You are on page 1of 187

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫فقه الجنايات والحدود‬


‫مقدمة ‪:‬‬
‫يقسم أهل العلم الموضوعات الفقهية إلى أربعة أرباع ‪:‬‬
‫‪ -1‬الربع األول ‪ :‬ربع العبادات‬
‫‪ -2‬الربع الثاين ‪ :‬ربع املعامالت املالية‬
‫‪ -3‬الربع الثالث ‪ :‬ربع أحكام األسرة‬
‫‪ -4‬الربع الرابع ‪ :‬ربع القضاء واجلنايات واحلدود‬
‫وهذا املقرر يتعلق بالربع الرابع ‪.‬‬
‫س‪ :‬لماذا قدم كتاب العبادات على كتاب المعامالت ؟‬
‫ج ‪:‬لعدة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن العبادة هي الغاية من خلق العباد ‪ ،‬قال تعاىل ‪ " :‬وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون "‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن مسائل العبادات تتكرر يومياً ‪ ،‬خبالف مسائل املعامالت واألنكحة ‪.‬‬
‫‪ -3‬وألن العبادات حيتاج إىل معرفتها كل مكلف ‪.‬‬
‫‪ -4‬وألن األصل يف العبادات هو احلظر واملنع إال بدليل من الشرع ‪ ،‬بعكس املعامالت فإن األصل فيها هو‬
‫احلل إال ما حرم اهلل ‪.‬‬
‫ربع العبادات قسم إلى ‪:‬‬
‫الطهارة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الصالة ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫الزكاة ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الصيام ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫احلج ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫اجلهاد ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫س‪ /‬لماذا قدمت الطهارة على الصالة ؟‬
‫ج‪ /‬ألن الطهارة شرط للصالة ‪ ،‬والتخلية قبل التحلية ‪.‬‬
‫س‪ /‬لماذا قدمت الصالة على الزكاة ؟‬
‫ج ‪ /‬لعدة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن الصالة هي الركن الثاين من أركان اإلسالم بعد الشهادتني ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬وألن تاركها هتاوناً كافر خبالف بقية العبادات ‪.‬‬
‫‪ -3‬ولنها تتكرر يف اليوم مخس مرات فيحتاج املكلف إلىل معرفة أحكامها أكثر من غريها ‪.‬‬
‫س‪ /‬لماذا قدمت الزكاة على الصيام ؟‬
‫ج‪ -1 /‬ألن الزكاة هي الركن الثالث من أركان اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألهنا قرينة الصالة يف كتاب اهلل تعاىل ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ":‬وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة"‬
‫س‪ /‬لماذا قدم الصوم على الحج ؟‬
‫ج‪ /‬ألمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن الصيام هو الركن الرابع من أركان اإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن احلج عمري ‪ ،‬أما الصيام فإنه حويل ‪ ،‬فاحلاجة إىل معرفة أحكام الصيام أشد ‪.‬‬
‫س ‪ /‬لماذا أخِّر الجهاد عن بقية العبادات ؟‬
‫ج ‪ /‬ألمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألنه يف األصل واجب على الكفاية خبالف بقية العبادات فإهنا واجبة عيناً ‪ ،‬وإمنا يتعني يف‬
‫حاالت معدودة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألنه اليقوى على جماهدة األعداء من اليقوى على جماهدة نفسه ‪.‬‬
‫س ‪ /‬لماذا قدم كتاب المعامالت على كتاب األنكحة ؟‬
‫ج ‪ /‬ألمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن احلاجة إىل معرفة أحكام املعامالت أشد ‪ ،‬إذ إن التعامل بالبيع والشراء يتكر يف الغالب يومياً ‪،‬‬
‫خبالف األنكحة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن أحكام األسرة الحيتاج إليها إال البالغون ‪ ،‬أما الصغار فال شأن هلم هبا ‪.‬‬
‫س ‪ /‬لماذا قدم كتاب األنكحة على الجنايات والحدود ؟‬
‫ج ‪ /‬ألمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن األصل يف املسلم االستقامة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن من شرط إيقاع العقوبة أن يكون املكلف عاملاً باألحكام اليت جيب عليه االلتزام هبا ‪.‬‬

‫طريقة دراسة فقه الجنايات والحدود ‪:‬‬


‫ينحى الكتاب والباحثون يف دراسة فقه اجلنايات واحلدود إىل طريقتني ‪:‬‬
‫الطريقة األولى ‪ :‬وهي طريقة الفقهاء املتقدمني ‪ ،‬فيقسمون اجلرائم إىل قسمني ‪:‬‬
‫‪ ‬جنايات ‪:‬‬
‫ويقصد هبا االعتداء الواقع على نفس اإلنسان أو أعضائه أو منافعه ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ويدرسون حتت هذا القسم اجلرمية ذاهتا ‪ ،‬والعقوبة املرتتبة عليها ‪ ،‬سواء أكانت تلك العقوبة قصاصاً أو‬
‫دية أو كفارة ‪.‬‬
‫‪ ‬حدود ‪:‬‬
‫وهي أفعال حمرمة حلق اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫ويدرسون حتت هذا القسم اجلرائم اليت تعد حدوداً كالزنا وشرب اخلمر والسرقة وحنوها ‪ ،‬والعقوبات‬
‫املرتتبة عليها من رجم أو جلد أو قطع أو غريها ‪.‬‬
‫ويدرج بعضهم حتت هذا القسم التعازير ‪.‬‬
‫الطريقة الثانية ‪ :‬وهي طريقة كثري من املؤلفني املعاصرين السيما القانونيني ‪ ،‬حيث يقسمون الدراسة إىل‬
‫قسمني ‪:‬‬
‫‪ ‬الجرائم ‪ :‬وهي األفعال احملرمة ذاهتا سواء أكانت حداً أم جناية ‪.‬‬
‫‪ ‬العقوبات ‪ :‬وهي اآلثار املرتتبة على اجلرمية ‪ ،‬سواء أكانت اجلرمية جنائية أم حدية ‪ ،‬ويعرفها الفقهاء ‪:‬‬
‫بأهنا جزاء ينزل باجملرم على ما اقرتفه من ذنب زجراً له وردعاً لغريه ‪.‬‬
‫وسوف نسري يف هذه الدراسة بإذن اهلل على طريقة الفقهاء ألهنا أسهل وأوضح ‪ ،‬وألن احلدود ختتل عن‬
‫اجلنايات يف أحكام كثرية ‪.‬‬

