬
‫ملاليني‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫أس ِر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫االنطالق من ْ‬
‫الش ِ‬ ‫طقس ِه‪،‬‬ ‫غوط ِ‬ ‫وض ِ‬ ‫ِ‬
‫تاء القاسي َة‬ ‫أن أنوا َء ِّ‬ ‫فضل عن َّ‬ ‫ً‬ ‫األزهار‪ ،‬فتحافِ ُظ عليها من َق ِّر الشتاء ُ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربي ِع بمواكبِه‬ ‫احلزين َة تُه ِّي ُئ‬
‫الرائعة‪.‬‬ ‫اجلميلة‬ ‫لـمقد ِم َّ‬ ‫األرض استعدا ًدا َ‬ ‫َ‬
‫العواصف إذا‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عصف‬ ‫ِ‬
‫ستار‬ ‫حتت‬ ‫تختبئ َ‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‬ ‫ٍ‬
‫معنوية‬ ‫ٍ‬
‫ألزهار‬ ‫تفتحا‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫فبذور‬ ‫واألوبئة إذا انترشت؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األمراض‬ ‫ِ‬
‫وانتشار‬ ‫تزلزلت‪،‬‬‫ْ‬ ‫األرض إذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وزلزلة‬ ‫عصفت‬
‫ُ‬
‫وتتجمل نتيج َة‬ ‫ُ‬ ‫الكامنة ‪-‬التي مل تُستن َبت بعدُ ‪ -‬تتسن َب ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستعدادات‬ ‫القابليات‪ ،‬ونُوى‬ ‫ِ‬
‫والتحوالت ال ُك ِّل ِية في‬ ‫ِ‬ ‫َّقلبات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ميع الت‬ ‫كأن َج َ‬ ‫شأ ِنا‪ ،‬حتى َّ‬ ‫ظاهر ْ‬ ‫ِ‬ ‫حوادث تبدو قبيح ًة يف‬ ‫َ‬
‫البذور لتَستنبتَها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬ ‫تنـز ُل على ِ‬ ‫أمطار معنوي ٌة ِ‬ ‫إن هي ّإل‬ ‫الوجود ْ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫إل‬ ‫ِ‬
‫واألحداث ّ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫باملظاهر واملتش ِّب َث هبا والذي ال َين ُظ ُر إىل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫املفتون‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫أن‬ ‫َب ْيدَ َّ‬
‫َنحرص فيها‪،‬‬ ‫األمور‪ ،‬وت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظاهر‬ ‫أنظاره إىل‬ ‫تتوجه‬ ‫خالل أنانيتِه ومصلحتِه َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫بالذات‪ ،‬تَرا ُه َّ‬ ‫من‬
‫ب‪ ،‬تَرا ُه‬ ‫ِِ‬ ‫نتائج ِه‬
‫ِ‬ ‫بحس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يزن َّ‬ ‫وحيث إنَّه ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فحس ُ‬ ‫املتوجهة إليه ْ‬ ‫ب‬ ‫كل يشء َ‬ ‫بالقبح!‪..‬‬ ‫فيحك ُُم عليها‬
‫اإلنسان واحدةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫المتوجهة منها إىل‬ ‫ُ‬ ‫األشياء إن كانت‬ ‫ِ‬ ‫أن الغاي َة من‬ ‫حيكم عليه بالشَّ ! علمـًا َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلليل تُعدُّ باأللوف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاملتوجهة منها إىل أسامء صانعها‬ ‫ُ‬

‫يتضايق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان املمتد َة إليها‬ ‫ِ‬
‫األشواك التي تُدمي يدَ‬ ‫ذات‬
‫واألعشاب ُ‬ ‫األشجار‬ ‫فمثال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألعشاب يف‬ ‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫اإلنسان ويراها شي ًئا ضارا ال جدوى منه‪ ،‬بينام هي ِ‬
‫لتلك‬ ‫ُ‬ ‫منها‬
‫ُ‬ ‫ًّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُمنتهى األهم َّي ِة ُ‬
‫حيث َت ُر ُسها َ‬
‫بسوء‪.‬‬ ‫وت َف ُظها م َّمن يريدُ َّ‬
‫مسها‬
‫ُ‬
‫واحلال‬ ‫ِ‬
‫للرمحة‪،‬‬ ‫الض ِ‬
‫عيفة يبدو ُمناف ًيا‬ ‫العصافري وال ُّط ِ‬
‫يور َّ‬ ‫ِ‬ ‫قاب عىل‬ ‫انقضاض ال ُع ِ‬
‫ُ‬ ‫ومثال‪:‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪260‬‬
‫أحس ْت‬ ‫ِ‬
‫للظهور ال َيتح َّق ُق ّ‬ ‫الض ِ‬
‫عيفة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إل إذا َّ‬ ‫فيزها‬
‫وت َ‬ ‫الطيور َّ‬ ‫قابليات تلك‬ ‫انكشاف‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫اجلارحة عىل التَّس ُّل ِ‬
‫ِ‬ ‫رت بِ ُق ِ‬
‫درة ال ُّط ِ‬ ‫باخلطر الـم ِ‬
‫حد ِق هبا‪َ ،‬‬
‫ط عليها‪..‬‬ ‫يور‬ ‫وش َع ْ‬ ‫ِ ُ‬
‫الض ِيق لدى‬ ‫فصل ِّ ِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫هطول ال ُّث ِ‬ ‫ومثال‪َّ :‬‬
‫بعض ِّ‬‫يثري َ‬
‫الشتاء ربام ُ‬ ‫يغمر األشيا َء يف‬
‫لوج الذي ُ‬ ‫إن‬
‫ِ‬ ‫الخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حيرمه من ِ‬ ‫ِ‬
‫غايات‬
‫ٌ‬ ‫اجلليد‬ ‫رضة‪ ،‬بينام ختتفي يف ِ‬
‫قلب هذا‬ ‫ومناظر ُ‬ ‫الدفء‬ ‫لذة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ألنَّه ِ ُ‬
‫ِ‬
‫وصفها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان عن‬ ‫يعجز‬
‫ُ‬ ‫ونتائج حلو ٌة‬ ‫دافئ ٌة جدً ا‬
‫ُ‬

‫نفسه‪ ،‬لذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫املتوجه إىل‬ ‫ِ‬
‫بوجهه‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫حيكم عىل ِّ‬ ‫القارص‬ ‫نظر ُه‬ ‫اإلنسان من ُ‬ ‫َ‬ ‫ثم َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫حيث ُ‬ ‫إن‬
‫خارجة عنها‪..‬‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املحضة أنَّها ُمافي ٌة هلا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اآلداب‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫ضمن‬ ‫األمور التي هي‬ ‫ِ‬ ‫كثريا من‬ ‫ظن َّ‬
‫َ‬ ‫أن ً‬ ‫َي ُّ‬
‫اآلخرين؛‬ ‫َ‬
‫أحاديث مع‬ ‫جل فيام يتباد ُله من‬ ‫‪-‬مثل‪ُ -‬م ٌ‬‫ً‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫تناسل‬ ‫ِ‬
‫عضو‬ ‫ُ‬
‫فاحلديث عن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫حيث‬ ‫أي من‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان‪ ،‬إلَّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫وجه ِه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫جه ُه األخرى‪ْ ،‬‬ ‫أن ْأو َ‬ ‫املتوجه‬ ‫منحرص يف‬
‫ٌ‬ ‫اخلجل‬ ‫فهذا‬
‫إعجاب وتد ُّب ٍر‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫موضع‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ألجلها‪،‬‬ ‫الغايات التي ُو ِجدَ‬
‫ُ‬ ‫اإلتقان ومن حيث‬ ‫ُ‬ ‫لقة ومن حيث‬ ‫اخلِ ُ‬
‫احلكمة‪ ،‬وإذا هي ‪-‬هبذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أوجه‬ ‫مجيل من‬ ‫األوجه التي ُف ِط َر عليها إنَّام هي وج ٌه ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فكل من ِ‬
‫هذه‬ ‫ٌّ‬
‫أدب ال ي ِ‬ ‫ِ‬
‫الذوق والحيا َء‪..‬‬ ‫َ‬ ‫الحديث عنها‬‫ُ‬ ‫خد ُش‬ ‫حمض ٍ َ‬ ‫املنظار‪ُ -‬‬
‫ُشري‬
‫تعابري ت ُ‬‫َ‬ ‫ور ِه‬‫بني ُس ِ‬
‫يضم َ‬
‫اخلالص‪ُّ -‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األدب‬ ‫منبع‬
‫الكريم ‪-‬الذي هو ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫حتى َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬ ‫والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بحا يف‬ ‫تائر اللطيفة‪ ،‬فام نرا ُه ُق ً‬ ‫إشارات يف غاية اللطف واجلامل إىل هذه الوجوه احلكيمة َّ‬
‫األحداث والوقائ ِع اليوم َّي ِة ال ختلو‬‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫واألحزان التي تخ ِّلفها ُ‬‫ُ‬ ‫واآلالم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بعض‬
‫َوج ُه ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بكل‬ ‫أعما ُقها َقط ًعا من أوجه مجيلة‪ ،‬وأهداف َخ ِّية‪ ،‬وغايات سامية‪ ،‬وحك ٍَم َخبيئة‪َ ،‬تت َّ‬
‫األمور التي تبدو ‪-‬يف ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك إىل ِ‬
‫اهر‪-‬‬ ‫فالكثري من‬
‫ُ‬ ‫وهدَ ى وأرا َد؛‬ ‫الكريم كام َقدَّ َر َ‬
‫ِ‬ ‫خالقها‬
‫كتابات‬ ‫مداخ ِلها َطا َل َعت َْك ‪-‬من خالهلا‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫النظر إىل‬ ‫ومتلط ًة‪ ،‬إن أن َع ْم َت‬ ‫شو َش ًة ُمض َطرب ًة ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُم َّ‬
‫ِ‬
‫واحلكمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واخلري‬ ‫اجلامل واالنتظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫سة رائع ٌة‪ ،‬ويف ِ‬
‫غاية‬ ‫رباني ٌة ُمقدَّ ٌ‬

‫النقطة الثالثة‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ (آل عمران‪)31:‬‬ ‫قال تعاىل‪﴿ :‬‬

‫يلزم إذن ُث ُ‬
‫بوت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهدُ ‪ُ ،‬‬
‫قطعي كام ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫الصنعة موجو ًدا يف الكون‪ ،‬وهو ٌ‬
‫سن َّ‬‫ما دام ُح ُ‬
‫سن‬ ‫الش ِ‬
‫هود؛ َّ‬ ‫ِ‬
‫بدرجة ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألن ُح َ‬ ‫يقينية‬ ‫بقطعية‬ ‫والسالم‬
‫ُ‬ ‫األمحدية عىل صاحبها الصال ُة‬ ‫الرسالة‬
‫� �� � � ��� � � � � � �‬
‫‪261‬‬ ‫��� ���� �� �����������‬
‫لب‬ ‫ٍ‬
‫حتسني و َط ُ‬ ‫أن يف صانِ ِعها إراد ُة‬ ‫ِ‬
‫يدالن عىل َّ‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات‪،‬‬ ‫الصورة يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ومجال‬ ‫الص ِ‬
‫نعة‬ ‫َّ‬
‫أن يف صانِ ِعها محب ًة‬ ‫دالن عىل َّ‬ ‫التزيني ي ِ‬
‫ِ َ‬ ‫وطلب‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫التحسني‬ ‫وأن إراد َة‬‫القوة‪َّ ،‬‬‫ِ‬ ‫تزيني يف ِ‬
‫غاية‬ ‫ٍ‬
‫والرغب َة‬
‫تلك املحب َة َّ‬‫وأن َ‬‫كامالت صنعتِه التي يف مصنوعاتِه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلظهار‬ ‫ُعلوي ًة ورغب ًة ُقدسي ًة‬
‫ذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان؛ َ‬ ‫أال وهو‬ ‫وأبدعها‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات‬ ‫ِ‬
‫وأنور‬ ‫ِ‬
‫أكمل‬ ‫ِ‬
‫تقتضيان قط ًعا مترك َُزمها يف‬
‫وإن ال َّثمر َة هي أجمع ٍ‬
‫جزء‬ ‫اخللق‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لشجرة‬ ‫ِ‬
‫واإلدراك‬ ‫بالش ِ‬
‫عور‬ ‫المجهز ُة ُّ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان هو الثمر ُة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وشعور كيلٌّ ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وأبعدُ ُه من مجي ِع أجزاء تلك الشجرة‪ ،‬ول ُه ٌ‬
‫نظر عا ٌّم‬
‫املخاطب للصان ِع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫وشعور كيلٌّ هو الذي َيص ُل ُح أن‬
‫ٌ‬ ‫نظر عا ٌّم‪،‬‬
‫فالفر ُد الذي له ٌ‬
‫ُيل إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يرصف َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫كل نظره العا ِّم وعمو َم شعوره الك ِّ‬ ‫ُ‬ ‫حضوره‪ ،‬ذلك ألنَّه‬ ‫واملاثل يف‬ ‫اجلميل‬
‫ِ‬
‫فبالبداهة يكون‬ ‫آالئه ون ِ‬
‫َعامئه‪..‬‬ ‫كر ِ‬ ‫وتقديرها وإىل ُش ِ‬
‫ِ‬ ‫استحسان َصنعتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصانعه وإىل‬ ‫التَّع ُّب ِد‬
‫املحبوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واحلبيب‬
‫ُ‬ ‫املقر ُب‬
‫املخاطب َّ‬
‫ُ‬ ‫ذلك الفر ُد الفريدُ هو‬
‫ِ‬
‫ودائرتان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫لوحتان‬ ‫تشاهدُ‬
‫واآلن َ‬
‫ُ‬
‫بارعة‬ ‫ٍ‬
‫صنعة‬ ‫ُ‬
‫ولوحة‬ ‫ِ‬
‫واهليبة‬ ‫وغاية الر ِ‬
‫وعة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ربوبية يف ُمنتهى االنتظا ِم‬ ‫إحدامها‪ :‬دائر ُة‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اإلتقان‪.‬‬ ‫اجلامل ويف ِ‬
‫غاية‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ولوحة ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫رة مزه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وإيامن‬ ‫وشكر‬ ‫واستحسان‬ ‫تفكر‬ ‫للغاية‪،‬‬ ‫رة‬ ‫منو ُ َّ‬ ‫واألخرى‪ :‬دائر ُة عبودية َّ‬
‫جهاتا‬ ‫ِ‬ ‫تتحرك بجمي ِع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العبودية هذه‬ ‫إن دائر َة‬ ‫بحيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫مول‪،‬‬ ‫والش ِ‬ ‫والس َع ِة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف غاية اجلامعية َّ‬
‫ِ‬
‫الدائرة‬ ‫أن رئيس ِ‬
‫هذه‬ ‫فهم بداه ًة َّ‬ ‫ِ‬ ‫وتعمل بجمي ِع ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫حلسابا؛ وهكذا ُي ُ‬ ‫قوتا‬ ‫الدائرة األوىل‬ ‫باسم‬
‫ُ‬
‫ويكون‬ ‫تكون عالقتُه مع الصان ِع قوي ًة متين ًة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املتعلقة بمصنوعاتِه‬ ‫ِ‬ ‫الصان ِع‬‫الذي خيدُ ُم مقاصدَ َّ‬
‫لديه حمبو ًبا َمرض ًّيا عنده‪.‬‬ ‫ِ‬

‫نعم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫املزينة بأنوا ِع‬ ‫ِ‬ ‫عقل َّ‬‫يقبل ٌ‬ ‫فهل ُ‬
‫املحاسن و ُم ُ‬ ‫املصنوعات‬ ‫صانع هذه‬ ‫ُ‬ ‫تم‬
‫بايل وال َي َّ‬ ‫أل ُي َ‬
‫بمثل هذا‬ ‫ِ‬ ‫يبايل‬ ‫عقل َّ‬ ‫اخللق‪ ،‬هل ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه الن ِ‬
‫أل َ‬ ‫أفواه‬ ‫األذواق حتى يف‬ ‫لدقائق‬ ‫املراعي‬ ‫ِّعم‪،‬‬
‫هز‬ ‫املخلوق الذي َّ‬ ‫ِ‬ ‫مثل هذا‬‫تم بِ ِ‬ ‫وأل َي َّ‬‫المتوج ِه إليه بالتَّع ُب ِد‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األكمل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األجمل‬ ‫املصنو ِع‬
‫ملحاسن ص ِ‬ ‫وتكبريات تقديراتِه‬‫ِ‬ ‫بتهليالت استحسانِه‬ ‫ِ‬
‫الصانعِ‪،‬‬ ‫ذلك َّ‬ ‫نعة َ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬
‫والفرش‬ ‫َ‬
‫العرش‬
‫اجلليل؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاطر‬ ‫نعم ذلك‬ ‫كر ِه وتكبرياتِ ِه لِ ِ‬ ‫وش ِ‬ ‫محد ِه ُ‬ ‫نغامت ِ‬‫ِ‬ ‫والبحر انتشا ًء من‬ ‫ُ‬ ‫البـر‬
‫فاهتز ُّ‬ ‫َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪262‬‬
‫أل َيع َل ُه‬
‫يمكن َّ‬
‫ُ‬ ‫بكالم ِه؟ وهل‬
‫ِ‬ ‫وحي ِ‬
‫إليه‬ ‫ِ‬
‫أل ُي َ‬ ‫يمكن َّ‬
‫ُ‬ ‫إليه؟ وهل‬ ‫أل يتوجه ِ‬
‫َّ َ‬ ‫يمكن َّ‬
‫ُ‬ ‫وهل‬
‫الخ ْل ِق أمجعني؟‬ ‫ُ‬
‫اجلميلة إىل َ‬ ‫الحسن وحاالتُه‬
‫ُ‬ ‫وأل يريدَ أن َي ْس ِري ُخ ُل ُقه‬
‫رسول؟ َّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫للناس كاف ًة‪.‬‬ ‫ً‬
‫رسول‬ ‫وأل جيع َله‬
‫يمنحه كال َمه َّ‬
‫َ‬ ‫يمكن َّ‬
‫أل‬ ‫ُ‬ ‫كال! بل ال‬

‫﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﴾ ‪( ‬آل عمران‪)19:‬‬

‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ (الفتح‪)29:‬‬

‫***‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آس‪َ ،‬فجر أيا ِم أس ٍر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّات ٍ‬


‫واالغرتاب‬ ‫بالفراق‬ ‫مليئة‬ ‫ْ‬ ‫لقلب ٍ ْ َ‬ ‫بكاء‬ ‫أن ُ‬
‫الس َحر‪ ،‬واسأيل املوىل العناي َة‪،‬‬
‫عيني يف َّ‬ ‫ِ‬
‫األسحار‪ ،‬فانتبهي يا َّ‬ ‫وقت‬
‫ب َ‬ ‫نسيم التجيل َي ُه ُّ‬
‫ُ‬
‫والك‪.‬‬ ‫ستغفرا لدى ِ‬
‫باب َم َ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫الفجر ُم‬ ‫قلبي تائ ًبا يف‬ ‫ني‪َ ،‬ف ُه َّ‬
‫ب يا َّ‬ ‫َابة املذنبِ َ‬
‫فالس َح ُر َمت ُ‬
‫َّ‬

‫� ْ ْ ْ ُ ُ ْ يَ ْ ْ تَ ْ ْ َ مَ شَ ْ‬ ‫��سَحَْ َ‬
‫ح ش���ر�ي����س� ت� دَر و �ه ش��������ار دَر �����س����ي�� �ه� �ه ���ى‪..‬‬ ‫�ر‬
‫بٖ ح‬ ‫ٖ‬
‫� فْ َ تْ سَ ْ ْ نَ ْ ْ ّٰ كَ ْ‬ ‫بَ ٰ‬
‫� �� ر��سَ� ��م ���ف����سَ� ��م �حَ��ت�ى ى‪..‬‬ ‫�خوا ب� ��غَ� ����ل�‬ ‫�‬
‫ِ‬
‫ُ ْ َ ْ ْ ْ فَ بَ قَ ْ ْ بَ يَ ْ هَ ْ ْ‬
‫�ع�م ْر ���ع��صر�ي����س� ت� ���سَ���� ْر �ا � ����ب�ر مٖى �� �ا ���د ز�� ر �حَى‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬
‫�ُ نْ ْ‬ ‫گ ُْٰ‬ ‫ُ‬ ‫يَ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ نَ مَ‬
‫�� ن� ا وَا ��ى �چ و� �نَى‪..‬‬ ‫�و ب� ك‬ ‫ب���بَر خٖ�ي�� ز� ���� �ا � �ى �چ�و ن���ا � �ى �‬
‫زٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ زٖ‬ ‫زٖ‬ ‫ِ‬
‫نَ‬ ‫ُ‬
‫بَگُ يَ رَ ْ َ مَ نَ ْ خَ�� ْ شَ ْ ْ سَارَ ْ زْ گ ْ شُ مَارَ ْ‬
‫اَ‬ ‫َ‬
‫�اه �بٖى ������ � �م‬‫�ي����ل ���ر�م�� � �م � ��‬ ‫�و �ا ب� پ� شٖ�����ي����� �ا �م‬ ‫��‬
‫جٖ م‬
‫قَ َارَ ْ‬ ‫� شَ نَْ ذَ َ ْ اَ شْ ْ بَارَ ْ اَ زْ َ�يَ تْ‬
‫� �بٖى �ر �م‬ ‫پ� �ي���� �ا �م � لٖ�����ي��ل ����ك � �م � ح���ا‬
‫م‬ ‫َرٖ‬
‫ْ‬
‫�خ� تيَارَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫يَارَ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْعَ عَ �زَ‬ ‫نَ‬ ‫ُ‬ ‫نَ‬ ‫ْ‬ ‫فَ‬ ‫ضَ‬ ‫كَ‬
‫��غَ بَ ْ � سَ ْ‬
‫������م ��عٖ� ي�������م �ا ت�وَا �م ��لٖ ي���لْ �ا جِ� �ماِ �خ�ِت����� �م �بٖى اِ ِ�����‬ ‫ري������م بٖى �‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ٖ‬
‫ْ ز ْ َگ تْ ٰ‬ ‫ْاَ مَ نْ ُگ يَ ْعَ فُ ْ ُ يَ ْ مَ ْ �خ ٰ‬
‫ل‬
‫�ا ����هَ �� اِ �هٖى‬ ‫اَل � �ا � �و�م� ����و �ج�و�م � �دَد �وا هَ��� ��م ِ� دَر �‬
‫�‬
‫ل���ل �ة ا ��لت ا �� � �ة � ش ة‬
‫�‬
‫ا � ك� �م� �� سع� ع���ر�‬
‫َخص الرسالة َ الأحمدية َ‬
‫ت ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫حم ٍد‪.‬ﷺ‬
‫بم َّ‬
‫ِ‬
‫مدحت مقا َلتي ُ‬
‫ُ‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫مدحت ُم َّمدً ا بمقا َلتِي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وما‬

‫سن هي التي مجَّلتْها؛‬ ‫َ‬


‫الشامئل املحمد َّي َة التي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫إن ِ‬
‫هذه الكلم َة‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫حل َ‬
‫تفوق ا ُ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫مجيلة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عشر َة رشح ًة‪:‬‬ ‫(اللمعة الرابع َة عرشةَ) َ‬
‫أربع ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكلمة‬ ‫تتضمن هذه‬
‫ُ‬

‫الرشح ُة األُوىل‬
‫َّ‬
‫أدل َء عظا ٍم‪:‬‬
‫فني َّ‬
‫معر َ‬ ‫ف لنا ر َّبنا هو ُ‬
‫ثالثة ِّ‬ ‫عر ُ‬ ‫َّ‬
‫إن ما ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫ملعات‬ ‫ثالث عشر َة ملع ًة «من‬
‫َ‬ ‫الكون‪ ،‬الذي سمعنا شي ًئا من شهادتِه يف‬
‫ِ‬ ‫كتاب‬ ‫َّأو ُله‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُّوري»‪.‬‬
‫يب الن ِّ‬
‫املثنوي العر ِّ‬
‫ِّ‬
‫ديوان الن ِ‬
‫ُّبوة ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫خاتم‬ ‫ِ‬
‫العظيم‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫ثانيه‪ :‬هو ُ‬
‫اآلية الكُربى هلذا‬
‫ُ‬
‫احلكيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ثال ُثه‪:‬‬
‫املرسلني ﷺ‬ ‫ِ‬
‫األنبياء وس ِّيدُ‬ ‫خاتم‬ ‫الناطق‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫الربهان ال َّثاين‬
‫َ‬ ‫ف هذا‬ ‫فعلينا اآلن أن ِ‬
‫نعر َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خاشعني‪.‬‬
‫َ‬ ‫وننصت إليه‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫عظيمة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫معنوية‬ ‫َّاطق له شخصي ٌة‬ ‫َ‬
‫الربهان الن َ‬ ‫اع َل ْم َّ‬
‫أن ذلك‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬ابن األثري‪ ،‬املثل السائر ‪357/2‬؛ القلقشندي‪ ،‬صبح األعشى ‪321/2‬؛ قال أبو متام‪:‬‬
‫مدحت‬
‫ُ‬ ‫فلم أمدحك تفخيام بشعري‪ ...‬ولكني مدحت بك املدحيا‪ ،‬أخذه من حسان بن ثابت يف مدحه للنبي حيث قال‪:‬ما إن‬
‫بمحمد‪ ،‬وانظر‪ :‬املكتوبات لإلمام الرباين ج‪( 1‬املكتوب ‪.)44‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُممدا بمقالـتي‪ ...‬لكن مدحت مقالـتي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البحث باللغة العربية يف املثنوي العريب النوري‪ ،‬ثم ترمجَه إىل الرتكية وجع َله «الكلمة التاسعة‬‫َ‬ ‫النوريس هذا‬ ‫(‪ )2‬كتب األستاذ‬
‫ُّ‬
‫تقديم وتأخريٍ‬
‫ٍ‬ ‫يستوجب من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب لألستاذ املؤلف مع ما‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بالنص العر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫احتفظت‬
‫ُ‬ ‫مرة أخرى‬ ‫عرشة»؛ فأثنا َء ترمجتي هلا إىل العربية َّ‬
‫كي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الت ِّ‬ ‫النص ُّ‬
‫وحذف وإضافة يف ضوء ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪264‬‬

‫هو؟ وما ماهي ُت ُه؟‬


‫قلت‪ :‬ما َ‬
‫فإن َ‬

‫ُ‬ ‫األرض مسجدَ ُه‪ ،‬ومك َُّة حمرا َب ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫قيل َ‬ ‫َ‬
‫واملدينة‬ ‫سطح‬
‫ُ‬ ‫لك‪ :‬هو الذي لعظمته املعنو َّية َ‬
‫صار‬
‫البرش يب ِّي ُن هلم‬ ‫ِ‬ ‫وخطيب مجي ِع‬ ‫ُ‬ ‫ني خل َف ُه‪..‬‬ ‫ون ِبه صا ِّف َ‬ ‫يأتم َ‬ ‫املؤمنني ُّ‬ ‫َ‬ ‫إمام مجي ِع‬ ‫رب ُه‪ ..‬وهو ُ‬ ‫من َ‬
‫ألساسات‬ ‫ِ‬ ‫ِّيهم ويصدِّ ُقهم بجامع َّي ِة دينِه‬ ‫األنبياء يزك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورئيس مجي ِع‬ ‫سعاداتم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫دساتري‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مركز دائرةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طب يف‬ ‫بشمس رسالته‪ ..‬و ُق ٌ‬ ‫أديانم‪ ..‬وس ِّيدُ مجي ِع األولياء ُيرشدُ هم و ُير ِّبيهم‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ني عىل كلمتِه‪،‬‬ ‫واألبرار املت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قة ٍ‬ ‫ح ْل ِ‬
‫الناطق َ‬ ‫َّفق َ‬ ‫ديقني‬
‫َ‬ ‫والص‬
‫واألخيار ِّ‬ ‫األنبياء‬ ‫ذكر تركَّبت من‬ ‫َ‬
‫وأغصانا‬ ‫ِ‬
‫السامو َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِبا‪ ..‬وشجر ٌة نوراني ٌة عرو ُقها‬
‫ُ‬ ‫املتينة هي األنبيا ُء بأساساتم َّ‬ ‫احليوية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخ ِضر ُة ال َّط ُ‬
‫عوى‬ ‫اللطيفة الن ِّير ُة هي األوليا ُء بمعارف ِهم اإلهلامية؛ فام من َد ً‬ ‫ُ‬ ‫وثمراتا‬
‫ُ‬ ‫رية‬ ‫َ‬
‫ستندين‬ ‫ِ‬
‫األولياء ُم‬ ‫وجميع‬ ‫بمعجزاتِـهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يدَّ ِعيها إلَّ ويشهدُ ل ُه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مستندين ُ‬
‫َ‬ ‫األنبياء‬ ‫جميع‬
‫ُ‬
‫قال‪« :‬ال‬ ‫الكامليـن‪ ،‬إذ بينام تَرا ُه َ‬ ‫َ‬ ‫دعاويه خواتِ َم مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫عوى من‬ ‫كل َد ً‬ ‫فكأن عىل ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫بكراماتم؛‬
‫‪-‬أي‬ ‫ي ْ‬ ‫ني النُّورانِ َّي ْ َ‬ ‫الص َّف ِ‬
‫واملستقبل من َّ‬ ‫ِ‬ ‫نسمع من املايض‬ ‫ُ‬ ‫إله َّإل اهلل» وا َّدعى التَّوحيدَ ‪ ،‬فإذا‬
‫فيكررونا ويت َ‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِ‬
‫دائرة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّفقون‬ ‫َ‬ ‫الكلمة‪،‬‬ ‫عين تلك‬ ‫كر‪َ -‬‬ ‫ين يف‬ ‫البرش ونجومه ال َقاعد َ‬ ‫شموس‬
‫وباحلق‬ ‫ِّ‬ ‫«صدقت‬
‫َ‬ ‫يقولون باإلمجاعِ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫مشاربم؛ فكأنَّهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتباين‬ ‫اختالف مسالِ ِكهم‬ ‫ِ‬ ‫عليها‪ ،‬مع‬
‫الشاهدين‬ ‫ِ‬
‫بشهادات َمن ال ُي َحدُّ من‬ ‫دت‬
‫دعوى تأ َّي ْ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫لوهم أن َيمدَّ َيدَ ُه لر ِّد ً‬ ‫نطقت»؛ فأنَّى‬
‫َ‬
‫الذين تُزكِّيهم معجزاتُهم وكراماتُهم‪.‬‬

‫الرشح ُة الثاني ُة‬


‫َّ‬
‫إليه‪ ،‬كام أنَّه يتأيدُ‬‫التوحيد وأرشدَ البرش ِ‬ ‫ِ‬ ‫دل عىل‬ ‫ُّورانـي الذي َّ‬ ‫أن هذا ال ُب َ‬
‫رهان الن‬ ‫اعلم َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ُب‬ ‫ِ‬
‫إشارات الكت ِ‬ ‫كذلك تصدِّ ُق ُه ُ‬
‫مئات‬ ‫َ‬ ‫جناح ِيه نبو ًة ووالي ًة من اإلمجا ِع والت ِ‬
‫َّواتر‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بقوة ما يف‬
‫َ‬
‫رموز‬
‫ُ‬ ‫وكذلك تُصدِّ ُق ُه‬
‫َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫األولني‪..‬‬
‫َ‬ ‫وز ُب ِر‬
‫بور ُ‬ ‫والز ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلنجيل َّ‬ ‫شارات الت ِ‬
‫َّوراة‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫اموية من بِ‬ ‫َّ‬
‫القمر‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دالالت معجزاته من أمثال‪َ :‬ش ِّق‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألوف اإلرهاصات الكَثرية املشهودة‪ ،‬وكذا تُصد ُق ُه‬ ‫ِ‬
‫وش َب ِع‬‫عائ ِه‪ِ ،‬‬ ‫آن د ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُـزول ِ‬‫جر بدعوتِ ِه‪ ،‬ون ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫وجميء َّ‬ ‫ِ‬ ‫عان ِ‬
‫املاء من األصابِ ِع‬ ‫و َنب ِ‬
‫املطر يف ُ‬ ‫كالكوثر‪،‬‬ ‫َ‬

‫وض َّمنها يف‬ ‫ِ‬


‫الكتب‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بطون تلك‬ ‫(‪ )1‬لقد استخرج «حسني اجلرس»(*) مائ ًة وأربع عرشة بشار ًة من‬
‫رصاحات كثريةٍ‬
‫ٍ‬ ‫شك َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫َّحريف إىل هذا احلدِّ ‪ ،‬فال َّ‬
‫البشارات بعد الت‬
‫ُ‬ ‫«الرسالة احلميدية»؛ فلئن كانت‬
‫كانت موجود ًة قب َله‪( ،‬املؤلف)‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪265‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫واحلجر‪ ...‬إىل ٍ‬
‫ألف من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واجلمل‬ ‫ِ‬
‫والذئب وال َّظ ِ‬
‫بي‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫طعامه القليل‪ ،‬وت َك ُّل ِم َ‬ ‫ِ‬
‫الض ِّ‬ ‫الكثري من‬
‫ِ‬
‫لسعادات‬ ‫ُ‬
‫اجلامعة‬ ‫املحققون‪ ..‬وكذا تُصدِّ ُق ُه الشَّ ُ‬
‫يعة‬ ‫َ‬ ‫معجزاتِه كام ب َّينَها الروا ُة واملحدِّ َ‬
‫ثون‬
‫الدَّ ِ‬
‫ارين‪.‬‬

‫يدل عىل ذاتِ ِه بذاتِ ِه‪،‬‬ ‫مس ُّ‬ ‫كالش ِ‬ ‫كذلك هو َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الدالئ ُل اآلفاق َّي ُة‪،‬‬ ‫واعلم أنَّه كام تُصدِّ ُقه ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجتامع أعايل مجي ِع األخالق احلميدة يف ذاته باالتفاق‪ ..‬وكذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدالئل األَ ْن ُفس َّي ُة؛ إذ‬ ‫ُ‬ ‫فتصدِّ ُق ُه‬
‫ُ‬
‫واخلصائل الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّـزهية‪ ..‬وكذا‬ ‫الغالية‬ ‫السجايا‬ ‫جمع شخصيته املعنوية يف وظيفته أفاض َل مجي ِع َّ‬ ‫ُ‬
‫بشهادة ِس ِيه‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫وثوقهِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوة ُزهده و ُقوة تَقوا ُه و ُق َّوة ُعبوديته‪ ..‬وكذا ُ‬
‫كامل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫قو ُة إيامنه بشهادة َّ‬
‫بشهادة ُق َّو ِة اطمئنانِ ِه‪ ..‬تُصدِّ ُق ُه‬
‫ِ‬ ‫تانته‪ ،‬وكذا ُق َّو ُة أمن َّيتِ ِه يف حركاتِ ِه‬ ‫وكامل م ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫وكامل جدِّ َيتِ ِه‬ ‫ِ‬
‫لوك ِه احلقيق َة‪.‬‬ ‫باحلق وس ِ‬
‫َمسكه ِّ ُ‬
‫اطعة يف دعوى ت ِ ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫مس الس ِ‬
‫كالش ِ َّ‬ ‫َّ‬

‫الرشح ُة ال َّثالث ُة‬


‫َّ‬
‫َ‬
‫فتعال‬ ‫شئت‬ ‫فإن‬ ‫ِ‬
‫اكامت ال ُع ِ‬
‫قول؛ ْ‬ ‫ظيم يف ُم‬ ‫ِ‬ ‫اعلم َّ‬
‫َ‬ ‫تأثريا َع ً‬
‫واملكاين ً‬
‫ِّ‬ ‫ماين‬
‫الز ِّ‬ ‫للمحيط َّ‬ ‫أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّبوية لِنَحظى بزيارتِ ِه‬
‫عادة الن ِ‬
‫وعرص الس ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫نذهب إىل ِ‬
‫باخليال‪-‬‬ ‫الكريمة ﷺ ‪-‬ولو‬ ‫ِ َّ‬ ‫رون‬ ‫خيـر ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اململكة‪:‬‬ ‫أول ما يتظاهر لنا من ِ‬
‫هذه‬ ‫فإن َ‬‫عينيك وانظر‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫فافتح‬ ‫يعمل؛‬‫رأس وظيفتِه ُ‬ ‫ِ‬ ‫وهو عىل‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫معج ًزا‬ ‫آخذ ِ‬
‫بيده كتا ًبا ِ‬ ‫رائقة؛ فها هو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سرية‬ ‫فائقة‪ ،‬يف ُح ِ‬
‫سن‬ ‫صورة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫خارق‪ ،‬ل ُه ُح ْس ُن‬ ‫شخص‬
‫ٌ‬
‫حكيم‪ُ ،‬ي َب ِّل ُغ ُخطب ًة أزلي ًة ويتلوها عىل مجي ِع بني آد َم‪ ،‬بل عىل‬ ‫وج ًزا‬ ‫ِِ ِ‬
‫ً‬ ‫كريم‪ ،‬وبلسانه خطا ًبا ُم َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫واإلنس‪ ،‬بل عىل مجي ِع‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪.‬‬ ‫مجي ِع ِّ‬
‫اجلن‬

‫يرشح‬
‫ُ‬ ‫بحث عن نبأٍ َع ٍ‬
‫ظيم‪ ،‬إذ‬ ‫سيم‪ ،‬و َي ُ‬ ‫يقول عن ٍ‬
‫أمر َج ٍ‬ ‫يقول؟‪ ..‬نعم‪ ،‬إ َّن ُه ُ‬‫لعجب! ما ُ‬ ‫ِ‬ ‫فيا َل‬
‫ِ‬ ‫اللغز العجيب يف سر ِخ ْل ِ‬ ‫وي ُّل‬
‫حكمة‬ ‫سر‬
‫املغلق يف ِّ‬
‫َ‬ ‫ويكشف ال ِّط َ‬
‫لسم‬ ‫ُ‬ ‫ويفتح‬
‫ُ‬ ‫قة العاملِ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫َ‬
‫العقول وأوقعتها يف‬ ‫ِ‬
‫املعضلة التي َشغلت‬ ‫ِ‬
‫الثالثة‬ ‫ِ‬
‫األسئلة‬ ‫ويبحث عن‬ ‫ُ‬ ‫ويوض ُح‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‪،‬‬
‫أين؟‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫سأل عنها ُّ‬ ‫األسئلة التي ُي ُ‬
‫ُ‬ ‫حل ْي ِة‪ ،‬إذ هي‬
‫أين؟ وإىل َ‬
‫أنت؟ ومن َ‬ ‫موجود؛ وهي‪َ :‬من َ‬ ‫كل‬ ‫ا َ‬

‫الرابع ُة‬
‫الرشح ُة َّ‬
‫َّ‬
‫نورا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫انظر إىل هذا َّ‬
‫احلق ً‬
‫احلقيقة ضيا ًء ن ََّو ًارا‪ ،‬ومن ِّ‬ ‫ينشـر من‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫ُّوراين َ‬
‫خص الن ِّ‬ ‫الش‬ ‫ْ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪266‬‬

‫فصار العا َل ُم‬ ‫الكائنات تَبدَّ َل شك ُلها‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬


‫فكأن‬ ‫هنارا وشتا َءه ربي ًعا؛‬ ‫ِ‬ ‫ُمضي ًئا‪ ،‬حتى ص َّي َر َ‬
‫َ‬ ‫البرش ً‬ ‫ليل‬
‫خارج ِ‬
‫نور‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫نظرت إىل‬ ‫مطريرا‪ ..‬فإذا ما‬ ‫بوسا َق‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مرسورا بعدما كان َع ً‬ ‫ً‬ ‫ضاحكًا‬
‫رباء واألعداء‪ِ،‬‬ ‫كاألجانب ال ُغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موجوداتا‬ ‫الكائنات مأمتًا ُعموم ًيا‪ ،‬وتَرى‬ ‫ِ‬ ‫إرشاد ِه؛ تَرى يف‬ ‫ِ‬
‫حيواناتا و َأناس َّيها‬ ‫ِ‬ ‫دهاش ًة‪ ،‬وتَرى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جنائز َّ‬ ‫َ‬ ‫جامداتا‬ ‫يعاديه‪ ،‬وتَرى‬ ‫بعضا‪ ،‬بل‬ ‫بعض ً‬ ‫عرف ٌ‬ ‫ال َي ُ‬
‫ِ‬
‫والفراق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الزوال‬ ‫ِ‬
‫رضبات‬ ‫باكني حتت‬ ‫َ‬ ‫أيتا ًما‬
‫بنور ِه‪،‬‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫اآلن‬ ‫ِ‬
‫فانظر‬ ‫ِ‬
‫نوره؛‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫الكائنات عند َمن مل يدخل يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ماهية‬ ‫فهذه هي‬ ‫ِ‬
‫شكل‬‫ُ‬ ‫كيف تَراها؟‪ ..‬فانظر! قد تبدَّ َل‬ ‫الكائنات؛ َ‬ ‫ِ‬ ‫دائرة رشيعتِه‪ ،‬إىل‬ ‫ِ‬ ‫وبمرصاد دينِه‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬
‫والش ِ‬ ‫جلس للج ِ‬ ‫للذكر ِ‬
‫والف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كر‪،‬‬ ‫ذبة ُّ‬ ‫ٍ َ‬ ‫كر و َم‬ ‫مسجد‬ ‫مومي إىل‬
‫ِّ‬ ‫املأتم ال ُع‬ ‫ِ‬ ‫فتحو َل ُ‬
‫بيت‬ ‫َّ‬ ‫العاملِ‪،‬‬
‫ِ‬
‫جامداتا‬ ‫كل من‬ ‫َحو َل ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َحو َل األعدا ُء‬
‫أحباب وإخوان‪ ،‬وت َّ‬ ‫املوجودات إىل‬ ‫األجانب من‬ ‫ُ‬ ‫وت َّ‬
‫لسان حالِ ِه ِ‬
‫آيات‬ ‫ُ‬ ‫سخرا تال ًيا‬ ‫أمورا ُم َّ‬ ‫امتة حتى غدا ٌّ‬ ‫املي ِتة الص ِ‬
‫ؤنسا َم ً‬ ‫كل منها كائنًا ح ًّيا ُم ً‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫تسبيحاتم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ذاكرين يف‬
‫َ‬ ‫اكون)‬ ‫الش َ‬ ‫الباكون َّ‬ ‫َ‬ ‫(األيتام‬
‫ُ‬ ‫احلياة ِمنها‬ ‫ِ‬ ‫َحو َل َذوو‬ ‫خالقه‪ ،‬وت َّ‬
‫ِِ‬
‫وظائفهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لترسحيهم عن‬ ‫ِ‬ ‫شاكرين‬
‫َ‬

‫الرشح ُة اخلامس ُة‬


‫َّ‬
‫الكائنات وتنوعاتُها وتغيراتُها من العبثي ِة والت ِ‬
‫َّفاهة‬ ‫ِ‬ ‫حركات‬ ‫َ‬
‫بذلك النُّور‬ ‫َحو َل ْت‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫لقد ت َّ‬
‫إهلية‪ ،‬حتى‬ ‫ٍ‬
‫أسامء ٍ‬ ‫آيات تكوين َّي ٍة‪ ،‬ومرايا‬
‫وصحائف ٍ‬
‫َ‬ ‫مكاتيب ر َّبان َّي ٍة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املصادفة إىل‬ ‫وم ِ‬
‫لعبة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مدانية‪.‬‬ ‫الص‬ ‫ِ‬ ‫تر َّقى‬
‫وصار كتا ًبا للحكمة َّ‬ ‫َ‬ ‫العالم‬
‫ُ‬
‫وفقر ِه‬
‫ِ‬ ‫بعجز ِه‬
‫ِ‬ ‫ضيض احليواني ِة الذي هوى ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان كيف تر َّقى من َح‬‫ِ‬ ‫وانظر إىل‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫العقل‬ ‫ذلك‬‫بتنو ِر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املستقبل‪ ،‬تَر َّقى إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبعقل ِه الن ِ‬
‫ِ‬
‫أوج اخلالفة ُّ‬ ‫َّاقل ألحزان املايض وخماوف‬
‫أسباب‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫وعقل‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫وفقر‬ ‫ٍ‬
‫عجز‬ ‫سقوط ِه ‪-‬من‬
‫ِ‬ ‫أسباب‬
‫ُ‬ ‫صارت‬
‫ْ‬ ‫فانظر كيف‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫والفقر؛‬ ‫ِ‬
‫والعجز‬
‫ُّوراين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َنو ِر ِها بن ِ‬
‫ُور هذا َّ‬ ‫ِِ‬
‫خص الن ِّ‬ ‫الش‬ ‫صعوده بسبب ت ُّ‬
‫ٍ‬ ‫واإلنسان‪ُّ ،‬‬ ‫الشخص َلس َق َط ِ‬
‫شيء إلى‬ ‫وكل‬ ‫ُ‬ ‫الكائنات‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫يوجدْ هذا َّ ُ َ‬ ‫فعلى هذا‪ ،‬لو لم َ‬
‫مثل هذا‬ ‫الجميلة من ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البديعة‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫لمثل ِ‬
‫هذه‬ ‫درجة العدمِ؛ ال قيم َة وال أهمي َة لها؛ فيلز ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪267‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫الفائق المعر ِ‬
‫ف المح ِّق ِق‪ ،‬فإذا لم يكن هذا فال ت ِ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‪ ،‬إ ْذ ال معنى‬
‫ُ‬ ‫َكن‬ ‫ِ ُ ِّ‬ ‫الخارق‬ ‫ِ‬
‫خص‬ ‫َّ‬
‫الش‬
‫ِ‬
‫بالنسبة إلينا‪.‬‬ ‫لها‬

‫السادس ُة‬
‫الرشح ُة َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫كامالت‬ ‫للكون‪ ،‬كاش ًفا بدينِه عن‬
‫ِ‬ ‫شمسا‬ ‫قلت‪َ :‬من هذا َّ‬
‫فإن َ‬
‫صار ً‬
‫خص الذي نرا ُه قد َ‬
‫الش ُ‬
‫ِ‬
‫الكائنات؟ وما ُ‬
‫يقول؟‬

‫كشف‬
‫ُ‬ ‫بش ُر هبا‪ ،‬و َي‬ ‫سعادة أبد َّي ٍة و ُي ِّ‬
‫ٍ‬ ‫رب عن‬ ‫هو ُيخ ُ‬
‫يقول‪ :‬ها َ‬ ‫واستمع إىل ما ُ‬
‫ْ‬ ‫يل َ‬
‫لك‪ :‬انظر‬ ‫ِق َ‬
‫الربوب َّي ِة و َن َّظ ُارها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حماسن َسلطنة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الناس إليها؛ وهو دلَّ ُل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عن رمحة بال هناية‪ ،‬و ُيعلنُها ويدعو َ‬
‫عر ُفها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات ِ‬ ‫اف مخفي ِ‬
‫كنوز األسامء اإلهلية و ُم ِّ‬ ‫وك ََّش ُ َ َّ‬
‫ِ‬
‫اهلداية‬ ‫وشمس‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫راج‬ ‫برهان ِّ ِ‬
‫َ‬ ‫جهة وظيفتِه (رسالتِه) تَرا ُه‬
‫إليه من ِ‬
‫فانظر ِ‬
‫َ‬ ‫احلق وس َ‬
‫ووسيل َة الس ِ‬
‫عادة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫مثال الر ِ‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫(عبوديتِه) ت ََرا ُه َ‬
‫جهة شخصيتِه ُ‬
‫ِ‬ ‫ثم انظر ِ‬
‫محة‬ ‫الرمحان َّية وت َ َّ‬
‫مثال املح َّبة َّ‬ ‫إليه من‬ ‫ْ‬
‫شجرة اخلِلقة‪ِ.‬‬
‫ِ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وأنور أزه ِر ثمراتِ‬
‫ِ‬ ‫ف احلقيقةِ‬‫وشر َ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫الربان َّية‪َ ،‬‬
‫َّ‬
‫ارق‪ ،‬وقد َقبِ َل‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫الربق َّ‬ ‫ِ‬
‫رسعة‬ ‫رب يف‬‫نور دينِه بالشَّ ِق وال َغ ِ‬ ‫َ‬
‫أحاط ُ‬ ‫ثم انظر! كيف‬
‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫س بني آد َم هدي َة ِهدايتِ ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األرض ومن ُخ ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫نصف‬ ‫قر ُب من‬ ‫ِ‬
‫القلب ما َي ُ‬
‫ِ‬
‫بإذعان‬
‫ات ِ‬
‫مثل‬ ‫مغالطة يف مدَّ َعي ِ‬
‫ٍ‬ ‫والش ِ‬
‫يطان أن يناقشا بال‬ ‫ِ‬
‫للنفس َّ‬ ‫يمكن‬ ‫أرواحها؛ فهل‬ ‫تَفدي هلا‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل ُمدَّ َع َياتِ ِه‪ ،‬وهي‪« :‬ال إله إال اهلل» بجمي ِع‬ ‫أساس ِّ‬‫ُ‬ ‫عوى هي‬ ‫خص‪ ،‬الس َّيام يف َد ً‬‫ِ‬ ‫هذا َّ‬
‫الش‬
‫مراتِبِها؟‪..‬‬

‫السابع ُة‬
‫الرشح ُة َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫اجلزيرة‬ ‫قدسية‪ ،‬فانظر إىل إجراآتِ ِه يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ٌ‬ ‫حرك ُه إنَّام هو قو ٌة‬ ‫تعرف َّ‬
‫ْ‬ ‫أن ما ُي ِّ‬ ‫َ‬ ‫شئت أن‬
‫فإن َ‬
‫املتعصبني‬ ‫الش ِ‬
‫اسعة‪،‬‬ ‫هذه الص ِ‬
‫حراء َّ‬ ‫هذه األقوام املختلف َة البِدائي َة يف ِ‬ ‫أل تَرى ِ‬ ‫ِ‬
‫الواسعة؛ َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫ِ‬
‫أخالق ِ‬ ‫جميع‬ ‫خص‬ ‫كيف ر َف َع هذا َّ‬ ‫وخ ِ‬ ‫لعاداتم‪ ،‬املعاندين يف َعصبيتِهم ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫الش ُ‬ ‫صامهم‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪268‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫زمان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يئة البِدائ َّي ِة و َقل َعها يف‬
‫الس ِ‬
‫عالية؛ فص َّي َرهم‬ ‫حسنة‬ ‫بأخالق‬ ‫قليل َدفع ًة واحدةً؛ َ‬
‫وج َّه َزهم‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫املتمدنة؟‬ ‫َ‬
‫وأساتيذ األ َم ِم‬ ‫اإلنساين‬ ‫ُمعلمي العاملِ‬
‫ِّ‬
‫األرواح‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والعقول‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫سخ ُر‬ ‫لوب‬
‫الق َ‬ ‫يفتح ُ‬ ‫ِ‬
‫الظاهر فقط؛ بل ها هو ُ‬ ‫فانظر‪ ،‬ليست سلطنتُه عىل‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫األرواح‪.‬‬ ‫وس َ‬
‫لطان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القلوب ومع ِّل َم العقول و ُمر َ‬
‫ُّفوس ُ‬ ‫يب الن‬ ‫محبوب‬
‫َ‬ ‫صار‬
‫ُّفوس‪ ،‬حتى َ‬‫والن َ‬

‫الرشح ُة ال َّثامن ُة‬


‫َّ‬
‫صغرية بالكُل َّي ِة‪ ،‬قد َي ْع َس ُر‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طائفة‬ ‫مثل‪ -‬من‬ ‫ِ‬
‫َّدخني ً‬ ‫ٍ‬
‫صغرية ‪-‬كالت‬ ‫أن رفع ٍ‬
‫عادة‬ ‫من املعلو ِم َّ َ‬
‫ٍ‬ ‫الكريم ﷺ قد َر َف َع ‪-‬بالك ِّل ِية‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم‪ ،‬بِ ٍ‬
‫عادات‬ ‫َ‬ ‫النبي‬
‫همة عظيمة‪ ،‬مع أنَّا نرى هذا َّ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ٍ‬
‫حاكم‬ ‫عىل‬
‫بقوة ُجزئ َّي ٍة‪،‬‬
‫لعاداتم‪ ،‬معاندين يف ِحسي ِاتم‪ ..‬رفعها ٍ‬
‫َ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫متعصبني‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫كثريةً‪ ،‬من أقوا ٍم‬
‫عادات‬‫ٍ‬ ‫وغ َر َس بدَ َلها برسوخٍ تا ٍّم يف َسج َّيتِهم‬ ‫قصري‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫ِ‬
‫احلال‪ ،‬ويف‬ ‫ظاه ِر‬ ‫وهم ٍة ٍ‬
‫قليلة يف ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫فمن مل َير‬ ‫لوف ما رأينا‪َ ،‬‬ ‫خوارق إجراآتِ ِه األساس َّي ِة ُأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫وخصائل غال َي ًة؛ فيرتاءى لنا من‬ ‫َ‬ ‫عالي ًة‪،‬‬
‫يأخذوا ِمئ ًة‬
‫نفسه فيها‪ ،‬ف ْل ُ‬ ‫فليجر ْب َ‬ ‫ِّ‬ ‫هذه اجلزير َة ونَتحدَّ ا ُه؛‬ ‫ُدخل يف عينِ ِه ِ‬
‫العرص السعيدَ ن ُ‬ ‫َ‬ ‫هذا‬
‫مئة ٍ‬
‫جزء‬ ‫سنة هل يتي هلم أن يفعلوا جزءا من ِ‬ ‫فالس َفتِ ِهم و ْليذهبوا إليها و ْليعم ُلوا مئ َة ٍ‬ ‫من ِ‬
‫ُ ً‬ ‫َ سَّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الز ِ‬
‫مان؟!‬ ‫ذلك َّ‬ ‫سنة بالنِّسبة إىل َ‬ ‫مما فع َله ﷺ يف ٍ‬
‫ُ‬

‫الرشح ُة التَّاسع ُة‬


‫َّ‬
‫عوى فيها‬ ‫عي ‪-‬يف َد ً‬ ‫لعاقل أن يدَّ َ‬ ‫ٍ‬ ‫تيس ُر‬
‫البش‪ -‬أنَّه ال َي َّ‬ ‫كنت عار ًفا بسج َّي ِة َ ِ‬ ‫اعلم ‪-‬إن َ‬
‫شري إىل‬ ‫ٍ‬ ‫رج وبال ت ٍ‬ ‫بظهوره‪ ،‬و َأن يقو َله بال َح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُمناظرةٌ‪ -‬كَذ ًبا َي ُ‬
‫اضطراب ُي ُ‬ ‫َردد وبال‬ ‫جل‬
‫صوم ِه النَ َّق ِ‬ ‫أنظار ُخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يان إىل ك َِذبِ ِه‪ ،‬أما َم‬
‫وم ِ‬ ‫وتي ٍج ي ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫شخصا‬‫ً‬ ‫ادة‪ ،‬ولو كان‬ ‫حيلته‪ ،‬وبال تَصنُّ ٍع َ ُّ ُ‬
‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫صغرية‪ ،‬ولو يف‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مجاعة‬ ‫حقرية‪ ،‬ولو يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمكانة‬ ‫ٍ‬
‫صغرية‪ ،‬ولو‬ ‫ٍ‬
‫وظيفة‬ ‫صغريا‪ ،‬ولو يف‬ ‫ً‬
‫خص الذي‬ ‫ِ‬ ‫ثل هذا َّ‬
‫الش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خول اخلالف يف ُمدَّ َع َيات م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َداخ ُل احليلة و ُد ُ‬ ‫يمكن ت ُ‬ ‫فكيف‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫حقرية؛‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حيتاج ِلمن َّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مجاعة‬ ‫عظيمة‪ ،‬ويف‬ ‫ظيم‪ ،‬يف وظيفة َعظيمة‪ ،‬بِحيثية َعظيمة‪َ ،‬‬
‫مع أ َّن ُه ُ‬ ‫وظف َع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هو ُم‬
‫ٍ‬
‫عظيمة؟‬ ‫عوى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مقابل خصومة عظيمة‪ ،‬ويف َمسألة عظيمة‪ ،‬ويف َد ً‬ ‫عظيمة‪،‬‬
‫َخو ٍف وبال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عرتض‪ ،‬وبال تر ُّدد وبال َت ُّر ٍج وبال ت ُّ‬‫بم‬ ‫ٍ‬ ‫يقول ما ُ‬
‫يقول بال مباالة ُ‬ ‫هو ُ‬‫وها َ‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪269‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫ِ‬ ‫صوم ِه‪ ،‬بِ‬
‫طرز يثري أعصاب ُخ ِ‬ ‫خالص ٍة‪ ،‬و َب ٍ‬ ‫صفو ٍة صميم َّي ٍة‪ ،‬وبِجدِّ َّي ٍة‬
‫تزييف‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫اضطراب‪ ،‬وبِ َ‬
‫ٍ‬
‫يمكن ت ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـر ِع َّز ِتم‪ُ ،‬بأ‬ ‫قري ن ِ‬
‫ُفوسهم وك َْس ِ‬ ‫وت ِ‬‫ُعقوهلم َ‬
‫َداخل‬ ‫ُ‬ ‫لوي؛ فهل‬ ‫سلوب َشديد ُع ٍّ‬
‫ِ‬
‫املذكورة؟ كال!‬ ‫مثل هذه احلا َل ِة‬
‫خص‪ ،‬يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫مثل هذا َّ‬
‫الش‬ ‫هذه الدَّ عوى من ِ‬ ‫مثل ِ‬ ‫ِ‬
‫احليلة يف ِ‬
‫﴿ ﭠﭡﭢﭣﭤ ﴾ ‪.‬‬
‫ونظر احلقيقة أعىل من أن ُيد َّل َس عليه‪ ..‬نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫أغنى من أن ُيد ِّل َس‪،‬‬‫احلق ْ‬
‫إن َّ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫باحلقيقة‪..‬‬ ‫ُ‬
‫الخيال‬ ‫نـز ٌه من أن َيلتَبِ َس عليه‬
‫َظر ُه النَّ َّفا َذ ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مسل َك ُه َّ‬
‫َّدليس‪ ،‬ون َ‬ ‫ستغن عن الت‬ ‫احلق ُم‬

‫الرشح ُة العارش ُة‬


‫َّ‬
‫ويبحث عن‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫دهشة‬ ‫حقائق ُم‬
‫َ‬ ‫يبحث عن‬ ‫ُ‬ ‫يقول! ها هو‬ ‫واستمع إىل ما ُ‬ ‫انظر‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫كشف‬ ‫َ‬
‫شوق‬ ‫َّظر؛ إذ من املعلوم َّ‬
‫أن‬ ‫للعقول إىل الد َّق ِة والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫للقلوب‪ ،‬جال َب ٍة‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جاذبة‬ ‫َ‬
‫مسائل‬
‫واللهفة واالهتام ِم إىل فِداء‬ ‫ِ‬ ‫حب االستطال ِع‬ ‫الكثريين من ِ‬ ‫األشياء قد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أهل ِّ‬ ‫َ‬ ‫ساق‬ ‫حقائق‬
‫صف مالِ َك؛ َلن ََـز َل من‬ ‫نصف ُع ُم ِر َك‪ ،‬أو نِ َ‬ ‫َ‬ ‫فديت‬
‫َ‬ ‫لك‪ :‬إن‬ ‫أل ترى أنَّه لو ِقيل َ‬ ‫األرواح‪َ ..‬‬
‫ِ‬
‫ستقبل أ َّي ِام ِك؟ ُأ ُظن َُّك‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحقيقة ُم‬ ‫رب َك‬‫بغرائب َأحواهلام‪ ،‬وخي ُ‬ ‫ِ‬ ‫رب َك‬ ‫شخص خي ُ‬ ‫ٌ‬ ‫مر أو املشرتي‬ ‫ال َق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لعجب! ترىض لدف ِع ما َتتَله ُ ِ‬ ‫بالف ِ‬ ‫ترىض ِ‬
‫تم بام‬ ‫ف إليه بنصف ال ُع ُم ِر واملال‪ ،‬وال َت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫داء؛ فيا َل‬
‫ِ‬
‫االختصاص من‬ ‫هود وتَوات ُُر ِ‬
‫أهل‬ ‫الش ِ‬ ‫أهل ُّ‬ ‫إجماع ِ‬ ‫الـكريم ﷺ ويصـدِّ ق ُه‬ ‫النـبي‬ ‫يقول هـذا‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫القمر يف‬ ‫لطان‪ ،‬ليس‬ ‫شؤون س ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يبحث عن‬ ‫ُ‬ ‫واملحققني! بينام هو‬ ‫ِ‬
‫واألولياء‬ ‫ديقني‬ ‫والص‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫األنبياء ِّ‬
‫ِ‬
‫القناديل التي‬ ‫ألوف من‬ ‫اج من بني ٍ‬ ‫حول ِس ٍ‬ ‫حيوم َ‬ ‫حول َف ٍ‬ ‫يطري َ‬ ‫كذ ٍ‬ ‫مملكتِه إال ُ‬
‫راش‪ ،‬وهذا ُ‬ ‫باب ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عالم هو َم ُّل‬ ‫رب عن ٍ‬ ‫رسجها يف منـزل من بني ألوف منازله الذي أعدَّ ُه لضيوفه‪ ..‬وكذا ُي ُ‬ ‫َأ َ‬
‫األرض وتَطايرت جبا ُلها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫انفلقت‬ ‫ُ‬
‫بحيث لو‬ ‫ٍ‬
‫عجيب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫انقالب‬ ‫ِ‬
‫والعجائب‪ ،‬وعن‬ ‫ِ‬
‫اخلوارق‬
‫شئت فاستمع من لسانِ ِه‬ ‫ِ‬
‫االنقالب؛ فإن َ‬ ‫ِ‬
‫غرائب ذلك‬ ‫اوت ُع ْش َر ِم ْع ِ‬
‫شار‬ ‫حاب ما َس َ‬‫كالس ِ‬
‫َّ‬
‫أمثال السو ِر اجلليلة‪ِ:‬‬
‫َ ُّ َ َ‬
‫﴿‪ ‬ﭑﭒﭓ﴾و﴿‪ ‬ﭑﭒﭓ﴾و﴿‪ ‬ﭩﭪﭫﭬ﴾و﴿‪ ‬ﭜ﴾‪.‬‬

‫اب بال‬ ‫ِ‬


‫كقطرة َس ٍ‬ ‫بالنسبة ِ‬
‫إليه َّ‬
‫إل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫مستقبل الدُّ نيا‬ ‫ليس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مستقبل‪َ ،‬‬ ‫بصدق عن‬ ‫رب‬
‫وكذا خي ُ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪270‬‬
‫سعادة‪ ،‬ليست سعاد ُة الدُّ نيا بالن ِ‬
‫ٍ‬ ‫بشر عن ُش ٍ‬
‫هود بِ‬ ‫ٍ‬ ‫طائل بالنسبة إىل ٍ‬
‫ٍ‬
‫ِّسبة‬ ‫ساحل؛ وكذا ُي ِّ ُ‬ ‫بحر بال‬
‫شمس رسمد َّي ٍة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫زائل بالن ِ‬
‫ِّسبة إىل‬ ‫إل ٍ‬
‫كبرق ٍ‬ ‫إليها َّ‬

‫الرشح ُة احلادي َة عرش َة‬


‫َّ‬
‫أعجب؛ والبدَّ‬ ‫أمور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حجاب ِ‬‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َنتظرنا ٌ‬
‫واألرسار‪ -‬ت ُ‬ ‫العجائب‬ ‫الكائنات ‪-‬ذات‬ ‫هذه‬ ‫حتت‬‫إن َ‬
‫َشف من أحوالِ ِه أ َّن ُه‬ ‫ٍ‬
‫خارق ُيست ُّ‬ ‫ٍ‬
‫عجيب‬ ‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫ِ‬
‫واخلوارق من‬ ‫ِ‬
‫العجائب‬ ‫ِ‬
‫لإلخبار عن َ‬
‫تلك‬
‫رب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫برص ثم ُيخ ُ‬
‫يشاهدُ ثم َيشهدُ ‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُشاهدُ من شؤونِ ِه و َأ ِ ِ‬
‫نعم‪ ،‬ن ِ‬
‫رب عن‬ ‫بش‪ ،‬وك ََذا ُيخ ُ‬ ‫طواره أ َّن ُه ُيشاهدُ ُث َّم َي َ‬
‫شهدُ ف ُينذ ُر و ُي ِّ ُ‬
‫والباطنة‪ -‬و َمطالبِه منَّا وهكذا‪..‬‬‫ِ‬ ‫ات رب العالمين ‪-‬الذي غمرنا بنع ِم ِه ال َّظ ِ‬
‫اهرة‬ ‫مرضي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َّ‬
‫بالهة ِ‬
‫أكثر الن ِ‬
‫َّاس!‬ ‫ِ‬ ‫الني! ويا عج ًبا من‬ ‫الض َ‬ ‫الغافلني! ويا خسار ًة عىل َّ‬ ‫َ‬ ‫فيا حرس ًة عىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هيتمون بكال ِم هـذا الن ِّ‬
‫َّبي‬ ‫احلـقـيـقـة؟ ال‬ ‫هـذه‬ ‫احلـق وتصا ُّموا عـن‬‫كيف تعا َموا عن هـذا ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫سـر ُع إليه برتك الدُّ نيا وما فيها؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن من َش ْأ ِن مثله أن ُت ْفدى ل ُه‬
‫الكريم ﷺ مع َّ‬
‫ِ‬
‫األرواح و ُي َ‬
‫ُ‬

‫الرشح ُة ال َّثاني َة عرش َة‬


‫َّ‬
‫املشهور يف العامل بشؤونِ ِه‬
‫ُ‬ ‫الكريم ﷺ ‪-‬املشهو ُد لنا بشخصيتِه املعنو َّي ِة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫النبي‬
‫أن هذا َّ‬ ‫اعلم َّ‬
‫بدرجة ح َّقانِي ِة الت ِ‬
‫َّوحيد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حق‬ ‫ودليل ٍّ‬‫ُ‬ ‫صاد ٌق عىل الوحدان َّي ِة‪،‬‬ ‫ناطق ِ‬ ‫ٌ‬
‫برهان ٌ‬ ‫ال ُعلو َّي ِة‪ -‬كام أ َّن ُه‬
‫َّ‬
‫سبب‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫السعادة األبدية؛ بل كام أ َّن ُه بدعوته وهبدايته ُ‬ ‫ساطع عىل َّ‬
‫ٌ‬ ‫ودليل‬ ‫قاطع‬
‫ٌ‬ ‫برهان‬ ‫كذلك هو‬
‫تلك الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫عائ ِه ُ‬
‫ووسيلة وصوهلا‪ ،‬كذلك بِدُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عادة األبد َّي ِة‬‫حصول الس ِ‬ ‫ِ‬
‫عادة‬ ‫سبب وجود َ َّ‬ ‫وعبود َّيته ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫األبد َّي ِة‬
‫مبحث احلرش‪.‬‬ ‫الرس الذي ور َد يف‬ ‫ُكر ُر هذا َّ‬ ‫ووسيلة إجيادها؛ وملناس َبة املقا ِم ن ِّ‬
‫رت هذه اجلزير َة‬ ‫بعظمة ُو ْس َعتِها ص َّي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصالة الكُربى‪ ،‬التي‬ ‫فانظر إليه وهو يف‬
‫ْ‬ ‫شئت‬
‫فإن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلامعة‬ ‫انظر إنّه ُيصيل تلك الصال َة هبذه‬ ‫بتلك الصالة الكُربى‪ ..‬ثم ْ‬ ‫يـن َ‬ ‫األرض ُمص ِّل َ‬
‫َ‬ ‫بل‬
‫ِ‬
‫أفاضل‬ ‫جميع‬
‫ُ‬ ‫قتدين بِ ِه‬
‫َ‬ ‫ف خل َف ُه‪ُ ،‬م‬ ‫ِ‬
‫عرصه واص َط َّ‬ ‫ِ‬
‫حمراب‬ ‫إمام يف‬ ‫ٍ‬
‫ال ُعظمى‪ ،‬بدرجة كأ َّن ُه هو ٌ‬

‫ُ‬
‫اخلامسة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة‬ ‫ُ‬
‫الكلمة العارشةُ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪271‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السالم إىل هذا العرص إىل ِ‬
‫ؤتم َ‬ ‫األعصار ُم ِّ‬ ‫صفوف‬ ‫آخر الدُّ نيا يف‬ ‫ُ‬ ‫بني آد َم‪ ،‬من آد َم عليه‬
‫اجلامعة‪ ..‬فها هو‬ ‫ِ‬ ‫بتلك‬‫الصالة َ‬‫ِ‬ ‫فعل يف تلك‬ ‫استمع إىل ما َي ُ‬ ‫دعائ ِه؛ ثم‬
‫به وم َؤمنيـن عىل ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ ِّ َ‬
‫كل‬ ‫السام ُء بل ُّ‬ ‫األرض بل َّ‬ ‫ُ‬ ‫دعائ ِه‬
‫تشرتك معه يف ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫عظيمة عا َّم ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شديدة‬ ‫ٍ‬
‫لحاجة‬ ‫َيدعو‬
‫أيضا بل مع مجي ِع ما‬ ‫األحوال‪ :‬نعم يا ربنا تَق َّب ْل ُدعا َء ُه؛ فنحن ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بألسنة‬ ‫َ‬
‫فيقولون‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪،‬‬
‫َرضعاتِ ِه‬ ‫ِ‬
‫انظر إىل َطوره يف َطرز ت ُّ‬
‫ِِ‬
‫هو‪ ..‬ثم ْ‬ ‫يطلب َ‬ ‫ُ‬ ‫حصول ما‬ ‫َ‬ ‫نطلب‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أسامئ َك‬ ‫تج َّلى علينا من‬
‫ُ‬
‫بحيث‬ ‫حمبوبية ح ٍ‬
‫زينة؛‬ ‫ٍ‬ ‫ميق‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬
‫وبحزن َع ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شديد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫اشتياق‬ ‫عظيم‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بافتقار‬ ‫ترض ُع؛‬
‫َ‬ ‫كيف َي َّ‬ ‫َ‬
‫ترضع؟ ها هو‬ ‫وغ ٍ‬
‫اية َي‬ ‫قصد َ‬ ‫دعائ ِه؛ ثم انظر ألي م ٍ‬ ‫رشكُها يف ِ‬ ‫الكائنات ف ُيبكيها ف ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُيه ِّي ُج بكا َء‬
‫ُ‬ ‫ْ ِّ َ‬
‫ِ‬
‫املخلوقات إىل‬ ‫كل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬بل العاملُ‪ ،‬بل ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املقصد َل َس َق َط‬ ‫حصول َ‬
‫ذاك‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ملقصد لوال‬ ‫يدعو‬
‫ِ‬
‫كامالتا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫مقامات‬ ‫املوجودات إىل‬
‫ُ‬ ‫سافلني ال قيم َة هلا وال معنى‪ ،‬وبمطلوبِ ِه تتر َّقى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫أسفل‬

‫حزين‪ ،‬بحيث‬ ‫ٍ‬ ‫بتو ُّد ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬


‫يترضع باستمداد َمديد‪ ،‬يف غياث َشديد‪ ،‬يف اسرتحا ٍم َ‬ ‫ُ‬ ‫انظر كيف‬
‫ثم ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫هم‬ ‫آمني ال َّل َّ‬
‫تقول‪َ :‬‬ ‫والساموات ُ‬ ‫َ‬
‫العرش‬ ‫والساموات‪ ،‬و ُيه ّيج َو ْجدها‪ ،‬حتى َّ‬
‫كأن‬ ‫َ‬
‫العرش‬ ‫سم ُع‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العليم‬ ‫وم َن‬ ‫الكريم ِ‬
‫ِ‬ ‫السمي ِع‬ ‫ِ‬ ‫يطلب َمسؤو َل ُه؛ نعم‪ ،‬يطلب ِمن‬
‫القدير َّ‬ ‫ُ‬ ‫آمني‪ ..‬ثم انظر ممن‬
‫ِ‬
‫بقضاء‬ ‫حاجة؛ إذ ُيي ُب ُه‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حيوان يف أخفى‬ ‫حيم‪ ،‬الذي يسمع أخفى د ٍ‬
‫عاء ِمن َأخفى‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫البصيـر َّ‬
‫غاية‪ ،‬إذ يوص ُله إليها من‬ ‫حياة يف أدنى ٍ‬ ‫باملشاهدة‪ ،‬وكذا يبرص أدنى أم ٍل يف أدنى ذي ٍ‬
‫ِ‬ ‫حاجتِ ِه‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ريب يف‬ ‫طرز ُم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رحم بصورة حكيمة‪ ،‬وبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫نتظم‪ ،‬ال يبقى ٌ‬ ‫كرم و َي ُ‬
‫تسب باملشاهدة‪ ،‬و ُي ُ‬‫حيث ال َي ُ‬
‫ٍ‬
‫حكيم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصري‬ ‫والتدبري من سمي ٍع ٍ‬
‫عليم ومن‬ ‫أن هذه الرتبي َة‬
‫َّ‬
‫َ‬

‫الرشح ُة الثالث َة عرش َة‬


‫َّ‬
‫ِ‬
‫أفاضل بني آد َم‬ ‫وج َمع خل َف ُه َ‬
‫مجيع‬ ‫األرض‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫يطلب هذا الذي قا َم عىل‬ ‫ُ‬ ‫لعجب!‪ ..‬ما‬ ‫ِ‬ ‫فيا َل‬
‫قالن؛ و ُيع َل ُم من شؤونِ ِه‬ ‫عظم يدعو دعاء َيؤمن ِ‬
‫عليه ال َّث ِ‬
‫ُ ً ِّ ُ‬ ‫العرش األَ ِ‬
‫ِ‬ ‫توجها إىل‬
‫ورفع يديه ُم ً‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ستشف ُع‬ ‫آن‪ ،‬و َي‬ ‫ِ‬
‫الكائنات يف ك ُِّل ٍ‬ ‫مان‪ ،‬و َفخر ِ‬
‫هذه‬ ‫والز ِ‬
‫الكون َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وفريدُ‬ ‫رف نو ِع‬ ‫أ َّن ُه َش ُ‬
‫ُ‬
‫تلك األسام ُء‬ ‫وتطلب َ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪ ،‬بل تدعو‬ ‫ِ‬
‫املتجلية يف مرايا‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫الق ِ‬
‫دسية‬ ‫ِ‬
‫األسامء ُ‬ ‫بجمي ِع‬
‫ُ‬
‫والرضا؛ فلو مل يوجد ماال‬ ‫يطلب البقا َء واللقا َء واجلن َة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫هو‬
‫فاستمع! ها َ‬
‫ْ‬ ‫ب هو؛‬ ‫عين ما يط ُل ُ‬ ‫َ‬
‫واحلكمة والعدالةِ‬
‫ِ‬ ‫والعنايةِ‬ ‫محة ِ‬‫األبدية من الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلعطاء السعادةِ‬ ‫األسباب املوجبةِ‬
‫ِ‬ ‫ُيعدُّ من‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كونا رمح ًة وعناي ًة وحكم ًة وعدا َل ًة عىل وجود اآلخرة‪ -‬وكذا ُ‬
‫مجيع‬ ‫ف ُ‬ ‫املشهودات ‪-‬املتو ِّق ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪272‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دسية أسبا ًبا ُمقتضي ًة هلا‪َ ،‬لكَفى دعا ُء هذا َّ‬ ‫الق ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّوراين ل ْن َ‬
‫يبني ر ُّبه ل ُه‬ ‫خص الن ِّ‬ ‫الش‬ ‫األسامء ُ‬
‫بمعجزات مصنوعاتِ ِه؛ فكام‬
‫ِ‬ ‫كل ربي ٍع ِجنانًا ُمز َّين ًة‬ ‫نشئ لنا يف ِّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وألبناء جنسه اجلنَّ َة‪ ،‬كام ُي ُ‬
‫دعاؤ ُه يف‬ ‫صار‬ ‫َ‬ ‫لالمتحان والع ِ‬ ‫ِ‬ ‫لفتح هذه الدَّ ِار الدُّ نيا‬
‫صارت رسا َل ُت ُه سب ًبا ِ‬
‫ُ‬ ‫كذلك َ‬ ‫بودية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫واملجازاة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للمكافآت‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫لفتح ِ‬
‫دار‬ ‫عبوديتِ ِه سب ًبا ِ‬
‫ِ‬
‫احلسنة‬ ‫الواسعة‪ ،‬يف هذه الص ِ‬
‫نعة‬ ‫ِ‬ ‫الفائق‪ ،‬يف هذه الر ِ‬
‫محة‬ ‫االنتظام‬ ‫مكن أن َيق َب َل هذا‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فهل ُي ُ‬
‫ِ‬
‫اإلمكان‬ ‫بـ«ليس في‬ ‫ِ‬
‫والعقل‬ ‫أهل الت ِ‬
‫َّحقيق‬ ‫أنطق َ‬ ‫ٍ‬
‫‪-‬بدرجة َ‬ ‫بح‬ ‫ِ‬
‫اجلامل بال ُق ٍ‬ ‫بال ُق ٍ‬
‫صور‪ ،‬يف هذا‬
‫َ‬
‫عظيم؛‬ ‫ٍ‬ ‫ش‬‫َشو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شني‪ ،‬و ُظ ٍ‬‫بح َخ ٍ‬ ‫احلقائق إىل ُق ٍ‬ ‫كان»(‪ -)1‬أن تتغيـر ِ‬ ‫أبدع مما َ‬
‫وحش‪ ،‬وت ُّ‬ ‫لم ُم‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بأمهية‬ ‫بولا‬‫حاج ٍة و َق ُ‬ ‫صوت من أدنى َخ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أي بعد ِم‬
‫لق يف أدنى َ‬ ‫سامع أدنى‬ ‫ُ‬ ‫اآلخرة؟ إذ‬ ‫جميء‬ ‫ْ‬
‫ول‪ ،‬يف‬ ‫سؤ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تامة‪ ،‬مع عد ِم سام ِع أرف ِع صوت و ُدعاء يف أشدِّ حاجة‪ ،‬وعد ِم َق ُب ِ‬ ‫ٍ‬
‫أحسن َم ُ‬ ‫ول‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أمجل ٍ‬‫ِ‬
‫وكل‪ ..‬ال‬ ‫صور‪ ،‬حاشا ُث َّم حاشا َّ‬ ‫صور ال يساويه ُق ٌ‬ ‫بح و ُق ٌ‬ ‫قبح ليس مث َل ُه ُق ٌ‬ ‫أمل ورجاء؛ ٌ‬
‫ِ‬
‫املحض‪.‬‬ ‫الق ِ‬
‫بح‬ ‫مثل هذا ُ‬ ‫ور َ‬ ‫ِ‬
‫املشهود بال ُق ُص ٍ‬ ‫ِ‬
‫اجلامل‬ ‫مثل هذا‬ ‫قبل ُ‬ ‫َي ُ‬

‫أردت اإلحاط َة فال‬


‫َ‬ ‫رأيت؟ ْ‬
‫فإن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يكفيك ما‬ ‫أل‬ ‫ِ‬
‫العجيبة‪َ ،‬‬ ‫هذه الس ِ‬
‫ياحة‬ ‫فيا رفيقي يف ِ‬
‫ِّ‬
‫واحد من ِم ِئة‬
‫ٍ‬ ‫َّظر بج ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زء‬ ‫يمكن‪ ،‬بل لو بقينا يف هذه اجلزيرة مئ َة سنة ما أح ْطنا وال َم َل ْلنا من الن ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب إِجراآته‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب وظائفه‪ ،‬وغرائ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جزء من عجائ ِ‬

‫واستفاض ْت‬
‫َ‬ ‫صور‬
‫اخضر ْت تلك ال ُع ُ‬ ‫َّ‬ ‫كيف‬
‫عرصا‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫عرصا‬
‫ً‬ ‫َف ْلنرج ِع ال َقهقرى‪ ،‬و ْلن ْ‬
‫َنظر‬
‫ِ‬ ‫عرص َتر ِ‬ ‫ِ‬
‫عرص‬ ‫ِ‬
‫بشمس‬ ‫أزاهير ُه‬
‫ُ‬ ‫انفتحت‬
‫ْ‬ ‫عليه قد‬ ‫ٍ ُّ‬ ‫العصـر؟ نعم‪ ،‬تَرى َّ‬
‫كل‬ ‫فيض هذا‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫نيد‬ ‫يزيد البِسطامي(*) واجل ِ‬ ‫والشافعي(*) وأيب ٍ‬ ‫أمثال أيب حنيف َة َّ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫عرص من‬ ‫وأثمر ُّ‬ ‫الس ِ‬
‫عادة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫والشاه النَّقش َبند(*) واإلما ِم‬‫ِ‬ ‫الكيالين(*)‪ ..‬واإلمام الغزايل‬ ‫ِ‬
‫القادر‬ ‫ِ‬
‫والشيخ عبد‬ ‫البغدادي‬
‫(*)‬
‫ِّ‬
‫(*)‬
‫ِّ‬
‫ُّوراين؛ فلن َُؤ ِّخر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيض هداية َ‬
‫ذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الرباين ون ِ‬
‫خص الن ِّ‬ ‫الش‬ ‫ألوف ثمرات ُم َّنورات من‬ ‫َ‬ ‫َظائرهم‬ ‫ِّ‬
‫ُّوراين‬ ‫ِ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫ُصل ونُس ِّل ْم عىل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تَفصيالت َمشهوداتنا يف ُرجوعنا إىل وقت آخر‪ ،‬و ْلن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذات الن ِّ‬
‫قسم من معجزاتِ ِه‪:‬‬ ‫ُشري إىل ٍ‬ ‫وسال ٍم ت ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلادي‪ ،‬ذي املعجزات بصلوات َ‬
‫ِ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الغزايل‪ ،‬إحياء علوم الدين ‪258/4‬؛ الذهبي‪ ،‬سري أعالم النبالء ‪337/19‬؛ الشعراين‪ ،‬الطبقات الكربى ‪105/2‬؛‬
‫املناوي‪ ،‬فيض القدير ‪.495/4 ،224/2‬‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪273‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫الرحيم م َن الْ َع ْرش الْ َ‬ ‫الر ْحن َّ‬ ‫يم ِم َن َّ‬ ‫ك ُ‬ ‫َ َ َ ُ َ َ َ ُْ آُ ْ‬
‫ال َ‬
‫يم‬
‫ِ‬ ‫ظ‬‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نـزل علي ِه القر�ن‬ ‫عل م ن أ ِ‬
‫أنفاس َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ّ َ ُ َ َّ ُ‬
‫أم ِت ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ألف صل ٍة وسلمٍ بِعد ِد‬ ‫س ِي ِدنا مم ٍد ألف ِ‬
‫ُ َ َّ ُ ُ َ ُّ ُ ُ َ َ َّ َ ُ ُ َّ ْ ْ َ َ ُ‬ ‫َّ ْ َ ُ َ ْ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫اصات‬ ‫الره‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫الز‬ ‫و‬ ‫ور‬ ‫ب‬ ‫الز‬ ‫و‬ ‫يل‬ ‫جن‬
‫ال ِه اتلوراة و ِ‬
‫ال‬ ‫ش بِ ِرس ِ‬ ‫عل من ب‬
‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫انش َّق بإ َش َ‬ ‫ّ َ َ ُ ََ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ ُ‬
‫ارتِ ِه الق َم ُر‪َ ..‬س ِي ِدنا م َّم ٍد ألف ألف‬ ‫ِِ‬ ‫شو‬ ‫ال ِن وكوا ِهن الب ِ‬ ‫وهواتِف ِ‬
‫َص َلة َو َس َل ب َع َدد َح َسنَات َّ‬
‫أم ِت ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مٍ ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ْ َ َ ُ َ َ َّ ُ ْ َ َ َ ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ َ ُ َ َ َ َ‬ ‫ََ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫امة‬ ‫ـزل ُس َعة بِ ُد َعئِ ِه المطر‪ ،‬وأظلته الغم‬ ‫لع َوتِ ِه الشجر‪ ،‬ون‬ ‫عل من جاءت ِ‬
‫اء من بَني َ‬ ‫ْ‬
‫َََ َ‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫آ‬ ‫َ‬
‫اع من ط َ‬ ‫ال َ ّر‪َ ،‬و َشبَ َع من َ‬ ‫َ ْ‬
‫أصابِ ِع ِه‬ ‫ِ‬ ‫ش‪َ ،‬ونبع الم ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬ ‫ِمن ِ‬
‫ْ‬
‫َ ْ َ ْ َ َ َ َ َّّ َ ُ َّ َّ َ َّ ْ َ َ ّ ْ َ َ ْ َ َ ّ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ‬
‫ذل َراع‬ ‫الذع وا ِ‬ ‫ذلئب و ِ‬ ‫ات كلكوث ِر‪ ،‬وأنطق الل ل الضب والظب وا ِ‬ ‫ثلث مر ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ‬
‫ب ال ِمع َراج َو َما َزاغ الَ َص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اح‬‫ِ‬
‫ج َر‪َ ..‬‬
‫ص‬ ‫الش َ‬ ‫والمل والبل والجر والمدر و‬
‫َُْ َ َّ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ ُ ّ ُ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫وف المتش ِك ِة ِف‬ ‫ك الر ِ‬ ‫ألف صل ٍة وسلمٍ بِعد ِد ِ‬ ‫س ِي ِدنا َوش ِفي ِعنا مم ٍد ألف ِ‬
‫ك كِ َم ٍة ِم َن‬
‫َ َ َ ُّ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ُّ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ّ َ ْ َّ ْ‬ ‫الْ َ َ‬
‫ات الهوا ِء ِعند قِراء ِة ِ‬ ‫ات المتم ِثل ِة بِإِذ ِن الرح ِن ِف مرايا تموج ِ‬ ‫كم ِ‬ ‫ِ‬
‫ار َحنَا يَا إل َ َهناَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الز َمان َواغ ِف ْر لا َو ْ‬ ‫ـزول إل � ِخر َّ‬ ‫آ‬ ‫َ‬ ‫َّ ُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫آ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ئ ِمن أو ِل انل ِ‬ ‫ار ٍ‬ ‫كق ِ‬ ‫القر� ِن ِمن ِ‬
‫نها‪� ..‬آم َ‬ ‫ك ّل َص َلة م َ‬ ‫ُ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫بِ ِ‬

‫أعاظم‬ ‫َّف يف ِ‬
‫بيانا‬ ‫ِ‬
‫األمحدية ال تُعدُّ وال ُتدُّ ‪ ،‬ولقد صن َ‬ ‫دالئل الن ِ‬
‫ُّبوة‬ ‫َ‬ ‫[اعلم َّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫رسالة‬ ‫الش ِ‬
‫مس يف‬ ‫ٍ‬
‫عاعات من تلك َّ‬ ‫املحققني؛ وأنا مع َعجزي و ُق ُصوري قد ب َّي ُ‬
‫نت ُش‬ ‫َ‬
‫نت‬ ‫عرش»‪ ،‬وكذا ب َّي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫امة ُ‬ ‫ُركية مس ٍ‬
‫ت ٍ‬
‫َّاسع َ‬
‫«املكتوب الت َ‬ ‫َّبي ﷺ» ويف‬ ‫بـ«شعاعات معرفة الن ِّ‬ ‫ُ َّ‬
‫القاص إىل‬ ‫ِ ِ‬ ‫بفهمي‬
‫َ‬ ‫أرشت‬
‫ُ‬ ‫إعجاز معجزتِ ِه الكُربى (أي القرآن) وقد‬ ‫ِ‬ ‫إمجال وجو َه‬ ‫ً‬
‫نت من تلك‬ ‫ِ‬
‫رسالة «ال َّلوامعِ»‪ ،‬وقد ب َّي ُ‬ ‫ِ‬
‫القرآن يف‬ ‫ِ‬
‫إعجاز‬ ‫ِ‬
‫وجوه‬ ‫وجها من‬ ‫أربعني‬
‫ً‬
‫أربعني صحيف ًة من تفسريي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫مقدار‬ ‫الفائقة الن ُ‬
‫َّظمية يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البالغة‬ ‫الوجوه واحدً ا وهو‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الثالثة‪.]..‬‬ ‫ِ‬
‫الكتب‬ ‫شئت فارجع إىل ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز»‪ ،‬فإن َ‬ ‫ِ‬
‫بـ«إشارات‬ ‫املسمى‬
‫يب َّ‬ ‫العر ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪274‬‬

‫الرابع َة عرش َة‬


‫الرشح ُة َّ‬
‫َّ‬
‫ثبت النُّبو َة األمحدي َة‬ ‫ِ‬
‫املعجزات واملعجز ُة الكُربى ُي ُ‬ ‫بحر‬ ‫َ‬ ‫اعلم َّ‬
‫الكريم الذي هو ُ‬‫َ‬ ‫القرآن‬ ‫أن‬
‫كل ب ٍ‬
‫رهان‬ ‫براهني و ُي ِرب ُز أد َّل ًة تُغني عن ِّ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ويسوق‬ ‫ججا‬
‫ويقيم ُح ً‬
‫ُ‬ ‫والوحداني َة اإلهلي َة إثباتًا‪،‬‬
‫تساؤ ًل‬
‫أثارت ُ‬ ‫ِ‬
‫إعجازه َ‬
‫تلك التي‬ ‫ٍ‬
‫لمعات من‬ ‫ُشري إىل‬ ‫ِِ‬
‫ْ‬ ‫ثم ن ُ‬ ‫سنشري إىل تعريفه‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فنحن هنا‬
‫ُ‬ ‫آخر‪،‬‬
‫َ‬
‫ف ر َّبنا لنا‪:‬‬‫يعر ُ‬
‫احلكيم الذي ِّ‬
‫ُ‬ ‫فالقرآن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البعض‪،‬‬ ‫لدى‬
‫لآليات التَّكوين َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أللسنَتِها الت ِ‬
‫َّاليات‬ ‫َّمجان األبدي ِ‬
‫ُّ‬ ‫الكائنات والت ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّمجة األزلي ُة ِ‬
‫هلذه‬ ‫َّ‬ ‫هو الت ُ‬
‫اموات‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ملخفيات ِ‬ ‫ِ‬ ‫العالِ‪ ..‬وكذا هو َّ‬ ‫كتاب َ‬ ‫فس ُر ِ‬
‫كنوز األسامء املسترتة يف صحائف َّ‬ ‫اف‬ ‫كش ٌ‬ ‫و ُم ِّ‬
‫سان‬ ‫احلادثات‪ ..‬وكذا هو لِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫رة يف ُس ِ‬
‫طور‬ ‫ؤون الم ْضم ِ‬
‫ُ َ‬
‫الش ِ‬ ‫حلقائ ِق ُّ‬ ‫ِ‬ ‫مفتاح‬
‫ٌ‬ ‫واألرض‪ ..‬وكذا هو‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫وااللتفاتات‬ ‫السبحان َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الش ِ‬ ‫ـم َّ‬ ‫الغيب يف عا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫خزينة املخاطبات األزل َّية ُّ‬ ‫هادة‪ ..‬وكذا هو‬
‫اإلسالمي‪ ..‬وكذا‬ ‫ِّ‬ ‫املعنوي‬
‫ِّ‬ ‫وشمس هلذا العاملِ‬ ‫ٌ‬ ‫أساس وهندس ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫الرمحان َّي ِة‪ ..‬وكذا هو‬ ‫ِ‬
‫األبد َّية َّ‬
‫ٌ‬
‫َرمجان‬ ‫قاطع وت‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وبرهان‬ ‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫َفسري‬
‫شارح وت ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫خروي‪ ..‬وكذا هو ٌ‬
‫قول‬ ‫ِّ‬ ‫ـم األُ‬ ‫خريطة للعا َل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫ِ‬
‫وكاملاء‬ ‫اإلنساين‪..‬‬ ‫ـم‬ ‫رب للعا َل ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ساط ٌع لذات اهلل وصفاته وأسامئه وشؤونه‪ ..‬وكذا هو ُم ٍّ‬
‫البرش‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫احلكمة احلقيق َّي ُة لنو ِع‬ ‫ُ‬ ‫ياء لإلنسان َّي ِة الكُربى التي هي اإلسالم َّي ُة‪ ..‬وكذا هو‬ ‫وكالــض ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كذلك هو‬ ‫َ‬ ‫رشيعة‬ ‫البشر َل ُه‪ ..‬وكذا هو لإلنسان‪ :‬كام أ َّن ُه ُ‬
‫كتاب‬ ‫ُ‬ ‫لق‬‫وهو املرشدُ اهلادي إىل ما ُخ َ‬
‫ذكر‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫َ‬ ‫وعبود َّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أمر و َدعوة‪ ،‬وكام أ َّن ُه ُ‬ ‫كذلك هو ُ‬ ‫كتاب دعاء ُ‬ ‫كتاب حكمة‪ ،‬وكام أ َّن ُه ُ‬ ‫ُ‬
‫حاجات‬ ‫ِ‬ ‫لة مجي ِع‬ ‫فيه كُتب كثري ٌُة يف مقاب ِ‬ ‫فكر‪ ،‬وكام أ َّنه كتاب واحدٌ ‪ ،‬لكن ِ‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫كذلك هو‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أبرز‬ ‫سائ ِل؛ حتَّى إ َّن ُه َ‬ ‫ُتب والر ِ‬ ‫شحون بالك ِ‬ ‫ٍ‬ ‫س َم‬ ‫كمنـزل ُمقدَّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هو‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫كذلك َ‬ ‫املعنوية‪،‬‬ ‫اإلنسان‬
‫أهل املسالِ ِك املتباين َِة‬ ‫واحد من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫سلك ِّ‬‫املختلفة‪ ،‬ولم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املشارب‬ ‫واحد من ِ‬
‫أهل‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ملرشب ِّ‬ ‫ِ‬
‫وتنوير ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قني رسال ًة الئق ًة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرشب‬ ‫ذلك‬‫ملذاق َ‬ ‫يقني ومن العرفاء واملح ِّق َ‬ ‫من األولياء والصدِّ َ‬
‫سائل‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫جمموعة َّ‬ ‫ُ‬ ‫وتصوير ِه حتَّى كأ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسلك‬ ‫ذلك‬ ‫وملساق َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫البالغة‪:‬‬ ‫نقصا في‬ ‫ِ‬
‫تكرارات ال ُق ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيان ِ‬
‫فانظر إلى ِ‬
‫القاصرون ً‬
‫َ‬ ‫يتوهمها‬
‫ُ‬ ‫رآن التي‬ ‫اإلعجاز في‬ ‫لمعة‬ ‫ْ‬
‫أحسن‬ ‫َكرار ُه‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كر‪ ،‬وكتاب د ٍ‬ ‫كتاب ِذ ٍ‬ ‫َ‬ ‫اعلم َّ‬
‫َ‬ ‫يكون ت ُ‬ ‫دعوة‪،‬‬ ‫وكتاب‬
‫ُ‬ ‫عاء‪،‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫القرآن أل َّن ُه‬ ‫أن‬
‫كر ُر‪ ،‬والدُّ عا ُء ُير َّد ُد‪ ،‬والدَّ عو ُة تُؤ َّكدُ ‪ ،‬إذ‬
‫الذكر ُي َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫القارصون‪ ،‬إذ‬ ‫وليس كام َظنَّ ُه‬ ‫َ‬
‫وأبلغ بل ألز َم‪َ ،‬‬
‫عوة تأكيدٌ ‪.‬‬ ‫تكرار الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫تقرير ويف‬ ‫ترديد الدُّ ِ‬
‫عاء‬ ‫ِ‬ ‫تنوير ويف‬ ‫الذ ِ‬ ‫ِ‬
‫تكرير ِّ‬
‫ٌ‬ ‫كر ٌ‬ ‫يف‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪275‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫القرآن الذي هو دوا ٌء وشفا ٌء ِّ‬
‫لكل‬ ‫ِ‬ ‫أحد يف كل ٍ‬
‫وقت قراء ُة متا ِم‬ ‫لكل ٍ‬ ‫يمكن ِ‬ ‫واعلم أنَّه ال‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫أكثر ُس َو ِر ِه؛ ال س َّيام‬
‫املقاصد القرآن َّي ِة يف ِ‬
‫ِ‬ ‫أكثر‬
‫الرحيم َ‬
‫ُ‬ ‫الحكيم‬
‫ُ‬ ‫وقت؛ فلهذا أ ْد َر َج‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أحد يف ِّ‬
‫أحد‪ ،‬دون أن‬ ‫لكل ٍ‬ ‫السبيل ِ‬
‫َ‬ ‫فسهل‬ ‫ٍ‬ ‫صارت ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫صغريا‪َّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫سورة قرآنًا‬ ‫كل‬ ‫الطـويلة مـنها‪ ،‬حتَّى َ‬
‫ِ‬ ‫َي ِ‬
‫السالم‪.‬‬ ‫واحلشـر وقص َة موسى عليه َّ‬ ‫َ‬ ‫فكر َر التَّوحيدَ‬
‫حر َم أحدً ا‪َّ ،‬‬
‫احلاجات املعنو َّي ُة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األوقات؛ كذلك‬ ‫احلاجات ِ‬
‫اجلسامن َّي َة خمتلف ٌة يف‬ ‫ِ‬ ‫أن‬‫اعلم أنَّه كام َّ‬
‫ِ‬
‫اجلسم‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كحاجة‬ ‫ِ‬
‫للروح‬ ‫اهلل»‬ ‫كل ٍ‬ ‫قسم يف ِّ‬ ‫األوقات؛ فإىل ٍ‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان َّي ُة ً‬
‫كـ«هو ُ‬ ‫َ‬ ‫آن‬ ‫خمتلفة‬ ‫أيضا‬
‫ِ‬
‫والكلامت‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫فتكرار‬ ‫فقس؛‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قسم يف ِّ‬‫اهلواء‪ -‬وإىل ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫كـ«بسم اهلل» وهكذا ْ‬ ‫ساعة‬ ‫كل‬ ‫إىل‬
‫ِ‬
‫االحتياج‬ ‫رق‬‫ولتنبيه ِع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االحتياج إليها‪،‬‬ ‫ولإلشارة إىل شدَّ ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االحتياج‪،‬‬ ‫َكر ِر‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫إذن للداللة عىل ت ُّ‬
‫األغذية املعنو َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫االحتياج إىل َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اشتهاء‬ ‫ِ‬
‫ولتحريك‬ ‫ِ‬
‫االحتياج‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وللتشويق عىل‬ ‫وإيقاظ ِه‪،‬‬
‫ِ‬

‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وأساسات هلذا العا َل ِ‬
‫ـم‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املتني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العظيم‬ ‫مؤس ٌس هلذا الدِّ ِ‬
‫ين‬ ‫َ‬
‫القرآن ِّ‬ ‫اعلم َّ‬
‫أن‬ ‫ْ‬
‫أسئلة الطبقاتِ‬
‫ِ‬ ‫البرش ومحو ُلـها ومبدِّ ُلـها‪ ،‬وجواب ملكرراتِ‬ ‫ِ‬
‫َّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫َُ‬ ‫ِ ُ ِّ‬ ‫ب الجتامعيات‬ ‫ومق ِّل ٌ‬
‫ِ‬
‫للتثبيت‪ ،‬ومن‬ ‫س من الت ِ‬
‫َّكرير‬ ‫للمؤس ِ‬ ‫ِ‬
‫واألحوال‪ ..‬والبدَّ‬ ‫ِ‬
‫األقوال‬ ‫ِ‬
‫بألسنة‬ ‫املختلفة للبرش َّي ِة‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫للتقرير والت ِ‬
‫َّأييد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َأكيد‪ ،‬ومن الت ِ‬
‫َّكرار‬ ‫ديد للت ِ‬ ‫الت ِ‬ ‫َّ‬
‫حقائق‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن هبا‪ ،‬وعن‬ ‫القلوب إىل‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة ويدعو‬ ‫َ‬
‫مسائل‬ ‫ُ‬
‫يبحث عن‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫اعلم َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫أفكار العا َّم ِة من‬
‫ِ‬ ‫القلوب وتَثبيتِها يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتقريرها يف‬ ‫العقول إىل معرفتِها؛ فال ُبدَّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫دقيقة ويدعو‬
‫تنوع ٍة‪.‬‬
‫وأساليب ُم َ‬
‫َ‬ ‫صور ُمتل َف ٍة‬
‫ٍ‬ ‫الت ِ‬
‫َّكرار يف‬

‫وجوها وأحكا ًما وفوائدَ‬ ‫ٍ‬


‫قصة‬ ‫ِّ‬
‫ولكل‬ ‫آية َظهرا وبطنًا وحدًّ ا وم ِ‬
‫طل ًعا‪،‬‬ ‫لكل ٍ‬
‫أن ِّ‬
‫اعلم َّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫آلخر‬
‫َ‬ ‫لمقصد ويف أخرى‬ ‫سورة‬ ‫آخر ألخرى‪ ،‬ويف‬ ‫ومقاصدَ ‪ ،‬فتُذك َُر يف موض ٍع لوجه‪ ،‬ويف َ‬
‫ِ‬
‫الصورة‪.‬‬ ‫َكرار َّ‬
‫إل يف‬ ‫وهكذا‪ ،‬فعىل هذا ال ت َ‬
‫ٍ‬
‫إعجاز‬ ‫آخر فهو ُ‬
‫ملعة‬ ‫ٍ‬
‫بعض َ‬ ‫وإبهام ُه في‬
‫َ‬ ‫المسائل الكون َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬
‫القرآن الكري ِم َ‬ ‫ُ‬
‫إجمال‬ ‫َّأما‬
‫صور ومدار ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلحلاد من ُق ٍ‬ ‫وليس كام تَومه ُه ُ‬
‫نقد‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أهل‬ ‫ساط ٍع َ‬
‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫فن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫فإن َ‬
‫يبحث عنها ُّ‬ ‫الكائنات كام‬ ‫القرآن عن‬ ‫يبحث‬ ‫يشء ال‬ ‫ألي‬
‫ِّ‬
‫ينسجم مع ُش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عور العوا ِم‬ ‫ُ‬ ‫ذكرا‬
‫ويذكر أخرى ً‬ ‫ُ‬ ‫املسائل ُم َم ًل‬ ‫بعض‬‫دع َ‬ ‫والفلس َفة؟ َف َي ُ‬
‫اهر؟‬ ‫وأفكارهم فال يمسها بأ ًذى وال ي ِ‬
‫ره ُقها بل َيذك ُُرها َس ِل ًَسا بسي ًطا يف ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪276‬‬
‫حتم‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة وض َّل ْت عنها‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ألن الفلسف َة َعدَ ْ‬ ‫نقول جوا ًبا‪َّ :‬‬
‫فهمت ً‬ ‫َ‬ ‫طريق‬ ‫لت عن‬
‫ِ‬
‫الكائنات استطرا ًدا‪،‬‬ ‫يبحث عن‬‫ُ‬ ‫الكريم إنَّام‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫ابقة َّ‬
‫أن‬ ‫والكلامت الس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدروس‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫كتاب‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب‪،‬‬ ‫فه ُم معاين هذا‬ ‫وأسامئ ِه احلسنى‪ ،‬أي ُي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذات اهلل وصفاتِ ِه‬ ‫لالستدالل عىل ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫خلالقها ال‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫يستخدم‬ ‫الكريم‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫عرف خال َق ُه‪ ،‬أي َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫العظيم كي ُي ِّ‬ ‫الكون‬
‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫يستخدم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫اجلمهور‪ ،‬وعىل هذا‪ ،‬فامدا َم‬ ‫خياطب‬ ‫فضل عن أنَّه‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫ألنفسها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلمهور‪.‬‬ ‫نظر‬ ‫ِ‬
‫النتيجة أما َم ِ‬ ‫وأظهر من‬ ‫ظاهرا‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ليل أن‬ ‫ِ‬
‫رشط الدَّ ِ‬ ‫دليل و ُبرهانًا‪ ،‬فمن‬
‫ً‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫نظر العوا ِم‪ ،‬ومراعا ُة ِح ِّس‬ ‫ِ‬
‫اإلرشاد مماشا ُة ِ‬ ‫ِ‬
‫بالغة‬ ‫شأ ِن‬‫القرآن مادا َم مرشدً ا فمن ْ‬ ‫َ‬ ‫إن‬‫ثم َّ‬
‫ٍ‬ ‫نظر ُهم بال ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ؤانسة ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فائدة‪،‬‬ ‫تشو َش ُ‬
‫فكر ُهم بال‬ ‫طائل وال َي َّ‬ ‫يتوح َش ُ‬
‫اجلمهور‪ ،‬لئال َّ‬ ‫فكر‬ ‫العامة و ُم‬
‫ظاهرا بسي ًطا ً‬
‫سهل‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫واإلرشاد أن‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب معهم‬ ‫ُ‬
‫فأبلغ‬ ‫ٍ‬
‫مصلحة‪،‬‬ ‫حسهم بال‬
‫ً‬ ‫تشر َد ُّ‬ ‫وال َي َّ‬
‫ِ‬
‫لتقريب ما‬ ‫ِ‬
‫باألمثال‬ ‫ويرضب‬
‫ُ‬ ‫يلزم تفصي ُل ُه هلم‪،‬‬
‫مل فيام ال ُ‬ ‫وجيزا ال ُي ِم ُّل ُهم‪ُ ،‬م ً‬
‫ً‬ ‫عجزهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال ُي‬
‫همهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األمور إىل َف ِ‬ ‫َد َّق من‬
‫اإلرشاد أن ال يذكُر ما ي ِ‬
‫وق ُع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫بالغة‬ ‫تستلزم‬ ‫ِ‬
‫طبقات البرش‪،‬‬ ‫لكل‬‫القرآن ُمرشدٌ ِّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وألن‬
‫َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫البدهييات يف ن ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هو‬ ‫َظرهم ال َّظ ِّ‬
‫اهري‪ ،‬وأن ال ُيغ ِّي َر بال لزو ٍم ما َ‬ ‫واملكابرة مع‬ ‫املغلطة‬ ‫األكثري َة يف‬
‫وظيفته ُم األصل َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يلزم هلم يف‬ ‫هيمل أو َ‬
‫جيمل ما ال ُ‬ ‫سوس عندَ ُهم‪ ،‬وأن َ‬ ‫ف َم ٌ‬ ‫تعار ٌ‬
‫ُم َ‬
‫رساجا‪،‬‬
‫ً‬ ‫للشمس‪ ،‬وال عن ماه َّيتِها‪ ،‬بل ملن َّنو َرها وجع َلها‬ ‫ِ‬ ‫الشمس ال‬ ‫يبحث عن َّ‬ ‫ُ‬ ‫فمثل‪:‬‬
‫ً‬
‫والنظام‬ ‫االنتظام‬ ‫ومركزا لنظا ِم اخلِ ِ‬
‫لقة‪ ،‬وما‬ ‫ً‬ ‫وعن وظيفتِها بصريورهتا حمورا النتظا ِم الص ِ‬
‫نعة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫َّسج وانتظا ِم املنسوجاتِ‬ ‫ِ‬
‫القران بإراءة نظا ِم الن ِ‬ ‫ُ‬ ‫عر ُفنا‬ ‫ِ‬ ‫الصان ِع‬ ‫ِ‬
‫اجلليل؛ ف ُي ِّ‬ ‫إال مرايا معرفة َّ‬
‫فيقول‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﴾ ‪ِّ ،‬‬
‫ويفه ُم هبا وينب ُه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العليم‪،‬‬ ‫احلكيم وصانِ ِعها‬ ‫ِ‬ ‫كامالت ِ‬
‫فاطرها‬ ‫ِ‬
‫والش ِ‬ ‫َناوب الص ِ‬ ‫الليل والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تاء‪،‬‬ ‫يف ِّ‬ ‫َّهار وت ِ َّ‬ ‫ِ‬ ‫اختالف‬ ‫العظيمة يف‬ ‫اإلهلية‬ ‫القدرة‬ ‫ترصفات ُ‬ ‫إىل‬
‫وانفراد ِه يف ربوب َّيتِ ِه؛ فمهام كانت‬
‫ِ‬ ‫الصان ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السام ِع إىل عظمة ُقدرة َّ‬ ‫َّظر إليها تنبي ُه َّ‬ ‫لفت الن ِ‬‫ويف ِ‬
‫ِ‬
‫إراءة‬ ‫ِ‬
‫القرآن يف‬ ‫ِ‬
‫مقصد‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة يف‬ ‫صورة كانت ال تُؤ ِّث ُر تلك‬ ‫ٍ‬ ‫وبأي‬ ‫الش ِ‬
‫مس‬ ‫جريان َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حقيقة‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫واملنسوج م ًعا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املشهود‬ ‫االنتظا ِم‬
‫تصوير العاملِ‬ ‫ُ‬ ‫الس ِ‬
‫اج‬ ‫ِ‬
‫تعبري ِّ‬ ‫أيضا‪ ﴿ :‬ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ (نوح‪ ،)16:‬ففي‬ ‫ُ‬
‫ويقول ً‬
‫القرص‪ ،‬و ُمز َّيناتِ ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صورة لواز ِم ذلك‬ ‫املوجودة ِ‬
‫فيه يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫َصوير‬ ‫ِ‬
‫بصورة َق ٍ‬
‫رص‪ ،‬وت‬
‫ُ‬
‫� �� � � ��� � � � � �‬
‫‪277‬‬ ‫��� ���� �� ������������‬
‫ٍ‬
‫كريم‬ ‫وخدَّ ِام ِه يدُ‬
‫أحضرهتا لضيوفِه ُ‬
‫وإحساس أنَّه قد َ‬
‫ٌ‬
‫القرص ومسافِ ِ‬
‫ريه‪،‬‬ ‫ِ ُ‬
‫ومطعوماتِ ِه لسك ِ‬
‫َّان‬
‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫اج تنبيه إىل ِ‬
‫رمحة‬ ‫الس ِ‬ ‫مأمور ُم َس َّخ ٌُر‬ ‫مس َّ‬ ‫ٍ‬
‫رحيم؛ وما َّ‬
‫ٌ‬ ‫ورساج ُم َّنو ٌر؛ ففي تعبري ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫إل‬ ‫الش ُ‬
‫عظمة َسلطنتِ ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫عة رمحتِه‪ ،‬وإحساس ِ‬
‫كرمه يف‬ ‫ُ‬
‫عظمة ربوبيتِه‪ ،‬وإفهام إحسانِ ِه يف س ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫يف‬
‫مس‪ُ ،‬‬
‫يقول‪« :‬هي كتل ٌة عظيم ٌة من املائ ِع‬ ‫الش ِ‬ ‫رثار يف َّ‬ ‫الفلسفي ال َّث ُ‬
‫ُّ‬ ‫استمع ماذا ُ‬
‫يقول‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فاآلن‬
‫وسيارات ُأخرى‬ ‫أرضنا‬
‫رشارات وهي ُ‬ ‫تطايرت منها‬ ‫ستقرها‪،‬‬ ‫الناري تدور َ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫حول نفس َها يف ُم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫سامة‪ ..‬ضخامتُها كذا‪ ..‬ماهيتُها كذا‪»..‬‬ ‫املختلفة يف اجل ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العظيمة‬ ‫األجرام‬ ‫فتدور هذه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املوحشة‪ ،‬فلم ت ُِفدْ ك ً‬
‫كامل‬ ‫ِ‬ ‫املدهشة والدَّ ِ‬
‫هشة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرية‬ ‫غير‬
‫املسألة َ‬‫ُ‬ ‫تك ِ‬
‫هذه‬ ‫فانظر ماذا أفا َد َ‬
‫علم ًيا وال ذو ًقا روح ًّيا وال غاي ًة إنسان َّي ًة وال فائد ًة دين َّي ًة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فارغة؛‬ ‫ٌ‬
‫جهالة‬ ‫ٌ‬
‫زخرفة وباطنُها‬‫ظاهرها ُم‬
‫ُ‬ ‫املسائل الفلسف َّي ِة التي‬
‫ِ‬ ‫فقس عىل هذا لتقدِّ َر قيم َة‬
‫ِ‬
‫املعجز‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ُعر ُض عن ِ‬
‫بيان‬ ‫ظاهرها فت ِ‬
‫ِ‬ ‫تشعشع‬ ‫فال َي ُغ َّرن ََّك‬
‫ُ‬
‫ََ َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّّ َّ ْ َ ْ ُ آ َ َ ً َ َ َ‬
‫ك داءٍ‪َ ،‬و ُمؤنِسا لا َول ُه ْم ِف‬ ‫ال ِمن ِ‬ ‫اء لا َو ِلكتِ ِب ِه َوأمث ِ ِ‬ ‫الل اجع ِل القر�ن ِشف‬
‫َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُّ َ َ‬ ‫ََ َ ََْ َ َ َ َ‬
‫ام ِة ش ِفيعا‪،‬‬ ‫رب ُمؤنِسا‪ ،‬و ِف ال ِقي‬ ‫حياتِنا وبعد موتِنا‪ ،‬و ِف ادلنيا قرينا‪ ،‬و ِف الق ِ‬
‫َ َ َْ َ‬ ‫َْ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ّ‬ ‫َ ََ ّ َ ُ‬
‫ات‬‫ار ِسرتا و ِحجابا‪ ،‬و ِف الن ِة َر ِفيقا‪ ،‬وإل الري ِ‬ ‫الص ِ‬
‫اط نورا‪ ،‬و ِمن انل ِ‬ ‫وعل ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك يَا أك َر َم الك َرم َ‬ ‫َ ْ َ َ ُ َ َ َ َ ََ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُكّ َها َدلال َو َ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫إماما‪ ،‬بِفض ِلك وجو ِدك وكر ِمك ورح ِت‬ ‫ِ ِ‬
‫ني �م َ‬ ‫آ‬ ‫الر ِ َ‬ ‫َو َيا ْ َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫اح ِ‬ ‫أرح َم َّ ِ‬
‫َْ‬ ‫َ َّّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ َ ُ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫كيم‬ ‫نـزل علي ِه الفرقان ال ِ‬ ‫الل ص ِل وس ِلم عل من أ ِ‬
‫ني‪� ،‬م َ‬ ‫آ‬ ‫آ‬
‫أجعني‪� ..‬م َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ آ‬
‫ني‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن البال ِغ‬ ‫إعجاز‬ ‫نوعا من أنوا ِع‬ ‫النوري مخس َة َ‬
‫عرش ً‬ ‫ِّ‬ ‫يب‬
‫املثنوي العر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫تنبيه‪ :‬لقد َذكرْنا يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الرابع َة عرشةَ‪ ،‬وال س َّيام النُّكت الدقيقة ِّ‬
‫الس ِّت‬ ‫للرشحة َّ‬‫ست قطرات َّ‬ ‫وذلك يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫نوعا‬
‫أربعني ً‬
‫َ‬
‫هناك‪ ،‬فمن شاء فلي ِ‬
‫اج ْع ُه‪.‬‬ ‫مكتفني بام ذكرنَا ُه َ‬
‫َ‬ ‫للقطرة الر ِ‬
‫ابعة؛ لذا أمج ْلنا ُهنا‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َّ‬
‫ل��ل �ة ا ��ل� ش ن‬
‫�‬‫�‬
‫ا � ك�� �م� ع���ر�و�‬
‫وهي مَقاما ِ‬
‫ن‬

‫املقا ُم ُ‬
‫األول‬
‫�﷽‬

‫﴿ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ (البقرة‪)34:‬‬

‫﴿‪  ‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾ (البقرة‪)67:‬‬

‫﴿ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﴾ (البقرة‪)74:‬‬
‫الكريم يف ن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فيض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُكات‬ ‫ِ‬ ‫القرآن‬ ‫نور‬ ‫كنت أتلو هذه اآليات الكريم َة يو ًما‪ ،‬فور َد ٌ‬
‫إهلام من‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الواردة هي‪:‬‬ ‫الش ِ‬
‫بهة‬ ‫إبليس!‪ ،‬وصور ُة ُّ‬ ‫ِ‬
‫إلقاءات‬ ‫ٍ‬
‫ثالث ليصدَّ‬
‫َ‬
‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫البالغة‪ ،‬وإِ َّن ُه ُهدً ى للعاملني يف ِّ‬ ‫عج ٌز‪ ،‬ويف ُذ ِ‬ ‫القرآن م ِ‬
‫وقت‬ ‫روة‬ ‫َ ُ‬ ‫تقولون‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫َ‬ ‫قال‪ :‬إنَّكم‬
‫َكرارها؟‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حوادث ُجزئية ورس ُدها رس ًدا تارخي ًّيا والتأكيدُ عليها وت ُ‬ ‫كر‬
‫وآن‪ ،‬ولكن ماذا يعني ذ ُ‬
‫األوصاف‪ ،‬حتى تَسم ِ‬ ‫ِ‬ ‫قرة ِضمن ٍ‬ ‫كذبح ب ٍ‬ ‫كر حادثِ ٍة ج ٍ‬ ‫وما الدَّ اعي إىل ِذ ِ‬
‫ت‬ ‫َّ‬ ‫هالة من‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫زئية‬ ‫ُ‬
‫مواض ِع ِه‬ ‫ِ‬ ‫ذكر يف ٍ‬
‫كثري من‬ ‫ِ‬
‫أرباب العقول عا َّم ًة و َي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن ُيرشدُ‬ ‫ِ‬
‫«البقرة»؟ ُث َّم َّ‬
‫إن‬ ‫السور ُة باسم‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون» أي ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫« َأ َفال َي ْعق ُل َ‬
‫غيبي‬‫أمر ٌّ‬ ‫أن حادث َة سجود املالئكة آلد َم ٌ‬ ‫العقل‪ ،‬يف حني َّ‬ ‫األمر إىل‬
‫ـحيل َ‬
‫أين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بالتسليم ِ‬
‫ِ‬ ‫إليه سبيال‪َّ ،‬‬ ‫العقل ِ‬ ‫ُ‬
‫الراسخ‪ ..‬ثم َ‬ ‫القوي‬
‫ِّ‬ ‫اإليامن‬ ‫اإلذعان بعدَ‬ ‫أو‬ ‫إل‬ ‫َم ٌض ال جيدُ‬
‫ِ‬
‫وإضفاء‬ ‫والص ِ‬
‫خور‬ ‫ِ‬
‫لألحجار‬ ‫دث ُمصادف ًة‬ ‫حاالت طبيع َّي ٍة َت ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫بيان‬ ‫ِ‬
‫اهلداية يف ِ‬ ‫وج ُه‬
‫ُّ‬
‫أمهي ٍة ٍ‬
‫بالغة ع َليها؟‬ ‫َّ‬
‫� �‬ ‫�‬ ‫� � � � ‬
‫‪279‬‬ ‫�������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬‫�‬
‫َت المله ِ‬
‫مة هي اآلتي ُة‪:‬‬ ‫وصور ُة النُك ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬

‫النُّكت ُة األوىل‬
‫عظيم؛‬ ‫كلي‬ ‫حاد ٍ‬
‫كل ِ‬‫وراء ِّ‬ ‫حوادث جزئ َّي ًة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫القرآن الحكي ِم‬
‫ٌ‬ ‫ستور ٌّ‬
‫يكمن ُد ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ولكن َ‬
‫ْ‬ ‫إن في‬‫َّ‬
‫زء من ُه‪.‬‬
‫وج ٌ‬‫كلي ُ‬ ‫ٍ‬
‫شامل ٍّ‬ ‫ف من قانون عا ٍّم‬ ‫الحوادث ألن َّها َط َر ٌ‬
‫ُ‬ ‫وإنَّما تُذك َُر َ‬
‫تلك‬
‫ِ‬
‫األسامء‬ ‫تعليم‬ ‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ﴾ (البقرة‪ )31:‬تُب ِّي ُن َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاآلية‬
‫َ‬
‫الستعداد ِه للخال َف ِة؛‬
‫ِ‬ ‫إظهارا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫املالئكة‪،‬‬ ‫السالم جتا َه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معجز ٌة من معجزات س ِّيدنا آد َم عليه َّ‬
‫ِ‬
‫‪-‬املالك‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫تعليم‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬
‫لدستور ُكيلٍّ هو‪َّ :‬‬ ‫طرف‬
‫ٌ‬ ‫وهي وإن كانت حادث ًة جزئ َّي ًة َّ‬
‫إل أنَّها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الكائنات‪،‬‬ ‫أنواع‬ ‫َ‬
‫َستغرق‬ ‫الستعداد جامعٍ‪ -‬علو ًما كثري ًة ال ُتدُّ ‪ ،‬وفنونًا كثري ًة ال ُتىص حتى ت‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫وشؤونِ ِه‬‫الكريم سبحانَه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫ِ‬
‫لصفات‬ ‫الشامل َة‬‫املعارف الكثري َة َّ‬ ‫َ‬ ‫تعليم ِه‬
‫ِ‬ ‫فضل عن‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان َ‬ ‫أه َل‬ ‫ِ‬
‫املالئكة وحدَ هم‪،‬‬ ‫ليس عىل‬ ‫لينال أفضلي ًة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫التعليم هو الذي َّ‬‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫احلكيمة‪َّ ..‬‬
‫ِ‬
‫األمانة الكُربى‪.‬‬ ‫محل‬ ‫ِ‬
‫واجلبال‪ ،‬يف ِ‬ ‫ِ‬
‫واألرض‬ ‫ِ‬
‫اموات‬ ‫الس‬
‫أيضا عىل َّ‬ ‫بل ً‬
‫أن يف س ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القرآن ِخالف َة‬
‫جود‬ ‫كذلك َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫األرض خالف ًة معنوي ًة‪ُ ،‬‬
‫يبني‬ ‫اإلنسان عىل‬ ‫ُ‬ ‫ذكر‬
‫وإذ َي ُ‬
‫ٍ‬
‫مشهود‬ ‫ٍ‬
‫لدستور‬ ‫حادثة جزئ َّي ٌة غيب َّي ٌة‪ -‬طر ًفا‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان ل ُه ‪-‬وهي‬ ‫املالئكة آلدم وعد ِم س ِ‬
‫جود‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بذكر ِه طاع َة‬
‫الكريم ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫ـن حقيق ًة عظيم ًة هي َّ‬
‫أن‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫كيلٍّ واس ٍع جدً ا‪ ،‬ويف الوقت نفسه يب ِّي ُ‬
‫وامتناعه عن الس ِ‬
‫جود‪ ،‬إنام‬ ‫الش ِ‬
‫يطان‬ ‫السالم وتَك ُّب َر َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َُ‬ ‫لشخص آد َم عليه َّ‬ ‫املالئكة وانقيا َدهم‬
‫سخر ٌة ك ُّلها‬
‫ني عليها‪ُ ،‬م َّ‬ ‫والموك َِّل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فه ُم َّ‬
‫وحانيني ُ‬
‫َ‬ ‫أغلب األنوا ِع املاد َّية للكائنات وممثليها ُّ‬
‫الر‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ُي ِّ‬
‫وأن الذي ُيفسدُ استعدا َد‬ ‫اإلنسان إفاد ًة تا َّم ًة‪ ،‬وهي ُمنقا َد ٌة ل ُه‪َّ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫حواس‬ ‫ِ‬
‫إلفادة مجي ِع‬ ‫و ُمه َّي َأ ٌة‬
‫ِّ‬
‫وممثالتا وسكنتُها‬ ‫ُ‬ ‫الشير ُة‬ ‫الل هي املوا ُّد ِّ‬ ‫الض ِ‬ ‫يئات وإىل َّ‬ ‫الفطري ويسو ُقه إىل الس ِ‬ ‫اإلنسان ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الكامالت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان إىل‬ ‫ِ‬
‫صعود‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫وعوائق عظيم ًة يف‬‫َ‬ ‫رهيبيـن‪،‬‬ ‫اخلبيثة‪ ،‬مما َيع ُلها أعدا ًء‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫حادثة‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ُ‬
‫يدير ُ‬
‫السالم وهو فر ٌد واحدٌ ض َ‬ ‫الكريم هذه املحاور َة مع آد َم عليه َّ‬
‫ُ‬ ‫رآن‬ ‫وإذ ُ‬
‫البرشي قاطب ًة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكائنات ُبر َّم ِتها والنَّو ِع‬ ‫دير ُماور ًة سامي ًة مع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ُجزئ َّية‪ ،‬فإنَّه يف احلقيقة ُي ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪280‬‬

‫النُّكت ُة ال َّثاني ُة‬


‫حراء الكُربى‪َّ ،‬‬
‫إل َّأنا‬ ‫قاحلة‪ ،‬إذ هي جزء من الص ِ‬ ‫ٌ‬ ‫أن أرايض ِم ْص َـر َجردا ُء‬ ‫من املعلو ِم َّ‬
‫َّ‬ ‫ُ ٌ‬
‫ِ‬
‫املحاصيل؛ لذا‬ ‫ِ‬
‫بوفري‬ ‫مزرعة جتو ُد‬ ‫ٌ‬ ‫غدت كأنَّها‬ ‫ْ‬ ‫ِّيل‪ ،‬حتى‬ ‫هنر الن ِ‬ ‫ِ‬
‫بربكة ِ‬ ‫َ‬
‫حماصيل وفري ًة‬ ‫ت ُِد ُّر‬
‫الزراع َة‬ ‫نارا‪َ ،‬‬ ‫تلك الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه اجلن َِّة‬
‫مثل ِ‬ ‫فإن وجو َد ِ‬ ‫َّ‬
‫جعل ِّ‬ ‫َستطري ً‬
‫ُ‬ ‫حراء التي ت‬ ‫بجنب َ َّ‬ ‫الوارفة‬
‫ُ‬
‫الرغبة‬ ‫طبائ ِعهم؛ بل أض َفت َ‬
‫تلك‬ ‫توغلت يف ِ‬ ‫مرص حتى َّ‬ ‫أهل َ‬ ‫والفالح َة مرغوب ًة فيها لدى ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫واسطة‬ ‫بدورها ُقدس َّي ًة عىل‬ ‫ِ‬ ‫دسية‪ ،‬كام أض َف ْت‬ ‫والق ِ‬‫مو ُ‬ ‫الز ِ‬ ‫َّ‬
‫الس ِّ‬ ‫نوعا من ُّ‬ ‫راعة ً‬ ‫الشديد ُة يف ِّ‬
‫الوقت‪ُ -‬قدسي ًة عىل‬ ‫ِ‬ ‫مصـر ‪-‬يف ذلك‬ ‫نح ُ‬
‫أهل‬ ‫األمر ْ‬ ‫وبقر‪ ،‬حتى َ‬ ‫ثور ٍ‬ ‫راعة من ٍ‬ ‫الز ِ‬
‫َ‬ ‫أن َم َ‬ ‫ُ‬ ‫بلغ‬ ‫ِّ‬
‫هذه ِ‬
‫البيئة‬ ‫أحضان ِ‬
‫ِ‬ ‫وبني‬
‫املنطقة َ‬ ‫ِ‬ ‫إرسائيل يف ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫ترعر َع َبنُو‬ ‫ِ‬ ‫ال َب َق ِر وال َّث ِ‬
‫ور إىل حدِّ العبا َدة‪ ،‬وقد َ‬
‫ِ‬ ‫حادثة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫املعروفة‪.‬‬ ‫جل»‬‫«الع ِ‬ ‫فه ُم من‬ ‫واألجواء َفأخذوا من طبائعهم ح ًّظا‪ ،‬كام ُي َ‬

‫أن س ِّيدنا موسى عليه السالم‪ ،‬قد‬ ‫ٍ‬


‫واحدة‪َّ ،‬‬ ‫بذبح ٍ‬
‫بقرة‬ ‫ِ‬ ‫الكريم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫وهكذا ُيع ِّل ُمنا‬
‫ُ‬
‫تلك األ َّم ِة‪ ،‬وتَنا َمى‬ ‫ِ‬
‫عروق َ‬ ‫املفهوم الذي َسى يف‬
‫ُ‬ ‫البقر‪َ ،‬‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫عبادة ِ‬ ‫بح برسالتِ ِه مفهو َم‬ ‫َذ َ‬
‫ِ‬
‫استعداداتم‪.‬‬ ‫يف‬

‫رسا رضور ًّيا‬ ‫ِ‬ ‫هبذه احلاد َث ِة‬


‫فالقرآن الكريم إنَّام يبين ِ‬
‫ُ‬
‫ستورا كُل ًّيا‪ ،‬و َد ً‬
‫عجزا‪ُ ،‬د ً‬
‫اجلزئية بيانًا ُم ً‬ ‫ُ ُ ِّ ُ‬
‫وقت‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫أحد يف ِّ‬ ‫حيتاج ُه ُّ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫القرآن الكريمِ‪ ،‬على‬ ‫الحوادث الجزئي َة المذكور َة في‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫‪-‬قياسا عىل هذا‪َّ :-‬‬ ‫ً‬ ‫فافهم‬
‫ٍ‬
‫شاملة ُينْبِ ُئ عنها‪ ،‬حتى‬ ‫دساتير كل َّي ٍة‬ ‫زء من‬ ‫حوادث تاريخ َّي ٍة‪ ،‬إنَّما هي َط َر ٌ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وج ٌ‬‫ف ُ‬ ‫صورة‬
‫تتضمن‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫رة يف‬‫عليه السالم املكر ِ‬ ‫لقصة موسى ِ‬ ‫ِ‬ ‫السب ِع‬ ‫جل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إن َّ‬
‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫مل َّ‬ ‫كل ُجلة جزئية من ا ُ‬
‫عظيم‪ ،‬كام ب َّينا يف كتابِنا «اللوامعِ» راجع ُه إن ش ْئ َت‪.‬‬‫ستورا كُل ًّيا ً‬
‫ُد ً‬
‫� �‬ ‫�‬ ‫� � � � ‬
‫‪281‬‬ ‫�������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬‫�‬

‫النُّكت ُة ال َّثالث ُة‬


‫قو ُل ُه تعاىل‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﴾ (البقرة‪.)74:‬‬

‫حاالت طبيع َّي ٍة وفِطر َّي ٍة‬


‫ٍ‬ ‫كر‬ ‫ِ‬
‫سو ُس‪ :‬ماذا يعني ذ ُ‬ ‫الم َو ِ‬
‫قال ُ‬
‫اآليات البي ِ‬
‫نات‪َ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫عندَ قراءيت ِ‬
‫هلذه‬ ‫َ‬
‫الناس؟ وما وج ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألحجار االعتياد َّية وبيانُها كأنَّها مسأل ٌة عظيم ٌة‪ ،‬مع أنَّها معلو َم ٌة لدى‬
‫حاج ٍة إليها؟‬ ‫بب؟ وهل َ‬
‫هناك من دا ٍع أو َ‬ ‫والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العال َقة واملناس َبة َّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫الش ِ‬ ‫هذه ُّ‬ ‫القرآن لصدِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُفأ ِل َم قلبي اإلهلا َم اآليت من‬
‫عالقة وس َب ٌ‬ ‫هناك‬ ‫بهة‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫فيض‬
‫بحيث ال‬ ‫ُ‬ ‫وعظيم ٌة‬
‫َ‬ ‫واحلقيقة رضور َّي ٌة‬
‫ُ‬ ‫العالقة قو َّي ٌة واملعنى ٌ‬
‫جليل‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫وحاجة‪ ،‬بل‬ ‫وهناك دا ٍع‬‫َ‬
‫سه َلها و ُي َي ِّس َرها لل َف ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الق ِ‬ ‫ِ‬
‫هم‪.‬‬ ‫وإجيازه و ُلطف إرشاده أن ُي ِّ‬ ‫رآن‬ ‫إلعجاز ُ‬ ‫إل‬‫َيت َيسَّ ُ َّ‬

‫سن‬ ‫ِ‬ ‫اإلعجاز‪ ،‬وكذا ُل ُ‬ ‫ِ‬ ‫هم من ُأ ُس ِ‬ ‫أج ْل َّ‬


‫وح ُ‬ ‫طف اإلرشاد ُ‬ ‫س‬ ‫أساس ُم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اإلجياز الذي هو‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫الحقائق الكُل َّي ُة والدَّ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫دي ُ‬ ‫ُور من َه ِ‬
‫الغامضة‬ ‫ساتير‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يقتضيان أن تُب َّي َن‬ ‫رآن‪،‬‬ ‫هو ن ٌ‬ ‫اإلفها ِم الذي َ‬
‫القرآن‪ ،‬وأن ال تُب َّي َن‬ ‫ِ‬ ‫عظم خما َطبي‬ ‫لون ُم َ‬ ‫الذين ُيم ِّث َ‬ ‫َ‬ ‫ور ُجزئ َّي ٍة مألو َف ٍة للعوا ِم‬ ‫العا َّم ُة‪ ،‬يف ُص ٍ‬
‫بسيطة منها‪ِ ..‬زد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تفكري ِهم َّ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ور‬
‫وص ٌ‬ ‫تلك احلقائ ِق املع َّظ َمة ُ‬ ‫طرف من َ‬ ‫ٌ‬ ‫إل‬ ‫ِ‬ ‫سطاء يف‬ ‫َ‬
‫ألولئك ال ُب‬
‫العادات والتي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫خوارق‬ ‫األرض التي هي‬ ‫ِ‬ ‫َّدابري اإلهل َّي ُة َ‬
‫حتت‬ ‫عىل َ‬
‫ذلك‪ :‬ينبغي أن تُب َّي َن هلم الت ُ‬
‫بصورة ُمم َل ٍة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫العادة واألُل َف ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بستار‬ ‫َستت‬ ‫ت َّ‬

‫إرسائيل ويا َبني آد َم! ماذا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬


‫اآليات‪ :‬يا َبني‬ ‫القرآن احلكيم يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫فبنا ًء عىل هذا‪ُ ،‬‬
‫يقول‬
‫ُ‬
‫ترون َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫احلجر و َأقسى منها! َ‬
‫أل‬ ‫ِ‬ ‫أصلب من‬
‫َ‬ ‫دهاكُم حتى َغ ُل َظت قلو ُبكُم وأصبحت‬
‫األحجار الص ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫الت ِ‬ ‫حتت ُّ‬
‫لدة َ‬ ‫ِ َّ‬ ‫وأصم َها‪ ،‬التي تُشكِّل طبق ًة عظيم ًة من‬ ‫َّ‬ ‫الص ِ‬
‫خور‬ ‫أصلب ُّ‬‫َ‬
‫كامل؛ فكام َتري‬ ‫ً‬ ‫الربان َّي ِة انقيا ًدا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لألوامر اإلهل َّية طاع ًة تا َّم ًة‪ ،‬و ُمنقا َد ٌة إىل اإلجراءات َّ‬ ‫ُم ٌ‬
‫طيعة‬
‫تلك‬ ‫بسهولة ُمطل َق ٍة‪ ،‬جتري عىل َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهلواء‬ ‫األشجار والن ِ‬
‫َّباتات يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكوين‬ ‫األوامر اإلهل َّي ُة يف‬
‫ُ‬
‫األرض بالسهولة ِ‬ ‫امء الص ِ‬ ‫خور الص ِ‬
‫َ‬
‫جداول‬ ‫كامل؛ حتى َّ‬
‫إن‬ ‫ٍ‬ ‫نفسها وبانتظا ٍم‬ ‫ِ ُّ‬ ‫حتت‬
‫لدة َ‬ ‫َّ‬ ‫الص ِ َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َامل وبِحكمة تا َّمة من دون أن جتدَ عائ ًقا أو‬ ‫ٍ‬ ‫األرض جتري بانتظا ٍم ك ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعرو َق َها َ‬
‫حتت‬ ‫املاء ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪282‬‬
‫داخل ال ُع ِ‬
‫روق‬ ‫َ‬ ‫وجريانِ ِه‬ ‫ِ‬
‫كانسياب الدَّ ِم َ‬ ‫فينساب املا ُء فيها‬
‫ُ‬ ‫الص ِ‬
‫خور‪،‬‬ ‫مقاوم ًة ت ُ‬
‫ُذكر من َ‬
‫تلك ُّ‬
‫ٍ (‪)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫سم من ِ‬
‫اجل ِ‬‫يف ِ‬
‫مقاومة أو ُصدود‪.‬‬ ‫دون‬
‫الص ِ‬
‫خور‬ ‫انـي يف َ‬ ‫َوغ ُل يف ِ‬
‫غاية االنتظا ِم بِ ٍ‬ ‫اجلذور الرقيق َة ت ُ‬
‫َنبت و َتت َّ‬ ‫ثم َّ‬
‫تلك ُّ‬ ‫أمر ر َّب ٍّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫ِ‬
‫انتشار‬ ‫سهولة كسهو َل ِة‬
‫ٍ‬ ‫فتنترش بِ‬
‫َ‬ ‫حائ ٌل أو مانِ ٌع‪،‬‬
‫يقف أمامها ِ‬
‫َ‬ ‫دون أن َ‬ ‫ِ‬
‫األرض َ‬ ‫حتت‬
‫التي هي َ‬
‫ِ‬
‫اهلواء‪.‬‬ ‫األشجار والن ِ‬
‫َّباتات يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غصان‬‫َأ‬
‫واسعة جدً ا‪ ،‬ويرشدُ إليها ُم ِ‬
‫اط ًبا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حقيقة‬ ‫ِ‬
‫الكريمة إىل‬ ‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫فالقرآن الكريم يشري ِ‬
‫هبذه‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫القلوب القاسي َة م ِ‬
‫رم ًَزا إليها عىل الن ِ‬
‫َّحو اآليت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فقركُم‬ ‫غارقون يف ِ‬ ‫َ‬ ‫حتملونا وأنتم‬ ‫لوب التي‬ ‫إرسائيل ويا بني آدم! ما ِ‬
‫هذه ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫الق ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫يا َبني‬
‫خور‬ ‫الص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أوامر َمو ًلى‬ ‫وعجزكُم! إنَّها تُقاوم بِغل َظ ٍة وبِ َق ٍ‬ ‫ِ‬
‫طبقات ُّ‬ ‫ُ‬ ‫عظيم‪ ،‬تنقا ُد ل ُه‬ ‫جليل‬ ‫َ‬ ‫ساوة‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أمرا‪ ،‬بل تُؤ ِّدي ٌّ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وانقياد‬ ‫كاملة‬ ‫طاعة‬ ‫الرفيع َة يف‬‫كل منها وظيفتَها َّ‬ ‫الصلدة اهلائ َلة‪ ،‬وال تَعيص ل ُه ً‬ ‫َّ‬
‫بوظيفة املستود ِع واملخزنِ‬ ‫ِ‬ ‫خور‬ ‫تقوم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تا ٍّم؛ وهي َمغمور ٌة يف ُظلامت‬
‫الص ُ‬ ‫تلك ُّ‬ ‫األرض؛ بل ُ‬
‫تكون لـين ًة طري ًة يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون عىل ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد‬ ‫َّ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫األرض؛ حتى إنَّها‬ ‫ُراب‬ ‫الذين يد ُّب َ‬
‫َ‬ ‫لألحياء‬ ‫احلياة‬ ‫ملتطلبات‬
‫وتكون‬‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بعدالة‪،‬‬ ‫لتقسيامت تَتِ ُّم‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫وسائل‬ ‫ُ‬
‫فتكون‬ ‫سل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة‪َ ،‬طراو َة َشم ِع ال َع ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكيمة‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬
‫ٍ‬
‫سجدة‬ ‫َّسيم‪ ،‬نعم‪ ،‬إنَّها يف‬ ‫هواء الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫تكون رقيق ًة ِر َّق َة‬
‫ُ‬ ‫بحكمة‪ ،‬بل‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لتوزيعات تنتهي‬ ‫َ‬
‫وسائط‬
‫عظمة ُقدرتِ ِه َّ‬
‫جل جال ُل ُه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دائمة أما َم‬

‫التدابري اإلهل َّي ُة ُ‬


‫ذات‬ ‫ِ‬
‫وهذه‬ ‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫فوق‬ ‫مة املتقن َُة املاثِ ُ‬
‫لة أما َمنا َ‬ ‫املصنوعات املنت َظ ُ‬
‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫ُ‬

‫الفاطر‬ ‫ِ‬
‫الصخور‪ ،‬فقد َأوك ََل إليها‬ ‫ُ‬
‫طبقة‬ ‫السيار‪ ،‬هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬نعم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫املهيب َّ‬ ‫األرض‬ ‫الزاوية لقرص‬ ‫حجر‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫غريه‪.‬‬
‫مني بأن يبني هذه الوظائف‪ ،‬ال ُ‬ ‫الكريم وحدَ ُه ال َق ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والقرآن‬ ‫وظائف مهم ًة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫ُ‬
‫اجلليل‬
‫الرتاب يف ِحجرها بالقدرة اإلهلي ِة‪ ،‬كام يؤدي الرتاب وظيف َة األُ ِ‬
‫مومة‬ ‫ِ‬ ‫وظيفة مرب َّي ِة‬
‫ُ‬ ‫فوظيفتُها األوىل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫العمل عىل جريان املياه جريانًا ُمنتظام يف جسم األرض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الوظيفة الثانية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫للنباتات بالقدرة الربانية‪..‬‬
‫اخلزان لألهنار‬
‫جريان الدَّ م ودورانه يف جسم اإلنسان‪ ..‬الوظيفة الفطرية الثالثة‪ :‬وظيفة َّ‬ ‫َ‬ ‫والذي يشب ُه‬
‫ٍ‬
‫منتظم‪.‬‬ ‫دقيق‬ ‫ٍ‬
‫وفق ميزان ٍ‬ ‫استمرارها عىل ِ‬
‫ِ‬ ‫والعيون والينابيعِ‪ ،‬سوا ٌء يف ظهورها أو‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َسكب من أفواه ِها من ماء باعث عىل احلياة ُ‬
‫تنرش‬ ‫ُ‬ ‫وبملء َفمها بام ت‬ ‫ِ‬
‫بكامل قوهتا‬ ‫الصخور‬
‫َ‬ ‫نعم‪ ،‬إن‬
‫ِ‬
‫األرض وتسطرها فوقها‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫الوحدانية عىل‬ ‫َ‬
‫دالئل‬
‫� �‬ ‫�‬ ‫� � � � ‬
‫‪283‬‬ ‫�������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬‫�‬
‫ُ‬
‫احلكمة‬ ‫ِ‬
‫األرض بل تتجلَّ فيها‬ ‫أيضا بعينِها جتري َ‬
‫حتت‬ ‫احلكمة والعنا َي ِة اجلار َي ِة عليها هي ً‬
‫ِ‬
‫وأغرب منها انتظا ًما‪.‬‬
‫َ‬ ‫بأعجب منها حكم ًة‬
‫َ‬ ‫والعناية الربان َّي ُة‬
‫ُ‬ ‫اإلهل َّي ُة‬
‫ِ‬
‫األوامر‬ ‫تلني ليون َة َّ‬
‫الشم ِع جتا َه‬ ‫وأصم َها ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫وأضخ َمها‬ ‫الص ِ‬
‫خور‬ ‫أصلب ُّ‬ ‫َ‬ ‫تأ َّم ُلوا جيدً ا! َّ‬
‫إن‬
‫املياه الر ِ‬
‫فات اإلهلي ِة أي ِ‬ ‫تلك املو َّظ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قيقة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التكوين َّية‪ ،‬وال تُبدي أ َّي َة مقاومة أو قساوة ت ُ‬
‫ُذكر جتا َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لطيفة لطاف َة‬ ‫روق ا َّل‬ ‫واجلذور الدَّ ِ‬
‫قيقة وال ُع ِ‬ ‫ِ‬
‫بمس من‬ ‫عاشق ُي َش ُّق قل َبه ٍّ‬
‫ٌ‬ ‫كأنا‬
‫احلرير‪ ،‬حتى َّ‬
‫ِ‬
‫طريق ِه َّن‪..‬‬ ‫فتتحو ُل تُرا ًبا يف‬ ‫ِ‬
‫واجلميالت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لطيفات‬ ‫تلك ا َّل‬ ‫ِ‬
‫أنامل َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫حقيقة‬ ‫وكذا قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ ‪ ،‬فإ َّن ُه ُيب ِّي ُن طر ًفا من‬
‫األرض‪ ،‬والتي تَجمدَ ْت بعد أن كانت يف ٍ‬
‫حالة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫ِ‬
‫اجلبال التي عىل‬ ‫هي‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫عظيمة جدً ا َ‬
‫ٍ‬ ‫الصلدَ ِة‪ ،‬تَتفت َُّت و َتتَصدَّ ُع‪،‬‬ ‫الص ِ‬ ‫وسائ َل ٍة؛‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بتجليات‬ ‫خور َّ‬ ‫ُتل ضخم ًة من ُّ‬
‫وأصبح ْت ك ً‬
‫َ‬ ‫مائعة‬
‫اجلبل‬‫ذلك ُ‬
‫وأصبح دكًّا َ‬‫َ‬ ‫وانقالبات أرض َّي ٍة‪ ،‬مثلام تَنا َث َر‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة َز َ‬
‫الزل‬ ‫جالل َّي ٍة‪ ،‬تتجىل عىل‬
‫جل جال ُله‪.‬‬‫طلب موسى عليه السالم رؤي َة اهلل َّ‬ ‫الرب سبحانه يف ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي تج َّلى عليه ُّ‬
‫ورهب ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اجلبال‪ ،‬من َخ ِ‬ ‫ُ‬ ‫هتبط من ُذرى َ‬ ‫ور ُ‬
‫ظهور جتليات جالل َّية َ‬ ‫شية‬ ‫تلك‬ ‫الص ُخ ُ‬ ‫فتلك ُّ‬ ‫َ‬
‫آخر يبقى عىل هي َئ ِة‬
‫وقسم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫النباتات‪..‬‬
‫ُ‬ ‫َنشأ ِ‬
‫فيه‬ ‫ينقلب تُرا ًبا ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫سم منها‬ ‫ِ‬
‫أجزاؤها؛ فق ٌ‬ ‫ُ‬ ‫منها‪َ ،‬فتتنا َث ُر‬
‫ِ‬
‫األمور‬ ‫كثري من‬‫األرض يف ٍ‬
‫ِ‬ ‫فيستخد ُمها ُ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫الس َ‬
‫هول‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َكتسح ُّ‬‫ُ‬ ‫الوديان وت‬ ‫تتدحرج إىل‬
‫ُ‬ ‫صخور‬
‫ٍ‬
‫سجدة‬ ‫ومنافع شتَّى‪ ،‬فهي يف‬ ‫ٍ‬
‫خمفية‬ ‫أمور ِ‬
‫وحك ٍَم‬ ‫فضل عن ٍ‬ ‫ً‬ ‫مثل‪-‬‬ ‫املساكن ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كبناء‬ ‫الن ِ‬
‫َّافعة‬
‫َ‬
‫احلكمة الربان َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لدساتري‬ ‫ٍ‬
‫وانقياد تا ٍّم‬ ‫للقدرة اإلهل َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وطاعة‬
‫ِ‬
‫الواط َئ َة‬ ‫األماكن‬ ‫ِ‬
‫واختيارها‬ ‫فيعة من َخ ِ‬
‫شية اهلل‬ ‫ملواض ِعها الر ِ‬ ‫خور ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫أن َ‬ ‫ريب َّ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ترك ُّ‬ ‫فال َ‬
‫ليس ُمصادف ًة‬ ‫ِ‬
‫حيدث عب ًثا وال ُسدً ى وهو َ‬ ‫ُ‬ ‫أمر ال‬‫تواض ٍع َج ٍّم‪ُ ،‬مسبب ًة مناف َع جليل ًة َشتَّى‪ٌ ،‬‬ ‫يف ُ‬
‫غري انتظا ٍم يف‬ ‫وحكمة وإن َبدا يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حكيم ُيحد ُث ُه بانتظا ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫رب ٍ‬
‫قدير‬ ‫تدبري ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫هو‬
‫أيضا‪ ،‬بل َ‬ ‫عميا َء ً‬
‫ِ‬
‫األمر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ظاهر‬
‫خور ويشهدُ ِ‬
‫عليه َشهاد ًة ال‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واملنافع التي تُجنى من تَفتُّت ُّ‬
‫ُ‬ ‫والدليل عىل هذا‪ ،‬الفوائدُ‬
‫ِ‬ ‫للح َل ِل التي تُخ َل ُع عىل‬ ‫ِ‬ ‫ريب فيها ُ‬
‫تتدحرج منها‬
‫ُ‬ ‫اجلبال التي‬ ‫الصنعة ُ‬ ‫سن َّ‬‫وح ُ‬‫كامل االنتظا ِم ُ‬ ‫َ‬
‫ُّقوش البديعة‪ِ.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باألزاهري اللطيفة والثمرات اجلميلة والن‬ ‫ُ‬
‫تزدان‬ ‫الص ِ‬
‫خور‪ ،‬والتي‬ ‫ُّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪284‬‬
‫احلكمة اإلهل َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زاوية‬ ‫ُ‬
‫العظيمة من‬ ‫الثالث هلا أهميتُها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫أن ِ‬
‫هذه‬ ‫كيف َّ‬
‫وهكذا رأيتُم َ‬
‫بي طر ًفا‬ ‫بالغتِه الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬ ‫واآلن تدبروا يف لطا َف ِة ِ‬
‫بيان ُ‬
‫كيف ُي ِّ ُ‬
‫فيعة‪َ ،‬‬ ‫إعجاز َ َّ‬ ‫ِ‬
‫العظيم ويف‬ ‫رآن‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫ثالث‬ ‫حقائق جليل ٌة وواسع ٌة جدً ا‪ُ ،‬يب ِّينُها يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املذكورة‪ ،‬وهي‬ ‫احلقائق ال َّث ِ‬
‫الث‬ ‫ِ‬ ‫وجزءا من ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ ً‬
‫مدار‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫فِ ْق ٍ‬
‫لتكون َ‬ ‫حوادث أخرى‬ ‫ثالث‬ ‫مشهودة‪ ،‬وين ِّب ُه إىل‬ ‫مشهورة‬ ‫حوادث‬ ‫ثالث‬ ‫رات ويف‬
‫قاوم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫زجرا ال ُي ُ‬‫ويزج ُرهم ً‬‫ُ‬ ‫األلباب‬ ‫عربة ألوىل‬
‫ِ‬ ‫انية‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﴾ إىل‬ ‫الفقرة ال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫يشير في‬ ‫ً‬
‫الصخرة‬ ‫فمثل‪ُ :‬‬
‫ست منها اثنتَا َع ْشر َة عينًا‪ ،‬ويف‬ ‫فانبج ْ‬‫َ‬ ‫رضب عصا موسى‬ ‫ِ‬ ‫حتت‬
‫وق َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫بكامل َّ‬ ‫التي انش َّقت‬
‫الضخم َة‬
‫خور َّ‬ ‫َ‬
‫إرسائيل! َّ‬ ‫ُ‬ ‫الذ ِ‬ ‫نفسه يور ُد إىل ِّ‬ ‫الوقت ِ‬‫ِ‬
‫الص َ‬ ‫إن ُّ‬ ‫ويقول‪ :‬يا َبني‬ ‫هن هذا املعنى‬
‫وتذرف‬
‫ُ‬ ‫معجزات موسى عليه السالم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة من‬ ‫ٍ‬
‫عجزة‬ ‫وتليـن جتا َه ُم‬ ‫تتشت َُّت و َتتَش َّق ُق‬
‫ُ‬
‫معجزات موسى عليه‬ ‫ِ‬ ‫فكيف تتمر ُد َ‬
‫ون جتا َه‬ ‫يل من َخشيتِها أو من ُس ِ‬
‫ورها‪،‬‬ ‫كالس ِ‬
‫َ‬ ‫موع َّ‬ ‫الدُّ َ‬
‫َقسو‪.‬‬ ‫َجمدُ وت ُ‬
‫َغلظ قلو ُبكُم وت ُ‬ ‫السالم ُك ِّلها‪ ،‬وال تَد َم ُع أعي ُنكُم بل ت ُ‬
‫تلك احلادث َة اجلليل َة التي‬ ‫الثة‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﴾ َ‬ ‫الفقرة ال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫و َيذكُر في‬
‫اإلهلي‬ ‫تلك هي التج ِّلي‬ ‫ناجاة س ِّيدنا موسى عليه السالم؛ َ‬ ‫ِ‬ ‫ور َسينا َء‪ ،‬أثنا َء ُم‬ ‫حدثت يف ُط ِ‬
‫ِّ‬
‫األرجاء من َخشيتِه سبحانه؛ وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رشدُ يف‬ ‫ُ‬ ‫اجلبل وج ْع َل ُه َدكًّا حتَّى تَفت ََّت وت َ‬
‫َناثر يف‬ ‫األعظم إىل‬
‫َ‬
‫َّقون اهلل وال ختشو َن ُه‪،‬‬‫كيف ال َتت َ‬ ‫الوقت نفسه إىل َمعنى كهذا‪ :‬يا قو َم موسى ‪-‬عليه السالم‪َ -‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقت الذي‬ ‫ِ‬ ‫صخور َصلد ٌة َتتَصدَّ ُع من َخشيتِ ِه وتتبع َث ُر‪ ،‬ويف‬ ‫اهق َة التي هي‬ ‫الش ِ‬ ‫َ‬
‫اجلبال َّ‬ ‫أن‬‫مع َّ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور َفو َقكُم‪ ،‬مع مشاهدَ تكُم وعلمكم تَش ُّق َق‬ ‫بل ال ُّط ِ‬ ‫ِ‬
‫الميثاق منكُم برف ِع َج ِ‬
‫َ‬ ‫ترون أنَّه قد َ‬
‫أخذ‬ ‫َ‬
‫فرائ ُصكم من َخشيتِه سبحانَه‪ ،‬بل‬ ‫ون وال تَرتعدُ ِ‬ ‫جتر ُؤ َ‬
‫فكيف ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرؤية‪،‬‬ ‫طلب‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حادثة‬ ‫ِ‬
‫اجلبل يف‬
‫ُ‬
‫تغلظ قلو ُبكم؟!‪.‬‬
‫و َيذكُر في الفقرة األولى‪ ﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾ مشريا إىل ٍ‬
‫أهنار‬ ‫ً‬
‫َيل تلك األحجارِ‬ ‫ِ‬
‫نفسه مدى ن ِ‬ ‫اجلبال ويع ِّل ُم يف الوقت‬ ‫ِ‬ ‫رات الن ِ‬
‫َّابعة من‬ ‫ودجل َة وال ُف ِ‬
‫ِّيل ِ‬
‫كالن ِ‬
‫ُ‬
‫فيورث‬ ‫األوام ِر التَّكوين َّي ِة و َمدى كَونِها ُم َّ‬
‫سخر ًة هلا؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلارق جتا َه‬ ‫ِ‬
‫واالنقياد‬ ‫ِ‬
‫املعجزة‬ ‫لل َّط ِ‬
‫اعة‬
‫لوب املتي ِّق َظ َة هذا املعنى‪:‬‬
‫الق َ‬‫َّعليم ُ‬
‫هبذا الت ِ‬
‫� �‬ ‫�‬ ‫� � � � ‬
‫‪285‬‬ ‫�������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬‫�‬
‫األهنار الع ِ‬ ‫ملثل ِ‬
‫ظيمة‬ ‫ِ َ‬ ‫هذه‬ ‫منابع حقيق َّي ًة ِ‬
‫َ‬ ‫الض ُ‬
‫خمة‬ ‫ُ‬
‫اجلبال َّ‬ ‫تكون هذه‬‫َ‬ ‫مكن َقط ًعا أن‬
‫إنَّه ال ُي ُ‬
‫حواضا خمروط َّي ًة‬ ‫أصبح ْت َأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكامل مملوء ًة باملاء‪ ،‬أي لو‬ ‫ِ‬
‫بحجمها‬ ‫ُ‬
‫اجلبال‬ ‫ألنَّه لو كانَت ِ‬
‫هذه‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫لسريها‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫وذلك‬ ‫ٍ‬
‫شهور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لبضعة‬ ‫إل‬ ‫ِ‬
‫األهنار َّ‬ ‫ات َ‬
‫تلك‬ ‫األهنار‪ ،‬فإنَّها ال تكفي لرصفي ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫لتلك‬
‫َّ‬
‫مرت‪ ،‬ال‬ ‫ألكثر من ٍ‬ ‫الت ِ‬
‫اب‬ ‫األمطار التي ال تَن ُف ُذ يف ُّ‬ ‫فضل عن َّ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫ائم؛‬ ‫ِ‬
‫وجريانا الدَّ ِ‬ ‫السَّ ي ِع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اهلائلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرصفيات‬ ‫لتلك‬ ‫ٍ‬
‫واردات كافي ًة َ‬ ‫أيضا‬ ‫ُ‬
‫تكون ً‬

‫بيل املصاد َف ِة‪ ،‬بل َّ‬


‫إن‬ ‫ليس َأ ً‬
‫مرا اعتياد ًّيا طبيع ًّيا‪ ،‬أو من َق ِ‬ ‫ِ‬
‫األهنار َ‬
‫أن َت َفجر ِ‬
‫هذه‬ ‫بمعنى َّ ُّ َ‬
‫ويرهيا ِمنها جريانًا خار ًقا؛ وإشار ًة إىل هذا‬ ‫ِ‬
‫الغيب وحدَ ها‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫خزينة‬ ‫اجلليل ُيس ِّي ُلها من‬
‫َ‬ ‫الفاطر‬
‫َ‬
‫كل‬ ‫َقطر عليها َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ك ًُل من َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واية احلديث الشَّ يف هبذا املعنى‪َّ :‬‬ ‫أفا َد ْت ِر ُ‬
‫األهنار الثالثة ت ُ‬ ‫تلك‬
‫األهنار ال َّثال َث ِة من‬
‫ِ‬ ‫منابع هذه‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫رواية‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫قطرات من اجلن َِّة‪ ،‬لذا أصبحت مبارك ًة؛(‪ )1‬ويف‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وقت‬
‫هي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ (‪)2‬‬
‫الروا َية َ‬
‫وحقيقة هذه ِّ‬ ‫اجلنَّة‪،‬‬

‫َ‬
‫تكون‬ ‫هبذه الك ِ‬
‫َثرة‪ ،‬فال ُبدَّ أن‬ ‫األهنار وتَد ُّف ِقها ِ‬
‫ِ‬ ‫تكفي لتفج ِر ِ‬
‫هذه‬ ‫أن األسباب املادي َة ال ِ‬
‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الواردات‬
‫ُ‬ ‫محة َغيب َّي ٍة‪ ،‬وعندها َتت َ‬
‫َواز ُن‬ ‫خزينة ر ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫غيب‪ ،‬وأنَّها ِتر ُد من‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عالـم‬ ‫مناب ُعها يف‬
‫درسا بلي ًغا وين ِّب ُه إىل هذا املعنى‪:‬‬‫الكريم ً‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫وتدوم؛ وهكذا ُيع ِّل ُم‬ ‫ُ‬ ‫فيات‬
‫ُ‬ ‫والصَّ‬
‫جليل‪ ،‬وبِغف َلتِكُم‬ ‫ٍ‬ ‫رب‬
‫أوامر ٍّ‬ ‫َ‬ ‫َعص َ‬
‫ون‬ ‫ِ‬
‫إرسائيل ويا َبني آد َم! إنَّكم بقساوة قلوبِكم ت ُ‬ ‫َ‬ ‫يا َبني‬
‫رص إىل َجن ٍَّة‬ ‫أرض م َ‬
‫ُّور المصو ِر الذي حو َل َ ِ‬
‫َّ‬ ‫ذلك الن ِ ُ ِّ‬ ‫نور معر َف ِة َ‬ ‫ون عيو َنكُم عن ِ‬ ‫ُغمض َ‬ ‫عن ُه ت ُ‬
‫ٍ‬ ‫حجار ص ٍ‬ ‫األهنار من ِ‬ ‫وار َف ِة ال ِّظ ِ‬
‫بسيطة‬ ‫لدة‬ ‫ٍ َ‬ ‫أفواه َأ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫املبارك وأمثا َله من‬ ‫العظيم‬
‫َ‬ ‫الل و َأجرى الن َِّيل‬ ‫ِ‬
‫ظيمة ون ِّير ًة بشدَّ ِة‬‫األهنار الع ِ‬
‫ِ َ‬ ‫بقو ِة َ‬
‫تلك‬ ‫ِِ‬
‫قدرته وشواهدَ وحـدان َّيته قو َّي ًة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ظهرا ُمعجزات َ‬ ‫ُم ً‬
‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫الكائنات و ُيس ِّل ُمها إىل ِدما ِغ‬
‫ِ‬ ‫الشواهدَ يف ِ‬
‫قلب‬ ‫تلك َّ‬ ‫فيضع َ‬ ‫ُ‬ ‫وإفاض ِاتا؛‬‫َ‬ ‫ُظ ِ‬
‫هورها‬
‫واإلنس ويف ُعقوهلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلن‬
‫قلوب ِّ‬ ‫ِ‬ ‫و ُي َس ِّي ُلها يف‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬بدء اخللق ‪ ،6‬مناقب األنصار ‪ ،42‬األرشبة ‪12‬؛ مسلم‪ ،‬اإليامن ‪264‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪،164/3‬‬
‫‪.209 ،208/4‬‬
‫وجيحان والفرات والنيل ّ‬
‫كل من أهنار اجلنة»‪ ،‬مسلم‪ ،‬كتاب اجلنة ‪26‬؛‬ ‫«س ْيحان َ‬
‫(‪ )2‬عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬
‫أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪440 ،289 ،260/2‬؛ احلميدي‪ ،‬املسند ‪491/2‬؛ أبو يعىل‪ ،‬املسند ‪327/10‬؛ الطرباين‪ ،‬املعجم‬
‫الكبري ‪.18/17‬‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪286‬‬
‫عجزات قدرتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫عورا َق ُّط(‪ )1‬ت ُ‬
‫َنال ُم‬ ‫صخورا جامد ًة ال َت ُ‬
‫لك ُش ً‬ ‫ً‬ ‫ثم إنَّه سبحانه وتعاىل َي ُ‬
‫عل‬
‫فكيف ال ت َ‬
‫َرون‬ ‫َ‬ ‫الش ِ‬
‫مس؛‬ ‫مس عىل َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوء َّ‬ ‫ِ‬
‫كداللة‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫ِ‬
‫الفاطر‬ ‫حتى إنَّها ت ُّ‬
‫َدل عىل‬
‫جل جال َله؟‬ ‫ُور َمعرفتِ ِه َّ‬ ‫وتَعمى أبصاركم عن ِ‬
‫رؤية ن ِ‬ ‫ُ‬
‫بالغ ِة‬
‫َّظر يف َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الث ُح َل َل البالغة اجلمي َلة‪ ،‬ود ِّق ِق الن َ‬
‫احلقائق ال َّث ُ‬
‫ُ‬ ‫فانظر! كيف َلبِ َس ْت هذه‬
‫َنسحق َخشي ًة أمام ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اإلرشاد لرتى مدى ال َقساوة والغل َظة التي َتلكُها ُق ٌ‬
‫لوب ال ت‬
‫ِ‬
‫اإلرشاد البليغِ‪.‬‬
‫ِ‬
‫سلوب‬ ‫ِ‬
‫إعجاز ُأ‬ ‫الكلمة إىل هنا َيتِها‪ ،‬فشاهدْ لمع َة‬
‫ِ‬ ‫بداية ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫فهمت من‬
‫َ‬ ‫كنت قد‬
‫فإن َ‬
‫القرآين واشكر رب َك العظيم ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫اإلرشاد ُ ِّ‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬
‫ب َوتَ ْر َض َو َو ّف ْقنَا ل ْد َمته‪� ..‬آم َ‬
‫ني‬ ‫ار الْ ُقر�آن َك َما ُت ُّ‬ ‫ا َ َّّ َّ‬
‫لل َف ّه ْمنَا ْ َ‬
‫أس َ‬
‫ِ ِِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‪.‬‬‫اح َ‬ ‫ك يَا ا َ ْر َح َم َّ‬
‫الر ِ ِ‬
‫َ َْ َ‬
‫بِرح ِت‬
‫َْ‬
‫أجع َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ََ آ‬ ‫لل َص ّل َو َسلّ ْم َع َل َمن أُ َ َ َ ْ ُ آ ُ ْ َ‬ ‫ا َ َّّ َّ‬
‫ني‪.‬‬ ‫كيم َوعل � ِ ِل َوصح ِب ِه ِ‬ ‫نـزل علي ِه القر�ن ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ُس» التابِ َع ِة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫أهم رافد لدجل َة من كهف صخرة يف ناحية « ُمك ْ‬
‫ٍ‬
‫وينبع ُّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القمر‪،‬‬ ‫ينبع هنر النيل من ِ‬
‫جبل‬ ‫(‪ُ )1‬‬
‫أصل‬ ‫كان ُ‬‫فح جبل من جهة «ضياء الدين»؛ وملا َ‬ ‫أعظم رافد لنهر ال ُفرات ينبع من َس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ملحافظة «وان» وإن‬
‫َ‬
‫يدل‬ ‫ِ‬
‫احلديثة‪ ،‬وكام ُّ‬ ‫ثابت يف العلوم‬
‫أحجارا كام هو ٌ‬ ‫مائعة جتمدت‬ ‫ٍ‬ ‫اجلبال ‪-‬حقيق ًة‪ -‬متكونة من مادة‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫أصل ِ‬ ‫اء َجَدْ » مما يدل دالل ًة قاطع ًة عىل أن َ‬ ‫ان من بس َط األَرض عىل م ٍ‬
‫خلق‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫«س ْب َح َ َ ْ َ َ‬ ‫النبوي يف‪ُ :‬‬
‫ُّ‬ ‫كر‬
‫الذ ُ‬‫عليه ِّ‬
‫واحلجر‬ ‫حجرا‪،‬‬ ‫باملاء قد انجمدت باألمر اإلهلي وأصبحت‬ ‫إن مادة شبيه ًة ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجه اآليت‪َّ :‬‬ ‫األرض عىل‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫أن ذلك املا َء (املادة املائعة)‬‫الرتاب؛ بمعنى َّ‬ ‫الذكر يعني‬ ‫ِ‬
‫أصبح ترا ًبا بإذن إهلي‪ ،‬إذ لفظ األرض الوارد يف ِّ‬
‫َ‬
‫صلب جدً ا ال يمكن االستفاد ُة من ُه‪،‬‬‫ٌ‬ ‫واحلجر بذاتِ ِه‬
‫ُ‬
‫لطيف جدً ا بحيث ال يمكن استقرار يشء ِ‬
‫عليه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫لني‬
‫ٌ‬
‫ستقرا لذوي احلياة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ليكون ُم ًّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلجر‬ ‫الرتاب فوق‬ ‫حيم‬
‫الر ُ‬‫احلكيم َّ‬ ‫نرش‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لذا َ‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪287‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬

‫الكلمة ِ‬
‫العرشين‬ ‫ِ‬ ‫املقا ُم ال َّثاين من‬
‫عجزات الأنبياء ِ‬
‫ِ‬ ‫قرآنـي تَتلألأ على وجه ِ م ُ‬
‫ٍّ‬ ‫لمَعة ُ إعجا ٍز‬

‫ين يف اخلِتا ِم‬


‫املذكور ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اجلوابني‬ ‫َّظر يف‬ ‫َأ ِ‬
‫نعم الن َ‬

‫�﷽‬

‫﴿ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ‪ Ý Ü‬ﰌ ﴾ (األنعام‪)59:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة يف‬ ‫اآلية‬ ‫أرسار هذه‬ ‫سا من‬ ‫خيص ًّ‬ ‫أربع عرش َة سن ًة(‪ )1‬بح ًثا ُّ‬ ‫قبل َ‬ ‫كتبت َ‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫َ‬
‫واآلن‬ ‫ِ‬
‫اإلجياز»‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز يف َم ِّ‬
‫ظان‬ ‫ِ‬
‫بـ«إشارات‬ ‫باللغة العرب َّي ِة املوسو ِم‬
‫ِ‬ ‫تفسريي الذي كتبتُه‬
‫ِ‬
‫البحث‪،‬‬ ‫الت ِ‬
‫كية لذلك‬ ‫ِ‬
‫باللغة ُّ‬ ‫إيضاحا‬ ‫أكتب‬ ‫ِ‬ ‫َريم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لطلب َأ‬ ‫استجاب ًة‬
‫ً‬ ‫عزيزين عندي ُ‬ ‫ني‬ ‫خوين ك َ‬
‫ُ‬
‫فأقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫فيض‬ ‫ستلهم من‬ ‫ِ‬
‫القدير و ُم‬ ‫ِ‬
‫بتوفيق ال َعيل‬ ‫مستعينًَا‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫الكريمة تُب ِّي ُن أنَّه ما من‬ ‫الكريم؛ فهذه ُ‬
‫اآلية‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫بين» ‪-‬عىل ٍ‬
‫قول‪ -‬هو‬ ‫«ك ٍ‬
‫تاب ُم ٍ‬ ‫إن ِ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكريم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫وهو يف‬ ‫طب وال يابِ ٍ‬
‫س ّ‬ ‫َر ٍ‬
‫إل َ‬
‫‪َ -‬أتُرا ُه كذلك؟‬
‫يشء؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫كل ٍ‬ ‫فيه َّ‬‫واحد أن يرى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يستطيع ُّ‬
‫كل‬ ‫يشء؛ ولكن ال‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫القرآن َّ‬ ‫‪ -‬نعم‪َّ ،‬‬
‫إن يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليشء أو‬ ‫بذور‬ ‫ِ‬
‫الكريم؛ فأحيانًا توجدُ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ٍ‬
‫تفاوتة يف‬ ‫ٍ‬
‫درجات ُم‬ ‫ِ‬
‫األشياء تبدو يف‬ ‫صور‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عالمات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عليه‬ ‫دساتيره‪ ،‬وأحيانًا توجدُ‬ ‫ِ‬
‫جمل الشَّ ء أو ُخالص ُت ُه‪ ،‬وأحيانًا‬ ‫نُوا ُه‪ ،‬وأحيانًا ُم ُ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫كل من ِ‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫َنبيها؛ فيع ِّب ُر‬ ‫رمزا أو إِهبا ًما أو ت ً‬ ‫رجات؛ إما رصاح ًة أو إشار ًة أو ً‬ ‫هذه الدَّ‬ ‫و َي ِر ُد ٌّ‬
‫ِ‬
‫واملناسبة‪.‬‬ ‫وبمقتىض املقا ِم‬ ‫ِ‬ ‫أساليب َ ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلاجة‪ُ ،‬‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫وح َس َ‬ ‫بالغته‪َ ،‬‬ ‫ضمن‬
‫َ‬ ‫أغراضه‬ ‫الكريم عن‬
‫ُ‬
‫لم والص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ناعة‪،‬‬ ‫وأمثالا من ُمنجزات الع ِ ِّ‬ ‫َ‬ ‫والالسلكي‬
‫َّ‬ ‫إن ال َّطائر َة والكهربا َء والق َ‬
‫طار‬ ‫فمثال‪َّ :‬‬

‫ِ‬
‫العاملية األوىل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلرب‬ ‫السنوات األُوىل من‬
‫(‪ )1‬املقصو ُد َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪288‬‬
‫الصناعة والعلم‪،‬‬ ‫ورق ِّي ِه يف ِم ِ‬
‫ضامر ِّ‬ ‫اإلنساين ُ‬ ‫احلديثة‪ ،‬والتي تُعدُّ َحصيل َة التَّقدُّ ِم‬ ‫ِ‬ ‫التِّـكنُو ُلوجيا‬
‫ِّ‬
‫املاد َّي ِة؛‬
‫اإلنسان‪ ،‬و َتبو َأت مكان ًة خاص ًَة يف حياتِ ِه ِ‬
‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫ِ‬ ‫موضع اهتام ِم‬
‫َ‬ ‫االخرتاعات‬
‫ُ‬ ‫أصبحت ِ‬
‫هذه‬
‫البرش‪ ،‬بل قد‬ ‫ِ‬ ‫خياطب البشري َة قاطب ًة‪ ،‬مل ي ِمل هذا اجلانِب من ِ‬
‫حياة‬ ‫فالقرآن الكريم الذي ِ‬ ‫ُ‬ ‫لذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َني‪:‬‬ ‫اخلوارق العلم َّي ِة من جهت ِ‬
‫ِ‬ ‫أشار إىل َ‬
‫تلك‬ ‫َ‬
‫السالم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجله ُة األوىل‪:‬‬
‫عليهم َّ‬‫ُ‬ ‫األنبياء‬ ‫عجزات‬ ‫أشار إليها عندَ بحثه عن ُم‬ ‫َ‬
‫احلوادث التارخي َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫رسد ِه َ‬ ‫ِ‬ ‫أشار إليها عندَ‬
‫َ‬ ‫اجله ُة الثاني ُة‪:‬‬
‫ِ‬
‫اآلتية‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫القطار يف‬ ‫أشار إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبيل املثال‪ :‬فقد َ‬ ‫فعىل‬

‫﴿ﭛ ﭜ ﭝ* ﭟ ﭠ ﭡ * ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ * ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ * ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ (‪( )1‬الربوج‪ ،)8-4:‬وأيضا‪:‬‬
‫﴿ ﭖ ﭗ ﭘ * ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﴾ (يس‪)42-41:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شار ِتا إىل ٍ‬ ‫ِ‬


‫واألرسار‪﴿ :‬‬ ‫األنوار‬ ‫كثري من‬ ‫ترمز إىل الكهرباء عىل إِ َ‬ ‫ُ‬
‫اآلتية ُ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫ُ‬
‫واآلية‬
‫ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﴾ (‪( )2‬النور‪.)35:‬‬

‫ِ‬
‫القسم‪ ،‬وبذلوا ُجهو ًدا كثري ًة يف‬ ‫ضالء قد انرصفوا إىل هذا‬ ‫ِ‬ ‫الكثريون من ال ُف‬
‫َ‬ ‫وملا َ‬
‫كان‬
‫ب ِد َّق ًة متناهي ًة ويستدعي َبس ًطا َو ِاس ًعا للموضو ِع‬ ‫ِِ‬
‫أن القيا َم ببحثه يتط َّل ُ‬
‫علم َّ‬‫توضيحه‪ً ،‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الباب‪ ،‬ونكتفي‬ ‫َ‬ ‫ضل عن وجود أمث َلة َوفرية عليه‪ ،‬لذا ال ُ‬
‫نفتح هذا‬ ‫وإيضاحا واف ًيا؛ َف ً‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫املذكورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باآليات‬
‫ِ‬
‫عجزات‬ ‫ِ‬
‫القرآن عن ُم‬ ‫ضمن بحث‬ ‫ِ‬
‫االخرتاعات‬ ‫األول الذي يشري إىل ِ‬
‫تلك‬ ‫ُ‬ ‫القسم‬ ‫أ َّما‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نامذج من ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سنذكر َ‬
‫ُ‬ ‫األنبياء‪..‬‬

‫غلب الك َّف ُار‬


‫القطار‪ ،‬وبه َ‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ووضع ُه يف األرس هو‬
‫َّ‬ ‫أن الذي َق َّيدَ العامل‬
‫اجلملة إىل َّ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬تشري هذه‬
‫املسلمني‪( ،‬املؤلف)‬
‫َ‬
‫الرمز وتُنور ُه‪( ،‬املؤلف)‬
‫َ‬ ‫إن مجل َة ﴿ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ تيض ُء َ‬
‫ذلك‬ ‫(‪َّ )2‬‬
‫��‬
‫����  ‪ � � � � ��� � ���� ����� ����� ����������� � -‬‬ ‫�� � �‬
‫‪289‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬ ‫�������� �� � ���‬

