Professional Documents
Culture Documents
جاء في آخر مقالي “لماذا نحب ابن تيمية”؟ :وقال العالمة شبلي النعماني“ :إن التأليف عن حياة اإلمام ابن تيمية لفريضة أولى ،سقط
الغزالي والرازي من عيني بعد أن اطلعت على هذا الرجل”.
فعلق على ذلك شيخنا الجليل مجد بن أحمد مكي“ :في كالم العالمة شبلي النعماني غلو ظاهر وتعسف وعصبية البن تيمية رحمه هللا
تعالى وهو رد فعل لغلو المتعصبين على ابن تيمية ،واإلنصاف عزيز”.
وعلق عليه شيخنا الكريم أحمد عاشور“ :إن كان العالمة شبلي النعماني بلفظ :سقط فالن وفالن من عيني ،أو أراد أن منزلتهما العليا في
نفسه انخفضت بالنسبة إلى حلول من ذكره في نفسه درجة أعلى منها فصارت المنزلة العليا في نفسه له دونهما فيكون سقوطهما بالنسبة
إليها وبهذا المعنى ال بما قد يتبادر إلى بعض األذهان من سقوطهما الملغي لرفعتهما Hبالكلية!”.
فعلق الشيخ مجد على كالم الشيخ أحمد بقوله“ :من حقق علوم النظر قطع بأن ابن تيمية ال يلحق مثل الغزالي وال يكاد ،نعم هو أرفع منه
في علوم األثر فلو قيد النعماني كالمه بذلك ألنصف”.
فرأيت أنه من ظلم شبلي أن يحكم الناس عليه بنا ًء ا على كلمة منه مقتضبة ،وما أحسن ما قاله العالمة حميد الدين الفراهي في كتابه “فاتحة
تفسير نظام القرآن” … ” :وربما نقلوا األقوال من غير استيعاب الدالئل ،فهذا ظلم على قائله ،وظلمة على من يسمعه” ص ،39ومن ثم
استحسنت أن أعرض تطور فكرة العالمة شبلي النعماني عن اإلمام ابن تيمية رحمهما هللا ،وتأثيره في العالمة السيد سليمان الندوي
ومفكر اإلسالم أبي الحسن علي الحسن الندوي رحمهما هللا تعالى ،فال نقترف جريمة ظلم شبلي النعماني.
كان علماء الحنفية في القديم متبعين لمذهب أبي منصور الماتريدي ،حتى إن ابن األثير كتب في حوادث سنة ست وستين وأربع مائة:
“وهذا مما يستظرف أن يكون حنفي أشعريا” ،ومال العلماء المتأخرون من الحنفية إلى مذهب األشاعرة ،وذلك بتأثير اإلمامين الغزالي
والرازي ،ولكن شبلي لم يرض بهذا المنهج التقليدي ،فرد على األشاعرة أخطاءهم ،وقبل من الماتريدية ما وافق الصواب من آرائهم.
وأشاد في كتاباته بفضل اإلمام ابن تيمية رحمه هللا تعالى ،ونوه بانتقاداته للفالسفة والمتكلمين ،يقول شبلي“ :اضطلع ابن تيمية من علم
الكالم ،ونظر في الطرق الكالمية نظرة بحث وتحقيق ،درس كالم األشاعرة فوجد فيها مسائل لم ينتقدها أحد مع أنها كانت تستحق النقد،
فقام ابن تيمية بكل حرية واستقالل بإبطال هذه المسائل” (علم الكالم .)102
كان شبلي معج ًب ا باإلمام الغزالي أيما إعجاب ،ويبدو أنه صار له ميل في آخر حياته إلى مذهب المحدثين ،وذلك بفضل ما اطلع عليه من
كتب شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه هللا تعالى ،فأغرم به ،وظهر له فضله على غيره ،وكانت هذه خطوة جريئة منه في جو الهند المعادي
لإلمام ابن تيمية أشد المعاداة ،ونوى أن يؤلف كتابا حافال عن حياته ،ولكن المنية أعجلته ،يقول في إحدى رسائله“ :إن التأليف عن حياة
اإلمام ابن تيمية لفريضة أولى ،سقط الغزالي والرازي من عيني بعد أن اطلعت على هذا الرجل” (مكاتيب شبلي .)115 :2
يقول تلميذه السيد سليمان الندوي“ :كان إعجابه بالغزالي ثم الرازي أكبر لما ألف كتابه (الكالم) ،ولما طبعت كتب العالمة ابن تيمية
واطلع عليها غلب عليه لون ابن تيمية ،وكانت بداية ذلك (الرد على المنطقيين) … وكان يقول لي في آخر حياته :أرضى بأن أتبع ابن
تيمية في كل أمر” (حياة شبلي ص .)830-829
كتب شبلي مقاال في مجلة “الندوة” سنة 1908م تحت عنوان “العالمة ابن تيمية الحراني كمجدد لقرنه ،ذكر فيه ثالث صفات أساسية
لمجدد:
-3وأن يكون قد احتمل مصائب جسدية في سبيل نشر أفكاره ،وقدم لها تضحيات من نفسه وروحه.