‫الباب األول ‪ :‬الجنايات‬


‫تعريف الجناية ‪:‬‬
‫الجناية ‪:‬هي التعدي على بدن اإلنسان مبا يوجب قصاصاً أو ماالً ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫التعدي على بدن ‪:‬هذا هو اجلرمية اجلنائية ‪ ،‬وهي على نوعني ‪:‬‬
‫التعدي على النفس ‪:‬وهو يشمل ثالثة أنواع ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪ ‬القتل العمد‬
‫‪ ‬القتل شبه العمد‬
‫‪ ‬القتل اخلطأ‬
‫التعدي على ما دون النفس ‪:‬وهو يشمل ثالثة أنواع ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫‪ ‬الشجاج واجلراح‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬إتالف املنافع‬
‫‪ ‬إتالف األعضاء‬
‫اإلنسان ‪:‬خرج بذلك التعدي على احليوان واجلماد ‪ ،‬فإنه اليدخل يف باب اجلنايات وإمنا يف باب الضمان ‪.‬‬
‫بما يوجب ‪ :‬أي يرتتب عليه‬
‫قصاصاً أو ماالً ‪:‬هذا هو العقوبة على اجلرمية اجلنائية ‪ ،‬فهي إما أن تكون ‪:‬‬
‫‪ ‬قصاصاً ‪ :‬وذلك يف اجلناية العمدية سواء أكانت على النفس أو على ما دوهنا ‪.‬‬
‫‪ ‬أو ماالً ‪ :‬وهو الدية ‪ ،‬وذلك يف حال اخلطأ أو شبه العمد ‪ ،‬أو يف حال العمد إذا عفا ويل القصاص ‪.‬‬
‫وخرج هبذا القيد احلدوح فإهنا ال توجب قصاصاً وال ماالً ‪ ،‬وإمنا فيها الرجم أو اجللد أو القطع كما‬
‫سيأيت ‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬الجناية على النفس‬


‫سوف ندرس يف هذا الباب مبشيئة اهلل أنواع اجلناية على النفس ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬القتل العمد‬
‫‪ .2‬القتل شبه العمد‬
‫‪ .3‬القتل اخلطأ‬
‫وبعد ذلك ندرس العقوبات املرتتبة على اجلناية على النفس وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬القصاص يف األنفس‬
‫‪ .2‬دية النفس‬
‫أنواع القتل ‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف أنواع القتل على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫وهو ما عليه مجهور أهل العلم من احلنفية والشافعية واحلنابلة أن القتل على ثالثة أنواع ‪ ،‬وهي السابق ذكرها‬
‫‪.‬‬
‫إال أن األحناف يقسمون القتل اخلطأ إىل قسمني ‪ :‬قتل خطأ ‪ ،‬وما جرى جمرى اخلطأ ‪ ،‬وعلى هذا فتكون‬
‫أقسام القتل عندهم أربعة ‪ ،‬وبعضهم _ أي بعض احلنفية _ يضيف إىل أقسام اخلطأ قسماً ثالثاً وهو القتل‬
‫بالتسبب ‪ ،‬وعلى هذا فتكون األقسام عندهم مخسة ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وهذه التقسيمات اصطالحية واخلالف يف كوهنا ثالثة أو أربعة أو مخسة خالف لفظي اليرتتب عليه حكم ‪،‬‬
‫ألن النتيجة يف النهاية واحدة ‪:‬‬
‫فقتل الخطأ ‪ :‬جيب فيه أمران ‪:‬‬
‫‪ -2‬والكفارة‬ ‫‪ -1‬الدية املخففة‬
‫سواء كان ذلك خطأ حمضاً أو جرى جمرى اخلطأ ‪ ،‬وسواء كان باملباشرة أو التسبب ‪ ،‬فال داعي للتفريع‬
‫والتقسيم ‪.‬‬
‫وقتل شبه العمد ‪ :‬جيب فيه أمران ‪:‬‬
‫‪ -2‬والكفارة ‪.‬‬ ‫‪ -1‬الدية املغلظة‬
‫وقتل العمد ‪ :‬جيب فيه القصاص ‪ ،‬او الدية املغلظة ‪ ،‬والجتب فيه كفارة ‪.‬‬
‫وسنفصل هذه األحكام الحقاً إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫وهلذا قال املرداوي يف إلنصاف ‪ " :‬قال الزركشي وال نزاع أنه باعتبار احلكم الشرعي ال يزيد على ثالثة أوجه‬
‫عمد وهو ما فيه القصاص أو الدية وشبه العمد وهو ما فيه دية مغلظة وخطأ وهو ما فيه دية خمففة انتهى‬
‫قلت ( القائل هو املرداوي ) ‪ :‬الذي نظر إىل األحكام املرتتبة على القتل جعل األقسام ثالثة والذي نظر إىل‬
‫الصور فهي أربعة بال شك "‬
‫فاخلالف إذاً بني أصحاب هذا القول لفظي ‪ ،‬واخلالف احلقيقي مع قول املالكية اآليت ‪.‬‬

‫القول الثاني ‪:‬‬


‫وهو املشهور من مذهب املالكية ‪ ،‬وهو أن القتل على نوعني فقط ‪ :‬عمد وخطأ ‪ ،‬وليس مثت شبه عمد ‪ ،‬فهم‬
‫جيرون أحكام القتل العمد على القتل شبه العمد ‪.‬‬
‫وسيأيت اخلالف يف املسألة وبيان الراجح من هذين القولني ‪ ،‬والذي سنسري عليه هو أن قول اجلمهور وهو‬
‫تقسيم القتل إىل ثالثة أنواع ‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬القـتل العـمد‬