‫املقدم ُة‬
‫تمعات إنسان َّي ٍة ليكونوا هلم‬ ‫ٍ‬ ‫السالم قد ُب ِع ُثوا إىل ُم‬ ‫عليهم َّ‬ ‫ُ‬ ‫أن األنبيا َء‬ ‫الكريم َّ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ُيب ِّي ُن‬
‫أن اهلل قد وضع ِ‬
‫بيد ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫أئم َة اهلدى ُيقتَدى ِبم‪ ،‬يف ُرق ِّي ِه ُم‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫بي يف الوقت نفسه َّ َ‬ ‫املعنوي‪ ،‬و ُي ِّ ُ‬
‫ِّ‬
‫يأمر‬ ‫أيضا؛ أي إنَّه ُ‬ ‫املادي ً‬ ‫ِّ‬ ‫للبرشية و َأساتذ ًة هلا يف تَقدُّ ِمها‬ ‫ِ‬ ‫منهم معجز ًة ماد َّي ًة‪ ،‬ون ََّصبهم ُر َّوا ًدا‬
‫ِ‬
‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫حيض‬ ‫األمور املاد َّي ِة واملعنو َّي ِة؛ إذ كام ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اتباعا كامال يف‬ ‫ِّباعهم ً‬ ‫باالقتداء هبم وات ِ‬
‫السالم‪،‬‬ ‫احلميدة التي يتح َّلى هبا األنبيا ُء‬ ‫ِ‬ ‫نور اخلِ ِ‬ ‫االستزادة من ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫عليهم َّ‬ ‫ُ‬ ‫صال‬ ‫اإلنسان عىل‬
‫ومئ‬ ‫أيضا ُي ُ‬ ‫عجزات ُم املاد َّي ِة ً‬ ‫ِ‬ ‫كامالت ُم املعنو َّي ِة‪ ،‬فإنَّه عند بحثِ ِه عن ُم‬ ‫ِِ‬ ‫وذلك عندَ بحثِ ِه عن‬
‫شري إىل َح ِّض ِه عىل‬ ‫ِ‬
‫تلك املعجزات التي يف أيدهيم‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫بتقليد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان ليقو َم‬ ‫إثارة َش ِ‬
‫وق‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫املادي‬ ‫َّ‬ ‫املعجزة هي التي أهدت إىل البرش َّي ِة الك َ‬
‫َمال‬ ‫ِ‬ ‫إن يدَ‬‫القول‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫نظائ ِرها‪ ،‬بل َي ِص ُّح‬ ‫بلو ِغ ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مر ٍة‪ ،‬مثلام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم‬
‫الس ُ‬ ‫نوح عليه َّ‬ ‫سفينة ٍ‬ ‫املعنوي؛ فدون ََك‬ ‫َّ‬ ‫الكامل‬ ‫أهدت إليها‬ ‫ْ‬ ‫وخوار َق ُه ألول َّ‬
‫يوسف عليه السالم‪ ،‬وهي إحدى معجزاتِ ِه؛ فقد َقدَّ َمتْهام يدُ‬ ‫َ‬ ‫وساع ُة‬‫َ‬ ‫وهي إحدى ُمعجزاتِه‪،‬‬
‫احلقيقة‪ ،‬وهي اختا ُذ‬ ‫ِ‬ ‫لطيفة إىل هذه‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫وهناك إشار ٌة‬ ‫ِ‬
‫البرشية‪،‬‬ ‫مر ٍة هدي ًة ثمين ًة إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعجزة ألول َّ‬
‫‪-‬مثل‪ -‬اختذوا‬ ‫َ‬
‫حون‬ ‫األنبياء رائدً ا لصن َعتِ ِهم و ُقط ًبا ملهنَتِهم؛ فامللَّ‬ ‫ِ‬ ‫الصنَّا ِع نب ًيا من‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫أغلب ُّ‬
‫السالم إما َمهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يوسف عليه َّ‬ ‫َ‬ ‫اعاتيون اختذوا س ِّيدَ نا‬ ‫والس‬
‫السالم رائدَ ُهم‪َّ ،‬‬ ‫نوحا عليه َّ‬ ‫س ِّيدَ نا ً‬
‫مرشدَ هم‪..‬‬ ‫اطون اختذوا سيدَ نا إدريس عليه السالم ِ‬ ‫َ‬ ‫واخل َّي‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫وجوها‬ ‫ٍ‬
‫كريمة‬ ‫لكل ٍ‬
‫آية‬ ‫أن ِّ‬ ‫البالغ ِة قد ات ُ‬
‫َّفقوا مجي ًعا َّ‬ ‫َ‬ ‫قون من ِ‬
‫أهل‬ ‫كان ال ُعلام ُء املح ِّق َ‬
‫وملا َ‬
‫ً‬
‫آيات‬
‫اآليات وهي ُ‬ ‫ِ‬ ‫أسطع‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫يمكن ْ‬
‫إذن أن‬ ‫وجهات كثري ًة للهدا َي ِة؛ فال‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لإلرشاد‪،‬‬ ‫عدَّ ًة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واهلداية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لإلرشاد‬ ‫معانـي َبليغ ًة َج ًة‬ ‫أيضا‬ ‫تتضمن ً‬ ‫ِ‬
‫املعجزات‪َ ،‬س ًدا تارخي ًّيا‪ ،‬بل ال ُبدَّ َّأنا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫خيط الحدود الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ِّهائية ألقىص ما‬ ‫الكريم بإيراده ُمعجزات األنبياء إنَّام ُّ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫هناياتا‪ ،‬وغا َي ِة‬
‫ِ‬ ‫ناعات‪ ،‬ويشري هبا إىل ِ‬
‫أبعد‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان يف ِ‬
‫جمال ال ُعلو ِم ِّ‬
‫والص‬ ‫ُ‬ ‫يصل ِ‬
‫إليه‬ ‫يمكن أن َ‬
‫ُ‬
‫ويدِّ ُدها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رشية من أهداف؛ فهو هبذا ُيع ِّي ُن أبعدَ األهداف النِّهائ َّية هلا ُ‬ ‫يمكن أن ُت ِّق َق ُه ال َب ُ‬ ‫ما‬
‫ُ‬
‫أن‬‫تلك الغا َي ِة‪ ،‬و َيسو ُقها إليها؛ إذ كام َّ‬ ‫حضها عىل بلو ِغ َ‬ ‫حيث البرش َّي َة و َي ُّ‬ ‫ذلك ُّ‬ ‫بعد َ‬ ‫ومن ِ‬
‫ور املايض‬ ‫حصيلة ُب ُذ ِ‬
‫ُ‬ ‫ومرآ ٌة ت ِ‬
‫َعك ُس ُشؤونَه‪ ،‬فاملستق َب ُل ً‬
‫أيضا‬ ‫ور املستقب ِل ِ‬ ‫املايض مستو َد ُع ُب ُذ ِ‬
‫َ‬
‫ومرآ ُة أحوالِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪290‬‬
‫مثال‪ ،‬من ذلك النَّب ِع الف َّي ِ‬
‫اض الواسعِ‪:‬‬ ‫ُبي بضع َة َ‬
‫نامذج ً‬ ‫وسن ِّ ُ‬
‫فمثال‪ ﴿ :‬ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﴾ (سبأ‪.)12:‬‬
‫تسخري‬ ‫ليامن عليه السالم‪ ،‬وهي‬ ‫ِ‬
‫معجزات س ِّيدنا ُس َ‬ ‫ـن ُمعجز ًة من‬ ‫ُ‬ ‫هذه ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الكريمة تُب ِّي ُ‬ ‫اآلية‬
‫ُشري إىل َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحد ما ُيق َط ُع يف‬ ‫ِ‬
‫اهلواء يف يو ٍم‬ ‫الر ِ‬
‫فاآلية ت ُ‬ ‫شهرين؛‬ ‫قطع يف‬
‫يح له‪ ،‬أي إنِّه قد َ‬ ‫ِّ‬
‫هذه املسا َف ِة يف اهلواء‪ِ.‬‬
‫مثل ِ‬ ‫ِ‬
‫البرش لقط ِع ِ‬ ‫مفتوح أما َم‬ ‫الطريق‬
‫َ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫املنـزلة ما دا َم‬ ‫هذه املرتب َة‪ ،‬واسع للدنو من ِ‬
‫هذه‬ ‫تبلغ ِ‬ ‫اإلنسان! ِ‬
‫حاول أن َ‬ ‫ُ‬ ‫فيا َّأيا‬
‫ِّ‬ ‫ْ َ‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫اآلية‬ ‫يقول يف معنى ِ‬
‫هذه‬ ‫الطريق ُمَهدً ا أما َمك؛ َ‬
‫فكأ َّن اهلل سبحانَه وتعاىل ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫فوق مت ِ‬ ‫ترك هوى ِ‬
‫نبذت‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان! إن‬ ‫اهلواء‪ ،‬وأنت أهيا‬ ‫ُون‬ ‫نفسه‪ ،‬فحملتُه َ‬ ‫عبدً ا من عبادي َ َ‬
‫أيضا‬ ‫َ‬
‫يمكنك ً‬ ‫ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلارية يف‬ ‫واستفدت جيدً ا من قوانني ُسنَّتي‬
‫َ‬ ‫ك ََس َل الن ِ‬
‫َّفس وترك َت ُه‪،‬‬
‫ِ‬
‫اهلواء‪.‬‬ ‫أن َت َ‬
‫تطي صهو َة‬
‫ومثال‪ ﴿:‬ﭿ ﮀ ﮁﮂﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ (البقرة‪.)60:‬‬
‫تشري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫هذه ُ‬
‫الكريمة تُب ِّي ُن ُمعجز ًة من معجزات س ِّيدنا موسى عليه السالم‪ ،‬وهي ُ‬ ‫اآلية‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خزائن الر ِ‬
‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫بسيطة‪ ،‬بل‬ ‫بآالت‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫حتت‬
‫املدفونة َ‬ ‫محة‬ ‫ِ َّ‬ ‫يمكن االستفاد ُة من‬ ‫ُ‬ ‫إىل أنَّه‬
‫ِ‬ ‫لدة ٍ‬ ‫أرض ص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تفجري ِ‬
‫عصا‪.‬‬ ‫كاحلج ِر بوساطة ً‬
‫َ‬ ‫ميتة‬ ‫ٍ َ‬ ‫احلياة‪ ،‬من‬ ‫ينبوع‬
‫ُ‬ ‫املاء‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬
‫فيض‬‫ٍ‬ ‫ألطف‬
‫ُ‬ ‫ختاطب البرشي َة هبذا املعنى‪ :‬يمك ُنكُم أن جتدوا املا َء الذي هو‬ ‫فهذه ُ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتكش ُفو ُه؛ فاهلل‬ ‫بجد لتجدو ُه‬ ‫بوساطة عصا‪ ،‬فاسعوا واعملوا ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‪،‬‬ ‫فيوضات الر ِ‬
‫محة‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫هلذه ِ‬ ‫اإلنسان باملعنى الرمزي ِ‬ ‫ِ‬
‫ويثق‬ ‫دمت ُأس ِّلم بيد عبد يعتمدُ َّ‬
‫علي ُ‬ ‫اآلية‪ :‬ما ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬
‫سبحانه خياط ُ‬
‫ِ‬
‫قوانني‬ ‫اعتمدت عىل‬
‫َ‬ ‫يب عصا‪ ،‬يتمكن هبا أن يفجر املاء أينام شاء؛ فأنت أهيا اإلنسان ِ‬
‫إن‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫اسع لتجدَ َ‬
‫تلك‬ ‫خترتع آل ًة شبيه ًة َ‬
‫بتلك العصا‪ ،‬أو نظري ًة هلا‪ ،‬فه َّيا َ‬ ‫َ‬ ‫أيضا أن‬ ‫ُ‬
‫يمكنك ً‬ ‫رمحتي‪،‬‬
‫اآلل َة‪.‬‬
‫ِ‬
‫استخراج‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان من‬ ‫يتمكن‬ ‫إلجياد ِ‬
‫اآللة التي هبا‬ ‫ِ‬ ‫أن هذه اآلي َة َس َّب ٌ‬
‫اقة‬ ‫كيف َّ‬
‫فأنت ترى َ‬
‫ُ‬
‫قي ال َبرش َّي ِة؛ بل ِّ‬
‫إن اآلي َة الكريم َة قد‬ ‫ِ‬
‫األماكن‪ ،‬والتي هي إحدى وسائ ِل ُر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغلب‬ ‫املاء يف‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪291‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫نت ُ‬
‫اآلية‬ ‫الغاية منها‪ ،‬بمثل ما عي ِ‬
‫ِ‬ ‫تلك ِ‬
‫اآللة و ُمنتهى‬ ‫حلدود استخدا ِم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النهائي‬ ‫عت َّ‬
‫اخلط‬ ‫وض ِ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫تبلغ إليه ال َّطائر ُة احلارضةُ‪.‬‬
‫يمكن أن َ‬ ‫ُّقاط الن ِ‬
‫ِّهائية‪ ،‬وأقىص ما‬ ‫األوىل أبعدَ الن ِ‬
‫ُ‬
‫ومثال‪  ﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ (آل عمران‪.)49:‬‬
‫امية التي َيتح َّلى‬‫األخالق النَّبوي ِة الس ِ‬
‫ِ‬ ‫حيث البرشي َة رصاح ًة عىل اتِّبا ِع‬ ‫الكريم إذ ُّ‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬
‫َّ َّ‬ ‫ُ‬
‫يديه من‬‫بني ِ‬ ‫النظر إىل ما َ‬‫ِ‬ ‫رمزا عىل‬‫وحيض ً‬ ‫ب‬ ‫أيضا ُي ِّ‬
‫ُّ‬ ‫رغ ُ‬ ‫هبا س ِّيدُ نا عيسى عليه السالم‪ ،‬فهو ً‬
‫ٍ‬
‫عظيم‪.‬‬ ‫اين‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ب ر َّب ٍّ‬ ‫مهنة ُمقدَّ سة وط ٍّ‬
‫الـمزمن َِة‬ ‫ِ‬ ‫دواء َيشفي َأشدَّ‬‫الكريمة تشري إىل أنه يمكن أن يع َثر عىل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فهذه ُ‬ ‫ِ‬
‫األمراض ُ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫اآلية‬
‫فكل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫داء مهام‬ ‫املصاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الـمبت ََل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وال ت ْ‬
‫َقنط ُّأيا ُ‬ ‫ُ‬ ‫والع َل ِل املستعصية‪ ،‬فال ت ْ‬
‫َيأس أهيا‬
‫ِ‬
‫املوت‬ ‫ُ‬
‫معاجلة‬ ‫يمكن‬ ‫وجدْ ُه‪ ،‬واكتش ْف ُه‪ ،‬بل حتَّى‬ ‫ممكن‪ ،‬فابحث عن ُه‪ِ ،‬‬ ‫وعالج ُه‬ ‫كان‪ ،‬له دوا ٌء‪،‬‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املؤقتة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫ِ‬
‫ألوان‬ ‫ون من‬ ‫نفس ِه ب َل ٍ‬ ‫ِ‬
‫لعبد من ِع ِ‬
‫بادي ت ََر َك‬ ‫هبت ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪ :‬لقد َو ُ‬ ‫هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫يقول باملعنى اإلشاري ِ‬ ‫فاهلل سبحانه ُ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫عالج‬ ‫ِ‬
‫إحداها دوا ٌء لألسقا ِم املعنو َّية‪ ،‬واألخرى‬
‫ُ‬ ‫الدُّ نيا ألجيل‪ ،‬وعا َفها يف سبييل‪ ،‬هد َّيت ِ‬
‫َني‪:‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األموات‬ ‫ِ‬
‫بحكم‬ ‫داية‪ ،‬واملرىض الذين هم‬ ‫بنور اهلِ ِ‬
‫َـة تُب َع ُث ِ‬ ‫فالقلوب املـ ِّيـت ُ‬ ‫لألمراض املاد َّي ِة؛‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان! بو ِ‬ ‫فيبـر ُؤون بِ ِه؛ وأنت أهيا‬ ‫ٍ‬ ‫جيدون ِشفا َء ُهم‬
‫سع َك أن جتدَ يف‬ ‫ُ ُ‬ ‫ونفخ‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بنفث منه‬ ‫َ‬
‫ذلك الدوا َء فإن ََّك‬
‫السبيل‪ ،‬واكشف َ‬ ‫ِ‬ ‫فاسع يف هذه‬ ‫داء ُيصي ُب َك‪،‬‬ ‫لكل ٍ‬ ‫صيدل َّي ِة ِحكمتي دوا ًء ِّ‬
‫َ‬
‫وظافر ِبه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ال َمال َة واجدُ ُه‬
‫ِ‬
‫األهداف التي يص ُبو‬ ‫ُ‬
‫الكريمة أقىص املدى وأبعدَ‬ ‫هذه ُ‬
‫اآلية‬ ‫وهكذا تَرى كيف تَرسم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وت ُّث‬ ‫ِ‬
‫اهلدف َ‬ ‫ُ‬
‫الوصول‬ ‫اإلنسان عىل‬ ‫ُشري إىل َ‬
‫ذلك‬ ‫فاآلية ت ُ‬ ‫البرشي من تَقد ٍم؛‬ ‫ُّ‬ ‫ب‬‫إليها ال ِّط ُّ‬
‫ِ‬
‫إليه ‪.‬‬
‫﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ (ص‪.)20:‬‬ ‫ومثال‪ ﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ (سبأ‪)10:‬‬

‫ُ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫واآلية‬ ‫السالم؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هاتان اآليتان ختصان معجز َة س ِّيدنا داو َد عليه َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ختص معجز َة س ِّي ِدنا‬
‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫فهذه‬ ‫السالم؛‬ ‫َ‬
‫سليامن عليه َّ‬ ‫﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ (سبأ‪ُّ )12:‬‬
‫ِ‬
‫احلديد‬ ‫فتليين‬ ‫نبي َع ٍ‬
‫ظيم؛‬ ‫فضل ٍ‬‫نعمة إهلي ٌة ُعظمى‪ ،‬إذ ُيب ِّي ُن اهلل به َ‬ ‫ِ‬
‫احلديد ٌ‬ ‫َليني‬
‫أن ت َ‬ ‫تشري إىل َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪292‬‬
‫ِ‬ ‫املعادن وكَش ُفها هو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وجع َل ُه‬
‫ناعات‬ ‫أصل مجي ِع ِّ‬
‫الص‬ ‫ُّحاس وإيجا ُد‬ ‫وإذابة الن‬ ‫كالعجني‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ومعد ُن ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اجلانب‬ ‫احلضاري من هذا‬ ‫وهو أ ُّم التَّقد ِم‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫وأساسها‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫البرشية‪،‬‬
‫ويله أسالكًا‬ ‫وت ِ‬ ‫ِ‬
‫كالعجني َ‬ ‫ِ‬
‫احلديد‬ ‫اإلهلية ال ُعظمى يف ت ِ‬
‫َليني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النعمة‬ ‫تشري إىل‬ ‫فهذه ُ‬‫ِ‬
‫اآلية ُ‬
‫حيث وه َبها الباري‬ ‫ناعات العا َّم ِة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫الص‬
‫عظم ِّ‬ ‫حمور ُم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّحاس‪ ،‬واللذان مها ُ‬ ‫ِ‬ ‫رفيع ًة‪ ،‬وإِسا َل ِة الن‬
‫عظيم؛ فام دا َم سبحانه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لألرض‬ ‫وخ ٍ‬
‫ليفة‬ ‫عظيم َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لرسول‬ ‫عجزة ُعظمى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة ُم‬ ‫اجلليل عىل‬ ‫ُ‬
‫اخلطاب‪ ،‬وس َّلم إىل ِ‬ ‫فوهب لِلسانِ ِه احلكم َة و َف َ‬
‫يده‬ ‫ِ َ َ‬ ‫صل‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫وخليفة م ًعا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫رسول‬ ‫كر َم َمن هو‬ ‫قد َّ‬
‫ِ‬
‫حيا‪ ،‬فال ُبدَّ َّ‬
‫أن‬ ‫حضا رص ً‬ ‫وهب للسانِ ِه ًّ‬ ‫َ‬ ‫الصنع َة البارع َة‪ ،‬وهو َي ُّض البرشي َة عىل االقتداء بام‬ ‫َّ‬
‫نعة ومهارة‪ٍ.‬‬ ‫يده من ص ٍ‬ ‫َحض عىل ما يف ِ‬ ‫ب وت ُّ‬ ‫هناك إشار ًة ت ِّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُرغ ُ‬
‫آتيت عبدً ا من عبادي‬ ‫الكريمة‪ :‬يا بني آد َم! لقد ُ‬‫ِ‬ ‫هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫يقول باملعنى اإلشاري ِ‬ ‫فسبحانه ُ‬
‫ِّ‬
‫ومألت قل َبه حكم ًة ل ُي َف ِّص َل‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب‪،‬‬ ‫آتيت لسانَه َ‬
‫فصل‬ ‫ضع ملا ك َّلفتُه به‪ُ ،‬‬
‫وخ َ‬ ‫أطاع أوامري َ‬ ‫َ‬
‫كالشم ِع‬
‫يكون الحديدُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البارعة ما‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫ووضعت يف ِ‬
‫يده من‬ ‫ٍ‬
‫ووضوح‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء عىل َب ِّي ٍنة‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫وإدامة دولتِه‬‫ِ‬ ‫أركان خال َفتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلرساء‬ ‫فيها‪ ،‬ف ُيغ ِّي ُـر شك َله كيفام يشا ُء‪ ،‬و َيستمدُّ منه قو ًة عظيم ًة‬
‫بالغة يف حياتِكُم االجتامع َّي ِة؛ فأنتم‬ ‫أمهية ٍ‬
‫ٍ‬ ‫عل‪ ،‬وذا‬ ‫وواق ًَعا فِ ً‬
‫كم ِه؛ فام دام هذا األمر ممكنًا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وح ِ‬
‫ُ‬
‫نعة‪ ،‬فيمك ُنكُم‬ ‫والص ُ‬ ‫ُ‬
‫احلكمة َّ‬ ‫أيضا َ‬
‫تلك‬ ‫ب لكم ً‬ ‫ُوه ُ‬‫أوامري التكويني َة ت َ‬‫ِ‬ ‫يا بني آد َم إن أطعتُم‬
‫من أن تقرتبوا منهام وتَبل ُغومها‪.‬‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫بمرور َّ‬
‫ِ‬
‫القوة‬ ‫جمال‬ ‫البرشية أقىص أمانيها يف الص ِ‬
‫ناعة‪ ،‬وكَس َبها القدر َة الفائق َة يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن بلو َغ‬
‫وهكذا َّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تستقطب‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فهذه‬ ‫ُّحاس ِ‬
‫(القطر)؛‬ ‫ِ‬ ‫احلديد وبإذا َب ِة الن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتليني‬ ‫املاد َّي ِة‪ ،‬إنَّام هو‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين إليها‪ ،‬فتُن ِّب ُه‬
‫الفني وكُساىل احلاض َ‬ ‫الس َ‬ ‫أنظار البرشية عا َّم ًة إىل هذه احلقيقة‪ ،‬وتلف ُت َن َظ َر َّ‬ ‫َ‬
‫درها‪.‬‬ ‫حق َق ِ‬ ‫رونا َّ‬
‫أولئك الذين ال ُيقدِّ َ‬ ‫َ‬

‫ومثال‪ ﴿ :‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ‪( ﴾..‬النمل‪.)40:‬‬
‫ممكن‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بعيدة ‪-‬عينًا أو صورةً‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫مسافات‬ ‫ِ‬
‫األشياء من‬ ‫إحضار‬ ‫تشري إىل َّ‬
‫أن‬ ‫فهذه اآلية‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫السالم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ديوان س ِّي ِدنا ُس َ‬
‫ِ‬ ‫احلادثة اخلار َق ِة التي وقعت يف‬
‫ِ‬ ‫وذلك بدال َلتِها عىل تلك‬
‫ليامن عليه َّ‬
‫لقيس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّحضري»‪ :‬أنا َ‬‫ِ‬ ‫وزرائ ِه الذي ُأوتِ ِ‬
‫ِ‬
‫بعرش َب َ‬ ‫آتيك‬ ‫غزيرا يف «علم الت‬
‫ـي ع ًلم ً‬ ‫َ‬ ‫عندما قال أحدُ‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪293‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫ٍ‬
‫بمعجزة‬ ‫لك والنبو َة م ًعا‪ ،‬وأكر َم ُه‬ ‫الم َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫السالم ُ‬ ‫سليامن عليه َّ‬ ‫ولقد آتى اهلل سبحانه سيدنا‬
‫أحوال َرعايا ُه‪ ،‬و ُمشاهدَ ِة‬ ‫ِ‬ ‫عوبة عىل‬ ‫ف وال ص ٍ‬
‫ُ‬
‫بنفس ِه وبال تَك ُّل ٍ‬ ‫املباش ِ‬‫يتمكن هبا من اال ِّطال ِع ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫أمور‬ ‫ط يف ِ‬ ‫الش َط ِ‬ ‫وصونِ ِه من َّ‬ ‫ِِ‬ ‫أوضاعهم‪ ،‬وسام ِع مظاملِ ِهم؛ فكانت هذه املعجز ُة َم َ‬ ‫ِ‬
‫ناط عصمته َ‬
‫ِ‬
‫اململكة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أرجاء‬ ‫دالة عىل‬ ‫راية الع ِ‬ ‫لبسط ِ‬‫ِ‬ ‫عية؛ وهي وسيل ٌة قوي ٌة‬ ‫الر ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫بلسان استعداداتِ ِه وقابلياتِ ِه التي‬ ‫ِ‬ ‫إليه‪ ،‬ويسأ ُل ُه‬ ‫إذن ويطم ِئن ِ‬
‫فمن يعتمدُ عىل اهلل سبحانه ْ َ َ ُّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسار يف حياته عىل َو ِ‬
‫تتحول ل ُه‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬ ‫الربان َّية‪،‬‬ ‫نن اإلهل َّية والعناية َّ‬ ‫فق ُّ‬ ‫َ‬ ‫طر عليها‪،‬‬ ‫ُف َ‬
‫طلب‬ ‫السالم‪ ،‬الذي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫منتظمة أما َم ُه كام َحدَ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫لسليامن عليه َّ‬ ‫ث‬ ‫مدينة‬ ‫الواسعة كأنَّـها‬ ‫الدُّ نيا‬
‫وصار ماثِ ًل أما َم ُه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رفة َع ٍ‬
‫ين‬ ‫حض يف َط ِ‬ ‫ِ‬
‫بلقيس ُفأ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫عرش‬ ‫إحضار‬
‫َ‬ ‫ُّبوة املعصو َم ِة‬ ‫بلسان الن ِ‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫احلاشية‬ ‫ِ‬
‫رجال‬ ‫أصوات‬
‫َ‬ ‫والش َّك َّ‬
‫أن‬ ‫اليمن؛ َ‬ ‫ِ‬ ‫كان يف‬ ‫الشا ِم بعد أن َ‬ ‫بالد َّ‬ ‫بعينِه أو بصورتِ ِه‪ ،‬يف ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫صو ِرهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذين كانوا َ‬
‫العرش قد ُسم َع ْت مع ُمشاهدة َ‬ ‫حول‬
‫ُ‬
‫فاآلية‬ ‫بعيدة؛‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مسافات‬ ‫ِ‬
‫واألصوات من‬ ‫الص َو ِر‬ ‫ِ‬ ‫تشري إشار ًة رائع ًة إىل‬ ‫فهذه ُ‬
‫إحضار ُّ‬ ‫اآلية ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫العدالة أنحا َء‬ ‫َ‬
‫تريدون أن تسو َد‬ ‫البالد! إن كنتُم‬ ‫احلكام! ويا من تس َّلمتُم َ‬
‫أمر‬ ‫ُ‬ ‫ختاطب‪ :‬أ ُّيها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرض كا َّف ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مشاهدة ما جيري يف‬ ‫السالم واس َعوا ِمث َل ُه إىل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مملكَتِكُم‪ ،‬فاقتدوا‬
‫بسليامن عليه َّ‬
‫دالة يف‬ ‫راية الع ِ‬ ‫سط ِ‬ ‫العادل الذي يتط َّلع إىل ب ِ‬ ‫ُ‬ ‫فاحلاكم‬ ‫ِ‬
‫أرجائها؛‬ ‫حيدث يف مجي ِع‬ ‫ُ‬ ‫ومعر َف ِة ما‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شف ُق عليهم‪ ،‬ال ُ‬ ‫أبناء مملكتِ ِه‪ ،‬وي ِ‬ ‫ؤون ِ‬ ‫لطان الذي يرعى ُش َ‬ ‫والس ُ‬ ‫ِ‬
‫يصل إىل ُمبتغا ُه‬ ‫ُ‬ ‫ُربو ِع البالد‪ُّ ،‬‬
‫َعم العدا َل ُة ح ًّقا‪ ،‬و ُي ِنق ُذ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬
‫أقطار مملكته؛ وعندئذ ت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الع ‪-‬متى شا َء‪ -‬عىل‬ ‫استطاع اال ِّط َ‬
‫َ‬ ‫إل إذا‬‫ّ‬
‫ِ‬
‫املعنوية‪.‬‬ ‫نفسه من املحاسب ِة والتَّبِع ِ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫آتيت عبدً ا من‬ ‫الكريمة‪ :‬يا بني آد َم! لقد ُ‬‫ِ‬ ‫فاهلل سبحانه خياطب باملعنى الرمزي هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫َّ ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األرض‬ ‫أحوال‬ ‫املباش عىل‬
‫الع َ َ‬‫نح ُت ُه اال ِّط َ‬ ‫كم مملكة واسعة شاس َعة األرجاء‪ ،‬و َم ْ‬ ‫عبادي ُح َ‬
‫ٍ‬ ‫هبت ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إنسان قابلي ًة‬ ‫لكل‬ ‫كنت قد َو ُ‬ ‫ُ‬ ‫كامل؛ و َلـمَّ‬
‫ً‬ ‫العدالة تطبي ًقا‬ ‫تطبيق‬ ‫َّن من‬ ‫وأحداثها ليتمك َ‬
‫يناسب‬‫ُ‬ ‫ريب أنِّي قد َز َّود ُت ُه ‪-‬بمقتىض ِحكمتي‪ -‬ما‬ ‫األرض‪ ،‬فال َ‬ ‫ِ‬ ‫ليكون خليف ًة يف‬
‫َ‬ ‫فطر َّي ًة‬
‫األرض بأطرافِها‬ ‫َ‬ ‫واستعدادات يتمكَّن هبا من أن ي ِ‬
‫شاهدَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫مواهب‬
‫َ‬ ‫الفطري َة‪ ،‬من‬ ‫تلك القابلي َة ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫بشخص ِه ّ‬
‫إل أ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫يبلغ ِ‬
‫هذه املرتب َة‬ ‫اإلنسان قد ال ُ‬ ‫َ‬ ‫غم من َّ‬
‫أن‬ ‫الر ِ‬ ‫در ُك؛ وعىل َّ‬ ‫ويدرك منها ما ُي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لألولياء‬ ‫حيصل‬‫ُ‬ ‫لوغها ماد ًّيا‪ ،‬فإ َّن ُه يب ُل ُغها معنو ًيا‪ ،‬كام‬‫يستطع ُب َ‬ ‫ِ‬ ‫بنوعه؛ وإن مل‬‫بلوغها ِ‬ ‫يتمكن ِمن ِ‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪294‬‬
‫ِ‬
‫العمل‬ ‫ِ‬
‫فسارعوا إىل‬ ‫ِّعمة املوهو َب ِة لكم؛‬
‫هذه الن ِ‬
‫احلني‪ ،‬فباستطاعتِكم إذن االستفاد ُة من ِ‬ ‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫األرض إىل ما ُيشبِ ُه َحديق ًة صغري ًة َغنَّا َء‪َ ،‬ت َ‬
‫ولون فيها‬ ‫َ‬ ‫اجلا ِّد واس َعوا سع ًيا حثي ًثا كي ت ِّ‬
‫ُحولوا‬
‫ناسني وظيف َة‬ ‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫وأخبارها من ِّ‬ ‫َسمعون أحدا َثها‬
‫َ‬ ‫َرون ِج ِ‬
‫هاتا ك َّلها وت‬ ‫وت َ‬
‫َ‬ ‫كل ناحية منها َ‬ ‫َ‬
‫الكريمة‪:‬‬
‫َ‬ ‫عبود َّيتِكم‪ ..‬تد َّبروا اآلي َة‬
‫﴿ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ (امللك‪.)15:‬‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫ثار ِة ِه َّم ِة‬ ‫ِ‬
‫الكريمة املتصدِّ َر ُة هلذا املثال إىل إِ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫ُومئ‬
‫وهكذا نرى كيف ت ُ‬
‫ِ‬
‫األماك ِن‬ ‫واألصوات من ِ‬
‫أبعد‬ ‫ِ‬ ‫الص َو ِر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وبعث اهتامماتِ ِه‬
‫ِ‬
‫إحضار ُّ‬
‫َ‬ ‫يستطيع هبا‬
‫ُ‬ ‫وسيلة‬ ‫الكتشاف‬
‫ِ‬
‫البرشية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ناعات‬ ‫الص‬ ‫ضمن ِّ‬
‫أدق ِّ‬ ‫َ‬ ‫وأقصاها‬
‫ومثال‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ (ص‪ ﴿ ،)38:‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﴾ (األنبياء‪)82:‬‬

‫والشياطني‬
‫َ‬ ‫الجن‬
‫َّ‬ ‫السالم‬ ‫َ‬
‫سليامن عليه َّ‬ ‫َسخيـر س ِّي ِدنا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة تُفيدُ ت‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫اجلن‬ ‫فاآليات ُ‬
‫تقول‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫رشور ُهم واستخدا َم ُهم يف ٍ‬ ‫واألرواح اخلبيث َة‪ ،‬ومن َع ُه‬
‫إن َّ‬ ‫ُ‬ ‫نافعة؛‬ ‫أمور‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يمكن أن ُيصبِحوا‬ ‫ُ‬ ‫الش ِ‬
‫عور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األرض من ذوي ُّ‬ ‫ون اإلنسان يف األمه َّي ِة يف ُسكنَى‬ ‫الذين َي ُل َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يمكن للشياطني أن َيدَ عوا عدا َء َهم‬
‫ُ‬ ‫ولقاء معهم‪ ،‬بل‬ ‫عالقة‬ ‫مكن إجيا ُد‬‫ُخدَّ ا ًما لإلنسان‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ِ‬
‫املنقادين‬ ‫عباد ِه‬
‫لعبد من ِ‬ ‫اإلنسان وخيدموه مضطرين كام س َّخرهم اهلل سبحانه وتعاىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مع‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫ألوامر ِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫اآليات‪ُّ :‬أيا اإلنسان! إين‬ ‫اإلنسان باملعنى الرمزي ِ‬
‫هلذه‬ ‫َ‬ ‫خياطب‬ ‫بمعنى َّ‬
‫أن اهلل سبحانه‬
‫َّ ِّ‬ ‫ُ‬
‫منقادين ِ‬
‫إليه ُم َّ‬
‫سخرين ل ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أطاعني و َأجع ُلهم‬
‫َ‬ ‫والشياطني وأرشارهم ٍ‬
‫لعبد قد‬ ‫َ‬ ‫سخ ُر ِال َّن‬
‫ُأ ِّ‬
‫َ‬
‫موجودات كثري ٌة بل حتى اجل ُّن‬
‫ٌ‬ ‫نفس َك ألمري وأطعتَني‪ ،‬قد ت َُس َّخ ُر َ‬
‫لك‬ ‫رت َ‬ ‫فأنت إن َّ‬
‫سخ َ‬ ‫َ‬
‫والشياطني ‪.‬‬
‫ويم ِة لالنتفاعِ‪ ،‬بل‬ ‫الس ِ‬
‫بل ال َق َ‬ ‫َ‬
‫أفضل ُّ‬
‫ِ‬
‫النهائية‪ ،‬وتُع ِّي ُن‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬ ‫الكريمة َت ُّ‬
‫ُط أقىص‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاآلية‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫امتزاج ُف ِ‬
‫نون‬ ‫ِ‬ ‫وماد َث ِة ِ‬
‫اجل ِّن‪ ،‬الذي ت ََر َّش َح من‬ ‫ِ‬
‫األرواح ُ‬ ‫ِ‬
‫حتضري‬ ‫أيضا إىل‬ ‫الس َ‬
‫بيل ً‬ ‫تفتح َّ‬
‫ُ‬
‫املادية منها واملعنو َّي ِة؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العادة‪،‬‬ ‫ومشاعر َ‬
‫فوق‬ ‫َ‬ ‫قوى‬ ‫وتظاهر مما تَنطوي عليه من ً‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وعلومه‪،‬‬
‫موضع‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫املشتغلون ِ‬
‫هبذه‬ ‫َ‬ ‫أصبح‬
‫َ‬ ‫احلاض ُ‬
‫حيث‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫األمر يف‬
‫ُ‬
‫ولكن ليس كام ِ‬
‫عليه‬ ‫ْ َ‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪295‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫رين‬ ‫وغدَ وا َم َّ‬ ‫ِ‬
‫األموات‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫استهزاء بل ألعوب ًة ِ‬
‫بيد ِال ِّن الذين‬
‫سخ َ‬ ‫ينتحلون أحيانًا أسما َء‬
‫ِ‬
‫الكريم مع‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫بأرسار‬ ‫َ‬
‫أولئك‬ ‫ِ‬
‫بتسخري‬ ‫ُ‬
‫يكون ذلك‬ ‫ِ‬
‫اخلبيثة‪ ،‬وإنَّام‬ ‫ِ‬
‫واألرواح‬ ‫ِ‬
‫للشياطني‬
‫ِ‬
‫رشورهم‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫َّجاة من‬
‫إن اآلي َة الكريم َة‪  ﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﴾ (مريم‪.)17:‬‬
‫ثم َّ‬

‫جلب س ِّي ِدنا‬ ‫ِ‬ ‫اآليات املشري ُة إىل‬‫ُ‬ ‫األرواح‪ ،‬وكذا‬ ‫ِ‬ ‫تشري إىل تَم ُّث ِل‬ ‫اآلية وأمثا ُلها التي ُ‬ ‫هذه ُ‬ ‫ِ‬
‫إشارتا إىل‬ ‫ِ‬ ‫الكريمة مع‬‫ُ‬ ‫اآليات‬ ‫وتسخريهم له؛ ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعفاريت‬ ‫السالم‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سليامن عليه َّ‬
‫األرواح ال َّط ِّي ِبة‬
‫ِ‬ ‫حتضري‬
‫َ‬ ‫غيـر َّ‬
‫أن‬ ‫أيضا؛ َ‬ ‫األرواح ً‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتضيـر‬ ‫ُشيـر إىل‬ ‫وحانيات فهي ت ِ‬‫ِ‬
‫َـم ُّث ِل ُّ‬
‫الر‬ ‫ت َ‬
‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫ِ‬
‫إحضار‬ ‫َ‬
‫املعارصون من‬ ‫يقوم به‬ ‫بالش ِ‬ ‫اآليات‪ -‬ليس هو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل الذي ُ‬ ‫‪-‬املشار إليه يف‬
‫ِ‬ ‫هو ِهم‬‫إىل مواض ِع َل ِ‬
‫بتلك‬ ‫يليق َ‬ ‫واستخفاف ال ُ‬
‫ٌ‬ ‫خيص‬ ‫وأماكن مالعبِهم والذي هو َه ْز ٌل َر ٌ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫حتضري‬ ‫يمكن‬ ‫فيه‪ ،‬بل‬ ‫رة اجلاد ِة‪ ،‬التي تَعمر عاملا ك ُّله ِجدٌّ ال ه ْز َل ِ‬ ‫األرواح املو َّق ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َّ‬
‫ين بن‬ ‫أمثال حمي الدِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هادف ‪-‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ولقصد ٍ‬
‫نبيل‬ ‫ٍ‬ ‫ألمر جا ٍّد‬‫صاحلون ٍ‬ ‫َ‬ ‫بمثل ما قا َم بِ ِه أوليا ٌء‬ ‫ِ‬
‫األرواح ال َّطيب َة متى شا ُءوا‪ ،‬فأص َب ُحوا ُهم منجذبِني إليها‬ ‫َ‬ ‫عريب‪ -‬الذين كانُوا يقابِ ُلون َ‬
‫تلك‬
‫َّقرب إىل عاملَها واالستفاد ُة‬ ‫ِ ِ‬
‫الذهاب إىل مواضعها والت ُ‬ ‫ُ‬ ‫ومرتبطني معها ومن ثم‬
‫َ‬ ‫ومنجلبني هلا‬
‫إشار ِتا َح ًّضا وتَشوي ًَقا‬ ‫ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُشعر يف َ‬ ‫الكريمة وت ُ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫تشري إليه‬
‫من ُروحان َّياتا؛ فهذا هو الذي ُ‬
‫أجمل‬ ‫َ‬ ‫َعرض‬ ‫واملهارات اخلف َّي ِة‪ ،‬وت ُ‬
‫ِ‬ ‫هذه العلو ِم‬ ‫ملثل ِ‬ ‫ِّهائية ِ‬ ‫احلدود الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َخط أقىص‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان وت ُّ‬
‫صور ِه وأفض َلها‪.‬‬ ‫َ‬
‫ومثال‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ (ص‪ ﴿ ،)18:‬ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ (سبأ‪  ﴿ )10:‬ﭶ ﭷ ﭸ ‪( ﴾..‬النمل‪)16:‬‬

‫َدل عىل َّ‬


‫أن اهلل‬ ‫السالم‪ ،‬ت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َذكر معجزات س ِّيدنا داو َد عليه َّ‬ ‫الكريمة التي ت ُ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫اجلميل ما‬ ‫ِ‬
‫واألداء‬ ‫الر ِ‬
‫خيم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نح تسبيحاتِه‬
‫والصوت َّ‬‫وأذكار ُه من القوة العظيمة َّ‬ ‫َ‬ ‫سبحانه قد َم َ‬
‫ٌ‬
‫إنسان‬ ‫كأنا‬ ‫ٍ‬ ‫وق‪ ،‬وكأنا ح ٍ‬ ‫وش ٍ‬
‫جد َ‬ ‫الجبال يف و ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأذكارا‪ ،‬أو َّ‬
‫ً‬ ‫تسبيحات‬ ‫عظيم تُر ِّد ُد‬
‫ٌ‬ ‫اك‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫جعل‬
‫ِ‬
‫احللقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رئيس‬ ‫كر َ‬
‫حول‬ ‫حلقة ِذ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ضخم ُيس ّب ُح يف‬
‫ٌ‬
‫فعل؟!‪.‬‬ ‫َ‬
‫حيدث هذا ً‬ ‫يمكن أن‬ ‫ٌ‬
‫حقيقة؟ وهل‬ ‫ُراك ِ‬
‫هذه‬ ‫‪ -‬أت َ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫يتكلم مع ِّ‬
‫كل‬ ‫يمكن أن‬ ‫جبل ذي ك ٍ‬
‫ُهوف‬ ‫كل ٍ‬‫أليس ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫قاطعة‪َ ،‬‬ ‫حلقيقة‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬إهنا‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪296‬‬

‫أيضا‪« :‬احلمدُ‬ ‫جبل‪ ،‬فهو ُ‬ ‫قلت‪« :‬احلمدُ هلل» أما َم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يقول ً‬ ‫يذكر ُه؟ فإن َ‬‫بلسانه‪ ،‬و ُير ِّد َد كالببغاء ما ُ‬
‫فيمكن‬ ‫ِ‬
‫للجبال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القابلية‬ ‫هلل» وذلك برج ِع الصدى‪ ..‬فام دام اهلل سبحانه وتعاىل قد وهب ِ‬
‫هذه‬
‫ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫أكثر من هذا؛ وحيث َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫إذن أن ت ِ‬
‫ص س ِّيدَ نا‬ ‫إن اهلل سبحانه قد َخ َّ‬ ‫وتنبسط َ‬ ‫القابلية‬ ‫ف هذه‬ ‫َنكش َ‬
‫القابلية لديه‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬ ‫ف بذر َة َ‬ ‫األرض فضال عن رسا َلتِه‪ ،‬فقد ك ََش َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بخالفة‬ ‫السالم‬ ‫داو َد عليه َّ‬
‫ظيمة‪،‬‬ ‫الواسعة واحلاكمي ِة الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسالة‬ ‫َ‬
‫شؤون‬ ‫عجزا عنده‪ ،‬بام ِ‬
‫يالئ ُم‬ ‫ونمـاها وبس َطها َبس ًطا ُم ً‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫تلميذ لديه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكأي‬ ‫ألمر ِه‪،‬‬
‫ندي مطي ٍع ِ‬ ‫اجلبال ُّ‬ ‫ُ‬ ‫حتى َغدَ ِ‬
‫ِّ‬ ‫كأي ُج ٍّ‬ ‫الش ُّم الروايس ُمنقاد ًة إليه ِّ‬ ‫ت‬
‫العظيم َج َّل جال ُل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫بحمد‬‫ِ‬ ‫الجبال تُس ِّب ُح‬ ‫ُ‬ ‫لذكره؛ فأصبحت تلك‬ ‫ِ‬ ‫مريد خاش ٍع‬ ‫وكأي ٍ‬
‫ِّ‬
‫واجلبال تر ِّد ُد ما يذك ُُر ُه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إل‬ ‫يذكر و ُيس ِّب ُح ّ‬ ‫وبأمره؛ فام َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫كان س ِّيدُ نا داو ُد ُ‬ ‫السالم‬ ‫بلسانه عليه َّ‬
‫ون‪« :‬اهلل‬ ‫اجلبال ير ِّد ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫املنترشين عىل‬
‫َ‬ ‫جيعل جنو َد ُه‬ ‫يستطيع أن َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اجليش‬ ‫إن القائدَ يف‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫تتكلم‬ ‫اجلبال هي التي‬ ‫َ‬ ‫كأن َ‬
‫تلك‬ ‫واملخابرات‪ ،‬حتى َّ‬ ‫ِ‬ ‫وسائل االت ِ‬
‫ِّصال‬ ‫ِ‬ ‫لديه من‬ ‫أكرب» بام ِ‬
‫ُ‬
‫اجلبال بِ ِ‬
‫لسان‬ ‫َ‬ ‫يستنطق ‪ -‬جماز ًّيا‪-‬‬ ‫َ‬ ‫يستطيع أن‬ ‫ِ‬
‫اإلنس‬ ‫وت ِّل ُل وتُك ِّب ُـر! َفلئن كان قائدً ا من‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫تنطق‬ ‫اجلبال ُ‬ ‫َ‬ ‫جيعل تلك‬ ‫يستطيع أن َ‬ ‫هيب هلل سبحانه وتعاىل؟ أال‬ ‫بقائد َم ٍ‬ ‫فكيف ٍ‬ ‫َ‬ ‫ساكنِيها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫أن‬ ‫السابقة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الكلامت»‬ ‫فضل عن أننا قد ب َّينا يف‬ ‫ً‬ ‫تسبيحا حقيق ًيا؟‪ ،‬هذا‬ ‫حقيق ًّيا وتُس ِّب ُح‬ ‫ِ‬ ‫نُط ًقا‬
‫ً‬
‫خمصوص ٌة‬ ‫َ‬ ‫مالئم ل ُه‪ ،‬وله عباد ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫خاص‬‫ٌّ‬ ‫تسبيح‬
‫ٌ‬ ‫جبل شخصي ًة معنوي ًة خاص ًة به‪ ،‬وله‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الئقة بِ ِه؛ فمثلام ُيس ِّب ُح ُّ‬
‫للخالق‬ ‫َسبيحات‬ ‫فإن له ت‬ ‫بأصوات ال َبرش‪َّ ،‬‬ ‫الصدى‬ ‫جبل بِ َر ْج ِع َّ‬
‫كل ٍ‬ ‫ٌ‬
‫اخلاص ِة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫اجلليل بألسنتِ ِه‬ ‫ِ‬

‫وكذلك‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﴾ (ص‪ )19:‬و ﴿ ﭶ ﭷ ﭸ‪( ﴾..‬النمل‪..)16:‬‬


‫َ‬

‫منطق‬
‫َ‬ ‫السالم‬ ‫َ‬
‫وسليامن عليهام َّ‬ ‫أن اهلل سبحانه قد ع َّل َم س ِّيدَ نا داو َد‬‫ـن َّ‬
‫اآليات تُب ِّي ُ‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫يمكن االستفاد ُة‬
‫ُ‬ ‫وكيف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األعامل تناس ُبها؟‬ ‫أي‬ ‫ِ‬
‫واستعداداتا‪ ،‬أي ُّ‬ ‫ِ‬
‫قابلياتا‬ ‫أنوا ِع ال ُّط ِ‬
‫يور‪ ،‬و ُلغ َة‬
‫منها؟‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نعم‪ ،‬مادام أنَّ ِ‬
‫لإلنسان‪،‬‬ ‫تكريم‬
‫ً‬ ‫قيم ْت‬ ‫األرض مائد ًة رحمان َّي ًة ُأ َ‬ ‫سطح‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫حقيقة‪ ،‬ومادا َم‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫لإلنسان‪،‬‬ ‫َّ‬
‫مسخر ًة‬ ‫ِ‬
‫املائدة‬ ‫يور التي تنتفع من ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫احليوانات وال ُّط ِ‬ ‫معظم‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫فيمكن إذن أن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الخدَ م َة‬
‫‪-‬تلكم َ‬
‫ُ‬ ‫َّحل ودود َة ال َق ِّز‬ ‫فاإلنسان الذي استخد َم الن َ‬
‫ُ‬ ‫وحتت ِخدمتِه؛‬
‫َ‬ ‫ضمن تَرص ِ‬
‫فه‬ ‫َ ُّ‬
‫بعض شؤونِهِ‬‫ِ‬ ‫الز َ‬ ‫َ‬
‫اجل يف‬ ‫استعمل الحما َم َّ‬ ‫وانتفع مما لدهيم من إهلا ٍم ٍّ‬
‫إهلي‪ ،‬والذي‬ ‫َ‬ ‫غار‪-‬‬
‫الص َ‬
‫َّ‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪297‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫محاسن جديدةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلضارة اإلنسانية‬ ‫فضم إىل‬ ‫ِ‬ ‫واستنطق الببغا َء وأمثا َله من‬ ‫وأعاملِ ِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫الطيور‪َّ ،‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫للطيور‪،‬‬ ‫الفطري‬ ‫ِ‬
‫االستعداد‬ ‫َ‬
‫لسان‬ ‫كثريا إذا ما َع ِلم‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫اإلنسان يمكنه أن يستفيدَ إذن ً‬ ‫هذا‬
‫وطوائف كثري ٌة جدً ا‪ ،‬كام استفا َد من‬
‫ُ‬ ‫أنواع‬ ‫احليوانات األخرى‪ ،‬حيث هي‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقابليات‬
‫ٌ‬
‫الز ِ‬
‫رازير»‬ ‫ِ‬
‫العصافيـر «من نو ِع َّ‬ ‫ِ‬
‫استعداد‬ ‫َ‬
‫لسان‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫األليفة؛ فمثال‪ :‬إذا َع ِلم‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‬
‫ِ‬ ‫نس َق أعما َلها فإنَّه‬ ‫ِ‬
‫ملكافحة‬ ‫يمكن أن ُي ّ‬
‫سخ َرها‬ ‫ُ‬ ‫أن تأك َله‪ ،‬وإذا ما َّ‬
‫اجلراد دون ْ‬ ‫التي تقيض عىل‬
‫أمور م ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫همة‪.‬‬ ‫انتفع منها واستخد َمها جمانًا يف ٍ ُ‬ ‫فيكون عندئذ قد َ‬‫ُ‬ ‫اجلراد‪،‬‬ ‫آفة‬
‫ِ‬
‫اجلامدات من‬ ‫ِ‬
‫واستنطاق‬ ‫ِ‬
‫الطيور واالنتفا ِع منها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫قابليات‬ ‫ِ‬
‫استغالل‬ ‫ُ‬
‫فمثل هذه األنوا ِع من‬
‫القصوى‪.‬‬ ‫الكريمة املذكور ُة املدى األقىص والغاي َة ُ‬
‫ُ‬ ‫ُط له ُ‬
‫اآلية‬ ‫ٍ‬
‫وحاك‪َ ،‬ت ُّ‬ ‫ٍ‬
‫هاتف‬
‫رت‬ ‫سخ ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان! لقد َّ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪ :‬يا بني‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫مزي هلذه‬ ‫ُ‬
‫الر ِّ‬ ‫فيقول اهلل سبحانه باملعنى َّ‬
‫خملوقات عظيم ًة يف ُملكي وأنطقتُها له‪ ،‬وجعلتُها‬ ‫ٍ‬ ‫جنسكُم‬‫ص من بني ِ‬ ‫خالص ُم ِل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لعبد‬
‫ملكه ودولتِه‪ ،‬وقد‬ ‫ُصان عدالتُه يف ِ‬ ‫نبوتُه‪ ،‬وت َ‬ ‫ُعص َم َّ‬ ‫مطيعني ل ُه‪ ،‬كي ت َ‬‫َ‬ ‫ُخدَّ ا ًما أمنا َء وجنو ًدا‬
‫وأودعت فيكم أمان ًة ُعظمى‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫ليصبح خليف َة‬ ‫َ‬ ‫ومواهب‬
‫َ‬ ‫آتيت كال منكم استعدا ًدا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ألوامر‬ ‫والجبال أن يحم ْلنَها‪ ،‬فعليكُم إذن أن تنقا ُدوا وختض ُعوا‬ ‫ُ‬ ‫واألرض‬
‫ُ‬ ‫السماوات‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫أب ِ‬
‫َ‬
‫فالطريق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمن بيده مقاليدُ هذه املخلوقات وزما ُمها‪ ،‬لتنقا َد إليكم مخلوقاتُه املبثو َث ُة يف ملكه؛‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫العظيم‪ ،‬وإذا‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫ِ‬
‫باسم‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫تلك‬ ‫ممهدٌ أما َمكُم إن استطعتُم أن تقبضوا ِزما َم َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تليق باستعداداتكُم ومواهبِكُم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سموتُم إىل مرتبة ُ‬ ‫َ‬
‫عب ال‬ ‫لهو ال معنًى ل ُه‪ ،‬وب َل ٍ‬ ‫اإلنسان أن ال تنشغل بِ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فاسع أ ُّيها‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة هكذا‬ ‫فام دام ِ‬
‫ت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫طلب َل ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ورائ ِه‪،‬‬
‫طائل من ِ‬ ‫َ‬
‫ألطف‬ ‫هو من‬ ‫والحما ِم والببغاء‪ ..‬بل َ‬
‫اسع يف‬ ‫َ‬ ‫كاالنشغال باحلاكي‬
‫ألذكار َك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلبال كاحلاكي‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فاجعل‬ ‫ألذ أنوا ِع التسل َي ِة‪..‬‬ ‫َسل بتسل َي ٍة هي من ِّ‬ ‫اللهو وأزكا ُه‪ ،‬وت َّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫والنباتات‬ ‫ِ‬
‫األشجار‬ ‫ِ‬
‫وتسبيح‬ ‫بنغامت ِذ ِ‬
‫كر‬ ‫ِ‬ ‫كام هي لس ِّي ِدنا داو َد عليه السالم‪ ،‬وشنِّف سم َع َك‬
‫صوتية‪ ..‬فبهذا‬ ‫ٍ‬ ‫َّسيـم لـها وكأهنا أوتار ٍ‬
‫آالت‬ ‫بمجر ِد َم ِّس الن ِ‬ ‫ُخرج أصواتًا رقيق ًة عذبـ ًة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫التي ت ُ‬
‫رب ُز أما َم َك يف ماه َّي ٍة‬ ‫ِ‬
‫الذاكرة المس ِّبحة‪ ،‬و َت ُ‬
‫األلسنة َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لك ألو ًفا من‬ ‫ُ‬
‫الجبال َ‬ ‫لوي ت ِ‬
‫ُظه ُر‬ ‫الذ ِ‬
‫كر ال ُع ِّ‬ ‫ِّ‬
‫سليامن‪-‬‬ ‫َ‬ ‫يور وتَل َب ُس ‪-‬كأهنا هدهدُ‬ ‫معظم ال ُّط ِ‬ ‫ٍ‬
‫وعندئذ َتتَز َّيا‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات؛‬ ‫ِ‬
‫أعاجيب‬ ‫ٍ‬
‫عجيبة من‬
‫ُ‬
‫تسلية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يك أ َّيام‬ ‫طيعني لك‪ ،‬فتُس ِّل َ‬ ‫َ‬ ‫فتصبح ُخدَّ ا ًما ُم‬ ‫ِ‬
‫الودود‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألنيس‬ ‫ِ‬
‫احلميم‬ ‫ِ‬
‫الصديق‬ ‫لباس‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪298‬‬
‫ٍ‬
‫قابليات‬ ‫ِ‬
‫انبساط‬ ‫الس ِام َي يسو ُقك إىل‬ ‫هلوا بري ًئا ال شائب َة فيه‪ ،‬فضال عن َّ‬ ‫وت َ‬
‫أن هذا الذكر َّ‬ ‫ُلهيك ً‬
‫ِ‬
‫السامية‬ ‫ِ‬
‫ماهية اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫السقوط من‬ ‫ول َ‬
‫بينك وبني‬ ‫ومواهب كانت مغمور ًة يف ماه َّيتِ َك‪َ ،‬فت َُح ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اهلاوية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حضيض‬ ‫ِ‬
‫اللهو التي ال مغزى هلا إىل‬ ‫أرضاب‬ ‫َ‬
‫جتذبك َبعدُ‬ ‫ومقام ِه الرفيعِ‪ ،‬فال‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ومثال‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾ (األنبياء‪.)69:‬‬
‫إشارات لطي َف ٍة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫السالم‪ ،‬وفيها‬ ‫ِ‬
‫إبراهيم عليه َّ‬
‫َ‬ ‫الكريمة تبني معجز َة س ِّي ِدنا‬
‫ُ‬ ‫هذه ُ‬
‫اآلية‬

‫أولاها‪ُ :‬‬
‫ب َهواها‬ ‫بيدها‪ ،‬فال ُ‬ ‫األسباب‪ -‬ليس أمرها ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعمل كيفام تشا ُء َح َس َ‬ ‫َ ُ‬ ‫‪-‬كسائر‬ ‫النار‬
‫إبراهيم ألنَّها‬
‫َ‬ ‫فر ُض عليها‪ ،‬فلم ت ِ‬
‫َحر ْق سيدَ نا‬ ‫فق ٍ‬
‫أمر ُي َ‬ ‫بمهمتِها َو َ‬
‫َّ‬ ‫تقوم‬
‫ُ‬ ‫بصرية‪ ،‬بل‬ ‫ٍ‬ ‫وبال‬
‫ِ‬
‫احلرق‪.‬‬ ‫ُأ ِم َر ْت بعد ِم‬
‫خياطب الربود َة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كاالحرتاق؛ فاهلل سبحانَه‬ ‫تؤثر‬
‫أي ُ‬ ‫حترق بربو َد ِتا‪ْ ،‬‬ ‫إن ِ‬
‫للنار درج ًة ُ‬ ‫ثانيتُها‪ّ :‬‬
‫النار يف‬ ‫إبراهيم‪ ،‬كام مل َت ِر ُقه احلرارةُ‪ ،‬أي َّ‬ ‫َ‬ ‫بلف َظ ِة‪« :‬سالما»(‪ )1‬بأن ال حترقي ِ‬
‫إن َ‬ ‫َ‬ ‫كذلك‬ ‫أنت‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تلك الدرجة تُؤ ِّث ُر بربو َدتا كأنَّها َت ِر ُق‪ ،‬فهي ٌ‬
‫نار وهي بر ٌد‪.‬‬ ‫َ‬
‫صورة ٍ‬
‫نار‬ ‫ِ‬ ‫درجات ُمتفاوت ٌة‪ ،‬منها درج ٌة عىل‬ ‫ِ‬
‫الطبيعيات‪ -‬هلا‬ ‫النار ‪-‬كام يف ِ‬
‫علم‬ ‫نعم َّ‬
‫ٌ‬ ‫إن َ‬
‫َ‬
‫حولا‬ ‫هبذه الب ِ‬
‫ودة ما‬ ‫ِ‬ ‫َجمدُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫حولا من احلرارة‪ ،‬فت َ‬ ‫تكسب مما‬
‫ُ‬ ‫حرار َتا بل‬
‫َ‬ ‫َنش‬
‫بيضا َء ال ت ُ ُ‬
‫حترق بربو َد ِتا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ألوان الن َِّار ُ‬ ‫مهرير ٌ‬
‫لون من‬ ‫الز‬
‫ربودتا‪ ،‬وهكذا َّ‬ ‫ِ‬ ‫وائل‪ ،‬وكأهنا َت ِ‬
‫ـر ُق بِ‬ ‫الس ِ‬
‫ُ‬ ‫من َّ‬
‫ِ‬
‫أنواعها‪.‬‬ ‫ومجيع‬ ‫النار‬ ‫ِ‬
‫درجات ِ‬ ‫مجيع‬
‫َ‬ ‫تضم َ‬ ‫جهنم التي ُ‬‫َ‬ ‫رضوري يف‬
‫ٌّ‬ ‫فوجو ُده إذن‬
‫املؤمنني‬
‫َ‬ ‫جهنم‪ ،‬و ُينجي‬
‫َّ‬ ‫مفعول ِ‬
‫نار‬ ‫َ‬ ‫اإليامن الذي هو «ماد ٌة معنوي ٌة» ُ‬
‫يمنع‬ ‫ُ‬ ‫ثالثتُها‪ :‬مثلام‬
‫متنع‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صني من ِ‬ ‫رع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫منها؛ وكام َّ‬
‫مادية» ُ‬ ‫هناك «ماد ٌة‬ ‫كذلك‬ ‫النار‪،‬‬ ‫وحصن َح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واق‬ ‫أن اإلسال َم د ٌ‬
‫ألن اهلل سبحان ُه جيري إجراءاتِه يف هذه الدنيا‪ ،‬التي هي‬ ‫رع أما َمها‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫نار الدُّ نيا‪ ،‬وهي د ٌ‬ ‫تأثري ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جسم‬
‫َ‬ ‫«احلكيم»‪ ،‬لذا مل َترق ُ‬
‫النار‬ ‫ِ‬ ‫وذلك بمقتىض اسمه‬ ‫َ‬ ‫حتت ستار األسباب‪،‬‬ ‫دار احلكمة‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ترمز إىل‪:‬‬‫اآلية ُ‬ ‫ِ‬
‫أيضا‪ ،‬فهذه ُ‬‫رق ثيا َبه ومالبِ َس ُه ً‬ ‫السالم مثلام مل َت ْ‬ ‫ِ‬
‫إبراهيم عليه َّ‬
‫َ‬ ‫س ِّيدنا‬
‫إبراهيم‪،‬‬
‫َ‬ ‫لباس‬
‫لباس التَّقوى وهو ُ‬
‫لباسكم َ‬ ‫َ‬
‫يكون ُ‬ ‫بإبراهيم‪ ،‬كي‬
‫َ‬ ‫إبراهيم! اقتدُ وا‬
‫َ‬ ‫«يا م َّل َة‬
‫األكرب‪ِ ،‬‬
‫النار؛ فلقد خ َّبأ‬ ‫ِ‬ ‫عدوك ُُم‬ ‫ِ‬ ‫وليكون ِحصنًا مانعا ِ‬ ‫َ‬
‫رعا واق ًيا يف الدنيا واآلخرة جتاه ِّ‬
‫ود ً‬ ‫ً‬

‫رق بربو َد ِتا‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬


‫التفاسري أنه‪ :‬لو مل يقل «سال ًما» لكانت َت ُ‬ ‫يذكر أحدُ‬
‫(‪ُ )1‬‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪299‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫ِ‬
‫واإليامن‬ ‫لباس التَّقوى‬‫رش الن َِّار‪ ،‬كام يقيكُم ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض حتف ُظكم من ِّ‬ ‫سبحانه لكم موا ًدا يف‬
‫ِ‬
‫واكتش ُفوا هذه املوا َّد املانع َة من‬ ‫فهلموا‬ ‫جهنم‪..‬‬ ‫شـر ِ‬
‫نار‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫أرواحكم‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫الذي أل َبست ُُموه‬
‫ِ‬
‫بحوثه‬ ‫اإلنسان حصيل َة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض وال َب ُسوها»؛ وهكذا وجدَ‬ ‫باط ِن‬‫احلرارة واستَخرجوها من ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫لباسا وثيا ًبا‪.‬‬
‫يصنع منها ً‬
‫َ‬ ‫النار‪ ،‬بل تقاو ُمها فيمكنُه أن‬‫واكتشافاته ماد ًة ال َتر ُقها ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للامدة‬ ‫اإلنسان‬ ‫اكتشاف‬ ‫لوها عىل‬
‫وع ِّ‬ ‫فقارن هذه اآلي َة الكريم َة‪ ،‬وق ْس مدى ُس ِّ‬
‫موها ُ‬
‫«حنِي ًَفا ُم ْس ِل ًَم» ال‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬
‫كيف أهنا تدل عىل ُح َّلة َقشيبة نُس َجت يف مصن ِع َ‬‫للنار‪ ،‬واعلم َ‬ ‫املضا َّد ِة ِ‬
‫وهبائها إىل ِ‬
‫األبد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َتمزق وال تَخ َل ُق وتبقى ُمتفظ ًة بجامهلا‬
‫ت ُ‬

‫(البقرة‪)31:‬‬ ‫ومثال‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾‬


‫السالم‪ ،‬يف دعوى ِخال َفتِ ِه الكُربى‪ ،‬هي‬ ‫ِ‬ ‫اآلية َّ‬
‫أن املعجز َة الكُربى آلد َم عليه َّ‬ ‫هذه ُ‬ ‫تُبين ِ‬
‫ِّ ُ‬
‫ِ‬
‫األسامء‪.‬‬ ‫تعليم‬
‫ُ‬
‫خاص ٍة ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫لكل منهم‪َّ ،‬‬
‫فإن معجز َة أيب‬ ‫معجزات سائ ِر األنبياء إىل خارقة َبرشية َّ‬ ‫ترمز‬
‫فمثلام ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احة إىل منتهى‬ ‫تشيـر إشار ًة قريب ًة من الصَّ‬
‫ُ‬ ‫السالم‪،‬‬
‫وفاتح ديوان النَّبوة آد َم عليه َّ‬‫ِ‬ ‫األنبياء‬
‫اإلشاري‬
‫ِّ‬ ‫يقول باملعنى‬ ‫روة ُرق ِّي ِه‪ ،‬وإىل أقىص أهدافِ ِه‪َ ،‬‬
‫فكأ َّن اهلل سبحا َن ُه ُ‬ ‫الكامل البرشي‪ ،‬و ُذ ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬

‫املالئكة كان بام ع َّلمتُه األسما َء‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اخلالفة عىل‬ ‫تفو َق أبيكم آد َم يف دعوى‬ ‫يا بني آد َم!‪َّ ..‬‬
‫إن ُّ‬
‫ك َّلها‪ ،‬وأنتم َبنو ُه ووارثو استعداداتِ ِه‪ ،‬ومواهبِ ِه فعليكُم أن تتعلموا األسام َء ك َّلها لتُثبتوا‬
‫الطريق أما َمكم لبلو ِغ أسمى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األمانة ال ُعظمى‪ ،‬فلقد ُم ِّهدَ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات لتسن ُِّم‬ ‫جدارتَكم أما َم‬
‫خمة؛ فه َّيا انطلقوا‬ ‫الض ُ‬ ‫ُ‬
‫املخلوقة َّ‬ ‫األرض‪ ،‬هذه‬ ‫وس ِّخ ْ‬
‫رت لكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫املراتب العالية يف الكون‪ُ ،‬‬
‫اسم من أسامئي احلسنى‪ ،‬واعتصموا‬ ‫بكل ٍ‬ ‫ِ‬
‫واستمسكُوا ِّ‬ ‫مفتوح أما َمكم‪..‬‬ ‫فالطريق‬
‫ُ‬ ‫وتقدَّ ُموا‪،‬‬
‫ٌ‬
‫فهبط من اجلن َِّة‬ ‫َ‬ ‫الشيطان أباكُم مر ًة واحدةً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َسموا وترتف ُعوا؛ واحذروا! فلقد أغوى‬ ‫به‪ ،‬لت ُ‬
‫ِ‬
‫الشيطان يف ُرق ِّيكُم وتَقدُّ ِمكُم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫األرض مؤقتًا‪ ،‬فإ َّياكُم أن تتب ُعوا‬ ‫ِ‬
‫العالية‪ -‬إىل‬ ‫ِ‬
‫املنـزلة‬ ‫‪-‬تلك‬
‫ِ‬
‫الطبيعية‪ ..‬ارفعوا‬ ‫ِ‬
‫املادية‬ ‫ِ‬
‫ضاللة‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية إىل‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‬ ‫ِ‬
‫ساموات‬ ‫فيكون ذريع َة تَر ِّديكُم من‬ ‫َ‬
‫ورق َّيكم ُس ًلَّم‬ ‫أسامئي احلسنى‪ ،‬واجعلوا علو َمكم ُ‬ ‫َ‬ ‫والفكر يف‬
‫َ‬ ‫رؤوسكم عال ًيا‪ ،‬و َأنعموا َ‬
‫النظر‬ ‫َ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪300‬‬
‫ِ‬
‫األصلية‪،‬‬ ‫علومكُم وكاملِكم‪ ،‬وتَصلوا إىل ِ‬
‫منابعها‬ ‫ِ‬ ‫حقائق‬ ‫الساموات‪ ،‬لِت ْبل ُغوا‬
‫ِ‬ ‫راقي إىل َ‬
‫تلك‬
‫َ‬ ‫و َم َ‬
‫ِ‬
‫ببصرية قلوبِكم إىل ر ِّبكُم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمنظار تلك األسامء‬ ‫تلك هي أسامئي احلسنى‪ ،‬وانظروا‬

‫رس َأهم‬ ‫ٍ‬ ‫بيان ن ٍ‬


‫وإيضاح ٍّ‬
‫ُ‬ ‫مهمة‬ ‫ُكتة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫ٍ‬
‫استعدادات‪ -‬من‬ ‫جامعية ما أودع اهلل ِ‬
‫فيه من‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان ‪-‬من ُ‬
‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫كل ما نا َل ُه‬
‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬
‫واالكتشافات‪ ،‬تُع ِّب ُر عن ُه‬ ‫ِ‬
‫ناعات‬ ‫الص‬ ‫ِ‬ ‫الفني‪ ،‬ووصولِه إىل‬ ‫العلمي والتقد ِم‬
‫خوراق ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫رمز‬ ‫التعبري ينطوي عىل ٍ‬ ‫األسامء‪ ﴿ :‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﴾ ‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتعليم‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬
‫ُ‬
‫كان‪ -‬حقيق ًة‬ ‫ولكل تقدمٍ‪ ،‬ولكل َف ٍن ‪-‬أ ًيا َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ولكل علمٍ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كمال‪،‬‬ ‫أن ِّ‬
‫لكل‬ ‫ودقيق‪ ،‬وهو‪َّ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫رفي ٍع‬
‫األسماء الحسنى‪ ،‬وباستنادها إىل ذلك‬ ‫ِ‬ ‫سامي ًة عالي ًة؛ وتلك الحقيق ُة تستندُ إلى اس ٍم من‬
‫العلم‬
‫ُ‬ ‫ذلك‬ ‫ٍ‬
‫ظهور متباين ٌة‪ -‬جيدُ َ‬ ‫ودوائر‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫متنوعة‪،‬‬ ‫وجتليات‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خمتلفة‪،‬‬ ‫ب‬ ‫االسم ‪-‬الذي له ُح ُج ٌ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫كل منها كما َل ُه‪ ،‬و ُيصبِ ُح حقيق ًة ً‬
‫وإل فهو ظ ٌّل ٌ‬
‫ناقص‬ ‫فعل‪ّ ،‬‬ ‫نعة‪ٌّ ،‬‬
‫الص ُ‬
‫وتلك َّ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫الكامل‬ ‫َ‬
‫وذلك‬
‫مبتور ِ‬
‫باه ٌت ُم َش َّو ٌش‪.‬‬ ‫َ ٌ‬
‫اسم‬ ‫ُ‬
‫الوصول إىل ِ‬ ‫ُ‬
‫وغاية ُمنتهاها هي‬ ‫علم من العلو ِم‪ ،‬وحقيقتُها‬
‫‪-‬مثل‪ٌ -‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فاهلندسة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫االسم‬ ‫َ‬
‫لذلك‬ ‫احلكيمة‬ ‫َّجليات‬
‫مشاهدة الت‬ ‫«العدل» و«المقدِّ ِر» من األسامء ا ُ‬
‫حلسنى‪ ،‬وبلو ُغ‬
‫بكل عظمتِها وهيبتِها يف ِ‬
‫مرآة ِ‬
‫علم «اهلندسة»‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫نفسه‪ ،‬فمنتها ُه وحقي َقتُه َيستندُ ً‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫وم ٌ‬
‫هنة يف‬ ‫‪-‬مثل‪ -‬علم ومهار ٌة ِ‬‫ً‬ ‫والطب‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫صبح حقيق ًة ً‬
‫فعل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األسامء احلسنى وهو َّ‬ ‫إىل ٍ‬
‫الطب إىل كامله و ُي ُ‬‫ُّ‬ ‫فيصل‬ ‫«الشايف»؛‬ ‫اسم من‬
‫ِ‬
‫األرض الذي‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫ِ‬
‫املبثوثة عىل‬ ‫ِ‬
‫األدوية‬ ‫الرحيمة السم َّ‬
‫«الشايف» يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمشاهدة التجليات َّ‬
‫ُيم ِّث ُل صيدل َّي ًة عظمى‪.‬‬
‫والنبات واحليوان ‪-..‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والكيمياء‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كالفيزياء‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫ُ‬
‫تبحث يف‬ ‫والعلوم التي‬
‫ُ‬
‫بمشاهدة التجلياتِ‬ ‫ِ‬ ‫تكون حكم ًة حقيقي ًة‬‫َ‬ ‫يمكن أن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫«حكمة األشياء»‬ ‫العلوم التي هي‬ ‫هذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ور ٍ‬
‫عاية؛‬ ‫ٍ‬
‫وتربية‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫تدبري‪،‬‬ ‫جتليات‬ ‫ِ‬
‫جل جال ُله يف األشياء‪ ،‬وهي‬ ‫السم اهلل «احلكيم» َّ‬
‫ِ‬ ‫الكُربى‬
‫ُ‬
‫احلكمة حكم ًة ح ًّقا‪ ،‬أي‬‫ُ‬ ‫تصبح َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬
‫األشياء ومصاحلها‬ ‫ِ‬
‫التجليات يف مناف ِع‬ ‫ِ‬
‫وبرؤية هذه‬
‫ُ‬
‫فعل‪َّ ،‬‬
‫وإل فإ َّما َّأنا‬ ‫ُصبح حكم ًة ً‬ ‫ذلك ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫«احلكيم» وإىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باستنادها إىل َ‬
‫هري ت ُ‬ ‫االسم‬ ‫ذلك‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪301‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُصبح عب ًثا ال َ‬ ‫ٍ‬
‫الضاللة‪ ،‬كام هو‬ ‫تفتح سبيال إىل‬
‫طائل من ورائها‪ ،‬أو ُ‬ ‫تنقلب إىل ُخرافات وت ُ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫املادية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الطبيعية‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة‬ ‫ُ‬
‫احلال يف‬
‫ِ‬
‫والكامالت‪..‬‬ ‫ِ‬
‫والفنون‬ ‫مرت‪ِ ..‬ق ْس عليها بقي َة العلو ِم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الثالثة كام َّ‬ ‫األمثلة‬ ‫فإليك‬
‫شريا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التشويق عىل َظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫هبذه ِ‬ ‫القرآن الكريم ِ‬ ‫ُ‬
‫هر البرشية ُم ً‬ ‫الكريمة يدَ‬ ‫اآلية‬ ‫ُ‬ ‫يرضب‬
‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫الوصول إليها يف‬ ‫ِ‬
‫ب التي َق ُصرت ً‬
‫كثريا عن‬ ‫احلدود وأقىص املراتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأبعد‬ ‫إىل أسمى الن ِ‬
‫ُّقاط‬
‫احلاض‪ ،‬وكأنَّه يقول هلا‪ :‬ه َّيا تَقدَّ مي‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫تَقدُّ ِمها‬
‫الباب‪.‬‬ ‫ُغلق هذا‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪ ،‬ون ُ‬ ‫اخلزينة العظمى هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫اجلوهر الن ِ‬
‫َّفيس من‬ ‫ِ‬ ‫نكتفي هبذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫سل‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫املرس ِل َ‬ ‫ديوان الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومثال‪َّ :‬‬
‫جميع معجزات ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ني‪ ،‬الذي تُعدُّ‬ ‫َ‬ ‫ُّبوة‪ ،‬وس ِّيدَ‬ ‫إن خات ََم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواضحة‬ ‫اآلية‬ ‫العاملني‪ ،‬وهو‬
‫َ‬ ‫لتصديق دعوى رسالته‪ ،‬والذي هو َف ُ‬
‫خر‬ ‫معجز ًة واحد ًة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعليم‬‫السالم ً‬ ‫مراتب األسامء احلسنى ك ِّلها التي ع َّل َمها اهلل سبحانَه آد َم عليه َّ‬ ‫امل َف َّص ُ‬
‫لة جلمي ِع‬
‫(‪)1‬‬
‫القمر‪،‬‬ ‫فشق‬ ‫ِ‬
‫بجالل اهلل َّ‬ ‫رفع ُأص ُب َع ُه عال ًيا‬ ‫احلبيب حممدٌ ﷺ الذي َ‬ ‫الر ُ‬
‫سول‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫مل‪ ..‬ذلكم َّ‬ ‫ُم ً‬
‫ِ‬
‫املعجزات‬ ‫كالكوثر‪ )2(..‬وأمثا ُلها من‬ ‫ِ‬ ‫ففج َر ما ًء‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وخ َف َض األُص ُب َع‬ ‫َ‬
‫بجامل اهلل َّ‬ ‫نفسه‬ ‫المبارك َ‬
‫الكريم معجز ًة‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫أظهر‬ ‫الكريم ﷺ‬ ‫ُ‬
‫الرسول‬ ‫األلف‪ ..‬هذا‬ ‫ِ‬ ‫الباهرات التي تزيدُ عىل‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫واإلنس‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫َ‬ ‫الجن‬
‫َّ‬ ‫كربى تتحدى‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ ‪( ‬اإلرساء‪.)88:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنس ِ‬
‫واجل ِّن إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز‬ ‫وجوه‬ ‫أبرز‬ ‫أنظار‬
‫ب َ‬ ‫وأمثالا من اآليات َتل ُ‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫فهذه ُ‬
‫اآلية‬
‫ٍ‬
‫جزالة‪ ،‬وإىل‬ ‫ِ‬
‫والحقيقة‪ -‬من‬ ‫‪-‬احلق‬
‫ِّ‬ ‫ُلفتُها إىل ما يف بيانِ ِه‬
‫املعجزة اخلالدَ ِة وأس َط ِعها‪ ،‬فت ِ‬
‫ِ‬ ‫يف ِ‬
‫هذه‬
‫ٍ‬
‫وشمول‪ ،‬وإىل ما يف أساليبِه‬ ‫ٍ‬
‫جامعية‬ ‫ٍ‬
‫فائقة‪ ،‬وإىل ما يف معانيه من‬ ‫ٍ‬
‫بالغة‬ ‫ِ‬
‫تعابريه من‬ ‫ما يف‬
‫اإلنس‬ ‫املعجز‪ ،‬وما زال كذلك يتحدَّ ى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫وع ٍ‬
‫ذوبة‪ ..‬فتحدَّ ى‬ ‫ور ٍ‬
‫فعة ُ‬ ‫سمو ِ‬ ‫ِ‬
‫املتنوعة من ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫أعدائ ِه‪ ،‬داف ًعا‬
‫ِ‬ ‫أوليائ ِه‪ُ ،‬مركًا ساكن ِ‬
‫ِ‬ ‫الش َ‬
‫تقليده‪،‬‬ ‫اجلميع إىل‬
‫َ‬ ‫عناد‬ ‫َ‬ ‫وق يف‬ ‫واجلن قاطب ًة‪ُ ،‬م ً‬
‫ثريا َّ‬ ‫َّ‬
‫يضع هذه املعجز َة الكربى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َرغيب َشديد‪ ،‬لإلتيان بنظريه‪ ،‬بل إنَّه سبحانه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم وت‬ ‫ٍ‬
‫بشوق‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬تفسري سورة القمر ‪ ،1‬املناقب ‪27‬؛ مسلم‪ ،‬صفة املنافقني ‪46‬؛ الرتمذي‪ ،‬تفسري سورة القمر ‪5‬؛ أمحد بن‬
‫حنبل‪ ،‬املسند ‪.82/4 ،20 ،207/3‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬الوضوء ‪ ،32‬املناقب ‪ ،25‬األرشبة ‪ ،31‬املغازي ‪35‬؛ مسلم‪ ،‬الزهد ‪ ،74‬الفضائل ‪6 ،5‬؛ الرتمذي‪ ،‬املناقب‬
‫‪6‬؛ النسائي‪ ،‬الطهارة ‪.61‬‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪302‬‬
‫هذه الدنيا ليست‬ ‫اإلنسان إىل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جميء‬ ‫ِ‬
‫أنظار األنا ِم يف موق ٍع رفي ٍع َ‬
‫لكأ َّن الغاي َة الوحيد َة من‬ ‫أما َم‬
‫دستور حياتِه‪ ،‬وغاي َة ُمنا ُه‪.‬‬
‫َ‬ ‫اذ ِه َ‬
‫تلك المعجز َة العظمى‬ ‫ــات ِ‬‫َتيج ِة ِخل َقته بِ ِّ‬ ‫الس ِ‬
‫عي إىل ن َ‬ ‫سوى َّ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫خارقة‬ ‫تشري إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫نَخ ُل ُص مما تَقدَّ َم‪َّ :‬‬
‫الم ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫عليهم َّ‬ ‫ُ‬ ‫األنبياء‬ ‫معجزات‬ ‫معجزة من‬ ‫كل‬
‫س‬ ‫هر ِ‬ ‫تشري إىل فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السالم فهي ُ‬ ‫الصناعات ال َبرشية؛ أ َّما ُمعجز ُة س ِّيدنا آد َم عليه َّ‬ ‫خوارق ِّ‬ ‫من‬
‫س الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعة‬ ‫إشار ِتا إىل ُأ ُس ِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُشو ُق إليها مجي ًعا مع‬ ‫خوارق العلو ِم والفنون والكامالت‪ ،‬وت ِّ‬
‫إِشار ًة جممل ًة ُمترصةً‪.‬‬
‫فألن‬ ‫عج ِز‪َّ ،‬‬ ‫البيان الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكريم ذو‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫األعظم ﷺ وهي‬ ‫ِ‬ ‫للرسول‬‫ِ‬ ‫أ َّما املعجز ُة الكربى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصائب َة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫األسامء تَتجلَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حقيق َة‬
‫األهداف َّ‬ ‫َ‬ ‫يبني‬‫أتم‪ ،‬فإنَّه ُ‬ ‫وبتفصيل َّ‬ ‫بوضوح تا ٍّم‪،‬‬ ‫فيه‬ ‫تعليم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيسوق‬ ‫عادتام‪،‬‬ ‫وس َ‬ ‫بوضوح كامالت الدنيا واآلخرة َ‬ ‫ٍ‬ ‫للعلو ِم احل َّقة وللفنون احلقيق َّية‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ظهر‬
‫أن‪:‬‬ ‫َّشويق ْ‬ ‫بأسلوب الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيه رغب ًة شديد ًة فيها‪ ،‬حتى إنَّه يبني‬ ‫البرش إليها ويوجهه نحوها‪ ،‬مثريا ِ‬
‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫َ‬
‫بعبودية ك ِّل َّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ك أنت‬ ‫قيام َ‬
‫الكون هو ُ‬ ‫ِ‬ ‫خلق هذا‬ ‫المقصدَ األسمى من ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن‬
‫اإلنسان! َّ‬ ‫ُ‬ ‫أيها‬
‫بودية بالعلو ِم‬ ‫ك أنت هي بلو ُغ تلك الع ِ‬ ‫خلق َ‬ ‫وإن الغاي َة ال ُقصوى من ِ‬ ‫بوبية‪َّ ،‬‬ ‫تجاه تظاه ِر الر ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫َ‬
‫أواخر أ َّي ِامها‬ ‫ِ‬ ‫أن ال َبرشي َة يف‬ ‫شريا هبا إىل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والكماالت؛ فيع ِّب ُر‬ ‫ِ‬
‫بتعابري متنوعة رائعة معجزة ُم ً‬ ‫َ‬
‫كل ُق َّو ِتا من العلو ِم‬ ‫الفنون‪ ،‬وستَستمدُّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنصب إىل‬ ‫ستنساب إىل العلو ِم‪ ،‬وت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫األرض‬ ‫عىل‬
‫ِ‬
‫والقوة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلكم‬ ‫العلم زما َم‬ ‫والفنون فيتس َّل َم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫كثريا‪ ،‬فكأنَّه‬ ‫ويكر ُرمها ً‬ ‫وبالغ َة الكال ِم مقدَّ ًما ِّ‬ ‫َ‬ ‫البيان‬ ‫يسوق جزال َة‬ ‫ُ‬ ‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫وملا كان‬
‫ان أزهى‬ ‫نون‪ ،‬سيلبس ِ‬ ‫أن البالغ َة واجلزال َة يف الكال ِم‪ ،‬ومها من أسط ِع العلو ِم وال ُف ِ‬ ‫يرمز إىل َّ‬ ‫ُ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬
‫سالحهم من‬ ‫ِ‬ ‫يستلهمون أمىض‬ ‫الناس‬ ‫الزمان‪ ،‬حتى َيغدُ و‬ ‫ِ‬ ‫صو ِر ِها يف ِ‬
‫آخر‬ ‫ُح َل ِل ِهام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأروع َ‬ ‫َ‬
‫أفكارهم‬ ‫ِ‬ ‫األداء؛ وذلك عند ِ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالغة‬ ‫قو ِتم من‬ ‫َ‬ ‫وس ِ‬ ‫البيان ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرهب َّ‬ ‫َ‬ ‫ويستلمون‬ ‫حره‪،‬‬ ‫جزالة‬
‫وقراراتم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫آرائهم‬ ‫تنفيذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اآلخرين هبا‪ ،‬أو عندَ‬ ‫عتقداتم إلقنا ِع‬ ‫ِ‬ ‫و ُم‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫كامل ٍ‬ ‫خلزينة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سبق‪َّ :‬‬ ‫َحص ُل ممَّا َ‬
‫ولكنـز‬ ‫فائق‪،‬‬ ‫مفتاح‬
‫ٌ‬ ‫الكريمة إنام هي‬ ‫اآليات‬ ‫أكثر‬
‫أن َ‬ ‫ن ُ‬
‫(الكلامت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاجعل‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫الكريم ونجو َم‬ ‫ِ‬ ‫الق ِ‬
‫رآن‬ ‫ساموات ُ‬ ‫ِ‬ ‫شئت أن َ‬
‫تبلغ‬ ‫عظيم؛ فإن َ‬ ‫ٍ‬ ‫علمي‬‫ٍّ‬
‫شمس‬ ‫ِ‬ ‫الوصول إليها‪ )1(،‬وشاهد هبا مدى سطو ِع‬ ‫ِ‬ ‫درجا لس َّل ِم‬ ‫عشرين ً‬ ‫السابق َة)‬
‫َ‬ ‫العرشين َّ‬ ‫َ‬
‫شعاعا ُس َّل ٌم ذو‬
‫ً‬ ‫وثالثني ملع ًة وثالث َة َ‬
‫عرش‬ ‫َ‬ ‫وثالثني مكتو ًبا وإحدى‬
‫َ‬ ‫وثالثني كلم ًة وثالث ًة‬
‫َ‬ ‫(‪ )1‬بل إن ثال ًثا‬
‫ِ‬
‫للصعود‪( ،‬املؤلف)‬ ‫وعرشين مرتب ًة‬ ‫ٍ‬
‫مائة‬
‫َ‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪303‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫ِ‬
‫وحقائق‬ ‫ِ‬
‫األلوهية‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫باهرا عىل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نوره ً‬ ‫القرآن َ‬ ‫ينشـر‬
‫ُ‬ ‫العظيم‪ ،‬وتأ َّمل كيف‬ ‫القرآن‬
‫ِ‬
‫املوجودات‪.‬‬ ‫اطع عىل ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َ‬ ‫ينشـر الضيا َء َّ‬ ‫ُ‬ ‫وكيف‬
‫َ‬ ‫واملخلوقات‪،‬‬ ‫املوجودات‪،‬‬
‫نوع من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النتيج ُة‪ :‬ما دامت‬
‫السالم هلا ٌ‬ ‫عليهم َّ‬ ‫ُ‬ ‫األنبياء‬ ‫معجزات‬ ‫ختص‬
‫اآليات التي ُّ‬ ‫ُ‬
‫خيط أبعدَ‬ ‫راز من الت ِ‬
‫َّعبري كأنَّه ُّ‬ ‫ط ٌ‬ ‫احلارض‪ ،‬وهلا ِ‬
‫ِ‬ ‫ناعي‬ ‫ِ‬
‫خوارق التَّقد ِم‬ ‫ِ‬
‫والص ِّ‬ ‫العلمي ِّ‬‫ِّ‬ ‫اإلشارة إىل‬
‫َّفق‬ ‫معان شتَّى بل هذا ُمت ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دالالت عىل‬ ‫لكل ٍ‬
‫آية‬ ‫أن ِّ‬ ‫ثابت قط ًعا َّ‬ ‫النهائية هلا‪ ..‬وحيث إنَّه ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلدود‬
‫ِ‬
‫واالقتداء هبم‪،‬‬ ‫الم‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫مطلقة التِّبا ِع‬ ‫العلامء‪ ..‬وملا كان َ‬ ‫ِ‬
‫الس ُ‬ ‫عليهم َّ‬
‫ُ‬ ‫األنبياء‬ ‫أوامر‬
‫ُ‬ ‫هناك‬ ‫عليه لدى‬
‫دالالت‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫ِ‬
‫الصَّحية‬ ‫املذكورة ساب ًقا عىل معانيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫داللة‬ ‫ُ‬
‫القول‪ :‬إنَّه مع‬ ‫يصح‬ ‫لذا‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وصناعاتا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البرشية‬ ‫أهم العلو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مشو ٌ‬
‫بأسلوب اإلشارة إىل ِّ‬ ‫قة‬ ‫ِّ‬
‫هم ِ‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫سؤالني ُم َّ‬ ‫جوابان ُمهمَّ ِن عن‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نـز َل‬
‫صر ُح‬
‫ألجل اإلنسان‪ ،‬فل َم ال ُي ِّ‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكريم قد َ‬ ‫كان‬ ‫قلت‪َ :‬ل َّ‬
‫ـمـا َ‬ ‫أحدُ مها‪ :‬إذا َ‬
‫في‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وإيامء َخ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مسترت‪،‬‬ ‫احلاض ِة؟ وإنَّام يكتفي ٍ‬
‫برمز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املدنية‬ ‫ِ‬
‫خوارق‬ ‫ِ‬
‫نظره من‬ ‫املهم يف‬
‫َ‬ ‫بام هو ُّ‬
‫ضعيف فحسب؟‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وتنبيه‬ ‫ٍ‬
‫خفيفة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وإشارة‬

‫إن الوظيف َة‬ ‫أكثر من هذا القدْ ِر‪ ،‬إذ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫فاجلواب‪َّ :‬‬
‫تستحق َ‬‫ُّ‬ ‫البرشية ال‬ ‫املدنية‬ ‫خوارق‬ ‫إن‬ ‫ُ‬
‫ووظائف دائرةِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربوبية وكماالتها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للقرآن الكري ِم هي‬ ‫ِ‬ ‫األساس َّي َة‬
‫شؤون دائرة ُّ‬ ‫تعليم‬
‫ُ‬
‫وح َّصتَها من تلك الدائرت ِ‬
‫َني ُم َّر ُد‬ ‫البرشية ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلوارق‬ ‫حق تلك‬‫فإن َّ‬ ‫العبودية وأحوالِـها؛ لذا َّ‬ ‫ِ‬
‫دائرة الر ِ‬
‫بوبية‪ ،‬فعندَ ها ال‬ ‫ِ‬ ‫فإنا لو ا َّدعت حقو َقها من‬ ‫ليس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫إل‪َّ ..‬‬ ‫رمز ضعيف وإشارة خفية َ‬
‫ئيل جدً ا‪.‬‬ ‫إل عىل ٍ‬
‫حق َض ٍ‬ ‫حتصل ّ‬‫ُ‬
‫القرآن الكريم قائل ًة‪ِ :‬‬
‫أعطني ح ًّقا للكال ِم‪ ،‬وموق ًعا‬ ‫َ‬ ‫ُ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫طالبت الطائر ُة البرش َّية‬ ‫فمثال‪ :‬إذا‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ستقول‬ ‫والقمر‪،‬‬ ‫واألرض‬
‫ُ‬ ‫الكواكب الس َّيار ُة‬ ‫تلك‬ ‫ِ‬
‫الربوبية‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫ِ‬
‫طائرات‬ ‫بني آياتِ َك؛ َّ‬
‫فإن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أكثر‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫تستطيعني أن تأخذي مكان ِ‬ ‫الكريم‪ :‬إن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار جرمك ال َ‬ ‫َك هنا‬ ‫َ‬ ‫ّك‬ ‫القرآن‬ ‫بلسان‬

‫غواصات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة فس َتتَصدَّ ى هلا‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ُ‬
‫البرشية موق ًعا لنفسها بني‬ ‫اصة‬ ‫وإذا أراد ِ‬
‫ت ال َغ َّو ُ‬ ‫َ‬

‫وشأنَه‪ ،‬عىل ِ‬
‫أمل ألَّ‬ ‫ِ‬
‫اللطيف فرتكتُه َ‬ ‫ِ‬
‫احلوار‬ ‫القلم دون إرا َديت يف هذا املوضو ِع اجلا ِّد إىل هذا‬ ‫َ‬
‫انساق‬ ‫(‪ )1‬لقد‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسلوب بجدية املوضوعِ‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ُ‬
‫لطافة‬ ‫َّ‬
‫خيل‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪304‬‬
‫ِ‬
‫األثري‬ ‫العائمة يف ِ‬
‫بحر‬ ‫ُ‬ ‫ُّجوم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫ِ‬
‫ابحة يف حميط اهلواء‪ ،‬والن ُ‬ ‫األرض َّ‬‫ُ‬ ‫الدائرة؛ التي هي‬ ‫تلك‬
‫قائل ًة‪ :‬إن مكان ِ‬
‫َك بيننا َض ٌ‬
‫ئيل جدً ا يكا ُد ال ُيرى!‪.‬‬

‫فإن‬ ‫ِ‬
‫أمثال النُّجو ِم‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الالمعة‬ ‫ِ‬
‫اآليات بمصابيحها‬ ‫حر َم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫تدخل َ‬ ‫أرادت الكهربا ُء أن‬ ‫وإذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ستر ُّد‬
‫السامء‪ُ ،‬‬‫المز ِّي ُنة لوجه َّ‬
‫واألنجم ُ‬
‫ُ‬ ‫هب‬ ‫الشموس ُّ‬
‫والش ُ‬ ‫ُ‬ ‫الدائرة التي هي‬ ‫مصابيح تلك‬
‫َ‬
‫متتلكني من‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تستطيعني أن تدخيل معنا يف مباحث القرآن وبيانه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫عليها قائل ًة‪ :‬إنَّك‬
‫ٍ‬
‫ضوء!‬
‫ِ‬
‫بحقوقها وأرا َدت هلا مقا ًما‬ ‫صناعاتا الدَّ ِ‬
‫قيقة‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بلسان‬ ‫اخلوارق احلضار َّي ُة‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ولو طالب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حق‪ ،‬ولو‬ ‫فليس لكم ٌّ‬ ‫بوجهها قائل ًة‪ :‬اسكتُوا‪َ ..‬‬ ‫سترصخ ذبا َب ٌة واحد ٌة‬‫ُ‬ ‫اآليات‪ ..‬عندَ ها‬ ‫بني‬
‫ِ‬
‫واالخرتاعات ‪-‬التي‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات‬ ‫اجتمع ُّ‬
‫كل ما فيكُم من‬ ‫ِ‬
‫هذين! و َلئن‬ ‫جناح َّي‬ ‫ِ‬
‫بمقدار أحد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أعجب‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة لديكُم‪ ،‬لن‬ ‫ِ‬
‫اآلالت‬ ‫اجلزئية‪ -‬مع مجي ِع‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫بإرادة‬ ‫اكتُش َفت اكتسا ًبا‬
‫َ‬
‫وإن ِ‬ ‫ودقائق الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه اآلي َة‬ ‫نعة؛ َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫األجهزة‬ ‫لطائف‬ ‫الصغري جدً ا من‬‫ِ‬ ‫سمي‬
‫بمقدار ما يف ج َ‬ ‫ِ‬
‫الكريم َة تبهتُكم مجي ًعا‪  ﴿ :‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ (احلج‪.)73:‬‬

‫مثل هذا‬ ‫دائرة العبود َّي ِة وطل َبت منها ح َّقها فس َتتَل َّقى منها َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخوار ُق إىل‬ ‫تلك‬ ‫وإذا ذه َبت َ‬
‫ٍ‬
‫بسهولة‪،‬‬ ‫دائرتِنا‬ ‫وقليلة جدً ا‪ ،‬فال ُيمك ُنكُم الدُّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫إن عال َقتَـكم َمعنا واهي ٌة‬ ‫ِ‬
‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫خول إىل َ‬
‫وظائف‬ ‫قليل‪ ،‬ول ُه‬ ‫يف يل َب ُث فيها ً‬ ‫َ‬
‫اإلنسان َض ٌ‬ ‫ضيافة‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ٍ‬ ‫دار‬ ‫منهجنا هو‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫أن الدنيا ُ‬ ‫َ‬ ‫ألن‬
‫صري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلالدة يف هذا ال ُع ُم ِر ال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫األبدية‬ ‫حيتاجه حلياتِ ِه‬ ‫وجتهيز ما‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتحضيـر‬ ‫جم ٌة‪ ،‬وهو ُم َك َّل ٌ‬
‫ف‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫واأللزم‪.‬‬ ‫األهم‬ ‫هو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫جيب عليه أن يقدِّ َم ما َ‬ ‫لذلك ُ‬
‫ِ‬
‫الفانية حتت‬ ‫بحب هذه الدُّ نيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ُسجت ِّ‬ ‫اعتبار األغلبية‪ -‬مالم ُح ن َ‬ ‫إل أنَّه تبدو عليكُم ‪-‬عىل‬
‫ِ‬
‫العبودية‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫فإن ح َّظكم من‬ ‫ِ‬
‫للخلود؛ لذا َّ‬ ‫ستقر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغفلة وا َّل ِ‬ ‫َأ ِ‬
‫دار للبقاء و ُم ٌ‬ ‫لهو‪ ،‬وكأهنا ٌ‬ ‫ستار‬
‫اآلخرة ٌ‬
‫قليل جدً ا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّفكر يف ِ‬
‫آثار‬ ‫احلق والت ِ‬ ‫سة عىل ُهدى ِّ‬ ‫المؤس ِ‬
‫َّ‬
‫امللهمني ‪-‬وهم‬ ‫ورائكُم‪ -‬من الصنَّا ِع المه ِ‬‫كان فيكُم ‪-‬أو من ِ‬ ‫ولكن‪ ..‬إن َ‬
‫واملخرتعني َ‬
‫َ‬ ‫رة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ويبذلون‬ ‫ألجل مناف ِع ِ‬
‫عباد اهلل ‪-‬وهي عباد ٌة ثمين ٌة‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫صني‬ ‫يقومون بأعامهلم ِ‬
‫خمل َ‬ ‫َ‬ ‫ِق َّل ٌة‪ -‬وكانوا‬
‫الرموز‬
‫َ‬ ‫فإن ِ‬
‫هذه‬ ‫احلياة االجتامع َّي ِة وكمالِها‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫لرقي‬ ‫للمصلحة العا َّم ِة وراحتَهم‬
‫ِ‬ ‫جهدَ هم‬
‫ِّ‬
‫��‬
‫� ����������� ����� ����� ���� � ��� � � � � ‬
‫‪305‬‬ ‫��������� � ����������‬ ‫�‬
‫� �‬
‫ِ‬
‫لتقدير‬ ‫ِ‬
‫اإلحساس‪ ،‬ووافي ٌة‬ ‫الذ ِ‬
‫وات املرهفي‬ ‫ألولئك َّ‬
‫َ‬ ‫كافية بال ٍ‬
‫ريب‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫واإلشارات القرآني َة‬
‫ِ‬
‫واالجتهاد‪.‬‬ ‫السعي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مهاراتم وتشويقهم إىل َّ‬
‫ثبت عندي‬ ‫بهة؛ فقد َ‬ ‫ِ‬
‫التحقيق ُش ٌ‬ ‫لدي َ‬
‫اآلن بعدَ هذا‬ ‫تبق َّ‬
‫قلت‪ :‬مل َ‬ ‫ل الثاني‪ :‬وإذا َ‬ ‫السؤا ُ‬
‫ُّ‬
‫السعاد َة الدنيوي َة واألخروي َة ٌّ‬
‫‪-‬كل‬ ‫يلزم َّ‬
‫جميع ما ُ‬ ‫ُ‬ ‫الكريم فيه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫قت َّ‬
‫أن‬ ‫بيقني وصدَّ ُ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫احلارضة‪ ،‬بل إىل أبعدَ منها‬ ‫ِ‬
‫املدنية‬ ‫ِ‬
‫خوارق‬ ‫وإشارات إىل‬
‫ٌ‬ ‫رموز‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫فهناك‬ ‫حسب قيمتِه وأمهيتِه‪-‬‬ ‫َ‬
‫الكريم تلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫يذكر‬ ‫جليلة؛ ولكن لِ َم مل‬
‫ٍ‬ ‫حقائق‬
‫َ‬ ‫فيه من‬ ‫احلقائق األُخرى مع ما ِ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫واإليامن و ُت َط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مئ َن قلو ُبنا‬ ‫َّصديق‬ ‫ُجب الكفر َة العنيدين عىل الت‬ ‫اخلوراق بصراحة تامة كي ت ِ َ‬‫َ‬
‫فتسرتيح؟‬
‫َ‬
‫واختبار من أجل أن تتسا َب َق‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جتربة‬ ‫التكاليف اإلهلي َة‬
‫َ‬ ‫امتحان‪َّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ٌ‬ ‫ين‬
‫إن الدِّ َ‬ ‫الجواب‪َّ :‬‬
‫ختب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الس ُ‬ ‫ُ‬
‫السباق‪ ،‬فمثلام ُي َ ُ‬ ‫بعض يف حلبة ِّ‬ ‫بعضها عن‬ ‫ويتميز ُ‬
‫َ‬ ‫افلة‪،‬‬ ‫واألرواح َّ‬
‫ُ‬ ‫العالية‬ ‫األرواح‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫اإلهلية يف‬ ‫َّكاليف‬
‫ُ‬ ‫كذلك الت‬ ‫َ‬ ‫الت ِ‬
‫اب‪،‬‬ ‫هب من ُّ‬ ‫والذ ُ‬‫الفحم َّ‬
‫ِ‬ ‫األملاس من‬
‫ُ‬ ‫املعدَ ُن بالن َِّار ليتم َّي َـز‬
‫ُ‬
‫النفيسة‬ ‫الجواهر‬
‫ُ‬ ‫وق للمساب َق ِة‪ ،‬حتى َتتَم َّي َـز‬ ‫وس ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وجتربة َ‬ ‫هذه؛ فهي ابتال ٌء‬ ‫االمتحان ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دار‬
‫ِ‬
‫اخلسيسة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املعادن‬ ‫البرش واستعداداتِه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قابليات‬ ‫ملعدَ ِن‬
‫ِ‬
‫ميدان‬ ‫لإلنسان؛ ل ُيتِ َّم تكام َل ُه يف‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اختبار‬ ‫ِ‬
‫بصورة‬ ‫ِ‬
‫االبتالء هذه‪،‬‬ ‫نزل‪ ،‬يف ِ‬
‫دار‬ ‫القرآن قد َ‬
‫ُ‬ ‫فام دا َم‬
‫ستتوض ُح‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الغيبية التي‬ ‫ِ‬
‫الدنيوية‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫املسابقة‪ ،‬فالبدَّ أنّه سيشري ‪-‬إشار ًة فحسب‪ -‬إىل ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ذكرها‬
‫وإل فلو َ‬ ‫إقامة ُح َّج ِته؛ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫ِ‬
‫للعقل با ًبا‬ ‫ِ‬
‫املستقبل للجميعِ‪ ،‬فا ًحتا‬ ‫يف‬
‫واضحا‬ ‫إل اهلل»‬ ‫كتابة «ال إله ّ‬ ‫ِ‬ ‫تصبح بدهي َّي ًة‪َ ،‬‬
‫مثل‬ ‫ِ‬
‫التكليف إذ‬ ‫ُ‬
‫حكمة‬ ‫رصاح ًة‪ ،‬الخت َّل ْت‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫مرغمني عىل‬ ‫عندئذ َ‬ ‫ٍ‬ ‫الناس ‪-‬أرا ُدوا أم مل يريدُ وا‪-‬‬ ‫امء‪ ،‬والذي ُ‬
‫جيعل‬ ‫وجه الس ِ‬
‫بالنُّجو ِم عىل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫افلة التي‬‫الس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َّصديق‪ ،‬فام كانت َث َّم َة مسابق ٌة وال‬‫ِ‬
‫األرواح َّ‬
‫ُ‬ ‫فحينئذ تتساوى‬ ‫متييز‪،‬‬ ‫اختبار وال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الت‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫كالفحم مع التي هي كاألملاس‪.‬‬ ‫هي‬

‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫القرآن العظيم حكيم‪ ،‬يعطي لكل ٍ‬
‫يشء قدْ َره من املقا ِم‪ ،‬ويرى‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والـخ ُلاصة‪َّ :‬‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫ظلامت‬ ‫ِ‬
‫املسترتة يف‬ ‫مئة ٍ‬
‫سنة‬ ‫ألف وثالث ِ‬ ‫قبل ٍ‬
‫البرشي َ‬ ‫احلضاري‬ ‫ِ‬
‫الغيبية والتَّقد ِم‬ ‫ِ‬
‫الثمرات‬ ‫من‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬

‫التكليف‪،‬‬ ‫ولضاع‬ ‫ٍ‬


‫واحد‪،‬‬ ‫مستوى‬ ‫الصديق ريض اهلل عنه يف‬ ‫اللعيـن مع أيب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫بكر ِّ‬ ‫ُ‬ ‫جهل‬ ‫ظهر أبو‬
‫فكان أن َ‬ ‫(‪)1‬‬
‫(املؤلف)‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪306‬‬
‫ينظر إلى ِّ‬
‫كل‬ ‫فالقرآن إذن كال ُم َمن ُ‬
‫ُ‬ ‫نحن وما سنراها؛‬
‫وأوضح مما نراها ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أفضل‬ ‫ِ‬
‫املستقبل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪..‬‬ ‫آن‬ ‫ِ‬
‫واألشياء في ٍ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫ِ‬
‫األزمنة‪ ،‬بما فيها من‬
‫ِ‬
‫األنبياء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫معجزات‬ ‫القرآين‪ ،‬تَلمع يف ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز ُ‬ ‫فتلك ملع ٌة من‬
‫َ‬
‫َ ُ‬
‫مان‪.‬‬ ‫ار الْ ُقر�آن َوو ّف ْقنا ل ْد َمته يف ّ آ َ َ‬ ‫ـهمنا ْ َ‬
‫أس َ‬ ‫َّّ َّ‬
‫الل فَ ّ‬
‫لك � ٍن وز ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬

‫﴿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ﴾‬
‫َ‬ ‫َّّ َّ َ ّ َ َ ّ ْ َ َ ْ َ َ ّ ْ َ َ َ ّ َ َ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ‬
‫بدك َون ِب ِّيك َو َر ُسولِك‬ ‫ارك وك ِرم عل س ِي ِدنا ومولنا مم ٍد‪ ،‬ع ِ‬ ‫الل ص ِل وس ِلم وب ِ‬
‫ني‬
‫ْ‬
‫ني َوال ُم ْر َسل َ‬ ‫انلب ّي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ب ْال ّ ّ َ َ َ آ َ ْ َ‬ ‫انل ّ‬‫ّ‬
‫ِ‬ ‫اج ِه وذ ِرياتِ ِه وعل ِ ِ‬ ‫م وعل � ِ ِل وأصحابِ ِه وأزو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أز َك َس َلمٍ َو َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫َْ َ َ َُْ َ ْ‬
‫أنم‬ ‫الني‪ ،‬أفضل صل ٍة و‬ ‫َوالملئِك ِة المق َّربِني َوال ْو ِلَا ِء َوالص ِ ِ‬
‫وزهِ‬
‫اراته َو ُر ُ‬
‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َ َر َك ٍت‪ ،‬ب َع َد ِد ُس َور الْ ُقر�آن َو�آيَاتِ ِه َو ُح ُروفِ ِه َو َكِ َماتِ ِه َو َم َعا ِني ِه َوإ َش َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ّل َص َلة منهاَ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ََ َ ْ ََْ َ ُْ ْ َ َ َ َ َ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ِ‬ ‫ا‬‫خ‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ا‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫ط‬‫ال‬ ‫و‬ ‫ا‬‫ن‬ ‫ح‬ ‫ار‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ر‬‫ف‬ ‫ِ‬ ‫اغ‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ودل‬
‫ني �م َ‬‫آ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬ ‫الر ِ َ‬ ‫حتك يَا ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬‫ْ‬
‫ني‬ ‫احني‪َ ،‬والَمد لل َر ِب العال ِم ِ‬ ‫أرح َم َّ ِ‬ ‫بِر ِ‬
‫� ا � �ة ا ��ل� ش ن‬
‫��ل �ة �ل�‬ ‫�‬
‫ا � ك�‬
‫ل�� �م� اح� دي� �و ع���ر�و�‬
‫عبارة ٌ عن مقامين‬

‫املقا ُم ُ‬
‫األول‬
‫�﷽‬

‫﴿‪  ‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﴾ (النساء‪)103:‬‬

‫ولكن‬ ‫ٌ‬
‫ومجيل‪،‬‬ ‫حسن‬ ‫ِ‬
‫الصالة‬ ‫ورتب ًة‪َّ :‬‬
‫«إن أدا َء‬ ‫كبري ِسنًّا‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وجسم ُ‬
‫ً‬ ‫قال يل أحدُ هم يو ًما وهو ٌ‬
‫َثرتا هذه جتع ُلها ُمم َّل ًة!‪»..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َكرارها َّ‬
‫كل يو ٍم ويف مخسة أوقات ٌ‬
‫كثري جدًّ ا‪ ،‬فك ُ‬ ‫ت َ‬
‫أيضا تُر ِّدد الكال َم‬‫هي ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مرور ٍ‬ ‫ِ‬
‫أصغيت إىل نفيس فإذا َ‬ ‫ُ‬ ‫القول‪،‬‬ ‫طويلة عىل هذا‬ ‫فرتة‬ ‫وبعدَ‬
‫ِ‬
‫الشيطان‪،‬‬ ‫نفسه من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدرس َ‬ ‫َ‬ ‫الكسل‪-‬‬ ‫‪-‬بطريق‬ ‫أخذت‬‫ْ‬ ‫فتأملت فيها مل ًّيا‪ ،‬وإذا هبا قد‬ ‫ُ‬ ‫نفس ُه!!‬ ‫َ‬
‫ُّفوس األمارةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ َّ‬ ‫بتلك الكلامت بلسان مجي ِع الن‬ ‫نطق َ‬ ‫الرجل كأ َّن ُه قد َ‬ ‫َ‬ ‫أن َ‬
‫ذلك‬ ‫فعلمت عندئذ َّ‬ ‫ُ‬
‫أن أبد َأ‬ ‫ِ‬
‫نبي أ َّمار ٌة بالسوء فالبدَّ ْ‬ ‫ِ‬
‫بالسوء‪ ،‬أو ُأنط َق هكذا‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫نفيس التي بني َج َّ‬ ‫َ‬ ‫لت‪ :‬ما دامت‬ ‫فق ُ‬ ‫ُّ‬
‫غيرها أعجزُ‪ ،‬فخا َطبتُها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عج َز عن إصالحِ نفسه فهو عن ِ‬ ‫هبا َّأوال‪َّ ،‬‬
‫ألن َمن َ‬
‫ِ‬
‫اجلهل‬ ‫ٌ‬
‫نغمسة يف‬ ‫ِ‬
‫وأنت ُم‬ ‫ِ‬
‫تفوهت به‬ ‫َ‬
‫مقابل ما‬ ‫ٍ‬
‫تنبيهات»‬ ‫«مخس‬ ‫ِ‬
‫اسمعيها مني‬ ‫يا نفيس!‪..‬‬
‫َ‬
‫فراش الك ِ‬
‫َسل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغفلة عىل‬ ‫َّب‪ ،‬سادر ٌة يف نو ِم‬ ‫املرك ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪308‬‬

‫التَّنبي ُه ُ‬
‫األول‬
‫ِ‬ ‫الس ِنة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املقبلة بل‬ ‫قطعي بالبقاء إىل َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫عندك عهدٌ‬ ‫أبدي؟ وهل‬ ‫عم ُرك ٌّ‬ ‫الشقي َة‪ ..‬هل ُ‬ ‫نفيس َّ‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫َوه ُم ِك األبدي َة واخللو َد‪،‬‬ ‫الصالة هو ت ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكرار َّ‬ ‫ميـن من‬ ‫َ‬
‫وتسأ َ‬
‫ِ‬
‫إىل ال َغد؟ فالذي َجعلك تَم ِّل َ‬
‫يـن‬ ‫ِ‬
‫قصري‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أن ُع ُم َر ِك‬
‫تفهمني ّ‬
‫َ‬ ‫َّك بِرتفِ ِك مخ ّلد ٌة يف هذه الدنيا؛ فإن ِ‬
‫كنت‬ ‫َ‬
‫الل وكأن ِ‬
‫ين الدَّ َ‬ ‫فت ِ‬
‫ُظهر َ‬
‫ٍ‬
‫خدمة‬ ‫أربعة وعرشين منه يف ِ‬
‫أداء‬ ‫ٍ‬ ‫جزء من‬ ‫رصف ٍ‬ ‫ريب َّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وأنَّه يميض هبا ًء دون فائدة‪ ،‬فال َ‬
‫ُ‬
‫يكون َمدعا ًة إىل‬ ‫ٍ‬
‫خالدة‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬
‫سعيدة‬ ‫ووسيل ٌة ٍ‬
‫حلياة‬ ‫لك ِ‬ ‫لطيفة‪ ،‬وهي رمح ٌة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ووظيفة م ٍ‬
‫رحية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مجيلة‬
‫ُ‬
‫ولذوق رائ ٍع رفيعٍ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خالص‬ ‫ٍ‬
‫لشوق‬ ‫والس َأ ِم‪ ،‬بل َوسيل ًة ُمثري ًة‬ ‫ِ‬
‫امللل َّ‬

‫التَّنبي ُه الثاين‬
‫ُ‬
‫يورث‬ ‫وتتنفسني اهلوا َء‪ ،‬أ َما‬
‫َ‬ ‫وترشبني املا َء‪،‬‬
‫َ‬ ‫اخلبز‪،‬‬
‫تأكلني َ‬‫َ‬ ‫إنك يوم ًيا‬‫يا نفيس الرشه َة‪ِ ..‬‬
‫َ‬
‫امللل بل ُيجدِّ ُد‬‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شك! َّ‬ ‫َ‬
‫دون ٍّ‬
‫تكرار احلاجة ال يـَجل ُ‬ ‫َ‬ ‫ألن‬ ‫وضجرا؟ كلَّ‬
‫ً‬ ‫لل‬‫ِّكرار َم ً‬
‫هذا الت ُ‬
‫ِ‬
‫اهلواء لِ َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طيفة‬ ‫َسيم‬
‫ب الغذا َء لقلبي‪ ،‬وما َء احلياة لروحي‪ ،‬ون َ‬ ‫فالصال ُة التي َتل ُ‬
‫ال َّلذةَ‪ ..‬هلذا َّ‬
‫ني وال تَسأمني أبدً ا‪.‬‬ ‫الكامنة يف ِجسمي‪ ،‬البدَّ أنّها ال َتع ُل ِك تم ِّل َ‬
‫ِ‬ ‫الربان َّي ِة‬
‫َّ‬
‫ولذائذ ال هناي َة هلا‪ ،‬ال‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بآمال‬ ‫َ‬
‫المفتون‬ ‫ٍ‬
‫ألحزان وآال ٍم ال َحدَّ هلا‪،‬‬ ‫املتعر َض‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫القلب ِّ‬‫َ‬ ‫إن‬
‫كل يشء بكل‬ ‫ِ‬
‫القادر عىل ِّ‬ ‫باب الرحيم الكريم‪،‬‬ ‫كسب قو ًة وال ِغذاء ّ‬
‫إل بِ َط ْرق ِ‬ ‫يمكنُه أن ي ِ‬
‫َ‬
‫َوسل‪.‬‬
‫َرضع وت ُّ‬
‫ت ُّ‬
‫ِ‬
‫الفانية‪،‬‬ ‫احلة رسيعا يف ِ‬
‫هذه الدنيا‬ ‫اآلتية والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودات‬ ‫املوج‬ ‫ِ‬
‫بأغلب‬ ‫وح املتع ِّلق َة‬ ‫َّ‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الر َ‬
‫وإن ُّ‬
‫ِ‬
‫واملحبوب‬ ‫ِ‬
‫املعبود الباقي‬ ‫ِ‬
‫رمحة‬ ‫احلياة إلَّ بال َّتوج ِه بالص ِ‬
‫الة إىل َين ُبو ِع‬ ‫ِ‬ ‫َرش ُب ما َء‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ال ت َ‬
‫مد ِّي‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫واملخلوق‬ ‫ُ‬
‫ُّورانية‪،‬‬ ‫الر ُ‬
‫بانية الن‬ ‫طيف‪ ،‬وهو ال َّل ُ‬
‫طيفة َّ‬ ‫الرقيق ال َّل َ‬
‫َ‬ ‫اعر‬
‫الش َ‬‫اإلنسانـي َّ‬
‫َّ‬ ‫الس َّـر‬
‫وإن ِّ‬
‫حمتاج أشدَّ‬ ‫ِ‬
‫اجلليلة‪ ،‬البدَّ أنّه‬ ‫الذ ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬
‫لتجليات َّ‬ ‫ِ‬
‫العاك ُ‬
‫سة‬ ‫واملشتاق ل ُه فِطر ًة واملرآ ُة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للخلود‪،‬‬
‫ٌ‬
‫قة اخل ِ‬
‫انقة‬ ‫اح ِ‬
‫نيوية الس ِ‬
‫األحوال الدُّ ِ‬
‫ِ‬ ‫وض ِ‬
‫غوط هذه‬ ‫حمة و َق ِ‬
‫ساوة ُ‬ ‫َّنفس‪ ،‬يف َز ِ‬ ‫احلاجة إىل الت ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫نافذة الص ِ‬
‫الة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نش ِ‬
‫اق من‬ ‫ذلك إلَّ باالستِ َ‬‫وليس له َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫العابرة املظلمة‪َ ،‬‬
‫� �‬ ‫�‬ ‫� � ‬ ‫�� � �‬
‫‪309‬‬ ‫�������� ���� � ������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬

‫التَّنبي ُه ال َّث ُ‬
‫الث‬
‫مت هبا يف األيا ِم‬ ‫العبادات التي ُق ِ‬
‫ِ‬ ‫ّك تَض َطربِني اليوم من تَذكُّر ع ِ‬
‫ناء‬ ‫يا نفيس اجلزع َة‪ ..‬إن ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫العباداتِ‬‫واجبات ِ‬‫ِ‬ ‫َّرين يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السابقة‪ ،‬ثم تَتفك َ‬ ‫املصائب َّ‬ ‫وزمحة‬ ‫الصالة َ‬‫املاضية‪ ،‬ومن ُصعوبات َّ‬
‫الص ِرب‬ ‫ِ‬ ‫ب‪ ،‬فت ِ‬ ‫ِ‬
‫املصائ ِ‬ ‫أداء الص ِ‬ ‫قبلة وخدمات ِ‬ ‫يف األيا ِم الـم ِ‬
‫اجلزع‪ ،‬وق َّل َة َّ‬
‫َ‬ ‫رين‬
‫ُظه َ‬ ‫لوات‪ ،‬وآال ِم‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫عقل؟‬ ‫كة من ٍ‬ ‫ِ‬
‫مم ْن ل ُه م ْس ٌ‬‫يصدر َّ‬
‫ُ‬ ‫أمر‬
‫ونَفا َده؛ هل هذا ٌ‬
‫جيش ِه‬
‫األح ِق الذي وجه قو ًة عظيم ًة من ِ‬
‫َّ َ‬ ‫القائد ْ‬‫ِ‬ ‫الص ِرب هذا َم ُثل َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫إن َمث َلك يف عد ِم َّ‬ ‫َّ‬
‫العدو إىل ص ِّف ِه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫صفوف‬ ‫اجلناح من‬
‫ُ‬ ‫التحق َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫الوقت الذي‬‫ِ‬ ‫للعدو‪ ،‬يف‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األيمن‬ ‫ِ‬
‫اجلناح‬ ‫إىل‬
‫الوقت الذي مل يكن َ‬
‫هناك‬ ‫ِ‬ ‫للعدو‪ ،‬يف‬ ‫ِ‬
‫األيرس‬ ‫ِ‬
‫اجلناح‬ ‫ووج َه قو َت ُه الباقي َة إىل‬
‫ِّ‬ ‫ظهريا؛ َّ‬
‫ً‬ ‫فأصبح ل ُه‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وجيش ُه‬ ‫هو‬ ‫ِ‬
‫القلب فد َّمر ُه َ‬ ‫عف ِه فسدَّ َد هجو َم ُه إىل‬
‫اجلنود؛ فأدر َك العدو نقط َة َض ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫أحدٌ من‬
‫كامل‪.‬‬
‫ً‬ ‫تدمريا‬
‫ً‬
‫وأتعابا قد و َّل ْت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املاضية‬ ‫ِ‬
‫صعوبات األيا ِم‬ ‫ائش‪َّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫ُشبهني هذا القائدَ ال َّط َ‬
‫َ‬ ‫نعم‪ِ ،‬‬
‫إنك ت‬
‫َ‬
‫ذو ًقا‬ ‫فذه َب ْت آال ُمها وظ َّل ْت َل ّذ ُتا وانقل َب ْت مش َّقتُها ثوا ًبا‪ ،‬لذا ال تُو ِّلدُ َم ً‬
‫لل بل شو ًقا جديدً ا َو ْ‬
‫ف‬ ‫ص َ‬ ‫املقبلة‪ ،‬فألنا مل ِ‬
‫تأت بعدُ ‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ضي واإلقدا ِم‪ ..‬أ َّما‬ ‫ِ‬
‫فإن َ ْ‬ ‫َّ‬ ‫األيام‬
‫ُ‬ ‫للم ِّ‬
‫دائم ُ‬ ‫نَد ًّيا وسع ًيا جا ًّدا ً‬
‫والرصاخ من َ‬
‫اآلن‪ ،‬ملا قدْ‬ ‫َ‬ ‫ذلك؛ البكا َء‬ ‫احلامقة وال َب َل ِه‪ ،‬إذ يشب ُه َ‬
‫ِ‬ ‫نوع من‬
‫اآلن ٌ‬ ‫ِ‬
‫التفكري فيها من َ‬
‫ِ‬
‫املستقبل!‬ ‫طش واجلو ِع يف‬ ‫يكون من ال َع ِ‬‫َ‬ ‫تمل أن‬ ‫ُي َ‬
‫ُ‬
‫حيث العباد ُة يف هذا‬ ‫ِ‬
‫العقل‪ ،‬ففكِّري من‬ ‫لك يش ٌء من‬ ‫كان ِ‬
‫فإن َ‬ ‫األمر هكذا‪ْ ،‬‬ ‫فام دا َم‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫سامية‬ ‫ٍ‬
‫خدمة‬ ‫مجيل‪ ،‬ويف‬‫لذيذ ٍ‬ ‫واجب مهم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سأرصف ساع ًة من ُه يف‬
‫ُ‬ ‫ات‪ ..‬قويل‪:‬‬ ‫بالذ ِ‬
‫اليو ِم َّ‬
‫ٍّ‬
‫َحو َل إىل ِه ٍة‬ ‫أن ُف ِ‬
‫تشعرين ّ َ‬
‫تورك املؤمل َ قد ت َّ‬ ‫َ‬ ‫ضئيلة‪ ..‬وعندها‬ ‫ٍ‬ ‫ظيم وك ٍ‬
‫ُلفة‬ ‫أجر َع ٍ‬ ‫ذات ٍ‬ ‫رفيعة ِ‬ ‫ٍ‬
‫ونشاط ٍ‬
‫لذيذ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ح ٍ‬
‫لوة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بـر‪ ..‬إن ِ‬
‫ّك ُمك َّلف ٌة‬ ‫الص ِ‬
‫الصرب‪.‬‬ ‫بثالثة أنوا ٍع من‬ ‫نفسـي الفارغ َة من َّ‬‫َ‬ ‫فيا‬
‫الأولُ‪ :‬الصرب عىل ال َّط ِ‬
‫اعة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الث َّاني‪ :‬الص ُ‬
‫ِ‬
‫املعصية‪.‬‬ ‫رب ِ‬
‫عن‬

‫َّالث‪ :‬الص ُ‬
‫الث ُ‬
‫ِ‬
‫البالء‪.‬‬ ‫رب ِعندَ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪310‬‬

‫ودليل‪،‬‬
‫ً‬ ‫َّنبيه‪ِ -‬عبر ًة‬
‫القائ ِد ‪-‬يف هذا الت ِ‬‫مثال ِ‬ ‫كنت َف ِطسن ًة فخذي احلقيق َة ِ‬
‫اجلل ّي َة يف ِ‬ ‫فإن ِ‬
‫الص ِرب‪،‬‬
‫األنواع الثالث َة من َّ‬‫َ‬ ‫صبور»‪ ،‬ثم ُخذي عىل عاتِ ِق ِك‬ ‫ُ‬
‫مهة ور ٍ‬
‫جولة «يا‬ ‫ُ‬
‫بكل ٍ‬ ‫وقويل ِّ‬
‫ِ‬
‫وللمصائب‬ ‫فيك وتَجميل هبا‪ ،‬فإنَّها تكفي للمش َّق ِ‬
‫ات ُك ِّلها‪،‬‬ ‫واستنِدي إىل قو ِة الص ِرب املود َع ِة ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬
‫أمور جانِبية‪ٍ.‬‬
‫خطأ يف ٍ‬ ‫يعها ما مل تُبعثِرهيا ً‬ ‫َج ِ‬

‫ابع‬
‫الر ُ‬
‫التَّنبي ُه َّ‬
‫وجدوى؟! وهل ُأ ُ‬
‫جرتا‬ ‫ٍ‬ ‫هذه الع ِ‬
‫بودية ُد َ‬ ‫يا نفسـي ال َّطائش َة‪ ..‬يا تُرى هل أداء ِ‬
‫ون نتيجة َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫دون ٍ‬
‫فتور إن‬ ‫ِ‬
‫املساء و َي ِكدُّ َ‬ ‫أن أحدَ نا ُ‬
‫يعمل إىل‬ ‫تسأمني منها؟ مع َّ‬ ‫قليل ٌة ضئيل ٌة حتى َتع َل ِك‬
‫َ‬
‫رغ َب ُه أحدٌ يف ٍ‬
‫مال أو أره َب ُه‪.‬‬ ‫َّ‬

‫ت وهو‬ ‫املضيف املؤ َّق ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفقري وسكين ٌة ل ُه يف هذا‬ ‫ِ‬
‫العاجز‬ ‫قوت لقلبِ ِك‬
‫الصال َة التي هي ٌ‬ ‫ّ‬
‫إن َّ‬
‫رب؛ وهي عهدٌ وبراء ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدُّ نيا‪ ،‬وهي غذا ٌء وضيا ٌء ملنـزلك الذي ال ُب ََّد أنّك صائر ٌة إليه‪ ،‬وهو الق ُ‬
‫ستكون نورا وبرا ًقا عىل الص ِ‬ ‫شك ِ‬
‫أنك ُت‬ ‫يف َمكمتِ ِك التي ال َّ‬
‫اط‬ ‫ِّ‬ ‫ُ ً ُ‬ ‫رشين إليها‪ ،‬وهي التي‬‫َ‬
‫نتيجة وجدوى؟ أ ْم‬ ‫ٍ‬ ‫هي بال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نتائجها‪ ،‬هل َ‬ ‫املستقيم الذي البدَّ أنّك سائر ٌة عليه‪ ..‬فصال ٌة هذه ُ‬
‫أنا زهيد ُة األُ ِ‬
‫جرة ؟!‬ ‫َّ‬
‫ني‬ ‫ِ‬
‫وأنت تس َع َ‬ ‫يستخد ُم ِك مئ َة يو ٍم‬
‫ِ‬ ‫فسوف‬ ‫لرية‪،‬‬‫مئة ٍ‬ ‫قدارها ُ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وإذا َو َعدَ ك أحدٌ هبدية م ُ‬
‫فكيف بمن وعدَ ِك‬ ‫َ‬ ‫ف الوعدَ ؛‬ ‫رغم أنَّه قد ُي ِل ُ‬ ‫وفتور‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫دون َم ٍ‬
‫لل‬ ‫وعد ِه َ‬ ‫وتعملني معتمدَ ًة عىل ِ‬
‫َ ُ‬
‫اجلنة‪،‬‬‫ُ‬ ‫دك ُأجر ًة و َثمنًا هي‬ ‫الوعد عنده ُم ٌال! و َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫لف‬
‫فخ ُ‬ ‫خيلف الوعدَ ُمطل ًقا؟! ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهو ال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قصرية‬ ‫وهدي ًة عظيم ًة هي السعاد ُة اخلالدَ ةُ‪ ،‬لتؤدي له واجبا ووظيف ًة لطيف ًة مرحي ًة ويف ٍ‬
‫فرتة‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِّ ُ‬
‫دون ر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جدً ا‪ ..‬أال تُفكرين يف أن ِ‬
‫غبة‬ ‫الضئيل َة‪ ،‬أو ُقمت هبا َ َ‬ ‫َّك إن مل تؤ ِّد تلك الوظيف َة واخلدم َة َّ‬ ‫َ‬
‫ني هبديتِ ِه‪ ،‬وتتَّهمينَه يف ِ‬ ‫َّك إذن ت ِ‬ ‫شكل متق ِّطعٍ‪ ،‬فإن ِ‬
‫تستحقني إذن تأدي ًبا‬
‫َ‬ ‫وعده! أال‬ ‫ُ‬ ‫َستخ ِّف َ‬ ‫أو بِ ٍ ُ‬
‫رس وال ُّل ِ‬ ‫تلك الوظيف َة التي هي يف ِ‬
‫غاية ال ُي ِ‬ ‫تك لتُؤدي َ‬ ‫ِ‬
‫طف‬ ‫َ‬ ‫يثري مهَّ‬
‫أليم؟ أال ُ‬‫َشديدً ا وتعذي ًبا ً‬
‫دون ٍ‬
‫فتور‬ ‫وصعبة َ‬ ‫ٍ‬ ‫قة‬‫مره ٍ‬‫بأعامل ِ‬
‫ٍ‬ ‫تقوميـن‬ ‫جن األبدي وهو جهنم؟ علم أن ِ‬
‫ّك‬ ‫الس ِ‬ ‫َخ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫وف ِّ‬
‫األبدي ؟!‬
‫ِّ‬ ‫جهنم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫سجن‬ ‫وأين هذا من‬ ‫خو ًفا من ِس ِ‬
‫جن الدُّ نيا‪َ ،‬‬
‫� �‬ ‫�‬ ‫� � ‬ ‫�� � �‬
‫‪311‬‬ ‫�������� ���� � ������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬
‫اخلامس‬
‫ُ‬ ‫التَّنبي ُه‬
‫ِ‬
‫ناشئان من‬ ‫العبادة وتقصيـر ِك يف الص ِ‬
‫الة‬ ‫ِ‬ ‫فتور ِك يف‬ ‫نفيس املغرم َة بالدُّ نيا!‪ ..‬هل َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إن َ‬ ‫َ‬ ‫يا‬
‫ّك ال جتدين ال ُفرص َة ل َغ ِ‬
‫لبة ُهو ِم ال َع ِ‬
‫يش؟!‬ ‫مشاغل ِك الدنيوي ِة؟ أم إن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثرة‬
‫َ‬ ‫َّ ْ‬
‫كل وقتِ ِك هلا؟ تأمَّيل‪ ،‬إنّك ال‬ ‫َبذيل َّ‬ ‫فحسب‪ ،‬حتى ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫خملوقة للدنيا‬ ‫فيا عجبا هل ِ‬
‫أنت‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عصفور من ُ‬ ‫ٍ‬
‫رغم أنّك أرقى من‬ ‫َدارك لواز ِم احلياة الدُّ نيا َ‬ ‫حيث القدر ُة عىل ت ُ‬ ‫أصغر‬
‫َ‬ ‫تبلغيـن‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫احليوانات فِطرةً‪ ..‬لِ َم ال‬
‫ِ‬
‫باحلياة‬ ‫االهنامك‬ ‫أن َوظيفتَك األصلي َة َ‬
‫ليس‬ ‫تفهميـن من هذا َّ‬ ‫َ‬ ‫مجي ِع‬
‫احلقيقي؛ مع‬ ‫ِ‬
‫كاإلنسان‬ ‫ٍ‬
‫خالدة‬ ‫ٍ‬
‫حلياة‬ ‫عي والدَ ْأ ُب‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الس ُ‬‫الدُّ نيا واالهتام َم هبا كاحليوانات‪ ،‬وإنَّام َّ‬
‫ِ‬
‫األمور‪ ،‬وهي‬ ‫مشاغل ما ال ي ِ‬
‫عنيك من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدنيوية هي‬ ‫ِ‬
‫املشاغل‬ ‫أغلب ما تذكرينَ ُه من‬ ‫هذا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مني جدً ا فيام ال قيم َة ل ُه وال رضور َة وال‬ ‫َك ال َّث َ‬ ‫َهدرين وقت ِ‬ ‫بفضول‪ ،‬فت ِ‬‫ٍ‬ ‫تتدخلني فيها‬‫َ‬ ‫التي‬
‫َ‬
‫ّك ت ِ‬ ‫حول ُزح َل‪ ..‬وكأن ِ‬ ‫ِ‬ ‫فائد َة منه‪ ،‬كتع ُّل ِم ِ‬
‫َكسبني‬ ‫جاج يف أمريكا! أو نو ِع احللقات َ َ‬ ‫عدد الدَّ ِ‬ ‫ُ‬
‫األمور كأنَّـكِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألهم واأللز َم من‬
‫َّ‬ ‫وري‬
‫َّ‬ ‫كامل من علم ال َفلك واإلحصاء! فتَدَ َ‬
‫عني الضَّ‬ ‫هبذا ً‬
‫السنني؟!‬
‫آالف ِّ‬
‫َ‬ ‫ُعمرين‬
‫ست َّ‬
‫األمور الت ِ‬
‫ِ‬ ‫ليس َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن ِ‬
‫َّافهة‪،‬‬ ‫مثل هذه‬ ‫إن الذي يرص ُفني و ُيفت ُِّـرين عن الصالة والعبادة َ‬
‫قلت‪َّ :‬‬
‫املثل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫العيش‪ ..‬إذن فاسمعي منِّي هذا َ‬ ‫ِ‬
‫ملطالب‬ ‫أمور رضوري ٌة‬
‫وإنَّام هي ٌ‬
‫دقائق‬
‫لعرش َ‬ ‫واحف ْر ِ‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫«تعال‬ ‫وقال له أحدُ هم‪:‬‬ ‫لشخص مئ َة ِقرش َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫اليومية‬ ‫كانت األجر ُة‬‫إن ِ‬
‫تافها بل‬ ‫ُ‬ ‫مئة ٍ‬ ‫كالز ُم ُّر ِد قيمتُه ُ‬ ‫املكان‪ ،‬فإن ََّك ستجدُ‬ ‫َ‬
‫عذرا ً‬ ‫يكون ً‬ ‫لرية» كم‬ ‫كريم ُّ‬ ‫حجرا ً‬ ‫ً‬ ‫هذا‬
‫ستنقص»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ألن أجريت اليوم َّي َة‬‫أعمل‪َّ ،‬‬ ‫ذلك بقولِ ِه‪« :‬ال‪ ،‬ال ُ‬ ‫رفض َ‬ ‫إن َ‬ ‫ُجنونًا ْ‬

‫وعمل ِك يف هذا‬
‫ِ‬ ‫سعي ِك‬
‫ثامر ِ‬ ‫مجيع ِ‬ ‫فإن َ‬ ‫الصال َة املفروض َة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وكذل َك حا ُلك‪ ،‬فإن تركت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقت‬
‫فت َ‬ ‫دون أن َتني فائدَ َتا وبركتَها؛ بينام لو ص ِ‬ ‫ٍ‬
‫تافهة َ‬ ‫ٍ‬
‫دنيوية‬ ‫ستنحرص يف َن َف َق ٍة‬ ‫ِ‬
‫البستان‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫س ال َق ِ‬
‫وح‪ ،‬ولتن ُّف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫راحتِ ِك بني‬
‫لب‪،‬‬ ‫الر ِ‬ ‫العمل يف أداء الصالة‪ ،‬التي هي وسيل ٌة لراحة ُّ‬ ‫فرتات‬
‫ِ‬
‫املباركة‪ ،‬ما َتدينَه من‬ ‫ِ‬
‫الدنيوية‬ ‫وزاد آخرتِ ِك مع نفقتِ ِك‬ ‫األخروية ِ‬
‫ِ‬ ‫عندئذ إىل نفقتِ ِك‬‫ٍ‬ ‫يضاف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫دائمني ُ‬
‫وها‪:‬‬ ‫ين َمعنو َّي ِ‬
‫ني‬ ‫لكنـز ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‬ ‫منب ٍع‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪312‬‬
‫ٍ‬
‫خالصة‪،‬‬ ‫كل ما هيأتَه بن َّي ٍة‬ ‫ِ‬
‫«تسبيحات» ِّ‬ ‫الكنـ ُز األول‪ :‬ستأخذ(‪ )1‬ح َّظ َك ونَصي َب َك من‬
‫ونباتات يف ُبستانِ َك‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أزهار ٍ‬
‫وثامر‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫أكان حيوانًا أ ْم إنسانًا شار ًيا‬ ‫حماصيل بستانِ َك ‪-‬سوا ٌء َ‬ ‫ِ‬ ‫يأكل من‬ ‫كل َمن ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫الكنـ ُز الثاين‪ّ :‬‬
‫ٌ‬ ‫بحكم «ص ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أو سار ًقا‪-‬‬
‫وظف‬ ‫ٌ‬ ‫وكيل و ُم‬ ‫نفسك كأن ََّك‬ ‫َ‬ ‫نظرت إىل‬ ‫َ‬ ‫لك‪ ،‬فيام إذا‬ ‫دقة» َ‬ ‫ِ َ‬ ‫يكون‬
‫من‬‫احلقيقي وض َ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الرز ِاق‬
‫باسم َّ‬ ‫ِ‬ ‫تترصف‬
‫ُ‬ ‫مال اهلل سبحا َن ُه وتعاىل عىل خملوقاتِه‪ ،‬أي‬ ‫لتوزي ِع ِ‬
‫َمرضاتِه‪.‬‬
‫ترك الصالةَ‪ ،‬كم هو ِ‬
‫عظيم؟! وكم هو فاقدٌ من‬ ‫ً‬ ‫خاس ُخرسانًا‬ ‫ٌ‬ ‫واآلن تأ ّم ْل يف الذي َ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اللذين‬ ‫ِ‬
‫ائمني‬ ‫ِ‬
‫الكنـزين الدَّ‬ ‫فلسا من َ‬
‫ذينك‬ ‫اهلائلة؟! وكيف أنّه سيبقى حمروما وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثروة‬ ‫تلك‬
‫ً ُ‬
‫أرذل ُع ُم ِر ِه‪،‬‬ ‫بلغ َ‬ ‫َّشاط؟! حتى إذا َ‬ ‫عي والن ِ‬ ‫للس ِ‬ ‫ويشوقانه َّ‬
‫ِِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للعمل‬ ‫ٍ‬
‫معنوية‬ ‫اإلنسان ٍ‬
‫بقوة‬ ‫َ‬ ‫ي ِم ِ‬
‫دان‬ ‫ُ‬
‫أعم ُل؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سوف ُّ‬
‫ألجل َمن َ‬ ‫ب نفيس؟‬ ‫علي؟! ل َم أتع ُ‬ ‫ويضجر ُماط ًبا نفسه‪« :‬وما َّ‬ ‫ُ‬ ‫يمل‬ ‫َ‬ ‫فإنّه‬
‫يقول‪:‬‬ ‫األو ُل ُ‬ ‫ُ‬ ‫أحضان الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫الرجل َّ‬ ‫َسل؛ بينام‬ ‫نفسه يف‬ ‫راحل من هذه الدُّ نيا غدً ا» ف ُيلقي َ‬ ‫فإنّني‬
‫قربي ضيا ًء‬ ‫رس َل إىل‬ ‫املتزايدة كيام ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫بجانب عباديت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلالل‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫«سأسعى سع ًيا حثي ًثا يف‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫أكثر وأ َّدخ َر آلخريت َذخري ًة أزيدَ »‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫فاتك‪ ،‬أما الغدُ فلم ِ‬ ‫إن أمس قد ِ‬
‫وليس‬ ‫َ‬ ‫يأت َب ْعدُ ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّفس‪َ ْ ّ ..‬‬ ‫واخلالص ُة‪ :‬اعلمي أ َّيتها الن ُ‬
‫القليل أن‬ ‫ِ‬ ‫احلقيقي هو هذا اليوم‪ُّ ،‬‬
‫وأقل‬ ‫َّ‬ ‫فاحسبي ُع ُم َر ِك‬ ‫ُ‬ ‫لديك عهدٌ أنَّك ستملكينَ ُه‪ ،‬هلذا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫املستقبل‬ ‫الس ّجاد ُة لتضمني‬ ‫صندوق اال ِّد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُلقي ساع ًة من ُه يف‬ ‫ت ِ‬
‫األخروي‪ ،‬وهو املسجدُ أو َّ‬ ‫ِّ‬ ‫خار‬
‫احلقيقي اخلالدَ ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫جديد ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كذلك أن َّ‬
‫ولغريك‪ -‬فإن مل تؤدي‬ ‫‪-‬لك‬ ‫ينفتح لعاملٍ‬
‫باب ُ‬ ‫كل يو ٍم جديد هو ٌ‬ ‫َ‬ ‫واعلمي‬
‫شهدُ‬
‫الغيب ُمظلام شاك ًيا حمزونًا‪ ،‬وس َي َ‬ ‫ِ‬ ‫يرحل إىل عا َل ِ‬
‫ـم‬ ‫ُ‬ ‫ـم ذلك اليو ِم‬ ‫فيه الصال َة فإن عا َل َ‬
‫عملنا وقل َبنا‪َ ..‬مث ُله يف‬ ‫ـم‪َّ ،‬‬ ‫اخلاص من هذا العا َل ِ‬ ‫لكل منَّا عا َل َم ُه‬
‫إن ٍّ‬ ‫ِ‬
‫عليك؛ إذ َّ‬
‫وأن نوعيتَه تَت َبع َ‬ ‫َّ‬
‫فستظهر الصور ُة‬
‫ُ‬ ‫الصور ُة تب ًعا للوهنا ونوع َّيتِها؛ فإن كانت ُم ْسو َّد ًة‬
‫مثل املرآة‪ ،‬تظهر فيها ُّ‬
‫ِ‬ ‫ذلك ُ‬‫ِ‬
‫فستظهر مشوه ًة ت ِّ‬
‫ُضخم أتف َه‬ ‫ُ‬ ‫فستظهر الصور ُة واضح ًة‪ ،‬وإال‬
‫ُ‬ ‫ُم ْسو َّدةً‪ ،‬وإن كانت َصقيل ًة‬

‫(‪ )1‬هذا املقام درس ألحد العاملني يف بستان‪( ،‬املؤلف)‬


‫� �‬ ‫�‬ ‫� � ‬ ‫�� � �‬
‫‪313‬‬ ‫�������� ���� � ������� ��������� ‪� ������� ���������� � -‬‬
‫صور عا َل ِم ِك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يمكنك أن تُغريي‬ ‫وبعم ِل ِك‬ ‫وبعقل ِك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فبقلبك‬ ‫يشء وأصغره؛ كذلك ِ‬
‫أنت‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬
‫عليك‪.‬‬ ‫لك أو‬‫ذلك العا َلـم يشهدُ ِ‬
‫وباختيار ِك وطو ِع إرادتِك يمكن ُِك أن جتعيل َ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫اجلالل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ـم ذي‬ ‫ذلك العا َل ِ‬ ‫خالق َ‬ ‫ِ‬ ‫بصالتِ َك إىل‬‫وتوجهت َ‬
‫َ‬ ‫يت الصال َة‬ ‫إن أ ّد َ‬ ‫وهكذا‪ْ ،‬‬
‫مفتاح الن ِ‬ ‫فتحت بني ِة الص ِ‬
‫ُّور‬ ‫َ‬ ‫الة‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫حال‪ ،‬وكأن ََّك قد‬ ‫إليك ً‬ ‫املتوج ُه َ‬ ‫ِّ‬ ‫ـم‬‫ذلك العا َل ُ‬ ‫فسيتنو ُر َ‬ ‫َّ‬
‫تتحول وتتبدَّ ُل مجيع االضطراباتِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مصباح صالت َك‪ ،‬وبدَّ َد الظلامت فيه‪ ..‬وعندها‬ ‫ِ‬ ‫فأضا َء ُه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القدرة الر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بانية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ذات معنًى ِ‬
‫بقلم‬ ‫كيم‪ ،‬وكتاب ًة َ‬ ‫واألحزان التي حو َل َك يف الدنيا فرتاها نظا ًما َح ً‬
‫ذاك‪،‬‬ ‫يوم َك َ‬‫قلبك‪ ،‬فيتنور عا َلـم ِ‬ ‫أنوار ﴿‪  ‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ إىل َ‬ ‫نور من ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫فينساب ٌ‬ ‫ُ‬
‫لك عندَ اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بنورانيته َ‬ ‫شهدُ‬ ‫وس َي َ‬
‫حتمل نوا ُة الت ِ‬ ‫الة؟» إذ كام ُ‬ ‫تلك الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫حذار أن َ‬ ‫ِ‬
‫َّمر‬ ‫«أين صاليت من حقيقة َ َّ‬ ‫تقول َ‬ ‫فيا أخي!‬
‫كذلك صال ُة العوا ِم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫واإلمجال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫التفاصيل‬ ‫الفرق فقط يف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الباسقة‪،‬‬ ‫صفات الن ِ‬
‫َّخلة‬ ‫ِ‬ ‫طياتا‬ ‫يف ِ‬
‫احلقيقة‪ ،‬كام هي‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬ ‫أرسار َ‬ ‫ِ‬ ‫وس ٌّـر من‬‫حظ من ذلك النور ِ‬ ‫‪َ -‬من ُهم أمثايل وأمثا ُلك‪ -‬فيها ٌ‬
‫ٍ‬
‫بدرجات‬ ‫فهي‬ ‫ِ‬
‫َنو ُرها َ‬ ‫شعور ُه؛ أ َّما ت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الصاحلني ولو مل يتعلق بذلك‬ ‫َ‬ ‫أولياء اهلل‬ ‫ولي من‬ ‫يف صالة ٍّ‬
‫أن الصال َة فيها‬ ‫غم َّ‬ ‫ِ‬ ‫الكثرية التي بني ِ‬
‫نواة الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ور َ‬ ‫َّمر إىل النَّخلة‪َ ..‬‬ ‫املراتب‬ ‫كتفاوت‬ ‫متفاوتة‪،‬‬
‫احلقيقة النُّوران َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫أساس من َ‬
‫تلك‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫املراتب فيها‬ ‫مجيع تلك‬ ‫فإن َ‬ ‫مراتب أكثر َّ‬ ‫ُ‬
‫َّ َ ُ َ ُ ّ‬ ‫َّ َّ َ ّ َ ّ ْ َ َ َ َ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ين»‬ ‫الل ص ِل َوس ِلم على من قال‪« :‬الصلة ِعماد ِ‬
‫الد ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ آ‬
‫أج َمع َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َو َعلى � ِل ِه َو َصح ِب ِه‬

‫(‪ )1‬تقدم خترجيه يف الكلمة الرابعة‪.‬‬


‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪314‬‬

‫املقام الثاين من الكلمة احلادية والعرشين‬


‫ٍ‬
‫جروح قلبية ٍ‬ ‫يتضمن خمسة َ مراهِم لخمسة ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫�﷽‬

‫﴿‪ ‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ * ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﴾‬
‫(املؤمنون‪)98-97:‬‬

‫تعلم بامذا تُشبِ ُه َوسوست َُك؟ َّإنا‬ ‫سوسة‪ِ َ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أ ُّيها ُ‬
‫ليت شعري هل ُ‬ ‫الو‬
‫الـمبتىل بداء َ‬‫األخ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اها‬‫أشب ُه باملصيبة؛ تبد ُأ صغري ًة ثم تك ُب ُـر شي ًئا فشي ًئا عىل مدى اهتامم َك هبا‪ ،‬وبقدْ رِ إمهال َك إ َّي َ‬
‫تك‬‫داس َ‬ ‫فت منها َ‬ ‫فهي تَع ُظ ُم إذا استعظمتَها وتَص ُغ ُر إذا استَصغرتَها؛ وإذا ما ِخ َ‬ ‫تزول وتفنى‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫استمر ْت‬
‫َّ‬ ‫ف حقيقتَها‬ ‫وتوارت؛ وإن مل ِ‬
‫تعر ْ‬ ‫َ‬ ‫َست‬
‫وخن ْ‬ ‫َت َ‬ ‫ف هان ْ‬ ‫َخ ْ‬ ‫ِ‬
‫بالعلل‪ ،‬وإن مل ت َ‬ ‫ودو َ‬
‫ختك‬ ‫َّ‬
‫األمر‬
‫ُ‬ ‫مح َّل ْت‪ ..‬فام دا َم‬
‫واض َ‬ ‫تالشت ْ‬ ‫ْ‬ ‫غورها‬
‫رت َ‬ ‫وس َب َ‬‫عرفت حقي َقتَها َ‬ ‫َ‬ ‫واستقر ْت‪ ،‬بينام إذا‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫يكون بيانُها‬ ‫كثريا‪ ،‬عسى أن‬ ‫ِ‬
‫وجوهها التي تحدُ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فسأرشح لك مخس َة‬
‫ث ً‬ ‫وجوه‪ ،‬من‬ ‫ُ‬ ‫هكذا‬
‫العلم‬ ‫س‪ ،‬بينما‬ ‫ِ‬
‫للوساو ِ‬ ‫الجهل َمج َلب ٌة‬
‫َ‬ ‫نحن ك ُّلنا‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫لصدورنا ُ‬ ‫‪-‬بعون اهلل‪ -‬شفا ًء‬
‫دبر ْت‪.‬‬ ‫ت َ‬ ‫نت وإذا ما عرفتَها و َّل ْ‬ ‫جهلتَها أ ْقب َل ْ‬‫لشرها‪ ،‬فلو ِ‬ ‫ِ‬
‫وأ َ‬ ‫ت و َد ْ‬ ‫دافع ِّ‬‫على نقيضه ٌ‬

‫اجلرح ُ‬
‫األول‬ ‫ُ‬ ‫الوج ُه ُ‬
‫األول ‪-‬‬
‫أنكرها‬ ‫ِ‬
‫يراقب صداها يف األعامق‪ ،‬فإذا َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القلب‪ ،‬ثم‬ ‫الشيطان ُيلقي أوال بشبهتِه يف‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫َّ‬
‫بيح‬‫تم من َق ِ‬ ‫ِ‬
‫اخليال ما يشب ُه َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫بهة إىل َّ‬ ‫الش ِ‬‫انقلب من ُّ‬
‫الش َ‬ ‫صو ُر أما َم‬
‫والسب‪ ،‬ف ُي ِّ‬
‫ِّ‬ ‫تم‬ ‫َ‬ ‫القلب‬‫ُ‬
‫حتت وطأةِ‬ ‫لآلداب‪ ،‬مما ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واهلواج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسكني يئ ُّن َ َ‬
‫َ‬ ‫القلب‬
‫َ‬ ‫جيعل ذلك‬ ‫س املناف َية‬ ‫اخلواطر السيئة‬
‫اقرتف‬
‫َ‬ ‫آثم‪ ،‬وأنه قد‬
‫أن قل َبه ٌ‬ ‫وسو ُس َّ‬ ‫الم َ‬ ‫فيظن ُ‬
‫ُّ‬ ‫سـرتاه! وا ُمصيبتاه!‬ ‫واح َ‬‫ويصـر ُخ‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اليأس‬
‫ِ‬
‫السكينة‬ ‫فينفل ُت من ِع ِ‬
‫قال‬ ‫ِ‬ ‫لق‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وانفعال و َق ٍ‬ ‫ٍ‬
‫باضطراب‬ ‫ويشعر‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪،‬‬ ‫يال ر ِّب ِه‬ ‫السيئات ِح َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الغفلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أغوار‬ ‫االنغامس يف‬ ‫ُ‬
‫وحياول‬ ‫ِ‬
‫والطمأنينة‪،‬‬
‫َ‬
‫� � ‬ ‫� ����������� ���� ����� �� �� � � �� � � �‬
‫‪315‬‬ ‫�������� ���� � ������� ����������‬ ‫�� �‬
‫َّأما ِضام ُد هذا الجرحِ فهو‪:‬‬
‫شتم وال‬ ‫ِ ِ‬ ‫ختف وال تَض َط ِرب‪ّ ،‬‬
‫مر أما َم مرآة ذهنك ليس ً‬ ‫ألن ما َّ‬ ‫املسكني‪ ..‬ال ْ‬
‫ُ‬ ‫أهيا املبتىل‬
‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫إن تخ ُّي َل‬ ‫مرآة ذهنِك‪ ،‬وحيث ّ‬ ‫سبا‪ ،‬وإنّام هو مجرد صو ٍر وخياالت متر مرورا أمام ِ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ًّ‬
‫أن التخ ُّي َل‬ ‫ِ‬
‫املنطقية‪ّ :‬‬ ‫ِ‬
‫البدهيية‬ ‫شتم‪ ،‬إذ من املعلوم يف‬ ‫الش ِ‬
‫فإن تخ ُّيل َّ‬ ‫كفرا‪ّ ،‬‬
‫أيضا ليس ً‬ ‫تم ً‬ ‫ليس ً‬
‫الالئقة مل تكن قد‬ ‫ِ‬ ‫غري‬ ‫ِ‬ ‫فضل عن هذا‪َّ ،‬‬ ‫بح ٍ‬
‫فإن تلك الكلامت َ‬ ‫ً‬ ‫كم؛‬
‫الشتم ُح ٌ‬
‫ُ‬ ‫كم‪ ،‬بينام‬ ‫ليس ُ‬
‫شيطانية َق ٍ‬
‫ريبة‬ ‫ٍ‬ ‫آتية من َل َّم ٍة‬
‫يتحس ُر منها ويتأمل‪َ ،‬بل ٌ‬ ‫إن قل َبك‬ ‫حيث ّ‬ ‫ذات قلبِك‪ُ ،‬‬ ‫صدرت من ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫رضرها عىل القلب هو‬ ‫الض ِر‪ ،‬أي ّ‬ ‫توه ِم َّ‬ ‫ِ‬
‫إن َ‬ ‫الوسوسة إنام هو يف ُّ‬ ‫َ‬ ‫من القلب‪ ،‬لذا فإن َض َر‬
‫ختيل ال أساس له كأنَّه حقيق ٌة‪ ،‬ثم ينسب ِ‬
‫إليه‬ ‫يتوهم ً‬ ‫نتوهمه نحن من أرضارها‪ّ ،‬‬
‫ألن املر َء‬ ‫ما‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خواطر قلبِه هو‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان هي من‬ ‫أن َه ِ‬
‫زات‬ ‫فيظن ّ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان ما هو بري ٌء منه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أعامل‬ ‫من‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بالذات‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الشيطان منه‬ ‫فيقع فيها‪ ..‬وهذا هو ما يريدُ ه‬ ‫أضرارها ُ‬
‫َ‬ ‫ويتصور‬
‫ُ‬

‫الوجه الثاين‬
‫َ‬
‫األشكال‬ ‫الصور‪ ،‬وتكت َِس‬
‫ِ‬ ‫جرد ًة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القلب تن ُف ُذ يف اخليال ُم َّ‬
‫عندما ت ِ‬
‫َنطل ُق املعاين من‬
‫ويعر ُض‬ ‫ِ‬
‫الصور‪ِ ،‬‬ ‫وألسباب مع َّي ٍنة‪ً ،‬‬
‫نوعا من‬ ‫ٍ‬ ‫دائم‬
‫ينس ُج ً‬ ‫ُ‬
‫والخيال هو الذي ُ‬ ‫والصور هناك؛‬
‫َ‬
‫النسيج أو يع ِّل ُقه‬
‫َ‬ ‫لبسه ذلك‬ ‫ُ‬
‫فاخليال إ ّما ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫الطريق‪ ،‬فأ ُّيام معنًى ِيرد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الصور عىل‬ ‫هيتم به من‬ ‫ما ُّ‬
‫جة ملوث ًة‬ ‫ِ‬
‫واألنس ُ‬ ‫نـزه ًة ونقي ًة‪،‬‬
‫والصور‬
‫ُ‬ ‫ُـره به؛ فإن كانت املعاين ُم َّ‬ ‫عليه أو يل ِّط ُخه به‪ ،‬أو يست ُ‬
‫التامس‬
‫ِّ‬ ‫أمر‬
‫س ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫مس فقط‪ ..‬فيلتبِ ُس عىل ُ‬
‫الـم َو َ‬ ‫إلباس وال إكسا َء‪ ،‬وإنام جمر ُد ٍّ‬ ‫َ‬ ‫دنيئ ًة فال‬
‫املهاوي‪ ،‬وستَجعلني‬ ‫ِ‬ ‫َلبيسا‪ ،‬فيقول يف نفسه‪ :‬يا ويلتاه! لقد تردى قلبي يف‬ ‫فيظنُّه تل ُّب ًسا وت ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املطرودين من رمحة اهلل؛ فيستغ ُّل الشيطان هذا َ‬
‫الوت ََر‬ ‫َ‬ ‫النفس ُية من‬ ‫ُ‬
‫واخلساسة‬ ‫هذه الدناء ُة‬
‫ً‬
‫استغالل فظي ًعا‪.‬‬ ‫اس منه‬ ‫احلس َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫العميق هو‪:‬‬ ‫الـجرحِ‬
‫ره ُم هذا ُ‬‫وم َ‬‫َ‬
‫نجاسة‪ ،‬بل يكفي هلا طهار ٌة ِح ِّسي ٌة‬
‫ٍ‬ ‫كام ال يؤ ِّث ُـر يف َصالتِك وال ُيفسدُ ها ما يف جوفِ َك من‬
‫هة واملقدَّ ِ‬
‫المنـز ِ‬ ‫امللو ِثة باملعاين‬
‫سة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الص َو ِر َّ‬
‫مجاور ُة ُّ‬
‫َ‬ ‫ترض‬
‫دنية‪ ،‬كذلك ال ُّ‬‫و َب ٌ‬
‫رض ِ‬
‫يفاج ُئك‪ ،‬أو‬ ‫بأمر ُمه ِّي ٍج من َم ٍ‬ ‫ذلك‪ :‬قد تكون متدبرا يف ٍ‬
‫آية من آيات اهلل‪ ،‬وإذا ٍ‬ ‫ُ‬
‫مثال َ‬
‫ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪316‬‬
‫سينساق إىل َح ُ‬
‫يث الدوا ُء‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫شك أن خيا َلك‬‫ني‪ُ ،‬ي ِل ُّح عىل خيالِك بشدَّ ٍة‪ ،‬فال َّ‬‫من تداف ِع األخ َب َث ِ‬
‫َمر املعاين ِ‬
‫الوارد ُة يف تد ُّب ِر َك من بني‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقتض ِيه من‬
‫ناسجا ما ِ‬ ‫احلاجة‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫صور َدنيئة؛ فت ُّ‬ ‫ً‬ ‫أو قضا ُء‬
‫رضر وال َل ٌ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وثة وال خطورةٌ‪ ،‬إنَّام اخلطور ُة فقط‬ ‫ثم َة ٌ‬
‫متر‪ ،‬فليس َّ‬ ‫السافلة‪َ ..‬د ْعها ُّ‬‫الصور اخليالية َّ‬
‫َوهم الضَّ ِر ِمنها‪.‬‬
‫كر فيها‪ ،‬وت ِ‬ ‫الف ِ‬ ‫تركيز ِ‬
‫ِ‬ ‫هي يف‬

‫الوج ُه ال َّث ُ‬
‫الث‬
‫لة‪ ،‬حتى بني‬ ‫يوط من الص ِ‬ ‫األشياء‪ ،‬وربام توجدُ ُخ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فية تسو ُد بني‬ ‫القات َخ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بعض َع‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫هناك ُ‬
‫ِ‬ ‫حقيقي ٌة‪ ،‬أو أنَّها من نِ‬
‫ِ‬ ‫قائم ٌة ِ‬ ‫اخليوط إما أنا ِ‬ ‫ِ‬
‫تاجات‬ ‫بذاتا‪ ،‬أي‬ ‫ُ َّ َّ‬ ‫األشياء؛ هذه‬ ‫ما ال نتوق ُعه من‬
‫ِ‬
‫توارد‬ ‫الس ُّـر يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ينشغ ُل به من‬ ‫َ‬ ‫خيالِ َك الذي‬
‫عمل؛ وهذا هو ِّ‬ ‫حسب ما‬ ‫َ‬ ‫اخليوط‬ ‫صنع هذه‬‫َ‬
‫ُ‬
‫يكون سب ًبا‬ ‫إذ «التنا ُق ُض الذي‬ ‫َّظر يف ما خيص أمورا مقدَّ س ًة‪ِ ،‬‬ ‫سيئة أحيانًا عند الن ِ‬ ‫خياالت ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ً ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫البيان؛‬ ‫اخليال» كام هو معلو ٌم يف ِ‬
‫علم‬ ‫ِ‬ ‫والتجاو ِر يف‬ ‫ِ‬
‫للقرب‬ ‫ُ‬
‫يكون مدعا ًة‬ ‫ِ‬
‫اخلارج‬ ‫ِ‬
‫لالبتعاد يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اخلواطر‬ ‫اخليال‪ ،‬و ُيط َل ُق عىل هذه‬
‫َ‬ ‫يـن ليس ّ‬
‫إل‬ ‫ِ‬
‫املتناق َض ِ‬ ‫الشي َئ ِ‬
‫يـن‬ ‫جيمع بني صوريت َّ‬ ‫إن ما‬ ‫أي َّ‬
‫ُ‬
‫الوسيلة‪ :‬تداعي األَ ِ‬
‫فكار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناجتة هبذه‬
‫مستقبل‬ ‫ضور ٍ‬
‫قلب‬ ‫وح ِ‬ ‫الصالة بخشو ٍع‬ ‫ِ‬ ‫أنت ت ِ‬ ‫مثال َ‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫وترضع ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُناجي ر َّبك يف‬ ‫ذلك‪ :‬بينام َ‬
‫خمجلة ال تعنيك بيشء؛ فإذا‬ ‫ٍ‬ ‫أمور ُمشين ٍَة‬ ‫األفكار هذا يسو ُقك إىل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫املعظم َة‪ ،‬إذا بتداعي‬ ‫الكعب َة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الفطرية‬ ‫جتز َع‪ ،‬بل ُعد إىل حالتِك‬ ‫تقلق أو َ‬ ‫األفكار‪ ،‬فإ َّياك إ َّياك أن َ‬ ‫ِ‬ ‫كنت يا أخي ُمبت ًلى بتداعي‬ ‫َ‬
‫ب‪..‬‬ ‫الس َب ِ‬ ‫كثريا‪َ ..‬فتبد ُأ بالت ِ‬ ‫ُشغل با َلك ً‬ ‫حاملا تنتبه هلا‪ ،‬وال ت ِ‬
‫َّحري عن َّ‬ ‫رت ً‬ ‫قص ُ‬ ‫قائل‪ :‬لقد َّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫الواه ُية العابر ُة‬ ‫ِ‬
‫برتكيزك عليها‪ ،‬إذ كلام‬ ‫العالقات‬
‫ُ‬ ‫َقوى تلك‬ ‫بل ُم َّر عليها َم َّر الكرا ِم لئال ت َ‬
‫تتأص ُل تدرجي ًيا‬ ‫ٍ‬
‫التخطر إىل عادة ّ‬ ‫ُ‬ ‫انقلب ذلك‬‫َ‬ ‫واألسف وزا َد اهتما ُمك هبا‬ ‫َ‬ ‫أظهرت األسى‬ ‫َ‬
‫إن هذه‬ ‫قلبي‪َّ ،‬‬‫بمرض ٍّ‬‫ٍ‬ ‫تخش أبدا‪ ،‬إنه ليس‬ ‫خيايل؛ ولكن ال‪ ..‬ال َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫مرض‬ ‫تتحو َل إىل‬
‫َّ‬ ‫حتى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلواجس الن ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫إرادة‬ ‫رغم عن‬ ‫تتكو ُن ً‬‫أغلب احلاالت َّ‬ ‫ِ‬ ‫اخليالـي هي يف‬
‫َّ‬ ‫والتخطر‬
‫َ‬ ‫َّفسي َة‬ ‫ِ َ‬
‫والشيطان يتَغ ْل َغ ُل عمي ًقا مع‬
‫ُ‬ ‫جة احلا َّد ِة‪..‬‬
‫واألمز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ره ِفي احلِ ِّس‬ ‫تكون لدى ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫وهي غال ًبا ما‬
‫س‪.‬‬ ‫ساو ِ‬‫الو ِ‬ ‫هذه َ‬
‫� � ‬ ‫� ����������� ���� ����� �� �� � � �� � � �‬
‫‪317‬‬ ‫�������� ���� � ������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ِ‬
‫الداء فهو‪:‬‬ ‫عالج هذا‬ ‫َّأما‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫اختالط فيها‬ ‫إرادية غال ًبا‪ ،‬وكذا ال‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األفكار‪ ،‬ألنَّها ال‬ ‫اعلم أنَّه ال مسؤولي َة يف تداعي‬
‫بعضها‬ ‫طبيعة األفكار ُ‬ ‫ُ‬ ‫جماورة وال يش َء بعد ذلك‪ ،‬لذا فال ت ِ‬
‫َرسي‬ ‫ٍ‬ ‫جمر ُد‬
‫متاس‪ ،‬وإنام هي َّ‬ ‫وال َّ‬
‫حول‬ ‫ِ‬
‫للشيطان َ‬ ‫ِ‬
‫مالئكة اإلهلا ِم‬ ‫ـجاور َة‬
‫بعضا؛ إذ كام أن ُم َ‬ ‫بعضها ً‬ ‫يضـر ُ‬
‫ُّ‬ ‫ببعض‪ ،‬ومن ثم فال‬
‫رضر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجماور َة األبرار لل ُف َّج ِار وقرا َبتَهم ووجو َد ُهم يف‬ ‫ِ‬
‫مسكن واحد ال َ‬ ‫َ‬ ‫القلب ال بأس فيها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تضر يف‬ ‫أفكار طاهرة نَـزهية ال ُّ‬ ‫مقصودة بني‬ ‫خواطر س ِّي ٌئة ُ‬
‫غري‬ ‫ُ‬ ‫فيه‪ ،‬كذلك إذا تداخلت‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫متوها َض َـر َرها بك؛ وقد‬ ‫نفسك كثريا‪ً ِّ ،‬‬ ‫إل إذا كانت مقصودةً‪ ،‬أو أن تَش َغ َل هبا َ‬ ‫يشء ّ‬
‫ِ ِ‬
‫ُ‬
‫الشيطان‬ ‫فينتهز‬
‫ُ‬ ‫جدوى‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّفق‪ -‬دون‬ ‫كر بيشء َما ‪-‬كيفام ات َ‬ ‫رهقا ف َينشغ ُل الف ُ‬ ‫القلب أحيانا ُم َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫وهناك‪.‬‬ ‫األخ ِيل َة اخلبيث َة ُ‬
‫وينثرها هنا‬ ‫هذه الفرص َة و ُيقدِّ ُم ْ‬

‫الرابع‬
‫ُ‬ ‫الوج ُه‬
‫األتم من‬ ‫ِ‬
‫األكمل‬ ‫َّحري عن‬ ‫الناشئة من التشدُّ ِد ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫هو نوع من الوسو ِ‬
‫ِّ‬ ‫املفرط لدى الت ِّ‬ ‫سة‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫األمر سوءا وتعقيدا‪،‬‬
‫والورعِ‪ -‬ازدا َد ُ‬‫َ‬ ‫َّقوى‬‫األعامل‪ ،‬فك َّلام زا َد املر ُء يف التشدُّ د هذا ‪-‬باسم الت َ‬
‫َ‬
‫واألكمل يف األعامل‬ ‫بتغي الوج َه األَ َ‬
‫ول‬ ‫وشك أن يقع يف احلرام يف الوقت الذي ي ِ‬ ‫حتى َلي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نفسه دائام عن مدى‬ ‫حيث َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رت ُك «واجبا»‬ ‫ِ‬
‫سأل َ‬ ‫«سنّة»‬‫تحريه عن ُ‬ ‫بسبب ِّ‬ ‫الصاحلة؛ وقد َي ُ‬ ‫َّ‬
‫األمر‬ ‫َ‬
‫يطول به‬ ‫ويكر ُره‪ ،‬قائال‪ « :‬تُرى هل َص َّح عميل؟ » حتى‬ ‫ِص َّحة عمله‪ ،‬فرتاه ُيعيدُ ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بس ِ‬ ‫الشيطان وضعه هذا فريميه ِ‬ ‫َفييأس‪ ،‬وي ِ‬
‫ستغ ُّل‬
‫رحه من األعامق‪.‬‬ ‫وي ُ‬
‫هامه َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ِ‬
‫دواءان اثنان‪:‬‬ ‫الـج ِ‬
‫رح‬ ‫وهلذا ُ‬
‫باملعتزلة الذين يقولون‪« :‬إن‬ ‫ِ‬ ‫ساوس ال تليق ّ‬
‫إل‬ ‫ِ‬ ‫الو‬
‫أمثال هذه َ‬ ‫أن َ‬ ‫الدواء الأول‪ :‬اعلم َّ‬
‫الشرع‬ ‫قبيحة يف ذات ِ‬
‫نفسها‪ ،‬ثم يأيت‬ ‫ٌ‬ ‫األخروي حسن ٌة أو‬ ‫حيث اجلزا ُء‬‫أفعال املك َّل ِفني من ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبيعة‬ ‫موجودان يف‬ ‫بح أمران ذاتيان‬ ‫سن ُ‬
‫والق َ‬ ‫الـح َ‬
‫إن ُ‬ ‫يح؛ أي ّ‬ ‫أن هذا َح َس ٌن وهذا َقبِ ٌ‬ ‫فيقر ُر ّ‬
‫ِّ‬
‫تابعة لذلك»‪ ..‬ولذلك فإن‬ ‫األوامر والنواهي فهي ٌ‬ ‫األخروي‪ -‬أ َّما‬ ‫ِ‬
‫ب اجلزاء‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫‪-‬ح َس َ‬
‫األشياء َ‬
‫تم عميل‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طبيع َة هذا‬
‫دائم عن أعامله‪« :‬تُرى هل َّ‬ ‫املذهب تؤ ِّدي باإلنسان إىل أن َيستَفس ً‬
‫السن َِّة‬
‫أهل ُّ‬‫احلق وهم ُ‬ ‫أصحاب ِّ‬ ‫ُ‬ ‫المريض كام هو يف ذاتِ ِه أم ال؟»‪ ..‬أ َّما‬ ‫ِ‬
‫األكمل ُ‬ ‫الوج ِه‬
‫عىل ِ‬
‫ُ‬ ‫فيكون حسنًا وينهى عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فيكون‬ ‫يشء‬ ‫ُ َ َ َ َ‬ ‫بيشء‬ ‫يأمر‬
‫«إن اهلل سبحان ُه وتعاىل ُ‬ ‫فيقولون‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫واجلامعة‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪318‬‬

‫يتقرران من ِو َ‬
‫جهة‬ ‫بح َّ‬ ‫سن ُ‬
‫والق َ‬ ‫الح َ‬ ‫إن ُ‬ ‫بح‪ ..‬أي َّ‬ ‫سن ُ‬
‫والق ُ‬ ‫الح ُ‬ ‫َّهي يتح َّق ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫فباألمر والن ِ‬ ‫يحا»‪،‬‬ ‫َقبِ ً‬
‫اآلخرة دون الن ِ‬‫ِ‬ ‫قان بحسب خواتِ ِ‬ ‫ف‪ ،‬ويتع َّل ِ‬ ‫نظر المك َّل ِ‬
‫َّظر إليهام يف الدنيا‪.‬‬ ‫يمهام يف‬ ‫ِ ُ‬
‫فسد صالتَك أو‬ ‫يت‪ ،‬وكان هناك يشء ما َخفي عليك ي ِ‬ ‫أت أو ص ّل َ‬ ‫توض َ‬ ‫ذلك‪ :‬لو َّ‬ ‫مثال َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬
‫وحسنان يف ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن‬ ‫صحيحان‬ ‫لع عليه‪ ،‬فصالتُك ووضوؤك يف هذه احلالة‬ ‫وضو َءك‪ ،‬ومل ت َّط ْ‬
‫َ‬
‫جلهلك‪ ،‬إذ‬ ‫منك‬ ‫ِ‬
‫مقبوالن َ‬ ‫ِ‬
‫وفاسدان حقيق ًة‪ ،‬ولكنَّهام‬ ‫ِ‬
‫قبيحان‬ ‫ِ‬
‫املعتزلة‪ :‬إهنام‬ ‫واحد؛ وعندَ‬ ‫ٍ‬
‫ذر‪.‬‬ ‫ُ‬
‫اجلهل ُع ٌ‬
‫صحيحا ال‬ ‫يكون عم ُل َك‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واجلامعة‬ ‫الس ِنة‬ ‫ِ‬
‫بمذهب ِ‬ ‫ً‬ ‫وهكذا أهيا ُ‬
‫ً‬ ‫أهل ُّ‬ ‫فأخذا‬ ‫المبتىل‪،‬‬
‫األخ ُ‬
‫عملك‪ ،‬ولكن َ‬
‫إياك أن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫صحة‬ ‫ُوسو َس يف‬ ‫اك أن ت ِ‬
‫الشعِ؛ وإ ّي َ‬‫ظاهر َّ‬ ‫نظرا ملوافقتِ ِه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫غبار عليه‪ً ،‬‬
‫َ‬
‫مقبول عندَ اهلل أم ال؟‪.‬‬‫ٌ‬ ‫أهو‬ ‫ِ‬
‫علم اليقني‪َ ،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬ألن ََّك ال ُ‬
‫تعلم َ‬ ‫تَغرتَّ به ً‬
‫رس ال حرج ِ‬ ‫ين ُي ٍ‬ ‫أن اإلسالم ِدين اهلل ِّ ِ‬ ‫الدواء الثاني‪ :‬اعلم َّ‬
‫ُ‬
‫املذاهب‬
‫َ‬ ‫فيه‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫َ‬ ‫احلق‪ ،‬د ُ‬ ‫َ َ‬
‫أثقل ميزانًا من‬ ‫ِ‬
‫تقصيره تال َفا ُه باالستغفار الذي هو ُ‬ ‫َ‬ ‫درك املر ُء‬ ‫َ‬
‫احلق؛ فإن أ َ‬ ‫األربع َة ك َّلها عىل ِّ‬
‫باألعامل الص ِ‬ ‫َّاشئ من إعجابِ ِه‬
‫مقصرا‬
‫ً‬ ‫نفسه‬
‫سوس َ‬ ‫المو َ‬
‫مثل هذا َ‬ ‫فإن َير ُ‬
‫احلة‪ ..‬لذا ْ‬ ‫ِ َّ‬ ‫الغرور الن ِ‬ ‫ِ‬
‫األمر هكذا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يغتر إعجا ًبا بعملِ ِه؛ فام دا َم‬‫مرة من أن َّ‬
‫ألف ٍ‬
‫خير له َ َّ‬ ‫ويستغفر ر َّبه ٌ‬
‫ْ‬ ‫في عملِ ِه‬
‫ِ‬ ‫إن هذا َ‬ ‫ِ‬ ‫الو ِ‬
‫حقيقة‬ ‫الع عىل‬ ‫وإن اال ِّط َ‬‫حرج‪َّ ،‬‬ ‫احلال ٌ‬ ‫الشيطان‪َّ :‬‬ ‫واصـر ْخ يف وجه‬ ‫ُ‬ ‫ساو َس‬ ‫فاطرح َ‬ ‫ِ‬
‫ين»‬ ‫رج يف الدِّ ِ‬ ‫وخيالف قاعدةَ‪« :‬ال َح َ‬ ‫سـر يف الدِّ ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫صعب جدً ا‪ ،‬بل ينايف ال ُي َ‬ ‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫األحوال ٌ‬
‫املذاهب اإلسالم َّي ِة احل َّق ِة‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬ ‫أن عميل هذا يوافِ ُق مذه ًبا من‬ ‫رس»‪ ،‬وال ُبدَّ َّ‬ ‫ين ُي ٌ‬ ‫و«الدِّ ُ‬
‫لقي بنفيس بني يدي خالقي وموالي ساجدا مترضعا‬ ‫يكون وسيل ًة ألن ُأ َ‬ ‫ُ‬ ‫يث‬‫يكفيني؛ َح ُ‬
‫ميع املجيب‪.‬‬
‫الس ُ‬
‫وأعرتف بتقصريي يف العمل‪ ،‬وهو َّ‬
‫ُ‬ ‫أطلب املغفرةَ‪،‬‬
‫ُ‬