ووجد شبلي هذه الصفات مجتمعة في ابن تيمية ،ورآه يفوق كثيرً ا من عباقرة تاريخ اإلسالم (انظر :مقاالت شبلي .)67-5/26
ويقول السيد الندوي“ :وإذا أنعمت Hالنظر في هذا الكتاب تجد مسائل منطقية وفلسفية ،ابن تيمية أبو عذرتها ،وهي تطابق كل المطابقة بما
قال فالسفة األفرنج في هذا العصر في بعض مسائل المنطق والفلسفة”.
ويقول“ :فمما يجب عليّ في هذه الوجيزة اإللماع به هو ما قال المصنف في حقيقة الحد والجنس والفصل واللزوم وحقيقة العلة والقياس
واالستقراء ،واالستدالل بالمشهورات ،واالكتفاء بمقدمة واحدة في القياس ،وغيره من المباحث العويصة التي حل المصنف مشكلها Hببيان
واضح ودليل راهن ،وما قال في العلة واللزوم هو عين ما قاله هيوم الفلسفي في كتبه ،ومسئلة اللزوم والعلية من المسائل العويصة التي
ضلت في واديها األفهام Hونبعت من عيونها ضالالت الطبائعيين من أهل اإللحاد ،وكم لهذا النابغة من نوادر لم يسبقه إليها أحد رضي هللا
عنه”.
ويقول السيد الندوي“ :أدين في اهتمامي بعلم الكالم لتربية العالمة شبلي ،فقرأت مؤلفاته ،وراجعت مصادرها ،وطالعت “الملل والنحل”
للشهرستاني ،و”الفصل في الملل والنحل” البن حزم ،و”كشف األدلة البن رشد” و”حجة هللا البالغة” للشاه ولي هللا ،وأثر كل منها في
نفسي ،وأخيرً ا درست مؤلفات العالمة ابن تيمية والحافظ ابن القيم ،فاندرس كل رسم ،وامحى كل أثر” (الكتب التي لها منة على العلماء
األعالم ص .)18
يقول الشيخ الندوي في مقدمته للكتاب وهو يعدد جوانب حياة شيخ اإلسالم ابن تيمية التجديدية … ” :ويكون مع ذلك من فرسان العمل
والكفاح ،ويجمع بين القلم والسيف ،جريئا على الملوك في الصدع بالحق ،ال يُحجم عن قيادة الجيش اإلسالمي أمام أضرى عدو مثل
الوحوش التتار ،ويعرفه كل من حلق الدرس ،وزوايا المكتبات ،وخلوات المساجد ،ومجالس المناظرة ،ومعتقالت السجون ،وساحات
الحرب كفارس عظيم ورجل ذي شكيمة ،مبجال في كل عين ،ومعترفا بإمامته في كل طبقة”.
“كان القرن الثامن بحاجة إلى مثل هذا الرجل الكامل الذي يسع نشاطه كل مجال من مجاالت الحياة ،من غير أن تنزوي جهوده وأعماله
في زاوية واحدة ،أو تتركز على جانب واحد ،كان ذلك الرجل هو شيخ اإلسالم الحافظ ابن تيمية الذي مأل العالم اإلسالمي بنشاط وحياة
بحركات علمية ودينية ال تزال آثارها خالدة باقية على مر القرون واألجيال” (مقدمة الجزء الثاني لرجال الفكر والدعوة ).