‫المطلب األول ‪ :‬حكم القتل العمد ‪:‬‬


‫القتل هو إزهاق الروح بغري حق ‪ ،‬وينقسم إىل ‪:‬‬
‫إزهاق اإلنسان لنفسه ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫إزهاق اإلنسان لغريه ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬تحريم اعتداء االنسان على نفسه ‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫نفس االنسان ليست ملكاً له وإمنا هي ملك خلالقها وموجدها ‪ ،‬وهي أمانة عند صاحبها ‪ ،‬وهلذا ال جيوز لإلنسان أن‬
‫يقتل نفسه أو يغرر هبا يف غري مصلحة شرعية ‪ ،‬وال أن يتصرف بشيء من أجزائها إال مبا يعود عليها بالنفع ‪ ،‬واألدلة‬
‫على ذلك كثرية ‪:‬‬
‫فمن ذلك‬
‫الدليل األول ‪ :‬قول اهلل تعالى ‪ " :‬وال تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيما ‪ ،‬ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما‬
‫فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اهلل يسيرا "‬
‫فهذا هني للمؤمنني أن يقتل بعضهم بعضا ‪ ،‬ويدخل يف ذلك قتل اإلنسان نفسه ‪.‬‬
‫قال ابن العريب يف تفسري هذه اآلية ‪" :‬قوله { وال تقتلوا أنفسكم } ‪ :‬فيه ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ال تقتلوا أهل ملتكم ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬ال يقتل بعضكم بعضا ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ال تقتلوا أنفسكم بفعل ما هنيتم عنه قاله الطربي واألكثر من العلماء ‪.‬‬
‫مث قال‪ -‬أي ابن العريب ‪: -‬وكلها صحيح والذي يصح عندي أن معناه ‪ :‬وال تقتلوا أنفسكم بفعل ما هنيتم عنه ‪،‬‬
‫فكل ذلك داخل حتته "‬
‫ويف هذه اآلية أبلغ بيان يف حترمي قتل اإلنسان غريه حيث جعل اهلل قتل املعصوم مبنزلة قتل النفس ‪ ،‬حىت يشعر القاتل‬
‫أنه كأمنا قتل نفسه فإذا كنت الترضى لنفسك أن تقتل فإياك أن تقتل أخاك ألنه مبنزلة نفسك اليت بني جنبيك ‪.‬‬
‫وذكر اإلمام القرطيب أن أهل العلم أمجعوا على أن املراد هبذه اآلية النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضاً ‪،‬وأن يتناول‬
‫الرجل نفسه بالقتل ‪.‬‬
‫ويدل على هذا املعىن ما روى عمرو بن العاص أنه ملا بعث يف غزوة ذات السالسل قال احتلمت يف ليلة باردة شديدة‬
‫الربد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت مث صليت بأصحايب صالة الصبح فلما قدمنا على رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وآله وسلم ذكروا ذلك له فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقلت ذكرت قول اهلل تعاىل وال تقتلوا‬
‫أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيما فتيممت مث صليت فضحك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ومل يقل شيئا رواه‬
‫احلديث أخرجه البخاري تعليقا وابن حبان واحلاكم‬ ‫أمحد وأبو داود والدارقطين‬
‫فدل الحديث على ‪:‬‬
‫‪ .1‬مشروعية التيمم عند خوف الضرر من استعمال املاء لشدة برد وحنوها ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن اآلية تدل على حترمي قتل اإلنسان نفسه أو اإلضرار هبا ‪.‬‬

‫الدليل الثاني ‪ :‬قال تعالى ‪ ":‬وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "‬
‫أي التلقوا أيديكم يف التهلكة ‪ ،‬فالباء يف " بأيديكم " زائدة ‪ ،‬التقدير تلقوا أيديكم ‪ ،‬ونظريه ‪ " :‬أمل يعلم بأن اهلل يرى‬
‫" ‪ ،‬واملراد باأليدي هنا األنفس ‪ ،‬أي وال تلقوا أنفسكم إىل التهلكة ‪ ،‬وعرب باأليدي عن األنفس ‪ ،‬ألن أكثر أفعال‬

‫‪6‬‬
‫النفس باأليدي كقول اهلل تعاىل ‪ ":‬ذلك مبا قدمت يداك " ‪ ،‬وقيل تقدير اآلية ‪ :‬وال تلقوا أنفسكم بأيديكم إىل التهلكة‬
‫‪.‬‬
‫وكان سبب نزول هذه اآلية أن اهلل تعاىل ملا فتح على املسلمني الفتوح ‪ ،‬ودانت هلم جزيرة العرب ‪ ،‬وكان املسلمون‬
‫قد انشغلوا عن أمواهلم يف اجلهاد ‪ ،‬فلما استقر األمر يف جزيرة العرب خلد املسلمون إىل الراحة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬آن لنا أن‬
‫نعود إىل حرثنا وأموالنا فنثمرها فأنزل اهلل هذه اآلية ليحثهم على اجلهاد ويبني أن التهلكة يف ترك اجلهاد ‪.‬‬
‫ويف سنن الرتمذي عن أسلم أيب عمران قال غزونا القسطنطينية وعلى اجلماعة عبدالرمحن بن الوليد والروم ملصقو‬
‫ظهورهم حبائط املدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه ال إله إال اهلل يلقي بيديه إىل التهلكة فقال أبو أيوب‬
‫سبحان اهلل أنزلت هذه اآلية فينا معاشر األنصار ملا نصر اهلل نبيه وأظهر دينه قلنا هلم نقيم يف أموالنا ونصلحها فأنزل‬
‫اهلل عز وجل وأنفقوا يف سبيل اهلل اآلية واإللقاء باليد إىل التهلكة أن نقيم يف أموالنا ونصلحها وندع اجلهاد فلم يزل أبو‬
‫أيوب جماهدا يف سبيل اهلل حىت دفن بالقسطنطينية فقربه هناك فأخربنا أبو أيوب أن اإللقاء باليد إىل التهلكة هو ترك‬
‫اجلهاد يف سبيل اهلل وأن اآلية نزلت يف ذلك ‪.‬‬
‫قال ابن سعدي ‪":‬واإللقاء باليد إىل التهلكة يرجع إىل أمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬ترك ما أمر به العبد إذا كان تركه موجباً ‪ ،‬أو مقارباً إلهالك البدن أو الروح ن كرتك اللباس واألكل‬
‫والشرب يف الربد الشديد ‪.‬‬
‫‪ -2‬فعل إىل ما هو سبب موصل إىل تلف النفس أو الروح ‪ ،‬فيدخل يف ذلك أمور كثرية منها ‪ :‬تغرير‬
‫اإلنسان بنفسه يف نقاتلة أو سفر خمطور أو حمل مسغبة‬
‫ومن أدلة تحريم قتل النفس من السنة ‪ :‬ما روى أبو هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " من قتل‬
‫نفسه حبديدة فحديدته يف يده جيأ هبا بطنه يوم القيامة يف نار جهنم خالدا خملدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه يف‬
‫يده يتحساه يف نار جهنم خالدا خملدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يرتدى يف نار جهنم خالداً خملداً‬
‫فيها أبداً " ‪.‬أخرجاه يف الصحيحني‬
‫جيأ ‪ :‬أي يطعن‬
‫يتحساه ‪ :‬أي يتجرعه‬
‫تردى ‪ :‬أي أسقط نفسه‬
‫واملراد بقوله "خالداً خملداً "‪ :‬أي أنه يستحق هذا اجلزاء ‪ ،‬ولكن اهلل تعاىل تكرم على عباده املوحدين أنه الخيلد موحدا‬
‫يف النار ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ :‬إن اهلل اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء‬
‫وعن ثابت بن الضحاك رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم‬
‫القيامة " ‪ .‬أخرجه اجلماعة‬