‫اخلامس‬
‫ُ‬ ‫الوج ُه‬
‫ِ‬ ‫الشب ِ‬ ‫َ‬
‫اإليامن‪:‬‬ ‫هات يف قضايا‬ ‫أشكال ُّ ُ‬ ‫َتقمص‬
‫ساوس التي ت َّ‬
‫ُ‬ ‫الو‬
‫وهو َ‬
‫بنات ِ‬
‫عقله‪ ،‬أي‬ ‫اخليال‪ ،‬فيظن أنا من ِ‬ ‫ِ‬ ‫لجات‬ ‫الـم ِ‬
‫حتار َخ‬ ‫سو ِ‬
‫ُّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫س ُ‬ ‫املو َ‬
‫يلتبس عىل َ‬
‫ُ‬ ‫فكثريا ما‬
‫ً‬
‫عقله‪ِ،‬‬
‫بهات ِ‬‫عقل ِه‪ ،‬أي إنا من ُش ِ‬ ‫قبولة لدى ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫كأنا َم ٌ‬‫تنتاب خيا َله َّ‬
‫ُ‬ ‫الشبهات التي‬‫أن ُّ‬ ‫توه ُم َّ‬‫َي َّ‬
‫مهها‬‫سو ُس أحيانا أخرى أن الشبه َة التي يتو ُ‬
‫املو َ‬
‫اخللل‪ ..‬وقد يظ ُّن َ‬‫مس ُه ُ‬
‫أن اعتقا َده قد َّ‬ ‫فيظن ّ‬
‫ُّ‬
‫� � ‬ ‫� ����������� ���� ����� �� �� � � �� � � �‬
‫‪319‬‬ ‫�������� ���� � ������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ِ‬
‫الشبهات َّ‬
‫كأن‬ ‫يضر بإيامنِه‪ ..‬وقد يظ ُّن تار ًة أخرى أن ما يتصوره من ُرؤى‬ ‫إنام هي ٌّ‬
‫شك ُّ‬
‫أن كل‬ ‫حيسب َّ‬‫ُ‬ ‫كفر‪ ،‬أي إنه‬
‫الكفر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫كل تفكري يف قضايا‬ ‫ب أن َّ‬ ‫حيس ُ‬‫عق َل ُه قد صدَّ َقه‪ ..‬وربام َ‬
‫خالف‬ ‫الض ِ‬
‫اللة أنه‬ ‫ِ‬
‫أسباب َّ‬ ‫ِ‬
‫ملعرفة‬ ‫ٍ‬
‫حمايدة‬ ‫ٍ‬
‫عقلية‬ ‫ٍ‬
‫وحماكمة‬ ‫متابعة فكر َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ومتحيص‪َّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٍ‬ ‫َحر‬
‫ُ‬ ‫ت ٍّ‬
‫ضاع‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقول‪« :‬وياله! لقد َ‬ ‫ويرجتف‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يرتعش‬ ‫املاكرة‬ ‫الشيطانية‬ ‫التلقينات‬ ‫اإليامن؛ فأما َم هذه‬
‫ِ‬
‫اجلزئية‬ ‫األحوال بإرادتِ ِه‬
‫َ‬ ‫صل َح تلك‬ ‫واختل»‪ ،‬وبام أنه ال يستطيع أن ي ِ‬ ‫َّ‬ ‫وفسدَ اعتقادي‬
‫ُ ُ‬ ‫قلبي َ‬
‫ِ‬
‫القاتل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اليأس‬ ‫ِ‬
‫هاوية‬ ‫األغلب‪ -‬يرت َّدى إىل‬‫ِ‬ ‫غري إراد َّي ٍة عىل‬
‫‪-‬وهي ُ‬
‫فهو‪:‬‬
‫عالج هذا اجلرحِ َ‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫ليس ضالل ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُفرا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أن خت ُّي َل‬‫ليس كُفرا كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫تصو َر الضاللة َ‬ ‫وإن ُّ‬ ‫ليس ك ً‬ ‫الكفر َ‬ ‫الكفر َ‬ ‫َوه َم‬
‫أن ت ُ‬
‫أن التفكري يف َّ ِ‬
‫َّفكر‪..‬‬ ‫َّصور والت َ‬
‫َّوهم والت َ‬ ‫ألن التَّخ ُّي َل والت َ‬
‫ليس ضالل ًة؛ ذلك َّ‬ ‫الضاللة َ‬ ‫َ‬ ‫مثلام َّ‬
‫والتوهم‬ ‫ُ‬
‫التخيل‬ ‫القلبي‪ ،‬إذ‬ ‫ِ‬
‫واإلذعان‬ ‫العقيل‬ ‫ِ‬
‫التصديق‬ ‫ومتغاير ك ِّل ًّيا عن‬ ‫متباين‬ ‫َ‬
‫أولئك‬ ‫كل‬‫ُّ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫االختياري‬ ‫ِ‬
‫باجلزء‬ ‫حد ما‪ ،‬لذلك فهي ال تح َف ُل‬ ‫والتصور والتفكُّر أمور حر ٌة طليق ٌة إىل ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلذعان‬ ‫َّصديق‬
‫ُ‬ ‫حتت التَّبعات الدِّ ينية‪ ،‬بينام الت‬ ‫كثريا َ‬ ‫ترض ُخ ً‬ ‫املنبثق من إرادة اإلنسان‪ ،‬وال َ‬
‫َّفكر‬ ‫َّوهم والت ِ‬
‫َّصور والت ِ‬ ‫أن كُال من التَّخ ُّي ِل والت ِ‬ ‫مليزان‪ ،‬وكام َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خاضعان‬ ‫كذلك‪ ،‬فهام‬ ‫َ‬ ‫ليسا‬
‫مربر‪-‬‬ ‫احلالة ‪-‬دون ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وإذعان فال ُيعدُّ شبه ًة وال تر ُّد ًدا؛ لكن إذا تكررت هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بتصديق‬ ‫ليس‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلقيقية‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫الشبهات‬ ‫يتمخض عنها ٌ‬
‫لون من‬ ‫ُ‬ ‫َّفس‪ ،‬فقد‬‫االستقرار يف الن ِ‬‫ِ‬ ‫وبلغت حال ًة من‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫باسم‬ ‫العقلية احلياد َّي ِة أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املحاكامت‬ ‫املخالف باسم‬
‫َ‬ ‫الطرف‬
‫َ‬ ‫‪-‬بالتزام ِه‬
‫ِ‬ ‫سو ُس‬ ‫الـم َو َ‬
‫ينـزلق ُ‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫ِ‬
‫الواجبة‬ ‫ِ‬
‫االلتزامات‬ ‫تنصل من‬ ‫ٍ‬
‫اختيار منه‪ ،‬وعندها َي ُ‬ ‫املخالف َ‬
‫دون‬ ‫يلتزم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اإلنصاف‪ -‬إىل حالة ُ‬
‫والمخو ِل من‬ ‫بالمفو ِ‬
‫ض‬ ‫ُ‬
‫يكون فيها‬ ‫تتقر ُر يف ذهنه ٌ‬
‫حالة أشب ُه ما‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫فيهلك‪ ،‬إذ َّ‬ ‫احلق‪،‬‬
‫عليه جتا َه ِّ‬
‫ِ‬
‫الشيطان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلصم أو‬ ‫ف أي‬ ‫الطرف املخالِ ِ‬
‫ِ‬ ‫قبل‬
‫ُ‬
‫«اإلمكان‬ ‫سو َس يلتبِ ُس عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫املو َ‬
‫سوسة اخلطرية هو أن َ‬ ‫الو َ‬
‫ولعل أهم نوع من هذه َ‬
‫ٌ‬
‫ومشكوك‬ ‫ممكن ذهنًا‬ ‫أن ما يراه ممكنًا يف ِ‬
‫ذاته‪:‬‬ ‫َوه ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الذهني» أي‪ :‬إنه يت َ‬
‫ُّ‬ ‫و«اإلمكان‬ ‫اتـي»‬ ‫الذ ُّ‬
‫الذاتـي‬ ‫َ‬
‫اإلمكان‬ ‫تنص عىل‪َّ :‬‬
‫«أن‬ ‫ِ‬ ‫هنالك قاعد ًة كالمي ًة يف علم‬
‫َ‬ ‫عقل‪ ،‬علام َّ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫املنطق ُّ‬ ‫بأن‬ ‫فيه ً‬
‫ِ‬
‫الذهنية‬ ‫ِ‬
‫الرضورات‬ ‫َعار َض وال تضا َّد بينه وبني‬ ‫العلمي‪ ،‬ومن ثم فال ت ُ‬
‫َّ‬ ‫اليقني‬
‫َ‬ ‫ال ُينايف‬
‫وبدهيياهتا»‪.‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪320‬‬
‫البحر األسو ُد َ‬
‫اآلن‪ ،‬فهذا يش ٌء‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املمكن أن َي َ‬
‫غور‬ ‫نسوق هذا املثال‪ :‬من‬ ‫ُ‬ ‫ولتوضيح ذلك‬
‫احلايل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫موقعه‬ ‫ِ‬
‫املذكور يف‬ ‫ِ‬
‫البحر‬ ‫ِ‬
‫بوجود‬ ‫َحكم يقينًا‬ ‫الذاتـي‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حمتمل الوقو ِع‬
‫ِّ‬ ‫إل أننا ن ُ‬ ‫ِّ‬ ‫باإلمكان‬
‫واإلمكان الذايت ال يو ِّل ِ‬
‫دان شبه ًة وال‬ ‫ُ‬ ‫اإلمكاين‬ ‫ُ‬
‫االحتامل‬ ‫ذلك قط ًعا‪ ..‬فهذا‬ ‫َشك يف َ‬ ‫وال ن ُّ‬
‫ُّ ُ‬ ‫ُّ‬
‫ي َّل ِن بيقينِنا أبدً ا‪.‬‬
‫شكًا‪ ،‬بل ال ُ ِ‬

‫إل َّ‬
‫أن‬ ‫ُرش َق غدً ا‪َّ ،‬‬ ‫أل ت ِ‬ ‫ِ‬
‫املمكن ّ‬ ‫الشمس اليو َم‪ ،‬ومن‬‫ُ‬ ‫تغيب‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املمكن ألَّ‬ ‫آخر‪ :‬من‬
‫ومثال ٌ‬ ‫ٌ‬
‫شبهة ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫بأي حال من األحوال‪ ،‬وال تَطر ُأ َأ ُ‬
‫صغر‬ ‫واالحتامل ال ُيـخ ُّل بيقيننا ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلمكان‬ ‫هذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غروب‬‫ِ‬ ‫يت عىل‬ ‫فاألوهام التي ِتر ُد من اإلمكان الذا ِّ‬ ‫ُ‬ ‫هذين املثا َل ِ‬
‫يـن‪:‬‬ ‫غرار َ‬ ‫وهكذا عىل‬
‫لل يف يقينِنا‬ ‫ِ‬
‫اإليامنية ال ت َُو ِّلدُ َخ ً‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫ِ‬
‫حقائق‬ ‫اآلخرة التي هي من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورشوق‬ ‫ِ‬
‫احلياة الدنيا‬
‫ِ‬
‫لالحتامل‬ ‫الفقه‪« :‬ال ِعبر َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأصول‬ ‫ِ‬
‫الدين‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫اإليامين قط ًعا‪ ..‬وهلذا فالقاعد ُة املشهور ُة يف‬
‫ِ‬
‫الناشئ عن الدَّ ليل»‪.‬‬ ‫غري‬
‫ِ‬
‫املؤملة‬ ‫املزعج ِة للن ِ‬
‫ّفس‬ ‫س‬ ‫ِ‬
‫الوساو ِ‬ ‫املؤمنني هبذه‬ ‫ِ‬
‫ابتالء‬ ‫ُ‬
‫احلكمة من‬ ‫قلت‪ :‬تُرى ما‬
‫وإذا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫للقلب؟‬
‫تكون حافز ًة للتي ُّق ِ‬
‫ُ‬ ‫الو ْس َوس َة‬
‫ظ‪،‬‬ ‫اإلفراط والغلب َة جان ًبا فإن َ‬
‫َ‬ ‫اجلواب‪ :‬إننا إذا ما َّ‬
‫نحينا‬
‫للتهاون‪ ..‬وألجل هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املباالة‪ ،‬ودافع ًة‬ ‫وداعي ًة للتحري‪ ،‬ووسيل ًة للجدِّ ِية‪ ،‬وطارد ًة لعد ِم‬
‫حيث به‬ ‫ِ‬
‫الشيطان كي َّ‬ ‫ٍ‬
‫تشويق وأعطا ُه بيد‬ ‫نوعا من س ِ‬
‫وط‬ ‫احلكيم الوسوس َة ً‬ ‫العليم‬ ‫ك ِّله َ‬
‫جعل‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رط يف األذى‪َ ،‬ف َر ْرنا‬ ‫باق إىل تلك ِ‬
‫الحك َِم‪ ..‬وإذا ما أ ْف َ‬ ‫ِ‬
‫وميدان الس ِ‬ ‫دار االمتحان‬‫اإلنسان يف ِ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫الر ِجيم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشيطان َّ‬ ‫احلكيم وحدَ ه مستَرصخني‪ :‬أعو ُذ باهلل َ‬
‫من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العليم‬ ‫إىل‬
‫ل��ل �ة ا �� ث ا �ن �ة ا ��ل� ش ن‬
‫�‬‫�‬
‫ا � ك�� �م� ل�� �ي�� �و ع���ر�و�‬
‫هذهِ الكلمة ُ عبارة ٌ عن مقامين‬

‫املقام األول‬

‫�﷽‬

‫﴿ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾ (إبراهيم‪)25:‬‬

‫﴿ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ (احلرش‪)21:‬‬

‫كبري‪ ،‬فغش َي ُهام ما ال طاق َة هلام ِبه فف َقدا َوع َيهام‪ ،‬وما‬ ‫حوض ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫شخصان ذات يو ٍم يف‬ ‫استحم‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫غيـر عا َلمهام‪ ،‬إىل‬ ‫وجدا َّأنام قد ِجي َء هبام إىل عا َل ٍم ِ‬
‫وعجيب فيه‬
‫ٌ‬ ‫عجيب‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عالـم‬ ‫إن أفا َقا حتى َ‬
‫ِ‬
‫بمثابة‬ ‫روعة مجالِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األطراف‪ ،‬ومن‬ ‫منس ُ‬
‫قة‬ ‫ٌ‬ ‫انتظامه الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يشء؛ فهو من َف ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ُّ‬
‫مملكة َّ‬ ‫قيق كأنَّه‬ ‫رط‬
‫بلهفة فيام حوهلام وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ينظران‬ ‫قرص بديعٍ؛ وبدَ َءا‬ ‫بحكم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تناس ِق أركانِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عامرة‪ ،‬ومن شدَّ ة ُ‬ ‫مدينة َ‬
‫وهدَ ت‬ ‫لش ِ‬ ‫جانب منه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم حقا؛ إذ لو ن ِ‬
‫ُظ َر إىل‬ ‫ٍ‬ ‫امتآل َحير ًة وإعجا ًبا بام َرأيا أما َمهام من عامل‬
‫اجلوانب‪ ،‬بينام إذا نُظر‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫كاملة‬ ‫ٌ‬
‫مدينة‬ ‫آخر لرتا َءت‬ ‫جانب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مملكة منتظم ٌة‪ ،‬وإذا ما نُظر إليه من‬ ‫ٌ‬
‫يضم عا َل ًم َمهي ًبا‪ ..‬و َط ِف َقا يتجوالن م ًعا يف‬ ‫شاهق ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‬ ‫ٍ‬
‫بقرص‬ ‫آخر فإذا هو‬‫جانب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫إليه من‬
‫يتكلمون بكال ٍم ُمعيَّ ٍ ال يفقهانِ ِه‪ ،‬إلَّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خملوقات‬ ‫نظرمها عىل‬ ‫العجيب فو َق َع ُ‬ ‫أرجاء هذا العامل‬
‫ٍ‬
‫جليلة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بواجبات‬ ‫َ‬
‫وينهضون‬ ‫أعامل عظيم ًة‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫يؤدون‬ ‫ِ‬
‫وتلوحياتم َّأنم‬ ‫ِ‬
‫إشاراتم‬ ‫أهنام أدركا من‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪322‬‬
‫ِ‬
‫اململكة‬ ‫العجيب ُمد ِّب ًرا يد ِّبر شؤونَه‪ ،‬وهلذه‬ ‫ِ‬ ‫أن هلذا العامل‬ ‫الشك َّ‬
‫َّ‬ ‫لآلخر‪:‬‬‫ِ‬ ‫قال أحدُ مها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرص املنيف صان ًعا‬ ‫الرائعة سيدً ا يتوىل ُأ َ‬
‫مورها‪ ،‬وهلذا‬ ‫البديعة مالكًا يرعاها‪ ،‬وهلذه املدينة َّ‬
‫أبدع ُه‪ ،‬فأرى لِزا ًما علينا أن نسعى ملعرفتِ ِه‪ ،‬إذ يبدو أنَّه هو الذي قد أتَى بنا إىل‬ ‫بدي ًعا قد َ‬
‫حوائجنا ونحن‬ ‫هاهنا‪ ،‬وليس أحدٌ غريه؛ فلو مل نعر ْفه فمن ذا غيره ي ِ‬
‫سع ُفنا و ُيغي ُثنا و َيقيض‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عفاء ونحن‬ ‫هؤالء العاجزين الض ِ‬ ‫ِ‬ ‫أمل نرجو ُه من‬ ‫بصيص ٍ‬ ‫الغريب؟ فهل ترى‬ ‫ِ‬ ‫يف هذا العاملِ‬
‫َ ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫صورة‬ ‫العظيم عىل‬ ‫جعل هذا َ‬
‫العال‬ ‫إن الذي َ‬ ‫ثم َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ال نفق ُه لسانَهم وال هم ُيصغون إىل كالمنا؟ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قة وعىل ِ‬ ‫مملكة منس ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األشياء‪،‬‬ ‫خلوارق‬ ‫قصـر بديعٍ‪ ،‬وجع َل ُه ً‬
‫كنـزا‬ ‫شكل‬ ‫رائعة وعىل‬ ‫مدينة‬ ‫هيئة‬ ‫ُ َّ‬
‫أقول‪:‬‬ ‫حكيمة‪ُ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫بمعجزات مع ِّب َـر ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ورص َع نواح َي ُه ك َّلها‬ ‫زينة وأرو ِع ُح ٍ‬ ‫بأفضل ٍ‬
‫ِ‬ ‫وجم َل ُه‬
‫سن‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أن له شأنًا‬ ‫الشك َّ‬ ‫َّ‬ ‫وبمن حولنا إىل هاهنا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إن صان ًعا له كل هذه العظمة واهليبة وقد أتى بنا َ‬
‫ٍ‬ ‫ب قبل ِّ‬
‫يطلب؟‬ ‫ُ‬ ‫نعلم من ُه ما يريدُ منا وماذا‬ ‫كل يشء أن نعر َفه معرف ًة جيد ًة وأن َ‬ ‫فو َج َ‬
‫يف هذا؛ َ‬

‫عنك هذا الكال َم‪ ،‬فأنا ال أصدِّ ُق أن واحدً ا أحدً ا ُ‬


‫يدير هذا العامل‬ ‫َ‬
‫قال له صاح ُبه‪ :‬دع َ‬
‫الغريب!‬
‫َ‬
‫ب شي ًئا‬
‫نكس ُ‬
‫أعرتَني سم َعك! فنحن لو أمهلنا معرف َت ُه فال َ‬ ‫مهل يا صاحبي! هلَّ َ‬ ‫فأجابه‪ً :‬‬
‫ِِ‬ ‫قط‪ ،‬وإن كان يف إمهالِنا َض ٌر‬
‫فضرر ُه ِجدُّ بليغٍ؛ بينام إذا س َعينا إىل معر َفته َ‬
‫فليس يف سعينا‬ ‫ُ‬
‫منافع جليل ًة وعظيم ًة؛ فال َي ُ‬
‫ليق بنا إذن أن نبقى‬ ‫َ‬ ‫مشقة وال َن ْل َقى من ورائه خسارةً‪ ،‬بل‬‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫ضني هكذا عن معرفتِه‪.‬‬‫عر َ‬‫ُم ِ‬
‫ِ‬ ‫الغافل َ‬
‫َ‬
‫ونشويت يف‬
‫َ‬ ‫معك يف كالم َك هذا‪ ،‬فأنا أجدُ َ‬
‫راحتي‬ ‫لست َ‬ ‫قال‪ :‬أنا ُ‬ ‫ولكن صاح َبه‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مثل ِ‬ ‫الف ِ‬
‫كر إىل ِ‬ ‫رصف ِ‬
‫ِ‬
‫األمور‪ ،‬ويف عد ِم معرفة ما تَدَّ عيه عن هذا َّ‬
‫الصان ِع البديعِ؛‬ ‫هذه‬ ‫عد ِم‬
‫َ‬
‫األفعال مجي َعها ليست ّ‬
‫إل‬ ‫فال أرى داع ًيا أن ُأجهدَ نفيس فيام ال َيس ُعه عقيل؛ بل أرى هذه‬
‫ِ‬
‫وهذه األمور؟‬ ‫وتعمل ِ‬
‫بنفسها؟ فام يل‬ ‫ُ‬ ‫وأمورا متداخل ًة ُمتشابك ًة جتري‬ ‫ٍ‬
‫مصادفات‬
‫ً‬
‫مصائب وباليا‪ ،‬أ َلم‬ ‫وباآلخرين إىل‬ ‫لقي بنا عنا ُدك هذا‬‫العاقل‪ :‬أخشى أن ي ِ‬
‫ُ‬ ‫فرد ِ‬
‫عليه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫فاسق؟‬ ‫ِ‬
‫وأفعال‬ ‫شقي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تُهدَ م ٌ‬
‫مدن عامر ٌة من جراء سفاهة ٍّ‬
‫ُثبت يل إثباتًا قاط ًعا‬
‫الموضوع هنائ ًيا فإ َّما أن ت َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َحسم‬ ‫قائل‪ :‬لِن‬ ‫ُ‬
‫الغافل ً‬ ‫ومر ًة أخرى انربى ل ُه‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪323‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬
‫الض ِ‬
‫خمة مالكًا واحدً ا وصان ًعا واحدً ا أحدً ا‪ ،‬أو تَدَ َعني‬ ‫ِ‬
‫اململكة َّ‬ ‫الش َّك َّ‬
‫بأن هلذه‬ ‫ال ُ‬
‫يقبل َ‬
‫وشأين‪.‬‬
‫ِ‬
‫واهلذيان مما‬ ‫ِ‬
‫اجلنون‬ ‫ناد َك إىل حدِّ‬ ‫دمت يا صاحبي تُصر عىل ِع ِ‬ ‫َ‬ ‫صديقه‪ :‬ما‬ ‫ُ‬ ‫أجا َبه‬
‫ُّ‬
‫ثبت هبا َّ‬
‫أن‬ ‫عشر برهانًا ُأ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫يسو ُقنا والمملك َة ِ‬
‫بكام ِلها إىل‬
‫يديك اثني َ‬ ‫فسأضع بني‬
‫ُ‬ ‫الدمار!‬
‫ِ‬
‫املدينة‪ ،‬صان ًعا بدي ًعا واحدً ا‬ ‫مة انتظا َم‬ ‫اململكة املنت َظ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرص‪ ،‬وهلذه‬ ‫هلذا العاملِ الرائ ِع روع َة‬
‫نقص يف‬ ‫ٍ‬ ‫يشء‪ ،‬وال تَرى من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فطور يف‬ ‫األمور ك َّلها؛ فال تَرى من‬ ‫أحدً ا هو الذي يد ِّب ُر‬
‫َ‬
‫فكل‬ ‫يشء‪ُّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ويسمع كال َم ِّ‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫ويبرص َّ‬ ‫أمر‪ ،‬فذلك الصانع الذي ال نراه ِ‬
‫يبص ُرنا‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫نفهم ألسنتَهم إلَّ‬
‫املخلوقات التي ال ُ‬ ‫ُ‬ ‫وروائع‪ ،‬وما هذه‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وخوارق‬ ‫وآيات‬
‫ٌ‬ ‫معجزات‬
‫ٌ‬ ‫أفعالِه‬
‫وظفون يف مملكتِه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مأمورون و ُم‬

‫األو ُل‬
‫الربهان َّ‬
‫ُ‬
‫أن يدً ا خفي ًة ُ‬
‫تعمل من‬ ‫ٍ‬
‫وأمور؛ أال ترى َّ‬ ‫ٍ‬
‫أشياء‬ ‫لنتأمل ما حولنا من‬ ‫َ‬ ‫تعال معي يا صاحبي‬ ‫َ‬
‫نفسه(‪ُ )1‬‬
‫حيمل‬ ‫أصل وال يقوى عىل حمل ِ‬ ‫ً‬ ‫أن ما ال قو َة ل ُه‬‫مجيعها؟ َأو ال ترى َّ‬ ‫األمور ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وراء‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بأعمال‬ ‫يقوم‬
‫عور ُ‬ ‫َ‬
‫إدراك ل ُه وال ُش َ‬ ‫أن ما ال‬ ‫قيل؟ َأو ال تُشاهدُ َّ‬ ‫األرطال من احلِ ِ‬
‫مل ال َّث ِ‬ ‫ِ‬ ‫آالف‬
‫َ‬
‫أن مو ًلى عليام‪،‬‬ ‫تعمل مستق َّل ًة ِ‬
‫بنفس ِها‪ ،‬بل البدَّ َّ‬ ‫احلكمة؟(‪ )2‬فهذه األشيا ُء إذن ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬
‫غاية‬
‫بذاتا‪ ،‬وأمرها ِ‬
‫بيدها‪َ ،‬ل َلزم أن‬ ‫جب؛ إذ لو كانت مستقل ًة ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يديرها من وراء ا ُ‬ ‫قديرا ُ‬‫وصان ًعا ً‬
‫ٌ‬
‫فسطة ال معنى هلا!‬ ‫خارقة‪ ،‬وما هذه إلَّ َس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معجزة‬ ‫صاحب‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء هنا‬ ‫يكون ُّ‬
‫َ‬
‫َ‬

‫الربهان ال َّثاين‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والساحات‪ ،‬ففي‬ ‫امليادين‬ ‫ِ‬
‫األشياء التي تُز ِّي ُن‬ ‫النظر يف هذه‬ ‫تعال معي يا صاحبي لن ِ‬
‫ُمع َن‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تمه؛ كام تَد ُّلنا ُطغرا ُء‬ ‫كأنا ِس َّك ُت ُه َ‬
‫وخ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك املالك وتَد ُّلنا عليه؛ َّ‬
‫ربنا عن َ‬ ‫أمور خت ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كل زينة منها ٌ‬

‫أشجارا ضخم ًة‪( ،‬املؤلف)‬


‫ً‬ ‫حتمل‬ ‫ِ‬
‫البذور والنوى التي ُ‬ ‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل‬
‫وتعانق األشجار األخرى‪ ،‬لِ ِ‬
‫ضعفها عن َح ِل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العنب مثال‪ ،‬التي متدُّ أيدهيا اللطيف َة‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل ِس ِ‬
‫يقان‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الغنية‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫عناقيدها‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪324‬‬
‫وجود ِه‪ ،‬وتُنب ُئنا ِسـ َّك ُت ُه التي علـى َمسكوكاتِ ِه عن عظمتِ ِه وهيبتِه؛ فإن‬
‫ِ‬ ‫وختمه عىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫السـلطان‬
‫عرف ل ُه وزنًا‪ )1(،‬قد َص َ‬
‫نع‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان َي ُ‬ ‫غري ِجدً ا الذي ال يكا ُد‬‫الص ِ‬ ‫سـم َّ‬ ‫شئت فان ُظر إىل هذا ِ‬
‫اجل ِ‬ ‫َ‬
‫خر ُج منه ما هو‬ ‫ٍ‬
‫باهرة‪ ،‬و ُي ِ‬ ‫بزخارف‬ ‫َش‬ ‫ٍ‬
‫زاهية و ُمزرك ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بألوان‬ ‫لو ٍن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫نسيج ُم َّ‬ ‫أطوال من‬ ‫منه املوىل‬
‫ِ‬
‫املنسوجات َ‬
‫وأكل‬ ‫تلك‬‫آالف من أمثالِنا َ‬ ‫لبس‬ ‫واملعجنات الم ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ٌ‬ ‫عسلة‪ ،‬فلو َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫احللويات‬ ‫ألذ من‬
‫ِ‬
‫املأكوالت ملا نَفدَ ت‪.‬‬ ‫من تلك‬
‫يبية هذا احلديدَ والرتاب واملاء والفحم والنحاس ِ‬
‫والفض َة‬ ‫بيد ِه ال َغ ِ‬
‫يأخذ ِ‬
‫ُ‬ ‫ثم انظر‪ ،‬إنَّه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ (‪)2‬‬
‫ويصنع منها مجي ًعا قطع َة حلم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والذهب‬
‫َ‬
‫بيد ِه‪ ،‬و َمن ال‬
‫اململكة ِ‬
‫ِ‬ ‫زمام هذه‬
‫َخص َمن ُ‬ ‫ُ‬
‫واألفعال إنام ت ُّ‬ ‫ُ‬
‫الغافل‪ ..‬هذه األشيا ُء‬ ‫فيا أهيا‬
‫ٍ‬
‫وكل يشء منقا ٌد إلرادتِ ِه‪.‬‬‫يعز ُب عنه يش ٌء‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬

‫الربهان ال َّث ُ‬
‫الث‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل منها كأنَّه ن ٌ‬
‫ُسخة ُمصغر ٌة‬ ‫لننظر إىل مصنوعاته العجيبة املتحركة؛(‪ )3‬فقد ُص َ‬
‫نع ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تعال‬
‫القرص‬
‫َ‬
‫يمكن أن ُي ِ‬
‫در َج أحدٌ هذا‬ ‫ُ‬ ‫القرص ك ِّل ِه‪ ،‬فهل‬
‫ِ‬ ‫العظيم‪ ،‬إذ يوجدُ ِ‬
‫فيه ما يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرص‬ ‫من هذا‬
‫يمكن أن ترى عب ًثا أو مصادف ًة يف عا َل ٍم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫صانعه البديعِ؟ أو هل‬ ‫مص َّغ ًرا يف ماكينة دقيقة ُ‬
‫غري‬
‫ٍ‬
‫صغرية؟‬ ‫ٍ‬
‫ماكينة‬ ‫ُض َّم َ‬
‫داخل‬
‫الصان ِع البديعِ‪ ،‬بل ُّ‬
‫كل‬ ‫بمثابة ٍ‬
‫آية ُّ‬ ‫ِ‬ ‫إن َّ‬
‫أي َّ‬
‫تدل عىل ذلك َّ‬ ‫مكائن إنام هي‬
‫َ‬ ‫كل ما تشاهدُ ُه من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فصح عن عظمتِ ِه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫دليل ِ‬ ‫ٍ‬
‫ماكينة ٌ‬
‫نحن من إبدا ِع َمن َ‬
‫أبدع‬ ‫احلال‪ُ :‬‬ ‫بلسان‬ ‫ويقول‬ ‫وإعالن ُي ُ‬ ‫عليه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مطلقة‪.‬‬ ‫بسهولة‬ ‫هذا العا َلم بسهولة مطلقة كام َ‬
‫أوجدَ نا‬

‫قامش‪ ،‬وتقدم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫أجود‬ ‫تنسج أورا ًقا َ‬
‫أمجل من‬ ‫البطيخ واخلوخِ وغريها‬
‫ِ‬ ‫فبذور‬ ‫ِ‬
‫املتنوعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البذور‬ ‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألذ من احللوى تأيت هبا من خزينة الرمحة اإلهلية‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ثامرا طيب ًة هي ُّ‬
‫لنا ً‬
‫ِ‬
‫النطفة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫احلي من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العنارص‪ ،‬وإىل إجياد الكائن ِّ‬ ‫جسم احليوان من‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل خلق‬
‫اإلنسانية ِم ٌ‬
‫ثال مص َّغ ٌر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واملاهية‬ ‫ِ‬
‫واإلنسان‪َّ ،‬‬
‫ألن احليوان فهرس مص َّغر هلذا العامل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‬ ‫(‪ )3‬إشار ٌة إىل‬
‫ِ‬
‫ونموذج ُه يف اإلنسان‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للكائنات‪ ،‬فام من يشء يف العامل ّ‬
‫إل‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪325‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬

‫ابع‬
‫الر ُ‬
‫الربهان َّ‬
‫ُ‬
‫لإلعجاب! انظر‪ ،‬فها قد تبدَّ َل ِ‬
‫األمور يف‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫أكثر إثار ًة‬‫تعال ُأ ِر َك شي ًئا َ‬‫األخ العنيدُ ! َ‬ ‫أهيا ُ‬
‫َّغري‪ ،‬فال‬ ‫والء نرى بأعينِنا هذا الت َ‬ ‫األشياء‪ ،‬وها نحن ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّبدل والت َ‬ ‫مجيع‬
‫هذه اململكة‪ ،‬وتغ َّيرت ُ‬
‫يتغري ويتجد ُد‪.‬‬ ‫ليشء مما نرا ُه بل ُّ‬ ‫ٍ‬
‫الكل ُ‬ ‫ثبات‬
‫َ‬
‫كل منها قد اختذ‬ ‫كأن ً‬ ‫شعورا‪َّ ،‬‬ ‫دة التي ال نرى فيها‬ ‫اجلامدة المشاه ِ‬‫ِ‬ ‫انظر إىل هذه األجسا ِم‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫سيطر عىل‬ ‫َّ‬ ‫حتت سيطرتِ ِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حاكم ُم ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وكأن كال منها ُي ُ‬ ‫حمكومون َ‬ ‫واآلخرون‬ ‫طلق‬ ‫صور َة‬
‫حتتاجه ِمن لواز َم‬‫ُ‬
‫املاكنة التي بقربِنا (‪ )1‬كأهنا تأمر فيهرع إليها من ٍ‬
‫بعيد ما‬ ‫ُ ُ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ك ِّلها‪ ،‬انظر إىل هذه‬
‫بإشارة خف َّي ٍة منه‬
‫ٍ‬ ‫عور ل ُه‪ )2(،‬كأنه ِّ‬
‫يسخ ُر‬ ‫اجلسم الذي ال ُش َ‬ ‫ِ‬ ‫وعملها‪ ،‬وانظر إىل ذلك‬ ‫ِ‬ ‫لزينتِها‬
‫األمور األخرى عىل‬ ‫وق ِ‬
‫س‬ ‫جسم وأكربه يف شؤونِ ِه اخلاص ِة وجيع ُله طوع إشارتِ ِه‪ِ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫أضخ َم‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬
‫املثالني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هذين‬
‫فعليك إذن أن ت َ‬
‫ُحيل إىل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املالك الذي ال نرا ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اململكة إىل ذلك‬ ‫ِ‬
‫إدارة‬ ‫أمر‬
‫تفوض َ‬ ‫فإن مل ِّ‬
‫حجرا أو تُرا ًبا أو حيوانًا أو إنسانًا‬ ‫ٍ‬
‫وكامالت‪ ،‬حتى لو كان‬ ‫ٍ‬
‫إتقان‬ ‫ِّ‬
‫كل مصنو ٍع ما للبدي ِع من‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خملوق من‬ ‫أي‬
‫أو َّ‬
‫يديرها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فإذا ما استبعدَ عق ُل َك أن بدي ًعا واحدً ا أحدً ا هو‬
‫املالك هلذه اململكة وهو الذي ُ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫املوجودات! ٌّ‬ ‫ِ‬
‫بعدد‬ ‫املبدعيـن‪ ،‬بل‬ ‫انعيـن‬ ‫الص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫عليك إلَّ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫املالييـن من َّ‬ ‫مالييـن‬ ‫قبول‬ ‫فام‬
‫البديع يقتيض عد َم‬
‫َ‬ ‫املتقن‬
‫َ‬ ‫ومتدخل يف شؤونِ ِه! مع َّ‬
‫أن النظا َم‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫لآلخر ومثي ُله وبدي ُله‬ ‫منها نِدٌّ‬
‫أمر من ِ‬
‫أمور‬ ‫كان‪ ،‬ويف أي ٍ‬‫يشء َ‬ ‫تدخ ٌل مهام كان طفي ًفا ومن أي ٍ‬ ‫َ‬
‫هناك ُّ‬ ‫الت ِ‬
‫َّدخل‪ ،‬فلو كان‬
‫ِ‬
‫مختاران‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫ُ‬
‫وتتشابك إن كان‬ ‫األمور‬ ‫ُ‬
‫ختتلط‬ ‫واضحا‪ ،‬إذ‬ ‫أثر ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫لظهر ُ‬
‫َ‬ ‫اهلائلة‪،‬‬ ‫اململكة‬ ‫هذه‬

‫فتنسج‬ ‫ِ‬
‫الرقيقة‬ ‫مئات املصانع واملعامل الدقيقة يف أعضائها‬ ‫ِ‬ ‫كأنا ُ‬
‫حتمل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬إشارة إىل النباتات املثمرة‪ ،‬إذ َّ‬
‫ِ‬
‫الشاخمة‬ ‫أشجار الصنوبر‬ ‫الثامر اليانعة وتقدّ مها إلينا؛ ومنها‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُنضج َ‬ ‫واألزهار الزاهية وت ُ‬ ‫َ‬ ‫األوراق اللطيفة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلبال‪( ،‬املؤلف)‬ ‫الصامء يف‬ ‫الصخور‬ ‫التي نَصبت معام َلها عىل ُّ‬
‫أوراق شجرة‪،‬‬‫ِ‬ ‫بيوضها عىل‬ ‫ُ‬
‫البعوضة مثال َ‬ ‫وبيوض احلرشات‪ ،‬فتضع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والبذيرات‬ ‫ِ‬
‫احلبوب‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل‬
‫ِ‬
‫كالعسل؛ فكأن تلك الشجر َة غري‬ ‫ٍ‬
‫بغذاء لذيذ‬ ‫ومتتلئ‬ ‫ِ‬
‫اللطيف‪،‬‬ ‫فإذا الورقة تكون هلا كرحم األ ِّم واملهد‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كائنات حي ًة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫تثمر‬
‫املثمرة ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪326‬‬
‫حص َ‬
‫ون‬ ‫ٍ‬
‫مملكة؛ فكيف بحكا ٍم ال ُيعدُّ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يف ٍ‬
‫ون وال ُي َ‬ ‫سلطانان يف‬ ‫مدينة أو‬ ‫حافظان يف‬ ‫قرية أو ُم‬
‫ٍ‬
‫بديعة؟!‬ ‫منس َق ٍة‬ ‫ٍ‬
‫يف مملكة َّ‬

‫اخلامس‬
‫ُ‬ ‫الربهان‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العظيم‪َ ،‬و ْلنُمع ِن الن َ‬
‫َّظر يف‬ ‫ِ‬ ‫القرص‬ ‫ِ‬
‫نقوش هذا‬ ‫املرتاب! َ‬
‫تعال لنُد ِّق ْق يف‬ ‫ُ‬ ‫الصديق‬
‫ُ‬ ‫أهيا‬
‫ِ‬
‫الواسعة‪ ،‬و ْلنتأ َّم ِل الصنع َة‬ ‫ِ‬
‫اململكة‬ ‫البديع هلذه‬ ‫ِ‬
‫ُشاهد النظا َم‬ ‫ِ‬
‫العامرة‪ ،‬و ْلن‬ ‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫ِ‬
‫تزيينات هذه‬
‫َ‬
‫املالك البدي ِع الذي‬ ‫ِ‬ ‫النقوش كتاب َة ِ‬
‫قلم‬ ‫ُ‬ ‫املتقن َة هلذا العاملِ؛ فها نحن نَرى أنه إن مل تكن هذه‬
‫شعور هلا‪ ،‬وإىل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫األسباب التي ال‬ ‫ونقشها إىل‬ ‫ُ‬ ‫وإبداعه‪ ،‬و ُأسنِدَ ْت كتابتُها‬ ‫ِ‬ ‫ال حدَّ ملعجزاتِه‬
‫ِ‬
‫اململكة‬ ‫ِ‬
‫أحجار هذه‬ ‫كل من‬‫يكون يف ٍّ‬‫َ‬ ‫امء‪ ،‬للز َم إذن أن‬ ‫الطبيعة الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمياء‪ ،‬وإىل‬ ‫ِ‬
‫املصادفة‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫حرف‬ ‫ِ‬
‫الكتب يف‬ ‫ألوف‬
‫َ‬ ‫يكتب‬ ‫َ‬ ‫يستطيع أن‬‫ُ‬ ‫بديع‬
‫ٌ‬ ‫وكاتب‬
‫ٌ‬ ‫معج ٌز‬ ‫وعشبِها ُم ِّ‬
‫صو ٌر‬ ‫ُ‬
‫َّقش‬ ‫أن هذا الن َ‬ ‫نقش واحد‪ ،‬ألنك ترى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األعامل املتقنة البديعة يف ٍ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ماليين‬ ‫در َج‬ ‫ويمكنُه أن ُي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫ِ‬
‫قوانني‬ ‫القرص‪ ،‬وينطوي عىل مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫نقوش مجي ِع‬ ‫يضم َ‬ ‫َّ ِ ِ (‪)1‬‬
‫هذه اللبنَة‬ ‫الذي أمام َك يف ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫عظيمة كإجيادِ‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫النقوش الرائعة معجز ٌة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن إجيا َد هذه‬ ‫ويتضمن ُخ َط َط أعامهلا‪ ،‬أي َّ‬ ‫وأنظمتِها‪،‬‬
‫ُ‬
‫ذلك الصان ِع‬ ‫أوصاف َ‬ ‫ِ‬ ‫ُفصح عن‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫بديعة ليست إلَّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نفسها‪ُّ ،‬‬ ‫اململكة ِ‬
‫ِ‬
‫لوحة إعالن ت ُ‬ ‫صنعة‬ ‫فكل‬
‫أختام ِه الدَّ ا َّل ِة عليه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫واضح من‬ ‫ٌ‬ ‫ختم‬
‫مجيل هو ٌ‬ ‫نقش ٍ‬ ‫وكل ٍ‬ ‫البديعِ‪ُّ ،‬‬

‫اش ِه‪،‬‬
‫إل أن ينبئ عن ن َّق ِ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫لنقش ّ‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫يدل عىل كاتبِه‪ ،‬وال‬
‫إل أن َّ‬ ‫ٍ‬
‫لحرف ّ‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫فكام أنه ال‬
‫ألوف‬
‫ُ‬ ‫َقش ن ُِق َشت عليه‬
‫عظيم عىل كاتِبِه‪ ،‬ون ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كتاب‬ ‫ِ‬
‫ُتب فيه ٌ‬ ‫حرف ك َ‬
‫ٌ‬ ‫أل َّ‬
‫يدل‬ ‫فكيف يمكن إذن ّ‬ ‫َ‬
‫نفسه؟‬ ‫تكون داللتُه أظهر وأوضح من داللتِه عىل ِ‬ ‫َ‬ ‫اشه؟ أال‬‫النقوش عىل َن َّق ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫ادس‬
‫الس ُ‬
‫الربهان َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املفروشة أما َمنا‪..‬‬ ‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫الفالة الواسعة‬ ‫نتجول يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫نـزهة‬ ‫نذهب إىل‬‫تعال يا صديقي لِ‬
‫َ‬
‫ْ‬

‫ِ‬
‫وبرناجمها؛ فام كتبه‬ ‫ِ‬
‫الثمرة التي حتمل فهرس شجرهتا‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان الذي هو ثمرة اخللقة‪ ،‬وإىل‬ ‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل‬
‫قلم ال َقدَ ر يف الشجرة قد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلم ُ‬
‫كتاب العامل الكبري قد كت َبه جممال يف ماهية اإلنسان‪ ،‬وما كتبه ُ‬ ‫القدرة يف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َد َرجه يف ثمرتا الصغرية‪( ،‬املؤلف)‬
‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫ِ‬
‫األلوف من‬ ‫مئات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والصيف؛ حيث ُتلق‬ ‫موسمي الربيع‬ ‫ِ‬
‫األرض يف‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل‬
‫َ‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪327‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬

‫بسهولة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫األطراف‬ ‫مشاهدة مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫َّن من‬ ‫جبل َأ َش ُّم‪َ ،‬‬ ‫ها هو ذا ٌ‬
‫تعال لنصعدْ عليه حتى نتمك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األمور‬ ‫اململكة فيها من‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬ ‫أنظارنا؛‬ ‫ُقر ُب لنا ما هو بعيدٌ عن‬ ‫ولنحم ْل معنا نظارات ت ِّ‬
‫ِ‬
‫املنبسطة‬ ‫اجلبال والس ِ‬
‫هول‬ ‫ِ‬ ‫أحد‪ ،‬انظر إىل تلك‬ ‫بال ٍ‬ ‫الغريبة ما ال خيطر عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلوادث‬ ‫ِ‬
‫العجيبة‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫املاليني‬ ‫ِ‬ ‫ماليني‬
‫َ‬ ‫تتبدل جمي ُعها دفع ًة واحدةً‪ ،‬بل َّ‬
‫إن‬ ‫عجيب ح ًّقا؛ إذ ُ‬ ‫العامرة‪ ،‬إنه أمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملدن‬
‫ٌ‬
‫األطوال من‬ ‫ِ‬ ‫ماليني‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فكأن‬ ‫ٍ‬
‫تناسق‪،‬‬ ‫وبكل‬‫ِّ‬ ‫بكل نظا ٍم‬ ‫َبدُّل ِّ‬ ‫املتشابكة تتبدَّ ُل ت ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األفعال‬ ‫من‬
‫عجيبة جدً ا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫التحوالت‬ ‫واحد‪ ..‬ح ًّقا إن هذه‬ ‫ٍ‬ ‫رائعة تُنسج أمامنا يف ٍ‬
‫آن‬ ‫ٍ‬ ‫منسوجات ملون ٍَة‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫أنواع‬ ‫ٌ‬ ‫ابتسمت لنا والتي أنِسنا هبا؟‪ ..‬لقد غا َب ْت عنَّا‪ ،‬وح َّلت مح َّلها‬ ‫َ‬ ‫األزاهري التي‬ ‫ُ‬ ‫فأين َ‬
‫تلك‬ ‫َ‬
‫صحائف‬ ‫ُ‬ ‫اجلبال املنصوب َة‬ ‫َ‬ ‫السهول املنبسط َة وهذه‬ ‫َ‬ ‫وكأن هذه‬ ‫َّ‬ ‫مماثلة ماهي ًة؛‬ ‫ٌ‬ ‫خمالف ٌة هلا صورةً‪،‬‬
‫ُمس ُح تلك‬ ‫ٍ‬ ‫اإلتقان دون ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خمتلفة يف ِ‬ ‫ٌ‬ ‫كتب يف ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫سهو أو خطأ ثم ت َ‬ ‫غاية‬ ‫كتب‬‫كل منها ٌ‬ ‫كتاب ُي ُ‬
‫َحو َل هذه األوضا ِع‬ ‫األحوال وت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫أن تَبدُّ َل هذه‬ ‫غيرها‪ ..‬فهل تَرى يا صديقي َّ‬ ‫كتب ُ‬ ‫الكتب و ُي ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املحاالت؟‬ ‫حمال من أشدِّ‬ ‫أليس ذلك ً‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بكل نظا ٍم‬ ‫الذي يتِ ُّم ِّ‬
‫حيدث من تلقاء نفسه؟ َ‬ ‫وميزان‬
‫قط‪،‬‬ ‫نفسها ُّ‬ ‫نعة إىل ِ‬ ‫اإلتقان والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫األشياء التي أمامنا وهي يف ِ‬
‫غاية‬ ‫ِ‬ ‫إحالة ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫يمكن‬ ‫فال‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نفسها‪،‬‬ ‫ال؛ بل هي أد َّل ٌة واضح ٌة عىل صانِ ِعها البدي ِع أوضح من دال َلتِها عىل ِ‬ ‫فذلك ُم ٌال يف ُم ٍ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫كتاب أمر يسري ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫لديه‬ ‫ٌ‬ ‫فكتابة ألف ٍ ٌ‬ ‫عجزه يش ٌء‪ ،‬وال َيؤو ُده يش ٌء‪،‬‬ ‫البديع ال ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫أن صان َعها‬ ‫إذ تُب ِّي ُن َّ‬
‫وضع‬ ‫األعظم قد‬ ‫الصانع‬ ‫األرجاء كاف ًة ترى أن‬ ‫ِ‬ ‫تأمل يا أخي يف‬ ‫واحد؛ ثم ْ‬ ‫ٍ‬ ‫حرف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ككتابة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وفضله‬ ‫بلطف ِه‬ ‫وأسبغ عىل كل يشء نِعمه وكرمه ِ‬ ‫َ‬ ‫الالئق ِبه؛‬
‫ِ‬ ‫موضع ِه‬
‫ِ‬ ‫يشء يف‬ ‫كل ٍ‬ ‫بحكمة تا َّم ٍة َّ‬ ‫ٍ‬
‫َُ‬ ‫َ ُ‬
‫كل ٍ‬ ‫رغبات ِّ‬ ‫ِ‬ ‫حيث ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫العميمة أما َم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وآالئ ِه‬‫ِ‬ ‫عم ِه‬ ‫العميم؛ كام يفتح أبواب نِ ِ‬
‫يشء‬ ‫ف‬
‫سع ُ‬ ‫كل يشء ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫رس ُل إليه ما ُي َط ْم ِئ ُن ُه‪.‬‬ ‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫خملوقات‬ ‫ِ‬ ‫نعم عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالسخاء والعطاء بل ُي ُ‬ ‫ينصب موائدَ فاخر ًة عامر ًة َّ‬ ‫ُ‬ ‫نفسه‬ ‫الوقت‬ ‫ويف‬
‫ورسمه‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬ ‫كل ٍ‬
‫فرد‬ ‫رس ُل إىل ِّ‬ ‫ونبات نِعم ال حدَّ هلا‪ ،‬بل ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حيوان‬ ‫اململكة كاف ًة من‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬
‫ُ‬ ‫ًَ‬
‫األمور‬ ‫ِ‬ ‫يكون يف هذه‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫أعظم من ْ‬ ‫ُ‬ ‫حال‬‫نسيان؛ فهل هناك ُم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫تالئمه دون خطأٍ أو‬ ‫ُ‬ ‫نعمتَه التي‬
‫غير‬ ‫العبث وعد ِم اجلدوى؟ أو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن أحدً ا َ‬ ‫املصادفة مهام كان ضئيال؟ أو شي ًئا من‬ ‫شي ًئا من‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض دون خطأ وال قصور‪ ،‬وتُبدَّ ُل بانتظام‪ ،‬فت َ‬
‫ُفر ُش‬ ‫صحيفة‬ ‫متداخل متشابكًا‪ ،‬وتُكتب عىل‬
‫ً‬ ‫خل ًقا‬
‫در إلعداد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‪ ،‬ثم تُر َف ُع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ألوف ِمن‬
‫مطعم‪ ،‬وكل بستان ق ٌ‬ ‫خادم‬
‫ُ‬ ‫شجرة‬ ‫فكأن كل‬ ‫وتدَّ ُد؛‬ ‫ضيافات‬ ‫ٌ‬
‫املأكوالت‪( ،‬املؤلف)‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪328‬‬
‫ملكه؟‪..‬‬‫يشء يف ِ‬‫كل ٍ‬
‫يدين له ُّ‬ ‫ِ‬ ‫تدخ َل يف ِ‬
‫الصان ِع البدي ِع قد َّ‬
‫تصو َر أن ال َ‬
‫أمور اململكة؟ أو أن ُي َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫إلنكار ما ترا ُه؟‬ ‫مربرا‬
‫تقدر يا صديقي أن جتدَ ً‬
‫فهل ُ‬

‫ابع‬
‫الس ُ‬
‫الربهان َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أجزائه‬ ‫أوضاع‬ ‫العجيب‪ ،‬و ْلن ِ‬
‫ُشاهدْ‬ ‫ِ‬ ‫نتأمل يف هذا العاملِ‬ ‫ِ‬
‫اجلزئيات يا صاحبي‪ ،‬و ْل ْ‬ ‫لنَدَ ِع‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الشامل واالنتظا ِم‬ ‫ِ‬
‫العالـم البدي ِع من النِّظا ِم‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪ ..‬ففي هذا‬ ‫ِ‬
‫البعض‬ ‫املتقاب َل ِة ِ‬
‫بعضها مع‬
‫ذلك النظا ِم‬
‫منسجم مع َ‬ ‫ُ‬
‫ويتحرك‬ ‫ِ‬
‫اململكة ُك ِّلها‪،‬‬ ‫خمتار ُيراعي نظا َم‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء ٌ‬ ‫كأن َّ‬ ‫ِ‬
‫الكامل َّ‬
‫ً‬ ‫فاعل ٌ‬
‫ِ‬
‫والتآزر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للتعاون‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‬ ‫نحو‬
‫العا ِّم؛ حتى ترى األشيا َء املتباعد َة جدً ا يسعى الواحدُ منها َ‬
‫ِ‬
‫أرزاق‬ ‫َ‬
‫صحون‬ ‫الغيب(‪ُ )1‬مقبل ًة علينا؛ فهي قافل ٌة ُ‬
‫حتمل‬ ‫ِ‬ ‫تنطلق من‬
‫ُ‬ ‫إن قافل ًة مهيب ًة‬‫انظر! َّ‬
‫ِ‬ ‫املصباح الو ِ‬
‫يضء(‪ )2‬املع َّل ِق يف ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلميع‬
‫َ‬ ‫اململكة فهو ُينري‬ ‫قبة‬ ‫ِ َ‬ ‫األحياء‪ ..‬ثم انظر إىل ذلك‬
‫تلتفت معي إىل‬
‫ُ‬ ‫بيد غيب َّي ٍة؛ أال‬
‫دقيق(‪ )3‬واملعروض َة أمامه ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫بخيط ٍ‬ ‫ِ‬
‫املأكوالت املع َّلق َة‬ ‫نضج‬
‫و ُي ُ‬
‫يتدفق‬
‫ُ‬ ‫خالص‬ ‫لطيف‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫أفواه َها غذا ٌء‬ ‫كيف ُ‬
‫يسيل إىل‬ ‫ِ‬
‫العاجزة َ‬ ‫ِ‬
‫الضعيفة‬ ‫ِ‬
‫النحيفة‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‬ ‫ِ‬
‫هذه‬
‫ٌ‬
‫أفواهها هبا!‬ ‫تلصق‬ ‫وحس ُبها أن‬ ‫ِ‬ ‫متدلية َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ (‪)4‬‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫فوق رؤوسها‪َ ،‬‬ ‫مضخات‬ ‫من‬
‫اآلخر ف ُيغي ُثه‪ ،‬أو يرى‬ ‫ِ‬ ‫يتطلع إىل‬ ‫إل وكأنَّه‬ ‫يشء يف هذا العامل َّ‬ ‫نَخلص من هذا‪ :‬أنَّه ما من ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويتوج ُه‬ ‫ظهيره وسندَ ه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫فيكم ُل الواحدُ َ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ويكون َ‬ ‫اآلخر‬ ‫عمل‬ ‫اآلخر فيشدُّ من أزره ويعاون ُه‪ِّ ..‬‬ ‫َ‬
‫الظواهر مجي ُعها تد ُّلنا دالل ًة‬ ‫ذلك؛ فهذه‬ ‫ِ‬
‫طريق احلياة وق ْس عىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جنب يف‬ ‫اجلميع جن ًبا إىل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ملالك ِه‬
‫سخر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبيقني جاز ٍم إىل أنَّه ما من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قاطع ًة‬
‫القدير‬ ‫إل وهو ُم َّ ٌ‬ ‫العجيب ّ‬ ‫القرص‬ ‫يشء يف هذا‬
‫تأه ٍ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫سبيل ِه‪ ،‬بل ُّ‬
‫باسم ِه ويف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ولصانع ِه البدي ِع‬
‫ِ‬
‫ب لتلقي‬ ‫جندي مطي ٍع ُم ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫بمثابة‬ ‫يشء‬ ‫ويـعمل‬
‫فيتحـر ُك بأمره‪،‬‬ ‫مالـك ِه وحولِ ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫واجب ِ‬
‫بقوة‬ ‫ٍ‬ ‫ف به من‬ ‫يشء يؤدي ما ُك ِّل َ‬ ‫ٍ‬ ‫فكل‬ ‫ِ‬
‫األوامر‪ُّ ،‬‬
‫َّ‬
‫تستطيع يا‬
‫ُ‬ ‫ويغيث اآلخرين برمحتِه؛ فإن َ‬
‫كنت‬ ‫ُ‬ ‫وفضله‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بكرمه‬ ‫ُ‬
‫ويتعاون‬ ‫وينتظم بحكمتِه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الربهان َفهاتِه‪ِ.‬‬
‫ِ‬ ‫والشك أمام هذا‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫االعرتاض‬ ‫ٍ‬
‫أخي إبدا َء يشء من‬
‫ِ‬
‫األحياء كافة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫ألرزاق‬ ‫ِ‬
‫احلاملة‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫(‪ )1‬وهي ُ‬
‫قافلة‬
‫ِ‬
‫الشمس‪( ،‬املؤلف)‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل‬
‫ِ‬
‫اللذيذة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫لألثامر‬ ‫ِ‬
‫احلاملة‬ ‫ِ‬
‫الدقيقة‬ ‫ِ‬
‫الشجرة‬ ‫ِ‬
‫أغصان‬ ‫(‪ )3‬إشار ٌة إىل‬
‫ِ‬
‫األمهات‪( ،‬املؤلف)‬ ‫(‪ )4‬إشار ٌة إىل َث ِ‬
‫دي‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪329‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬

‫الربهان ال َّث ُ‬
‫امن‬ ‫ُ‬
‫ُحسن‬ ‫نفسها رشيد ًة وت‬ ‫بالسوء التي تَعدُّ‬ ‫ِ‬ ‫مثيل نفيس األم ِ‬
‫ارة‬ ‫املتعاقل ويا َ‬ ‫ِ‬ ‫تعال يا صاحبي‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫كل‬ ‫أن َّ‬ ‫القرص البديعِ‪ ،‬مع َّ‬ ‫ِ‬ ‫صاحب هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫ترغب عن‬ ‫أراك يا صاحبي‬ ‫بنفسها‪َ ..‬‬ ‫الظن ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫تكذيب‬ ‫ِ‬ ‫جتر ُؤ عىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يشري إليه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يدل عليه‪َّ ،‬‬‫ِ‬ ‫يشء ُّ‬ ‫ٍ‬
‫فكيف ُ‬ ‫َ‬ ‫وكل يشء يشهدُ بوجوده؛‬ ‫وكل يشء ُ‬
‫ُعل َن أنه ال‬ ‫عليك أن ت ِ‬ ‫َ‬ ‫نفسه‪ ،‬بل‬ ‫القرص ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنكر وجو َد‬ ‫َ‬ ‫الشهادات ك ِّلها؟ إذن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليك أن َ‬ ‫هذه‬
‫نفس َك وتَعدَّ ها معدوم ًة ال وجو َد هلا!‪ ..‬أو‬ ‫ِ‬
‫تنكر َ‬ ‫قرص وال مملك َة وال يش َء يف الوجود؛ بل َ‬ ‫َ‬
‫املنظر‪:‬‬ ‫يديك هذا‬ ‫َ‬ ‫أضع بني‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫إلي جيدً ا‪ ،‬فها أنا ُ‬ ‫ُصغي َّ‬ ‫عليك أن تعو َد إىل ُرشدك وت َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل أرجاء هذا‬ ‫تعم هذه اململك َة والتي توجدُ يف ِّ‬ ‫العنارص واملعادن (‪ )1‬التي ُّ‬ ‫تأمل يف هذه‬
‫كان مالكًا‬ ‫املواد‪َ ،‬فمن َ‬ ‫ِ‬ ‫اململكة إلَّ من تلك‬ ‫ِ‬ ‫ينتج يف هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫القرص؛ ومعلو ٌم أنه ما من يشء ُ‬
‫ِ‬
‫للمزرعة‬ ‫لكل ما ُيصن َُع و ُينت َُج منها‪ ..‬إذ َمن كان مالكًا‬ ‫مالك ِّ‬ ‫والعنارص فهو إذن ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املواد‬ ‫لتلك‬ ‫َ‬
‫مالك ملا ِ‬
‫فيه‪.‬‬ ‫للبحر فهو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫املحاصيل‪ ،‬و َمن كان مالكًا‬ ‫ِ‬ ‫مالك‬‫فهو ُ‬

‫ُصنع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واألقمشة امللون َِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫باألزهار؛ إهنا ت ُ‬ ‫املزدانة‬ ‫املنسوجات‬ ‫ثم انظر يا صاحبي إىل هذه‬
‫تقبل‬ ‫وغ َزهلا البد أنه واحدٌ ‪ ،‬ألن تلك الصنع َة ال ُ‬ ‫واحدة‪ ،‬فالذي ه َّي َأ تلك املاد َة َ‬ ‫ٍ‬ ‫من ٍ‬
‫مادة‬
‫ِ‬ ‫ثم التفت إىل هذا‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫املنسوجات‬ ‫أجناس هذه‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫تخص ُه هو؛ َّ‬ ‫فاملنسوجات املت َقن َُة ُّ‬ ‫ُ‬ ‫االشرتاك‪،‬‬
‫النطاق حتى‬ ‫ِ‬ ‫واسع‬ ‫انتشارا‬ ‫العجيب وقد انترشت‬ ‫ِ‬ ‫أجزاء هذا العاملِ‬ ‫ِ‬ ‫جزء من‬ ‫كل ٍ‬ ‫موجود ٌة يف ِّ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فاعل‬ ‫مكان؛ أي إنه ُ‬
‫فعل‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫واحد يف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبنمط‬ ‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫وبتداخ ٍل يف ٍ‬
‫آن‬ ‫ُ‬ ‫ُنس ُج م ًعا‬ ‫إهنا ت َ‬
‫واضح يف‬ ‫وتوافق‬
‫ٌ‬ ‫هناك انسجا ٌم تا ٌّم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫فمحال أن‬ ‫ٌ‬ ‫وإل‬ ‫واحد‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بأمر‬‫يتحرك ٍ‬ ‫ُ‬ ‫فاجلميع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫العمل ويف آن واحد وبنَمط واحد وبنوعية واحدة وهي َئة واحدة يف مجي ِع األنحاء‪ ،‬لذا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يعلن عن ُه‬ ‫ِ‬
‫الفاعل الذي ال نرا ُه‪ ،‬بل كأن ُه ُ‬ ‫ذلك‬‫يدل دالل ًة واضح ًة عىل َ‬ ‫الصن ِع ُّ‬ ‫متقن ُّ‬
‫كل ما هو ُ‬ ‫َّ‬
‫مأكول ٍ‬
‫لذيذ‪ ،‬إنام هو‬ ‫ٍ‬ ‫وكل‬ ‫ٍ‬
‫بديعة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫ماكينة‬ ‫وكل‬ ‫ِ‬
‫بالزهور‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫مغروز‬ ‫ٍ‬
‫نسيج‬ ‫كأن َّ‬
‫كل‬ ‫صراح ًة‪ ،‬بل َّ‬
‫كنت أنا‬ ‫ِ‬
‫احلال‪َ « :‬من ُ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫فكل منهم ُ‬
‫يقول‬ ‫غراؤه؛ ٌّ‬‫وخات ُه وآيت ُه و ُط ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫المعج ِز‬ ‫ُ‬
‫عالمة الصان ِع‬
‫فلفيف‬
‫ُ‬ ‫يقول‪َ « :‬من قام بنسجي ونقيش‬ ‫نقش ُ‬‫وكل ٍ‬ ‫مصنوعه‪ ،‬فموضعي الذي أنا فيه ُملكُه»‪ُّ ،‬‬ ‫َ‬

‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫وتنترش يف كل‬ ‫وظائف مهم ًة شتى‪ ،‬ومتدُّ كل حمتاج بإذن اهلل‬
‫َ‬ ‫اهلواء ِ‬
‫واملاء التي تؤدي‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل عنارص‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نقش املصنوعات اإلهلية‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫األصل يف خيوط ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فتهيئ لواز َم احلياة لذوي احلياة‪ ،‬وهي‬ ‫بأمر اهلل‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪330‬‬
‫نضجني ِ‬
‫فالقدْ ُر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لذيذة ُ‬ ‫وكل ٍ‬ ‫منسوجه»‪ُّ ،‬‬ ‫امش الذي أنا ِ‬ ‫الق ِ‬
‫ُ‬
‫تقول‪َ « :‬من يصن ُعني و ُي ُ‬ ‫لقمة‬ ‫ُ‬ ‫فيه هو‬
‫فكل ما يف العاملِ من أمثايل‬ ‫تقول‪َ « :‬من قام بصنعي ُّ‬ ‫ٍ‬
‫ماكينة ُ‬ ‫الذي ُأط َب ُخ فيه ُملكُه»‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬
‫ملكَنا»‪،‬‬ ‫والقرص ك ِّله فهو الذي يمكنُه أن ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للمملكة‬ ‫مصنوعه وهو مالكُه؛ أي َمن كان مالكًا‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ولة عليها‬ ‫شعار الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ووضع‬ ‫ِ‬
‫العسكرية‬ ‫أزرار البِ َّز ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمثـل َمن أرا َد أن يدَّ عي تَم ُّل َك‬ ‫وذلك‬
‫َ‬
‫إل اال ِّدعا ُء‬‫فليس له ّ‬ ‫َ‬ ‫ملصانعها ك ِّلها حتى‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫يكون مالكًا حقيق ًيا‪ ،‬وإال َ‬ ‫يكون مالكًا‬ ‫البدَّ أن‬
‫كالم ِه‪.‬‬
‫ؤاخ ُذ عىل ِ‬ ‫الكاذب‪ ،‬بل يعا َقب عىل ِ‬
‫عمله و ُي َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫أرجائها فمالكُها إذن واحدٌ‬ ‫ِ‬ ‫اململكة موا ُّد منترش ٌة يف مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫عنارص هذه‬ ‫اخلالص ُة‪ :‬كام َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫ُظه ُر‬ ‫متشاهبة ت ِ‬
‫ٌ‬ ‫ألنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اململكة ك ِّلها‪ ،‬كذلك‬ ‫ِ‬
‫يمل ُك ما يف‬
‫املصنوعات املنترش ُة يف أرجاء اململكة َّ‬ ‫ُ‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املهيمن عىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫الواحد‬ ‫تدل عىل َ‬
‫ذلك‬ ‫وناموسا واحدً ا‪ ،‬فجمي ُعها إذن ُّ‬ ‫عالم ًة واحد ًة‬
‫ً‬
‫واضحة ب ِّينَ ٌة‪ ،‬ذلك‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫التوحيد‬ ‫كة‪ ،‬وآي َة‬ ‫الوحدة ظاهر ٌة يف هذه املم َل ِ‬‫ِ‬ ‫إن عالم َة‬ ‫فيا صديقي! َّ‬
‫ِ‬
‫تعدد‬ ‫رغم‬ ‫ٍ‬ ‫رغم أنه واحدٌ فهو موجو ٌد يف ك ُِّل‬ ‫ِ‬
‫آخر َ‬ ‫وقسم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مكان‪،‬‬ ‫ألن قسمـًا من األشياء َ‬
‫إن الوحد َة‬ ‫وحيث َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرجاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وانتشاره يف‬ ‫ُِ‬
‫لتشابه‬ ‫ظهر وحد ًة نوعي ًة مع أقرانِه‬ ‫أشكالِه فإنه ُي ِ‬
‫األشياء ومالكُها واحدً ا أحدً ا؛‬ ‫ِ‬ ‫صانع هذه‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫يلزم أن‬ ‫ِ‬ ‫ت ُّ‬
‫ُ‬ ‫َدل عىل الواحد كام هو معلو ٌم‪ ،‬لذا ُ‬
‫خيوط‬‫ٌ‬ ‫الغيب‪ ،‬فتتدىل منه‬ ‫ِ‬ ‫وراء ِ‬
‫ستار‬ ‫حبل (‪ )1‬غليظ من ِ‬ ‫خيرج ٌ‬ ‫زد عىل هـذا فإنَّك ترى أنه ُ‬
‫ِ‬
‫واإلحسان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اآلالء‬ ‫والز ِ‬
‫مرد من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املاس ُّ‬ ‫أثمن من‬ ‫حتمل ما هو ُ‬
‫األمور العجيب َة ويقدِّ ُم هذه‬ ‫يدير هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يعرف الذي ُ‬
‫ُ‬ ‫بالهة َمن ال‬ ‫بنفسك مدى‬ ‫إذن فقدِّ ْر‬
‫التفو ِه‬
‫رغمه عىل ُّ‬ ‫إن جه َله به ُي ُ‬ ‫شكره عليها! إ ْذ َّ‬ ‫ِ‬
‫اهلدايا البديع َة؟ قدِّ ر مدى تعاسة َمن ال يؤدي َ‬
‫الآللئ واهلدايا‬ ‫تصنع هذه‬ ‫احلبال هي التي‬ ‫َ‬ ‫‪-‬مثل‪ :-‬إن تلك‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫فيقول‬ ‫ِ‬
‫اهلذيان‪،‬‬ ‫بام هو من قبيل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫احلبال!‬‫ِ‬ ‫حبل من تلك‬ ‫لكل ٍ‬ ‫لز ُمه جه ُله أن يمن ََح معنى السلطان ِّ‬ ‫املرصع َة ِ‬
‫بنفسها! أي ُي ِ‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫احلبال فتصن ُعها وتق ِّلدُ ها اهلدايا؛ أي َّ‬ ‫ُ‬
‫واحلال أننا نرى أن يدً ا غيبي ًة هي التي متتدُّ إىل تلك‬
‫نفس ِه‪ ،‬فإن مل تعر ْف ُه‬
‫صانع ِه املبد ِع دالل ًة أوضح من داللتِ ِه عىل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرص ُّ‬
‫يدل عىل‬ ‫كل ما يف هذا‬ ‫َّ‬

‫عات‪ ،‬فهي‬
‫واملرص ُ‬ ‫ِ‬
‫أغصانا‪ ،‬أما اهلدايا‬ ‫ُ‬
‫الرفيعة إشار ٌة إىل‬ ‫ُ‬
‫واخليوط‬ ‫ِ‬
‫املثمرة‪،‬‬ ‫الش ِ‬
‫جرة‬ ‫احلبل إشار ٌة إىل َّ‬‫(‪ُ )1‬‬
‫َّ‬
‫وأرضاب ِ‬
‫الثامر‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األزهار‬ ‫إشار ٌة إىل أنوا ِع‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪331‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬
‫ِ‬
‫إنكار‬ ‫تضطر إىل‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‪ ،‬ألنك‬ ‫املعرفة فستهوي إذن يف َد ْر ٍك َّ‬
‫أحط من‬ ‫ِ‬ ‫حق‬
‫يا صاحبي َّ‬
‫ُّ‬
‫هذه األشياء‪ِ.‬‬
‫مجي ِع ِ‬

‫التاسع‬
‫ُ‬ ‫الربهان‬
‫ُ‬
‫َرغب يف‬ ‫القرص وال ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫مالك هذا‬ ‫تعرف َ‬ ‫ُ‬ ‫طلق أحكا َم ُه ُجزا ًفا‪ ،‬إنك ال‬ ‫أهيا الصديق الذي ُي ُ‬
‫يستوعب‬
‫َ‬ ‫عقلك عن أن‬‫َ‬ ‫جز‬ ‫وتنساق إىل إنكار أحوالِه ل َع ِ‬ ‫ُ‬ ‫مالك‪،‬‬ ‫يكون له ٌ‬ ‫َ‬ ‫معرفتِ ِه‪ ،‬فتستبعدُ أن‬
‫واملشكالت العويص َة‬ ‫ِ‬ ‫احلقيقي‪،‬‬ ‫والروائع البديع َة‪ ،‬مع أن االستبعا َد‬ ‫ِ‬
‫املعجزات الباهر َة‬ ‫هذه‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫إنكار‬ ‫بك إىل‬‫املالك والذي ُيفيض َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫العقل إنام هو يف عد ِم‬ ‫ِ‬ ‫الجم َة يف ِ‬
‫منطق‬ ‫ِ‬
‫والصعوبات َّ‬
‫بول‬ ‫العظيمة؛ بينام إذا عرفنا ُه يكون َق ُ‬ ‫ِ‬ ‫هيدة ووفرهتا‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫بأثامنا َّ‬ ‫ِ‬
‫املبذولة لك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وجود هذه املوا ِّد‬
‫ومعقول جدً ا‪ ،‬كأنه يش ٌء واحدٌ ‪ ،‬إذ لو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ستساغا‬ ‫سهل و ُم‬
‫ً‬ ‫القرص‪ ،‬وما يف هذا العاملِ‬ ‫ِ‬ ‫ما يف هذا‬
‫ومبذول‬‫ٌ‬ ‫متوفر‬ ‫سريا بل ال ترى شي ًئا مما هو‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫لكان ُّ‬‫مل نعرف ُه ولوال ُه‪َ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫وع ً‬ ‫عندئذ صع ًبا َ‬ ‫يشء‬
‫ِ‬ ‫يات(‪ )1‬املتد ِّل ِية من ِ‬ ‫ب المرب ِ‬
‫اخليوط‪ ،‬فلو مل تكن‬ ‫هذه‬ ‫ب إىل ُع َل ِ ُ َّ‬ ‫فحس ُ‬
‫شئت فانظر ْ‬ ‫أما َم َك‪ ،‬فإن َ‬
‫باهظة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأثامن‬ ‫احلصول عليها ولو‬ ‫ُ‬ ‫كان باستطاعتِك‬ ‫ِ‬
‫املعجزة‪ ،‬ملا َ‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫مطبخ َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫إنتاج‬
‫ألن‬ ‫واملحال إنام هو يف عد ِم معرفتِه‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واهلالك‬ ‫واملشكالت والصعوب َة‬ ‫ِ‬ ‫نعم‪ ،‬إن االستبعا َد‬
‫بمراكز‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ثمرة‬ ‫كل‬ ‫بط ُّ‬ ‫نفسها فيام إذا ُر َ‬ ‫جرة ِ‬ ‫كالش ِ‬ ‫شكل َّ‬ ‫يكون صع ًبا و ُم ً‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬مثل‪-‬‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫ثمرة‬ ‫إجيا َد‬
‫ٍ‬
‫بقانون‬ ‫ِ‬
‫الثمرة‬ ‫مستساغا إذا ما َ‬
‫كان إجيا ُد‬ ‫ً‬ ‫سهل‬‫ً‬ ‫األمر‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة‪ ،‬بينام‬ ‫وقوانني‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫متعددة‬
‫ُ‬
‫اجليش‬ ‫ِ‬ ‫جتهيز‬
‫َ‬ ‫واحدة؛ َفكام َّ‬
‫أن‬ ‫ٍ‬ ‫كإجياد َث ٍ‬
‫مرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األثامر‬ ‫فيكون إجياد ِ‬
‫آالف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫واحد ومن ٍ‬
‫مركز‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫سهل و ُمستسا ٌغ‬ ‫فاألمر ٌ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معمل‬ ‫واحد ومن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبقانون‬ ‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫مصدر‬ ‫كان من‬ ‫إن َ‬ ‫ِ‬
‫بالعتاد ْ‬
‫ُ‬
‫فاألمر‬ ‫خيص ُه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عقل؛ بينام إذا ُج ّهز ُّ‬
‫ُ‬ ‫معمل ُّ‬ ‫خاص ومن‬ ‫ٍّ‬ ‫مصدر‬ ‫خاص ومن‬ ‫ٍّ‬ ‫بقانون‬ ‫جندي‬
‫ٍّ‬ ‫كل‬ ‫ً‬
‫جتهيزات‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ومراكز‬ ‫حينئذ إىل مصان ِع ٍ‬
‫عتاد‬ ‫ٍ‬ ‫اجلندي‬ ‫سيحتاج َ‬
‫ذلك‬ ‫شكل جدً ا‪ ،‬بل‬ ‫صعب و ُم ٌ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫كامل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جيش‬ ‫مة لتجهيز‬ ‫الز ٌ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الرائعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملدينة‬ ‫ِ‬
‫العظيم‬ ‫ِ‬
‫القرص‬ ‫ِ‬
‫األشياء يف هذا‬ ‫فإن إجياد ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫املثاليـن‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫هذين‬ ‫فعىل ِغرار‬
‫َ‬
‫األمر ٌ‬
‫سهل و ُمستسا ٌغ‬ ‫واحد ٍ‬
‫أحد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املهيب إذا ما ُأسندَ إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن َ‬ ‫الراقية والعامل‬ ‫اململكة‬ ‫ويف هذه‬

‫وكل ذلك‬ ‫ِ‬


‫اإلهلية‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫مان وغريها من مع َّل ِ‬
‫بات‬ ‫والشام ِم والر ِ‬
‫البطيخ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املربيات‪ ،‬إشار ٌة إىل‬ ‫(‪ُ )1‬مع َّل ُ‬
‫بات‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هدايا الرمحة اإلهلية‪( ،‬املؤلف)‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪332‬‬
‫ُ‬
‫يكون إجيا ُد‬ ‫األمر إليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يكون ما نراه من و ِ‬
‫ُ‬
‫واضحا‪ ،‬بينام إن مل ُيسنَد ُ‬
‫ً‬ ‫وكثرتا‬ ‫األشياء‬ ‫فرة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫حيث‬
‫ت الدنيا ك ُّلها ثمنًا له‪.‬‬‫كان عسريا جدً ا‪ ،‬بل ال يمكن إجياده أصال حتى لو ُأعطي ِ‬ ‫ٍ‬
‫أي يشء َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬

‫العارش‬
‫ُ‬ ‫الربهان‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫منذ مخس َة َ‬
‫عرش‬ ‫نحن هنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنصاف‪ ..‬فها‬ ‫الصديق ويا من يتقرب شي ًئا فشي ًئا إىل‬ ‫ُ‬ ‫أهيا‬
‫ـح ُّق علينا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نعرف أنظم َة هذه‬ ‫يو ًما‪ )1(،‬فإن مل‬
‫فالعقاب َي ُ‬
‫ُ‬ ‫نعرف مليكَها‬
‫ْ‬ ‫البالد وقوانينَها ومل‬ ‫ْ‬
‫ٍ‬
‫بيشء؛ ّ‬
‫إل أننا‬ ‫وال هذه األيا ِم‪ ،‬ومل َيتعرضوا لنا‬ ‫ِ‬
‫لالعتذار؛ فلقد أمهلونا َط َ‬ ‫إذ ال َ‬
‫جمال لنا بعدُ‬
‫والع ِ‬
‫ربة يف‬ ‫قة ِ‬ ‫بديعة فيها من الد َّق ِة والر ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رائعة‬ ‫ٍ‬
‫مملكة‬ ‫بني‪ ،‬فنحن يف‬ ‫ال شك لسنا ُطلقاء ِ‬
‫سائ َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫تفهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتستطيع أن َ‬‫ُ‬ ‫أيضا‪،‬‬‫املتقنة ما َين ُّم عن عظمة َمليكها‪ ،‬فالبدَّ أن جزا َءه شديدٌ ً‬ ‫املصنوعات‬
‫املالك وقدرتَه من هذا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫عظم َة‬
‫ِ‬
‫العجيب‬ ‫أمور هذا العاملِ‬ ‫ٍ‬ ‫تنظيم َق ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إنه ين ِّظ ُم هذا‬
‫دير َ‬ ‫رص ُمنيف‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫بسهولة‬ ‫خم‬
‫الض َ‬ ‫العالـم َّ‬
‫َ‬
‫نقص و ُي ْخ ِليها من‬‫ٍ‬ ‫دون‬ ‫ٍ‬
‫كامل َ‬ ‫هذه املدين َة العامر َة بانتظا ٍم‬ ‫أل ِ‬ ‫صغري‪ ،‬ويم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بيت‬‫إدارة ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بيرس‬
‫وينصب املوائد الفخم َة املتنوع َة(‪،)2‬‬ ‫وإفراغ ِه؛‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صحن‬ ‫سهولة م ِ‬
‫لء‬ ‫ِ‬ ‫بحكمة تا َّم ٍة ِ‬
‫بمثل‬ ‫ٍ‬ ‫سك ِ‬
‫َّانا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫فر ُشها من أقىص املَم َلكة إىل أقصاها ثم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫و ُيعدُّ األطعم َة اللذيذة بكامل كرمه بيد غيبية و َي ُ‬
‫أن هذه العظم َة واهليب َة‬ ‫فستفهم َّ‬ ‫كنت َفطنًَا‬‫فعها؛ فإن َ‬ ‫فرة الطعا ِم ور ِ‬ ‫بسهولة وض ِع س ِ‬ ‫ِ‬ ‫يرف ُعها‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسخاء ال حدو َد له‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫البدَّ أهنا تَنطوي عىل كر ٍم ال حدَّ له‬
‫القدير وعىل هيمنتِ ِه‪ ،‬وعىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املالك‬ ‫ِ‬
‫عظمة‬ ‫دق عىل‬ ‫شاهد ُة ِص ٍ‬
‫أن هذه األشياء ِ‬
‫َ‬ ‫ثم انظر كام َّ‬ ‫َّ‬
‫ذلك‬‫دليل عىل دوا ِم َ‬ ‫املرتادفة ٌ‬
‫ُ‬ ‫والتحوالت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املتعاقبة‬ ‫ُ‬
‫القوافل‬ ‫َ‬
‫كذلك‬ ‫لطان واحدٌ أحدٌ ‪،‬‬‫أنه ُس ٌ‬
‫واألسباب‬ ‫أيضا؛ فاألشيا ُء‬
‫تزول معها أسبا ُبها ً‬ ‫ألن األشيا َء الزائل َة إنام ُ‬ ‫ِ‬
‫وبقائه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫السلطان‬
‫ُ‬
‫تلك‬ ‫آثار كسابقتِها‪ ،‬فهي إذن ليست من ِ‬
‫فعل َ‬ ‫َعق ُبها تأيت جديد ًة وهلا ٌ‬
‫ِ‬
‫تزوالن م ًعا‪ ،‬بينام التي ت ُ‬
‫ِ‬
‫اللمعان والتَّأ ُّل ِق ‪-‬بعد زوال َحباب‬ ‫وال! فكام َّ‬
‫أن بقا َء‬ ‫الز ُ‬ ‫األسباب‪ ،‬بل ممن ال يطر ُأ ِ‬
‫عليه َّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الزائلة بل‬ ‫ِ‬
‫احلباب‬ ‫ليس من‬ ‫حلباب‪ُ ،‬ي ِ‬ ‫النهر اجلاري‪ -‬يف التي ت ُ‬
‫َّألق َ‬‫فه ُمنا أن هذا الت َ‬ ‫َعقبها من ا َ‬

‫مخس عرش َة سن ًة‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬


‫سن التكليف البال ِغ َ‬‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل ِّ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خترجأطعم ٌةلذيذ ٌة متنوع ٌة من ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌةإىل ِ‬
‫ُنص ُ‬
‫مطبخ الرمحة اإلهلية وت َ‬ ‫األرض يف الربيع والصيف حيث ُ‬ ‫وجه‬
‫ِ‬
‫املطبخ‪( ،‬املؤلف)‬ ‫خادم‬ ‫ٍ‬
‫شجرة‬ ‫مطبخ‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بستان‬ ‫فكل‬ ‫ٍ‬
‫باستمرار‪ُّ ،‬‬ ‫وتدَّ ُد‬ ‫ِ‬
‫املختلفة ُ‬ ‫ِ‬
‫املتنوعة‬ ‫ِ‬
‫النعم‬ ‫موائدُ‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪333‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬
‫ُ‬
‫وانصباغها‬ ‫َلو ُن التي تعق ُبها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دائم‪ ،‬كذلك تبدُّ ُل‬ ‫مصدر ٍ‬
‫نور ٍ‬ ‫ِ‬
‫األفعال بالرسعة املذهلة‪ ،‬وت ُّ‬ ‫من‬
‫وقائم ال ُ‬
‫حيول‪،‬‬ ‫دائم ال ُ‬
‫يزول‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بصفاتا يد ُّلنا عىل َّ‬
‫ٌ‬ ‫تجليات َمن هو ٌ‬
‫ُ‬ ‫األفعال إنام هي‬ ‫أن تلك‬
‫ليس َّ‬
‫إل‪.‬‬ ‫واألشيا ُء مجي ًعا ُ‬
‫نقوشه ومرايا ُه وصنعتُه َ‬

‫عرش‬
‫احلادي َ‬
‫َ‬ ‫الربهان‬
‫ُ‬
‫ابقة؛ دعنا‬‫العرشة الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للرباهني‬ ‫ِ‬
‫القوة ما‬ ‫يملك من‬ ‫ُ‬ ‫لك برهانًا‬ ‫الصديق ألب ِّي َن َ‬ ‫ُ‬ ‫تعال أهيا‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫نذهب‬ ‫أتعلم ملاذا‬ ‫ٍ‬
‫بعيدة عنَّا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جزيرة‬ ‫لنذهب إىل‬ ‫ً (‪)1‬‬
‫سنركب سفينة‬ ‫حرية‪،‬‬‫لسفرة ب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نتأهب‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫أنظار اجلمي ِع‬
‫َ‬ ‫أرسار ِه وأعاجي َبه؛ أال ترى‬ ‫ِ‬ ‫ومغاليق‬
‫َ‬ ‫ألغاز هذا العا َلم‬ ‫ِ‬ ‫مفاتيح‬
‫َ‬ ‫إن فيها‬ ‫إليها؟‪َّ ،‬‬
‫بالرحلة‪ ..‬وها قد‬ ‫ِ‬ ‫نحن نبد ُأ‬ ‫األوامر‪ ..‬فها‬ ‫ون منها‬ ‫بالغا ويتل َّق َ‬ ‫ينتظرون منها ً‬ ‫َ‬ ‫ُمدق ًة هبا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اآلن أمام ح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس وقد‬ ‫شد َع ٍ‬
‫ظيم من‬ ‫أرض اجلزيرة‪ ..‬نحن َ َ َ‬ ‫ووط َئ ْت أقدا ُمنا َ‬ ‫وصلنا إليها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ِ‬
‫هيب‪..‬‬ ‫رئيس االجتام ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫النظر يا صديقي إىل‬ ‫أرشاف اململكة جمي ُعهم هنا‪ ..‬أمع ِن َ‬ ‫ُ‬ ‫اجتمع‬
‫َ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫قليل فنعر َفه عن َك َث ٍ‬ ‫هل نتقرب ِ‬
‫ب‪ ..‬فها هو ذا ُمتق ِّلدٌ أوسم ًة راقي ًة تزيدُ عىل األلف‬ ‫إليه ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫تعلمت شيئا مما‬ ‫ُ‬ ‫وحيث إين كنت قد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واالطمئنان‪،‬‬ ‫الطيب وال ِّث ُ‬
‫قة‬ ‫ُ‬ ‫لؤه‬ ‫ويتحدث بكال ٍم ِم ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فسوف ُأع ِّل َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سلطان هذه‬ ‫يتحدث عن‬ ‫مك إيا ُه‪ ..‬إنه‬ ‫َ‬ ‫السابقة‬ ‫خالل مخس َة َ‬
‫عرش يو ًما‬ ‫يقـول‬
‫ويقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املعجزات‬ ‫ِ‬
‫اململكة ذي‬
‫ومعجزات باهر ًة بحيث ال‬ ‫ٍ‬ ‫خوارق عجيب ًة‬
‫َ‬ ‫إنه هو الذي َأرسلني إليكُم؛ انظر إنه ُيظهر‬
‫وكالم ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫العظيم؛ أص ِغ جيدً ا إىل حديثِ ِه‬
‫ِ‬ ‫يدع ُشبه ًة يف أنه مرس ٌل ِخصيصا ِمن َلدُ ِن الس ِ‬
‫لطان‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ ً‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫اجلميع َيس َع َ‬
‫ون‬ ‫ُ‬
‫حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اململكة بر َّمتها تُصغي إليه‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫صاغية ل ُه‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫فجميع املخلوقات ٌ‬
‫آذان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان وحدَ ه يصغي ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫تظن َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫كالم ِه ال َّط ِ‬
‫يب ويتله ُف َ‬ ‫إىل سام ِع ِ‬
‫ُُ‬ ‫الزاهر؛ َأو ُّ‬ ‫ون لرؤية ُم َّياه‬

‫ِ‬
‫السعادة النبوية؛ فإذا خلعنا ما‬ ‫خري القرون وهو ُ‬
‫قرن‬ ‫التاريخ‪ ،‬واجلزير ُة إشار ٌة إىل ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫السفينة إشار ٌة إىل‬ ‫(‪)1‬‬
‫بحر الزمان‪ ،‬وركبنا‬‫ساحل هذا العرص املظلم‪ ،‬وألقينا أنفسنَا يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫مالبس عىل‬
‫َ‬ ‫أل َب َستنا احلضار ُة الدن ّية من‬
‫ساحل جزيرة عرص السعادة والنور‪ ،‬وبلغنا اجلزير َة‬ ‫ِ‬ ‫ُتب التاريخ والسرية الرشيفة ووصلنا إىل‬ ‫سفين َة ك ِ‬
‫النبي‬ ‫النبوة املقدسة‪ ،‬عند ذلك نعلم أن َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ذلك َّ‬ ‫يزاول مهمة ّ‬ ‫بالرسول الكريم ﷺ وهو‬ ‫العربية‪ ،‬وحظينا‬
‫وجهي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫باهر للتوحيد ودليل ساطع عليه بحيث ّنو َر سطح األرض مجيعا‪ ،‬وأضا َء َ‬ ‫برهان ٌ‬ ‫ﷺ إنام هو‬
‫ِ‬
‫الزمان املايض واملستقبل وحما ظلامت الكفر والضاللة‪( ،‬املؤلف)‬
‫ِ‬
‫والتحقيق‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫العلم‬ ‫ِ‬
‫البالغة أ ْل ًفا عند أوىل‬ ‫الكريم ﷺ‬ ‫ُ‬
‫الرسول‬ ‫ِ‬
‫املعجزات التي أظهرها‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪334‬‬
‫وهتتز من َخشيتها‬
‫ألوامره ُّ‬ ‫ِ‬ ‫واجلامدات تصغي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلبال‬ ‫أيضا‪ ،‬بل حتى‬
‫احليوانات ً‬
‫ُ‬ ‫فحسب؟ بل‬
‫مواضع‪،‬‬ ‫إليه من‬‫أوامر ِه وتذهب إىل ما أشار ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األشجار كيف تنقا ُد إىل‬ ‫وشوقها إليه؛ انظر إىل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الز ِ‬
‫الل‪.‬‬ ‫إنه يفجر املاء أينام يريدُ ‪ ،‬بل حتى من بني أصابِ ِعه‪ ،‬فريتوي الناس من َ ِ‬
‫ذلك املاء ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ ُ َ‬
‫ِ‬
‫بمجرد‬ ‫ني ِ‬
‫اثنني‬ ‫ينشق إىل ِش َّق ِ‬ ‫ِ‬
‫اململكة(‪ )1‬إنه ُّ‬ ‫ِ‬
‫املصباح املتديل من سقف‬ ‫انظر إىل َ‬
‫ذلك‬
‫ٍ‬
‫بمهمة من‬ ‫رس ٌل‬ ‫فكأن هذه اململك َة وبام فيها تعر ُفه جيدً ا‬‫َّ‬ ‫إشارة ِمن ُه؛‬
‫ٍ‬
‫موظف ُم َ‬
‫ٌ‬ ‫وتعلم يقينًا أنه‬
‫ُ‬
‫اجلندي املطيعِ‪ ،‬فام من‬ ‫ون له انقيا َد‬ ‫فرتاهم ينقا ُد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫السلطان‪ ،‬ومب ِّل ٌغ ٌ‬ ‫َلدُ ِن‬
‫ِّ‬ ‫ألوامره اجلليلة؛ ُ‬ ‫أمني‬
‫ِ‬
‫لكالمه‪ ،‬ليس هذا‬ ‫كريم‪ ،‬ويصد ُقونَه و ُيذعنون‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عاقل ممن حو َل ُه ّ‬ ‫ٍ‬
‫رسول ٌ‬ ‫ويقول إنه‬ ‫إل‬ ‫راشد‬
‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫َ‬
‫يقولون‬ ‫واجلميع‬ ‫ِ (‪)2‬‬
‫اجلبال واملصباح العظيم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اململكة من‬ ‫فحسب بل يصدِّ ُقه ما يف‬
‫ُ‬
‫وصواب‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وعدل‬ ‫ٌ‬
‫صدق‬ ‫ينطق به‬
‫كل ما ُ‬ ‫إن َّ‬ ‫احلال وبخضوعٍ‪ :‬نعم‪ ..‬نعم َّ‬ ‫ِ‬

‫لكذب أو ِخدا ٍع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫احتامل‬ ‫هناك أدنى‬ ‫يكون َ‬ ‫َ‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬ ‫الغافل! هل ترى أنه‬ ‫ُ‬ ‫فيا أهيا الصديق‬
‫كالم ِه أبدً ا؛ وهو الذي أكر َم ُه‬ ‫ذلك يشء يف ِ‬
‫ٌ‬ ‫يكون من َ‬ ‫َ‬ ‫الكريم؟ حاش هلل أن‬ ‫ِ‬ ‫يف كال ِم هذا‬
‫ِ‬
‫اململكة‬ ‫ِ‬
‫أرشاف‬ ‫وجميع‬ ‫تصديق ِه ل ُه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عالمات‬
‫ُ‬ ‫ارات‪ ،‬وهي‬ ‫والش ِ‬ ‫ِ‬
‫األنواط َّ‬ ‫السلطان ٍ‬
‫بألف من‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫المعجز وعن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫ِ‬
‫أوصاف‬ ‫يبحث يف‬‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫واطمئنان‪ ،‬فهو‬ ‫يصدّ قو َن ُه‪ ،‬وكال ُمه ك ُّل ُه ٌ‬
‫ثقة‬
‫كل‬ ‫ُكذ َب َّ‬
‫فيلزم عليك أن ت ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكذب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احتامل‬ ‫نفسك شي ًئا من‬ ‫َ‬ ‫البليغة‪ ،‬فإن كنت جتدُ يف‬ ‫ِ‬ ‫أوامر ِه‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ُكذ َب‬ ‫يشء وت ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫وتنكر وجو َد ِّ‬ ‫ِ‬
‫واملصابيح‬ ‫ِ‬
‫القرص‬ ‫ُنكر وجو َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اجلامعات المصدِّ قة به‪ ،‬بل ت َ‬
‫فالدالئل تتحدى‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لديك يش ٌء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فهات ما عندَ َك إن كان‬ ‫ِ‬ ‫حقيقتَهم‪ّ ،‬‬
‫وإل‬

‫الربهان ال َّثاين َ‬
‫عرش‬ ‫ُ‬
‫أعظم من مجي ِع‬
‫َ‬ ‫لك َ‬
‫اآلن برهانًا‬ ‫فسأبي َ‬
‫ِّ ُ‬ ‫استرشدت بام ُقلنا شي ًئا فشي ًئا؛‬
‫َ‬ ‫األخ لع َّل َك‬
‫أهيا ُ‬
‫ِ‬
‫السابقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرباهني‬

‫األمي الذي مل َيكتب يف حياتِه‬


‫َّ‬ ‫قال موالنا جامي‪َّ :‬‬
‫إن ذلك‬ ‫ِ‬
‫القمر؛ فقد َ‬ ‫شق‬ ‫ِ‬
‫القمر‪ ،‬ومعجز ُة ِّ‬ ‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القمر شقني‪( ....‬املؤلف)‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫فشق به َ‬
‫غري ما كتب ُه بإصبعه حرف ألف عىل صحيفة السامء َّ‬ ‫شي ًئا َ‬
‫فشوهدت من جديد‪ ،‬وبناء عىل‬ ‫ِ‬
‫املرشق‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بعودة األرض من‬ ‫ِ‬
‫املغيب‬ ‫ِ‬
‫الشمس التي رجعت عن‬ ‫(‪ )2‬إشار ٌة إىل‬
‫ِ‬
‫الرسول‬ ‫ِ‬
‫بسبب نوم‬ ‫ِ‬
‫العرص التي كادت تفوتُه‪ ،‬وذلك‬ ‫اإلمام عيلٌّ ريض اهلل عنه صالة‬ ‫ِ‬
‫املعجزة أ ّدى‬ ‫هذه‬
‫ُ‬
‫ﷺ عىل فخذه‪( ،‬املؤلف)‬
‫�‬ ‫�‬ ‫� �� � � ��� �� � � � ‬
‫‪335‬‬ ‫������� ‪� ������ ���������� � -‬‬
‫��� ���� �� ������ ��‬
‫ُ‬
‫وينظرون‬ ‫اجلميع يوقرو َن ُه‬
‫ُ‬ ‫ازل من األ ُف ِق األعىل‪،‬‬ ‫انظر إىل هذا املرسو ِم السلطاين النَّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫بجانب هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باألوسمة‬ ‫الكريم املج َّل ُل‬ ‫خص‬ ‫وقف ذلك َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الش ُ‬ ‫َ‬ ‫وإعجاب‪ ،‬وقد‬ ‫بإجالل‬ ‫إليه‬
‫املجتمعة معان َي ُه‪ ..‬انظر إىل أسلوبِ ِه‪ :‬إنَّه ُي ِش ُّع و َيس َط ُع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للحشود‬ ‫فس ُر‬‫وراين‪ُ )1(،‬ي ِّ‬‫املرسو ِم النُّ ِّ‬
‫اجلميع بحيث‬ ‫َهم‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫اإلعجاب والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫مسائل جا َّدة ت ُّ‬ ‫يبحث يف‬ ‫َّعظيم‪ ،‬إذ‬ ‫اجلميع إىل‬
‫َ‬ ‫يسوق‬ ‫حتى‬
‫ِ‬ ‫لطان وأفعا َل ُه‬‫شؤون الس ِ‬ ‫فص ُل ت‬ ‫ِ‬
‫وأوام َر ُه‬ ‫َ ُّ‬ ‫كامل‬
‫ً‬ ‫َفصيل‬
‫ً‬ ‫إل ويصغي إليه؛ إنه ُي ِّ‬ ‫يدع أحدً ا َّ‬
‫ال ُ‬
‫سطر من‬ ‫نفسه‪ ،‬فعىل كل ٍ‬ ‫لطان ِ‬ ‫ذلك املرسو ِم السلطاين ُطغراء الس ِ‬ ‫أن عىل َ‬ ‫وأوصا َف ُه‪ ،‬فكام َّ‬
‫َ ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫اخلاص‬ ‫حرف فيه خات َُم ُه‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫مجلة بل ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫النظر فعىل ِّ‬ ‫أمعنت‬
‫َ‬ ‫أيضا شارتُه‪ ،‬بل إذا‬ ‫سطور ِه ً‬
‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ونواهيه‪.‬‬ ‫وأوامر ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومراميه‬ ‫ِ‬
‫معانيه‬ ‫فضل عن‬
‫ً‬

‫ِ‬
‫الضوء‬ ‫ِ‬
‫كداللة‬ ‫ِ‬
‫العظيم‬ ‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫لطاين ُّ‬
‫يدل عىل ذلك‬ ‫إن َ‬‫اخلالص ُة‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫الس َّ‬‫ذلك املرسو َم ُّ‬
‫عىل الن ِ‬
‫َّهار‪.‬‬

‫فإن ما ذكرنا ُه َ‬
‫لك‬ ‫ِ‬
‫الغفلة‪َّ ،‬‬ ‫دت إىل صوابك وأ َف ْقت من نو ِم‬‫الصديق‪ :‬أظن َُّك قد ُع َ‬
‫ُ‬ ‫فيا أهيا‬
‫ٍ‬
‫وواف‪ ،‬فإن بدا َ‬
‫لك يش ٌء فاذكر ُه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫لكاف‬ ‫براهني‬
‫َ‬ ‫وبسطنا ُه من‬

‫إل أن َ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املعاند ّ‬ ‫فام َ‬
‫كان من ذلك‬

‫مس‬‫كالش ِ‬ ‫أبلج َّ‬ ‫واضحا َ‬ ‫ً‬ ‫آمنت إيامنًا‬


‫قت‪ ،‬بل ُ‬ ‫أقول إلَّ ‪ :‬احلمدُ هلل‪ ،‬لقد ُ‬
‫آمنت وصدَّ ُ‬ ‫ال ُ‬
‫ِ‬
‫القرص‬ ‫ٍ‬
‫جالل‪ ،‬وهلذا‬ ‫كامل‪ ،‬وهلذا العا َلم ً‬
‫مول ذا‬ ‫ِ‬
‫اململكة ر ًّبا ذا ٍ‬ ‫بأن هلذه‬ ‫ورضيت َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وكالنهار‪،‬‬
‫َّعصب‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العناد والت‬ ‫احلميم فقد أنقذتني من ِ‬
‫إسار‬ ‫صديقي‬ ‫ليرض اهلل عنك يا‬ ‫صان ًعا ذا ٍ‬
‫مجال؛ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫براهـني‪،‬‬
‫َ‬ ‫والبالهة‪ ،‬وال أكت ُُم َك يا أخـي‪ ،‬فإن ما ُسقـتَه من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنون‬ ‫ِ‬
‫املمقوت الذي بلغ يب حدَّ‬
‫إليك َّ‬
‫ألن‬ ‫صغي َ‬ ‫كنت ُأ ِ‬ ‫إل أنني ُ‬ ‫ِ‬
‫النتيجة‪ّ ،‬‬ ‫وص َلني إىل ِ‬
‫هذه‬ ‫كان برهانًا كافيا لي ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحد منها َ‬ ‫ُّ‬
‫كل‬
‫ً ُ‬
‫ِ‬
‫اخلالصة‪.‬‬ ‫معرفة اهلل وإىل حم َّبتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫أسطع إىل‬ ‫َ‬
‫ونوافذ‬ ‫أرحب‬ ‫فتح آفا ًقا‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كل برهان منها قد َ‬

‫ِ‬
‫واإليامن باهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للتوحيد‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة ال ُعظمى‬ ‫تشيـر إىل‬ ‫ُ‬
‫احلكاية التي كانت‬ ‫وهكذا ِ‬
‫متت‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫إعجازه‪( ،‬املؤلف)‬ ‫املوضوعة ِ‬
‫عليه إشار ٌة إىل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والعالمة‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫(‪ )1‬إشار ٌة إىل‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪336‬‬
‫مقابل ما‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ونور‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫وفيض‬ ‫ِ‬
‫الرمحن‬ ‫ِ‬
‫بفضل‬ ‫وسنبني يف املقا ِم الثاين‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫التوحيد‬ ‫ِ‬
‫شمس‬ ‫ِ‬
‫ملعات‬ ‫ِ‬
‫التمثيلية اثنتي عرش َة ملع ًة من‬ ‫ِ‬
‫احلكاية‬ ‫عرش ُبرهانًا يف‬
‫جا َء من اثنيس َ‬
‫ٍ‬
‫بمقدمة‪.‬‬ ‫ُمهدَ هلا‬ ‫احلقيقي بعدَ َّ‬
‫أن ن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نسأل َّّ َ‬
‫اتلوفيق واهلداية‪.‬‬ ‫الل‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪337‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬

‫ِ‬
‫الثانية والعرشين‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫املقا ُم الثاين من‬

‫�﷽‬

‫﴿ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ*‬
‫ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﴾ (الزمر‪)63-62:‬‬

‫﴿ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﴾ (يس‪)83:‬‬

‫﴿ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﴾ (احلجر‪)21:‬‬

‫﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ (هود‪)56:‬‬

‫املقدمة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسالة «قطر ٌة من ِ‬ ‫ِ‬
‫«اإليامن‬ ‫اإليامن وهو‬ ‫أركان‬ ‫بحر التوحيد» ُق َ‬
‫طب‬ ‫إمجال يف‬‫ً‬ ‫لقد ب َّينا‬
‫وجود اهلل سبحانَه ويشهدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫يدل علـى‬ ‫ِ‬
‫املوجودات ُّ‬ ‫ٍ‬
‫موجود من‬ ‫أن َّ‬
‫كل‬ ‫باهلل»؛ وأثبتنا َّ‬
‫ِ‬
‫معرفة اهلل‬ ‫«نقطة من ِ‬
‫نور‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫رسالة‬ ‫َ‬
‫كذلك يف‬ ‫ومخسيـن لسانًا‪ ،‬وذكرنا‬ ‫ٍ‬
‫بخمسة‬ ‫عىل وحدانيتِه‬
‫َ‬
‫برهان منها‬‫ٍ‬ ‫وجوده سبحانه ووحدانيتِه‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫براهني كل َّي ٍة عىل‬
‫َ‬ ‫جل جال ُله» أربع َة‬ ‫َّ‬
‫وجوده سبحانَه‬ ‫ِ‬ ‫وجوب‬ ‫ِ‬
‫القاطعة التي تُب ِّي ُن‬ ‫ِ‬
‫الرباهني‬ ‫ٍ‬
‫مئات من‬ ‫برهان‪ ،‬كام ذكرنا‬ ‫ٍ‬ ‫بقوة ِ‬
‫ألف‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ندخل‬ ‫ُ‬ ‫سبق وال‬
‫العربية‪ ،‬لذا نكتفي بام َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باللغة‬ ‫يقر ُب من اثنتي عرش َة رسال ًة‬ ‫ِ‬
‫ووحدانيته فيام ُ‬
‫ِ‬
‫إلظهار «اثنتَي عرش َة‬ ‫الثانية والعرشين»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة‬ ‫إل أننا نسعى يف هذه‬ ‫دقيقة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫تفاصيل‬ ‫يف‬
‫رسائل ِ‬
‫النور‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تلك التي ذكرتُها إمجاال يف‬ ‫«اإليامن باهلل» َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شمس‬ ‫ملع ًة» من‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪338‬‬

‫ال َّلمع ُة األوىل‬


‫ٍ‬
‫بمثال‪:‬‬ ‫لنوضح َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫توحيدان‪،‬‬ ‫التوحيدُ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫فهذه‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لشخص‬ ‫ٌ‬
‫متنوعة‬ ‫ٌ‬
‫وأموال‬ ‫بضائع خمتلف ٌة‬ ‫ٍ‬
‫مدينة‬ ‫إذا ور َد ْت إىل ٍ‬
‫سوق أو إىل‬
‫ُ‬
‫بشكلني ِ‬
‫اثنني‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ف ُملكيتُها‬
‫ُعر ُ‬
‫األموال ت َ‬
‫ِ‬
‫األموال‬ ‫«أن ِم َثل ِ‬
‫هذه‬ ‫الناس) وهو‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العامة من‬ ‫عامي (أي لدى‬ ‫إمجايل‬ ‫ٌ‬
‫شكل‬ ‫األول‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫العامي هذه‬ ‫ِ‬
‫خص‬ ‫الش‬ ‫ِ‬
‫نظرة َّ‬ ‫ضمن‬ ‫ِ‬
‫غريه أن يمتلكَها»‪ ،‬ولكن‬ ‫بمقدور ٍ‬
‫أحد‬ ‫ِ‬ ‫ليس‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫الطائلة َ‬
‫امتالك ِق َطعها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الكثريون‬ ‫اغتصاب‪ ،‬فيدَّ عي‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫حيدث‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ف ال ُطغرا ُء‬ ‫الكتابة املوجود ُة عىل كل ِرزمة من ِرز ِم البضاعة‪ ،‬وت َ‬
‫ُعر َ‬ ‫ُ‬ ‫الثاين‪ :‬أن تُقر َأ‬
‫ِ‬
‫احلالة‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء يف هذه‬ ‫لم‪ ،‬أي ُّ‬
‫الختم املوجو ُد عىل كل َم ْع ٍ‬ ‫ول‪ ،‬و ُيع َل َم‬ ‫املوجود ُة عىل كل َط ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املالك‪.‬‬ ‫يدل ضمنًا عىل ذلك‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫نوعني‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بشكليـن‪ ،‬كذلك التَّوحيدُ فإنه عىل‬ ‫ف مالكُها‬ ‫أن البضاع َة ُي َ‬
‫عر ُ‬ ‫فكام َّ‬

‫رشيك ل ُه وال َ‬
‫مثيل‪ ،‬وهذا‬ ‫َ‬ ‫العامي‪ :‬وهو َّ‬
‫«أن اهلل واحدٌ ال‬ ‫ُّ‬ ‫الظاهري‬
‫ُّ‬ ‫األول‪ :‬التَّوحيدُ‬
‫الكون ك ُّله ُمل ُك ُه»‪.‬‬
‫ُ‬

‫الشهود‪ ،‬بوحدانيتِه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون إىل‬ ‫أقرب ما‬‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بيقين‬ ‫ُ‬
‫اإليامن‬ ‫احلقيقي‪ :‬وهو‬‫ُّ‬ ‫الثاين‪ :‬التَّوحيدُ‬
‫عين ل ُه يف‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يد قدرتِه‪ ،‬وبأنه ال‬ ‫يشء من ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫وبصدور ِّ‬
‫شريك ل ُه يف ألوهيته‪ ،‬وال ُم َ‬ ‫سبحانه‪،‬‬
‫القلب‪ ،‬لرؤيتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫ائم وسكين َة‬ ‫َ‬
‫االطمئنان الدَّ َ‬ ‫هب لصاحبِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ربوبيته‪ ،‬وال ندَّ ل ُه يف ُملكه‪ ،‬إيامنًا َي ُ‬
‫نوره‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء إىل ِ‬ ‫نافذ من ِّ‬‫شباك ٌ‬‫ٌ‬ ‫فينفتح‬ ‫قلمه‪ ،‬عىل كل ٍ‬
‫يشء؛‬ ‫ونقش ِ‬ ‫وختم ربوبيتِ ِه َ‬ ‫آي َة قدرتِ ِه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫السامي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫اخلالص َّ‬
‫َ‬ ‫احلقيقي‬
‫َّ‬ ‫شعاعات تُب ِّي ُن ذلك التَّوحيدَ‬ ‫«الكلمة»‬ ‫وسنذكر يف هذه‬
‫ُ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪339‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬

‫تنبيه ضمن ال َّل ِ‬


‫معة األوىل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ترص ِف‬ ‫ستائر أما َم ُّ‬ ‫َ‬ ‫األسباب ليست إلَّ‬ ‫َ‬ ‫األسباب! اعلم َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبادة‬ ‫الغارق يف‬ ‫ُ‬ ‫الغافل‬ ‫ُ‬ ‫أهيا‬
‫احلقيقي فهو القدر ُة‬ ‫الفاعل‬ ‫ُ‬ ‫احلجاب‪ ،‬أ َّما‬ ‫ِ‬
‫تقتضيان‬ ‫العز َة والعظم َة‬ ‫ألن َّ‬ ‫اإلهلية‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫االستقالل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ويقتضيان‬ ‫يتطلبان هذا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫واجلالل‬‫َ‬ ‫ألن التَّوحيدَ‬ ‫مدانية‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الص‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واعلم أن مأموري الس ِ‬
‫ألمور‬ ‫احلقيقيني‬
‫َ‬ ‫هم المنَ ِّف َ‬
‫ذين‬ ‫األزيل وموظفيه ليسوا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫لطان‬ ‫ُّ‬
‫اعون إليها‪ ،‬ومشاهدُ وها‬ ‫َ‬ ‫والسلطان‪ ،‬والدَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ون عىل َ‬ ‫بوبية‪ ،‬بل هم دا ُّل َ‬ ‫سلطنة الر ِ‬ ‫ِ‬
‫تلك العظمة ُّ‬ ‫ُّ‬
‫تظهر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بانية وهي َبتِها‬ ‫القدرة الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫عز ِة‬ ‫بون‪ ،‬فام ُو ِجدوا ّ‬ ‫المعج َ‬
‫وعظمتها‪ ،‬وذلك لئال َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫إل إلظهار ِّ‬ ‫َ‬
‫نظر ِ‬ ‫أمور جزئية َخسيسة ال ُي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مباشر ُة يد القدرة يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عرف‬ ‫الغافلني ُحسنَها وال َي ُ‬ ‫َ‬ ‫أكثر‬ ‫در ُك ُ‬
‫البرشي‬ ‫ِ‬
‫السلطان‬ ‫علم‪ ،‬وهم ليسوا كموظفي‬ ‫بغري ٍ‬ ‫ويعرتض ِ‬ ‫ُ‬ ‫بغري َح ٍّق‬ ‫حكمتَها‪ ،‬فيشتكي ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وحاجته‪.‬‬ ‫إل نتيج َة َع ِ‬
‫جزه‬ ‫الذي مل يع ِّين ُْهم ومل ُيرشك ُْهم يف سلطنتِه ّ‬
‫ِ‬ ‫جهة ِ‬ ‫القدرة مصون ًة من ِ‬ ‫ِ‬
‫اهري؛‬ ‫العقل ال َّظ ِّ‬ ‫نظر‬ ‫َ‬ ‫فاألسباب إذن إنام ُوض َعت لتبقى عز ُة‬ ‫ُ‬
‫املطيل‬ ‫ِ‬
‫بالوجه‬ ‫ُ‬
‫الشبيهة‬ ‫«الملك»‬ ‫املرآة‪ -‬إحدامها ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إذ َّ‬
‫ِّ‬ ‫جهة ُ‬ ‫يشء جهتني ‪-‬كوجهي‬ ‫إن لكل‬
‫«امللكوت»‬ ‫ِ‬ ‫املختلفة‪ ،‬واألخرى ُ‬
‫جهة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلاالت‬ ‫ِ‬
‫األلوان‬ ‫موضع‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫للمرآة الذي‬ ‫ِ‬ ‫الملو ِن‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫جهة الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الوجه ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫حاالت‬ ‫ٌ‬ ‫هناك‬ ‫لك‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫اهر ‪-‬أي‬ ‫للمرآة؛ ففي‬ ‫قيل‬ ‫الشبيه ُة بالوجه َّ‬ ‫َ‬
‫لتلك‬ ‫مرج ًعا َ‬ ‫تكون ِ‬ ‫َ‬ ‫األسباب كي‬ ‫ِ‬
‫فوض َعت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫الصمدانية وكمالها‪ُ ،‬‬ ‫ظاهرا لعزة القدرة َّ‬ ‫ً‬ ‫منافية‬
‫ومالئم‬ ‫ومجيل‬ ‫ٌ‬ ‫شفاف‬
‫ٌ‬ ‫يشء فيها‬ ‫فكل ٍ‬ ‫والحقيقة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫امللكوت‬ ‫ِ‬ ‫ووسائل هلا؛ أما ُ‬
‫جهة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلاالت‬
‫ٌ‬
‫وليس هلا‬ ‫ظاهرية ٌ‬
‫بحتة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فاألسباب‬ ‫لعز ِتا‪ ،‬لذا‬ ‫وليس مناف ًيا َّ‬ ‫بذاتا‪،‬‬ ‫القدرة هلا ِ‬ ‫ِ‬ ‫يد‬‫لمباشرة ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫األمر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫احلقيقي يف امللكوت َّي ِة أو يف‬ ‫التأثري‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجلائرة‬ ‫الشكاوى‬ ‫توجيه َّ‬ ‫ِ‬ ‫عدم‬ ‫اهرية وهي‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لألسباب ال َّظ‬ ‫ِ‬ ‫وهناك حكم ٌة أخرى‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫لتكون هد ًفا‬ ‫َ‬ ‫األسباب‬ ‫ِ‬
‫ضعت‬ ‫جل وعال؛ أي ُو‬ ‫املطلق َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العادل‬ ‫الباطلة إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالعرتاضات‬
‫ُ‬
‫افتقار قابليتِها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ناشئ من‬ ‫ٌ‬ ‫صادر منها‬ ‫ٌ‬ ‫التقصير‬
‫َ‬ ‫وتلك الشكاوى‪ ،‬ألن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫االعرتاضات‬ ‫لتلك‬ ‫َ‬

‫زرائيل عليه السالم‬ ‫َ‬ ‫أن َع‬ ‫لطيف وحماور ٌة معنوي ٌة هي‪َّ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫مثال‬ ‫السـر ٌ‬ ‫لبيان هذا‬ ‫ولقد روي ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ َ‬
‫قبض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫علي عند أدائي لوظيفة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫«إن عبا َد َك‬ ‫العزة‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫ويسخطون َّ‬ ‫يشتكون مني‬ ‫سوف‬ ‫َ‬ ‫لرب ِّ‬ ‫قال ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪340‬‬
‫ستائر‬ ‫«سأضع بينَك وبني عبادي‬ ‫ِ‬
‫احلكمة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫اهلل سبحانه وتعاىل له‬ ‫األرواح»‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فقال ُ‬
‫ِ‬
‫األسباب»‪.‬‬ ‫لتتوج َه شكاواهم إىل َ‬
‫تلك‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واألمراض‬ ‫ِ‬
‫املصائب‬
‫األج ِل‪ ،‬وكام‬
‫مساوئ يف َ‬
‫َ‬ ‫توه ُم من‬ ‫األمراض ستائر َي ِ‬
‫رج ُع إليها ما ُي َّ‬ ‫َ‬ ‫وهكذا‪ ،‬تأ َّم ْل! كام َّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫عليه السالم‪،‬‬ ‫زرائيل ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وظيفة َع‬ ‫ُ‬
‫احلقيقة‪ -‬يعو ُد إىل‬ ‫ِ‬
‫األرواح ‪-‬وهو‬ ‫ِ‬
‫قبض‬ ‫َ‬
‫اجلامل املوجو َد يف‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫ِ‬
‫للقدرة‬ ‫وحجاب‬ ‫ِ‬
‫الوظيفة‬ ‫ألداء َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫ستار‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫تار‪ ،‬فهو ٌ‬ ‫اآلخر س ٌ‬
‫ُ‬ ‫زرائيل عليه السالم هو‬ ‫فإن َع‬
‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫ِ‬
‫بكامل‬ ‫تليق‬
‫رمحة وال ُ‬ ‫ذات ٍ‬ ‫حلاالت تبدو ظاهرا أهنا غير ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫أصبح ِ‬
‫مرج ًعا‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‪ ،‬إذ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الربانية‪.‬‬
‫إل َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫العقل‪َّ ،‬‬ ‫نظر‬ ‫ِ‬
‫الظاهرية أما َم ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫وضع‬ ‫ِ‬
‫تستدعيان‬ ‫العز َة والعظم َة‬
‫إن َّ‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واجلالل يرد ِ‬
‫احلقيقي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫التأثري‬ ‫األسباب عن‬ ‫ان أيدي‬ ‫َ َّ‬ ‫التوحيدَ‬

‫ال َّلمع ُة ال َّثاني ُة‬


‫ِ‬
‫الوجه‬ ‫َّظر يف‬ ‫ِ‬ ‫نان ِ‬ ‫الكائنات‪ ،‬وانظر إىل ِج ِ‬ ‫ِ‬ ‫بستان ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وأنعم الن َ‬ ‫هذه‬ ‫هذه‬ ‫تأ َّمل يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلميل ِ‬‫ِ‬
‫خاصا بمن هو‬ ‫ختم ًّ‬ ‫جل جال ُله ً‬ ‫اجلليل َّ‬ ‫املتأللئة بالنجو ِم‪ ،‬ت ََر أن للصان ِع‬ ‫هلذه السامء‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫خالق ِّ‬ ‫كل مصنو ٍع من مصنوعاتِ ِه‪ ،‬وعالم ًة خاص ًة بمن هو ُ‬ ‫يشء عىل ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫صانع ِّ‬ ‫ُ‬
‫منشور من‬‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫واألبد عىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫األزل‬ ‫ِ‬
‫بسلطان‬ ‫خملوق من خملوقاتِ ِه‪ ،‬وآي ًة ال تق َّلدُ خاصة‬ ‫ٍ‬ ‫عىل كل‬
‫سنذكر من‬ ‫الصيف والربيعِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وصفحات‬ ‫ِ‬
‫والنهار‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫ِ‬
‫صحائف‬ ‫قلم ُق ِ‬
‫درته عىل‬ ‫كتابات ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫نموذجا ليس َّ‬
‫إل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والعالمات بض ًعا منها‬ ‫تلك األختا ِم‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫خيلق‬ ‫«احلياة»‪« :‬إنه ُ‬ ‫ِ‬ ‫العالمة التي وض َعها عىل‬ ‫ِ‬ ‫انظر مما ال ُيىص من عالماتِ ِه إىل هذه‬
‫النطفة بل من ِ‬
‫ماء‬ ‫ِ‬ ‫شيء شيئا واحدً ا»؛ فمن ِ‬
‫ماء‬ ‫ٍ‬ ‫وخيلق من ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫واحد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫من‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫بقدير‬ ‫خاص‬‫ٌّ‬ ‫َّ‬
‫الشك أنه‬ ‫ُ‬
‫العمل‬ ‫وأعضائ ِه‪ ،‬فهذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احليوان‬ ‫ِ‬
‫أجهزة‬ ‫خيلق ما ال ُيعدُّ من‬ ‫ب‪ُ ،‬‬ ‫الشُّ ِ‬
‫ِ‬
‫القدرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مطلق‬
‫ٍ‬
‫كامل‬ ‫خاص بنـظـا ٍم‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫جسم ٍّ‬ ‫النباتية‪ ،‬إىل‬ ‫احليوانية أو‬ ‫املتنوعة‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫األطعمة‬ ‫حتويل‬ ‫ثم إن‬
‫شك أنه ُ‬
‫عمل‬ ‫ِ‬
‫املتعددة ال َّ‬ ‫ِ‬
‫املواد‬ ‫معينة من َ‬
‫تلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأجهزة‬ ‫ِ‬
‫للكائن‬ ‫خاص‬ ‫ونسج ٍ‬
‫جلد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دقيق‪،‬‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫العلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مطلق‬ ‫ٍ‬
‫وعليم‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫ٍ‬
‫قدير عىل ِّ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪341‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫أمري ِ‬
‫معج ٍز‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يدير احليا َة يف هذه الدنيا‪ ،‬إدار ًة حكيم ًة بقانون ٍّ‬ ‫خالق املوت واحلياة ُ‬ ‫إن َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫الكون يف قبضتِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫ف‬ ‫صر ُ‬
‫إل َمن ُي ِّ‬ ‫القانون و ُين ِّف َذ ُه ّ‬
‫َ‬ ‫يمكن أن ُيط ِّب َق ذلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫بحيث ال‬
‫ِ‬
‫الواحد‬ ‫ِ‬
‫اليشء‬ ‫جعل‬‫أن َ‬
‫فستفهم َّ‬ ‫عقل َك ومل تَفقد بصير َة قلبِ َك‬ ‫وهكذا إن مل تَنطفئ جذو ُة ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫دقيق وانتظا ٍم‬ ‫بميزان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يشء شي ًئا واحدً ا‬‫كل ٍ‬ ‫وجعل َّ‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫كامل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مطلقة وانتظا ٍم‬ ‫ٍ‬
‫بسهولة‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫َّ‬
‫يشء وصانِ ِع ِه‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫خلالق ِّ‬ ‫ليس إلَّ عالم ًة واضح ًة وآي ًة ب ِّين ًة‬ ‫ٍ‬
‫رائ ٍع وبمهارة وإبداعٍ‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫القطن مئ َة‬ ‫ٍ‬
‫درهم من‬ ‫يملك أعامال خارق ًة‪ :‬ينسج من ِ‬
‫وزن‬ ‫ُ‬ ‫رأيت ‪-‬مثال‪َّ -‬‬
‫أن أحدً ا‬ ‫َ‬ ‫فلو‬
‫ُ‬
‫خرج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َط ٍ‬
‫ورأيت أنه ُي ُ‬
‫َ‬ ‫األقمشة‪،‬‬ ‫وأنواعا من‬
‫ً‬ ‫احلرير‬ ‫وأطوال من‬ ‫اخلالص‬ ‫الصوف‬ ‫ول من‬
‫ُ‬
‫يأخذ‬ ‫رأيت أنه‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫حلويات لذيذ ًة وأطعم ًة متنوع ًة كثريةً‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫القطن‬ ‫‪ -‬عىل َ‬
‫ذلك‪ -‬من ذلك‬
‫اخلالص‪،‬‬
‫َ‬ ‫هب‬ ‫فيصنع منها َّ‬
‫الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫والرتاب‪،‬‬
‫َ‬ ‫هن واملا َء‬ ‫َ‬
‫والعسل والدُّ َ‬ ‫واحلجر‬
‫َ‬ ‫يف قبضتِه احلديدَ‬
‫ِ‬
‫املوجودات‪،‬‬ ‫َّرصف يف‬ ‫ِ‬ ‫تخص ُه وقدر ًة مهيمن ًة عىل الت‬ ‫يملك مهار ًة ِ‬ ‫ُ‬
‫معجز ًة ُّ‬ ‫حتم أنه‬
‫َحكم ً‬ ‫فست ُ‬
‫اب منقاد حل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كمه؛‬ ‫الت ِ ُ ٌ ُ‬ ‫وجميع ما يتولدُ من ُّ‬
‫َ‬ ‫بأمره‪،‬‬ ‫َّ‬
‫مسخر ٌة‬ ‫األرض‬ ‫عنارص‬ ‫مجيع‬
‫إن َ‬ ‫بحيث َّ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫املثال‬ ‫أعجب من هذا‬ ‫ِ‬
‫«احلياة» هلو‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية يف‬ ‫ِ‬
‫واحلكمة‬ ‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫ب من هذا َّ‬
‫فإن جتيل‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫تعج ْ‬ ‫فإن َ‬
‫ِ‬
‫احلياة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫موضوعة عىل‬ ‫ٍ‬
‫عديدة‬ ‫ٍ‬
‫عالمات‬ ‫فإليك عالم ًة واحد ًة من‬
‫َ‬ ‫مر ٍة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بألف َّ‬

‫ال َّلمع ُة ال َّثالث ُة‬


‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫يالة‪ ،‬وبني ِ‬
‫هذه‬ ‫الكائنات الس ِ‬
‫ِ‬ ‫املتجولة يف خضم ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة»‬ ‫انظر إىل «ذوي‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫القيوم؛ انظر إىل ٍ‬
‫ختم‬ ‫الحي‬ ‫وض َعها‬
‫حي‪ ،‬أختا ًما كثريةً‪َ ،‬‬ ‫أن عىل كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫السيارة‪ ،‬ت ََر َّ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫كائن ٍّ‬
‫منها‪:‬‬
‫ِ‬
‫لشجرة‬ ‫للكون‪ ،‬وثمر ٌة‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان‪ -‬كأنه ٌ‬
‫مثال مص َّغ ٌر‬ ‫َ‬ ‫الحي ‪-‬وليكن هذا‬ ‫الكائن‬ ‫ذلك‬‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الكائن‬ ‫ذلك‬ ‫َّ‬
‫وكأن َ‬ ‫نامذج أنوا ِع العواملِ؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملعظم‬ ‫جامع‬ ‫الخلقة‪ ،‬ونوا ٌة هلذا العا َلم‪ ،‬حيث إنه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫لخلق هذا‬ ‫يلزم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الكون ك ِّله‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫بموازين علمية حساسة‪ ،‬لذا ُ‬ ‫َ‬ ‫مستخلصة‬ ‫حملوبة من‬ ‫الحي قطر ٌة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ترصفه؛ فإن‬ ‫وحتت‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫ِ‬
‫قبضة‬ ‫الكون قاطب ًة يف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫الحي‪ ،‬وتربيتِه ورعايتِه أن‬ ‫ِ‬
‫الكائن‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫القدرة‬ ‫ِ‬
‫كلامت‬ ‫النحلة التي متثل كلم ًة من‬ ‫ِ‬ ‫أن َ‬
‫جعل‬ ‫فستفهم َّ‬ ‫مل يكن عق ُلك غار ًقا يف األوها ِم‪،‬‬
‫ُ‬
‫كيان‬‫الكون يف ِ‬‫ِ‬ ‫مسائل ِ‬
‫كتاب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغلب‬ ‫ِ‬
‫األشياء‪ ..‬وكتاب َة‬ ‫ٍ‬
‫لكثيـر من‬ ‫س مص َّغ ٍر‬‫هر ٍ‬ ‫بمثابة فِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربانية‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪342‬‬
‫ِ‬
‫الضخمة يف‬ ‫شجرة ِ‬
‫التني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منهاج‬ ‫وإدراج‬ ‫اإلنسان الذي يم ِّث ُل صحيف ًة من قدرتِه سبحانَه‪..‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املتجلية عىل‬ ‫ِ‬
‫املحيطة‬ ‫ِ‬
‫األسامء احلسنى‬ ‫القدرة‪ ..‬وإراء َة ِ‬
‫آثار‬ ‫ِ‬
‫كتاب ُ‬ ‫متثل نقط ًة يف‬‫ذيراتا التي ُ‬ ‫ُب ِ‬
‫ِ‬
‫الكتاب‪..‬‬ ‫اإلنسان الذي يم ِّث ُل حر ًفا واحدً ا من ذلك‬ ‫ِ‬ ‫العظيم يف ِ‬
‫قلب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫صفحات هذا‬
‫الص َغ ِر‪ُّ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل‬ ‫فص ِل حياة اإلنسان يف ذاكرته املتناهية يف ِّ‬ ‫ٌ‬
‫ضخمة من ُم َّ‬ ‫تضم ُه مكتب ٌة‬
‫ودرج ما ُّ‬ ‫َ‬
‫ورب العاملني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خالق ِّ‬ ‫دون ٍّ‬ ‫ذلك َ‬ ‫َ‬
‫كل يشء ُّ‬ ‫يخص َمن هو ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ختم‬
‫شك‪ٌ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫باهرا حتى‬ ‫نوره ً‬ ‫ختم واحدٌ ‪ ،‬من بني أختا ٍم ر َّبانية كثرية‪ ،‬عىل «ذوي احلياة» َ‬ ‫أظهر ٌ‬ ‫َ‬ ‫فلئن‬
‫ِ‬
‫وتشاهدَ‬ ‫ِ‬
‫احلياة»‬ ‫َنظر إىل مجي ِع «ذوي‬ ‫استقر َأ آياتِه قراء ًة واضح ًة‪،‬‬
‫استطعت أن ت َ‬ ‫َ‬ ‫فكيف إذا‬
‫َ‬
‫هور ِه»؟‬‫«سبحان من اختفى بشدَّ ِة ُظ ِ‬‫َ‬ ‫تلك األختا َم م ًعا‪ ،‬وأن تراها دفع ًة واحدةً‪ ،‬أ َما ُ‬
‫تقول‪:‬‬

‫ال َّلمع ُة الرابع ُة‬


‫ِ‬
‫املصنوعات‬ ‫األرض‪ ،‬وإىل ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫املبثوثة عىل ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬
‫اهية‬ ‫لون َِة َّ‬ ‫ِ‬
‫الم َّ‬
‫انظر إىل هذه املوجودات ُ‬
‫ٍ‬
‫موجود منها ُطغرا َء ال‬ ‫كل‬ ‫أن عىل ِّ‬ ‫اموات‪ ،‬تأمل فيها جيدً ا‪ ..‬ت ََر‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫الس‬ ‫املتنوعة الس ِ‬
‫ابحة يف ِ‬ ‫ِ‬
‫بحر َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫احلياة»‬ ‫ِ‬
‫«احلياة» آياتُه وشاراتُه‪ ،‬وعىل «ذوي‬ ‫ُشاهد عىل‬ ‫للمنو ِر األزيل َّ‬ ‫تُق َّلدُ‬
‫جل وعال؛ فكام ت َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫احلياة؛‬ ‫ِ‬
‫«اإلحياء»‪ ،‬أي ِ‬
‫منح‬ ‫أيضا عىل‬ ‫ُشاهد ُط‬
‫غراءات ً‬
‫ٌ‬ ‫بعضا منها‪ ،-‬ت َ‬ ‫أختا ُمه ‪-‬وقد رأينا ً‬
‫املعاين العميق َة لألفها ِم‪:‬‬ ‫يقر ُب‬ ‫إذ ُ‬ ‫بمثال‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫سننظر إىل حقيقتِها‬
‫َ‬ ‫املثال ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الزجاج‬ ‫وقط ِع‬ ‫وقطرات ِ‬
‫املاء‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفضاء‪،‬‬ ‫السيارات الس ِ‬
‫ابحة يف‬ ‫ِ‬ ‫كل من‬ ‫يشاهدُ عىل ٍّ‬ ‫إنه‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫وأثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اقة‪ُ ..‬طغرا ُء‬ ‫الثلج الرب ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وختم النعكاسها‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشمس‬ ‫لصورة‬ ‫َّ‬ ‫وبلورات‬ ‫الصغرية‪،‬‬
‫ِ‬
‫املحدودة‪ ،‬هي‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫األشياء ِ‬ ‫ِ‬
‫املرشقة عىل‬ ‫ِ‬
‫يسات‬ ‫أن َ‬
‫تلك ُ‬
‫الش َم‬ ‫خاص هبا‪ ،‬فإن مل تقبل َّ‬ ‫نوراين‬
‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬
‫كل قطرة‪ٍ،‬‬ ‫ِ‬
‫شمس باألصالة يف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُضطر أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقبل بوجود‬ ‫الشمس وتَج ِّليها‪ ،‬فست ُّ‬ ‫انعكاسات نور‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جاج معر ٍ‬ ‫ِ‬
‫يك يف‬ ‫كل ذرة شفافة تقابِ ُل الضو َء‪ ،‬مما ُ‬
‫يلزم تَر ِّد َ‬ ‫للضوء‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫ضة‬ ‫كل قطعة ُز ٍ ُ َّ‬ ‫ويف ِّ‬
‫ِ‬
‫اجلنون!‬ ‫ِ‬
‫البالهة ومنتهى‬ ‫منتهى‬
‫جتليات نوراني ٌة‪ ،‬من ُ‬
‫حيث «اإلحيا ُء»‬ ‫ِ‬
‫واألرض‬ ‫ِ‬
‫اموات‬ ‫الس‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُور َّ‬‫وهكذا‪ ،‬فلله سبحا َن ُه وهو ن ُ‬
‫حياة‪ ،‬بحيث‬‫ِ‬ ‫جلية و ُطغرا ُء واضح ٌة يض ُعها سبحانه عىل ِّ‬
‫كل ذي‬ ‫ٌ‬ ‫آية‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪ ،‬فهي ٌ‬ ‫ُ‬
‫وإفاضة‬
‫ٍ‬
‫حياة‬ ‫منح‬ ‫ٍ‬ ‫وأصبح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫اجتماع مجي ِع‬ ‫لو افت ُِر َض‬
‫تستطيع َ‬
‫َ‬ ‫خمتارا فلن‬
‫فاعل ً‬‫ً‬ ‫سبب‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫األسباب‬ ‫ُ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪343‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫كل‬‫ألن َّ‬
‫ذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫اإلحياء؛ َ‬ ‫انـي يف‬ ‫جزا مطل ًقا عن أن تُق ِّلدَ َ‬ ‫ٍ‬
‫تم الر َّب َّ‬
‫الخ َ‬ ‫تعج ُز َع ً‬
‫ملوجود؛ أي إهنا َ‬
‫ٍ‬
‫مركزية‬ ‫صورة ٍ‬
‫نقطة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‪ ،‬إذ هو عىل‬ ‫الق ِ‬
‫درة‬ ‫ِ‬
‫معجزات ُ‬ ‫حياة هو بحدِّ ذاتِ ِه معجز ٌة من‬
‫ذي ٍ‬
‫نوره سبحانه؛ فلو مل ُيسنَد‬ ‫بمثابة شعا ٍع من ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل منها‬ ‫األسامء احلسنى‪ ،‬التي ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتجليات‬ ‫كالب ِ‬
‫ؤرة‬ ‫ُ‬
‫وتجل‬ ‫ٍّ‬ ‫بالغة يف النِّظا ِم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وحكمة‬ ‫بديعة يف الص ِ‬
‫ورة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صنعة‬ ‫الحي من‬ ‫ِ‬
‫الكائن‬ ‫يشاهدُ عىل‬ ‫ما‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫غيـر‬ ‫مطلـقة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فاطرة‬ ‫ٍ‬
‫قدرة‬ ‫جل جال ُله‪ ،‬للز َم ُ‬
‫قبول‬ ‫مد َّ‬ ‫األحد الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األحدية‪ ،‬إىل‬ ‫لسـر‬ ‫باهر‬‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫قـادرة‬ ‫ٍ‬
‫مطلقة‬ ‫ٍ‬
‫إرادة‬ ‫حميط واس ٍع فيه‪ ،‬مع‬ ‫علم ٍ‬ ‫حياة‪ ،‬ووجو ُد ٍ‬ ‫كل ذي ٍ‬ ‫مـستـرتة يف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫متـناهية‬
‫اخلالق سبحانَه يف ذلك‬ ‫ختص‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫جيب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الصفات التي ُّ‬ ‫قبول وجود بقية ِّ‬ ‫عـىل إدارة الـكون‪ ،‬بل ُ‬
‫ذرة‬‫لكل ٍ‬ ‫األلوهية ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صفات‬ ‫احلي ذباب ًة أو زهرةً! أي إعطا ُء‬ ‫الكائن‪ ،‬حتى لو َ‬ ‫ِ‬
‫الكائن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫كان‬
‫ُوجب‬ ‫االفرتاضات التي ت‬ ‫ِ‬ ‫أمثال ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫حمالة من‬ ‫افتراضات ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بـول‬‫كائن! أي َق ُ‬ ‫أي ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫من ذرات ِّ‬
‫رافة! ذلك ألنه سبحانَه وتعاىل قد أعطى‬ ‫ومحاقات اخل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الضاللة‬ ‫ِ‬
‫بالهات‬ ‫قوط إىل أدنى‬ ‫الس َ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫كأن تلك الذر َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل يشء ‪-‬ال سيام إذا كانت من أمثال البذرة والنَّواة‪ -‬وض ًعا معينًا‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لذرات ِّ‬ ‫ِ‬
‫نظام ِه‪ ،‬بل‬ ‫فق ِ‬ ‫َّخذ موق ًفا معينًا َو َ‬ ‫‪-‬رغم أهنا جز ٌء من ُه‪ -‬وتت ُ‬ ‫َ‬ ‫احلي ك ِّل ِه‬ ‫الكائن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬‫تنظر إىل َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خاص ًة بام يفيدُ دوا َم َ‬ ‫ِ‬
‫وكأنا‬ ‫َّ‬ ‫َصب رايته يف كل مكان‪،‬‬ ‫وانتشاره ون َ‬ ‫َ‬ ‫ذلك النَّوعِ‪،‬‬ ‫تتَّخ ُذ هيئ ًة َّ‬
‫ألجل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫نيحات‬ ‫‪-‬فتزو ُد البِذر َة مثال بام يشب ُه ُج‬ ‫األرض ُعمو ًما‬ ‫ِ‬ ‫الكائن يف‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬ ‫تتطلع إىل نو ِع َ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ذلك‬ ‫حيتاجها َ‬ ‫ِ‬
‫األرض التي‬ ‫ِ‬
‫موجودات‬ ‫يتعلق بجمي ِع‬ ‫ُ‬ ‫وتتخذ موق ًفا‬ ‫ُ‬ ‫واالنتشار‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الطريان‬
‫ُ‬
‫لدن‬ ‫الذر ُة مأمور ًة من ْ‬ ‫تلك َّ‬ ‫ورزق ِه ومعامالتِ ِه؛ فإن مل تكن َ‬ ‫ِ‬ ‫إلدامة حياتِ ِه وتربيتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫احلي‬
‫الكائن ُّ‬ ‫ُ‬
‫ُبصـر‬ ‫صـر ت ُ‬ ‫املطلق‪ ،‬لز َم أن ُيعطى هلا َب ٌ‬ ‫ِ‬ ‫القدير‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬ ‫القدرة‪ ،‬و ُق ِطعت نسبتُها من َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مطلق‬ ‫ٍ‬
‫قدير‬
‫يشء!!‪.‬‬ ‫بكل ٍ‬ ‫حييط ِّ‬ ‫عور ُ‬ ‫األشياء‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وش ٌ‬ ‫به مجيع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ور ُ‬ ‫ُ‬
‫املختلفة‬ ‫األلوان‬ ‫وانعكاسات‬ ‫املرشقة‬ ‫ميسات‬ ‫الش‬ ‫حاصل الكالمِ‪ :‬كام أنه لو مل تُسنَد ُص ُ‬
‫شموس ال تُحىص ً‬‫ٍ‬ ‫عندئذ ُ‬‫ٍ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫القطرات ِ‬
‫ِ‬
‫بدل‬ ‫قبول‬ ‫مس‪ ،‬ينبغي‬ ‫ضوء َّ‬ ‫جاج إىل‬ ‫وقط ِع ُّ‬
‫الز ِ‬ ‫يف‬
‫كل ٍ‬
‫يشء إىل‬ ‫خلق ِّ‬
‫حمالة؛ كذلك لو مل ُيسند ُ‬ ‫بخرافة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫َّسليم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شمس واحدة؛ مما يقتيض الت َ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫األحد‬ ‫ِ‬
‫الواحد‬ ‫ِ‬
‫الكون بدال من اهلل‬ ‫ِ‬
‫ذرات‬ ‫ِ‬
‫بعدد‬ ‫ٍ‬
‫متناهية بل‬ ‫غري‬ ‫قبول ٍ‬
‫آهلة ِ‬ ‫ِ‬
‫املطلق‪ ،‬للز َم ُ‬ ‫ِ‬
‫القدير‬
‫ِ‬
‫اجلنون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هذيان‬ ‫ُ‬
‫السقوط إىل‬ ‫حمال‪ ،‬أي ينبغي‬ ‫بدرجة ِ‬
‫مئة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قبول ٍ‬
‫حمال‬ ‫سبحانه؛ أي ُ‬
‫ِ‬
‫وحدانية اهلل‬ ‫نور‬ ‫نافذة مفت ٍ‬
‫َّحة إىل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫شبابيك‬ ‫كل ٍ‬
‫ذرة ثالث َة‬ ‫َ‬
‫هناك يف ِّ‬ ‫نخلص من هذا‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وجوده سبحانَه وتعاىل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫جل جال ُله وإىل‬
‫َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪344‬‬

‫ِ‬
‫الدوائر‬ ‫ٍ‬
‫دائرة من‬ ‫كل‬‫كاجلندي‪ ،‬الذي له عالق ٌة مع ِّ‬ ‫ِّ‬
‫كل ٍ‬
‫ذرة‬ ‫إن َّ‬ ‫ ◆النافذة ُ الأولى‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫العالقة‬ ‫سب َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫هطه وسريتِ ِه و َف ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫العسكرية أي مع ر ِ‬
‫ِ‬
‫وجه ولوائه وفرقته وجيشه‪ ،‬وله َح َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نظامها؛ فالذر ُة اجلامد ُة‬‫نطاق ِ‬ ‫ضمن ِ‬ ‫خاص ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫حركة َّ‬ ‫الوظيفة‬ ‫حسب تلك‬ ‫َ‬ ‫هناك‪ ،‬وله‬ ‫وظيفة‬
‫ورأس َك‬ ‫ِ‬ ‫خاص ٌة‪ ،‬يف عينِ َك‬ ‫ٌ‬ ‫بؤبؤ عينِ َك هلا عالق ٌة معين ٌة‬
‫الصغري ُة جدً ا‪ ،‬التي هي يف ِ‬
‫ووظيفة َّ‬
‫ايني‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األوردة والشَّ‬ ‫رة‪ ،‬ويف‬‫افعة والمصو ِ‬ ‫دة واجلاذب ِة والدَّ ِ‬ ‫وجسمك‪ ،‬ويف القوى املو ِّل ِ‬ ‫َ‬
‫ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫عالقة حتى مع نو ِع‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫واألعصاب‪ ،‬بل هلا‬

‫أن الذر َة إنام‬ ‫ِ‬


‫البصائر عىل َّ‬ ‫يدل بداه ًة لذوي‬ ‫للذر ِة‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فوجو ُد هذه العالقات والوظائف َّ‬
‫حتت ترصفِ ِه سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫فة َ‬ ‫ِ‬
‫املطلق‪ ،‬وهي مأمور ٌة مو َّّظ ٌ‬ ‫ِ‬
‫القدير‬ ‫أثر من ُصن ِع‬
‫هي ٌ‬
‫زهرة أو ٍ‬
‫ثمرة كانت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تزور أ َّيـ َة‬
‫تستطيع أن َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اهلواء‬ ‫ِ‬
‫ذرات‬ ‫كل ٍ‬
‫ذرة من‬ ‫ ◆النافذة ُ الثانيةُ‪َّ :‬‬
‫إن َّ‬
‫ِ‬
‫املطلق‬ ‫ِ‬
‫القدير‬ ‫سخر ًة من ِ‬
‫لدن‬ ‫تكن الذر ُة مأمور ًة ُم َّ‬ ‫والعمل فيها‪ ،‬فلو مل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدخول‬ ‫وتتمكن من‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واألزهار‬ ‫ِ‬
‫األثامر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التائهة عالم ًة بجمي ِع أجهزة‬ ‫ُ‬ ‫تلك الذر ُة‬ ‫َ‬
‫تكون َ‬ ‫ٍ‬
‫بكل يشء‪ ،‬للز َم أن‬ ‫ِ‬
‫البصري ِّ‬
‫ِ‬
‫وتفصيل ما ُقدَّ عليها من‬ ‫ِ‬
‫بنسج‬ ‫نائها‪ ،‬و ُمدرك ًة صنعتَها الدقيق َة املتباين َة‪ ،‬و ُمحيط ًة‬ ‫وبكيفيات بِ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫نسيجها إتقانًا تا ًّما!!‬ ‫وأشكال‪ ،‬و ُم ِتقن ًة صناع َة‬
‫ٍ‬ ‫ُص َو ٍر‬
‫وق ِ‬
‫س‬ ‫مس وضوحا‪ِ ..‬‬ ‫كالش ِ‬ ‫ِ‬
‫وحيد َّ‬ ‫شعاعات ِ‬
‫نور ال َّت‬ ‫ِ‬ ‫شعاعا من‬‫ً‬ ‫وهكذا تُشع ِ‬
‫هذه الذر ُة‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫األربعة؛‬ ‫هذه املوا ِّد‬ ‫ِ‬
‫األشياء من ِ‬ ‫َ‬
‫منشأ‬ ‫اب حيث َّ‬
‫إن‬ ‫الت ِ‬
‫اهلواء‪ ،‬واملا َء عىل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الضو َء عىل‬
‫واهليدروجني)‬ ‫(األوكسجني‬ ‫ِ‬
‫احلموضة‬ ‫ِ‬
‫املاء و ُمو ِّلدُ‬ ‫ِ‬
‫احلارضة‪ُ :‬مو ِّلدُ‬ ‫وهي يف العلو ِم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫املذكورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العنارص‬ ‫والكربون وهي أجزا ُء تلك‬ ‫ُ‬ ‫واآلزوت‬
‫ُ‬

‫نش ًأ‬ ‫ٍ‬


‫دقيقة َم َ‬ ‫ٍ‬
‫ذرات‬ ‫الرتاب المرك ِ‬
‫َّب من‬ ‫ِ‬ ‫تكون كتل ٌة من‬
‫َ‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬ ‫ ◆النافذة ُ الثالثةُ‪:‬‬
‫ِ‬
‫األرض كا َّف ًة‪ ،‬فيام لو‬ ‫واملثمرة املوجو َد ِة يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املزهرة‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫ومصدرا لنمو أي ٍ‬
‫نبات من‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ً‬
‫واملركبة من الكربونِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املتشاهبة ‪-‬كالنُّ َطف‪-‬‬
‫ُ‬ ‫البذيرات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الدقيقة‪ ،‬تلك‬ ‫ُوض َعت فيها ُبذيراتُها‬
‫رغم َّأنا خمتلف ٌة نوعي ًة‪ ،‬حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واهليدروجني‪ ،‬فهي متامثل ٌة ماهي ًة‪َ ،‬‬ ‫واألوكسجني‬ ‫واآلزوت‬
‫ِ‬ ‫ودع فيها بقلم ال َقدَ ر‪ ،‬برنامج ِ‬ ‫ِ‬
‫بالتعاقب‬ ‫بحت‪ ..‬فإذا ما وضعنا‬ ‫ٌ‬ ‫معنوي‬
‫ٌّ‬ ‫أصلها الذي هو‬ ‫ُ‬ ‫ُأ َ‬
‫ربز أجهزتَها اخلارق َة وأشكا َلها‬ ‫ريب بشكل ُي ُ‬ ‫كل ٍ‬
‫بذرة بال ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سندانة‪ ،‬فستنمو ُّ‬ ‫البذور يف‬ ‫تلك‬
‫َ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪345‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫اب مأمور ًة وموظف ًة و ُمتأهب ًة‬ ‫الت ِ‬ ‫ذرات ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ذرة من‬ ‫كل ٍ‬ ‫اخلاص َة وتراكيبها املعين َة؛ فلو مل تكن ُّ‬ ‫َّ‬
‫يليق‬ ‫كل يشء وجو ًدا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وقدير عىل إعطاء ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل يشء وأحوالِه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عليم بأوضا ِع ِّ‬ ‫إمرة ٍ‬ ‫حتت ِ‬ ‫ِ‬
‫للعمل َ‬
‫كل ٍ‬
‫ذرة‬ ‫تكون يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫سخ ًرا أما َم قدرتِ ِه سبحانَه‪ ،‬للز َم أن‬ ‫يشء ُم َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ديم ُه‪ ،‬أي لو مل يكن ُّ‬ ‫ِ‬
‫به و ُي ُ‬
‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت ِ‬ ‫ِ‬
‫لتلك‬ ‫منشأ َ‬ ‫ومطابع معنوي ٌة‪ ،‬بعدد النباتات‪ ،‬كي ت َ‬
‫ُصبح‬ ‫ُ‬ ‫ومكائن‬
‫ُ‬ ‫مصانع‬
‫ُ‬ ‫اب‪،‬‬ ‫ذرات ُّ‬ ‫من‬
‫حييط بجمي ِع‬ ‫ُ‬ ‫جيب إسنا ُد ٍ‬
‫علم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النباتات ِ‬ ‫ِ‬
‫واألشكال املختلفة!‪ ..‬أو ُ‬ ‫املتباينة‬ ‫األجهزة‬ ‫ذات‬
‫واألشكال فيها‪ ،‬كي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األجهزة‬ ‫بعمل مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫تقدر عىل القيا ِم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املوجودات إىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫كل ذرة‪ ،‬وقدرة ُ‬
‫جلميعها!!‬ ‫ِ‬ ‫مصدرا‬ ‫َ‬
‫تكون‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بعدد‬ ‫وجود ٍ‬
‫آهلة‬ ‫ِ‬ ‫االنتساب إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ينبغي ُ‬
‫قبول‬ ‫انقطع‬ ‫أي إنه إذا ما‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ستساغا‬ ‫ً‬ ‫يكون ُم‬ ‫ُ‬ ‫األمر‬ ‫ـال؛ بينام‬ ‫وم ٍ‬ ‫ال ُ‬ ‫ألـف ُم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫خرافة مستحيل ٌة يف‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫وهذه‬ ‫ِ‬
‫الرتاب!!‬ ‫ذرات‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫سلطان‬ ‫أن جند ًيا عاد ًّيا لدى‬ ‫ذرة مأمورةً‪ ،‬إذ كام َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ُصبح ُّ‬ ‫ً‬
‫ومقبول عندما ت ُ‬ ‫وسهل‬ ‫ً‬ ‫عقل‬
‫ً‬
‫أهلها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بتهجري مدينة عامرة من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستطيع ‪-‬باسم السلطان واستنا ًدا إىل قوته‪ -‬أن يقو َم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‬
‫ُ‬
‫تطرح‬‫َ‬ ‫تستطيع بعوض ٌة صغري ٌة أن‬
‫ُ‬ ‫عظيم‪ ،‬كذلك‬‫يأرس قائدً ا ً‬
‫بحرين واس َعني‪ ،‬أو َ‬ ‫أو َ‬
‫يصل بني َ‬
‫وتستطيع بذر ُة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فرعون‪،‬‬ ‫نملة بسيط ٌة أن تد ِّم َر َص َح‬
‫وتستطيع ٌ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫عظيم عىل‬
‫ً‬ ‫نمرو ًدا‬
‫ِ‬ ‫بأمر س ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتمل شجر َة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫األزل‬ ‫لطان‬ ‫ذلك ِ ُ‬‫كل َ‬ ‫الضخمة عىل ِ‬
‫ظهرها؛ ُّ‬ ‫التني‬ ‫صغرية جدً ا أن َ‬ ‫تني‬
‫ِ‬
‫االنتساب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وبفضل ذلك‬ ‫ِ‬
‫واألبد‬
‫ِ‬
‫شاهدان‬ ‫أيضا‬
‫ذرة‪ ،‬ففيها ً‬ ‫كل ٍ‬ ‫نور الت ِ‬
‫َّوحيد يف ِّ‬ ‫الثالث املفتَّح َة عىل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النوافذ‬ ‫وكام رأينا ِ‬
‫هذه‬
‫الصان ِع سبحانه وتعاىل وعىل وحدانيتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صادقان آخران عىل وجود َّ‬
‫وظائف عظيم ًة جدًّ ا ومتنوع ًة جدًّ ا‪ ،‬مع َع ِ‬
‫جزها‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫كاهلها‬ ‫ِ‬
‫الذرة عىل‬ ‫أوهلام‪ :‬هو ُ‬
‫حمل‬
‫ِ‬
‫املطلق‪.‬‬
‫وتناس ُقها مع النظا ِم العا ِّم‪ ،‬حتى تبدو وكأن‬ ‫ِ‬
‫حركاتا بانتظا ٍم تا ٍم‬ ‫توافق‬
‫ُ‬ ‫واآلخر‪ :‬هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫القدير‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫جزها عىل‬ ‫ِ‬
‫بلسان َع ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫ذرة تشهدُ‬ ‫إن َّ‬ ‫شعورا عا ًما ُك ِّل ًيا مع أهنا مجا ٌد‪ ،‬أي َّ‬ ‫فيها‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫اخلالق سبحانه‬ ‫ِ‬
‫وحدانية‬ ‫ِ‬
‫الكون العا ِّم عىل‬ ‫ِ‬
‫بإظهارها االنسجا َم التَّا َّم مع نظا ِم‬ ‫ِ‬
‫املطلق‪ ،‬وتشهدُ‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪346‬‬
‫حي ل ُه‬ ‫كذلك يف ِّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ين عىل َّ‬‫ذرة شاهدَ ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن يف ِّ‬
‫وكام َّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫الوجود وواحدٌ ‪،‬‬ ‫واجب‬
‫ُ‬ ‫أن اهلل‬
‫آيتان عىل أن ُه أحدٌ صمدٌ ‪.‬‬
‫آية الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫هناك ِ‬ ‫حي َ‬ ‫نعم‪ ،‬ففي ِّ‬
‫مدية‪.‬‬ ‫آية األحدية‪ ..‬واألخرى‪َّ ُ :‬‬ ‫آيتان‪ :‬إحدامها‪ُ :‬‬ ‫كل ٍّ‬
‫ظهر َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل حي يظهر تجلي ِ‬ ‫ألن َّ‬
‫َّ‬
‫أغلب الكائنات‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫المشاهد َة يف‬
‫َ‬ ‫األسامء احلسنى‪،‬‬ ‫ات‬ ‫َّ‬ ‫ٍّ ُ ُ‬
‫احلي‬ ‫ِ‬ ‫ؤرة‪ -‬تُب ِّي ُن جتيل ِ‬ ‫دفع ًة واحد ًة يف مرآتِ ِه‪ ،‬وكأنَّه نقط ٌة مركزي ٌة ‪-‬كالب ِ‬
‫األعظم‪ِّ ،‬‬ ‫اسم اهلل‬ ‫ُ‬
‫اسم املحيي‪.‬‬ ‫ستار ِ‬ ‫حتت ِ‬ ‫الذات َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحدية‬ ‫ظل‬ ‫بإظهار ِه ً‬
‫نوعا من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األحدية‬ ‫القيو ِم؛ أي إنَّه ُ‬
‫حيمل آي َة‬
‫ِ‬
‫اخلليقة‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬
‫لشجرة‬ ‫للكائنات‪ ،‬وبمثاب ِة ٍ‬
‫ثمرة‬ ‫ِ‬ ‫مثال ُمص َّغ ٍر‬‫بمثابة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الحي‬ ‫الكائن‬ ‫وملا كان‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫بسهولة كام َل ٍة‪ ،‬وبِ ٍ‬
‫دفعة‬ ‫ٍ‬ ‫غرية جدً ا‪،‬‬‫دائرة حياتِ ِه الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات إىل‬ ‫إحضار حاجاتِ ِه املرتام َي ِة يف‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الحي ر ًّبا‬
‫ِّ‬ ‫الكائن‬ ‫الوضع ُيب ِّي ُن أن هلذا‬
‫َ‬ ‫الصمدية و ُيب ِّينُها‪ ،‬أي إن هذا‬ ‫ربز للعيان آي َة َّ‬ ‫واحدة‪ُ ،‬ي ُ‬
‫تكفيه عن مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫يشء‪ ،‬ونَظر ًة منه إليه‬ ‫كل ٍ‬ ‫إليه ُيغنيه عن ِّ‬ ‫بحيث إن توجها منه ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرب‪-‬‬ ‫ِ‬
‫ُّ ً ُ‬ ‫عم ُّ‬ ‫‪-‬ن َ‬
‫واحد من ُه سبحانه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫توجه‬ ‫حل‬ ‫ِ‬
‫األشياء َم َّ‬ ‫جميع‬ ‫ِ‬
‫األشياء‪ ،‬ولن َي ُح َّل‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫ليشء‬ ‫يشء ولو‬ ‫كل ٍ‬ ‫يشء‪ ،‬وال يكفي عنه ُّ‬ ‫يشء يشء عن كل ٍ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫نعم يكفي ِّ‬
‫ٌ‬
‫فإن‬ ‫كان َّ‬ ‫يشء أ ًّيا َ‬ ‫‪-‬جل شأ ُنه‪ -‬كام أ َّنه ليس حمتاجا إىل ٍ‬ ‫ذاك َّ‬ ‫أن ر َّب ُه َ‬ ‫الوضع َّ‬ ‫وكذا ُيب ِّي ُن ذلك‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُظهر‬ ‫ٍ‬ ‫فإليك ً‬ ‫َ‬ ‫ب عىل قدرتِ ِه يش ٌء‪..‬‬
‫مثال من آية ت ُ‬ ‫أيضا‪ ،‬وال يص ُع ُ‬ ‫ينقص منها يش ٌء ً‬ ‫ُ‬ ‫خزائنَ ُه ال‬
‫احلياة‪ ﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔ* ﭖﭗ﴾ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫كل ذي ٍ‬
‫حياة ُيرت ُِّل‬ ‫إن َّ‬
‫الصمدية؛ أي‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ َّل‬
‫ُرصت هنا فيام ُف ِّصلت‬ ‫نوافذ مهم ًة ُأخرى عدا ما ذكرنا ُه قد أخت َ‬ ‫َ‬ ‫هناك ِعدَّ َة‬
‫َ‬ ‫هذا َّ‬
‫وإن‬
‫نوافذ‪ ،‬وك َُّو ِ‬
‫تني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ثالث‬ ‫َفتح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أماكن أخرى؛ فام دامت ُّ‬
‫كل ذرة من ذرات هذا الكون ت ُ‬ ‫َ‬ ‫يف‬
‫تستطيع َ‬
‫اآلن‬ ‫ِ‬
‫وحدانية اهلل سبحانه‪ ،‬فال ُبدَّ أنك‬ ‫تفتح ِ‬
‫بابني دفع ًة واحد ًة إىل‬
‫ُ‬ ‫نفسها ُ‬ ‫واحليا ُة ُ‬
‫ِ‬
‫معرفة اهلل‬ ‫ِ‬
‫أنوار‬ ‫مس‪ ،‬من‬ ‫الش ِ‬ ‫الذ ِ‬
‫رات إىل َّ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‪ ،‬من َّ‬ ‫طبقات‬
‫ُ‬ ‫قياس مدى ما تنرش ُه‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومراتب‬ ‫معرفة اهلل سبحانه‬ ‫املعنوي يف‬
‫ِّ‬ ‫قي‬ ‫ذي اجلالل‪ ..‬فافهم من هذا سع َة درجات ُّ‬
‫الر ِّ‬
‫كينة القلبي ِة‪ِ ،‬‬
‫وق ْس عليها‪.‬‬ ‫االطمئنان والس ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪347‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ال َّلمع ُة اخلامس ُة‬
‫أقالم عديد ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫قلم واحدٌ إن كان خمطو ًطا؛ وتلزم‬ ‫كتاب ما‪ٌ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلخراج‬ ‫من املعلو ِم أنَّه يكفي‬
‫الكتاب يف‬ ‫ِ‬ ‫معظم ما يف‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫بعدد حروفِ ِه إن كان‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫معدنية عديدةٌ‪ ،‬ولو كُت َ‬ ‫حروف‬ ‫ٌ‬ ‫مطبوعا‪ ،‬أي‬ ‫ً‬
‫عندئذ أن‬ ‫ٍ‬ ‫فيلزم‬ ‫لفظ يس‪-‬‬ ‫سورة يس مص َّغر ًة يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬ككتابة‬ ‫دقيق جدً ا‬ ‫بخط ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫بعض حروفِ ِه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الواحد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلرف‬ ‫ذلك‬ ‫املعدنية ُمص َّغر ًة جدً ا لطب ِع َ‬ ‫ِ‬ ‫احلروف‬‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫َ‬
‫تكون‬
‫ُ‬
‫قلت‬ ‫الكون هذا‪ ،‬إذا َ‬ ‫ِ‬ ‫كتاب‬ ‫َ‬ ‫املستنس ِخ أو املطبوعِ؛‬ ‫ِ‬ ‫فكام َّ‬
‫كذلك ُ‬ ‫َ‬ ‫الكتاب‬ ‫األمر هكذا يف‬ ‫أن َ‬
‫ِ‬
‫بدرجة‬ ‫سلكت إذن طري ًقا سهل ًة‬ ‫َ‬ ‫األحد‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواحد‬ ‫ومكتوب‬ ‫مد‪،‬‬ ‫قدرة الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫كتابة ِ‬
‫قلم‬ ‫إنَّه ُ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫األسباب‪ ،‬فقد‬ ‫ِ‬ ‫الطبيعة وإىل‬ ‫ِ‬ ‫ورة؛ ولكن إذا ما أسندتَه إىل‬ ‫ِ‬ ‫بدرجة الضَّ‬ ‫ِ‬ ‫الوجوب‪ ،‬و َمعقول ًة‬ ‫ِ‬
‫وذات‬ ‫َ‬ ‫املحال‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بدرجة‬ ‫ٍ‬
‫عويصة‬ ‫ٍ‬
‫إشكاالت‬ ‫وذات‬ ‫َ‬ ‫بدرجة االمتناعِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سلكت طري ًقا صعب ًة‬ ‫َ‬
‫قطرة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُراب‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫زء ت ٍ‬ ‫كل ج ِ‬ ‫ٍ‬
‫ماء‪،‬‬ ‫كل‬ ‫الطبيعة يف ِّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُنشئ‬ ‫يلزم أن ت َ‬ ‫هم؛ إذ ُ‬ ‫أي َو ٍ‬ ‫ُخرافات ال يقب ُلها ُّ‬
‫معنوية‪ ،‬كي‬ ‫ٍ‬ ‫مصانع‬ ‫معدنية‪ ،‬وما ال ُيدُّ من‬ ‫ٍ‬ ‫مطابع‬ ‫املاليني من‬ ‫ِ‬ ‫ماليين‬ ‫ٍ‬
‫هواء‬ ‫كل ِ‬
‫كتلة‬ ‫ويف ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واملثمرة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املزهرة‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫وينشئ ما ال ُيعدُّ وال ُيحىص من‬ ‫ِ‬
‫األجزاء‬ ‫جزء من تلك‬ ‫كل ٍ‬ ‫ظهر ُّ‬
‫َ‬ ‫ُي َ‬
‫كل منها‪،‬‬ ‫يشء يف ٍّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫مقتدرة عىل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وقوة‬ ‫شيء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بكل‬ ‫حميط ِّ‬ ‫علم ِ‬ ‫وجود ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قبول‬ ‫ُضطر إىل‬ ‫أو ت ُّ‬
‫ِ‬
‫واهلواء‬ ‫ِ‬
‫واملاء‬ ‫ِ‬
‫الرتاب‬ ‫ِ‬
‫أجزاء‬ ‫جزء من‬ ‫كل ٍ‬ ‫ألن َّ‬ ‫املصنوعات؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫مصدرا حقيق ًيا هلذه‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫كي‬
‫ً‬
‫وموزون‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫منتظم‪،‬‬ ‫كل ٍ‬
‫نبات‬ ‫تركيب ِّ‬ ‫أن‬ ‫واحلال َّ‬ ‫ُ‬ ‫النباتات؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألغلب‬ ‫ً‬
‫منشأ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫يمكن أن‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مطبعة‬ ‫ٍ‬ ‫خاص به وحدَ ُه وإىل‬ ‫معنوي‬ ‫ٍ‬
‫معمل‬ ‫بحاجة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫فكل منه إذن‬ ‫نوعا‪ٌّ ،‬‬ ‫وخمتلف ً‬ ‫ٌ‬ ‫ومتاميز‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫مصدر‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قياس للموجودات إىل‬ ‫ٍ‬ ‫خرجت عن كونا وحد َة‬ ‫ِ‬ ‫فالطبيعة إذن إذا‬ ‫ُ‬ ‫َخص ُه هو فقط‪،‬‬
‫َ‬ ‫ت ُّ‬
‫يشء!!‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫األشياء يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مكائن مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫إحضار‬ ‫لوجودها‪ ،‬فام عليها إلَّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫اخلرافيون‬ ‫اخلرافة‪ -‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬بئست‬ ‫ِ‬ ‫هذه ُخ ٌ‬
‫رافة‬ ‫الطبيعة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عبادة‬ ‫ِ‬
‫فكرة‬ ‫أساس‬ ‫وهكذا فإن‬
‫َ‬
‫متسكوا‬ ‫الذين َيعدُّ َ‬ ‫الض ِ‬ ‫خيجلون منها؛ فتأمل يف ِ‬ ‫َ‬
‫كيف َّ‬ ‫أنفسهم ُعقال َء َ‬ ‫ون َ‬ ‫َ‬ ‫اللة‬ ‫أهل َّ‬ ‫أنفسهم‬ ‫ُ‬
‫بالمرة‪ ..‬ثم اعترب!!‪.‬‬ ‫بفكرة ِ‬ ‫ٍ‬
‫غري معقولة َّ‬
‫وجود ِه‬ ‫ِ‬ ‫ويدل عىل‬ ‫حرف‪ُّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫نفسه‬ ‫ظهر َ‬ ‫كان‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫كتاب َ‬ ‫أي ٍ‬ ‫كل حرف يف ِّ‬
‫ٍ‬ ‫إن َّ‬ ‫اخلالص ُة‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ويدل ِ‬ ‫كلامت‪ُّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مثل‪:‬‬ ‫فيقول ً‬ ‫عديدة‪،‬‬ ‫بجوانب‬
‫َ‬ ‫عليه‬ ‫بعرش‬ ‫ف كات َبه‬ ‫عر ُ‬ ‫بصورة معينة‪ ،‬إلَّ أنه ُي ِّ‬
‫أمحر‪ ،‬وإنَّه كذا وكذا‪..‬‬ ‫قلمه ُ‬ ‫وإن َ‬ ‫مجيل‪َّ ،‬‬ ‫إن كاتبي خ ُّطه ٌ‬ ‫َّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪348‬‬
‫رمه (ما َّدتِه)‬
‫يدل عىل ذاتِ ِه ب َقدْ ِر ِج ِ‬ ‫ِ‬
‫الكبري هذا‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫كتاب العاملِ‬ ‫حرف من‬ ‫ٍ‬ ‫ومثل ذلك ُّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫قصيدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫المصو ِر سبحانه‬ ‫ِ‬
‫البارئ‬ ‫ف أسام َء‬ ‫عر ُ‬ ‫بمقدار ُصورتِ ِه‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫و ُي ِ‬
‫ِّ‬ ‫إل أنه ُي ِّ‬ ‫نفسه‬
‫ظهر َ‬
‫سماها‪ ،‬لذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظهر َ‬
‫ويشري إليها بعدد كيفياته وأوضاعه شاهدً ا عىل ُم َّ‬ ‫ُ‬ ‫تلك األسام َء احلسنى‬ ‫و ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ينبغي أن ِيز َّل إىل‬
‫نكر‬
‫األمحق الذي ُي ُ‬‫ُ‬ ‫السو َف ْس َط ُّ‬
‫ائي‬ ‫ذلك ُّ‬ ‫اجلالل حتى َ‬ ‫اخلالق ذي‬ ‫إنكار‬
‫َ‬
‫الكون‪.‬‬ ‫وينكر‬
‫ُ‬ ‫نفسه‬
‫َ‬

‫ال َّلمع ُة َّ‬


‫السادس ُة‬
‫كل «ج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زء»‬ ‫كل «فرد» من خملوقاته وعىل جبهة ِّ ُ‬ ‫جبني ِّ‬ ‫وضع عىل‬
‫َ‬ ‫اجلالل كام‬ ‫اخلالق ذا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ابقة‪ ،-‬فإنه سبحانه قد‬ ‫اللمعات الس ِ‬
‫ِ‬ ‫قسم منها يف‬ ‫من مصنوعاتِ ِه‪ ،‬آي َة أحديتِه ‪-‬وقد‬
‫َّ‬ ‫رأيت ً‬ ‫َ‬
‫«كل» عديدً ا من‬ ‫كل ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل سـاط ٍع المعٍ‪ ،‬وعىل ِّ‬ ‫ِ‬
‫األحدية‬ ‫كل «نوعٍ» كثريا من ِ‬
‫آية‬ ‫وضع عىل ِّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وضع عىل جممو ِع العا َل ِم‬ ‫ِ‬
‫أنواعا من ُطغراء الوحدة؛ وإذا تأ َّملنا ً‬
‫ختم‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫أختا ِم الواحدية‪ ،‬بل‬
‫ِ‬
‫األرض يف‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫املوضوعة عىل صحي َف ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العديدة‬ ‫ِ‬
‫والعالمات‬ ‫واحدً ا‪ ،‬من تلك األختا ِم‬
‫ِ‬
‫موسم الربي ِع َتبيَّ َ لنا ما يأيت‪:‬‬
‫ألف نو ٍع من‬ ‫مئة ِ‬‫ثالث ِ‬‫ِ‬ ‫أكثر من‬ ‫َّ‬
‫ونرش َ‬ ‫َ‬ ‫حرش‬
‫َ‬ ‫المصو َر سبحانه وتعاىل قد‬ ‫ِّ‬ ‫البارئ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ني‪،‬‬ ‫َشخيص بال َغ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بتمييز وت‬ ‫يف‬‫فصل الربي ِع والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرض يف‬ ‫ِ‬ ‫واحليوانات عىل ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬
‫َّ‬
‫فأظهر لنا آي ًة واسع ًة ساطع ًة‬ ‫كامل؛‬ ‫اختالط األنوا ِع اختال ًطا‬ ‫ِ‬ ‫غم‬ ‫وتفريق كام َل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وبانتظا ٍم‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ني َر َ‬
‫ِ‬
‫احلرش‬ ‫ِ‬
‫نامذج‬ ‫ٍ‬
‫نموذج من‬ ‫ألف‬‫مئة ِ‬ ‫ثالث ِ‬
‫ِ‬ ‫إن إيجا َد‬ ‫وضوح الربيعِ؛ أي َّ‬ ‫للتوحيد‪ ،‬واضح ًة‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لثالث‬ ‫ِ‬
‫املتداخلة‬ ‫ِ‬
‫األفراد‬ ‫موسم الربيعِ‪ ،‬وكتاب َة‬ ‫ِ‬ ‫امليتة يف‬ ‫األرض ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إحياء‬ ‫كامل عند‬ ‫ٍ‬ ‫بانتظا ٍم‬
‫َقص‪ ،‬ويف ُمنتهى‬ ‫سهو وال ن ٍ‬ ‫دون خطأٍ وال ٍ‬ ‫األرض كتاب ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫خمتلف عىل صحي َف ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ألف نو ٍع‬ ‫مئة ِ‬ ‫ِ‬
‫كل ٍ‬ ‫قدير عىل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الت ِ‬
‫يشء‬ ‫بمن هو ٌ‬ ‫خاص ٌة َ‬ ‫الشك أنَّه آي ٌة َّ‬ ‫َّ‬ ‫االكتامل‪،‬‬ ‫َّوازن واالنتظا ِم‪ ،‬ويف منتهى‬
‫اآلية واضح ٌة‬ ‫العليم؛ هذه ُ‬ ‫احلكيم‬ ‫يشء‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫وبيده مقاليدُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫كل‬‫لكوت ِّ‬ ‫بيده َم‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫شعور‪.‬‬ ‫كل من ل ُه ذر ٌة من‬ ‫بحيث يدركُها ُّ‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكريم هذه اآلي َة الساطع َة يف ِ‬
‫قوله تعاىل‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد َب َّي َن‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم‪)50:‬‬
‫ِ‬
‫إحياء‬ ‫ِ‬
‫احلرش يف‬ ‫مئة ِ‬
‫ألف نو ٍع من ِ‬
‫نامذج‬ ‫ثالث ِ‬
‫َ‬ ‫أظهر ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫احلكيم التي َ‬ ‫الفاطر‬ ‫إن قدر َة‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪349‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ويسريا‪ ،‬إذ هل‬ ‫سهل‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة هلا‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫حشر‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫بضعة أيا ٍم‪ ،‬البدَّ أن‬ ‫ِ‬
‫األرض خالل‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يستطيع أن‬ ‫ٍ‬
‫بإشارة من ُه‪ ،‬هل‬ ‫عظيم‬ ‫بل‬ ‫بحيث ُي ُ‬
‫زيل َج ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خوارق‬ ‫يصح أن ُيقال ‪-‬مثال‪ -‬ملن له‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫ومث َله كذلك‪ ،‬ال ُ‬
‫جيرؤ‬ ‫هذه الصخر َة العظيم َة التـي سدَّ ْت طري َقنا من هذا الوادي؟ ِ‬ ‫يزيل ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫خلق‬
‫حيم الذي َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذو ٍ‬
‫عقل أن َ‬
‫والكريم َّ‬ ‫احلكيم‬ ‫للقدير‬ ‫االستبعاد‬ ‫بصيغة‬ ‫يقول‬
‫يستطيع أن َ‬
‫يزيل طبق َة‬ ‫حني‪ :‬كيف‬ ‫فر ُغهام حينًا بعد ٍ‬ ‫ملؤمها و ُي ِ‬ ‫واألرض يف ِ‬
‫ستة أيا ٍم‪ ،‬والذي َي ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األزل ؟‬ ‫املفروش امل ُ ِ‬
‫هيئ من‬ ‫ِ‬ ‫هذه التي علينا والتي سدَّ ت طري َقنا إىل ُمستضافِ ِه‬ ‫الرتاب ِ‬‫ِ‬

‫يف!‬ ‫فصل الربي ِع والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫األرض يف‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫َظهر عىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فهذا ُ ٍ‬
‫َّ‬ ‫مثال آية واحدة للتَّوحيد‪ ،‬ت ُ‬
‫سطح‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلائل عىل‬ ‫الربي ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ختم الواحد َّي ِة‬
‫األمور يف َّ‬ ‫ترصيف‬ ‫بجالء عىل‬ ‫ظهر ُ‬ ‫كيف َي ُ‬ ‫فتأمل إذن َ‬
‫المشاهدةَ‪ ،‬هي يف انتظا ٍم‬ ‫ِ‬
‫اإلجراءات‬ ‫ألن هذه‬ ‫رص؛ ذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫احلكمة وال َب ِ‬ ‫األرض وهو يف منتهى‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫عة‬‫مطلقة‪ ،‬ومع هذه الس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بديعة‪ ،‬مع أنا جتري يف س ٍ‬
‫عة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كاملة‬ ‫وخلقة تام ٍة‪ ،‬وص ٍ‬
‫نعة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مطلق‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يوض ُح هذا أنه‬ ‫مطلق؛ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فهي تَتِ ُّم يف‬
‫أل ِّ‬ ‫سخاء‬ ‫الرسعة فهي تر ُد يف‬ ‫مطلقة‪ ،‬ومع هذه‬ ‫رسعة‬
‫ٍ‬
‫حمدودة‪.‬‬ ‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ِ‬ ‫يمتل َك ُه إلَّ َمن‬ ‫بحيث ال يمكن أن ِ‬ ‫ُ‬
‫غري متناه وقدر ًة َ‬ ‫يملك ع ًلم َ‬ ‫ُ‬ ‫جلي‬
‫ختم ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫عة‬‫هناك َخل ًقا وتَرص ًفا وفعالي ًة جتري يف س ٍ‬ ‫َ‬ ‫األرض كاف ًة‪َّ ،‬‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫نعم‪ ،‬إننا نشاهدُ عىل‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫مطلق يف‬ ‫شاهدُ سخا ٌء‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫والسعة ُي َ‬ ‫ُنجز يف رسعة مطلقة‪ ،‬ومع الرسعة َّ‬ ‫السعة ت َ‬ ‫مطلقة‪ ،‬ومع َّ‬
‫طلق‬‫األمر مع انتظا ٍم ُم ٍ‬ ‫مطلقة يف ِ‬ ‫ٌ‬ ‫تتضح سهول ٌة‬ ‫ِ‬
‫عة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والسعة والسُّ‬ ‫تكثري األفراد‪ ،‬ومع السخاء َّ‬
‫كذلك‬‫َ‬ ‫شاهدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫االختالط َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وإبـدا ٍع يف الص ِ‬
‫الكامل‪ ،‬و ُي َ‬ ‫واالمتزاج‬ ‫ديد‬ ‫رغم‬
‫وامتياز تا ٍّم‪َ ،‬‬ ‫نعة‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رغم الوفرة ِ‬
‫كامل يف‬ ‫غري املحدودة‪ ،‬مع انسجا ٍم‬ ‫ومصنوعات نفيس ٌة جدًّ ا َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ثمينة جدًّ ا‪،‬‬ ‫آثار‬
‫ٌ‬
‫رس؛ فإجيا ُد‬ ‫هولة وال ُي ِ‬ ‫وروعتِها وهي يف منتهى الس ِ‬ ‫َ‬ ‫وبدائ ِعها‬
‫ِ‬ ‫طاق واس ٍع جدًّ ا‪ ،‬ود َّق ِة الص ِ‬
‫نعة‬ ‫نِ ٍ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫نعة اخلار َق ِة‬ ‫إظهار الص ِ‬
‫ِ َّ‬ ‫فرد‪ ،‬مع‬ ‫كل ٍ‬ ‫نفس ِه‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫وبالطراز ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪،‬‬ ‫كل‬ ‫واحد‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل هذا يف ٍ‬
‫آن‬ ‫ِّ‬
‫مكان‪ ،‬مثلام‬ ‫ٌ‬ ‫خص َمن ال َيحدُّ ُه‬ ‫ٌ‬ ‫الشك مطل ًقا أنه‬ ‫َّ‬ ‫المعج ِ‬
‫ِ‬ ‫وال َف َّعال َّي ِة‬
‫وختم َي ُّ‬
‫ٌ‬ ‫ساطع‬
‫ٌ‬ ‫برهان‬ ‫زة‪،‬‬
‫عجز ُه‬‫عليه يش ٌء مثلام أنَّه ال ُي ُ‬ ‫مكان‪ ،‬حارض وناظر رقيب حسيب‪ ،‬ومن ال خيفى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫أنَّه يف ِّ‬
‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫الذرات والنجو ِم سوا ٌء أما َم قدرتِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فخلق‬
‫ُ‬ ‫يش ٌء‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ذات يو ٍم عناقيدَ ٍ‬
‫لعنب ُمتس ِّل ٍق ‪-‬بغلظ إصبعني‪ -‬تلك َّ‬
‫الس ُ‬
‫اق‬ ‫ٍ‬ ‫نحيفة‬ ‫ساق‬ ‫أحصيت َ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫بستان كَر ِ‬
‫مه؛ فكانت‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬
‫حيم ذي اجلامل يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫التي هي بح ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫كم ح َّبة واحدة من عناقيد معجزات َّ‬ ‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪350‬‬
‫رشين ح َّب ًة؛‬ ‫واحد منها فكانت مئ ًة ِ‬
‫وع‬ ‫ٍ‬ ‫ات ُع ٍ‬
‫نقود‬ ‫وأحصيت حب ِ‬ ‫ومخسني ُعنقو ًدا‪،‬‬ ‫مئ ًة ومخس ًة‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫عس ٍل‪ ،‬وكانت تعطي ما ًء‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫باستمرار‬ ‫اهلزيلة خزان َة ماء ُم َّ‬ ‫اق‬‫الس ُ‬
‫وقلت‪ :‬لو كانت هذه َّ‬ ‫ُ‬ ‫فتأملت‬
‫ُ‬
‫شراب سك َِّر الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محة؛‬ ‫َّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫اململوءة من‬ ‫احلبات‬ ‫لمئات‬ ‫احلرارة ما تُرض ُعه‬ ‫ملا كانت تكفي أما َم َل ِ‬
‫فح‬
‫قادرا عىل‬ ‫ِ‬
‫العمل ً‬ ‫القائم هبذا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫فيلزم أن‬
‫ُ‬ ‫إل رطوب ًة ضئيل ًة جدًّ ا‪،‬‬ ‫واحلال أهنا قد ال ُ‬
‫تنال ّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫العقول‪.‬‬ ‫نع ِه‬
‫فسبحان من تَحير يف ص ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫َّ ُ ُ‬ ‫َ‬

‫ال َّلمع ُة َّ‬


‫السابع ُة‬
‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫ُ‬
‫صحيفة‬ ‫ِ‬
‫المختومة هبا‬ ‫مد ُسبحانَه‪،‬‬ ‫األحد الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫كام أن ََّك تتمكن من ِ‬
‫رؤية أختا ِم‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيك‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكبري‬ ‫الكون‬ ‫كتاب‬ ‫وألق نظر ًة عىل‬ ‫وافتح عين َ‬‫ْ‬ ‫وذلك بنظرة إمعان قليلة‪ ،‬فار َف ْع َ‬
‫رأس َك‬ ‫َ‬
‫ألن ِ‬ ‫وسعتِه؛ ذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هذه‬ ‫بوضوح تا ٍّم‪ ،‬بِ َقدْ ِر عظمته َ‬
‫ٍ‬ ‫الوحدة‬ ‫ت ََر أنه ُيقر ُأ عىل الكون ك ِّله‪َ ،‬خ ُ‬
‫تم‬
‫كل ٍ‬
‫جزء‬ ‫ٍ‬
‫عامرة‪ُّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫مدينة‬ ‫ِ‬
‫وأنحاء‬ ‫وأركان ٍ‬
‫قرص ُمع َّظ ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫معمل ُمنت َظ ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كأجزاء‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬
‫إسعاف حاجاتِ ِه‪ ،‬واألجزا ُء مجي ًعا‬‫ِ‬ ‫لآلخر‪ ،‬و َي ِجدُّ يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العون‬ ‫جزء َيمدُّ يدَ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫لآلخر‪ُّ ،‬‬ ‫ظهري‬‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تسعى يدً ا بيد بانتظا ٍم تا ٍّم يف خدمة ذوي احلياة‪ ،‬متكاتف ًة ُمتساند ًة ُمتوجه ًة إىل غاية ُمعينة يف‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حكيم‬ ‫ِ‬
‫طاعة ُمد ِّب ٍر‬
‫وتعاقب‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والقمر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫اهر‪ ،‬ابتدا ًء من جري‬ ‫«التعاون» اجلاري ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫دستور‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫َ‬
‫سعي‬ ‫اجلائعة‪ ،‬وإىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للحيوانات‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫ِ‬
‫إمداد‬ ‫تاء والص ِ‬
‫يف‪ ..‬إىل‬ ‫الش ِ‬ ‫َّهار وت ِ‬
‫َرادف ِّ‬ ‫الليل والن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫جناح‬ ‫ِ‬
‫الغذائية عىل‬ ‫ِ‬
‫وصول املوا ِّد‬ ‫كر ِم‪ ،‬بل إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َّ‬ ‫الضعيف ُ‬ ‫اإلنسان َّ‬ ‫ملساعدة‬ ‫احليوانات‬
‫ِ‬
‫ذرات ال َّطعا ِم‬ ‫طيفة؛ بل إىل ِخ ِ‬
‫دمة‬ ‫الفواكه ال َّل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإمداد‬ ‫األطفال الن ِ‬
‫ِّحاف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلغاثة‬ ‫ِ‬
‫عة‬ ‫السُّ‬
‫لمن مل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلسم‪ُّ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دستور «التعاون» تُري َ‬ ‫فق‬ ‫اجلارية َو َ‬ ‫احلركات‬ ‫كل هذه‬ ‫جريات‬ ‫حلاجة ُح‬
‫ٍ‬ ‫وبأمر ُمد ِّب ٍر‬
‫ِ‬ ‫كريم ُم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحد َح ٍ‬
‫كيم‬ ‫طلق الكر ِم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واحد‬ ‫يفقدْ بصير َت ُه ُك ِّل ًيا َّأنا جتري بقوة ُم ٍّ‬
‫رب‬
‫طلق احلِ ِ‬
‫كمة‪.‬‬ ‫ُم ِ‬

‫َّسخري‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫التعانق‪ ،‬وهذا الت‬ ‫ُ‬ ‫التجاوب‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التعاون‪ ،‬وهذا‬ ‫فهذا التَّساندُ ‪ ،‬وهذا‬
‫يدير ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكون‪َ ،‬يشهدُ شهاد ًة قاطع ًة‪َّ ،‬‬
‫أن مد ِّب ًرا واحدً ا هو الذي ُ‬ ‫االنتظام‪ ،‬اجلاري يف هذا‬
‫ُ‬
‫فإن الحكم َة العا َّم َة ال َّظاهر َة بداه ًة يف ِ‬
‫خلق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلميع يف الكون‪ِ ،‬ز ْد عليه‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫يسوق‬ ‫و ُمر ِّب ًيا أحدً ا‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫واسعة‪ ،‬وما عىل‬ ‫ناية من ٍ‬
‫رمحة‬ ‫الع ِ‬
‫هذه ِ‬ ‫عناية تام ٍة‪ ،‬وما يف ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫البديعة‪ ،‬وما تتضم ُن ُه من‬ ‫ِ‬
‫األشياء‬
‫َّ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪351‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ذلك‬‫كل َ‬ ‫فق حاجاتِ ِه‪ُّ ..‬‬ ‫ٍ‬
‫حياة وتُع ِّي ُش ُه َو َ‬ ‫كل ذي‬ ‫ِ‬
‫بحاجة ِّ‬ ‫أرزاق من ُث ٍ‬
‫ورة تفي‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫هذه الر ِ‬
‫محة من‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫عقل ِه‪ ،‬ويرا ُه‬ ‫َ‬
‫كل من مل ِ‬
‫تنطفئ جذو ُة ِ‬
‫فهم ُه ُّ َ‬ ‫ِ‬
‫والوضوح ما َي ُ‬ ‫ِ‬
‫الظهور‬ ‫ِ‬
‫للتوحيد له من‬ ‫عظيم‬
‫ٌ‬ ‫َخ ٌ‬
‫تم‬
‫بص ُره؟‬ ‫ُّ‬
‫كل من مل َي ْع َم َ‬
‫عور واإلراد ُة قد ُأسب َغت عىل‬ ‫ُّ‬ ‫«احلكمة» التي يرتاءى منها ال َقصدُ‬ ‫ِ‬ ‫إن ُح َّل َة‬
‫نعم‪َّ ،‬‬
‫والش ُ‬
‫ف‬ ‫«العناية» التي ت َِش ُّ‬
‫ِ‬ ‫احلكمة ِ‬
‫هذه ُح َّل ُة‬ ‫ِ‬ ‫عت عىل ُح َّل ِة‬ ‫وو ِض ْ‬ ‫ِ‬
‫كل جوانبِه‪ُ ..‬‬ ‫وج َّل َل ْت َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫الكون ك ِّله َ‬
‫ِ‬
‫للعناية ُألقيت ُح َّل ُة‬ ‫هذه احل َّل ِة ال َق ِ‬
‫شيبة‬ ‫واإلحسان‪ ..‬وعىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َحسني‬ ‫ِ‬
‫والتزيني والت‬ ‫طف‬‫عن ال ُّل ِ‬
‫ُ‬
‫َون ك َّل ُه‬
‫َغم ُر الك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫محة» التي يتأ َّل ُق منها َب ُ‬ ‫«الر ِ‬
‫ريق التَّو ُّدد والتَّعرف واإلنعا ِم واإلكرا ِم وهي ت ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«األرزاق العا َّم ُة»‪ ،‬و ُمدَّ ت موائدُ ها‬
‫ُ‬ ‫للرمحة العا َّمة‬ ‫الح َّلة ُ‬
‫المن ََّورة َّ‬ ‫وص َّفت عىل هذه ُ‬ ‫َضم ُه‪ُ ..‬‬
‫وت ُّ‬
‫طف الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫التي ِ‬
‫بوبية‪.‬‬ ‫سن الرتبية و ُل َ ُّ‬ ‫وح َ‬ ‫والرأ َف َة الكامل َة ُ‬ ‫واإلحسان واإلكرا َم َّ‬ ‫َ‬ ‫َّرح َم‬
‫تعر ُض الت ُّ‬
‫موس‪ ،‬سوا ٌء أكانت أفرا ًدا أم‬ ‫ِ‬ ‫رات إىل ُّ‬
‫الش‬ ‫الذ ِ‬ ‫املوجودات؛ ابتدا ًء من َّ‬ ‫ِ‬ ‫إن ِ‬
‫هذه‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫الثوب من‬ ‫ُ‬ ‫ُسج هذا‬ ‫لبس ْت ثو ًبا رائ ًعا جدً ا‪ ،‬ن َ‬ ‫أنواعا وسوا ٌء أكانت صغري ًة أم كبريةً‪ ،‬قد ُأ َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملصالح‪ ..‬وكُس َي ْت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّتائج والغايات والفوائد‬ ‫ِ‬
‫بنقوش ال َّثمرات والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫المز َّي ِن‬ ‫ِ‬ ‫ُق ِ‬
‫امش «احلكمة» ُ‬
‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫واإلحسان ُقدَّ ْت و ُفص َل ْت حسب ِ‬
‫قامة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللطف‬ ‫ِ‬
‫بأزاهيـر‬ ‫«العناية» املطر ِ‬
‫زة‬ ‫ِ‬ ‫بح َّل ِة‬
‫َ َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫بربيق التَّوددِ‬ ‫ِ‬
‫الساطعة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل موجود‪ ..‬وعىل ُح َّلة العناية هذه ُق ِّل ْ‬ ‫ٍ‬ ‫و َم ِ‬
‫قاس ِّ‬
‫«الرمحة» َّ‬
‫شارات َّ‬ ‫ُ‬ ‫دت‬
‫عة‬‫ارات المرص ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫واإلفضال‪ ..‬وعىل تلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلمعات اإلنعا ِم‬ ‫ِ‬
‫واملتأللئة‬ ‫والتَّكر ِم والت ِ‬
‫َّحنن‪،‬‬
‫ُ َّ‬
‫طوائف ذوي‬ ‫ِ‬ ‫مجيع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املنو ِ‬
‫األرض‪ ،‬بام يكفي َ‬ ‫سطح‬ ‫امتداد‬ ‫الرزق العا ِّم» عىل‬ ‫رة نُص َبت «مائد ُة‬ ‫َّ‬
‫حاجاتم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫احلياة وبام يفي سدَّ مجي ِع‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫احلكمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مطلق‬ ‫ٍ‬
‫حكيم‬ ‫الش ِ‬
‫مس‪ ،‬إىل‬ ‫وضوح َّ‬ ‫يشري إشار ًة واضح ًة‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫العمل ُ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فهذا‬
‫طلق الر ِ‬ ‫طلق الر ِ‬
‫محة‪ٍ َّ ،‬‬
‫زق‪.‬‬ ‫ورزاق ُم ِ ِّ‬ ‫ورحيم ُم ِ َّ‬
‫ٍ‬ ‫وكريم ُم ِ‬
‫طلق الكر ِم‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫زق؟‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل الر ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫أن َّ‬
‫‪ -‬أح ًّقا َّ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫موجودات العامل‬ ‫ميع‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أن َّ ٍ‬ ‫نعم‪ ،‬كام أنَّنا نرى َّ‬
‫كذلك َج ُ‬ ‫ديم حياتَه‪،‬‬
‫كل فرد بحاجة إىل رزق ُي ُ‬
‫بقائها‪ ،‬ويف‬‫‪-‬وال سيام األحياء‪ -‬ال ُك ِّلي منها واجلزئي‪ ،‬أو الك ُُّل واجلزء‪ ،‬هلا يف كيانِـها‪ ،‬ويف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ورضوريات عديدةٌ‪ ،‬ماد ًة ومعنًى؛ ومع أهنا ُمفتقر ٌة وحمتاج ٌة‬
‫ٌ‬ ‫مطاليب كثريةٌ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حياتا وإدا َمتِها‪،‬‬
‫ِ‬
‫ذلك الشَّ ِء وقدر ُت ُه‬ ‫يمكن أن َ‬
‫تصل يدُ ها إىل أدناها‪ ،‬بل ال تكفي ُق َّو ُة َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كثرية مما ال‬ ‫ٍ‬
‫أشياء‬ ‫إىل‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪352‬‬
‫ِ‬
‫واملعنوية تُس َّل ُم‬ ‫ِ‬
‫املادية‬ ‫ِ‬
‫واألرزاق‬ ‫ب‬‫تلك املطالِ ِ‬
‫مجيع َ‬ ‫أصغر مطالِبِه‪ِ ،‬‬
‫نشاهدُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫للحصول عىل‬
‫ِ‬ ‫الوقت ِ‬
‫املناس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إىل ِ‬
‫تسليم ُمواف ًقا حلياته ُمت ً‬
‫َّسم‬ ‫ً‬ ‫ب‬ ‫كامل ويف‬ ‫حيتسب‪ ،‬وبانتظا ٍم‬
‫ُ‬ ‫يديه من ُ‬
‫حيث ال‬
‫ِ‬
‫الكاملة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باحلكمة‬
‫ِ‬
‫واإلعانة‬ ‫ِ‬
‫اإلمداد‬ ‫َّمط من‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‪ ،‬وهذا الن ُ‬ ‫ُ‬
‫احلاجة يف‬ ‫ِ‬
‫وهذه‬ ‫االفتقار‪،‬‬ ‫أل َيدُ ُّل هذا‬‫َ‬
‫ُ‬
‫رحيم ذي ٍ‬
‫مجال؟‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جالل و ُمد ِّب ٍر‬ ‫ٍ‬
‫حكيم ذي‬ ‫رب‬ ‫ِ‬
‫الغيب َّية‪ ،‬عىل ٍّ‬

‫اللمع ُة ال َّثامن ُة‬


‫ِ‬
‫البذرة‪،‬‬ ‫حتت ترص ِف ِ‬
‫مالك‬ ‫احلقل هو َ‬ ‫ذلك َ‬ ‫أن َ‬ ‫تدل عىل َّ‬ ‫حقل ما‪ُّ ،‬‬ ‫ذور يف ٍ‬ ‫أن زراع َة ُب ٍ‬ ‫مثلام َّ‬
‫ُّ‬
‫األرض‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مزرعة‬ ‫نارص يف‬‫فإن ُك ِّلي َة ال َع ِ‬ ‫احلقل‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫حتت ترص ِف ِ‬
‫مالك‬ ‫كذلك َ‬ ‫َ‬ ‫وأن تلك البذر َة هي‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫وحيوانات يف‬ ‫ٍ‬
‫نباتات‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات من‬ ‫وانتشار‬ ‫جزء منها‪ ،‬مع َّأنا واحد ٌة وبسيط ٌة‪،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ويف ِّ‬
‫َ‬
‫وكلامت حكمتِه‪ -‬مع‬ ‫ِ‬ ‫ومعجزات قدرتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ثمرات الر ِ‬
‫محة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األماكن ‪-‬وهي ُت ِّث ُـل‬ ‫ِ‬
‫معظم‬
‫واالنتشار يدلَّ ِن دالل ًة َجل َّي ًة‬ ‫إن ِ‬
‫هذه ال ُك ِّلـ َّيـ َة‬ ‫كل َط َر ٍف‪َّ ..‬‬ ‫ومتشاهبة و ُمتو ِّطن ٌَة يف ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫متامثلة‬ ‫َّأنا‬
‫َ‬
‫حيوان‪ُ ،‬‬
‫آية‬ ‫ٍ‬ ‫مرة‪َّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫وكل َث ٍ‬ ‫زهرة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫كأن َّ‬ ‫أحد‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫واحد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رب‬ ‫ِ‬
‫َصرف ٍّ‬ ‫حتت ت ُّ‬‫عىل َّأنام َ‬
‫كنت آيتَه‪،‬‬ ‫بلسان حالِه‪َ « :‬من ُ‬ ‫ِ‬ ‫يقول‬ ‫أي منها ُ‬ ‫ِ‬
‫غراؤ ُه‪ ،‬فأينام َي ُّل ٌّ‬ ‫وختمه و ُط ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫الرب‬‫ذلكم ِّ‬ ‫ُ‬
‫كنت عالم َت ُه فهذا‬ ‫املكان مكتو ُب ُه‪ ،‬و َمن ُ‬ ‫ُ‬ ‫ختمه فهذا‬ ‫ِ‬
‫كنت َ‬ ‫األرض َمصنوعتُه‪ ،‬و َمن ُ‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫نسوج ُه‪»..‬‬
‫ُ‬ ‫املوطن َم‬
‫ُ‬
‫جميع‬
‫َ‬ ‫َصرفِ ِه‬ ‫ِ‬
‫مسك يف قبضة ت ُّ‬
‫خملوق‪ ،‬إنَّام هي من ِ‬
‫شأن َمن ُي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫فالربوبية إذن عىل أدنى‬
‫ِ‬
‫احليوانات‬ ‫ُ‬
‫تربية مجي ِع‬ ‫ِ‬
‫شأن َمن ال ُيعجز ُه‬ ‫ٍ‬
‫حيوان إنام هي من‬ ‫ُ‬
‫ورعاية أدنى‬ ‫ِ‬
‫العنارص‪..‬‬
‫بصره!‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫قبضة ربوبيتِ ِه! ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫عم ُ‬ ‫لمن مل َي َ‬
‫واضحة َ‬ ‫الحقيقة‬ ‫هذه‬ ‫ُ َّ‬ ‫من‬
‫والنَّباتات واملخلوقات ض َ‬
‫ِ‬ ‫شابتِ ِه مع ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫األفراد‪َ « :‬من َ‬
‫كان مالكًا جلمي ِع‬ ‫سائر‬ ‫يقول بلسان ُما َث َلته و ُم َ َ‬ ‫فرد ُ‬ ‫إن َّ‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫انتشار ِه مع ِ‬
‫سائر األنواعِ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫كل نو ٍع ُ‬
‫يقول‬ ‫وإن َّ‬
‫وإل فال»‪َّ ،‬‬ ‫يكون مالكي‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫نوعي يمك ُن ُه أن‬
‫األرض ُ‬
‫تقول‬ ‫ُ‬ ‫يكون مالِكي‪ ،‬وإلَّ فال»؛ وكذا‬
‫َ‬ ‫األرض ُك ِّل ِه يمكنُه أن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسطح‬ ‫كان مالكًا‬ ‫« َمن َ‬
‫ِ‬ ‫واحدة وتسان ُِدها مع‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساموات‪َ « :‬من َ‬
‫كان مالكًا‬ ‫ٍ‬
‫بشمس‬ ‫يارات‬ ‫بلسان ارتباطها بسائ ِر َّ‬
‫الس‬
‫مالكي‪ ،‬وإلَّ فال»‪.‬‬ ‫يكون ِ‬
‫َ‬ ‫للكون ُك ِّل ِه يمك ُن ُه أن‬
‫ِ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪353‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫تلك الت ُ‬
‫ُّفاحة‬ ‫«أنت مصنوعتي أنا» فستـرد ِ‬
‫عليه َ‬ ‫عور‪ِ :‬‬ ‫ذات ُش ٍ‬ ‫لتفاحة ِ‬
‫ٍ‬ ‫قال أحدُ هم‬ ‫فلو َ‬
‫ُ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫تركيب ما عىل‬ ‫قادرا عىل‬
‫تكون ً‬ ‫استطعت أن‬
‫َ‬ ‫«ص ْه‪ ..‬لو‬‫احلال قائل ًة‪َ :‬‬ ‫بلسان‬
‫نباتات م ٍ‬
‫ثمرة من جنسنا‪ ،‬بل ُمترص ًفا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫األرض من‬ ‫أصبحت ُمترص ًفا فيام عىل‬
‫َ‬ ‫من ت ٍ‬
‫ُفاح‪ ،‬بل لو‬
‫ُ‬
‫علي!» فتل ُط ُم َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬
‫تلك‬ ‫الربوبي َة َّ‬
‫آنذاك َّ‬ ‫الرمحة‪ ،‬فا َّد ِع‬
‫محن التي جيو ُد هبا من خزينة َّ‬ ‫يف هدايا َّ‬
‫ِ‬
‫األمحق لطم ًة قوي ًة‪!..‬‬ ‫فم َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫اجلواب َ‬ ‫الت ُ‬
‫ُّفاحة هبذا‬

‫ال َّلمع ُة التَّاسع ُة‬


‫«الكل والك ِّل ِّي»‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫واجلزئي»‪ ،‬وعىل‬ ‫ِ‬
‫«اجلزء‬ ‫موضوعة عىل‬‫ٍ‬ ‫آيات وأختا ٍم‬ ‫لقد أرشنا إىل ٍ‬
‫ِّ‬
‫«اإلحياء»‪ ،‬فنشري هنا إىل ٍ‬
‫آية‬ ‫ِ‬ ‫احلياة» وعىل‬ ‫ِ‬ ‫«احلياة» وعىل «ذوي‬ ‫ِ‬ ‫«كل العا َلم»‪ ،‬وعىل‬ ‫وعىل ِّ‬
‫ُ‬
‫اآليات يف «األنواعِ»‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫واحدة مما ال ُيحىص من‬ ‫ٍ‬

‫َتسه ُل‪ ،‬ومصاري ُفها تتذ َّل ُل‪ ،‬حتَّى تتساوى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫غري حمدودة لشجرة ُمثمرة ت َّ‬ ‫تكاليف أثامر َ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫الشجرة الواحد َة‬ ‫ألن َّ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫الكثرة؛ َ‬‫ِ‬ ‫واحدة تر َّب ْت بأيدي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ثمرة‬ ‫ِ‬
‫ومصاريف‬ ‫ِ‬
‫تكاليف‬ ‫مع‬
‫املراكز‬‫ِ‬ ‫إن الكثر َة وتعدُّ َد‬ ‫واحد‪ ،‬أي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبقانون‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبرتبية‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مركز‬ ‫ُدار من‬ ‫املثمر َة ت ُ‬
‫تحتاجه‬ ‫وتكاليف وأجهز ٌة ‪-‬كمي ًة‪ -‬ب َقدْ ِر ما‬ ‫ُ‬ ‫مصاريف‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ثمرة‬ ‫تكون ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫يستدعيان أن‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫مثل عم ِل َع ٍ‬ ‫ِ‬
‫وتوفري‬ ‫جلندي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫تاد‬ ‫ليس إلَّ ‪ ،‬م َث ُل ُه يف هذا ُ َ‬ ‫والفرق يف النَّوعية َ‬ ‫ُ‬ ‫شجر ٌة كامل ٌة‪،‬‬
‫فالعمل إذن‬ ‫ُ‬ ‫بأكمل ِه؛‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اجليش‬ ‫حيتاجها‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املعامل التي‬ ‫معامل بِ َقدْ ِر‬
‫َ‬ ‫حيتاج‬ ‫ِ‬
‫جتهيزاته العسكر َّية‪ ،‬إذ ُ‬
‫ِِ‬
‫األفراد؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعدد‬ ‫ُ‬
‫الكمية‬ ‫حيث‬ ‫َّكاليف تزدا ُد من ُ‬ ‫َ‬ ‫فإن الت‬ ‫الكثرة َّ‬ ‫ِ‬ ‫يد‬ ‫الوحدة إىل ِ‬
‫ِ‬ ‫انتقل من ِ‬
‫يد‬ ‫إذا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أثر ال ُي ِ‬ ‫شاهدُ من ِ‬ ‫وهكذا َّ‬
‫السهولة‬ ‫ناشئ من‬ ‫ٌ‬ ‫رس والسهولة الظاهرة يف النو ِع إنَّام َ‬
‫هو‬ ‫فإن ما ُي َ‬
‫الوحدة والت ِ‬
‫َّوحيد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفائقة يف‬
‫ِ‬
‫وأفراد نو ٍع‬ ‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫جنس‬ ‫ِ‬
‫األساس ألنوا ِع‬ ‫ِ‬
‫األعضاء‬ ‫َّوافق يف‬ ‫اخلالص ُة‪ :‬كام َّ‬
‫أن التشا ُب َه والت َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫السهولة‬ ‫َ‬
‫كذلك‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫خالق‬‫ٍ‬ ‫مخلوقات‬
‫ُ‬ ‫األنواع واألفرا َد إنَّام هي‬ ‫أن َ‬
‫تلك‬ ‫واحد‪ ،‬ي ِ‬
‫ثبتان َّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫آثار‬ ‫الجميع َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫الوجوب أن‬ ‫بدرج ِة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫تستلزمان‬ ‫ِ‬
‫التكاليف‪،‬‬ ‫وانعدام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الـمطلقة املشهودةُ‪،‬‬
‫عوبة‬‫الص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقتضيان هذا‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫القلم ووحد َة الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحد؛ َّ‬ ‫صان ٍع‬
‫وإل لساقت ُّ‬ ‫واخلتم‬ ‫كة‬ ‫ِّ‬ ‫ألن وحد َة‬
‫النوع إىل العد ِم‪.‬‬ ‫َ‬
‫وذلك‬ ‫اجلنس إىل االنعدا ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫درجة االمتنا ِع َ‬
‫ذلك‬ ‫التي هي يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األشياء ت ُ‬ ‫احلق سبحانه وتعاىل َّ‬ ‫َحص ُل من هذا‪ :‬أنه إذا ُأسنِدَ‬
‫َكون‬ ‫مجيع‬
‫فإن َ‬ ‫الخلق إىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ن ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪354‬‬
‫لق ُه صع ًبا‬‫يكون َخ ُ‬‫ُ‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء‬ ‫فإن َّ‬ ‫ِ‬
‫األسباب َّ‬ ‫وإن ُأسنِدَ إىل‬ ‫ِ‬
‫اخللق‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬
‫سهولة‬ ‫ِ‬
‫الواحد يف‬ ‫ِ‬
‫كاليشء‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ولما َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كصعوبة ِ‬
‫العالـم‪،‬‬ ‫شاهد ُة يف‬
‫الم َ‬‫الفائقة ُ‬ ‫فالوفر ُة‬
‫األمر هكذا‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كان‬ ‫خلق مجي ِع األشياء؛ َّ‬
‫هذه الفواك ُه الوفير ُة‬ ‫الوحدة؛ فإن مل تكن ِ‬‫ِ‬ ‫كالش ِ‬
‫مس آي َة‬ ‫ِ‬
‫ظهران َّ‬ ‫ِ‬
‫العني ُي‬ ‫الظاهر أما َم‬ ‫صب‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والخ ُ‬
‫نأكل ُر َّمان ًة واحد ًة ولو أعطينا ما يف الدُّ نيا ك ِّلها‬‫أحد‪َ ،‬لام أمكننا أن َ‬ ‫لواحد ٍ‬‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫نتناولا ُملكًا‬ ‫التي‬
‫نعها‪.‬‬‫ثمنًا لص ِ‬
‫ُ‬

‫اللمعة العارشة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نوع من ِّ‬
‫جتل‬ ‫ُ‬
‫برهان األحدية‪ ،‬بل هي ٌ‬ ‫بانـي هي‬
‫الر ِّ‬‫ُظهر تَج ِّل َي اجلامل َّ‬
‫كام أن احليا َة التي ت ُ‬
‫ِ‬
‫الواحدية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫برهان‬ ‫اآلخر‬ ‫اإلهلي هو‬ ‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫ظهر جت ِّلـي‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫فالموت الذي ُي ُ‬
‫ُ‬ ‫الوحدة‪،‬‬
‫ِ‬
‫سطح‬ ‫تنساب ُمتأ ِّلق ًة عىل‬ ‫ِ‬
‫للشمس‪ ،‬والتي‬ ‫ِ‬
‫املواجه َة‬ ‫باب‬ ‫ِ‬ ‫فمثل‪َّ :‬‬ ‫ً‬
‫ُ‬ ‫حل َ‬ ‫والز َبدَ وا َ‬
‫الفقاعات َّ‬ ‫إن‬
‫مس؛‬ ‫الش ِ‬‫تلك َّ‬ ‫وجود َ‬‫ِ‬ ‫األرض‪ ،‬شواهدُ عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫الشفاف َة املتلمع َة عىل‬ ‫عظيم‪ ،‬والموا َّد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نهر‬
‫غروب‬ ‫ِ‬ ‫ببهاء مع‬ ‫ٍ‬ ‫مس‬‫الش ِ‬ ‫فدوام جتيل َّ‬ ‫لضوئها‪،‬‬‫ِ‬ ‫وعكسها‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫وذلك بإرا َء ِتا صور َة‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القطرات‬ ‫نقص عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك التَّج ِّلـي َ‬
‫دون‬ ‫واستمرار َ‬ ‫ِ‬
‫ـمعان املوا ِّد‪،‬‬ ‫وال َل‬ ‫وز ِ‬ ‫ِ‬
‫طرات َ‬ ‫تلك ال َق‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وتلك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ميسات املثال َّي َة‪،‬‬ ‫الش‬‫أن تلك ُ‬ ‫املقبلة ُمدَّ ًدا‪ ،‬هلي شهاد ٌة قاطع ٌة عىل َّ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫فافة‬ ‫واملوا ِّد َّ‬
‫وتتغري وتتبدَّ ُل ُمتجدِّ َدةً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تنطفئ وتيض ُء‬ ‫ُ‬ ‫األنوار املشاهدَ َة التي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وتلك‬ ‫األضوا َء املنعكس َة‪،‬‬
‫القطرات اللمَّ ُ‬
‫عة‬ ‫فتلك‬ ‫زوال هلا؛ َ‬ ‫واحدة ال َ‬ ‫ٍ‬ ‫دائم ٍة‪ ،‬عال َي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تجليات َش ٍ‬
‫ُ‬ ‫مس باقية‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫إنام هي‬
‫دوامها ووحدَ ِتا‪.‬‬ ‫َدل عىل ِ‬ ‫مس‪ ،‬وبزواهلا ت ُّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫وجود َّ‬ ‫َدل عىل‬ ‫مجيئها ت ُّ‬ ‫بظهور ِها وبِ ِ‬
‫ِ‬ ‫إذن‬

‫السيال َة إذ تشهدُ‬ ‫ِ‬ ‫المثل األعلى» نجدُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫املثال «وهلل‬ ‫وعىل ِ‬
‫أن‪ :‬هذه املوجودات َّ‬ ‫غرار هذا‬
‫وجود اخلالِ ِق سبحانَه وتعاىل‪ ،‬وعىل أحد َّيـتِ ِه‪ ،‬فإهنا تَشهدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوب‬ ‫ِ‬
‫وحياتا عىل‬ ‫ِ‬
‫بوجود ِها‬
‫أيضا عىل أزل َّيـتِ ِه ورس َم ِد َّيـتِ ِه وواحد َّيـتِ ِه‪.‬‬
‫بزوالِها وموتِها ً‬
‫وب‬‫اللطيفة‪ ،‬يف ِخ َض ِّم ال ُغ ُر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة وتَبدُّ َل‬ ‫ِ‬
‫املصنوعات‬ ‫إن َتدُّ َد‬‫نعم‪َّ ،‬‬
‫صور والدُّ ِ‬ ‫تاء والص ِ‬
‫يف‪ ،‬وتَبدُّ ِل ال ُع ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫تحو ِل ِّ‬ ‫يل والن ِ‬ ‫ِ‬
‫هور‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّهار‪ ،‬وبِ ُّ‬ ‫باختالف ال َّل ِ‬ ‫واألفول‪،‬‬
‫بقائ ِه سبحانَه‬
‫دائم التَّجيل‪ ،‬وعىل ِ‬ ‫رجات ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسمدي رفي ِع الدَّ‬‫ٍّ‬ ‫وجود ذي ٍ‬
‫مجال‬ ‫ِ‬ ‫كام َّأنا تَشهدُ عىل‬
‫‪-‬بأسبابا ال َّظ ِ‬
‫اهرة‪ُ -‬يب ِّي ُن تفاه َة تلك‬ ‫ِ‬ ‫املصنوعات وزوا َلـها‬‫ِ‬ ‫موت تلك‬ ‫َ‬ ‫ووحدَ تِ ِه‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫الوضع إثباتًا قاط ًعا َّ‬
‫أن‬ ‫ليس إلَّ ‪ ..‬ف ُيثبِ ُت لنا هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ستارا وحجا ًبا َ‬ ‫وكونا ً‬
‫َ‬ ‫جزها‪،‬‬ ‫وع َ‬‫األسباب َ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪355‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والصنع َة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وخملوقات ُمتجدد ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫مصنوعات‬
‫ٌ‬ ‫والتجليات إنام هي‬ ‫النقوش‬‫َ‬ ‫وهذه‬ ‫هذه الخلق َة َ‬
‫املتحو ُلة‪ ،‬ومرايا ُه‬ ‫أسامئه ُحسنى ُمقدَّ س ٌة‪ ،‬بل هي ُ‬
‫نقوش ُه‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫جل جال ُله الذي‬ ‫للخالق َّ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بحكمة‪.‬‬ ‫املتعاقبة‪ ،‬وأختا ُمه املتبدِّ ُلة‬ ‫ُ‬ ‫كة وآياتُه‬ ‫املتحر ُ‬ ‫ِّ‬
‫وجود ِه‬ ‫ِ‬ ‫اآليات التَّكوين َّي َة الدَّ ال َة عىل‬ ‫ِ‬ ‫الكبري هذا إذ ُيع ِّل ُمنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫كتاب‬‫َ‬ ‫اخلالص ُة‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬
‫ات‬ ‫للذ ِ‬ ‫ِ‬
‫واجلالل َّ‬ ‫ِ‬
‫واجلامل‬ ‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫صفات‬‫ِ‬ ‫كذلك عىل مجي ِع‬ ‫َ‬ ‫سبحانَه وعىل وحدان َّي ِته‪ ،‬يشهدُ‬
‫قصور‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫هة عن كل‬ ‫نـز ِ‬ ‫والم َّ‬ ‫كل ن ٍ‬ ‫الم َّبر ِأة من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أيضا َ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َقص‪ُ ،‬‬ ‫كامل ذاته اجلليلة ُ‬ ‫ثبت ً‬ ‫اجلليلة؛ و ُي ُ‬
‫بدهيي‪..‬‬ ‫مصدر ُه‪ ،‬كام هو‬ ‫الفعل الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫يدل عىل ِ‬
‫كامل‬ ‫أثر ما‪ُّ ،‬‬ ‫الكامل يف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ظهور‬ ‫ذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫َ‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كامل الص َف ِ‬
‫وكمال‬ ‫ُ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫دل عىل ِ ِّ‬ ‫االسم َي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫وكمال‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االسم‪،‬‬ ‫الفعل هذا َيدُ ُّل عىل ِ‬
‫كامل‬ ‫ِ‬ ‫وكمال‬ ‫ُ‬
‫‪-‬ذات‬ ‫ِ‬ ‫ات‬‫الذ ِ‬ ‫كامل َّ‬ ‫يت َيدُ ُّل عىل ِ‬ ‫أن َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫وكامل َّ‬ ‫ُ‬ ‫أن َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫كامل َّ‬ ‫دل عىل ِ‬ ‫فات َي ُّ‬ ‫الص ِ‬
‫الذا ِّ‬ ‫يت‪،‬‬ ‫الذا ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ون‪َ -‬حدْ ًسا ورضور ًة و َبداه ًة‪.‬‬ ‫الش ُؤ ِ‬ ‫ُّ‬
‫كامل رائعٍ‪ ،‬تَدُ ُّل عىل ما ورا َءها‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لقرص‬ ‫َّزيينات البديع َة‬ ‫ِ‬ ‫الـمتقن َة والت‬ ‫إن الن َ‬ ‫فمثل‪َّ :‬‬ ‫ً‬
‫ُّقوش ُ‬
‫األفعال وإتقانَها ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫فعال بن ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫بتكامل‬ ‫نط ُق‬ ‫َ‬ ‫تلك‬ ‫كامل َ‬ ‫وإن َ‬ ‫خبري‪َّ ..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ماهر‬ ‫َّاء‬ ‫كامل تا ٍّم ل ِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫والعناوين ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك البن ِ‬ ‫ِ‬
‫تكامل‬‫ِ‬ ‫فص ُح عن‬ ‫ِ ُ‬ ‫األسامء‬ ‫الفاعل‪ ،‬وتكا ُم َل‬ ‫ِ‬ ‫َّاء‬ ‫وعناوين َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َب‬ ‫األسامء ُلرت ِ‬
‫ِ‬ ‫فات وإبداع الص ِ‬ ‫تلك الص ِ‬ ‫َ‬ ‫جهة َصنعتِه‪،‬‬ ‫ذلك الصان ِع من ِ‬ ‫ِ‬
‫شهدان عىل‬ ‫نعة َي‬ ‫َ َّ‬ ‫وتكامل َ ِّ‬ ‫صفات َ َّ‬
‫الش ِ‬
‫ؤون‬ ‫تلك َّ‬ ‫وتكامل َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بالشؤون‪،‬‬ ‫اتية املسامة‬ ‫الذ ِ‬ ‫الصان ِع واستعداداتِه َّ‬ ‫قابليات َ‬ ‫ِ‬ ‫تكا ُم ِل‬
‫ذلك َّ‬
‫الصانعِ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اتية تَدُ ُّل عىل‬ ‫الذ ِ‬ ‫والقابليات َّ‬‫ِ‬
‫تكامل ماه َّية ذات َّ‬
‫املشهودة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلثار‬ ‫َّقص وال ُف ِ‬
‫طور يف‬ ‫الم َّبر ِأة من الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الـمبدَ عة ُ‬ ‫الصنعة ُ‬ ‫األمر يف َّ‬‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫األنظار ُ‬
‫اآلية‬ ‫الكون‪ ،‬التي َل ْ‬
‫فتت إليها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنتظمة يف‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫العالـم‪ ،‬ويف هذه‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫األفعال لِمؤ ِّث ٍر ذي ُق ٍ‬
‫درة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كمال‬ ‫ِ‬
‫باملشاهدة عىل‬ ‫﴿ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﴾ (امللك‪ ،)3:‬فهي ت ُّ‬
‫َدل‬
‫وذلك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اجلالل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفاعل ذي‬ ‫ِ‬
‫أسامء‬ ‫كامل‬ ‫ِ‬
‫بالبداهة عىل ِ‬ ‫ذاك َي ُّ‬
‫دل‬ ‫األفعال َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وكمال‬ ‫ُمطل َق ٍة‪،‬‬
‫وكمال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األسامء‪،‬‬ ‫مجال َ‬
‫لتلك‬ ‫فات مسمى ذي ٍ‬ ‫كمال ِص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالرضورة عىل‬ ‫يدل ويشهدُ‬ ‫الكمال ُّ‬ ‫ُ‬
‫ُ ًّ‬
‫ذاك‬ ‫الشؤون َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وكمال‬ ‫وصوف ذي ٍ‬
‫كامل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫شؤون َم‬ ‫دل ويشهدُ يقينًا عىل ِ‬
‫كامل‬ ‫ذاك َي ُّ‬‫الصفات َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫إن ما يف‬ ‫بحيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫شؤون‪ ،‬دالل ًة واضح ًة‬ ‫ٍ‬ ‫سة ِ‬
‫ذات‬ ‫ذات مقدَّ ٍ‬ ‫كامل ٍ‬ ‫اليقني عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫بحق‬
‫دل ِّ‬ ‫َي ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالنسبة‬ ‫املثل األعىل‪-‬‬ ‫إل ظلًّ ضعي ًفا ُمنطف ًَئا ‪-‬وهلل ُ‬ ‫ليس َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من أنوا ِع‬
‫المشاهدة َ‬ ‫َ‬ ‫الكامالت‬
‫وإشارات مجالِ ِه سبحانَه وتعاىل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ورموز جاللِه‬
‫ِ‬ ‫آليات كمالِه‬ ‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪356‬‬

‫ِ‬
‫موس‬ ‫ال َّلمع ُة احلادي َة عرش َة َّ‬
‫الساطع ُة ُّ‬
‫كالش‬
‫اسم‬‫وأعظم ٍ‬ ‫ِ‬
‫الكبري‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫آية يف ِ‬
‫كتاب‬ ‫بأن أعظم ٍ‬ ‫«الكلمة التاسع َة عرشةَ» َّ‬ ‫ِ‬ ‫ف يف‬ ‫لقد ُع ِّر َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫العالـم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫قرص هذا‬ ‫وشمس ِ‬ ‫ثامرها‪،‬‬ ‫وأنور ِ‬ ‫الكون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الكبيـر‪ ،‬وبذر َة شجرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫يف َ‬
‫ذلك‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫غز‬ ‫احلكيم لِ ُل ِ‬
‫َ‬ ‫اف‬ ‫ربوبية اهلل‪ ،‬والك ََّش َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سلطان‬ ‫ـم اإلسال ِم‪ ،‬والدَّ َّال عىل‬ ‫الم َّنو َر لعا َل ِ‬
‫والبدر ُ‬ ‫َ‬
‫والسالم‪ ِ،‬الذي َض َّم األنبيا َء مجي ًعا‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أفضل الصالة َّ‬ ‫األميـن عليه‬
‫ُ‬ ‫حممدٌ‬
‫الكائنات‪ ،‬هو سيدُ نا َّ‬
‫ِ‬ ‫ناح اإلسال ِم‪َ ،‬ف َح َّل َق ِبام يف‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫حتت َج ِ‬ ‫اإلسالمي َ‬
‫َّ‬ ‫العالم‬
‫َ‬ ‫وحـمى‬ ‫الرسا َلة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫جناح ِّ‬ ‫حتت‬
‫وجميع‬ ‫يقني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫موكب مجي ِع‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والصدِّ َ‬ ‫ِّ‬ ‫األولياء‬ ‫وجميع‬
‫َ‬ ‫األنبياء واملرسلني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫احلقيقة ُمتقدِّ ًما‬
‫سوي ًة‬ ‫قوة‪ ،‬فا ًحتا طري ًقا ِ‬ ‫بكل ما ُأوتـي من ٍ‬ ‫قني ُمب ِّينًَا الوحداني َة واضح ًة َجل َّي ًة ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫األصفياء واملح ِّق َ‬
‫ٍ‬
‫شبهة‬ ‫ٍ‬
‫لوهم أو‬ ‫باﷲ‪ُ ،‬مثبتًا الوحداني َة احل َّق َة‪ ..‬فأنَّى‬ ‫ِ‬
‫اإليامن ِ‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫دال عىل‬ ‫عرش األحد َّي ِة‪ًّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫وي؟‬
‫الس َّ‬ ‫ذلك ال َّط َ‬
‫ريق َّ‬ ‫ـحجبا َ‬ ‫َ‬
‫يكون هلام اجلرأ ُة ل َي ُسدَّ ا أو َي ُ‬ ‫أن‬
‫َ‬
‫الربهان‬ ‫عشـر» َ‬
‫ذلك‬ ‫َّاسع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة التَّاسع َة عرشةَ»‬ ‫وملا ُكنَّا قد َب َّينـَّا إمجاال يف‬
‫َ‬ ‫و«املكتوب الت َ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬
‫للحياة بأربع عرش َة رشح ًة‪ ،‬وتسع عرش َة إشارةً‪ ،‬مع ِ‬ ‫ُ‬
‫الباعث‬ ‫القاطع من معرفتِ ِه التي هي املا ُء‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫والسال ِم عىل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫الربهان‬ ‫ذلك‬ ‫أنوا ِع معجزاته ﷺ‪ ،‬لذا نكتفي هبذه اإلشارة ُهنا‪ ،‬ونَخت ُمها َّ‬
‫بالصالة َّ‬
‫دق ِه‪:‬‬
‫ِّيه وتشهدُ عىل ِص ِ‬
‫س التي تُزك ِ‬ ‫األس ِ‬
‫تلك ُ‬
‫ِ‬
‫تشريان إىل َ‬ ‫القاط ِع للوحدان َّي ِة‪ ،‬صال ًة وسال ًما‬ ‫ِ‬

‫َ َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّٰ َّ َ ّ َع ٰل َمن َد َّل َع ٰل ُو ُجوب ُو ُجود َك َو َو َ‬


‫حدانِيَّتِك َو ش ِه َد َعل َجللِك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الل ص ِل‬
‫َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ُ َّ ُ ُ َ َّ ُ َ ُ َ ُ َّ ُ ُ َ َّ‬
‫حق ُق َس ّي ُد‬ ‫اطق الم‬ ‫و جالِك و كمالِك الشا ِهد الصا ِدق المصدق و البهان انل ِ‬
‫مجاعهم َو تَصديقهم َو ُمعج َزاتهم َو ا َم ُ‬ ‫سا َ‬ ‫ُ َ َ َ َ ُ‬ ‫اال َ َ‬
‫االولَا ِء‬
‫ِ‬ ‫ام‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ٖ ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫نبيا ِء َو المرس ٖلني احلا ِمل ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫المعج َزات ابلَا ِهرةَ‬ ‫اماتهم ذُو ُ‬ ‫س ا ّتفَاقهم َو َتقيقهم َو َك َر َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ ّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٖ ِِ‬ ‫اوى ِ ِ ِ ِ‬ ‫الص ِٖدي ٖقني احل ٖ‬ ‫و ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الم َصدقة ل ُ ذو ا َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫حققة ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الم َ‬ ‫َ‬
‫ادللئل القاط َعة ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َو اخل َ َوارق الظاه َر َو َّ‬
‫ال الغ ِال َ ِة‬ ‫خلص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ َ ِ َ ةِ‬
‫َ َ َ ُ َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫شيعت ِ ِه المكمل ِة‬ ‫ٖف ذات ِ ٖه و االخل ِق الع ِال ِة ٖف و ٖظيف ِت ٖه و السجايا السا ِمي ِة ٖف ٖ‬
‫زن ِل‬ ‫الم َ‬ ‫زنل َو ُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫اع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ان با َ‬ ‫الر َّب ّ‬ ‫خل َل ِف َمهب ُط الوَىح َّ‬ ‫نهَة َل ُ َ‬ ‫الم َ َّ‬
‫ُ‬
‫زن ِل و الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم‬ ‫ِمج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ن‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫ُ َٰ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫كوت ُم َشا ِه ُد اال َ َ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ َ‬
‫الملئِك ِة‬ ‫احب‬ ‫اح َو مص ِ‬ ‫رو ِ‬ ‫يب و المل ِ‬ ‫علي ِه سيار عل ِم الغ ِ‬
‫َ‬ ‫ات َش َ‬ ‫ً َ َ َََ‬ ‫َ ً َ َ ً َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ َ ُ َ َ‬
‫خللق ِة )‬ ‫ج َرة ِ ا ِ‬ ‫ات شخصا و نوع و ِجنسا ( انو ُر ثمر ِ‬ ‫ال الكئِن ِ‬ ‫انموذج كم ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َّ َ َ ُ َ َ َّ َ َّ ُ‬ ‫َ ُ َّ ُ َ ُ َ َ‬
‫ات‬ ‫لس ِم الكئِن ِ‬ ‫ِساج احل ِق برهان الح ٖقيق ِة تِمثال الرمح ِة ِمثال المحب ِة كشاف ِط ِ‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪357‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫َ َ َّ ٰ َ َّ ُ ُ ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ َ َ ُّ ُ َّ‬
‫ني‬‫خصي ِت ِه المعن ِوي ِة ِال انه نصب ع ِ‬ ‫لوي َّ ِة ش ِ‬ ‫دلل سلطن ِة الربوبِي ِة المر ِمز بِع ِ‬
‫ُ َّ‬
‫ريها َو قوتِهَا‬
‫َ‬
‫ات‬ ‫س‬‫سعة َد َ‬ ‫ه ب ُو َ‬ ‫الشيعَ ِة الَّت ِ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ات ذو‬
‫َ َ‬
‫لق الكئِن ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ٖ‬ ‫اط ِر العال ِم ٖف خ ِ‬ ‫ف ِ‬
‫َ َ َّ َ َ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ٰ َ َّ َ ُ َ‬
‫ات‬ ‫اظم الك ِئن ِ‬ ‫ات نعم ِان ن ِ‬ ‫ون و وضع خا ِل ِق الكئِن ِ‬ ‫اظ ِم الك ِ‬ ‫ري ِال انهَا نِظام ن ِ‬ ‫ت ٖش‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫االكمل ُه َو نَ ُ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫مج ِل‬ ‫حسن اال َ‬ ‫َ‬
‫انلظامِ اال ِ‬
‫ادلين بهذا ِّ‬
‫اظم هذا ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫انلظامِ االت َ ِ ّم‬ ‫بهذا ِّ‬
‫ِ‬
‫َ ُ ََّ‬ ‫يمان ن ُن مع َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اش بن اد َم َو مهدينا ال ا َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫بن‬ ‫اش المؤ ِم ٖنني مم ٍد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ‬ ‫ٖ‬ ‫ٖ ِ‬ ‫س ِيدنا نن مع ِ ٖ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫َ َ َ َ ُ َّ َ َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫ّٰ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ات ما دام ِ‬ ‫ات و ات ُّم التس ٖليم ِ‬ ‫ب علي ِه افضل الصلو ِ‬ ‫بد المط ِل ِ‬ ‫بن ع ِ‬ ‫الل ِ‬ ‫بد ِ‬ ‫ع ِ‬
‫َّ َ ُ َ َّ ٰ َ َّ َ َّ َ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ ٰ ُ‬ ‫َ ُ‬
‫وس‬ ‫االرض َو الس ٰموات فاِن ذلِك الشا ِهد الصا ِدق المصدق يشهد عل ُرؤ ِ‬
‫َ ً ُ‬ ‫َ َ َ َ َ‬ ‫لجيَال الب َ َ َ َ‬ ‫َ َ َُ ً َ ُ ًَّ َ‬
‫لو ًّيا‬‫ار نِداء ع ِ‬ ‫ار و االقط ِ‬ ‫ش خلف االعص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫االشها ِد منا ِديا و معلما ِ‬
‫ك َمال ا َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫ّ َّ َ َ َ ُ ُ‬ ‫ِبَ ٖم ِ ُ َّ َ َ َ‬
‫يمانِ ٖه‬ ‫ِ ٖ‬ ‫يع قوت ِ ٖه و بِغاي ِة ِج ِديت ِ ٖه و بِ ِنهاي ِة وثوق ِ ٖه و بِقو ِة ِاط ِمئنانِ ٖه و بِ‬
‫َ َ ُ َ َٓ ٰ َ َّ ّٰ ُ َ َ ُ َ َ َ َ‬
‫شيك لُ‪.‬‬ ‫بِاشهد ان ل ِال ِال الل وحده ل ٖ‬

‫ِ‬
‫موس‬ ‫ال َّلمع ُة الثاني َة عرش َة الساطع ُة ُّ‬
‫كالش‬
‫ِ‬
‫احلقائ ِق ويا ل ُه من‬ ‫بحر‬ ‫الكلمة ال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫هذه ال َّلمع َة الثاني َة عرش َة من ِ‬
‫إن ِ‬‫َّ‬
‫هلي ُ‬‫والعرشين َ‬
‫َ‬ ‫انية‬ ‫هذه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫السابق َة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بحيث َّ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعرشين‬
‫َ‬ ‫اثنتني‬ ‫تكون إلَّ َّ‬
‫جمر َد‬ ‫االثنتني والعرشين َّ‬ ‫الكلامت‬ ‫إن‬ ‫عظيم‬ ‫بحر‬
‫ِ‬
‫االثنتني‬ ‫ِ‬
‫الكلامت‬ ‫إن َ‬
‫تلك‬ ‫بحيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‬ ‫ِ‬
‫األنوار ويا ل ُه من منب ٍع‬ ‫منبع‬
‫قطر ًة من ُه؛ وهي ُ‬
‫ِ‬
‫الشمس‪.‬‬ ‫اثنتني وعرشين لمع ًة من تلك‬ ‫ِ‬ ‫والعرشين ليست سوى‬
‫ابقة ما هي إلَّ ٌ‬
‫ملعة واحد ٌة‬ ‫االثنتني والعرشين الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلامت‬ ‫كلمة من َ‬
‫تلك‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫إن َّ‬ ‫نعم َّ‬
‫َّ‬
‫آية جتري‬ ‫هنر ٍ‬ ‫إل قطر ٌة واحد ٌة من ِ‬ ‫الكريم‪ ،‬وما هي َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫واحدة تسطع يف ِ‬
‫سامء‬ ‫ٍ‬ ‫لنجم ٍ‬
‫آية‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫كتاب‬ ‫واحدة من‬‫ٍ‬ ‫جواهر ٍ‬
‫آية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صندوق‬ ‫هي إلَّ ُلؤلؤ ٌة واحد ٌة من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬
‫الكريم‪ ،‬وما َ‬ ‫الفرقان‬ ‫بحر‬
‫الكلمة التاسع َة عرش َة‬‫ِ‬ ‫الرابع َة عرش َة من‬ ‫الر ُ‬
‫شحة َّ‬ ‫األعظم؛ لذا ما كانت َّ‬ ‫ُ‬ ‫الكنـز‬
‫ُ‬ ‫اهلل الذي هو‬
‫ِ‬
‫األعظم‪..‬‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫َـزل من‬ ‫العظيم‪ ،‬كال ِم اهلل الذي ن َ‬ ‫ِ‬ ‫اإلهلي‬ ‫تعريف ذلك الكال ِم‬ ‫ِ‬ ‫إلَّ نبذ ًة من‬
‫ِّ‬
‫مو ُم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫األعظم‪ ..‬من التَّج ِّلي‬ ‫ِ‬
‫طلق‪،‬‬ ‫وس ٍّ‬ ‫األعظم للربوب َّية ال ُعظمى‪ ،‬يف َسعة ُمطل َقة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العرش‬ ‫من‬
‫قطعية آياتِه‪« :‬ال‬
‫ٍ‬ ‫بكل قوتِ ِه و ُير ِّد ُد ِّ‬
‫بكل‬ ‫يقول ِّ‬
‫بالعرش‪ ،‬والذي ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫والفرش‬ ‫ِ‬
‫باألبد‪،‬‬ ‫َ‬
‫األزل‬ ‫ُ‬
‫يربط‬
‫ينطق م ًعا «ال إل َه َّإل هو»‪.‬‬ ‫إن العالم ك َّله ُ‬ ‫الكون قاطب ًة؛ ح ًّقا َّ‬
‫َ‬ ‫إله َّإل هو» مشهدً ا ِ‬
‫عليه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪358‬‬
‫الس َّت ساطع ٌة‬ ‫ِ‬ ‫سليم‪ ،‬ترى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ببصرية ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نظرت إىل َ‬
‫أن جهاته ِّ‬ ‫قلب‬ ‫الكريم‬ ‫القرآن‬ ‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫فإذا‬
‫حيلة أ ًّيا كانت أن‬ ‫شبهة وال لِ ٍ‬ ‫لضاللة وال لِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لمة وال‬ ‫بحيث ال يمكن ل ُظ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫رائقة‪،‬‬ ‫َن ِّي َرةٌ‪ ،‬وش َّف ٌ‬
‫افة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلعجاز‪ ،‬وتح َت ُه‪:‬‬ ‫إن ِ‬
‫عليه‪َ :‬شار َة‬ ‫حيث َّ‬ ‫س َق ُّط‪ُ ،‬‬ ‫خول يف رحابِ ِه املقدَّ ِ‬ ‫تَرى هلا ِش ًَّقا و ُفرج ًة للدُّ ِ‬
‫حض‪ ،‬وأما َمه‪ :‬سعاد ُة‬ ‫الـم ُ‬ ‫باين َ‬
‫الر ُّ‬ ‫الوحي َّ‬ ‫ُ‬ ‫استناد ِه)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫(نقطة‬ ‫ليل‪ ،‬وخل َف ُه‬ ‫البرهان والدَّ ُ‬ ‫ُ‬
‫باستشهاد ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجدان‬ ‫تثبيت ت ِ‬
‫َسليم‬ ‫ُ‬ ‫باستنطاق ِه‪ ،‬وشما َله‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقل‬ ‫تصديق‬
‫ُ‬ ‫ارين‪ ،‬ويمينَه‪:‬‬ ‫الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫أنوار إيامني ٌة خالص ٌة‬ ‫ِ‬ ‫وداخ َل ُه‪ِ :‬ه ٌ‬
‫وثمار ُه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫باملشاهدة‪،‬‬ ‫رمحانية خالص ٌة بالبداهة‪ ،‬وفو َق ُه‪ٌ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫داية‬
‫ِ‬
‫اليقني‪.‬‬ ‫بعني‬ ‫ِ‬
‫اإلنسانية ِ‬ ‫ِ‬
‫بكامالت‬ ‫تح ُّل َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الم َ‬
‫والصديقون ُ‬ ‫واملحققون واألوليا ُء‬ ‫األصفيا ُء‬
‫ِ‬
‫األعامق‬ ‫ِ‬
‫أعمق‬ ‫ستسمع من‬ ‫ِ‬
‫الغيب ُمصغ ًيا فإن ََّك‬ ‫ِ‬
‫لسان‬ ‫ِ‬
‫صدر‬ ‫قت ُأذنَك إىل‬
‫فإذا أ ْل َص َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالربهان‪،‬‬ ‫جه ِز‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صدً ى سامويا يف ِ‬
‫الم َّ‬
‫مو‪ُ ،‬‬ ‫والس ِّ‬
‫اإليناس واإلمتاعِ‪ ،‬ويف ُمنتهى الجدِّ َّية ُّ‬ ‫غاية‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫بدرجة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عني‬ ‫اليقني‬ ‫ِ‬
‫العلم‬ ‫َ‬
‫عليك من‬ ‫فيض‬ ‫جازمة و ُي ُ‬ ‫بقطعية‬ ‫ويكر ُر َها‬
‫ِّ‬ ‫ُير ِّد ُد‪« :‬ال ال َه َّإل َ‬
‫هو»‬
‫ِ‬
‫اليقني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اليقني بام يقو ُل ُه من ِّ‬
‫حق‬
‫باهر‪ ،‬أظهرا‬
‫نور ٌ‬ ‫احلكيم الذي ٌّ‬
‫كل منهام ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫والفرقان‬ ‫الكريم ﷺ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الر َ‬
‫سول‬ ‫زُبد ُة الكالمِ‪َّ :‬‬
‫إن َّ‬
‫حقيقة الت ِ‬
‫َّوحيد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حقيق ًة واحدةً؛ هي‬
‫احلقيقة بأصاب ِع اإلسال ِم والر ِ‬
‫سالة‬ ‫ِ‬ ‫أشار إىل َ‬
‫تلك‬ ‫الش ِ‬
‫هادة‪،‬‬ ‫لسان عا َل ِ‬
‫ـم َّ‬ ‫ُ‬ ‫فأحدُ مها‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األنبياء‬ ‫ِ‬
‫وبتصديق مجي ِع‬ ‫ألف من معجزاتِ ِه‬
‫خالل ٍ‬
‫ِ‬ ‫بكل ما أويت من ٍ‬
‫قوة من‬ ‫ٍ‬
‫بجالء‪ِّ ،‬‬ ‫و َب َّينـَها‬
‫ِ‬
‫واألصفياء‪.‬‬
‫وأشار إليها بأصاب ِع‬
‫َ‬ ‫أظهر الحقيق َة َ‬
‫نفسها‬ ‫َ‬ ‫ـم ال َغ ِ‬
‫يب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لسان عا َل ِ‬ ‫واآلخر‪ :‬هو بمثا َب ِة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلعجاز‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وجها من وجوه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كل ِجدٍّ وأصالة‪ ،‬من‬ ‫وعرضها بِ ِّ‬ ‫ِ‬
‫أربعني ً‬
‫َ‬ ‫خالل‬ ‫َ‬ ‫حل ِّق واهلداية‪،‬‬
‫ا َ‬
‫مس‬‫الش ِ‬
‫أبهر من َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تكون َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َصديـق من ِق َب ِل َجي ِع‬
‫ٍ‬
‫احلقيقة َ‬ ‫تلك‬ ‫للكون‪ ..‬أال‬ ‫َّكوينية‬ ‫اآليات الت‬ ‫وت‬
‫وأظهر من ُه؟!‬
‫َ‬ ‫وأوضح من الن ِ‬
‫َّهار‬ ‫َ‬ ‫وأسطع ِمنها‪،‬‬
‫َ‬
‫موس‬ ‫ُضارع هذه ُّ‬ ‫الض ِ‬
‫اللة(‪َ )1‬‬ ‫ُ‬
‫الش َ‬ ‫َ‬ ‫تتمكن أن ت‬
‫ُ‬ ‫كيف‬ ‫ادر يف َّ‬
‫الس ُ‬ ‫تمر ُد َّ‬
‫الم ِّ‬
‫احلقيـر ُ‬
‫ُ‬ ‫اإلنسان‬ ‫أهيا‬
‫موس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يمكنك االستغنا ُء عن َ‬
‫تلك ُّ‬
‫الش‬ ‫َ‬ ‫زيل؟ وكيف‬‫خافت َه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصيص‬ ‫رأسك من‬‫َ‬ ‫بام يف‬
‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫ُ‬
‫لسان‬ ‫اجلاح ِد‪َ ،‬‬
‫كيف جتحدُ ما قا َل ُه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫لعقلك‬ ‫ِ‬
‫األفواه؟ َت ًّبا‬ ‫بنفخ‬ ‫ِ‬
‫إطفائها ِ‬ ‫وتَسعى إىل‬
‫ٍ‬
‫دعوة‪.‬‬ ‫الكون‪ ،‬وتُنكر ما دعا ِ‬
‫إليه من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومالك‬ ‫رب العاملني‬ ‫ِ‬ ‫الشها َد ِة من كال ٍم‬ ‫ُ‬
‫ولسان َّ‬
‫ُ َ‬ ‫باسم ِّ‬
‫ِ‬
‫القرآن وإزا َلتَه‪( .‬املؤلف)‬ ‫فع‬ ‫ُ‬
‫حياول َر َ‬ ‫موج ٌه للذي‬
‫اخلطاب َّ‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬هذا‬
‫� ����������� ����� ����� �� ���� � �� � � � � � � � ‬
‫‪359‬‬ ‫��������� ���� ��������� ����������‬ ‫�� �‬
‫ِ‬
‫تكذيب‬ ‫ُور َط َ‬
‫نفس َك يف‬ ‫أنت حتى ت ِّ‬
‫واألحقر من ُه‪َ ،‬من َ‬
‫ُ‬ ‫الذ ِ‬
‫باب‬ ‫األعجز من ُّ‬
‫ُ‬ ‫قي‬ ‫أهيا َّ‬
‫الش ُّ‬
‫ِ‬
‫اجلالل واإلكرا ِم؟‬ ‫ِ‬
‫الكون ذي‬ ‫ِ‬
‫مالك‬

‫اخلامتة‬
‫هذه «الكلم َة‬ ‫فهمت ِ‬ ‫كنت قد‬ ‫ظ! إن َ‬ ‫لب الـمتي ِّق ِ‬ ‫الم َّنو ِر وال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫العقل ُ‬ ‫ديق يا ذا‬ ‫الص ُ‬
‫ُّأيا َّ‬
‫اجا‬ ‫ِ‬ ‫بيد َك االثنت َْي عرش َة ملع ًة دفع ًة واحدةً‪،‬‬ ‫فخ ْذ ِ‬ ‫والعرشين» من بدا َيتِها‪ُ ،‬‬ ‫الثاني َة‬
‫واظفر هبا س ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األعظم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العرش‬ ‫ِ‬
‫املمتدة من‬ ‫الق ِ‬
‫رآنية‬ ‫ِ‬
‫باآليات ُ‬ ‫واعتصم‬ ‫ِ‬
‫املصابيح‪،‬‬ ‫آالف من‬ ‫بقوة ٍ‬ ‫للحقيقة‪ِ ،‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫معرفة اهلل سبحا َن ُه و ُق ْل‪:‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عرش‬ ‫احلقائق واص َعدْ إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ساموات‬ ‫واعر ْج يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وامتط َ‬
‫التوفيق ُ‬ ‫براق‬
‫ـم عىل‬ ‫ِ‬
‫الكبري للعا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫املسجد‬ ‫وأعلن يف‬ ‫لك»‬‫رشيك َ‬ ‫َ‬ ‫أنت وحدَ َك ال‬ ‫أن ال إل َه إلَّ َ‬ ‫« أشهدُ ْ‬
‫ْ‬
‫الكون الوحداني َة ً‬
‫قائل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موجودات‬ ‫ِ‬
‫ؤوس‬ ‫ُر‬
‫وي ُ‬ ‫احلمد‪ُ ،‬ييي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إل َّّ ُ‬ ‫َ َّ‬
‫ميت‪،‬‬ ‫امللك‪ ،‬وهل ُ‬ ‫رشيك هلُ‪ ،‬هل ُ‬ ‫وحد ُه ال‬ ‫الل‬ ‫ال هلإ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬
‫لك يش ٍء ق ٍ‬
‫دير‪.‬‬ ‫وهو يح ال يموت‪ ،‬بيدهِ اخلري‪ ،‬وهو عىل ِ‬
‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬

‫﴿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ‬

‫ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ﴾‬

‫﴿ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﴾‬
‫﴿ ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ﴾‬
‫َْ َ َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ آ‬ ‫ح ًة للْ َعالَم َ‬
‫ا َ َّّ َّ َ ّ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ‬
‫ارحْنَا‬ ‫ني َو َعل � ِ ِل َو َصح ِب ِه أج ِعني و‬ ‫لل ص ِل عل من أرسلته َر ِ ِ‬
‫ني �آم َ‬
‫الر ِ َ‬ ‫ك يَا ْ َ‬ ‫َ ْ َ َّ َ ُ َ ْ َ َ‬
‫ني‪.‬‬ ‫اح ِ‬ ‫أرح َم َّ ِ‬ ‫وارحم أمته بِرح ِت‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﴾‬
‫ل��ل �ة ا �� ث ا �� ث �ة ا ��ل� ش ن‬
‫�‬‫�‬
‫ا � ك�� �م� ل�� ل�� �و ع���ر�و�‬
‫وهي مبحثان‬

‫�﷽‬

‫﴿ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ * ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ *‬

‫﴾ (التني‪)6-4:‬‬ ‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ‬

‫املبحث األول‬
‫ٍ‬
‫نقاط‬ ‫س‬
‫ك في خم ِ‬ ‫ن الإيما ِ‬
‫ن وذل َ‬ ‫ِ‬
‫آلاف محاس ِ‬ ‫حاسن من بين‬
‫خمس م َ‬ ‫بيـن‬
‫نُ ُ‬
‫َ‬

‫النُّقطة األوىل‬
‫بذلك قيم ًة تجع ُله الئ ًقا باجلن َِّة‪،‬‬‫َ‬ ‫فيكتسب‬
‫ُ‬ ‫ني‬ ‫ِ‬
‫اإليامن إىل أعىل ع ِّل ِّي َ‬ ‫اإلنسان يسمو ِ‬
‫بنور‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ذلك َّ‬ ‫لنار جهن ََّم‪َ ،‬‬‫يؤه ُل ُه ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بينام يتردى ب ُظ ِ‬
‫ألن‬ ‫فيكون يف وض ٍع ِّ‬ ‫سافليـن‬
‫َ‬ ‫أسفل‬ ‫الكفر إىل‬ ‫لمة‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫فاإليمان إنام هو‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫اجلليل‪ ،‬وير ُب ُط ُه َبوثاق شديد ونسبة إليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان بصانعه‬‫َ‬ ‫اإليامن ير ُب ُط‬‫َ‬
‫فيه‪،‬‬ ‫اإلهلية ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫حيث تج ِّلي‬ ‫ُ‬ ‫باإليامن قيم ًة سامي ًة من‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫يكتسب‬ ‫انتساب؛ لذا‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫فيقطع تلك النسب َة‬ ‫الكفر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الربانية عىل صفحة وجوده؛ أ َّما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نقوش األسامء َّ‬ ‫وظهور آيات‬
‫ص ُ‬ ‫ـمها‪َ ،‬ف ُ‬‫َطمس عىل معالِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قيمة‬ ‫تنق ُ‬ ‫الربان َّي َة وت ُ‬ ‫االنتساب‪ ،‬وتَغشى ظلمتُه الصنع َة َّ‬ ‫َ‬ ‫وذلك‬
‫كم املعدو ِم‪،‬‬ ‫وقيمة املا َّد ِة ال ُيعتدُّ هبا فهي يف ُح ِ‬ ‫ُ‬ ‫تنحرص يف ما َّدتِ ِه فحسب؛‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان حيث‬ ‫ِ‬
‫لكوهنا فاني ًة‪ ،‬زائل ًة‪ ،‬وحياتُها حيا ٌة حيوان َّي ٌة مؤ َّق ٌتة‪.‬‬
‫�‬ ‫� �� � � ��� ��� � � � ‬
‫‪361‬‬ ‫������� ‪� ������ ������� ����� � -‬‬
‫��� ���� �� ����� ��‬
‫ِ‬ ‫ختتلف عن ِ‬ ‫إن قيم َة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫قيمة‬ ‫ُ‬ ‫املادة‬ ‫توضيحي‪َّ :‬‬ ‫ٍّ‬ ‫بمثال‬ ‫وها نحن ُأوالء نُب ِّي ُن هذا َّ‬
‫السر‬
‫تكون الماد ُة‬ ‫ُ‬ ‫متساويتني‪ ،‬وقد‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القيمتني‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فنرى أحيانًا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلجادة فيام َيصن ُع ُه‬ ‫ومدى‬
‫عالية‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومجالية‬ ‫قيمة ٍ‬
‫فنية‬ ‫حديد عىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حيدث أن حتتوي ماد ُة‬ ‫ُ‬ ‫نفسها‪ ،‬وقد‬ ‫نعة ِ‬ ‫أكثر قيم ًة من الص ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫كونا من ٍ‬
‫مادة‬ ‫اللريات رغم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماليني‬ ‫نفيسة جدً ا قيم َة‬‫ٌ‬ ‫صنعة نادر ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫حتوز‬
‫وحيدث أن َ‬ ‫ُ‬ ‫جدً ا‪،‬‬
‫َ َ‬
‫ِ‬
‫جيدين‬ ‫َ‬ ‫الـم‬
‫ني ُ‬ ‫َّاعني واحلرفِ ِّي َ‬ ‫الصن َ‬ ‫وق َّ‬ ‫َّادرة يف س ِ‬
‫ُ‬
‫ُّحفة الن ِ‬‫هذه الت ِ‬ ‫مثل ِ‬ ‫بسيطة جدً ا‪ ،‬فإذا ُع ِر َض ْت ُ‬ ‫ٍ‬
‫ُّحفة‬ ‫خذت الت ُ‬ ‫ِ‬ ‫لرية‪ ،‬أ َّما إذا ُأ‬ ‫ليون ٍ‬ ‫حتوز سعر ِم ِ‬ ‫فإنا ُ‬ ‫املاهر َّ‬
‫َ‬ ‫هري َّ‬‫الش َ‬ ‫َ‬ ‫الباهر‬
‫َ‬ ‫وعرفوا صان َعها‬ ‫َ‬
‫رشائها‬ ‫نفق أحدٌ يف ِ‬ ‫ور َّبام ال ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫نَفسها إىل س ِ‬
‫‪-‬مثل‪ -‬فقد ال يتقدَّ ُم لرشائها أحدٌ ‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ادين‬
‫وق احلدَّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شي ًئا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫عجزة‬ ‫الصان ِع ُسبحان ُه‪ ،‬وهو أرقى ُم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الص ُ‬ ‫ُ‬
‫للخالق َّ‬ ‫اخلارقة‬ ‫نعة‬ ‫اإلنسان‪ ،‬فهو َّ‬ ‫وهكذا‬
‫أسامئ ِه احلسنى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ات‬‫عجزات ُقدرتِ ِه وألط ُفها‪ ،‬حيث خ َل َقه الباري مظهرا جلمي ِع جتلي ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫من ُم‬
‫للكائنات‬ ‫ِ‬ ‫ونموذجا‬ ‫مثال ُمص َّغ ًرا‬‫ديعة َج َّل ْت عظمتُه‪ ،‬وص َّير ُه ً‬ ‫ُقوش ِه الب ِ‬ ‫وجع َله مدارا جلمي ِع ن ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬
‫ِ‬
‫بأرسها‪.‬‬
‫ِ‬
‫اإلنسان من‬ ‫جميع ما عىل‬ ‫ُّور‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫‪-‬ذلك الن ُ‬ ‫اإلنسان َب َّي َن‬ ‫اإليامن يف هذا‬ ‫نور‬
‫استقر ُ‬
‫َّ‬ ‫فإذا‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اآلخرين؛ فيقر ُأها‬ ‫نقوش ح ٍ‬
‫كيمة‪ ،‬بل يست ْق ِرئُها‬
‫بتفكر‪ ،‬و َيش ُع ُر هبا يف نفسه ُش ً‬
‫عورا‬ ‫املؤمن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ َ‬
‫الصان ِع‬ ‫مصنوع َّ‬
‫ُ‬ ‫يقول‪« :‬ها أنا ذا‬‫اآلخرين يطالعوهنا ويتم َّلونَها‪ ،‬أي كأ َّن ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وجيعل‬ ‫كامل‪،‬‬‫ً‬
‫ِ‬ ‫اجلليل ومخلو ُق ُه‪ ،‬انظروا َ‬ ‫ِ‬
‫الواسـعة‬ ‫شابها من املعاين‬‫في رحم ُت ُه‪ ،‬وكر ُم ُه»‪ ،‬وبام َ‬ ‫كيف تَتجلَّ َّ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫الر ُ‬
‫بانية يف‬ ‫نعة َّ‬ ‫الص ُ‬ ‫تتج َّلى َّ‬
‫بإظهار مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫الصان ِع سبحانه‪ُ -‬‬
‫يقوم‬ ‫ِ‬
‫االنتساب إىل َّ‬ ‫اإليامن ‪-‬الذي هو ِعبار ٌة عن‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫إذن‬
‫تلك الص ِ‬ ‫اإلنسان عىل َمدى ِ‬‫ِ‬ ‫ـن بذلك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نعة‬ ‫بروز َ َّ‬ ‫قيمة‬ ‫الصنعة الكامنة يف اإلنسان‪ ،‬فتتع َّي ُ‬ ‫آثار َّ‬
‫ِ‬
‫مرتبة‬ ‫اإلنسان ‪-‬الذي ال أمهي َة ل ُه‪ -‬إىل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيتحول هذا‬ ‫الصمدان َّي ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫ولمعان َ‬‫ِ‬ ‫الربان َّي ِة‪،‬‬
‫تلك املرآة َّ‬ ‫َّ‬
‫وينال رش ًفا يؤه ُله للضيافةِ‬ ‫اإلهلي‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫للخطاب‬ ‫أهل‬
‫يصبح ً‬ ‫ِ‬
‫أسمى املخلوقات قاطب ًة‪ ،‬حيث‬
‫ُ ِّ ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫الربان َّي ِة يف اجلن َِّة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فعندئذ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫االنتساب إىل اهلل‪ -‬يف‬‫ِ‬ ‫الكفر ‪-‬الذي هو عبار ٌة عن َقط ِع‬ ‫أ َّما إذا تس َّل َل‬
‫ُ‬
‫ويتعذ ُر‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احلكيمة يف ال َّظال ِم وتُمحى هنائ ًّيا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫األسامء احلسنى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُقوش‬ ‫جميع معاين ن‬ ‫ُ‬
‫تسقط‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪362‬‬
‫الصان ِع‬ ‫املتوج َه ُة فيه إىل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الجهات املعنو َّي ُة‬
‫ُ‬ ‫ُفه َم‬
‫يمكن أن ت َ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك ألنه ال‬ ‫وقراءتا؛ َ‬ ‫ُ‬ ‫مطالعتُها‬
‫نعة الن ِ‬ ‫آيات الص ِ‬ ‫َندرس أكثر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّفيسة‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫تنقلب عىل َعق َبيها‪ ،‬وت ِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصان ِع سبحانه‪ ،‬بل‬ ‫اجلليل‪ ،‬بنسيان َّ‬ ‫ِ‬
‫عزى‬ ‫فسوف ُي َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫للعـني‬ ‫الية‪ ،‬أ َّما ما يتب َّقى منها مما يرتاءى‬ ‫النقوش املعنوي ِة الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأغلب‬ ‫ِ‬
‫احلكيمة‬
‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫جوهرة‬ ‫كل‬‫تتحول ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َزول‪ ،‬حيث‬ ‫َسقط هنائ ًّيا وت ُ‬
‫واملصادفة‪ ،‬فت ُ‬‫ِ‬ ‫َّافهة‪ ،‬إىل ال َّط ِ‬
‫بيعة‬ ‫األسباب الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫آنذاك عىل املا َّد ِة‬ ‫َ‬ ‫َقتصـر أهميتُها‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مظلمة‪ ،‬وت‬ ‫جاجة َسودا َء‬ ‫ٍ‬ ‫اجلواهر املتألل َئ ِة إىل ُز‬
‫ِ‬ ‫من تلك‬
‫عيشها‬ ‫قصرية ُجزئ َّي ٍة َي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حياة‬ ‫مرتا هي قضا ُء‬ ‫إن غاي َة املا َّد ِة و َث َ‬ ‫احليوان َّي ِة وحدَ ها؛ وكام ُقلنا‪َّ ،‬‬
‫ويزول‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫املخلوقات وأحوجها وأشقاها‪ ،‬ومن ثم يتفس ُخ يف الن ِ‬
‫ِّهاية‬ ‫ِ‬ ‫أعجز‬
‫ُ‬ ‫صاح ُبها وهو‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫سيسة‪.‬‬ ‫َفيسة إىل َف ٍ‬
‫حمة َخ‬ ‫وهرة ن ٍ‬ ‫وييلها من ج ٍ‬ ‫الكفر الماهي َة اإلنسان َّي ِة ُ‬ ‫وهكذا َي ِد ُم‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫النُّقطة الثاني ُة‬


‫الصمدان َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫املكاتيب َّ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫بارزا‬ ‫وينو ُر ُه و ُي ِ‬
‫ظه ُر ً‬ ‫َ‬
‫اإلنسان ِّ‬ ‫يضيئ‬
‫ُ‬ ‫ُور‬ ‫َ‬
‫اإليمان ن ٌ‬ ‫كام َّ‬
‫أن‬
‫القرون اخلالي َة واآلتي َة‬
‫َ‬ ‫أيضا‪ ،‬و ُي ِنق ُذ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات ً‬ ‫نري‬ ‫َ‬
‫كذلك فهو ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫ويستقرئُها‪،‬‬ ‫المكتوبة ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬
‫لامت الدَّ ِ‬
‫امسة‪.‬‬ ‫من ال ُظ ِ‬

‫ِ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫هذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫أرسار ِ‬
‫ِ‬ ‫بمثال؛ استنادا إىل ِ‬
‫أحد‬ ‫ٍ‬ ‫السر‬
‫ً‬ ‫ُوض ُح هذا َّ‬
‫وسن ِّ‬

‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ (البقرة‪)257:‬‬

‫رس‬ ‫ب عىل ِقمت ِ ِ‬ ‫ني متقاب َل ِ ِ‬ ‫ين شاخم َ ِ‬


‫هناك َطو َد ِ‬
‫َ‬ ‫واقعة خيال َّّي ٍة َّ‬
‫ٍ‬
‫َيهام ج ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ني‪ ،‬نُص َ‬ ‫أن‬ ‫رأيت يف‬
‫لقد ُ‬
‫ِ‬ ‫وتته ٍ‬
‫اجلرس‪ ،‬والدُّ نيا ُيخ ِّي ُم عليها‬ ‫واقف عىل َ‬
‫ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫سحيق‪ ،‬وأنا‬‫ٌ‬ ‫عميق‬
‫ٌ‬ ‫واد‬ ‫دهش‪ُ َ ،‬‬ ‫عظيم ُم ٌ‬
‫ٌ‬
‫فوجدت مقبر ًة‬ ‫ُ‬ ‫فنظرت إىل يميني‬ ‫ُ‬ ‫جانب‪ ،‬فال يكا ُد ُيرى منها يش ٌء؛‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫كثيف من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫َظ ٌ‬
‫الم‬
‫فكأن‬‫األيرس ِّ‬ ‫ِ‬ ‫نظرت إىل طريف‬ ‫ُ‬ ‫لت‪ ،‬ثم‬ ‫لامت ال هناي َة هلا‪ ،‬أي هكذا تَخ َّي ُ‬ ‫نح ُظ ٍ‬ ‫ضخم ًة حتت ُج ِ‬
‫وكأنا‬ ‫ُ‬
‫العظيمة‬ ‫والفواجع‬ ‫الم ُ‬
‫ذهلة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫تتدافع فيها الدَّ واهي ُ‬ ‫ُ‬ ‫عاتية‬ ‫ظلمات‬ ‫أمواج‬
‫َ‬ ‫وجدت‬
‫ُ‬
‫قرار هلا‪ ،‬وقد‬ ‫ٌ‬
‫عميقة ال َ‬ ‫فتراءت لعين ََّي ُه َّو ٌة‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫اجلرس‬ ‫ِ‬
‫أسفل‬ ‫ونظرت إىل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لالنقضاض‪،‬‬ ‫ب‬
‫تتأه ُ‬‫َّ‬
‫لامت‪،‬‬ ‫ظيم من ال ُّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلدير ال َع ِ‬ ‫كل هذا‬ ‫ُّور أما َم ِّ‬ ‫ِ‬
‫خافت الن ِ‬ ‫يدوي‬ ‫ٍ‬
‫مصباح‬ ‫أملك سوى‬ ‫كنت ال ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍّ‬
‫وأشباحا يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ووحوشا‬ ‫وضواري‬
‫َ‬ ‫رأيت أسو ًدا‬
‫ُ‬ ‫رهيب‪ ،‬إذ‬
‫ٌ‬ ‫وضع‬
‫ٌ‬ ‫فاستخدمتُه‪ ،‬فبدا يل‬
‫المصباح الذي ك ََش َ‬
‫ف‬ ‫أن مل أكن ِ‬
‫أمل ُك هذا‬ ‫َّيت ْ‬ ‫ِ‬
‫اجلرس‪ ،‬فتمن ُ‬ ‫ِ‬
‫وأطراف‬ ‫ِ‬
‫هنايات‬ ‫ٍ‬
‫مكان حتَّى يف‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫�‬ ‫� �� � � ��� ��� � � � ‬
‫‪363‬‬ ‫������� ‪� ������ ������� ����� � -‬‬
‫��� ���� �� ����� ��‬
‫املخاطر املدهش َة‬ ‫املصباح َش ُ‬
‫هدت‬ ‫ِ‬ ‫نور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يل َّ‬
‫َ‬ ‫هت َ‬ ‫وج ُ‬ ‫المخيفة؛ إذ إنَّني أينام َّ‬ ‫كل هذه املخلوقات ُ‬
‫ِ‬
‫علي»‪،‬‬ ‫المصباح مصيب ٌة و َبال ٌء َّ‬ ‫َ‬ ‫«إن هذا‬ ‫قائل‪َّ :‬‬
‫هت ً‬ ‫وتأو ُ‬
‫فتحس ْر ُت يف ذات نَفيس َّ‬ ‫َّ‬ ‫نفسها‪،‬‬ ‫َ‬
‫أصبت ِز ًّرا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكأن ‪-‬بتح ُّطمه‪ -‬قد‬ ‫األرض وتح َّط َم؛ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫المصباح إىل‬ ‫فألقيت‬
‫ُ‬ ‫فاستشاط َغيظي‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫لمات‪ ،‬وانكش َف ْت‬ ‫تلك ال ُّظ ُ‬ ‫الكائنات مجي ًعا فانقش َع ْت َ‬ ‫ِ‬ ‫هائل‪ ،‬فإذا ِبه ُي ِّنو ُر‬ ‫ٍ‬ ‫كهربائي‬ ‫ٍ‬
‫ملصباح‬
‫ٍّ‬
‫ناصع ًة‬ ‫يشء ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حقيقة ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫بذلك النُّور‪ ،‬و َبدَ ْت‬ ‫َ‬ ‫وكل ٍ‬
‫جهة‬ ‫مكان ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫أل ُّ‬ ‫وزا َل ْت ِن ِائ ًّيا‪ ،‬وامت َ‬
‫واضح ًة‪.‬‬
‫هل منب ِس ٍ‬
‫ط‪،‬‬ ‫يمر من َس ٍ ُ َ‬ ‫شارع ُّ‬‫ٌ‬ ‫إل‬‫هو َّ‬ ‫هيب ما َ‬ ‫الر َ‬ ‫المع َّل َق َّ‬ ‫الجسر ُ‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬ ‫أن َ‬ ‫فوجدت َّ‬
‫ُ‬
‫كر‬ ‫مجالس ِذ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ليس ْت إلَّ‬ ‫اليمني َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جهة‬ ‫أن تلك المقبر َة الهائل َة التي رأيتُها عىل‬ ‫وتب َّين ُْت َّ‬
‫ني يف‬ ‫رجال نورانِ ِّي َ‬
‫ٍ‬ ‫حتت ِ‬
‫إمرة‬ ‫ليلة‪َ ،‬‬ ‫كريمة لطي َف ٍة ج ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫دمة ون ٍ‬
‫َدوة‬ ‫وخ ٍ‬ ‫سامية ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعبادة‬ ‫وت ٍ‬
‫َهليل‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫األودية‬ ‫ورا‪ ،‬أ َّما َ‬
‫تلك‬ ‫وس ً‬ ‫لب َسعاد ًة ُ‬ ‫َبعث يف ال َق ِ‬ ‫ونورا وت ُ‬ ‫ً‬ ‫ُشع َبهج ًة‬ ‫جنائن ُخ ْض ٍر مجيلة ت ُّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫الغامضة التي رأيتُها عن يساري‪ ،‬فلم تكن إلَّ‬ ‫ُ‬
‫والحوادث‬ ‫ُ‬
‫المدهشة‬ ‫الس ُ‬
‫حيقة والدَّ واهي‬ ‫َّ‬
‫رائع‪..‬‬‫ومتنـز ٌه ٌ‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫رائعة‬ ‫روج‬
‫ظيم و ُم ٌ‬
‫ضيف َع ٌ‬‫ٌ‬ ‫َسر النَّاظرين‪ ،‬وورا َءها َم‬
‫شجر ًة خرضا َء ت ُّ‬ ‫ِج ً‬
‫بال ُم َّ‬
‫ارية التي شاهدتُها‬‫الض ُ‬ ‫ُ‬
‫والوحوش َّ‬ ‫ُ‬
‫املخيفة‬ ‫المخلوقات‬
‫ُ‬ ‫تلك‬‫نعم‪ ،‬هكذا رأيتُها بخيايل‪ ،‬أ َّما َ‬
‫َلوت اآلي َة‬ ‫ِ‬
‫واملاعز‪ ،‬وعندها ت ُ‬ ‫والض ِ‬
‫أن‬ ‫ور َّ‬ ‫كاجلمل وال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حيوانات أليف ًة أنيس ًة؛‬ ‫فلم تكن إلَّ‬
‫وبدأت أر ِّد ُد‪ :‬احلمدُ هلل‬
‫ُ‬ ‫الكريم َة‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾‬
‫ِ‬
‫الواقعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪ُ ،‬ث َّم ُ‬
‫أفقت من تلك‬ ‫عىل ِ‬
‫نور‬
‫ِ‬
‫األرض وعا َل ُم الربزخِ ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الحياة و ُمنتهاها‪ ،‬أي ُها عا َل ُم‬ ‫ِ‬
‫اجلبالن مها‪ُ :‬‬
‫بداية‬ ‫وهكذا‪ ،‬فذاكُام‬
‫األيسر‬ ‫رف‬ ‫الز ِ‬
‫من‪ ،‬وال َّط ُ‬ ‫األيمن هو املايض من َّ‬ ‫رف‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪ ..‬وال َّط ُ‬ ‫طريق‬
‫ُ‬ ‫الجسر هو‬ ‫َ‬
‫وذلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والمتباه َي ُة بام‬ ‫اإلنسان المعتدَّ ُة ِ‬
‫بنفسها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أنانية‬ ‫اليدوي فهو‬ ‫المصباح‬ ‫ُ‬
‫المستقبل من ُه‪ ،‬أ َّما‬ ‫هو‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫والوحوش الكارس ُة‬ ‫الغ ُ‬
‫يالن‬ ‫تلك ِ‬ ‫اموي‪ ..‬أما َ‬ ‫ِ‬ ‫لدهيا من ٍ‬
‫الس ِّ‬
‫الوحي َّ‬ ‫علم‪ ،‬والتي ال تُصغي إىل‬
‫ُ‬
‫العجيبة وموجودا ُت ُه‪.‬‬ ‫حوادث العاملِ‬ ‫ُ‬ ‫فهي‬
‫ِ‬
‫بأغالل‬ ‫ِ‬
‫الغفلة و ُي ْبتىل‬ ‫ِ‬
‫ظلمات‬ ‫رور ِه ويقع يف ِش ِ‬
‫راك‬ ‫وغ ِ‬ ‫فاإلنسان الذي يعتمدُ عىل أنان َّيتِ ِه ُ‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫من املايض‬
‫الز َ‬ ‫حيث يرى َّ‬ ‫الواقعة اخليال َّي ِة‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫القاتلة‪ ،‬فإ َّن ُه يشب ُه حالتي األوىل يف تلك‬‫ِ‬ ‫الض ِ‬
‫اللة‬ ‫َّ‬
‫عظيمة يف ُظ ِ‬
‫لامت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كمقبرة‬ ‫ِ‬
‫للضاللة‬ ‫ٌ‬
‫منحرفة‬ ‫معرفة ناقص ٌة‬
‫ٌ‬ ‫املصباح الن ِ‬
‫َّاقص الذي هو‬ ‫ِ‬ ‫بنور َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫يل إياه إىل الص ِ‬ ‫المستقبل م ِ‬
‫دفة‬ ‫ُّ‬ ‫طوب ُم ً َّ ُ‬
‫خل ُ‬ ‫وح ًشا ت ُ‬
‫َعبث فيه الدَّ واهي وا ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫من من‬
‫الز َ‬ ‫ال َعد ِم‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫صو ُر َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪364‬‬
‫سخر ٌة من ْ‬
‫لدن‬ ‫ِ‬
‫واملوجودات ‪-‬التي ك ٌُّل منها موظف ٌة ُم َّ‬ ‫احلواد ِ‬
‫ث‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫صو ُر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ال َعمياء‪ ،‬كام ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫عليه حكم ِ‬
‫اآلية‬ ‫حق ِ‬ ‫وحوش كارس ٌة وفواتِ ُك ضاري ٌة‪ ،‬ف َي ُّ‬
‫ٌ‬ ‫كأنا‬ ‫حيم َح ٍ‬ ‫رب َر ٍ‬
‫ُ ُ‬ ‫كيم‪َّ -‬‬ ‫ٍّ‬
‫﴿ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ (البقرة‪.)257:‬‬
‫وانكسرت‬
‫ْ‬ ‫سبيل‪،‬‬
‫ً‬ ‫اإليمان إىل قلبِ ِه‬
‫ُ‬ ‫الهداية اإلله َّي ُة‪ ،‬ووجدَ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫أما إذا أغا َث ِ‬
‫ت‬ ‫َّ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيكون أشب َه بحالتي ال َّثان َية يف َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‪،‬‬ ‫مت‪ ،‬وأصغى إىل‬ ‫َّفس وتح َّط ْ‬‫فرعون َّي ُة الن ِ‬
‫العالم بر َّمتِ ِه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وينطق‬
‫ُ‬ ‫اإلهلي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالنور‬ ‫ومتتلئ‬
‫ُ‬ ‫الكائنات بالنَّهار‬
‫ُ‬ ‫الواقعة اخليال َّي ِة‪ ،‬فتَص َط ُ‬
‫بغ‬ ‫ِ‬
‫﴿ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﴾ (النور‪)35:‬‬

‫عصور ِه ‪-‬كام‬
‫ِ‬ ‫عصر من‬ ‫ٍ‬ ‫ذاك مقبر ًة ُعظمى كام ُي َتو َّه ُم‪ ،‬بل ُّ‬
‫كل‬ ‫الغابر إذ َ‬
‫ُ‬ ‫الزمن‬
‫ُ‬ ‫فليس‬
‫ِ‬
‫األولياء‬ ‫ٍ‬
‫طائفة من‬ ‫رس ٍل‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تشهدُ ُه بصير ُة ال َق ِ‬
‫نبي ُم َ‬
‫حتت قيادة ٍّ‬ ‫عبودية َ‬ ‫بوظائف‬
‫َ‬ ‫زاخر‬
‫ٌ‬ ‫لب‪-‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫السامي َة‬
‫وجه‬ ‫أتم‬
‫الرعية عىل ِّ‬ ‫رس ُخ أركانَها يف َّ‬‫وينرشها و ُي ِّ‬ ‫ُ‬ ‫يدير تلك الوظيف َة َّ‬ ‫احلني‪ُ ،‬‬
‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫األرواح الصافي ِة من ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صورة‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أداء‬ ‫ِ َّ َ‬ ‫الغفرية من ذوي‬ ‫اجلامعات‬ ‫انتهاء هذه‬ ‫بعد‬ ‫وأكمل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫أكبر»‬‫وظائفها احليات َّية وواجباتا الفطرية تُح ِّل ُق ُمرتَقي ًة إىل املقامات العالية ُمر ِّد َدةً‪« :‬اهلل ُ‬
‫ِ‬
‫املستقبل‪.‬‬ ‫حجاب‬
‫َ‬ ‫مخترق ًة‬
‫َ‬
‫هناك ورا َء‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪َّ -‬‬ ‫‪-‬بمنظار ن ِ‬
‫ُور‬ ‫ِ‬ ‫يسار ِه يرتاءى له من ٍ‬
‫بعيد‬ ‫ِ‬ ‫يلتفت إىل‬ ‫ُ‬ ‫وعندما‬
‫نان‪ ،‬قد‬ ‫اجل ِ‬ ‫ِ‬
‫سعادة ِ‬ ‫قصور‬ ‫الش ِ‬
‫واهق‪-‬‬ ‫ِ‬
‫اجلبال َّ‬ ‫ِ‬
‫بضخامة‬ ‫برزخية وأخرو َّي ٍة ‪-‬وهي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫انقالبات‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫حوادث‬ ‫حادثة من‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫بأن َّ‬‫آخر؛ فيتي َّق ُن َّ‬ ‫الرمحن َمدًّ ا ال َ‬ ‫ِ‬
‫أول هلا وال َ‬ ‫مضايف‬
‫ُ‬ ‫ُمدَّ ْت فيها‬
‫مأمورات‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فات‬‫رات ُمو َّظ ٌ‬ ‫سخ ٌ‬ ‫والزالزل وال َّط ِ‬
‫اعون وأمثاهلا‪ -‬إنام هي ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪-‬كاألعاصري‬ ‫ِ‬
‫الكون‬
‫احلوادث التي تبدو قاسي ًة َخشن ًة‪ ،‬ما هي يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملطر وأمثا َلها من‬ ‫الربي ِع‬ ‫فريى َّ‬
‫عواصف َّ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫أبدية‪ ،‬ويرى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لحياة‬ ‫الموت مقدم ًة‬ ‫َ‬ ‫الحك َِم ال َّلطيفةِ‪ ،‬حتى إنَّه يرى‬‫احلقيقة واملعنى إلَّ مدار ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة عىل املثال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بتطبيق‬ ‫ِ‬
‫الجهات‬ ‫سائر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫خالدة‪..‬وقس عىل هذا النوال َ‬ ‫ْ‬ ‫سعادة‬ ‫باب‬
‫القبر َ‬ ‫َ‬

‫النُّقط ُة ال َّثالث ُة‬


‫يستطيع ْ‬
‫أن‬ ‫احلقيقي‬ ‫ِ‬
‫باإليامن‬ ‫يظفر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كام َّ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫فاإلنسان الذي ُ‬ ‫أيضا؛‬
‫فهو قو ٌة ً‬
‫نور‪َ ،‬‬ ‫اإليامن ٌ‬ ‫أن‬
‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص من ض ِيق الحوادث‪ُ ،‬مستندً ا إىل قوة إيامنه ف ُيبح ُر ِّ‬
‫متفر ًجا عىل‬ ‫يتحدَّ ى الكائنات ويتخ َّل َ‬
‫َّلت عىل‬ ‫والسال ِم ً‬
‫قائل‪ :‬تَوك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫أمواج األحداث العات َية بكامل األمان َّ‬ ‫ضم‬
‫سفينة احلياة يف خ ِّ‬
‫�‬ ‫� �� � � ��� ��� � � � ‬
‫‪365‬‬ ‫������� ‪� ������ ������� ����� � -‬‬
‫��� ���� �� ����� ��‬
‫بذلك َ‬
‫سبيل الدنيا‬ ‫َ‬ ‫ويقطع‬ ‫ِ‬
‫املطلق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للقدير‬ ‫الق ِ‬
‫درة‬ ‫يد ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬ويسـ ِّلم أعباءه الثقيل َة أمان ًة إىل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يرتفع‬ ‫يستطيع أن‬ ‫ويسرتيح‪ ،‬ومن َث َّم‬ ‫يصل إىل الربزخِ‬ ‫وراحة حتى َ‬ ‫ٍ‬ ‫البال يف س ٍ‬
‫هولة‬ ‫م ْطم ِئ َّن ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫عادة األبدية‪ِ.‬‬ ‫خول إىل الس ِ‬‫طائرا إىل اجلن َِّة للدُّ ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫ستجذ ُب ُه‬ ‫فحسب‪ ،‬بل‬ ‫يران إىل اجلن َِّة‬
‫التحليق وال َّط َ‬ ‫يفو ُت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أ َّما إذا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫التوكل فال ِّ‬ ‫اإلنسان‬ ‫ترك‬
‫فاإليامن إذن يقتيض التَّوحيدَ ‪ ،‬والتَّوحيدُ يقو ُد إىل الت ِ‬
‫َّسليم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سافليـن‪..‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أسفل‬ ‫ُ‬
‫األثقال إىل‬ ‫تلك‬‫َ‬
‫ين‪.‬‬ ‫الدار ِ‬ ‫ِ‬ ‫سه ُل‬ ‫َّوكل‪ ،‬والت ُ‬ ‫َّسليم ُيح ِّق ُق الت َ‬
‫الطريق إىل سعادة َ‬ ‫َ‬ ‫َّوكل ُي ِّ‬ ‫والت ُ‬
‫ور ُّدها ُك ِّل ًّيا‪ ،‬وإنَّما هو ِعبار ٌة عن العل ِم َّ‬
‫بأن‬ ‫ِ‬
‫األسباب َ‬ ‫َّوكل هو َر ُ‬
‫فض‬ ‫أن الت َ‬ ‫وال َت ُظن ََّّن َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫األخذ‬ ‫َّشبث بها ِ‬
‫أو‬ ‫ومداراتُها‪َّ ،‬أما الت ُ‬ ‫ب ل َيد القدرة اإلله َّية‪ ،‬ينبغي ِرعايتُها ُ‬ ‫األسباب هي ُح ُج ٌ‬ ‫َ‬
‫الحق‬‫يكون َّإل ِمن ِّ‬
‫ُ‬ ‫ب النَّتائجِ ال‬‫إذن وتَر ُّق ُ‬
‫بات ْ‬ ‫الفعلي‪ ،‬ف َطلب المسب ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫عاء ِ‬ ‫بها فهو نَوع من الدُّ ِ‬
‫َ ٌ‬
‫ِ‬ ‫ناء ال ِ‬
‫ترج ُع َّإل إليه وحدَ ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأن المن َة والحمدَ وال َّث َ‬
‫سبحانه وتعالى‪َّ ،‬‬
‫لت عىل‬ ‫ٍ‬
‫أعباء َث ٍ‬ ‫ِ‬ ‫املتوكل كَم َث ِل رج َل ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّل عىل اهلل ِ‬ ‫إن َم َثل المتوك ِ‬ ‫َّ‬
‫قيلة ُح ِّم ْ‬ ‫بحمل‬ ‫ني قاما‬ ‫وغير‬
‫أحدهام ما عىل ِ‬
‫كاه ِله حاملا‬ ‫ُ‬ ‫فوضع‬
‫َ‬ ‫وص ِعدا سفين ًة عظيم ًة‪،‬‬ ‫َّذاكر َ‬
‫ِ‬
‫رأس ِيهام وعات َقيهام‪ ،‬فقط َعا الت َ‬ ‫َ‬
‫«ض ْع‬
‫فقيل ل ُه‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫روره‪َ ،‬‬ ‫وغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخر فلم يفعل مث َله حلامقته ُ‬ ‫وجلس عليه َير ُق ُبه‪ ،‬أ َّما‬ ‫السفين َة‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫دخل َّ‬
‫ذاك مخاف َة َّ‬
‫الضياعِ‪،‬‬ ‫فاعل َ‬‫ً‬ ‫لست‬
‫فقال‪« :‬ك ََّل‪ ،‬إين ُ‬ ‫عنائ َك؟» َ‬ ‫قيل لرتتاح من ِ‬ ‫ملك ال َّث َ‬‫عنك ِح َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫رأس وعىل َظهري»‪.‬‬ ‫فوق ِ‬ ‫وسأحتفظ بام ِ‬
‫أمل ُك ُه َ‬ ‫ُ‬ ‫أعبأ ِ‬
‫بحميل‪،‬‬ ‫قو ٍة ال ُ‬ ‫فأنا عىل َّ‬
‫ُؤوينا َ‬‫السلطان َّي َة األمين َة التي ت ِ‬ ‫األخ َّ ِ‬ ‫َ‬
‫وتري بنا‬ ‫السفين َة ُّ‬ ‫إن هذه َّ‬ ‫فقيل ل ُه ثاني ًة‪« :‬ولكن ُّأيا ُ‬
‫أنفسنا‪،‬‬ ‫الحفاظ علينا وعىل أمتعتِنا أكثر ِمن ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبإمكانا‬ ‫وأصلب ُعو ًدا منَّا مجي ًعا‪،‬‬ ‫هي أقوى‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫تفقد قوتَك ُرويدً ا‬ ‫فضل عن أن ََّك ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر‪،‬‬ ‫بنفس َك وأمتعتِ َك يف‬ ‫عليك فتهوي ِ‬ ‫َ‬ ‫غمى‬
‫ً‬ ‫فر َّبام ُي َ‬
‫األعباء التي‬‫ِ‬ ‫حمل هذه‬ ‫ُ‬ ‫هذه لن َي َس َع ُهام بعدُ‬ ‫اهلزيل هذا وهامت َُك اخلرقاء ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فكاه ُلك‬ ‫ُرويدً ا‪،‬‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتزايدُ َر َه ًقا‪ ،‬وإذا َ‬
‫رآك ُر َّب ُ‬
‫اجلنون وفاقدً ا‬ ‫بمس من‬ ‫السفينة عىل هذه احلالة فس َيظن َُّك ُمصا ًبا ٍّ‬ ‫ان َّ‬
‫ِ‬ ‫بإلقاء ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫للوعي‪ ،‬فيطردك ِ‬ ‫ِ‬
‫قائل‪:‬‬ ‫جن ً‬ ‫الس َ‬ ‫عليك و ُيود ُع َك ِّ‬ ‫َ‬ ‫بض‬ ‫يأمر‬
‫خارجا‪ ،‬أو ُ‬
‫ً‬ ‫ف َ‬
‫بك‬ ‫ويقذ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫َ‬
‫بإظهارك التَّك ُّب َر‬ ‫َّاس‪ ،‬ألن ََّك‬‫ُصبح ُأضحوك ًة للن ِ‬ ‫ستهز ُئ بِنا‪ ،‬وست ُ‬ ‫َّهم سفينَتَنا و َي ِ‬ ‫خائن َيت ُ‬
‫ٌ‬ ‫إن هذا‬ ‫َّ‬
‫جزا‪ ،‬وبتصن ُِّع َك الذي‬ ‫حيمل َع ً‬ ‫رور َك الذي ُ‬ ‫البصائر‪ -‬وب ُغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫خفي َضع ًفا ‪-‬كام يرا ُه ُ‬
‫أهل‬ ‫الذي ي ِ‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪366‬‬
‫َ‬
‫يضحكون‬ ‫جعلت من ِ‬
‫نفس َك ُأضحوك ًة و َمهزل ًة؛ أال ترى َّ‬
‫أن الك َُّل باتوا‬ ‫َ‬ ‫يب ِطن رياء ِ‬
‫وذ َّل ًة‪ ،‬قد‬ ‫ُْ ُ ً‬
‫منك ويستصغرون ََك‪»!..‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أرض‬ ‫فوضع ِحم َله عىل‬
‫َ‬ ‫المسكين إىل َصوابِ ِه‬
‫ُ‬ ‫سمع ك َُّل هذا الكال َم عا َد َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫وبعدَ ما‬
‫الرضا فلقدْ أنقذتَني من‬
‫كل ِّ‬ ‫عنك َّ‬ ‫وقال‪« :‬احلمدُ هلل‪ ..‬لِ َ‬
‫يرض اهلل َ‬ ‫عليه َ‬‫فينة وجلس ِ‬
‫َ َ‬
‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫والسخرية»‪.‬‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت ِ‬
‫جن ُّ‬ ‫َّعب واهلَوان ومن ِّ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ارجع إىل صوابِ َك ُ‬ ‫اإلنسان البعيدُ عن التَّوك ِ‬
‫جل‬ ‫وعدْ إىل ُرشد َك كهذا َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُّل!‬ ‫ُ‬ ‫فيا ُّأيا‬
‫الكائنات‪ ،‬ولِتنْجو من االرتِ ِ‬
‫ِ‬ ‫َّسـو ِل من‬ ‫ِ‬
‫عاد واهلل ِع‬ ‫َ‬ ‫ص من احلاجة والت ُّ‬ ‫وتوك َّْل عىل اهلل لتتخ َّل َ‬
‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْقذ نفسك من الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغالل‬ ‫األبدي ومن‬
‫ِّ‬ ‫قاء‬ ‫واالستهزاء ومن َّ‬ ‫ياء‬ ‫ِّ‬ ‫أما َم احلادثات‪ ،‬ولتن َ َ‬
‫ِ‬
‫ضايقات الدُّ نيا‪.‬‬ ‫ُم‬

‫الرابع ُة‬
‫النُّقط ُة َّ‬
‫األساس‬
‫ُ‬ ‫اإلنسان إنسانًا ح ًّقا‪ ،‬بل جيع ُل ُه ُسلطانًا؛ لذا كانت وظيفتُه‬
‫َ‬ ‫اإليامن ُ‬
‫جيعل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫العجز‪.‬‬ ‫اإلنسان حيوانًا مفرتسا يف ِ‬
‫غاية‬ ‫َ‬ ‫الكفر ُ‬
‫جيعل‬ ‫اإليامن باهلل تعاىل والدُّ عاء ِ‬
‫إليه؛ بينام‬ ‫َ‬
‫ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وهو‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بني ِ‬
‫آالف الدَّ ِ‬ ‫واضحا و ُبرهانًا قاط ًعا من ِ‬
‫الئل عىل هذه املسألة‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫دليل‬
‫وسنُور ُد ُهنا ً‬
‫دار الدُّ نيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واإلنسان إىل ِ‬ ‫ِ‬
‫احليوان‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫والفروق بني َميء‬ ‫التفاوت‬
‫ُ‬
‫اكتمال اإلنسان َّي ِة‬‫َ‬ ‫يدل عىل َّ‬
‫أن‬ ‫هذه الدُّ نيا ُّ‬ ‫واإلنسان إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احليوان‬ ‫ِ‬
‫جميء‬ ‫التفاوت بني‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫وذلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحيوان حينام يأيت إىل الدُّ نيا‬ ‫ألن‬ ‫َ‬ ‫باإليامن وحدَ ُه؛‬ ‫وارتقا َءها إىل اإلنسان َّية احل َّقة إنَّام َ‬
‫هو‬
‫استعداد ِه‪ ،‬فيتع َّل ُم يف‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫رس ُل إليها ُمتكام ًل َح َس َ‬ ‫آخر‪ ،‬ف ُي َ‬ ‫عالم ٍ‬ ‫اكتمل يف ٍ‬ ‫َ‬ ‫يأيت إليها كأ َّن ُه قد‬
‫بالكائنات األُخرى‬ ‫ِ‬ ‫رشائط حياتِ ِه وعالقاتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫جميع‬ ‫ِ‬
‫شهرين‬ ‫يومني أو‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ساعتني أو‬ ‫ِ‬
‫ظرف‬
‫َ‬
‫القدر َة احليات َّي َة‬ ‫‪-‬مثل‪ُ -‬‬ ‫ً‬ ‫صفور أو الن ُ‬
‫َّحلة‬ ‫لديه َم َلك ٌة؛ فيتع َّل ُم ال ُع‬ ‫فتحصل ِ‬ ‫ُ‬ ‫وقوانني حياتِ ِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫حص ُل يف‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫والس َ‬
‫عرشين يو ًما‬ ‫بانـي وهدايته سبحا َن ُه‪ ،‬و َي ُ‬ ‫الر ِّ‬ ‫طريق اإللها ِم َّ‬ ‫لوك العميلَّ عن‬ ‫ُّ‬
‫َّكم َل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫عرشين سن ًة‪ ،‬إذن‬ ‫اإلنسان إلَّ يف‬‫ُ‬ ‫عىل ما ال َيتع َّل ُم ُه‬
‫األساس للحيوان ليست الت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫الوظيفة‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بإظهار‬ ‫واملعرفة‪ ،‬وال االستعان َة والدعا َء‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬
‫لم‬ ‫بكسب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت ِّق َي‬ ‫واالكتامل بالتَّع ُّل ِم‪ ،‬وال َّ‬ ‫َ‬
‫استعداده‪ ،‬أي العبود َّي ُة الفعل َّي ُة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫العجز‪ ،‬وإنَّام وظيفتُه األصل َّي ُة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫حس َ‬
‫العمل َ‬
‫�‬ ‫� �� � � ��� ��� � � � ‬
‫‪367‬‬ ‫������� ‪� ������ ������� ����� � -‬‬
‫��� ���� �� ����� ��‬
‫تاج‬ ‫العكس من ذلك متا ًما‪ ،‬فهو عندما َي ْقدَ ُم إىل الدُّ نيا يقدَ ُمها وهو ُم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان فعىل‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫هل ُمطب ًقا‪ ،‬حتَّى إنَّه قد ال‬ ‫احلياة كا َّف ًة َج ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقوانني‬ ‫جاهل‬ ‫ٌ‬ ‫وإدراك ِه؛ إذ هو‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كل يشء‬ ‫إىل تَع ُّل ِم ِّ‬
‫َّفه ِم َمدى‬ ‫تاجا إىل التَّع ُّل ِم والت ُّ‬ ‫عرشين سن ًة‪ ،‬بل قد يبقى ُم ً‬ ‫َ‬ ‫خالل‬ ‫َ‬ ‫شرائط حياتِ ِه‬ ‫َ‬ ‫يستوعب‬
‫ُ‬
‫َّن من‬ ‫عف وال َع ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫احلياة وهو يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫فضل عن أنه ُيب َع ُث إىل‬ ‫ُع ُم ِر ِه؛‬
‫جز حتَّى إنَّه ال يتمك ُ‬ ‫غاية َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مخس عرش َة‬ ‫إل بعدَ َ‬ ‫الض ِّر َّ‬ ‫َّفع من ُّ‬ ‫سنتني من ُع ُم ِره‪ ،‬وال يكا ُد ُيم ِّي ُز الن َ‬ ‫القيا ِم ُمنتص ًبا إلَّ بعدَ‬
‫ِ‬
‫بالتعـاون‬ ‫دفع الضَّ ِر عنها إلَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫لنفس ِه‬
‫سن ًة‪ ،‬وال يمك ُنه أن يح ِّق َق ِ‬
‫منافع حياته ومصال َحها وال َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫احلياة االجتامع َّي ِة البرش َّي ِة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالنخراط يف‬
‫الت ِّقي‬ ‫َّكم ُل بالتَّع ُّل ِم؛ أي َّ‬ ‫ِ‬
‫أن وظيف َة اإلنسان الفطر َّي َة إنَّام هي الت ُّ‬ ‫َّضح من هذا َّ‬ ‫يت ُ‬
‫ويستفرس‪:‬‬ ‫بنفسه‬ ‫در َك ِ‬ ‫أن ُي ِ‬ ‫عاء وال ُعبود َّي ِة؛ أي ْ‬ ‫واملعرفة‪ ،‬والدُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلم‬ ‫َسب‬ ‫طريق ك ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫َ‬
‫وسخائ ِه ُأربى ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫مة َمن‬ ‫هبذه الرعاي ِة احلكيم ِة؟! وبمكْر ِ‬ ‫وش َف َقتِ ِه ُأدارى ِ‬ ‫رحمة َمن َ‬ ‫ِ‬ ‫«بِ‬
‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫الر ِاز َق ِة‬ ‫ورة َّ‬
‫هبذه الص ِ‬
‫ُّ َ‬
‫ِ‬ ‫غذى‬ ‫وبجود ِه ُأ َّ‬
‫ِ‬ ‫وبألطاف َمن‬ ‫ِ‬ ‫محة؟‬ ‫قة والر ِ‬
‫َّ‬
‫بالش َف ِ‬ ‫المفعم َة َّ‬ ‫التبي َة ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الفقر‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫والرجا ُء‬ ‫وسل َّ‬ ‫ضرع وال َّت ُ‬ ‫أن وظيف َت ُه ح ًّقا هي الدُّ عا ُء وال َّت ُ‬ ‫الرقي َق ِة؟!»‪ ،‬فريى َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫تصل يدُ ه إىل واحدة من‬ ‫ِ‬
‫ليقيض ل ُه طلباته وحاجاته التي ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جز إىل قاض احلاجات‬ ‫ِ‬ ‫وال َع ِ‬
‫َ‬
‫«العجز‬‫ِ‬ ‫بجناحي‬ ‫واالرتفاع‬ ‫َّحليق‬
‫األساس هي الت ُ‬ ‫أن وظيف َت ُه‬ ‫األلف منها؛ وهذا يعني َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫وال َف ِ‬
‫السامي‪.‬‬ ‫قر» إىل مقا ِم ال ُعبود َّية َّ‬
‫كل‬ ‫ألن َّ‬ ‫باملعرفة والدُّ عاء؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يتكامل‬ ‫ِ‬
‫ألجل أن‬ ‫اإلنسان إىل هذا َ‬
‫العالِ‬ ‫ِ‬ ‫إذن فلقد ِجي َء هبذا‬
‫كل العلو ِم‬ ‫فأساس ِّ‬ ‫ِ‬
‫واالستعداد؛‬ ‫حسب املاه َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫باملعرفة‬ ‫تعلق‬
‫لم و ُم ٌ‬ ‫الع ِ‬ ‫فيه موجه إىل ِ‬ ‫يشء ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َّ ٌ‬
‫هو‬ ‫ِ‬ ‫أن ُأ َّس هذا‬ ‫«معرفة اهلل تعاىل» كام َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األساس َ‬ ‫هو‬
‫وحها َ‬ ‫ور ُ‬ ‫ُورها ُ‬ ‫احلقيق َّية و َمعدنُها ون ُ‬
‫جل وعال»‪.‬‬ ‫«اإليمان باهلل َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫واملصائب وم ِ‬ ‫معر ٌض ملا ال ُيحىص ِمن أنوا ِع الباليا‬
‫األعداء مع‬ ‫هامجة‬ ‫ِ ُ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان َّ‬ ‫وحيث َّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬
‫قر ُمدْ قــ ٍع ال هناي َة‬‫وحاجات عديد ٌة مع أنَّه يف َف ٍ‬
‫ٌ‬ ‫مطالب كثري ٌة‬
‫ُ‬ ‫طلق‪ ،‬وله‬ ‫جز ُم ٍ‬ ‫حيمل من َع ٍ‬ ‫ما ُ‬
‫ـخها؛‬ ‫ِ‬
‫العبادة و ُم ُّ‬ ‫أساس‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬وهو‬ ‫األساس «الدُّ عا َء» بعدَ‬ ‫تكون وظيفتُه الفطر َّي ُة‬ ‫ُ‬ ‫له؛ لذا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫تنفيذ َرغبتِه بام ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫رام ِه أو‬
‫حتقيق م ِ‬ ‫ِ‬
‫البكاء‬ ‫تصل إليه يدُ ه‪ ،‬إىل‬ ‫ِ َ‬ ‫العاج ُز عن‬ ‫فل‬ ‫ُ‬
‫يلجأ ال ِّط ُ‬ ‫فكام‬
‫ِ‬
‫مقصوده‬ ‫فعل فيو َّف ُق إىل‬
‫قول أو ً‬ ‫عجزه إما ً‬ ‫ِ‬ ‫يطلب مأمو َله‪ ،‬أي يدعو بلسان‬ ‫ِ‬
‫والعويل أو‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪368‬‬
‫صبي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألطف أنوا ِع‬ ‫اإلنسان ا َّلذي هو‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وأفقرها وهو بمنـزلة ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫وأعجزها‬ ‫ُ‬ ‫األحياء‬ ‫ُ‬ ‫ذاك‪ ،‬كذلك‬
‫حيم واالنطراح بني ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يديه إ َّما باك ًيا‬ ‫َ‬ ‫الر ِ‬ ‫محن َّ‬ ‫يأوي إىل كَنف َّ‬ ‫َضعيف َلطيف‪ ،‬فال ُبدَّ ل ُه من أن َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جز ِه‪ ،‬أو داع ًيا بِ ِ‬‫وع ِ‬ ‫ضعف ِه َ‬
‫معبا عن ِ‬
‫وعندئذ‬ ‫واحتياجه‪ ،‬حتى ُت َل َّبى َ‬
‫حاجتُه وتُن َّف َذ رغب ُت ُه؛‬ ‫فقره‬ ‫ُ ِّ ً‬
‫غرور كال ِّط ِ‬ ‫قال بِ ٍ‬ ‫َّسخريات‪ ،‬وإلَّ إذا َ‬ ‫ِ‬ ‫اإلغاثات والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فل‬ ‫َّلبيات والت‬ ‫كر تلك‬ ‫يكون قد أ َّدى ُش َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سخر مجيع ِ‬ ‫ِ‬
‫بأفكاري وتَدبريي» وهي‬ ‫وأستحو َذ عليها‬ ‫األشياء‬ ‫هذه‬ ‫َ‬ ‫أن ُأ ِّ َ‬‫أمتكن ْ‬ ‫ُ‬ ‫األمحق‪« :‬أنا‬
‫فليس ذلك إلَّ كُفرانًا بنِ َع ِم اهلل تعاىل‪ ،‬و َمعصي ًة كبري ًة‬ ‫ِ‬
‫املرات ُق َّو َت ُه وطا َقتَه! َ‬ ‫ألوف َّ‬
‫َ‬ ‫ا َّلتي ت ُ‬
‫َفوق‬
‫لعذاب ٍ‬
‫أليم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه ُمستح ًّقا‬‫جلعل ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسبب‬ ‫ِ‬
‫وتناق ُضها‪،‬‬ ‫تُنايف الفطر َة اإلنسان َّي َة‬
‫ٌ‬

‫النُّقط ُة اخلامس ُة‬


‫ِ‬
‫املؤمن ور ِّبه‪ ،‬وكام‬ ‫ووساط ًة َ‬
‫بني‬ ‫َّخذ ُه وسيل ًة قاطع ًة َ‬
‫اإليامن يقتيض «الدُّ عا َء» و َيت ُ‬
‫َ‬ ‫كام َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫أيضا يدعو‬
‫فإن اهلل سبحانه وتعاىل ً‬ ‫وش ٍ‬
‫وق‪َّ ،‬‬ ‫إليه بِشدَّ ٍة َ‬
‫تتلهف ِ‬‫ُ‬ ‫أن الفطر َة اإلنسان َّي َة‬
‫َّ‬
‫نفسه بقولِه‪ ﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﴾ (الفرقان‪ )77:‬وبقولِ ِه تعاىل‪:‬‬ ‫األمر ِ‬‫ِ‬ ‫إىل‬
‫﴿ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾ (غافر‪.)60:‬‬
‫ُصر ُح َّ‬
‫بأن‬ ‫أن اآلي َة عا َّم ٌة ت ِّ‬‫ستجاب لنا َر ْغ َم َّ‬
‫ُ‬ ‫كثريا ما ندعو اهلل فال ُي‬ ‫ولع َّل َك ُ‬
‫تقول‪« :‬إنَّنا ً‬
‫ستجاب»‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫دعاء ُم‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫أن قبو َله‬ ‫فكل د ٍ‬ ‫ِ‬
‫إل َّ‬‫ستجاب‪َّ ،‬‬‫ٌ‬ ‫عاء ُم‬ ‫آخر‪ُ ُّ ،‬‬ ‫إن استجاب َة الدُّ عاء يش ٌء‪ ،‬و َقبو َل ُه يش ٌء ٌ‬
‫اجلواب‪َّ :‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫نوط بحكمة اهلل سبحانه‪.‬‬ ‫نفسه َم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫املطلوب َ‬ ‫وتنفيذ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫طفل ٌ‬‫يسترصخ ٌ‬ ‫ً‬
‫فيقول‬ ‫ف عنِّي؛‬
‫واكش ْ‬ ‫إلي‬
‫انظر َّ‬
‫الطبيب ْ‬ ‫ُ‬ ‫قائل‪ُّ :‬أيا‬
‫بيب ً‬ ‫عليل ال َّط َ‬ ‫ُ‬ ‫فمثل‪:‬‬
‫َ‬
‫حينذاك إ َّما أنَّه‬ ‫فالطبيب‬
‫ُ‬ ‫فل‪ :‬أعطني هذا الدَّ وا َء‪،‬‬ ‫فيقول ال ِّط ُ‬
‫ُ‬ ‫أمر َك يا صغريي‪،‬‬
‫بيب‪ُ :‬‬ ‫ال َّط ُ‬
‫العالج هنائ ًيا‪ ،‬وذلك‬ ‫يمنع عن ُه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وأفضل ل ُه‪ ،‬أو ُ‬ ‫أكثر نف ًعا‬
‫نفسه‪ ،‬أو يعطيه دوا ًء َ‬
‫ُيعطيه الدَّ وا َء َ‬
‫ُ‬
‫صلحة‪.‬‬ ‫والم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحكمة َ‬ ‫تقتضيه‬ ‫حس َبام‬
‫ْ‬
‫حسيب يف‬
‫ٌ‬ ‫ورقيب‬
‫ٌ‬ ‫حكيم ُمط َل ٌق‬
‫ٌ‬ ‫تبار َك وتعاىل ‪-‬وله ُ‬
‫املثل األعىل‪ -‬فأل َّن ُه‬ ‫احلق َ‬ ‫وكذلك ُّ‬
‫الرهيب َة‪،‬‬
‫وغربتَه َّ‬‫وحشتَه القاتِم َة ُ‬ ‫العبد‪ ،‬وباستجا َبتِه ُي ُ‬
‫زيل َ‬ ‫آن‪ ،‬فهو سبحا َنه يستجيب دعاء ِ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫دعائ ِه‬
‫العبد ويستجيب لِ ِ‬
‫ُ‬
‫قبل مطلب ِ‬
‫أمل و ُأ ً‬
‫نسا واطمئنانًا؛ وهو سبحانه إ َّما أنَّه َي ُ َ َ‬ ‫ُمبدِّ ًل إ َّياها ً‬
‫�‬ ‫� �� � � ��� ��� � � � ‬
‫‪369‬‬ ‫������� ‪� ������ ������� ����� � -‬‬
‫��� ���� �� ����� ��‬
‫الربان َّي ِة‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫حسب اقتضاء احلكمة َّ‬ ‫َ‬ ‫وذلك‬ ‫أفضل من ُه‪ ،‬أو َير ُّد ُه‪،‬‬ ‫يمنح ُه‬
‫ُ‬ ‫نفسه مبارشةً‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫الفاسدة‪.‬‬ ‫العبد املتحك َِّم ِة وأمان ِّي ِه‬ ‫ِ‬
‫أهواء ِ‬ ‫ب‬ ‫حس َ‬
‫َ‬
‫مار العبود َّي ِة وفوائدُ ها أخرو َّي ٌة‪ ..‬أ َّما المقاصدُ‬ ‫ِ ِ‬
‫وكذا‪ ،‬فالدُّ عا ُء هو َض ٌب من العبود َّية‪ ،‬وث ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الدنيو َّي ُة فهي‬
‫غاياتا‪.‬‬ ‫«أوقات» ذلك النو ِع من الدُّ عاء والعبا َدة‪َ ،‬‬
‫وليس ْت‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫وانقطاع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫فليست‬
‫ْ‬ ‫العبادة‪،‬‬ ‫وقت تلك‬ ‫املطر هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫العبادة‪،‬‬ ‫نوع من‬ ‫فمثل‪ :‬صال ُة االستسقاء ٌ‬
‫هذه النِّـي ِ‬
‫ـة‬ ‫ألجل ِ‬ ‫ِ‬ ‫نـزول ِ‬
‫املطر‪ ،‬فلو ُأ ِّد َي ْت تلك العباد ُة‬ ‫ِ‬ ‫تلك العباد ُة وذلك الدعا ُء ألجل‬
‫َّ‬
‫لوجه اهلل تعاىل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫حيث مل تكن خالِ َص ًة‬ ‫ول‪ُ ،‬‬ ‫وحدَ ها إذن لكانت غري َحر َّي ٍة بال َق ُب ِ‬
‫َ‬
‫الش ِ‬
‫مس‬ ‫ُسوف َّ‬ ‫ووقت ك ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املغرب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫إعالن عن‬ ‫ٌ‬ ‫مس هو‬ ‫الش ِ‬ ‫غروب َّ‬ ‫ِ‬ ‫وقت‬
‫وكذا ُ‬
‫إن اهلل سبحا َن ُه يدعو عبا َده إىل‬ ‫سوف؛ أي َّ‬ ‫ُسوف واخل ِ‬ ‫صالة الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقت‬
‫هو ُ‬ ‫وخ ِ‬
‫سوف ال َق ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫مر َ‬
‫ِ‬
‫ُعلنان عظم َت ُه‬ ‫ِ‬
‫ُومئان وت‬ ‫يل ال َّل ِ‬
‫تني ت‬ ‫وانخساف ِ‬
‫آية ال َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫انكساف ِ‬
‫آية الن ِ‬
‫َّهار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملناسبة‬ ‫ِ‬
‫العبادة‬ ‫نو ٍع من‬
‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫فليست ِ‬
‫لكي‪..‬‬ ‫معلوم عندَ ال َف ِّ‬
‫ٌ‬ ‫والقمر الذي هو‬ ‫مس‬ ‫النجالء َّ‬ ‫هذه العبا َد ُة‬ ‫ْ‬ ‫سبحانه‪ّ ،‬‬
‫وإل‬
‫ِ‬
‫االستسقاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫وقت‬ ‫انحباس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫فكام َّ‬
‫املطر هو ُ‬ ‫وقت‬
‫فكذلك ُ‬ ‫األمر يف هذا هكذا‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫اخلاص ِة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيث‬ ‫َّ‬ ‫األدعية‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ضـر ِة هو ُ‬
‫وقت‬ ‫الـم َّ‬ ‫ور واألشياء ُ‬ ‫وتهافت الباليا وتَس ُّل ُط الشُّ ِ‬‫ُ‬
‫الـم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّرض ِع إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُي ُ‬
‫طلق؛ وإذا‬ ‫القدير ُ‬ ‫باب‬ ‫قره فيلو ُذ بالدُّ عاء والت ُّ‬ ‫عجز ُه و َف َ‬
‫حينئذ َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫درك‬
‫إن‬ ‫قال‪َّ :‬‬‫لح‪ ،‬فال ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫مل يدف ِع اهلل سبحانه َ‬
‫الم ِّ‬
‫ور مع الــدُّ عاء ُ‬ ‫والمصائب والشُّ َ‬ ‫َ‬ ‫تلك الباليا‬
‫بفضل ِه‬
‫ِ‬ ‫رفع سبحا َن ُه‬ ‫ِ‬ ‫إن وقت الدُّ ِ‬ ‫ستجب‪ ،‬بل يقال‪َّ :‬‬
‫ينقض بعدُ ‪ ،‬وإذا ما َ‬ ‫عاء مل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الدعا َء مل ُي‬
‫وانقض‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وقت الدُّ عاء إذن‬ ‫ف ال ُغ َّم َة فقد انتهى ُ‬ ‫تلك الباليا وك ََش َ‬ ‫وكرم ِه َ‬ ‫ِ‬

‫لوجه اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تكون خالص ًة‬ ‫َ‬ ‫أرسار العبود َّي ِة‪ ،‬والعبود َّي ُة ال ُبدَّ ْ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫سر من‬ ‫وهبذا فالدُّ عا ُء ٌّ‬
‫إجراءات ُربوب َّيتِ ِه‪ ،‬أو‬‫ِ‬ ‫عجز ُه‪ ،‬مع عد ِم الت ِ‬
‫َّدخل يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ظهرا َ‬ ‫اإلنسان إىل ر ِّبه بالدُّ عاء ُم ً‬ ‫يأوي‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫االعتامد عىل حكمتِه من ِ‬
‫دون‬ ‫ِ‬ ‫إليه وحدَ ه‪ ،‬مع‬ ‫َّدبري ك ِّل ِه ِ‬
‫األمر والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتسليم‬ ‫ِ‬
‫االعرتاض عليها‪،‬‬
‫نوط منها‪.‬‬ ‫الق ِ‬‫اتِّها ٍم لرمحتِه وال ُ‬

‫ٍ‬
‫بتسبيح‬ ‫كل‬‫تسبيح هلل تعاىل؛ ٌّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات يف َوض ِع‬ ‫أن‬ ‫باآليات البي ِ‬
‫نات كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ثبت‬
‫نعم‪ ،‬لقد َ‬
‫َ ِّ‬
‫َف‬‫الكائنات إىل َكن ِ‬
‫ِ‬ ‫خاص‪،‬كذلك تُر َفع أدعي ٌة من جمي ِع‬ ‫ٍ‬
‫سجود‬ ‫خاص ٍة‪ ،‬يف‬ ‫ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫خاص‪ ،‬يف عبادة َّ‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫العظيم‪.‬‬ ‫الرب‬
‫ِّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪370‬‬
‫ِ‬
‫واحليوانات قاطب ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫عاء مجي ِع‬ ‫االستعداد والقابلي ِة»؛ كدُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫«لسان‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫إ َّما عن‬
‫َّ‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫واحد ِم َنها من الف َّي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حيث يبتغي ُّ‬
‫حلسنى‪،‬‬ ‫املطلق ُصور ًة ُمع َّين ًة له فيها معان ألسامئه ا ُ‬ ‫اض‬ ‫كل‬
‫حاجاتا‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للحصول عىل‬ ‫ِ‬
‫األحياء‬ ‫كأدعية جـمي ِع أنوا ِع‬ ‫ِ‬ ‫الفطر َّي ِة»‬‫«لسان احلاج ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طريق‬ ‫أو عن‬
‫َ‬
‫حاجتِ ِه‬ ‫ِ‬
‫املطلق؛ بلسان َ‬ ‫ِ‬ ‫كل حي من اجل ِ‬
‫واد‬ ‫َ‬ ‫ب ُّ ٍّ‬ ‫قدرتا‪ ،‬فيط ُل ُ‬‫ِ‬ ‫خارجة عن‬ ‫ٌ‬ ‫الضَّ ور َّي ِة التي هي‬
‫ِ‬
‫االضطرار»‪،‬‬ ‫طريق «لِ ِ‬
‫سان‬ ‫ِ‬ ‫رزق ِه‪ ،‬أو عن‬ ‫وجود ِه التي هي بمثاب ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استمرار‬ ‫عناصر‬ ‫الفطر َّي ِة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫إل‬ ‫يتوج ُه َّ‬
‫ب‪ ،‬بل ال َّ‬ ‫حل ُج ِ‬ ‫المت ََست ِِّر با ُ‬
‫كامل إىل موال ُه ُ‬ ‫ً‬ ‫َرض ًعا‬ ‫يترض ُع ت ُّ‬
‫َّ‬ ‫ضطر الذي‬‫الم ِّ‬ ‫كدعاء ُ‬
‫عاء َمقبو َل ٌة إن‬ ‫الثة من الدُّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األنواع ال َّث ُ‬
‫ُ‬ ‫ويقبل التجا َء ُه‪ ،‬فهذه‬ ‫حيم ا َّلذي ُيل ِّبي َ‬
‫حاجتَه‬ ‫الر ِ‬‫إىل ر ِّبه َّ‬
‫غري َمقبو َل ٍة‪.‬‬ ‫مل يطر ْأ عليها ما َيجع ُلها َ‬
‫ِ‬
‫نوعان‪:‬‬ ‫أيضا‬ ‫ِ‬
‫فهو ً‬
‫املعروف‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عاؤنا»‬
‫ابع من الدُّ عاء‪ ،‬هو « ُد ُ‬
‫الر ُ‬
‫َّوع َّ‬
‫والن ُ‬
‫ِ‬
‫أحدُ مها‪ :‬دعا ٌء فعيلٌّ وحا ٌّيل‪ ،‬وثانيهام‪ :‬دعا ٌء قلبِ ٌّي و َق ٌّ‬
‫ويل‪.‬‬
‫ليس المرا ُد من ُه‬ ‫ِ‬
‫األسباب َ‬ ‫اجتامع‬
‫َ‬ ‫باألسباب هو دعا ٌء فعيلٌّ ‪ ،‬علمـًا َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫األخذ‬ ‫ً‬
‫فمثل‪:‬‬
‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫ض هلل سبحانه لِ َط َلب المس َّبب من ُه‬ ‫اذ وض ٍع م ِ‬
‫الئ ٍم و ُم ْر ٍ‬ ‫ُ‬
‫الت ِ‬
‫ب‪ ،‬وإنَّام هو ِّ‬ ‫إجيا َد المس َّب ِ‬
‫ِ‬
‫لكون هذا النَّو ِع‬ ‫ونظرا‬
‫ً‬ ‫حمة اإلهل َّي ِة؛‬
‫خزينة الر ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫الحراث َة بمنـز َل ِة َط ْر ِق ِ‬
‫باب‬ ‫إن ِ‬ ‫احلال‪ ،‬حتَّى َّ‬‫ِ‬
‫أكثر‬‫قبول ال ُير ُّد يف ِ‬
‫فهو َم ٌ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نحو ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫املطلق وإىل ُعنوانه َ‬ ‫اجلواد‬ ‫اسم‬ ‫وج ٌه َ‬ ‫علـي ُم َّ‬
‫من الدُّ عاء الف ِّ‬
‫ِ‬
‫األحيان‪.‬‬
‫ِ‬
‫املطالب‬ ‫ِ‬
‫الحصول عىل‬ ‫طلب‬ ‫والقلب؛ أي‬ ‫ِ‬ ‫أما القسم ال َّثاين‪ :‬فهو الدُّ عاء بال ِّل ِ‬
‫سان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وألذ ثمراتِ ِه هو‬
‫وألطف غاياتِ ِه ُّ‬
‫ُ‬ ‫جهة هلذا الدعاء‬ ‫تصل إليها اليدُ ‪ ..‬فأهم ٍ‬
‫ُّ‬ ‫واحلاجات التي ال ُ‬ ‫ِ‬
‫القادر‬ ‫يشء‪ ،‬و َمن هو‬ ‫كل ٍ‬ ‫وتصل يدُ ه إىل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫خواطر قلبِ ِه‪،‬‬ ‫يسمع‬ ‫أن هناك َمن‬ ‫أن الدَّ اعي ُي ُ‬
‫درك َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فقر ُه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تلبية مجي ِع رغباتِ ِه وآمالِه‪ ،‬و َمن‬
‫عىل ِ‬
‫عجز ُه و ُيواس َ‬ ‫يرحم َ‬ ‫ُ‬
‫رحم ٍة واس َع ٍة و َم ِ‬
‫صدر‬ ‫ِ‬
‫مفتاح خزينَة َ‬ ‫ِ‬ ‫اك أن تتخ َّلى عن‬ ‫الفقري! إ َّي َ‬ ‫العاجز‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫فيا ُّأيا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫ْ‬
‫واجعل ُدعا َء‬ ‫ِ‬
‫اإلنسانية‪،‬‬ ‫لترتقي إىل أعىل ِع ِّل ِّيي‬ ‫وهو الدُّ عا ُء‪ ،‬فتش َّب ْث به‬ ‫قوة ٍ‬
‫متينة‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫أال َ‬
‫ِ‬ ‫نفس َك عبدً ا ُك ِّل ًّيا‬‫دعائ َك‪ ،‬ومن ِ‬ ‫جزءا من ِ‬
‫ووكيل عا ًّما بقول َك ﴿ ﭤ ﭥ ﴾ وك ْ‬
‫ُن‬ ‫ً‬ ‫ُ ً‬
‫تقويم هلذا الكون‪ِ.‬‬‫ٍ‬ ‫أحسن‬
‫َ‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪371‬‬

‫املبحث ال َّثاين‬
‫ُ‬
‫ن وشَقاوتِه ِ‬
‫ل سعادة ِ الإنسا ِ‬ ‫س نُ ٍ‬
‫كات تدور ُ حو َ‬ ‫وهو َ عِبارة ٌ عن خَم ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫نظرا لكونِ ِه خملو ًقا يف‬
‫لقي‬‫بأتم استعداد جامعٍ‪ ،‬فإنَّه ُأ َ‬ ‫َقويم وموهو ًبا ِّ‬ ‫أحسن ت ٍ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان ً‬ ‫إن‬‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مصفوفة ابتدا ًء‬ ‫ٍ‬
‫ودركات‬ ‫ٍ‬
‫ودرجات‬ ‫ومراتب‬ ‫ٍ‬
‫مقامات‬ ‫ضمن‬ ‫خول‬ ‫ٍ‬
‫امتحان ُي ِّو ُل ُه الدَّ َ‬ ‫ِ‬
‫ميدان‬ ‫يف‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ني» فيسمو أو يرت َّدى‪ ،‬ويرقى أو هيوي‬ ‫ِ‬
‫رياض «أعىل ع ِّل ِّي َ‬ ‫سافلني» إىل‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫«أسفل‬ ‫من ِس ِّج َ‬
‫ني‬
‫ُ‬
‫المجال‬ ‫جر ِة‪ ،‬إذ قد ُف ِس َح‬
‫الم َّ‬
‫العرش األعىل‪ ،‬من َّ ِ‬
‫الذرة إىل َ‬ ‫ِ‬ ‫درجات من ال َّثرى إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ضمن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان ُمعجز َة‬ ‫واهلبوط؛ وهكذا ُأ َ‬
‫رسل هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للصعود‬ ‫للسلوك يف نجدَ ِ‬
‫ين ال هناي َة هلام‬ ‫ِ‬ ‫أما َمه‬
‫نعة‪.‬‬ ‫لقة‪ ،‬و ُأعجوب َة ص ٍ‬ ‫قدرة‪ ،‬ونتيج َة ِخ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫«خ ِ‬
‫مس‬ ‫ِ‬
‫املرعب يف َ‬ ‫ِ‬
‫والسقوط‬ ‫الرائعِ‪ ،‬أو التَّدنِّي‬ ‫ِ‬ ‫الت ِّقي‬
‫والعروج َّ‬ ‫أرسار هذا َّ‬
‫َ‬ ‫وسنبي هنا‬
‫ِّ ُ‬
‫نِ ٍ‬
‫كات»‪.‬‬

‫النُّكت ُة األوىل‬
‫انترش ْت‬ ‫َ‬ ‫عالقة صميم َّي ٍة معها؛ فلقدْ‬ ‫ٍ‬ ‫الكائنات وهو ذو‬ ‫ِ‬ ‫أكثر أنوا ِع‬ ‫تاج إىل ِ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان ُم ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ٍ‬
‫ب‬ ‫حيث األبدُ ‪ ،‬فمثلام يط ُل ُ‬ ‫ُ‬ ‫العالِ‪ ،‬وامتدَّ ْت رغباتُه وآما ُله إىل‬ ‫َ‬ ‫طرف من‬ ‫كل‬‫حاجاتُه يف ِّ‬
‫أيضا يف‬ ‫يرغب ً‬ ‫ُ‬ ‫رج ُم ِبه ٍج‬ ‫يرغب يف َم ٍ‬‫ُ‬ ‫فسيحا‪ ،‬ومثلام‬ ‫ً‬ ‫أيضا ربي ًعا زاه ًيا‬ ‫يطلب ً‬‫ُ‬ ‫ُأقحوان ًة‪،‬‬
‫اجلميل ذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رؤية‬ ‫ويتوق إىل‬ ‫ُ‬ ‫أيضا‬
‫يشتاق ً‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫محبوب ل ُه‬ ‫ِ‬
‫لرؤية‬ ‫ف‬ ‫يتله ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنَّة األبد َّية‪ ،‬ومثلام َّ‬
‫أيضا‬ ‫حمتاج ً‬ ‫يم قاب ٍع فيها‪ ،‬فهو‬ ‫صديق َح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لرؤية‬ ‫باب ُغ ٍ‬
‫رفة‬ ‫فتح ِ‬ ‫تاج إىل ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫اجلالل؛ ومثلام أنَّه ُم ٌ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫زيارة عا َل ِم الربزخِ الذي يقبع فيه تِسـع وتِ‬ ‫ِ‬
‫حمتاج‬
‫ٌ‬ ‫هو‬‫سعون باملئة من أحبابِه وأقرانه؛ كام َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫إىل‬
‫الز ِ‬
‫اخرة‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة َّ‬ ‫باب‬ ‫ِ‬
‫الكون الواس ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واذ ِ‬ ‫إىل ال َّل ِ‬
‫ويفتح َ‬ ‫ُ‬ ‫باب‬
‫املطلق الذي س ُيغل ُق َ‬ ‫القدير‬ ‫بباب‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ليضع مكانَها اآلخر َة إنقا ًذا هلذا‬ ‫بالعجائب‪ ،‬والذي سري َف ُع الدُّ نيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملحشورة‬
‫َ‬
‫األبدي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفراق‬ ‫المسكين من ِ‬
‫ألم‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫األمور ُك ِّلها‪ ،‬و َمن عندَ ُه‬ ‫إل من ِ‬ ‫ِ‬
‫بيده َمقاليدُ‬ ‫لذا فال معبو َد هلذا اإلنسان ‪-‬وهذا وض ُع ُه‪َ َّ -‬‬
‫ٍ‬
‫مكان‪،‬‬ ‫كل‬ ‫نـز ٌه من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫وحارض يف ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫قيب عىل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫خزائن ِّ‬
‫مكان‪ ،‬و ُم َّ‬ ‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫يشء‪،‬‬ ‫الر ُ‬
‫كل يشء‪ ،‬وهو َّ‬ ‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪372‬‬
‫ِ‬ ‫صور‪ ،‬وم ٍ‬
‫وهو‬
‫اجلالل‪َ ،‬‬ ‫القادر ذو‬
‫ُ‬ ‫وهو‬ ‫عن الن ِ‬
‫َّقص‪َ ،‬‬ ‫تعال ِ‬ ‫الق ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫العجز‪ ،‬و ُمقدَّ ٌس من ُ‬ ‫و ُم َّبر ٌأ من‬
‫ِ‬
‫احلاجات‬ ‫يستطيع أحدٌ تلبـي َة‬ ‫الكامل؛ ذلك ألنَّه ال‬ ‫ِ‬ ‫احلكيم ذو‬ ‫ِ‬
‫اجلامل‪ ،‬وهو‬ ‫حيم ذو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫َّ‬
‫شامل ال حدو َد‬ ‫ٌ‬ ‫وعلم ٌ‬
‫حميط‬ ‫ٍ‬ ‫ومطامح ِ‬
‫غري حمدودة إلَّ َمن ل ُه ُقدر ٌة ال هناي َة هلا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان َّية بآمال‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫يستحق العباد َة َّ‬
‫إل هو‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ل ُه؛ فإ ًذا ال‬
‫ٍ‬
‫مرموق‬ ‫زت بموق ٍع‬ ‫وأصبحت عبدً ا ل ُه وحدَ ه‪ُ ،‬ف َ‬
‫َ‬ ‫آمنت باهلل وحدَ ه‬ ‫اإلنسان! إذا َ‬ ‫ُ‬ ‫فيا َّأيا‬
‫ذليل‬
‫تكون عبدً ا ً‬ ‫ُ‬ ‫فسوف‬
‫َ‬ ‫استنكفت من العبود َّي ِة وتجاهلتَها‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات؛ أ َّما إذا‬ ‫فوق مجي ِع‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الدعاء والت ِ‬
‫َّوكل‪،‬‬ ‫يت عن‬ ‫َباهيت بقدرتِ َك وأنان َّيتِ َك‪ ،‬وتخ َّل َ‬‫َ‬ ‫اجزة‪ ،‬وإذا ما ت‬‫للمخلوقات الع ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫َّحلة من ِ‬
‫جهة‬ ‫َّملة والن ِ‬
‫أضعف من الن ِ‬ ‫ُ‬
‫فستكون‬ ‫والص ِ‬
‫واب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رت ِ‬
‫َ‬ ‫احلق َّ‬ ‫طريق ِّ‬ ‫غت عن‬ ‫وز َ‬ ‫وتك َّب َ‬
‫وأضر من‬ ‫ِ‬
‫اجلبل‬ ‫وستكون َ‬
‫أثقل من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والعنكبوت‪،‬‬ ‫الذ ِ‬
‫بابة‬ ‫أضعف من ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫واإلجياد‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬
‫اخليـر‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫َّخريب‪.‬‬ ‫جهة َّ‬
‫الش ِّـر والت‬ ‫اعون من ِ‬ ‫ال َّط ِ‬

‫ِ‬
‫جهتني‪:‬‬ ‫إن َ‬
‫فيك‬ ‫اإلنسان! َّ‬
‫ُ‬ ‫نعم‪ُّ ،‬أيا‬
‫عل‪.‬‬ ‫واخلري واإلجيابي ِة ِ‬
‫والف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والوجود‬ ‫ِ‬
‫اإلجياد‬ ‫ُ‬
‫جهة‬ ‫األوىل‪:‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫واالنفعال‪.‬‬ ‫والسلب َّي ِة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َّخريب والعد ِم والشَّ ِّ‬ ‫جهة الت‬ ‫ُ‬ ‫واألخرى‪:‬‬
‫الذبا َب ِة‬
‫وأضعف من ُّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫صفور‬ ‫أقل شأنًا من الن ِ‬
‫َّحلة وال ُع‬ ‫ِ‬
‫اجلهة األوىل فإن ََّك ُّ‬ ‫ِ‬
‫اعتبار‬ ‫فعىل‬
‫َ‬
‫والجبال‬ ‫األرض‬
‫َ‬ ‫تتجاوز‬
‫َ‬ ‫انية فباستطاعتِ َك أن‬ ‫اجلهة ال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتبار‬ ‫ِ‬
‫والعنكبوت؛ أ َّما عىل‬
‫ً‬
‫وجمال‬ ‫أوسع‬
‫َ‬ ‫فتكسب دائر ًة‬
‫َ‬ ‫حتمل عىل عاتِ ِق َك ما أش َف ْق َن منه‬ ‫وبوسع َك أن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اموات‪،‬‬ ‫والس‬
‫َّ‬
‫هدك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعمل عىل َسعة طاقت َك وبقدْ ر ُج َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باخلري واإلجياد فإن ََّك‬ ‫تقوم‬ ‫ألنك عندما‬ ‫َ‬ ‫أفسح؛‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تتجاوز وتَسترشي‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬
‫إساءتك‬ ‫َّخريب‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باإلساءة والت‬ ‫قوتِ َك‪ ،‬أ َّما إذا ُق َ‬
‫مت‬
‫ُ‬ ‫وبمدى َّ‬
‫وينترش‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يعم‬
‫تخري َبك ُّ‬
‫ِ‬
‫حتقري‬ ‫ولكن هذه السيئ َة الواحد َة تُفيض إىل‬‫َّ‬ ‫وتكذيب‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وختريب‬
‫ٌ‬ ‫الكفر إساء ٌة‬
‫ُ‬ ‫فمثل‪:‬‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلسنى‬ ‫تزييف مجي ِع األسامء اإلهل َّية ا ُ‬
‫َ‬ ‫أيضا‬
‫وتتضم ُن ً‬‫َّ‬ ‫واستهجانا‪،‬‬ ‫وازدرائها‬ ‫الكائنات‬ ‫مجي ِع‬
‫ِ‬
‫املوجودات مقا ًما‬ ‫ألن ِ‬
‫هلذه‬ ‫ذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫وترذيلها؛ َ‬ ‫كذلك عن إهان َِة اإلنسان َّي ِة‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وتتمخ ُض‬ ‫وإنكارها؛‬
‫َ‬
‫مكاتيب ر َّبان َّي ٌة‪ ،‬ومرايا ُسبحان َّي ٌة‪ ،‬و ُمو َّظ ٌ‬
‫فات‬ ‫ُ‬ ‫ذات مغزى‪ُ ،‬‬
‫حيث َّإنا‬ ‫عال ًيا رفي ًعا‪ ،‬ووظيف ًة َ‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪373‬‬
‫ِ‬
‫ومنـزلة‬ ‫ِ‬
‫َّوظيف‬ ‫ِ‬
‫مرتبة الت‬ ‫املوجودات من‬‫ِ‬ ‫إسقاطه تلك‬ ‫ِ‬ ‫فضـل عن‬ ‫ً‬ ‫فالكفر‬ ‫مأمورات إهل َّي ٌة؛‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬
‫واملصادفة وال يرى هلا قيم ًة‬ ‫ِ‬ ‫در ِك ال َع َبث‬ ‫َ‬ ‫ومهم ِة ال ُعبود َّي ِة‪ ،‬فإنَّه‬ ‫ِ‬
‫كذلك ُيردهيا إىل ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّسخري‬ ‫الت‬
‫ِ‬ ‫الن ويفس ِ‬ ‫راق يبدِّ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫املوجودات إىل‬ ‫رضارمها‬‫ِ‬ ‫خان بتخريبِهام و َأ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫زوال وف ٍ ُ‬ ‫ووزنًا بام َيعرتهيا من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مواد فاني ٍة ت ٍ‬
‫نكر األسما َء‬ ‫وهو يف الوقت نفسه ُي ُ‬ ‫َافهة عقيمة ال أمه َّي َة هلا وال َجدوى منها؛ َ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ َ‬
‫نقوشها وتجلياتُها وجماالتُها يف مرايا مجي ِع‬ ‫تلك األسام ُء التي ترتاءى ُ‬ ‫اإلهل َّي ِة ويتجاه ُلها‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُعلن‬‫إن ما ُيط َل ُق عليه‪« :‬اإلنسان َّي ُة» التي هي قصيد ٌة حكيم ٌة َمنظوم ٌة ت ُ‬ ‫الكائنات‪ ،‬حتَّى َّ‬
‫جامعة كالن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫القدس َّي ِة‪ ،‬وهي ُمعجز ُة‬ ‫ِ‬
‫األسامء اإلهل َّي ِة ُ‬ ‫ِ‬
‫َّواة‬ ‫باهرة‬ ‫قدرة‬ ‫جتليات‬ ‫إعالنًا لطي ًفا َ‬
‫مجيع‬
‫قت‬ ‫َفو ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يقذ ُفها‬ ‫هذه «اإلنساني ُة» ِ‬ ‫دائمة باقية؛ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الح َّية التي ت َّ‬ ‫صورتا َ‬ ‫الكفر من‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫شجرة‬ ‫ألجهزة‬
‫لت عىل‬ ‫األمانة الكُربى و ُف ِّض ْ‬ ‫ِ‬ ‫عاتقها من‬ ‫خذت عىل ِ‬ ‫اموات بام َأ‬ ‫ِ‬ ‫والس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫األرض واجلبال َّ‬ ‫هبا عىل‬
‫األرض‪ ...‬يقذ ُفها من ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫مرتبة ِخال َف ِة‬‫ِ‬ ‫أصبح ْت صاحب َة‬ ‫َرج َح ْت عليها حتَّى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫املالئكة وت َّ‬
‫عاجز َض ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذليل ٍ‬ ‫مخلوق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫عيف‬ ‫فان‬ ‫السامية العالية إىل َد َركات هي أ َذ ُّل وأدنى من ِّ‬
‫أي‬ ‫الق َّمة َّ‬
‫الز ِ‬
‫ائلة رسي ًعا‪.‬‬ ‫بيحة َّ‬‫ور ال َق ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َف ٍ‬
‫قري‪ ،‬بل ُيردهيا إىل َدركة أتفه ُّ‬
‫الش ِّـر‬ ‫هة َّ‬‫ناية ال هناي َة هلا يف ِج ِ‬ ‫اقرتاف ِج ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بإمكانا‬ ‫النفس األمار َة‬ ‫إن‬ ‫وخالص ُة ال َق ِ‬
‫ول‪َّ :‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫يستطيع هد َم‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫وجزئ َّي ٌة؛ إذ‬ ‫ِ‬
‫واإلجياد َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫فإن طاقتَها حمدود ٌة ُ‬ ‫اخلري‬ ‫خريب‪ ،‬أ َّما يف‬ ‫وال َّت‬
‫اإلنسان عن األنان َّي ِة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أن ُيش ِّيدَ ُه يف ِم َئ ِة يو ٍم؛ أ َّما إذا َتلَّ‬ ‫يستطيع ْ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد إلَّ أنَّه ال‬ ‫بيت يف يو ٍم‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫وفيق اإلهلي وأرجع األمر ِ‬ ‫لب اخلري والوجو َد من ال َّت ِ‬
‫خريب‪،‬‬ ‫الش ِّـر وال َّت‬ ‫إليه‪ ،‬وابتعدَ عن َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫و َط َ‬
‫ُ‬
‫فسيكون‬ ‫ذاكرا ل ُه سبحا َن ُه؛‬‫ستغفرا‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫فاكتمل عبدً ا هلل تعاىل تائ ًبا ُم‬ ‫َ‬ ‫ِّباع هوى الن ِ‬
‫َّفس؛‬ ‫َرك ات َ‬‫وت َ‬
‫فتنقلب القابل َّي ُة‬ ‫ظهرا لآلية الكريمة‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﴾ (الفرقان‪)70:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َم ً‬
‫تقويم» ف ُي َح ِّل ُق عال ًيا‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫«أحسن‬ ‫ويكتسب قيم َة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للخري‪،‬‬ ‫ال ُعظمى عندَ ه للشَّ ِّ إىل قابل َّي ٍة ُعظمى‬
‫إىل أعىل ع ِّل ِّي َ‬
‫ني‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الوقت الذي تقتيض‬ ‫وكرمه‪ ،‬ففي‬ ‫تبارك وتعاىل‬ ‫احلق‬
‫فضل ِّ‬ ‫نظر إىل‬‫الغافل! ُا ْ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫أ ُّيـها‬
‫فهو ‪-‬ج َّل ْت‬ ‫العدالة أن يكتب السيئ َة مئ َة سيـ َئ ٍ‬
‫ويكتب الحسن َة حسن ًة واحد ًة أو ال يكت َبها‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ـة‬ ‫ِّ‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫عش أمثالِـها أو‬‫والحسن َة َي ِز ُنا َب ْ ِ‬
‫بسبعمئة أو‬ ‫بسبعني أو‬
‫َ‬ ‫الس ِّيـ َئ َة س ِّيـ َئـ ًة واحد ًة َ‬
‫يكتب َّ‬
‫ُ‬ ‫قدرتُه‪-‬‬
‫آالف أمثالِـها‪.‬‬
‫بسبعة ِ‬‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪374‬‬
‫ُ‬
‫دخول‬ ‫ِ‬
‫العدالة‪ ،‬وأ َّما‬ ‫عين‬ ‫خول يف جهن ََّم هو جزا ُء ٍ‬
‫أن الدُّ َ‬ ‫فافهم من هذه الن ِ‬
‫ُّكتة َّ‬
‫عمل وهو ُ‬ ‫ْ‬
‫رمحة َب ٌ‬
‫حتة‪.‬‬ ‫خالصة‪ ،‬و َم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫كرم ٌة‬
‫إهلي َم ٌض و َم ُ‬ ‫اجلن َِّة فهو َف ٌ‬
‫ضل ٌّ‬

‫النُّكت ُة ال َّثاني ُة‬


‫ِ‬
‫وجهان‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫يف‬
‫ِ‬
‫احلياة الدُّ نيا‪.‬‬ ‫جهة األنان َّي ِة املقصور ُة عىل‬ ‫ُ‬
‫األول‪ُ :‬‬

‫احلياة األبد َّي ِة‪.‬‬


‫ِ‬ ‫املتوج ُ‬
‫هة إىل‬ ‫ِّ‬ ‫جهة العبود َّي ِة‬
‫واآلخر‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫اإلرادة اجلزئي ِة جزء ِ‬
‫ضئ ٌيل‬ ‫ِ‬ ‫رأساملِ ِه من‬ ‫لوق ِم‬
‫األو ِل َم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َّ ُ ٌ‬ ‫سكيـن‪ ،‬إ ْذ ُ‬
‫ٌ‬ ‫اعتبار الوجه َّ‬ ‫فهو عىل‬
‫تنطفئ‪ ،‬وله من‬ ‫علة ال ُ‬
‫تلبث أن‬ ‫ِ‬
‫احلياة ُش ٌ‬ ‫عيف‪ ،‬ول ُه من‬
‫ب َض ٌ‬ ‫ِ‬ ‫كالش ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬ ‫االقتدار ك َْس ٌ‬ ‫عرة‪ ،‬ول ُه من‬
‫الوجود جسم يبىل بِ َ ٍ‬
‫ِ‬
‫لطيف‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫فاإلنسان فر ٌد‬ ‫ومع هذا‬
‫رسعة؛ َ‬ ‫ٌ‬ ‫من‬
‫اطفة‪ ،‬ول ُه َ‬ ‫ال ُع ُم ِر فرت ٌة َ‬
‫عابر ٌة َخ ٌ‬
‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫املرتاص ِة يف‬ ‫ِ‬
‫املعدودة‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫املحدودة واألنوا ِع ِ‬ ‫غري‬ ‫ِ‬
‫األفراد ِ‬ ‫عيف من بني‬ ‫رقيق َض ٌ‬ ‫ٌ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الكائنات‪.‬‬
‫املتوجهان إىل العبود َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والضعف‬
‫ُ‬ ‫العجز‬
‫ُ‬ ‫وخاص ًة من ُ‬
‫حيث‬ ‫َّ‬ ‫الوجه ال َّثاين‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتبار‬ ‫أ َّما عىل‬
‫أودع يف ماه َّيتِ ِه‬ ‫َ‬ ‫احلكيم قد‬
‫َ‬ ‫الفاطر‬
‫َ‬ ‫عظيمة ِجدًّ ا؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ٍ‬ ‫واسعة‪ ،‬وأمه َّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫فهو يتمتَّع ب ُف ٍ‬
‫سحة‬ ‫ُ‬
‫ليكون مرآ ًة واسع ًة جامع ًة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وذلك‬ ‫سيم ال حدَّ ل ُه‪،‬‬ ‫وفقرا َج ً‬ ‫عظيم ال هناي َة ل ُه‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫املعنو َّي ِة ً‬
‫عجزا‬
‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫وللغني‬
‫ِّ‬ ‫حيم الذي ال هناي َة لقدرتِ ِه ورمحتِ ِه‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫للقدير َّ‬
‫ِ‬
‫املحدودة‬ ‫غري‬ ‫يات ِ‬ ‫ِجدًّ ا للتج ِّل ِ‬
‫وكر ِم ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الذي ال ُمنتهى لغناه َ‬
‫الق ِ‬
‫درة‬ ‫ذرة أجهز ٌة معنو َّي ٌة من َلدُ ِن ُ‬ ‫اإلنسان يشبه البِذرةَ‪ ،‬فلقد و ِهبت للبِ ِ‬ ‫َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫الت ِبة‪،‬‬ ‫داخل ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫هم ٌة جدًّ ا من َلدُ ِن ال َقدَ ِر لتتمكَّن من‬ ‫دقيقة و ُم َّ‬ ‫ٌ‬ ‫در َج ْت فيها ُخ َّط ٌة‬ ‫و ُأ ِ‬
‫ِ‬
‫اهلواء ال َّط ِ‬ ‫الض ِّي ِق إىل عا َل ِ‬ ‫ـم الـم ِ‬ ‫ِ‬
‫ليق‬ ‫ـم‬ ‫ظل ِم َّ‬ ‫َّرعر ِع واالنتقال من ذلك العا َل ِ ُ‬ ‫ُّمو والت ُ‬ ‫ومن الن ِّ‬
‫ات لكي‬ ‫االستعداد والقابلي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫َّوس ِل والت ََّض ُّر ِع خلالِ ِقها‬ ‫الفسيح ِة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وأخريا الت ُّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫والدُّ نيا‬
‫الكامل اللَّ ِئق هبا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فتصل إىل‬ ‫َ‬ ‫تصري شجرةً‪،‬‬ ‫َ‬
‫أجهزتا املعنو َّي ِة التي ُوه َب ْت هلا‬
‫ِ‬ ‫بجلب املواد املرض ِة هبا‪ ،‬وص ِ‬
‫رف‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫فإذا قا َم ْت هذه البذر ُة‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪375‬‬

‫أن العاقب َة‬


‫شك َّ‬ ‫وقها‪ ،‬فال َّ‬ ‫وفساد َذ ِ‬
‫ِ‬ ‫زاجها‬ ‫ِ‬
‫لسوء ِم ِ‬ ‫بيشء‪ ،‬وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫إىل تلك املوا ِّد التي ال تعنيها‬
‫الض ِّي ِق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املكان َّ‬ ‫ٍ‬
‫فائدة‪ ،‬وتَبىل يف ذلك‬ ‫تكون وخيم ًة ِجدًّ ا؛ إذ ال ُ‬
‫تلبث أن تتع َّف َن َ‬
‫دون‬ ‫ُ‬

‫التكويني‬
‫َّ‬ ‫أمر‪ ﴿ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﴾ (األنعام‪)95:‬‬ ‫عت أجهزتَها املعنو َّي َة لتتم َّث َل َ‬
‫أخض ْ‬ ‫أ َّما إذا َ‬
‫لتكتم َل شجر ًة ُمثمر ًة باسق ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الض ِّي ِق‬ ‫ستنبثق من عا َل ِ‬
‫ولتأخ َذ‬
‫ُ‬ ‫ـمها َّ‬ ‫ُ‬ ‫وأحسنت استعما َلها‪َّ ،‬‬
‫فإنا‬ ‫ْ‬
‫وروحها املعنو َّي ُة الصغري ُة صورتَها احلقيق َّي َة ال ُك ِّل َّي َة الكبريةَ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫حقيقتُها اجلزئ َّي ُة‪،‬‬
‫مهم ٌة من َلدُ ِن‬ ‫ِ‬ ‫كذلك؛ فقد ُأ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أن البِذر َة هكذا‬ ‫فكام َّ‬
‫عت يف ماه َّيته أجهز ٌة َّ‬ ‫ود ْ‬ ‫فاإلنسان‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫أخطأ هذا‬‫َ‬ ‫اإلهلي‪ ،‬فإذا‬ ‫برامج دقيق ًة وثمين ًة من َلدُ ِن ال َقدَ ِر‬ ‫نح‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫القدرة اإلهل َّية‪ ،‬و ُم َ‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫احلياة الدُّ نيا ويف عا َل ِ‬
‫ـم‬ ‫ِ‬ ‫حتت َثرى‬ ‫ف أجهزتَه املعنو َّي َة َ‬ ‫وص َر َ‬
‫واالختيار‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫َّقدير‬
‫الت َ‬
‫ألجل‬ ‫ِ‬ ‫البذرة املتع ِّفن َِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ويتفس ُخ كتلك‬ ‫َّ‬ ‫فسوف يتع َّف ُن‬
‫َ‬ ‫املحدود‪ ،‬إىل هوى الن ِ‬
‫َّفس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الض ِّي ِق‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫قصير ويف مكان َم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫من ُع ُم ٍر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫روح ُه‬ ‫وستتحم ُل ُ‬
‫َّ‬ ‫تأز ٍم ُمؤملٍ‪،‬‬ ‫صور ويف وض ٍع ُم ِّ‬ ‫لذة ُجزئية ض َ‬
‫خارسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيرحل من الدُّ نيا خائ ًبا‬ ‫ُ‬ ‫الـمسؤول َّي ِة املعنو َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫سكينة تَبعات َ‬ ‫ُ‬ ‫الم‬‫ِ‬

‫حتت‬ ‫ِ‬ ‫وغ َّذاها بِ ِ‬‫بماء اإلسال ِم‪َ ،‬‬ ‫استعداده وسقاها ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اإليامن َ‬ ‫ضياء‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان بذر َة‬ ‫أ َّما إذا ر َّبى‬
‫األوامر القرآن َّي ِة؛ فال ُبدَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بامتثال‬ ‫غاياتا احلقيق َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫وج ًها أجهزتَه املعنو َّي َة َ‬
‫نحو‬ ‫ِ‬
‫ُراب ال ُعبود َّية ُم ِّ‬‫ت ِ‬
‫ـم الربزخِ‬ ‫أزاهيرها يف عا َل ِ‬ ‫فروعها وتتفت َُّح‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وأغصان تمتدُّ‬ ‫وبراعم‬ ‫ٍ‬
‫أوراق‬ ‫ستنشق عن‬ ‫ُّ‬ ‫َّأنا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان بِذر ًة َق ِّيم ًة‬
‫ُ‬ ‫فيصبح‬ ‫وكماالت ال حدَّ هلا؛‬ ‫ٍ‬ ‫اآلخرة ويف اجلن َِّة نِ َع ًم‬
‫ِ‬ ‫وتو ِّلدُ يف عا َل ِ‬
‫ـم‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ذات َر ٍ‬
‫باقية‪ ،‬ويغدو آل ًة نفيس ًة َ‬ ‫ولشجرة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫دائم ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومجال‪،‬‬ ‫ونق‬ ‫حاوي ًة عىل أجهزة جامعة حلقيقة َ‬
‫ِ‬
‫الكون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لشجرة‬ ‫و َثمر ًة ُمبار َك ًة ُم َّنور ًة‬
‫ِ‬
‫والعقل‪،‬‬ ‫والروحِ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والس ِّر‪ُّ ،‬‬
‫القلب‪ِّ ،‬‬ ‫بتوجيه‬ ‫هو‬
‫الحقيقي إنَّما َ‬
‫َّ‬ ‫قي‬
‫والر َّ‬
‫السمو ُّ‬‫َّ‬ ‫إن‬
‫نعم‪ّ ،‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫واشتغال ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الباقية‪،‬‬ ‫الحياة األبد َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫لإلنسان‪ ،‬إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الممنوحة‬ ‫ِ‬
‫وسائر ال ُقوى‬ ‫ِ‬
‫الخيال‬ ‫وحتَّى‬
‫موا من‬ ‫ِ‬
‫أهل الضاللة ُس ً‬ ‫يتوهمه ُ‬ ‫ُ‬ ‫وظائف العبود َّي ِة؛ أ َّما ما‬ ‫ِ‬ ‫يخصها ويناس ُبها من‬ ‫ُّ‬ ‫منها بما‬
‫ِ‬
‫الفانية‬ ‫لذ ِاتا‬ ‫ِ‬
‫زئيات َّ‬ ‫واالنكباب عىل ُج‬ ‫ِ‬ ‫بملذ ِاتا اهلابِ َط ِة‬
‫َّلذ ِذ َّ‬ ‫ِ‬
‫احلياة والت ُّ‬ ‫ِ‬
‫تفاهات‬ ‫ِ‬
‫االنغامس يف‬
‫وسائر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والعقل‬ ‫القلب‬
‫َ‬ ‫رين‬
‫سخ َ‬ ‫ولذائ ِذها الباق َي ِة اخلالدَ ِة ُم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مجال الك ِّل ِ‬
‫يات‬ ‫االلتفات إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫دون‬
‫َسيريها مجي ًعا خلدمتِها‪َّ ،‬‬ ‫ارة بالس ِ‬ ‫َّفس األم ِ‬ ‫ِ‬
‫فإن هذا ال‬ ‫وء وت ِ‬ ‫ُّ‬ ‫حتت إمرة الن ِ َّ‬ ‫اللطائف اإلنسان َّي ِة َ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫وانحطاط‪.‬‬ ‫بوط‬‫وه ٌ‬ ‫ٌ‬
‫سقوط ُ‬ ‫قط‪ ،‬بل هو‬ ‫يعني ُرق ًّيا ُّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪376‬‬
‫واقعة خيال َّي ٍة كهذا ِ‬
‫املثال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫رأيت ِ‬
‫هذه احلقيق َة يف‬ ‫ولقد ُ‬
‫ورا ضخم ًة‪ ،‬وكانت تُقام أما َم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صورا فخم ًة و ُد ً‬ ‫وجدت فيها ُق ً‬ ‫ُ‬ ‫عظيمة‪،‬‬ ‫مدينة‬ ‫دخلت يف‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫القصور والدُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫مسارح و َماله‪ ،‬فلها‬ ‫ُ‬ ‫كأنا‬ ‫األنظار َّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫وأفراح َتل ُ‬ ‫ٌ‬ ‫هرجانات‬
‫ٌ‬ ‫الت و َم‬ ‫ور َح َف ٌ‬
‫يداعب كل َب ُه‬ ‫ُ‬ ‫الباب وهو‬ ‫ِ‬ ‫واقف أما َم‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫القرص‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫َّظر فإذا‬ ‫أمعنت الن َ‬ ‫ُ‬ ‫وهبرجة؛ ثم‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جاذبية‬
‫ألعاب‬ ‫اليافعات ُين ِّظ ْم َن‬ ‫الفتيات‬ ‫رباء‪ ،‬وكانت‬ ‫باب ال ُغ ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫يرقص َن مع َّ‬ ‫ويالع ُبه‪ ،‬والنِّسا ُء‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫القرص‬ ‫َ‬ ‫أن هذا‬ ‫فأدركت َّ‬ ‫ُ‬ ‫شر ِف يقو ُد هذا احلشدَ ؛‬ ‫الم ِ‬ ‫ور ُ‬ ‫القرص قد َّات َذ َط َ‬ ‫ِ‬ ‫اب‬ ‫وبو ُ‬ ‫األطفال‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ويه‬ ‫ارحون من َذ ِ‬ ‫َ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫أهل ِه وأن ُه قد ُع ِّط َل ْت فيه‬ ‫خال من ِ‬ ‫ٍ‬
‫والواجبات‪ ،‬فهؤالء َّ‬ ‫ُ‬ ‫الوظائف‬
‫ُ‬
‫رغ ْت ُعقو ُلهم و ُقلو ُبهم‬ ‫ضمائر ُهم و َف َ‬ ‫ُ‬ ‫َت‬ ‫ادرون يف َغ ِّي ِهم قد س َق َط ْت أخال ُقهم ومات ْ‬ ‫َ‬ ‫الس‬
‫َّ‬
‫القرص‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويلعبون أما َم‬ ‫َ‬ ‫وجوه ِهم‬ ‫ِ‬ ‫هييمون عىل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫فأصبحوا كالبهائم‬
‫ِ‬
‫اب‬ ‫رأيت كل ًبا وف ًّيا مستلق ًيا عىل عتبة بابِه‪ ،‬ومع ُه َّّبو ٌ‬ ‫آخر‪ُ ،‬‬ ‫قرص ٌ‬ ‫قليل ففاجأين ٌ‬ ‫ثم َمش ْي ُت ً‬
‫والسكين َِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بت من هذا اهلدوء َّ‬ ‫فتعج ُ‬ ‫َّ‬ ‫يثري االنتبا َه‪،‬‬ ‫القرص ما ُ‬ ‫وليس أما َم‬ ‫َ‬ ‫هادئ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وقور‬
‫ٌ‬ ‫شهم‬
‫ٌ‬
‫الوظائف‬ ‫َ‬
‫فهناك‬ ‫ِ‬
‫بأهله‪،‬‬ ‫فدخلت القصر فوجد ُته عامرا ِ‬ ‫بب‪،‬‬ ‫الس ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يت عن َّ‬ ‫َح َّر ُ‬ ‫واستغربت! وت َ‬ ‫ُ‬
‫خص ِ‬ ‫ِِ‬ ‫أهل ال َق ِ‬ ‫قيقة ُي ِ‬
‫ص ل ُه يف‬ ‫الـم َّ‬ ‫رص‪ ،‬ك ٌُّل يف طابقه ُ‬ ‫نج ُزها ُ‬ ‫هم ُة الدَّ ُ‬ ‫الـم َّ‬ ‫والواجبات ُ‬ ‫ُ‬ ‫املتباين َُة‬
‫ِ‬ ‫واهلناء والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسعادةَ‪ ،‬ففي‬ ‫بحيث َيب َع ُث يف الفؤاد ال َفرح َة وال َبهج َة َّ‬ ‫ُ‬ ‫فاء‬ ‫َّ‬ ‫البهاء‬ ‫َج ٍّو من‬
‫هناك‬ ‫َ‬ ‫طابق أعىل‬ ‫ٍ‬ ‫َدبري شؤونِ ِه‪ ،‬ويف‬ ‫رص وت ِ‬ ‫بإدارة ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫يقومون‬ ‫جال‬ ‫هناك ِر ٌ‬ ‫َ‬ ‫األو ِل‬ ‫ابق َّ‬ ‫ال َّط ِ‬
‫بأعامل اخلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويتدارسون‪ ،‬ويف ال َّط ِ‬
‫ياطة‬ ‫يقمن‬
‫َ‬ ‫يدات‬ ‫الس ُ‬ ‫ابق ال َّثالث َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يتعلمون‬ ‫البنات واألوال ُد‬ ‫ُ‬
‫األخري‬‫ُ‬ ‫الطابق‬‫ُ‬ ‫املالبس‪ ،‬أ َّما‬ ‫ِ‬ ‫جلمي َل ِة عىل أنوا ِع‬ ‫ُّقوش ا َ‬ ‫ِ‬ ‫امللو ِنة والن‬ ‫خارف َّ‬
‫الز ِ ِ‬ ‫ونسج َّ‬ ‫ِ‬ ‫والت ِ‬
‫َّطريز‬
‫ِ‬
‫العزيزة‬ ‫الح َّر ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّصل هاتفيا بالم ِ‬ ‫القرص يت ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫والسالمة واحلياة ُ‬ ‫الراحة َّ‬ ‫لتأمني َّ‬ ‫لك‬ ‫ًّ َ‬ ‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫فهناك‬
‫نجز وظائ َف ُه اللَّ ئق َة بمكانَتِ ِه‬ ‫اختصاص ِه و ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫حس َ‬ ‫يامرس أعام َله َ‬ ‫ُ‬ ‫القرص‪ ،‬ك ٌُّل‬ ‫ِ‬ ‫ألهل‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرضية‬
‫ِ‬
‫أنحاء‬ ‫َّجو ِل يف‬ ‫املالئم َة لكاملِ ِه ومنـز َلتِ ِه؛‬
‫ونظرا لكوين َمجو ًبا عنهم فلم يمنعني أحدٌ من الت ُّ‬ ‫ً‬
‫بحر َّي ٍة تا َّم ٍة‪.‬‬ ‫األمور ِّ‬ ‫َ‬ ‫استطلعت‬
‫ُ‬ ‫القرص‪ ،‬لذا‬ ‫ِ‬