‫‪7‬‬
‫ويف الصحيحين عن جندب بن عبد اهلل البجلي قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " كان رجل ممن كان قبلكم‬
‫وكان به جرح فأخذ سكينا حنر هبا يده فما رقأ الدم حىت مات قال اهلل عز وجل عبدي بادرين بنفسه حرمت عليه‬
‫اجلنة "‪.‬‬
‫وعن جابر قال { ملا هاجر النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه‬
‫فاجتووا املدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع هبا برامجه فشخبت يداه حىت مات فرآه الطفيل بن عمرو يف منامه‬
‫وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك قال غفر يل هبجريت إىل نبيه صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬ما‬
‫يل أراك مغطيا يديك ؟ قال قيل يل لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليديه فاغفر } رواه أمحد ومسلم‬
‫الرباجم ‪:‬هي مقاطع األصابع‬
‫واالجتواء ‪:‬أن يستوحش املكان وال يناسبه‬
‫شخص وهو ما طال نصله وعرض‬ ‫ِ‬
‫املشاخص ‪ :‬مجع م َ‬
‫فشخبت ‪ :‬أي سال منها الدم‬
‫وهذا احلديث يدل على أن قاتل نفسه ال خيلد يف النار ‪ ،‬وأن املراد باخللود يف احلديث السابق أن هذا جزاؤه لو أراد‬
‫اهلل أن يعاقبه لكن اهلل تفضل على عباده بأال خيلد من اليشرك به ‪.‬‬
‫‪-2‬المسألة الثانية ‪:‬تحريم قتل اإلنسان غيره ‪:‬‬
‫فقد جعل اهلل قتل النفس من أعظم املوبقات ‪ ،‬واملراد بالنفس هنا ‪ :‬النفس املعصومة ‪ ،‬وهي نفس املسلم ‪ ،‬والذمي‬
‫‪ ،‬واملعاهد ‪ ،‬واملستأمن ‪.‬‬
‫فالذمي ‪ :‬من كان بني قومه واملسلمني عقد ذمة ‪ ،‬أي أهنم يدفعون اجلزية للمسلمني ‪.‬‬
‫واملعاهد ‪ :‬من كان بني قومه واملسلمني عهد أي صلح ‪.‬‬
‫واملستأمن ‪:‬من دخل ديار املسلمني بأمان ‪ ،‬وإن مل يكن قومه أهل عهد ‪ ،‬فهو يف األصل حريب‪ ،‬ولكن يدخل بالد‬
‫املسلمني بعهد أمان‪ ،‬واألصل يف األمان أن يكون لسماع كالم اهلل لقوله‪":‬وإن¸ أحداً من املشركني استجارك فأجره‬
‫حىت يسمع كالم اهلل مث أبلغه مأمنه"‪.‬‬
‫أما نفس احلريب غري املستأمن فليست مبعصومة ‪.‬‬
‫واألدلة على تحريم اعتداء المسلم على غيره كثيرة جداً ‪:‬‬
‫فمن ذلك قول اهلل تعالى ‪ " :‬ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليه ولعنه وأعد له جهنم‬
‫وساءت مصريا "‬
‫وقال تعالى ‪ " :‬وال تقتلوا النفس اليت حرم اهلل إال باحلق "‬
‫وقوله تعالى‪":‬والذين ال يدعون مع اهلل إهلاً آخر وال يقتلون النفس اليت حرم اهلل…"‪،‬‬
‫و قوله صلى اهلل عليه وسلم‪":‬لزوال الدنيا أهون على اهلل من قتل مؤمن بغري حق"‪،‬‬

‫‪8‬‬
‫وقوله أيضاً‪":‬من قتل معاهداً مل يرح رائحة اجلنة وإن رحيها ليوجد من مسرية أربعني عاماً"‪،‬‬
‫وقوله أيضاً ‪" :‬اليزال املؤمن يف فسحة من دينه ما مل يصب دماً حراماً " رواه البخاري‬
‫وعن ابن مسعود مرفوعاً ‪ " :‬أول ما يقضى بني الناس يوم القيامة يف الدماء " متفق عليه ‪ ،‬واجلمع بني هذا احلديث‬
‫وبني قوله صلى اهلل عليه وسلم " أول ماحياسب عليه العبد يوم القيامة صالته " أن املقصود باألول يف حقوق العباد ‪،‬‬
‫والثاين يف حقوق اهلل أي يف عالقة املسلم بربه ‪.‬‬
‫وعن أبي بكرة مرفوعاً ‪ " :‬الترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "‬
‫يقول اإلمام الشافعي ‪ :‬وال شيء أعظم منه أي القتل بعد الشرك ‪.‬‬
‫بل إن اهلل تعاىل جعل قتل النفس الواحدة كقتل الناس مجيعاً ‪ ،‬وإحياءها كإحياء الناس مجيعاً ‪،‬كما قال تعالى ‪ ":‬من‬
‫أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن‬
‫أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "‬
‫وقد اختلف المفسرون في المراد بالتشبيه في اآلية ‪:‬‬
‫‪-1‬فروي عن ابن عباس أنه قال ‪ :‬املعىن من قتل نبيا أو إمام عدل فكأمنا قتل الناس مجيعا ومن أحياه بأن شد عضده‬
‫ونصره فكأمنا أحيا الناس مجيعا‬
‫‪ -2‬وعنه أيضا أنه قال ‪ :‬املعىن من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس مجيعا ‪ ،‬ومن ترك قتل‬
‫نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفا من اهلل فهو كمن أحيا الناس مجيعا‬
‫‪-3‬وعنه أيضا املعىن فكأمنا قتل الناس مجيعا عند املقتول ‪ ،‬ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأمنا أحيا الناس مجيعا‬
‫عند املستنقذ‬
‫‪-4‬وقال جماهد ‪ :‬املعىن أن الذي يقتل النفس املؤمنة متعمدا جعل اهلل جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا‬
‫عظيما ‪ ،‬يقول ‪ :‬لو قتل الناس مجيعا مل يزد على ذلك ‪ ،‬ومن مل يقتل فقد حيي الناس منه‬
‫‪-5‬وقال ابن زيد ‪ :‬املعىن أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس مجيعا ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن‬
‫أحياها أي من عفا عمن وجب له قتله ‪ ،‬وقاله احلسن أيضا ‪ ،‬أي هو العفو بعد املقدرة‬
‫‪-6‬وقيل ‪ :‬املعىن أن من قتل نفسا فاملؤمنون كلهم خصماؤه ‪ ،‬ألنه قد وتر اجلميع ‪ ،‬ومن أحياها فكأمنا أحيا الناس‬
‫مجيعا ‪ ،‬أي جيب على الكل شكره‬
‫وكل هذه املعاين متقاربة ‪ ،‬يقول ابن القيم رحمه اهلل مبييناً وجه التشبيه يف اآلية ‪ " :‬إن هذا تشبيه واليلزم من التشبيه‬
‫أن يكون املشبه مثل املشبه به يف كل شيء فإن من املعلوم قطعاً أن إمث من قتل مائة أعظم من إمث من قتل نفساً واحدة‬
‫‪ ،‬فليس املراد التشبيه يف مقدار اإلمث والعقوبة وإمنا يف كون كل منهما ‪:‬‬
‫‪ -1‬عاص هلل ولرسوله ‪ ،‬خمالف ألمره متعرض لعقوبته‬
‫‪ -2‬أهنما سواء يف استحقاق القصاص‬