‫صور‬ ‫الق ِ‬ ‫َّوعني من ُ‬ ‫فرأيت َّأنا ُمنقسم ٌة إىل هذين الن ِ‬ ‫ِ‬
‫املدينة‬ ‫لت يف‬ ‫وجتو ُ‬
‫ُ‬ ‫القرص َّ‬ ‫َ‬ ‫غادرت‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫أهلها‬ ‫الية من ِ‬ ‫الخ ِ‬ ‫القصور َ‬ ‫ِ‬ ‫األو َل من‬ ‫فق َيل يل‪َّ :‬‬ ‫ذلك‪ِ ،‬‬ ‫سبب َ‬ ‫فسألت عن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّوع َّ‬ ‫«إن الن َ‬ ‫ُ‬ ‫والبنايات‪،‬‬
‫اللة؛ أ َّما‬ ‫والض ِ‬ ‫ُفر َّ‬ ‫أئمة الك ِ‬ ‫والمبهرج خارجها والمزين َُة سطوحها وأفنيتُها ما هي إلَّ مأوى ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ ُ‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪377‬‬
‫هامة والن ِ‬
‫َّخوة»‪ ،‬ثم‬ ‫والش ِ‬ ‫املؤمنني من َذوي ال َغ ِ‬
‫رية َّ‬ ‫مساكن ِ‬
‫أكابر‬ ‫الق ِ‬
‫صور فهي‬ ‫َّوع ال َّثاين من ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الن ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أمعنت‬
‫ُ‬ ‫فتعجبت‪ ،‬وعندما‬
‫ُ‬ ‫«سعيد»‬ ‫اسم‬
‫مكتوب عليه ُ‬
‫ٌ‬ ‫املدينة‬ ‫زاوية من زوايا‬ ‫رأيت َق ً‬
‫رصا يف‬ ‫ُ‬
‫وأفقت‬
‫ُ‬ ‫واسرتجعت عقيل‬
‫ُ‬ ‫فصرخت من َدهشتِي‬
‫ُ‬ ‫أبرصت َّ‬
‫كأن صوريت قد تَرا َء ْت يل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّظر‬
‫الن َ‬
‫من خيايل‪.‬‬
‫بتوفيق اهلل ِ‬
‫هذه الواقع َة اخليال َّي َة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫أفس‬ ‫وأريدُ ْ‬
‫أن ِّ َ‬
‫قرص من‬ ‫وكل ٍ‬ ‫احلضارة اإلنسان َّي ِة‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ومدينة‬ ‫املدينة هي احليا ُة االجتامع َّي ُة البرش َّي ُة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فتلك‬
‫كالعني واألُ ُذ ِن‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫القصـر َفهم َج ُ‬
‫وارح‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان‪ ،‬أ َّما ُ‬
‫أهل‬ ‫القصور ِعبار ٌة عن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫تلك‬
‫وكل‬‫الشهوان َّي ِة وال َغضب َّي ِة‪ُّ ،‬‬‫والق َّو ِة َّ‬ ‫ونوازع ُه كاهلوى ُ‬ ‫ُ‬ ‫والر ِ‬
‫وح‪،‬‬ ‫والس ِّـر ُّ‬ ‫كالقلب ِّ‬ ‫ِ‬ ‫و َلطائ ُف ُه‬
‫َّفس‬ ‫ُ‬ ‫وظيفة ُعبود َّي ٍة ُمع َّي ٍنة وهلا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تلك ال َّل‬ ‫لطيفة من َ‬ ‫ٍ‬
‫لذائذها وآال ُمها‪ ،‬أ َّما الن ُ‬ ‫ألداء‬ ‫طائف ُمعدَّ ٌة‬
‫فإخضاع‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلارس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكلب‬ ‫اب وبِمثا َب ِة‬ ‫بحك ِْم ال َب َّو ِ‬ ‫فهي ُ‬ ‫الشهوان َّي ُة وال َغضب َّي ُة َ‬ ‫والق َّو ُة َّ‬ ‫واهلوى ُ‬
‫وظائفها األصل َّي ِة ال َّ‬
‫شك ُيعت َب ُـر‬ ‫ِ‬ ‫مس‬ ‫َّفس واهلوى و َط ُ‬
‫ِ‬
‫ألوام ِر الن ِ‬ ‫امية إذن‬ ‫طائف الس ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫تلك ال َّل‬‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلهات عليها‪.‬‬ ‫سائر‬ ‫سقو ًطا وانحطا ًطا وليس تر ِّقيا وصعودا‪ِ ..‬‬
‫أنت َ‬ ‫وقس َ‬ ‫ً ُ ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫النُّكت ُة ال َّثالث ُة‬


‫ٌ‬
‫وخملوق‬ ‫ضعيف‬ ‫ٌ‬
‫حيوان‬ ‫الس ِ‬
‫عي املا ِّد ِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان من ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫أساس َّ‬ ‫والعمل وعىل‬ ‫الفعل‬ ‫جهة‬ ‫إن‬
‫ِ‬
‫القصرية‪ ،‬حتى‬ ‫يده‬‫هة َمدود ٌة وضيق ٌة‪ ،‬فهي عىل مدِّ ِ‬ ‫اجل ِ‬ ‫عاجز‪ ،‬دائر ُة ترصفاتِ ِه ومت ُّل ِك ِه يف ِ‬
‫هذه ِ‬ ‫ٌ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ضعف‬ ‫تسر َب إليها من‬ ‫عطي زما ُمها بيد اإلنسان قد َّ‬ ‫إن احليوانات األليف َة التي ُأ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫الوحيش‬
‫ِّ‬ ‫والبقر‬ ‫ِ‬
‫بالغنم‬ ‫األهلـي‬
‫ُّ‬ ‫والبقر‬
‫ُ‬ ‫الغنم‬
‫ُ‬ ‫مثل‬
‫قيس ً‬ ‫حص ٌة كبريةٌ‪ ،‬فإذا ما َ‬ ‫وعجزه وك ََسله َّ‬
‫شاسع‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ون‬ ‫فرق ٌ‬
‫هائل و َب ٌ‬ ‫هر ٌ‬
‫ل َظ َ‬
‫دار‬ ‫كريم يف ِ‬ ‫عزيز‬ ‫عاء والس ِ‬ ‫بول والدُّ ِ‬
‫االنفعال وال َق ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان من ِ‬ ‫َ‬ ‫إلَّ َّ‬
‫ٌ‬ ‫ضيف ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ؤال‬ ‫ُّ‬ ‫جهة‬ ‫أن‬
‫ِ‬ ‫خزائن رمحتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواسعة‬ ‫َ‬ ‫فتح له‬‫الكريم ضياف ًة كريم ًة حتَّى َ‬
‫ُ‬ ‫ضيافة الدُّ نيا‪ ،‬قد استضا َف ُه املوىل‬
‫ومنافع ِه‬
‫ِ‬ ‫واستجامم ِه‬
‫ِ‬ ‫لتنـز ِه ِه‬
‫وهيأ ُّ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫املحدودة‪،‬‬ ‫غري‬ ‫ِِ‬
‫وسـخ َر له َخدَ َم ُه ومصنوعاته البديع َة َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اخليال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫انبساط‬ ‫ِ‬
‫البصـر بل مدُّ‬ ‫نصف ُق ِ‬
‫طرها مدُّ‬ ‫ُ‬ ‫دائر ًة عظيم ًة واسع ًة جدًّ ا‪،‬‬
‫َ‬
‫وكان ُجهدُ ُه‬ ‫وات َذ الحيا َة الدُّ نيا غاي َة آمالِ ِه‪،‬‬
‫وغرور ِه َّ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان إىل أنان َّيتِ ِه‬
‫ُ‬ ‫فإذا استندَ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪378‬‬
‫ٍ‬
‫دائرة‬ ‫فسوف َي ُ‬
‫غرق يف‬ ‫َ‬ ‫معيشتِ ِه؛‬
‫َ‬ ‫سعي ِه ورا َء‬
‫عاجلة يف ِ‬‫ٍ‬ ‫لذ ٍ‬
‫ات‬ ‫احلصول عىل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫و َكدُّ ُه‬
‫ِ‬
‫واجلوارح‬ ‫ِ‬
‫األجهزة‬ ‫جميع‬ ‫ِ‬
‫احلرش‬ ‫ِ‬
‫عليه يو َم‬ ‫ياح‪ ،‬وستشهدُ‬ ‫الر ِ‬ ‫ضي ٍ‬
‫ُ‬ ‫أدراج ِّ‬ ‫َ‬ ‫ويذهب سع ُيه‬ ‫ُ‬ ‫قة‬ ‫ِّ‬
‫عزيز‪،‬‬ ‫ضيف ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫أدرك أنَّه‬ ‫عت فيه شاكـي ًة ضدَّ ه‪ ،‬ساخط ًة ثائر ًة ِ‬
‫عليه؛ أ َّما إذا‬ ‫ود ْ‬ ‫طائف التي ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال َّل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رأسامل‬ ‫ف‬
‫وصر َ‬ ‫ِ‬
‫اجلالل‪،‬‬ ‫الكريم ذو‬ ‫نـزل ِ‬
‫عليه ضي ًفا وهو‬ ‫مرضاة َمن َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫ضمن‬ ‫وحتر َك‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ضمن دائرة فسيحة َرحبة جدًّ ا‬ ‫ٍ‬ ‫يكون نشا ُط ُه وعم ُل ُه‬
‫ُ‬ ‫فسوف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املرشوعة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ضمن الدَّ ائرة‬ ‫ِ‬
‫ُع ُم ِره‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويسرتو ُح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الصعدا َء‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫احلياة األبد َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫ويتنفس ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وسيعيش ساملًا آمنًا ُمطمئنًا‪،‬‬ ‫اخلالدة‪،‬‬ ‫متتدُّ إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫األجهزة‬ ‫منح ُه اهلل من‬ ‫ييـن‪ ،‬وستشهدُ ل ُه يف اآلخرة ما َ‬ ‫قي إىل أعىل ع ِّل َ‬ ‫والر ُّ‬
‫الصعو ُد ُّ‬ ‫وبإمكانه ُّ‬
‫طائف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واجلوار ِح وال َّل‬ ‫ِ‬

‫نع َم‬ ‫َّافهة‪ ،‬وإنَّام ُأ ِ‬‫احلياة الدُّ نيا الت ِ‬


‫ِ‬ ‫اإلنسان ليست ِ‬
‫هلذه‬ ‫ِ‬ ‫رعت يف‬
‫إن األجهز َة التي ُز ْ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫واحليوان‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫بيـن‬ ‫شأن‪َ ،‬‬ ‫دائمة‪ ،‬هلا شأنُها وأي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لحياة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ذلك ألننا إذا قارنَّا َ‬ ‫ُّ‬ ‫باقية‬ ‫عليه هبا‬
‫مر ٍة‪ ،‬ولكنَّ ُه‬ ‫ِ‬
‫واآلالت‪ ،‬بمئة َّ‬
‫ُ‬ ‫حيث األجهز ُة‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بكثري من‬ ‫ِ‬
‫احليوان‬ ‫اإلنسان أغنى من‬ ‫َ‬ ‫نرى َّ‬
‫أن‬
‫يلتذ‬ ‫لذ ٍة ُّ‬ ‫كل َّ‬ ‫اإلنسان جيدُ يف ِّ‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫ٍ‬
‫درجة‪َّ ،‬‬ ‫باحلياة الدُّ نيا أفقر منه ِ‬
‫بمئة‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫لذ ُت ُه وتَمتُّع ُه‬‫حيث َّ‬ ‫من ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫آالف من اآلال ِم والمن ِّغ ِ‬ ‫ٍ‬
‫املستقبل‪،‬‬ ‫ومخاوف‬
‫ُ‬ ‫آالم املايض‪،‬‬ ‫فهناك ُ‬ ‫صات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ويتذو ُقها َ‬
‫آثار‬ ‫َّ‬ ‫هبا‬
‫عليه ِمزاجه وأذوا َقه ويكدِّ ر ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫ذلك ُيفسدُ‬ ‫كل َ‬ ‫ذات‪ُّ ..‬‬ ‫زوال ال َّل ِ‬
‫ِ‬ ‫اآلالم الن ُ‬
‫َّاجتة من‬ ‫َ‬
‫وهناك‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫يتلذ ُذ‬ ‫كذلك‪ ،‬فهو َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الحيوان ليس‬ ‫ِ‬
‫لأللـم؛ بينام‬ ‫أثرا‬ ‫ِ ِ‬ ‫صفو ُه ونشو َت ُه‪ ،‬حيث َي ُ‬
‫رتك في لذائذه ً‬ ‫َ‬
‫آالم املايض وال ترهب ُه‬ ‫تعذ ُبه ُ‬ ‫ويتذو ُق األشيا َء صافي ًة دون تكدُّ ٍر وتعك ٍُّر‪ ،‬فال ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ألم‪،‬‬ ‫دون ٍ‬ ‫َ‬
‫شاكرا خال َقه‪ ،‬حامدً ا له‪.‬‬
‫ً‬ ‫مرتاحا ويغفو هان ًئا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫فيعيش‬ ‫ِ‬
‫املستقبل‪،‬‬ ‫مخاوف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫احلياة الدُّ نيا وحدَ ها‬ ‫فكر ُه يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فاإلنسان الذي ُخ ِل َق يف‬
‫ُ‬
‫تقويم إذا َح َصر َ‬ ‫أحسن‬ ‫إذن‬
‫وأتم‬ ‫ِ‬
‫كالعصفور وإن َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أقل شأنًا ِ‬ ‫ويصبح َّ‬ ‫فسيهبط ويت َِّض ُع‬
‫ُ‬
‫كان أسمى َّ‬ ‫حيوان‬ ‫درجة من‬ ‫بمئة‬ ‫ُ‬
‫بم َث ٍل أورد ُت ُه يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حيث رأساملِ ِه ِ‬ ‫ِ‬
‫حت هذه احلقيق َة َ‬‫وض ُ‬ ‫درجة؛ ولقد َّ‬ ‫بمئة‬ ‫ُ ُ‬ ‫احليوان من‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫باملناسبة‪:‬‬ ‫آخ َر وسأعيدُ ه هنا‬ ‫موض ٍع َ‬
‫لنفس ِه بدل ًة من ُق ٍ‬
‫امش ُمعيَّ ٍ ‪،‬‬ ‫ليرات ذهبي ٍة وأمره أن يفص َل ِ‬
‫ِّ‬ ‫َُ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫عشر‬
‫منح خاد َمه َ‬‫رجل َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫أرفق باملبل ِغ قائم ًة صغري ًة فيها ما يط ُل ُبه من ُه‪،‬‬
‫إل أنَّه َ‬ ‫لرية ذهب َّي ٍة َّ‬
‫ألف ٍ‬‫اآلخر َ‬
‫َ‬ ‫خلاد ِمه‬
‫وأعطى ِ‬
‫األو ُل بدل ًة أنيق ًة‬
‫اخلادم َّ‬ ‫وق؛ اشرتى‬ ‫جيب اخلاد ِم‪ ،‬وبع َثهام إىل الس ِ‬ ‫المبلغ والقائم َة يف ِ‬
‫َ‬ ‫ووضع‬
‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪379‬‬

‫األو َل وحذا‬ ‫ٍ‬ ‫األقمشة البدي َع ِة ِ‬


‫ِ‬ ‫كامل ًة من ِ‬
‫الخادم ال َّثاين فقد َق َّلدَ اخلاد َم َّ‬
‫ُ‬ ‫لريات‪ ،‬أ َّما‬ ‫بعرش‬ ‫أفخر‬
‫كل‬ ‫حل َّ‬ ‫ِ‬
‫لصاحب َم ٍّ‬ ‫فدفع‬ ‫عقل ِه مل يراجع القائم َة املوجود َة ِ‬
‫لديه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وسخافة ِ‬ ‫ذو ُه‪ ،‬ومن محاقتِ ِه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َح َ‬
‫اختار له بدل ًة‬ ‫ِ‬
‫نصف‬ ‫الم‬ ‫وطلب منه بدل ًة أنيق ًة كامل ًة‪،‬‬ ‫(ألف ٍ‬
‫َ‬ ‫غير ُ‬ ‫البائع َ‬‫َ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫لرية)‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ما عندَ ه‬
‫بني ِ‬
‫يديه‪ ،‬عنَّ َف ُه‬ ‫ووقف َ‬ ‫قي راج ًعا إىل س ِّي ِد ِه‪،‬‬ ‫الخادم َّ‬ ‫من أردأِ األنواعِ‪ ،‬وعندما َ‬
‫َ‬ ‫الش ُّ‬ ‫ُ‬ ‫قفل هذا‬
‫أليم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التأنيب َّ‬ ‫ِ‬
‫وعذ َب ُه عذا ًبا ً‬ ‫التعنيف وأ َّن َب ُه أقسى‬ ‫س ِّيدُ ُه أشدَّ‬
‫ألف ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وأقل فِ ٍ‬ ‫يملك أدنى ُش ٍ‬
‫عور َّ‬ ‫فا َّلذي‬
‫لرية‬ ‫بأن اخلاد َم ال َّثاين الذي ُم َ‬
‫نح َ‬ ‫يدرك مباشر ًة َّ‬ ‫طنة‬ ‫ُ‬
‫مهم ٍة جدًّ ا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لش ِاء ب ٍ‬
‫دلة‪ ،‬وإنَّام لالت ِ‬ ‫وق ِ‬
‫مل ُيرس ْل إىل الس ِ‬
‫ِّجار يف جتارة َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫طائف اإلنسان َّي ُة التي إذا ما‬
‫ُ‬ ‫اإلنسان الذي و ِهب له ِ‬
‫هذه األجهز ُة املعنو َّي ُة وال َّل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فكذلك‬
‫ُ َ‬
‫مر ٍة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأكثر مدً ى بمئة َّ‬‫ُ‬ ‫أكثر انبسا ًطا‬‫لظهرت َّأنا ُ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫احليوان‬ ‫ٍ‬
‫واحدة منها بام يف‬ ‫كل‬ ‫ِق ْ‬
‫يست ُّ‬

‫الذوق َّي ُة‬ ‫حاستُه َّ‬ ‫ِ‬ ‫حل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫سن واجلامل؟ وأين َّ‬ ‫مراتب ا ُ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫اإلنسان التي تُم ِّي ُز‬ ‫عين‬‫فمثل‪ :‬أين ُ‬
‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫ِ‬
‫قرارة‬ ‫اخلاص ِة؟ وأين عق ُله الذي َين ُف ُذ إىل‬ ‫بلذائذها‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املطعومات‬ ‫ِ‬
‫خمتلف‬ ‫التي تُم ِّي ُز بني‬
‫َّ‬
‫كل ِ‬
‫هذه‬ ‫أين ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ف إىل مجي ِع أنوا ِع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وإىل ِّ‬
‫الكامل؟ َ‬ ‫المتله ُ‬ ‫ِّ‬ ‫املشتاق‬ ‫تفاصيلها؟ وأين قل ُبه‬ ‫أدق‬
‫مرتبتني أو‬ ‫ِ‬ ‫إل حلدِّ‬ ‫تنكشف َّ‬ ‫ُ‬ ‫البسيطة التي قد ال‬ ‫ِ‬ ‫اآلالت احليوان َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫األجهزة وأمثالِها مما يف‬ ‫ِ‬
‫حيوان ُمعيَّ ٍ ‪ ،‬والذي يؤدي‬ ‫ٍ‬ ‫بجهاز خاص يف‬ ‫ٍ‬ ‫األعامل اخلاص َة الـم ِ‬
‫ناطة‬ ‫َ‬ ‫ثالث!! فيام عدا‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مثل ِ‬ ‫مهمتِه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫والوظائف‪.‬‬ ‫األعامل‬ ‫هذه‬ ‫فض ُل ما عندَ اإلنسان الذي ليس من َّ‬ ‫بشكل قد َي ُ‬ ‫عم َله‬
‫ِ‬ ‫هو‪َّ :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومشاعره‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان‬ ‫حواس‬
‫َّ‬ ‫أن‬ ‫نح ْت لإلنسان وغناها َ‬ ‫والس ُّر يف َو ْف َرة األجهزة التي ُم َ‬ ‫ِّ‬
‫كثريا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫قد اكتس َب ْت قو ًة ونما ًء وانكشا ًفا وانبسا ًطا َ‬
‫والعقل‪ ،‬فقد تبا َي َن ً‬ ‫الفكر‬ ‫يملك من‬ ‫أكثر؛ ملا‬
‫دت‬ ‫أحاسيسه وتعدَّ ْ‬ ‫عت‬ ‫تنو ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫لتباين وكثرة احتياجاته؛ لذا َّ‬ ‫نظرا‬
‫حواسه‪ً ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫استقطاب‬ ‫مدى‬
‫للتوج ِه‬ ‫ُّ‬ ‫ومدارا‬ ‫ً‬ ‫ورغبات عدَّ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫آلمال‬ ‫حمورا‬
‫أصبح ً‬ ‫َ‬ ‫يملك فطر ًة جامع ًة فقد‬ ‫ُ‬ ‫مشاعره‪ ..‬وألنَّه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وبسبب‬ ‫عت‪..‬‬ ‫وتوس ْ‬ ‫َّّ‬ ‫انفرج ْت أجهزتُه‬ ‫َ‬ ‫وظائف ِه الفطر َّي ِة فقد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكثرة‬ ‫ونظرا‬‫ً‬ ‫إىل مقاصدَ شتَّى‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫فطرتِ ِه‬
‫الكامل؛ لذا ال‬ ‫لبذور‬ ‫نح استعدا ًدا جام ًعا‬ ‫املهيأة لشتَّى أنوا ِع العبادة فقد ُم َ‬ ‫البديعة‬
‫احلياة الدُّ نيو َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫لتحصيل ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫الدرجة الكثي َف ِة‬ ‫ِ‬ ‫هذه األجهز ُة الوفري ُة إىل ِ‬
‫هذه‬ ‫يمكن أن تُمنح له ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وظائفهِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان هي أن يتف َّط َن إىل‬ ‫ِ‬ ‫أن الغاي َة ال ُقصوى هلذا‬ ‫فحسب‪ ،‬بل البدَّ َّ‬ ‫ِ‬
‫املؤ َّقتة الفانية‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫وفقره أما َم اهلل تعاىل بعبود َّيتِ ِه‪ ،‬وأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عجزه‬ ‫املتط ِّل َع ِة إىل مقاصدَ ال هناي َة هلا‪ ،‬وأن ُيعلِ َن عن‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪380‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بنظر ِه الواس ِع‬
‫يرى ِ‬
‫الرمح ُة اإلهل َّي ُة‬ ‫ذلك و َي َّط َ‬
‫لع عىل ما َتدُّ ُه َّ‬ ‫املوجودات‪ ،‬فيشهدَ عىل َ‬ ‫تسبيحات‬
‫ِ‬
‫املصنوعات‬ ‫القدرة الرباني ِة يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معجزات‬ ‫عاين‬ ‫ٍ‬ ‫من إنعا ٍم‬
‫َّ‬ ‫فيشكر اهلل عليها‪ ،‬وأن ُي َ‬
‫َ‬ ‫وآالء‬
‫ِ‬
‫واإلعجاب‪.‬‬ ‫الع ِ‬
‫ربة‬ ‫فيتفكَّر فيها ويتأم َل وينظر إليها نظر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الغافل عن رس «أحس ِن تقويم»! استمع إىل ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفانية‬ ‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫وعاشق‬‫َ‬ ‫فيا عابدَ الدُّ نيا‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫حقيقة ِ‬ ‫الواقعة اخليال َّي ِة التي تتم َّث ُل فيها‬ ‫ِ‬
‫رآها «سعيدٌ‬ ‫الواقعة التَّمثيل َّي ُة التي َ‬
‫ُ‬ ‫حياة الدُّ نيا‪ ،‬تلك‬ ‫ُ‬
‫طويلة‪ ،‬أي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طريق‬ ‫أسافر يف‬ ‫كأن‬ ‫رأيت نفيس ِّ‬ ‫اجلديد» وهي‪ :‬أين ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫«سعيد‬ ‫فحول ْت ُه إىل‬
‫ُ‬ ‫القديم» َّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كل‬ ‫ستني لري ًة ذهب َّي ًة يمنحني منها َّ‬ ‫َ‬ ‫مقدار‬
‫َ‬ ‫ص يل‬ ‫خص َ‬ ‫رس ُل إىل مكان بعيد‪ ،‬وكان س ِّيدي قد َّ‬ ‫ُأ َ‬
‫لريات‪ ،‬يف ٍ‬
‫ليلة‬ ‫ٍ‬ ‫عشر‬ ‫بذ ُر ما ُ‬ ‫فطفقت ُأ ِّ‬ ‫دخلت إىل ٍ‬ ‫يو ٍم شي ًئا‪ ،‬حتى‬
‫أملك‪ ،‬وهي ُ‬ ‫ُ‬ ‫فندق فيه َملهى‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليدين‬ ‫فر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫سبيل ُّ‬ ‫ِ‬ ‫والس ِ‬ ‫الق ِ‬‫مائدة ِ‬
‫ِ‬ ‫واحدَ ٍة عىل‬
‫فأصبحت وأنا ص ُ‬ ‫ُ‬ ‫واإلعجاب‪،‬‬ ‫هرة‬ ‫هر يف‬ ‫امر َّ‬
‫نفيس ِسوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مل أت ِ‬
‫سأحتاج إليه يف املكان الذي أقصدُ ُه‪ ،‬فلم أو ِّف ْر ل َ‬ ‫ُ‬ ‫آخذ شي ًئا مما‬ ‫بيشء‪ ،‬ومل ْ‬ ‫َّج ْر‬
‫ِ‬ ‫اجلروح والغص ِ‬ ‫مرشوعة‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ات ِ‬ ‫لذ ٍ‬
‫بت من َّ‬
‫واآلهات‬ ‫ات‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫وسوى‬ ‫غري‬ ‫ترس ْ‬ ‫اآلال ِم واخلطايا التي َّ‬
‫ِ‬
‫فاالت‪..‬‬ ‫والس‬ ‫ِ‬ ‫ترشح ْت من َ‬
‫السفاهات َّ‬ ‫تلك َّ‬ ‫َ‬ ‫التي‬
‫مجيع‬
‫«أنفقت َ‬ ‫َ‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫رجل‪َ ،‬‬ ‫البائس ِة إذ تم َّث َل أمامي ٌ‬ ‫َ‬ ‫الكئيبة احلزين َِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلالة‬ ‫وبينام أنا يف هذه‬
‫ِ‬
‫اليدين‪،‬‬ ‫خاوي‬ ‫للعقاب‪ ،‬وستذهب إىل ِ‬
‫البلد الذي تريدُ ُه‬ ‫ِ‬ ‫مستح ًّقا‬‫ِ‬ ‫رت‬
‫وص َ‬‫رأساملِ َك سدً ى‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫بصرية فباب الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫كنت َفطنًا وذا‬
‫نصف ما‬
‫َ‬ ‫مفتوح مل ُيغلق بعدُ ‪ ،‬فبإمكان َك أن تَدَّ َ‬
‫خر‬ ‫ٌ‬ ‫َّوبة‬ ‫ُ‬ ‫فإن َ‬
‫بعضا مما حتتاج ِ‬ ‫لك من ال َّل ِ‬ ‫ِ‬
‫إليه يف َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫اخلمس عرش َة لتشرتي ً َّ‬ ‫َ‬ ‫ريات‬ ‫َت ُص ُل عليه‪ ،‬مما َ‬
‫بقي َ‬
‫جل‪« :‬فا َّد ِخ ْر إذن ُث ُل َثه»‪،‬‬ ‫الر ُ‬ ‫فقال َّ‬ ‫بذلك‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫راضية‬ ‫غري‬
‫فاستشرت نفيس فإذا هي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املكان‪»..‬‬
‫فرأيت نفيس ال تريدُ أن‬ ‫ُ‬ ‫فقال‪« :‬فا َّد ِخ ْر ر ُب َعه»‪،‬‬
‫أيضا‪َ ،‬‬ ‫راضية هبذا ً‬ ‫ٍ‬ ‫غري‬
‫وجدت نفيس َ‬ ‫ُ‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬
‫طريق ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يظ ومىض يف‬ ‫وغ ٍ‬‫وأدبر يف ِحدَّ ٍة َ‬ ‫َ‬ ‫رأس ُه‬ ‫الرجل َ‬ ‫ُ‬ ‫فأدار‬
‫بتليت هبا‪َ ،‬‬ ‫تَدَ َع العاد َة التي ُا ْ‬
‫ٍ‬
‫فائقة يف‬ ‫ٍ‬
‫برسعة‬ ‫منحدرا‬ ‫ينطلق‬
‫ُ‬ ‫فرأيت نفيس يف ٍ‬
‫قطار‬ ‫ُ‬ ‫رت‪،‬‬
‫األمور قد تغ َّي ْ‬ ‫رأيت َّ‬
‫كأن‬ ‫ثم ُ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫حيث ال يمكنني‬ ‫ُ‬ ‫مناص يل‬‫َ‬ ‫ولكن ال‬
‫ْ‬ ‫فاضطربت من دهشتِي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫حتت‬ ‫نفق َ‬‫داخل ٍ‬
‫ِ‬
‫جذاب ٌة‬
‫مجيلة َّ‬
‫أزهار ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫القطار‬ ‫ِ‬
‫الغريب أ َّن ُه كانت تبدو عىل طر َفي‬ ‫شامل‪ ،‬ومن‬‫الذهاب يمينًا وال ً‬‫ُ‬
‫صول‬‫والح َ‬ ‫أزهارها‬ ‫ِ‬ ‫قطف‬ ‫ِ‬
‫أحاو ُل‬ ‫نحوها‬ ‫ِ‬ ‫متنوع ٌة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فمددت يدي ‪-‬كاألغبياء‪َ -‬‬ ‫ُ‬ ‫وثامر لذيذ ٌة ِّ‬
‫ٌ‬
‫بمجر ِد مال َم َستِها‬
‫َّ‬ ‫يدي‬
‫انغرزت يف َّ‬‫ْ‬ ‫ُ‬
‫األشواك فيها‬ ‫ِ‬
‫املنال‪،‬‬ ‫إل َّأنا كانت بعيد َة‬ ‫ِ‬
‫ثمراتا‪َّ ،‬‬ ‫عىل‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪381‬‬

‫علي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فآذيت نفيس من دون فائدة تعو ُد َّ‬ ‫ُ‬ ‫فائقة‪،‬‬ ‫برسعة‬ ‫القطار‬ ‫ض‬
‫ومزقتها َج َّرا َء ُم ِّ‬ ‫فأ ْد َمتْها َّ‬
‫لك الكمي َة املناس َب َة التي تريدُ ها‬ ‫ألنتقي َ‬‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قروش‬ ‫القطار‪« :‬أعطني مخس َة‬ ‫ِ‬ ‫فقال أحدُ مو َّظفي‬ ‫َ‬
‫قروش‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مخسة‬ ‫ِ‬
‫أضعاف‬ ‫أضعاف‬
‫َ‬ ‫بجروح َك هذه‬ ‫ِ‬ ‫خترس‬ ‫األزهار واألثامر‪ ،‬فإن ََّك‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬‫من َ‬
‫ُ‬
‫علي‬
‫غري إذن» فاشتدَّ َّ‬
‫حيث إن ََّك تَق ُط ُفها من ِ ٍ‬ ‫صنيع ِك هذا‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫هناك ِعقا ًبا عىل‬ ‫َ‬ ‫فضل عن َّ‬
‫أن‬ ‫ً‬
‫فرأيت‬ ‫ُ‬ ‫َّفق‪،‬‬ ‫ف إىل ِ‬
‫هناية الن ِ‬ ‫ألتعر َ‬ ‫النافذة إىل األما ِم‬ ‫ِ‬ ‫فنظرت أتط َّل ُع من‬ ‫ُ‬ ‫تلك احلا َل ِة‬ ‫الكرب يف َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫قذ َ‬
‫فون‬ ‫ِ‬
‫القطار ُي َ‬ ‫وأن مسافري‬ ‫َّفق َّ‬ ‫هناية الن ِ‬ ‫محل ِ‬ ‫وثغورا عدَّ ة قد ح َّلت َّ‬ ‫نوافذ كثير ًة‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫ً‬
‫أن ثغرا يقاب ُلني أنا َّ ِ‬ ‫حل َف ِر‪،‬‬ ‫تلك ال ُّث ِ‬ ‫ِ‬
‫أقيم عىل‬ ‫بالذات َ‬ ‫ورأيت َّ ً‬ ‫ُ‬ ‫غور وا ُ‬ ‫القطار إىل َ‬ ‫خارجا من‬ ‫ً‬
‫ُتب‬‫فرأيت أ َّن ُه قد ك َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وإمعان‬ ‫بكل د َّق ٍة‬‫فنظرت إليها ِّ‬ ‫ُ‬ ‫بشواهد ِ‬
‫القرب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫حجر أشب ُه ما‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫طرفيه‬
‫سمعت‬ ‫َ‬
‫وآنذاك‬ ‫وحرييت‪ :‬يا ويال ُه!!‬ ‫فصرخت من َف َرقي‬ ‫ٍ‬
‫«سعيد»‬ ‫اسم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫عليهام بحروف كبرية ُ‬
‫استرجعت‬
‫َ‬ ‫يقول‪« :‬هل‬ ‫باب امللهى وهو ُ‬ ‫ُّصح يف ِ‬ ‫علي الن َ‬ ‫أطال َّ‬ ‫جل الذي َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫صوت َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأفقت من سكرتِ َك؟»‬
‫خار ْت‬ ‫ولكن بعدَ فوات األوان‪ ،‬بعد أن َ‬ ‫ْ‬ ‫فقلت‪« :‬نعم‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عق َل َك يا ُب َّ‬
‫ني‬
‫أفقت وقد‬ ‫ُ‬ ‫ُب وتوك َّْل» فقلت‪« :‬قد فع ْلت»‪ ،‬ثم‬ ‫فقال‪ «:‬ت ْ‬ ‫قوةٌ»‪َ ،‬‬ ‫حول وال َّ‬ ‫يبق يل ٌ‬ ‫واي ومل َ‬ ‫ُق َ‬
‫ورأيت نفيس سعيدً ا جديدً ا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫القديم‬
‫ُ‬ ‫اخت َفى سعيدٌ‬
‫تفسري‬
‫ُ‬ ‫وعليك‬‫َ‬ ‫قسم منها‬ ‫وسأفس ً‬ ‫ِّ ُ‬ ‫جيعل هذه الواقع َة اخليال َّي َة ً‬
‫خريا؛‬ ‫ونرجو من اهلل أن َ‬
‫أطوار عا َل ِ‬
‫ـم‬ ‫ِ‬ ‫األرواح‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫يمر من عا َل ِم‬ ‫فر الذي ُّ‬ ‫الس ُ‬ ‫فر هو َّ‬ ‫الس َ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫أن َ‬ ‫وهو‪َّ :‬‬ ‫الباقي َ‬
‫اط‬ ‫احلرش وإىل الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫يخوخ ِة‪ ،‬ومن ال َق ِب‪ ،‬ومن الربزخِ ‪ ،‬إىل‬ ‫َ‬ ‫ومن َّ‬
‫الش‬ ‫الش ِ‬
‫حم‪ ،‬ومن َّ‬ ‫الر ِ‬
‫ِّ‬ ‫باب‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ستني عا ًما‪ ،‬وحينام‬ ‫ُ‬
‫البالغ‬ ‫العم ُر‬ ‫ُ‬ ‫ريات الذهب َّي ُة‬ ‫وتلك ال َّل ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّيـن هي ُ‬ ‫البالغة ست َ‬ ‫وإىل أبد اآلباد‪،‬‬
‫حسب ظنِّي‪ ،‬ومل يكن‬ ‫ِ‬
‫العمر‬ ‫واألربعيـن من‬ ‫ِ‬
‫اخلامسة‬ ‫تلك الواقع َة اخليال َّي َة كنت يف‬ ‫رأيت َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫تالميذ القرآنِ‬ ‫ِ‬ ‫العمر‪ ،‬إلَّ أنه أرشدين أحدُ‬ ‫ِ‬ ‫تيـن من‬ ‫يل سندٌ وال ُح َّج ٌة من أن َ‬
‫الس َ‬ ‫أعيش إىل ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫عرش عا ًما‪ -‬يف‬ ‫الغالب ‪-‬وهو مخس َة َ‬ ‫العمر‬ ‫نصف ما بقي من‬ ‫َ‬ ‫أنفق‬
‫املخلصني أن َ‬ ‫َ‬
‫وكل‬ ‫من‪ُّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الز ُ‬ ‫القطار هو َّ‬ ‫ُ‬ ‫وذلك‬ ‫إلي‪..‬‬
‫إسطنبول بالنسبة َّ‬ ‫مدينة‬ ‫الفندق هو‬ ‫وذلك‬ ‫اآلخرة‪..‬‬
‫ائكة هي‬ ‫الش ُ‬ ‫امر َّ‬ ‫األزهار وال ِّث ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وتلك‬ ‫َّفق هو احليا ُة الدُّ نيا‪..‬‬ ‫وذلك الن ُ‬‫َ‬ ‫بمنـزلة عر َب ٍة من ُه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫عا ٍم‬
‫الز ِ‬ ‫تصو ِر َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫حني‬ ‫القلب َ‬ ‫َ‬ ‫وال ُيدمي‬ ‫احلاصل من ُّ‬ ‫فاأللم‬
‫ُ‬ ‫املحظور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هو‬ ‫غري املرشوعة وال َّل ُ‬ ‫ذات ُ‬ ‫ال َّل ُ‬
‫القطار‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اخلادم يف‬ ‫وإن معنى ما قاله‬ ‫أيضا‪َّ ..‬‬ ‫ِ‬
‫للعقوبة ً‬ ‫ويعر ُض ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ويمزقه أثنا َء الفراق؛ ِّ‬ ‫الوصال؛ ِّ‬
‫واألذواق التي َي ُص ُل‬ ‫َ‬ ‫ذات‬ ‫أن ال َّل ِ‬ ‫حتتاجه» هو‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫أحسن ما‬ ‫روش ُأ ْع ِط َك من‬ ‫ٍ‬ ‫«اعطني مخس َة ُق‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪382‬‬
‫وهنائ ِه‬
‫ِ‬ ‫املرشوعة كافي ٌة لسعادتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫احلالل ضمن الدَّ ِ‬
‫ائرة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫عي‬ ‫ِ‬
‫طريق َّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان عن‬ ‫عليها‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يدع حاج ًة للدُّ خول يف احلرا ِم‪ ..‬ويمكن َُك أن ت ِّ‬
‫ُفس َر ما بقي‪.‬‬ ‫وراحته فال ُ‬

‫الرابع ُة‬
‫النُّكت ُة َّ‬
‫عف ِه‬ ‫حيمل يف َض ِ‬ ‫املحبوب ُ‬ ‫ِ‬ ‫الض ِ‬
‫عيف‬ ‫فل َّ‬ ‫يكون بال ِّط ِ‬ ‫ُ‬ ‫الكون أش َب ُه ما‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان يف هذا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫رت‬ ‫العجز ُس ِّخ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬ ‫درة َ‬ ‫عف و ُق ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫بقوة َ‬ ‫عجز ِه ُقدر ًة عظيم ًة؛ ألنَّه ِ‬ ‫ِ‬ ‫قو ًة كبير ًة ويف‬ ‫َّ‬
‫وطورا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وحال‬ ‫اإلنسان ضع َف ُه ودعا ر َّب ُه ً‬
‫قول‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أدرك‬ ‫الموجودات وانقا َد ْت‪ ،‬فإذا ما‬ ‫ُ‬ ‫له ِ‬
‫هذه‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫َّسخري‪ ،‬ويو َّف ُق‬‫ِ‬ ‫ذلك الت‬ ‫ـكر وال َّثنا َء عىل َ‬ ‫الش َ‬ ‫واستغاث ر َّب ُه‪ ،‬فسيؤ ِّدي ُّ‬ ‫َ‬ ‫عجزه فاستنجدَ‬ ‫وأدر َك َ‬ ‫َ‬
‫يعجز عن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وستخضع ل ُه مقاصدُ ُه وتتح َّق ُق مآر ُب ُه وتأيت إليه طائع ًة منقا َد ًة مع أ َّن ُه‬ ‫ِ‬
‫إىل مطلوبِه‬
‫ُ‬
‫حييل‬ ‫ذلك؛ إلَّ أ َّن ُه ُ‬ ‫عشار َ‬ ‫الـجزئ َّي ِة املحدو َد ِة بل وال يتسنَّى له ُع ْش ِم ِ‬ ‫ينال بقدرتِ ِه َّ ِ‬
‫الذات َّية ُ‬ ‫أن َ‬
‫ُ‬
‫الق َّو َة‬ ‫إن ُ‬‫املثال‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫الذات َّي ِة‪ ،‬وعىل‬
‫احلال إىل ُقدرتِ ِه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسان‬ ‫ِ‬
‫بدعاء‬ ‫‪-‬خطأ‪ -‬أحيانًا ما نا َل ُه‬ ‫ً‬
‫وإن القو َة الكامن َة يف َض ِ‬ ‫جاج ُ‬ ‫ِ‬
‫عف‬ ‫تدفع عن ُه األسدَ ‪َّ َّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫جتعل أ َّم ُه‬ ‫ضعف َفرخِ الدَّ ِ‬ ‫الكامن َة يف‬
‫يتضو ُر من اجلو ِع بينام‬ ‫َّ‬ ‫بحيث يبقى األسدُ‬ ‫ُ‬ ‫لنفس ِه‪،‬‬ ‫الضاري َة ِ‬ ‫ُسخ ُر أ َّم ُه املفرتس َة َّ‬ ‫ِ‬
‫األسد ت ِّ‬ ‫بل‬‫ِش ِ‬
‫ري‬ ‫الهائلة يف َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫جلدير باملالح َظ ِة؛ القو ُة‬ ‫عف ِه‪ ،‬وإ َّن ُه‬ ‫وض ِ‬
‫مع ِص َغ ِر ِه َ‬
‫الضعف‪ ،‬بل َح ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫يشبع هو َ‬ ‫ُ‬
‫عف‪.‬‬ ‫الض ِ‬ ‫ذلك َّ‬ ‫محة يف َ‬ ‫واإلعجاب‪ :‬جتيل الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫باملشاهدَ ِة‬
‫َّ‬
‫وببكائ ِه عىل‬ ‫ِ‬ ‫اآلخرين‪،‬‬
‫َ‬
‫بضعف ِه عىل َش ِ‬
‫فقة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حيصل‬ ‫قيق‬
‫الر َ‬ ‫المحبوب َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الطفل‬ ‫وكام َّ‬
‫أن‬
‫األلف‬ ‫ِ‬ ‫ينال واحدً ا من‬ ‫فينال ما ال يمك ُن ُه أن َ‬ ‫الطين ُ‬ ‫والس‬ ‫مطالِبِه‪ ،‬ف َي‬
‫ُ‬ ‫خضع ل ُه األقويا ُء َّ‬ ‫ُ‬
‫الشفق َة واحلامي َة‬ ‫ثريان َّ‬ ‫كان وي ِ‬ ‫ذان يحر ِ‬ ‫جزه إذن مها ال َّل ِ‬ ‫وع ُ‬ ‫فضع ُفه َ‬ ‫الضئيلة‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫بقوتِ ِه‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫منه َّ‬
‫أنكر‬ ‫ُ‬ ‫غرية الكبار وينقاد ِ‬ ‫بح ِّق ِه حتى إنَّه يذ ِّل ُل بسبابتِه الص ِ‬
‫الملوك واألمرا ُء؛ فلو َ‬ ‫إليه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّهم تلك الحماي َة وقال‬ ‫ذلك ال ِّط ُ‬
‫رت‬ ‫سخ ُ‬ ‫وغرور‪« :‬أنا الذي َّ‬ ‫بحامقة‬ ‫الشفق َة وات َ‬ ‫فل تلك َّ‬ ‫َ‬
‫فعة‪،‬‬ ‫طمة والص ِ‬ ‫يستحق أن يقاب َل بال َّل ِ‬ ‫شك أ َّن ُه‬ ‫بقويت وإراديت»! فال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫كل هؤالء األقوياء َّ‬
‫ُ‬ ‫مثل ما َ‬ ‫وقال َ‬ ‫َ‬ ‫ِِ‬
‫قارون‬ ‫قال‬ ‫َّـه َم حكم َت ُه‬ ‫أنكر رحم َة خالقه وات َ‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان إذا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫عر ُض‬ ‫شك أ َّن ُه ُي ِّ‬ ‫جاحدً ا النِّعم َة‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ (القصص‪ ،)78:‬فال َّ‬
‫يات البرش َّي ُة‬ ‫الت ِق ِ‬ ‫وهذه َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫يتمتع هبا‬ ‫لطنة التي‬ ‫والس ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫املنـزلة َّ‬ ‫فهذه‬ ‫للعذاب؛‬ ‫نفس ُه‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بجالب‬‫ٍ‬ ‫هو‬
‫وهيمنة غلبته وال َ‬ ‫وقوة ِجداله َ‬ ‫َفوقه َّ‬ ‫ليست ناشئ ًة من ت ُّ‬ ‫ْ‬ ‫واآلفاق احلضار َّي ُة‬ ‫ُ‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪383‬‬

‫لفقر ِه‪،‬‬
‫إليه ِ‬ ‫حسن َْت ِ‬ ‫لعجز ِه‪ ،‬و ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عف ِه و ُمدَّ ْت ل ُه يدُ املعاون َِة‬ ‫لض ِ‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان َ‬ ‫نحت‬
‫هلا‪ ،‬بل ُم ْ‬
‫قو ٍة وال ما يتمت َُّع به‬ ‫يملك من َّ‬ ‫ُ‬ ‫ليس ما‬ ‫ِ‬
‫السلطنة َ‬ ‫سبب َ‬
‫تلك َّ‬ ‫َ‬ ‫الحتياج ِه‪َّ ،‬‬
‫وإن‬ ‫ِ‬ ‫و ُأ ِ‬
‫كر َم هبا‬
‫رت‬‫كمة اإلهل َّي ُة التي َس َّخ ْ‬ ‫حمة واحلِ ُ‬ ‫والر ُ‬ ‫الربان َّي ُة َّ‬ ‫أفة َّ‬ ‫والر ُ‬
‫فقة َّ‬ ‫الش ُ‬ ‫هو َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫من ُقدرة علمية‪ ،‬بل َ‬
‫وح َّي ٍة بال‬ ‫ٍ‬
‫عقرب بال عيون‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫المغلوب أما َم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫إليه؛ نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫له األشياء وس َّلمتْها ِ‬
‫َ‬
‫العسل من حرشةٍ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫الحرير من دودة صغرية وأطعم ْت ُه‬ ‫ٍ‬ ‫أرجل ليست قدرتُه هي التي أل َبستْه‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫ضعف ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫محاين الذي هو ثمر ُة‬ ‫الر ِّ‬ ‫واإلكرا ِم َّ‬ ‫باين ِ‬ ‫الر ِّ‬‫سخري َّ‬ ‫ِ‬ ‫سا َّم ٍة‪ ،‬بل هو ال َّت‬
‫رور واألنان َّي َة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان! ما دام ِ‬‫ُ‬
‫وأعلن‬
‫ْ‬ ‫عنك ال ُغ َ‬ ‫َ‬ ‫احلقيقة هكذا فدَ ْع‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫فيا أ ُّيـها‬
‫ِ‬
‫وأفص ْح‬ ‫ِ‬
‫االستمداد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بلسان‬ ‫عجز َك وضع َف َك‪ ،‬أعلنهام‬ ‫َ‬ ‫باب األُلوه َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عتبة‬ ‫أما َم‬
‫قائل‪:‬‬
‫ً‬ ‫خالص‬ ‫ِ‬
‫وأظه ْر بأن ََّك عبدٌ هلل‬ ‫بلسان التَّرض ِع والدُّ ِ‬
‫عاء‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وحاجتِ َك‬ ‫َ‬
‫فقرك‬ ‫عن‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫مدارج ال ُعال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وارتق يف‬ ‫فارتفع‬
‫ْ‬ ‫﴿ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ﴾‬
‫احلكيم‬‫ِ‬ ‫الكون من َلدُ ِن‬ ‫ُ‬ ‫سخ َر يل هذا‬ ‫بيشء وما أمه َّيتِـي ح َّتى ُي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫لست‬ ‫وال ُتق ْل‪« :‬أنا‬
‫ُ‬
‫ب ِ‬ ‫بح َس ِ‬ ‫ٍ ِ ٍ‬
‫نفس َك‬ ‫ُنت َ‬ ‫الكل»؛ ذلك وإن ك َ‬ ‫كر ِّ ُّ‬ ‫الش ُ‬ ‫ب منِّي ُّ‬ ‫العليم عن قصد وعنا َية وحتَّى ُيط َل َ‬ ‫ِ‬
‫شاهدٌ َف ِط ٌن‪،‬‬ ‫ب وظيفتِ َك ومنـز َلتِ َك م ِ‬
‫ُ‬ ‫بحس ِ‬ ‫إل أ َّنك َ‬ ‫كم العد ِم‪َّ ،‬‬ ‫وصورتِ َك ال َّظاهر َّي ِة يف ُح ِ‬
‫ِ‬ ‫ظيمة‪ ،‬وأن ََّك ال ِّل ُ‬ ‫الكائنات الع ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫باسم‬ ‫ينطق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البليغ‬ ‫َّاطق‬
‫سان الن ُ‬ ‫َ‬ ‫كي عىل‬ ‫ومتفر ٌج َذ ٌّ‬ ‫ِّ‬
‫لكتاب العاملِ هذا‪ ..‬وأن ََّك‬ ‫ِ‬ ‫والمطالع النبي ُه‬ ‫القارئ الدَّ اهي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات احلكيمة‪ ..‬وأ َّن َك‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫عامر‬ ‫اخلبري واملِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األستاذ‬ ‫ِ‬
‫بحكم‬ ‫حة‪ ..‬وأن ََّك‬ ‫املخلوقات المسب ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫املرشف المتفك ُِّر يف هذه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اجدة‪.‬‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الكريم هلذه املصنوعات العابدَ ة َّ‬
‫وجزئي‬ ‫ٌّ‬ ‫صغري‬‫ٌ‬ ‫ونفس َك احليوان َّي ِة ُجز ٌء‬ ‫جسم َك النَّبايت ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫َّك من ِ‬
‫جهة‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان! إن َ‬ ‫نعم‪ُّ ،‬أيا‬
‫املتزاحـم ِة‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫األمواج اهلادر ِة ِ‬
‫هلذه‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ختوض يف‬ ‫ضعيف ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وحيوان‬ ‫فقيـر‬ ‫ٌ‬
‫وخملوق ٌ‬ ‫حقيـر‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫الم َّنو َر ُة ِ‬
‫بنور‬ ‫ِ‬ ‫املتكاملة َّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫إل أن ََّك من حيث إنسان َّيت َُك‬ ‫ِ‬
‫املدهشة؛ َّ‬
‫بالتبية اإلسالم َّية‪ُ ،‬‬
‫هذه ال َعبد َّي ِة‪ ..‬وأن ََّك ُك ِّل ٌّي يف جزئيتِ َك‪ ..‬وأن ََّك‬ ‫سلطان يف ِ‬ ‫ٌ‬ ‫لضياء املح َّب ِة اإلهل َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫المتضم ِن‬
‫ِّ‬
‫البصري ِة‬ ‫َ‬ ‫ف ذو‬ ‫شر ُ‬ ‫الم ِ‬ ‫فأنت ُ‬ ‫حقارتِ َك‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫السامي مع‬ ‫المقام َّ‬ ‫ُ‬ ‫ولك‬‫صغر َك‪َ ..‬‬ ‫َ‬ ‫واسع يف‬ ‫ٌ‬ ‫عا َل ٌم‬
‫جعل‬ ‫حيم قد َ‬ ‫القول‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫مكن َُك‬ ‫املنظورة‪ ،‬حتَّى ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الفسيح ِة‬ ‫ِ‬ ‫النَّـ ِّي َـر ِة عىل هذه‬
‫الر َ‬ ‫ربي َّ‬ ‫«إن َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الدائرة‬
‫بيع باق َة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫وجعل َيل َّ‬ ‫َ‬
‫الر َ‬ ‫وجعل َيل َّ‬ ‫ُورا‪،‬‬
‫اجا ون ً‬ ‫والقمر س ً‬ ‫َ‬ ‫مس‬
‫الش َ‬ ‫مأوى ومسكنًا‪،‬‬ ‫يل الدُّ نيا ً‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪384‬‬
‫وأخريا َ‬
‫جعل يل‬ ‫الحيوان خاد ًما َذ ً‬
‫ليل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وجعل َيل‬ ‫يف مائد َة ٍ‬
‫نعمة‪،‬‬ ‫الص َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫ورد زاهي ًة‪،‬‬
‫ً‬ ‫وجعل َيل َّ‬
‫وبج ًة لداري و َمسكني»‪.‬‬
‫َّبات زين ًة وأثا ًثا َ‬
‫الن َ‬
‫ِ‬
‫أسفل‬ ‫ُ‬
‫فستسقط إىل‬ ‫والش ِ‬
‫يطان‬ ‫َّفس َّ‬ ‫مع إىل الن ِ‬ ‫ِ‬
‫القول‪ :‬إن ََّك إذا‬ ‫وخالص ُة‬
‫الس َ‬
‫ألقيت َّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫تقويم» يف‬ ‫«أحسن‬ ‫وكنت‬
‫َ‬ ‫ني‬‫ارتقيت إىل أعىل ع ِّل ِّي َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والقرآن‬ ‫احلق‬
‫أصغيت إىل ِّ‬
‫َ‬ ‫سافليـن وإذا‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هذا الكون‪ِ.‬‬

‫النُّكتة ُاخلامس ُة‬


‫َ ِ‬
‫واستعدادات مهم ٌة جدًّ ا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫مواهب‬
‫ُ‬ ‫هبت ل ُه‬
‫وو ْ‬ ‫اإلنسان ُأرس َل إىل الدُّ نيا ضي ًفا و ُمو َّظ ًفا ُ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫اإلنسان بأعاملِ ِه ولي َكدَّ ويسعى ِ‬
‫لتلك‬ ‫ُ‬ ‫وظائف جليل ٌة؛ ولكي يقو َم‬ ‫ُ‬ ‫سندت إليهِ‬
‫ْ‬ ‫وعىل هذا ُأ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫رهيبة‪.‬‬ ‫بتهديدات‬ ‫ب‬ ‫ور ِّه َ‬‫ب برتغيبات شديدة ُ‬ ‫الغايات والوظائف العظيمة فقد ُر ِّغ َ‬
‫أوضحناها يف موض ٍع ٍ‬
‫آخر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وأساسات العبود َّي ِة التي‬
‫ِ‬ ‫الوظائف اإلنسان َّي َة‬
‫َ‬ ‫سن ُْج ُ‬
‫مل ُهنا‬
‫ُ‬
‫فنقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫تقويم»‬ ‫ِ‬
‫«أحسن‬ ‫رس‬ ‫ِ‬ ‫وذلك ِ‬
‫لفهم وإدراك ِّ‬
‫جميئ ِه إىل هذا َ‬
‫العالِ ل ُه عبود َّي ٌة من ناحيتَني‪:‬‬ ‫اإلنسان بعد ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫بصورة غياب َّي ٍة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫النَّاحي ُة األوىل‪ :‬عبودي ٌة وتفك ٌُّر‬
‫حارض ٍة‪.‬‬
‫َ‬
‫بصورة ُم ٍ‬
‫اطبة‬ ‫ِ‬ ‫النَّاحي ُة الثاني ُة‪ :‬عبودي ٌة ومناجا ٌة‬
‫َّظر إىل كاملِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫لسلطان الر ِ‬
‫بوبية ال َّظ ِ‬
‫اهر يف الكون والن ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫تصديقه بال َّط ِ‬
‫اعة‬ ‫ُ‬ ‫النَّاحي ُة األوىل هي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وتعظيم‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بإعجاب‬ ‫سبحانه وحماسنِ ِه‬
‫َشرها‬ ‫ِ‬ ‫حلسنى ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫روس من بدائ ِع ن‬ ‫الع ِ‬
‫استنباط ِ‬
‫ُ‬
‫القدس َّية وإعالنُها ون ُ‬ ‫ُقوش أسامئه ا ُ‬ ‫ربة والدُّ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫وإشاعتُها‪.‬‬
‫ِ‬
‫بميزان‬ ‫واحد منها خزين ٌة معنوي ٌة خف َّي ٌة‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫الربان َّي ِة و ُد َر ِرها ُّ‬
‫‪-‬كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم ُ‬
‫جواهر األسامء َّ‬ ‫وزن‬
‫ِ‬
‫القلب‪.‬‬ ‫واإلعجاب النَّاب َع ِة من‬
‫ِ‬ ‫بأنوار الت ِ‬
‫َّقدير‬ ‫ِ‬ ‫َّبص ِر وت ُ‬
‫َقييمها‬ ‫ِ‬
‫اإلدراك والت ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األرض والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫بإعجاب عندَ مطال َع ِة‬
‫املوجودات التي هي‬ ‫وصحائف‬ ‫امء‬ ‫ِ َّ‬ ‫أوراق‬ ‫ٍ‬ ‫َّفكر‬
‫ثم الت ُ‬
‫َّ‬
‫القدرة‪ِ.‬‬
‫قلم ُ‬ ‫ِ‬
‫بمثابة كتابات ِ‬‫ِ‬
‫� � ��� �‬ ‫� � �� �� � � ‬
‫� ��������� ��� ������� ��������� ‪�� ��� ����������� ����� � -‬‬
‫‪385‬‬

‫طيفة التي فيها‬ ‫اجلميلة ال َّل ِ‬


‫ِ‬ ‫والصنائ ِع‬ ‫ِ‬
‫املوجودات‬ ‫باستحسان بال ٍغ إىل ِز ِ‬
‫ينة‬ ‫ٍ‬ ‫َّظر‬
‫َّ‬ ‫ثم الن ُ‬
‫الصان ِع ذي‬ ‫عود إىل مقا ِم ُح ٍ‬ ‫ف إىل الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضور عندَ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّله ُ‬
‫اجلامل والت ُّ‬ ‫الفاطر ذي‬ ‫ملعرفة‬ ‫َّحبب‬
‫والت ُ‬
‫اين‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫الكامل ُ‬ ‫ِ‬
‫الر َّب ِّ‬
‫ونيل التفاته َّ‬
‫طاب ا َّلذي َين ُف ُذ من األ َثر إىل المؤ ِّث ِر‪ ،‬فريى‬ ‫احلضور واخلِ ِ‬
‫ِ‬ ‫مقام‬
‫ُ‬ ‫هي‪:‬‬ ‫النَّاحي ُة ال َّثاني ُة َ‬
‫ِ‬
‫واملعرفة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باإليامن‬ ‫بمعجزات صنعتِ ِه‪ ،‬فيقاب ُل ُه هو‬
‫ِ‬ ‫نفس ِه ِ‬
‫إليه‬ ‫تعريف ِ‬
‫َ‬ ‫جليل يريدُ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫أن صان ًعا‬
‫ذيذة لرمحتِ ِه‪،‬‬
‫لوة ال َّل ِ‬ ‫باألثامر احل ِ‬
‫ِ ُ‬
‫أن ربا رحيم يريدُ أن يحبب نفسه ِ‬
‫إليه‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬ ‫ً‬ ‫ثم يرى َّّ ًّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وختصيص التَّع ُّبد ل ُه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحرص املح َّبة‬ ‫ِ‬
‫بجعل نفسه حمبو ًبا عنده‬ ‫ِ‬ ‫فيقاب ُله هو‬
‫بفعل ِه وحالِ ِه‬
‫لذائذ نِع ِمه املادي ِة واملعنوي ِة‪ ،‬فيقاب ُله هو ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫كريم ُيغر ُق ُه يف‬
‫نعم ً‬ ‫أن ُم ً‬‫ثم يرى َّ‬ ‫َّ‬
‫ناء عليه‪ِ.‬‬ ‫واحلمد وال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫بالش ِ‬
‫كر‬ ‫استطاع‪ُّ -‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حواسه وأجهزته ‪-‬إن‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫وبكل‬ ‫وقولِه‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫املوجودات كبريا َءه وعظمتَه وكما َله و ُي ُ‬
‫ربز‬ ‫مرآة ِ‬
‫هذه‬ ‫مجيل يظهر يف ِ‬ ‫ثم يرى َّ‬
‫جليل ً ُ ُ‬‫ً‬ ‫أن‬
‫ِ‬ ‫األنظار‪ ،‬فيقابِ ُل هو َ‬ ‫ِ‬
‫ذلك ك َّل ُه‪ :‬برتديد ُ‬
‫«اهلل أكرب‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ب إليها‬ ‫ُ‬
‫بحيث َيجل ُ‬ ‫جال َله وجما َله فيها‬
‫ِ‬
‫الفناء‪.‬‬ ‫وإعجاب وبمحب ٍة ٍ‬
‫ذائبة يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حرية‬ ‫سبحان اهلل‪ »..‬ويسجدُ سجو َد َمن ال َي َم ُّل ِّ‬
‫بكل‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مطلق‪،‬‬ ‫سخاء‬ ‫ب يف‬ ‫يعرض خزائنَه وثروتَه اهلائل َة التي ال ت ُ‬
‫َنض ُ‬ ‫ُ‬ ‫أن غن ًّيا مطل ًقا‬
‫ثم يرى َّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وثناء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫تعظيم‬ ‫ِ‬
‫االفتقار يف‬ ‫ِ‬
‫بكامل‬ ‫ِ‬
‫والطلب‬ ‫ِ‬
‫بالسؤال‬ ‫فيقاب ُله هو‬
‫الصنائ ِع‬
‫لعرض مجي ِع َّ‬‫ِ‬ ‫معر ًضا عجي ًبا‬ ‫األرض ِ‬
‫َ‬ ‫اجلليل قد َ‬
‫جعل‬ ‫َ‬ ‫الفاطر‬
‫َ‬ ‫ذلك‬ ‫أن َ‬‫ثم يرى َّ‬
‫اهلل» مقدِّ ًرا‬
‫«بارك ُ‬‫َ‬ ‫اهلل» مستحسنًا هلا‪ ،‬وبقولِه‬ ‫ِِ‬
‫ذلك بقوله «ما شا َء ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقابل هو َ‬ ‫الغريبة الن ِ‬
‫َّادرة‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫خلالقها‪.‬‬ ‫تعظيم‬ ‫رب»‬ ‫َ ِ‬
‫ً‬ ‫«اهلل أك ُ‬
‫«سبحان اهلل» معج ًبا هبا‪ ،‬وبقوله ُ‬ ‫هلا‪ ،‬وبقوله‬
‫ِ‬
‫التوحيد وس َّك َت ُه التي ال تُق َّلدُ و ُطغرا َءه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن واحدً ا خيت ُم عىل املوجودات ك ِّلها َ‬
‫ختم‬ ‫ثم يرى َّّ‬
‫آفاق العاملِ م ِ‬
‫علنًا ربوبيتَه‪،‬‬ ‫َّوحيد‪ ،‬وينصب راي َة الت ِ‬
‫َّوحيد يف ِ‬ ‫آيات الت ِ‬
‫وينقش عليها ِ‬ ‫ُ‬ ‫اخلاص َة ِبه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َّ‬
‫والشهادة والعبودية‪ِ.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلذعان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإليامن والتَّوحيد‬ ‫ِ‬
‫َّصديق‬ ‫فيقاب ُله هو بالت‬
‫ُ َّ‬
‫ِ‬
‫«أحسن‬ ‫نفسه أنه يف‬ ‫يصبح إنسانًا ح ًّقا و ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادة والتَّفك ُِّر هذه‬ ‫فاإلنسان ِ‬
‫بمثل أنوا ِع‬ ‫ُ‬
‫ظه ُر َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لألمانة الكربى وخليف ًة أمينًا عىل‬ ‫اإليامن و َب َركتِه الئ ًقا‬
‫ِ‬ ‫فيصري ب ُي ِ‬
‫من‬ ‫ٍ‬
‫تقويم»‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪386‬‬
‫ِ‬
‫لسوء‬ ‫ينحدر َ‬
‫أسفل سافلني‬ ‫تقويم» والذي‬‫ٍ‬ ‫يف«أحس ِن‬ ‫ُ‬
‫المخلوق‬ ‫ُ‬
‫الغافل‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫فيا أ ُّيـها‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املكتوبتني يف املقا ِم ال َّثاين من‬ ‫ِ‬
‫وحتني‬ ‫يشه؛ اسمعني ج ِّيدً ا وانظر إىل ال َّل‬ ‫َـزقه و َط ِ‬
‫اختيار ِه ون ِ‬‫ِ‬
‫كنت أرى الدُّ نيا مث َل َك حلو ًة َخ ِض ًة‬ ‫كيف ُ‬ ‫أيضا َ‬ ‫السابع َة عرشةَ» حتى تَرى َ‬
‫أنت ً‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة َّ‬
‫وت منه‬ ‫وص َح ُ‬ ‫الش ِ‬‫أفقت من ُسك ِْر َّ‬ ‫الش ِ‬‫غفلة َّ‬‫ِ‬
‫باب َ‬ ‫ُ‬ ‫وسكْره؛ ولكن لـمَّ‬ ‫باب ُ‬ ‫كنت يف‬ ‫عندما ُ‬
‫مجيل‪ -‬رأي ُت ُه‬
‫كنت أعدُّ ُه ً‬
‫اآلخرة والذي ُ‬ ‫ِ‬ ‫املتوج ِه إىل‬ ‫‪-‬غير‬ ‫أن وج َه الدُّ نيا‬ ‫رأيت َّ‬ ‫ِ‬
‫املشيب ُ‬ ‫ِ‬
‫بصبح‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫مجيل‪.‬‬‫اآلخرة َح َس ٌن ٌ‬ ‫ِ‬ ‫املتوج َه إىل‬ ‫وأن وج َه الدُّ نيا‬ ‫قبيحا‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫وجها ً‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫بنظرة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُصو ُر حقيق َة دنيا ِ‬
‫أهل‬ ‫الغفلة‬ ‫بحجاب‬ ‫الغفلة؛ فقد رأيتُها‬ ‫أهل‬ ‫فال َّلوح ُة األوىل‪ :‬ت ِّ‬
‫سكروا‪.‬‬ ‫اللة ولكن من ِ‬ ‫الض ِ‬
‫أسكر كام ُ‬ ‫َ‬ ‫دون أن‬ ‫َّ‬
‫القلوب املطمئن َِّة؛ فلم أبدِّ ل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلداية و َذوي‬ ‫حقيقة ُدنيا ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫تشيـر إىل‬
‫ُ‬ ‫ال َّلوح ُة ال َّثاني ُة‪:‬‬
‫عر إلَّ َّأنام‬ ‫ِ‬
‫ُشبهان ِّ‬ ‫قبل‪ ،‬ومها ْ‬ ‫َني بل تركتُهام كام كا َنتَا من ُ‬‫شي ًئا من تلكُام ال َّلوحت ِ‬
‫الش َ‬ ‫وإن كانتا ت‬
‫ٍ‬
‫بشعر‪.‬‬ ‫ليسا‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﴾‬

‫﴿ ﯘﯙﯚﯛ * ﯝﯞﯟ * ﯡﯢﯣﯤ * ﯦﯧ ﴾‬

‫ار‪،‬‬ ‫طيف ِة ْال َح ِديَّ ِة‪َ ،‬شمس َس َما ِء ْال ْ َ‬


‫س‬
‫ُ َ َّ َّ َّ َ‬
‫الل‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫الم‬ ‫ات‬
‫َّّ َّ َ ّ َ َ َّ‬
‫اذل‬ ‫الل ص ِل عل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ َ َ ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫األنو َ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫مال‪.‬‬
‫ب فل ِك ال ِ‬ ‫ار الل ِل‪ ،‬وقط ِ‬ ‫ار‪ ،‬ومرك ِز مد ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َو َمظ َه ِر‬
‫ثت َوأذْه ْ‬ ‫ك � آ ِمن َخوف َوأقِ ْل َع ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َّّ َّ ّ َ َ ْ َ‬
‫ب ُح ْز ِن َو ِح ْر ِص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ري‬ ‫ك َوب َ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫سهِ لي‬ ‫الل ب ِ ِ ِ‬
‫اء َع ّن َول تْ َعلن َمفتُونا بنَفس َم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ار ُزقن ال َفنَ َ‬ ‫ك ِم ّن َو ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َُ‬
‫جوبا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إل‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ك‬ ‫و‬
‫َ‬
‫ح يَا ق ُّي ُ‬ ‫وم يَا َ ُّ‬ ‫َ‬
‫ح يَا ق ُّي ُ‬ ‫وم يَا َ ُّ‬ ‫َ‬
‫ح يَا ق ُّي ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ب ِّس َواك ِشف ل َعن ك ِس َمكتُومٍ يَا َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وم‪.‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني �آم َ‬ ‫ُْ آ آ َ‬ ‫َ ْ َْ َ ْ َ ََُ َ ْ َ َْ ْ َ‬
‫ني‬ ‫ان َوالقر� ِن‪ِ � ،‬م ِ‬ ‫وارح ِن وارحم رفق ِائ وارحم أهل اليم ِ‬
‫أك َر َم ْال ْك َرم َ‬
‫ني‪.‬‬
‫َ ََ ْ‬
‫احني ويا‬ ‫أر َح َم َّ‬ ‫يَا ْ‬
‫ِ‬ ‫الر ِ ِ‬

‫﴿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﴾‬
‫ل��ل �ة ا �� ا �� �ة ا ��ل� ش ن‬
‫�‬‫�‬
‫ا � ك�� �م� لرب�ع� �و ع���ر�و�‬
‫ابع‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الر َ‬
‫الغصن َّ‬
‫َ‬ ‫بإمعان‬ ‫الحظ‬ ‫أغصان‪..‬‬ ‫مخسة‬ ‫الكلمة عبار ٌة عن‬ ‫هذه‬
‫ثامره‪.‬‬
‫لتقطف َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اخلامس واصعدْ‬ ‫ِ‬
‫بالغصن‬ ‫ْ‬
‫واستمسك‬

‫�﷽‬

‫﴾ (طه‪)8:‬‬ ‫﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ق ا�لكبرى الجليلة ِ لهذه ِ الآية ِ ا�لكريمة ِ‬
‫ن لحقيقة ٍ واحدة ٍ من الحقائ ِ‬
‫نشير إلى خمسة ِ أغصا ٍ‬
‫ُ‬

‫ُصن ُ‬
‫األول‬ ‫الغ ُ‬
‫طبقات رعايا ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ضمن‬ ‫دوائر حكومتِه‪ ،‬وأوصا ًفا متباين ًة‬ ‫ِ‬ ‫عناوين خمتلف ًة يف‬ ‫ِ‬
‫للسلطان‬ ‫إن‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سلطنته؛ ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وعالمات متنوع ًة يف‬ ‫ٍ‬
‫دوائر‬ ‫العادل» يف‬ ‫«احلاكم‬ ‫اسم‬‫فمثل‪ :‬ل ُه ُ‬ ‫مراتب‬ ‫وأسام ًء‬
‫وائر‬ ‫«القائد العا ِّم» يف الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اسم‬ ‫ِ‬ ‫لطان» يف الدَّ ِ‬ ‫وعنوان «الس ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وائر املدن َّية‪ ،‬بينام ل ُه ُ‬ ‫ُّ‬ ‫العدل‪،‬‬
‫ِ‬
‫والعناوين‪ ..‬فل ُه‬ ‫ِ‬
‫األسامء‬ ‫سائر‬ ‫ِ‬ ‫«اخلليفة» يف الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫العسكر َّي ِة‬
‫وائر الشَّ ع َّية‪ ..‬وهكذا ل ُه ُ‬ ‫وعنوان‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫يمكن أن‬ ‫ِ‬
‫وعليه‬ ‫معنوي ل ُه؛‬ ‫بمثابة َع ٍ‬
‫رش‬ ‫ِ‬ ‫وكريس‬ ‫مقام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف ِّ‬
‫ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌّ‬ ‫دوائر دولته ٌ‬ ‫دائرة من‬ ‫كل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تلك الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أللف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫طبقات‬ ‫مراتب‬ ‫لطنة ويف‬ ‫دوائر َ َّ‬ ‫واسم يف‬ ‫اسم‬ ‫السلطان الفر ُد مالكًا‬ ‫ذلك‬
‫بعض‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها يف‬ ‫املتداخ ِل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العروش‬ ‫وعرش من‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عرش‬ ‫ألف‬‫يكون له ُ‬ ‫َ‬ ‫يمكن أن‬ ‫ِ‬
‫احلكومة؛ أي‬
‫ُ‬
‫ويعلم ما جيري فيها‬ ‫ُ‬ ‫دوائر دولتِ ِه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫دائرة من‬‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫وحارض يف ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫احلاكم موجو ٌد‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬ ‫كأن َ‬ ‫حتَّى َّ‬
‫بقات بقانونِ ِه‬ ‫طبقة من ال َّط ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫شاهدُ و َي ْش َهدُ يف ِّ‬ ‫اخلاص‪ ،‬و ُي َ‬ ‫ِّ‬ ‫وهاتفه‬‫ِ‬ ‫بشخص َّيتِ ِه املعنو َّي ِة‪،‬‬
‫وبعلمه‬ ‫ِ‬ ‫املراتب بحكمتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫مرتبة من‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫احلجاب َّ‬‫ِ‬ ‫ليه‪ ..‬ويراقب ويدير من ِ‬
‫وراء‬ ‫ونظامه وبمم ِّث ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خاص هبا‪ ،‬أحكا ُمه خمتلف ٌة‪ ،‬طبقاتُه متغايرةٌ‪.‬‬ ‫وموقع‬ ‫خيصها‬ ‫ٍ‬ ‫وبقوتِ ِه‪ِّ ..‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫مركز ُّ‬ ‫دائرة ٌ‬ ‫فلكل‬ ‫َّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪388‬‬
‫شؤون‬ ‫ٌ‬ ‫مراتب ربوب َّيته‬ ‫ِ‬ ‫ضمن‬ ‫واألبد‪ -‬ل ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األزل‬ ‫ُ‬
‫سلطان‬ ‫رب العاملني ‪-‬وهو‬ ‫وهكذا َّ‬
‫َ‬ ‫فإن َّ‬
‫عالمات وأسام ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫دوائر ألوه َّيتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ضمن‬
‫َ‬ ‫بعض‪ ..‬وله‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها مع‬ ‫يتناظر ُ‬ ‫ُ‬ ‫خمتلفة‪ ،‬لكن‬ ‫ٌ‬ ‫وعناوين‬
‫ُ‬
‫وجلوات‬ ‫ات‬
‫العظيمة جتل َّي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ضمن إجراءاتِ ِه‬ ‫بعض‪ ..‬وله‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها يف‬ ‫شاهدُ ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫متغايرةٌ‪ ،‬لكن ُي َ‬
‫شع ُر‬ ‫عة‪ ،‬لكن ي ِ‬ ‫متنو ٌ‬ ‫فات قدرتِ ِه‬ ‫بعضا‪ ..‬وله ضمن ترص ِ‬ ‫متباينة‪ ،‬لكن ُيشابِ ُه ُ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫عناوين ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫بعضها ً‬
‫بعضها‬ ‫ظهر ُ‬ ‫سة متفاو َت ٌة‪ ،‬لكن ُي ِ‬ ‫مظاهر ُمقدَّ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫جتليات ِصفاتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ضمن‬
‫َ‬ ‫ببعض‪ ..‬ول ُه‬ ‫ٍ‬ ‫بعضها‬ ‫ُ‬
‫ُكم ُل الواحد ُة األخرى‪ ..‬وله‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫فات متباين ٌة‪ ،‬لكن ت ِّ‬ ‫ترص ٌ‬ ‫ضمن جت ِّليات أفعاله ُّ‬ ‫َ‬ ‫بعضا‪ ..‬ول ُه‬ ‫ً‬
‫تلح ُظ إحداها األُخرى‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫ضمن صنعته ومصنوعاته ربوب َّي ٌة َمهيب ٌة متغاير ٌة لكن َ‬ ‫َ‬
‫ـم‬‫كل عا َل ٍم من عوالِ ِ‬ ‫حلسنى‪ ،‬يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫عناوين ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ومع هذا يتجلَّ ُع ٌ‬
‫اسم من األسامء ا ُ‬ ‫نوان من‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫وبقية‬ ‫ِ‬
‫تلك الدَّ ائرة‪،‬‬ ‫حاكم ُمهيمنًا يف َ‬ ‫ِ‬ ‫االسم‬ ‫ويكون َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل طائ َفة من طوائفه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكون ويف ِّ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫خاص ٌة‬ ‫االسم ل ُه ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫خاص وربوب َّي ٌة َّ‬ ‫ٌّ‬ ‫تجل‬ ‫َ‬ ‫إن َ‬
‫ذلك‬ ‫ثم َّ‬ ‫هناك‪ ،‬بل مندرج ًة فيه‪َّ ،‬‬ ‫األسامء تابع ًة ل ُه‬
‫خاص ًة كانت‬ ‫املخلوقات‪ ،‬صغير ًة كانت أو كبريةً‪ ،‬قليل ًة كانت أو كثريةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫كل‬ ‫يف ِّ‬
‫َّ‬
‫بقصد‬ ‫ٍ‬ ‫متوج ٌه‬ ‫إل أ َّن ُه‬ ‫يشء وعا ًّما‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بكل‬ ‫كان حمي ًطا ِّ‬ ‫وإن َ‬ ‫االسم ْ‬ ‫أن ذلك‬ ‫أو عا َّم ًة؛ بمعنى َّ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ذلك الشَّ ِء‪،‬‬ ‫ات إىل َ‬ ‫وبالذ ِ‬ ‫َّ‬ ‫متوج ٌه فقط‬ ‫ِّ‬ ‫االسم‬
‫َ‬ ‫ذلك‬ ‫كأن َ‬ ‫شيء ما‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بالغة إىل‬ ‫ٍ‬ ‫وبأمه َّي ٍة‬
‫بذلك الشَّ ِء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خاص‬ ‫ٌّ‬ ‫وكأ َّن ُه‬
‫حجاب من‬ ‫ٍ‬ ‫ألف‬ ‫سبعني َ‬ ‫أن ل ُه‬ ‫يشء‪ ،‬مع َّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫قريب إىل ِّ‬ ‫َ‬
‫اجلليل‬ ‫اخلالق‬
‫َ‬ ‫ذلك َّ‬
‫فإن‬ ‫ِز ْد عىل َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫مراتب‬ ‫ِ‬ ‫ب املوجو َد ِة يف‬ ‫الـح ُج ِ‬ ‫‪-‬مثل‪ -‬من ُ‬ ‫ً‬ ‫ذلك‬ ‫تقيس َ‬ ‫جب النُّوران َّية‪ ،‬ويمكن َُك أن َ‬
‫ِ‬ ‫الـح ِ‬ ‫ُ‬
‫بخ ْل ِق َك‪ ،‬وانتهاء باملرتبةِ‬ ‫عليك َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫املتجل‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫ِ‬
‫السم‬ ‫ِ‬
‫جلزئ َّية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫اخلالق‪ ،‬ابتدا ًء من املرتبة ا ُ‬ ‫اسم‬
‫يات‬ ‫تبلغ نهاي َة جت ِّل ِ‬ ‫تستطيع أن َ‬ ‫أمجع‪ ،‬بمعنى أن ََّك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫خلالق الكون َ‬ ‫األعظم‬ ‫والعنوان‬ ‫الكُربى‬
‫وعندئذ‬ ‫ٍ‬ ‫الكائنات ورا َء َك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َدع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتدخ َل إليها من ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باب املخلوق َّية‪ ،‬برشط أن ت َ‬ ‫اخلالق‬ ‫اسم‬
‫فات‪.‬‬ ‫دائرة الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتقر ُب إىل‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫َّداخل يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسامء‪ ،‬والت‬ ‫ُس يف‬ ‫ؤون‪ ،‬والتَّعاك ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫َّناظر يف ُّ‬ ‫جب‪ ،‬والت ِ‬ ‫الح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنافذ يف ُ‬ ‫ولوجود َ‬
‫َّعاض ِد‬ ‫َّرصفات‪ ،‬والت ُ‬ ‫ِ‬ ‫هور‪ ،‬والتَّسان ُِد يف الت‬ ‫َّشابه يف ال ُّظ ِ‬ ‫العناوين‪ ،‬والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّامزج يف‬ ‫الت‪ ،‬والت ِ‬ ‫التَّم ُّث ِ‬
‫والربوب َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بوبيات‪َ ،‬لز َم ال َبتَّـ َة لِ َم ْن عر َف ُه سبحانه يف‬
‫ِ‬
‫والعناوين ُّ‬ ‫األسامء‬ ‫واحد ممَّا َم َّر من‬ ‫الر‬
‫يف ُّ‬
‫إن َظ َّل‬ ‫يترض َر ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هو‪ّ ،‬‬
‫وإل َّ‬ ‫يفهم بداه ًة أنَّـ ُه َ‬
‫هو َ‬ ‫والعناوين والشؤون؛ بل ُ‬ ‫األسامء‬ ‫ألَّ ُينك َر َ‬
‫سائر‬
‫آخر‪.‬‬ ‫جتل ٍ‬ ‫األسامء األخرى ومل ْ‬
‫ينتقل من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اسم إىل َ‬ ‫جتليات‬ ‫حمجو ًبا عن‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪389‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ضاللة ال َّطبي َع ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يسقط يف‬ ‫ِ‬
‫العليم‪،‬‬ ‫أثر ِ‬
‫اسم‬ ‫ِ‬
‫والقدير‪ ،‬ومل َير َ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫أثر ِ‬
‫اسم‬ ‫فمثل‪ :‬إذا رأى َ‬ ‫ً‬
‫يشء‪ْ ،‬‬
‫وأن‬ ‫كل ٍ‬ ‫هو‪ ،‬ويشاهدَ تج ِّل ِيه يف ِّ‬ ‫بنظر ِه فيام حو َل ُه ويرى َّ‬ ‫ول ِ‬ ‫أن َي َ‬ ‫لذا ِ‬
‫عليه ْ‬
‫هو َ‬ ‫اهلل َ‬
‫أن َ‬
‫دائم‪ :‬ال إل َه‬ ‫نص َت ِ‬
‫إليه‪ْ ،‬‬ ‫يشء‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾ وي ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫تسمع أذنُه من ِّ‬
‫وأن ُير ِّد َد لسانُه ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويعلن «آل إ َله إلَّ ُه ْو َب َرا َب ْر ِم َيزنَدْ َعا َل ْم»‪.‬‬
‫َ‬ ‫إلَّ اهلل‪،‬‬
‫ِ‬
‫الكريمة ﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ﴾‬ ‫هبذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫القرآن الكريم ِ‬
‫ُ‬ ‫يشري‬
‫ُ‬ ‫وهكذا ُ‬
‫ناها‪.‬‬
‫ذكر َ‬ ‫ِ‬
‫احلقائق ا َّلتي ْ‬ ‫(طه‪ )8 :‬إىل‬
‫هائج‪ ،‬وإىل‬ ‫بحر ٍ‬ ‫فاذهب إىل ٍ‬ ‫الرفيع َة عن ُق ٍ‬
‫رب‪،‬‬ ‫ُشاهدَ َ‬ ‫أن ت ِ‬‫كنت تريدُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫احلقائق َّ‬
‫َ‬ ‫تلك‬ ‫فإن َ‬
‫جليل‪..‬‬ ‫جليل‪ ..‬يا ُ‬ ‫ِ‬
‫يناديان‪ :‬يا ُ‬ ‫حتم َّأنام‬
‫ستسمع ً‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تقوالن؟‬ ‫بالز ِ‬
‫الزل‪ ،‬وأسأهلُام‪ :‬ما‬ ‫هتز ٍة َّ‬ ‫ٍ‬
‫أرض ُم َّ‬
‫البحر أو‬‫ِ‬ ‫تعيش يف‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‪ ،‬ا َّلتي ُ‬ ‫والص ِ‬
‫غار من‬ ‫اذهب إىل الفراخِ‬ ‫عزيز‪ ..‬يا ج َّب ُار‪ ..‬ثم‬ ‫يا ُ‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫تقولني؟ ال ُبدَّ َّأنا ترتن َُّم‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وأسألا‪ :‬ما‬ ‫فقة والر ِ‬
‫محة‪،‬‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬وا َّلتي تُر َّبى يف ُمنتهى َّ‬ ‫عىل‬
‫َّ‬
‫ُنادي‪ :‬يا ُ‬
‫جليل‬ ‫كيف ت ِ‬‫امء َ‬ ‫جميل‪ ..‬يا رحيم‪ ..‬يا رحيم؛(‪ )1‬ثم أنصت إىل الس ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫جميل‪ ..‬يا‬ ‫يا‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ولعبت‪ ،‬نا َمت؛ فور َد إىل ذهني‬‫ْ‬ ‫أكلت‬
‫ْ‬ ‫فرأيت أهنا بعدما‬‫ُ‬ ‫وتأملت فيها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫القطط‬ ‫الحظت‬
‫ُ‬ ‫(‪ )1‬حتَّى إنني‬
‫اضطجعت‬
‫ُ‬ ‫حيوانات مبارك ٌة طيب ٌة؟ ثم يف الليل‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫باملفرتسة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشبيهة‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‬ ‫سؤال‪ِ :‬ل َ ُيط َل ُق عىل هذه‬
‫ٌ‬
‫ذكرا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بت فمها إىل أذين‪ ،‬وذكرت اهلل ً‬ ‫وقر ْ‬
‫واستندت إىل خمديت َّ‬ ‫ْ‬ ‫جاءت‬
‫ْ‬ ‫ألنا َم وإذا بقطة من تلك القطط‬
‫ِ‬
‫باسم‬ ‫ِ‬
‫واإلهانة‬ ‫ِ‬
‫االعرتاض‬ ‫وكأنا ر َّدت ما ور َد من‬ ‫رحيم»‬ ‫رحيم‪ ..‬يا‬ ‫رحيم‪ ..‬يا‬ ‫ِ‬
‫باسم‪« :‬يا‬ ‫حيا‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رص ً‬
‫ِ‬
‫خاص هبذه القطة فقط أم بطائفة القطط عامة؟ وإن‬ ‫ِ‬
‫إن هذا الذكر‬ ‫طائفتها‪ ،‬فور َد إىل عقيل‪ :‬تُرى هل َّ‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫إنسان يستطيع االستامع‬ ‫كل‬‫أن َّ‬‫ومنحرص ملعرتض بغري حق مثيل‪ ،‬أم ّ‬ ‫ذكرها‪ ،‬هل هو خاص يب‬ ‫استامع ِ‬
‫ٌ‬
‫نفسه‬ ‫تكر ُر الذكر َ‬‫بدأت أنصت إىل القطط األخرى‪ ،‬كانت ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أعار سمعه إليها؟ ويف الصباح‬ ‫إىل حدٍّ ‪ ،‬لو َ‬
‫الذكر ثم يمكن متييز‪:‬‬ ‫حيا مثل األوىل‪ ،‬إذ يف بداية هريرها ال يتميز هذا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫بدرجات متفاوتة وإن مل يكن رص ً‬
‫ذكرا حزينًا‬ ‫فتذكر اهلل ً‬ ‫ُ‬ ‫رحيم» نفسه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هريرها كله إىل «يا‬ ‫يتحول ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اهلرير‪ ،‬ثم‬ ‫رحيم‪ ..‬يف‬ ‫ُ‬ ‫رحيم‪ ..‬يا‬ ‫ُ‬ ‫يا‬
‫ذكرا لطي ًفا بـ‪« :‬يا رحيم»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إخراج للحروف حيث تسد فمها وتذكر اهلل ً‬ ‫فصيحا دون‬ ‫ً‬
‫نسمع‬
‫ُ‬ ‫األمر‪ ،‬ثم قالوا‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يالحظون‬ ‫بدورهم بدؤوا‬ ‫ِ‬ ‫نفسها للذين أتوا لزياريت‪ ،‬وهم‬ ‫ذكرت احلادثة َ‬ ‫ُ‬
‫القطط هذا االسم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االسم‪ :‬يا رحيم؟ ول َ تذكر‬ ‫ِ‬ ‫ختصيص هذا‬‫ِ‬ ‫الذكر إىل حدٍّ ما‪ ،‬ثم ور َد بقلبي‪ :‬ما وج ُه‬ ‫ِّ‬
‫لطيف‬‫ٌ‬ ‫رقيق‬
‫حيوان ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أن القط‬ ‫احليوانات‪ ،‬فور َد‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان وال تذكره بلسان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسان‬ ‫ِ‬
‫بلهجة‬ ‫َّ‬
‫بالذات‬
‫حمتاج إذن إىل‬ ‫صديقه فهو‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كل زاوية من مسكنه‪ ،‬حتى كأنه‬ ‫ٍ‬ ‫كالطفل الصغري‪ ،‬خيتلط مع اإلنسان يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫الكلب‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بخالف‬ ‫األسباب‪،‬‬ ‫ستأنس به حيمدُ اهلل تاركًا‬ ‫محة‪ ،‬فعندما ُيال َطف و ُي‬ ‫فقة والر ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫مزيد من َّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِِ‬
‫وبنداء‬ ‫اإلنسان السادر يف نوم الغفلة‪،‬‬ ‫فيوقظ بذلك الذكر‬ ‫حيم‪،‬‬ ‫الر ِ‬ ‫اخلاص رمح َة خالقه َّ‬ ‫ِّ‬ ‫و ُمعلنًا يف عامله‬
‫محة؟ (املؤلف)‪.‬‬ ‫الر ُ‬‫والعون وممن ُيتو َّق ُع َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫قائل‪ :‬ممَّن َير ُد املد ُد‬ ‫األسباب ً‬ ‫ِ‬ ‫رحيم» ين ِّبه َع َبدة‬
‫ُ‬ ‫«يا‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪390‬‬
‫ِ‬
‫للحيوانات‬ ‫ِ‬
‫اجلالل‪ ،‬وتَصن َّْت‬ ‫مجيل ذو‬ ‫كيف تُر ِّد ُد‪ :‬يا ُ‬
‫األرض َ‬ ‫ِ‬ ‫اجلامل! ِ‬
‫وأع ْر سم َع َك إىل‬ ‫ِ‬ ‫ذو‬
‫فستسمع منـ ُه‪ :‬يا حن ُ‬ ‫ِ‬ ‫كيف ُ‬
‫رحيم يا‬
‫ُ‬ ‫رمحن يا‬
‫ُ‬ ‫َّان يا‬ ‫ُ‬ ‫بيع‪،‬‬
‫الر َ‬‫رز ُاق؛ واسأل َّ‬ ‫رمحن يا َّ‬
‫ُ‬ ‫تقول‪ :‬يا‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكثرية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األسامء‬ ‫صو ُر يا ُم ِّنو ُر يا ُم ِس ُن يا ُمز ِّي ُن‪ ..‬وأمثا َلـها من‬
‫عطوف يا ُم ِّ‬
‫ُ‬ ‫لطيف يا‬
‫ُ‬ ‫كريم يا‬
‫ُ‬
‫حلسنى‪ ،‬فهي مكتوب ٌة‬ ‫ِ‬ ‫كيف يقر ُأ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫واسأل إنسانًا هو ح ًّقا‬ ‫ْ‬
‫جميع األسامء ا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وشاهدْ‬ ‫إنسان‪،‬‬
‫الكون ك َّل ُه موسيقى‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫أنت ِ‬
‫بنفس َك‪،‬‬ ‫ستقر ُؤها َ‬ ‫َّظر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫عىل جبهته‪ ،‬حتَّى إذا أن َع ْم َت الن َ‬
‫نتج‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫نغمة وأو َط ِئها مع‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األحلان ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫أعظم نَغمة وأعالها ُي ُ‬ ‫أصغر‬ ‫فامتزاج‬
‫ُ‬ ‫عظيم‪،‬‬ ‫لذكر‬ ‫متناغمة‬
‫وق ْس عىل ذلك‪..‬‬ ‫حلنًا لطي ًفا مهيبا‪ِ ،‬‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫حلسنى إلَّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان مهام َ‬ ‫َ‬ ‫غيـر َّ‬
‫حلسنى‬ ‫تنوع األسامء ا ُ‬‫أن َ‬ ‫مظهرا جلمي ِع األسامء ا ُ‬ ‫ً‬ ‫كان‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫واختالف عبادةِ‬
‫ِ‬ ‫احلال يف تنو ِع الكائناتِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫هو‬‫لتنو ِع اإلنسان إىل حدٍّ ما‪ ،‬كام َ‬ ‫أصبح سب ًبا ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وطرائق األولياء املتفاوت َُة‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املختلفة‬ ‫ِ‬
‫شرائع األنبياء‬ ‫نشأت من هذا التَّنو ِع‬ ‫املالئكة‪ ،‬بل قد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫جتل ِ‬
‫اسم‬ ‫السالم هو ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فمثل‪َّ :‬‬ ‫املتنو َع ُة‪ً ،‬‬ ‫ِ‬
‫الغالب يف س ِّيدنا عيسى عليه َّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫ومشارب األصفياء ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اسم «الودود»‪ ،‬والمستحو َذ‬ ‫ِ‬
‫أهل الع ِ‬ ‫هيمن عىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شق هو ُ‬ ‫والم َ‬ ‫«القدير» مع األسامء األخرى‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫«احلكيم»‪.‬‬ ‫اسم‬
‫َّفكر هو ُ‬ ‫أهل الت ِ‬ ‫عىل ِ‬

‫نفسه‪،‬‬ ‫الوقت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولة يف‬ ‫دوائر الدَّ ِ‬


‫ِ‬ ‫وكاتب ٍ‬
‫عدل و ُمفت ًِّشا يف‬ ‫كان عاملًا وضاب ًطا‬ ‫رجل َ‬ ‫ً‬ ‫فلو َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫َّب‬ ‫أيضا أجر ٌة ومرت ٌ‬ ‫وعمل‪ ،‬ول ُه ً‬ ‫ً‬ ‫وائر عالق ًة وارتبا ًطا ووظيف ًة‬ ‫تلك الدَّ ِ‬ ‫دائر ٍة من َ‬ ‫كل َ‬ ‫فإن ل ُه يف ِّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫حياولون‬ ‫الذين‬ ‫ِ‬
‫واألعداء‬ ‫اد‬‫وجود الحس ِ‬ ‫ِ‬ ‫فضل عن‬ ‫قي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ومسؤول َّي ٌة فيها‪ ،‬ول ُه‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ً‬ ‫مراتب ُر ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‬
‫ٍ‬
‫كثرية‬ ‫بعناوين‬ ‫جل ‪-‬وهذا شأنُه‪ -‬يظهر أمام الس ِ‬
‫لطان‬ ‫الر َ‬ ‫أن ُيعيقوا عم َل ُه‪ ..‬فكام َّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ ُّ‬ ‫أن هذا َّ‬
‫ٍ‬
‫بألسنة‬ ‫َ‬
‫العون واملد َد‬ ‫املتنو َع ِة‪ ،‬ويسأ ُل ُه‬ ‫ِ‬ ‫خالل َ‬ ‫ِ‬ ‫الس َ‬ ‫ٍ‬
‫العناوين ِّ‬ ‫تلك‬ ‫لطان من‬ ‫خمتلفة جدًّ ا‪ ،‬ويرى ُّ‬
‫أعدائ ِه؛‬ ‫ِ‬ ‫رش‬
‫خالصا من ِّ‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫كثرية‪،‬‬ ‫صور شتَّى‬ ‫ٍ‬ ‫ويستعيذ ِبه يف‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‪،‬‬ ‫بعناوين‬
‫َ‬ ‫كثرية‪ ،‬ويراج ُع ُه‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأعداء‬ ‫ُيل‬
‫وظائف كثريةٌ‪ ،‬وابت َ‬ ‫ُ‬ ‫نيطت به‬ ‫كثرية‪ ،‬و ُأ ْ‬ ‫أسامء‬ ‫بتجليات‬ ‫حظي‬
‫َ‬ ‫اإلنسان الذي‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫كذلك‬
‫فخر اإلنسان َّي ِة‪ ،‬وهو‬ ‫مدار ِ‬ ‫مناجاته واستعاذتِ ِه‪ ،‬كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫أسامء اهلل يف‬ ‫كثريا من‬ ‫يذكر ً‬ ‫كثريين‪ُ ،‬‬ ‫َ‬
‫واسم يف‬ ‫ٍ‬ ‫بألف ٍ‬
‫اسم‬ ‫ويستعيذ به من الن َِّار ِ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلقيقي‪ ،‬حممدٌ ﷺ يدعو َ‬ ‫ُّ‬ ‫الكامل‬ ‫اإلنسان‬
‫ِ‬
‫الكبري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باجلوشن‬ ‫املسمى‬
‫َّ‬ ‫عائ ِه‬
‫د ِ‬
‫ُ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬
‫سورة الن ِ‬ ‫عناوين‪ ،‬وذلك يف‬ ‫باالستعاذة بثال َث ِة‬
‫ِ‬ ‫يأمر‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫القرآن ُ‬ ‫الرس نجدُ‬
‫ومن هذا ِّ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪391‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫﴿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ * ﮅ ﮆ * ﮈ ﮉ * ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‪﴾..‬‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ويبي يف �﷽ االستعا َن َة بثال َثة أسامء من أسامئه ا ُ‬
‫حلسنى‪.‬‬ ‫ِّ ُ‬

‫ُصن ال َّثاين‬
‫الغ ُ‬
‫مفاتيح أسرا ٍر كثيرة ٍ‬ ‫يبين سر ي ِن يتضمنا ِ‬
‫ن‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬

‫الأو ُل‬
‫الس ُّر َّ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪ ،‬إذ‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫مشهوداتم وكشف َّي ِاتم مع َّأنم يت ُ‬
‫َّفقون يف‬ ‫ِ‬ ‫كثريا يف‬
‫خيتلف األوليا ُء ً‬
‫ُ‬ ‫لِ َم‬
‫للحق؟ وملاذا يرى‬‫هود مخالِف ًة للواق ِع و ُمجانب ًة ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫درجة ُّ‬‫ِ‬ ‫تظهر أحيانًا كشو ُفهم ا َّلتي هي يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رغم إثبات أحق َّيتها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّظر الحقيق َة متناقض ًة يف‬ ‫وأرباب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫أفكارهم‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الفكر‬ ‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫و ُيب ِّي ُن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بألوان شتَّى؟‬ ‫ُ‬
‫الحقيقة الواحد ُة‬ ‫َلو ُن‬
‫لم َتت َّ‬
‫منهم؟ ف َ‬ ‫بالربهان القاط ِع لدى ك ُِّل واحد ُ‬

‫الس ُّر ال َّثاني‬


‫ِّ‬
‫اجلسامين‪ ،‬عىل‬ ‫ِ‬
‫كاحلرش‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫قسم من‬ ‫َ‬ ‫ملاذا َ‬
‫ِّ‬ ‫الم ً‬‫الس ُ‬‫عليهم َّ‬
‫ُ‬ ‫ابقون‬ ‫الس‬
‫ترك األنبيا ُء َّ‬
‫ذهب ‪-‬فيام‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ ،‬حتَّى‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫كامل كام هو يف‬ ‫تفصيل‬ ‫يفصلو ُه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫اإلمجال‪ ،‬ومل ِّ‬ ‫يشء من‬
‫ِ‬
‫األولياء‬ ‫قسم من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إنكار َ‬ ‫قسم من أ َم ِمهم إىل‬
‫المجملة؟ ثم ملاذا تقدَّ َم ٌ‬ ‫تلك األركان ُ‬ ‫بعدُ ‪ٌ -‬‬
‫قسم من‬ ‫ِ‬
‫اليقني‪ ،‬مع َّ‬ ‫فحسب‪ ،‬حتَّى بلغوا درج َة ِّ‬ ‫العارفني احلقيقييـن يف الت ِ‬
‫أن ً‬ ‫حق‬ ‫ُ‬ ‫َّوحيد‬ ‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ألجل هذا مل ُي ِ‬
‫ول ُمتَّب ُعوهم فيام‬ ‫ِ‬ ‫نادرا‪ ،‬بل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مشاربم أو يرتاءى ً‬ ‫مل يف‬ ‫اإليامن يبدو ُم ً‬ ‫أركان‬
‫وض َّل‪.‬‬
‫بعض ُهم َ‬ ‫األركان االهتام َم اللَّ ز َم‪ ،‬بل قدْ زا َغ ُ‬
‫َ‬ ‫بعدُ تلك‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫اإليامن ك ِّلها‪ ،‬فلامذا تقدَّ َم ُ‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫ِ‬
‫بانكشاف‬ ‫احلقيقي ُي ُ‬
‫نال‬ ‫ُ‬
‫الكامل‬ ‫فام دا َم‬
‫ُّ‬
‫املرسلني‬ ‫إمام‬ ‫الر َ‬ ‫علم َّ‬ ‫ِ‬ ‫بعضها بينام تَخ َّل ُفوا يف ِ‬ ‫يف ِ‬
‫َ‬ ‫الكريم ﷺ وهو ُ‬ ‫َ‬ ‫سول‬ ‫أن َّ‬ ‫اآلخر؛ ً‬ ‫بعضها‬
‫إمام‬ ‫ُ‬ ‫لألسامء احلسنى ك ِّلها‪ ،‬وكذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكيم الذي هو ُ‬
‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫باملراتب ال ُعظمى‬ ‫حظي‬
‫َ‬ ‫الذي‬
‫ٍ‬
‫وبأسلوب جا ٍّد‬ ‫واضحا جل ًّيا‬
‫ً‬ ‫تفصيل‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫اإليامن ُك َّلها‬ ‫َ‬
‫أركان‬ ‫السامو َّي ِة‪ ،‬قد َف َّصال‬ ‫ِ‬
‫الكتب َّ‬ ‫مجي ِع‬
‫ٍ‬
‫ومقصود؟‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫األتم هو هكذا يف‬ ‫احلقيقي‬ ‫َ‬
‫الكمال‬ ‫اجلواب‪ :‬نعم‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪392‬‬
‫أن ل ُه استعدا ًدا‬ ‫غم من َّ‬ ‫الر ِ‬ ‫َ‬ ‫َّحو اآليت‪َّ :‬‬ ‫هي عىل الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحكمة ِ‬‫ُ‬
‫اإلنسان عىل َّ‬ ‫إن‬ ‫األرسار َ‬ ‫هذه‬
‫يتحرى الحقيق َة من خالل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونيل ِ‬ ‫ِ‬
‫الكامالت ك ِّلها ِ‬ ‫لبلو ِغ‬
‫حلسنى جميعها فإ َّن ُه َّ‬ ‫أنوار األسامء ا ُ‬
‫ٌ‬
‫خمتلفة ورغبا ُت ُه‬ ‫جزئي‪ ،‬واستعداداتُه‬ ‫واختياره‬ ‫جزئي‪،‬‬ ‫اقتداره‬ ‫جب والربازخِ ‪ِ ،‬‬
‫إذ‬ ‫الح ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫ألوف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلق؛‬ ‫شهود ِّ‬ ‫احلقيقة‪ ،‬ويف‬ ‫انكشاف‬ ‫ُ‬
‫والربازخ لدى‬ ‫جب‬ ‫الح ُ‬ ‫تتوس ُط ُ‬ ‫وألجل هذا َّ‬ ‫ٌ‬
‫متفاوتة؛‬
‫بعضهم ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القابليات متفاو َت ٌة‪ ،‬فقابل َّي ُة‬ ‫وحيث َّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫املرور من الربزخِ ‪،‬‬ ‫يستطيع‬ ‫فبعضهم ال‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليامن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫النكشاف‬ ‫ً‬
‫منشأ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬
‫ِ‬ ‫حسب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستطيع‬
‫ُ‬ ‫ُصبح متغايرةً‪ ،‬فال‬ ‫املظاهر‪ ،‬وت ُ‬ ‫نيل‬ ‫َ‬ ‫ألوان جت ِّليات األسامء َّ‬
‫تتنو ُع‬ ‫َ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن‬ ‫َّ‬
‫فضل عن َّ‬
‫أن‬ ‫كامل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مدارا لتج ِّليه جت ِّل ًّيا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اسم من األسامء ْ‬ ‫ِ‬
‫بمظهر ٍ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫يكون ً‬ ‫أن‬ ‫حظي‬
‫َ‬ ‫بعض َمن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قص‬ ‫صورا خمتلف ًة باعتبار الك ِّلـ َّيـة واجلزئ َّية وال ِّظـ ِّلـ َّيـة واألصل َّية؛ ف َي ُ ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫تتخذ‬ ‫جت ِّليات األسامء‬
‫األسامء‪،‬‬‫ِ‬ ‫اسم من‬ ‫روج من ِّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يغلب ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الظل؛ وقد‬ ‫جلزئ َية وا ُ‬ ‫اجتياز ا ُ‬ ‫االستعدادات عن‬ ‫بعض‬ ‫ُ‬
‫ذلك االستعداد‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فهذا‬ ‫ِ‬ ‫ويكون مهيمنًا يف َ‬ ‫ُ‬ ‫حكم ُه وحدَ ُه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فينفذ‬ ‫ِ‬
‫ب االستعداد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حس َ‬ ‫َ‬
‫متثيل‬‫ٍ‬ ‫ضمن‬ ‫ٍ‬
‫سنشري إليها ببض ِع إشارات‬ ‫ُ‬
‫الواسعة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫احلكمة‬ ‫ِ‬
‫العميق وهذه‬ ‫ُ‬ ‫الغامض‬
‫ُ‬ ‫الس‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ ُّ‬
‫ُ‬
‫الحقيقة إىل حدٍّ ما‪:‬‬ ‫واس ٍع ت ِ‬
‫ُماز ُج ُه‬
‫ذات‬ ‫ِ‬
‫للقمر‪ ،‬و«رشح ًة» َ‬ ‫ٍ‬
‫حياة عاشق ًة‬ ‫ذات‬
‫نقوش‪ ،‬و«قطرةً» َ‬ ‫ٍ‬ ‫ذات‬
‫فلنفرض «زهرةً» َ‬ ‫ْ‬
‫ٍّ‬ ‫إن ٍّ‬ ‫الش ِ‬ ‫ٍ‬
‫كامل‪ ،‬وشو ًقا َ‬
‫نحو‬ ‫ولكل منها ً‬ ‫شعورا‪،‬‬
‫ً‬ ‫لكل منها‬ ‫بحيث َّ‬
‫ُ‬ ‫مس‪،‬‬ ‫متوجه ًة َ‬
‫نحو َّ‬ ‫ِّ‬ ‫صفاء‬
‫ِ‬
‫سلوك‬ ‫ِ‬
‫إشاراتا إىل‬ ‫فضل عن‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫كثرية‪،‬‬ ‫حقائق‬
‫َ‬ ‫تشيـر إىل‬ ‫ُ‬
‫الثالثة‬ ‫ِ‬
‫فهذه األشيا ُء‬ ‫ِ‬
‫الكامل‪،‬‬ ‫َ‬
‫ذلك‬
‫ُ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والقلب‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬
‫ألهل احلقيقة‪:‬‬ ‫طبقات‬ ‫لثالث‬ ‫أمثلة‬ ‫والعقل‬ ‫َّفس‬
‫ِ‬
‫هؤالء‪.‬‬ ‫تشري إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأهل الوال َي ِة‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الفكر‪ُ ،‬‬ ‫ُأوالها‪ُ :‬‬
‫وأهل الن َُّّبوة‪ ..‬فهذه األشيا ُء ُ‬ ‫أهل‬
‫ِ‬
‫طريق‬ ‫بأجهزة جسامن َّي ٍة‪( ..‬أي عن‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة سع ًيا لبلو ِغ كامهلم‬ ‫َ‬
‫الكون إىل‬ ‫الس‬
‫َّ‬ ‫ثانيتُها‪:‬‬
‫َ‬
‫ائرون إىل‬ ‫والس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتزكية الن ِ‬ ‫احلقيقة باملجاهدَ ِة‬
‫ِ‬ ‫واملاض َ‬
‫العقل‪َّ ..‬‬ ‫وإعامل‬ ‫َّفس‬ ‫ون إىل‬ ‫ُ‬ ‫احلواس)‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫هلؤالء‪.‬‬ ‫أمثلة‬ ‫ِ‬
‫فهذه األشيا ُء ٌ‬ ‫ِ‬
‫واإليامن والت ِ‬
‫َّسليم‪..‬‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫ِ‬
‫بتصفية‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َ‬
‫لوك إىل احلقيقة باستداللـهم‪ ،‬ومل يدَ عوا األنان َّي َة وال ُغ َ‬
‫رور‪،‬‬ ‫ثالثتُها‪ :‬الذين حرصوا ُّ‬
‫بقات ال َّث ِ‬
‫الث‬ ‫هة إىل ال َّط ِ‬
‫متوج ٌ‬ ‫الثالثة الوارد ُة يف الت ِ‬
‫َّمثيل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاألمثلة‬ ‫طوائف؛‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ثالث‬ ‫أيضا‬ ‫ٍ‬
‫طبقة ً‬ ‫(‪ )1‬ويف ِّ‬
‫كل‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫التي يف ِّ‬
‫كل طبقة‪ ،‬بل إىل ال َّطبقات التِّس ِع التي فيها‪ ،‬ال ال َّطبقات الثالث وحدَ ها‪( ،‬املؤلف)‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪393‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫َ‬
‫يصلون إىل‬ ‫ِ‬
‫واملعرفة‪ ،‬والذين‬ ‫ِ‬
‫واحلكمة‬ ‫ِ‬
‫بالعلم‬ ‫ون الحقيق َة‬‫يتحر َ‬ ‫ِ‬ ‫وأوغ ُلوا يف‬
‫والذين َّ‬
‫َ‬ ‫اآلثار‪،‬‬
‫قر والعبود َّي ِة‪.‬‬ ‫والق ِ‬
‫رآن وال َف ِ‬ ‫ِ‬
‫باإليامن ُ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة رسي ًعا‬
‫ِ‬
‫املتفاوتة يف‬ ‫وائف ال َّث ِ‬
‫الث‬ ‫االختالف يف ال َّط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫تشري إىل‬ ‫فاألشيا ُء ال َّث ُ‬
‫متثيالت‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫الثة‬
‫ِ‬
‫االستعدادات‪.‬‬
‫ُ‬
‫نحاول أن‬ ‫بقات ال َّث ِ‬
‫الث‪،‬‬ ‫هذه ال َّط ِ‬
‫واحلكمة الواسع ُة التي يتضمنُها رقي ِ‬
‫ُ‬ ‫قيق‬
‫فالس الدَّ ُ‬
‫َّ ُ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ُّ‬
‫و«رشـــح ٌة»‪.‬‬
‫«زهـــرةٌ» و« َقطرةٌ» َ‬
‫عنــاويـــن َ‬
‫َ‬ ‫وحتت‬
‫َ‬ ‫ضمن ٍ‬
‫متثيل‬ ‫َ‬ ‫نب ِّينَها‬
‫ِ‬
‫واالنعكاس‬ ‫ثالثة خمتلف ٌة من الت ِّ‬
‫َّجل‬ ‫ٌ‬ ‫أنواع‬
‫ٌ‬ ‫وبأمر ِه‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خالقها‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بإذن‬ ‫ِ‬
‫للشمس‬ ‫ً‬
‫فمثل‪:‬‬
‫ِ‬
‫واإلفاضة‪.‬‬
‫ِ‬
‫األزهار‪.‬‬ ‫أحدُ ها‪ :‬عىل‬
‫ب السي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ارة‪.‬‬ ‫القمر والكواك ِ َّ َّ‬ ‫واآلخر‪ :‬عىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واملاء‪.‬‬ ‫كالز ِ‬
‫جاج‬ ‫وآخر‪ :‬عىل املواد ال َّل ِ‬
‫امعة ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ثالثة‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫أوجه‬ ‫ِ‬
‫واالنعكاس عىل‬ ‫ِ‬
‫واإلفاضة‬ ‫فاألو ُل‪ :‬من هذا الت ِّ‬
‫َّجل‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫األو ُل‪ٍّ :‬‬
‫األزهار‪.‬‬ ‫عمومي‪ ،‬وهو إفاضتُها عىل مجي ِع‬
‫ٌّ‬ ‫وانعكاس‬
‫ٌ‬ ‫تجل ِّ ٌّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬
‫ب ِّ‬
‫كل نوعٍ‪.‬‬ ‫حس َ‬
‫خاص َ‬
‫ٌّ‬ ‫انعكاس‬
‫ٌ‬ ‫خاص‪ ،‬وهو‬
‫ٌّ‬ ‫ال َّثاين‪ٍّ :‬‬
‫تجل‬
‫ٍ‬
‫زهرة‪.‬‬ ‫ب شخص َّي ِة ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫ال َّث ُ‬
‫الث‪ٍّ :‬‬
‫إفاضة َح َس َ‬ ‫جزئي‪ ،‬وهو‬
‫ٌّ‬ ‫جتل‬
‫ِ‬
‫انعكاس‬ ‫تنشأ من‬ ‫ِ‬
‫لألزهار إنَّام ُ‬ ‫الزاهي َة‬ ‫َ‬
‫األلوان َّ‬ ‫ِ‬
‫القائل َّ‬
‫بأن‬ ‫ِ‬
‫الرأي‬ ‫إن مثا َلنا هذا ٌّ‬
‫مبني عىل‬ ‫َّ‬
‫نوع من مرايا‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫لضياء َّ‬ ‫األلوان الس ِ‬
‫ِ‬ ‫حت ُّل ِل‬
‫أيضا ٌ‬
‫فاألزهار ً‬
‫ُ‬ ‫القول‬ ‫مس‪ ،‬وبنا ًء عىل هذا‬ ‫بعة‬ ‫َّ‬
‫الش ِ‬
‫مس‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫الشمس القمر والكواكب السيارةَ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الفاطر‬ ‫بإذن‬ ‫َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّور الذي تعطيه َّ ُ‬ ‫ثان ُيها‪ :‬هو ُ‬
‫الفيض والن ُ‬
‫الش ِ‬
‫مس‪ -‬استفاد ًة ك ِّل َّي ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كم ٍّ‬
‫ظل لضياء َّ‬ ‫ُّور ‪-‬الذي هو يف ُح ِ‬ ‫فالقمر يستفيدُ من الن ِ‬ ‫ِ‬
‫احلكيم؛‬
‫ُ‬
‫فيفيض بالن ِ‬ ‫فيض ِ‬ ‫أن ُأ َ‬
‫ُّور‬ ‫ُ‬ ‫ذلك يفيدُ ال َق ُ‬
‫مر‬ ‫الواسع‪ ،‬وبعدَ َ‬
‫ُ‬ ‫ُّور‬ ‫الفيض ِّ ُّ‬
‫الكل والن ُ‬ ‫عليه هذا ُ‬ ‫بعد ْ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪394‬‬
‫بابات ِ‬
‫املاء‬ ‫بصورة جزئي ٍة عىل ح ِ‬
‫ٍ‬ ‫ويفيض‬ ‫والت ِ‬
‫اب اللَّ معِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واهلواء ُّ‬ ‫ِ‬
‫البحار‬ ‫خاص عىل‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬
‫َ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬ ‫اب وذر ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلواء‪.‬‬ ‫ات‬ ‫الت ِ َّ‬ ‫ودقائق ُّ‬
‫كل‬
‫عل ً‬ ‫بحيث َت ُ‬ ‫ُ‬ ‫انعكاسا صاف ًيا ك ِّل ًّيا بال ٍ‬
‫ظل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إهلي‪،‬‬
‫بأمر ٍّ‬‫مس‪ٍ ،‬‬ ‫للش ِ‬‫انعكاس َّ‬
‫ٌ‬ ‫ثال ُثها‪ :‬هو‬
‫جلزئ َّي َة وتمثا َلها‬ ‫إن َ‬
‫تلك َّ‬ ‫ثم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مس تُعطي صورتَها ا ُ‬ ‫الش َ‬ ‫البحار مرايا‪َّ ..‬‬ ‫ووجه‬ ‫اهلواء‬ ‫جو‬
‫من ِّ‬
‫رات ال َّث ِ‬
‫لج‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اهلواء وبِ َّلو ِ‬ ‫ِ‬
‫ورشحات‬ ‫وقطرات ِ‬
‫املاء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البحار‬ ‫كل من ح ِ‬
‫بابات‬ ‫املص َّغ َر إىل ٍّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫زهرة‪ ،‬وإىل ِّ‬ ‫َوج ٌه إىل ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫اجلهات ال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫وهكذا َّ‬
‫إفاضة وت ُّ‬ ‫املذكورة‪ ،‬هلا‬ ‫الث‬ ‫مس‪ ،‬يف‬‫فالش ُ‬
‫ني ِ‬
‫اثنني يف ٍّ‬ ‫كل ر ٍ‬
‫شحة‪ ،‬بطري َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كل منها‪:‬‬ ‫للقمر‪ ،‬وإىل ِّ َ‬ ‫متوجهة‬ ‫قطرة‬
‫ٍ‬
‫حجاب‪..‬‬ ‫ِ‬
‫املرور يف الربزخِ ‪ ،‬وبال‬ ‫إفاضة مبارش ٌة باألصا َل ِة‪ ،‬من ِ‬
‫دون‬ ‫ٌ‬ ‫الأولُ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫يق‬
‫الطَّر ُ‬
‫طريق الن َُّّبو ِة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ريق يم ِّث ُل‬‫هذا ال َّط ُ‬
‫ِ‬ ‫الطَّر يق الث َّاني‪ :‬تتوس ُط ِ‬
‫ُ‬
‫لتجليات‬ ‫ِ‬
‫واملظاهر تُعطي لونًا‬ ‫قابليات املرايا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرباز ُخ‪ ،‬إذ‬ ‫فيه‬ ‫َّ‬
‫طريق الوالية‪ِ.‬‬
‫َ‬ ‫ريق يم ِّث ُل‬‫مس‪ ..‬هذا ال َّط ُ‬ ‫الش ِ‬ ‫َّ‬
‫األو ِل‪:‬‬
‫ريق َّ‬ ‫تقول يف ال َّط ِ‬ ‫أن َ‬ ‫تستطيع ْ‬
‫ُ‬ ‫كل منها‬ ‫و«الرشح ُة» ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫وهكذا‪« ،‬فالزَّهرةُ» و«ال َقطرةُ»‬
‫ريق ال َّثاين‪ ،‬بل ُ‬
‫تقول‪:‬‬ ‫تقولا يف ال َّط ِ‬ ‫َّن من أن َ‬ ‫مجع»؛ ولكنَّها ال تتمك ُ‬ ‫شمس العا َل ِم أ َ‬ ‫ِ‬ ‫«أنا مرآ ُة‬
‫مس هكذا؛‬ ‫الش َ‬ ‫مس املتج ِّل ِية عىل نوعي» ألهنا ت ُ‬
‫َعرف َّ‬ ‫للش ِ‬ ‫شمس» أو «إنَّني مرآ ٌة َّ‬ ‫ِ‬ ‫«إنَّني مرآ ُة‬
‫خص‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ذلك َّ‬
‫الش‬ ‫شمس َ‬ ‫َ‬ ‫املتوجه َة إىل العا َل ِم ك ِّله؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِّ‬ ‫مس‬ ‫الش َ‬ ‫تستطيع أن ترى َّ‬ ‫ُ‬ ‫إذ ال‬
‫يستطيع أن‬ ‫ٍ‬
‫حمدود‪ ،‬فـال‬ ‫وحتت ٍ‬
‫قيد‬ ‫ضمن برزخٍ ض ِّي ٍق‬ ‫َظهر له‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شمس نوعه‪ ،‬أو جنسه‪ ،‬ت ُ‬ ‫َ‬
‫يمنح‬ ‫يستطيع ْ‬ ‫ٍ‬
‫مس املطل َقة بال قيد وال برزخٍ ‪ ،‬أي ال‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫آثار َّ‬ ‫تلك َّ‬ ‫يمنح َ‬
‫أن َ‬ ‫ُ‬ ‫مس المق َّيد َة َ‬ ‫الش َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫جميعها‬ ‫احليوانات والن ِ‬
‫َّباتات‬ ‫ِ‬ ‫وتحريك ِ‬
‫حياة‬ ‫َ‬ ‫وتنوير ُه‬ ‫ِ‬
‫األرض قاطب ًة‬ ‫بشهود قلبي دفء ِ‬
‫وجه‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍّ‬
‫منحها إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وجع َل السي ِ‬
‫يستطيع َ‬‫ُ‬ ‫املهيبة‪ ،‬ال‬ ‫اجلليلة‬ ‫اآلثار‬ ‫وأمثالا من‬ ‫حولا‪..‬‬ ‫ارات جتري‬ ‫َّ َّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫املحدود‪.‬‬ ‫الض ِّي ِق والربزخِ‬ ‫القيد َّ‬‫ذلك ِ‬ ‫ضمن َ‬ ‫مس التي شاهدَ ها‬ ‫الش ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫اآلثار‬ ‫تلك‬‫مس َ‬ ‫ٍ‬
‫شعور‪َّ -‬‬ ‫ُ‬ ‫وحتَّى لو منح ِ‬
‫َ‬ ‫الش َ‬ ‫ذات‬
‫الثالثة ‪-‬التي فرضناها َ‬ ‫ت األشيا ُء‬ ‫َ َ‬
‫بوجه عق وإيامين ٍ‬
‫بحت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تمنحها‬ ‫فإنا يمكنُها أن‬ ‫ِ‬ ‫حتت َ‬ ‫العجيب َة التي تشاهدُ ها َ‬
‫ٍّ‬ ‫يلٍّ‬ ‫َ‬ ‫ذلك القيد‪َّ ،‬‬
‫والر ُ‬
‫شحة» التي‬ ‫«الزهر ُة والقطر ُة َّ‬ ‫ذاتا؛ َ‬
‫فتلك َّ‬ ‫ُ‬
‫املطلقة ُ‬ ‫المق َّيدَ َة هي‬ ‫أن َ‬
‫تلك ُ‬ ‫وبتسليم تا ٍّم من َّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫شموسها‬ ‫اآلثار العظيم َة) إىل‬ ‫العاقل‪ ،‬إسنادها ِ‬
‫هذه األحكا َم (أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باإلنسان‬ ‫فرضناها شبيه ًة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪395‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫مشهوداتا الكون َّي ِة‪ ،‬فتُصدِّ ُق‬
‫ِ‬ ‫تتصادم أحكا ُمها اإليامن َّي ُة مع‬
‫ُ‬ ‫شهودي‪ ..‬بل قد‬
‫ٌّ‬ ‫إسنا ٌد عقيلٌّ ال‬
‫بصعوبة بال َغ ٍة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫املمتزج باحلقي َق ِة‪ ،‬والذي ال‬


‫ِ‬ ‫خول إىل هذا الت ِ‬
‫َّمثيل‬ ‫‪-‬نحن ال َّثالث َة‪ -‬الدُّ ُ‬
‫ُ‬ ‫وهكذا فعلينا‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‪.‬‬ ‫بعض جوانبِ ِه أعضا ُء‬
‫ِ‬ ‫ُشاهدُ يف‬
‫َيس ُعها‪ ،‬وت َ‬
‫و«الرشح َة»‪ ،‬إذ ال يكفي‬ ‫َّ‬ ‫«الزهرةَ» و«ال َقطرةَ»‬
‫‪-‬نحن ال َّثالث َة‪َّ -‬‬
‫ُ‬ ‫سنفرض أنفسنا‬
‫ُ‬
‫تلك الثالث َة مثلام‬
‫أن َ‬ ‫ندرك َّ‬ ‫َ‬ ‫أيضا؛ أي ْ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫شعور فيها‪ ،‬فنُلح ُق هبا عقو َلنا ً‬ ‫ٍ‬ ‫ما افرتضنا ُه من‬
‫شمسنا املعنو َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نستفيض من‬
‫ُ‬ ‫فنحن كذلك‬
‫ُ‬ ‫شمسها املاد َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫تستفيض من‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ويوغل يف املاد َّيات وقد َغ ُل َظ ْت ُ‬
‫نفس ُه وتكا َث َف ْت!‬ ‫ُ‬ ‫ديق الذي ال ينسى الدُّ نيا‬
‫الص ُ‬‫فأنت ُّأيا َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ضياء‬ ‫تأخذ لونًا قدْ حت َّل َل من‬ ‫ُ‬ ‫الزهر َة‬ ‫إن َ‬‫ألن استعدا َد َك شبي ٌه هبا‪ ،‬إذ َّ‬
‫«الزهرةَ»‪َّ ،‬‬ ‫ك ِ‬
‫تلك َّ‬ ‫ُن َّ‬
‫صورة زاه َي ٍة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وتتلو ُن ِبه يف‬
‫َّ‬
‫ذلك ال َّل ِ‬
‫ون‪،‬‬ ‫مس من َ‬ ‫الش ِ‬ ‫مس ِ‬
‫ومتز ُج َ‬
‫مثال َّ‬ ‫الش ِ‬‫َّ‬

‫يشبه ُه‬
‫باألسباب‪ ،‬والذي ُ‬‫ِ‬ ‫املدارس احلدي َث ِة‪ ،‬واملعتقدُ‬
‫ِ‬ ‫درس يف‬ ‫الفيلسوف الذي َ‬‫ُ‬ ‫أ َّما هذا‬
‫الـمستفا َد من‬ ‫ِ‬ ‫يمنحها َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فليكن «القطرةَ» العاشق َة‬
‫ظل الضياء ُ‬ ‫ُ‬ ‫للقمر‪ ،‬الذي‬ ‫القديم»‪،‬‬
‫ُ‬ ‫«سعيدٌ‬
‫القمر‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫بذلك الن ِ‬
‫ُّور إلَّ‬ ‫َ‬ ‫ولكن «القطرةَ» ال ترى‬ ‫َّ‬ ‫نورا فتتألألُ ِبه‪..‬‬
‫مس ف ُيعطي عينَها ً‬‫الش ِ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫بإيامنا‪.‬‬ ‫مس‬‫الش ِ‬ ‫رؤية َّ‬ ‫مس‪ ،‬بل يمكنُها ُ‬ ‫تستطيع أن ترى ِبه َّ‬
‫الش َ‬ ‫ُ‬

‫األسباب حجا ًبا‪،‬‬ ‫كل ٍ‬


‫يشء من ُه تعاىل مبارشةً‪ ،‬و َي ُعدُّ‬ ‫أن َّ‬‫الفقيـر الذي يعتقدُ َّ‬ ‫إن هذا‬‫ثم َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫عليه‬ ‫ذاتا‪ ،‬ال يشء هلا كي تستندَ ِ‬
‫إليه وتعتمدَ‬ ‫رشحة فقري ٌة يف ِ‬
‫ٌ‬ ‫«الرشح َة»‪ ،‬فهي‬
‫َ‬ ‫ليكن هو َّ‬
‫تتوج َه إليها‪ ،‬فلها صفا ٌء‬
‫تعرف أشيا َء أخرى كي َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُشاهد ِبه‪ ،‬وال‬ ‫وليس هلا ٌ‬
‫لون كي ت َ‬
‫َّ ِ‬
‫كالزهرة‪َ ،‬‬
‫بؤبؤ عينِها‪.‬‬
‫مس يف ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫خالص خي ِّب ُئ َ‬
‫مثال َّ‬ ‫ٌ‬
‫أن ننظر إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنفسنا‪ ،‬لنرى ماذا بنا؟‬ ‫واآلن‪ ،‬ما ُدمنا قد ح َل ْلنا مواض َع هذه الثالثة‪ ،‬علينا ْ َ‬
‫َ‬
‫وماذا ُ‬
‫نعمل؟‬

‫جم ُلنا؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالكريم ُي ْسبِ ُغ علينا ن َعم ُه وإحسانَه‪ ،‬ف ُي ِّنو ُرنا و ُير ِّبينا و ُي ِّ‬ ‫ننظر‪ ،‬وإذا‬
‫نحن ُ‬ ‫ُ‬ ‫فها‬
‫ويطلب رؤي َت ُه‪ ،‬لذا‬ ‫يستحق العباد َة واملح َّب َة‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫القرب ممَّن‬ ‫ِ‬
‫اإلحسان‪ ،‬ويريدُ‬ ‫ُ‬
‫واإلنسان عبدُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تلك املح َّب ِة‪.‬‬
‫بجاذ َب ِة َ‬
‫ِ‬ ‫استعداد ِه‬
‫ِ‬ ‫ب‬
‫حس َ‬ ‫ُ‬
‫يسلك َ‬ ‫فك ٌُّل منَّا‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪396‬‬
‫وأنت َزهرةٌ‪ ..‬وها قد‬ ‫َ‬ ‫امض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولكن‬ ‫سلوك َك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت َتيض يف‬ ‫فيا َمن ُيشب ُه «ال َّزهرةَ» َ‬
‫ِ‬
‫األزهار؛‬ ‫كل‬ ‫بمثابة ِّ‬‫ِ‬ ‫أصبحت‬
‫َ‬ ‫يت تدرجي ًّيا حتَّى بل ْغ َت مرتب ًة ك ِّل َّي ًة‪ ،‬كأن ََّك‬ ‫مضيت‪ ،‬وقدْ تر َّق َ‬ ‫َ‬
‫الش ِ‬
‫مس‬ ‫ُخفي صور َة َّ‬ ‫بعة تنكرس وتتح َّل ُل فيها‪ ،‬فت ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫الضياء َّ‬ ‫فألوان ِّ‬ ‫كثيفة‪،‬‬ ‫الزهر ُة مرآ ٌة‬ ‫بينام َّ‬
‫ص‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫مس‪َّ ،‬‬ ‫الش ِ‬ ‫وجه حمبوبِ ِك َّ‬ ‫املنعكس ِة‪ ،‬فلن تُو َّف َق إىل رؤي ِة ِ‬
‫المق َّيدَ ةَ‪ ،‬واخلصائ َ‬ ‫األلوان ُ‬ ‫ألن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫فأنت يف هذه احلا َلة لن‬ ‫ِ‬ ‫ب ما ورا َء ُه؛ َ‬ ‫مس وتَسدُ ُل‬ ‫الش ِ‬ ‫تُشت ُِّت ضو َء َّ‬
‫فيحج ُ‬
‫ُ‬ ‫الحجاب دو َن ُه‪،‬‬ ‫َ‬
‫هو‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫والربازخِ ‪،‬‬ ‫الص َو ِر‬ ‫راقات النَّاش َئ ِة من ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنجو من ِ‬
‫ولكن النَّجا َة برشط واحد َ‬ ‫َّ‬ ‫َوسط ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫الف‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن تر َفع رأس َك الس ِارح يف حمب ِة ِ‬
‫غتر‬
‫والم َّ‬ ‫نظر َك املستمت َع بمحاس ِن نفس َك ُ‬ ‫ُف َ‬ ‫نفس َك‪ ،‬و َتك َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫هبا‪ ،‬وجتع َله حيدِّ ُق يف و ِ‬
‫المنكب عىل‬ ‫َّ‬ ‫وجه َك‬‫ُحو َل َ‬ ‫ثم ت ِّ‬ ‫مس التي هي يف كبد السامء‪َّ ،‬‬ ‫جه َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مس‪ ،‬ووظيفت َُك‬ ‫الش ِ‬ ‫لتلك َّ‬ ‫مس يف ُعالها؛ ذلك ألن ََّك مرآ ٌة َ‬ ‫الش ِ‬ ‫الرزق‪ ،‬إىل َّ‬ ‫َ‬ ‫اب‪ُ ،‬‬
‫يسأل‬ ‫الت ِ‬ ‫ُّ‬
‫أعلمت‬‫َ‬ ‫اب‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫الت ِ‬ ‫محة‪ُّ ،‬‬ ‫باب خزين َِة الر ِ‬ ‫يك من ِ‬ ‫وإظهار لتج ِّليها‪ ،‬أ َّما رز ُق َك فسيأتِ َ‬ ‫مرآت َّي ٌة‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫أيضا‬ ‫خم َة ً‬ ‫هذه َّ‬ ‫فإن ِ‬ ‫مس‪َّ ،‬‬ ‫للش ِ‬ ‫الزهر َة مرآ ٌة صغري ٌة َّ‬ ‫تعلم‪ ،‬نعم‪ ،‬كام َّ‬
‫الض َ‬ ‫مس َّ‬ ‫الش َ‬ ‫أن َّ‬ ‫ْ‬ ‫أ ْم مل‬
‫اسم اهلل «النُّور»‪ِ ،‬‬ ‫بحر السامء‪ ،‬ت ِ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قلب‬ ‫فأدر ْك يا َ‬ ‫َعك ُس لمع ًة متج ِّلي ًة من ِ‬ ‫هي مرآ ٌة كقطرة يف ِ َّ‬
‫أنت مرآتُها!‬ ‫مس التي َ‬ ‫الش َ‬ ‫أعظم َّ‬‫َ‬ ‫اإلنسان ِمن هذا ما‬ ‫ِ‬

‫األمر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بذاتا ويف ِ‬


‫نفس‬ ‫مس ِ‬ ‫الش َ‬ ‫ولكن لن ترى َّ‬ ‫ْ‬ ‫أنجز َت هذا الشَّ َط جتدُ كما َل َك‪،‬‬ ‫فبعدما ْ‬
‫نظار َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫بل ال ت ُ‬
‫لبسها‬ ‫الكثيف ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ألوان صفاتك تُعطيها لونًا‪ ،‬وم ُ‬ ‫جر َدةً‪ ،‬إذ‬ ‫تلك الحقيق َة ُم َّ‬ ‫ُدرك َ‬
‫حتت ٍ‬
‫قيد‪.‬‬ ‫ُـك املق َّيدَ ُة ُتدِّ ُدها َ‬ ‫صورةً‪ ،‬وقابل َّيـت َ‬
‫قطرة فِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخل يف «ال َق ِ‬
‫كر َك ُ‬
‫وس َّل ِم‬ ‫بمنظار‬ ‫طرة»! إن ََّك‬ ‫احلكيم الدَّ ُ‬
‫ُ‬ ‫الفيلسوف‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫واآلن ُّأيا‬
‫كثيف‬
‫ٌ‬ ‫القمر يف ذاتِ ِه‬
‫ُ‬ ‫انظر‪،‬‬
‫القمر؛ ْ‬
‫َ‬ ‫القمر‪ ،‬ودخ ْل َت‬
‫َ‬ ‫بلغت‬
‫َ‬ ‫دت حتَّى‬‫وص ِع َ‬ ‫الفلس َف ِة َر ِق َ‬
‫يت َ‬
‫وعلم َك بال جدوى وال نـفعٍ‪ ،‬فإن ََّك‬ ‫ُ‬ ‫ذهب سع ُي َك هبا ًء‬ ‫َ‬ ‫مظلم‪ ،‬ال ضيا َء ل ُه وال حياةَ‪ ،‬فقد‬‫ٌ‬
‫هبذه الشُّ وط‪ِ،‬‬‫اخلبيثة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫ِ‬
‫ووحشة الغربة وإزعاجات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تنجو من ُظلامت‬ ‫ِ‬
‫اليأس َ‬ ‫تَقد ُر أن َ‬
‫أنوار‬
‫أن َ‬ ‫شمس احلقي َق ِة‪ ،‬واعتقدْ َت يقينًا َّ‬ ‫ِ‬ ‫هت إىل‬‫َوج َ‬ ‫ِ‬
‫ليل ال َّطبيعة وت َّ‬ ‫تركت َ‬ ‫َ‬ ‫وهي‪ :‬أن ََّك إن‬‫َ‬
‫ط َتدُ كما َل َك‪ ،‬فتجدِ‬ ‫الش ِ‬ ‫شمس الن ِ‬
‫َّهار‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ال َّل ِ‬
‫وفيت هبذا َّ‬ ‫َ‬ ‫فإن‬ ‫ظالل ضياء‬ ‫هي‬
‫يل هذا َ‬
‫مس‬ ‫اآلخر لن ترى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صديق َك‬ ‫أيضا َ‬ ‫فقري ُمعتِ ٍم؛ ولكن ََّك ً‬ ‫قمر ٍ‬ ‫بديل ٍ‬ ‫مس املهيب َة َ‬ ‫َّ‬
‫الش َ‬ ‫مثل‬ ‫الش َ‬
‫نسجها‬
‫َ‬ ‫خلف ما‬
‫َ‬ ‫آنسها عقـ ُل َك وألِ َفتْها فلس َفت َُك‪ ،‬تراها‬ ‫ستائر َ‬ ‫َ‬ ‫صافي ًة‪ ،‬وإنَّام َ‬
‫تراها ورا َء‬
‫ٍ‬ ‫ِعلم َك ِ‬
‫اها قابل َّيـت َُك‪.‬‬ ‫تراها يف ِصبغة أع َطتْها إ َّي َ‬ ‫جب‪َ ،‬‬ ‫وحكمت َُك من ُح ٍ‬ ‫ُ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪397‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ِ‬ ‫برسع ٍة‬ ‫ون‪َّ ،‬‬ ‫الشبيه بــ«الر ِ‬
‫شحة» فقري‪ ،‬عديم ال َّل ِ‬ ‫صديقك ُُم ال َّث ُ‬
‫ُ‬
‫بحرارة‬ ‫َ‬ ‫يتبخ ُر‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫الث َّ ُ‬ ‫وهذا‬
‫كثيفة ِ‬‫ٍ‬ ‫فيه من ما َّد ٍة‬ ‫مس‪ ،‬يدع أناني َته ويمتطي البخار فيصعدُ إىل اجلو‪ ،‬يلتهب ما ِ‬
‫بنار‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫الش ِ َ ُ َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫ويقرتب من ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الضياء‬ ‫جتليات َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صادر من‬ ‫مس ُك بشعا ٍع‬ ‫ِ‬
‫بالضياء نورا‪ ،‬ي ِ‬ ‫ينقلب‬ ‫شق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الع ِ‬
‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫ُ‬
‫ئت ِم َن‬ ‫ُن أينام ِش َ‬ ‫مس مبارشةً‪ ،‬فك ْ‬ ‫للش ِ‬ ‫ِ‬
‫املرآة َّ‬ ‫دمت تؤ ِّدي وظيف َة‬ ‫شحة! ما َ‬ ‫مثال الر ِ‬
‫فيا َ َّ‬
‫ِ‬
‫اليقني‪ ،‬فال‬ ‫مس ِ‬
‫بعني‬ ‫الش ِ‬ ‫عني َّ‬ ‫ُطل منها إىل ِ‬ ‫املراتب‪ ،‬فيمكن َُك أن جتدَ نافذ ًة َن َّظار ًة صافي ًة ت ُّ‬ ‫ِ‬
‫تستطيع أن تَسنُدَ إليها أوصا َفها‬ ‫ُ‬ ‫مس إليها‪ ،‬إذ‬ ‫للش ِ‬ ‫اآلثار العجي َب ِة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إسناد‬ ‫تُعاين صعوب ًة يف‬
‫ِ‬
‫املذهلة‬ ‫ِ‬
‫اآلثار‬ ‫ِ‬
‫إسناد‬ ‫يمسك يدَ َك و َيك َّف َك يش ٌء قط ًعا عن‬ ‫َ‬ ‫يمكن أن‬ ‫املهيب َة بال تر ُّد ٍد‪ ،‬فال‬
‫ُ‬
‫ات وال ِص َغ ُر املرايا‪ ،‬وال‬ ‫الذاتي ِة إليها‪ ،‬فال يحير َك ِض ُيق الربازخِ وال َقيدُ القابلي ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ ِّ ُ‬ ‫لسلطنَتها َّ َّ‬
‫تنظر إليها مبارشةً‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذلك‪ ،‬ألن ََّك‬ ‫احلقيقة يش ٌء من َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيسو ُق َك إىل‬
‫وخالص ُ‬ ‫ٌ‬ ‫صاف‬ ‫خالف‬
‫نوع من‬ ‫شمسا‪ ،‬وإنَّام ٌ‬ ‫ً‬ ‫ليس‬‫املظاهر و ُيرى يف املرايا َ‬ ‫ِ‬ ‫شاهدُ يف‬‫أن ما ُي َ‬ ‫أدركت َّ‬‫َ‬ ‫ولذلك فقد‬ ‫َ‬
‫وعناوين هلا‬ ‫ُ‬
‫دالئل‬ ‫ِ‬
‫االنعكاسات إنَّام هي‬ ‫تلك‬‫وأن َ‬ ‫املتلون َِة‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫انعكاساتا ِّ‬ ‫ورضب من‬ ‫ٌ‬ ‫جتلياتا‬
‫آثار هيبتِها مجي ًعا‪.‬‬ ‫ُظهر َ‬ ‫ولكن ال يمكنُها أن ت َ‬ ‫ْ‬ ‫فحسب‪،‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باحلقيقة ُيس َل ُك إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فه ْم‬
‫تنو َعة‪ُ ،‬‬ ‫بطرق ثال َثة خمتل َفة ُم ِّ‬ ‫الكامل‬ ‫املمتز ِج‬ ‫التمثيل‬ ‫ففي هذا‬
‫َّتيج ِة‪،‬‬
‫َّفقون يف الن َ‬ ‫إل َّأنم يت َ‬ ‫هود‪َّ ،‬‬‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫مرتبة ُّ‬ ‫ِ‬
‫تفاصيل‬ ‫ِ‬
‫الكامالت ويف‬ ‫ُون يف مزايا َ‬
‫تلك‬ ‫يتباين َ‬
‫ِ‬
‫باحلقيقة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّصديق‬ ‫للحق‪ ،‬ويف الت‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اإلذعان‬ ‫ويف‬
‫مر‪ ،‬ال‬ ‫أصل‪ ،‬وإنَّام يرى ظال َلها يف ِ‬
‫مرآة ال َق ِ‬ ‫مس‬ ‫يشاه ِد َّ‬‫ِ‬ ‫هذا‪ ،‬فكام َّ‬
‫ً‬ ‫الش َ‬ ‫أن إنسانًا ليل ًّيا مل‬
‫العظيم ِة‪ ،‬وإنَّام‬ ‫مس وجاذ َبتِها‬ ‫بالش ِ‬ ‫اخلاص َّ‬ ‫الض ِ‬
‫ياء‬ ‫ويستوعب هيب َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫عقل ِه‬
‫يمكنُه أن يمكِّن يف ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫السمي‬‫َ‬ ‫بالورا َث ِة النَّبو َّي ِة المرتب َة ال ُعظمى‬ ‫يبلغ ِ‬ ‫كذلك َمن مل ْ‬ ‫َ‬ ‫ويستسل ُم هلم؛‬‫ِ‬ ‫ُيق ِّلدُ َمن رآها‬
‫األعظم والقيام َة الكُربى ويقب ُلها‬ ‫احلرش‬ ‫األسامء يرى‬ ‫ِ‬ ‫«القدير» و«املحيي» وأمثالِـهام من‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫االسم‬ ‫مظاهر ِّ‬
‫لتجل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلشـر والقيام َة‬ ‫ألن حقيق َة‬ ‫ليس ْت مسأل ًة عقل َّي ًة؛ َّ‬ ‫قائل‪ :‬إنَّـها َ‬‫تقليدً ا‪ً ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضطر إىل‬ ‫تلك املرتبة َي ُ‬ ‫نظره إىل َ‬ ‫فم ْن مل َي ْر َق ُ‬ ‫لقسم من األسامء‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫واملراتب ال ُعظمى‬ ‫ِ‬
‫األعظم‬
‫يل‬‫ب ال َّل ِ‬ ‫احلشـر والقيا َم َة سهل ًة كسهو َل ِة تعا ُق ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هناك يرى‬ ‫فكر ُه إىل‬‫نفذ ُ‬ ‫َّقليد‪ ،‬بينام َمن َ‬ ‫الت ِ‬
‫ِ‬
‫القلب‪.‬‬ ‫مطمئن‬ ‫يف‪ ،‬فريىض هبا‬ ‫تاء والص ِ‬ ‫والش ِ‬
‫َّهار ِّ‬‫والن ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫أكمل‬ ‫ٍ‬
‫مرتبة ويف‬ ‫ِ‬
‫أعظم‬ ‫الحشر والقيام َة يف‬ ‫الكريم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫يذكر‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الس‪ُ ،‬‬
‫وهكذا فمن هذا ِّ ِّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪398‬‬
‫ِ‬
‫األعظم؛ أ َّما‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫ِ‬
‫بأنوار‬ ‫حظي‬
‫َ‬ ‫األعظم ﷺ الذي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرسول‬ ‫تفصيل‪ ،‬وهكذا يرشدُ ِ‬
‫إليهام‬ ‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫بيشء‬ ‫تفصيل بل‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫درجة وأوس ِع‬ ‫ِ‬
‫أعظم‬ ‫احلرش يف‬ ‫الم فلم ُيب ِّينوا‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫الس ُ‬
‫عليهم َّ‬
‫ُ‬ ‫ابقون‬ ‫الس‬
‫األنبيا ُء َّ‬
‫أحوال ابتدائ َّي ٍة بسي َط ٍة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أممهم عىل‬
‫حيث كانت ُ‬
‫ِ‬
‫اإلرشاد ُ‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫َ‬
‫وذلك بمقتىض‬ ‫ِ‬
‫اإلمجال‪،‬‬ ‫من‬
‫اإليامن يف مرتبتِ ِه ال ُعظمى أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أركان‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬
‫قسم من األولياء َ‬
‫أيضا مل َير ٌ‬
‫الس ً‬
‫ومن هذا ِّ ِّ‬
‫َع ِج ُزوا عن ْ‬
‫أن ُيب ِّينو ُه هكذا‪.‬‬
‫تنكشف‬ ‫معرفة اهلل‪ ،‬وهكذا‬ ‫ِ‬ ‫العارفيـن يف‬ ‫درجات‬ ‫كثريا‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تتفاوت ً‬
‫ُ‬ ‫أيضا‬
‫الس ِّـر ً‬‫ومن هذا ِّ‬
‫شعر إىل حدٍّ ما‬ ‫واآلن نكتفي بالت ِ‬
‫َّمثيل‪ ،‬أل َّن ُه ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫أرسار كثري ٌة ُ‬
‫أمثال هذه‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫هذه احلقي َق ِة‬
‫من ِ‬
‫ٍ‬
‫أرسار وبام‬ ‫فوق حدِّ نا من‬‫هو َ‬ ‫واسعة جدًّ ا وعميق ٌة جدًّ ا فال‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫نخوض فيام َ‬
‫ُ‬ ‫واحلقيقة‬ ‫باحلقيقة‪،‬‬
‫ال طاق َة لنا به‪.‬‬

‫ُصن ال َّث ُ‬
‫الث‬ ‫الغ ُ‬
‫ُ‬
‫تبحث يف‬ ‫يفة التي‬‫األحاديث الشَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫قسم من‬ ‫فهم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ليشء من ال ُغ‬ ‫ٍ‬
‫يكتنف َ‬ ‫ُ‬ ‫موض الذي‬ ‫نظرا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫العلم‬ ‫وثوابا» فقد ض َّع َفها عد ٌد من ِ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعامل‬ ‫ِ‬
‫«فضائل‬ ‫اعة وأحداثِها» ويف‬ ‫«عالمات الس ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫عاف‬‫آخرون من ِض ِ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫وتطر َ‬ ‫ِ‬
‫«املوضوعات»‬ ‫بعضها يف ِع ِ‬
‫داد‬ ‫ووضعوا َ‬ ‫ين بعقولِـهم‪َ ،‬‬
‫َّ‬ ‫المعتدِّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفصيل‪ ،‬بل‬
‫ً‬ ‫ونحن هنا ال نريدُ أن نُناق َش ْ‬
‫هم‬ ‫ُ‬ ‫فذهبوا إىل اإلنكار‪،‬‬ ‫ين بعقولـهم َ‬ ‫املغرور َ‬ ‫اإليامن‬
‫هم‬‫يمكن االستهدا ُء هبا يف َف ِ‬ ‫ُ‬ ‫واع ِد العا َّم ِة التي‬
‫األصول وال َق ِ‬
‫ِ‬ ‫أصل» من‬
‫ً‬ ‫ش‬‫نن ِّب َه إىل «اثنَي َع َ َ‬
‫ِ‬
‫البحث‪.‬‬ ‫األحاديث الشَّ ي َف ِة موضو ِع‬
‫ِ‬ ‫هذ ِه‬
‫ِ‬

‫«الكلم ِة‬ ‫الوارد يف هنا َي ِة‬ ‫الأولُ‪َ :‬‬ ‫ل‬


‫الأص ُ‬
‫ِ‬ ‫عن الس ِ‬
‫اجلواب ِ ُّ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ؤال‬ ‫ِ‬ ‫َّاها يف‬ ‫ُ‬
‫املسألة التي ب َّين َ‬ ‫وهو‬
‫الساف َل ِة؛‬ ‫ِ‬
‫األرواح َّ‬ ‫األرواح العالي َة من‬
‫َ‬ ‫واختبار‪ُ ،‬يم ِّي ُز‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫امتحان‬ ‫ين‬ ‫العرشين» ومجم ُلها‪َّ :‬‬
‫أن الدِّ َ‬
‫ِ‬
‫ليس ْت مجهول ًة و ُمبهم ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫املستقبل بصيغة َ‬ ‫َّاس يف‬‫يبحث يف احلوادث التي سيشهدُ ها الن ُ‬ ‫لذا‬
‫تصديقها‪،‬‬‫ِ‬ ‫مناص من‬ ‫البداه ِة التي ال‬ ‫وضوح‬ ‫وليس ْت واضح ًة‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إىل حدِّ استعصاء فهمها‪َ ،‬‬
‫هرت‬‫االختيار‪ ،‬فلو َظ ْ‬ ‫َ‬ ‫يسلب ِمنها‬
‫ُ‬ ‫عجزها‪ ،‬وال‬ ‫قول‪ ،‬ال ُي ُ‬ ‫عرضا منفتِ ًحا عىل ال ُع ِ‬
‫يعرضها ً ُ‬‫ُ‬ ‫بل‬
‫ِ‬
‫َّصديق‪،‬‬ ‫َّاس إىل الت‬ ‫كوضوح البدهيي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عالمات الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫واضطر الن ُ‬‫َ‬ ‫ات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫بوضوح‬ ‫اعة‬ ‫َّ‬ ‫عالمة من‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪399‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ولضاع‬
‫َ‬ ‫نفاستِ ِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كاألملاس يف َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالفحم يف َخساسته مع استعداد َ‬
‫آخر‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ استعدا ٌد‬ ‫لتَساوى‬
‫ِ‬
‫االمتحان ُسدً ى‪.‬‬ ‫ُ‬
‫نتيجة‬ ‫وضاع ْت‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِس ُّر الت‬
‫َّكليف‬
‫(‪)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات كثري ٌة يف ِ‬
‫فياين‬
‫والس ِّ‬‫املهدي(‪ُّ )1‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫كمسائل‬ ‫عديدة‪،‬‬ ‫مسائ َل‬ ‫ٌ‬ ‫ظهر ْت‬‫فألجل هذا َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وايات‪.‬‬ ‫وصدر ْت أحكا ٌم ُمتضار َب ٌة لكثرة االختالف يف ِّ‬
‫الر‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫برهان‬ ‫إحداها إىل‬
‫َ‬ ‫حتتاج‬
‫ُ‬ ‫ومراتب‪ ،‬فبينَام‬
‫ُ‬ ‫طبقات‬
‫ٌ‬ ‫للمسائل اإلسالم َّي ِة‬‫ِ‬ ‫ل الث َّاني‪:‬‬
‫الأص ُ‬
‫جمر ِد الت ِ‬
‫َّسليم‬ ‫ِ‬
‫مسائل العقائد‪ ،‬تكتفي األُخرى ب َغ َل َبة ال َّظ ِّن‪ ،‬و ُأخرى إىل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫طعي‪ ،‬كام يف‬ ‫َق ٍّ‬
‫مسألة من ِ‬
‫مسائ ِل‬ ‫ٍ‬ ‫يقيني يف ِّ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫كل‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫وإذعان‬ ‫قطعي‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫برهان‬ ‫ب‬ ‫فض‪ ،‬هلذا ال ُيط َل ُ‬ ‫وال َقبول وعد ِم َّ‬
‫امن‪ ،‬بل ُيكتفى بالت ِ‬
‫َّسليم وعد ِم‬ ‫اإلي ِ‬
‫س ِ‬ ‫ليس ْت من ُأ ُس ِ‬ ‫األحداث َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ال ُفرو ِع أو‬
‫الزمان َّية التي هي َ‬
‫الر ِ‬
‫فض‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الصحابة‬ ‫إرسائيل والنَّصارى يف ِ‬
‫عهد‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫علامء بني‬ ‫كثري من‬
‫أسلم ٌ‬‫َ‬ ‫َّالث‪ :‬لقدْ‬
‫ل الث ُ‬ ‫الأص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غير‬‫مها ُ‬‫السابق َة‪ُ ،‬فأخ َذ َو ً‬ ‫عنهم‪ ،‬ومحلوا م َع ُهم إىل اإلسال ِم معلوماتم َّ‬ ‫ريض اهلل ُ‬‫َ‬ ‫الكرا ِم‪،‬‬
‫كأنا من العلو ِم اإلسالم َّي ِة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السابقة املخال َفة لواق ِع احلال َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قليل من تلك املعلومات َّ‬ ‫ٍ‬
‫ل الرابع‪ :‬لقد ُأ ِ‬
‫الأص ُ َّ‬
‫ضمن ِ‬
‫متن‬ ‫أقوال الر ِ‬
‫واة‪ ،‬أو املعاين التي استنب ُطوها‬ ‫ِ‬ ‫در َج يش ٌء من‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫احلديث‪ُ ،‬فأ ِخ َذ ْت عىل ِعلَّ ِتا؛ ولـمَّ َ‬‫ِ‬
‫تلك‬ ‫ظهر يش ٌء من َ‬ ‫اإلنسان ال َيس َل ُم من خطأ‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلديث‪.‬‬ ‫ضعف‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫األقوال واالستنباطات خمال ًفا للواقعِ‪ ،‬ممَّا س َّب َ‬
‫الـخامس‪ُ :‬أعتُبِ َـرت َ‬ ‫ل‬
‫الأص ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫له َم ِة‬
‫الكشف من‬ ‫ِ‬
‫وأهل‬ ‫لألولياء‬ ‫الم َ‬
‫بعض املعاين ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن املعلو ِم‬
‫ميـن‪َ ،‬‬
‫له َ‬‫يـن‪ )3(،‬أي ُم َ‬ ‫أحاديث‪ ،‬بنا ًء عىل َّ‬
‫أن يف األ َّمة محدَّ ث َ‬ ‫ُ‬ ‫ثني عىل َّأنا‬
‫المحدِّ َ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مسلم‪ ،‬اإليامن ‪247‬؛ الرتمذي‪ ،‬الفتن ‪53‬؛ أبو داود‪ ،‬املهدي‪7، 6 ،4 ،‬؛ ابن ماجه‪ ،‬الفتن‪34 ،25 ،‬؛ أمحد بن حنبل‪،‬‬
‫املسند ‪ ،99/1‬قال الشوكاين يف التوضيح‪ :‬واألحاديث الواردة يف املهدي التي أمكن الوقوف عليها منها مخسون حديثا‬
‫فيها الصحيح واحلسن والضعيف املنجرب‪ ،‬وهي متواترة بال شك وال شبهة‪ ،‬بل يصدق وصف التواتر عىل ما هو دوهنا عىل‬
‫مجيع االصطالحات املحررة يف األصول‪ ،‬وأما اآلثار عن الصحابة املرصحة باملهدي فهي كثرية أيضا هلا حكم الرفع‪ ،‬إذ ال‬
‫جمال لالجتهاد يف مثل ذلك‪ ،‬اهـ (اإلذاعة ملحمد صديق حسن خان ‪.)114 - 113‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬احلاكم يف املستدرك ‪ 4/520‬والسيوطي يف الآللئ ‪ 2/388‬واإلسفرايني ‪ ،2/75‬والبداية والنهاية البن كثري‬
‫وتذكرة القرطبي‪.‬‬
‫(‪ )3‬عن أبى هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬لقد كان فيمن كان قبلكم من األمم ناس حمدَّ ثون من غري أن‬
‫يكونوا أنبياء‪ ،‬فإن يكن من أمتي أحد فإنه عمر»‪ ،‬البخاري‪ ،‬فضائل أصحاب النبي ﷺ ‪6‬؛ مسلم‪ ،‬فضائل الصحابة ‪.23‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪400‬‬
‫ف الحقي َق َة يف‬ ‫يظهر ما خيالِ ُ‬ ‫العوار ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫فيمكن أن َ‬ ‫ُ‬ ‫ض‪،‬‬ ‫لبعض‬ ‫يكون خاط ًئا‬ ‫األولياء قد‬ ‫أن إهلا َم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وايات‪.‬‬ ‫أمثال هذا النَّو ِع من ِّ‬
‫الر‬
‫احلكاية جمرى‬ ‫ُ‬ ‫َّاس‪ ،‬فتجري َ‬
‫تلك‬ ‫بني الن ِ‬ ‫احلكايات َ‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫ادس‪ :‬تُشت ََه ُر ُ‬ ‫الس ُ‬ ‫ل َّ‬ ‫الأص ُ‬
‫ساق ِ‬
‫إليه‬ ‫اهلدف الذي ُي ُ‬ ‫ِ‬ ‫نظر إىل‬ ‫واألمثال ال ُين َظ ُر إىل معناها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلقيقي‪ ،‬وإنَّام ُي ُ‬
‫ِّ‬ ‫األمثال‪،‬‬
‫صص‬‫ٍ‬ ‫َّاس من ِق‬ ‫ِ‬
‫ف عليه الن ُ‬ ‫َعار َ‬
‫بعض ما ت َ‬ ‫ِ‬ ‫كر‬ ‫ِ ِ‬
‫بعض األحاديث ذ ُ‬ ‫ِ‬ ‫كان يف‬ ‫الم َث ُل‪ ،‬هلذا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صور يف‬ ‫نقص و ُق ٌ‬ ‫هناك ٌ‬ ‫فإن َ‬
‫كان‬ ‫سبيل التوجيه واإلرشاد‪ْ ،‬‬ ‫ومتثيل عىل‬ ‫ً‬ ‫وحكايات كناي ًة‬
‫ِ‬ ‫أعراف الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويرجع إىل‬‫ُ‬ ‫وعاداتم‬ ‫َّاس‬ ‫فهو يعو ُد إىل‬ ‫مثل هذه املسائ ِل‪َ ،‬‬ ‫احلقيقي يف ِ‬ ‫ِّ‬ ‫املعنى‬
‫ٍ‬
‫حكايات‪.‬‬ ‫عليه من‬ ‫ما تَسامعوه وتَعار ُفوا ِ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ‬
‫كحقائق ماد َّي ٍة‪،‬‬‫َ‬ ‫َّمثيالت البالغ َّي ِة ت َ‬
‫ُؤخ ُذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّشبيهات والت‬ ‫كثيـر من الت‬ ‫هناك ٌ‬ ‫َ‬ ‫ابع‪:‬‬
‫الس ُ‬ ‫ل َّ‬ ‫الأص ُ‬
‫هل‪ ،‬فيقع الناس يف اخلطأِ من ح ِ‬
‫سبان‬ ‫جل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من أو بانتقالِـها من ِ‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العلم إىل يد ا َ‬ ‫يد‬ ‫بمرور َّ‬ ‫إ َّما‬
‫حقائق ماد َّية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫َّشبيهات‬ ‫تلك الت‬‫َ‬

‫ثال‪،‬‬ ‫َيهام يف عا َل ِم الِ ِ‬ ‫واحلوت‪ ،‬واملتم ِّث َلني عىل صورت ِ‬ ‫ِ‬ ‫سم َيني بال َّث ِ‬
‫ور‬ ‫الم َل ِ‬ ‫فمثال‪َّ :‬‬
‫الم َّ‬‫كيـن ُ‬ ‫إن َ‬
‫خم‬‫ور َض ٍ‬ ‫رب َّي ِة والبحر َّي ِة‪ ،‬قد حتو ََّل إىل َث ٍ‬ ‫ِ‬
‫رش َفة عىل احليوانات ال ِّ‬
‫مالئك َِة اهلل الم ِ ِ‬
‫ُ‬
‫وها من ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫وح ٍ‬
‫االعرتاض عىل احلديث‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلاطئ‪ ،‬ممَّا أ َّدى إىل‬ ‫َصو ِر ِه ُم‬
‫َّاس وت ّ‬ ‫وت ُم َّس ٍم يف َظ ِّن الن ِ‬ ‫ُ‬
‫جهنم‬ ‫َّ‬ ‫حجر هيوي يف‬ ‫ٍ‬ ‫صوت‬
‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬هذا‬ ‫سول ﷺ‪َ ،‬‬ ‫جملس الر ِ‬
‫ِ َّ‬ ‫صوت يف‬ ‫ٌ‬ ‫ومثل‪ُ :‬س ِم َع‬ ‫ً‬
‫احلديث ومل تتبيَّ ْ ل ُه‬ ‫ِ‬ ‫يسمع هبذا‬ ‫عرها(‪ )2‬فالذي‬ ‫حيـن انتهى إىل َق ِ‬ ‫فاآلن‬‫َ‬ ‫سبعيـن خري ًفا‬ ‫ُ‬
‫منذ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وجيزة جا َء أحدُ ُهم‬ ‫ٍ‬ ‫ثابت قطعا‪ ،‬أ َّنه بعدَ ٍ‬
‫فرتة‬ ‫علم ما هو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ولكن إذا َ‬ ‫ْ‬ ‫فيزيغ‪،‬‬ ‫ينكر ُه‪،‬‬‫احلقيقة ُ‬
‫الر َ‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ يتي َّق ُن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫مات َ‬
‫سول ﷺ‬ ‫أن َّ‬ ‫هنيهة‪،‬‬ ‫قبل‬ ‫املشهور قد َ‬ ‫َ‬ ‫املنافق ال ُف َّ‬
‫الين‬ ‫َ‬ ‫النبي ﷺ َّ‬
‫أن‬ ‫رب َّ‬ ‫فأخ َ‬
‫يتدحرج‬ ‫ُ‬ ‫كحج ٍر‬
‫َ‬ ‫بعني من ُع ُمره‬‫الس َ‬ ‫دخل َّ‬‫ذلك املنافِ َق الذي َ‬ ‫صو َر ببالغتِ ِه النَّبو َّي ِة الفائ َق ِة َ‬ ‫قد َّ‬
‫أسمع‬
‫َ‬ ‫أسفل سافلني‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬ ‫ُفر وتَر ٍّد إىل‬ ‫سقوط إىل الك ِ‬ ‫ٌ‬ ‫إن حيا َت ُه ك َّلها‬ ‫حيث َّ‬ ‫جهنم‪ُ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫عر‬ ‫إىل َق ِ‬
‫املنافق وجع َله عالم ًة ِ‬
‫عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫موت ذلك‬ ‫حلظة ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصوت يف‬
‫َ‬ ‫اهلل سبحانه ذلك‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬اللمعة الرابعة عرشة؛ وانظر‪ :‬احلاكم‪ ،‬املستدرك ‪ ،636/4‬وقال‪ :‬واحلديث صحيح ومل خيرجاه؛ املنذري‪ ،‬الرتغيب‬
‫والرتهيب ‪ ،258/4‬وقال‪ :‬يف متنه نكارة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬مسلم‪ ،‬اجلنة ‪31‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.346 ،341/3‬‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪401‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫الأصل الث َّامن‪ :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمورا‬
‫دار االمتحان وميدان االبتالء هذا‪ً ،‬‬ ‫العليم يف ِ‬
‫ُ‬ ‫الحكيم‬
‫ُ‬ ‫خفي‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫اإلخفاء ِحك ٌَم كثري ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بني ثنايا ٍ‬
‫ومصالح شتًّى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وترتبط هبذا‬ ‫األمور‪،‬‬ ‫كثرة من‬ ‫هم ًة جدً ا َ‬
‫ُم َّ‬
‫ِ‬
‫اإلجابة» يف يو ِم‬ ‫رمضان‪ ،‬و«ساع َة‬ ‫َ‬ ‫القدر» يف ِ‬
‫شهر‬ ‫ِ‬ ‫فمثل‪ :‬قد أخفى سبحانه وتعاىل «ليل َة‬ ‫ً‬
‫اعة»‬ ‫و«األجل» يف العم ِر‪ ،‬و«قيام الس ِ‬ ‫َ‬ ‫شـر‪،‬‬‫بني جمامي ِع ال َب ِ‬ ‫احليـن» َ‬ ‫الص‬ ‫ِ‬
‫َ َّ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫اجلمعة‪ ،‬و«أوليا َء ُه َّ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫اإلنسان ُمع َّينًا ومعلو ًما َوق ُت ُه‪ ،‬ل َقىض هذا‬ ‫ِ‬ ‫أج ُل‬ ‫يف ُع ُم ِر الدُّ نيا‪ ..‬وهكذا‪ ،‬فلو َ‬
‫كان َ‬
‫ساق ُخطو ًة‬ ‫كم ْن ُي ُ‬ ‫دهوشا َ‬ ‫ً‬ ‫اآلخر مرعو ًبا َم‬ ‫َ‬ ‫فلة تا َّم ٍة‪ ،‬ونِص َف ُه‬ ‫نصف ُعم ِر ِه يف َغ ٍ‬
‫َ ُ‬ ‫املسكني‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واآلخرة‬ ‫بيـن الدُّ نيا‬ ‫ِ‬ ‫حافظة عىل الت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُخطو ًة نحو ِ ِ ِ‬
‫املطلوب َ‬ ‫َّوزان‬ ‫الم‬
‫حبل المشنقة‪ ،‬بينام تقتيض ُ‬ ‫َ‬
‫دقيقة تَمر باإلنسانِ‬ ‫ٍ‬ ‫يكون يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫الرجاء واخلَوف‪ ،‬أن‬ ‫صلحة بقاء اإلنسان مع َّل ًقا قل ُبه بني َّ‬ ‫ُ‬ ‫و َم‬
‫جهول‬ ‫ِ‬ ‫سنة من ُع ُم ٍر َم‬ ‫رشون ٍ‬ ‫َ‬ ‫رج ُح ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫استمرار احلياة‪ ..‬وعىل هذا ُي َّ‬ ‫املوت أو‬ ‫حدوث‬ ‫إمكان‬
‫ِ‬
‫األجل‪.‬‬ ‫سنة من ُع ُم ٍر معلو ِم‬ ‫ألف ٍ‬ ‫األج ِل عىل ِ‬
‫َ‬
‫كإنسان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وهكذا فقيام الس َ ِ‬
‫كان وق ُت ُه مع َّينًا‬ ‫كبري‪ ،‬فلو َ‬ ‫أج ُل هذه الدُّ نيا‪ ،‬التي َ‬
‫هي‬ ‫اعة‪ ،‬هو َ‬ ‫ُ َّ‬
‫رون األخري ُة‬ ‫الق ُ‬ ‫تظل ُ‬ ‫ِ‬
‫القرون األوىل والوسطى سادر ًة يف نو ِم الغفلة‪ ،‬بينام ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ملض ْت‬ ‫و ُمع َلنًا َ‬
‫لد ِه األع َظ ِم‪،‬‬ ‫األكبـر وب ِ‬
‫ِ َ‬ ‫بحياة مسكَنِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان وطيدُ العال َق ِة‬ ‫َ‬ ‫ذلك َّ‬
‫ألن‬ ‫ودهشة؛ َ‬ ‫ٍ‬ ‫يف ُر ٍ‬
‫عب‬
‫كم حياتِ ِه اليوم َّي ِة‬ ‫بح ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫يرتبط بمسكَنه وبلده ُ‬ ‫ُ‬ ‫كم حياتِ ِه االجتامع َّي ِة واإلنسان َّي ِة مثلام‬ ‫بح ِ‬ ‫الدُّ نيا‪ُ ،‬‬
‫والشخص َّي ِة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫مرور‬
‫ُ‬ ‫يناقض ُه‬
‫ُ‬ ‫الكريم ِة‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﴾ ال‬ ‫َ‬
‫القرب املذكور يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫َ‬ ‫أن ُ َ‬ ‫نفهم من هذا َّ‬ ‫ُ‬
‫نني إىل ُع ُم ِر‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألف ٍ‬ ‫اع ُة أج ُل الدُّ نيا‪ ،‬وما نِسب ُة ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫من ِّ‬‫ألفني َ‬ ‫سنة أو‬ ‫َ‬ ‫الس َ َ‬ ‫ألف سنَة و َن ِّيف‪ ،‬إذ َّ‬
‫عن‬ ‫ني ال ُع ُم ِر‪ ،‬فال ينبغي أن‬ ‫ِ‬ ‫دقيقة ودقيقت ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كنسبة يو ٍم أو‬ ‫الدُّ نيا إلَّ‬
‫يغيب ْ‬ ‫َ‬ ‫َيـن إىل س ِّ‬ ‫يوميـن أو‬
‫بمقياس ُع ُم ِرها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قاس ُقر ُب ُه و ُبعدُ ُه‬
‫فحسب حتى ُي َ‬ ‫ُ‬ ‫أج َل اإلنسان َّي ِة‬
‫ليس َ‬
‫ِ ِ‬
‫أن يو َم القيا َمة َ‬ ‫بالِنا َّ‬
‫القياس واحلِ ِ‬
‫ساب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األعامر املهو َل ِة التي تَنِدُّ ِ‬
‫عن‬ ‫ِ‬ ‫بل هو أج ُل الدنيا ِ‬
‫ذات‬ ‫َ‬
‫لم ِه بيـن المغي ِ‬
‫اع ِة يف ِع ِ‬ ‫ِ‬
‫وألجل هذا فقدْ أخ َفى‬
‫بات‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫العليم موعدَ قيا ِم َّ‬
‫الس َ‬ ‫ُ‬ ‫الحكيم‬
‫ُ‬
‫صور قيام الس ِ‬ ‫حكمة ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعة‪ ،‬حتَّى‬ ‫الناس يف مجي ِع ال ُع ِ َ َّ‬ ‫اإلخفاء هذا أن َيشى ُ‬ ‫وكان من‬‫َ‬ ‫اخلمسة‪،‬‬
‫غريهم‪ ،‬مع‬‫قيامها يف َزمنِهم من ِ‬ ‫عليهم كانوا أشدَّ َخشي ًة من ِ‬
‫ضوان اهلل ِ‬
‫ُ‬ ‫الكرام ِر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الصحابة‬
‫ِ‬
‫احلقائق‪ ،‬بل َ‬ ‫ِ‬ ‫قرن الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫يعيشون يف ِ‬
‫بعض ُهم‪:‬‬
‫قال ُ‬ ‫وانجالء‬ ‫عادة‬ ‫خيـر القرون‪ ،‬وهو ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫َّأنم كانوا‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪402‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقت‬ ‫اإلخفاء وحقيق َت ُه يف‬ ‫جيهلون حكم َة‬
‫َ‬ ‫اعة وعالماتِها قد حت َّق ْ‬
‫قت‪ ،‬فالذين‬ ‫أرشاط الس ِ‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ٍ‬ ‫رضوان اهلل ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫رب وقو ِع‬ ‫عليه ْم ُق َ‬ ‫ُ‬ ‫الكرام‬
‫ُ‬ ‫الص ُ‬
‫حابة‬ ‫ظن َّ‬ ‫كيف َّ‬‫يقولون ُظ ًلم‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫احلاضـر‬
‫ِ‬ ‫سنة‪ ،‬ظنُّوها قريب ًة يف‬‫وأربعمئة ٍ‬
‫ِ‬ ‫وخطري ٍة ستأيت بعدَ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بأنم كانُوا‬ ‫علم َّ‬ ‫عرصهم؛ ً‬ ‫ألف‬ ‫مهمة َ َ‬ ‫َّ‬
‫وأره َفهم ِح ًّسا‬
‫َ‬ ‫املؤمنني بصري ًة‬
‫َ‬ ‫اآلخر ِة‪ ،‬وأحدَّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إدراك معاين‬ ‫املسلميـن وأفض َلهم يف‬
‫َ‬ ‫أقدر‬
‫َ‬
‫ألف سنة!ٍ‬ ‫ِ‬
‫فكرهم قد حا َد عن احلقيقة َ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكأن َ‬ ‫من؟‬
‫الز ُ‬
‫بإرهاصات ما سيأيت به َّ‬
‫أكثر الن ِ‬
‫َّاس تَفك ًُّرا‬ ‫الصحاب َة الكرام ‪-‬ريض اهلل عنهم أمجعني‪ -‬كانوا َ‬ ‫ألن َّ‬‫َّ‬ ‫اجلواب‪:‬‬
‫ُ‬
‫إخفاء اهلل سبحانه لوقتِ‬‫ِ‬ ‫ناء الدُّ نيا‪ ،‬وأوسعهم فِقها بحكمةِ‬ ‫وأرسخهم يقينًا ب َف ِ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫باآلخرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫أج َل الدُّ نيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بفضل ن ِ‬
‫ِ‬ ‫الق ِ‬‫ِ‬
‫الصحبة النَّبو َّية و َفيضها عليهم‪ ،‬لذا كانوا ُمنتظ َ‬
‫رين َ‬ ‫ُور ُّ‬ ‫َ‬
‫وذلك‬ ‫يامة‪،‬‬
‫ِ‬
‫آلخرتم سع ًيا حثي ًثا‪.‬‬ ‫خيص‪ ،‬فس َعوا‬ ‫أج َل ُه َّ‬
‫الش‬ ‫ِ‬
‫متهيئ َ ِ‬
‫َّ‬ ‫ينتظر َ‬
‫ُ‬ ‫كم ْن‬ ‫ني ملوتا َ‬
‫ِ‬
‫اإلخفاء‬ ‫هذه احلِكم ِة ِح ِ‬
‫كمة‬ ‫سول ﷺ «‪ ..‬فانتظروا الساع َة»(‪ )1‬نابع من ِ‬ ‫إن تَكرار الر ِ‬ ‫ثم َّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ َّ‬
‫عن‬‫بالوحي‪ ،‬حتَّى ُي َظ َّن ُبعدُ ه ِ‬
‫ِ‬ ‫ملوعد الس ِ‬
‫اعة‬ ‫ِ‬ ‫وليس تَعيينًا‬ ‫بليغ‪،‬‬‫نبوي ٌ‬ ‫واإلهبا ِم ِ‬
‫وفيه إرشا ٌد‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬
‫فاألحاديث الشَّ ي َف ُة التي هي من هذا‬
‫ُ‬ ‫الع َّل ِة‪ ،‬وهكذا‬
‫عن ِ‬ ‫خيتلف ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحكمة يش ٌء‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪ ،‬إذ‬
‫ِ‬
‫اإلخفاء واإلهبا ِم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫ِ‬
‫القبيل نابع ٌة من‬
‫منذ ِ‬ ‫زمن م ٍ‬ ‫احلكمة ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبناء عىل ِ‬
‫زمن التَّابعني‪،‬‬ ‫ديد‪ ،‬بل ُ‬ ‫منذ ٍ َ‬ ‫َّاس ُ‬ ‫انتظر الن ُ‬ ‫َ‬ ‫نفسها‪ ،‬فقد‬ ‫هذه‬ ‫ً‬
‫قال قسم من األولياءِ‬ ‫حاق بِـهم‪ ،‬حتى َ‬ ‫أمل ال َّل ِ‬ ‫فياين‪ ،‬عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫الس ِّ‬ ‫املهدي والدَّ جال ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ظهور‬‫َ‬
‫بفوات وقتِهم!‬ ‫ِ‬ ‫احلني‬
‫الص َ‬ ‫َّ‬
‫تعييـن يو ِم القيا َم ِة؛‬
‫ِ‬ ‫نفسها يف عد ِم‬ ‫ُ‬
‫احلكمة ُ‬ ‫هورهم هي‬ ‫أوقات ُظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعيني‬ ‫فالحكمة يف عد ِم‬‫ُ‬
‫أساسا‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫املهدي الذي‬ ‫بحاجة إىل معنى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عصـر‬ ‫وقت َّ‬
‫وكل‬ ‫كل ٍ‬ ‫إن َّ‬ ‫ص بام يأيت‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫وتتلخ ُ‬
‫نصيب من هذا املعنى‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫عرص‬ ‫يكون ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬ ‫فيلز ُم أن‬ ‫ِ‬
‫اليأس‪َ ،‬‬ ‫الصا من‬ ‫وخ ً‬ ‫للقو ِة املعنو َّي ِة‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ذرين من شخص َّيات ش ِّريرة ت ُ‬
‫َكون‬ ‫عرص متي ِّق َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫َّاس يف ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وح َ‬ ‫ظني َ‬ ‫يكون الن ُ‬ ‫جيب أن‬ ‫وكذلك ُ‬
‫ب‬ ‫َّفس بالتَّس ُّي ِ‬
‫نان الن ِ‬ ‫وذلك لِئَلَّ يرختي ِع ُ‬ ‫َ‬ ‫الش ِّـر‪،‬‬‫عظيم من َّ‬ ‫ً‬ ‫ِّفاق وتَقو ُد ت َّي ًارا‬ ‫رأس الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫ِ‬
‫األشخاص ُمعين ًة‬ ‫جال وأمثالِهام من‬‫املهدي والدَّ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ظهور‬ ‫أوقات‬
‫ُ‬ ‫املباالة‪ ،‬فلو كانت‬ ‫ِ‬ ‫وعد ِم‬
‫اإلرشاد والت ِ‬
‫َّوجيه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مصلحة‬ ‫لضاعت‬
‫ْ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬العلم ‪ ،2‬الرقاق ‪35‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.361/2‬‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪403‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫َ‬ ‫الذين َف َّسروا َ‬ ‫فهو‪َّ :‬‬ ‫وايات ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األحاديث‬ ‫تلك‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫الوار َدة يف َح ِّقهام َ‬ ‫الر‬
‫أ َّما س ُّـر االختالف يف ِّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫كتفسريهم َّ‬ ‫ِ‬
‫احلديث؛‬ ‫الشخص َّي َة مع ِ‬
‫متن‬ ‫ِ‬
‫واجتهادات ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫استنباطاتم‬ ‫الشَّ يف َة قد أدجموا‬
‫تصو ِرهم؛ إذ‬
‫حسب ُّ‬
‫َ‬ ‫رصة و الكُو َف ِة‬ ‫الشا ِم و الب ِ‬
‫َ‬ ‫حول َّ‬‫تقع َ‬‫جال ُ‬ ‫وأحداث الدَّ ِ‬
‫َ‬ ‫املهدي‬
‫ِّ‬ ‫وقائع‬
‫َ‬
‫والشا ِم‪.‬‬
‫رة َّ‬ ‫املدينة املنو ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ يف‬ ‫ِ‬
‫اخلالفة‬ ‫ِ‬
‫مركز‬ ‫تقع َ‬
‫حول‬ ‫تلك ُ‬ ‫َت َ‬
‫َّ‬ ‫املدن ُ‬ ‫كان ْ‬
‫َ‬
‫ألولئك‬ ‫الشخص َّي َة املعنو َّي َة‬ ‫اآلثار العظيم َة التي تُم ِّث ُل َّ‬ ‫َ‬ ‫األحاديث َّ‬
‫بأن‬ ‫َ‬ ‫سوا تلك‬ ‫أو َّأنم َف َّ ُ‬
‫اتية ال َفرد َّي ِة‪ ،‬مما‬ ‫الذ ِ‬‫هم َّ‬ ‫ِ‬
‫َصو ُروها ناشئ ًة من شخص َّيت ُ‬ ‫تقوم هبا جماعاتُهم‪ ،‬ت َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األشخاص أو‬
‫هورا خار ًقا للعا َد ِة‪ ،‬فيعر ُف ُهم‬ ‫ِ‬
‫جميع‬
‫ُ‬ ‫سيظهرون ُظ ً‬
‫َ‬ ‫األشخاص‬
‫َ‬ ‫هؤالء‬ ‫فه َم َّ‬
‫أن‬ ‫أن ُي َ‬ ‫أ َّدى إىل ْ‬
‫رب‬ ‫وامتحان‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫واحلال ‪-‬كام ُقلنا‪َّ -‬‬ ‫ُ‬ ‫الن ِ‬
‫وأن اهلل تعاىل عندما خيت ُ‬ ‫اختبار‬ ‫ميدان‬ ‫أن الدُّ نيا‬ ‫َّاس‪،‬‬
‫ِ‬ ‫عقل ِه َ‬ ‫اإلنسان يفتَح الباب أمام ِ‬
‫األشخاص ‪-‬أي‬ ‫ُ‬ ‫فهؤالء‬ ‫االختيار؛ لذا‬
‫َ‬ ‫أن َيس ُل َ‬
‫ب من ُه‬ ‫دون ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ذلك‬ ‫ف َ‬ ‫عر ُ‬ ‫هورهم‪ ،‬بل ال َي ِ‬ ‫َّاس عندَ ُظ ِ‬ ‫كثيـر من الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فون من ِق َب ِل‬ ‫عر َ‬ ‫واملهدي‪ -‬ال ُي َ‬
‫ُّ‬ ‫الدَّ ُ‬
‫جال‬
‫اإليامن الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ينظر إليهم ِ‬ ‫باد َئ ِ‬ ‫جال الرهيب نفسه أ َّنه دج ٌال ِ‬
‫َّافذ‬ ‫بنور‬ ‫األمر‪ ،‬وإنَّام يعر ُفهم َمن ُ‬ ‫الدَّ ُ َّ ُ َ ُ َّ‬
‫ِ‬
‫األعامق‪.‬‬ ‫إىل‬
‫أيام ِه كَسن ٍَة‬
‫إن يوما من ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫اعة َ‬‫عالمات الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫جال الذي هو ِمن‬ ‫والدَّ ُ‬
‫سول ﷺ َّ ً‬ ‫قال عن ُه َّ‬ ‫َّ‬
‫ويسيح‬ ‫تسمع صوتَه‪،‬‬ ‫وإن الدُّ نيا‬‫كأيامكم‪َّ )1(،‬‬ ‫ِ‬ ‫كجمعة وسائر ِ‬
‫أيامه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كشهر ويو ًما‬ ‫ويو ًما‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫ِ‬
‫حاالت‪،‬‬ ‫الـم‬
‫واية َض ٌب من ُ‬ ‫أربعني يو ًما‪ ،‬فالذين مل ُينص ُفوا قالوا‪ :‬هذه ِّ‬ ‫َ‬ ‫األرض يف‬ ‫يف‬
‫يف‬ ‫احلديث الشَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬والعلم عندَ اهلل‪ -‬هي اآليت‪َّ :‬‬
‫إن يف‬ ‫إن حقيقتَها‬‫حاش هلل‪ ،‬بل َّ‬ ‫وأنكروها‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تيارا‬ ‫ـم الك ِ‬ ‫ٍ‬
‫منطقة لعا َل ِ‬ ‫الش ِ‬‫جهة َّ‬ ‫شخص من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُفر‪ ،‬يقو ُد ً‬ ‫أكثف‬
‫ُ‬ ‫امل‪ ،‬الذي هو‬ ‫ظهور‬ ‫إشار ًة إىل‬
‫احلديث ِ‬
‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‪ ،‬فمعنى‬ ‫ِ‬
‫وإنكار‬ ‫ِ‬
‫اإلحلاد‬ ‫اجلاحدة‪ ،‬ويدعو إىل‬ ‫ِ‬ ‫يتمخ ُض عن املا ِّد َّي ِة‬ ‫َّ‬ ‫عظيم‬
‫ً‬
‫امل َ‬
‫العالِ‪.‬‬ ‫خص من َش ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهور هذا َّ‬
‫الش‬ ‫إشار ٌة إىل‬
‫الس ُنة‬ ‫ِ‬
‫للقطب َّ‬ ‫أن الدَّ ائر َة القريب َة‬
‫وهو‪َّ :‬‬ ‫وتتضمن ِ‬
‫اميل تكون َّ‬ ‫الش ِّ‬ ‫حكيم َ‬
‫ً‬ ‫رمزا‬
‫هذه اإلشار ُة ً‬ ‫ُ‬
‫جال هذا‬ ‫ليل والست َة األخرى هنار‪ ،‬أي يوم الدَّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫أشهر منها ٌ‬ ‫إن س َّت َة‬
‫حيث َّ‬
‫فيها يو ًما وليل ًة‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫تلك الدَّ ِ‬
‫ائرة‪ ،‬أ َّما املرا ُد‬ ‫هور ِه قري ًبا من َ‬
‫فهذه إشارة إىل ُظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كسنة»؛‬ ‫«يوم‬ ‫ٌ‬
‫سنة واحد ٌة كام ور َد ٌ‬