‫‪9‬‬
‫‪ -3‬أهنما سواء يف اجلرأة على سفك الدم احلرام‬
‫‪-4‬أن كالً منهما يسمى فاسقاص عاصياً بقتله نفساً واحدة ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن اهلل جعل املؤمنني يف توادهم وترامحهم كاجلسد الواحد فإذا أتلف القاتل عضواً واحداً فكأمنا أتلف مجيع‬
‫املؤمنني ومن آذى شخصاً واحداً فكأمنا آذى مجيع املؤمنني ‪.‬‬
‫وأما قوله سبحانه ‪ : :‬ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " فاإلحياء يكون بالعفو عمن يستحق القصاص ‪ ،‬أو‬
‫أن ينقذ شخصاً من هلكة كغرق ونحوه ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪:‬هل القاتل كافر أو مسلم ؟‬
‫القاتل مسلم بإمجاع اهل السنة واجلماعة ‪ ،‬ومل خياف يف ذلك سوى اخلوارج واملعتزلة ‪.‬‬
‫فحكمه حكم أهل الكبائر من أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فهو يف الدنيا مسلم فاسق ‪ ،‬أو أنه مؤمن بإميانه فاسق‬
‫بكبريته ‪ ،‬ويف اآلخرة هو حتت املشيئة واإلرادة إن شاء اهلل عذبه وإن شاء غفر له ‪ ،‬وهو الخيلد يف النار ‪ ،‬ألن اهلل‬
‫قضى بإخراج عباد اهلل املوحدين من النار ‪ ،‬ولكن البد من تطهريه وتطييبه من درن ذنوبه قبل دخوله اجلنة والتطهري‬
‫من الذنوب يكون إما بتوبة ‪ ،‬أو حسنات ماحية ‪ ،‬أو مصائب مكفرة ‪ ،‬أو شفاعة ‪ ،‬أو دعاء قريب له ‪ ،‬أو بأهوال يوم‬
‫تف تلك األمور لتطهريه فإنه يدخل النار ليطهر من ذنبه حىت يهيأ لدخول‬ ‫القيامة ‪ ،‬أو برمحة أرحم الرامحني ‪ ،‬فإن مل ِ‬
‫اجلنة ألن اجلنة اليدخلها إال الطيبون كما قال تعاىل ‪ " :‬سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين "‬
‫واألدلة على أن القاتل ليس بكافر وأنه اليخلد في النار كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪ " :‬إن اهلل اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء "‬
‫‪ -2‬وقوله تعاىل ‪ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتلى احلر باحلر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى فمن‬
‫عفي له من أخيه شيء فاتباع باملعروف وأداء إليه بإحسان "‬
‫والشاهد يف قوله " من أخيه " فأثبت اهلل له وصف األخوة وهي األخوة اإلميانية مع أنه قاتل ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقوله تعاىل ‪ ":‬وإن طائفتان من املؤمنني اقتتلوا ‪..‬اآلية " فسمى اهلل الفئة العادلة والفئة الباغية مؤمنني ‪ ،‬إىل أن قال‬
‫سبحانه " إمنا املؤمنون إخوة فأصلحوا بني أخويكم " فسماهم اهلل مؤمنني ‪ ،‬وأبقى هلم وصف األخوة اإلميانية ‪.‬‬
‫‪ -4‬ما ثبت يف الصحيحني عن عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوين على أن ال تشركوا باهلل شيئا وال‬
‫تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال تأتوا ببهتان تفرتونه بني أيديكم وأرجلكم وال تعصوا يف معروف‬
‫فمن ويف منكم فأجره على اهلل ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب يف الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك‬
‫شيئا مث سرته اهلل فهو إىل اهلل إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ‪ ،‬قال ‪ :‬فبايعناه على ذلك ‪.‬‬
‫‪ -5‬وقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬يقول اهلل تعاىل ‪ ":‬يابن آدم إنك ما دعوتين ورجوتين غفرت لك على ما كان منك‬
‫وال أبايل ‪ ،‬يابن آدم لو أتيتين بقراب األرض خطايا مث لقيتين التشرك يب شيئاُ ألتيتك بقراهبا مغفرة " رواه‬
‫الرتمذي ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -6‬ويدل على ذلك أيضاً حديث جابر بن عبداهلل املتقدم يف قصة الطفيل بن عمرو فإنه نص على أن من قتل نفسه‬
‫فإنه اليكفر والخيلد يف النار ‪ ،‬وهلذا بوب عليه النووي يف صحيح مسلم " باب الدليل على من قتل نفسه اليكفر‬
‫"‬
‫فإن قيل مالجواب عن النصوص المتقدمة التي تدل على أن القاتل مخلد في النار ؟‬
‫فنقول ‪ :‬اختلفت توجيهات أهل العلم لهذه النصوص ‪ ،‬وأبرز هذه األقوال‪:‬‬
‫‪ -1‬فقيل ‪ :‬املراد من استحل ذلك ‪ ،‬فإنه يصري باستحالله للقتل كافراً ‪ ،‬ألنه أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة¸‬
‫وكذب القرآن والنصوص القطعية الدالة على حترمي القتل ‪ ،‬لكن هذا اجلواب ضعيف ألن املستحل كافر سواء‬
‫قتل أم مل يقتل ‪ ،‬والنصوص وردت فيمن ارتكب هذا اجلرم الفيمن استحله ‪.‬‬
‫‪ -2‬وقيل ‪ :‬إن املراد باخللود هنا املكث الطويل وليست اإلقامة األبدية ‪ ،‬ألن اخللود قد يطلق يف لغة العرب ويراد به‬
‫املكث الطويل ‪ ،‬كما قد يراد به التأبيد ‪ ،‬وهذا اجلواب ضعيف أيضاً ألن األحاديث املتقدمة جاءت مقيدة‬
‫بالتأبيد ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقيل ‪ :‬إن هذه النصوص خرجت خمرج الزجر والتغليظ وال يراد حقيقةً التخليد ‪ ،‬وهذا اجلواب ضعيف أيضاً‬
‫ألنه ال دليل عليه ‪ ،‬ولو قيل به جلاز تأويل مجيع النصوص كذلك ‪.‬‬
‫‪ -4‬وقيل ‪ :‬هذا وعيد وإخالف الوعيد ال يذم بل ميدح واهلل تعاىل جيوز عليه إخالف الوعيد وال جيوز عليه خلف‬
‫الوعد والفرق بينهما أن الوعيد حقه فإخالفه عفو وهبة وذلك موجب كرمه والوعد حق عليه أوجبه على‬
‫نفسه واهلل ال خيلف امليعاد قالوا وهلذا مدح به كعب بن زهري رسول اهلل حيث يقول ‪:‬‬
‫نبئت أن رسول اهلل أوعدين والعفو عند رسول اهلل مأمول‬
‫وتناظر يف هذه املسألة أبو عمرو بن العالء وعمرو بن عبيد فقال عمرو بن عبيد يا أبا عمرو ال خيلف اهلل وعده وقد‬
‫قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا اآلية فقال له أبو عمرو وحيك يا عمرو من العجمة أتيت إن العرب ال تعد إخالف الوعيد‬
‫ذما بل جودا وكرما أما مسعت قول الشاعر ‪:‬‬
‫وال يرهب ابن العم ما عشت صوليت وال خيتشى من سطوة املتهدد‬
‫وإنـي إن أوعـدته أو وع ـدته ملخلف إيعادي ومنجز موعدي‬
‫ومن عليهم بعدم اخللود‬
‫‪ -5‬وقيل ‪ :‬إن هذا هو جزاؤه وهو يستحق هذا الوعيد ولكن اهلل تكرم على عباده املوحدين ّ‬
‫يف النار كما قال تعاىل ‪ :‬إن اهلل اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء " ‪ ،‬وهذا اجلواب هو الصحيح وبه‬
‫جتتمع األدلة ‪ ،‬يقول ابن القيم رحمه اهلل ‪ " :‬هذه النصوص وأمثاهلا مما ذكر فيه املقتضى للعقوبة وال يلزم من وجود‬
‫مقتضى احلكم وجوده فإن احلكم إمنا يتم بوجود مقتضيه وانتفاء مانعه وغاية هذه النصوص اإلعالم بأن كذا سبب‬
‫للعقوبة ومقتض هلا وقد قام الدليل على ذكر املوانع فبعضها باإلمجاع وبعضها بالنص فالتوبة مانع باإلمجاع والتوحيد‬
‫مانع بالنصوص املتواترة اليت ال مدفع هلا واحلسنات العظيمة املاحية مانعة واملصائب الكبار املكفرة مانعة وإقامة احلدود‬
‫يف لدنيا مانع بالنص وال سبيل إىل تعطيل هذه النصوص فال بد من إعمال النصوص من اجلانبني "‬