‫(‪ )1‬األحاديث يف هذا الباب كثرية نذكر منها‪ :‬رواية مسلم‪« :‬قلنا يا رسول اهلل‪ :‬ما لبثه يف األرض؟ قال‪ :‬أربعون يوما‪ ،‬يوم‬
‫كسنة‪ ،‬ويوم كشهر‪ ،‬ويوم كجمعة‪ ،‬وسائر أيامه كأيامكم»‪( ،‬مسلم‪ ،‬الفتن ‪110‬؛ أبو داود‪ ،‬املالحم ‪14‬؛ الرتمذي‪ ،‬الفتن‬
‫‪59‬؛ ابن ماجه‪ ،‬الفتن ‪33‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.)181/4 ،367/3‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪404‬‬
‫كامل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شهرا‬
‫َّهار أحيانًا ً‬
‫يكون الن ُ‬‫ُ‬ ‫مناط ِقنا‬
‫امل نحو ِ‬
‫الش ِ َ‬ ‫فهو أ َّن ُه ك َّلام تقدَّ منا من َّ‬
‫كشهر» َ‬ ‫ٍ‬ ‫بـ«يو ٍم‬
‫جتاوز الدَّ ِ‬
‫جال إىل عا َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشمس شهرا يف الص ِ‬ ‫ُ‬
‫ـم‬ ‫أيضا إىل‬‫يف‪ ،‬وهذه إشار ٌة ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫تغرب َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫حيث ال‬
‫جال‪ ..‬وهكذا‬ ‫ِ‬
‫إسناد اليو ِم إىل الدَّ ِ‬ ‫وهذه اإلشار ُة آتي ٌة من‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫امل‪،‬‬ ‫ظهوره يف َّ‬ ‫ِ‬ ‫احلضار ِة بعدَ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫تكون‬ ‫أسبوعا‪ ،‬إىل ْ‬
‫أن‬ ‫ً‬ ‫تغرب‬
‫ُ‬ ‫مس ال‬ ‫اجلنوب نرى َّ‬
‫الش َ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫امل إىل‬ ‫نـزول من َّ‬ ‫ً‬ ‫ك َّلام اقرتبنا‬
‫أسريا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وق وال ُغ ِ‬ ‫بني الشُّ ِ‬
‫كنت ً‬‫مكان كهذا عندما ُ‬ ‫كنت يف‬
‫ساعات‪ ..‬وقد ُ‬ ‫ثالث‬ ‫روب‬ ‫الفرت ُة َ‬
‫رجون‬‫َ‬ ‫َّاس َي‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف روسيا‪ ،‬فكانت َّ‬
‫قريب منَّا‪ ،‬حتى كان الن ُ‬ ‫مكان‬ ‫أسبوعا يف‬
‫ً‬ ‫تغرب‬
‫ُ‬ ‫مس ال‬ ‫الش ُ‬
‫ِ‬
‫الغريب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املنظر‬ ‫ملشاهدَ ِة‬

‫أربعني يو ًما‪ ،‬فقد‬


‫َ‬ ‫األرض يف‬
‫َ‬ ‫يطوف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أنحاء العالمِ‪ ،‬وأنَّه‬ ‫جال إلى‬ ‫ِ‬
‫صوت الدَّ ِ‬ ‫َّأما بلو ُغ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ووسائل الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّقل احلارض ُة من قطارات و َطائرات‪ ،‬فا َّل َ‬
‫ذين‬ ‫ُ‬ ‫واملخابرة‬ ‫ح ّلت ُْهام أجهز ُة َّ‬
‫الراديو‬
‫ِ‬
‫املحاالت يرونَهام اليو َم من‬ ‫وعدُّ ُ‬
‫وها من‬ ‫ِ‬
‫باألمس َ‬ ‫امللحدين‬ ‫من‬ ‫هاتني احلا َل ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫تني َ‬ ‫أنكروا‬
‫األمور العاد َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫بيشء من‬ ‫َتبت عنهام‬ ‫عالمات الس ِ‬
‫ِ‬ ‫أما يأجوج ومأجوج والسدُّ ال َّل ِ‬
‫اعة‪ ،‬فقد ك ُ‬ ‫َّ‬ ‫ذان مها من‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫املانجور‬ ‫رت قبيلتَا‬ ‫ُ‬
‫فأقول‪ :‬إنَّه مثلام َد َّم ْ‬ ‫ٍ‬
‫رسالة ُأخرى‪ُ ،‬أ ُ‬
‫حيل إليها(‪ ،)1‬أ َّما هنا‬ ‫ِ‬
‫َّفصيل يف‬ ‫الت‬
‫فهناك ِر‬
‫َ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وايات‬
‫ٌ‬ ‫ني‪،‬‬ ‫بب يف بناء سدِّ ِّ‬ ‫المجتمعات ال َبرشي َة وكانوا َّ‬
‫الس َ‬ ‫باألمس ُ‬ ‫واملغول‬
‫ِ‬
‫رضبات‬ ‫حتت‬
‫وتنهار َ‬ ‫أيضا‬
‫ستسقط احلضار ُة اجلديد ُة ً‬ ‫ُ‬ ‫رب قيا ِم الس ِ‬
‫اعة‬ ‫ُشري إىل أ َّن ُه مع ُق ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ت ُ‬
‫وضوي ِة الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رعبة‪.‬‬ ‫أفكارهم اإلرهاب َّية وال َف ِ َّ ُ‬ ‫أقدا ِم‬
‫وستقوم ِ‬
‫بمثل‬ ‫ائفة من ال َب ِ‬
‫رش‪ ،‬والتي قا َمت‬ ‫هذه ال َّط ُ‬ ‫ِ‬
‫المالحدة‪ :‬أين ِ‬ ‫ُ‬
‫يتساءل عد ٌد من‬ ‫وهنا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األفعال؟‬ ‫ِ‬
‫هذه‬
‫موسم ُمعيَّ ٍ ‪ ،‬ثم ختتفي تَب ًعا‬‫ٍ‬ ‫تكتسح منطق ًة ُمع َّينَ ًة يف‬
‫ُ‬ ‫آفة زراع َّي ٌة‬
‫أن اجلرا َد ٌ‬ ‫الجواب‪ :‬كام َّ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫تلك املنطق َة خمبوء ٌة يف َحنايا‬ ‫أبادت َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫األجناس التي‬ ‫خواص َ‬
‫تلك‬ ‫َّ‬ ‫املوسم‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ِ‬ ‫لتبدُّ ِل‬
‫ٍ‬
‫ساحقة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبكثرة‬ ‫موسم مع َّي ٍن‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫إلهي‪ ،‬يف‬ ‫نفسها‪ٍ ،‬‬ ‫تلك ُ‬ ‫ُظه ُر َ‬ ‫حمدودين منها‪ ،‬فت ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأمر ٍّ‬ ‫اآلفة ُ‬ ‫َ‬ ‫أفراد‬
‫موسم معيَّ ٍ ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جديد يف‬ ‫لتظهر من‬ ‫ُّ‬
‫تضمحل‪،‬‬ ‫أجناسها تنـزوي وال‬ ‫ِ‬ ‫إن حقيق َة‬
‫أي َّ‬
‫َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬املحاكامت العقلية من جملد صيقل اإلسالم‪.‬‬


‫� �� � � � � � � ‬
‫‪405‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫العالِ يف ٍ‬
‫وقت ما‪،‬‬ ‫أشاعوا الفسا َد يف َ‬
‫ُ‬ ‫فإن األقوا َم الذين‬ ‫ِ‬
‫اجلراد‪َّ ،‬‬ ‫األمر هكذا يف‬ ‫فكام َّ‬
‫أن‬
‫َ‬
‫إهلي وبمشيئتِه سبحانه‪ ،‬فيد ِّم َ‬
‫رون‬ ‫إلهالك البرش َّي ِة ٍ‬
‫بأمر ٍّ‬
‫ِ‬ ‫موعد ُمدَّ ٍد هلم‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫سيظهرون عندَ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫الغيب‬
‫َ‬ ‫يعلم‬
‫آخر‪ ،‬وال ُ‬‫سيكون بنمط َ‬ ‫إثار َتم وحتريكَهم‬
‫ولكن َ‬
‫َّ‬ ‫مر ًة أخرى‪،‬‬ ‫احلضار َة البرش َّي َة َّ‬
‫إلَّ اهلل‪.‬‬
‫هة إىل ٍ‬
‫أمور تتع َّل ُق هبذا َ‬
‫العالِ‬ ‫توج ٌُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسائل اإليامن َّية ُم ِّ‬ ‫من‬ ‫إن حصيل َة ٍ‬
‫قسم َ‬ ‫اسع‪َّ :‬‬
‫ل الت َّ ُ‬ ‫الأص ُ‬
‫وحيث َّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫خروي الواس ِع ال َّط ِ‬
‫ليق‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫العالِ األُ‬
‫َ‬ ‫اآلخر منها يرنو إىل‬
‫ُ‬ ‫والقسم‬
‫ُ‬ ‫الـمق َّي ِد‪،‬‬
‫الض ِّي ِق ُ‬‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأسلوب‬ ‫الكريم ﷺ‬‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫سول‬ ‫سم من األحاديث النَّبو َّية الوار َدة يف فضائ ِل األعامل قد بينها َّ‬ ‫ق ً‬
‫َ‬
‫األحاديث الشَّ يفة‬ ‫تلك‬‫أن َ‬‫َّظر َّ‬ ‫نعم الن َ‬ ‫هيب‪ ،‬فقد َظ َّن َمن ال ُي ُ‬ ‫والت َ‬ ‫غيب َّ‬ ‫الت َ‬ ‫ناسب َّ‬ ‫ُ‬ ‫بالغي ُي‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫ومحض احلقيقة وليس فيها مبالغ ٌة َق ُّط‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫احلق‬ ‫حتمل مبالغ ًة! كلَّ ‪ ،‬إنَّـها مجي ًعا ل َع ُ‬
‫ين ِّ‬
‫كانت الدُّ نيا‬ ‫ِ‬ ‫احلديث اآليت‪« :‬لو‬ ‫ُ‬ ‫ثيرها هو‬ ‫َ‬ ‫يخر ُش‬ ‫إن الذي ِ‬ ‫مثال‪َّ :‬‬ ‫ٌ‬
‫فيـن و ُي ُ‬ ‫املتعس َ‬ ‫ِّ‬ ‫أذهان‬
‫ماء»‪ )1(.‬أو كام قال‪ ،‬وحقيقتُه هي‪:‬‬ ‫بعوضة ما َشرب الكافر منها جرع َة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جناح‬ ‫تعد ُل عندَ اهلل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫ِ‬
‫البقاء‪ ،‬ولو‬ ‫ـم‬‫املنبثق من عا َل ِ‬ ‫ُّور‬ ‫أن كلم َة «عندَ اهلل» تُع ِّب ُـر عن العا َل ِ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ـم الباقي‪ ،‬فالن ُ‬
‫إن‬‫األرض‪ ،‬أي َّ‬ ‫كان يم ُ‬
‫أل‬ ‫ت ولو َ‬ ‫نور مؤ َّق ٍ‬ ‫أبدي‪ ،‬من ٍ‬ ‫وأعم‪ ،‬أل َّن ُه‬ ‫أوسع‬ ‫هو‬ ‫ٍ‬ ‫َج ِ‬
‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ناح َبعوضة َ‬
‫بني ُدنيا ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ـم الك ِ‬ ‫البعوض والعا َل ِ‬ ‫ِ‬ ‫عقدُ موازن ًة بني‬ ‫احلديث ال ي ِ‬
‫كل‬ ‫الموازنة هي َ‬ ‫َبري‪ ،‬وإنَّام‬ ‫ِ‬
‫جناح‬ ‫َ َ‬
‫بعوضة من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫جناح‬ ‫ِ‬
‫بمقدار‬ ‫املشع‪ ،‬ولو‬ ‫ُّور الدَّ ِ‬
‫ائم‬ ‫القصيـر‪ ،‬وبني الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حمصورة يف ُع ُم ِره‬ ‫ٍ‬
‫فرد‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫العميم‪.‬‬ ‫اإلهلي وإحسانِه‬ ‫ِّ‬ ‫الفيض‬‫ِ‬

‫أوجه‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجهان‪ ،‬بل ُ‬


‫ثالثة‬ ‫ِ‬ ‫إن الدُّ نيا هلا‬ ‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األو ُل‪ :‬وج ٌه‬
‫حلسنى‪.‬‬ ‫تعكس جت ِّليات األسامء ا ُ‬ ‫ُ‬ ‫كاملرآة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مزرعة‬ ‫أن الدُّ نيا‬ ‫اآلخرة‪ ،‬أي َّ‬ ‫ينظر إىل‬ ‫وال َّثاين‪ :‬وج ٌه ُ‬
‫ِ‬ ‫ينظر إىل العد ِم‬ ‫َّأما ال َّث ُ‬
‫غري‬ ‫األخيـر هو الدُّ نيا ُ‬‫ُ‬ ‫والفناء‪ ،‬فهذا الوج ُه‬ ‫الث‪ :‬فهو الوج ُه الذي ُ‬
‫الض ِ‬
‫اللة‪.‬‬ ‫أهل َّ‬ ‫املعروفة بدُ نيا ِ‬ ‫ُ‬ ‫رض َّي ِة عندَ اهلل‪ ،‬وهي‬ ‫الم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لألسامء‬ ‫ظيم ِة التي هي كمرايا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إذن فالدُّ نيا املذكور ُة يف احلديث الشَّ يف ليست بالدُّ نيا ال َع َ‬

‫(‪ )1‬الرتمذي‪ ،‬الزهد ‪13‬؛ ابن ماجه‪ ،‬الزهد ‪3‬؛ احلاكم‪ ،‬املستدرك ‪.341/4‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪406‬‬
‫هي الدُّ نيا التي‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ورسائل صمدان َّي ٍة‪ ،‬وال هي بالدُّ نيـا التي هـي‬ ‫َ‬
‫مزرعـة لآلخرة‪ ،‬وإنَّام َ‬ ‫احلسنى‬
‫واملصائب‪ ،‬هي دنيا عبدَ ِة‬
‫ِ‬ ‫كل الباليا‬ ‫ومنبع ِّ‬
‫ُ‬ ‫والذ ِ‬
‫نوب‬ ‫ومنشأ مجي ِع اخلطايا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫نقيض‬
‫هي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذر ًة واحد ًة من عا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫فأين‬
‫املؤمنني‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫لعباد اهلل‬ ‫ِ‬
‫املمنوح‬ ‫مدي‬
‫ِّ‬ ‫ـم اآلخرة السَّ‬ ‫الدُّ نيا التي ال تعد ُل َّ‬
‫املني ملا ظنُّو ُه مبالغ ًة؟!‬ ‫ِ‬
‫اإلحلاد ال َّظ َ‬ ‫فهم ِ‬
‫أهل‬ ‫ائبة من ِ‬ ‫الص ُ‬ ‫الص ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ادقة َّ‬ ‫احلقيقة َّ‬ ‫هذه‬
‫أن ما ور َد من‬ ‫بتعس ِفهم حني ظنُّوا َّ‬ ‫َ‬
‫امللحدون ومتا َدوا فيه ُّ‬ ‫هب‬ ‫ومثال آخر‪ :‬هو ما َذ َ‬ ‫ٌ‬
‫الكريم ُمبالغ ٌة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫الس َو ِر يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـريفة َ‬‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫األحاديث َّ‬
‫بعض ُّ‬ ‫وفضائل‬ ‫األعامل‬ ‫ثواب‬ ‫حول‬
‫ٍ‬
‫معقولة‪ ،‬بل حتَّى قا ُلوا َّإنا ُمال ٌة!‬ ‫غري‬
‫ُ‬
‫«اإلخالص» ِ‬
‫ِ‬ ‫«الفاحتة» هلا ثواب ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫تعد ُل‬ ‫القرآن(‪ُ ،)1‬‬
‫وسور َة‬ ‫ُ‬ ‫أن ُسـور َة‬ ‫‪-‬مثل‪َّ -‬‬
‫ً‬ ‫فقد ور َد‬
‫ِ (‪)4‬‬ ‫ِ‬ ‫القرآن‪ )2(،‬وسور َة ِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫وسور َة «الكافرون» ُر ُب ُع القرآن‬ ‫«الزلزال» ُر ُب ُع القرآن‪ُ )3(،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُث ُل َث‬
‫إنصاف‬ ‫وليس هلم‬ ‫نع َ‬ ‫القرآن؛(‪ )5‬فالذين ال ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثواب َع َش ِة‬
‫ٌ‬ ‫َّظر َ‬‫مون الن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫أمثال‬ ‫وسور َة «يس» هلا ُ‬
‫سور ِة‬
‫ألن القرآن حيوي َ‬ ‫يقولون‪ :‬هذا ُمستحيل؛ َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وايات! إذ‬ ‫الر‬ ‫ِ‬
‫عون استحال َة هذه ِّ‬ ‫َرو َيدَّ َ‬‫وت ٍّ‬
‫وس َو ًرا ُأخرى فاضل ًة‪ ،‬فيكون ذلك ال معنى له؟!‬ ‫«يس» ُ‬
‫الكريم َثوا ًبا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ِّ‬ ‫هي‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫القرآن‬ ‫حروف‬ ‫حرف من‬ ‫لكل‬ ‫إن حقيق َة هذه ِّ‬
‫الروايات َ‬ ‫الجواب‪َّ :‬‬
‫ثمر حينًا‬ ‫ِ‬ ‫وكرم ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حسنة واحدةٌ‪ )6(،‬ولكن‬
‫ٌ‬
‫ثواب هذه احلروف و ُي ُ‬‫يتضاعف ُ‬
‫ُ‬ ‫بفضل اهلل‬ ‫وهو‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُريس) ورابع ًة‪ :‬أل ًفا‬
‫سبع مئة (كام يف حروف آية الك ِّ‬ ‫سبعني‪ ،‬و ُأخرى َ‬
‫َ‬ ‫عرش حسنات‪ ،‬وأحيانًا‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬حديث‪« :‬احلمد هلل رب العاملني هي السبع املثاين الذي أوتيته والقرآن العظيم»‪ ،‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬تفسري سورة الفاحتة ‪،1‬‬
‫فضائل القران ‪9‬؛ الرتمذي‪ ،‬ثواب القران ‪1‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.221/4‬‬
‫(‪ )2‬حديث‪« :‬قل هو اهلل أحد تعدل ثلث القرآن»‪ ،‬البخاري‪ ،‬فضائل القران ‪13‬؛ الرتمذي‪ ،‬ثواب القران ‪11 ،10‬؛ أبو داود‪،‬‬
‫الوتر ‪18‬؛ النسائي‪ ،‬االفتتاح ‪69‬؛ ابن ماجة‪ ،‬األدب ‪.52‬‬
‫(‪ )3‬عن أنس بن مالك ريض اهلل عنه‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ قال لرجل من أصحابه‪ :‬هل تزوجت يا فالن؟ قال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬وال‬
‫عندي ما أتزوج به‪ ،‬قال‪ :‬أليس معك «قل هو اهلل»؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬ثلث القرآن‪ ،‬قال‪ :‬أليس معك «إذا جاء نرص اهلل‬
‫والفتح»؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬ربع القرآن‪ ،‬قال‪ :‬أليس معك «قل يا أهيا الكافرون»؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬ربع القرآن‪ ،‬قال أليس معك‬
‫تزوج‪ »..‬الرتمذي‪ ،‬ثواب القران ‪10‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند‬
‫تزوج ّ‬ ‫«إذا زلزلت األرض» قال‪ :‬بىل قال‪ :‬ربع القرآن‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫‪..221 ،147/3‬‬
‫(‪ )4‬حديث ابن عمر‪« :‬قل هو اهلل أحد تعدل ثلث القرآن‪ ،‬وقل يا أهيا الكافرون تعدل ربع القرآن»‪ ،‬الرتمذي‪ ،‬ثواب القران‬
‫‪10‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.221 ،147/3‬‬
‫(‪ )5‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬إن لكل يشء قلبا وقلب القرآن يس‪ ،‬ومن قرأ يس كتب اهلل له بقراءهتا قراءة‬
‫القرآن عرش مرات»‪ ،‬الرتمذي‪ ،‬ثواب القران ‪.7‬‬
‫(‪ )6‬الرتمذي‪ ،‬فضائل القران ‪16‬؛ الدارمي‪ ،‬فضائل القران ‪.1‬‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪407‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫ِ‬
‫(كقراءة‬ ‫ٍ‬
‫حسنة‬ ‫اإلخالص) وخامس ًة‪ :‬عرش َة ِ‬
‫آالف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫ِ‬
‫حروف‬ ‫مئة (كام يف‬ ‫ومخس ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫احلسنات (كام يف‬ ‫ثالثيـن أل ًفا من‬ ‫شعبان) وسادس ًة‪:‬‬
‫َ‬ ‫وليلة الن ِ‬
‫ِّصف من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاضلة‬ ‫ِ‬
‫األوقات‬ ‫يف‬
‫َ‬
‫ويمكن‬ ‫ِ‬
‫اخلشخاش‪،‬‬ ‫بذور‬ ‫فتتضاعف ِ‬ ‫ليلة القدْ ِر)‬ ‫اآليات يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تتكاثر ُ‬‫ُ‬ ‫احلسنات كام‬
‫ُ‬ ‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫قراءة‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾ (القدر‪.)3:‬‬ ‫ِ‬ ‫ثالثني أل ًفا من ِ‬
‫اآلية‬ ‫َ‬ ‫واب إىل‬ ‫ِ‬
‫تضاعف ال َّث ِ‬ ‫فهم‬
‫ُ‬
‫العددي‬ ‫ِ‬
‫َّضاعف‬ ‫ِ‬
‫وجود هذا الت‬ ‫ِ‬
‫الكريم مع‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ُ‬
‫موازنة‬ ‫ُ‬
‫مقايسة وال‬ ‫يمكن‬ ‫وهكذا فال‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫الس َو ِر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لبعض ُّ‬ ‫أصل ال َّث ِ‬
‫واب‬ ‫ِ‬ ‫مع‬
‫ذلك َ‬ ‫يمكن َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املذكور‪ ،‬وإنَّام‬ ‫دي لل َّث ِ‬
‫واب‬ ‫َّصاع ِّ‬
‫الت ُ‬
‫أنبتت‬
‫ْ‬ ‫الذ َر ِة‪ ،‬فلو‬
‫ألف َح َّب ٍة من ُ‬
‫أن مزرع ًة ُز ِر َع ْت فيها ُ‬ ‫لنفرض َّ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫بمثال‪:‬‬ ‫نوض ْح َ‬
‫ذلك‬ ‫و ْل ِ‬
‫رة ِ‬
‫الذ ِ‬ ‫مئة ح َّب ٍة‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫تعد ُل‬ ‫فإن ح َّب ًة واحد ًة من ُ‬ ‫سنبلة ُ‬ ‫(عرانيس) يف ِّ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سنابل‬ ‫بعض ح َّب ِاتا َ‬
‫سبع‬ ‫ُ‬
‫(عرانيس)‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سنابل‬ ‫أن ح َّب ًة ُأخرى أنبت َْت َ‬
‫عرش‬ ‫املزرع ِة‪ ،‬ولو فرضنا ً‬
‫مثل‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ ُثلثي ما يف‬
‫ِ‬
‫املزروعة‬ ‫ِ‬
‫احلبوب‬ ‫ضعف‬
‫َ‬ ‫ذلك تساوي‬ ‫سنبلة منها مئتي ح َّب ٍة‪َّ ،‬‬
‫فإن ح َّب ًة واحد ًة عندَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫يف ِّ‬
‫أصل‪ ..‬وهكذا ِق ْس يف ضوءِ هذا ِ‬
‫املثال‪.‬‬ ‫ً‬
‫مع ثوابِ ِه‬ ‫ٍ ِ‬
‫كل حرف فيه َ‬ ‫الكريم مزرع ًة سماو َّي ًة نوران َّي ًة ُمقدَّ س ًة‪ُّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫نتصور‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فاآلن‬
‫السابِ ِق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بغض الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األصيل بمثا َب ِة ح َّب ٍة‬
‫َّظر عن سنابِلها‪ ،‬فإذا ما ط َّب ْق َت هذا عىل املثال َّ‬ ‫واحدة‪ِّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫بأصل‬ ‫ِ‬
‫األحاديث الشَّ ي َف ُة‪ ،‬بمقارنَتها‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الس َور التي ور َد ْت بح ِّقها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فضائل ُّ‬ ‫معرفة‬ ‫يمكنك‬
‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حروف‬
‫وحروف‬
‫َ‬ ‫وعرشون حر ًفا‪،‬‬
‫َ‬ ‫وست ٍ‬
‫مئة‬ ‫ُّ‬ ‫ثالثمئة ٍ‬
‫ألف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫حروف‬
‫َ‬ ‫إن‬‫فمثال‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫مئتني‬ ‫وستني تساوي‬ ‫أضعاف تس ٍع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فثالثة‬ ‫وستون حر ًفا‪،‬‬‫َ‬ ‫تسع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اإلخالص مع البسملة ٌ‬ ‫سورة‬
‫ومخس‬ ‫تقار ُب أل ًفا‬‫اإلخالص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫ِ‬
‫حروف‬ ‫حرف من‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫حسنات ِّ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حروف‪ ،‬أي َّ‬
‫إن‬ ‫وسبع َة‬
‫َ‬
‫وبني جممو ِع‬‫وأخذ َت النِّسب َة بينها َ‬ ‫ْ‬ ‫سورة «يس»‬‫ِ‬ ‫حروف‬
‫َ‬ ‫حسبت‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكذلك إذا‬ ‫ٍ‬
‫حسنة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مئة‬
‫حرف‬ ‫ٍ‬ ‫أن ِّ‬
‫لكل‬ ‫ِ‬
‫االعتبار‪ ،‬نجدُ َّ‬ ‫عرشة أمثالِـها ِ‬
‫بنظر‬ ‫ِ‬ ‫َّضاعف إىل‬
‫َ‬ ‫رآن‪ ،‬وأخذنا الت‬ ‫الق ِ‬ ‫روف ُ‬‫ح ِ‬
‫ُ‬
‫حسنة‪.‬‬‫ٍ‬ ‫مخس ِ‬
‫مئة‬ ‫ِ‬ ‫يقارب من‬ ‫فيها ما‬
‫ُ‬
‫ُدرك مدى‬ ‫األحاديث فست ُ‬ ‫ِ‬ ‫الس َو ِر يف‬ ‫ِ‬ ‫املنوال بقي َة ما ور َد يف‬ ‫ِ‬ ‫فإذا ِق ْس َت عىل هذا‬
‫فضائل ُّ‬
‫ِ‬
‫واإلرساف يف الكال ِم‪.‬‬ ‫يومئ إىل املبال َغ ِة‬ ‫عدها عن ِّ‬ ‫كونِـها حقيق ًة صائب ًة لطي َف ًة‪ ،‬ومدى ب ِ‬
‫كل ما ُ‬ ‫ُ‬
‫هو ُ‬
‫احلال يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألفعال البرش َّية‪ ،‬كام َ‬ ‫ِ‬
‫األعامل‬ ‫ل العاشرُ‪ :‬قد يوجدُ أفرا ٌد أفذا ٌذ يف‬
‫الأص ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪408‬‬
‫ِ‬
‫اخليـر‬ ‫وبز ُهم يف‬
‫اآلخرين َّ‬ ‫سبق‬ ‫الفــذ هذا قد َ‬ ‫ُّ‬ ‫كان الفر ُد‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات؛ فإن َ‬ ‫ِ‬
‫طوائف‬ ‫ِ‬
‫أكثر‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وبالء‬ ‫َذير شؤ ٍم‬ ‫اعتزازهم‪َّ ،‬‬‫ِ‬ ‫فخر لبني ِ‬ ‫مبعث ٍ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والص ِ‬
‫فهو ن ُ‬ ‫وإل َ‬ ‫ومدار‬
‫َ‬ ‫جنسه‬ ‫فسيكون‬ ‫الح‪،‬‬ ‫َّ‬
‫اآلخرون أن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وحياول‬ ‫ٍ‬
‫مكان‪،‬‬ ‫ينبث كشخص َّي ٍة معنو َّي ٍة يف ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫األفذاذ ُّ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫فكل من‬ ‫عليهم‪ٌّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ـة‬ ‫الشخص وبإمكاهنم ذلك‪ ،‬واستنادا لذلك اإلهبام يمكن احلكم عىل ُك ِّلـي ِ‬ ‫يكونوا ذلك َّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الفرد‬ ‫ِ‬
‫وجود َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫إلمكان‬ ‫ٌ‬
‫ممكنة‪،‬‬ ‫املنطق هي قض َّي ٌة‬
‫ُ‬ ‫ذلك الشخص‪ ،‬فالقض َّي ُة إذن من ُ‬
‫حيث‬
‫كهذه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بنتيجة‬ ‫يت‬ ‫ألي ٍ‬
‫عمل ْ‬ ‫ِ‬ ‫مكان‪ ،‬وجو ًدا خمف ًّيا ومطل ًقا؛ أي من‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اخلارق يف ِّ‬
‫أن يأ َ‬ ‫املمكن ِّ‬ ‫كل‬
‫ِ‬
‫ركعتني‬ ‫هبذه املعاين‪َ :‬من صلَّ‬ ‫رشيفة ورد ْت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أحاديث نبو َّي ٍة‬
‫َ‬ ‫ضوء هذا ِ‬
‫املثال إىل‬ ‫ِ‬ ‫فان ُظ ْر يف‬
‫َ‬
‫حقيقة ثابت ٌة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫يقابل ِحج ًة‪ِ ،‬‬
‫هذه‬ ‫أوقات مع َّين ٍَة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ركعتني يف‬ ‫ثواب‬ ‫أجر ِح َّج ٍة؛(‪ )1‬أي‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫كذا فل ُه ُ‬
‫الوقوع الفعيلَّ‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫الة بالك ِّل َّي ِة هذا املعنى‪،‬‬‫ركعتيـن من الص ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫كل‬‫حتمل ُّ‬ ‫فيجوز إذن أن َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للقبول رشائ َط ُه املع َّينَ َة‪ ،‬لذا تنتَفي‬ ‫حيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫دائم وال ك ِّل ًّيا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إن‬ ‫ليس ً‬ ‫هلذا النَّو ِع من الروايات َ‬
‫هي‬ ‫ِ‬
‫‪-‬بالفعل مؤ َّقت ٌَة‪ -‬مطل َق ٌة؛ أو َ‬ ‫فة ال ُك ِّل َّي ِة والديمو َم ِة؛ فهي إ َّما‬ ‫وايات ِص ُ‬ ‫ِ‬ ‫الر‬ ‫ِ ِ‬
‫من أمثال هذه ِّ‬
‫ُ‬
‫اإلمكان‪ ،‬كام هو يف‪:‬‬ ‫حيث‬‫األحاديث هي من ُ‬ ‫ِ‬ ‫أمثال ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫قض َّي ٌة ممكن ٌَة‪ ،‬ك ِّل َّي ٌة‪ ،‬فال ُك ِّل َّي ُة إذن يف‬
‫هو يف‪« :‬الكلم ُة‬ ‫قاتل؛ وكام َ‬ ‫يكون ُسمًّ ُزعا ًفا ً‬ ‫ُ‬ ‫إن يف الغي َب ِة فر ًدا قد‬ ‫كالقتل»؛(‪ )2‬أي َّ‬ ‫ِ‬ ‫«الغيب ُة‬
‫ٍ (‪)3‬‬ ‫ال َّط ِّيب ُة صدق ٌة ِ‬
‫كعتق رق َبة»‪.‬‬
‫إبراز إمكاني ِة وقو ِع هذا ال َف ِ‬
‫رد ال َف ِّذ‬ ‫الصي َغ ِة؛ أي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َّ‬ ‫واحلكم ُة يف إيراد هذه األحاديث هبذه ِّ‬ ‫َ‬
‫وأكثر‬ ‫والت ِ‬
‫هيب‬ ‫غيب َّ‬‫الت ِ‬ ‫هي‪ :‬أ َّن ُه ُ‬
‫أبلغ يف َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املطلق يف ِّ‬ ‫املبه ِم‬
‫ُ‬ ‫فعل‪َ ،‬‬ ‫بصورة واقعة ً‬ ‫َ‬ ‫كل مكان‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اخليـر وأشدُّ جتني ًبا هلا من الشَّ ِّ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للنفوس عىل‬ ‫حضا‬ ‫ًّ‬
‫أضخم ما عندنا‬ ‫إن‬ ‫ِ‬
‫احلارض‪ ،‬إذ َّ‬ ‫بمقاييس عا َل ِ‬
‫ـمنا‬ ‫ِ‬ ‫ُوز ُن‬
‫األبدي ال ت َ‬ ‫َ‬
‫شؤون العاملِ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫األبدي َّ‬
‫فإن‬ ‫ذلك َ‬
‫العالِ‬ ‫نظرا لكونِ ِه يتط َّل ُع إىل َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ال يوازي أصغر ٍ‬
‫ِّ‬ ‫فثواب األعامل ً‬ ‫ُ‬ ‫هناك‪،‬‬ ‫يشء‬ ‫َ‬
‫نستوع َب ُه بعقولِنا املحدو َد ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫فنعجز عن أن‬ ‫ُ‬ ‫الض ِّي َق َة تغدو قاصر ًة دو َن ُه‪،‬‬ ‫نظر َتنَا الدُّ نيو َّي َة َّ‬
‫ِ‬ ‫أنظار من ال ُي ِد ِّق ُق َ‬ ‫رواية ت ِ‬
‫هي‪:‬‬ ‫نصفون يف أحكام ِهم‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّظر وال ُي‬
‫ون الن َ‬ ‫َ‬ ‫َلف ُت‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫فمثل‪:‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫ورب‬
‫السماوات ِّ‬ ‫رب َّ‬ ‫وهارون»‪ ،‬أي «الحمدُ هلل ِّ‬ ‫َ‬ ‫ثواب موسى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عطي ل ُه ُ‬
‫مثل‬ ‫قرأ هذا ُأ َ‬ ‫«من َ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الرتمذي‪ ،‬اجلمعة ‪.59‬‬


‫(‪ )2‬الديلمي‪ ،‬املسند ‪.116/3‬‬
‫(‪ )3‬الطرباين‪ ،‬املعجم الكبري ‪230/7‬؛ البيهقي‪ ،‬شعب اإليامن ‪.124/6‬‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪409‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫الحكيم‪ ،‬الحمدُ‬ ‫وهو العزي ُز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫واألرض َ‬ ‫ماوات‬ ‫الس‬
‫الكبرياء في َّ‬ ‫ُ‬ ‫رب العالمين ول ُه‬ ‫األرضين ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهو‬‫واألرض َ‬ ‫ماوات‬ ‫الس‬‫العظم ُة في َّ‬ ‫َ‬ ‫رب العالمين ول ُه‬ ‫األرضيـن ِّ‬
‫َ‬ ‫ورب‬
‫السماوات ِّ‬ ‫رب َّ‬ ‫هلل ِّ‬
‫الحكيم»‪.‬‬ ‫وهو العزي ُز‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫السماوات َ‬ ‫رب َّ‬ ‫الملك ُّ‬ ‫الحكيم‪ ،‬ول ُه‬ ‫ُ‬ ‫العزي ُز‬
‫واب‬ ‫ونتصو ُر ال َّث َِ‬ ‫نعلم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أمثال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫هي‪ :‬إىل أي مدى ُ‬ ‫األذهان َ‬ ‫األحاديث التي تُثري‬ ‫هذه‬ ‫فحقيقة‬
‫من‬ ‫ِ‬
‫الض ِّي ِق وض َ‬ ‫كرنا َّ‬ ‫إطار فِ ِ‬
‫فق ِ‬ ‫السالم َو َ‬
‫ُ‬ ‫وهارون ِ‬
‫عليهام‬ ‫ُ‬ ‫ان عظيامن مها موسى‬ ‫الذي ينا ُله نبي ِ‬
‫ُ َّ‬
‫واب الذي ينا ُل ُه عبدٌ يف غاية االحتياج بقرا َءتِ ِه‬ ‫فحقيقة ال َّث ِ‬‫ُ‬ ‫نيو ِّي؛‬
‫ـر الدُّ ِّ‬
‫ِ‬
‫القاص ِ‬ ‫َظرنَا‬ ‫دود ن ِ‬‫ح ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫يكون مماث ًل َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك ِ‬ ‫َ‬
‫لذلك‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬ ‫الرمحة‪ ،‬يف حياةٍ خالدَ ة أبد َّية‪،‬‬ ‫رحيم واس ِع َّ‬ ‫رب‬‫الورد‪ ،‬من ٍّ‬
‫علمنا وأ ُف ِق‬ ‫دائرة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫العظيم ِ‬ ‫َصورنا ُه بعقولِنا ال َقارص ِة للنَّب َّي ِ‬ ‫ال َّث ِ‬
‫حس َ‬
‫وذلك َ‬ ‫ني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ني‬ ‫َ‬ ‫واب الذي ت َّ‬
‫ِ‬
‫تفكرينا‪.‬‬
‫ِ‬
‫املحدود‬ ‫نظر ِه‬
‫درك عظم َت ُه وأبَّه َت ُه‪ ،‬ويف ِ‬ ‫لطان وال ُي ُ‬ ‫الس َ‬ ‫ِ‬ ‫م َث ُلنا يف هذا‬
‫بدوي مل َير ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫كمثل‬
‫بقليل‪ ،‬حتى لقد كان حوالينا‬ ‫ٍ‬ ‫رب من ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َ‬ ‫وفكر ِه َّ‬
‫الض ِّي ِق‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫كشيخ القر َية أو أك ُ‬ ‫شخص‬
‫ٌ‬ ‫لطان‬ ‫أن ُّ‬
‫رشف عىل‬ ‫املوق ِد و ُي ُ‬ ‫لطان جيلس قرب ِ‬
‫َ‬ ‫الس َ ُ‬ ‫إن ُّ‬ ‫سذج يقـولون‪َّ :‬‬ ‫‪-‬يف رشقي األناضول‪ -‬قرويون ّ‬
‫لطان ال ير َقى إىل مستوى‬ ‫أن أقىص ما يتصوره البدوي لعظم ِة الس ِ‬ ‫بنفس ِه‪ ..‬بمعـنى َّ‬ ‫طبيخ ِه ِ‬
‫ِ‬
‫َ ُّ‬ ‫َّ ُ ُ َ ُّ‬
‫العمل فسأكافِ ُئ َك برت َب ِة‬
‫َ‬ ‫أنجزت يل هذا‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‪ :‬إذا‬ ‫ِ‬
‫ألحد‬ ‫اجليش‪ ..‬فلو ِق َيل‬ ‫ِ‬ ‫فوج يف‬ ‫آمر ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫لطان يف‬‫إن عظم َة الس ِ‬
‫ُّ‬ ‫حيث َّ‬ ‫وصواب‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حقيقة‬ ‫ول‬ ‫وج) فهذا ال َق ُ‬ ‫آمر ال َف ِ‬ ‫لطان (أي بمكان َِة ِ‬ ‫الس ِ‬
‫ُّ‬
‫ليس إلَّ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بمقدار َعظمة ِ‬
‫آمر ال َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السام ِع ويف ِ‬ ‫ِ‬
‫وج َ‬ ‫هي‬
‫فكره املحدود َ‬ ‫ذهن َّ‬
‫ِ‬
‫األعامل‬ ‫ِ‬
‫ثواب‬ ‫احلقائق الوار َد َة يف‬ ‫البدوي‬ ‫ِ‬
‫بمثل هذا‬ ‫نفهم حتَّى‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫فنحن ال نكا ُد ُ‬‫ُ‬ ‫وهكذا‬
‫إن ما‬ ‫َليل؛ إذ َّ‬‫نيوي الك ِ‬
‫وبنظرنَا الدُّ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫القارص ِة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وبأفكارنا‬ ‫الض ِّي َق ِة‬ ‫اآلخرة‪ ،‬بعقولِنا َّ‬
‫ِ‬ ‫املتوج َه ِة إىل‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫وهارون‬ ‫احلقيقي الذي ينا ُله موسى‬ ‫ِّ‬ ‫واب‬ ‫ليس هو عقدٌ ملوازن ٍَة َ‬
‫بني ال َّث ِ‬ ‫ِ‬
‫الشـريف َ‬
‫ِ‬
‫احلديث ِّ‬ ‫يف‬
‫للورد؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫اكر‬ ‫واب الذي ينا ُل ُه ال َعبدُ َّ‬ ‫وبني ال َّث ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الذ ُ‬ ‫جمهول لدينا‪َ ،‬‬ ‫السالم‪ ،‬والذي هو‬ ‫عليهام َّ‬
‫كم املعلو ِم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املجهول من ُح ِ‬ ‫ُ‬
‫إدراك ُح ِ‬
‫كم‬ ‫املجهول عىل املعلو ِم‪ ،‬أي‬ ‫ِ‬ ‫قياس‬ ‫ِ‬
‫قاعد َة التَّشبيه هي ُ‬
‫ِ‬ ‫تصو ِرنا‪َ ،‬‬
‫وبني ال َّث ِ‬ ‫بني ِ‬ ‫إن املواز َن َة هي َ‬ ‫بل َّ‬
‫للعبد‬ ‫احلقيقي‬
‫ِّ‬ ‫واب‬ ‫ب ُّ‬ ‫حس َ‬‫ثوابام املعلو ِم لدينا َ‬
‫ِ‬
‫املجهول عندَ نَا‪.‬‬ ‫الذ ِ‬
‫اكر‬ ‫َّ‬

‫نفسها‪،‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املنعكس َة من‬ ‫ِ‬ ‫ثم َّ‬


‫الصور ُة ُ‬
‫البحر ومن قطرة ماء هي ُّ‬ ‫سطح‬ ‫َ‬ ‫الشمس‬ ‫ور َة‬
‫إن ُص َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪410‬‬
‫كل من‬ ‫روح ٍّ‬
‫فإن َ‬ ‫وضو َءها‪ ،‬لذا َّ‬
‫مس َ‬ ‫الش ِ‬
‫يعكسان صور َة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فكالها‬ ‫والفرق يف النَّوع َّي ِة فقط‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واب ما‬ ‫تنعك ُس عليها من ماه َّي ِة ال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫هي مرآ ٌة كال َب ِ‬
‫حر‬ ‫الم التي َ‬ ‫الس ُ‬ ‫عليهام َّ‬ ‫وهارون ِ‬‫َ‬ ‫موسى‬
‫حيث املاه َّي ِة‬
‫ثواب واحدٌ من ُ‬ ‫ُ‬ ‫كقطرة ٍ‬
‫ِ‬ ‫الذ ِ‬ ‫روح ِ‬
‫العبد َّ‬ ‫ينعكس عىل ِ‬
‫فكالها ٌ‬ ‫ماء‪،‬‬ ‫اكر التي هي‬ ‫ُ‬
‫تتبع القابل َّي َة‪.‬‬
‫ختتلف‪ ،‬إذ ُ‬‫ُ‬ ‫والكم َّي ِة إلَّ َّ‬
‫أن النَّوع َي َة‬ ‫ِّ‬
‫والسعا َد ِة‬ ‫ِ‬
‫الرمحة َّ‬ ‫ِ‬
‫أبواب َّ‬ ‫تفتح من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وتسبيح معيَّ ٍ ‪ ،‬أو تالو َة آية واحدة قد ُ‬
‫ٍ‬ ‫إن ترديدَ ٍ‬
‫ذكر‬ ‫ثم َّ‬
‫ِ‬
‫للقرآن‬ ‫الفوائ ِد ما‬
‫ِ‬ ‫نح فيها ٌ‬
‫آية واحد ٌة من‬ ‫ٍ‬ ‫إن َ‬
‫هناك حاالت َت ُ‬ ‫تفتح ُه عباد ُة ِست َ‬
‫ِّني سن ًة‪ ،‬أي َّ‬ ‫ما ال ُ‬
‫الكريم ُك ِّل ِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫تكون‬ ‫بتالوتِ ِه آي ًة واحد ًة قد‬ ‫الكريم ﷺ َ‬ ‫ِ‬ ‫الفيوضات الربان َّي َة املتج ِّل َّي َة عىل الر ِ‬
‫سول‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ثم َّ‬
‫إن‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االسم األع َظ ِم‪ ،‬فإذا ق َيل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫موضع ِّ‬
‫جتل‬ ‫ُ‬ ‫هو ﷺ‬ ‫آخ ٍر؛ إذ َ‬ ‫نبي َ‬ ‫إهلي كام ٍل عىل ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫لفيض ٍّ‬ ‫مساو َي ًة‬
‫بفيض ورا َث ِة الن َُّّبو ِة األمحد َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األعظم‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫ذاكرا قد تعر َض إىل نفح ٍة من ِ‬
‫ظ ِّل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫إن عبدً ا ًَ‬ ‫َّ‬
‫يمكن ْ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫آخر‪ ،‬ال‬ ‫نبي ٍ‬ ‫اإلهلي عىل ٍّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفيض‬ ‫حسب قابل َّيتِ ِه بقدْ ِر‬
‫َ‬ ‫الكم َّي ُة ثوا ًبا‬
‫حيث ِّ‬ ‫ينال من ُ‬ ‫ُ‬
‫خالف احلقي َق ِة ُّ‬
‫قط‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يكون َ‬
‫ذلك‬ ‫َ‬

‫ذر ٍة‬ ‫ـم من ُه يف َّ‬ ‫ينحرص عا َل ٌ‬ ‫َ‬ ‫يمكن أن‬ ‫ُ‬ ‫اخلالد‪ ،‬الذي‬ ‫ِ‬ ‫ـم الن ِ‬
‫ُّور‬ ‫واألجر من عا َل ِ‬ ‫َ‬ ‫إن ال َّث َ‬
‫واب‬ ‫ثم َّّ‬
‫جاج ورؤ َيتِها‬ ‫غرية من ُز ٍ‬ ‫ـة ص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الساموات بنجـومـها يف قطـ َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انحصار صـُورة َّ‬ ‫ِ‬ ‫واحدَ ٍة‪ِ ،‬‬
‫بمثل‬
‫وح‬ ‫الر ِ‬ ‫يمكن أن تُو ِّلدَ شفاف َّي ًة يف ُّ‬ ‫ُ‬ ‫خالص ٍة‬ ‫َ‬ ‫ـن بن َّي ٍة‬ ‫كر ُمع َّي ٍ‬ ‫آية واحدَ ٍة أو ِذ ٍ‬ ‫فيها‪ ،‬وهكذا فقراء ُة ٍ‬
‫اموات الواس َع ِة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب َثوا ًبا نوران ًّيا َّ‬
‫كالس‬ ‫ِ‬
‫تستطيع أن تستوع َ‬ ‫ُ‬ ‫جاج‪-‬‬ ‫‪-‬كالز ِ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫جريح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تدقيق‪ ،‬ويا َذا‬ ‫دون‬ ‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫النقد وال َّت‬ ‫بعني‬ ‫يشء‬ ‫اظر إىل ِّ‬
‫كل‬ ‫النتيج ُة‪ُّ :‬أيا النَّ ُ‬
‫ِ‬
‫األصول‬ ‫هذه‬‫أد ِم النظر يف ِ‬ ‫قليل! ِ‬ ‫ف ً‬ ‫أنص ْ‬ ‫اململوء بال َفلس َف ِة املادي ِة! ِ‬ ‫ِ‬ ‫والف ِ‬
‫كر‬ ‫الواهي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬
‫َ‬ ‫ِّ َّ‬
‫ي ُّل‬ ‫وبدورها إىل ما ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫األحاديث الشَّ ي َف ِة‬ ‫ِ‬ ‫اعرتاض َك إىل‬ ‫ِ‬ ‫إصبع‬ ‫اك أن ت َُمدَّ‬ ‫ال َع َش ِة‪ ،‬وإ َّي َ‬
‫َ‬
‫قطعي للواق ِع‬ ‫ٍ‬
‫خالف‬ ‫رواية من‬ ‫ٍ‬ ‫بح َّج ِة ما ترا ُه يف‬ ‫ِ‬ ‫بمر َت َب ِة ِعصم ِة الن َُّّبو ِة للر ِ‬
‫ٍّ‬ ‫الكريم ﷺ ُ‬ ‫سول‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلنكار‪،‬‬ ‫تطبيقها جتع ُل َك تتخلَّ عن‬ ‫ِ‬ ‫وميادين‬ ‫األصول ال َع َشةُ‪،‬‬‫ُ‬ ‫للحقيقة؛ إذ ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومنافاة‬
‫ُ‬
‫راج ٌع إلينا (أي‬ ‫هناك تقصري حقيقي‪ ،‬فهذا ِ‬ ‫َ‬ ‫أول‪ ،‬ثم ختاط ُب َك‪ :‬إن َ‬
‫كان‬ ‫فض ً‬ ‫الر ِ‬ ‫وتَك ُّف َك ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫عن َّ‬
‫حقيقي فهو يعو ُد‬ ‫تقصري‬ ‫ثم َة‬ ‫يف قط ًعا‪ْ ،‬‬ ‫احلديث الشَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫يكن َّ‬ ‫وإن مل ْ‬ ‫وليس إىل‬ ‫َ‬ ‫األصول)‬ ‫إىل‬
‫وء ِ‬ ‫إىل س ِ‬
‫أنت!‬‫فهم َك َ‬ ‫ُ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪411‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫َ‬
‫األصول ال َع َش َة‬ ‫فض‪ِ ،‬‬
‫عليه أن ُيفنِّدَ‬ ‫والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يسرتس ُل يف‬ ‫ُ‬
‫وحاصل الكالمِ‪َّ :‬‬
‫اإلنكار َّ‬ ‫إن من‬
‫ِ‬
‫األصول‬ ‫كنت منص ًفا ح ًّقا فتأم ْل جيدً ا يف ِ‬
‫هذه‬ ‫املذكور َة وإلَّ فال‬
‫َّ َ ِّ‬ ‫اإلنكار‪ ،‬فإن َ ُ‬ ‫َ‬ ‫يستطيع‬
‫ُ‬
‫نبوي يرا ُه عق ُل ُك خمال ًفا للحقي َق ِة‪ ،‬بل ْقل‪:‬‬
‫ٍّ‬
‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ِ‬
‫إلنكار‬ ‫َنهض‬‫عد ِها ال ت ْ‬ ‫العرش ِة‪ ،‬ومن ب ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َ‬
‫االعتراض!‬ ‫تعبير‪َ ،‬و َد ِع‬ ‫ٌ‬
‫تأويل‪ ،‬أو ٌ‬ ‫تفسير ل ُه‪ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫ر َّبما َ‬
‫هناك‬
‫تأويل أو‬‫ٍ‬ ‫حتتاج إىل‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫متشابهات‬ ‫الكريم ٍ‬
‫آيات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫أن يف‬ ‫الـحادي عشرَ‪ :‬كام َّ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫الأص ُ‬
‫َفسري وت ٍ‬ ‫حتتاج أحيانًا إىل ت ٍ‬ ‫احلديث الشَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َعبري‬ ‫شكالت ُ‬ ‫ٌ‬ ‫يف ُم‬ ‫كذلك يف‬ ‫َ‬ ‫املطلق‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّسليم‬
‫ب الت َ‬ ‫تَط ُل ُ‬
‫املذكور ِة‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫باألمثلة‬ ‫ني‪ ،‬ويمكن َُك االكتفا ُء‬ ‫دقي َق ِ‬
‫ِ‬ ‫نعم‪ ،‬إن ال َي ِق َظ‬
‫يسمع َمن حوله من‬ ‫ُ‬ ‫َّائم الذي‬ ‫يستطيع أن ُيع ِّب َـر عن رؤيا النَّائ ِم‪ ،‬بينام الن ُ‬ ‫ُ‬
‫يالئم ُه يف النَّو ِم‪ ،‬فيا أ ُّيـها‬ ‫منامه‪ ،‬ف ُيع ِّب ُـر عن ُه بام‬ ‫بشكل ما يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يـن قد ُيط ِّب ُق كال َمهم‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ال َيقظ َ‬
‫اهلل تعاىل يف ح ِّق ِه‪:‬‬ ‫يقول ُ‬ ‫إن الذي ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلنصاف! َّ‬ ‫عديم‬
‫َ‬ ‫املاد َّي ِة‪ ،‬ويا‬ ‫فلة وال َفلس َف ِة ِ‬ ‫المنوم بال َغ ِ‬
‫ُ َّ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫عيناي وال ينا ُم قلبي»‬ ‫َ‬ ‫نفس ِه «تنا ُم‬ ‫يقول عن ِ‬ ‫﴿ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﴾ (النجم‪ )17:‬والذي ُ‬
‫والتمس‬ ‫َ‬
‫رؤياك‪،‬‬ ‫تعبريا ل ُه يف‬ ‫وجدْ‬‫هو‪ ،‬بل َع ِّبر عن ُه ِ‬ ‫ِ‬ ‫هو ال َي ُ‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫احلقيقي‪ ،‬فال تُنك ْر ما يرا ُه َ‬ ‫ُّ‬ ‫قظان‬
‫عليه وكأ َّن ُه قد ُج ِر َح‬ ‫ذلك تَظهر ِ‬ ‫آثار َ‬ ‫نائم‪َّ ،‬‬ ‫بعوض ٌة‬
‫ُ‬ ‫فإن َ‬ ‫شخصا ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫لسعت‬
‫ْ‬ ‫تفسريا‪ ،‬إذ لو‬ ‫ً‬ ‫ل ُه‬
‫دام َي ٍة واملدافِ ُع‬ ‫حرب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كنت يف‬ ‫فسيقول‪ :‬نعم ُ‬ ‫ُ‬ ‫صحو ِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُفس عن ُه بعدَ‬ ‫ِ‬
‫احلرب‪ ،‬وإذا ما است َ‬ ‫ِ‬ ‫يف‬
‫َظر‬ ‫ِ‬ ‫يأخذون اضطرا َب ُه هذا َم َ‬ ‫َ‬ ‫الذين حو َله‬ ‫اليق ُظ َ‬ ‫مصوب ٌة نحوي! بينام ِ‬
‫أخذ االستهزاء‪ ،‬فن ُ‬ ‫َ‬ ‫ون‬ ‫ُ َّ َ‬
‫للحقائق النبوية‪ِ.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كر ال َفلسفة املاد َّية ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫يمكن أن يكونَا قط ًعا م َحكًا‬ ‫ُ‬ ‫الم ِّنو َمة وف ُ‬ ‫ال َغفلة ُ‬
‫ُور األُلوه َّي ِة‬ ‫َّاني عشرَ‪َ َّ :‬‬ ‫ل الث َ‬ ‫الأص ُ‬
‫احلقائق يف ن ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫واإليامن يرى‬ ‫إن نظر النُّبو ِة والت ِ‬
‫َّوحيد‬ ‫َّ‬
‫َّجريبي وال َفلس َف ُة احلدي َث ُة فإ َّن ُه يرى‬ ‫لم الت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُّ‬ ‫توج ٌه إليها‪ ،‬أ َّما الع ُ‬
‫واآلخرة ووحدَ ة الكون‪ ،‬أل َّن ُه ُم ِّ‬
‫َثرة وال َّطبي َع ِة‪ ،‬أل َّن ُه ُم َتو ِّج ٌه إليها‪ ،‬فاملسا َف ُة إذن َ‬
‫بني‬ ‫األسباب املادي ِة والك ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زاوية‬ ‫األمور من‬
‫َ‬
‫وصغري ٌة ال تكا ُد‬
‫َ‬ ‫أهل ال َفلس َف ِة تافِه ٌة‬
‫جليلة لدى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة‬ ‫َّظر بعيد ٌة ِجدًّ ا؛ فرب ٍ‬
‫غاية‬ ‫ُ َّ‬ ‫زاو َيتَي الن ِ‬
‫أهل ِ‬ ‫مقاص ِد ع ِ‬
‫َّجريبي‬
‫ِّ‬ ‫الع ِل ِم الت‬ ‫وعلم الكال ِم‪ ،‬وهلذا فقد تقدَّ َم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ِ‬
‫أصول الدِّ ِ‬ ‫لامء‬ ‫ِ ُ‬ ‫بني‬
‫ت َُرى َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كثريا يف معر َف ِة‬
‫كثريا‬ ‫خواص املوجودات وتفاصيلها وأوصافها الدَّ قيقة‪ ،‬يف حني تخ َّل ُفوا ً‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البخاري‪ ،‬الرتاويح ‪ ،1‬املناقب ‪ ،24‬التهجد ‪16‬؛ مسلم‪ ،‬املسافرين ‪.125‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪412‬‬
‫السام َي ُة‬ ‫جمال ِ‬
‫املؤمنني وأق ِّلهم علم يف ِ‬ ‫ِ‬
‫العلوم اإلهل َّي ُة َّ‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫احلقيقي َ‬
‫ِّ‬ ‫الع ِ‬
‫لم‬ ‫ْ ً‬ ‫َ‬ ‫أبسط‬ ‫حتَّى عن‬
‫واملعارف األخرو َّي ُة‪.‬‬
‫ُ‬
‫بيعة‬ ‫ِ‬
‫علامء ال َّط ِ‬ ‫متأخ َ‬
‫رون عن‬ ‫أن ُعلام َء اإلسال ِم ِّ‬ ‫ُّون َّ‬
‫الس َّر‪َ ،‬يظن َ‬ ‫َ‬
‫يدركون هذا ِّ‬ ‫فالذين ال‬
‫َ‬
‫ِّرون إلَّ بام َي َ‬
‫رون‪،‬‬ ‫عيونم وأصبحوا ال ُيفك َ‬ ‫من انحدر ْت عقو ُلهم إىل ِ‬ ‫أن ِ‬ ‫ُ‬
‫واحلال َّ‬ ‫والفالس َف ِة‪،‬‬
‫َ‬
‫الم‬ ‫ِ‬ ‫لحقوا َبور َث ِة‬
‫الجر َأ ُة ل َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫وغر ُقوا يف الك ِ‬
‫ِ‬
‫الس ُ‬
‫عليهم َّ‬
‫ُ‬ ‫األنبياء‬ ‫هلم ُ‬ ‫َثرة من املخلوقات‪ ،‬أنَّى ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الرفيع َة العال َي َة‪.‬‬
‫السامي َة وغاياتا َّ‬ ‫الذين ب َل ُغوا املقاصدَ اإلهل َّي َة َّ‬
‫َني‪ ،‬وقد‬‫َني ُمتباينَت ِ‬
‫هور حقي َقت ِ‬
‫َني‪ ،‬فال ُبدَّ من ُظ ِ‬ ‫َني خمتلفت ِ‬ ‫َت من زاو َيت ِ‬ ‫الرؤي َة إن كان ْ‬‫إن ُّ‬‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫القرآنيةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّصوص ُ َّ‬ ‫حقائق الن‬ ‫تتعارض حقي َق ٌة علم َّي ٌة قاط َع ٌة َ‬
‫مع‬ ‫ُ‬ ‫وحتم ال‬
‫ً‬ ‫َاها حقيق ًة‪،‬‬‫تكون كلت ُ‬ ‫ُ‬
‫الق ِ‬
‫رآن‬ ‫ِ‬
‫حقائق ُ‬ ‫رف من‬ ‫أهداب َط ٍ‬
‫ِ‬ ‫َّجريبي قارص ٌة عن بلو ِغ‬ ‫ِ‬
‫للعلم الت‬ ‫إذ اليدُ القصري ُة‬ ‫املقدَّ س ِة‪ِ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫قط عىل هذا‪:‬‬ ‫ثال واحدً ا َف ْ‬ ‫ِ‬
‫ُور ُد م ً‬‫نـز َهة‪ ،‬وسن ِ‬‫ِ‬ ‫الم َّ‬ ‫ِ‬
‫الرفي َعة ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أهل ِ‬ ‫ُرة األرض َّي ِة يف ن ِ‬ ‫حقيقة الك ِ‬
‫حل ِ‬
‫جم‬ ‫الس َّيارات ذات ا َ‬ ‫هي‪َّ :‬أنا إِحدى َّ‬‫لم َ‬‫الع ِ‬ ‫َظر ِ‬ ‫ُ‬
‫ب والنُّجو ِم التي ال تُعدُّ‬ ‫ِ‬
‫بالكواك ِ‬ ‫قياسا‬ ‫وهي ِجر ٌم‬ ‫الش ِ‬ ‫حول َّ‬‫َدور َ‬ ‫ِ‬
‫صغري ً‬
‫ٌ‬ ‫مس‪َ ،‬‬ ‫املتوسط‪ ،‬ت ُ‬ ‫ِّ‬
‫أهل ُ ِ‬
‫القرآن‪ ،‬فحقي َقتُها َ‬
‫هي كام َو َّض َحتْها‬ ‫بنظر ِ‬‫وال ُت َص‪ ،‬أ َّما إذا نَظرنَا إىل الك َُر ِة األرض َّي ِة ِ‬
‫«الكلمة اخلامس َة عرشةَ»‪:‬‬
‫ُ‬

‫ادر‬ ‫ِ‬
‫معجزات ال َق ِ‬ ‫جامعة من‬ ‫ٌ‬ ‫عجز ٌة‬
‫ـم‪ ،‬و ُم َ‬ ‫ثمرة للعا َل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ألطف‬‫ُ‬ ‫اإلنسان الذي هو‬ ‫َ‬ ‫إن‬‫َّ‬
‫األرض‬ ‫َ‬ ‫أعجزها وأضع ُفها‪َّ ..‬‬
‫فإن‬ ‫ُ‬ ‫وأعزها وأل َط ُفها‪ ،‬مع أ َّن ُه‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات‬ ‫وأبدع‬ ‫ِ‬
‫احلكيم‪،‬‬
‫ُ‬
‫عظيم ٌة وجلي َل ٌة‬ ‫ِ‬
‫اموات‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫مع ِص َغ ِرها‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫قياسا إىل َّ‬ ‫وحقارتا ً‬ ‫َ‬ ‫مسكن اإلنسان ومهد ُه َ‬ ‫ُ‬ ‫التي هي‬
‫ومركز ُه‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫قلب‬ ‫ِ‬
‫باملنظور ُ‬ ‫من ُ‬
‫َ‬ ‫رآين‪َ :‬‬ ‫الق ِّ‬ ‫أصبح ْت‬
‫َ‬ ‫حيث املعنى واملغزى واإلبداعِ؛ حتى‬
‫الـحسنى‬ ‫ِ‬ ‫وموضع ِّ‬ ‫املعجز ِة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫عرض مجي ِع‬ ‫ُ‬
‫جتل األسامء ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫املصنوعات‬ ‫حيث املعنى‪ ..‬و َم َ‬ ‫من‬
‫الر َّبان َّي ِة املطل َق ِة ومرآ ُتِها‪..‬‬
‫ومحشر األفعالِ َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األنوار‪..‬‬ ‫اجلام َع ُة َ‬
‫لتلك‬ ‫ك ِّلها‪ ،‬حتَّى لكأنا البؤر ُة ِ‬
‫َّ ُ َ‬
‫إلبراز اخلـلَّ قي ِة اإلهلية املطل َق َة‪ ،‬والسيام إيجادها الكثر َة اهلائل َة من الن ِ‬
‫َّباتات‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َ َّ‬ ‫ٌ‬
‫واسعة‬ ‫ٌ‬
‫وسوق‬
‫ِ‬
‫اآلخرة الواس ِع‬ ‫ملصنوعات عا َل ِ‬
‫ـم‬ ‫ِ‬ ‫َموذج ُمص َّغ ٌر‬ ‫جود وكَر ٍم‪ ..‬ون‬ ‫ٍ‬ ‫َات الدَّ قي َق ِة ِّ‬
‫بكل‬ ‫واحليوان ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫لنامذج‬ ‫وض ٌع َع ٍ‬
‫رض‬ ‫منسوجات خالدَ ٍة‪ ..‬وم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلنتاج‬ ‫برسع ٍة ُقصوى‬ ‫صنع ُ‬
‫يعمل‬ ‫ال َف ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سيح‪ ..‬و َم ٌ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪413‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ٍ‬
‫ذيرات تُر َّبى‬ ‫ِ‬
‫الستنبات ُب‬ ‫برسعة فائ َق ٍة‪ ..‬ومزرع ٌة ض ِّي َق ٌة ُمؤ َّق ٌتةس‬
‫ٍ‬ ‫املناظر السَّ مد َّي ِة املت َبدِّ ِلة‬
‫ِ‬
‫للبساتني اخلالدَ ِة الر ِ‬
‫ائعة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫برسعة‬
‫َّ‬
‫حيث عظمتُها معنًى‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اموات‪ ،‬من‬ ‫للس‬ ‫َ ِ‬ ‫الق ُ‬ ‫هلذا ُك ِّل ِه َي ُ‬
‫عل ُ‬
‫األرض ص ًنوا َّ‬ ‫َريم‬
‫رآن الك ُ‬
‫ٍ‬
‫ضخم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جلسد‬ ‫صغري‬ ‫قلب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأهميتُها َصنع ًة؛‬
‫ٌ‬ ‫وكأنا ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ضخمة‪،‬‬ ‫لشجرة‬ ‫وكأنا ثمر ٌة صغري ٌة‬‫َّ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ماوات ك ُّلها يف ك َّفة‪ُ ،‬ف ِّ‬
‫تكر ُر‬ ‫ُ‬ ‫فهي يف ك َّفة َّ‬
‫والس‬ ‫بالساموات‪َ ،‬‬‫َريم َمقرو َن ًة َّ‬
‫رآن الك ُ‬ ‫الق ُ‬‫فيذك ُُرها ُ‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬
‫الحقائق الم ِّي َت َة المنكف َئ َة للفلس َف ِة‪،‬‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫وافهم‪َّ :‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫املنوال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املسائل عىل هذا‬ ‫سائر‬
‫فقس َ‬ ‫وهكذا ْ‬
‫رآن الحي ِة والمنو ِ‬
‫االختالف‬
‫َ‬ ‫أن‬‫فكلتاهما حقيق ٌة‪َّ ،‬إل َّ‬
‫ُ‬ ‫رة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫حقائق ال ُق ِ َّ‬‫ِ‬ ‫مع‬
‫أن تتصا َد َم َ‬ ‫ال يمكنُها ْ‬
‫الحقائق متباينَ ًة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فتظهر‬
‫ُ‬ ‫هو في زاو َي ِة الن ِ‬
‫َّظر‪،‬‬ ‫َ‬

‫ابع‬
‫الر ُ‬
‫ُصن َّ‬
‫الغ ُ‬
‫﴿ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ (احلج‪.)18:‬‬
‫وذلك‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة‪،‬‬ ‫هلذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫الواسعة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلزينة ال ُعظمى‬ ‫سنبني جوهر ًة واحد ًة فقط من‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫ومن‬
‫السمك‪َ ،‬‬ ‫الم َلك إىل َّ‬
‫ومن َ‬
‫الفرش‪َ ،‬‬ ‫العرش إىل‬ ‫يشء من‬ ‫بأن َّ‬
‫صر ُح َّ‬ ‫احلكيم ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬
‫كل منها َيسجدُ هلل‪ ،‬ويع ُبدُ ه‪ ،‬ويحمدُ ه‬ ‫رات‪ٌّ ..‬‬‫الذ ِ‬ ‫ِ‬
‫يارات إىل َّ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املجرات إىل احلرشات‪ ،‬ومن َّ‬ ‫َّ‬
‫يات‬‫َيلها لتج ِّل ِ‬
‫قابلياتا‪ ،‬ومدى ن ِ‬
‫ِ‬ ‫ب‬ ‫متنوع ٌة‪ٌّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أن عباداتِها‬‫ويقدِّ ُسه‪ ،‬إلَّ َّ‬
‫حس َ‬‫كل َ‬ ‫متباينة ِّ‬ ‫خمتلفة‬
‫ِ‬
‫األسامء احلسنى‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بمثال‪:‬‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات وتباينَها‬ ‫ِ‬
‫عبادات‬ ‫َنو َع‬
‫نب ِّي ُن هنا ت ُّ‬
‫ملكًا عظيم وسلطانًا ذا ٍ‬
‫إن ِ‬ ‫فمثل ‪-‬وهلل ُ‬
‫يستخدم أربع َة أنوا ٍع َ‬
‫من‬ ‫ُ‬ ‫شأن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫املثل األعىل‪َّ -‬‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫مدينة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العمَّ ِل يف بناء ٍ‬
‫قرص أو‬
‫ينالون ذو ًقا يف ُمنتهى‬
‫َ‬ ‫َّب هلم وال أجرةَ‪ ،‬بل‬ ‫الأولُ‪ :‬عبيدُ ه‪ ،‬هذا الن ُ‬
‫َّوع ال ُمرت َ‬ ‫َّ‬ ‫النَّوع ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪414‬‬

‫ون‬ ‫بأمر س ِّي ِدهم‪ ،‬بل يزدا ُد َ‬


‫كل ما يعملو َن ُه و ُيؤ ُّدو َن ُه ِ‬
‫وق يف ِّ‬ ‫الش ِ‬ ‫وحيصلون عىل ِ‬
‫غاية َّ‬ ‫َ‬ ‫طف‪،‬‬‫ال ُّل ِ‬
‫العظيم الذي ينالو َن ُه‬
‫ُ‬ ‫ووصف ِه‪ ،‬فحس ُب ُه ُم الشَّ ُ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫مدح س ِّي ِدهم‬
‫أي كال ٍم يف ِ‬ ‫ُمتع ًة وشو ًقا من ِّ‬
‫ِ‬
‫باسم‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫أثناء إرشافِهم عىل‬ ‫لذ ًة معنوي ًة يف ِ‬ ‫تلذ ِذهم َّ‬
‫فضل عن ُّ‬ ‫ً‬ ‫بانتسابم إىل س ِّي ِدهم؛‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫جر ٍة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫َّب وال إىل ُرت َبة وال إىل ُأ َ‬ ‫إليهم‪ ،‬فال داعي إىل ُمرت ٍ‬ ‫سبيله ون َظ ِر ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املالك‪ ،‬ويف‬ ‫َ‬
‫ذلك‬

‫هو الذي‬‫العظيم َ‬‫ُ‬ ‫ُ‬


‫المالك‬ ‫ذلك‬ ‫َ‬
‫يعملون‪ ،‬بل َ‬ ‫َ‬
‫يعرفون ملاذا‬ ‫الق ِسمُ الث َّاني‪ُ :‬خدَّ ٌام ُبسطا ُء‪ ،‬ال‬
‫ِ‬
‫وهؤالء‬ ‫عطيهم ُأجر ًة ُجزئي ًة تُناس ُبهم‪،‬‬ ‫لمه‪ ،‬وي ِ‬ ‫وع ِ‬ ‫بفكر ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫يستخد ُم ُهم ويسو ُقهم إىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هم‪ ،‬حتَّى‬ ‫َّب عىل عمل ْ‬ ‫نوع الغايات ال ُك ِّل َّية واملصال ِح ال َعظيمة التي ترتت ُ‬ ‫َ‬
‫يعرفون َ‬ ‫خلدَّ ُام ال‬
‫ا ُ‬
‫بالذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪.‬‬ ‫هم َّ‬ ‫عمل هؤالء ال غاي َة ل ُه إلَّ ُأجر ٌة جزئ َّي ٌة ُّ‬
‫تخص ْ‬ ‫أن َ‬ ‫يتوه َم َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ببعض الن ِ‬
‫َّاس ْ‬ ‫َحدَ ا‬
‫ِ‬
‫أعامل‬ ‫العظيم‪ ،‬ويستخد ُمها يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املالك‬ ‫احليوانات التي يملكُها َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫َّالث‪:‬‬
‫الق ِسمُ الث ُ‬
‫أثناء ِ‬
‫قيامها‬ ‫بلذ ٍة يف ِ‬ ‫احليوانات تتمت َُّع َّ‬ ‫ِ‬
‫فهذه‬ ‫رص واملدين َِة‪ ،‬وال يعطيها إلَّ َع َل َفها؛‬ ‫ِ‬
‫بناء ال َق ِ‬
‫ُ‬
‫والعم ِل بعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫الفعل‬ ‫يوافق استعداداتا‪ ،‬إذ القابل َّي ُة أو االستعدا ُد إن دخ َل ْت َ‬
‫طور‬ ‫ُ‬ ‫بعمل‬
‫لذةً‪ ،‬وما ال َّلذ ُة املوجو َد ُة يف‬ ‫ث َّ‬ ‫تنبسط وتتن َّف ُس‪ ،‬فت ِ‬
‫ُور ُ‬ ‫ُ‬ ‫الكامن َِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الق َّو ِة‬
‫طور ُ‬ ‫َت يف ِ‬ ‫ما كان ْ‬
‫لف‬ ‫خلدَّ ا ِم و ُمر َّت ُبهم هو ال َع ُ‬ ‫نابعة من هذا الس‪ ،‬فأجر ُة هذا ِ‬
‫الق ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ات ُك ِّلها إلَّ‬‫الفعالي ِ‬
‫سم من ا ُ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫يكتفون هبام‪.‬‬ ‫مع َل َّذة معنو َّية‪ُ ،‬‬
‫فهمْ‬

‫فضل عن‬ ‫ً‬ ‫َ‬


‫يعملون‪،‬‬ ‫ولم ْن‬ ‫َ‬
‫يعملون َ‬ ‫َ‬
‫يعملون‪ ،‬وملاذا‬ ‫َ‬
‫عرفون ماذا‬ ‫ابع‪ُ :‬عمَّ ٌل َي‬ ‫الق ِسمُ الر َّ ُ‬
‫الجميع‬
‫َ‬ ‫يدفع‬
‫ُ‬ ‫العظيم ولِ َم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المالك‬ ‫يقصدُ ُه‬ ‫اآلخرون‪ ،‬وما الذي ِ‬ ‫َ‬ ‫معرفتِهم لِ َم ُ‬
‫يعمل ال ُعمَّ ُل‬
‫وهلم‬ ‫وإرشاف ِ‬
‫عليهم‪ْ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اآلخرين‪،‬‬
‫َ‬ ‫ئاس ٌة عىل ال ُعمَّ ِل‬ ‫ِ‬
‫َّوع من ال ُعمَّ ل‪ ،‬هلم ِر َ‬ ‫العمل؟ فهذا الن ُ‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫ورتَبِهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب درجاتم ُ‬ ‫حس َ‬‫ُمر َّت َب ُاتم َ‬
‫ِ‬
‫واآلخرة‬ ‫اجلالل‪ ،‬وباين الدُّ نيا‬ ‫ِ‬ ‫واألرضيـن ذا‬ ‫ِ‬
‫اموات‬ ‫الس‬ ‫فإن َ‬ ‫ثال‪َّ ،‬‬ ‫رار هذا الِ ِ‬ ‫وعىل ِغ ِ‬
‫َ‬ ‫مالك َّ‬
‫واجلامدات مع الن ِ‬
‫َّباتات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحليوانات‬ ‫يستخدم المالئك َة‬ ‫العاملني‪،‬‬ ‫رب‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وهو ُّ‬ ‫اجلامل‪َ ،‬‬ ‫ذا‬
‫للحاج ِة‪،‬‬
‫َ‬ ‫األسباب‪ ،‬ويسو ُق ُهم إىل العبا َد ِة‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫ضمن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫قصـر هذا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫واإلنسان يف‬
‫الربوب َّي ِة وأمثالِـها من‬ ‫ِ‬
‫ظمة وشؤون ُّ‬
‫الع َّز ِة والع ِ‬
‫َ َ‬
‫إظهار ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألجل‬ ‫َ‬
‫يعملون‪ ،‬بل‬ ‫هو ُ‬
‫خالق ُهم وما‬ ‫إذ َ‬
‫ِ‬
‫الحكَم‪..‬‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪415‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫الع ِ‬
‫بادة‪.‬‬ ‫أنامط خمتل َف ٍة من ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأربعة‬ ‫األنواع األرب َع َة‬ ‫ف ِ‬
‫هذه‬ ‫وهكذا فقدْ َك َّل َ‬
‫َ‬
‫هلم يف‬ ‫مراتب ْ‬‫َ‬ ‫فهم ال‬
‫املالئكة‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫هم‬ ‫ِ‬
‫لون العبيدَ يف املثال‪ُ ،‬‬ ‫الذين ُيم ِّث َ‬
‫َ‬ ‫الأولُ‪:‬‬
‫َّ‬ ‫الق ِسمُ‬
‫أن هلم ذو ًقا خاصا يف ِ‬
‫عمل ِه ْم‬ ‫ًّ‬ ‫ورت َب ٌة ُمع َّي ٌنة‪ ،‬إلَّ َّ‬ ‫لكل ِم ُنه ْم مقا ٌم ٌ‬
‫ثابت ُ‬
‫ِ‬
‫باملجاهدة‪ ،‬إ ْذ ٍّ‬ ‫الر ِق ِّي‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫ب درجات ْم‪ ،‬يف عبادتم نفسها؛ بمعنى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهم يستقب ُل َ‬ ‫ِ‬
‫أن‬ ‫حس َ‬‫الربان َّي َة َ‬
‫يوض َّ‬ ‫ون ال ُف َ‬ ‫نفسه‪ُ ،‬‬
‫واهلواء والض ِ‬
‫ياء‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان من ِ‬
‫املاء‬ ‫ُ‬ ‫عيـن أعاملِـهم؛ إذ كام َّ‬
‫يتلذ ُذ‬ ‫ِ‬ ‫ندر َج ًة يف‬ ‫خدماتم ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫أجر َة‬
‫ِّ‬
‫مد‬ ‫َّسبيح واحل ِ‬ ‫كر والت ِ‬ ‫الذ ِ‬ ‫بأنوار ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ويتنعم َ‬
‫ون‬ ‫ويتغذ َ‬
‫ون‬ ‫ُّ‬ ‫يتلذ َ‬
‫ذون‬ ‫املالئكة‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كذلك‬ ‫َ‬ ‫والغ ِ‬
‫ذاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فيكف ِيهم الن ِ‬ ‫ُّور‪ِ ،‬‬ ‫ون من ن ٍ‬ ‫ألنم خملو ُق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وائح‬ ‫الر ُ‬ ‫ُّور غذا ًء‪ ،‬بل حتَّى َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعبا َدة واملعر َفة واملح َّبة‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫األرواح‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫ون هبا؛ نعم‪َّ ،‬‬ ‫سر َ‬ ‫حيث ُي ُّ‬ ‫هم ُ‬ ‫نوع من غذائ ْ‬ ‫القريبة من النور‪ ،‬هي األُخرى ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ال َّط َّي ُبة‬
‫وائح ال َّط ِّيب َة‪.‬‬
‫الر َ‬ ‫ب َّ‬ ‫ال َّط ِّيب َة ُت ُّ‬
‫يستطيع أن يعر َفها‬ ‫ِ‬
‫البرش‪ ،‬وال‬ ‫عقل‬ ‫درجة ال ي ِ‬
‫دركها ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫للمالئكة سعاد ًة ُعظمى إىل‬ ‫ثم َّ‬
‫إن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عمل ِ‬ ‫ٍ‬
‫ونا‬‫بأمر َمعبودهم‪ ،‬ويف األعامل التي ُيؤ ُّد َ‬ ‫َ‬
‫يعملون من‬ ‫َ‬
‫وذلك فيام‬ ‫الم َل ُك ُ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫إلَّ َ‬
‫واإلرشاف الذي يزاو ُلو َن ُه بن َظ ِر ِه‪ ،‬والشَّ ِف‬ ‫ِ‬ ‫باسم ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫يقومون هبا‬ ‫دمات التي‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫يف سبيله‪ ،‬واخلَ‬
‫لك ِه وملكوتِ ِه‪،‬‬‫بمطالعة م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َّنـز ِه الذي ينالو َن ُه‬‫َّفسح والت ُّ‬ ‫بانتسابم ِ‬
‫إليه‪ ،‬والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذي يغنمو َن ُه‬
‫يات مجالِ ِه وجاللِ ِه‪.‬‬ ‫عليه بمشاهدَ ِة جت ِّل ِ‬
‫حيصلون ِ‬‫َ‬ ‫والتَّن ُّع ِم الذي‬
‫العام ُل من‬ ‫ِ‬ ‫سم‬ ‫ِ‬ ‫عبادات ْم يف أعاملِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وآخرون ِ‬
‫يزاو ُل َ‬ ‫َ‬ ‫فقسم من املالئك َِة ُع َّبا ٌد‪،‬‬
‫ـهم‪ ،‬والق ُ‬ ‫ون‬ ‫ٌ‬
‫هم َة ِرعا َي ِة‬ ‫فمنه ْم من ُيؤ ِّدي ُم َّ‬ ‫َّعبري‪ُ -‬‬ ‫جاز الت ُ‬ ‫اإلنسان ‪-‬إن َ‬ ‫ِ‬ ‫يـن شبي ٌه بنو ِع‬ ‫املالئكة األرض ِّي َ‬
‫ِ‬
‫مرعى‬ ‫األرض ً‬ ‫ِ‬ ‫سطح‬ ‫األرض‪ ..‬بمعنى َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫اإلرشاف عىل ِ‬
‫نبات‬ ‫آخر َل ُم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َوع ُ‬ ‫احليوان‪ ،‬ون ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رشف عليها َم َل ٌك ُم َوك ٌَّل ِبا‪ ،‬أي ُي ُ‬
‫َدب عىل‬ ‫رشف عىل مجي ِع َطوائف احليوانات التي ت ُّ‬ ‫عا ٌّم‪ُ ،‬ي ُ‬
‫أصغر‬
‫ُ‬ ‫وهناك َم َل ٌك ُم َوك ٌَّل‬‫َ‬ ‫وقوتِ ِه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫اجلليل‪ ،‬وبإذنه‪ ،‬ويف سبيله‪ ،‬وبحوله َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫بأمر اخلالِ ِق‬ ‫األرض ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫خاص ٍة ِّ‬ ‫ٍ‬
‫احليوانات‪.‬‬ ‫لكل نو ٍع من أنوا ِع‬ ‫للقيا ِم برعا َية َّ‬
‫موك ٌَّل‬ ‫َ‬ ‫زرع ٌة‪ ،‬تُزرع فيها أنواع الن ِ‬ ‫ِ‬
‫إذن َم َل ٌك َ‬ ‫فهناك ْ‬ ‫َّباتات ُك ِّلها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫األرض َم َ‬ ‫سطح‬‫َ‬ ‫وحيث َّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬
‫أوطأ مرتب ًة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وهناك َم ٌ‬
‫لك‬ ‫َ‬ ‫وبقوتِ ِه‪،‬‬
‫باسم اهلل سبحانه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫تلك الن ِ‬
‫َّباتات ك ِّلها‪،‬‬ ‫لإلرشاف عىل َ‬ ‫ِ‬
‫الم الذي هو‬ ‫ُ‬ ‫ف الن ِ‬ ‫طوائ ِ‬
‫ِ‬ ‫يرشف عىل طائ َف ٍة من‬
‫الس ُ‬ ‫ميكائيل عليه َّ‬ ‫َّباتات‪ ،‬وهكذا‪ ..‬وس ِّيدُ نا‬ ‫ُ‬
‫املالئك َِة‪.‬‬
‫هؤالء ِ‬ ‫ِ‬ ‫األعظم عىل‬ ‫املرشف‬ ‫الر َّزاق َّي ِة؛ هو‬ ‫ِ‬ ‫من َح ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫عرش َّ‬ ‫لة‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪416‬‬
‫ِ‬ ‫خيتلفون ِ‬ ‫وإن املالئك َة الذين هم بمثاب ِة الر ِ‬
‫ألن إرشا َف ْ‬
‫هم‬ ‫اإلنسان؛ َّ‬ ‫عن‬ ‫َ‬ ‫حيـن‬
‫َ‬ ‫عاة والفلَّ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َّ‬
‫هم هو‬ ‫إن إرشا َف ْ‬ ‫وبأمر ِه‪ ،‬بل َّ‬‫ِ‬ ‫وبقوتِ ِه‬ ‫ِِ‬
‫سبيل اهلل‪ ،‬وباسمه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫خالص يف‬
‫ٌ‬ ‫عمل‬ ‫األمور هو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫الق ِ‬ ‫طالعة جت ِّل ِ‬ ‫اإلرشاف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫درة‬ ‫يات ُ‬ ‫ُ‬ ‫عليه‪ ،‬و ُم‬ ‫ُ‬ ‫الربوب َّية يف النَّو ِع الذي ُأوك َل ْ‬
‫هلم‬ ‫مشاهدَ ُة جت ِّليات ُّ‬
‫َّنظيم يف أفعالِ ِه االختيار َّي ِة؛‬ ‫ِ ِ‬
‫األوامر اإلهل َّية إليه‪ ،‬وأدا ُء ما يشبِ ُه الت َ‬ ‫ِ‬ ‫يام بإهلا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫والرمحة فيه‪ ،‬والق ُ‬ ‫َّ‬
‫وإعالن حت َّي ِاتا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تسبيحاتا املعنو َّية‬ ‫األرض‪ ،‬هو ُ‬
‫متثيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مزرعة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وكذا إرشا ُفهم عىل النَّباتات يف‬
‫املمنوح ِة هلا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األجهزة‬ ‫ِ‬
‫استعامل‬ ‫بلسان املالئك َِة‪ ،‬عىل ُح ِ‬
‫سن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫املعنوي ِة إىل ِ‬
‫فاط ِرها‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وتوجيه َها إىل غايات مع َّينَة والقيا ِم بنو ٍع من الت ِ‬
‫َّنظيم فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫نوع‬
‫االختياري‪ ،‬بل هي ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫باجلزء‬ ‫كسب‬ ‫ٍ‬ ‫نوعا من‬ ‫املالئكة ً‬ ‫ُ‬ ‫مات التي يؤ ِّدهيا‬ ‫هذه اخلِدْ ُ‬ ‫وتُعدُّ ِ‬
‫خاص ًة‬ ‫يشء ُ ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ألن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وختم‬ ‫ً‬ ‫حيمل س َّك ًة َّ‬ ‫حقيقي‪َّ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ف‬‫ترص ٌ‬ ‫ليس هلم ُّ‬ ‫من العبادة وال ُعبود َّية‪ ،‬إذ َ‬
‫َّوع‬ ‫ِ‬
‫اإلجياد قط ًعا‪ ،‬أي َّ‬ ‫لغيـر ِه تعاىل أن َي ُش َـر نفس َه يف‬ ‫يمكن ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫خلالق ِّ‬ ‫ُمع َّينًا ِ‬
‫إن هذا الن َ‬ ‫ُ‬ ‫يشء ال‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫هي يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫من ِ‬
‫وليس عادات كام َ‬ ‫عباداتم؛ َ‬ ‫ُ‬ ‫املالئكة هو‬ ‫عمل‬
‫احليوانات‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َون‪ ،‬هو‬ ‫قصـر الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العامل يف‬ ‫القسمُ الث َّاني‪ :‬من‬
‫ِ‬
‫لوجه‬ ‫تكون أعما ُلها خالص ًة‬ ‫ُ‬ ‫زئي‪ ،‬فال‬ ‫نفس ُمشته َي ٌة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وحيث َّ‬ ‫ُ‬
‫واختيار ُج ٌ‬
‫ٌ‬ ‫إن احليوانات هلا ٌ‬
‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫ِ‬
‫امللك ذو‬ ‫ُ‬
‫مالك‬ ‫منح‬ ‫ِ‬ ‫َّفس َح َّظها َ‬
‫وشهوتَها من عملها‪ ،‬لذا َي ُ‬ ‫َستخرج الن ُ‬‫ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬بل ت‬
‫ُفوسها وتُشبِ ُعها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضمن أعاملـها‪ُ ،‬ت َطمئ ُن ن َ‬ ‫َ‬ ‫احليوانات أجر ًة و ُمر َّت ًبا‬ ‫تلك‬ ‫واإلكرا ِم َ‬

‫ذلك‬ ‫ُ‬
‫اجلليل َ‬ ‫الفاطر‬ ‫يستخدم‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫الورود واألزهار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعاشق‬ ‫املعروف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫البلبل‬ ‫ً‬
‫فمثل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫س َغ ٍ‬
‫ايات‪:‬‬ ‫غري ويستعم ُل ُه يف َخ ِ‬ ‫َ‬
‫الص َ‬ ‫احليوان َّ‬
‫ِ‬ ‫بإعالن ِشدَّ ِة الع ِ‬
‫ِ‬ ‫حليوان َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُأوالها‪ :‬أ َّن ُه‬
‫طوائف‬ ‫القة جتا َه‬ ‫َ‬ ‫باسم ال َقبائ ِل ا َ‬
‫ِ‬ ‫مأمور و ُمك َّل ٌ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫الن ِ‬
‫َّباتات‪.‬‬
‫الرز ِاق‬
‫بل َّ‬ ‫المرس َل ِة من ِق ِ‬ ‫والت ِ‬
‫حيب باهلدايا ُ‬ ‫رح والسُّ ِ‬
‫ور‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بإعالن ال َف ِ‬ ‫ف‬‫ثان َيتُها‪ :‬أ َّن ُه مو َّظ ٌ‬
‫الر ِ‬
‫محن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫بتغريد ِه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الك ِ‬
‫أرزاق احليوانات‪ ،‬ضيوف َّ‬ ‫يستقبل‬ ‫انـي‬
‫خطيب ر َّب ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫حيث إ َّن ُه‬ ‫َريم‪،‬‬
‫زق‪.‬‬‫يـن إىل الر ِ‬ ‫ِ‬
‫املحتاج َ‬
‫ِّ‬
‫يغرد تغريدا شاعريا فإن بحثنا هذا قد انساب فيه يشء من روح الشاعرية‪ّ ،‬‬
‫إل أنه ليس‬ ‫(‪ )1‬ملا كان البلبل ّ‬
‫بخيال بل حقيقة‪( ،‬املؤلف)‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪417‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫إرسال الن ِ‬
‫َّباتات‬ ‫ِ‬ ‫تعبريا عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إظهار ُح ِ‬ ‫ثال َثتُها‪:‬‬
‫رؤوس النَّباتات مجي ًعا‪ً ،‬‬ ‫االستقبال عىل‬ ‫سن‬ ‫ُ‬
‫نسه من ال َّط ِري واحل ِ‬
‫يوان‪.‬‬ ‫إمدادا لبني ِج ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الوجوه‬ ‫ِ‬
‫العشق جتا َه‬ ‫احليوانات إىل الن ِ‬
‫َّباتات التي تب ُلغ حدَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاجة‬ ‫بيان شدَّ ِة‬
‫ُ‬ ‫رابعتُها‪:‬‬
‫ِ‬
‫األشهاد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رؤوس‬ ‫وإعالنا عىل‬ ‫املليح ِة للن ِ‬
‫َّباتات‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اجلالل واإلكرا ِم يف‬‫ِ‬ ‫امللك ذي‬‫مالك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ديوان ِ‬
‫رمحة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تسبيح إىل‬ ‫ِ‬
‫ألطف‬ ‫تقديم‬ ‫ِ‬
‫خامستُها‪:‬‬
‫ُ‬
‫وجه‪ ،‬وهو الور ُد‪.‬‬ ‫ألطف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وو ْج ٍد‪ ،‬ويف‬ ‫ألطف ٍ‬ ‫ِ‬
‫شوق َ‬
‫الغايات‪ ،‬هي‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وهذه‬ ‫مس‪ِ ،‬‬
‫فهذه املعاين‬ ‫ِ‬
‫الغايات اخلَ ِ‬ ‫شبيهة ِ‬
‫هبذه‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫معان ُأخرى‬ ‫وهكذا َ‬
‫هناك‬
‫ونحن‬
‫ُ‬ ‫غر ُد بلغتِه‬ ‫احلق سبحانه وتعاىل‪ ،‬فال ُب ُ‬
‫لبل ُي ِّ‬ ‫ألجل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يقوم به‬ ‫لبل الذي ُ‬ ‫عمل ال ُب ِ‬
‫الغاية من ِ‬ ‫ُ‬
‫وإن عد َم ِ‬
‫فهم‬ ‫وحانيات‪َّ ،‬‬ ‫والر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫املالئكة ُّ‬ ‫أيضا‬ ‫فهم َها ً‬ ‫نفهم هذه املعاين من نغامته احلزينَة‪ ،‬مثلام َي ُ‬ ‫ُ‬
‫والم ُثل‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ال ُب ِ‬
‫قدح فيه‪َ ،‬‬ ‫لذلك‪ ،‬وال َي ُ‬ ‫نحن َ‬ ‫حائل أما َم فهمنا ُ‬ ‫ً‬ ‫ليس‬ ‫لبل ملعنى نغامته َمعرف ًة كامل ًة‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫َّفصيل‬ ‫ايات بالت‬‫هلذه ال َغ ِ‬ ‫لبل ِ‬ ‫إن عد َم معر َف ِة ال ُب ِ‬ ‫ثم َّ‬ ‫مستم ٍع أوعى من متك ِّل ٍم»‬ ‫ِ‬
‫مشهور‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫«ر َّب‬
‫ُ‬
‫ُعر ُف َك أوقات َ‬ ‫ِ‬ ‫فهو يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ال ُّ‬
‫تعلم شي ًئا‬
‫َك وهي ال ُ‬ ‫كالساعة التي ت ِّ‬ ‫األقل َّ‬ ‫يدل عىل عد ِم وجودها‪َ ،‬‬
‫ضر بمعر َفتِ َك‪.‬‬ ‫َعمل‪َ ،‬فجه ُلها ال َي ُّ‬ ‫مما ت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َبس ِم‬ ‫حيص ُل عليه من ُمشاهدَ ة ت ُّ‬ ‫وق الذي ُ‬ ‫الذ ُ‬
‫فهي َّ‬ ‫زئية َ‬‫جل ُ‬‫لبل و ُمكافأ ُت ُه ا ُ‬ ‫ذلك ال ُب ِ‬‫َّب َ‬ ‫َأ َّما ُمرت ُ‬
‫الحزين َة وأصواتِه‬ ‫ِِ‬
‫إن نَغماته َ‬ ‫حماور ِتا‪ ،‬أي َّ‬ ‫َ‬
‫َّلذ ُذ الذي حيص ُل ِ‬
‫عليه من‬ ‫ُ‬ ‫جلمي َل ِة‪ ،‬والت ُ‬ ‫ِ‬
‫األزهار ا َ‬
‫وحدٌ و َثنا ٌء ِتا َه ال َعطايا‬ ‫كر َ‬ ‫هي ُش ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ليس ْت َشكاوى نابع ًة من تأ ُّلامت حيوان َّية‪ ،‬بل َ‬ ‫الرقيق َة َ‬
‫الرمحان َّي ِة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫غرية‪،‬‬‫واحليوانات الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫مل واهلَوا ِم‬ ‫نكبوت والنَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حل وال َع‬ ‫بالبل النَّ ِ‬ ‫َ‬ ‫وق ْس عىل ال ُب ِ‬
‫لبل؛‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫كمرت ٍ‬
‫َّب‬ ‫خمصوص ٌة‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫خاص‪َّ ،‬‬
‫ولذ ٌة‬ ‫ٌّ‬ ‫ذوق‬ ‫در َج فيها ٌ‬ ‫غايات كثري ٌة يف أعاملِـها‪ُ ،‬أ ِ‬ ‫ٌ‬ ‫فلكل منها‬ ‫ٍّ‬
‫أن ِ‬
‫لعام ٍل‬ ‫وق‪ ،‬فكام َّ‬ ‫الذ ِ‬ ‫بذلك َّ‬ ‫نعة ر َّبان َّي ٍة‬‫غايات جلي َل ٍة لص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فهي َت ِد ُم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫وكمكا َف َئة ُجزئ َّية‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫دمات‬ ‫ِ‬ ‫كذلك ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ختدم اخلَ‬
‫ُ‬ ‫احليوانات التي‬ ‫هلذه‬ ‫زئي‪،‬‬‫جل َ‬‫السلطان ُمر َّت َب ُه ا ُ‬ ‫بسيط يف سفينَة ُّ‬
‫اجلزئي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫السبحان َّي ِة مر َّت ُبها‬ ‫ُّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪418‬‬

‫لبل‬ ‫ِ‬
‫لبحث ال ُب ِ‬ ‫َتم ٌة‬
‫ت َّ‬
‫ِ‬ ‫اإلعالن والدَّ ال َل ِة والتَّغني هبزج ِ‬
‫ِ‬ ‫الربان َّي َة يف‬ ‫ال تحسبن َّ ِ‬
‫َّسبيحات‬ ‫ات الت‬ ‫َ‬ ‫أن هذه الوظيف َة َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫لكل نو ٍع من ِ‬ ‫إن ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالعندليب‪ ،‬ل ُه‬ ‫أكثر أنوا ِع املخلوقات صن ًفا ً‬
‫شبيها‬ ‫بالعندليب‪ ،‬بل َّ‬ ‫خاص‬ ‫ٌّ‬
‫َّسبيحات بألطفِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك النَّو ِع ويتغنَّى بأل َطف الت‬ ‫ِ‬
‫ألطف مشاع ِر َ‬ ‫َ‬ ‫لطيف أو أفرا ٌد يم ِّث َ‬
‫لون‬ ‫ٌ‬ ‫فر ٌد‬
‫ِ‬ ‫السج ِ‬
‫حلرشات‪ ،‬فبالبِ ُلها كثري ُةٌ‪ ،‬وعناد ُلها ِّ‬
‫متنوع ٌة جدًّ ا‪ ،‬تُمت ُِّع‬ ‫أنواع اهلوا ِم وا َ‬ ‫ُ‬ ‫عات‪ ،‬وال س َّيام‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َنثر عىل رؤوسهم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أصغر حيوان إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫آذان صاغ َي ٌة‬ ‫جميع َمن ل ُه ٌ‬
‫أكربه‪ ،‬وت ُ‬ ‫إليهم بد ًءا من‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫بأمجل ِ‬
‫نغامتا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تسبيحاتا‬
‫ِ‬
‫الليل‬ ‫املؤنس يف ذلك‬ ‫والقاص‬ ‫املحبوب‬ ‫األنيس‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫البالبل لييلٌّ ‪،‬‬ ‫فقسم من ِ‬
‫هذه‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫كل‬ ‫دت إىل اهلدوء‪ ،‬حتّى َّ‬
‫كأن ً‬ ‫الصغرية التي خ َل ْ‬ ‫اكن واملوجودات الصامتة‪ ،‬للحيوانات َّ‬ ‫َّ‬
‫انسحب أفرا ُده إىل‬ ‫َ‬ ‫املجلس الذي‬ ‫ِ‬ ‫ذلك‬‫وسط َ‬ ‫َ‬ ‫كر َخ ِف ٍي‪،‬‬ ‫حلقة ِذ ٍ‬‫ِ‬ ‫طب يف‬ ‫البالبل ُق ٌ‬ ‫ِ‬ ‫من َ‬
‫تلك‬
‫اجلالل بنو ٍع من التسبيح والتَّهليل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بقلوبم فاطرهم ذا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذكرون‬ ‫كون‪ ،‬ف َي‬‫اهلدوء والس ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫وض ِح الن ِ‬ ‫هذه البالبِ ِل‬ ‫وقسم آخر من ِ‬
‫حيم عىل‬ ‫الر ِ‬
‫محن َّ‬ ‫َّهار رحم َة َّ‬ ‫علن يف َ‬ ‫هناري‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ ُ‬
‫والربيعِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األشهاد‪ ،‬ويتغنَّى ِبا‪ ،‬وال س َّيام يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫منابِ ِر‬
‫الصيف َّ‬ ‫موسم َّ‬ ‫رؤوس‬ ‫األشجار وعىل‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قيقة َ ِ‬ ‫وينثر بتغريداتِ ِه الر ِ‬
‫كل‬ ‫وق‪ ،‬لدى ِّ‬ ‫والش َ‬
‫َّ‬ ‫الو ْجدَ‬ ‫سج َعة َ‬ ‫الم َّ‬ ‫وشدْ ِوه ال َّلطيف وتسبيحاته ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫اص ِة؛ بمعنى‬ ‫اص‪ ،‬وبنغامته اخلَ َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫اجلليل بلسانه اخلَ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫اطر ِه‬
‫بذكر َف ِ‬ ‫امع ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫يرشع َّ‬‫َ‬ ‫سام ٍع ل ُه‪ ،‬حتّى‬
‫خاص هبم‪ ،‬بل‬ ‫حلقة ٍ‬
‫ذكر‬ ‫ِ‬ ‫رئيس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات بل ُب َل ُه‬ ‫لكل نو ٍع من أنوا ِع‬ ‫أن ِّ‬ ‫َّ‬
‫ٍّ‬ ‫فهو ُ‬ ‫اخلاص به‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫بأضوائ ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫بأنواره ويرتن َُّم‬ ‫ِ‬ ‫اخلاص هبا‪َ ،‬يشدو‬ ‫امء بلب ُلها‬ ‫حتى لنجو ِم الس ِ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫وأعظمها وأكر َمها‪ ،‬وأعالها‬ ‫وأبهرها‬ ‫وأنورها‬ ‫ِ‬
‫البالبل ُط ًّرا وأشر َفها‬ ‫أفضل ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫ولكن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وأكملها ماه َّي ًة وأحسنَها صورةً‪ ،‬هو الذي‬ ‫شكرا‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وأعمها ً‬‫َّ‬ ‫كرا‬‫وأتمها ذ ً‬ ‫صوتًا وأجالها نعتًا َّ‬
‫ِ‬
‫العظيم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫بستان هذا‬ ‫ِ‬
‫اموات ال ُعىل‪ ،‬يف‬ ‫والس‬ ‫ِ‬ ‫والش َ‬
‫واجلذب َّ‬
‫األرض َّ‬ ‫وق يف‬ ‫َ‬ ‫يثري الوجدَ‬
‫ُ‬
‫العظيم لنو ِع‬ ‫العندليب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتضرعاته ال َّلذيذة‪ ،‬وتسبيحاته ال ُعلو َّية‪ ..‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بس َجعاته ال َّلطيفة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪419‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫آله وأمثالِ ِه‪،‬‬
‫عليه وعىل ِ‬
‫األمني‪ِ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القرآن لبني آد َم‪ ،‬حممدٌ‬ ‫بلبل‬ ‫ِ‬
‫البرش‪ ،‬يف بستان الكائنات‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫َّسليامت‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وأجمل الت‬ ‫ِ‬
‫الصلوات‬ ‫ُ‬
‫أفضل‬
‫امتثال‬ ‫ً‬ ‫األوامر التَّكوين َّي َة‬ ‫َ‬ ‫َون َتتثِ ُل‬ ‫قصـر الك ِ‬ ‫ِ‬ ‫احليوانات اخلادم َة يف‬ ‫ِ‬ ‫سبق‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫الص ُة ما َ‬ ‫ُخ َ‬
‫باسم اهلل‪ ،‬فتسبيحاتُها وعباداتُها‬ ‫ِ‬ ‫صورتا‬ ‫ِ‬ ‫بأجمل‬‫ِ‬ ‫غايات‬ ‫ٍ‬ ‫فطرتا من‬ ‫ِ‬ ‫ُظه ُر ما يف‬ ‫تا ًّما‪ ،‬وت ِ‬
‫العمل‪ ،‬هي هداياها‬ ‫ِ‬ ‫الجهد يف‬ ‫وببذل ُ‬ ‫ِ‬ ‫بقو ِة اهلل سبحانه‪،‬‬ ‫راز َّ‬ ‫ط ٍ‬ ‫حياتا بأبد ِع ِ‬ ‫بوظائف ِ‬ ‫ِ‬ ‫بقيامها‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫واه ِ‬ ‫اجلليل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاطر‬ ‫وحتياتا التي تُقدِّ ُمها إىل‬ ‫ُ‬

‫العمالِ‪ُ :‬‬ ‫َّالث من‬ ‫الق ِسمُ الث ُ‬


‫ِ‬
‫َّب هلم‬ ‫مادات‪ ..‬هؤالء ال ُعمَّ ُل ال ُمرت َ‬ ‫ُ‬ ‫والج‬
‫َّباتات َ‬ ‫هم الن ُ‬ ‫َّ‬
‫بمحض إرا َدتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫وحاصلة‬ ‫لوجه اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خالص ٌة‬ ‫َ‬ ‫اختيار َلم‪ ،‬فأعما ُلهم‬ ‫َ‬ ‫وال مكافأةَ‪ ،‬ألنَّه ال‬
‫نوعا‬ ‫أن هلا ً‬ ‫َّباتات َّ‬ ‫أحوال الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َشعر من‬ ‫وقوتِ ِه‪َّ ،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫إل أنَّه ُيست ُ‬ ‫وبحوله َّ‬ ‫سبحانَه وباسمه ويف سبيله‪َ ،‬‬
‫بخالف‬ ‫ِ‬ ‫تتألـم َق ُّط‪،‬‬ ‫امر‪ ..‬إلَّ َّأنا ال‬ ‫وإنامء ال ِّث ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّلقيح والت ِ‬
‫َّوليد‬ ‫وظائف الت ِ‬ ‫َ‬ ‫َلذ ِذ يف ِ‬
‫أدائها‬ ‫من ال َّت ُ‬
‫ُ‬
‫وألجل‬ ‫ِ‬ ‫اختيارا‪،‬‬ ‫إن هلا‬ ‫حيث َّ‬ ‫ُ‬ ‫ذائذ‪،‬‬ ‫احليوانات التي تتعر ُض لآلالم مثلام تستمتع بال َّل ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫أعامل‬ ‫ِ‬ ‫وأكمل من‬ ‫َ‬ ‫أتقن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫أعامل الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عد ِم‬
‫آثارمها َ‬ ‫تكون ُ‬ ‫واجلامدات‬ ‫َّباتات‬ ‫االختيار يف‬ ‫تدخل‬
‫اإلتقان يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫بالوحي واإلهلا ِم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تتنو ُر‬ ‫اختيار‪ ،‬ويف الن ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل‪ ،‬التي َّ‬ ‫َّحل ً‬ ‫ٌ‬ ‫احليوانات التي هلا‬
‫االختياري‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫زئ ِه‬ ‫حيوان آخر يعتمدُ عىل ج ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫أكمل من‬ ‫األعامل َ‬ ‫ِ‬

‫احلكيم وتدعو ُه‬ ‫فاطرها‬ ‫تسأل‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫األرض‬ ‫ِ‬
‫مزرعة‬ ‫َّباتات يف‬ ‫طوائف الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وكل طائ َف ٍة من‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫أرجاء‬ ‫ب راي َة طائفتِنا يف‬ ‫واالستعداد‪ ،‬قائل ًة‪ :‬يا ر َّبنا آتِنا من َلدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ننص َ‬
‫قوةً‪ ،‬كي ُ‬ ‫نك َّ‬ ‫احلال‬ ‫بلسان‬
‫ِ‬
‫أركان‬ ‫كن من‬ ‫كل ُر ٍ‬ ‫لنعلن بلسانِنا عظم َة ربوب َّيتِ َك‪ ..‬وو ِّفقنا يا َر َّبنا لعبادتِ َك يف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫األرض كا َّف ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُشهر‬ ‫ِ‬ ‫معر ِ‬ ‫ناحية من نواحي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لنسيح يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض لن َ‬ ‫ض‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫ب لنا قدر ًة‬ ‫وه ْ‬ ‫األرض هذا‪َ ..‬‬ ‫مسجد‬
‫وبدائع ُص َ‬ ‫ِ‬ ‫فيها َ‬
‫نعك وعجائ َبها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫حلسنى‬ ‫نقوش أسامئ َك ا ُ‬
‫طائفة منها‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لبذور‬ ‫ب‬ ‫لدعاء الن ِ‬ ‫ِ‬
‫فيه ُ‬ ‫املعنوي هذا‪َ ..‬‬ ‫ِّ‬ ‫َّباتات‬ ‫يستجيب‬‫ُ‬ ‫احلكيم‬
‫ُ‬ ‫والفاطر‬
‫ُ‬
‫َّاظر إليها‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ريان إىل ِّ‬ ‫دقيقة لتتمكَّن هبا من ال َّط ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نيحات من ُش‬ ‫ٍ‬
‫فتجعل الن َ‬ ‫مكان‪،‬‬ ‫كل‬ ‫َ‬ ‫عريات‬ ‫ُج‬
‫األزهار الص ِ‬ ‫الشوكي ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫فراء‪..‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫بذور‬ ‫سم من‬ ‫وق ٍ‬ ‫أغلب النَّباتات َّ َّ‬ ‫ِ‬ ‫يقر ُأ أسما َء اهلل احلسنى كام يف‬
‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫إليه‪ ،‬حتى َ‬
‫جيعل‬ ‫اإلنسان ويرتاح ِ‬ ‫ُ‬ ‫حيتاج ُه‬ ‫نسيجا طر ًيا ط ِّي ًبا‬ ‫آلخر‬ ‫ب سبحانَه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ويه ُ‬‫َ‬
‫مكسوا‬ ‫ِ‬
‫هضم من شبيه العظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ب لطائفة أخرى ما ال ُي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فيزرع ُه يف ِّ‬
‫ً‬ ‫ويه ُ‬ ‫كل ناحية‪َ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫خاد ًما ل ُه‪،‬‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪420‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويكات‬ ‫لبعض ُش‬ ‫ب‬ ‫ويه ُ‬‫األرض‪َ ..‬‬ ‫أقطار‬ ‫فتنشـرها يف‬
‫ُ‬ ‫احليوانات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حم تستسي ُغ ُه‬ ‫بام يشب ُه ال َّل َ‬
‫َ‬ ‫فينرش راي َة طائفتِ ِه‬ ‫ٍ‬ ‫متاس‪ ،‬وهبذا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫هناك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫آخر‬
‫ينتقل من مكان إىل َ‬ ‫دقي َقة تتع َّل ُق باألشياء بأدنى ٍّ‬
‫ِ‬
‫بالبذور‬ ‫آخر ُع َل ًبا مملو َء ًة‬ ‫ٍ‬
‫لقسم َ‬ ‫بدائع ُصن ِع اهلل سبحا َن ُه وتعاىل‪َ ،‬‬
‫ويهب‬ ‫النباتات‬ ‫َنرش‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا ت ُ‬
‫النباتات‬ ‫تستنطق‬ ‫كيف‬ ‫ِ‬
‫املنوال َ‬ ‫وقس عىل هذا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫نضوجها؛ ْ‬ ‫حني‬
‫أمتار َ‬ ‫مسافة‬ ‫ف هبا إىل‬ ‫َقذ ُ‬
‫تقديس ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليل ويف‬ ‫ِ‬
‫الفاطر‬ ‫ألسن ًة كثري ًة يف ِ‬
‫ذكر‬
‫أكمل‬‫ِ‬ ‫صورة‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحسن‬ ‫ٍ‬
‫يشء‪ ،‬يف‬ ‫العليم‪َّ ،‬‬
‫كل‬ ‫والقدير‬ ‫احلكيم‬ ‫الفاطر‬ ‫فلقد َخ َ‬
‫لق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقوم‬
‫ُ‬ ‫بأحسن وظي َف ٍة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أحسن و ٍ‬
‫جهة‪ ،‬وو َّظف ُه‬ ‫ِ ُ‬ ‫وو َّجه ُه إىل‬
‫جهاز‪َ ،‬‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بأفضل‬ ‫انتظا ٍم‪َ ،‬‬
‫وج َّه َز ُه‬
‫كنت‬ ‫ِ‬
‫الوجوه؛ فإن َ‬ ‫أفضل‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادات عىل‬ ‫ِ‬
‫وأجملها‪ ،‬ويؤ ِّدي‬ ‫ِ‬
‫َّسبيحات‬ ‫ِ‬
‫بأفضل الت‬ ‫َّ‬
‫الشي ُء‬
‫ِ‬
‫األمور‬ ‫والضالل َة يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ُقح ِم الطبيع َة والمصادف َة والعبثي َة َّ‬ ‫اإلنسان إنسانًا ح ًّقا‪ ،‬فال ت ِ‬ ‫ُ‬ ‫أ ُّيـها‬
‫ُشو ْه جما َلها‬ ‫ِ‬
‫قبيحا‪.‬‬ ‫َ‬
‫فتكون ً‬ ‫ِ‬
‫القبيح‪،‬‬ ‫َ‬
‫بعملك‬ ‫اجلمي َلة‪ ،‬وال ت ِّ‬
‫العاملني يف هذا‬‫َ‬ ‫نوع من أنوا ِع اخلدَ ِم‬ ‫فاإلنسان الذي هو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان؛‬
‫ُ‬ ‫ابع‪ :‬هو‬ ‫القسمُ الر َّ ُ‬
‫باحليوان من ٍ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان شبيه باملالئك َِة من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جهة أخرى؛‬ ‫جهة‪ ،‬وشبي ٌه‬ ‫ُ ٌ‬ ‫الكون‪ ،‬هذا‬ ‫قصـر‬ ‫القصـر‪،‬‬
‫الربوب َّي ِة‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وشمول اإلرشاف وإحا َطة املعرفة‪ ،‬وكونه داع ًيا إىل ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العبادة ال ُك ِّل ِية ُ‬
‫ِ‬ ‫إذ يشب ُه املالئك َة يف‬
‫ش َير ٍة شهو َّي ٍة‪،‬‬ ‫اإلنسان لِما َي ِم ُل من ٍ ِ‬
‫نفس ِّ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫املالئكة؛ إلَّ أن‬ ‫أكثر جامعي ًة من‬ ‫اإلنسان ُ‬ ‫ُ‬ ‫اجللي َل ِة‪ ،‬بل‬
‫عظيم أو تَدن ًّيا ُمري ًعا‪ ،‬ووج ُه َش َب ِه‬ ‫ً‬ ‫خيتار‪ ،‬إ َّما ُرق ًّيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫بخالف املالئكة؛ ُفت َح أما َم ُه نجدان‪ ،‬له أن َ‬
‫ِ‬
‫َّبان‪:‬‬‫فاإلنسان له مرت ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫وح َّص ٍة لذاتِ ِه‪ ،‬لذا‬‫لنفس ِه‪ِ ،‬‬ ‫حظ ِ‬ ‫يبحث يف أعاملِ ِه عن ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باحليوان هو أ َّن ُه‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬
‫عج ٌل‪.‬‬
‫حيواين ُم َّ‬
‫ٌّ‬ ‫األو ُل‪ُ :‬ج ٌّ‬
‫زئي‬ ‫َّ‬
‫مؤج ٌل‪.‬‬
‫مالئكي َّ‬
‫ٌّ‬ ‫وال َّثاين‪ٌّ ِّ :‬‬
‫كل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مكافأة و ُمرت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الث ِ‬‫الكلامت ال َّث ِ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫َّب‬ ‫الساب َقة ق ً‬
‫سم من‬ ‫رشين َّّ‬ ‫والع‬ ‫ولقدْ َذكرنا يف‬
‫والعرشين» إ ْذ‬
‫َ‬ ‫عرشةَ» و«ال َّثال َث ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومدارج رق ِّيه وتدنِّيه‪ ،‬والس َّيام يف «الكلمة احلادي َة َ‬ ‫ِ‬ ‫ووظائف ِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫يفتح علينا‬
‫أن َ‬‫دير ْ‬ ‫سائلني العيلَّ ال َق َ‬
‫َ‬ ‫البحث ونَختِ ُم با َب ُه‬
‫َ‬ ‫نخترص هذا‬
‫ُ‬ ‫بيان‪ ،‬لذا‬ ‫تفصيل ٍ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فيهام‬
‫يعفو عن سيئاتِنا‬
‫راجني من ُه سبحانه وتعاىل أن َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‪،‬‬ ‫أبواب رمحتِ ِه ويو ِّف َقنا إىل إمتا ِم ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬
‫ويغفر لنا خطايانا‪.‬‬ ‫َ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪421‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬

‫اخلامس‬
‫ُ‬ ‫ال ُغ ُ‬
‫صن‬
‫ٍ‬
‫ثمرات‪:‬‬ ‫مس‬ ‫لهذا الغ ِ‬
‫ُصن َخ ُ‬

‫ال ََّثمر ُة األوىل‬


‫وجود ِ‬‫ِ‬ ‫يا نفسي الم ِحب َة ِ‬
‫هذه‬ ‫أن املح َّب َة ُ‬
‫سبب‬ ‫العاشق للدُّ نيا! اعلمي َّ‬
‫َ‬ ‫لنفسها‪ ،‬ويا رفيقي‬ ‫َ ُ َّ‬
‫ِ‬
‫األكوان‪ ،‬وحياتُها‪.‬‬ ‫نور‬ ‫ِ‬ ‫والر ُ‬ ‫ِ‬
‫وأنا ُ‬‫ابطة ألجزائها‪َّ ،‬‬ ‫الكائنات‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫هو نوا ُة‬‫درج ْت يف قلبِه‪ ،‬الذي َ‬ ‫أجمع ثمرة من ثمرات هذا الكون‪ ،‬فقد ُأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫وملا َ‬
‫كان‬
‫هذه املح َّب ِة ِ‬
‫غري‬ ‫بمثل ِ‬‫يليق ِ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات ك ِّلها‪ ،‬لذا ال ُ‬ ‫ِ‬
‫االستحواذ عىل‬ ‫تلك ال َّث ِ‬
‫مرة‪ ،‬حم َّب ٌة قادر ٌة عىل‬ ‫َ‬
‫غري ٍ‬
‫متناه‪.‬‬ ‫كمال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫صاحب‬ ‫املتناه َي ِة إلَّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬ليكونا‬ ‫ِ‬
‫فطرة‬ ‫جهاز ِ‬
‫ين يف‬ ‫َ‬ ‫أودع اهلل سبحانه‬ ‫فيا نفيس! ويا صاحبي! لقد‬
‫َ‬
‫لق أو إىل اخلالِ ِق‪،‬‬ ‫الخ ِ‬ ‫واخلوف إما سيتوج ِ‬
‫هان إىل َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫وتلك املح َّب ُة‬
‫َ‬ ‫للخوف وللمح َّب ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وسيلت ِ‬
‫َيـن‬
‫مصيبة ُمن ِّغ َص ٌة؛ إذ إن ََّك‬
‫ٌ‬ ‫املتوجه َة نحو ُه ً‬
‫أيضا‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اخللق بل َّي ٌة أليم ٌة‪ ،‬والمحب َة‬ ‫اخلوف من‬
‫َ‬ ‫علم َّ‬
‫أن‬ ‫ً‬
‫هذه احلا َلةِ‬
‫إذن يف ِ‬ ‫فاخلوف ْ‬‫ُ‬ ‫يسمع اسرتحا َم َك‪،‬‬ ‫يرحمك‪ ،‬أو ال‬ ‫ختاف من ال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫ُّأيا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أليم‪.‬‬
‫بال ٌء ٌ‬
‫دون توديعٍ‪ ،‬كشبابِ َك ومالِ َك‪،‬‬ ‫عنك َ‬ ‫فريحل َ‬ ‫ُ‬ ‫فإن ما حت ُّب ُه‪ ،‬إ َّما أ َّن ُه ال يعر ُف َك‪،‬‬
‫أ َّما املح َّب ُة؛ َّ‬
‫َ‬
‫شكون‬ ‫ني َي‬ ‫اق املجاز ِّي َ‬ ‫املئة من ال ُع َّش ِ‬‫وتسعني يف ِ‬
‫َ‬ ‫أن تسع ًة‬ ‫أل ترى َّ‬ ‫أو يح ِّق ُر َك ملح َّب َ‬
‫تك! َ‬
‫لب‬‫بباطن ال َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫شبيهة باألصنا ِم حلدِّ العبا َد ِة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حمبوبات دنيو َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫عشق‬
‫معشوقيهم؛ ذلك ألن َ‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ثقيل يف ِ‬ ‫الذي هو مرآ ُة الص ِ‬
‫ليس فطر ًّيا‬ ‫هو َ‬ ‫املحبوبيـن‪ ،‬إذ الفطر ُة ت َُر ُّد ك َُّل ما َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أولئك‬ ‫نظر‬ ‫مد‪ٌ ،‬‬ ‫َّ‬
‫أن ما حت ُّب ُه من أشيا َء إ َّما َّأنا‬ ‫خارج عن بحثِنا‪ -‬بمعنى‪َّ :‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشهواين‬
‫ُّ‬ ‫‪-‬واحلب‬
‫ُّ‬ ‫أهل هلَا‪،‬‬
‫وليس ً‬ ‫َ‬
‫راغم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُرافق َك‪ ،‬بل تُفار ُق َك وأن ُف َك‬ ‫َعر ُف َك أو تُح ِّق ُر َك أو ال ت ُ‬ ‫ال ت ِ‬

‫لذيذا‪،‬‬ ‫َذلُّل ً‬ ‫وف إىل َمن ُ‬


‫جيعل خو َف َك ت ً‬ ‫والخ َ‬‫َ‬ ‫فارصف ِ‬
‫هذه املح َّب َة‬ ‫ْ‬ ‫األمر هكذا؛‬ ‫فام دا َم‬
‫ُ‬
‫سبيل إىل رأ َفتِ ِه‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫جدان‬ ‫ليل يعني ِو‬
‫جل ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلوف من اخلال ِق ا َ‬ ‫َ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ومحبت ََك سعاد ًة بال ذ َّلة‪ْ ،‬‬
‫نعم! َّ‬
‫إن‬
‫َ‬
‫اإلنسان إىل‬ ‫يدفع‬ ‫وط ت ٍ‬
‫َشويق‬ ‫هو َس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لاللتجاء ِ‬ ‫ورحمتِه تعاىل‬
‫ُ‬ ‫االعتبار َ‬ ‫فاخلوف هبذا‬
‫ُ‬ ‫إليه‪،‬‬ ‫َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪422‬‬
‫َ‬
‫فذلك‬ ‫طف َلها لت َُض َّم ُه إىل َص ِ‬
‫درها‪،‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ُخو ُ‬ ‫ضن رمحتِ ِه تَعاىل‪ ،‬إ ْذ من املعلو ِم َّ‬ ‫ُح ِ‬
‫الوالد َة ت ِّ‬
‫أن َ‬
‫ِ‬ ‫در ا ِ‬ ‫ِ‬
‫علم‬
‫حلنان وال َعطف‪ً ،‬‬ ‫فل إىل َص ِ َ‬ ‫دفع ال ِّط َ‬‫فل‪ ،‬ألنَّه جيذ ُب و َي ُ‬ ‫لذلك ال ِّط ِ‬
‫َ‬ ‫اخلوف ٌ‬
‫لذيذ جدًّ ا‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫محة اإلهل َّي ِة‪ ،‬بمعنى َّ‬ ‫ملعات الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلوف من‬ ‫أن يف‬ ‫َّ‬ ‫إل ملع ٌة من‬
‫هي ّ‬ ‫أن َشف َق َة الوالدات ك ِّل ِه َّن ما َ‬‫َّ‬
‫فكيف بمح َّب ِة اهلل سبحانه‪َ ،‬‬
‫أل‬ ‫َ‬ ‫لذ ٌة إىل هذا احلدِّ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للخوف من اهلل َّ‬ ‫فلئن َ‬
‫كان‬ ‫اهلل لذ ًة عظيم ًة؛ ْ‬
‫غري املتناه َي ِة فيها‪.‬‬ ‫يفهم كَم من ال َّل ِ‬
‫ذائذ ِ‬ ‫ُ ُ‬
‫ساو ِة‬ ‫اخلوف امليل ُء بال َق َ‬ ‫ُ‬ ‫اآلخرين‪َ ،‬‬
‫ذلك‬ ‫َ‬ ‫اخلوف من‬‫ِ‬ ‫خياف اهلل ينجو من‬ ‫ُ‬ ‫إن الذي‬‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫تكون‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫سبيل اهلل ال‬ ‫َت يف‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان إىل املخلوقات‪ ،‬إن كان ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إن املح َّب َة التي يوليها‬ ‫ثم َّ‬
‫والباليا‪َّ ..‬‬
‫حيب ِ‬ ‫َ‬ ‫راق‪..‬نعم‪َّ ،‬‬ ‫والف ِ‬ ‫باأللـم ِ‬‫ِ‬ ‫مشوب ًة‬
‫ثم‬ ‫أقار َبه‪ ،‬ثم أ َّم َت ُه‪َّ ،‬‬ ‫ثم ُّ‬ ‫َفس ُه أو ًَّل‪َّ ،‬‬
‫حيب ن َ‬‫اإلنسان ُّ‬ ‫إن‬
‫كل دائر ٍة من ِ‬
‫هذه‬ ‫فهو ذو عال َق ٍة مع ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ثم الدُّ نيا‪َ ،‬‬ ‫ثم الكائنات‪َّ ،‬‬ ‫األحيا َء من املخلوقات‪َّ ،‬‬
‫ليشء يف هذا العا َل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدَّ ِ‬
‫ـم‬ ‫ـم بآالمها‪ ،‬بينام ال َي َق ُّر ٌ‬
‫قرار‬ ‫يتلذ َذ بلذائذها ويتأ َّل َ‬ ‫ويمكن أن َّ‬ ‫ُ‬ ‫وائر‪،‬‬
‫قلب‬ ‫فيه الع ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫واملرج‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخ ِ‬ ‫الص ِ‬
‫المد ِّمرةُ‪ ،‬لذا ترى َ‬ ‫ف ُ‬ ‫واص ُ‬ ‫َ‬ ‫َعص ُ‬ ‫باهلرج‬ ‫يموج‬
‫ُ‬ ‫ب الذي‬ ‫َّ‬
‫هاب عن ُه‪ ،‬بل‬ ‫بالذ ِ‬ ‫تجرح ُه ََّ‬ ‫دائم؛ فاألشيا ُء التي يتش َّب ُث هبا هي التي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫جر ُح ً‬ ‫املسكني ُي َ‬ ‫اإلنسان‬
‫والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان من َق ٍ‬
‫كر‪.‬‬ ‫نفسه يف أحضان ال َغف َلة ُّ‬ ‫دائم‪ ،‬أو ُيلقي َ‬ ‫لق ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ينجو‬
‫َقطع يدَ ُه‪ ،‬لذا ال ُ‬ ‫قد ت ُ‬
‫وس ِّلميها إىل صاحبِها‬ ‫ِ‬ ‫جميع أنوا ِع َ‬ ‫مج ِعي إ َذ ْن‬ ‫إن ِ‬
‫نفيس! ْ‬
‫تلك املح َّبة َ‬ ‫َ‬ ‫َعقليـن‪ ،‬فا َ‬
‫َ‬ ‫كنت ت‬ ‫فيا َ‬
‫خمصوص ٌة‬ ‫هي‬ ‫ِ‬ ‫األنواع من املح َّب ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫غري املتناهية إنَّام َ‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬ ‫احلقيقي وان َْج ْي من هذه الباليا؛‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وج ْهتها إىل صاحبِها‬ ‫ٍ‬ ‫ب ٍ‬ ‫ِ‬
‫لصاح ِ‬
‫احلقيقي يمكنُك أن تُح ِّبي‬‫ِّ‬ ‫ومجال ال هناي َة هلام؛ متى ما َّ‬ ‫كامل‬
‫َرصيف ِ‬
‫هذه‬ ‫أن ت ِ‬ ‫حيث َّإنا َمرايا ُه‪ ،‬بمعنى أ َّن ُه ال ينبغي ْ‬ ‫دون ق َل ٍق ومن ُ‬ ‫ِ‬
‫باسمه َ‬ ‫األشيا َء جمي َعها‬
‫َت نِعم ًة َلذيذةً‪.‬‬
‫أليم ٍة بعد أن كان ْ‬ ‫ِ ٍ‬
‫المح َّب ُة إىل نقمة َ‬ ‫َنقلب َ‬
‫ِ‬
‫المح َّب َة مباشر ًة إىل الكائنات‪ ،‬وإلَّ ت ُ‬
‫َ‬
‫بالذ ِ‬ ‫ني وجه َمبتِ ِك إىل ِ‬ ‫َّك يا نفيس تُو ِّل َ‬ ‫ظل أمر آخر وهو أهم مما ُذ ِكر‪ :‬إن ِ‬
‫ات‪،‬‬ ‫نفسك َّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُّ‬ ‫َّ ٌ ُ‬
‫سبيلها وكأن ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ني ِّ‬ ‫ِ‬
‫َّك‬ ‫يشء يف‬ ‫بكل‬ ‫نفسك‪ ،‬محبوب َة نفسها بل معبو َد ًة هلا‪ ،‬وت ِّ‬
‫ُضح َ‬ ‫فتجعلني َ‬
‫َ‬
‫حمبوب لذاتِ ِه؛ أو منفع ٌة أو‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫والكامل‬ ‫كامل‪،‬‬ ‫سبب املح ََّب ِة إ َّما ٌ‬
‫أن َ‬ ‫الربوب َّي ِة‪ ،‬مع َّ‬
‫نوعا من ُّ‬ ‫متنحينَها ً‬
‫املؤدية إىل املح َّب ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسباب‬ ‫سبب مشابِ ٍه ِ‬
‫هبذه‬ ‫أي ٍ‬ ‫لذ ٌة أو فضيل ٌة أو ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫هي‬‫أن ماه َّيتَك األصل َّي َة َ‬ ‫«الكلامت» إثباتًا قاط ًعا َّ‬ ‫من‬‫واآلن يا نفيس! لقد أثبتنا يف عدد َ‬
‫ين وظي َف َة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قر وال َع ِ‬
‫َّقص وال َف ِ‬ ‫الق ِ‬
‫صور والن ِ‬ ‫عجينة مر َّك َب ٌة من ُ‬
‫ٌ‬
‫ب الضدِّ َّية تُؤ ِّد َ‬ ‫حس َ‬
‫جز‪ ،‬فإنَّك َ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪423‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ِ‬
‫الفاط ِر‬ ‫ُظهرين َ‬
‫كمال‬ ‫املوجود يف ماه َّيتِ ِك ً‬
‫أصل‪ ،‬ت‬ ‫ِ‬ ‫قر وال َع ِ‬
‫جز‬ ‫والق ِ‬
‫صور وال َف ِ‬ ‫َّقص ُ‬ ‫ِ‬
‫املرآة‪ ،‬فبالن ِ‬
‫َ‬
‫طوع الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّور‪.‬‬ ‫اجلليل وجما َله و ُقدر َت ُه ورمح َت ُه‪ ،‬مثلام ُيب ِّي ُن ال َّظ ُ‬
‫الم الدَّ ام ُس ُس َ‬
‫أو التَّأ ُّلم ِ‬
‫حلالا‪،‬‬ ‫عليك ألَّ ُتبي نَفس ِك بل األَوىل ِ‬
‫لك معاداتُها‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّفس!‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫فيا أ َّيتُها الن ُ‬
‫نفسا ُمطمئنَّ ًة‪.‬‬‫ُصبح ً‬ ‫ُ‬
‫واإلشفاق عليها‪ ،‬بعدَ أن ت َ‬

‫ذة واملنف َع ِة‪،‬‬


‫بأذواق ال َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫واملنفعة‪ِ ،‬‬
‫وأنت مفتون ٌَة‬ ‫ِ‬ ‫منشأ ال َّل ِ‬
‫ذة‬ ‫لكونا َ‬ ‫ِ‬ ‫نفس ِك‬
‫يـن َ‬
‫ِ‬
‫فإن كنت حت ِّب َ‬
‫ِ‬ ‫لذ ٍة ال هناي َة هلا‬‫ذر ٍة عىل َّ‬
‫كالرياعة‬ ‫ومنافع ال حدَّ هلا‪ ،‬فال تكوين‬ ‫َ‬ ‫ُفضيل لذ ًة نفسان َّي ًة ب َقدْ ِر َّ‬ ‫فال ت ِّ‬
‫َفسها‪،‬‬ ‫ميعة يف ن ِ‬‫وحشة ال َّظال ِم مكتفي ًة هي ب ُل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وجميع أح َّبتِها يف‬ ‫ِ‬
‫جميع األشياء‬ ‫التي ت ُ‬
‫ُغرق‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َسعدين بسعا َد ِتم‬ ‫وراء َمنفعتِهم وما ت‬ ‫ِ‬ ‫تنتفعني من‬ ‫َك وما‬ ‫َك النَّفساني َة ومنفعت ِ‬ ‫ألن لذت ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فعليك ْ‬
‫إذن‬ ‫ِ‬ ‫أزيل سبحا َن ُه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكائنات ونَفعها ُك َّلها إنَّام هي من ُل ِ‬ ‫ِ‬ ‫وجميع منافِ ِع‬
‫حبوب ٍّ‬ ‫طف َم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫بلذة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أولئك‪ ،‬وتَستمتعي َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األزلـي حتى تلتذي بسعا َدتك وبسعا َدة‬ ‫املحبوب‬ ‫أن حت ِّبي َ‬
‫ذلك‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫املطلق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫نابعة من َم َّب ِة‬ ‫منتهى هلا ٍ‬
‫ُ‬
‫متوج َه ٌة إىل‬ ‫إل حم َّب ٌة ذات َّي ٌة‬
‫هي َّ‬ ‫ِ‬ ‫لنفس ِك‬
‫الشديدَ َة ِ‬‫َك َّ‬ ‫إن حمبت ِ‬
‫ويف احلقي َق ِة َّ‬
‫ِّ‬ ‫واملغروز َة فيك‪ ،‬ما َ‬
‫َ‬
‫فمز ِقي يا‬‫فوجهتيها إىل ذاتِ ِك‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫تلك املح َّبة َّ‬‫استعامل َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫أسأت‬ ‫اجلليلة سبحانه‪ ،‬إلَّ أن ِ‬
‫َّك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذات اهلل‬
‫ِ‬ ‫املتفر َق ِة عىل‬ ‫ِ ِ‬ ‫«هو»‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫نفيس ْ‬
‫الكائنات‬ ‫جميع أنوا ِع مح َّبتك ِّ‬ ‫َ‬ ‫فإن‬ ‫إذن ما فيك من «أنا» وأظهري َ‬
‫ِ‬ ‫اجلليلة‪ ،‬بيدَ أن ِ‬
‫ِ‬ ‫حلسنى وصفاتِ ِه‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫فتنالني‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫استعاملا‪،‬‬ ‫أسأت‬ ‫َّك‬ ‫َ‬ ‫ممنوح ٌة لك جتا َه أسامئه ا ُ‬
‫َ‬ ‫هي حم َّب ٌة‬
‫إنَّام َ‬
‫غري حم ِّلها‪ ،‬مصيب ٌة ال رمح َة فِيها‪.‬‬ ‫مرشوع ٍة ويف ِ‬
‫َ‬ ‫حبة ِ‬
‫غري‬ ‫ألن جزاء م ٍ‬
‫َ َ‬ ‫يداك‪َّ ،‬‬‫ِ‬ ‫جزا َء ما قدَّ َم ْت‬

‫حيم‪ -‬مسكنًا جام ًعا جلمي ِع رغباتِ ِك املاد َّي ِة‪،‬‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫الرمحن َّ‬
‫ِ‬
‫‪-‬باسمه‬ ‫وإن حمبو ًبا أزل ًّيا أعدَّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ور ِ‬
‫الع ِ‬ ‫حل ِ‬
‫رغبات‬ ‫حلسنى آال َء ُه العميم َة إلشبا ِع‬ ‫وهيأ بسائ ِر أسامئه ا ُ‬ ‫ني‪،‬‬ ‫الجن َُّة املز َّين َُة با ُ‬
‫وهو َ‬ ‫َ‬
‫حلسنى‬ ‫ِِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫لطائف ِك‪ ،‬بل ل ُه سبحانه يف ِّ‬ ‫ِ‬ ‫وعقل ِك وبق َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫وس ِّر ِك‬
‫روح ِك وقلبِ ِك ِ‬ ‫ِ‬
‫اسم من أسامئه ا ُ‬
‫ِ‬
‫املحبوب‬ ‫ِ‬
‫محبة َ‬
‫ذلك‬ ‫ذر ًة من‬ ‫شك َّ‬‫اإلحسان واإلكرا ِم‪ ،‬فال َّ‬‫ِ‬ ‫خزائن معنو َّي ٌة ال تَن َفدُ من‬
‫أن َّ‬ ‫ُ‬
‫َجل‬ ‫بديل عن ت ٍّ‬ ‫الكائنات بر ّمتِها ً‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫يمكن أن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكائنات ك ِّلها‪ ،‬وال‬ ‫بديل عن‬ ‫األزيل تكفي ً‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زئي من جتليات حم َّبته سبحا َن ُه‪.‬‬ ‫ُج ٍّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪424‬‬

‫المحبوب األزيل‪ ،‬حبي َب ُه‬ ‫األزيل الذي أنط َق ُه َ‬


‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫فاستمعي يا نفيس واتَّبِعي هذا العهدَ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الكريم بقولِ ِه تعاىل‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ (آل عمران‪.)31:‬‬ ‫َ‬

‫ال َّثمر ُة ال َّثاني ُة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هي نتيج ٌة‬ ‫لثواب الح ٍق‪ ،‬بل َ‬
‫ٍ‬ ‫ليس ْت ُمقدِّ َم ًة‬
‫وظائف ال ُعبود َّية وتكالي َفها َ‬
‫َ‬ ‫َفس! َّ‬
‫إن‬ ‫يا ن ُ‬
‫الم َقدَّ َم ِة‬ ‫تلك األُ ِ‬
‫جرة ُ‬‫َ‬ ‫ب َ‬ ‫بحس ِ‬
‫قبل‪ ،‬وأصبحنا َ‬ ‫نحن قد أخذنا ُأ َ‬
‫جرتَنا من ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لنعمة ساب َقة‪ ،‬نعم؛ ُ‬
‫باخلدمة وال ُعبود َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫لنا ُمك َّل َ‬
‫فني‬
‫اخليـر‬ ‫ألبسك ‪-‬أ َّيتها النفس‪ -‬الوجو َد‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫اجلالل واإلكرا ِم الذي‬ ‫ِ‬ ‫اخلالق ذا‬ ‫َ‬ ‫ذلك َّ‬
‫الن‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ذين بجمي ِع ما َفر َش ُه أما َم ِك عىل‬ ‫وتتلذ َ‬ ‫َّ‬ ‫قني‬
‫تتذو َ‬ ‫زاق» َمعد ًة َّ‬ ‫باسم ِه «الر ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعطاك‬ ‫املحض‪ ،‬قد‬ ‫ُ‬
‫تطلب ِرز ًقا هلا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حساس ًة‪ ،‬فهي كاملعدَ ة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ب لك حيا ًة َّ‬ ‫وه َ‬
‫ثم إنه َ‬ ‫ِّعمة من مأكوالت‪َّ ،‬‬ ‫مائدَ ة الن َ‬
‫األرض؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سطح‬ ‫نعمة واسع ًة َسع َة‬ ‫وأذن وهي كاأليدي مائد َة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حواس ِك من ٍ‬
‫عني‬ ‫فوضع أما َم‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ففتح أما َم َمعدَ ة اإلنسان ََّية َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آفاق‬ ‫بدورها أرزا ًقا معنو َّي ًة كثريةً‪َ ،‬‬ ‫تطلب‬
‫ُ‬ ‫وهب لك إنساني ًة‬ ‫َ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫العقل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫يصل إليه‬ ‫الملك وامللكوت بمقدار ما ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يطلب نِ َع ًم‬‫ُ‬ ‫اإليامن واإلسال ِم الذي هو «اإلنسان َّي ُة الكُربى» والذي‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫وهب لك َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫وبام‬
‫ِّعمة والسعاد ِة وال َّل ِ‬ ‫لك مائد َة الن ِ‬ ‫محة التي ال تنفدُ ‪َ ،‬فتح ِ‬ ‫ثامر الر ِ‬
‫ذة‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ويتغذى عىل ِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال هناي َة هلا‪،‬‬
‫ِ‬
‫أعطاك‬ ‫املمكنات‪ُ ،‬ث َّم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دائرة‬ ‫ضمن‬ ‫سة‪،‬‬ ‫فات الرباني ِة املقدَّ ِ‬ ‫لألسامء احلسنى‪ ،‬والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشام َل ِة‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ولذ ٍة ال تنتهي أبدً ا‪.‬‬ ‫وسعا َد ٍة َّ‬ ‫بمائدة نِ ٍ‬
‫عمة َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫اإليامن‪ ،‬فأحسن ِ‬
‫إليك‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫نور من أنواِر‬ ‫المح َّب َة التي هي ٌ‬ ‫َ‬
‫ﺃﻧَّﻚ‬ ‫ﺇل ِ‬ ‫ﺤﻣﺪﻭﺩ ّ‬ ‫ﻟﻴﻞ ُﻣﻘﻴَّﺪٌ‬ ‫ﻋﺎﺟ ٌﺰ َﺫ ٌ‬ ‫ﻌﻴﻒ ِ‬ ‫ﻐﺮﻴ َﺿ ٌ‬ ‫ِ ِ‬ ‫أﻧَّﻚ ﺑﺤﺴ ِ ِ‬ ‫ﺑﻤﻌﻨﻰ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ﺰﺀ َﺻ ٌ‬ ‫ﺐ ﺟﺴﺎﻤﻧﻴَّﺘﻚ ُﺟ ٌ‬ ‫َ‬
‫ﺰﺋﻴ ِﺔ ﺇﻰﻟ َﻧ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﻜﻢ ٍّ‬ ‫ﺟﺰﺀ ﺟﺰﺋﻲٍّ ﺇﻰﻟ ُﺣ ِ‬ ‫ﺍﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻦ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ﺑﺈﺣﺴﺎﻧِﻪ‬
‫ﻮﻉ‬ ‫ﺍﺠﻟ َ‬ ‫ﻛﻠ ﻧﻮﺭﺍﻲﻧٍّ ‪ ،‬ﺇﺫ ﻗﺪ ﺭﻓﻌﻚ ﻣﻦ ُ‬ ‫ﻛﻞ ّ ٍّ‬
‫لك «اإلنسان َّي َة»‪ ،‬ثم إىل‬ ‫ﺍﺤﻟﻘﻴﻘﻴَّﺔ‪ ،‬بام وهب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ﺍﻟﻜﻠِّﻴَّﺔ‬ ‫ﺃﻋﻄﺎﻙ«ﺍﺤﻟﻴﺎﺓَ»‪ ،‬ﺛﻢَّ ﺇﻰﻟ‬ ‫ِ‬ ‫ﺍﻟﻜ ِّﻠ ِﻴَّﺔ‪ ،‬ﺑﺎﻤ‬ ‫ﻣﻦ ُ‬
‫َ َ‬
‫الش ِام ِل بام‬ ‫املحيط َّ‬ ‫ِ‬ ‫ومنها رف َع ِك إىل الن ِ‬
‫ُّور‬ ‫«اإليامن»‪ِ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ال ُك ِّلي ِة النُّوراني ِة السامي ِة بام أحسن ِ‬
‫إليك‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫أنعم عليك من «املعرفة واملح َّبة»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بضت مقدَّ ما ك َُّل ِ‬ ‫فيا نفس! لقد َق ِ‬
‫وهي خدم ٌة‬ ‫واألثامن؛ ثم ُك ِّلفت بالعبود َّية‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫األجور‬
‫َ‬ ‫هذه‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ‬
‫ظيم ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َخفي َف ٌة لذيذ ٌة وطاعـ ٌة ط ِّي َب ٌة بل ُمرحي ٌة؛ أ َفبعدَ هذا‬
‫تتكاسلني عن أداء هذه اخلد َمة ال َع َ‬ ‫َ‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪425‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عـائي؟ حـتّى إذا ما ُق ِ‬ ‫قبل د ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ـشر َف ِة؟‬
‫بشكل‬ ‫باخلدمة‬ ‫مت‬ ‫بدالل‪ :‬ل َم ال ُي ُ ُ‬ ‫وتـقولني‬
‫َ‬ ‫الم ِّ‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الساب َقة؟ نعم؛ إنَّه َ‬
‫ليس‬ ‫عظيمة ُأخرى‪ ،‬وكأنَّك مل تكتفي باألجرة َّ‬ ‫َ‬ ‫بأجرة‬ ‫ُطالبني‬
‫َ‬ ‫هله ٍل ت‬
‫ُم َ‬
‫يمنح ِك‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الل أبدً ا‪ ،‬وإنَّام من واجبِك الت ُ‬
‫َّرضع والدُّ عا ُء‪ ،‬فاهلل سبحا َن ُه وتعاىل‬ ‫من َح ِّق ِك الدَّ ُ‬
‫محتِه‪ ،‬واعتمدي عليها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فالتجئي إىل ر َ‬ ‫وكرم ِه‪ ،‬لذا‬
‫ِ‬ ‫بمحض َف ِ‬
‫ضله‬ ‫ِ‬ ‫والسعا َد َة األبد َّي َة‬
‫اجلنَّ َة َّ‬
‫باين‪ ﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫ِ‬
‫الر َّ‬ ‫لوي َّ‬
‫ور ِّددي هذا النِّدا َء ال ُع َّ‬
‫ﮚ ﴾ (يونس‪.)58:‬‬
‫ِ‬
‫املحدود‬ ‫شكري‬‫تلك النِّ َع َم الكُل َّي َة التي ال تُحدُّ بِ‬
‫كيف يمكنُني أن أقابِ َل َ‬
‫َ‬ ‫وإذا ُق ِ‬
‫لت‪:‬‬
‫َ‬
‫اجلزئي؟‬
‫ِّ‬
‫وباالعتقاد اجلاز ِم الذي ال حدَّ ل ُه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫فاجلواب‪ :‬بالنِّ َّي ِة ال ُك ِّل َّي ِة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫لوس‪،‬‬ ‫مخسة ُف ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقيمة‬ ‫لطان هبد َّي ٍة َزهيدَ ٍة ُمتواض َع ٍة‬ ‫ديوان الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫يدخل إىل‬ ‫ُ‬ ‫رجل‬‫ً‬ ‫إن‬ ‫فمثل‪َّ :‬‬ ‫ً‬
‫ُّ‬
‫ذوات‬‫ٍ‬ ‫لطان من ِق َب ِل‬ ‫باملاليني ُأرس َل ْت إىل الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫هناك هدايا َمرصوص ًة تُقدَّ ُر أثمانُها‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ويشاهدُ‬
‫ُّ‬
‫يستدر ُك‬ ‫ِ‬ ‫إن هد َّيتِي زهيد ٌة وال يش ٌء! ّ‬
‫إل أ َّن ُه‬ ‫أعمل؟ َّ‬ ‫ُ‬ ‫نفس ُه‪ :‬ماذا‬ ‫مرموقني‪ ،‬فعندها يناجي َ‬ ‫َ‬
‫لك جميع ِ‬
‫أهل هلا‪ ،‬ويا‬ ‫هذه اهلدايا باسمي‪ ،‬فإن ََّك ٌ‬ ‫ويقول فجأةً‪« :‬يا س ِّيدي؛ إنني ُأقدِّ ُم َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫دت»‪،‬‬ ‫هذه اهلدايا ال َّثمين َِة ملا تر َّد ُ‬ ‫أمثال ِ‬ ‫أمثال َ‬ ‫لك َ‬ ‫باستطاعتِي أن أقدِّ َم َ‬ ‫َ‬ ‫س ِّيدي ال َعظيم‪ ،‬لو َ‬
‫كان‬
‫يشري إىل َمدى‬ ‫أحد‪ ،‬والذي ُ‬ ‫لطان الذي ال حاج َة له إىل ٍ‬ ‫فالس ُ‬
‫رمزا ُ‬ ‫يقبل هدايا رعايا ُه ً‬ ‫َ ُ‬ ‫وهكذا ُّ‬
‫ِ‬
‫املسكني‪،‬‬ ‫الر ُج ِل‬ ‫اد َق َة من َ‬ ‫هذه النِّي َة ال ُك ِّلي َة والرغب َة الص ِ‬ ‫قبل ِ‬ ‫وتعظيم ِهم ل ُه‪َ ،‬ي ُ‬ ‫ِ‬ ‫إخالص ِه ْم‬‫ِ‬
‫ذلك َّ‬ ‫َّ َ َّ‬ ‫َّ‬
‫كأعظم هد َّي ٍة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لتلك اهلدايا؛ يقب ُلها‬ ‫لطان َ‬ ‫بلياقة الس ِ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫اجلميل‬ ‫الس ِام َي‬ ‫واعتقا َد ُه َّ‬
‫يقول يف الص ِ‬
‫َّحيات هلل»(‪ )1‬ينوي ِبا‪« :‬إنَّني َأ ُ‬
‫رفع‬ ‫ُ‬ ‫الة‪« :‬الت‬ ‫َّ‬ ‫العاجز عندما ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فالعبدُ‬
‫أستطيع‬ ‫كنت‬ ‫حياتا‪ ،‬فلو ُ‬ ‫املخلوقات‪ ،‬التي هي ُ‬ ‫ِ‬ ‫إليك يا إهلي باسمي هدايا العبود َّي ِة جلمي ِع‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫أكثر»‪،‬‬ ‫أهل َ‬ ‫دت‪ ،‬فإن ََّك ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َّحيات َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫لذاك‪ ،‬بل ُ‬ ‫مت وال تر َّد ُ‬ ‫أحج ُ‬ ‫إليك يا ريب بعددها‪ ،‬ملا َ‬ ‫أن أقدِّ َم الت‬
‫الص ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫الواسع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كر الك ِّ ُّ‬
‫ُل‬ ‫الش ُ‬ ‫هي ُّ‬ ‫اجلازم‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ادقة واالعتقا ُد‬ ‫فهذه الن ُِّية َّ‬
‫مثل ُ‬
‫يقول‬ ‫ُ‬
‫فالبطيخ ً‬ ‫بمثابة نِ َّي ِاتا؛‬
‫ِ‬ ‫ذور فيها‬ ‫ُ‬
‫حيث النُّوى وال ُب ُ‬
‫مثل من النَّبات ِ‬
‫َات‬ ‫و ْل ُ‬
‫نأخ ْذ ً‬
‫شوق ورغ َب ٍة ْ‬
‫أن ُأ ِ‬
‫عل َن ن َ‬
‫ُقوش‬ ‫آالف النُّوى التي يف جوفِه‪ :‬يا خالقي إنَّني عىل ٍ‬ ‫بام ينوى من ِ‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬األذان ‪ ،148‬العمل يف الصالة ‪ ،4‬االستئذان ‪28 ،3‬؛ مسلم‪ ،‬الصالة ‪.62 ،60 ،55‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪426‬‬
‫ث‬‫يعلم ما َيـدُ ُ‬ ‫وحيث َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األرض ك ِّلها؛‬ ‫ِ‬ ‫أسامئ َك احلسنى يف‬ ‫ِ‬
‫إن اهلل سبحا َن ُه وتعاىل ُ‬ ‫أرجاء‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث‪ ،‬فإ َّن ُه ُ‬
‫كأنا حد َث ْت‪ ،‬ومن ُهنا ت ُ‬
‫َعلم‬ ‫كأنا عـباد ٌة فعل َّي ٌة‪ ،‬أي َّ‬‫الصاد َق َة َّ‬ ‫يقبل النِّ َّي َة َّ‬ ‫وكيف َيدُ ُ‬ ‫َ‬
‫غري هنائ َّي ٍة يف ِ‬
‫مثل‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بأعداد ِ‬ ‫كم َة الت ِ‬
‫َّسبيح‬ ‫َ ِ‬
‫كذلك ح َ‬ ‫وتفه ُم‬ ‫ِِ‬
‫خري من عمله‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫املؤمن ٌ‬ ‫أن ن َّي َة‬
‫كيف َّ‬ ‫َ‬
‫حك‬‫ومدا َد كلامتِ َك»(‪ )1‬ونس ِّب َ‬‫عرش َك ِ‬
‫وز َن َة ِ‬‫نفس َك ِ‬ ‫خلق َك ورضاء ِ‬
‫َ‬
‫وبحمد َك عدد ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫«سبحانك‬
‫وأوليائ َك ومالئكَتِ َك‪.‬‬
‫ِ‬ ‫تسبيحات ِ‬
‫أنبيائ َك‬ ‫ِ‬ ‫بجمي ِع‬

‫باسم ِه‪،‬‬‫ِ‬ ‫اجلنود يقدِّ م أعما َلهم وإنجازاتِهم إىل الس ِ‬


‫لطان‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫املسؤول عن‬ ‫الض َ‬
‫ابط‬ ‫أن َّ‬ ‫فكام َّ‬
‫هل‬ ‫ِ‬
‫واحليوانات‪ ،‬و ُم َؤ ٌ‬ ‫املخلوقات‪ ،‬وقائدٌ للن ِ‬
‫َّباتات‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ضابط عىل‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان الذي هو‬ ‫كذلك هذا‬ ‫َ‬
‫حيدث فـي عا َلِ ِه‬ ‫ُ‬ ‫عما‬
‫ووكيل َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مسـؤول‬ ‫َفس ُه‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬و َيعدُّ ن َ‬
‫ِ‬
‫موجودات‬ ‫ليكون خليف ًة عىل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املعبود‬ ‫بلسان اجلميعِ‪  ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ ف ُيقدِّ ُم إىل‬ ‫ِ‬ ‫اخلاص‪ُ ..‬‬
‫يقول‬ ‫ِّ‬
‫كذلك تتك َّلم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات قاطب ًة‬ ‫ُ‬
‫وجيعل‬ ‫ِ‬
‫واستعانات ْم‪..‬‬ ‫لق‬ ‫ِ‬
‫عبادات اخلَ ِ‬ ‫جميع‬ ‫ِ‬
‫اجلالل‬ ‫ِذي‬
‫َ‬
‫تسبيحات مجي ِع خملوقاتِ َك‪ ،‬وبألسن َِة مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫وذلك عندَ قولِ ِه‪« :‬سبحان ََك بجمي ِع‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫باسمه‬
‫«اللهم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صل عىل‬ ‫َّ‬ ‫األرض‪:‬‬ ‫األشياء عىل‬ ‫باسم مجي ِع‬ ‫َّبي ﷺ‬‫مصنوعات َك»‪ ،‬ثم إ َّن ُه يصيل عىل الن ِّ‬
‫عالقة مع الن ِ‬
‫ُّور‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الوجود ل ُه‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء يف‬ ‫إن َّ‬‫الكائنات ومرك َّباتِـها»‪ ..‬إذ َّ‬
‫ِ‬ ‫ات‬‫بعدد ذر ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬
‫َّ‬
‫َّسبيحات والص ِ‬
‫لوات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫غيـر النِّهائ َّي ِة يف الت‬ ‫ِ‬
‫األعداد ِ‬ ‫فافهم حكم َة‬ ‫املحمدي ﷺ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬

‫ال َّثمر ُة ال َّثالث ُة‬


‫كنت‬ ‫وإن ِ‬ ‫صري؟ ْ‬ ‫عمل ُأخرو ًّيا خالدً ا يف ُع ُم ٍر َق ٍ‬ ‫تريدين أن تنايل ً‬ ‫إن ِ‬
‫كنت ح ًّقا‬ ‫نفس! ْ‬
‫َ‬ ‫فيا ُ‬
‫كنت ح ًّقا‬ ‫وإن ِ‬ ‫ويل؟ ْ‬ ‫دقائ ِق ُع ُم ِر ِك كال ُع ُم ِر ال َّط ِ‬
‫كل دقي َق ٍة من ِ‬ ‫تريدين أن َتري فائد ًة يف ِّ‬ ‫ح ًّقا‬
‫َ‬
‫السنَّ َة النَّبو َّي َة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وسكينَة؟ فاتَّبعي ُ‬ ‫ُحويل العاد َة إىل عبادة وتُبدِّ يل غفلتَك إىل ُطمأنينَة َ‬ ‫أن ت ِّ‬ ‫تريدين ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صبح‬‫والسكينَ َة‪ ،‬و ُي ُ‬ ‫السنُّة والشَّ ِع يف معاملة ما‪ُ ،‬يورث ال ُّطمأنينَ َة َّ‬ ‫تطبيق ُ‬‫َ‬ ‫ذلك‪َّ :‬‬
‫ألن‬ ‫الشَّ ي َف َة‪َ ..‬‬
‫ٍ‬
‫كثرية‪.‬‬ ‫ثمرات أخرو َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫يثمر من‬ ‫ِ‬
‫نوعا من العبا َدة‪ ،‬بام ُ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫والقبول)‬ ‫(اإلجياب‬ ‫عي‬ ‫ابتعت شي ًئا‪ ،‬ففي ال َّل ِ‬ ‫فمثل‪ :‬إذا‬‫ً‬
‫َ‬ ‫األمر الشَّ َّ‬‫َ‬ ‫تطبق‬
‫حظة التي ُ‬ ‫َ‬
‫عي‪ ،‬مما ُيعطي‬ ‫ِ‬
‫باحلكم الشَّ ِّ‬ ‫حيث ُيذك َ‬
‫ِّرك‬ ‫العبا َد ِة‪ُ ،‬‬ ‫يأخذ حكم ِ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫والشـرا َء‬‫البيع ِّ‬‫مجيع هذا َ‬ ‫فإن َ‬ ‫َّ‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬مسلم‪ ،‬الذكر ‪79‬؛ الرتمذي‪ ،‬الدعوات ‪103‬؛ أمحد بن حنبل‪ ،‬املسند ‪.258/1‬‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪427‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫توج ًها إهل ًّيا‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫اجلليل سبحانه‪ ،‬أي يعطي ُّ‬ ‫بالشار ِع‬
‫ِّرك َّ‬‫َّصور ُيذك َ‬‫تصو ًرا روح ًّيا‪ ،‬وهذا الت ُ‬
‫ُّ‬
‫لب‪.‬‬‫السكينَ َة وال ُّطمأنينَ َة يف ال َق ِ‬
‫ُب َّ‬
‫هو الذي َيسك ُ‬
‫للحياة األبد َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مدارا‬
‫القصري ً‬
‫َ‬ ‫اين‬ ‫السن َِّة الشَّ ي َف ِة ُ‬
‫جيعل ال ُع ُم َر ال َف َ‬ ‫فق ُّ‬
‫ِ‬
‫األعامل َو َ‬ ‫إنجاز‬
‫َ‬ ‫أي َّ‬
‫إن‬
‫فأنصتِي ج ِّيدً ا إىل قولِ ِه تعاىل‪  ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ٍ‬
‫خالدة‪ ،‬لذا َ‬ ‫وذا ٍ‬
‫ثامر‬
‫أن تكوني‬ ‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ (األعراف‪ )158:‬واس َعي ْ‬
‫المنتشر ِة في‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األسماء الحسنى‬ ‫لكل اس ٍم من تج ِّل ِ‬
‫يات‬ ‫تجل ِّ‬ ‫لفيض ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫شامل‬ ‫مظهرا جام ًعا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الشري َفة َّ‬ ‫ِ‬
‫السنَّة َّ‬
‫والشرعِ‪.‬‬ ‫أحكا ِم ُّ‬

‫الرابع ُة‬
‫ال َّثمر ُة َّ‬
‫ِ‬ ‫فاهة َ‬ ‫أهل الس ِ‬
‫نخدع ًة‬
‫َ‬ ‫خاص ًة‪ُ ،‬م‬
‫الكفر َّ‬ ‫وأهل‬ ‫أهل الدّ نيا‪ ،‬وال س َّيام َ َّ‬
‫َّفس! ال تُق ِّلدي َ‬
‫أ ّيتها الن ُ‬
‫َّك بالت ِ‬
‫املرشوع ِة‪ ،‬ألن ِ‬ ‫اخلادع ِة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكونني‬
‫َ‬ ‫َّقليد ال‬ ‫َ‬ ‫غيـر‬ ‫َ‬ ‫هم‬
‫الصور َّية‪ ،‬ولذائذ ُ‬‫هم ال َّظاهر َّية ُّ‬
‫بزينت ُ‬
‫العقل الذي يف‬ ‫َ‬ ‫أيضا؛ َّ‬
‫ألن‬ ‫لن تكوين حتّى حيوانًا ً‬ ‫كثريا جدًّ ا‪ ،‬بل ْ‬ ‫مث َل ُه ْم قط ًعا‪ ،‬بل تتر َّدين ً‬
‫قرص َف ٌ‬
‫خم‬ ‫ثم َة ٌ‬ ‫إن َ‬
‫كان َّ‬ ‫رأس ِك‪ ،‬إ ْذ ْ‬ ‫ُنـز ُل بم َط ِار ِقها عىل ِ‬
‫صبح آل ًة مشؤوم ًة مزعج ًة ت ِ‬ ‫رأسك ُي ُ‬
‫ِ ِ‬
‫عة يف‬ ‫وز ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فيه ِم‬
‫ِ‬
‫فأصغر ُم َّ‬ ‫َ‬ ‫أصغر‬
‫َ‬ ‫مصابيح‬
‫َ‬ ‫الكهرباء إىل‬ ‫عظيم تش َّع َب ْت منه قو ُة‬
‫ٌ‬ ‫كهربائ ٌّي‬ ‫صباح‬
‫ٌ‬
‫الكبري‪،‬‬
‫َ‬ ‫الكهربائي‬
‫َّ‬ ‫المصباح‬
‫َ‬ ‫هم‬ ‫ئيس؛ فلو َ‬
‫أطفأ أحدُ ُ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫باملصباح َّ‬ ‫صغيرة مرتب َط ٍة ُك ِّلها‬‫ٍ‬ ‫َ‬
‫منازل‬
‫كل‬ ‫آخر يف ِّ‬ ‫قرص ُ‬ ‫هناك ٌ‬ ‫َ‬ ‫حشة عليها‪ ،‬بينام‬‫الو ُ‬ ‫المنازل األُخرى ك َّلها وتستويل َ‬ ‫َ‬ ‫فسيعم ال َّظ ُ‬
‫الم‬ ‫ُّ‬
‫فإن َ‬ ‫الكبري‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫أطفأ‬ ‫ِ‬
‫باملصباح‬ ‫غري مربوطة‬ ‫مصابيح كهربائ َّي ٌة صغري ٌة ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثم َة‬ ‫منزل من ُه‪َّ ،‬‬
‫منازل ُأخرى‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫إضاءة‬ ‫تعمل عىل‬‫مصابيح صغري ًة ُ‬ ‫الكبري َّ‬
‫فإن‬ ‫الكهربائي‬ ‫المصباح‬ ‫رص‬‫هذا ال َق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫يشء من ُه‪.‬‬‫بحيث يمك ُنه أن يؤدي هبا عم َله‪ ،‬فال يستطيع ال ُّلصوص نَهب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك ال َق ِ‬
‫رص‪،‬‬ ‫من َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ ِّ‬
‫قلب‬ ‫سول ﷺ يف ِ‬ ‫الر ُ‬ ‫الكبري‪ ،‬هو س ِّيدُ نا َّ‬
‫ُ‬ ‫واملصباح‬
‫ُ‬ ‫املسلم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األو ُل‪ ،‬هو‬
‫القرص َّ‬ ‫ُ‬ ‫نفيس!‬
‫َ‬ ‫فيا‬
‫نبي‬‫بأي ٍّ‬ ‫يؤمن بعدُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫اإليامن ِبه من قلبِ ِه ‪-‬والعيا ُذ باهلل‪ -‬فال‬ ‫َ‬ ‫وأخرج‬
‫َ‬ ‫املسلم‪ ،‬فإن ن َِس َيه‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذلك‬
‫در َج يف ماه َّيتِ ِه‬
‫ويكون ما ُأ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اجلليل‬ ‫روح ِه‪ ،‬بل ينسى ر َّبه‬
‫للكامالت يف ِ‬
‫ِ‬ ‫موضع‬
‫ٌ‬ ‫آخر‪ ،‬بل ال يبقى‬ ‫َ‬
‫الو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عم ًة لل َّظال ِم‪ ،‬و َيحدُ ُ‬ ‫َ‬
‫حشة؛‬ ‫رهيب وتستويل عليه َ‬ ‫ٌ‬ ‫دمار‬
‫ث يف قلبه ٌ‬ ‫ولطائف ُط َ‬ ‫َ‬ ‫منازل‬ ‫من‬
‫يعم َر‬ ‫أن ِّ‬ ‫يستطيع ْ‬
‫َ‬ ‫َّفع الذي َيكس ُب ُه حتّى‬ ‫الر ِ‬
‫هيب‪ ،‬وما الن ُ‬ ‫عو ُض عن هذا الدَّ ِ‬
‫مار َّ‬ ‫تُرى ما الذي ُي ِّ‬
‫حش َة؟!‬
‫والو َ‬
‫مار َ‬ ‫َ‬
‫ذلك الدَّ َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪428‬‬
‫حممد ﷺ من ِ‬ ‫بحيث لو أخرجوا نور ٍ‬
‫ُ‬ ‫رص ال َّثاين‪،‬‬
‫قلوبم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شبهون ال َق َ‬
‫َ‬ ‫فإنم ُي‬
‫األجانب َّ‬
‫ُ‬ ‫أ َّما‬
‫ِ‬
‫العقيدة‬ ‫تظل! إذ يمكن أن يبقى لدهيِم يش ٌء من‬
‫ُّون َّأنا ُّ‬ ‫تظل لدهيِم أنوار بالن ِ‬
‫ِّسبة هلم‪ ،‬أو يظن َ‬ ‫ُّ‬
‫ٌ‬
‫كمال أخالق َّي ِاتم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حور‬ ‫ِ‬ ‫واإليامن بموسى وعيسى ِ‬ ‫ِ‬
‫الم‪ ،‬والذي هو م ُ‬
‫الس ُ‬ ‫عليهام َّ‬ ‫باهلل‬
‫كررنا‬ ‫َ‬ ‫قلت‪ :‬أنا ال أريدُ ْ‬‫وء! إذا ِ‬ ‫فيا نفسي األمار َة بالس ِ‬
‫أكون أجنب ًّيا بل حيوانًا! فلقد َّ‬ ‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫العقل‬ ‫عقل‪ ،‬فهذا‬
‫متلكيـن ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول يا نفيس‪ :‬إنَّك لن تكوين حتّى كاحليوان‪ ،‬ألنَّك‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫عليك‬
‫َ‬
‫برأس ِك‬ ‫فعات مؤمل ًة ِ‬
‫ضربات موجع ًة وص ٍ‬
‫ُ َ َ‬
‫ٍ‬ ‫نـزل‬ ‫ِ‬
‫املستقبل‪ُ -‬ي ُ‬ ‫ِ‬
‫وخماوف‬ ‫ِ‬
‫‪-‬اجلام ُع آلال ِم املايض‬
‫غري مشو َب ٍة‬‫بلذ ٍة ِ‬
‫احليوان يستمتِ ُع َّ‬
‫ُ‬ ‫لذ ٍة واحدَ ٍة‪ ،‬بينام‬
‫ألوف اآلال ِم يف ثنايا َّ‬
‫َ‬ ‫فيذيق ِك‬
‫ُ‬ ‫وعينِ ِك‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫عقل ِك ً‬‫ت أن تكوين حيوانًا فتخ َّلي عن ِ‬ ‫إن أرد ِ‬
‫وتعريض‬ ‫أول وارميه بعيدً ا‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫باآلال ِم؛ لذا ْ ْ‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﴾ (األعراف‪.)179:‬‬ ‫ِ‬ ‫َّأديب يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫لصف َع ِة الت ِ‬

‫ال َّثمر ُة اخلامس ُة‬


‫يشء عن‬ ‫ٍ‬ ‫شجرة اخلِل َق ِة‪ ،‬فهو كال َّث ِ‬
‫مرة أبعدُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان ثمر ُة‬ ‫َ‬
‫القول‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫كررنا‬
‫نفس! لقد َّ‬‫يا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫البِ ِ‬
‫ويضم جه َة وحدة الك ُِّل‪َ ،‬‬
‫فهو‬ ‫ُّ‬ ‫نظر عا ٌّم إىل اجلميعِ‪،‬‬‫خلصائص الك ُِّل‪ ،‬ول ُه ٌ‬ ‫وأجمع‬
‫ُ‬ ‫ذرة‪،‬‬
‫ات‪ ،‬وإىل ال َف ِ‬ ‫َثرة من املخلو َق ِ‬
‫لب‪ ،‬ووجهه متوجه إىل الك ِ‬
‫ناء‪ ،‬وإىل الدُّ نيا‪،‬‬ ‫ِّ ٌ‬ ‫حيمل نوا َة ال َق ِ َ ُ ُ‬
‫خملوق ُ‬ ‫ٌ‬
‫ف وج َه‬ ‫بني املبدأِ واملنتهى‪ ،‬ت ِ‬
‫َصر ُ‬ ‫ّصال َ‬‫ُقطة ات ٍ‬
‫صال‪ ،‬أو ن ُ‬ ‫الو ِ‬‫حبل ِ‬ ‫ولكن ِ‬
‫العبا َد َة التي هي ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الوحدان َّية‪ ،‬ومن املنتهى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلق‪ ،‬ومن الكثرة إىل َ‬ ‫اخللق إىل ِّ‬ ‫اإلنسان من الفناء إىل البقاء‪ ،‬ومن‬
‫إىل املبدأِ‪.‬‬

‫َباه ْت بجاملِـها ون ْ‬
‫َظرت‬ ‫ُكو َن ال ُب َ‬
‫ذور‪ ،‬ت َ‬ ‫َت عىل أن ت ِّ‬ ‫إدراك أوشك ْ‬ ‫ٍ‬ ‫أن ثمر ًة َق ِّي َم ًة َ‬
‫ذات‬ ‫لو َّ‬
‫شك‬ ‫نفسها يف أيدهيم أو غف َل ْت فسق َطت‪ ،‬فال َّ‬ ‫األرواح وأل َق ْت َ‬‫ِ‬ ‫أسفل منها من ذوي‬ ‫َ‬ ‫إىل‬
‫المدرك َة إن‬ ‫تلك ال َّثمر َة ُ‬
‫ولكن َ‬
‫َّ‬ ‫ثمرة اعتياد َّي ٍة‪،‬‬
‫أنا تتفت َُّت وتتالشى يف أيدهيِم‪ ،‬وتضيع كأي ِة ٍ‬
‫ُ َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫وإظهار‬ ‫ِ‬
‫جرة‬ ‫ِ‬
‫ستكون وساط ًة لبقاء َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوجدَ ْت نُقط َة استنادها وتَم َّكن َْت من الت‬
‫الش َ‬ ‫َّفكيـر يف َّأنا‬
‫لتلك‬ ‫فإن البذر َة الواحد َة َ‬‫للش َج َر ِة‪َّ ،‬‬ ‫الوحدَ ِة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقتها ودوامها‪ ،‬بام ُت ِّب ُئ يف نفسها من جهة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باق ٍ‬
‫دائم‪..‬‬ ‫من ُعم ٍر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مرة الواحدَ ِة ُ‬
‫تنال حقيق ًة ُك ِّل َّي ًة دائم ًة ض َ ُ‬
‫ال َّث ِ‬

‫حب الدُّ نيا بل ِّب ِه حتّى‬


‫وأخذ ُّ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‪،‬‬ ‫رق يف‬ ‫وغ َ‬ ‫ِ‬
‫املخلوقات َ‬ ‫فاإلنسان الذي تاه يف ك ِ‬
‫َثرة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫س ُخرسانًا مبينًا‪ ،‬إذ‬ ‫َ‬ ‫الشك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفانيات وس َق َط يف‬
‫اإلنسان َي َ ُ‬ ‫أن هذا‬ ‫َّ‬ ‫أحضانا‪،‬‬ ‫َغ َّر ُه ُّ‬
‫تبس ُم‬
‫� �� � � � � � � ‬
‫‪429‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ُ‬ ‫ولكن إذا ما َر َف َع هذا‬ ‫ِ‬ ‫يقع يف َّ ِ‬
‫رأسه‬‫اإلنسان َ‬ ‫ْ‬ ‫عدم نفس ُه معنًى؛‬‫الزوال والفناء وال َعد ِم‪ ،‬أي ُي ُ‬ ‫ُ‬
‫يستطيع‬
‫ُ‬ ‫الوحدان َّي ِة فإ َّن ُه‬ ‫َوج َه إىل َ‬
‫لسان ُ ِ‬
‫القرآن‪ ،‬وت َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن من‬ ‫ِ‬
‫لدروس‬ ‫ٍ‬
‫شهيد‬ ‫ٍ‬
‫بقلب‬ ‫واستمع‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫والفضائ ِل فيغدُ َو إنسانًا باق ًيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكامالت‬ ‫ِ‬
‫عرش‬ ‫الع ِ‬
‫بادة إىل‬ ‫بمعراج ِ‬
‫ِ‬ ‫أن يص َعدَ‬ ‫ْ‬
‫وأنت من امل َّل ِة اإلبراهيم َّي ِة فقويل عىل ِغ ِ‬
‫رار‬ ‫ِ‬ ‫الحقيقة هي ِ‬
‫هذه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كانت‬ ‫يا نفيس! لـمَّ‬
‫املحبوب الباقي وابكي مثيل‪ ،‬قائل ًة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وتوج ِهي إىل‬
‫َّ‬ ‫إبراهيم‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﴾‬ ‫َ‬ ‫س ِّي ِدنا‬
‫‪................‬‬
‫السابع َة‬ ‫ِ‬ ‫(األبيات الفارسية مل تُدرج هنا‪ ،‬حيث ُأ ِ‬
‫در َج ْت يف املقا ِم ال َّثاين من الكلمة َّ‬ ‫ُ‬
‫عرشةَ)‪.‬‬
‫� ا � �ة ا ��ل� ش ن‬
‫��ل �ة �ل�‬
‫خ‬ ‫�‬
‫ا � ك�‬
‫ل�� �م� ا � م��س� �و ع���ر�و�‬
‫��س�ا ��ةُا �ل� م�ع���ج�زا ت ا �ل��ق�� �آ ن����ة‬
‫� ر يِ‬ ‫ِ‬ ‫ر ل� �‬

‫ن وفي اليدِ مُعجزة ٌ خالدةٌ‪ :‬الق ُرآنُ‪.‬‬


‫ل التَّحري عن برها ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫أَ رَى من الفُضُو ِ‬

‫ن‪ ،‬وفي اليدِ بُرهانُ الحقيقة‪ :‬الق ُرآنُ!‬


‫ضايق من إلزا ِم الجاحِدِي َ‬
‫أتُراني أَ ت َ ُ‬

‫تنبيه‬
‫ِ‬
‫أواخر‬ ‫ُب َخ ْم َس ُش َع ٍل‪ ،‬ولكن يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫لقد َع َزمنا يف بداية هذه الكلمة عىل أن نكت َ‬
‫بشهرين(‪ -)1‬اض ُط ِررنا إىل اإلرسا ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلديدة‬ ‫ِ‬
‫احلروف‬ ‫علة األوىل َ‬
‫‪-‬قبل وض ِع‬ ‫الش ِ‬‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫عرشين‬
‫َ‬ ‫بعض األيا ِم‪-‬‬ ‫ُب ‪-‬يف‬ ‫يف الكتابة ل َطبعها باحلروف القديمة‪ ،‬حتى كنا نَكت ُ‬
‫ِ‬
‫بثالث ُش َع ٍل‬ ‫ٍ‬
‫ساعات‪ ،‬لذا اكتفينا‬ ‫ِ‬
‫ثالث‬ ‫َني أو‬ ‫ِ‬
‫غضون ساعت ِ‬ ‫ثالثني صحيف ًة يف‬
‫َ‬ ‫أو‬
‫اآلن ُشعلت ِ‬
‫َني‪.‬‬ ‫تصةً‪ ،‬وتركنا َ‬ ‫جمل ًة ُم َ‬
‫ف َكتَبناها ُم َ‬
‫ِ‬
‫واملساحمة إىل ما كان منّي من‬ ‫ِ‬
‫اإلنصاف‬ ‫فآ ُم ُل من إخواين الكرام أن َين ُظروا ب َع ِ‬
‫ني‬
‫ٍ‬
‫وإشكاالت وأخطاء‪.‬‬ ‫ونقائص‬ ‫ٍ‬
‫تقصريات‬
‫َ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نفسه َ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫اجلملة هي زياد ُة املؤ ِّل ِ‬
‫استعامل‬ ‫لدي‪ ،‬وهي ُتدِّ ُد زمن تأليف هذه الرسالة‪ ،‬إذ كان َق ُ‬
‫رار‬ ‫بخ ِّطه يف نسخة خمطوطة ّ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )1‬هذه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استعامل احلروف العربية يف ‪.1928/11/23‬‬ ‫ظر‬ ‫وح‬ ‫)‬ ‫ِ‬
‫(اجلديدة‬ ‫اللتِينِي ِ‬
‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫احلروف‬
‫َ ُ‬ ‫ّ‬
‫� �� � � ��� � � � � ‬
‫‪431‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫«المعجزات القرآن ّي ُة» إ ّما أهنا َأص َب َحت‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الرسالة‬ ‫ِ‬
‫الواردة يف هذه‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫آية من ِ‬
‫أكثر‬ ‫كل ٍ‬
‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫شياط ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعتراض ِ‬ ‫امللح ِدين‪ ،‬أو أصا َبها‬
‫انتقاد ِ‬‫ِ‬ ‫م ِ‬
‫ني‬ ‫شبهات‬
‫ُ‬ ‫مستها‬ ‫أهل ال ُعلو ِم احلديثة‪ ،‬أو َّ‬ ‫ُ‬ ‫وض َع‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واإلنس وأوها ُمهم‪.‬‬ ‫اجلن‬
‫ِّ‬
‫نت حقائ َقها ونِكاتِها‬ ‫ِ‬
‫اآليات وب َّي ْ‬ ‫اخلامسة والعرشون» تلك‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫«الكلمة‬ ‫لت هذه‬ ‫َناو ْ‬
‫ولقد ت َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فضل و ٍ‬
‫ومدار‬ ‫ضعف‬ ‫نقاط‬ ‫اإلحلاد والعلو ِم من‬ ‫إن ما ظنَّه ُ‬
‫أهل‬ ‫بحيث ّ‬
‫ُ‬ ‫جه‪،‬‬ ‫الدقيق َة عىل َأ ِ َ‬
‫ِ‬
‫بالغة القرآن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كمال‬ ‫ومنابع‬ ‫ٍ‬
‫إعجاز‬ ‫لمعات‬
‫ُ‬ ‫بقواعدها العلم ّي ِة أنه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الرسالة‬ ‫نقص‪َ ،‬أثبت ِ‬
‫َت‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫بهة ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫قاطعة من دون ِذ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نفسها وذلك لئال‬ ‫كر ُّ‬ ‫بأجوبة‬ ‫يب عنها‬ ‫بهات فقد ُأ ِج َ‬‫الش ُ‬ ‫أ َّما ُّ‬
‫األذهان‪ ،‬كام يف اآلية الكريمة‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ‪( ﴾..‬يس‪ ﴿ )38:‬ﭩ ﭪ﴾‬ ‫ُ‬ ‫َتتَكدّ َر‬
‫حول ٍ‬
‫عدد من‬ ‫األو ِل من الكلمة العرشين َ‬ ‫إل ما ذكرناه من ُش ُب ِ‬ ‫(النبأ‪ّ ،)7:‬‬
‫هاتم يف املقام ّ‬
‫اآليات‪.‬‬
‫عة ّ‬
‫إل‬ ‫غاية الس ِ‬
‫شديد ويف ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫باختصار‬ ‫إن هذه الرسال َة «املعجزات القرآنية» وإن كُتِ َبت‬ ‫ثم ّ‬
‫ُّ‬
‫يـر‬ ‫ٍ ِ‬ ‫بأسلوب علمي ِ‬
‫رص ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعميق ُيث ُ‬ ‫ني‬ ‫ٍّ‬ ‫العربية بيانًا شافيا‬ ‫البالغة وعلو َم‬ ‫جانب‬
‫َ‬ ‫أهنا قد َب َّينَت‬
‫ِ‬
‫العلامء‪.‬‬ ‫إعجاب‬
‫َ‬
‫حق‬‫مهتم وال يستفيدُ منه َّ‬ ‫كل‬ ‫بحث من بحوثِها ال يست ِ‬
‫َوع ُبه ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫أن َّ‬
‫الرغم من َّ‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وعىل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الوارفة‪.‬‬ ‫الرياض‬ ‫لكل ح َّظه َّ‬
‫املهم يف تلك‬ ‫الفائدة‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫قصور يف‬ ‫والرسالة وإن ُأ ِّل َفت يف أوضا ٍع ُمض َط ِر ٍبة وكُتِ َبت عىل َع َج ٍل‪ ،‬ومع ما فيها من‬
‫ُ‬
‫نظر ِ‬
‫الع ِ‬
‫لم‪.‬‬ ‫املهمة من ِو ِ‬
‫جهة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املسائل‬ ‫حقائق ٍ‬
‫كثير من‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫والتعبيـر‪ّ ،‬‬
‫إل أهنا قد َب َّينَت‬ ‫ِ‬
‫اإلفادة‬
‫س‬ ‫سعيدٌ الن ِ‬
‫ُّور ّ‬
‫ْ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪432‬‬

‫��س�ا ��ة ا �ل� م�ع���ج�زا ت ا �ل��ق�� �آ ن����ة‬


‫� ري‬ ‫ر ل� �‬

‫﷽‬
‫﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ (اإلرساء‪)88:‬‬

‫ِ‬
‫احلكيم‬ ‫ِ‬
‫للقرآن‬ ‫ُحدُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لقد َأ َشنا إىل ِ‬
‫إعجاز ال ت َ‬ ‫وجوه‬ ‫وجها من‬
‫ً‬ ‫أربعني‬
‫َ‬ ‫نحو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعجزات واملعجز ُة الكربى للر ِ‬
‫رسائيل‬ ‫ِ‬
‫الكريم ﷺ‪ ،‬وذلك يف‬ ‫سول‬ ‫َّ‬ ‫ا َّلذي هو ُ‬
‫منبع‬
‫ِ‬
‫اإلعجاز يف‬ ‫بـ«إشارات‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العربية‪ ،‬ويف تفسريي املوسو ِم‬ ‫ِ‬
‫النور‬ ‫ِ‬
‫رسائل‬ ‫ِ‬
‫العربية‪ ،‬ويف‬
‫الكلامت األرب ِع والعرشين الس ِ‬
‫ابقة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلجياز» ويف‬ ‫ِّ‬
‫مظان‬
‫َ ّ‬
‫ِ‬
‫التفصيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بيشء من‬ ‫ِ‬
‫الوجوه ونُب ِّينُها‬ ‫ٍ‬
‫خمسة من َ‬
‫تلك‬ ‫نشري إىل‬ ‫ِ‬
‫ويف هذه الرسالة ُ‬
‫جمل ًة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ون ِ‬
‫سائر الوجوه ُم َ‬
‫ُدر ُج فيها َ‬
‫الكريم وماه َّي ِته‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫تعريف‬ ‫نشري إىل‬ ‫ِ‬
‫ويف املقدمة ُ‬
‫� �� � � ��� � � � � ‬
‫‪433‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬

‫املقدمة‬
‫ِّ‬
‫عبارة ٌ عن ثلاثة ِ أجزاءٍ‬

‫األول‬
‫اجلزء َّ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫القرآن ما هو؟ وما تعر ُيفه؟‬
‫القرآن‪:‬‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫رسائل أخرى َّ‬ ‫عش َة و ُأثبِ َت يف‬ ‫ِ‬
‫الكلمة التاسع َة ْ‬ ‫لقد ُو ِّض َح يف‬
‫ِ‬
‫الكبري‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫ِ‬
‫لكتاب‬ ‫الترجمة األزل ّي ُة‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ِ‬
‫التكوينية‪..‬‬ ‫ِ‬
‫لآليات‬ ‫ِ‬
‫التالية‬ ‫ِ‬
‫املتنوعة‬ ‫األبدي أللسنتِها‬ ‫َّرج ُ‬
‫مان‬
‫ُّ‬ ‫والت ُ‬
‫ِ‬
‫والشهادة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫ِ‬
‫كتاب عا َل ِم‬ ‫فس ُر‬
‫و ُم ِّ‬
‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫ِ‬
‫صحائف‬ ‫ِ‬
‫املسترتة يف‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫لألسامء‬ ‫ِ‬
‫املعنوية‬ ‫ِ‬
‫الكنوز‬ ‫ِ‬
‫ملخفيات‬ ‫اف‬ ‫وكذا هو ّ‬
‫كش ٌ‬
‫ِ‬
‫واألرض‪..‬‬
‫ِ‬
‫احلادثات‪..‬‬ ‫ِ‬
‫سطور‬ ‫الشؤون الم ْضم ِ‬
‫رة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلقائق‬ ‫مفتاح‬ ‫وكذا هو‬
‫ُ َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الشهادة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الغيب يف عامل‬ ‫لسان عا َل ِم‬
‫ُ‬ ‫وكذا هو‬
‫ِ‬
‫الواردة‬ ‫ِ‬
‫الرمحانية‬ ‫ِ‬
‫األبدية‬ ‫ِ‬
‫وااللتفاتات‬ ‫ِ‬
‫السبحانية‬ ‫ِ‬
‫األزلية‬ ‫خزينة للمخا َط ِ‬
‫بات‬ ‫ٌ‬ ‫وكذا هو‬
‫ِ‬
‫الشهادة هذا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫حجاب عا َل ِم‬ ‫ِ‬
‫املستور ورا َء‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫من عا َل ِم‬
‫وأساسه وهندستُه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫املعنوي‬
‫ِّ‬ ‫شمس عا َل ِم اإلسال ِم‬
‫ُ‬ ‫وكذا هو‬
‫ِ‬ ‫قدس ٌة للعوالِ ِم‬
‫األخروية‪..‬‬ ‫وكذا هو خريط ٌة ُم َّ‬
‫ِ‬
‫لذات‬ ‫اطع‬ ‫َّرج ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الس ُ‬
‫مان َّ‬ ‫القاطع والت ُ‬
‫ُ‬ ‫والبرهان‬ ‫الواضح‬
‫ُ‬ ‫والتفسير‬
‫ُ‬ ‫الشارح‬
‫ُ‬ ‫القول‬ ‫وكذا هو‬
‫وأسامئه وشؤونِه‪..‬‬
‫ِ‬ ‫اهلل وصفاتِه‬
‫ِ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪434‬‬
‫اإلنساين‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫وكذا هو املربِّ هلذا العا َل ِم‬
‫اإلسالم‪..‬‬ ‫ِ‬
‫لإلنسانية الكربى التي هي‬ ‫ِ‬
‫والضياء‬ ‫ِ‬
‫وكاملاء‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫البرش‪..‬‬ ‫ُ‬
‫الحقيقية لنو ِع‬ ‫ُ‬
‫الحكمة‬ ‫وكذا هو‬
‫ِ‬
‫السعادة‪..‬‬ ‫يسوق اإلنساني َة إىل‬
‫ُ‬ ‫وهو المرشدُ الم ِ‬
‫هدي الذي‬ ‫ُ‬
‫حكمة‪ ،‬وكام أنه كتاب ٍ‬
‫دعاء‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب‬ ‫ٍ‬
‫شريعة‪ ،‬كذلك هو‬ ‫كتاب‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان‪ :‬كام أنه‬ ‫وكذا هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كتاب ٍ‬
‫فكر‪..‬‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كتاب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ذكر كذلك هو ُ‬ ‫أمر ودعوة‪ ،‬وكام أنه ُ‬ ‫وعبودية‪ ،‬كذلك هو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫حاجات‬ ‫الكتب التي ُت ِّق ُق َ‬
‫مجيع‬ ‫لكل‬‫اجلامع ِّ‬ ‫ُ‬ ‫المقدَّ ُس‬
‫الكتاب الوحيدُ ُ‬‫ُ‬ ‫وهو‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫ولمسلك ِّ‬ ‫ِ‬
‫املختلفة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املشارب‬ ‫واحد من ِ‬
‫أهل‬ ‫ٍ‬ ‫ب ِّ‬
‫كل‬ ‫لمشر ِ‬ ‫برز‬ ‫ِ‬
‫املعنوية‪ ،‬حتى إنه قد َأ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫العرفاء واملح ِّققني رسال ًة الئق ًة‬ ‫والصدِّ يقني ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واحد من ِ‬
‫أهل املسالك املتباينة من األولياء ِّ‬
‫الساموي‬ ‫الكتاب‬ ‫ِ‬
‫وتصويره‪ ..‬فهذا‬ ‫ِ‬
‫المسلك‬ ‫ِ‬
‫ولمساق ذلك‬ ‫ِ‬
‫وتنويره‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المشرب‬ ‫ِ‬
‫ملذاق ذلك‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫بالكتب‪.‬‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مشحونة‬ ‫بمكتبة مقدَّ ٍ‬
‫سة‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫أشب ُه ما‬
‫ُ‬

‫وتتم ُة التعريف‬
‫اجلزء الثاين ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األعظم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العرش‬ ‫القرآن قد َ‬
‫نـزل من‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫عشةَ» و ُأ َ‬
‫ثبت فيها‪ّ :‬‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة الثاني َة ْ‬ ‫لقد ُو ِّضح يف‬
‫ِ‬
‫األسامء احلسنى‪..‬‬ ‫مرتبة لِك ُِّل ٍ‬
‫اسم من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أعظم‬ ‫ِ‬
‫األعظم‪ ،‬من‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫من‬
‫املوجودات‪ ،‬وهو خطا ُبه‬ ‫ِ‬ ‫بوصفه ِ‬
‫إله‬ ‫ِ‬ ‫أمر اهلل‬ ‫ِِ‬
‫رب العاملني‪ ،‬وهو ُ‬ ‫كالم اهلل َبو ْصفه َّ‬ ‫فهو ُ‬
‫خطاب‬ ‫ِ‬
‫املطلقة‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬
‫الربوبية‬ ‫ِ‬
‫بصفة‬ ‫مكاملة سامي ٌة‬
‫ٌ‬ ‫واألرض‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫بوصفه ِ‬
‫خالق‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫الرمحاين النّاب ِع‬ ‫ِ‬
‫والتكريم‬ ‫ِ‬
‫االلتفات‬ ‫ُّ‬
‫سجل‬ ‫الشاملة ال ُعظمى‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫السلطنة‬ ‫أز ٌّيل باسم‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫األلوهية‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ربانية تُب ِّي ُن عظم َة‬ ‫َ‬
‫رسائل‬ ‫ُ‬
‫مجموعة‬ ‫يشء‪ ،‬وهو‬ ‫بكل ٍ‬ ‫ِ‬
‫المحيطة ِّ‬ ‫ِ‬
‫الواسعة‬ ‫من رمحتِه‬
‫نازل من‬ ‫ينثر الحكم َة‪ٌ ،‬‬ ‫وش ْف ٌ‬ ‫رموز ِ‬ ‫ِ‬
‫بدايات ِ‬
‫الكتاب املقدَّ ُس الذي ُ‬ ‫ُ‬ ‫رات‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫بعضها‬ ‫إذ يف‬
‫األعظم‪.‬‬ ‫العرش‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫أحاط به‬ ‫األعظم َين ُظ ُر إىل ما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االسم‬ ‫ِ‬
‫حميط‬
‫ُ‬
‫اسم وهو‪:‬‬ ‫عليه دوما ما يستح ُّقه من ٍ‬ ‫طلق ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريم و ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫طلق عىل‬ ‫الرس ُأ َ‬ ‫ومن هذا ِّ‬
‫السالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لسائر األنبياء عليهم ّ‬ ‫املقدسة‬ ‫الكتب‬
‫ُ‬ ‫الكريم‬ ‫القرآن‬ ‫«كالم اهلل»‪ ،‬وتأيت بعدَ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫اإلهلية التي ال تَن َفدُ ‪ ،‬فمنها ما هو مكامل ٌة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صورة إلها ٍم‬ ‫الكلامت‬ ‫وص ُح ُفهم؛ أما ُ‬
‫سائر‬ ‫ُ‬
‫� �� � � ��� � � � � ‬
‫‪435‬‬ ‫��� ���� �� �������� ��‬
‫�������‬
‫ٍ‬
‫خاصة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبربوبية‬ ‫السم خصويص‪،‬‬‫ٍ‬ ‫خاص‬ ‫ٍّ‬
‫وبتجل‬ ‫جزئي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبعنوان‬ ‫خاص‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫باعتبار‬ ‫ناب ٍع‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫ٌ‬
‫خمتلفة جدا‬ ‫ِ‬
‫واحليوانات‬ ‫ِ‬
‫والبرش‬ ‫الم َل ِك‬ ‫ورحمة خصوص ّي ٍة‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فإلهامات َ‬
‫ُ‬ ‫خاص‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫وسلطان‬
‫حيث الكل ّي ُة واخلصوص ّي ُة‪.‬‬
‫من ُ‬

‫ُ‬
‫الثالث‬ ‫اجلزء‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ُب مجي ِع األنبياء المختلفة ُع ُص ُ‬
‫ورهم‪،‬‬ ‫إمجال ُكت َ‬ ‫يتضمن‬
‫ُ‬ ‫ساموي‬
‫ٌ‬ ‫كتاب‬
‫الكريم‪ٌ ،‬‬
‫َ‬ ‫القرآن‬ ‫إن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وآثار جمي ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫المختلفة مسالك ُُهم‪..‬‬ ‫األصفياء‬ ‫ورسائل مجي ِع األولياء المختلفة مشار ُبهم‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الشبهات‪..‬‬ ‫ِ‬
‫شائبة‬ ‫ِ‬
‫ظلامت األوها ِم‪ ،‬طاهر ٌة من‬ ‫رشقة ساطع ٌة نقي ٌة من‬
‫الست ُم ٌ‬
‫ُّ‬ ‫جهاتُه‬
‫والكالم األز ُّيل بال َي ِ‬
‫قني‪..‬‬ ‫الساموي‬ ‫الوحي‬ ‫ِ‬
‫استناده‪:‬‬ ‫إذ نقط ُة‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫األبدية باملشاه ِ‬
‫دة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫هد ُفه وغايتُه‪ :‬السعاد ُة‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالبداهة‪..‬‬ ‫هداية خالص ٌة‬
‫ٌ‬ ‫حمتوا ُه‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالرضورة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫أنوار‬ ‫َأعاله‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليقني‪..‬‬ ‫والبرهان ِ‬
‫بع ِ‬
‫لم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الدليل‬ ‫أسف ُله‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالتجربة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫جدان‬ ‫القلب ِ‬
‫والو‬ ‫ِ‬ ‫تسليم‬ ‫يمينُه‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليقني‪..‬‬ ‫واإلذعان ب َع ِ‬
‫ني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العقل‬ ‫تسخير‬
‫ُ‬ ‫يساره‪:‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليقني‪..‬‬ ‫بحق‬
‫اجلنان ِّ‬‫ِ‬ ‫ودار‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َث َمرتُه‪:‬‬
‫الرمحن ُ‬ ‫رحمة‬
‫ِ‬
‫الصادق‪.‬‬ ‫س‬ ‫واجلان باحلدْ ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫واإلنس‬ ‫الم َل ِك‬
‫قبول َ‬ ‫مقامه‪ُ :‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الثالثة‪ ،‬قد ُأثبِتَت‬ ‫ِ‬
‫بأجزائه‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫تعريف‬ ‫ِ‬
‫املذكورة يف‬ ‫ِ‬
‫الصفات‬ ‫إن كل ٍ‬
‫صفة من‬ ‫ّ‬
‫عاء من ِ‬ ‫ت جمرد اد ٍ‬ ‫ِ‬
‫دليل‪ ،‬بل ٌّ‬
‫كل‬ ‫دون ٍ‬ ‫َ ّ‬ ‫إثباتا قاطعا يف َمواض َع ُأخرى أو ستُث َبت‪ ،‬فدَ عوانا َ‬
‫ليس ْ‬
‫ِ‬
‫بالربهان القاطعِ‪.‬‬ ‫ربه ٌن‬
‫منها ُم َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪436‬‬

‫الشعل ُة األوىل‬
‫ُّ‬
‫شع ّ ٍ‬
‫ات‬ ‫ثلاث أَ ِ‬
‫ُ‬ ‫شعلة ُ لها‬
‫هذه ال ُّ‬

‫األو ُل‬
‫عاع ّ‬ ‫ُّ‬
‫الش ُ‬
‫بلاغة ُ القرآ ِ‬
‫ن معجزة ٌ‬
‫ِ‬
‫بداعة أساليبِه‬ ‫سن متانتِه‪ ،‬ومن‬
‫وح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البالغة املعجز ُة نَب َعت من جزالة َن ْظ ِم القرآن ُ‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫دقها‪ ،‬ومن‬ ‫وص ِ‬ ‫براعة بيانِه وتَفو ِقه وصفوتِه‪ ،‬ومن قو ِة معانِيه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودتا‪ ،‬ومن‬ ‫وج ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ َ‬ ‫ُّ‬ ‫وغرابتها َ‬
‫وسالستِها‪.‬‬‫َ‬
‫ِ‬
‫ألفاظه‬ ‫ِ‬
‫فصاحة‬
‫السنني‪ -‬أذكى‬ ‫َ‬ ‫وثالث ٍ‬
‫مئة من‬ ‫ِ‬ ‫القرآن الكريم ‪-‬منذ ٍ‬
‫ألف‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اخلارقة تَحدَّ ى‬ ‫ِ‬
‫البالغة‬ ‫هبذه‬
‫ُ ُ‬
‫فة‪ ،‬مع‬‫نت َش ٍ‬ ‫علامئهم‪ ،‬فام عار ُضوه‪ ،‬وما حاروا (‪ )1‬ببِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأعظم‬ ‫ِ‬
‫خطبائهم‬ ‫وأبرع‬ ‫ب ِ‬
‫لغاء َبني آد َم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫أن ِمن ُب َلغائهم‬ ‫وسهم بِ َهوان‪ ،‬مع َّ‬‫رؤ َ‬‫ذل‪ ،‬و َنك َُّسوا ُ‬ ‫شدة تَحدِّ يه إياهم‪ ،‬بل َخ َض َع ْت رقا ُبهم بِ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫وره‪.‬‬ ‫السحاب ب ُغ ُر ِ‬ ‫من ي ِ‬
‫ناط ُح‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ورت ِ‬
‫َني‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نُشري إىل ِ‬
‫بص َ‬
‫اإلعجاز يف بالغته ُ‬ ‫وجه‬ ‫ُ‬

‫الصور ُة األوىل‬
‫ُّ‬
‫مفاخرهم‬ ‫ِ‬
‫الوقت ُأ ِّم ِّي َ‬
‫ني‪ ،‬لذا كانوا َي َفظون‬ ‫ِ‬
‫العرب كانوا يف ذلك‬ ‫ِ‬
‫جزيرة‬ ‫ِ‬
‫سكان‬ ‫أكثر‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫إن َ‬
‫ِ‬ ‫أخالقهم يف ِش ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عرهم وبلي ِغ كالم ُ‬
‫هم‬ ‫ومحاسن‬
‫َ‬ ‫ووقائ َعهم التارخيي َة وأمثا َلهم وح َ‬
‫كمهم‬
‫ِ‬
‫األذهان و َيتَنا َق ُله‬ ‫املتنا َق ِل ِشفاها‪ ،‬بدَ ال من الكتابة؛ فكان الكالم احلكيم ذو املغزى ي ِ‬
‫ستق ُّر يف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫حارت شيئا‪ ،‬أي‪ :‬ما َر َّد ْت شيئا من الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫قيق‪،‬‬ ‫الرجوع عن اليشء وإِىل اليشء‪ ،‬و َط َحن َْت فام َأ َ‬
‫حل ْو ُر‪ُ :‬‬
‫(‪ )1‬ا َ‬
‫(القاموس املحيط)‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪437‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ُ‬
‫والبالغة‬ ‫ُ‬
‫الفصاحة‬ ‫الفطرية فيهم؛ دف َعتْهم إىل أن تك َ‬
‫ُون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلاجة‬ ‫ف‪ ،‬فهذه‬ ‫ف عن الس َل ِ‬ ‫الخ َل ُ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫أبطال‬ ‫القبيلة رمزا ِ‬
‫ملجدها و َب َطال من‬ ‫ِ‬ ‫واجا‪ ،‬حتى كان ُ‬
‫بليغ‬ ‫أسواق ِهم‬‫ِ‬ ‫أرغب متا ٍع يف‬
‫َ ْ‬ ‫وأكثره َر ً‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والقم ِة‬ ‫إسالم ِهم كانوا يف الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ساسوا العا َل َم ِبفطنَتِهم بعد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫دارة‬ ‫َّ‬ ‫وم الذين ُ‬ ‫فخرها‪ ،‬فهؤالء ال َق ُ‬
‫البالغة رائج ًة وحاجتُهم إليها شديد ًة حتى َي ُعدُّ وها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫فكانت‬ ‫البالغة بني ُأ َم ِم َ‬
‫العالِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يف م ِ‬
‫يدان‬ ‫َ‬
‫الوئام بينَهام بمجردِ‬ ‫تدور بني قبيلت ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫َني أو َي ُح ُّل ِ ُ َ‬ ‫احلرب ُ‬ ‫ِ‬ ‫اعتزازهم‪ ،‬بل حتى كانت َرحى‬ ‫مدار‬
‫َ‬
‫وع َّل ُقوها عىل‬ ‫ِ‬ ‫الذ َه ِ‬ ‫ِ‬
‫سبع قصائدَ بامء َّ‬ ‫ِ‬
‫شعرائهم َ‬ ‫ب ألبل ِغ‬ ‫كال ٍم َيصدُ ُر عن بليغهم‪ ،‬بل َكتَبوا َ‬
‫رمز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فخرهم‪.‬‬ ‫بع» التي هي ُ‬ ‫جدار الكعبة‪ ،‬فكانت «املع ّلقات ّ‬
‫الس َ‬
‫البالغة قم َة ِ‬ ‫ِ‬
‫الوقت الذي َب َل َغ ْت فيه‬ ‫ففي ِ‬
‫ومرغوب فيها إىل هذا احلدِّ ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫جمدها‪،‬‬ ‫ُ ّ‬ ‫مثل هذا‬
‫ِ‬
‫جنس‬ ‫سيدنا موسى وعيسى عليهام السالم من‬ ‫‪-‬بمثل ما كانت معجز ُة ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكريم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫نَـزل‬
‫ُ‬
‫الوقت ُمتحدِّ يا ببالغتِه بالغ َة‬
‫ِ‬ ‫ب‪ -‬نَـزل يف هذا‬‫حر وال ِّط ُّ‬‫الس ُ‬
‫ِ‬
‫ما كان رائجا يف زمانام‪ ،‬وهو ِّ‬
‫ٍ‬
‫سورة‬ ‫ِ‬
‫بأقرص‬ ‫ِ‬
‫واإلتيان ولو‬ ‫العرب إىل معارضتِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التالية‪ ،‬ودعا بلغا َء‬ ‫ِ‬
‫العصور‬ ‫ِ‬
‫عرصه ِّ‬
‫وكل‬
‫اهم بقولِه تعاىل‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫من ِ‬
‫مثله‪ ،‬فتَحدَّ ُ‬
‫ﯭ ﴾ (البقرة‪ )23:‬واشتدَّ عليهم بالتحدِّ ي‪ ﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﴾‬
‫ف‬ ‫كس غرورهم‪ ،‬وي ِ‬
‫ستخ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫(البقرة‪ )24:‬أي ستُسا ُقون إىل‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫املصري؛ فكان هذا َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫جهنم وبئس‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬أي إ ّما أن‬ ‫بع ِ‬
‫قولم و ُيس ِّف ُه أحال َمهم‪ ،‬و َيقيض عليهم يف الدنيا باإلعدا ِم كام هو يف‬ ‫ُ‬
‫خطر‪ ،‬ما ُدمتُم ُم ِص ِّرين عىل الك ِ‬
‫ُفر!‬ ‫رواحكم وأموا َلكم يف ٍ‬
‫أن َأ َ‬ ‫بمثله أو َّ‬‫تأتوا ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مكن ًة فهل ي ِ‬


‫المعارضة م ِ‬ ‫ِ‬
‫والدمار‪ ،‬وهي‬ ‫احلرب‬ ‫طريق‬ ‫اختيار‬
‫ُ‬ ‫مك ُن‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫كانت‬ ‫وهكذا فلو‬
‫هينة‪ ،‬تلك هي معارضتُه ببِض َع ِة َأس ُط ٍر‬
‫سهلة ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫طريق‬
‫ٌ‬ ‫أشدُّ َخ َطرا وأكثر م َش ّق ًة‪ ،‬وبني ِ‬
‫أيدهيم‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫إلبطال َدعواه وتَحدِّ يه؟‬ ‫متاث ُله‪،‬‬

‫بسياستِهم وفِطنتِهم أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫العالم‬
‫َ‬ ‫أجل‪ ،‬هل ُيمك ُن ألولئك القو ِم األذكياء الذين ُ‬
‫أداروا‬
‫أرواحهم وأموا َلهم إىل‬ ‫َ‬ ‫الطريق الصعب َة التي تُلقي‬
‫َ‬ ‫وخيتاروا‬
‫ُ‬ ‫وأسلمها‪،‬‬
‫َ‬ ‫طريق‬‫ٍ‬ ‫َ‬
‫أسهل‬ ‫َيرتكُوا‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫َخ َّلى‬ ‫ٍ‬
‫حروف‪َ ،‬لت َ‬ ‫ِ‬
‫ببضعة‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫عار ُضوا‬ ‫غائهم أن ُي ِ‬‫باستطاعة ب َل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلالك؟ إذ لو كان‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املريعة‬ ‫ِ‬
‫احلرب‬ ‫طريق‬ ‫أهنم اختاروا‬ ‫ُ‬ ‫عن دعواه‪ ،‬و َلن ََجوا من الدَّ ِ‬
‫َ‬ ‫واحلال ُ‬ ‫واملعنوي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫املادي‬
‫ِّ‬ ‫مار‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪438‬‬
‫ِ‬
‫األحوال‪ ،‬لذا‬ ‫ٍ‬
‫بحال من‬ ‫ِ‬
‫باحلروف حمال ٌة وال يمكنُهم ذلك‬ ‫الطويلة‪ ،‬بمعنى أن املعارض َة‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫بالسيوف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املقارعة‬ ‫عمدوا إىل‬
‫َ‬
‫وإتيان َمثِيلِه ُ‬
‫وها‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫ملعارضة‬ ‫القو ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن هناك داف َعني يف غاية ّ‬ ‫ثم ّ‬
‫عارضتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رص األعداء عىل ُم َ‬ ‫األو ُل‪ :‬ح ُ‬ ‫ّ‬
‫َقليده‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األصدقاء عىل ت ِ‬ ‫ف‬‫الثاين‪َ :‬ش َغ ُ‬
‫ُب بالعربي ِة‪ ،‬من ِ‬
‫دون أن‬ ‫ماليين ال ُكت ِ‬ ‫ني الشديدَ ِ‬
‫ين‬ ‫هذين الدافِ َع ِ‬ ‫حتت ِ‬
‫تأثري َ‬ ‫ولقد ُأ ِّل َف ْت َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كل من يراها ‪-‬سوا ٌء أكان عالِ ًـم أو جاهال‪-‬‬ ‫قط‪ ،‬إذ ُّ‬ ‫ِ‬
‫بالقرآن ُّ‬ ‫كتاب واحدٌ منها َش ً‬
‫بيها‬ ‫ُون ٌ‬ ‫يك َ‬
‫َ‬ ‫القرآن ال يشبه هذه ال ُكتُب‪ ،‬وال ي ِ‬
‫مك ُن أن ُي ِ‬ ‫ال ُبدَّ أن َ‬
‫القرآن قطعا؛‬ ‫عار َض واحدٌ منها‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫يقول‪:‬‬
‫ِ‬
‫واألصدقاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األعداء‬ ‫حمال بات ِ‬
‫ِّفاق‬ ‫باطل ٌ‬
‫الكل‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫القرآن أدنى بالغ ًة من ِّ‬ ‫َ‬ ‫وهلذا فإ َّما َّ‬
‫أن‬
‫سمى و َأعىل‪.‬‬‫القرآن َفو َقها مجي ًعا‪ ،‬و َأ َ‬
‫َ‬ ‫وإ َّما َّ‬
‫أن‬
‫نفسه و َموهبتِه‬
‫عتمدْ أحدٌ عىل ِ‬
‫اول املعارض َة؟ أمل ي ِ‬
‫َ‬ ‫أن أحدً ا مل ُي ِ‬ ‫قلت‪ :‬كيف نَع َل ُم ّ‬
‫فإن َ‬
‫ؤازر ُة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعضا؟‬
‫بعضهم ً‬ ‫بـر َز يف َميدان التحدِّ ي؟ َأومل َين َف ْع ُ‬
‫تعاونُهم و ُم َ‬ ‫ل َي ُ‬
‫ألن هناك َقض ّي َة‬ ‫املحاولة قائم ًة ال َمال َة‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ضة م ِ‬
‫مكن ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لكانت‬ ‫المعار ُ ُ‬
‫َ‬ ‫كانت‬ ‫اجلواب‪ :‬لو‬
‫َ‬
‫لكان‬ ‫املعارضة قد َو َق َعت فِعال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كانت‬ ‫ِ‬
‫واألموال؛ فلو‬ ‫ِ‬
‫األرواح‬ ‫ِ‬
‫وهالك‬ ‫والعز ِة‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫الرشف‬
‫دائم‪ ،‬فلو ُو ِجدَ َمن ُيؤ ِّيدُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫املعار ِضني‬
‫ِ‬ ‫نحازون إليها‪ّ ،‬‬ ‫َ‬
‫كثريون ً‬ ‫ين ُ‬ ‫للحق والعنيد َ‬
‫ِّ‬ ‫ألن‬ ‫الكثريون َي ُ‬
‫املآثر‪ ،‬فكيف‬ ‫يف‪ ،‬و َيج َعلونَها يف ِ‬ ‫املعارض َة الشتَهرت‪ ،‬إذ كانوا ينظمون القصائدَ خلصا ٍم َط ِف ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫التاريخ؟‬ ‫ٍ‬
‫عجيب كهذا َيبقى َمستُورا يف‬ ‫برصا ٍع‬
‫اإلشاعات و َأق َب ُحها َطعنًا باإلسالم‪ ،‬ومل تُن َقل ِسوى بِض ِع‬
‫ِ‬ ‫َهر ْت َأشن َُع‬ ‫ِ‬
‫ولقد نُق َلت واشت َ‬
‫ٍ‬
‫بالغة ال‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ ،‬و ُم َس ِيل ُ‬ ‫مة الكذاب ملعار ِ‬ ‫ٍ‬
‫كلامت َت َق َّوهلا ُم َس ِيل ُ‬
‫مة هذا وإن كان صاح َ‬ ‫ضة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ومجال‬ ‫كل ُح ٍ‬
‫سن‬ ‫وق َّ‬ ‫ِ‬
‫القرآن التي ت ُف ُ‬ ‫ِ‬
‫بالغة‬ ‫ورنَت مع‬ ‫أن بالغتَه عندما ُق ِ‬ ‫إل ّ‬ ‫َهان هبا‪ّ ،‬‬ ‫ُيست ُ‬
‫قني‬ ‫ِ‬
‫القرآن َي ٌ‬ ‫ِ‬
‫بالغة‬ ‫فاإلعجاز يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫التاريخ‪،‬‬ ‫ُعدَّ ت ه َذيانًا‪ ..‬ون ُِق َل كالمه هكذا يف ص َف ِ‬
‫حات‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫األمر هكذا‪.‬‬ ‫ساوي أرب ًعا‪ ،‬وهلذا يك ُ‬ ‫َني يف اثن ِ‬
‫َني ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫رضب االثن ِ‬
‫ِ‬ ‫قني ِ‬
‫حاص ِل‬ ‫ك َي ِ‬
‫ُون ُ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪439‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬

‫الصور ُة الثاني ُة‬


‫ُّ‬
‫س نِ ٍ‬
‫قاط‪:‬‬ ‫بخ ْم ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن َ‬ ‫ِ‬
‫بالغة‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز يف‬ ‫س ُنب ُيِّ حكم َة‬
‫ِ‬
‫القرآن جزال ًة ِ‬
‫خارق ًة‬ ‫ ◆النقطة ُ ال ُأولى‪َّ :‬‬
‫إن يف نَظ ِم‬
‫آخ ِره ِ‬
‫هذه اجلزال َة‬ ‫اإلجياز» من َأولِه إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫مظان‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز يف‬ ‫«إشارات‬
‫ُ‬ ‫كتاب‬ ‫وقد َب ّين‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كل‬ ‫كم ُل ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن َع ِ‬ ‫النظم‪ ،‬إذ كام َّ‬‫ِ‬ ‫واملتان َة يف‬
‫والدقائق والساعات ُي ِّ‬ ‫الساعة العا َّد َة للثواين‬ ‫قار َب‬
‫ِّظام الذي يف كلامتِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كل ُجلة من ُج َم ِل القرآن‪ ،‬والن ُ‬
‫ٍ‬ ‫اآلخر‪ ،‬كذلك النّظم يف ه ِ‬
‫يئات ِّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫منها نِظا َم‬
‫وح تام يف ِ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وقد ُب ِّين ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الج َم ِل ٌّ‬ ‫واالنتظام الذي يف م ِ‬
‫التفسري‬ ‫كل ذلك ُبو ُض ٍ ٍّ‬ ‫كل جتاه‬ ‫ناسبة ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫مجل ُص َو ِرها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلارق َة يف َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫أن ُيشاهدَ هذه اجلزال َة‬ ‫َّن من ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املذك ِ‬
‫فلياج ْعه ل َيتَمك َ‬ ‫فمن شاء ُ‬ ‫ُور‪َ ،‬‬
‫لكل ُج ٍ‬
‫لة‪.‬‬ ‫قة ِّ‬ ‫الكلامت املتعانِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ني فقط لِ ِ‬
‫بيان َن ْظ ِم‬ ‫ُور ُد هنا ِمثا َل ِ‬
‫إل أنَّنا ن ِ‬
‫ّ‬

‫(األنبياء‪)46:‬‬ ‫األول‪ :‬قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾‬ ‫ُ‬


‫املثال ّ‬
‫ِ‬
‫الشديد ألق ِّله‪ ،‬وهلذا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العذاب‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫اجلملة مسوق ٌة إلظهار َه ِ‬
‫فإن‬ ‫التأثري‬ ‫بإظهار‬ ‫ولكن‬ ‫ول‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫هذه‬
‫اله َ‬
‫ول‪:‬‬ ‫بالقو ِة كي ُي ِ‬
‫ظه َر َ‬ ‫ِ‬
‫التقليل وت َُمدُّ ه ّ‬ ‫َ‬
‫التقليل تَن ُظ ُر إىل هذا‬ ‫ِ‬
‫اجلملة التي تُفيدُ‬ ‫ِ‬
‫هيئات‬ ‫جميع‬
‫َ‬
‫ولفظ ﴿ ﰄ ﴾ هو إصاب ٌة ٌ‬
‫قليلة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يوحي ِ‬
‫الق ّل َة‪..‬‬ ‫والشك ِ‬‫ُّ‬ ‫َّشك ِ‬
‫يك‪،‬‬ ‫فظ ﴿ ﮉ ﴾ هو للت ِ‬ ‫ف َل ُ‬
‫تدل‬‫أن صيغتَه ُّ‬ ‫قليلة‪ ،‬ف ُيفيدُ القل َة‪ ،‬كام َّ‬ ‫ولفظ ﴿ ﭠ ﴾ ما ّدتُه رائح ٌة ٌ‬ ‫ُ‬ ‫يفيدُ القل َة أيضا‪..‬‬
‫ين‬
‫َنو ُ‬ ‫املر ِة‪ -‬ف ُيفيدُ القل َة‪ ..‬وت ِ‬‫الص ِّيف‪َ :‬مصدَ ُر ّ‬ ‫ِ‬
‫التعبري َّ‬
‫ٍ‬
‫صغرية‪- ،‬كام يف‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ ،‬أي‬ ‫عىل‬
‫ُ‬
‫ولفظ‬ ‫صغري إىل حدٍّ ال ُيع َل ُم‪ ،‬ف ُينكَر‪..‬‬ ‫َقل ِيلها‪ ،‬بمعنى أهنا يش ٌء‬ ‫التنكري يف ﴿ ﭠ ﴾ هي لِت ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫للتبعيض‪ ،‬بمعنى ٍ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ِم ْن ﴾ هو‬
‫خفيف من‬ ‫ٌ‬ ‫ولفظ ﴿ ﭢ ﴾ هو ٌ‬
‫نوع‬ ‫ُ‬ ‫جزء‪ ،‬ف ُيفيدُ القل َة‪..‬‬
‫القه ِار‪،‬‬ ‫والعقاب‪ ،‬في ِشري إىل ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلزاء بالن ِ‬
‫ِّسبة إىل الن ِ‬
‫ولفظ ﴿ ﭣ ﴾ بدال من‪ّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫القلة‪..‬‬ ‫ِ ُ ُ‬ ‫َّكال‬
‫بإحساسه الش َفق َة والرمح َة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلب ِار‪ِ ،‬‬
‫املنتق ِم‪ ،‬ف ُيفيدُ القل َة أيضا وذلك‬ ‫ّ‬

‫الق َّل ِة‪ ،‬فكيف‬


‫اجلملة أنه‪:‬إذا كان العذاب شديدا ومؤ ِّثرا إىل هذا احلدِّ مع هذه ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا تُفيدُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫ول ِ‬
‫ين‬
‫الهيئات الصغريةُ‪ ،‬ف ُيع ُ‬
‫ُ‬ ‫اإلهلي؟ فتأ ّم ْل يف اجلملة َلتى كيف َتت َ‬
‫َجاو ُب‬ ‫ِّ‬ ‫قاب‬ ‫ُون َه ُ‬
‫يك ُ‬
‫ِ‬
‫اخلاصة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بجهته‬ ‫املقصدَ‬ ‫اآلخ َر‪ٌّ ،‬‬
‫فكل َي ُمدُّ‬ ‫كل َ‬ ‫ٌّ‬
‫َ‬
‫واملقص ِد‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اللفظ‬ ‫ينظر إىل حدٍّ َما إىل‬ ‫هذا ُ‬
‫املثال الذي ُسقنا ُه ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪440‬‬

‫(البقرة‪)3:‬‬ ‫ُ‬
‫املثال الثاين‪ :‬قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭢ ﭣ ﭤ﴾‬
‫بول الصدَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قة‪:‬‬ ‫يـر إىل مخسة ُشوط ل َق ِ َّ‬
‫يئات هذه اجلملة تُش ُ‬
‫فه ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫الش ُ‬
‫المتصدِّ ُق‬ ‫األو ُل‪ :‬املستفا ُد من «من» التَّبعيض ّية يف َلفظ ﴿ ﮨ ﴾ أي أن ال َي ُ‬
‫بس َط ُ‬ ‫رط ّ‬ ‫َّ‬
‫ط فيحتاج إىل الصدَ ِ‬ ‫كل البس ِ‬
‫قة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َيدَ ُه َّ َ ْ‬
‫يأخ َذ من َز ٍ‬
‫يد و َيتَصدّ َق عىل‬ ‫لفظ ﴿ ﭣ ﴾ أي أن ال ُ‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬املستفاد من ِ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫زق لكُم‪.‬‬‫ُون من مالِه‪ ،‬بمعنى‪ :‬تَصدَّ قوا مما هو ِر ٌ‬
‫ب أن يك َ‬ ‫مر‪ ،‬بل َ ِ‬
‫ي ُ‬ ‫َع ٍ‬
‫َ ْ‬
‫﴿ر َزقنا﴾ أي أن ال َي ُم َّن ف َيستَكثِ َر‪ ،‬أي ال ِمنّ َة‬ ‫الثالث‪ :‬املستفاد من ِ‬
‫لفظ «نا» يف‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الشرط‬
‫ُنف ُقون من مايل عىل ِ‬
‫عبدي‪.‬‬ ‫أرز ُقكم‪ ،‬وت ِ‬
‫لكم يف التصدُّ ِق‪ ،‬فأن َا ُ‬

‫الرابع‪ :‬املستفا ُد من ﴿ ﭤ ﴾ أي أن ُي ِنف َق عىل َمن َي َض ُعه يف حاجاتِه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫الشرط‬
‫ِ‬
‫السفاهة‪.‬‬ ‫الصدقة مقبول ًة عىل َمن َي ِ‬
‫رص ُفها يف‬ ‫ُ‬ ‫الرضورية و َن َفقتِه‪ّ ،‬‬
‫وإل فال تك ُ‬
‫ُون‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫باسم اهلل‪ ،‬أي‬ ‫ُون التصدُّ ُق‬
‫الخامس‪ :‬املستفا ُد من ﴿ ﭣ ﴾ أيضا‪ ،‬أي يك ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الشرط‬
‫ِ‬
‫باسمي‪.‬‬ ‫المال مايل‪ ،‬فعليكُم أن ت ِ‬
‫ُنف ُقوه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫باملال‪ ،‬تك ُ‬
‫ُون‬ ‫أن الصدق َة تك ُ‬
‫ُون‬ ‫يم يف التصدُّ ِق‪ ،‬إذ كام َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشوط هناك تَعم ٌ‬ ‫ومع هذه ُّ‬
‫والنصيحة كذلك‪ ،‬وت ُِش ُري إىل هذه األقسا ِم ُ‬
‫كلمة «ما» التي يف‬ ‫ِ‬ ‫ول ِ‬
‫والف ِ‬
‫عل‬ ‫لم أيضا‪ ،‬وبال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫بالع ِ‬
‫ٌ‬
‫مطلقة تفيدُ العمو َم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اجلملة بالذات‪ ،‬ألهنا‬ ‫وتشري إليها يف هذه‬ ‫موم َّيتِها‪،‬‬
‫﴿ ﮨ ﴾ بع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان خمس َة‬ ‫الجملة الوجيز ُة ‪-‬التي تُفيدُ الصدق َة‪ -‬إىل ِ‬
‫عقل‬ ‫ُ‬ ‫تجو ُد هذه‬ ‫وهكذا ُ‬
‫ِ‬
‫هبيئاتا‪.‬‬ ‫الواسعِ‪ ،‬وت ِ‬
‫ُشع ُرها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ميدانا‬ ‫للصدقة مع ِ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رشوط‬
‫ِ‬
‫القرآنية ُن ُظ ٌم كثري ٌة ُ‬
‫أمثال هذه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اجلمل‬ ‫ِ‬
‫هيئات‬ ‫وهكذا‪ِ ،‬‬
‫فل‬
‫ِ‬
‫اآلخر؛ وكذا للكال ِم‬ ‫مثل ذلك‪ًّ ،‬‬
‫كل جتا َه‬ ‫واسع ُ‬ ‫يدان ن ٍ‬
‫َظم‬ ‫ِ‬
‫القرآنية أيضا َم ُ‬ ‫ِ‬
‫للكلامت‬ ‫وكذا‬
‫ٌ‬
‫دوائر ن ٍ‬
‫َظم كتلك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ولج َم ِله‬
‫القرآين ُ‬
‫ِّ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪441‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫فمثال قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ * ﭖ ﭗ * ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ * ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫(اإلخالص‪)4-1:‬‬ ‫ﭢ﴾‬
‫وثالث منها َم ِنف ّي ٌة‪ ،‬تُثبِ ُت ِس َّت‬
‫ٌ‬ ‫ثالث منها ُمث َبت ٌة‬‫ٌ‬ ‫اجلليلة فيها ِس ُّت ُج َم ٍل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫للج َم ِل‬ ‫مجلة منها تك ُ‬ ‫فكل ٍ‬ ‫الرشك؛ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫مراتب من التوحيد كام ُتر ُّد ست َة أنوا ٍع من‬
‫ُون دليال ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لكل مجلة َمعنَ َي ِ‬
‫باعتبار أحدمها نتيج ًة‪،‬‬ ‫ني‪ ،‬تك ُ‬
‫ُون‬ ‫ُون نتيج ًة هلا‪ ،‬ألن ِّ‬ ‫خرى كام تك ُ‬ ‫األُ َ‬
‫اآلخ ِر َدلِ ً‬
‫يل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وباعتبار َ‬
‫اإلخالص‪ ..‬سور م ِ‬ ‫ني ُسور ًة من ُس َو ِر‬ ‫اإلخالص تَشت َِم ُل عىل ثالثِ َ‬
‫نتظم ٌة‬ ‫ِ ُ ٌَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أي َّ‬
‫إن ُسور َة‬
‫بعضا‪ ،‬عىل الن ِ‬
‫َّحو اآليت‪:‬‬ ‫بعضها ً‬ ‫دالئل ُيثبِ ُت ُ‬
‫َ‬ ‫ُمركَّب ٌة من‬
‫أحدٌ ‪ ،‬ألنه َص َمدٌ ‪ ،‬ألنه مل ِيلدْ ‪ ،‬ألنه مل ُيو َلدْ ‪ ،‬ألنه مل يكُن له ك ُف ًوا‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﴾‪ :‬ألنه َ‬
‫أحدٌ ‪.‬‬
‫وكذا‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ ‪ :‬ألنه مل ُيو َلدْ ‪ ،‬ألنه مل َي ِلدْ ‪ ،‬ألنه َص َمدٌ ‪ ،‬ألنه أحدٌ ‪،‬‬
‫اهلل‪.‬‬
‫ألنه هو ُ‬
‫أحدٌ ‪ ،‬فهو َص َمدٌ ‪ ،‬فإذن مل َي ِلدْ ‪ ،‬فإذن مل ُيو َلدْ ‪ ،‬فإذن مل يكُن له ك ُف ًوا‬
‫وكذا‪ ﴿ :‬ﭒﭓ ﴾ فهو َ‬
‫فقس عىل هذا ِ‬
‫الـم ِ‬
‫نوال‪.‬‬ ‫أحدٌ ‪ ،‬وهكذا ِ‬
‫َ‬
‫ومثال‪ :‬قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭑ * ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﴾ (البقرة‪)2-1:‬‬
‫فباعتبار ِ‬
‫ِ‬ ‫كل من هذه الجم ِل األرب ِع معن ِ‬ ‫ِ‬
‫خرى‪،‬‬ ‫للج َم ِل األُ َ‬ ‫ُون دليال ُ‬ ‫أحدمها يك ُ‬ ‫َيان‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫فل ٍّ‬
‫نقش ن ِ‬ ‫ِ‬
‫عش خ ًّطا من‬ ‫إعجازي من س ّت َة َ َ‬
‫ٌّ‬ ‫َظم ٌّي‬ ‫حص ُل من هذا ٌ‬ ‫اآلخ ِر نتيج ًة هلا‪ ..‬ف َي ُ‬
‫وباعتبار َ‬
‫ِ‬ ‫املناس ِبة‬ ‫ِ‬
‫والعالقة‪.‬‬ ‫ُخ ُطوط َ‬
‫اآليات القرآن ّي ِة َعينًا‬
‫ِ‬ ‫آية من ِ‬
‫أكثر‬ ‫لكل ٍ‬
‫كأن ِّ‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز» حتى َّ‬ ‫«إشارات‬
‫ُ‬ ‫كتاب‬
‫وقد َب َّي ذلك ُ‬
‫ِ‬
‫املناسبات‬ ‫كل منها ُخطوطا معنو ّي ًة من‬ ‫جها ُم َتو ِّجها إليها‪ ،‬فت َُمدُّ إىل ٍّ‬ ‫ِ‬
‫وو ً‬‫ناظر ًة إىل أكثر اآليات‪َ ،‬‬
‫وخ ُري‬‫عشةَ»‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫«الكلمة الثالث َة ْ‬ ‫َقشا إعجاز ًّيا‪ ،‬كام ُب ِّين ذلك يف‬ ‫ِ‬
‫واالرتباطات‪ ،‬ناسج ًة ن ً‬
‫َّظم هذه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جلزالة الن ِ‬ ‫رشح‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلعجاز» إذ من ّأو ِل‬
‫ِ‬ ‫شاه ٍد عىل هذا‬ ‫ِ‬
‫الكتاب إىل آخره ٌ‬ ‫«إشارات‬
‫ُ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪442‬‬

‫ ◆النقطة ُ الثانية‪ :‬البالغ ُة ِ‬


‫اخلارق ُة يف َمعناه‬
‫َذو َق بالغ َة املعنى‬ ‫عشةَ»‪ ،‬إذا ِش َ‬
‫ئت أن َتت ّ‬
‫ِ‬
‫«الكلمة الثالث َة ْ‬ ‫وض ِح يف‬ ‫ِ‬
‫ان ُظ ْر إىل هذا املثال ُ‬
‫الم َّ‬
‫َصور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف اآلية الكريمة‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﴾ (احلديد‪ ،)1:‬فت َّ‬
‫ِ‬
‫واجلهل‪ ،‬فبينام‬ ‫ِ‬
‫البداوة‬ ‫العرص اجلاه ‪ ،‬ويف ص ِ‬
‫حراء‬ ‫ِ‬ ‫ُور القرآن‪ ،‬يف ذلك‬ ‫ِ‬
‫جميء ن ِ‬ ‫نفس َك َ‬
‫قبل‬
‫َ‬ ‫يلِّ‬ ‫َ‬
‫اجلمود والطبيعة‪ِ،‬‬
‫ِ‬ ‫ف بغالفِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫اجلهل و ُل َّ‬ ‫ظالم‬
‫ُ‬ ‫وغش َيه‬ ‫كل يشء قد ُأسد َل عليه ُ‬
‫ستار الغفلة َ‬ ‫جتدُ َّ‬
‫ُشاهدُ بصدَ ى قولِه تعاىل‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﴾ (احلديد‪ )1:‬أو ﴿ ﮒ ﮓ‬ ‫إذا بك ت ِ‬
‫اهلام ِ‬
‫دة‬ ‫املوجودات ِ‬
‫ِ‬ ‫ت الحيا ُة يف تلك‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﴾ (اإلرساء‪ )44:‬قد دب ِ‬
‫َّ‬
‫َنه ُض ُمس ِّبح ًة ذاكر ًة اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أو الـم ّيتة بصدَ ى ﴿ ﯛ ﴾ و ﴿ ﮒ ﴾ يف أذهان السامعني فت َ‬
‫واألرض التي ت َِد ُّب فيها‬ ‫نجوم جامدةٌ‪،‬‬ ‫املظلمة التي ت ِ‬
‫َستع ُر فيها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫وإن َوج َه‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫كل‬ ‫فم ٍ‬
‫ذاكر هلل‪ُّ ،‬‬ ‫وبنوره إىل ٍ‬‫ِ‬ ‫السام ِعني بصدَ ى ﴿ ﮒ ﴾‬ ‫ِ‬ ‫َحو ُل يف ن َظ ِر‬
‫خملوقات عاجزةٌ‪َ ،‬تت ّ‬‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫َحو ُل َوج ُه‬ ‫ٍ ِ‬
‫األرض بذلك الصدَ ى‬ ‫نور احلقيقة و َي ُب ُّث حكم ًة حكيم ًة بالغ ًة؛ و َيت ّ‬ ‫نجم ُيش ُّع َ‬
‫وجميع‬ ‫ِ‬
‫والتقديس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالتسبيح‬ ‫عظيم‪ ،‬والبر والبحر لِسانَني يله ِ‬
‫جان‬ ‫ٍ‬ ‫ونوره إىل ٍ‬
‫رأس‬ ‫الساموي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُّ‬ ‫ِّ‬
‫األرض ك َّلها تَنبِ ُض باحلياة‪ِ.‬‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫لكأن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫النباتات واحليوانات إىل كلمات ذاكرة ُمس ِّبحة حتى‬ ‫ِ‬

‫عشةَ» وهو قو ُله تعاىل‪:‬‬ ‫«الكلمة اخلامس َة ْ‬ ‫ِ‬ ‫املثال الذي ُأثبِ َت يف‬ ‫ِ‬ ‫ومثال‪ :‬ان ُظ ْر إىل هذا‬
‫﴿ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛﯜ * ﯞﯟﯠﯡ * ﯣﯤﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ * ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ (الرمحن‪ ﴿ )36-33:‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﴾ (امللك‪.)5:‬‬
‫ورون‬ ‫ُّ‬ ‫ول؟ إهنا ُتق ُ‬ ‫ِ‬
‫اآليات وتَد َّبر ما ُتق ُ‬
‫املغر ُ‬
‫واجلان‪ ،‬أهيا ُ‬ ‫اإلنس‬
‫ُ‬ ‫ول‪« :‬أهيا‬ ‫َمع هلذه‬
‫است ْ‬
‫تم ِّر ُغون يف‬ ‫ِ‬ ‫الم َتو ِّحلون ب َع ِ‬
‫الم َ‬
‫جزهم وضعفهم‪ ،‬أهيا املعاندُ ون اجلاحمُون ُ‬ ‫املتمر ُدون‪ُ ،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اخر ُجوا من حدود ُملكي وسلطاين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فقر ِهم وضعفهم! إنكم إن مل تُطي ُعوا‬ ‫ِ‬
‫أوامري‪ ،‬فه َّيا ُ‬
‫واألقامر‬ ‫النجوم‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫سلطان‬ ‫إن استَطعتُم! فكيف َتتَجر ُؤون إذن عىل ِعصيان ِ‬
‫أوام ِر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫تأه ُبون‪ ..‬فأنتُم ب ُطغيانِكُم هذا إنام ت ِ‬
‫ُبار ُزون‬ ‫ِ‬
‫بأوامره‪ ،‬كأهنا جنو ٌد ُم ِّ‬ ‫َأمتر‬ ‫ِ‬
‫والشموس يف قبضته‪ ،‬ت ُ‬
‫ُ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪443‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ِ‬
‫كاجلبال‪ ،‬حتى‬ ‫بقذائف‬
‫َ‬ ‫رجوا‬ ‫جليل له جنود مطيعون م ِهيبون يست ِ‬
‫َطي ُعون أن َي ُ‬ ‫ً‬ ‫عظيم‬ ‫حاكم‬
‫ُ َ ُ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ٍ‬ ‫مملكة ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جليل‪ ،‬له‬ ‫ٍ‬
‫عظيم‬ ‫مالك‬ ‫َح ّم َلت‪ ..‬وأنتم بكُفرانكم هذا إنام َتت ّ‬
‫َمر ُدون يف‬ ‫شياطينَكم لو ت َ‬
‫ِ‬
‫واجلبال‪-‬‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫ضخامة‬ ‫ستطيعون أن ي ِ‬
‫قص ُفوا أعدا ًء كفر ًة ‪-‬ولو كانوا يف‬ ‫جنود عظام ي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬
‫ِّتونم؛ فكيف‬ ‫مز ُق َ‬
‫ونم و ُيشت َ‬
‫ِ‬
‫واجلبال‪ ،‬ف ُي ِّ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫كأمثال‬ ‫وشظايا من ٍ‬
‫هليب‬ ‫لته ٍبة َ‬ ‫بقذائف ُم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫‪-‬بإذن‬ ‫ضعيفة أمثالِكُم؟! وأنتم ُتالِ ُفون قانونًا صار ًما َيرتبِ ُط به َمن له القدر ُة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمخلوقات‬
‫أمثال النجو ِم»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ورامجات َ‬ ‫قذائف‬
‫َ‬ ‫مط َر عليكم‬ ‫اهلل‪ -‬أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قو َة معاين ِ‬ ‫ِقس يف ض ِ‬
‫وء هذا ِ‬
‫إفاداتا‪.‬‬ ‫ورصان َة بالغتها‪ُ ،‬‬
‫وس ُم َّو‬ ‫سائر اآليات َ‬ ‫املثال ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫ ◆النُّقطة ُ الثالثةُ‪ :‬ال َبداع ُة ِ‬


‫اخلارق ُة يف أسلوبِه‬
‫قط‬ ‫وبديعة كام أهنا عجيب ٌة و ُمقنِ ٌ‬
‫عة‪ ،‬مل ُيق ِّلد أحدا ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫غريبة‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫أساليب‬
‫َ‬ ‫إن‬‫نعم‪ّ ،‬‬
‫راو ِة أساليبِه وشباب ّيتِه وغرابتِه‬ ‫ِ‬ ‫يستطيع أحدٌ أن يق ِّلدَ ه‪ ،‬فلقد حا َف َظ وما ُ‬
‫يزال ُياف ُظ عىل َط َ‬ ‫ُ‬ ‫وال‬
‫مثلام ن ََزل ّأو َل َم ّر ٍة‪.‬‬

‫رات‪َ ،‬‬ ‫الش ْف ِ‬


‫الس َور تُشبِ ُه ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أمثال‪:‬‬ ‫ُور َة يف بدايات عدّ ة من ُّ‬ ‫المق َّطع َة املذك َ‬
‫احلروف ُ‬
‫َ‬ ‫فمثال‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫َحو ِس ٍّت من‬
‫﴿ ﭑ ﴾ ﴿ ﭑ ﴾ ﴿ ﭵ ﴾ ﴿ ﭬ ﴾ ﴿ ﮑ ﴾ ﴿ ﭓ ﴾ ‪ ،‬وقد َكتَبنا ن َ‬
‫ِ‬
‫اإلعجاز» نَذك ُُر منها‪:‬‬ ‫ِ‬
‫«إشارات‬ ‫ِ‬
‫إعجازها يف‬ ‫ِ‬
‫ملعات‬
‫ِ‬
‫اهلجائية من‬ ‫ِ‬
‫احلروف‬ ‫أزواج طبائ ِع‬
‫ِ‬ ‫ف َّ‬
‫كل‬ ‫الس َو ِر ُتن َِّص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫احلروف املذكُور َة يف بدايات ُّ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫األوتار‬ ‫ِ‬
‫الكثرية‪ ،‬أ ّما‬ ‫ِ‬
‫أقسامها‬ ‫ِ‬
‫وغريها من‬ ‫ِ (‪)1‬‬
‫خوة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املهم ِ‬
‫ُ‬ ‫والر َ‬
‫واملجهورة والشديدة ِّ‬
‫ُ‬ ‫وسة‬ ‫ُ‬

‫«ست َْش َح ُث َك َخ َص َفه» نِص ُفها وهي‬


‫ويم ُعها َ‬‫وس ِة» وهي ما َيض ُعف االعتام ُد عىل َم َر ِجه‪َ ،‬‬ ‫«املهم َ‬
‫ُ‬ ‫كر من‬ ‫(‪َ )1‬‬
‫فذ َ‬
‫ِ‬
‫ورة» نص ُفها َي َم ُعه « َلن ُيق َط َع أمر» ومن‬ ‫ِ‬
‫«املجه َ‬
‫ُ‬ ‫احلاء واهلاء والصاد والسني والكاف‪ ،‬ومن ال َبواقي‬
‫املجموعة يف « َأجدْ َت َطب َق َك» أربعة َيمعها « َأ ِقطك»‪ ،‬ومن البواقي «الر ِ‬
‫خوة» عرش ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثامنية‬ ‫«الشديدة»‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َرصه» ومن املط َبقة التي هي الصاد والضاد والطاء والظاء نصفها‪ ،‬ومن البواقي‬ ‫ِ‬ ‫«ح َس َعىل ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫جيم ُعها َ‬
‫روجها ويـجم ُعها «قد َطبِ َج» نص ُفها‬ ‫حروف تَض َط ِر ُب عند ُخ ِ‬
‫ٌ‬ ‫«املن َفتِحة» نص ُفها‪ ،‬ومن «ال َقل َقلة» وهي‬
‫َعلية» وهي التي َيتَص ّعدُ الصوت هبا يف‬ ‫أقل ثقال‪ ،‬ومن «املست ِ‬ ‫األقـل لقلتِها‪ ،‬ومن «الل ِّينتني» الياء ألهنا ُّ‬
‫ُّ‬
‫سبعة‪ :‬القاف والصاد والطاء واخلاء والغني والضاد والظاء نص ُفها ُّ‬
‫األقل‪ ،‬ومن‬ ‫ٌ‬ ‫الـحن َِك األعىل وهي‬ ‫َ‬
‫«الـمنخف َضة» نص ُفها‪« ...‬تفسري البيضاوي»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫البواقي‬
‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪444‬‬
‫النصف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اخلفيف‬ ‫القليل كال َقل َق ِ‬
‫لة‪ ،‬ومن‬ ‫ُ‬ ‫ِّصف‬ ‫ِ‬
‫الثقيل الن ُ‬ ‫يف‪ِ -‬‬
‫فم َن‬ ‫ِ‬
‫التنص َ‬ ‫‪-‬التي ال تَق َب ُل‬
‫كالذ ِ‬
‫القة‪.‬‬ ‫الكثري َّ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫العقل من بني هذه‬ ‫اخلفي الذي ال ُي ِ‬
‫دركُه‬ ‫ِ‬
‫الطريق‬ ‫ُ‬
‫واألخذ هبذا‬ ‫ِ‬
‫التنصيف‬ ‫فسلوكُه يف‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫المشتبِهة األعال ِم‪ ،‬ثم َس ُ‬
‫وق الكالم يف ذلك‬ ‫ٍ‬
‫تي احتامل‪ُ ،‬‬ ‫دة بني ِم َئ ِ‬
‫املتداخلة املرتد ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ال ُّط ُر ِق‬
‫قط‪ ،‬وال هو من ِ‬
‫شأن‬ ‫ِ‬
‫باألمر الذي يأيت مصادف ًة ُّ‬ ‫الواسعِ؛ ليس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امليدان‬ ‫ِ‬
‫السياق ويف ذلك‬
‫ِ‬
‫البرش‪.‬‬
‫ورموز ٌ‬
‫إهلية تُب ِّي ُن َخ ًسا‬ ‫ٌ‬ ‫الس َو ِر والتي هي ِش ْف ٌ‬
‫رات‬ ‫ِ‬
‫أوائل ُّ‬ ‫الحروف املق َّط ُ‬
‫عة التي يف‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫احلروف واملح ِّق ِقني من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أرسار‬ ‫إن علما َء ِع ِ‬
‫لم‬ ‫إعجاز ُأخرى‪ ،‬بل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ملعات‬ ‫أو ِستًّا من أرسار‬
‫ِ‬
‫اجلليلة‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫ووجدُ وا من‬ ‫األولياء قد استَخرجوا من هذه المق َّط ِ‬ ‫ِ‬
‫أرسارا كثري ًة جدًّ ا‪َ ،‬‬
‫ً‬ ‫عات‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫الباب ألننا‬ ‫عات معجز ٌة باهر ٌة بحدِّ ذاهتا‪ ،‬أ ّما نحن فلن نَفت ََح ذلك‬ ‫أن املق َّط ِ‬ ‫ثبت لدهيِم َّ‬ ‫ما ُي ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ُون مشهو ًدا لدى اجلميعِ‪،‬‬ ‫يع أن نُثبِتَها إثباتًا يك ُ‬ ‫ألرسارهم‪ِ ،‬زد عىل ذلك ال نَستط ُ‬ ‫ِ‬ ‫َلسنَا ً‬
‫أهل‬
‫ختص‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫س أو ِس ِّت‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز» من َخ ْم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإنّام ن ِ‬
‫إعجاز ُّ‬ ‫لمعات‬ ‫«إشارات‬ ‫باإلحالة إىل ما يف‬ ‫َكتفي‬
‫المق َّط ِ‬
‫عات‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واآليات‪،‬‬ ‫والمقص ِد‪،‬‬ ‫ور ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واآلن نُشير ِعدّ َة‬
‫َ‬ ‫الس َ‬‫باعتبار ُّ‬ ‫القرآن‪،‬‬ ‫أساليب‬ ‫إشارات إلى‬
‫ِ‬
‫والكلمة‪:‬‬ ‫والكالمِ‪،‬‬
‫تصف‬ ‫ُ‬ ‫نع َم الن َظ ُر فيها فإهنا‬ ‫فمثال‪ :‬سور ُة «النبأِ» ﴿ ﭑ ﭒ ‪ ﴾..‬إىل آخرها‪ ،‬إذا ُأ ِ‬
‫حيث‬ ‫القلب و ُيقنِ ُعه‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫مئ ُن‬‫بأسلوب بديع ي َط ِ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وجهنم‬
‫َ‬ ‫واحلشـر واجلن ِّة‬
‫ِ‬ ‫اآلخ ِ‬
‫رة‬ ‫أحوال ِ‬‫َ‬ ‫وتُثبِ ُت‬
‫ِ‬
‫األحوال‬ ‫كل من تلك‬ ‫هة إىل ٍّ‬ ‫توج ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أفعال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُبي ّ‬
‫وآثار ربانية ُم ِّ‬ ‫إهلية‬ ‫أن ما يف هذه الدنيا من‬ ‫ت ِّ ُ‬
‫َني منه‪:‬‬ ‫ول علينا‪ ،‬فسن ُِشري إىل ٍ‬
‫نقطة أو نُقطت ِ‬ ‫السورة ك ِّلها ي ُط ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسلوب‬ ‫إيضاح‬ ‫األخرو ّي ِة؛ وملا كان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األرض لكم مهدً ا قد ُب ِس َط َبس ًطا‬ ‫َ‬ ‫القيامة‪ :‬لقد َجعلنا‬ ‫ِ‬ ‫سته ِّلها إثباتا ليو ِم‬ ‫تقول السور ُة يف ُم َ‬ ‫ُ‬
‫أزواجا‬ ‫ً‬ ‫باخلزائن ملساكنِكم وحياتِكم‪ ،‬وخلقناكُم‬ ‫ِ‬ ‫والجبال أعمد ًة وأوتا ًدا مليئ ًة‬ ‫َ‬ ‫مجيل زاه ًيا‪،‬‬ ‫ً‬
‫الراحة‪،‬‬‫ِ‬ ‫ساترا لكم لتَخ ُلدوا إىل‬ ‫وجعلنا َ‬ ‫ٍ‬
‫الليل ً‬ ‫ببعض‪َ ،‬‬ ‫بعضكُم‬‫َتتَحا ُّبون فيام بينَكم ويأن َُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والنهار َميدانًا ملعيشتِكم‪،‬‬
‫الس ُحب لكم‬ ‫مصباحا ُمضي ًئا و ُمدْ ف ًئا لكم‪ ،‬و َأ َنزلنا من ُّ‬ ‫ً‬ ‫والشمس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بسيط أشياء شتَّى من مزه ٍرِ‬ ‫ٍ‬ ‫بسهولة من ماءٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما ًء باع ًثا عىل احلياة َي ِري َمرى ال ُعيون‪ ،‬ونُنش ُئ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪445‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫القيامة‪ -‬ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫واإلتيان به ليس‬ ‫نتظ ُركم؛‬ ‫َ‬ ‫يوم‬ ‫ِ‬
‫الفصل ‪-‬وهو ُ‬ ‫و ُمثم ٍر َيم ُل أرزا َقكم‪ ..‬فإذن ُ‬
‫يوم‬
‫ٍ‬
‫بعسري علينا‪.‬‬
‫ِ‬
‫اجلبال‬ ‫يـر‬ ‫ِ‬
‫القيامة من َس ِ‬ ‫ث يف يو ِم‬ ‫ِ‬
‫إثبات ما َيـحدُ ُ‬ ‫وبعد ذلك ُيشري إشار ًة خف ّي ًة إىل‬
‫أهل ِ‬ ‫ِ‬
‫الرياض اجلميل َة؛ وكأنه ُ‬
‫يقول‪:‬‬ ‫َ‬ ‫اجلنة‬ ‫جهنم‪ ،‬و َمن ِْح ِ‬
‫َ‬ ‫وتَنا ُث ِرها‪ ،‬وتَش ُّق ِق الساموات وت َ‬
‫َـه ُّي ِؤ‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬أي‬ ‫واألرض بِ َم ْر ًأى منكم َس َي ُ‬
‫فعل مث َلها يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلبال‬ ‫َ‬
‫األفعال يف‬ ‫يفعل هذه‬ ‫إن الذي ُ‬ ‫ّ‬
‫احلدائق التي يف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القيامة‪ ،‬وأ َّما‬ ‫ِ‬
‫اجلبال يو َم‬ ‫ِ‬
‫أحوال‬ ‫جبال تُشري إىل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫السورة من‬ ‫ِ‬
‫بداية‬ ‫إن ما يف‬‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النقاط عىل‬ ‫سائر‬
‫رياض اجلنة يف آخر السورة ويف اآلخرة‪ ..‬فق ْس َ‬ ‫صدر السورة َفت ُ‬
‫ُشيـر إىل‬
‫األسلوب ومدَ ى لطافتِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لو‬ ‫ِ‬
‫هذا لتُشاهدَ ُع َّ‬
‫ومثال‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ * ﮣﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫(آل عمران‪)27-26:‬‬ ‫ﯖﯗﯘﯙﯚ﴾‬
‫ب‬ ‫شؤون ٍ‬
‫إهلية‪ ،‬وما يف تَعا ُق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان من‬ ‫بأسلوب ٍ‬
‫عال رفي ٍع ما يف بني‬ ‫ٍ‬ ‫هذه ُ‬
‫اآلية ت ُِّبي‬
‫ِ‬
‫احلياة‬ ‫ٍ‬
‫ربانية‪ ،‬وما يف‬ ‫ٍ‬
‫ترصفات‬ ‫ِ‬
‫السنة من‬ ‫إهلية‪ ،‬وما يف ُف ُص ِ‬
‫ول‬ ‫جتليات ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫والنهار من‬ ‫ِ‬
‫الليل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫نيوي عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫األسلوب‬
‫ُ‬ ‫ربانية‪ ..‬هذا‬ ‫إجراءات‬ ‫ِ‬
‫األرض من‬ ‫وجه‬ ‫والنشـر الدُّ ِ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلشـر‬ ‫واملامت‬
‫مك ُن‬‫إن هذا األسلوب العايل ساطع ي ِ‬ ‫وحيث ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫النظر‪،‬‬ ‫عقول ِ‬
‫أهل‬ ‫َ‬ ‫سخ ُر‬ ‫وبديع إىل حدٍّ ُي ِّ‬ ‫ٍ‬
‫عال‬
‫ٌ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫الكنـز‪.‬‬
‫َ‬ ‫نفتح اآلن هذا‬ ‫رؤيتُه بأدنى َن َظ ٍر فال ُ‬
‫ومثال‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ * ﭤ ﭥ ﭦ * ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ * ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ (االنشقاق‪.)5-1:‬‬
‫أوامر اهلل سبحانه‪ ،‬تُب ِّينُها‬ ‫واألرض وامتِ ِ‬
‫ثالام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫ِ‬
‫انقياد‬ ‫اآليات مدى‬
‫ُ‬ ‫ُتبيِّ هذه‬
‫َ‬
‫إلنجاز متط َّل ِ‬ ‫َني َعسكَر َّيت ِ‬‫ؤس ُس دائرت ِ‬ ‫بأسلوب ٍ‬
‫بات‬ ‫ِ ُ‬ ‫َني‬ ‫عظيم ُي ِّ‬‫ً‬ ‫أن قائدً ا‬‫عال رفيعٍ؛ إذ كام َّ‬ ‫ٍ‬
‫اجلهاد‪ ،‬وإنه حاملا َي ِ‬
‫نتهي‬ ‫ِ‬ ‫وق إىل‬‫التجنيد والس ِ‬‫ِ‬ ‫وش َع ِ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫واجلهاد‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ناورة‬ ‫الـم‬ ‫كش َع ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلهاد‪ُ ،‬‬
‫َّ‬ ‫ب ُ‬
‫ٍ‬ ‫الدائرتني لِيست ِ‬ ‫َوج ُه إىل تَينِ َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شؤون ُأخرى‪ ،‬فقد انتهت‬ ‫َعم َل ُهام يف‬ ‫ِ َ‬ ‫والـمناورة َيت ّ‬
‫ُ‬ ‫اجلهاد‬ ‫وقت‬
‫ُ‬
‫نط َقت‪:‬‬ ‫بلسانا لو ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫وخدّ ِامها أو‬ ‫بلسان ُم َو َّظ ِفيها ُ‬
‫ِ‬ ‫َني ُ‬
‫تقول‬ ‫ُم ِه َّمتُهام‪ ،‬فكأن ك ًُّل من الدائرت ِ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪446‬‬
‫ِ‬
‫القديمة‬ ‫املكان من بقايا أعاملِنا‬
‫َ‬ ‫ُطه َر‬ ‫«يا ِ‬
‫قائدي َأ ِ‬
‫أوضاعنا ون ِّ‬
‫َ‬ ‫قليل كي نُه ِّي َئ‬
‫ً‬ ‫مهلنا‬
‫خارجا‪،‬‬
‫ً‬ ‫تقول‪« :‬فها قد َأل َقيناها‬
‫وتفضل علينا»‪ ،‬وبعد ذلك ُ‬ ‫َّ‬ ‫شرف‬ ‫خارجا‪ ..‬ثم ِّ‬
‫ً‬ ‫َطر َحها‬
‫ون َ‬
‫وخيـر»‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ومجيل‬ ‫حق‬ ‫مرك‪ ،‬فاف َع ْل ما تشا ُء فنحن ُمنقا ُدون ِ‬
‫ألمرك‪ ،‬فام تفع ُله ٌّ‬ ‫وع َأ ِ‬
‫فنحن َط ُ‬
‫َنقض‬ ‫واالمتحان‪ ،‬فعندما ت ِ‬
‫ِ‬ ‫َّكل ِ‬
‫يف‬ ‫واألرض دائرتان ُفتِحتا للت ِ‬ ‫ُ‬ ‫الساموات‬
‫ُ‬ ‫فكذلك‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وتقوالن‪« :‬يا ر َّبنا‬ ‫يف‪،‬‬‫َّكل ِ‬ ‫ِ‬
‫دائرة الت ِ‬ ‫بإذن اهلل ما يعو ُد إىل‬‫واألرض ِ‬ ‫ُ‬ ‫السماوات‬
‫ُ‬ ‫الـمدّ ةُ‪ ،‬تُخ ِّلي‬
‫ُ‬
‫حق»‪ ،‬فان ُظ ْر إىل ُس ُم ِّو‬ ‫وكل ما تفع ُله هو ٌّ‬
‫ب علينا‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استَخدمنا فيام تُريدُ ‪ ،‬فاالمت ُ‬
‫حق واج ٌ‬ ‫ثال ٌّ‬
‫اخلارق يف هذه اجلم ِل و َأ ِ‬
‫نع ِم الن َظ َر فيه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسلوب‬ ‫هذا‬
‫َُ‬
‫ومثال‪ ﴿ :‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﴾ (هود‪)44:‬‬

‫ِ‬
‫التمثيل‪،‬‬ ‫الكريمة ُنب ُ ُأسلوبا منها يف ِم ِ‬
‫رآة‬ ‫ِ‬ ‫بالغة هذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫طرة من ِ‬
‫بحر‬ ‫لإلشارة إىل َق ٍ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫يِّ‬
‫وق ُفوا‬‫َّرص‪َ « :‬أ ِ‬ ‫ِ‬
‫إحراز الن ِ‬ ‫ٍ‬
‫شاملة يأ ُم ُر َ‬
‫جيشه بعد‬ ‫حرب عالـم ّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫عظيم يف‬ ‫أن قائدً ا‬ ‫وذلك‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫إطالق‬ ‫نفسها ي ِ‬
‫نقط ُع‬ ‫اللحظة ِ‬
‫ِ‬ ‫اآلخ َر‪ُ « :‬ك ُّفـوا عن اهلجو ِم»‪ ،‬ففي‬
‫يشه َ‬ ‫ويأمر َج َ‬ ‫إطالق ِ‬
‫النار»‪،‬‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األعداء وقد‬ ‫كل ٍ‬
‫يشء واستَو َلينا عىل‬ ‫قائل‪« :‬لقد انتهى ُّ‬ ‫َوج ُه إليهم ً‬ ‫النار ِ‬
‫ِ‬
‫اهلجوم‪ ،‬و َيت َّ‬
‫ُ‬ ‫ف‬‫ويق ُ‬
‫ِ‬
‫أسفل‬ ‫وو َّلوا إىل‬ ‫ن ُِصب ْت راياتُنا عىل ِقم ِة ِق ِ‬
‫العهم َ‬
‫ونال أولئك الظاملون الفاسدون جزا َءهم َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫سافلني»‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السلطان الذي ال نِدَّ له وال َ‬
‫بإهالك َقو ِم‬ ‫واألرض‬
‫َ‬ ‫الساموات‬ ‫مر‬‫مثيل‪ ،‬قد َأ َ‬ ‫َ‬ ‫كذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن‬
‫ِ‬
‫وأنت أ ّيتُها السما ُء‬ ‫األرض اب َل ِعي ما َءك‪،‬‬ ‫َوجه إليهام‪« :‬أ ّيتُها‬ ‫نوح‪ ،‬وبعد ِ‬
‫أن امتَث َلتا‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫األمر ت َّ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫سفينة‬ ‫ث واست ََوت‬ ‫دون تَري ٍ‬ ‫فقد انتَهت مهم ُتكُام؛ فانسحب املاء َفورا من ِ‬ ‫اسكُنِي واهدئي ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ َ َ ُ ً‬ ‫َ ُ ّ‬
‫جبل‪ ،‬و َل ِق َي الظاملون جزا َءهم»‪.‬‬ ‫قم ِة ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كخيمة ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َبت عىل ّ‬ ‫اإلهلي‬
‫ِّ‬ ‫املأمور‬
‫ِ‬ ‫ني م ِ‬ ‫األرض والسامء كج ِ‬ ‫األسلوب‪ِ ،‬‬
‫للطاعة‬ ‫ستعدَّ ين‬ ‫ني ُمطي َع ِ ُ‬‫ند َّي ِ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫إذ‬ ‫ِ‬ ‫فان ُظ ْر إىل ُع ِّ‬
‫لو هذا‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫عصيان‬ ‫ب من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األسلوب إىل ّ‬ ‫ُشري ُ‬ ‫ِ‬ ‫وتل ِّقي‬
‫َغض ُ‬
‫الكائنات ت َ‬ ‫أن‬ ‫اآلية هبذا‬ ‫األوامر‪ ،‬فت ُ‬
‫واألرض‬‫ُ‬ ‫الساموات‬
‫ُ‬ ‫تقول‪« :‬إن الذي تَـمتثِ ُل‬ ‫ِ‬
‫اإلشارة ُ‬ ‫واألرض؛ وهبذه‬
‫ُ‬ ‫السماوات‬
‫ُ‬ ‫وت ُ‬
‫َغتاظ منه‬
‫أن‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان؛ فأنت تَرى ّ‬ ‫نبغي أن يعص» مما يفيدُ زجرا شديدً ا ِ‬
‫راد ًعا‬ ‫بأمره ال يعص وال ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪447‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫مجيل مجم ٍل يف بض ِع جـم ٍل حادث َة ال ُّط ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وفان التي هي عام ٌة‬ ‫ُ َ‬ ‫موج ٍز ُمعج ٍز ٍ ُ َ‬
‫اآلي َة قد َج َعت ببيان َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وحقائقها‪ِ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القطرة‪.‬‬ ‫خرى عىل هذه‬ ‫البحر األُ َ‬ ‫قطرات هذا‬ ‫فق ْس‬ ‫نتائجها‬ ‫ٌ‬
‫وشاملة مع مجي ِع‬
‫ِ‬
‫الكلامت‪:‬‬ ‫ِ‬
‫نوافذ‬ ‫القرآن من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫األسلوب الذي ُيريه‬ ‫واآلن ان ُظر إىل‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬ ‫ِ‬ ‫كلمة ﴿ ﯱ ﯲ﴾ يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫فمثال إىل‬
‫غاية ال ُّل ِ‬
‫طف‪.‬‬ ‫َعر ُض أسلوبا يف ِ‬
‫ﯱ ﯲ﴾ (يس‪ )39:‬كيف ت ِ‬
‫ً‬
‫قديم‬
‫رجونًا ً‬ ‫الل فيه يشب ُه ُع ُ‬ ‫القمر ِه ً‬‫ُ‬ ‫للقمر َم ِنز ًل هو دائر ُة ال ُّثر َّيا‪ ،‬حينام يك ُ‬
‫ُون‬ ‫ِ‬ ‫وذلك‪ّ :‬‬
‫أن‬
‫ِ (‪)1‬‬ ‫ستار َ‬ ‫كأن َورا َء ِ‬
‫خيال السامعِ‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التشبيه أما َم ِ‬ ‫ون‪ ،‬فت ََض ُع ُ‬ ‫َأبي َض ال َّل ِ‬
‫الـخرضاء‬ ‫عني‬ ‫اآلية هبذا‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اخلارج‪،‬‬ ‫رأسه إىل‬ ‫ِ‬ ‫النورانية املد َّب ِبة‬
‫ِ‬ ‫شجر ًة َش َّق أحدُ أغصانِها‬
‫الستار ومدَّ َ‬
‫َ‬ ‫البيضاء ذلك‬
‫ِ‬
‫املستورة‪..‬‬ ‫لشجرة اخلِ ِ‬
‫لقة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النورانية‬ ‫وال ُّثريا كأهنا ُع ُنقود مع ّل ٌق فيه‪ ،‬وسائر النجو ِم كال َّثم ِ‬
‫رات‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ َُ‬
‫يشهم و ُمع َظ ُم ُقوتِهم‬ ‫اهلالل هبذا التشبيه ألولئك الذين مصدَ ر َع ِ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫عرض‬ ‫فإن َ‬ ‫وال َج َرم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من الن ِ‬
‫لو‪ ،‬فإن كنت‬ ‫التناس ِق وال ُع ِّ‬
‫ُ‬ ‫واللطافة‪ ،‬ويف منتهى‬ ‫الح ِ‬
‫سن‬ ‫وب يف غاية ُ‬ ‫يل هو ُأس ُل ٌ‬ ‫َّخ ِ‬
‫ُدر ْك ذلك‪.‬‬ ‫وق ت ِ‬‫صاحب َذ ٍ‬
‫َ‬
‫(يس‪)38:‬‬ ‫الكريمة‪﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾‬ ‫ِ‬ ‫كلمة ﴿ ﯣ﴾ يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫ُ‬ ‫ومثال‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكلمة التاسع َة ْ‬
‫عشةَ‪ -‬وذلك‪:‬‬ ‫ألسلوب ٍ‬
‫عال ‪-‬كام ُأثبِ َت يف ختا ِم‬ ‫ٍ‬ ‫تفتح نافذ ًة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بتذكريه‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫ِ‬
‫الشمس‪ُ ،‬ي َف ِّه ُم عظم َة الصان ِع‬ ‫لفظ ﴿ ﯣ ﴾ الذي يعني َد َو َ‬
‫ران‬ ‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫والنهار‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ران الص ِ‬‫مة يف دو ِ‬ ‫اإلهلية املنت َظ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لف ُت‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫والشتاء وتعا ُق ِ‬
‫ب‬ ‫يف‬ ‫َّ‬ ‫ََ‬ ‫القدرة‬ ‫ترصفات‬
‫ِ‬
‫الفصول‪ ،‬ف ُيع ِّل ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحائف‬ ‫اإلهلية يف‬ ‫القدرة‬ ‫األنظار إىل املكتوبات الصمدانية التي َكتَبها ُ‬
‫قلم‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اجلالل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلالق ذي‬ ‫حكم َة‬
‫بتعبري ﴿ ﭺ﴾‬‫ِ‬ ‫مصباحا‪َ ،‬يفت َُح‬
‫ً‬ ‫وإن قو َله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭸﭹﭺ ﴾ (نوح‪ )16:‬أي‬
‫أن هذا‬ ‫ِ‬
‫بتذكريه ّ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق‬ ‫َ‬
‫وإحسان‬ ‫فه ُم عظم َة الصان ِع‬ ‫ِ‬
‫األسلوب‪ :‬وهو أنه ُي ِّ‬ ‫نافذ ًة ملثل هذا‬
‫ِ‬
‫احلياة‪ّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان و َذوي‬ ‫وزينة قد ُأ ِعدَّ ت‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأطعمة‬ ‫قرص‪ّ ،‬‬
‫وأن ما فيه من لواز َم‬ ‫َ‬
‫العال َ كأنه ٌ‬

‫ت اخل ْضاء وال أ َق َّل ِ‬


‫ت‬ ‫(‪ )1‬اخل ْضاء‪ :‬السامء خل ْضهتا؛ صفة غلبت َغ َلب َة األسامء‪ ،‬ويف احلديث‪« :‬ما أ َظ َّل ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أصدَ َق َل ْ َج ًة من أيب َذ ٍّر»؛ اخلَ ْضا ُء‪ :‬السامء‪ ،‬والغرباء‪ :‬األرض‪( ،‬لسان العرب)‬
‫ال َغ ْبا ُء ْ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪448‬‬
‫ِ‬ ‫مصباح ُم َس َّخ ٌر؛ ف ُيبيِّ هبذا دليال‬ ‫الشمس أيضا ما هي ّ‬
‫الشمس التي َيت ّ ُ‬
‫َوهها‬ ‫ُ‬ ‫للتوحيد‪ ،‬إذ‬ ‫ٌ‬ ‫إل‬ ‫َ‬
‫ٌ‬
‫وخملوق جامدٌ ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫مسخ ٌر‬ ‫مصباح‬ ‫معبود لدَ هيِم؛ ما هي ّ‬
‫إل‬ ‫ٍ‬ ‫وألمع‬ ‫أعظم‬ ‫َ‬
‫املرشكون‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عة‬‫عظمة ربوبيتِه‪ ،‬ويفهم إحسانَه يف س ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلالق يف‬ ‫فإذن بتَعبري ﴿ ﭺ ﴾ ُيذك ُِّر رحم َة‬
‫َ‬ ‫ُ ِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫فه ُم الوحداني َة هبذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلشعار؛‬ ‫رمحته‪ ،‬و ُيشع ُر بذلك اإلفها ِم‪ ،‬بكرمه يف عظمة سلطانه‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫األحوال‪.‬‬ ‫حال من‬‫بأي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مصباحا ُم َّ‬ ‫معنى‪ّ :‬‬ ‫ُ‬
‫ورساجا جامدً ا ال َيستح ُّق العباد َة ِّ‬ ‫ً‬ ‫سخ ًرا‬ ‫ً‬ ‫إن‬ ‫ويقول ً‬
‫لإلعجاب يف‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مثرية‬ ‫نتظ ٍ‬
‫مة‬ ‫فات م ِ‬ ‫بتعبري ﴿ ﯣ ﴾ يذكِّر بتَرص ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫َ‬
‫جريان‬ ‫ثم ّ‬
‫إن‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬
‫تفر ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دو ِ‬
‫الـم ِّ‬ ‫التذكري عظم َة قدرة الصان ِع ُ‬ ‫فه ُم بذلك‬‫والنهار‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫والليل‬ ‫والشتاء‬ ‫الصيف‬ ‫ران‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫والنهار‬ ‫ِ‬
‫والقمر إىل صحائف ِ‬
‫الليل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫ِ‬
‫هن اإلنسان من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يف ربوبيته؛ بمعنى أنه َي ِ‬
‫فذ َ‬ ‫صر ُ‬
‫ِ‬
‫املكتوبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫احلادثات‬ ‫ِ‬
‫سطور‬ ‫ِ‬
‫الصحائف من‬ ‫ب ن َظ َر ُه إىل ما يف تلك‬ ‫ِ‬
‫والصيف ‪ِ َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ويل ُ‬ ‫والشتاء‬
‫رساجا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشمس بل ملن َّنورها وجعلها‬ ‫ِ‬
‫لذات‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫بح ُث يف‬ ‫َ‬ ‫أجل‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫القرآن ال َي َ‬ ‫إن‬
‫ٍ‬
‫نابض‬ ‫اإلنسان‪ ،‬بل يف وظيفتِها‪ ،‬إذ هي تُؤ ِّدي وظيف َة‬ ‫ُ‬ ‫حيتاجها‬
‫ُ‬ ‫يبحث يف ماهيتِها التي ال‬ ‫ُ‬ ‫وال‬
‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫ُّوك ِالنسجا ِم‬
‫الربانية‪ ،‬ومك ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخللقة‬ ‫ركز لنظا ِم‬ ‫ِ‬
‫الربانية‪ ،‬و َم ٍ‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫نب ٍك» ِالنتظا ِم‬
‫َ‬ ‫«ز ُ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والنهار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫ِ‬
‫بخيوط‬ ‫صو ُر األز ُّيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ِّ‬
‫نس ُجها ُ‬ ‫الربانية‪ ،‬يف األشياء التي َي ُ‬
‫كلامت‬ ‫ِ‬
‫القرآنية فهي وإن كانت تَبدُ و كأهنا‬ ‫ِ‬
‫الكلامت‬ ‫سائر‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫تقيس عىل هذا َ‬ ‫و ُيمكنُك أن َ‬
‫ِ‬
‫اللطيفة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لكنوز املعاين‬ ‫مفاتيح‬ ‫هم َة‬ ‫مألوف ٌة بسيط ٌة‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫إل أهنا تُؤ ِّدي ُم ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َي َ‬
‫عش ُق‬ ‫األغلب‪ -‬كان أعرا ٌّ‬ ‫السابقة يف‬ ‫الوجوه‬ ‫القرآن ‪-‬كام يف‬ ‫أسلوب‬ ‫وهكذا َفل ُع ِّ‬
‫لو‬
‫ن‪ ،‬كام َس ِم َع أحدُ هم اآلي َة الكريم َة‪ ﴿ :‬ﭞ‬ ‫ِ‬
‫قبل أن ُيؤم َ‬‫سجدُ َ‬ ‫كال ًما واحدً ا منه أحيانًا‪ ،‬ف َي ُ‬
‫ِ‬ ‫فخر ساجدً ا‪ ،‬فلام ُس ِئل‪َ « :‬أ َأس َل َ‬
‫لبالغة هذا‬ ‫مت؟» قال‪« :‬ال‪ ،‬بل َأ ُ‬
‫سجدُ‬ ‫ﭟﭠ ﴾ (احلجر‪َّ )94:‬‬
‫الكال ِم!»‪.‬‬

‫اخلارق ُة يف لفظِه‬ ‫ ◆النُّقطة ُ الرابعةُ‪ :‬ال َف َ‬


‫صاح ُة ِ‬
‫وبيان معناه‪ ،‬فهو فصيح يف ِ‬
‫غاية‬ ‫ُ‬ ‫حيث ُأسلو ُبه‬
‫خارق من ُ‬
‫ٌ‬ ‫بليغ‬ ‫َ‬
‫القرآن كام هو ٌ‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السالسة يف ِ‬
‫ِ‬
‫أن شهاد َة‬ ‫الس َأ َم َ‬
‫والم َل َل؛ كام ّ‬ ‫عدم إيراثه َّ‬
‫القاطع عىل فصاحته هو ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والدليل‬ ‫لفظه؛‬
‫حكمة فصاحتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫باهر عىل‬ ‫ِ‬
‫البيان واملعاين ُب ٌ‬ ‫ِ‬
‫رهان ٌ‬ ‫فن‬‫علامء ِّ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪449‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ث َس َأ ًما وال َم ً‬ ‫لوف املر ِ‬
‫ات فال ُي ِ‬
‫لل‪ ،‬بل يزيدُ ّ‬
‫لذ ًة وحالوةً؛ ثم إنه ال‬ ‫ور ُ‬ ‫نعم‪ ،‬لو ك ُِّر َر ُأ َ ّ‬
‫ضال الذي‬ ‫املصاب ٍ‬
‫بداء ُع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فيستطيع حف َظه؛ وال ت َ‬
‫َسأ ُم منه ُأ ُ‬
‫ذن‬ ‫ٍ‬
‫بسيط‬ ‫صبي‬ ‫َي ُثق ُل عىل ِ‬
‫ذهن‬
‫ُ‬ ‫ٍّ‬
‫ب يف‬ ‫َض الذي َيتَق َّل ُ‬ ‫فم املحت َ ِ‬ ‫العذب يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرشاب‬
‫ُ‬ ‫َلذ ُذ به؛ وكأنه‬ ‫َي َتأ َّذى من أدنى كال ٍم‪ ،‬بل َيت ّ‬
‫فمه‪.‬‬ ‫ماء زمزم يف ِ‬ ‫لذ َة ِ‬ ‫ِ‬
‫ودماغه ّ‬ ‫لذيذ يف أذنِه‬ ‫كرات‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫الس‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫للقلوب‪،‬‬ ‫وت وغذا ٌء‬ ‫القرآن ُق ٌ‬
‫َ‬ ‫القرآن هو ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫والسأ ِم من‬ ‫ِ‬
‫امللل‬ ‫والحكمة يف عد ِم‬ ‫ُ‬
‫للنفوس‪ ،‬لذا ال ُي ِم ُّل؛ مثا ُله‬ ‫ِ‬ ‫لألرواح‪ ،‬ودوا ٌء وشفا ٌء‬ ‫ِ‬ ‫للعقول‪ ،‬وما ٌء وضيا ٌء‬ ‫ِ‬ ‫وغنا ٌء‬‫وقو ٌة َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بامللل‪..‬‬ ‫أطيب فاكهة يوميا لشعرنا‬ ‫َ‬ ‫نم َّل‪ ،‬بينام لو ت َ‬
‫َناولنا‬ ‫أن َ‬ ‫اخلبز الذي نأك ُله يوم ًّيا دون ْ‬ ‫ُ‬
‫ث امل َل َل‬ ‫يور ُ‬‫خارقة فال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فصاحة‬ ‫وصدق وهدً ى وذو‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وحقيقة‬ ‫حق‬ ‫القرآن ٌّ‬‫َ‬ ‫فإذن ألن‬
‫إن أحدَ‬ ‫والسآم َة‪ ،‬وإنام ُيافِ ُظ عىل شباب ّيتِه دائام كام ُيافِ ُظ عىل طراوتِه وحالوتِه‪ ،‬حتى ّ‬
‫ِ‬
‫سامعه‬ ‫القرآن‪ ،‬قال بعد‬ ‫َ‬ ‫ليسمع‬ ‫ِ‬
‫الكريم‬ ‫ِ‬
‫الرسول‬ ‫وبلغائها عندما َذ َهب إىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫ِ‬
‫رؤساء‬
‫َ‬
‫لقومه‪« :‬واهلل‬ ‫ِ‬ ‫بشـر»‪ ،‬ثم قال‬ ‫وإن عليه َل َطالوةً‪ ..‬وما يقو ُله‬ ‫إن له حلالوةً‪ّ ،‬‬ ‫ل ُه‪« :‬واهلل ّ‬
‫ٌ‬
‫يقول شي ًئا من‬ ‫اجلن‪ ،‬واهلل ما ُيشبِ ُه الذي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بأشعار‬ ‫عر منِّي‪ ،‬وال‬ ‫بالش ِ‬
‫أعلم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫رجل‬‫ما فيكُم ٌ‬
‫وهم عنه‪،‬‬ ‫غر ُروا به َأ َ‬
‫تباعهم و َيصدُّ ُ‬ ‫ساحر‪ ،‬ل ُي ِّ‬
‫ٌ‬ ‫إل أن ُيقو ُلوا إنّه‬
‫هذا»‪ ،‬فلم َي َبق أما َمهم ّ‬
‫القرآن مبهوتًا أما َم فصاحتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعداء‬ ‫وهكذا َيب َقى حتى َأعتَى‬

‫ُ‬
‫يطول‬ ‫كالمه ويف ِ‬
‫مجله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريم ويف‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫آيات‬ ‫ِ‬
‫الفصاحة يف‬ ‫ِ‬
‫أسباب‬ ‫إيضاح‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫َ‬
‫َلم ُع من أوضا ِع‬ ‫ٍ‬ ‫إظهار ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعجاز َتت ّ‬ ‫ملعة‬ ‫َقص ُـر الكال َم عىل‬ ‫من اإلطالة ن ُ‬
‫كثريا‪ ،‬فتَفاد ًيا َ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلروف اهلجائية وكيفياتا يف آية واحدة فقط‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬وهي قو ُله تعاىل‪ :‬‬‫ِ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫عمران‪.)154:‬‬ ‫(آل‬ ‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬
‫ِ‬
‫الثقيلة‪ ،‬ومع ذلك مل‬ ‫ِ‬
‫احلروف‬ ‫وأجناس‬ ‫ِ‬
‫اهلجاء‬ ‫ِ‬
‫حروف‬ ‫جميع‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫لقد َج َعت هذه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الـفصاحة َن َب َعت من‬ ‫َغم ًة من‬ ‫ي ِ‬
‫الستَها بل زا َدها بها ًء إىل مجاهلا و َم َز َج ن َ‬
‫اجلمع َس َ‬
‫ُ‬ ‫فقدها هذا‬ ‫ُ‬
‫َناسبة متَنو ٍ‬
‫أوتار مت ٍ‬
‫عة‪.‬‬ ‫ُ ِّ‬ ‫ٍ ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪450‬‬
‫حروف‬ ‫ِ‬ ‫أخف‬
‫ُّ‬ ‫ف واليا َء ألهنام‬ ‫اإلعجاز وهي أن األلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ذات‬ ‫اللمعة ِ‬ ‫ِ‬ ‫النظر يف هذه‬ ‫ِ‬
‫فأنع ِم‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وأن‬ ‫كل منهام إحدى وعرشين مرةً‪ّ ..‬‬ ‫تكرر ٌّ‬ ‫كأنام ُأختان‪َّ ،‬‬ ‫إحداهام باألُخرى ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬ ‫اهلجاء وتَنقل ُ‬
‫حمل األُخرى فقد ُذكر ٌّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل منهام‬ ‫َـح َّل إحدامها َّ‬ ‫ألنام ُأختان‪ ،‬و ُيمك ُن أن ت ُ‬ ‫والنون(‪ّ )1‬‬ ‫َ‬ ‫امليم‬
‫َ‬
‫والصوت‬ ‫ِ‬ ‫املخرج والص ِ‬
‫فة‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫والشني ُم ٌ‬ ‫ثال ًثا وثالثني مرةً‪ّ ..‬‬
‫ِّ‬ ‫تآخية َح َس َ‬ ‫َ‬ ‫والسني‬
‫َ‬ ‫وأن الصا َد‬
‫ٍ‬ ‫فذ ِك ِ‬ ‫وأن ال َعني وال َغني ُمتآخ َيتان ُ‬ ‫ات‪ّ ..‬‬ ‫ثالث مر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فذ ِكر ُّ‬
‫مرات‬ ‫ست‬ ‫ني َّ‬ ‫رت ال َع ُ‬ ‫َ ّ‬ ‫واحد منها‬ ‫كل‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ات أي نص َفه‪ ..‬وأن الطا َء والظا َء‬ ‫ثالث مر ٍ‬ ‫قلها ُذ ِك َرت‬ ‫الغني لِثِ ِ‬
‫والزاي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫والذال‬ ‫َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫خل ّفتها بينام‬
‫واأللف‬ ‫َ‬ ‫وأن الال َم‬ ‫مرتني‪ّ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫واحد منها‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫فذ ِك َر ُّ‬ ‫والصوت‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫فة‬‫املخرج والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫متآخية َح َسب‬ ‫ٌ‬
‫ِّ‬
‫الل ُم اثنَت ِ‬ ‫فذ ِك ِ‬ ‫صورة «ال» ُ‬ ‫ِ‬ ‫وأن حص َة األلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َني‬ ‫رت ّ‬ ‫نصف يف‬ ‫ٌ‬ ‫ف‬ ‫ُمتّحدَ تان يف صورة «ال»‪ّ ّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫مرةً‪ّ ..‬‬ ‫رت األلِ ُ ِ‬ ‫وأرب ِعني مرةً‪ ،‬و ُذ ِك ِ‬
‫متآخيتان‬ ‫وأن اهلمز َة واهلا َء‬ ‫ف ‪-‬نص ُفها‪ -‬إحدَ ى وعرشين ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫فذ ِ‬
‫أخف منها‬ ‫َّ‬ ‫لكونا‬ ‫عش َة مر ًة‬ ‫أربع ْ‬ ‫عشة مر ًة (‪ )2‬واهلا ُء َ‬ ‫ثالث ْ‬ ‫َ‬ ‫كرت اهلمز ُة‬ ‫املخرج ُ‬ ‫ِ‬ ‫حسب‬ ‫َ‬
‫نقطة فيها‪،‬‬ ‫لزيادة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مرات‬ ‫ٍ‬ ‫عش‬ ‫فذ ِك ِ‬ ‫والكاف ُمتآخي ٌة‪ُ ،‬‬ ‫بدرجة‪ّ ..‬‬ ‫ٍ‬
‫القاف ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫رت‬ ‫َ‬ ‫القاف والفا َء‬ ‫َ‬ ‫وأن‬
‫مرات‪ ،‬والتا َء ُذ ِكرت اثنتي‬ ‫ٍ‬ ‫تسع‬‫وأن البا َء ُذكرت َ‬
‫ِ‬ ‫والكاف تِس ًعا‪ّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫مرات‬‫ٍ‬ ‫تسع‬
‫وذكرت الفا ُء َ‬
‫ِ‬
‫مئتان والال َم ثالثون‬ ‫ِ‬ ‫ولك ّن الرا َء‬ ‫أخت الال ِم‪ِ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وأن الرا َء‬ ‫ثالثة‪ّ ..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألن درجتَها‬ ‫عش َة مرةً‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬
‫فانخ َف َضت عنها‬ ‫درجات َ‬ ‫ٍ‬ ‫بس ِّت‬ ‫فوق الال ِم ِ‬ ‫إن الرا َء َ‬ ‫جل َّم ِل» أي ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حساب «أبجد ّية ا ُ‬ ‫َح َسب‬
‫وألن اخلا َء‬ ‫ّ‬ ‫مرات فقط‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫فذ ِكرت ِس َّت‬ ‫ظ فت َُثق ُل‪ُ ،‬‬ ‫درجات؛ وأيضا الراء َتتَكرر يف التل ُّف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بست‬
‫ِّ‬
‫ُ ُّ‬
‫أخف‬ ‫ُّ‬ ‫الواو‬
‫وألن َ‬ ‫ّ‬ ‫مر ًة واحدةً‪..‬‬ ‫كل منها ّ‬ ‫بات‪ُ ،‬ذ ِكر ٌّ‬ ‫ناس ٌ‬ ‫ثقيلة وبينها ُم َ‬ ‫واحلا َء والثا َء والضا َد ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر ًة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الثقيلة‬ ‫اهلمزة‬ ‫فوق‬ ‫عش َة ّ‬ ‫سبع ْ‬ ‫وأثقل من «الياء واأللف» ُذكرت َ‬ ‫واهلمزة»‬ ‫«اهلاء‬ ‫من‬
‫درجات أيضا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫اخلفيفة بأرب ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلف‬ ‫درجات وحتت‬ ‫ٍ‬ ‫بأرب ِع‬

‫املناسبات اخلف ّي ِة‪،‬‬


‫ِ‬ ‫اخلارق‪ ،‬مع تلك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنتظم‬ ‫احلروف هبذا الوض ِع‬
‫َ‬ ‫وهكذا ّ‬
‫فإن هذه‬
‫ِ‬
‫رضب‬ ‫ِ‬
‫كحاصل‬ ‫قني جاز ٍم‬ ‫ِ‬
‫اللطيف تُثبِ ُت ب َي ٍ‬ ‫ِ‬
‫الدقيق‪ ،‬واالنسجا ِم‬ ‫ِ‬
‫اجلميل‪ ،‬والنظا ِم‬ ‫واالنتظا ِم‬
‫ُ‬
‫املصادفة‬ ‫مكنُهم أن َيفع ُلوه‪ ..‬أ ّما‬‫شأن البرش وال ي ِ‬ ‫ساوي أربعا أنّه ليس من ِ‬ ‫اثنَني يف اثنَني ُي ِ‬
‫ُ‬
‫فم ٌ‬
‫حال أن تَل َعب به‪.‬‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬والتنوين أيضا نون‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬


‫ِ‬ ‫ف الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بثالث‬ ‫اك ُنة‬ ‫وق ُأختها وهي األل ُ َّ‬
‫امللفوظة هي َخ ٌس وعرشون‪ ،‬وهي َف َ‬
‫ُ‬ ‫وغري‬
‫ُ‬ ‫(‪ )2‬اهلمز ُة املل ُف ُ‬
‫وظة‬
‫ألن احلرك َة ثالث ٌة‪( ،‬املؤلف)‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫درجات‪َّ ،‬‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪451‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العجيب والنظا ِم‬ ‫من االنتظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫هذا ّ‬
‫مدار‬
‫الغريب مثلام هو ٌ‬ ‫وإن ما يف أوضا ِع هذه احلروف َ‬
‫ِ‬
‫احلروف هذا‬ ‫كم كثري ٌة ُأخرى؛ فام دام يف‬ ‫مكن أن تك َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُون له ح ٌ‬ ‫للفصاحة والسالسة اللفظية‪ُ ،‬ي ُ‬
‫وانسجام ذو‬ ‫ٍ‬
‫أرسار‪،‬‬ ‫انتظام ذو‬ ‫وج ِلها ومعانيها‬ ‫ِ‬
‫كلامتا ُ‬ ‫شك أنه قد ر ِ‬
‫وعي يف‬ ‫االنتظام‪ ،‬فال َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قال من َح َريتِه‪:‬‬
‫العقل َل َ‬
‫ُ‬ ‫دركه‬ ‫ِ‬
‫إعجابا‪« :‬ما شا َء اهلل»‪ ،‬وإذا َأ َ‬ ‫ين لقا َلت من‬ ‫ٍ‬
‫أنوار‪ ،‬لو َرأتْه ال َع ُ‬
‫«بارك اهلل»‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫البيان‬ ‫ ◆النُّقطة ُ الـخامسةُ‪َ :‬براع ُة‬
‫لفظه فصاح ًة‪ ،‬ويف َمعناه‬‫القرآن جزال ًة‪ ،‬ويف ِ‬
‫ِ‬ ‫أن يف ن ِ‬
‫َظم‬ ‫واهليبة‪ ،‬إذ كام َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واملتانة‬ ‫التفو ُق‬
‫أي ّ‬
‫ِ‬
‫القرآن هلو يف أعىل‬ ‫إن َ‬
‫بيان‬ ‫فائقة‪ ،‬نعم‪ّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫براعة‬ ‫إبداعا‪ ،‬ففي بيانِه ً‬
‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫بالغ ًة‪ ،‬ويف أسلوبِه‬
‫ِ‬
‫واإلثبات‬ ‫ِ‬
‫واملدح والذ ِّم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والرتهيب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كالرتغيب‬ ‫ِ‬
‫اخلطاب وأقسا ِم الكال ِم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫ٍ‬
‫مرتبة يف‬
‫ِ‬
‫واإلرشاد‪ ،‬واإلفها ِم واإلفحا ِم‪.‬‬
‫ِ‬
‫القرآن يف‬ ‫ِ‬
‫«اإلنسان»‪ ،‬إذ ُ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬
‫والتشويق» ُسور ُة‬ ‫ِ‬
‫«الترغيب‬ ‫ِ‬
‫أمثلة مقا ِم‬ ‫ِ‬
‫آالف‬ ‫ِ‬
‫فمن بني‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫احلور العني‪.‬‬ ‫كح َل ِل‬ ‫ٌ‬
‫ومجيل ُ‬ ‫مـار اجلن ِّة‪،‬‬
‫ولذيذ كثِ ِ‬
‫ٌ‬ ‫لس ِ‬
‫بيل‪،‬‬ ‫كالس َ‬
‫نساب َّ‬
‫هذه الس ِ ِ‬
‫ورة َسل ٌس َي ُ‬
‫ُّ َ‬
‫«الغاش ِية»‪ ،‬إذ‬
‫ِ‬ ‫مة س ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورة‬ ‫«الترهيب والتهديد»‪ُ ،‬مقدِّ ُ ُ‬ ‫ُـحدُّ ملقا ِم‬
‫ومن َبني األمثلة التي ال ت َ‬
‫يب ِ‬ ‫صاص يف ِصامخِ الضا ِّلني‪ ،‬و َل ِه ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النار يف‬ ‫تأثير َغ َليان َّ‬
‫الر‬ ‫يؤثر َ‬ ‫السورة ُ‬ ‫يان القرآن يف هذه ُّ‬ ‫َب ُ‬
‫طونم‪،‬‬‫الش ِائ ِك يف ب ِ‬ ‫وكالضي ِع َّ‬
‫َّ‬ ‫فح جهنّم يف وج ِ‬
‫وههم‪،‬‬ ‫وقهم‪ ،‬وك َل ِ‬ ‫وكالز ُّقو ِم يف ح ُل ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫عقولم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫العذاب جهن ُّم ﴿ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ (امللك‪ )8:‬فكيف يك ُ‬
‫ُون هتديدُ‬ ‫ِ‬ ‫إن كانت مأمور ُة‬ ‫نعم‪ْ ،‬‬
‫ِ‬
‫بالعذاب؟‬ ‫وترهيب ِ‬
‫آمرها‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫مس املست ََه ّل ُة بـ«احلمدُ هلل»؛ إذ َب ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن يف‬ ‫يان‬ ‫ومن بني آالف أمثلة َمقا ِم «املدحِ »‪ُّ ،‬‬
‫الس َو ُر اخلَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مأنوس‬
‫ٌ‬ ‫حمبوب‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫واألرض‪،‬‬ ‫كالساموات‬ ‫كالشمس‪ُ )2(،‬مز َّي ٌن كالنجو ِم‪َ ،‬م ِه ٌ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ساطع‬
‫ٌ‬ ‫السور‬ ‫هذه‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‪.‬‬ ‫اللطيفة يف ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاجلنة‬ ‫هبيج‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومجيل ٌ‬ ‫الصغار يف الدنيا‪،‬‬ ‫كالرمحة عىل‬ ‫رؤوف‬
‫ٌ‬ ‫لطيف‬‫ٌ‬ ‫كاملالئكة‪،‬‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ُ‬ ‫َّجر» ُ‬
‫اآلية‬ ‫آالف ِ‬
‫أمثلة مقا ِم «الذ ِّم والز ِ‬ ‫ومن بني ِ‬
‫َ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ (احلجرات‪)12:‬‬
‫ورة ِ‬
‫نفسها‪(.‬املؤ ِّلف)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬هذا األُسلوب قد َلبِس ح َل َل معاين الس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الس َو ِر‪(.‬املؤ ِّلف)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ملوضوعات تلك ُّ‬ ‫العبارات إشار ٌة ُ‬ ‫(‪ )2‬يف هذه‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪452‬‬
‫إن‬‫وحيث ّ‬‫ُ‬ ‫نف‪،‬‬ ‫وع ٍ‬
‫َزج ُر عنها بشدّ ٍة ُ‬ ‫يبة ِ‬
‫الغ ِ‬
‫الكريمة عن ِ‬
‫ُ‬ ‫َنهى هذه ُ‬
‫مراتب وت ُ‬
‫َ‬ ‫بس ِّت‬ ‫اآلية‬ ‫ت َ‬
‫ِ‬
‫البداية‪،‬‬ ‫فيكون املعنى كاآليت‪ّ :‬‬
‫إن اهلمز َة املوجود َة يف‬ ‫ُ‬ ‫الـمغتابِني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وج ٌه إىل ُ‬
‫خطاب اآلية ُم َّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫كلمة‬ ‫كلامت ِ‬
‫اآلية‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كاملاء إىل مجي ِع‬ ‫كمه و َي ِس ُيل‬ ‫حيث َي ِ‬
‫اإلنكاري‪ُ ،‬‬ ‫ِللستِفها ِم‬
‫رسي ُح ُ‬ ‫ِّ‬
‫كم‪:‬‬
‫تتضمن ُح ً‬
‫ُ‬ ‫منها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السؤال‬ ‫عقل ‪-‬وهو ُّ‬
‫حمل‬ ‫باهلمزة‪ :‬أليس لكم ٌ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫ب ُ‬
‫اآلية‬ ‫ففي الكلمة األُوىل ُتاط ُ‬
‫القبيح؟‬ ‫األمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫واجلواب‪ -‬ل َيع َي هذا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلب‬
‫ِّ‬ ‫باهلمزة‪ :‬هل َف َسد قل ُبكم ‪-‬وهو ُّ‬
‫حمل‬ ‫ب ُ‬
‫اآلية‬ ‫ب ﴾ ُتاط ُ‬
‫ويف الكلمة الثانية‪ُ ﴿ :‬ي ُّ‬
‫تنفريا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب أكر َه األشياء وأشدَّ ها ً‬ ‫أصبح ُيـح ُّ‬ ‫َ‬ ‫والبغض‪ -‬حتى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االجتامعية‪ ،‬التي‬ ‫كم‬
‫ب باهلمزة‪ :‬ماذا َجرى حليات ُ‬ ‫ويف الكلمة الثالثة‪ ﴿ :‬ﭥ ﴾ ُتاط ُ‬
‫ضارتِكُم حتى َأص َب َحت ت َ‬
‫َرض بام‬ ‫وح َ‬
‫ِ‬
‫بال َمدن ّيتكُم َ‬
‫ِ‬
‫اجلامعة‪ ،‬وما ُ‬ ‫َستمدُّ َح َيو َّيتَها من َح َيو َّي ِة‬
‫ت ِ‬
‫فوكُم‪.‬‬ ‫ُي َس ِّم ُم حياتَكم و ُيعك ُِّر َص َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصاب إنسان ّيتَكم؟ حتى‬
‫َ‬ ‫باهلمزة‪ :‬ماذا‬ ‫ويف الكلمة الرابعة‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﴾ ُتاط ُ‬
‫ب‬
‫احلميم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َفرت ُسون صدي َقك ُُم‬ ‫َأص َبحتُم ت ِ‬
‫باهلمزة‪ :‬أليس بكم رأف ٌة ببني ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جنسكم‪ ،‬أليس‬ ‫ب‬‫ويف الكلمة اخلامسة‪ ﴿ :‬ﭩ﴾ ُتاط ُ‬
‫ٍ‬ ‫أخوكُم من عدّ ِة‬ ‫ِ‬ ‫لكم ُ ِ‬
‫جهات‪،‬‬ ‫بمن هو ُ‬‫صلة َرح ٍم تَربِ ُطكُم معهم‪ ،‬حتى َأص َبحتُم تَفتكُون َ‬
‫عقل من يع ُّض ُعضوا من ِج ِ‬
‫سمه؟‬ ‫مل ُك ً‬ ‫هنشا قاسيا‪ ،‬أي ِ‬
‫املعنوي املظلو َم ً‬ ‫شخصه‬ ‫وت ُ‬
‫َنهشون‬
‫ً‬ ‫ََ‬ ‫ً َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫جنون؟‪.‬‬ ‫َأو َليس هو َ‬
‫بم‬
‫باهلمزة‪ :‬أين ِوجدانُكم؟ أ َفسدَ ت فِطرتُكم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويف الكلمة السادسة‪ ﴿ :‬ﭪ ﴾ ُتاط ُ‬
‫ب‬
‫ِ‬
‫الوقت الذي‬ ‫أكل ِ‬
‫حلم أخيكُم‪ ،‬يف‬ ‫ِ‬
‫األشياء وأفسدَ ها‪ ،‬وهو ُ‬ ‫حتى أصبحتُم َت ِ‬
‫تـر ُحون أب َغ َض‬
‫ٍ‬
‫وتوقري‪.‬‬ ‫جدير ِّ‬
‫بكل احرتا ٍم‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫أن الغيب َة مذموم ٌة‬ ‫خمتل ٍ‬
‫فة يف ِ‬
‫كلامتا‪ّ -‬‬ ‫دالئل ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكريمة ‪-‬وبام َذكَرناه من‬ ‫هذه ِ‬
‫اآلية‬ ‫يفهم من ِ‬
‫ُ ُ‬
‫ووجدانًا وفطر ًة ِ‬
‫وم ّل ًة‪.‬‬ ‫عقل وقل ًبا وإنساني ًة ِ‬
‫ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبإجياز‬ ‫بإعجاز بال ٍغ‬ ‫الغيبة‬ ‫جريمة‬ ‫فتد َّبر هذه اآلي َة الكريم َة‪ ،‬وان ُظر كيف أهنا ُ‬
‫تزج ُر عن‬
‫مراتب‪.‬‬
‫َ‬ ‫شديد يف ِس ِّت‬
‫ٍ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪453‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫«اإلثبات» ُ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬
‫أمثلة َمقا ِم‬ ‫ِ‬
‫آالف‬ ‫ومن بني‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﴾ (الروم‪ )50:‬فإهنا‬
‫ِ‬
‫«احلقيقة‬ ‫بيان فو َقه‪ ،‬وذلك كام َأث َبتنا يف‬ ‫وواف ال َ‬ ‫ٍ‬ ‫شاف‬‫يان ٍ‬ ‫ُزيل استبعاده بب ٍ‬ ‫الحشر‪ ،‬وت ُ‬ ‫ُثبت‬
‫ت ُ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬
‫الثانية والعرشين» بأنّه ُك َّلام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫ِ‬
‫السادسة من‬ ‫ِ‬
‫«اللمعة‬ ‫العارشة» ويف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكلمة‬ ‫ِ‬
‫التاسعة من‬
‫بانبعاث ثالثِ ِم ِئة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حل م ِ‬
‫ألف نَو ٍع من أنوا ِع‬ ‫جديد‬ ‫األرض تُب َع ُث من‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فكأن‬ ‫وس ُم الربيعِ‪،‬‬ ‫َّ َ‬
‫االختالط والتشا ُب ِك‪ ،‬حتى‬ ‫ِ‬ ‫نتهى‬ ‫ِ‬
‫ومتييز تا ٍّم‪ ،‬علام أهنا يف ُم َ‬ ‫ٍ‬ ‫والنشور‪ ،‬يف انتظا ٍم ُمت َق ٍن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‬
‫األرض‬ ‫َ‬ ‫إن الذي أحيا‬ ‫يقول له‪ّ :‬‬ ‫شاه ٍد‪ ،‬وكأنه ُ‬ ‫لكل م ِ‬
‫ظاهرا ِّ ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫والبعث‬ ‫ُون ذلك اإلحيا ُء‬ ‫يك َ‬
‫فة من أنوا ِع‬ ‫األلوف املؤ ّل ِ‬
‫ِ‬ ‫إن كتاب َة هذه‬ ‫ِ‬
‫والنشور؛ ثم ّ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‬ ‫ُ‬
‫إقامة‬ ‫ب عليه‬ ‫هكذا لن َيص ُع َ‬
‫ِ‬ ‫نقص َل ِ‬
‫ٍ‬ ‫دون خطأٍ وال‬ ‫در ِة َ‬ ‫بقلم ُ‬ ‫األرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للواحد‬ ‫واضح‬
‫ٌ‬ ‫ـهي َخ ٌ‬
‫تم‬ ‫الق َ‬ ‫صحيفة‬ ‫األحياء عىل‬
‫احلرش‬ ‫ُثبت القيام َة واحلرش أيضا ُمب ِّين ًة ّ‬
‫أن‬ ‫الكريمة التوحيدَ ‪ ،‬ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫األحد؛ فكام َأثبتَت هذه ُ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫وقها‪ ،‬ثم‬ ‫وش ِ‬ ‫الشمس ُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غروب‬ ‫ِ‬
‫ثبوت‬ ‫ِ‬
‫كقطعية‬ ‫ثابت‬
‫وقطعي ٌ‬ ‫در ِة‬ ‫سهل عىل تلك ُ‬ ‫والنشور ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫الق َ‬ ‫َ‬
‫فإن ُس َو ًرا ُأخرى‬ ‫َيف ّي ِة ّ‬‫زاوية الك ِ‬
‫ِ‬ ‫بلفظ ﴿ﰀ﴾ أي من‬ ‫إن اآلي َة الكريم َة إذ ُتب هذه احلقيق َة ِ‬
‫يِّ‬ ‫ّ‬
‫َيف ّي َة‪.‬‬ ‫كثري ًة قد َفص َلت تلك الك ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫جميء‬ ‫ريب يف‬ ‫مجيل ٍ‬ ‫فمثال سور ُة «ق»‪ ،‬تُثبِ ُت احلرش والقيام َة ٍ‬
‫ببيان رفي ٍع ٍ‬
‫باهر‪ُ ،‬يفيدُ أنه ال َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتعجبِهم من‬ ‫ِ‬
‫املنكرين‬ ‫ِ‬
‫جواب القرآن للك ّف ِار‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ريب يف جميء الربيعِ؛ فتأ ّم ْل يف‬
‫ُّ‬ ‫احلرش كام ال َ‬
‫جديد‪ ،‬إذ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وحتو ِلا إىل َخ ٍ‬ ‫ِ‬
‫يقول هلم‪:‬‬ ‫لق‬ ‫إحياء العظا ِم ُّ‬
‫﴿‪ ‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ * ﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ * ﮙﮚﮛﮜﮝ * ﮟ‬
‫ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ * ﮪﮫﮬﮭﮮ * ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﴾ (ق‪.)11-6:‬‬
‫القلب و ُي ِّ‬
‫غذيه‬ ‫الزاهرة‪ ،‬وهو ي ِ‬
‫طع ُم‬ ‫ِ‬ ‫قراق‪ ،‬و َيس َط ُع كالنجو ِم‬ ‫ِ‬
‫كاملاء الر ِ‬ ‫البيان َي ُ‬
‫سيل‬ ‫ُ‬ ‫فهذا‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الوقت ِ‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُون ّ‬
‫لذ ًة يف‬ ‫ُون غذا ًء ويك ُ‬
‫ب‪ ،‬فيك ُ‬ ‫كالر َط ِ‬ ‫لو َط ِّي ٍ‬ ‫بغ ٍ‬
‫ذاء ُح ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب ُّ‬
‫ِ‬
‫«اإلثبات» هذا ُ‬
‫املثال‪ ﴿ :‬ﭬ * ﭮ ﭯ * ﭱ ﭲ‬ ‫ِ‬
‫أمثلة مقا ِم‬ ‫ومن َأ ِ‬
‫لطف‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪454‬‬
‫واضح‬ ‫وحق‬
‫يقيني ٌّ‬ ‫ِ‬
‫الرسالة وبرهانَها‬ ‫أن ُح َّج َة‬
‫ﭳ ﴾ (يس‪ ،)3-1:‬هذا ال َق َس ُم ُيشري إىل َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫واإلجالل‪ ،‬ف ُي ْق َس ُم به‪.‬‬ ‫دق مرتب َة‬ ‫والص ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫التعظيم‬ ‫لغ يف احل َّقانية ِّ‬
‫حتى َب َ‬

‫نفسه‬ ‫ُ‬ ‫ألن يف ِ‬ ‫ٌ‬


‫رسول ّ‬ ‫ِ‬
‫اإلشارة‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والقرآن ُ‬ ‫حكيم‪،‬‬
‫ً‬ ‫يدك قرآنًا‬ ‫إنك‬ ‫الكريم هبذه‬
‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫يقول‬
‫ِ‬
‫اإلعجاز‪.‬‬ ‫احلق َة وعليه ُ‬
‫ختم‬ ‫احلق‪ ،‬ألن فيه احلكم َة ّ‬
‫وكالم ِّ‬
‫ُ‬ ‫حق‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫واإلجياز هذه اآلي َة الكريم َة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز‬ ‫ِ‬
‫ذات‬ ‫ِ‬
‫«اإلثبات»‬ ‫ِ‬
‫أمثلة مقا ِم‬ ‫ونذكر من‬
‫ُ‬
‫﴿ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟ * ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﴾‬
‫(يس‪.)79-78:‬‬
‫ِ‬
‫املسألة‪ ،‬عىل‬ ‫لطيف هلذه‬‫ٌ‬ ‫تصوير‬ ‫ِ‬
‫العارشة‬ ‫ِ‬
‫للكلمة‬ ‫ِ‬
‫التاسعة‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫ِ‬
‫الثالث من‬ ‫ِ‬
‫املثال‬ ‫ففي‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫واحد؛ فلو قال‬ ‫ضخم يف يو ٍم‬ ‫ِ‬
‫أنظارنا ً‬
‫جيشا‬ ‫إن قائدً ا عظيام قد شك َّل أما َم‬ ‫النحو اآليت‪ّ :‬‬
‫ً‬
‫عسكري‬ ‫ببوق‬ ‫ِ‬
‫لالسرتاحة ٍ‬ ‫املتفر ِقني‬ ‫ِ‬ ‫إن هذا القائدَ ي ِ‬ ‫أحدُ هم‪ّ :‬‬
‫ٍّ‬ ‫طابوره ِّ‬ ‫جيمع جنو َد‬ ‫َ‬ ‫مكنُه أن‬ ‫ُ‬
‫عندئذ مدى ب ِ‬
‫عد‬ ‫ٍ‬ ‫قلت‪ :‬ال ُأصدِّ ُق‪ ،‬ت ِ‬
‫ُدر ُك‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان إن َ‬ ‫حال‪ ،‬وأنت أهيا‬‫الطابور ً‬ ‫في ِ‬
‫نتظ ُم له‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العقل‪.‬‬ ‫إنكارك عن‬‫ِ‬

‫يشء‪،‬‬ ‫غري ٍ‬
‫األحياء قاطب ًة من ِ‬ ‫ِ‬ ‫بعث أجسا َد‬ ‫إن الذي َي ُ‬ ‫املثل األعىل‪َّ :-‬‬ ‫واألمر كذلك ‪-‬وهلل ُ‬ ‫ُ‬
‫ات تلك األجسادِ‬ ‫احلكمة‪ ،‬وجيمع ذر ِ‬ ‫ِ‬ ‫بكامل االنتظا ِم وبميزانِ‬ ‫ِ‬ ‫جيش ضخم‬ ‫ٍ‬ ‫كأهنا أفرا ُد‬
‫ُ ّ‬
‫ِ‬
‫وجه‬ ‫كل ربيعٍ‪ ،‬عىل‬ ‫كل َق ْر ٍن‪ ،‬بل يف ِّ‬ ‫بأمر ﴿ ﯠ ﯡ ﴾ يف ِّ‬ ‫ولطائ َفها ويحف ُظها ِ‬
‫العليم‬ ‫القدير‬ ‫إن‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪َّ ..‬‬ ‫أمثالا من أنوا ِع ذوي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلوف من‬ ‫ِ‬
‫مئات‬ ‫ِ‬
‫ويوجدُ‬ ‫ِ‬
‫األرض كا ّف ًة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫األصلية‬ ‫ِ‬
‫واألجزاء‬ ‫ِ‬
‫األساسية‬ ‫الذ ِ‬
‫رات‬ ‫جمع َّ‬ ‫مك ُن أن ُيستَبعدَ منه‬ ‫يفعل هذا هل ي ِ‬ ‫الذي ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫إن استبعا َد‬ ‫َ‬
‫إرسافيل؟ َّ‬ ‫ور‬ ‫ٍ‬
‫بصيحة من ُص ِ‬ ‫ٍ‬
‫جيش من َّظ ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلسد كأهنا أفرا ُد‬ ‫ِ‬
‫املتعارفة حتت نظا ِم‬
‫ٌ‬
‫جنون!‬ ‫العليم ال محال َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدير‬ ‫ذلكم‬
‫ُ‬ ‫هذا من‬
‫ٌورفيعة ومؤنس ٌة ورقيق ٌة حتى إهنا تَـم ُ‬
‫أل‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫البيانات القرآني َة مؤ ِّثـرة‬ ‫ِ‬
‫«اإلرشاد» َّ‬
‫فإن‬ ‫ويف َمقا ِم‬
‫آالف أمثلتِه‪  ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ‬ ‫املثال من بني ِ‬
‫والعقل لهف ًة وال َعني دم ًعا؛ فلنأخذ هذا َ‬
‫َ‬ ‫الروح شو ًقا‬
‫َ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ﴾‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪455‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األو ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(البقرة‪ )74:‬فكام َأ َ‬
‫العرشين»‬ ‫للكلمة‬ ‫وضحنا وأث َبتنا يف مبحث اآلية الثالثة من «املقا ِم ّ‬
‫ِ‬
‫إرسائيل حتى ال تُبا ُلون‬
‫َ‬ ‫إرسائيل قائل ًة‪ :‬ماذا أصابكم يا بني‬ ‫َ‬ ‫ب بني‬ ‫فإن اآلي َة هذه ُتاط ُ‬ ‫َّ‬
‫تدمع‪ ،‬وقلو ُبكم قاسي ٌة‬ ‫وسى عليه السالم‪ ،‬فع ُيونُكم شاخص ٌة جا ّف ٌة ال‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بجمي ِع معجزات ُم َ‬
‫الدموع ِ‬
‫من اثنَتَي‬ ‫فت‬‫القاسية قد َذر ِ‬
‫ُ‬ ‫الصلد ُة‬ ‫ِ‬ ‫غليظ ٌة ال حرار َة فيها وال َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫شوق‪ ،‬بينام الحجار ُة َّ‬
‫بضربة من عصا ُموسى عليه السالم‪ ،‬وهي معجز ٌة واحد ٌة من معجزاتِه!‬ ‫ٍ‬ ‫عشر َة عينًا‬ ‫ْ‬
‫إيضاحا‬ ‫اإلرشادي‬ ‫حيث ُو ِّض َح هذا املعنى‬ ‫ِ‬
‫الكلمة ُ‬ ‫نكتفي هبذا القدْ ِر هنا ون ِ‬
‫ُح ُيل إىل تلك‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫كاف ًيا‪.‬‬
‫آالف أمثلتِه‪.‬‬
‫ويف مقا ِم «اإلفحا ِم واإللزامِ» تأم ْل يف هذين املثا َلني فحسب من بني ِ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫املثال األول‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﴾ (البقرة‪.)23:‬‬
‫وضحنـاه و َأث َبتنـاه و َأ َشـرنا إليه يف‬ ‫فحسب‪ ،‬إذ قـد َأ َ‬ ‫ُ‬ ‫جمل ًة‬‫ُشيـر هنـا إشـار ًة ُم َ‬ ‫سن ُ‬
‫واجلن‪ ..‬إن‬ ‫ِ‬
‫اإلنس‬ ‫معشـر‬ ‫البيان ُ‬
‫يقول‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الـمعج َز‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز» وهو‪َّ :‬‬ ‫ِ‬
‫«إشـارات‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫فه ّيا‪ ،‬فها هو َم ُ‬
‫يدان‬ ‫ـر‪َ ،‬‬ ‫َوهون أنه من كال ِم َب َش ٍ‬ ‫كالم اهلل‪ ،‬و َتت ّ‬ ‫َ‬
‫القرآن ُ‬ ‫كانت لديكُم ُش َبه ٌة يف َّ‬
‫أن‬
‫يعرف القراء َة وال الكتاب َة‪ِ ،‬‬
‫مثل‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫شخص ُأ ِّم ٍّي ال‬ ‫مثل هذا َيصدُ ُر عن‬ ‫ٍ‬
‫بقرآن ِ‬ ‫التَّحدِّ ي‪ ،‬فا ْئتُوا‬
‫ِ‬
‫بـ«األمني»‪..‬‬ ‫محمد الذي ت َِص ُفونه أنتم‬ ‫ٍ‬

‫فإن مل تَفع ُلوا هذا فا ْئتُوا به من ِ‬


‫غري ُأ ِّم ٍّي‪ ،‬وليكن عاملًا بلي ًغا‪ ..‬فإن مل تَفع ُلوا هذا فا ْئتُوا‬
‫بائكم‬ ‫وخ َط ِ‬
‫لغائكم ُ‬ ‫واحد‪ ،‬بل امجعوا جميع ب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شخص‬ ‫ِ‬
‫البلغاء وليس من‬ ‫مجاعة من‬‫ٍ‬ ‫به من‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫دون اهلل‪،‬‬‫كائكُم من ِ‬ ‫وش ِ‬ ‫وهمم ُش ِ‬
‫هدائكُم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واآلثار اجل ِّيد َة للسابقني منهم ومد َد الالحقني َ َ‬ ‫َ‬
‫بكتاب يف ِ‬
‫مثل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بمثل هذا القرآن؛ فإن مل تفعلوا هذا فا ْئتُوا‬ ‫كل ما َلدَ يكُم حتى تَأتُوا ِ‬ ‫وابذ ُلوا َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫املعنوية‪.‬‬ ‫العظيمة ومعجزاتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقائقه‬ ‫ِ‬
‫برصف الن ِ‬
‫َّظر عن‬ ‫القرآن ون ِ‬
‫َظمه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالغة‬
‫يقول‪ ﴿ :‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾‬ ‫بأقل من هذا إذ ُ‬ ‫القرآن قد تَحدَّ ُاهم َّ‬
‫ُ‬ ‫َب ِل‬
‫يات؛ وإن مل تَفع ُلوا‪ ،‬ف ْليكُن‬ ‫دق املعنى ف ْلتكُن أكاذيب مفرت ٍ‬ ‫ضور ًّيا ِص ُ‬
‫َ ُ َ‬ ‫أي ليس َ ُ‬‫(هود‪ْ )13:‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫القرآن؛ وإن مل تَفع ُلوا هذا‪ ،‬فا ْئتُوا‬ ‫ضور ًّيا ُّ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة من‬ ‫بسورة‬ ‫كل‬ ‫َع ْش َر ُس َور منه وليس َ ُ‬
‫أيضا صع ًبا عليكُم‪ ،‬ف ْلتكُن ُسور ًة قصريةً‪ ..‬وأخريا ما‬ ‫ب‪ ،‬وإن كنتم َترون هذا ً‬ ‫ِ‬
‫فح ْس ُ‬
‫مثله َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪456‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُدمتُم ِ‬
‫اإلتيان‬ ‫احلاجة إىل‬ ‫زين ال تَستطي ُعون أن تَفع ُلوا ولن تَفع ُلوا مع أنكم يف ِّ‬
‫أمس‬ ‫عاج َ‬
‫وأرواحكم ودنياكُم و ُأخراكُم‬ ‫وع َصبِ ّيتَكم وأموا َلكم‬ ‫ألن َشر َفكُم ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫وع َّز َتكُم ودينَكُم َ‬ ‫بمثيله‪َ َّ ،‬‬
‫َعر ُض شر ُفكم ودينُكم إىل اخلَ َط ِر وتُسا ُمون ُّ‬
‫الذ َّل‬ ‫مثله‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بإتيان ِ‬ ‫إنام ت ُ‬
‫وإل ففي الدنيا َيت ّ‬ ‫ُصان‬
‫وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كومني‬ ‫أصنامكم َ‬ ‫للنار مع‬ ‫واهلوان وتُهدَ ُر أموا ُلكم‪ ،‬ويف اآلخرة تَص ُ‬
‫يـرون حط ًبا‬ ‫َ‬
‫األبدي ﴿ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾ (البقرة‪.)24:‬‬ ‫ِّ‬ ‫بالس ِ‬
‫جن‬ ‫ِّ‬
‫القرآن م ِ‬ ‫مراتب‪ ،‬فالبدَّ أن ت ِ‬
‫مراتب‪،‬‬
‫َ‬ ‫عج ٌز بثامين‬ ‫َ ُ‬ ‫َعرفوا َّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫جزكم بثامين‬ ‫فام ُدمتُم قد َع َرفتُم َع َ‬
‫املصري‪.‬‬ ‫وبئس‬ ‫فإما أن ت ِ‬
‫ُؤمنوا به أو تَس ُكتُوا هنائ ًّيا وتك َ‬
‫ُ‬ ‫جهنم َمثواكُم َ‬
‫ُ‬ ‫ُون‬ ‫ّ‬
‫القرآن هذا وإلزامه يف مقا ِم «اإلفحام» قل‪ :‬ح ًّقا إنه «ليس بعدَ ِ‬
‫بيان‬ ‫ِ‬ ‫عرفت َ‬
‫بيان‬ ‫َ‬ ‫وبعدَ ما‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القرآن ٌ‬
‫بيان»‪.‬‬
‫ُ‬
‫املثال الثاين‪ ﴿ :‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ * ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ* ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ* ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭖ ﭕ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫*ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ*ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ* ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ* ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ* ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ* ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ* ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ* ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ* ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ* ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ * ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾ (الطور‪.)43-29:‬‬
‫ُبي حقيق ًة واحد ًة فقط مثاال‬ ‫ُ‬
‫اجلليلة َسن ِّ ُ‬ ‫اآليات‬ ‫َضمنُها هذه‬ ‫ِ‬ ‫من بني ِ‬
‫ُ‬ ‫احلقائق التي َتت ّ‬ ‫آالف‬
‫ِ‬
‫الضاللة‬ ‫جميع أقسا ِم ِ‬
‫أهل‬ ‫اآليات الكريم َة ت ِ‬
‫ُلز ُم‬ ‫ِ‬ ‫إن هذه‬ ‫اخلصم كاآليت‪ّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫لإللزا ِم وإفحا ِم‬
‫َ‬
‫هات وت ُِزي ُلها‪ ،‬وذلك ِ‬ ‫الشب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مس َع ْش َة طبق ًة‬ ‫بخ َ‬‫بلفظ‪َ :‬أ ْم‪َ ..‬أ ْم‪َ ،‬‬ ‫مجيع َمنابِت ُّ ُ‬ ‫وتُسكتُهم‪ ،‬وت َُسدُّ َ‬
‫إل‬ ‫ِ‬
‫الضاللة ّ‬ ‫نـز ِوي فيها ُ‬
‫أهل‬ ‫التعجبِ ِّي‪ ،‬فال تدَ ُع ثغر ًة شيطان ّي ًة َي َ‬ ‫اإلنكاري‬ ‫من االستِفها ِم‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫كذ ًبا من أكاذيبِهم ّ‬
‫إل وتُفنِّدُ ه؛‬ ‫ُمز ُقه‪ ،‬وال تدع ِ‬ ‫ستارا َيتَست ُّـرون حتتَه ّ‬
‫إل وت ِّ‬
‫ُ‬ ‫تدع ً‬‫وت َُسدُّ ها‪ ،‬وال ُ‬
‫رة؛ إ ّما‬‫وائف الكافِ ِ‬
‫ُبط ُل خالص َة مفهو ِم ُك ْف ٍر َت ِم ُله طائف ٌة من ال َّط ِ‬ ‫راتا ت ِ‬ ‫قرة من فِ ْق ِ‬ ‫فكل فِ ٍ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫بإشارة‬ ‫لظهور ُبطالنِه‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العقل‬ ‫ِ‬
‫بداهة‬ ‫ُوت عنه وإحالتِه إىل‬ ‫جيز‪ ،‬أو بالسك ِ‬ ‫قصري َو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بتعبري‬
‫ُّ‬
‫فمثل‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الف ْقر ُة األوىل‬ ‫ِ‬
‫بالتفصيل‪ً ،‬‬ ‫الكفري و ُأفح َم يف َموض ٍع َ‬
‫آخر‬ ‫ُّ‬ ‫املفهوم‬
‫ُ‬ ‫جمملة إذ قد ُر َّد ذلك‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪457‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ (يس‪ ،)69:‬أما ِ‬
‫الف ْقر ُة اخلامس َة‬ ‫ِ‬ ‫تُشري إىل ِ‬
‫اآلية‬
‫ّ‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ (األنبياء‪..)22:‬‬ ‫ِ‬ ‫َع ْش َة فهي تَرم ُز إىل ِ‬
‫اآلية‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سائر الف ْقرات يف َضوء هذه الفقرة‪ ،‬وذلك‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ق ْس بنَفسك َ‬
‫ِ‬
‫الكاه ِن ُمل َّف ٌق‬ ‫لست ِ‬
‫بكاه ٍن‪َّ ،‬‬
‫ألن كال َم‬ ‫تقول‪ :‬ب ِّل ِغ األحكا َم اإلهلي َة‪ ،‬فإنَّك َ‬
‫ففي املقدِّ مة ُ‬
‫اليقني‪ ..‬و َذكِّر بتلك األحكا ِم‬
‫ُ‬ ‫احلق ب َعينِه وهو‬
‫والوهم‪ ،‬بينام كال ُمك هو ُّ‬
‫َ‬ ‫الظن‬
‫َّ‬ ‫ُم ِتل ٌط ال َيعدُ و‬
‫كامل ِ‬
‫عقلك‪.‬‬ ‫أعداؤك كذلك عىل ِ‬ ‫ُ‬ ‫قط‪ ،‬فقد َش ِهدَ‬
‫ف َل ْس َت جمنونًا ُّ‬
‫ِ‬
‫كالكفار‬ ‫شاعر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫﴿ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾ فيا عج ًبا! َأ ُيقو ُلون لك‪:‬‬
‫نتظرون هالكَك وموتَك! قل هلم‪ِ :‬‬ ‫العقل! أوهم ي ِ‬ ‫العوام الذين ال َي ِ‬
‫انتظ ُروا وأنا‬ ‫ِ َ ُ َ‬ ‫تك َ‬
‫مون إىل‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫عر و ُمستَغني ٌة‬‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫هة عن خياالت ِّ‬ ‫نـز ٌ‬ ‫ِ‬
‫َمعكُم من املنتظ ِرين‪َّ ،‬‬
‫فإن حقائ َقك العظيمة الباهر َة ُم َّ‬
‫َزييناتِه‪.‬‬
‫عن ت ِ‬

‫المعتَدِّ ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َنك ُفون ِ‬ ‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﴾ أم إنم يست ِ‬


‫عن اتِّباعك كالفالسفة ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ِّباعك‪ ،‬فام ِمن‬‫العقل نفسه يأمر بات ِ‬
‫ُُ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫الفارغة؟! الذين يقولون‪ :‬كَفانا َعق ُلنا‪ ،‬مع َّ‬
‫أن‬ ‫بع ِ‬
‫قول ُم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫فرده‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫معقول‪ ،‬ولكن ال َيب ُل ُغه‬
‫ٌ‬ ‫َق ٍ‬
‫ول ُتقو ُله ّ‬
‫بم َ‬
‫العقل ُ‬ ‫إل وهو‬
‫ِ‬
‫الظلمة؟‬ ‫للحق كال ُّط ِ‬
‫غاة‬ ‫إنكارهم هو عدم ر ُض ِ‬
‫وخهم‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫﴿‪  ‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﴾ أم َّ‬
‫ِّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫إن َس َب َ‬
‫معلومة ال َت َفى عىل ٍ‬
‫أحد‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫َامريدَ‬ ‫ٍ‬
‫فراعنة ون ِ‬ ‫أن ُعقبى اجلب ِارين الع ِ‬
‫تاة من‬ ‫مع َّ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫القرآن كالم من ِ‬
‫عندك‪ ،‬كام‬ ‫َ‬ ‫﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﴾ أم َّإنم َيت َِّهمونك َّ‬
‫بأن‬
‫ٌ‬
‫دعونك إىل‬
‫هم الذين َي ُ‬ ‫َ‬ ‫ضمري هلم وال ِو‬ ‫ِ‬ ‫يقول املنافِقون‬
‫ُ‬
‫جدان؟ مع َّأنم ُ‬ ‫َ‬ ‫الكاذبون الذين ال‬
‫ِ‬
‫البرش‬ ‫آثار‬ ‫وإل ف ْل ِ‬
‫يجدُ وا يف ِ‬ ‫َ‬
‫اإليامن‪ّ ،‬‬ ‫دق ِ‬
‫كالمك؛ فإذن ال َي ُنوون‬ ‫لص ِ‬‫اآلن بـ«حمم ٍد األمني» ِ‬‫َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫للقرآن‪.‬‬ ‫مثِ ً‬
‫يل‬
‫غاية وال‬‫بني‪ُ ،‬خ ِلقوا سدً ى بال ٍ‬ ‫﴿ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﴾ أم إنم يعدُّ ون َأن ُفسهم ِ‬
‫سائ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ُ‬
‫الفالسفة ال َع َبث ُّيون!‬ ‫َون ك َّله عب ًثا كام ي ِ‬
‫عتقدُ به‬ ‫عتقدون الك َ‬ ‫وظيفة وال خالِ َق هلم وال موىل؟! وي ِ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫بالحك َِم وم ِ‬
‫ثم ًرا‬ ‫َون ك َّله من أقصاه إىل أقصاه مزينًا ِ‬ ‫أبصارهم؟ أفال َي َرون الك َ‬ ‫َأف َع ِم َي ْت‬
‫ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫جليلة و ُم َّ‬
‫سخر ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫بوظائف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫املجرات ُمناط ٌة‬ ‫واملوجودات ك َّلها من الذر ِ‬
‫ات إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالغايات‪،‬‬
‫ّ‬
‫ألوامر ٍ‬
‫إهلية‪.‬‬ ‫َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪458‬‬
‫بنفسها َ‬
‫وت ُل ُق‬ ‫بنفسها وتُربى ِ‬ ‫أن األشياء َتتَشك ُّل ِ‬ ‫﴿‪  ‬ﭯ ﭰ ﭱ ﴾ أم َّإنم يظنُّون َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وازمها ِ‬
‫اإليامن‬ ‫الـمت َفرعنُون! حتى َغدَ وا َيستَنك ُفون َ‬
‫من‬ ‫يقول املا ِّد ُّيون ُ‬‫ُ‬ ‫بنفسها‪ ،‬كام‬ ‫َل ِ َ‬
‫واحد َي َلز ُم أن يك َ‬‫ٍ‬ ‫خالق ٍ‬ ‫ُ‬
‫واحلال َّ‬ ‫أنفسهم خالِ ِقني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُون‬ ‫يشء‬ ‫أن َ‬ ‫والعبودية هلل‪ ،‬فإ َذن هم يظنُّون َ‬
‫واجلهل حتى َظنُّوا‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلامقة‬ ‫نتهى‬ ‫لكل ٍ‬
‫يشء‪ ،‬ف َل َقد َد َف َعهم إ َذن‬ ‫خال ًقا ِّ‬
‫وع ُّتو ُهم إىل ُم َ‬
‫غرورهم ُ‬ ‫ُ‬
‫مطلق! فام َدا ُموا قد‬ ‫قادر‬ ‫يكر ِ‬ ‫‪-‬كالذ ِ‬
‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫وب‪ٌ -‬‬ ‫والـم ُ‬
‫َ‬ ‫باب‬ ‫خملوق‬ ‫أضعف‬ ‫عاجز أما َم‬
‫ٌ‬ ‫أن َمن هو‬
‫أضل من األنعا ِم بل أدنَى‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬فهم إذن ُّ‬‫ِ‬ ‫َجر ُدوا من‬ ‫ِ‬ ‫َخ َّلوا إىل هذا احلدِّ ِ‬ ‫ت َ‬
‫العقل وت َّ‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫الفاسدة‪،‬‬ ‫املرض ِة واملوا ِّد‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‬ ‫إلنكارهم‪ ،‬بل َضعهم يف ِع ِ‬
‫داد‬ ‫ِ‬ ‫هتتم‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫جلامدات‪ ..‬فال َّ‬ ‫من ا َ‬
‫أصل‪.‬‬
‫ً‬ ‫َلتف ْت ِ‬
‫إليهم‬ ‫بال وال ت ِ‬ ‫ُلق هلم ً‬‫وال ت ِ‬

‫كالمع ِّطلة‬
‫﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﴾ أم َي َحدُ ون ُوجو َد اهلل تعاىل ُ‬
‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫نكروا وجو َد‬ ‫للقرآن! فع َليهم إ َذن أن ي ِ‬
‫ِ‬ ‫املنكرين للخالِ ِق؟ فال ي ِ‬
‫ستم ُعون‬ ‫احلم َقى ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫دخلوا يف َه َذ ِ‬
‫يان‬ ‫ِ‬
‫العقل ُك ّل ًّيا و ْل َي ُ‬ ‫نسل ُخوا من‬ ‫واألرض‪ ،‬أو يقولوا‪ :‬نحن اخلالِ ُقون؛ و ْلي ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أزاهري‬ ‫ِ‬
‫وبعدد‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫بعدد نجو ِم‬ ‫ِ‬ ‫َون‬ ‫ِ‬
‫أرجاء الك ِ‬ ‫ُقر ُأ يف‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ألن ِ‬ ‫اجلنون‪َّ ،‬‬‫ِ‬
‫واضحة ت َ‬ ‫التوحيد‬ ‫براهني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪ ،‬ك ُّلها ُّ‬
‫للحق‬ ‫ِّ‬ ‫الر ُضوخ‬‫تدل عىل وجوده تعاىل وتُفص ُح عنه؛ فإ َذن ال َيرغ ُبون يف ُّ‬
‫لوف‬‫حرف منه ُأ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫َندر ُج يف ِّ‬ ‫العظيم هذا الذي ت ِ‬
‫ِ‬ ‫أن كتاب الك ِ‬
‫َون‬ ‫وإل فكيف ظنُّوا َّ‬ ‫ِ‬
‫واليقني‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫كاتب؟‬ ‫ُون َ‬
‫دون‬ ‫أن حر ًفا واحدً ا ال يك ُ‬ ‫كاتب! مع َّأنم َيع َلمون جيدً ا َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُب‪ ،‬أنَّه دون‬ ‫الكت ِ‬
‫ِ‬
‫الفالسفة الضا ِّلني أو‬ ‫ِ‬
‫كبعض‬ ‫﴿ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ أم إهنم َين ُفون اإلراد َة اإلهلي َة‬
‫آثار ِ‬
‫الحك َِم‬ ‫مجيع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نكرون َ‬ ‫ي ِ‬
‫أصل الن ُّّبوة كالرباهة؟ فال ُيؤمنون بك! فعليهم إذن أن ُينكروا َ‬ ‫ُ‬
‫والعناية الفائقةِ‬
‫ِ‬ ‫الرمحة الواسعةِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والغايات اجلليلة واالنتظامات البديعة والفوائد املثمرة ِ‬
‫وآثار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مجيع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوجودات كاف ًة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وعليهم أن ُينكروا َ‬ ‫واختياره‪،‬‬ ‫إرادة اهلل‬ ‫والدالة عىل‬ ‫الظاهرة عىل‬
‫ِ‬ ‫السالم‪ ،‬أو عليهم أن ُيقو ُلوا‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باإلحسان‬ ‫َفيض‬‫إن اخلزين َة التي ت ُ‬ ‫ُ‬ ‫عليهم‬
‫ُ‬ ‫األنبياء‬ ‫معجزات‬
‫اخلطاب‪،‬‬
‫َ‬ ‫بأنُم ال َيست َِح ُّقون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخللق أمجعني هي عندنا وبأيدينا؛ ول ُي ْسفروا عن حقيقتهم ّ‬ ‫ِ‬ ‫عىل‬
‫يوانات ضا ّل ٌة كثريةٌ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إنكارهم‪ِ ،‬‬
‫فل َّله َح‬ ‫ِ‬ ‫أهل له‪ ..‬إذن فال َت َز ْن عىل‬‫وال هم ٌ‬
‫ِ‬
‫أعامل اهلل تعاىل؟ أ َف ُيـريدُ ون أن‬ ‫َوهوا أن ُف َسهم ُرقبا َء عىل‬
‫﴿ ﮀﮁﮂ ﴾ أم َّإنم ت ّ‬
‫ث هبم إذ‬ ‫تبال وال ت ِ‬
‫َكرت ْ‬ ‫العقل حاكم! فال ِ‬ ‫َ‬ ‫نصبوا‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫َيع ُلوه سبحانَه‬
‫ً‬ ‫مسؤول‪ ،‬كاملعتزلة الذين َّ‬
‫ِ‬
‫وأمثالم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املغرورين‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫ِ‬
‫إلنكار‬ ‫تأثري‬
‫ال َ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪459‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫﴿ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ أم َّإنم يظنُّون أن ُف َسهم‬
‫َّ‬
‫واجلان‪،‬‬ ‫الشياطني‬
‫َ‬ ‫ان الذين اتَّب ُعوا‬ ‫عالِ ال َغ ِ‬
‫يب كام يدَّ عيه الك ُّه ُ‬ ‫آخر إىل َ‬ ‫قد َو َجدوا طري ًقا َ‬
‫ِ‬
‫الساموات التي ُصكَّت أبوا ُبها‬ ‫أن لدهيِم ُس َّل ًـم إىل‬
‫األرواح؟ أم يظنُّون َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتضري‬ ‫عو ِذي‬
‫وكم َش ِ‬
‫ُ‬
‫الكذابِني‬
‫رة َّ‬ ‫ِ‬
‫الشياطني‪ ،‬حتى ال يصدِّ قوا بام َتتَل ّقاه من خرب السامء! فإنكار هؤالء ال َفج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُبو ُجوه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وأمثالم‪ ،‬هو يف ُح ِ‬
‫كم العد ِم‪.‬‬
‫ِ‬
‫العقول‬ ‫ِ‬
‫باسم‬ ‫ِ‬
‫الصمد‬ ‫ِ‬
‫األحد‬ ‫﴿ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ أم َّإنم ُيسنِدُ ون الشِّ َك إىل‬
‫املنسوبة إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األلوهية‬ ‫فالسفة ُمرشكون‪ ،‬أو بنَو ٍع من‬ ‫ٌ‬ ‫عتقدُ به‬ ‫وأرباب األنوا ِع كام ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َع َش ِة‬
‫َ‬
‫كامللح ِدين والضا ِّلني‪ ،‬فينسبون ِ‬ ‫ِ‬ ‫الو َل ِد إليه تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إليه‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫كالصابِئة‪ ،‬أو بإسناد َ‬ ‫النجو ِم واملالئكة َّ‬
‫املتعال؟‬‫ِ‬ ‫وص َمدان ّيتِه‪ ،‬فهو املستَغنِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫جوب ُوجود األحد الصمد ول َوحدان ّيته َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املنايف لِ ُو ِ‬ ‫َ‬ ‫الو َلدَ‬ ‫َ‬
‫وجنسهم؟ أ َف ُهم يظنُّون َّأنم‬ ‫ِ‬ ‫صمتِهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أم ُيسندُ ون األنوث َة إىل املالئكة املنافي َة لعبود ّيتهم وع َ‬
‫الو ِر َ‬ ‫ألنفسهم‪ ،‬فال َيتّبِ ُعونك!؟ َّ‬ ‫ِ‬ ‫هبذا ُي ِ‬
‫يث‬ ‫ب َ‬ ‫الفاين الذي َيط ُل ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫إن‬ ‫وجدون ُشفعا َء‬
‫َوعه‪،‬‬ ‫الـم ِعني‪ ،‬والمطبوع عىل حب الدُّ نيا إىل حدِّ الـهيا ِم هبا‪ ،‬وهو العاجز الفقري إىل ِ‬
‫بقاء ن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رابطة البقاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫والتجز ِؤ‬ ‫ِ‬ ‫َّناس ِل‬
‫وآص َر ُة‬ ‫ُ‬ ‫التناسل الذي هو‬ ‫اجلسامين‪ ،‬ذلك‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫والتكاثر‬ ‫ؤه ُل للت ُ‬ ‫والم َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الدائم الباقي‪،‬‬ ‫واجب وهو‬ ‫التناس ِل هذا إىل َمن ُوجو ُده‬ ‫ِ‬
‫احلياة للمخلوقات كا ّف ًة‪ ..‬فإسنا ُد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫جتزئة املاه ّي ِة‪ ،‬املتعايل عن أن َي َم َّس‬ ‫ِ‬ ‫المقدَّ ُس عن‬ ‫ِ‬
‫عن اجلسامن ّية‪ُ ،‬‬ ‫نـزه ذاتُه ِ‬ ‫الم َّ‬‫األبدي‪ُ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫األزيل‬
‫ُّ‬
‫األوالد إليه والسيام البناتِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬ ‫اجلليل ذو اجلالل‪ ..‬وإسنا ُد‬ ‫العجز‪ ،‬وهو الواحدُ األحدُ‬ ‫ُ‬ ‫درتَه‬ ‫ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلنون‬ ‫نتهى‬ ‫فس َطة و ُم َ‬ ‫الس َ‬ ‫العاجزين‪ ،‬إنَّام هو ُ‬
‫نهاية َّ‬ ‫الضعفاء‬ ‫رور هؤالء‬ ‫الليت مل َيرتَضها ُغ ُ‬ ‫ّ‬
‫طالنا فال ت ِ‬ ‫وإظهار ب ِ‬ ‫ِ‬ ‫يان‪ ،‬حتى إنَّه ال حاج َة إىل تَفنِ ِ‬ ‫وغاية الـه َذ ِ‬
‫ُنص ْت إليهم وال‬ ‫ِ ُ‬ ‫افرتاءاتم‬ ‫يد‬ ‫ُ َ‬
‫ٍ‬
‫جمنون‪.‬‬ ‫كل‬ ‫كل َث ِم ٍل وال َه َذ ُ‬
‫يان ِّ‬ ‫طة ِّ‬ ‫فس ُ‬ ‫ُسم ُع َس َ‬ ‫بال‪ ،‬إذ ال ت َ‬ ‫ُلق هلم ً‬ ‫ت ِ‬
‫ِ‬
‫العبودية التي تطل ُبها‬ ‫تكاليف‬
‫َ‬ ‫﴿ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ أم إهنم َي َرون‬
‫الخ َّس ِة‬
‫ون عىل ِ‬ ‫ون عىل الدنيا املعتا ُد َ‬ ‫يص َ‬ ‫ون ِ‬
‫احلر ُ‬ ‫الباغ َ‬
‫منهم ثقيل ًة عليهم؟ كام َيراها ال ُّطغا ُة ُ‬
‫إل منه‬ ‫أحد ّ‬‫التكاليف! أال يع َلمون أنَّك ال تُريدُ منهم َأجرا وال من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫هر ُبون من تلك‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ف َي ُ‬
‫ِ‬ ‫اهم ليزدا َد ُ‬ ‫سبحانَه؟ ِ‬
‫أيع ُّز عليهم التصدُّ ُق من ِ‬
‫حص َن من‬ ‫املال برك ًة ول ُي َّ‬ ‫مال اهلل الذي أعطا ُه إ ّي ُ‬ ‫ُ‬
‫واحد من ِ‬ ‫ٍ‬ ‫فالزكا ُة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أربعني‪،‬‬ ‫ش أو‬ ‫بم ِ‬
‫قدار ال ُع ْ ِ‬ ‫بالسوء عىل مالِ ِكه؟ َّ‬
‫ومن الدُّ عاء ُّ‬
‫ِ‬
‫َح َسد الفقراء‪َ ،‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪460‬‬
‫ثقيل حتى يربوا من اإلسال ِم؟ إنم ال ي ِ‬
‫ستح ُّقون حتى‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُُ‬ ‫والتصدُّ ُق هبا عىل ُفقرائهم أتُعدُّ ً‬
‫أمرا ً‬
‫التافه جدً ا‪ ،‬بل ي ِ‬
‫ستح ُّقون التأديب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اجلواب عىل ت ِ‬
‫َكذيبِهم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يب‪َ ،‬فيدَّ ُعون‬ ‫ِ‬
‫أخبار ال َغ ِ‬ ‫وق هلم ما َتتَل َّقاه من‬
‫﴿ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﴾ أم َّإنم ال َي ُر ُ‬
‫كتاب من‬ ‫وذيني وكالعقالنِيني الذين َيسبون ُظنونم يقينًا! ِ‬
‫أعندَ هم‬ ‫ِ‬ ‫معرف َة ال َغ ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫يب كال ُب ِّ‬
‫إن ذلك العا َل َم ال َي ُ‬
‫نـزاح‬ ‫الغيبي!؟ َّ‬
‫َّ‬ ‫مفتوح هلم َيكتُبون منه حتى َير ُّدوا كتا َبك‬
‫ٌ‬ ‫يب وهو‬ ‫ال َغ ِ‬
‫قط‪ ،‬وال ي ِ‬ ‫وج فيه ِ‬ ‫ٍ‬
‫ستخ َّفن ََّك‬ ‫َ‬ ‫بنفسه ُّ‬ ‫بالو ُل ِ‬
‫املوحى إليهم‪ ،‬وال طاق َة ألحد ُ‬ ‫للر ُس ِل َ‬ ‫إل ُّ‬ ‫حجا ُبه ّ‬
‫او ُزوا َط َ‬
‫ورهم وتَعدَّ ْوا ُحدو َدهم‪،‬‬ ‫ـرين الذين َت َ‬ ‫املغر ِ‬
‫ورين املتك ِّب ِ‬ ‫تكذيب هؤالء ُ‬
‫ُ‬ ‫عن َدعوتِك‬
‫ني‪.‬‬ ‫أثرا بعدَ َع ٍ‬
‫حقائقك أحال َمهم وجتع ُلها ً‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫قريب ست َُح ِّط ُم‬ ‫ف َعن‬

‫﴿ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ أم َّإنم ُيريدُ ون أن يكُونوا كاملنافِ ِقني الذين‬


‫الـهدَ ى‬ ‫المك ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫دت فطرتُهم و َت َف َّسخ ِوجدانُهم‪،‬‬‫َف َس ْ‬
‫الناس عن ُ‬ ‫ّارين الذين َي ُصدُّ ون َ‬ ‫وكالزنادقة َ‬
‫السبيل‪ ،‬حتى َأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واخلديعة ف َي ِ‬ ‫‪-‬الذي ح ِرموا منه‪ -‬بالـم ِك ِ‬
‫طلقوا عليك‬ ‫سواء‬ ‫وهم عن‬‫رص ُف ُ‬ ‫يدة‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أو املجنون ِ‬ ‫ِ‬
‫الكاه ِن ِ‬
‫عواهم فكيف‬ ‫أنفسهم ال ُيصدِّ قون َد ُ‬ ‫الساح ِر‪ ،‬مع َّأنم هم َ‬ ‫أو َّ‬ ‫اسم‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫مر ِة‬ ‫الكذابِني اخلدّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض يف‬‫بل ا ْم ِ‬ ‫األناس‪ِ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫اعني وال ت ِ‬
‫َعتب ُهم يف ُز َ‬ ‫هتتم هبؤالء ّ‬ ‫باآلخ ِرين؟ فال َّ‬
‫َ‬
‫يكيدُ ون أن ُف َسهم‪ ،‬و َي ُض ُّر َ‬
‫ون‬ ‫الدَّ عو ِة إىل اهلل‪ ،‬ال ي َفتِّـرك يشء عنها‪ ،‬فأولئك ال ي ِكيدُ ونَك بل ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ ْ‬ ‫َ‬
‫إهلي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أمر ُمؤ ّق ٌت ٌ‬ ‫ِ‬
‫الفساد ّ‬ ‫ِ‬
‫كر ٌّ‬ ‫دراج و َم ٌ‬
‫زائل بل هو است ٌ‬ ‫إل ٌ‬ ‫نجاحهم يف‬‫ُ‬ ‫بأنفسهم؛ وما‬

‫ألنم‬ ‫عار ُضونَك و َيستَغنُون عنك َّ‬ ‫﴿‪  ‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﴾ أم َّإنم ُي ِ‬


‫ِ‬
‫اخليـر‬ ‫باسم ِ‬
‫خالق‬ ‫ِ‬ ‫ني ا ْثن ِ‬
‫َني‬ ‫إلـه ِ‬ ‫ِ‬
‫كاملجوس الذين ت ََو ّهوا َ‬ ‫غري اهلل َيستنِدُ ون إليه‬
‫َيتَومهون إهلًا َ‬
‫ِ‬
‫لألسباب‬ ‫ِ‬
‫األلوهية‬ ‫َوعا من‬ ‫ِ‬
‫األسباب واألصنا ِم الذين َيمن َُحون ن ً‬ ‫وخالق الشـر! أو كعب ِ‬
‫اد‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫األكمل‬ ‫أبصار ُهم‪ ،‬أفال َي َرون هذا االنتظا َم‬
‫ُ‬ ‫استناد؟ إذن فقد َع ِم َيت‬
‫ٍ‬ ‫ويتَصورونا م ِ‬
‫وئ َل‬ ‫َ ُّ َ َ‬
‫َ‬
‫األمجل فيه!‪..‬‬ ‫ِ‬
‫العظيم وال هذا االنسجا َم‬ ‫كالنهار يف هذا الك ِ‬
‫َون‬ ‫ِ‬ ‫الظاهر‬
‫َ‬
‫حل‬‫مقتض قولِه تعاىل‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ (األنبياء‪ )22:‬إذا ما َّ‬ ‫ف ُب َ‬
‫يفسدُ‬ ‫فاالنتظام ُّ‬ ‫وسلطانان يف ٍ‬
‫ِ‬ ‫يان يف ِو ٍ‬‫قرية‪ ،‬ووالِ ِ‬
‫تاران يف ٍ‬‫ُم ِ‬
‫واالنسجام ُ‬
‫ُ‬ ‫حتم‬
‫خيتل ً‬ ‫ُ‬ ‫بلد‪،‬‬ ‫الية‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السامء؛ فليس‬ ‫ِ‬
‫قناديل‬ ‫ِ‬
‫البعوضة إىل‬ ‫ِ‬
‫جناح‬ ‫واضح َبد ًءا من‬ ‫الدقيق‬
‫َ‬ ‫أن االنتظا َم‬ ‫ُ‬
‫واحلال َّ‬ ‫هنائ ًّيا؛‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫العقل وجيا ُفون‬ ‫بعوض‪ ،‬فام دام هؤالء َيمر ُقون من نِ ِ‬
‫طاق‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫جناح‬ ‫بم ِ‬
‫قدار‬ ‫وضع ولو ِ‬
‫ٌ‬
‫للشِّ ِك م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪461‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ِ‬
‫والبداهة‪ ،‬فال َي ِ‬
‫صر ْفك تكذي ُبهم لك‬ ‫ِ‬
‫للشعور‬ ‫ٍ‬
‫منافية كل ًّيا‬ ‫ٍ‬
‫بأعامل‬ ‫واملنطق ويقومون‬
‫َ‬ ‫احلكم َة‬
‫ِ‬
‫واإلرشاد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التذكري‬ ‫ِ‬
‫عن‬
‫جممل جوهر ًة واحد ًة منها‬‫ً‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‪ ،‬قد َب َّينَّا بيانًا‬ ‫لة‬ ‫اآليات التي هي ِس ِ‬
‫لس ُ‬ ‫ُ‬ ‫وهكذا فهذه‬
‫ختص «اإللزا َم واإلفحا َم»؛ فلو كانت يل قدر ٌة‬ ‫ِ‬ ‫فقط من ِ‬
‫جواهرها‪ ،‬تلك اجلوهر َة التي ُّ‬ ‫مئات‬
‫ِ‬
‫اآليات معجز ٌة بحدِّ ِ‬ ‫ألُب ِّي َن عدّ َة‬
‫ذاتا!‬ ‫إن هذه‬ ‫أيضا‪َّ :‬‬ ‫ُنت ُ‬
‫تقول ً‬ ‫خرى منها لك َ‬ ‫جواهر ُأ َ‬
‫َ‬
‫أبس َط‬ ‫ٍ‬
‫وسالسة‪ ،‬حتى َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫القرآن يف «اإلفها ِم والتعليمِ» فهو‬ ‫أ ّما ُ‬
‫إن َ‬ ‫لطافة‬ ‫خارق وذو‬ ‫بيان‬
‫ٍ‬
‫وسهولة‪.‬‬ ‫حقيقة وأعم َقها ب ُي ٍ‬
‫سـر‬ ‫ٍ‬ ‫أعظم‬ ‫ِ‬
‫البيانات‬ ‫يفهم بتلك‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫شخص عا ِّم ٍّي ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫املبني ي ِ‬
‫بأسلوب‬ ‫احلقائق الغامضة و ُيع ِّل ُم َ‬
‫الناس إ ّياها‬ ‫كثيـر من‬ ‫رشدُ إىل‬ ‫القرآن َ ُ‬‫َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫إرهاق ِلف ِ‬
‫ٍ‬ ‫لشعور العا ّم ِة وال‬
‫ِ‬ ‫دون ٍ‬ ‫راعي نظر العوام‪ ،‬من ِ‬ ‫شاف ي ِ‬ ‫يان ٍ‬ ‫وواضح وبب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كر‬ ‫إيذاء‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ َ‬ ‫سهل‬
‫تعابري خاص ًة به‪ ،‬كذلك‬ ‫ِ‬
‫ستعم ُل‬ ‫ٌ‬
‫إنسان صب ًّيا فإنَّه َي‬ ‫حاو َر‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫إزعاج له‪ ،‬فكام إذا ما َ‬ ‫العوا ِّم وال‬
‫نـز ُل إىل‬‫خطاب َي ِ‬ ‫ـر»‬ ‫اإلهلية إىل ُع ِ‬
‫قول ال َب َش ِ‬ ‫ِ‬ ‫القرآنية والتي تُسمى بـ«ال َّتن َُّـز ِ‬
‫الت‬ ‫ُ‬ ‫األساليب‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مستوى م ِ ِ‬
‫واألرسار‬ ‫الغامضة‬ ‫احلقائق‬ ‫فه َم أشدَّ العوا ِّم ُأ ِّم ّي ًة‪ ،‬من‬ ‫المخا َطبِني‪ ،‬حتى ُي ِّ‬ ‫دارك ُ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بفكرهم؛ وذلك بالتشبيهات والتمثيالت عىل‬ ‫ِ‬
‫َبحرون عن بلوغها ِ‬ ‫ِ‬
‫الربانية ما َي ِ‬
‫عج ُز حكام ُء ُمت ِّ‬
‫ات‪.‬‬ ‫َشاب ٍ‬
‫ورة ُمت ِ‬‫ص ِ‬
‫ُ‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﴾ (طه‪ )5:‬تُب ِّي ُن الربوبي َة اإلهلي َة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫فمثال‪:‬‬
‫ِ‬
‫بالسلطان الذي َيعتيل‬ ‫ِ‬
‫الربوبية‬ ‫ِ‬
‫ملرتبة‬ ‫يل وتَشبِ ٍيه‬
‫صورة َتثِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لشؤون العا َل ِ‬
‫ـم يف‬ ‫ِ‬
‫تدبيـرها‬ ‫وكيفي َة‬
‫ِ‬
‫السلطنة‪.‬‬ ‫أمر‬ ‫َ‬
‫ويدير َ‬
‫ُ‬ ‫عرشه‬
‫اجلليلة‪ ،‬م ِ‬
‫هيمنًا‬ ‫ِ‬ ‫ظمى لربوبيتِه‬ ‫ِ‬ ‫لرب العاملني‪ ،‬ن َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫َزل من املرتبة ال ُع َ‬ ‫القرآن كال ًما ِّ‬ ‫نعم! ملا كان‬
‫جاب؛ ُملت َِفتًا‬ ‫ألف ِح ٍ‬‫بعني َ‬ ‫ـخرت ًقا س ِ‬
‫املراتب‪ُ ،‬م ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫رشدً ا البالِ ِغني إىل تلك‬
‫املراتب‪ ،‬م ِ‬
‫ِ ُ‬ ‫عىل مجي ِع‬
‫ِ‬
‫الفهم‬ ‫املتباينِني يف‬
‫ِ‬ ‫المخا َطبِني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نوره عىل آالف الطبقات من ُ‬ ‫َرش َ‬ ‫إليها و ُم ِّنو ًرا هلا‪ ،‬وقد ن َ‬
‫غم من‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فيضه َط َ‬ ‫ِ‬
‫واإلدراك‪ ،‬و َن َث َـر َ‬
‫عصور وقرون متفاوتة يف االستعدادات؛ وعىل َّ‬ ‫وال‬
‫َضارتِه ومل‬ ‫واألزمان‪ ،‬اح َت َفظ بحيويتِه ون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هولة ٍ‬
‫تامة يف مجي ِع‬ ‫نرشه ملعانِيه بس ٍ‬ ‫ِ‬
‫َداوته ون َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫األنحاء‬ ‫ُ‬
‫وسه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واجلدّ ِة‬ ‫ِ‬
‫الطراوة ِ‬ ‫فقدْ شي ًئا منها‪ ،‬بل َّ‬ ‫ي ِ‬
‫سهل ممتن ًعا‪ ،‬إذ مثلام ُيلقي ُد ُر َ‬ ‫واللطافة ً‬ ‫نتهى‬
‫ظل يف ُم َ‬ ‫َ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪462‬‬
‫ِ‬
‫الذكاء‬ ‫الفهم‪ ،‬واملتباينِني يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املختلفني يف‬ ‫السهولة‪ -‬ي ِ‬
‫لقيه عىل‬ ‫ِ‬ ‫كان ‪-‬يف ِ‬
‫غاية‬ ‫أي عا ِّم ٍّي َ‬
‫ُ‬ ‫عىل ِّ‬
‫َ‬ ‫هم القناع َة‬ ‫الصواب و ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واالطمئنان‪.‬‬ ‫ور ُث ُ‬ ‫املتفاوتة و ُيرشدُ هم إىل‬ ‫الطبقات‬ ‫لكثري جدً ا من‬
‫ٍ‬
‫إعجاز‪.‬‬ ‫ُشاهدَ ملع َة‬ ‫هت َن َظرك ي ِ‬
‫مكنُك أن ت ِ‬ ‫الـمبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني أينام َو َّج َ َ ُ‬ ‫الكتاب ُ‬ ‫ففي هذا‬
‫َهف الذي هو‬ ‫أل الك َ‬ ‫أن لفظ ًة قرآني ًة مثل‪« :‬احلمدُ هلل» عندما تُتىل َت ُ‬ ‫حاصل الكالمِ‪ :‬كام َّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫اللفظة‬ ‫وض‪ ،‬فت ِ‬
‫َستق ُّر‬ ‫الوقت ِ‬
‫نفسه األُ َذ ْي َن الصغري َة جدًّ ا لب ُع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فإنا َت ُ‬
‫أل يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمثابة ُأ ِ‬
‫اجلبل‪َّ ،‬‬ ‫ذن‬
‫عقول ج ّبارةً‪ ،‬تُع ِّل ُم‬ ‫ً‬ ‫الكريم‪ ،‬إذ مثلام تُشبِ ُع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫األمر يف معاين‬ ‫نفسها فيهام م ًعا؛ كذلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مجيع‬ ‫دعو‬ ‫َ‬
‫القرآن َي ُ‬ ‫ألن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عقول صغري ًة وبسيط ًة جدً ا‪ ،‬و ُت َطمئنُها بالكلامت نفسها‪ ،‬ذلك َّ‬ ‫ً‬
‫َ‬
‫ستم ُع‬ ‫اإليامن ويثبِتُها هلم مجيعا‪ ،‬لذا ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليامن و ُيع ِّل ُم جمي َعهم علو َم‬ ‫ِ‬
‫واإلنس إىل‬ ‫اجلن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫طبقات ِّ‬
‫ْب‬ ‫اخلواص َجنْ ًبا إىل َجن ٍ‬ ‫أخص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الناس مع ِّ‬ ‫درس القرآن وإرشاده أغبى األغبياء من عا ّمة ِّ‬ ‫إىل‬
‫ُمتَكاتِ َفني م ًعا‪.‬‬
‫األفكار وال ُع ِ‬
‫قول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫ف‬‫آالف من ُم ِتل ِ‬‫ٌ‬ ‫الكريم مائد ٌة ساموي ٌة جتدُ فيها‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫إن‬‫أي َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫كثريا من‬
‫إن ً‬‫ب ما َيشت َِهيه و ُيل ِّبي رغباتِه؛ حتى َّ‬‫كل َح َس َ‬‫واألرواح ِغذا َء ُهم‪ٌّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والقلوب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزمان‪.‬‬ ‫املستقبل من‬ ‫القرآن َظ َّل ْت ُمغ َلق ًة لت َ‬
‫ُفتح يف‬