‫‪11‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬هل للقاتل عمداً توبة ‪:‬‬
‫الخالف بني أهل العلم على أن القاتل عمداً إذا تاب فإن توبته التعفيه من عقوبة القصاص ‪ ،‬ألن القصاص‬
‫حق اآلدمي ‪ ،‬وهذا خبالف احلدود اليت يغلب فيها حق اهلل كالزىن وشرب اخلمر فإن الزاين وشارب اخلمر‬
‫تصح توبته فيما بينه وبني اهلل وإن مل يقم عليه احلد ‪ ،‬واليلزم أن يذهب إىل احلاكم ليقيم عليه احلد ‪.‬‬
‫أما القاتل عمداً فال تصح توبته حىت يسلم نفسه إىل احلاكم ليقتص منه أو يدفع الدية فيما لوعفى أولياء‬
‫الدم ‪ ،‬ومع ذلك فإذا سلم نفسه فاقتص منه أو طولب بالدية فهل يربأ فيما بينه وبني اهلل ؟‬
‫اختلف أهل العلم في ذلك على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن القاتل عمداً التوبة له ‪.‬‬
‫وهذا القول هو املشهور عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ ،‬وإحدى الروايتني عن أمحد ‪.‬‬
‫وأدلة هذا القول ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدليل األول ‪ :‬قوله تعاىل ‪ : :‬ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليه‬
‫ولعنه وأعد له عذاباً عظيما "‬
‫ووجه الداللة من اآلية أن هذا الوعيد خرج خمرج اخلرب ‪ ،‬وهو دال على أن توبته التقبل ‪.‬‬
‫وقد ناظر ابن عباس يف ذلك أصحابه فقالوا أليس قد قال اهلل تعاىل يف سورة الفرقان وال يقتلون النفس اليت‬
‫حرم اهلل إال باحلق إىل أن قال إال من تاب وآمن وعمل عمال صاحلا فأولئك يبدل اهلل سيئاهتم حسنات‬
‫وكان اهلل غفورا رحيما فقال كانت هذه اآلية يف اجلاهلية وذلك أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا‬
‫وزنوا فأتوا رسول اهلل فقالوا إن الذي تدعو إليه حلسن لو ختربنا أن ملا عملناه كفارة فنزل والذين ال‬
‫يدعون مع اهلل إهلا آخر اآلية فهذه يف أولئك وأما اليت يف سورة النساء وهي قوله تعاىل ومن يقتل مؤمنا‬
‫متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اهلل عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما فالرجل إذا عرف‬
‫اإلسالم وشرائعه مث قتل فجزاؤه جهنم رواه البخاري ‪.‬‬
‫وقال زيد بن ثابت ملا نزلت اليت يف الفرقان والذين ال يدعون مع اهلل إهلا آخر عجبنا من لينها فلبثنا سبعة‬
‫أشهر مث نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة وأراد بالغليظة هذه اآلية اليت يف سورة النساء وباللينة آية‬
‫الفرقان قال ابن عباس آية الفرقان مكية وآية النساء مدنية نزلت ومل ينسخها شيء‬
‫ويناقش هذا االستدالل من ثالثة أوجه ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن اآلية فيمن قتل ومل يتب ‪ ،‬أما من تاب فقد جاءت نصوص أخرى سيأيت بياهنا يف أدلة القول‬
‫الثاين تدل على أن القاتل تقبل توبته ‪.‬‬
‫الثاني ‪:‬أن املقصود بالوعيد هنا‪ -‬كما تقدم ‪ -‬أن هذا هو جزاؤه وهو مستحق له إن جازاه اهلل وحتققت‬
‫من على عباده املوحدين‬
‫شروط هذه العقوبة وانتفت موانعها ‪ ،‬ومن املوانع لتلك العقوبة ‪ :‬التوحيد فإن اهلل ّ‬

‫‪12‬‬
‫بعدم اخللود يف النار ‪ ،‬ومن املوانع كذلك التوبة ‪ ،‬فقد جاءت نصوص كثرية تدل على أن اهلل يقبل التوبة‬
‫من سائر الذنوب ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن دعوى النسخ الدليل عليها ‪ ،‬وإذا أمكن اجلمع بني النصوص فهو أوىل من القول بالنسخ ‪.‬‬
‫الدليل الثاني ‪ (:‬وهو دليل من النظر ) قالوا ‪ :‬وألن التوبة من قتل املؤمن عمدا متعذرة إذ ال سبيل إليها إال‬
‫باستحالله أو إعادة نفسه اليت فوهتا عليه إىل جسده إذ التوبة من حق اآلدمي ال تصح إال بأحدمها وكالمها‬
‫متعذر على القاتل فكيف تصح توبته من حق آدمي مل يصل إليه ومل يستحله منه ‪.‬‬
‫نوقش هذا االستدالل ‪:‬بأن اهلل يويف القتيل حقه ويعوضه يف اآلخرة كما سيأيت ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن توبته مقبولة ‪.‬‬
‫وهذا هو قول مجاهري أهل العلم ‪.‬‬
‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪ :‬عموم اآليات واألحاديث اليت تدل على أن اهلل يقبل توبة التائبني ‪:‬مثل‬
‫‪ -‬قوله تعاىل ‪ " :‬قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم التقنطوا من رمحة اهلل إن اهلل يغفر الذنوب مجيعاً‬
‫إنه هو الغفور الرحيم "‬
‫‪ -‬وقوله سبحانه " وإين لغفار ملن تاب وآمن وعمل صاحلاً مث اهتدى "‬
‫‪ -‬وقوله عليه الصالة والسالم ‪ " :‬إن اهلل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب‬
‫مسيء الليل حىت تطلع الشمس من مغرهبا " متفق عليه ‪.‬‬
‫الدليل الثاني ‪:‬قوله سبحانه يف وصف عباد الرمحن " والذين اليدعون مع اهلل إهلاً آخر واليقتلون النفس‬
‫اليت حرم اهلل إال باحلق واليزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ‪ ،‬يضاعف له العذاب يوم القيامة وخيلد فيه‬
‫مهاناً ‪ ،‬إال من تاب وآمن وعمل عمالً صاحلاً فأولئك يبدل اهلل سيئاهتم حسنات وكان اهلل غفوراً رحيما‬
‫"‬
‫فهذه اآليات نص صريح وواضح يف قبول توبة القاتل ‪.‬‬
‫الدليل الثالث ‪ :‬ما ثبت يف الصحيحني عن أيب سعيد رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‬
‫كان يف بين إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعني إنسانا مث خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من‬
‫توبة قال ال فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه املوت فناء بصدره حنوها‬
‫فاختصمت فيه مالئكة الرمحة ومالئكة العذاب فأوحى اهلل إىل هذه أن تقريب وأوحى اهلل إىل هذه أن‬
‫تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إىل هذه أقرب بشرب فغفر له ‪.‬‬
‫الدليل الرابع ‪ :‬أن التوبة تصح من الكفر ‪ ،‬فمن القتل من باب أوىل ‪ .‬فحىت الكافر املعاند احملارب هلل‬
‫ولرسوله يقبل اهلل توبته كما قال تعاىل " وهم على ما يفعلون باملؤمنني شهود ‪ ،‬وما نقموا منهم إال أن‬

‫‪13‬‬
‫يؤمنوا باهلل العزيز احلميد ‪..‬إىل أن قال سبحانه ‪ :‬إن الذين فتنوا املؤمنني واملؤمنات مث مل يتوبوا فلهم عذاب‬
‫جهنم وهلم عذاب احلريق " ‪ ،‬وملا حكى اهلل مقولة الكافرين الذين قالوا ‪ :‬إن اهلل ثالث ثالثة ‪ ،‬قال بعدها ‪:‬‬
‫" أفال يتوبون إىل اهلل ويستغفرونه واهلل غفور رحيم "‬
‫الدليل الخامس ‪ :‬عن عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه أن رسول اهلل قال وحوله عصابة من أصحابه‬
‫بايعوين على أن ال تشركوا باهلل شيئا وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال تأتوا ببهتان تفرتونه بني‬
‫أيديكم وأرجلكم وال تعصوين يف معروف فمن وىف منكم فأجره على اهلل ومن أصاب من ذلك شيئا‬
‫فعوقب به يف الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فسرته اهلل عليه فهو إىل اهلل إن شاء عفا عنه‬
‫وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك ‪ .‬متفق عليه‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬ولكن يبقى النظر في القتيل ‪ ،‬كيف يستوفي حقه ‪ ،‬ويوجه ذلك ابن القيم‬
‫رمحه اهلل بقوله ‪ " :‬التحقيق أن القتل تتعلق به ثالثة حقوق ‪:‬‬
‫‪ -‬حق اهلل‬
‫‪ -‬وحق للمقتول ( املوروث )‬
‫‪ -‬وحق للويل‬
‫فإذا تاب القاتل من حق اهلل وسلم نفسه طوعا إىل الوارث ليستوىف منه حق موروثه سقط عنه احلقان‬
‫وبقي حق املوروث ال يضيعه اهلل وجيعل من متام مغفرته للقاتل تعويض املقتول ألن مصيبته مل تنجرب بقتل‬
‫قاتله والتوبة النصوح هتدم ما قبلها فيعوض هذا عن مظلمته وال يعاقب هذا لكمال توبته وصار هذا‬
‫كالكافر احملارب هلل ولرسوله إذا قتل مسلما يف الصف مث أسلم وحسن إسالمه فإن اهلل سبحانه يعوض هذا‬
‫الشهيد املقتول ويغفر للكافر بإسالمه وال يؤاخذه بقتل املسلم ظلما فإن هدم التوبة ملا قبلها كهدم اإلسالم‬
‫وعلى هذا إذا سلم نفسه وانقاد فعفا عنه الويل وتاب القاتل توبة نصوحا فاهلل تعاىل يقبل توبته‬ ‫ملا قبله‬
‫ويعوض املقتول "‬
‫فإن قيل ‪ :‬مالدليل على أن اهلل يعوض المقتول ؟‬
‫فاجلواب ‪ :‬هو عموم النصوص الواردة يف الكتاب والسنة يف القصاص يوم القيامة ‪ ،‬ويفهم من هذه‬
‫النصوص أن املظلوم يوم القيامة له حاالن ‪:‬‬
‫احلال األوىل ‪ :‬إما أن يقتص من ظامله ‪.‬‬
‫واحلال الثانية ‪ :‬أو يعفو فيعوضه اهلل جزاء عفوه ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬األدلة على الحال األولى ‪:‬‬
‫‪ -‬عن عبداهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال النيب صلى اهلل عليه وسلم إن أول ما يقضى بني الناس يوم‬
‫القيامة يف الدماء ‪.‬متفق عليه‬