‫إن‬‫فالقرآن ك ُّله من بدايتِه إىل هنايتِه أمثل ٌة هلذا املقا ِم‪ ،‬نعم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫مثال عىل هذا املقا ِم‪،‬‬ ‫ئت ً‬ ‫فإن ِش َ‬
‫ِ‬
‫والعلامء‬ ‫ِ‬
‫وحكامء اإلسال ِم‪،‬‬ ‫املجته ِدين‪ ،‬والصدِّ ِيقني‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلرشاده من‬ ‫القرآن واملست َِم ِعني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تالم َذ َة‬
‫ِ‬
‫واألقطاب العاشقني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واألولياء العارفني‪،‬‬ ‫الفقه‪ ،‬واملتك ِّل ِمني‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أصول‬ ‫ِ‬
‫وعلامء‬ ‫املح ِّق ِقني‪،‬‬
‫باالت ِ‬
‫ِّفاق‪« :‬نحن َنتَل َّقى اإلرشا َد عىل‬ ‫املسل ِمني‪ ..‬ك َّلهم يقولون ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعامة‬ ‫ِ‬
‫والعلامء املد ِّققني‪،‬‬
‫ِ‬
‫القرآن»‪.‬‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أفضل وجه َ‬
‫أيضا (مقا ِم اإلفها ِم والت ِ‬
‫َّعل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واخلالص ُة‪َّ :‬‬
‫إن ملع َة‬
‫يم) كام‬ ‫تتلمع يف هذا املقا ِم ً َ‬
‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫إعجاز‬
‫ِ‬
‫املقامات‪.‬‬ ‫احلال يف ِ‬
‫سائر‬ ‫هو ُ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪463‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬

‫عاع الثاين‬ ‫ُّ‬


‫الش ُ‬
‫جامعية ُ القرآ ِ‬
‫ن الخارِقة ُ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ملعات‬ ‫الشعا ِع َخ ُ‬
‫مس‬ ‫هلذا ُّ‬

‫ال َّلمع ُة األُوىل‬


‫الجامِعيّة ُ الخارقة ُ في لَفظِه‬
‫ِ‬
‫«الكلمة»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫السابقة ويف هذه‬ ‫ِ‬
‫«الكلامت»‬ ‫ِ‬
‫املذكورة يف‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫واضحة ٌ‬
‫جلية يف‬ ‫ٌ‬ ‫هذه اجلامع ّي ُة‬
‫ٍ‬ ‫لكل كال ٍم‪ ،‬بل ِّ‬ ‫إن ِّ‬ ‫يث َّ‬ ‫بح ُ‬ ‫ِ‬
‫كلمة‪ ،‬بل‬ ‫لكل‬ ‫األلفاظ القرآني َة قد ُوض َعت وض ًعا َ‬
‫َ‬ ‫نعم‪َّ ،‬‬
‫إن‬
‫ب ح َّظه ونصي َبه من‬ ‫كل ُما َط ٍ‬
‫نح َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫جوها كثري ًة جدًّ ا‪َ ،‬ت ُ‬
‫لسكوت أحيانًا‪ُ ،‬و ً‬ ‫لكل حرف‪ ،‬بل حتى ُ‬
‫ْ َ (‪)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وبطن وحدٌّ و َمطل ٌع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫الرشيف‪ ،‬فلك ُِّل آية ٌ‬
‫ظهر‬ ‫ُ‬
‫احلديث‬ ‫يشيـر إىل ذلك‬
‫ُ‬ ‫خمتلفة‪ ،‬كام‬ ‫أبواب‬
‫(‪)2‬‬ ‫ون و ُفن ٌ‬
‫وغ ُص ٌ‬ ‫ٍّ‬
‫ولكل ُش ُج ٌ‬
‫ون ُ‬
‫ُون‪.‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫كاألوتاد‬ ‫اجلبال‬ ‫عام ٍّي من هذا الكال ِم‪ :‬أنَّه َيرى‬ ‫فمثل‪ ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﴾ (النبأ‪)7:‬؛ َفح َّص ُة ِّ‬
‫ظاهر أما َم َعينِه‪ ،‬ف َيتأ َّم ُل ما فيها من نِ َع ٍم وفوائدَ ‪ ،‬و َيشك ُُر خال َقه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫األرض كام هو‬ ‫املغر ِ‬
‫وزة يف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫سهل م ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫السامء عبار ٌة‬ ‫نبس ٌط‪ ،‬وق ّب َة‬ ‫األرض ٌ ُ‬ ‫َ‬ ‫شاعر من هذا الكال ِم‪ :‬أنَّه َيتَخ ّي ُل َّ‬
‫أن‬ ‫وح ّص ُة‬
‫وزين ِ‬ ‫ٍ‬
‫عظيمة َخرضا َء ُض ِ‬ ‫عن َخ ٍ‬
‫َ‬
‫اجلبال ت ََتا َءى وهي‬ ‫يح‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫بمصابِ َ‬ ‫ُ‬
‫اخليمة َ‬ ‫َت‬ ‫ـر َبت عليه‪ِّ ُ ،‬‬ ‫يمة‬
‫َغم ُره‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أل دائر َة األ ُف ِق‪ ،‬ت ََم ُّس ِق َم ُمها َ‬‫تَـم ُ‬
‫وكأنا أوتا ُد تلك اخلَيمة العظيمة؛ فت ُ‬ ‫َّ‬ ‫السامء‪،‬‬ ‫أذيال‬
‫َ‬
‫اجلليل‪.‬‬ ‫الصانع‬
‫َ‬ ‫واإلعجاب‪ ،‬و ُيقدِّ ُس‬
‫ُ‬ ‫حلري ُة‬
‫ا َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫واسعة‪،‬‬ ‫كصحرا َء‬ ‫ِ‬
‫األرض َ‬ ‫سطح‬
‫َ‬ ‫َصو ُر‬ ‫أ ّما ال َبدَ ِو ُّ‬
‫ي البليغُ فح ّصتُه من هذا الكال ِم أنَّه َيت ّ‬
‫والتمذي‪ ،‬وهو عند الطرباين‪ ،‬املعجم األوسط ‪ ..236/1‬ويف رواية أخرى‬ ‫حر ٍف» رواه أمحدُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫رآن عَ ىل َسب َعة َأ ُ‬
‫الق ُ‬‫(‪ُ « )1‬أ ِنز َل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ولكل َحرف َحدٌّ ولك ُِّل َحدٍّ َم ْط َل ٌع» (باختصار عن كشف اخلفاء ‪ )209/1‬ول ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كل َحدٍّ‬ ‫طن‬
‫هر و َب ٌ‬‫عنده‪« :‬لك ُِّل َحرف منها َظ ٌ‬
‫لمه (لسان العرب)‪.‬‬ ‫فة ِع ِ‬ ‫عر ِ‬ ‫َم ْط َل ٌع‪ ،‬أي لِك ُّل َحدٍّ َمص َعدٌ ُيص َعدُ إليه من َم ِ‬
‫ٍ‬
‫ببعض‪..‬‬ ‫بعضه‬ ‫بعض‪ ،‬أي ذو ُشعب وامتِ ٍ‬
‫ساك ُ‬ ‫ٍ‬ ‫دخ ُل َب ُ‬
‫عضه يف‬ ‫وأغراض‪ ،‬وقيل أي َي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ون» أي ُف ٍ‬
‫نون‬ ‫«احلديث ذو ُشج ٍ‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )2‬ويف املثل‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صن من غُ ُصون الشجرة (لسان العرب باختصار)‪.‬‬ ‫عبة من غُ ٍ‬ ‫والضم ُش ٌ‬ ‫بالكرس‬ ‫الش ِ‬
‫جنة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وأصل‬
‫ِّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪464‬‬
‫عة‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫ملخلوقات متنو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لة ُمتَدّ ٌة ِ‬ ‫اجلبال ِس ِ‬
‫لس ٌ‬ ‫ِ‬ ‫الس َل‬‫وكأن س ِ‬
‫إن‬ ‫ُ ِّ‬ ‫كثرية بأنوا ٍع شتَّى‬ ‫لخ َي ٍم‬ ‫َّ َ‬
‫وسها احلا ّد ِة‪،‬‬ ‫برؤ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غطاء ُأ ِلق َي عىل تلك‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫املرتفعة َفر َف َعتْها ُ‬ ‫األوتاد‬ ‫الرتاب عبار ٌة عن‬ ‫طبق َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلليل‬ ‫للفاطر‬ ‫سجدُ‬
‫فهم ف َي ُ‬ ‫جاعل ًة منها َمساك َن خمتلف ًة ألنوا ٍع شتَّى من املخلوقات‪ ..‬هكذا َي ُ‬
‫ِ‬ ‫خيام ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫سجد َة ح ٍ‬
‫األرض‪.‬‬ ‫ض َبت عىل‬ ‫كأنا ٌ‬‫وإعجاب بجعله تلك املخلوقات العظيم َة َّ‬ ‫يرة‬ ‫َ‬
‫تمخر‬ ‫ٍ‬
‫سفينة ُ‬ ‫األرض عبار ٌة عن‬‫ِ‬ ‫أن كر َة‬ ‫األديب فحصتُه من هذا الكال ِم َّ‬ ‫أ َّما اجلغرايف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫للتثبيت‬ ‫ِ‬
‫السفينة‬ ‫اجلبال أوتا ٌد ُد ّقت عىل تلك‬ ‫َ‬ ‫األثريي‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫اهلوائي أو‬ ‫ِ‬
‫املحيط‬ ‫عباب ِ‬
‫بحر‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫الكامل الذي جعل الكر َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدير ذي‬ ‫ِ‬
‫ويقول أما َم عظمة‬ ‫ُ‬ ‫يفكر اجلغرايف‬ ‫ِ‬
‫واملوازنة‪ ..‬هكذا‬
‫ُ‬
‫آفاق العاملِ‪« :‬سبحانَك ما‬ ‫لتجري بنا يف ِ‬ ‫َ‬ ‫األرضي َة الضخم َة سفين ًة منتظم ًة وأر َك َبنا فيها‪،‬‬
‫أعظم شأنَك»‪.‬‬
‫َ‬
‫فح ّصتُه من هذا‬ ‫ِ‬
‫احلديثة ِ‬ ‫ِ‬
‫احلضارة‬ ‫بات‬‫مور املجتم ِع والملِم بمتَط َّل ِ‬ ‫املتخص ُص يف ُأ ِ‬ ‫أ ّما‬
‫ُ ُّ ُ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬
‫احليوانية‪،‬‬ ‫َن هو الحيا ُة‬ ‫وأن عام َد هذا املسك ِ‬ ‫َن‪َّ ،‬‬ ‫األرض عبار ًة عن َمسك ٍ‬ ‫َ‬ ‫فه ُم‬ ‫الكال ِم‪ :‬أنَّه َي َ‬
‫الثالثة هو‬ ‫ِ‬ ‫وأن عام َد هذه‬ ‫احلياة؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رشائط‬ ‫والرتاب‪ ،‬التي هي‬ ‫احلياة هو املا ُء واهلوا ُء‬ ‫ِ‬ ‫وعام َد تلك‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫وحامية‬ ‫املضةَ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫املاء‪َ ،‬م ّش ُ‬ ‫خاز ُن ِ‬ ‫اجلبال َم ِ‬ ‫َ‬ ‫اجلبال‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ب الغازات ّ‬ ‫ُرس ُ‬ ‫اطة اهلواء ومصفاتُه إذ ت ِّ‬ ‫ألن‬
‫اإلنسان‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫لسائر ما تَقت َِضيه حيا ُة‬ ‫ِ‬ ‫َّوح ِل‪ ،‬وخزين ٌة‬ ‫ِ‬ ‫من استِ ِ‬ ‫َـحميه ِ‬ ‫الرتاب إذ ت ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر والت ُّ‬ ‫يالء‬
‫اجلبال‬‫َ‬ ‫عل هذه‬ ‫اجلالل واإلكرا ِم الذي َج َ‬ ‫ِ‬ ‫الصانع ذا‬ ‫حمدُ و ُيقدِّ ُس ذلك ُُم‬
‫َ‬ ‫فه ُم ف َي َ‬ ‫هكذا َي َ‬
‫َن حياتِنا‪.‬‬ ‫األرض التي هي َمسك ُ‬ ‫ِ‬ ‫عاي ِشنا عىل‬ ‫خاز َن َم ِ‬ ‫العمالق َة َأوتا ًدا و َم ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫البات‬ ‫ِ‬
‫واالنق‬ ‫ِ‬
‫زاجات‬ ‫أن االمتِ‬ ‫در ُك َّ‬ ‫طبيعي من هذا الكال ِم‪ :‬أنَّه ُي ِ‬ ‫وف‬‫وحص ُة َفيلس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ُون‬‫اجلبال‪ ،‬فتك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بظهور‬ ‫وسكونَـها‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫والزالزل التي َت ُص ُل يف‬ ‫َ‬
‫قرارها ُ‬ ‫األرض تَـجدُ است َ‬ ‫باطن‬
‫دارها‬ ‫دولا عن َم ِ‬ ‫دارها وعد ِم ُع ِ‬ ‫ـحورها و َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫حول ِم‬ ‫واستقرارها َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ِ‬
‫هلدوء‬ ‫اجلبال َس َب ًبا‬ ‫ُ‬
‫غضبها وتَسك ِ‬ ‫اجلبال في ِ‬ ‫ِ‬
‫فه ُم‬ ‫ُن حدّ تُها‪ ..‬هكذا َي َ‬ ‫ُ‬ ‫ف َ ُ‬ ‫خ ُّ‬ ‫ِ َ‬ ‫بمنافذ‬ ‫األرض َتتَن ّف ُس‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وكأن‬ ‫السنوي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫«احلكمة هلل»‪.‬‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫طمئ ُّن و َيل ُج يف اإليامن ً‬ ‫ِ‬ ‫وي ِ‬
‫َ‬
‫ً‬
‫ومثل‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﴾ (األنبياء‪)30:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالفلسفة‪ :‬السما ُء كانَت صافي ًة ال‬ ‫َلوث‬‫إن كلم َة ﴿ ﮛ ﴾ يف هذه اآلية تُفيدُ ملن مل َيت ّ‬ ‫َّ‬
‫األرض‬ ‫وفر َش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫باملطر َ‬ ‫السامء‬ ‫أبواب‬
‫َ‬ ‫واألرض َجدبا َء ال حيا َة فيها‪ ،‬فالذي فت ََح‬
‫ُ‬ ‫سحاب فيها‪،‬‬
‫َ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪465‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬

‫املاء‪ ،‬وكأنَّه حصل نوع من املزاو ِ‬ ‫احلياة من ذلك ِ‬


‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫جة‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫بالـخرضة هو الذي َخ َلق َ‬
‫مجيع ذوي‬
‫ِ‬
‫األرض لدَ يه‬ ‫ُون َوج ُه‬ ‫ِ‬
‫اجلالل الذي يك ُ‬ ‫ِ‬
‫القدير ذي‬ ‫إل من ِ‬
‫شأن‬ ‫يح بينَهام‪ ،‬وما هذا ّ‬ ‫والت ِ‬
‫َّلق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كب ٍ‬
‫فه ُم هكذا‬
‫ب وج َه السامء ُمعصات لذلك ال ُبستان‪َ ..‬ي َ‬ ‫ب التي َت ُج ُ‬‫والس ُح ُ‬
‫صغيـر ُّ‬ ‫ستان‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سجدُ أما َم عظمة قدرته تعاىل‪.‬‬
‫ف َي ُ‬
‫األرض والسام ُء‬ ‫اخلليقة‪ِ ،‬‬
‫كانت‬ ‫ِ‬ ‫بدء‬‫الكلمة ﴿ ﮛ ﴾ للعالِـ ِم الكَوين أنه يف ِ‬ ‫ُ‬ ‫وتُفيدُ تلك‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫خملوقات هلام وال َمن‬ ‫َفع هلام‪ ،‬ف َبينَام مها ما ّد ٌة ال‬ ‫وع ِجينَتَني َطر َّيتَني ال ن َ‬ ‫كل هلام َ‬ ‫َني ال َش َ‬ ‫كُت َلت ِ‬
‫َحهام ُص َو ًرا نافع ًة‪ ،‬وزين ًة فاخرةً‪ ،‬وكَثر ًة‬ ‫مجيل‪ ،‬ومن ُ‬ ‫احلكيم َب ْس ًطا ً‬‫ُ‬ ‫الفاطر‬
‫ُ‬ ‫طهام‬ ‫بس ُ‬
‫عليهام‪َ ،‬‬ ‫َي ِد ُّب ِ‬
‫عة حكمتِه تعاىل‪.‬‬ ‫ويأخذه العجب أمام س ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫فه ُم‬ ‫ِ‬
‫كاثر ًة من املخلوقات‪ ..‬هكذا َي َ‬
‫ِ‬
‫السيارات التي تُشك ُِّل‬ ‫وسائر‬ ‫أن كُرتَنا األرضي َة‬ ‫املعاصين َّ‬ ‫ِ‬ ‫للفالس ِ‬
‫فة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الكلمة‬ ‫وتُفيدُ هذه‬
‫َ‬
‫ُفرش بعدُ ‪َ ،‬ف َفت ََق‬ ‫ٍ‬ ‫بش ِ‬ ‫الشمس َ‬‫ِ‬ ‫َـزج ًة مع‬ ‫ِ‬
‫البداية ُممت ِ‬ ‫مس ّي َة كانت يف‬ ‫الش ِ‬ ‫املنظوم َة َّ‬
‫كل عجينة مل ت َ‬
‫واألرض‬
‫ُ‬ ‫فالشمس هناك‬
‫ُ‬ ‫وض ِعه‪،‬‬ ‫السيارات ُكلًّ يف م ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّن فيها‬ ‫وم تلك العجين َة ومك َ‬ ‫القادر الق ّي ُ‬
‫ُ‬
‫الضيا َء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالرتاب و َأ َ‬ ‫َ‬
‫المطر من السامء‪ ،‬ون ََثر عليها ِّ‬ ‫َ‬ ‫نزل عليها‬ ‫األرض‬
‫َ‬ ‫وفرش‬ ‫هنا‪ ..‬وهكذا‪،‬‬
‫ِ‬ ‫رأسه من َح ِأة‬ ‫الشمس و َأس َكنَها‬ ‫ِ‬
‫«آمنت‬
‫ُ‬ ‫قائل‪:‬‬
‫الطبيعة ً‬ ‫فه ُم و َير َف ُع َ‬ ‫اإلنسان‪ ..‬هكذا َي َ‬ ‫َ‬ ‫من‬
‫األحد»‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواحد‬ ‫باهلل‬
‫ً‬
‫ومثل‪ ﴿ :‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﴾ (يس‪:)38:‬‬

‫نفسها‪ ،‬ومعنى «يف»‪ ،‬ومعنى «إىل»‪ ،‬فهذه‬ ‫الل ِم ِ‬


‫فالل ُم يف ﴿ ﯤ ﴾ تُفيدُ معنى َّ‬ ‫َّ‬
‫كم‬ ‫وئها؛ أي َّ‬‫«اللم» يفهمها العوام بمعنى «إىل» ويفهمون اآلي َة يف َض ِ‬
‫الشمس التي تَمن َُح ُ‬‫َ‬ ‫إن‬ ‫َ ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ ُ َ َ ُ‬
‫كر هبذا‬ ‫الضو َء واحلرارةَ‪َ ،‬ت ِري إىل ُمست َق ٍّر هلا وستَب ُل ُغه يو ًما‪ ،‬وعندها لـن تُفيدَ كم شي ًئا؛ ف َي ّ‬
‫تذ ُ‬
‫«سبحان‬ ‫قائل‪:‬‬
‫حمدُ ر َّبه و ُيقدِّ ُسه ً‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بط اهلل سبحانَه وتعاىل من نِ َع ٍم‬ ‫ما َر َ‬
‫َ‬ ‫بالشمس‪ ،‬ف َي َ‬ ‫عظيمة‬
‫اهلل واحلمدُ هلل»‪.‬‬
‫الشمس‬
‫َ‬ ‫ولكن ليس بمعنى َّ‬
‫أن‬ ‫أيضا‪ِ ،‬‬ ‫نفسها تُظهر «الالم» بمعنى «إىل» للعالِ ِم ً‬ ‫ُ‬
‫واآلية ُ‬
‫عم ِل الربي ِع‬ ‫ِ‬ ‫ُّوك َ ِ‬
‫الضوء وحدَ ه‪ ،‬وإنَّام كمك ٍ‬ ‫ِ‬
‫املنسوجات الرباني َة التي ت َ‬
‫ُنس ُج يف َم َ‬ ‫يك ُ‬‫ت ُ‬ ‫َ‬ ‫َمصدَ ُر‬
‫ِ‬
‫الليل‬ ‫ِ‬
‫صحيفة‬ ‫الصمدان َّي ِة التي تُكتَب عىل‬ ‫ِ‬ ‫وإنا ِمدا ٌد و َدوا ٌة من ن ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُور للمكتوبات َّ‬ ‫والصيف؛ َّ‬ ‫َّ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪466‬‬
‫ِ‬ ‫شري إليه َج ُ‬ ‫َصو ُرها هكذا و َيتَأ ّم ُل يف نظا ِم العا َل ِ‬ ‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫ريان‬ ‫ـم البدي ِع الذي ُي ُ‬ ‫والنهار‪ ،‬ف َيت ّ‬
‫اهلل!»‪.‬‬ ‫اهلل َ‬ ‫ِ‬ ‫حكمة الصان ِع‬ ‫ِ‬ ‫الظاهري‪ ،‬ف َي ِ‬
‫تبارك ُ‬ ‫كان‪َ ،‬‬ ‫قائل‪« :‬ما شا َء ُ‬ ‫احلكيم ً‬ ‫هوي ساجدً ا أما َم‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الشمس تُن ِّظ ُم حرك َة‬ ‫َ‬ ‫فه ُمها بمعنى «يف»‪ ،‬أي َّ‬
‫إن‬ ‫فإن «الالم» َي َ‬ ‫كي‪َّ ،‬‬ ‫أ َّما بالنسبة لل َف َل ِّ‬
‫اجلليل‬ ‫ِ‬ ‫نفسها‪ ،‬فأما َم هذا الصان ِع‬ ‫بحركة ِمـحوري ٍة حول ِ‬ ‫ٍ‬ ‫اعة»‬ ‫«كز ْنبـر ِك الس ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ َ‬ ‫َّ‬ ‫َمنظو َمتها ُ ُ ُ‬
‫ِ‬
‫والقدر ُة‬ ‫«العظمة ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فيقول‪:‬‬ ‫ب واالنبِ ُ‬
‫هار‬ ‫يأخذه ال َع َج ُ‬ ‫ُ‬ ‫الساعة ال ُعظمى‬ ‫مثل هذه‬ ‫الذي َخ َلق َ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫هلل وحدَ ه!»‪ ،‬ويدع الفلسف َة داخال يف م ِ‬
‫يدان‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫الصانع‬ ‫«الع ّل ِة» وبمعنى «ال َّظرف ّي ِة»‪ ،‬أي َّ‬
‫إن‬ ‫و«اللم» هذه يفهمها العالِم املد ِّق ُق بمعنى ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستارا ألفعالِه وحجا ًبا لشؤونِه؛ فقد َر َبط‬
‫بالشمس‬ ‫السيارات‬ ‫األسباب الظاهري َة ً‬ ‫َ‬ ‫احلكيم َج َعل‬ ‫َ‬
‫نتظمة؛ٍ‬ ‫ولكن م ِ‬ ‫خمتلفة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫السيارات املختلف َة بحركاتٍ‬
‫ِ‬ ‫جري‬ ‫ِ‬
‫الـم َس َّمى بـ«اجلاذب ّية» وبه ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بقانونه ُ‬
‫إن معنى ﴿ ﯤ ﴾‬ ‫يد تلك اجلاذب ّي ِة‪ ،‬أي َّ‬ ‫ركزها سببا ظاهريا لتَولِ ِ‬
‫ًّ‬ ‫ول َم ِ َ َ ً‬ ‫الشمس َح َ‬ ‫َ‬ ‫و ُيجري‬
‫‪-‬ظاهرا‪-‬‬ ‫ً‬ ‫ألن احلرك َة تُو ِّلدُ‬ ‫قرار َمنظو َمتِها‪َّ ،‬‬ ‫الشمس جتري يف ُمست َق ٍّـر هلا الستِ ِ‬ ‫َ‬ ‫أن‬‫هو‪َّ :‬‬
‫وسن ٌّة إلـه ّي ٌة‪.‬‬ ‫رباين ُ‬
‫قانون ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫والقو َة تُو ِّلدُ اجلاذب ّي َة‪ ،‬وذلك‬ ‫ّ‬ ‫القوةَ‪،‬‬ ‫احلرارةَ‪ ،‬واحلرار َة تُو ِّلدُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫احلكمة من ح ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فه ُم ِم َثل هذه‬
‫ِ‬
‫احلكيم‬ ‫القرآن‬ ‫واحد من‬ ‫رف‬ ‫َ‬ ‫احلكيم املد ِّق ُق َي َ‬
‫ُ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فهذا‬
‫ِ‬
‫القرآن فال َأعتبِ ُـر الفلسف َة َبعدُ شي ًئا ُيذك َُر»‪.‬‬ ‫احلق َة هلي يف‬
‫إن احلكم َة ّ‬ ‫ُ‬
‫ويقول‪« :‬احلمدُ هلل‪َّ ،‬‬
‫ك فِكرا و َقلبا ِ‬
‫شاعر ًّيا َّ‬
‫أن‬ ‫قرار ير ُد هذا املعنى إىل َمن َيملِ ُ‬ ‫ومن هذه «الالم» واالستِ ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫السائحة‪ ،‬فالشمس ت ِ‬
‫َنتف ُض‬ ‫ُ‬ ‫حولا إنَّام هي َث َمراتُها‬ ‫والسيارات التي َ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫نورانية‪،‬‬ ‫الشمس َشجر ٌة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كسه َتتَبع َث ُر ال َّث َم ُ‬
‫رات‪.‬‬ ‫رات‪ ،‬وبع ِ‬ ‫األشجار‪ -‬لِ َّ‬
‫ئل َتتَسا َق َط ال َّث َم ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬بخ ِ‬
‫الف‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ركز تلك احل ْل ِ‬
‫قة‬ ‫اهلل يف َم ِ‬ ‫قة ٍ‬ ‫أن الشمس كسي ٍد يف ح ْل ِ‬ ‫مك ُن أن َيتَخ ّي َل ً‬
‫أيضا َّ‬ ‫وي ِ‬
‫ذكر‪َ ،‬يذك ُُر َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِّ‬ ‫ُ‬
‫اجلذبة واالنتِشاء‪ِ.‬‬ ‫ِ‬ ‫يدفع اآلخرين إىل‬ ‫ٍ‬
‫عاشق َو ْل َ‬ ‫ِ‬
‫ـهان‪ ،‬حتى َ‬ ‫كر‬
‫ذ َ‬
‫َ‬
‫َساقط‬‫ئل َتت‬‫َنتف ُض لِ َّ‬
‫ثمرةٌ‪ ،‬ت ِ‬ ‫إن الشمس م ِ‬
‫َ ُ‬ ‫خرى يف هذا املعنى‪« :‬نعم‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫لت يف رسالة ُأ َ‬ ‫وقد ُق ُ‬
‫رص ُخ ال ُع ّش ُ‬ ‫ِ‬ ‫وس َكت َْت‪ ،‬الن َفقدَ‬
‫نسقون يف‬ ‫الم َّ‬
‫اق ُ‬ ‫ذاب‪ ،‬ف َي ُ‬
‫االنج ُ‬ ‫رات الط ّي ُبة ولو َس َكن َْت َ‬
‫الثم ُ‬
‫َ‬
‫والضياعِ!»‪.‬‬ ‫الفضاء الواس ِع ه َلعا من الس ِ‬‫ِ‬
‫قوط َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ً‬
‫وإطالق؛ إذ مل تُع ِّين بِ َم‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫ومثل‪ ﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ﴾ (البقرة‪ )5:‬فيها ُسك ٌ‬
‫ُوت‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪467‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫تص ُـر الكال َم لِيت َِّس َع املعنى‪ ،‬إذ‬
‫فاآلية َت ِ‬
‫ُ‬ ‫واحد مبتغاه يف هذا الس ِ‬
‫كوت؛‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫فلحون؟ لِ َيجدَ ُّ‬
‫كل‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫سم يأ ُم ُل‬
‫وق ٍ‬ ‫إل باجلن ِّة‪ِ ،‬‬‫ِّـر ّ‬ ‫وق ٍ‬‫النار‪ِ ،‬‬
‫سم من املخا َطبِني هو النجا ُة من ِ‬ ‫إن َقصدَ ِق ٍ‬ ‫َّ‬
‫سم آخر ال ُيفك ُ‬
‫رؤية اهلل سبحانَه‪،‬‬ ‫غاية أ َم ِله ُ‬
‫سم ُ‬ ‫وق ٍ‬ ‫الرِّض اإلهلي فحسب‪ِ ،‬‬ ‫رجو َ‬ ‫وق ٍ‬‫السعاد َة األبدي َة‪ِ ،‬‬
‫َّ َ ْ ُ‬ ‫سم َي ُ‬
‫ويوج ُز لِ َيجدَ‬
‫ِ‬ ‫معاين كثريةً‪،‬‬
‫َ‬ ‫ف ل ُيفيدَ‬ ‫وي ِذ ُ‬
‫إطالقه لِي ُع َّم‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫القرآن الكال َم عىل‬ ‫فيتر ُك‬
‫وهكذا‪ُ ..‬‬
‫ٍ‬
‫واحد ح َّظه منها‪.‬‬ ‫كل‬‫ُّ‬
‫كوتا ُ‬
‫تقول‪ُّ :‬أيا‬ ‫وكأن اآلي َة بس ِ‬
‫َّ‬ ‫وهكذا فـ ﴿ ﭮ ﴾ هنا ال يعين بِم سي ِ‬
‫فلحون‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ ُ َ ُ‬
‫فالحك‬ ‫ِ‬ ‫إن لك نجا ًة من ِ‬ ‫الـمت ِّقي‪َّ :‬‬
‫النار‪ُّ ،‬أيا العابدُ الصال ُح‪ُ :‬‬ ‫رشى! ُّأيا ُ‬‫لكم ال ُب َ‬
‫املسلمون ُ‬
‫جلامل اهلل‪ ،‬ستَحظى ُبرؤيتِه تعاىل‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العاش ُق‬ ‫َنال ِرضاه‪ُّ ،‬أيا‬
‫ف باهلل‪ :‬ست ُ‬ ‫ِ‬
‫العار ُ‬ ‫يف اجلن ِّة‪ُّ ،‬أيا‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫جامع ّي ِة‬
‫هة ِ‬ ‫الكريم من ِج ِ‬ ‫ِ‬
‫و«الكلمة»‬ ‫اللفظ يف «الكال ِم»‬ ‫ِ‬ ‫القرآن‬ ‫ولقد َأ َ‬
‫وردنا من‬
‫األمثلة؛ ِ‬
‫فق ِ‬
‫س «اآلي َة»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آالف‬ ‫ب من ِ‬
‫بني‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فح ْس ُ‬
‫مثال واحدً ا َ‬ ‫و«السكوت»‬ ‫و«احلروف»‬
‫ِ‬
‫و«الق ّص َة» عىل ما أسلفناه‪.‬‬

‫ً‬
‫ومثل‪﴿ :‬ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﴾ (حممد‪)19:‬‬
‫ِ‬
‫األولياء يف شتَّى‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫جميع‬ ‫ِ‬
‫العديدة حتى َر َأت‬ ‫ِ‬
‫واملراتب‬ ‫ِ‬
‫الكثرية‬ ‫ِ‬
‫الوجوه‬ ‫هذه ُ‬
‫اآلية هلا من‬
‫ُ‬
‫بمرتبتِه‬ ‫ِ‬
‫كل منهم غذا ًء معنو ًّيا الئ ًقا َ‬
‫لوكهم ومراتبِهم حاجتَهم إىل هذه ِ‬
‫اآلية‪ ،‬فأخذ ٌّ‬ ‫وسائل س ِ‬
‫ِ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ألن َ‬‫التي هو فيها‪َّ ،‬‬
‫التوحيد‬ ‫جامع جلمي ِع األسامء احلسنى‪ ،‬ففيه ٌ‬
‫أنواع من‬ ‫ٌ‬ ‫اسم‬
‫لفظ اجلاللة «اهلل» ٌ‬
‫إل هو‪ ..‬وهكذا‪.‬‬ ‫رمحن ّ‬ ‫إل هو‪ ،‬ال‬ ‫خالق ّ‬
‫إل هو‪ ،‬ال َ‬ ‫نفسها‪ ،‬أي ال َ‬
‫رزاق ّ‬ ‫ِ‬
‫األسامء ِ‬ ‫ب َقدْ ِر ِ‬
‫عدد‬
‫َ‬

‫والدروس ب َقدْ ِر‬


‫ِ‬ ‫القرآنية‪ ،‬فيها من ِ‬
‫الع َب ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صص‬ ‫ومثل‪ِ :‬قص ُة موسى عليه السالم من ِ‬
‫الق‬ ‫ً‬
‫ّ ُ َ‬
‫للرسول ﷺ وتسلي ٌة له‪ ،‬وهتديدٌ‬ ‫ِ‬ ‫ني‬ ‫الفوائد؛ إذ فيها ت ِ‬
‫َطم ٌ‬ ‫ِ‬ ‫وسى عليه السالم من‬ ‫ما يف َعصا ُم َ‬
‫املقاصد؛ فلها إذن وجو ٌه كثري ٌة‬‫ِ‬ ‫شابها من‬ ‫ِ‬ ‫للمنافِ ِقني‪ ،‬وت ٌ‬ ‫ِ‬
‫َوبيخ لليهود وما َ َ‬ ‫وتقبيح ُ‬
‫ٌ‬ ‫للكفار‪،‬‬
‫أن م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قصدً ا‬ ‫إل َّ َ‬
‫كل موض ٍع ّ‬ ‫املقاصد يف ِّ‬ ‫جميع‬
‫َ‬ ‫جدً ا‪ ،‬لذا ك ُِّر َرت يف ُس َو ٍر عدّ ة؛ َ‬
‫فمع َّأنا تُفيدُ‬
‫ِ‬ ‫منها هو املقصود ّ ِ‬
‫خرى تابع ًة له‪.‬‬ ‫بالذات‪ ،‬وتَب َقى المقاصدُ األُ َ‬ ‫ُ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪468‬‬
‫ِ‬
‫األمثلة‬ ‫جميع تلك املعاين التي جا َءت يف‬ ‫َ‬
‫القرآن قد أرا َد‬ ‫نفهم َّ‬
‫أن‬ ‫قلت‪ :‬كيف‬ ‫إذا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شيـر إليها؟‬ ‫ِ‬
‫السابقة‪ ،‬و ُي ُ‬
‫ف‬ ‫اطب به اهلل سبحانَه وتعاىل م ِ‬
‫ختل َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫فاجلواب‪ :‬ما َدام‬
‫ُ‬ ‫الكريم خطا ًبا أزل ًّيا‪ُ ،‬ي ُ‬
‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫العصور وي ِ‬
‫رشدُ هم مجي ًعا‪ ،‬فالبدَّ أنَّه ُي ِ‬ ‫البرشية املصط ّف ِة َخ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُالئم‬
‫معاين عدّ ًة لت َ‬
‫َ‬ ‫در ُج‬ ‫ِ ُ‬ ‫لف‬ ‫طبقات‬
‫أمارات عىل إرادتِه هذه‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫وسيضع‬
‫ُ‬ ‫ف األفها ِم‪،‬‬ ‫ُم ِتل َ‬

‫َ‬
‫وأمثالا من املعاين‬ ‫املعاين املوجود َة هنا‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز» َذكَرنا هذه‬ ‫كتاب «إشارات‬ ‫ِ‬ ‫نعم‪ ،‬ففي‬
‫َ‬
‫دساتري ِع ِ‬
‫لم‬ ‫ِ‬ ‫ب‬
‫وح َس َ‬ ‫الص ِف والن ِ‬
‫َّحو َ‬ ‫لم َّ‬‫قواعد ِع ِ‬
‫ِ‬ ‫فق‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ ،‬و َأث َبتناها َو َ‬ ‫ِ‬
‫لكلامت‬ ‫املتعدِّ َد ِة‬
‫ِ‬
‫البالغة‪.‬‬ ‫فن‬ ‫وفن املعاين و َقوانِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ِّ‬ ‫البيان ِّ‬
‫ِ‬
‫العربية‪،‬‬ ‫ب ُعلو ِم‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫جانب هذا َّ‬ ‫ِ‬
‫حس َ‬ ‫صحيحة َ‬ ‫الوجوه واملعاين التي هي‬ ‫مجيع‬
‫فإن َ‬ ‫وإىل‬
‫َحس ٌنة يف ِع ِ‬
‫لم‬ ‫ِ‬
‫لم البيان و ُمست َ‬ ‫والئقة يف ِع ِ‬
‫ٌ‬ ‫ين‪ ،‬ومقبول ٌة يف ِّ‬
‫فن املعاين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أصول الدِّ ِ‬ ‫فق‬ ‫ٌ‬
‫وصائبة َو َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫أصول الدِّ ِ‬ ‫املجته ِدين واملف ين وع ِ‬
‫لامء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ ،‬بإمجا ِع‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫البالغة‪ ،‬هي من معاين‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫سِّ‬
‫ٍ‬
‫أمارات عىل‬ ‫الكريم‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫وضع‬ ‫نظرهم؛ وقد‬ ‫جهات ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اختالف ِو‬ ‫ِ‬
‫وبشهادة‬ ‫ِ‬
‫الفقه‬ ‫ِ‬
‫وأصول‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫املعنوية هي‪ :‬إ ّما‬ ‫درجاتا‪ ،‬وهي إ ّما لفظي ٌة أو معنوي ٌة‪ ،‬واألمار ُة‬ ‫ِ‬ ‫ب‬
‫حس َ‬ ‫ٍّ‬
‫كل من تلك املعاين َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫تشري إىل ذلك املعنى‪.‬‬ ‫من سياق الكال ِم‪ ،‬أو من سابقه‪ ،‬أو أمار ٌة من آيات ُأ َخ َر ُ‬
‫بعضها ثامنني جم ّلدً ا(‪- )1‬وقد َأ ّل َفها علام ُء‬ ‫ِ‬
‫التفاسري التي قد َ‬
‫بلغ ُ‬ ‫ِ‬
‫األلوف من‬ ‫ِ‬
‫مئات‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫وخارق ّيتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫جامعية ِ‬
‫لفظ‬ ‫ِ‬ ‫باهر عىل‬
‫قاطع ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫برهان‬ ‫ُم ِّق ُقون‪-‬‬

‫تدل عىل ِّ‬


‫كل معنًى من املعاين‬ ‫ٍ‬
‫أمارة ُّ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫الكلمة َّ‬ ‫وض ْحنا يف هذه‬ ‫كل ٍ‬
‫حال ف َلو َأ َ‬ ‫وعىل ِّ‬
‫ِ‬
‫كتاب «إشارات‬ ‫ُحيل إىل‬ ‫الكلمة‪ ،‬لذا ن ِ‬
‫َختص ُـر الكال َم هنا ون ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبقاعدتا لطا َلت بنا‬ ‫ِ‬
‫بقانونا‬
‫ِ‬
‫اإلجياز»‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫مظان‬ ‫ِ‬
‫اإلعجاز يف‬

‫اللمعة الثانية‬
‫الجامِعية ُ الخارِقة ُ في مَعانيه ِ‬
‫ّ‬

‫عش َة سن ًة‪ ،‬حممد بن ّ‬


‫عيل بن أمحدَ‬ ‫إن االستِفتاء يف ِع ِ‬
‫لم القرآن (تفسري األَدن ّ‬
‫َوي) ب َلغ مئ ًة وعرشين جم ّلدا‪َ ،‬صنّ َفه يف اثنَتَي ْ‬ ‫(‪ )1‬حتى ّ‬
‫توف سنة ‪ 388‬هـ (كشف الظنون ‪.)1/441‬‬ ‫الـم َّ‬
‫ُّ ُ‬‫ي‬ ‫ِ‬
‫ّحو‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫املقرئ‬
‫ُ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪469‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫املجته ِدين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫اجلليلة م ِ‬
‫صاد َر مجي ِع‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫معانيه‬ ‫ِ‬
‫خزينة‬ ‫أفاض من‬‫الكريم قد َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫ب مجي ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ومسالك مجي ِع الكاملني‪ ،‬و َمذاه َ‬
‫ِ‬
‫الواص ِلني‬ ‫ومذاق مجي ِع العارفِني‪ ،‬و َم ِ‬
‫شار َب مجي ِع‬ ‫َ‬
‫رشدَ هم يف ُرق ِّيهم َّ‬‫وقت وم ِ‬‫كل ٍ‬ ‫صار دلي َلهم يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫كل حني‪ ،‬نارشا عىل‬ ‫ُ‬ ‫املح ِّققني‪ ،‬فضال عن أنّه َ‬
‫ب‪ ،‬كام هو ُمصدَّ ٌق عندهم و ُمت ٌ‬
‫ّفق عليه‪.‬‬ ‫َنض ُ‬‫أنواره الساطع َة من خزينتِه التي ال ت ُ‬
‫ُط ُرقهم َ‬
‫ِ‬

‫اللمعة الثالثة‬
‫الجامِعيّة ُ الخارِقة ُ في ع ِلم ِه‬
‫ِ‬ ‫حر ُع ِ‬‫جرى من َب ِ‬
‫الرشيعة املتعدِّ د َة الوفريةَ‪،‬‬ ‫لومه ُعلو َم‬ ‫الكريم مثلام َأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جرى كذلك‬ ‫غري املحدودة‪ ،‬فإنه َأ َ‬‫وعلو َم الطريقة املختلف َة َ‬ ‫املتنوع َة الغزيرةَ‪ُ ،‬‬
‫وعلو َم احلقيقة ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫لدائرة‬ ‫ِ‬
‫املمكنات‪ ،‬والعلو َم احلقيق ّي َة‬ ‫ِ‬
‫لدائرة‬ ‫الحكم َة احلقيق ّي َة‬ ‫ٍ‬
‫بسخاء وانتظا ٍم ِ‬ ‫ِ‬
‫البحر‬ ‫من ذلك‬
‫ِ‬
‫اللمعة فالبدَّ من‬ ‫رة‪ ،‬ولو َأردنا إيرا َد ٍ‬
‫مثال هلذه‬ ‫اآلخ ِ‬
‫لدائرة ِ‬‫ِ‬ ‫واملعارف الغامض َة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الوجوب‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كتابة ُم ّل ٍد‬
‫ِ‬
‫ب‪.‬‬ ‫كامل! لذا نُب ِّي ُن «الكلامت» اخلمس َة والعرشين السابق َة كمثال هلا َ‬
‫فح ْس ُ‬
‫خس ِ‬ ‫ِ‬
‫للكلامت اخلَ ِ‬
‫مس والعرشين ك ِّلها إن هي ّ‬ ‫ِ‬
‫الصادق َة‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫وعرشون‬ ‫إل َ ْ ٌ‬ ‫احلقائق‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫راجع إىل فهمي ِ ِ‬
‫القاص‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫«الكلامت» فهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم القرآن‪ ،‬فإن ُوجدَ ُق ٌ‬
‫صور يف تلك‬ ‫بحر ِع ِ‬
‫قطر ًة من ِ‬

‫اللمعة الرابعة‬
‫الجامِعيّة ُ الخارقة ُ في مباحث ِه‬

‫َون وخالِ َقه‪،‬‬


‫اإلنسان ووظيفتَه‪ ،‬والك َ‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫ِ‬
‫جمع املباح َث الكلي َة ملا َي ُّ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن قد‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫واألزل واألبدَ ‪ ،‬فضال عن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫واملستقبل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واملاض‬ ‫ِ‬
‫واآلخرةَ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والساموات‪ ،‬والدنيا‬ ‫واألرض‬
‫َ‬
‫ُّطفة إىل دخولِه القرب‪ ،‬ومن‬ ‫اإلنسان من الن ِ‬
‫ِ‬ ‫مباحث مهم ًة أساسي ًة ابتدا ًء من َخ ْل ِق‬‫َ‬ ‫َض ِّمه‬
‫ِ‬
‫وظائف‬ ‫العال يف ِست ِّة أيا ٍم إىل‬ ‫ِ‬
‫القضاء وال َقدَ ِر‪ ،‬ومن َخ ْل ِق َ‬ ‫ِ‬
‫مباحث‬ ‫ِ‬
‫األكل والنَّو ِم إىل‬ ‫ِ‬
‫آداب‬
‫الريح التي ُي ِش ُري إليها ال َق َس ُم يف ﴿‪  ‬ﮑ ﴾ ﴿‪  ‬ﯤ﴾ ومن ُمداخ َلتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هبوب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لب اإلنسان وإرا َدته بإشارات اآليات الكريمة‪  ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬ ‫سبحانه يف َق ِ‬
‫ﯳ﴾ (التكوير‪ ﴿ )29:‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﴾ (األنفال‪ )24:‬إىل ﴿‪  ‬ﯰ ﯱ‬
‫ِ‬
‫احلقيقة‬ ‫ﯲ ﯳ﴾ (الزمر‪ ،)67:‬ومن ﴿ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾ (يس‪ )34:‬إىل‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪470‬‬
‫ِ‬
‫السامء‬ ‫ِ‬
‫حالة‬ ‫اآلية‪  ﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾ (الزلزلة‪ ،)1:‬ومن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العجيبة التي تُع ِّبر عنها‬
‫دار النُّجو ِم‬ ‫ِ‬
‫وانك ِ‬ ‫ِ‬
‫السامء‬ ‫انش ِ‬
‫قاق‬ ‫﴿ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ (فصلت‪ )11:‬إىل ِ‬
‫ِ‬
‫االختبار‪،‬‬ ‫ِ‬
‫انتهاء‬ ‫ِ‬
‫لالمتحان إىل‬ ‫تاح الدنيا‬ ‫ومن ِ‬
‫انف ِ‬ ‫الفضاء الذي ال ُيـحدُّ ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫شارها يف‬ ‫وانتِ ِ‬
‫ِ‬
‫اجلنة‬ ‫ِ‬
‫اط إىل‬ ‫ِ‬ ‫اآلخرة والربزخِ‬‫ِ‬ ‫ناز ِل‬
‫نـز ٍل من َم ِ‬
‫القبـر الذي هو ّأو ُل َم ِ‬
‫ِ‬
‫واحلشـر والصِّ‬ ‫ومن‬
‫َ‬
‫لق آد َم عليه السالم ورصا ِع ابنَ ْي ِه‬ ‫الغابر من َخ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزمان املايض‬ ‫والسعادة األبد ّي ِة‪ ،‬ومن وقائ ِع‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ون وح ِ‬
‫األنبياء عليهم السالم‪ ،‬ومن‬ ‫ب‬ ‫جليلة ألغ َل ِ‬ ‫ث‬‫واد َ‬ ‫رع َ َ‬ ‫وفان‪ ،‬إىل هالك قو ِم فِ َ‬ ‫إىل ال ُّط ِ‬
‫احلادثة األزل ّي ِة يف ﴿‪  ‬ﭲ ﭳ ﭴ ﴾ (األعراف‪ )172:‬إىل ﴿ ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ ﴾‬ ‫ِ‬
‫(القيامة‪ )23-22:‬التي تُفيدُ األبدي َة‪.‬‬

‫بذات اهلل‬‫ِ‬ ‫يليق‬


‫واضحا ُ‬ ‫القرآن بيانا‬ ‫ِ‬ ‫واملهم ِة تُب َّي ُن يف‬ ‫املباحث األساس ّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫فجميع هذه‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫يفتح‬‫ويفتح الدنيا واآلخر َة ك ُغرفتَني ُ‬ ‫ُ‬ ‫َون ك َّله كأنه َق ٌ‬
‫صـر‪،‬‬ ‫اجلليلة سبحانه الذي ُيد ِّب ُر الك َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫األرض تَصر َفه يف ب ٍ‬ ‫ٍ‬
‫السامء‬ ‫صغري‪ ،‬ويف‬ ‫ستان‬ ‫ُ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ف يف‬ ‫َصـر ُ‬ ‫بسهولة‪ ،‬و َيت َّ‬ ‫خرى ُ‬ ‫ويسدُّ األُ َ‬ ‫إحدامها ُ‬
‫حاضتَني أما َم‬ ‫َني ِ‬ ‫كص ِحيفت ِ‬ ‫ِ‬ ‫باملصابيح‪ ،‬و َي َّط ِل ُع عىل املايض‬ ‫ِ‬
‫واملستقبل َ‬ ‫سقف ُمز َّي ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫كأهنا‬
‫ِ‬ ‫كالز ِ‬ ‫وأمس‪ ،‬ي ِ‬ ‫والنهار‪ ،‬وي ِ‬ ‫ُش ِ‬
‫احلاض‬ ‫مان‬ ‫شاهدُ ُها َّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫األزل واألبدَ كاليو ِم‬ ‫َ‬ ‫شاهدُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫كالليل‬ ‫هوده‬
‫ناها ويف‬ ‫عامر ًّيا َيتَك ّل ُم يف بنا َء ِ‬
‫ين َب ُ‬ ‫أن ِم ِ‬ ‫اإلهلية‪ ،‬فكام ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشؤون‬ ‫لس ِ‬
‫لة‬ ‫َّصل فيه َطر َفا ِس ِ‬ ‫الذي ات َ‬
‫الكريم كذلك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬ ‫هر َس نظا ٍم؛‬ ‫عمل وفِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قة هبام صحيف َة‬ ‫لألعامل املتع ِّل ِ‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وجيعل‬ ‫إدار ِتام‬
‫َ‬
‫برام ِ‬‫هارس ِ‬ ‫ِ‬
‫ـجه ‪-‬إن‬ ‫ديره و َكتَب صحيف َة أعامله و َف ِ َ‬ ‫َون و ُي ُ‬ ‫لق هذا الك َ‬ ‫بمن َخ َ‬ ‫يليق َ‬ ‫يـن ُ‬ ‫كال ٌم ُمبِ ٌ‬
‫جهة كانت كام ال أمار َة‬ ‫ف بأي ٍ‬ ‫جاز التعبري‪ -‬وأظهرها؛ فال يشاهدُ فيه أثر من تَصـنُّ ٍع وتَك ُّل ٍ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫سبيل اخلداعِ‪ ..‬فهو‬ ‫ِ‬ ‫وق ِعه عىل‬ ‫نفسه يف مكانِه وم ِ‬
‫َ‬
‫وفرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قط ًعا لشائبة تقليد كال ِم أحد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زاهر‪ ،‬إذ مثلام ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وبكل ُخ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫وبكل ص ِ‬ ‫بكل ِجدِّ يتِه‪،‬‬
‫يقول ضو ُء‬ ‫ساطع ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫صاف ّبر ٌاق‬ ‫لوصه‬ ‫فائه‪،‬‬ ‫ِّ َ‬ ‫ِّ‬
‫فالقرآن كذلك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رب العاملني وبيانُه»‪.‬‬ ‫كالم ِّ‬ ‫يقول‪« :‬أنا ُ‬ ‫الشمس‪،‬‬ ‫من‬‫الشمس‪ :‬أنا ُمن َبع ٌث َ‬

‫ب نِ َع ِمه الشه ّي ِة‬ ‫ِ‬


‫بأطاي ِ‬ ‫ِ‬
‫الثمينة و َم َ‬
‫ألها‬ ‫نائ ِعه‬
‫وزينَها بص ِ‬
‫َ‬ ‫إن الذي َج ّم َل هذه الدنيا َ ّ‬‫نعم‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫وتنظيم‬ ‫وإحسان وت ٍ‬
‫َنسيق‬ ‫ٍ‬ ‫بدائع خملوقاتِه ونِ َع ِمه الق ِّيم َة ِّ‬
‫بكل إبدا ٍع‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫ونشر يف ِ‬
‫وجه‬ ‫َ‬
‫البيان‪ ،‬بيانِ‬
‫ِ‬ ‫صاحب هذا‬ ‫يليق أن يك َ‬
‫ُون‬ ‫غير ُه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫اجلليل واملنع ُم املحس ُن‪َ ،‬من ُ‬ ‫الصانع‬
‫ُ‬ ‫ذلكم‬
‫ِ‬
‫واحلمد‬ ‫ِ‬
‫واإلعجاب‬ ‫ِ‬
‫حسان‬ ‫والتعظيم واالستِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالتقدير‬ ‫ِ‬
‫الكريم الذي َمأل الدنيا‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪471‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫اسم اهلل و َم ِ‬
‫عر ًضا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وهتليل‪ ،‬و َمسجدا ُير َف ُع فيه ُ‬ ‫باط ِذ ٍ‬
‫كر‬ ‫األرض ِر َ‬
‫َ‬ ‫والشكر‪ ،‬حتى َ‬
‫جعل‬ ‫ِ‬
‫مكنُه أن َيدّ ِعي أن‬
‫يكون غيره صاحب هذا الكال ِم؟ ومن ي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫اإلهلية؟ و َمن‬ ‫ِ‬
‫الصنعة‬ ‫لبدائ ِع‬
‫َ‬
‫يكون صاح َبه؟‬
‫ف‬‫القرآن الذي ك ََش َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وبيان‬ ‫ِ‬
‫الشمس؟‬ ‫ُورا أن يعو َد ِ‬
‫لغري‬ ‫ِ‬
‫ليق للضياء الذي َمأل الدنيا ن ً‬ ‫فهل َي ُ‬
‫واألرض؟ فمن َي ُر ُؤ أن ُيق ِّلدَ ه‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫غير َمن َخ َل َق‬ ‫ُ‬ ‫غز العا َل ِ‬
‫ُل َ‬
‫َ‬ ‫يكون َ‬ ‫ُور َمن‬
‫ـم ون ََّو َره‪ ،‬ن َ‬
‫بنظير له؟‬‫ٍ‬ ‫ويأيت‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫الصانع الذي َز ّي َن بإبدا ِع َصن َعتِه هذه الدنيا‪ُ ،‬م ٌال ّ‬
‫أل َيتَك َّل َم مع هذا‬ ‫َ‬ ‫ح ًّقا‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫ِ‬ ‫نع ِه‬
‫املبهور بص ِ‬
‫علم فالبدَّ أنه َيتك ّل ُم‪ ،‬وما دا َم أنه َيتك ّل ُم فال َي ُ‬
‫ليق‬ ‫وإبداعه‪ ،‬فام دام أنه َي ُ‬
‫فعل و َي ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫صغرية كيف ال ُيبايل بكال ٍم َح ّو َل‬‫ٍ‬ ‫َنظيم َز ٍ‬
‫تم بت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بكالمه ّ‬
‫هرة‬ ‫القرآن؛ فمال ُك امللك الذي َي ُّ‬ ‫إل‬
‫مك ُن أن ُي ِنز َل ِمن َقدْ ِر هذا الكال ِم بنسبتِه إىل ِ‬
‫غريه؟‬ ‫ليل؟ أي ِ‬
‫وت ٍ ُ‬ ‫كر َ‬ ‫ذبة ِذ ٍ‬
‫ملكَه إىل ج ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫ال َّلمع ُة اخلامس ُة‬


‫جامِعية ُ القرآ ِ‬
‫ن الخارقة ُ في ُأسلُوبه وإيجازِه‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ضواء‪:‬‬ ‫مخسة َأ‬
‫ُ‬ ‫يف هذه ال َّل ِ‬
‫معة‬

‫حر‬ ‫َضم ُن َب َ‬
‫إن ُسور ًة واحد ًة َتت ّ‬ ‫جامع ّي ًة عجيب ًة‪ ،‬حتى ّ‬ ‫القرآن ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألسلوب‬ ‫الأولُ‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫ ◆الضَّ وء ُ ّ‬
‫وإن‬ ‫ورة؛ ّ‬ ‫وإن آي ًة واحد ًة ت َُضم خزين َة تلك الس ِ‬ ‫َون بني جوانِ ِحه؛ ّ‬ ‫العظيم الذي َض َّم الك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫فمن هذا‬ ‫صغري‪ِ )1(،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كقرآن‬ ‫‪-‬كل منها‪-‬‬ ‫الس َو ِر ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل منها كس ٍ‬ ‫ِ‬
‫اآليات ٌّ‬
‫وأكثر ُّ‬
‫ُ‬ ‫صغرية‪،‬‬ ‫ورة‬ ‫ُ‬ ‫أكثر‬
‫َ‬
‫الر ِ‬
‫غم‬ ‫ٍ‬ ‫ألن َّ‬ ‫مجيل‪ّ ،‬‬ ‫واسع ٌ‬ ‫ِ‬
‫عظيم لإلرشاد وت ٌ‬ ‫نشأ ُل ٌ‬ ‫ِ‬
‫املعج ِز َي ُ‬ ‫ِ‬
‫كل إنسان عىل َّ‬ ‫ٌ‬ ‫َسهيل‬ ‫ٌ‬ ‫طف‬ ‫اإلجياز‬
‫صور‬ ‫باوتِه و ُق ِ‬ ‫كامل‪ ،‬إ ّما ل َغ َ‬ ‫ً‬ ‫تاح له تِالوتُه‬ ‫كل وقت‪ ،‬فإنه قد ال ُي ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫القرآن َّ‬ ‫ِ‬
‫تالوة‬ ‫من حاجتِه إىل‬
‫كم ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫قرآن‬ ‫سورة تكُون يف ُح ِ‬ ‫كل‬‫فإن َّ‬
‫القرآن ّ‬ ‫حر َم أحدٌ من‬ ‫خرى‪ ،‬فلكَيال ُي َ‬ ‫ألسباب ُأ َ‬ ‫فهمه أو‬
‫َ‬
‫القرآن‬ ‫الكشف ُمت ِّف ُقون ّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫أهل‬ ‫إن َ‬
‫قصرية‪ ،‬حتى ّ‬ ‫ٍ‬ ‫طويلة يف مقا ِم س ٍ‬
‫ورة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫آية‬ ‫صغري‪ ،‬بل َّ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫العلامء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التحق ِيق من‬ ‫إجماع ِ‬
‫أهل‬ ‫ُ‬
‫الربهان عىل هذا فهو‬ ‫ِ‬
‫البسملة؛ أ ّما‬ ‫ِ‬
‫الفاحتة‪ ،‬والفاحت َة يف‬ ‫يف‬
‫ُ‬
‫(‪ )1‬ورد عن بعض السلف وصف السورة بأهنا صغرية‪ ،‬فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪« :‬ما من املفصل سورة صغرية‬
‫وال كبرية إال وقد سمعت رسول اهلل ﷺ يؤم الناس هبا يف الصالة املكتوبة»‪ ،‬أبو داود‪ ،‬الصالة ‪814‬؛ الطرباين‪ ،‬املعجم‬
‫الكبري ‪.365/12‬‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪472‬‬
‫ِ‬
‫واملعارف‬ ‫وإشاراتا ألنوا ِع الكال ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الالتا‬ ‫اآليات القرآني َة جامع ٌة بدَ‬ ‫ِ‬ ‫الضَّ وء ُ الثاني‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫جر‬‫الز ِ‬ ‫ِ‬
‫والرتهيب‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الرتغيب‬ ‫ِ‬
‫والوعيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوعد‬ ‫ِ‬
‫والنهي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫كاألمر‬ ‫ِ‬
‫البرشية‬ ‫ِ‬
‫واحلاجات‬ ‫احلقيق ّي ِة‬
‫ِ‬
‫ورشائط‬ ‫ني‬‫اإلهلية‪ ،‬العلو ِم الكَون ّي ِة‪ ،‬وقوانِ ِ‬‫ِ‬ ‫واملعار ِف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألمثال‪ ،‬األحكا ِم‬ ‫ِ‬
‫واإلرشاد‪ ،‬ال َق َص ِ‬
‫ص‬
‫األخر ِو ّي ِة‪..‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واحلياة‬ ‫املعنو ّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلياة‬ ‫واحلياة ال َقلب ّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االجتامعية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واحلياة‬ ‫خص ّي ِة‪،‬‬
‫الش ِ‬‫احلياة َّ‬‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ئت»‪ ،‬بمعنى ّ‬ ‫ئت ملا ِش َ‬ ‫«خذ ما ِش َ‬ ‫ِ‬ ‫السائر بني ِ‬ ‫الم َث ُل‬
‫اآليات‬ ‫أن‬ ‫احلقيقة‪ُ :‬‬ ‫أهل‬ ‫ُ‬ ‫حتى َيصدُ ُق عليه َ‬
‫ٍ‬
‫حاجة‪.‬‬ ‫لكل‬‫داء وغذا ًء ِّ‬ ‫لكل ٍ‬ ‫ُون دوا ًء ِّ‬ ‫مك ُن أن يك َ‬ ‫اجلامعي ِة ما ي ِ‬ ‫القرآني َة فيها من ِ‬
‫ّ ُ‬
‫الكامل الذين‬ ‫ِ‬ ‫أهل‬ ‫ِ‬
‫طبقات ِ‬ ‫الكام َل املط َل َق جلمي ِع‬‫ِ‬ ‫ألن الرائدَ‬‫ُون‪ّ ،‬‬ ‫نعم‪ ،‬هكذا ينبغي أن يك َ‬
‫ِ‬
‫اخلاصية‪.‬‬ ‫العظيم‪ -‬البدَّ أن يك َ‬
‫ُون مالكًا هلذه‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫الر ِق ِّي ‪-‬ذلك‬ ‫َيق َطعون‬
‫ُ‬ ‫املراتب َدو ًما إىل ُّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫طويلة و ُمنتَهاها‬ ‫لس ٍ‬
‫لة‬ ‫القرآن مبد َأ ِس ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للقرآن؛ فقد َيذكُر‬ ‫ِ‬
‫المعج ُز‬ ‫الثالث‪ :‬اإليجا ُز‬
‫ُ‬ ‫ ◆الضَّ وء ُ‬
‫عوى؛ َصراح ًة‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لسل َة ِ‬
‫بكام ِلها‪ ،‬وقد ُي ِ‬ ‫ِذكرا لطي ًفا يري الس ِ‬
‫ين كثير ًة لدَ َ‬
‫در ُج يف كلمة واحدة براه َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫مزا وإيما ًء‪ ،‬فمثال‪:‬‬
‫ور ً‬ ‫وإشار ًة َ‬
‫﴿ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ (الروم‪)22:‬‬
‫ِ‬
‫آيات‬ ‫ُ‬
‫سلسلة‬ ‫َون و ُمنتهاها‪ ،‬وهي‬ ‫لق الك ِ‬ ‫ِ‬
‫سلسلة َخ ِ‬ ‫الكريمة تَذكُر َمبد َأ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫القار َئ َيقر ُأ السلسل َة األُوىل‪ ،‬وذلك‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ودالئله‪ ،‬ثم ُتبيِّ السلسل َة الثاني َة‪ ،‬جاعل ًة‬ ‫ِ‬
‫التوحيد‬
‫ِ‬
‫واألرض‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫لق‬ ‫ِ‬
‫احلكيم هي َخ ُ‬ ‫ِ‬
‫الشاهدة عىل الصان ِع‬ ‫َ‬
‫العال‬ ‫ِ‬
‫صحائف‬ ‫ول‬‫أن ُأ َ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫الشمس‬ ‫املواس ِم بت ِ‬
‫َسخ ِري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلياة‪ ،‬ثم تبدُّ ُل‬ ‫بذ ِوي‬ ‫ِ‬
‫األرض َ‬ ‫وإعامر‬ ‫ِ‬
‫الساموات بالنجو ِم‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ت ِ‬
‫َزي ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والنهار وتَعا ُقبِهام‪ ..‬وهكذا تَدرجي ًّيا‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫ِ‬
‫اختالف‬ ‫ِ‬
‫الربانية يف‬ ‫ِ‬
‫الشؤون‬ ‫ُ‬
‫سلسلة‬ ‫ِ‬
‫والقمر‪ ،‬ثم‬
‫ِ‬
‫مواض ِع‬ ‫أكثر‬
‫َشخصاتا التي هي ُ‬
‫يازها وت ُّ ِ‬ ‫واألصوات وامتِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املالم ِح‬ ‫حتى تَب ُل َغ ُخ ُصوص ّي َة‬
‫ِ‬
‫الكثرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫انتشار‬
‫حكيم يف ِ‬
‫أكثر‬ ‫ٍ‬ ‫عمل َق َل ِم َصنّا ٍع‬ ‫ِ‬
‫لأللباب‪ ،‬وتَب َّي َن ُ‬ ‫حكيم حم ِّي ٌـر‬
‫ٌ‬ ‫فإذا ما ُو ِجدَ انتظا ٌم ٌ‬
‫بديع‬
‫ِ‬ ‫للمصادفة ظاهرا‪ ،‬تلك هي م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املواض ِع ُبعدا ِ‬
‫وجوه‬ ‫الم ُح‬ ‫َ‬ ‫عن االنتظا ِم وأزيدها ت ُّ‬
‫َعر ًضا‬
‫ُفهم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫وتدل عىل‬ ‫بنفسها‬ ‫الظاهر نظا ُمها ت ِ ُ‬
‫ُ‬ ‫الصحائف األُ َ‬
‫خرى؛‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان وألوانُه‪ ،‬فالبدَّ ّ‬
‫أن‬
‫صو ِرها البديعِ‪.‬‬‫ُم ِّ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪473‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ِ‬
‫واألرض التي جع َلها‬ ‫ِ‬ ‫شاهدُ يف أصل َخ ِ‬ ‫ِ‬
‫الساموات‬ ‫لق‬ ‫أثر اإلبدا ِع واحلكمة ُي َ‬
‫ثم إنه ملا كان ُ‬
‫ظاهر جدا يف‬ ‫وأثر اإلبداعِ‬ ‫ِ‬ ‫أن َ‬ ‫الصانع احلكيم الحجر األساس للك ِ‬
‫َون‪ ،‬فالبدَّ ّ‬
‫ٌ‬ ‫نقش احلكمة َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أجزاء‬ ‫سائر‬
‫ِ‬
‫الظاهر َفأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إجيازا لطي ًفا م ِ‬
‫وجزت و َأ َ‬
‫جم َلت‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫وإضامر‬ ‫اخلفي‬
‫ِّ‬ ‫إظهار‬ ‫عج ًزا يف‬ ‫ُ‬ ‫فهذه ُ‬
‫اآلية َح َوت ً‬
‫بتد ِئة من ﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾‬
‫الرباهيـن الـم ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫إن سلسل َة‬
‫ح ًّقا ّ‬
‫﴿ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ (الروم‪)27:‬‬ ‫(الروم‪ )17:‬إىل‬
‫جواهر‪،‬‬ ‫لس ُ‬
‫لة‬ ‫مرات ﴿ﮟ ﮠ ﴾ ‪﴿ ..‬ﮟ ﮠ ﴾ إنام هي ِس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َكر ُر فيها ِس ُّت‬
‫َ‬ ‫والتي َتت َّ‬
‫اجلواهر الكامن َة‬ ‫القلب أن ُأب ِّي َن‬ ‫إعجازي؛ َيتَمنَّى‬ ‫لة ٍ‬
‫إجياز‬ ‫إعجاز‪ِ ،‬س ِ‬
‫لس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫لس ُ‬
‫لة‬ ‫نور‪ِ ،‬س ِ‬ ‫لة ٍ‬ ‫لس ُ‬ ‫ِس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬
‫األمر إىل‬
‫َ‬ ‫الباب‪ ،‬و ُأع ِّل ُق‬ ‫َ‬ ‫َحم ُله‪ ،‬فال َأفت َُح ذلك‬ ‫فاملقام ال َيت ّ‬
‫ُ‬ ‫الكنوز‪ ،‬ولكن ما ِحيلتِي‬ ‫ِ‬ ‫يف هذه‬
‫آخر بم ِش ِ‬ ‫ٍ‬
‫يئة اهلل‪.‬‬ ‫وقت َ َ َ‬
‫كلمة ﴿ ﭥ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ومثال‪ ﴿ :‬ﭥ * ﭧ ﭨ ﭩ﴾ (يوسف‪ )46-45:‬ف َبـني‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رس ُلوه‪،‬‬ ‫الرؤيا‪َ ،‬فأ َ‬ ‫َعب منه ُّ‬ ‫يوسف ألست ِ َ‬‫َ‬ ‫التالية‪« :‬إىل‬ ‫العبارة‬ ‫كم ُن معنى‬ ‫وكلمة ﴿ ﭧ ﴾ َي ُ‬
‫خ َّل‬ ‫واحدة من دون أن ي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وجز عد َة جم ٍل يف ُج ٍ‬
‫لة‬ ‫جن‪ ،‬وقال‪ »..‬بمعنى أنه َأ َ‬ ‫الس ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫فذ َهب إىل ِّ‬
‫أشكل يف َف ِ‬
‫همها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وح ِ‬
‫اآلية وال‬ ‫ُبو ُض ِ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ض َر ِّد‬ ‫عر ِ‬ ‫ومثال‪ ﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﴾ (يس‪ :)80:‬ففي َم ِ‬
‫عىل اإلنسان العايص الذي َيتَحدَّ ى اخلال َق بقوله‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ (يس‪)78:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويقول أيضا‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪ ﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﴾ (يس‪)79:‬‬ ‫ُ‬
‫رميم‪.‬‬
‫يي العظا َم وهي ٌ‬
‫قادر عىل أن ُي َ‬
‫﴿ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﴾ ٌ‬
‫لس ِ‬
‫لة‬ ‫جهات ويثبِتُها‪ ،‬إذ إنه يبدَ ُأ من ِس ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اإلحياء من عدّ ِة‬ ‫عوى‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يتوج ُه إىل َد َ‬
‫الكالم ّ‬
‫ُ‬ ‫فهذا‬
‫إل أنه َي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تص ُـر‬ ‫عوره‪ّ ،‬‬‫ثيـر ُش َ‬
‫حس َن اهلل هبا إىل اإلنسان‪ ،‬ف ُيذك ُِّره هبا و ُي ُ‬ ‫اإلحسانات التي َأ َ‬
‫إن الذي َمنَحكُم من‬ ‫ِ‬
‫العقل‪ ،‬أي ّ‬ ‫وج ُزه ُمحيال إ ّيا ُه عىل‬ ‫آيات ُأخرى‪ ،‬و ُي ِ‬‫الكالم‪ ،‬ألنه َفص َله يف ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والنباتات‪،‬‬ ‫الحبوب‬ ‫ِ‬
‫الرتاب‬ ‫واحلبوب ‪ ،‬ومن‬ ‫الر َ‬
‫زق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشجر ال َّث َم َر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫األعشاب ِّ‬ ‫والنار‪ ،‬ومن‬
‫َ‬
‫لواز ِم حياتِكُم؛‬
‫جميع ِ‬ ‫ُ‬ ‫قرصا فيه‬ ‫ِ‬
‫جميع أرزاقكُم‪ ،‬والعا َل َم ً‬ ‫ُ‬ ‫األرض َمهدً ا‪ ،‬فيها‬
‫َ‬ ‫وقد َج َع َل ُ‬
‫لكم‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪474‬‬
‫تـركَكم ُسدً ى فت َِف ُّروا منه‪ ،‬وتَـخت ُفوا عنه يف العد ِم؟ فال يمكن أن َتكُونوا‬ ‫ِ‬
‫فهل ُيمك ُن أن َي ُ‬
‫كسبتُم !‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُسدً ى فت ُ‬
‫عما َ‬
‫رب وتَنا ُموا براحة دون إحيائكُم ودون سؤال ّ‬ ‫َدخلوا الق َ‬
‫بكلمة ﴿ ﮱ ﯓ ﴾‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫مزا‬ ‫ُ‬
‫فيقول َر ً‬ ‫عوى‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثم ُي ِش ُري إىل‬
‫دليل لتلك الدَّ َ‬
‫أشجارا ال حدَّ هلا يف الربي ِع بعد‬ ‫فإن َمن ُي ِيي‬ ‫ِ‬
‫األشجار‪ّ ،‬‬ ‫املنك ُر للحرش‪ ..‬ان ُظر إىل‬ ‫«أهيا ِ‬
‫ً‬
‫ٍ‬ ‫خض ّرةً‪ ،‬بل ُي ِ‬ ‫ِ‬
‫شجرة‬ ‫ظه ُر يف ِّ‬
‫كل‬ ‫أن ماتَت يف الشتاء و َأص َب َحت شبيه ًة بالعظا ِم‪ ،‬و َيجع ُلها ُم َ‬
‫القدير ال ُتتَحدَّ ى ُقدرتُه‬ ‫إن هذا‬ ‫ِ‬
‫واألثامر‪ّ ..‬‬ ‫ِ‬
‫واألزهار‬ ‫ِ‬
‫األوراق‬ ‫نماذج من احلرش‪ ،‬يف‬ ‫َ‬ ‫ثالث َة‬
‫َ‬
‫احلرش»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫باإلنكار‪ ،‬وال ُيستَب َعدُ منه‬
‫ُ‬
‫النار‪ ،‬تلك املا ّد َة اخلفيف َة النوران ّي َة‪،‬‬
‫خرج لكم َ‬‫«إن الذي َأ َ‬‫ويقول‪ّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫آخر‬ ‫شيـر إىل ٍ‬
‫دليل َ‬ ‫ثم ُي ُ‬
‫وش ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عور‬ ‫كالنار‪ُ ،‬‬ ‫لطيفة‬ ‫حياة‬ ‫الثقيل املظل ِم‪ ،‬كيف تَستَبعدُ ون منه َم َ‬
‫نح‬ ‫الكثيف‬ ‫الشجر‬ ‫من‬
‫ُّور لِ ِعظا ٍم كاحل َط ِ‬
‫ب»‪.‬‬ ‫كالن ِ‬
‫املشهور لدَ ى ال َب ِ‬
‫دو ِّيني‬ ‫ِ‬ ‫جر‬‫الش ِ‬ ‫«إن الذي َي ُل ُق َ‬
‫النار من َّ‬ ‫ُ‬
‫ويقول‪ّ :‬‬ ‫آخر‬ ‫ٍ‬
‫بدليل َ‬ ‫رص ُح‬‫ثم ُي ِّ‬
‫إحداها َم ً‬
‫نشأ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وجيعل‬ ‫ِ‬
‫واحلرارة)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫(الرطوبة‬ ‫وجيمع بني ِصفتَني ُمتضا ّدتَني‬ ‫بِ َح ِّك ُغصن ِ‬
‫َني م ًعا‪،‬‬
‫ُ‬
‫َحر ُك ُبق ّوتِه‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬
‫خرى‪َ ،‬يدُ ُّلنا عىل ّ‬ ‫ل ُ‬
‫والطبائع األساس ّي َة إنام َتت ّ‬
‫َ‬ ‫العنارص األصلي َة‬
‫َ‬ ‫يشء حتى‬ ‫أل َ‬
‫اخلالق العظيم ال ي ِ‬ ‫َحر ُك ُسدً ى ب َطبيعتِه؛ فهذا‬ ‫َ ِ‬
‫مك ُن أن ُيستَبعدَ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫أمره‪ ،‬وال يش َء منها َيت ّ‬ ‫وتتَث ُل َ‬
‫ِ‬
‫صيان»‪.‬‬ ‫الرتاب وأعاده إليها‪ -‬فال يتَحدَّ ى ِ‬
‫بالع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرتاب ‪-‬وقد َخ َلقه من‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان من‬ ‫منه إحيا ُء‬
‫ُ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املشهورة‪،‬‬ ‫وسى عليه السالم‬ ‫ثم بعد ذلك ُيذك ُِّر بكلمة ﴿‪  ‬ﮱ ﯓ ﴾ شجر َة ُم َ‬
‫عوى األمحد ّي َة عىل صاحبها الصالة والسالم‬ ‫ِ‬
‫األنبياء إيما ًء لطي ًفا ّ‬ ‫ومئ إىل ات ِ‬ ‫ِ‬
‫بأن هذه الدَّ َ‬ ‫ِّفاق‬ ‫ف ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪.‬‬ ‫إجياز هذه الكلمة لطاف ًة ُ‬
‫وحسنًا َ‬ ‫َ‬ ‫وسى عليه السالم‪ ،‬مما يزيدُ‬ ‫عوى ُم َ‬‫هي ب َعينها َد َ‬

‫أن‬‫ضوح ّ‬
‫ٍ‬ ‫لش ِ‬
‫وهدَ ُبو‬ ‫َّظر فيه ُ‬ ‫ِ‬
‫عجزٌ‪ ،‬فلو ُأنع َم الن ُ‬‫وم ِ‬ ‫جامع ُ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫إن إيجا َز‬‫الرابع‪ّ :‬‬
‫ُ‬ ‫ ◆الضَّ وء ُ‬
‫ين عام ًة طويل ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خاص ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دساتير كلي ًة واسع ًة و َقوان َ‬
‫َ‬ ‫زئي ويف حادثة ّ‬ ‫َ‬
‫القرآن قد َب َّين يف مثال ُج ٍّ‬
‫آالف َأمثلتِه‪.‬‬
‫ني اثنَني من ِ‬ ‫واس ًعا؛ َسنُشري إىل ِمثا َل ِ‬
‫ماء بحرا ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ُ‬ ‫وكأنه ُيبيِّ ُ يف ُغرفة َ ً‬
‫ِ‬ ‫األو ِل من‬ ‫األو ُل‪ :‬هو‬ ‫ُ‬
‫«الكلمة‬ ‫رحها يف املقا ِم ّ‬ ‫الثالث التي َف َّصلنا َش َ‬
‫ُ‬ ‫اآليات‬
‫ُ‬ ‫املثال ّ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪475‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫يم مجي ِع‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫األسماء ك َّلها تُفيدُ‬ ‫العرشين»‪ ،‬وهي‪ :‬أنه بتَعلي ِم آد َم عليه السالم‬
‫الكريمة‪ :‬تَعل َ‬ ‫اآلية‬ ‫َ‬
‫مة لِ َبني آد َم‪.‬‬
‫نون المله ِ‬
‫ُ َ‬
‫العلو ِم وال ُف ِ‬
‫ُ‬

‫أكثر‬ ‫اآلية‪ّ :‬‬ ‫ِ‬


‫الشيطان تُب ِّي ُن ُ‬ ‫املالئكة آلدم عليه السالم وعدَ ِم س ِ‬
‫جود‬ ‫ِ‬ ‫وبحادثة س ِ‬
‫جود‬ ‫ِ‬
‫أن َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫املخلوقات ِ‬
‫املض َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬كام ّ‬
‫أن‬ ‫سخر ٌة لِ َبني‬
‫الم َل ِك‪ُ -‬م َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الس َمك إىل َ‬
‫املوجودات ‪-‬من َّ‬
‫ُعاديه‪.‬‬‫الشيطان‪ -‬ال تَنقاد إليه بل ت ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬من ال ُّث ِ‬
‫عبان إىل‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫عبادة ِ‬ ‫ِ‬
‫البقر قد‬ ‫اآلية عن ّ‬
‫أن فكر َة‬ ‫وبحادثة َذبحِ قو ِم ُم َ‬
‫وسى عليه السالم البقر َة تُع ِّب ُـر ُ‬
‫صـر حتى ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بسك ِ‬ ‫ُذبِح ْت ِ‬
‫إن هلا‬ ‫وسى عليه السالم‪ ،‬تلك الفكر َة التي كانت رائج ًة يف م َ‬ ‫ِّيـن ُم َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باشا يف حادثة الع ِ‬
‫جل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أثرا ُم ً‬
‫ً‬
‫الن ِ‬ ‫وس َي ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫وبنب ِ ِ‬
‫أن الطبق َة‬
‫اآلية‪ّ :‬‬
‫املاء منها تُب ِّيـن ُ‬ ‫خور َ‬ ‫وتش ُّق ِق ُّ‬
‫الـح َج ِر َ‬
‫من َ‬‫عان املاء َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫ووظيفة األ ِّم للتُّـراب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املائية‪،‬‬ ‫روق‬ ‫ِ‬
‫اخلزان لل ُع ِ‬ ‫ِ‬
‫بوظيفة‬ ‫ِ‬
‫الرتاب تقوم‬ ‫الصخر ّي َة التي َت َت‬
‫َّ‬
‫الكريم‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ِ‬ ‫املثال الثاين‪ِ ّ :‬‬ ‫ُ‬
‫إن يف‬ ‫ِ‬ ‫القرآن‬ ‫َكر َرت كثريا يف‬ ‫وسى عليه السالم قد ت ّ‬ ‫إن ق ّص َة ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫لة منها‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫كل ُج ٍ‬ ‫ِّ‬
‫الدستور‪.‬‬ ‫كيل‪ ،‬و ُيع ِّب ُـر عن ذلك‬ ‫إظهارا ل َط َرف من ُدستُور ٍّ‬ ‫ً‬ ‫جزء منها‬
‫«ابن يل‬ ‫وزيره‪ِ :‬‬ ‫ون َ‬ ‫رع ُ‬ ‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﴾ (غافر‪َ )36:‬يأ ُم ُـر فِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫منها‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وسى‬ ‫ف فيها كام َيدّ عيه ُم َ‬ ‫َرص ٌ‬ ‫رجا عال ًيا أل َّطل َع عىل أحوال الساموات وأن ُظ َر هل هناك إل ٌه َيت ّ‬ ‫ُب ً‬
‫بحادثة ُجزئ ّي ٍة ُدستورا َعجي ًبا‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫عليه السالم؟»‪ ،‬فبكلمة ﴿ ﮑ ﴾ ُتبيِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫جلحود ِهم‬‫ِ‬ ‫الر ُبوب ّي َة‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫باخلالق‬ ‫رص الذين ا ّد َع ُوا ُّ‬ ‫وعر ًفا غري ًبا كان جار ًيا يف ُساللة َفراعنة م َ‬ ‫ُ‬
‫وع ِّتو ِهم‪َ ،‬‬ ‫بجبـر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فش ّيدُ وا األهرا َم املشهور َة كأهنا‬ ‫وتم ُ‬ ‫وخ ّلدُ وا أسام َء ُهم َ ُ‬ ‫بالطبيعة‪َ ،‬‬ ‫وإيامنم‬
‫واض ِعني‬ ‫يط ِ‬ ‫جنائزهم بالتَّحنِ ِ‬ ‫َ‬ ‫وح ِف ُظوا‬ ‫جبال فيها‪ ،‬ل َيشت َِه ُروا هبا‪َ ،‬‬ ‫وس َط صحرا َء ال َ‬ ‫جبال َ‬ ‫ٌ‬
‫والس ِ‬
‫حر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بتناس ِخ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األرواح ِّ‬ ‫املقابر الشاخمة‪ ،‬العتقادهم ُ‬ ‫إياها يف تلك‬
‫ون‬‫رع َ‬ ‫وج ٌه إىل فِ َ‬ ‫والخطاب ُم ّ‬‫ُ‬ ‫ومنها‪ :‬قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ (يونس‪)92:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلياتم ُم َذك ٍِّر‬ ‫ٍ‬ ‫راع ِنة من‬‫اآلية ما كان لل َف ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫باملوت‬ ‫دستور‬ ‫ـن ُ‬ ‫الذي َغ ِر َق‪ ،‬ويف الوقت نفسه تُب ِّي ُ‬
‫لة لع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أجساد موتاهم بالتَّحنِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يلء ِ‬
‫بالع ِ‬ ‫م ٍ‬
‫رضها‬ ‫األجيال املقبِ َ‬ ‫يط من املايض إىل‬ ‫َ ُ‬ ‫بـر‪ ،‬وهو ن ُ‬
‫َقل‬ ‫َ‬
‫عج ٍز إشار ًة غيب ّي ًة‬ ‫بأسلوب م ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ ُ‬ ‫ُ‬
‫الكريمة‬ ‫ُ‬
‫اآلية‬ ‫األرواح‪ ،‬كام تُفيدُ‬ ‫ِ‬ ‫َناس ِخ‬ ‫فق اعتقادهم بت ُ‬ ‫أما َمهم َو َ‬
‫ون الذي َغ ِر َق‪ ،‬فكام‬ ‫رع َ‬ ‫نفسه َج َسدُ فِ َ‬ ‫األخيـر هو ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العصـر‬ ‫ف يف‬ ‫اجلسدَ الذي اكت ُِش َ‬ ‫أن َ‬ ‫إىل ّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪476‬‬
‫الز ِ‬ ‫فس ُيل َقى به كذلك من َب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مان‪َ ،‬ف َ‬
‫وق‬ ‫حر َّ‬ ‫الساح ِل يف املوض ِع الذي َغ ِر َق فيه‪َ ،‬‬
‫ُألقي به إىل َّ‬
‫ِ‬
‫العرص‪.‬‬ ‫صور‪ ،‬إىل س ِ‬
‫اح ِل هذا‬ ‫مواج ال ُع ِ‬
‫َأ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بحادثة‬ ‫ومنها‪ :‬قو ُله تعاىل‪  ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ (البقرة‪ )49:‬فإنه‬
‫إرسائيل واستِ ِ‬
‫جلامع ّي َة التي‬
‫ـن اإلباد َة ا َ‬ ‫هد فِ َ‬
‫رع َ‬
‫ون ُيب ِّي ُ‬
‫سائهم وبناتِهم يف َع ِ‬
‫َ‬
‫حياء نِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َذ ِ‬
‫بح بني‬
‫ساؤهم و َبناتُهم‬‫املهم الذي تُؤ ِّد ِيه نِ ُ‬
‫ور َّ‬ ‫كل ٍ‬
‫عرص‪ ،‬والدَّ َ‬
‫أكثر الب ِ‬
‫لدان ويف ِّ‬ ‫َعر ُض هلا اليهو ُد يف ِ ُ‬ ‫َيت ّ‬
‫ِ‬
‫أخالقها‪.‬‬ ‫وت ُّل ِل‬‫فاهة للبرش ّي ِة َ‬
‫حياة الس ِ‬
‫يف ِ‬
‫َّ‬
‫ومنها‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﴾ (البقرة‪ ﴿ )96:‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﴾ (املائدة‪ ﴿)62:‬ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﴾ (املائدة‪ ﴿ )64:‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫(اإلرساء‪ ﴿ )4:‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﴾ (البقرة‪)60:‬‬ ‫ﮇﮈﮉ ﴾‬
‫هذ ِ‬
‫ين‬ ‫نان َ‬ ‫اليهود‪( ،‬احلِرص والفساد)‪ ،‬يتَضم ِ‬ ‫ِ‬ ‫حق‬ ‫يان يف ِّ‬‫القاض ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذان الـح ِ‬
‫كامن‬
‫ُ َ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كر‬‫بالـم ِ‬ ‫ني‪ ،‬اللذين يديرمها أولئك القوم يف ِ‬
‫حياة املجتم ِع‬ ‫امله َّم ِ‬
‫ني ِ‬ ‫ُورين العا َّم ِ‬
‫اإلنساين َ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫الدُّ ست َ‬
‫هم الذين َزلز ُلوا احليا َة االجتامعي َة اإلنسان ّي َة و َأو َقدُ وا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والح َي ِل‬
‫ـن أهنم ُ‬ ‫فاآلية تُب ِّي ُ‬ ‫واخلديعة؛‬
‫ب‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يض ِ‬
‫العام ِلني عىل‬ ‫ِ‬
‫واألغنياء بت ِ‬
‫َحر ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َب َ‬‫رأس املال‪ ،‬وكانوا َّ‬ ‫أصحاب‬ ‫الفقراء‬ ‫الحرب بني‬ ‫َ‬
‫سيلة دنِيئةٍ‬ ‫بكل و ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يف ِ‬
‫َ‬ ‫وج ُعوا أمواال طائل ًة ِّ َ‬ ‫ضاعف ًة‪َ ،‬‬
‫الربا أضعا ًفا ُم َ‬ ‫بجعل ِه ُم ِّ‬ ‫يس ال ُبنوك َ‬ ‫تأس ِ‬
‫دة‪،‬‬ ‫الفاس ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل أنوا ِع املن َّظ ِ‬
‫امت‬ ‫انخ َر ُطوا يف ِّ‬
‫أنفس ُهم أيضا َ‬ ‫والح َي ِل‪ ،‬هؤالء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القوم هم ُ‬ ‫ُ‬ ‫باملكر‬
‫عوب الغالِ ِبة ومن‬ ‫الش ِ‬ ‫بثأر ِهم من ُّ‬‫ورات‪ ،‬أخذا ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل نو ٍع من أنوا ِع ال َّث‬ ‫يديم إىل ِّ‬ ‫و َمدُّ وا َأ َ‬
‫ِ‬
‫العذاب‪.‬‬ ‫أنواع‬ ‫رمان وسا َم ُتهم‬ ‫الح َ‬ ‫احلكومات التي ذا ُقوا منها ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ومنها‪ ﴿ :‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ * ﭣ ﭤ ﭥ ﴾ (البقرة‪)95-94:‬‬
‫ِ‬ ‫َّبو ّي ِة‬ ‫ِ‬
‫احلرضة الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حادثة ُجزئ ّي ٍة و َق َع ْت يف َم ِل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فاآلية ُتب ُ بع ِ‬
‫الكريمة‪ ،‬من‬ ‫صغري يف‬ ‫س‬ ‫نوان‬ ‫ُ يِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫الناس عىل ٍ‬
‫حياة و َأخو ُفهم من‬
‫املوت ولن‬
‫َ‬ ‫املوت‪ ،‬لن َيتَمن َُّوا‬ ‫ِ‬ ‫ص‬ ‫أن اليهو َد الذين هم َأ َ‬
‫حر ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الساعة‪.‬‬ ‫احلياة حتى ِقيا ِم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلرص عىل‬ ‫َخ َّلوا ِ‬
‫عن‬ ‫َيت َ‬

‫ومنها‪  ﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﴾ (البقرة‪)61:‬‬


‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪477‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫وحيث ّ‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫ورة عا ّم ٍة‪،‬‬
‫اليهود يف املستَقب ِل بص ٍ‬
‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫نوان‪ ،‬مقدَّ ِ‬
‫رات‬ ‫ُ‬
‫الكريمة هبذا الع ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ـن ُ‬
‫اآلية‬ ‫تُب ِّي ُ‬
‫الكريم َيغ ُل ُظ عليهم‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬ ‫بعهم‪،‬‬ ‫احلِرص والفساد قد َت َغل َغ َل يف سجاياهم وتَمكَّن من َط ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األمثلة‪ِ ،‬قس ِ‬
‫بنفسك‬ ‫ِ‬ ‫وء هذه‬‫يب‪ ،‬ففي ض ِ‬ ‫ِ‬
‫للتأد ِ‬ ‫فعات َز ْج ٍر عنيف ًة‬ ‫يف الكال ِم ويص َفعهم ص ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫إرسائيل ِ‬
‫َ‬ ‫وحوادث َو َق َعت لِ َبني‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وق َص َصهم‪.‬‬ ‫وسى عليه السالم‬ ‫ق ّص َة ُم َ‬
‫ِ‬
‫أمثال ما يف هذا‬ ‫كثري من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وبعدُ ‪ّ ،‬‬
‫فإن َورا َء كلامت القرآن البسيطة و َمباحثه اجلزئ ّية‪ ،‬هناك ٌ‬
‫تكفيه اإلشارةُ‪.‬‬ ‫ف ِ‬ ‫ِ‬
‫والعار ُ‬ ‫إعجازي‪،‬‬ ‫معة ٍ‬
‫إجياز‬ ‫إعجاز ك َل ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ملعات‬ ‫الض ِ‬
‫وء الراب ِع من‬
‫ٍّ‬ ‫َّ‬

‫س‪ :‬هو الجامع ّي ُة‬ ‫ِ‬


‫ ◆الضَّ وء ُ الـخام ُ‬
‫ومعانيه وأساليبِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لمقاص ِد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخارق ُة‬
‫ومسائله َ‬ ‫القرآن َ‬
‫ومحاسنِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ولطائفه َ‬
‫باد ِئ‬‫الكريم وآياتِه‪ ،‬وال سيام َفواتِ ِح السو ِر‪ ،‬وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫نع َم النَّ َظ ُر يف ُس َو ِر‬ ‫نعم‪ ،‬إذا ُأ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ َ‬ ‫َّ‬
‫يع أقسا ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قاط ِعها تَب َّي َن‪ّ :‬‬‫اآليات وم ِ‬ ‫ِ‬
‫وجم َ‬ ‫أنواع البالغة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫البيان قد َج َع‬ ‫املعج َز‬ ‫القرآن‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫ومجيع‬ ‫ِ‬
‫األخالق‪،‬‬ ‫اس ِن‬ ‫أفراد َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومجيع‬ ‫ِ‬
‫العالية‪،‬‬ ‫أصناف األسالِ ِ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ومجيع‬ ‫ِ‬
‫فضائل الكال ِم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫للحياة‬ ‫ساتري النافِ ِ‬
‫عة‬ ‫ِ‬ ‫وجميع الدَّ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‪،‬‬ ‫املعار ِف‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫هار ِ‬ ‫ومجيع َف ِ‬ ‫الصات ال ُعلو ِم الكَون ّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ُخ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السامية‪ ..‬وعىل‬ ‫حلكمة الك ِ‬
‫َون‬ ‫ِ‬ ‫القوانني النوران ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫وجميع‬ ‫الشخص ّي ِة واالجتامع ّي ِة‪،‬‬ ‫البرش ّي ِة َّ‬
‫َ‬
‫يب‬ ‫ِ‬
‫الرتك ِ‬ ‫وعدَ ِم االستِ ِ‬
‫قامة يف‬ ‫ِ‬
‫اخللط َ‬ ‫أثر كان من ِ‬
‫آثار‬ ‫أي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬
‫ظه ُر عليه ُّ‬ ‫غم من َجعه هذا‪ ،‬ال َي َ‬ ‫َّ‬
‫أو املعنَى‪.‬‬ ‫ِ‬

‫نشأ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬من دون أن َي َ‬ ‫وض ٍع‬ ‫ِ‬
‫الكثرية يف م ِ‬ ‫املختل ِ‬
‫فة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األجناس‬ ‫ح ًّقا‪َّ ،‬‬
‫إن َج ْم َع مجي ِع هذه‬
‫َ‬
‫إعجاز َق ّه ٍار ليس َّ‬
‫إل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َشو ٌش‪ ،‬إنام هو ُ‬
‫شأن نظا ِم‬ ‫ٌ‬
‫اختالط وت ُّ‬ ‫ُ‬
‫اختالل نظا ٍم أو‬ ‫منه‬
‫يانات نافِ ٍ‬
‫ّب‪ ،‬بب ٍ‬ ‫تار العادي ِ‬ ‫َمز َيق ِس ِ‬ ‫إن ت ِ‬
‫ذة‪،‬‬ ‫اجلهل املرك ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬التي هي َمصدَ ُر‬ ‫ّ‬ ‫وح ًّقا‪َ ،‬‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الس ِ‬ ‫العادات المتست ِ‬ ‫ِ‬ ‫وار ِق‬ ‫خراج َخ ِ‬ ‫واستِ‬
‫وإظهارها بجالء‪ ،‬وتَحط َ‬ ‫َ‬ ‫تار‬ ‫حتت ذلك ِّ‬ ‫ِّرة َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫يت ُح ُج ِ‬ ‫األملاسية‪ ،‬وتَشتِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرباه ِ‬
‫يـن‬ ‫الضاللة‪ -‬بس ِ‬
‫يوف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫منبع‬
‫طاغوت الطبيعة ‪-‬التي هي ُ‬
‫ِ‬ ‫ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫عد‪ِ َّ ،‬‬ ‫يحات مدو ٍية كالر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جيب‬ ‫عمى ال َع ِ‬ ‫وحل ط ْل َس ِم الكَون املغ َل ِق ُ‬
‫والم َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫نَو ِم الغفلة الكثيفة َ‬
‫بص‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫إل من ُصن ِع هذا‬ ‫الفلسف َة البرش ّي َة واحلِكم َة اإلنسان ّي َة‪ ..‬ما هو ّ‬ ‫َ‬ ‫ـم الذي َأ َ‬
‫عج َز‬ ‫للعا َل ِ‬
‫للحق‪.‬‬ ‫املظه ِر‬ ‫ِ‬
‫للهداية‪ِ ،‬‬ ‫يب‪ ،‬المانِ ِح‬ ‫الم َّط ِل ِع عىل ال َغ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املعج ِز‬
‫ِّ‬ ‫البصيـر باحلقيقة‪ُ ،‬‬ ‫البيان‪،‬‬
‫وهدَ ت أهنا ال تُشبِ ُه فكرا‬ ‫ِ‬
‫اإلنصاف‪ُ ،‬ش ِ‬ ‫الكريم ب َع ِ‬ ‫ِ‬ ‫نعم النَّ َظر يف ِ‬ ‫ِ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫القرآن‬ ‫آيات‬ ‫ُ‬ ‫نعم‪ ،‬إذا ُأ َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪478‬‬
‫احلال يف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ِ‬
‫ُب‪ ،‬بل إهنا ُت ْل َقى‬ ‫سائر ال ُكت ِ‬ ‫ين كام هو ُ‬ ‫قصدَ ِ‬ ‫َدرجي ًّيا ُمت ََسلس ًل ُيتابِ ُع َم َ‬
‫قصدً ا أو َم َ‬
‫طائفة منها ت َِر ُد معا إنام ت َِر ُد ُمست َِق ّل ًة‬
‫ٍ‬ ‫أن َّ‬
‫كل‬ ‫وأن عليها عالم َة ّ‬
‫وآين‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ور َدفع ٌّي ٌّ‬ ‫إلقا ًء‪ ،‬وهلا َط ٌ‬
‫واجلدِّ ّي ِة‪.‬‬
‫غاية األمهِّ ّي ِة ِ‬
‫رة يف ِ‬ ‫كان َق ِصي ِضمن ُماب ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ٍّ‬
‫ومن م ٍ‬
‫َ‬
‫ورودا و ِج ًيزا منَجم‪ِ ،‬‬
‫ُ َّ ً‬ ‫ُُ ً َ‬
‫ِ‬ ‫جري هذا الكالم الوثِ َيق الص ِ‬
‫لة بالك ِ‬ ‫ِ‬
‫وبخالق‬ ‫َون‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫يع أن ُي ِ َ‬
‫رب العاملني َيستَط ُ‬‫غير ِّ‬ ‫نعم‪َ ،‬من ُ‬
‫َّجاو ِز ف َيتَك َّل ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجاو ُز حدَّ ه بام ال َحدَّ له من الت ُ‬
‫غيره تعاىل َيت َ‬
‫الصورة اجلا ّدة؟ و َمن ُ‬ ‫الكَون وهبذه ُّ‬
‫يحا كهذا؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫باسم اخلالِ ِق ذي‬
‫ِ‬
‫وباسم الكَون كال ًما َصح ً‬ ‫اجلالل‬ ‫ب هواه‬ ‫حس َ‬
‫َ‬
‫احلق السامي‬ ‫الكالم اجلا ُّد ُّ‬ ‫رب العاملني‪ ..‬هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫كالم ِّ‬
‫ـي يف القرآن أنّه ُ‬ ‫نعم‪ ،‬إنه واض ٌح َجل ٌّ‬
‫يد‪ ،‬فلو َف َرضنا ُماال ّ‬ ‫َّقل ِ‬
‫ُومئ بالت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أن هناك‬ ‫ص‪ ،‬ليس عليه أ ّي ُة أمارة كانت؛ ت ُ‬ ‫احلقيقي اخلال ُ‬
‫ُّ‬
‫العزةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الكذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫او َز َحدَّ ه بغري ُحدود ف َق َّلدَ كال َم خالقه ذي ّ‬ ‫اب الذي َت َ‬ ‫َمن هو م ُثل ُم َسيلم َة ّ‬
‫آالف من‬ ‫َظه ُر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫نفسه ُمتك ِّلام ِ‬ ‫بنات فِ ِ ِ‬‫وت وتَك َّلم من ِ‬ ‫واجلرب ِ‬
‫عن الكَون‪ ،‬فالبدَّ أنه َست َ‬ ‫كره ناص ًبا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سمى‬ ‫ورا َأ َ‬ ‫وآالف من َعالمات الغ ِّش وال َّت َك ُّلف‪ّ ،‬‬
‫ألن َمن َيتَل َّب ُس َط ً‬ ‫ٌ‬ ‫أمارات التَّقليد والت ََّصنُّ ِع‬
‫تدل عىل الت ِ‬
‫َّقليد والت ََّصنُّعِ‪.‬‬ ‫حالة من حاالتِه ُّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أن َّ‬ ‫شك ّ‬‫نيئة ال َّ‬‫بكثيـر من حالتِه الدَّ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫وأعل‬
‫نع ِم النَّ َ‬ ‫ُعلن هذه احلقيق َة بال َقس ِم و َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ َر فيها‪  ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫َ‬ ‫فان ُظ ْر إىل هذه اآلية التي ت ُ‬
‫* ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ * ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﴾ (النجم‪.)4-1:‬‬

‫ُ‬
‫الثالث‬ ‫عاع‬ ‫ُّ‬
‫الش ُ‬
‫يوب‪ ،‬ودَيمُومَة ِ شباب ِه‪،‬‬ ‫إعجاز ُ القرآ ِ‬
‫ن ا�لكري ِم الناشئ ُ من إخبارِه عن الغ ُ ِ‬
‫س‬
‫من النا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وصلاحِه ِ ِّ‬
‫لكل طبقة َ‬
‫ثالث ج َل ٍ‬
‫وات‪:‬‬ ‫ُ َ‬ ‫الشعا ِع‬
‫وهلذا ُّ‬

‫اجلَ ْلوة األوىل‬


‫يوب‬
‫إخبارُه عن الغ ُ ِ‬
‫ثالث َقب ٍ‬ ‫هلذه اجل ْل ِ‬
‫سات‪:‬‬ ‫ُ َ‬ ‫وة‬ ‫َ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪479‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬

‫ ◆الق َبس الأولُ‪ :‬إخباره الغيبي عن ِ‬


‫املاض‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ‬
‫أخبارا من َلدُ ن آد َم عليه السالم إىل‬
‫ً‬
‫ين باالت ِ‬
‫ّفاق َيذك ُُر‬ ‫بلسان ُأ ِّم ٍّي َأ ِم ٍ‬
‫ِ‬ ‫احلكيم‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫كرا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القرون‪ ،‬مع ِذ ِ‬‫خري ُ‬ ‫ِ‬
‫املهمة‪ ،‬يذك ُُرها ذ ً‬
‫أهم أحوال األنبياء عليهم السالم وأحداثهم ّ‬ ‫كره َّ‬
‫فيوافق ما‬ ‫ِ‬
‫واإلنجيل‪،‬‬ ‫السابقة كالت ِ‬
‫َّوراة‬ ‫ِ‬ ‫ُب‬ ‫ٍ‬
‫وبتصديق من ال ُكت ِ‬ ‫اجلدِّ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وغاية ِ‬ ‫القو ِة‬
‫ُ‬ ‫منتهى ّ‬ ‫يف َ‬
‫ِ‬
‫املباحث التي‬ ‫فص ُل يف تلك‬ ‫ِ‬
‫الواقعة وي ِ‬ ‫صح ُح حقيق َة‬ ‫ُ‬ ‫ا َّت َف َقت عليه تلك‬
‫َ‬ ‫السابقة و ُي ِّ‬ ‫الكتب‬
‫ُ‬
‫اخ َت َل َفت فيها‪.‬‬
‫املاض‬ ‫أحوال ِ‬ ‫َ‬ ‫الغيب‪ -‬يرى‬ ‫ِ‬ ‫الم َّط ِل َع عىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ن َظ َر‬‫بمعنى ّ‬
‫النظر ُ‬
‫َ‬ ‫الكريم ‪-‬ذلك‬ ‫القرآن‬
‫املسائل امل َّت َف ِق‬
‫ِ‬ ‫بحيث ُيزكِّيها و ُيصدِّ ُقها يف‬ ‫ُ‬ ‫ُب‪ ،‬وبام هو فو َقها مجي ًعا‪،‬‬ ‫أفضل من تلك ال ُكت ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ف فيها؛ علام ّ‬ ‫املباحث التي اخت ُِل َ‬ ‫ِ‬ ‫فص ُل يف‬ ‫عليها‪ ،‬ويصححها‪ ،‬وي ِ‬
‫ُص‬ ‫إخبار القرآن الذي َي ُّ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫ُ ِّ ُ‬
‫ف عىل‬ ‫نقيل ُمتَو ِّق ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫أمر ٌّ‬ ‫بالعقل‪ ،‬بل هو ٌ‬ ‫أمرا َعقل ًّيا حتى ُيخ َب َر عنه‬ ‫أحوال املاض ووقائ َع ُه ليس ً‬
‫أن األعدا َء واألصدقا َء ُمت َِّف ُقون معا عىل‬ ‫والكتابة‪ ،‬مع ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القراءة‬ ‫خاص بأهل‬ ‫ٌّ‬ ‫السامعِ‪ ،‬والن ُ‬
‫َّقل‬ ‫َّ‬
‫باألمانة موصوفٍ‬ ‫ِ‬ ‫ف القراء َة والكتاب َة‪ ،‬معروفٍ‬ ‫عر ُ‬ ‫شخص ُأ ِّم ٍّي ال َي ِ‬
‫ٍ‬ ‫َـز َل عىل‬ ‫رآن إنام ن َ‬ ‫الق َ‬ ‫أن ُ‬ ‫ّ‬
‫خب عنها وكأنه ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاهدُ ها ك َّلها‪ ،‬إذ َيت ُ‬
‫َناول‬ ‫َ‬ ‫ب عن تلك األحوال املاضية ُي ِ ُ‬ ‫باألُ ِّم ّية‪ ،‬وحينام ُي ِ ُ‬
‫ملقص ِده‪.‬‬‫خب عنها‪ ،‬وجيع ُلها مقدِّ م ًة ِ‬
‫وعقدَ تَها احليات ّي َة‪ ،‬ف ُي ِ ُ‬ ‫طويلة ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حادثة‬ ‫وح‬
‫ُر َ‬
‫ِ‬ ‫اخلالصات وال َف ْذ َل ِ‬ ‫ِ‬
‫ظهرها‬ ‫أن الذي َأ َ‬ ‫تدل عىل َّ‬ ‫الكريم ُّ‬‫ِ‬ ‫القرآن‬ ‫كات املذكور َة يف‬ ‫بمعنى ّ‬
‫أن‬
‫صنعة إذا أتى‬ ‫ٍ‬ ‫تخص ًصا يف َف ٍّن أو‬ ‫مجيع املايض بجمي ِع أحوالِه‪ ،‬إذ كام أنَّس‬
‫شخصا ُم ِّ‬ ‫ً‬ ‫يرى َ‬
‫تدل عىل مهارتِه و َم َلكتِه؛ كذلك‬ ‫الصنعة‪ ،‬فإهنا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الفن‪ ،‬أو بن َُمو َذ ٍج من تلك‬ ‫بخالصة من ذلك ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫أن الذي يقو ُلها إنام يقو ُلها وقد‬ ‫الكريم ُتبيِّ ُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫املذكورة يف‬ ‫وح الوقائ ِع‬ ‫ور ُ‬ ‫اخلالصات ُ‬
‫ُ‬
‫التعبري‪.‬‬ ‫جاز‬
‫العادة إن َ‬ ‫ِ‬ ‫هارة َ‬
‫فوق‬ ‫أحاط هبا ويراها ثم يخبِر عنها بم ٍ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫املستقبل‬ ‫الغيبي ِ‬
‫عن‬ ‫ُّ‬ ‫إخباره‬
‫ُ‬ ‫س الثاني‪:‬‬
‫ ◆الق َب َ ُ‬
‫أنواع كثريةٌ‪:‬‬ ‫سم‬ ‫هلذا ِ‬
‫الق ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫أهل الك ِ‬ ‫خاص ِبق ٍ‬
‫سم من ِ‬ ‫األو ُل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫والوالية‪.‬‬ ‫َشف‬ ‫ٌّ‬ ‫سم ّ‬ ‫الق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرو ِم‬ ‫ِ‬
‫الغيب يف سورة ُّ‬ ‫األخبار ِ‬
‫عن‬ ‫يب َو َجد كثريا من‬
‫بن َع َر ٍّ‬ ‫ـح ِيي الدِّ َ‬
‫ين َ‬ ‫مثال‪ّ :‬‬
‫إن ُم ْ‬
‫�‬ ‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪480‬‬
‫ند َّي قد‬ ‫وإن اإلمام الرباين أمحدَ الفاروقي ال ِه ِ‬ ‫﴿ ﮫ* ﮭ ﮮ ﴾ (الروم‪ّ )2-1:‬‬
‫ُ َّ سِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫املعامالت الغيب ّي ِة؛‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َو ِر كثريا من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبالنسبة‬ ‫إشارات‬ ‫المق ّطعات التي يف بِدايات ُّ‬‫شاهدَ يف ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إىل ع ِ‬
‫الغيب‪ ،‬أ ّما نحن‬ ‫ِ‬ ‫اإلخبار عن‬ ‫احلكيم من َّأوله إىل آخ ِره ٌ‬
‫نوع من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬ ‫الباط ِن‬ ‫لامء‬ ‫ُ‬
‫رجع إىل اجلميع‪ ،‬وهلذا ِ‬ ‫فسن ُِش ُري إىل ِق ٍ‬
‫سم أيضا َط ٌ‬
‫بقات‬ ‫الق ِ‬ ‫خيص ال ُعمو َم و َي ِ ُ‬
‫سم منها‪ ،‬إىل الذي ُّ‬ ‫َ‬
‫طبقة واحدة‪ٍ.‬‬
‫كثريةٌ‪ ،‬فسنقصر كالمنا عىل ٍ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫﴿‪  ‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﴾ (الروم‪)60:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫الكريم ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫للرسول‬ ‫الكريم ُ‬
‫يقول‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬
‫ُ‬
‫﴿‪ ‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﴾(الفتح‪،)27:‬‬
‫﴾ (الفتح‪،)28:‬‬ ‫ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹ ﯺ‬ ‫﴿‬
‫﴿ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ * ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ﴾ (الروم‪ ﴿ ،)4-3:‬ﮠ ﮡ‬

‫* ﮣ ﮤ ﴾ (القلم‪ ﴿ ،)6-5:‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ * ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬

‫ﰈ ﰉ ﴾ (الطور‪ ﴿.)31-30:‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ (املائدة‪ ﴿ ،)67:‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬


‫(البقرة‪ ﴿ ،)95:‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫ﯻ ﴾ (البقرة‪ ﴿ ،)24:‬ﭣ ﭤ ﭥ ﴾‬
‫ﯴﯵﯶﯷﯸﯹ﴾ (فصلت‪ ﴿ ،)53:‬ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬

‫ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﴾ (اإلرساء‪ ﴿ ،)88:‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬


‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ (املائدة‪،)54:‬‬
‫﴿ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ (النمل‪،)93:‬‬
‫﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﴾ (امللك‪،)29:‬‬
‫﴿ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ (النور‪.)55:‬‬
‫ِ‬
‫الغيب وقد َت َّق َقت كام َأخ َب َر ْت‪،‬‬ ‫أخبارا ِ‬
‫عن‬ ‫َضم ُن‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ً‬ ‫وأمثال هذه اآليات كثري ٌة جدا َتت َّ‬
‫ِ‬
‫لسان‬ ‫الو ِ‬
‫ثوق‪ ،‬عىل‬ ‫شعر ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبكامل ِ‬ ‫الغيب دون تَر ُّد ٍد‬
‫ِ‬
‫بقوة ُ‬ ‫اجلدِّ واالطمئنان وبام ُي ُ ّ‬ ‫فاإلخبار عن‬
‫ُ‬

‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫ألن ال َعز َم عىل طب ِع‬‫ُوضح هنا ّ‬
‫تفاسري كثريةٌ‪ ،‬فلم ت َّ‬
‫ُ‬ ‫وض َحتها‬ ‫ِ‬
‫الغيب‪ّ ،‬‬ ‫اآليات التي تُنبِئ ُعن‬ ‫ُ‬ ‫(‪ )1‬هذه‬
‫مة ُمق َفل ًة‪( ،‬املؤ ِّلف)‬
‫الكنوز الق ّي ُ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االستعجال‪ ،‬لذا ظ ّلت تلك‬ ‫قديمة عرب ّي ٍة َد َف َع املؤ ِّل َ‬
‫ف إىل خطأ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحروف‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪481‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ٍ‬
‫طفيف‪ُّ ،‬‬
‫يدل‬ ‫فقدُ دعواه لخطأٍ‬
‫ني وانتقاداتِهم‪ ،‬وربام ي ِ‬ ‫املعرت ِض َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرتاضات‬ ‫عر ٌض‬
‫ُ َّ َ‬ ‫َمن هو ُم َّ‬
‫دالل ًة قاطع ًة عىل أنّه يتَل َّقى الدرس من ُأ ِ‬
‫ستاذه األَ َز ِّيل ثم يقو ُله للن ِ‬
‫ّاس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫خرو ّي ِة‬ ‫واحلقائق الكَون ّي ِة واألُ ِ‬


‫مور األُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬ ‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫الغيبي ِ‬
‫عن‬ ‫ُّ‬ ‫إخباره‬
‫ُ‬ ‫الثالث‪:‬‬
‫ُ‬ ‫س‬
‫ ◆الق َب َ ُ‬
‫احلقائق اإلهلي َة‪ ،‬وبياناتِه الكَوني َة التي َفتَح ْت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ط ْل َس َم‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫إن بيانات القرآن التي َت ُّ‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫اإلخبارات الغيبي ِة‪ ،‬ألنه ليس من َش ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عمى َخ ْل ِق‬ ‫ِ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫أعظم‬
‫ُ‬ ‫هلي‬
‫العال َ‬ ‫الكَون وك ََش َفت عن ُم َّ‬
‫ِ‬
‫الضاللة‪ ،‬ف َي ِجدُ‬ ‫ستقيام بني ما ال ُيحدُّ من ُط ُر ِق‬ ‫مكنُه أن يس ُلك سلوكًا م ِ‬ ‫قط‪ ،‬وال ي ِ‬ ‫العقل ُّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫أصغر‬ ‫ـر مل َي ِص ُلوا إىل‬ ‫ِ‬
‫حكامء ال َب َش ِ‬ ‫فإن أعظم د ِ‬
‫هاة‬ ‫معلوم ّ‬ ‫احلقائق الغيب ّي َة‪ ،‬وكام هو‬ ‫َ‬ ‫تلك‬
‫َ ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫احلقائق‬ ‫شك أما َم تلك‬ ‫ستقول بال ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البشـر‬ ‫عقول‬ ‫َ‬ ‫بعقولم؛ ثم ّ‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫احلقائق و َأ ِ‬
‫بسطها‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬
‫الحقائق بعد‬‫َ‬ ‫الكريم‪َ :‬صدَ ْق َت‪ ،‬وستَق َب ُل تلك‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫الكونية التي أظهرها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واحلقائق‬ ‫ِ‬
‫اإلهلية‬
‫ُ‬
‫العقل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واكتامل‬ ‫الر ِ‬
‫وح‬ ‫ِ‬ ‫القلب وتزك َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫استامعها إىل ِ‬ ‫ِ‬
‫قي ُّ‬ ‫النفس‪ ،‬وبعد ُر ِّ‬ ‫بصفاء‬ ‫القرآن‬ ‫بيان‬
‫سم فال‬ ‫الق ِ‬ ‫ُبذ ًة من هذا ِ‬ ‫وض َحت و َأث َبتَت ن َ‬ ‫إن «الكلم َة احلادي َة َع ْشةَ» قد َأ َ‬ ‫وحيث ّ‬‫ُ‬ ‫وست ِ‬
‫ُباركُه‪،‬‬
‫ِ‬
‫للتكرار‪.‬‬ ‫داعي‬
‫َ‬
‫أحوال‬ ‫درك‬ ‫البرش وإن مل ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫عقل‬‫فإن َ‬ ‫ِ‬
‫اآلخرة والربزخِ ‪ّ ،‬‬ ‫الغيبي عن‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫إخبار‬ ‫أ ّما‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫رب ال ُّط ُر ِق التي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فر ِده وال يراها وحدَ ه‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫إل أنه ُيثبِتُها بدَ َرجة الشهود‪ ،‬ع َ‬ ‫بم َ‬ ‫والربزخِ ُ‬
‫َ‬ ‫اآلخرة‬
‫اآلخ ِ‬
‫رة‬ ‫عن ِ‬ ‫الغيبي ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلخبار‬ ‫ِ‬
‫صواب‬ ‫القرآن؛ فراج ِع «الكلم َة العارشةَ» لت ِ‬
‫َلم َس مدى‬ ‫ُ‬ ‫ب َّينها‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫إيضاح‪.‬‬ ‫ووض َحته أ ّيام‬ ‫ُ‬
‫الرسالة َّ‬ ‫الكريم‪ ،‬فقد َأث َبتَت ُه تلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫رب به‬‫الذي أخ َ‬

‫اجلَ ْلو ُة الثاني ُة‬


‫شَبابيّة ُ القرآ ِ‬
‫ن وفُتُـوَّتُه‬

‫َضا َفت ًّيا‪.‬‬‫كل ٍ ِ‬‫حافظ عىل َشباب ّيتِه و ُف ّتوتِه حتى كأنه َي ِنز ُل يف ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫عرص ن ً‬ ‫الكريم قد‬
‫َ‬ ‫القرآن‬ ‫إن‬
‫البرش يف مجيع ال ُع ِ‬
‫صور‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫مجيع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫ب َ‬ ‫أزيل ُياط ُ‬
‫طاب ٌّ‬
‫الكريم ألنه خ ٌ‬
‫َ‬ ‫القرآن‬ ‫إن‬
‫ظه َر شا ًّبا وهو كذلك كام َ‬ ‫ِ‬
‫كان‪،‬‬ ‫تكون له َشباب ّي ٌة دائم ٌة كهذه؛ فلقد َ‬ ‫َ‬ ‫باشا َي َلز ُم أن‬
‫خطا ًبا ُم َ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املختل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حتى إنه َين ُظ ُر إىل ِّ‬
‫األفكار واملتباينة يف الطبائ ِع ً‬
‫نظرا كأنه‬ ‫فة يف‬ ‫العصور‬ ‫عرص من‬ ‫كل‬
‫األنظار‪.‬‬ ‫فق مقت ََضياتِه مل ِّقنًا دروسه م ِ‬
‫لفتًا إليها‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُُ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وو َ ُ‬
‫العرص َ‬ ‫خاص بذلك‬ ‫ٌّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪482‬‬

‫ِ‬
‫القرآن وقوانينَه‬ ‫َهر ُم مث َله‪ ،‬و َتتَغ َّي ُـر وتُبدَّ ُل؛ ّ‬
‫إل ّ‬
‫أن أحكا َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬
‫يب وت َ‬
‫البرش وقوانينَه تَش ُ‬ ‫آثار‬
‫إن َ‬
‫بحيث تَظهر متا َنتُها أكثر ك َّلام مر ِ‬ ‫ِ‬
‫العصور‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َُ َ‬ ‫الثبات والرسوخِ‬ ‫هلا من‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن هذا العرص الذي اغتر ِ‬
‫عرص‬ ‫أي‬ ‫وأصم ُأ ُذنَيه عن سام ِع القرآن َ‬
‫أكثر من ِّ‬ ‫َّ‬ ‫بنفسه‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫القرآن الذي ُي ِ‬
‫اط ُب ُهم بـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إرشاد‬ ‫أحوج ما يكُونُون إىل‬ ‫خاص ًة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫الكتاب منهم ّ‬ ‫وأهل‬ ‫مىض‪،‬‬
‫ِ‬
‫العرص‬ ‫وج ٌه إىل هذا‬
‫اخلطاب ُم َّ‬
‫َ‬ ‫كأن ذلك‬ ‫﴿ ﭫ ﭬ ﴾ ﴿ ﭫ ﭬ ﴾ حتى ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َضم ُن معنًى‪َ :‬‬ ‫ِ‬
‫بالذات إذ إن َ‬
‫احلديثة أيضا!‬ ‫الثقافة‬ ‫أهل‬ ‫لفظ ﴿‪ ‬أهل الكتاب﴾ َيت ّ‬
‫بكل شـدّ ٍة‬
‫أقطار العا َلـم ِّ‬ ‫ِ‬
‫اآلفـاق و َيمأل‬ ‫ِ‬
‫أجـواء‬ ‫دوي يف‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫فالقرآن ُيطل ُق ندا َءه ُي ِّ‬
‫فيقول‪ ..﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وشباب‬ ‫ٍ‬
‫نضارة‬ ‫ِّ‬
‫وبكل‬ ‫وقـو ٍة‬
‫ّ‬
‫ﭲ‪( ﴾..‬آل عمران‪.)64:‬‬

‫أن املدن ّي َة‬


‫إل ّ‬ ‫ِ‬
‫القرآن ّ‬ ‫ِ‬
‫معارضة‬ ‫ِ‬
‫واجلامعات مع أهنم قد َع َج ُزوا عن‬ ‫فمثال‪ّ :‬‬
‫إن األفرا َد‬
‫طورا خمالِ ًفا له‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البشـر ور ّبام الج ِّن أيضا‪ ،‬قد َّات َذت ً‬ ‫ِ‬
‫أفكار بني‬ ‫ُ‬
‫حصيلة‬ ‫ِ‬
‫احلاض َة التي هي‬
‫ِ‬
‫الكريمة‪:‬‬ ‫القرآن يف ِ‬
‫اآلية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعجاز‬ ‫عوى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بس ِ‬ ‫إعجازه ِ‬ ‫وأخذت ت ِ‬
‫فألجل إثبات َد َ‬ ‫حرها؛‬ ‫َ‬ ‫ُعار ُض‬
‫نضع األُ ُس َس‬ ‫ِ‬
‫الرهيب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اجلديد‬ ‫ض‬ ‫الم ِ‬
‫عار ِ‬
‫ُ‬ ‫﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ‪( ﴾..‬اإلرساء‪ )88:‬هلذا ُ‬
‫ِ‬
‫الكريم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫والدساتيـر التي َأتَت هبا المدن ّي ُة احلارض ُة أما َم ُأ ُس ِ‬
‫س‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكلامت‬ ‫واملوازين التي ن ُِص َبت يف‬
‫َ‬ ‫املوازنات التي ُع ِقدَ ت‬
‫ِ‬ ‫نضع‬
‫ُ‬ ‫ ◆ففي الدرجة ِ ال ُأولى‪:‬‬
‫اآليات الكريم َة التي هي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلامسة والعرشين‪ ،‬وكذا‬ ‫ِ‬
‫الكلمة األوىل إىل‬ ‫ِ‬
‫السابقة‪ ،‬ابتدا ًء من‬
‫قني ال‬ ‫ِ‬
‫احلارضة ب َي ٍ‬ ‫وظهوره عىل املدن ّي ِة‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫إعجاز‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكلامت وبداياتُها‪ ،‬تُثبِ ُت‬ ‫حقائق تلك‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫الشك قط ًعا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يقبل‬
‫وض َحتها‬ ‫ِ‬
‫والقرآن التي َّ‬ ‫دساتيـر املدن ّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ ◆وفي الدرجة ِ الثانيةِ‪ :‬ن ِ‬
‫ُور ُد إمجاال ِقسام من‬
‫«الكلمة الثاني َة َع ْشةَ»‪.‬‬
‫ُ‬ ‫و َأثبتَتها‬
‫«القوةُ»‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬ ‫احلياة االجتامع ّي ِة البرش ّي ِة هي‬
‫ِ‬ ‫ُؤم ُن بفلسفتِها ّ‬
‫أن ركيز َة‬ ‫فاملدني ُة احلارض ُة ت ِ‬
‫ّ‬
‫َلتزم بـ«العنرصية»ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تَست ِ‬
‫ّ‬ ‫دستورا للحياة‪ ،‬وت ِ ُ‬ ‫ً‬ ‫«الرصاع»‬
‫َ‬ ‫كل يشء‪ ،‬وتتَّخ ُذ‬ ‫ف «املنفع َة» يف ِّ‬ ‫َهد ُ‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪483‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األهواء‬ ‫رغبات‬ ‫عابث» إلشبا ِع‬ ‫و«القوم ّية السلب ّية» رابط ًة للجامعات‪ ،‬وغايتُها هي ٌ‬
‫«هلو‬
‫ِ‬
‫«املنفعة» هو‬ ‫َ‬
‫وشأن‬ ‫«التجاو ُز»‪،‬‬ ‫«القو ِة» هو‬ ‫أن َ‬
‫شأن‬ ‫حاجات ال َب ِ‬
‫شـر؛ ومن املعلو ِم ّ‬ ‫ِ‬ ‫َزي ِ‬
‫يد‬ ‫وت ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫وشأن «الرصاعِ» هو «التَّصا ُد ُم»‬ ‫َ‬ ‫وتلبية رغباتِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحاجات اجلمي ِع‬ ‫«التزاح ُم»‪ ،‬إذ هي ال ِتفي‬
‫ُ‬
‫حيث تك ُب ُـر بابتال ِع ِ‬
‫غريها‪.‬‬ ‫«التجاو ُز» ُ‬
‫ُ‬ ‫وشأن «العنرص ّي ِة» هو‬‫َ‬

‫الدساتيـر واألُ ُس ُس التي تَستنِدُ إليها هذه املدن ّي ُة احلارض ُة هي التي جع َلتها عاجز ًة‬ ‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫ت البق ّي َة‬‫البرش سعاد ًة ظاهري ًة‪ ،‬بينام أل َق ِ‬
‫ِ‬ ‫‪-‬مع َماسنِها‪ -‬عن أن تَمنَح سوى عرشين ِ‬
‫باملئة من‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وتعاسة و َق َل ٍق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شقاء‬ ‫إىل‬
‫«القو ِة»‪،‬‬
‫ّ‬ ‫احلياة االجتامع ّي ِة بدال من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫استناد يف‬ ‫«احلق» نقط َة‬
‫َّ‬ ‫َقبل‬ ‫ِ‬
‫القرآن فهي ت ُ‬ ‫ُ‬
‫حكمة‬ ‫أما‬
‫دستور‬ ‫«املنفعة»‪ ،‬وتت ِ‬
‫ّخ ُذ‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وجتعل ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫واهلدف‪ ،‬بدال َ‬
‫ُ‬ ‫الغاية‬ ‫الفضائل» هو‬ ‫و«نيل‬ ‫«ر َض اهلل»‬
‫نف‬ ‫ين والص ِ‬ ‫َلتز ُم «رابط َة الدِّ ِ‬‫دستور «الصِّ اعِ»‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلياة‪ ،‬بدال من‬ ‫ِ‬ ‫أساسا يف‬ ‫«التعاو ِن»‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫وجتعل غاياتِـها‬‫ُ‬ ‫اجلامعات‪ ،‬بدال من «العنرص ّي ِة» و«القوم ّي ِة السلب ّي ِة»‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لربط ِ‬
‫فئات‬ ‫والوطن» ِ‬‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ني م ِ‬
‫شاع ِرها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫او ِز‬
‫السامية‬ ‫األمور وتَطم َ َ‬ ‫وح إىل معايل‬ ‫الر ِ‬ ‫ودفع ُّ‬
‫َ‬ ‫األمارة‪،‬‬ ‫النفس‬ ‫«الحدَّ من َت ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان إنسانًا ح ًّقا»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫جلعل‬ ‫ـل ال ُعليا‬‫والم ُث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لس ِ‬
‫نحو الكامل ُ‬ ‫وق اإلنسان َ‬ ‫َ‬
‫«التعاو ِن» هو‬ ‫َ‬
‫وشأن‬ ‫ِ‬
‫«الفضيلة» هو «التَّسانُدُ »‪،‬‬ ‫َ‬
‫وشأن‬ ‫«االت ُ‬
‫ِّفاق»‪،‬‬ ‫«احلق» هو ِ‬‫ِّ‬ ‫إن َش َ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫النفس وك ِ‬
‫َبح‬ ‫َ‬
‫وشأن «إجلا ِم‬ ‫ُف»‪،‬‬ ‫ين» هو «األُ ّ‬
‫خو ُة والتكات ُ‬ ‫وشأن «الدِّ ِ‬
‫َ‬ ‫لآلخ ِر»‪،‬‬‫كل َ‬‫«إغاثة ٍّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الكامل» هو «سعاد ُة الدَّ َار ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين»‪.‬‬ ‫وح وح ِّثها َ‬
‫نحو‬ ‫الر ِ‬
‫جـامحها وإطالق ُّ‬
‫من‬ ‫ِ‬ ‫احلكيم مع ما َأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهكذا ُغ ِلب ِ‬
‫ت المدن ّي ُة‬
‫خذ ْت من َمحاس َن َ‬ ‫القرآن‬ ‫احلاض ُة أما َم‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الكريم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من القرآن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األديان السابقة‪ ،‬والس َّيام َ‬
‫مسائل فحسب من بني ِ‬
‫آالف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫املثال‪ -‬أربع َة‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫ ◆وفي الدرجة ِ الثالثةِ‪ :‬سن ِّ ُ‬
‫ُبي ‪-‬عىل‬
‫ِ‬
‫املسائل‪:‬‬
‫ِ‬
‫األزل‪ ،‬فهي باقي ٌة‬ ‫الكريم وقوانينَه ألهنا ٌ‬
‫آتية من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫دساتيـر‬ ‫املسأل ُة األوىل‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫َ‬
‫ومتوت‪ ،‬بل‬ ‫القوانني املدن ّي ُة‬ ‫َهر ُم‬ ‫َهر ُم أبدا وال ُي ِصي ُبها‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الموت‪ ،‬كام ت َ‬
‫ُ‬ ‫وماضية إىل األبد‪ ،‬ال ت َ‬
‫ٍ‬
‫زمان‪.‬‬ ‫كل‬ ‫هي شا ّب ٌة وقو ّي ٌة دائام يف ِّ‬
‫�‬‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬ ‫‪484‬‬
‫ؤسساتِها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫إن املدن ّي َة ِّ‬
‫بكل َج ْمع ّياتها اخلري ّية‪ ،‬وأنظمتها الصارمة و ُن ُظمها اجل ّبارة‪ ،‬و ُم َّ‬ ‫فمثال‪ّ :‬‬
‫اهنارت أما َم ُهام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُعارض َمسألت ِ‬
‫تستطع أن ت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الرتبو ّي ِة األخالق ّي ِة مل‬
‫الكريم‪ ،‬بل َ‬ ‫القرآن‬ ‫َني من‬
‫ومها يف قولِه تعاىل‪  ﴿ :‬ﮝ ﮞ ﴾ (البقرة‪ )43:‬و ﴿ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﴾‬
‫(البقرة‪.)275:‬‬
‫ِ‬ ‫إن ُأ َّس َأ‬
‫بمقدِّ مة‪ّ :‬‬ ‫ِ‬
‫ساس مجيع‬ ‫القرآين املعج َز وهذه الغالب ّي َة ُ‬
‫َّ‬ ‫الظهور‬
‫َ‬ ‫س ُنبيِّ ُ هذا‬
‫منبع مجي ِع‬ ‫كلمة واحدةٌ‪ ،‬كام ّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنساين إنام هو‬ ‫ِ‬
‫ورات يف املجتمع‬ ‫ِ‬
‫رابات وال َّث‬ ‫اال ِ‬
‫ضط‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اإلعجاز»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«إشارات‬ ‫ِ‬
‫الرذيلة كلم ٌة واحد ٌة أيضا؛ كام ُأثبِ َت ذلك يف‬ ‫ِ‬
‫األخالق‬
‫من اجلوعِ»‪.‬‬
‫وت غريي َ‬ ‫«إن َشبِ ْع ُت‪ ،‬فال َّ‬
‫عيل أن َي ُم َ‬ ‫الكلم ُة األولى‪ْ :‬‬
‫أنت ألست ِ‬ ‫ِ‬
‫يح أنا»‪.‬‬
‫َـر َ‬ ‫ب َ‬ ‫أنت‪ ،‬آلك َُل أنا‪ ،‬وات َع ْ‬
‫ب َ‬ ‫الكلم ُة الثاني ُة‪« :‬اكتَس ْ‬
‫ِ‬
‫القائم بني‬ ‫التواز ِن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫باملحافظة عىل‬ ‫إل‬ ‫العيش بسال ٍم ِ‬
‫ووئا ٍم يف جمتم ٍع ّ‬ ‫ُ‬ ‫نعم‪ ،‬إنه ال ي ِ‬
‫مك ُن‬ ‫ُ‬
‫التواز ِن هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلواص‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫رحمة‬ ‫ُ‬ ‫اخلواص والعوا ِّم‪ ،‬أي بني األغنياء والفقراء؛ و َأ ُ‬
‫ساس هذا‬ ‫ِّ‬
‫للخواص‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫وإطاعة العوا ِّم واحترا ُمهم‬ ‫وش َف َقتُهم عىل العوا ِّم‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫الثانية‬ ‫ُ‬
‫الكلمة‬ ‫والفساد‪ ،‬ود َفع ِ‬
‫ت‬ ‫ِ‬ ‫الخواص إىل ال ُّظ ِ‬
‫لم‬ ‫إن الكلم َة األوىل قد سا َق ِ‬
‫ت‬ ‫فاآلن‪ّ ،‬‬
‫َ َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫لعصور َخ َل ْت‪ ،‬كام هو‬ ‫َ‬
‫واألمان‬ ‫ت البرش ّي ُة الراح َة‬‫قد واحلس ِد والرصاعِ؛ فس ِلب ِ‬ ‫العوام إىل احلِ ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأصحاب‬ ‫القائم بني العاملني‬ ‫ِ‬ ‫اجلسام بالرصا ِع‬‫ُ‬ ‫حوادث َأ ُ‬
‫ور ّبا‬ ‫ُ‬ ‫هرت‬ ‫حيث َظ َ‬
‫العرص‪ُ ،‬‬ ‫يف هذا‬
‫املال كام ال َي َفى عىل َأ ٍ‬
‫حد‪.‬‬ ‫رأس ِ‬ ‫ِ‬

‫باطها‬ ‫وانض ِ‬ ‫نظامها ِ‬ ‫وسائل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬


‫وبكل‬ ‫ساتا األخالق ّي ِة‬ ‫بكل مجع ّي ِاتا اخلري ّي ِة ومؤس ِ‬ ‫فاملدن ّي ُة ِّ‬
‫ُ َّ‬
‫جزت عن أن ت َُض ِّمدَ‬ ‫البرش‪ ،‬كام َع َ‬ ‫ِ‬ ‫َني من‬ ‫ُصل َح بني تَينِ َك الطبقت ِ‬ ‫عجزت عن أن ت ِ‬ ‫ْ‬ ‫الصار ِم‬
‫الغائر ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫َ‬ ‫احلياة البرش ّي ِة‬‫ِ‬ ‫رح ِي‬ ‫ُج َ‬
‫ِ‬
‫الزكاة؛‬ ‫جوب‬‫داوهيا ُبو ِ‬ ‫ذورها‪ ،‬و ُي ِ‬ ‫الكريم فإنه َيق َل ُع الكلم َة األوىل من ُج ِ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫أ ّما‬
‫ُ‬
‫ف عىل‬ ‫اآليات القرآني َة ت َِق ُ‬
‫ِ‬ ‫الرب َا‪ ،‬نعم‪ّ ،‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫بحرمة ِّ‬ ‫داوهيا ُ‬‫ساسها و ُي ِ‬ ‫ويق َلع الكلم َة الثاني َة من َأ ِ‬
‫َ ُ‬
‫ول ممنُوع»؛ وتَأمـر البرشي َة‪َ « :‬أ ِ‬ ‫للرب َا‪« :‬الدُّ ُخ ُ‬ ‫ِ‬
‫َنسدَّ‬ ‫الرب َا لت َ‬
‫أبواب ِّ‬‫َ‬ ‫وصدُ وا‬ ‫ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫باب العا َل ِم قائل ًة ِّ‬
‫خول فِيها‪.‬‬‫القرآن املؤمنِني من الدُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫تالميذ‬ ‫ِ‬
‫احلروب»‪ ،‬وت ِّ‬
‫ُحذ ُر‬ ‫أبواب‬
‫ُ‬ ‫َأما َمكُم‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪485‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫الحكم‬ ‫وحتسب ذلك‬ ‫ِ‬
‫وجات‪،‬‬ ‫الز‬ ‫إن املدن ّي َة احلارض َة ال ت ُ‬
‫َقبل تَعدُّ َد َّ‬ ‫األساس الثاين‪َّ :‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫البرش‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ملصلحة‬ ‫ِ‬
‫للحكمة و ُمناف ًيا‬ ‫القرآين ُمالِ ًفا‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫يكون التَّعدُّ ُد‬ ‫ِ‬
‫الشهوة َل َل ِز َم أن‬ ‫ِ‬
‫قضاء‬ ‫الزواج قاصر ًة عىل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫الحكمة من‬ ‫ِ‬
‫كانت‬ ‫نعم‪ ،‬لو‬
‫أن‬‫جة‪ّ ،‬‬ ‫املتزاو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النباتات‬ ‫ِ‬
‫وبتصديق‬ ‫ِ‬
‫احليوانات‬ ‫ِ‬
‫بشهادة مجيع‬ ‫ثابت حتى‬
‫عكوسا‪ ،‬بينام هو ٌ‬ ‫َم‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫احلاصلة من‬ ‫النسل‪ ،‬أ ّما اللذ ُة‬ ‫ِ‬ ‫وإنجاب‬
‫ُ‬ ‫الزواج والغاي َة منه إنام هي التكا ُث ُـر‬ ‫ِ‬ ‫احلكم َة من‬
‫املهم ِة؛ فام دا َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزواج‬
‫ُ‬ ‫اإلهلية لتأدية تلك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الرحمة‬ ‫متنحها‬ ‫قضاء الشهوة فهي ُأجر ٌة جزئ ّي ٌة ُ‬
‫مك ُن أن‬ ‫شك أن املرأ َة التي ال ي ِ‬ ‫ولبقاء النو ِع حكم ًة وحقيق ًة‪ ،‬فال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النسل‬ ‫ِ‬
‫وإنجاب‬ ‫للتكا ُث ِر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اليأس يف‬ ‫وتدخل ِس َّن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الشهر‬ ‫إل نِ َ‬
‫صف أيا ِم‬ ‫ُون ِخ ْص َب ًة ّ‬ ‫السنة‪ ،‬وال تك ُ‬ ‫ِ‬ ‫مر ًة واحد ًة يف‬
‫إل ّ‬ ‫ت َِلدَ ّ‬
‫ِ‬
‫األوقات‬ ‫ِ‬
‫أغلب‬ ‫ِ‬
‫اإلخصاب يف‬ ‫الرجل الذي له القدر ُة عىل‬ ‫َ‬ ‫تكفي‬ ‫مرها‪ ،‬ال ِ‬ ‫ني من ُع ِ‬‫اخلمس َ‬‫ِ‬
‫هر وال ُف ِ‬
‫حش‪.‬‬ ‫أماك ِن ال ُع ِ‬ ‫تح ِ‬ ‫َضطر المدن ّي ُة إىل َف ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫حتى وهو ابن مئة سنة‪ ،‬لذا ت ُّ‬
‫املنطق العق ‪ ،‬ت ِ‬
‫َنتقدُ اآلي َة الكريم َة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫تتحاكم إىل‬ ‫إن املدن ّي َة التي ال‬ ‫ُ‬
‫الثالث‪ّ :‬‬ ‫األساس‬
‫يلِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املرياث (أي نِ َ‬
‫صف‬ ‫ِ‬ ‫نح النسا َء ال ُث ُل َث من‬
‫﴿ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﴾ (النساء‪ )11:‬التي َت ُ‬
‫َـر)‪.‬‬ ‫يأخذه َّ‬
‫الذك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما‬
‫ب األكثر ّي ِة من‬ ‫حس َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أغلب األحكا ِم يف احلياة االجتامع ّية إنام ت َُس ُّن َ‬ ‫َ‬ ‫البدهيي ّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫ومن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النساء َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُمضطرون‬
‫ُّ‬ ‫الرجال‬ ‫الكثري من‬
‫ُ‬ ‫َهن‪ ،‬بينام‬
‫حمون َّ‬
‫َهن و َي ُ‬‫أزواجا ُيعي ُلون َّ‬
‫ً‬ ‫دن‬‫ي َ‬ ‫الناس‪ ،‬فغالب ّي ُة‬
‫ت األُنثى ال ُث ُل َث من أبيها (أي نِ َ‬
‫صف ما‬ ‫نفقاتن؛ فإذا ما َأ َخ َذ ِ‬
‫ِ َّ‬ ‫َحم ِل‬ ‫ِ‬
‫إىل إعالة َزوجاتم وت ُّ‬
‫ِ‬
‫ني من أبيه‪،‬‬ ‫الرجل ح َّظ ِ‬
‫ُ‬ ‫الزوج من أبيه)‪ ،‬فإن َز ْو َجها س َي ُسدُّ حاجتَها‪ ،‬بينام إذا َ‬
‫أخذ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أخذه‬
‫الرجل ُمساو ًيا ألختِه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حتص ُل المساواةُ‪ ،‬ويك ُ‬
‫ُون‬ ‫ِ‬
‫فإنه س ُينف ُق قس ًطا منه عىل زوجته؛ وبذلك ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ُ (‪)1‬‬ ‫ُ‬
‫العدالة القرآن ّية‪.‬‬ ‫َقتض‬ ‫وهكذا ت ِ‬

‫ِ‬
‫املحكمة‪َ ،‬فأس َكتَتها و َأص َب َحت حاشي ًة‬ ‫حمكمة التمييز‪ُ ،‬أ ِلق َيت أما َم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املرفوعة إىل‬ ‫ِ‬
‫الالئحة‬ ‫من‬
‫(‪ )1‬هذه فقر ٌة َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هلذا املقام‪ :‬وأنا ُ‬
‫احلق بعينه‪،‬‬
‫إهلي وهو ُّ‬ ‫إن إدان َة من ُيفسِّ ُ أقدَ َس دستور ٍّ‬ ‫أقول ملحكمة وزارة العدل! ّ‬
‫حياتم االجتامعي ِة‪ ،‬خالل ألفٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثالث مئة ومخسون مليونا من املسلمني يف كل عرص يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫تك ُم إليه‬‫وي ِ‬‫َ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ثالث مئة ومخسون‬ ‫ُ‬ ‫َّفق عليه وصدَّ ق به‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وثالث مئة ومخسني عاما‪ ،‬هذا املُفسِّ ُ اس َتنَدَ يف تفسريه إىل ما ات َ‬ ‫ِ‬
‫أقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫السابقون يف ألف وثالث مئة ومخسني سن ًة‪ُ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫ألف ُمفسِّ ٍ ‪ ،‬واقتدَ ى بالعقائد التي دان هبا أجدا ُدنا‬
‫َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪486‬‬
‫منع كذلك ِّاتا َذ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫الرابع‪ّ :‬‬
‫يمنع عباد َة األصنا ِم بشدّ ة‪َ ،‬ي ُ‬ ‫الكريم مثلام ُ‬ ‫َ‬ ‫القرآن‬ ‫إن‬ ‫ُ‬ ‫األساس‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َو َر من‬ ‫نوع من تَقليد عبادة األصنا ِم؛ أ ّما املدن ّي ُة احلاض ُة فإنـها َت ُعدُّ ُّ‬ ‫الص َو ِر الذي هو ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫او ُل أن ت ِ‬ ‫وت ِ‬ ‫وفضائلها ُ‬ ‫ِ‬
‫غريها‪،‬‬ ‫الص َو َر أ ًّيا كانت‪ ،‬ظ ِّل ّيـ ًة أو َ‬ ‫أن ُّ‬ ‫واحلال ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫القرآن؛‬ ‫ُعار َض‬ ‫مزاياها‬
‫َدفع‬ ‫حيث تُه ِّي ُج األهوا َء وت ُ‬ ‫ُ‬ ‫متجس ٌم‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫هوى‬ ‫متجسدٌ ‪ ،‬أو ً‬ ‫ِّ‬ ‫تح ِّج ٌر‪ ،‬أو ريا ٌء‬ ‫لم ُم َ‬ ‫فهي إ ّما ُظ ٌ‬
‫واهلوى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫الظلم والرياء َ‬ ‫اإلنسان إىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هن‬ ‫حلرمت َّ‬ ‫بحجاب احلياء‪ ،‬رحم ًة ِهب َّن وصيان ًة ُ‬ ‫ِ‬ ‫بن‬ ‫يأمر النسا َء أن َيحت َِج َ‬ ‫القرآن ُ‬ ‫َ‬ ‫ثم ّ‬
‫إن‬
‫اللطيفة‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املصاد ُر‬ ‫والرأفة‪ ،‬وتلك‬‫ِ‬ ‫الش َف ِ‬
‫قة‬ ‫معاد ُن َّ‬ ‫الثمينة ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫املعاد ُن‬ ‫وكرا َم ِته َّن‪ ،‬ولكي ال تُهان تلك‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرذيلة و ُمتع ًة تافه ًة‬ ‫هلوسات‬ ‫ُن آل ًة‬ ‫الذ ِّل واملهانة‪ ،‬ولكي ال َيك َّ‬ ‫حتت أقدا ِم ُّ‬ ‫والرمحة‪َ ،‬‬ ‫للحنان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أخرجت النسا َء من َأ ْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال قيم َة هلا؛(‪ )1‬أ ّما املدن ّي ُة فإهنا قد‬
‫هن‬ ‫وبيوت َّن و َم َّز َقت حجا َب َّ‬ ‫هن‬
‫كار َّ‬
‫وم باملح ّب ِة واالحرتا ِم املتبا َد ِل‬ ‫أن احليا َة العائل ّي َة إنام تدُ ُ‬ ‫بالبرشية أن ُي َج َّن جنونُها‪ِ ،‬علام ّ‬ ‫ِ‬ ‫وأ َّدت‬
‫زيالن تلك املح ّب َة اخلالص َة واالحرتا َم اجلا َّد‬ ‫ِ‬ ‫والتبـر ُج ُي‬ ‫ف‬
‫التكش ُ‬ ‫ُّ‬ ‫والزوجة‪ ،‬بينام‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزوج‬ ‫بني‬
‫ُّ‬
‫هد ُمها ك ِّليـًّا‪ ،‬ويؤ ِّدي‬ ‫األخالق وي ِ‬ ‫امن احليا َة العائلي َة‪ ،‬والسيام الو َلع بالصو ِر فإنه ي ِ‬ ‫ويسم ِ‬
‫َ َ‬ ‫فسدُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ُّ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫فهم هذا باآليت‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫وح وتردِّهيا‪ ،‬و ُيمك ُن ُ‬ ‫إىل انحطاط ُّ‬
‫َنتظر الرحم َة وتَرجوها‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫كام ّ‬
‫يهدم‬ ‫ُ‬ ‫اهلوى وبشهوة إىل جنازة امرأة حسنا َء ت ُ‬ ‫النظر بداف ِع َ‬ ‫أن َ‬
‫ات‬ ‫نساء حي ٍ‬‫ٍ‬ ‫تات أو إىل ُص َو ِر‬ ‫نساء مي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بشهوة إىل ُص َو ِر‬ ‫ٍ‬ ‫النظر‬ ‫األخالق و َي ُح ُّطها‪ ،‬كذلك‬ ‫َ‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫وي ِد ُمها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫زعز ُع مشاع َر اإلنسان و َيع َب ُث هبا‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫هلن‪ُ -‬ي ِ‬ ‫ٍ‬
‫جنائز ُمص ّغرة َّ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬وهي يف ُحكم‬

‫َضم ُن سعاد َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مسألة من ِ‬‫ٍ‬ ‫فإن َّ‬


‫ثل هذه املسائل األرب ِع ّ‬ ‫وهكذا ِ‬
‫بم ِ‬
‫املسائل القرآن ّية ت َ‬ ‫آالف‬ ‫كل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫املسائل عىل‬ ‫سائر‬
‫يس َ‬ ‫البشـر يف الدنيا‪ ،‬كام ُت ِّق ُق سعادتَه األبد ّي َة يف اآلخرة‪ ،‬ف َل َك أن تق َ‬
‫املسائل املذك ِ‬
‫ُورة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القرآن املتع ِّل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫بحياة‬ ‫قة‬ ‫دساتري‬ ‫ب أما َم‬ ‫أن املدن ّي َة احلاض َة َت َ ُ‬
‫س وتُغ َل ُ‬ ‫وأيضا‪ ،‬فكام ّ‬

‫ِ‬
‫األرض‪،‬‬ ‫العدالة‪ ،‬إن كانت هناك عدال ٌة عىل ِ‬
‫وجه‬ ‫ُ‬ ‫ظالـم البدَّ أن تَر ُف َضه‬ ‫قرار‬ ‫الـمفس ِ‬ ‫إن إدان َة هذا‬
‫ّ‬
‫ٌ‬ ‫ـر ٌ‬ ‫ِّ‬
‫بح ِّقه وت َُنق َضه‪( ،‬املؤلف)‬ ‫ِ‬
‫كم الصاد َر َ‬ ‫الـح َ‬
‫والبدّ أن ت َُر َّد ذلك ُ‬
‫ِ‬
‫احلجاب‬ ‫فع‬ ‫ِ‬ ‫إن اللمع َة الرابع َة والعرشين تُثبِ ُت بقطع ّي ٍة تا ّم ٍة ّ‬‫(‪ّ )1‬‬
‫فطري جدا للنساء بينام َر ُ‬
‫ٌّ‬ ‫أمر‬
‫احلجاب ٌ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ينايف فِ َ‬
‫طرت َّن‪( ..‬املؤلف)‬
‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪487‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫فإن‬ ‫املعنوي‪ ،‬كذلك ّ‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫إعجاز‬ ‫ِ‬
‫احلقيقة‪ -‬إزا َء‬ ‫ِ‬
‫زاوية‬ ‫إفالسها ‪-‬من‬ ‫ظه ُر‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫االجتامع ّية‪ ،‬ف َي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املواز ِنة بينها وبني‬ ‫وح املدن ّي ِة) عند‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫حكمة‬ ‫َ‬ ‫البشـر (التي هي ُر ُ‬ ‫ور َّبا وحكم َة‬ ‫فلسف َة َأ ُ‬
‫عجزةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القرآن م ِ‬ ‫ُ‬
‫وحكمة‬ ‫رت عاجز ًة‬ ‫ِ‬
‫السابقة‪َ ،‬ظ َه ْ‬ ‫والعرشين‬ ‫مس‬ ‫ِ‬
‫الكلامت اخلَ ِ‬ ‫ِ‬
‫بموازين‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الفلسفة‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫عجز‬
‫َلم َس َ‬ ‫شئت فراج ِع «الكلم َة احلادي َة َع ْشةَ» و«الثاني َة َع ْشةَ» لت ِ‬ ‫وإن َ‬
‫وغناها‪.‬‬‫القرآن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫وإعجاز‬
‫َ‬ ‫وإفالسها‬
‫َ‬
‫لم ِّي وال َع َميلِّ ‪،‬‬ ‫الع ِ‬‫القرآن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫ِ‬
‫إعجاز‬ ‫أن المدن ّي َة احلارض َة ُغ ِل َب ْت أما َم‬ ‫وأيضا‪ ،‬فكام ّ‬
‫والنسبة بينَهام أشب ُه‬‫ُ‬ ‫القرآين وبالغتِه؛‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫األدب‬ ‫آداب املدن ّي ِة و َبالغتُها فهي َمغلوب ٌة أما َم‬ ‫كذلك ُ‬
‫عاشق َع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫زن القاتِ ُم‬ ‫تكون بب ِ‬
‫فيف‬ ‫ٍ‬ ‫إنشاد‬ ‫واليأس ِ‬
‫املر ُير‪ ،‬إىل‬ ‫ُ‬ ‫الح ُ‬
‫لؤه ُ‬ ‫يتيم َف َقدَ َأ َبويه ُبكا ًء ِم ُ‬
‫كاء ٍ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ما‬
‫نسبة ُصراخِ ِس ِّك ٍير َيتَخ ّب ُط‬ ‫واألمل‪ ..‬أو ُ‬ ‫ُ‬ ‫الش ُ‬
‫وق‬ ‫لؤه َّ‬ ‫األمد ِغنا ًء ِم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصير‬ ‫حزين عىل ٍ‬
‫فراق‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫واألموال وبلو ِغ‬ ‫ذل ال َغوايل من األن ُف ِ‬
‫س‬ ‫سافل‪ ،‬إىل قصائدَ محاس ّي ٍة ت َُح ُّض عىل َب ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يف وض ٍع‬
‫األسلوب‪ ،‬إما ي ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الفرح‪،‬‬
‫َ‬ ‫زن وإ ّما‬ ‫الح َ‬‫ورثان ُ‬ ‫ِ ّ ُ‬ ‫تأثري‬
‫حيث ُ‬ ‫ُ‬ ‫ألن األ َد َب والبالغ َة من‬ ‫النصـر‪ّ ،‬‬
‫والحزن نفسه ِق ِ‬
‫سامن‪:‬‬ ‫ُ ُ‬
‫ٌ‬
‫حزن‬ ‫واألخل ِء‪ ،‬وهو‬
‫ّ‬ ‫وجود األح ّب ِة‬‫ِ‬ ‫نبع ٌث من َف ْق ِد األح ّب ِة‪ ،‬أي من عد ِم‬
‫زن م ِ‬
‫إ ّما أنه ُح ٌ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫امللو ُثة‬ ‫م ِ‬
‫بالطبيعة؛ وإ ّما أنه‬ ‫بالغفلة واملعتقد ُة‬ ‫واملشوبة‬ ‫بالضاللة‬ ‫كئيب تور ُثه المدن ّي ُة َّ‬
‫ٌ‬ ‫ظل ٌم‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ولكن فرا َقهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ناشئ من ف ِ‬
‫يبعث عىل حزن ين ُُّم‬ ‫َّ‬ ‫وجو ُدون‪،‬‬‫أن األح ّب َة َم ُ‬
‫راق األح ّبة‪ ،‬بمعنى ّ‬ ‫ٌ‬
‫املنري‪.‬‬ ‫ُ ِ‬ ‫احلزن هو الذي ِ‬
‫يور ُثه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫عن َل ِ‬
‫القرآن اهلادي ُ‬ ‫االشتياق‪ ،‬فهذا‬ ‫وعة‬
‫أما ال َفرح والسور فهو أيضا ِق ِ‬
‫سامن‪:‬‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ّ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫أدب م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امئي‬ ‫آداب املدن ّية من ٍ َ َ‬
‫رسح ٍّي وسين ٍّ‬ ‫شأن ِ‬‫شهواتا‪ ،‬هذا هو ُ‬ ‫النفس إىل‬
‫َ‬ ‫األو ُل‪َ :‬ي ُ‬
‫دفع‬ ‫ّ‬
‫ور ِ‬
‫وائ ٍّي‪.‬‬ ‫ِ‬

‫وح‬‫الر َ‬ ‫ُّ‬ ‫النفس و ُي ِ‬


‫ِ‬ ‫لطيف بري ٌء نـزي ٌه‪َ ،‬يك َب ُح ِج َ‬ ‫ّأما الثاني‪ :‬فهو َف َر ٌح‬
‫وحيث ُّ‬ ‫لج ُمها‬ ‫اح‬ ‫ٌ‬
‫األبدي‪ ،‬عىل َأح ّبتِ ِه ُم‬
‫ِّ‬ ‫هم‬‫قر ُ‬ ‫هم األصيلِّ ‪ ،‬عىل َم ِّ‬
‫ِِ‬ ‫َ‬
‫والعقل والسِّ َّ عىل املعايل وعىل َموطن ُ‬ ‫والقلب‬
‫َ‬
‫شو ُقه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫األُ ِ‬
‫رش و ُي ِّ‬ ‫املعجز البيان الذي َي ُح ُّض ال َب َ‬ ‫ُ‬ ‫القرآن‬ ‫ني؛ وهذا ال َف َر ُح هو الذي َي ُ‬
‫منحه‬ ‫خرو ِّي َ‬
‫رؤية ِ‬
‫مجال اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫والسعادة األبدي ِة وعىل ِ‬
‫ِ‬ ‫للجن ِّة‬
‫ّ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪488‬‬
‫العظيم‬
‫َ‬ ‫أن املعنى‬ ‫ِ‬
‫النظر ّ‬ ‫الفهم وممن ال ُيك ِّلفون أن ُف َسهم ِد ّق َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قارصي‬ ‫بعض‬‫َوه َم ُ‬
‫ولقد ت ّ‬
‫الكريمة‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬ ‫ُ‬ ‫ُبـرى التي ت ُِفيدُ ها ُ‬
‫اآلية‬ ‫واحلقيق َة الك َ‬
‫ظنُّوها‬ ‫ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﴾‬
‫(اإلرساء‪)88:‬‬

‫وصور ٌة ممكن ٌة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ور ًة حمال ًة و ُمبا َلغ ًة بالغ ّي ًة! َ‬
‫يـن احلقيقة‪ُ ،‬‬
‫بالغة هي َع ُ‬ ‫حاش هلل! بل إهنا‬ ‫ُص َ‬
‫وليست حمال ًة ُّ‬
‫قط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وواق ٌ‬
‫عة َ‬
‫اإلنس ِ‬
‫واجل ُّن الذي مل َي َّ‬ ‫أمجل ما يقو ُله‬
‫اجتمع ُ‬ ‫الصور ِة هو أنه ِ‬ ‫ِ‬
‫رتشح‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لو‬ ‫فأحدُ وجوه تلك ُّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫ظهر مثي َله‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قط ولن ُيامث َله‪ ،‬لذا مل َي َ‬
‫القرآن ُّ‬
‫َ‬ ‫من القرآن وال هو من َمتاعه‪ ،‬فال ُيامث ُل‬
‫ِ‬
‫أفكار‬ ‫نتائج‬ ‫واآلداب األجنب ّي َة التي هي‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة‬ ‫أن املدن ّي َة وحكم َة‬
‫اآلخ ُر‪ّ :‬‬
‫والوج ُه َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫العجز أمام أحكا ِم القرآنِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلنس وحتى الشياط ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ َ‬ ‫ُ‬
‫وحصيلة أعاملم‪ ،‬هي يف َد َركات‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫اجل ِّن‬
‫وحكمتِه وبالغتِه‪ ،‬كام قد ب ّينا أمثِل ًة منها‪.‬‬

‫اجلَلو ُة الثالثة‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫كل طبقة ٍ من ط‬
‫َبقات النا ِ‬ ‫ِ‬
‫خطابُه َّ‬
‫عرص من ال ُع ِ‬
‫صور‪ ،‬وكأنّه‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫البرش يف ِّ‬ ‫ِ‬
‫طبقات‬ ‫ٍ‬
‫طبقة من‬ ‫ب َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫احلكيم ُياط ُ‬
‫َ‬ ‫القرآن‬ ‫إن‬
‫مجيع بني آد َم‬ ‫يدعو‬
‫القرآن ُ‬ ‫ُ‬ ‫لما كان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫خاصا إىل تلك الطبقة بالذات‪ ،‬إذ ّ‬ ‫ًّ‬ ‫َوج ًها‬ ‫توج ٌه ت ُّ‬‫ُم ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أسمى العلو ِم وأد ُّقها‪ ،‬وإىل معرفة اهلل التي هي َأ َ‬
‫وس ُع‬ ‫بطوائفهم كا ّف ًة إىل اإليامن الذي هو َ‬
‫تنوعا‪ ،‬فمن األلز ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأكثرها ً‬ ‫ُ‬ ‫املعارف‬ ‫وأنورها‪ ،‬وإىل األحكا ِم اإلسالمية التي هي ُّ‬
‫أهم‬ ‫ُ‬ ‫العلوم‬
‫الدرس واحدٌ ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واحلال ّ‬
‫أن‬ ‫وكل طائ َف ٍة من الناس درسا ي ِ‬
‫ناس ُبهم؛‬ ‫كل نَو ٍع َّ‬ ‫إذن أن ُيل ِّقن َّ‬
‫َ‬ ‫َ ً ُ‬
‫ٍ‬
‫طائفة من‬ ‫نفسه‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬ ‫الدرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفهم يف‬ ‫ٍ‬
‫طبقات من‬ ‫ِ‬
‫وجود‬ ‫وليس ُم ِتل ًفا‪ ،‬فالبد إذن من‬
‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مشاهد‬ ‫شه ٍد من‬ ‫ِ‬ ‫تأخذ ح َّظها من‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الدرس من َم َ‬ ‫درجاتا‪-‬‬ ‫ب‬‫‪-‬حس َ‬ ‫َ‬ ‫الناس‬
‫ِ‬
‫باإلشارة إىل‬ ‫ِ‬
‫فنكتفي‬ ‫احلقيقة‪ِ ،‬‬
‫يمكن مراجعتُها‪ ،‬أ ّما هنا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫كثرية هلذه‬ ‫ٍ‬
‫بأمثلة‬ ‫ولقد وا َفينا‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حظ ٍ‬
‫طبقة أو َطبقت ِ‬ ‫ٍ‬
‫أجزاء منها‪ ،‬وإىل ِّ‬ ‫بض ِع‬
‫فح ْس ُ‬
‫الفهم َ‬ ‫َني منها من‬

‫قو ُله تعاىل‪ ﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ * ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﴾ (االخالص‪)4-3:‬‬ ‫فمثال‪:‬‬


‫��� � �‬ ‫� � � � � � ‬
‫‪489‬‬ ‫�������� ���� ���������� ��������� ‪� � ���������������� � -‬‬‫�‬
‫عن الوالِ ِد‬
‫نـز ٌه ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقة العوا ِّم التي تُشك ُِّل األكثر ّي َة املطلق َة هو ّ‬ ‫فه ِم‬ ‫فإن َّ‬
‫«أن اهلل ُم َّ‬ ‫حظ ْ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫واألقران»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الزوجة‬ ‫والو َل ِد وعن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واملالئكة‪،‬‬ ‫ألوهية عيسى عليه السالم‬ ‫توسطة من الفه ِم هو ُ‬
‫«نفي‬ ‫خرى ُم ِّ‬ ‫وحظ طبقة ُأ َ‬‫ُّ‬
‫ُون‬ ‫الظاهر‪ ،‬لذا فالبدَّ أن يك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املحال ال فائد َة منه يف‬ ‫وكل ما هو من شأنِه التو ُّلدُ » ّ‬
‫ألن نفي‬ ‫ِّ‬
‫نفي الو َل ِد والوالِد ّي ِة‬ ‫ِ‬
‫البالغة؛ فاملرا ُد من ِ‬ ‫قر ٌر يف‬
‫كم كام هو ُم ّ‬‫الح ِ‬ ‫الزم ُ‬
‫المرا ُد إذن ما هو ُ‬
‫وبيان‬‫ُ‬ ‫وكفؤ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫كل َمن له ولدٌ ووالِدٌ‬‫نفي األلوه ّي ِة عن ِّ‬ ‫ِ‬
‫خصائص اجلسامنية هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ين هلام‬‫اللذ ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫كل‬‫مك ُن أن ت ُِفيدَ َّ‬
‫اإلخالص ي ِ‬
‫ِ ُ‬ ‫أن سور َة‬‫ـن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عد ِم لياقتهم لأللوه ّية‪ ،‬فمن هذا ِّ‬
‫الرس تَب َّي َ‬
‫كل ٍ‬
‫وقت‪.‬‬ ‫يف ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫رابطة تتع ّل ُق‬ ‫أن اهلل ُم َّنز ٌه عن ِّ‬
‫أكثر تقدُّ ًما هو ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬
‫باملوجودات ت َُش ُّم‬ ‫كل‬ ‫وحظ فه ِم طبقة َ‬
‫س؛ وإنام عالقتُه‬ ‫ومانِ ٍ‬
‫ني ُ‬ ‫رشيك و ُم ِع ٍ‬
‫ٍ‬ ‫التوليد والتو ُّل ِد‪ ،‬وهو ُمقدَّ ٌس عن ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رائحة‬ ‫منها‬
‫ِ‬
‫األزلية‬ ‫بأمر ﴿ ﯠﯡ ﴾ بإرادتِه‬ ‫ِ‬
‫املوجودات ِ‬ ‫ِ‬
‫باملوجودات هي اخلالق ّي ُة‪ ،‬فهو ُ‬
‫خيلق‬
‫بغري‬ ‫ِ‬
‫والصدور ِ‬ ‫ِ‬
‫واالضطرار‬ ‫ِ‬
‫كاإلجياب‬ ‫َ‬
‫الكمال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫رابطة تنايف‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫وباختياره‪ ،‬وهو ُم َّنز ٌه عن ِّ‬
‫ٍ‬
‫اختيار‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وحظ فهم ٍ‬‫ُّ‬
‫ُفؤ‪،‬‬ ‫أبدي‪ّ ،‬أو ٌل وآخ ٌر‪ ،‬ال َ‬
‫نظير له وال ك َ‬ ‫طبقة أعىل من هذه هو‪ّ :‬‬
‫أن اهلل أز ٌّيل‪ٌّ ،‬‬
‫جهة كانت‪ ،‬ال يف ذاتِه وال يف صفاتِه وال يف أفعالِه؛ وإنام‬
‫أية ٍ‬
‫ثال يف ِ‬
‫مثيل وال ِم َ‬
‫وال شبي َه‪ ،‬وال َ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫املثل األَ َ‬
‫«الم َثل» ‪-‬وهلل ُ‬
‫فح ْس ُ‬
‫عل‪ -‬الذي ُيفيدُ التشبي َه يف أفعاله وشؤونه َ‬ ‫هناك َ‬
‫أمثال ِ‬
‫طبقة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلدراك‪ ،‬من‬ ‫املختل ِ‬
‫فة يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلظوظ‬ ‫أصحاب‬ ‫ِ‬
‫الطبقات‬ ‫يس عىل هذه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫فلك أن تَق َ‬
‫ِ‬
‫وغريهم‪..‬‬ ‫وطبقة الصدِّ ِيق َ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫العاش ِق َ‬
‫ني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وطبقة‬ ‫فني‬ ‫ِ‬
‫العار َ‬
‫﴿ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﴾ (األحزاب‪)40:‬‬ ‫ُ‬
‫املثال الثاين‪ :‬قو ُله تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬
‫الرسول ﷺ و ُمتَبنّا ُه و ُمخا َط َبه‬ ‫خاد َم‬ ‫أن زيدا(*) ِ‬ ‫الطبقة األُوىل من هذه ِ‬
‫اآلية هو‪ّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫فحظ فه ِم‬
‫الرسول ﷺ‬‫ُ‬ ‫فتزوجها‬
‫َ‬ ‫حس أنه ليس ُك ْف ًئا هلا‪،‬‬ ‫بـ‪« :‬يا ُبني»‪ ،‬قد ط ّل َق زوجتَه العزيز َة بعدما َأ َّ‬
‫النبي ﷺ إذا خاط َبكُم خماطب َة ِ‬
‫األب‬ ‫ِ‬
‫املناسبة) ُ‬ ‫ِ‬
‫(الناز ُلة هبذه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫تقول‪ :‬إن َّ‬ ‫فاآلية‬ ‫بأمر اهلل تعاىل؛‬
‫الشخيص حتى‬ ‫ِ‬
‫باعتباره‬ ‫ألحد منكم‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫الرسالة‪ ،‬إذ هو ليس أ ًبا‬ ‫حيث‬‫اط ُبكم من ُ‬ ‫البنِه‪ ،‬فإنه ُي ِ‬
‫ِّ‬
‫تليق به زوجاتُه‪.‬‬‫ال َ‬
‫ ا �ل��ك�ل�م�ا ت‬
‫�‬ ‫‪490‬‬
‫ِ‬
‫الرحيم‪ ،‬فإن‬ ‫نظر ِ‬
‫األب‬ ‫ِ‬
‫الثانية هو‪ّ :‬‬ ‫ِ‬
‫الطبقة‬ ‫وحظ فه ِم‬ ‫ُّ‬
‫ينظر إىل َرعاياه َ‬ ‫العظيم ُ‬ ‫َ‬ ‫األمري‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫األب وشفقتَه أضعا ًفا‬ ‫ِ‬ ‫تفوق رحم َة‬ ‫فإن رمحتَه َس ُ‬ ‫والباطن ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظاهر‬ ‫كان سلطانا ُروحان ًّيا يف‬
‫وحيث ّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن‬ ‫وكأنُم أوال ُده احلقيق ّيون‪،‬‬ ‫لألب ّ‬ ‫نظرهم‬ ‫ضاعف ًة‪ ،‬حتى تن ُظ َر إليه أفرا ُد الرع ّية َ‬ ‫ُم َ‬
‫ٍ‬
‫بسهولة‬ ‫تحو ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النظر َة إىل ِ‬
‫والنظر إىل البنت ال َي ّ‬ ‫َ‬ ‫الزوج‪،‬‬ ‫النظر إىل‬ ‫ب إىل‬ ‫األب ال ُيمك ُن أن تَنقل َ‬
‫ببنات املؤمنِني استنا ًدا إىل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسول ﷺ‬ ‫َزو ُج‬ ‫ِ‬
‫فكر العا ّمة ت ُّ‬ ‫يوافق يف ِ‬ ‫الزوجة‪ ،‬فال ُ‬ ‫ِ‬ ‫النظر إىل‬ ‫ِ‬ ‫إىل‬
‫الرمحة والش َف َق ِة من‬‫ِ‬ ‫نظر‬‫ينظر إليكم َ‬ ‫الرسول ﷺ ُ‬ ‫َ‬ ‫اط ُبهم قائال‪ّ :‬‬
‫إن‬ ‫فالقرآن ُي ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرس‪ ،‬لذا‬ ‫هذا ِّ‬
‫النبوةُ‪ ،‬ولكنّه ليس أ ًبا لكُم‬ ‫احلنون من ُ‬‫ِ‬ ‫عام ُلكُم ُمعامل َة ِ‬ ‫اإلهلية‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيث ّ‬ ‫األب‬ ‫ُ‬ ‫الرمحة‬ ‫زاوية‬
‫َزو َجه من بناتِكم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حيث الشخص ّي ُة اإلنسان ّي ُة حتى ال ُيالئ َم ت ُّ‬ ‫من ُ‬
‫ِ‬ ‫أل ت ِ‬ ‫الثالث يفهم اآلي َة هكذا‪ :‬ي ِ‬
‫والذنوب اعتامدا‬
‫َ‬ ‫السيئات‬ ‫َرتكبوا‬ ‫نبغي عليكم ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫القسم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ين َيعتمدُ ون عىل‬ ‫ِ‬ ‫الكريم ﷺ عليكُم وانتسابِكُم إليه‪ ،‬إذ إن هناك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عىل ِ‬
‫الكثري َ‬ ‫رأفة الرسول‬
‫يت صالتُنا»‬ ‫والعمل‪ ،‬بل يقولون أحيانا‪« :‬قد ُأ ِّد ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبادة‬ ‫تكاس ُلون ِ‬
‫عن‬ ‫ِ ِ‬
‫ساداهتم و ُمرشدهيم ف َي َ‬
‫ِ‬
‫الشيعة!)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫احلال لدى‬ ‫(كام هو ُ‬
‫ِ‬
‫الرسول ﷺ ال‬ ‫اآلية وهي ّ‬
‫أن أبنا َء‬ ‫إن ِقسام آخر يفهم إشار ًة غيبي ًة من ِ‬ ‫النكتة الرابعة‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وم نس ُله من ُ‬ ‫اه ُم اهلل َ‬ ‫مبلغ الر ِ‬
‫كونم رجاال‪،‬‬‫حيث ُ‬ ‫قبل ذلك‪ ،‬فال يدُ ُ‬ ‫جال‪ ،‬وإنام َيتَو ّف ُ‬ ‫َيب ُل ُغون َ ِّ‬
‫ِ‬
‫النساء‬ ‫وم نس ُله من‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫يشري إىل أنه َسيدُ ُ‬
‫فلفظ «رجال» بالتحديد ُ‬ ‫حلكمة يراها سبحانه وتعاىل؛‬
‫ِ‬
‫الزهراء ريض اهلل عنها‬ ‫َ‬
‫املبارك من فاطم َة‬ ‫ب‬ ‫الرجال‪ ..‬فل ّله احلمدُ واملن ُّة فإن الن َ‬ ‫ِ‬
‫َّسل الط ِّي َ‬ ‫دون‬
‫َني نوران ّيت ِ‬ ‫لس ِ‬
‫لسلت ِ‬ ‫ران ِ‬‫دران المنو ِ‬ ‫ني ريض اهلل عنهام ومها الب ِ‬ ‫حل َس ِ‬
‫َني‪ُ ،‬يديامن ذلك‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ‬ ‫حل َس ِن وا ُ‬ ‫كا َ‬
‫النبو ِة‪.‬‬
‫لشمس ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واملعنو َّي)‬ ‫َ‬
‫املبارك (املا ِّد َّي‬ ‫َ‬
‫النسل‬
‫آ‬ ‫َّ َّ ّ‬
‫صل عليه وعىل � ِل‪.‬‬ ‫الل ِ‬
‫ِ‬
‫الثالثة)‪.‬‬ ‫علة األوىل بأش ّعتِها‬ ‫الش ُ‬ ‫ت ُّ‬‫(مت ِ‬
‫ّ‬
‫��‬
‫������������� ����� �����‬ ‫� � � �� � � ‬
‫�‬
‫‪491‬‬ ‫�������� ��� ���������� ��������� ‪� � � � -‬‬‫�‬

‫الشعل ُة الثانية‬
‫ُّ‬
‫شعلة ُ لها ثلاثة ُ أنوا ٍر‬
‫هذه ال ُّ‬

‫األول‬
‫النور ّ‬
‫ب‬ ‫والتناس َ‬
‫ُ‬ ‫ني‬‫الفائق َة والتسانُدَ املتِ َ‬
‫الرائق َة والسالم َة ِ‬
‫َّ َ‬
‫القرآن الكريم قد مجع السالس َة ِ‬
‫َ َّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫ومقاص ِدها‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآليات‬ ‫الرفيع بني‬
‫َ‬ ‫والتجاو َب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وهيئاتا‪،‬‬ ‫جل َم ِل‬ ‫القوي بني ا ُ‬
‫َّ‬ ‫والتعاو َن‬
‫ُ‬ ‫ني‬
‫الرص َ‬ ‫ِ‬
‫ـخ َش ِّي‬ ‫كالز َم ْ‬‫أئم ِة هذه العلو ِم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وعلم املعاين وشهادة ُألوف من ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البيان‬ ‫بشهادة ِع ِ‬
‫لم‬ ‫ِ‬
‫ت ُّل بذلك‬ ‫أسباب مهم ٍة ُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أن هناك ما ُي ِ‬
‫قار ُب تسع َة‬ ‫رجان‪ ،‬مع ّ‬ ‫جل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والسك ِ‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫القاهر ا ُ‬ ‫وعبد‬ ‫ّاك ِّي‬ ‫َّ‬
‫والسالمة؛ فلم تُؤ ِّثر تلك األسباب يف اإلفسادِ‬ ‫ِ‬ ‫والتساند والسالسةِ‬ ‫ِ‬ ‫ب والتعاونِ‬ ‫التجاو ِ‬

You might also like