‫‪14‬‬
‫‪ -‬وعن أبي هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬من كانت عنده مظلمة ألخيه فليتحلله‬
‫منها فإنه ليس مث دينار وال درهم من قبل أن يؤخذ ألخيه من حسناته فإن مل يكن له حسنات أخذ من‬
‫سيئآت أخيه فطرحت عليه ‪ .‬متفق عليه‬
‫‪ -‬وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬خيلص املؤمنون‬
‫من النار فيحبسون على قنطرة بني اجلنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظامل كانت بينهم يف الدنيا‬
‫حىت إذا هذبوا ونقوا أذن هلم يف دخول اجلنة فوالذي نفس حممد بيده ألحدهم أهدى مبنزله يف اجلنة منه‬
‫مبنزله كان يف الدنيا ‪.‬رواه البخاري‬
‫‪ -‬عن أبي هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬أتدرون ما املفلس قالوا املفلس فينا يا رسول‬
‫اهلل من ال درهم له وال متاع قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املفلس من أميت من يأتى يوم القيامة‬
‫بصالته وصيامه وزكاته ويأيت قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقعد‬
‫فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من اخلطايا أخذ من‬
‫خطاياهم فطرح عليه مث طرح يف النار ‪ .‬متفق عليه‬
‫‪ -‬وعن أبي هريرة ان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال مث لتؤدن احلقوق إىل أهلها حىت يقاد للشاة‬
‫اجللحاء من الشاة القرناء ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬األدلة على الحال الثانية ‪:‬‬
‫‪ -‬عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال بينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حىت‬
‫بدت ثناياه فقال له عمر ما أضحكك يا رسول اهلل بأيب أنت وأمي قال رجالن من أميت جثيا بني يدي‬
‫رب العزة فقال أحدمها يا رب خذ يل مظلميت من أخي فقال اهلل كيف تصنع بأخيك ومل يبق من حسناته‬
‫شيء قال يا رب فليحمل من أوزاري وفاضت عينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالبكاء مث قال إن‬
‫فقال اهلل للطالب ارفع بصرك فانظر فرفع فقال يا‬ ‫ذلك ليوم عظيم حيتاج الناس أن حيمل من أوزارهم‬
‫رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ أي نيب هذا أو ألي صديق هذا أو ألي شهيد‬
‫قال مباذا قال بعفوك عن‬ ‫هذا قال ملن أعطى الثمن قال يا رب ومن ميلك ذلك قال أنت متلكه‬
‫فقال رسول اهلل‬ ‫قال اهلل فخذ بيد أخيك وأدخله اجلنة‬ ‫قال يا رب إين قد عفوت عنه‬ ‫أخيك‬
‫رواه احلاكم‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم مث ذلك اتقوا اهلل وأصلحوا ذات بينكم فإن اهلل يصلح بني املسلمني‬
‫والبيهقي يف البعث وقال احلاكم صحيح اإلسناد‬
‫‪ -‬وعن أبي هريرة مرفوعاً ‪ " :‬من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى اهلل عنه يوم القيامة ومن أخذها‬
‫يريد إتالفها أتلفه اهلل ‪ .‬رواه البخاري ‪ ،‬ويقاس على األموال الدماء أيضاً ‪ ،‬فإن القاتل إذا سلم نفسه تائباً‬
‫فقد قصد تأدية احلق ملستحقه حسب استطاعته ‪.‬‬
‫وسأتينا إن شاء اهلل في باب العفو عن القصاص المزيد من األدلة في هذا الموضوع ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫المطلب الثاني ‪:‬تعريف القتل العمد ‪:‬‬
‫القتل العمد ‪ :‬أن يقصد اجلاين من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله مبا يغلب على الظن موته به ‪.‬‬
‫محترزات التعريف ‪:‬‬
‫أن يقصد ‪ :‬خرج بذلك القتل اخلطأ ‪ ،‬فإن اجلاين مل يقصد القتل ‪.‬‬
‫من يعلمه ‪ :‬خرج بذلك ما إذا قصد اجلاين القتل ظاناً أن اجملين عليه مباح الدم ‪ ،‬كما لو استهدف شخصاً‬
‫يظنه حيواناً فتبني أنه إنسان معصوم¸ الدم ‪ ،‬فهذا وإن كان قد قصد القتل إال أنه قتل خطأ وليس بعمد ‪.‬‬
‫آدمياً ‪ :‬خرج بذلك احليوان ‪.‬‬
‫معصوماً ‪ :‬خرج بذلك غري املعصوم وسيأيت بيانه ‪.‬‬
‫فيقتله ‪ :‬خرج بذلك اجلناية العمدية على ما دون النفس ‪.‬‬
‫مبا يغلب على الظن موته به ‪ :‬خرج بذلك شبه العمد فإن اآللة املستخدمة فيه التقتل غالباً ‪.‬‬
‫من هذا التعريف يتبين لنا أن أركان القتل العمد ثالثة ‪ ،‬وفيما يلي بيانها ‪:‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أركان القتل العمد ‪:‬‬
‫الركن األول ‪ :‬القتيل ‪:‬‬
‫فلو وجد اعتداء على البدن ولكن مل يوجد قتيل فإن اجلناية التسمى قتالً عمداً ‪.‬‬
‫ويشرتط يف القتيل شرطان ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون آدمياً ‪ ،‬فخرج بذلك احليوان ‪ ،‬فإن قتله اليوجب عقوبة القتل العمد ‪ ،‬ولو قصد‬
‫قتله ‪ ،‬وإمنا يدخل هذا يف باب الغصب واإلتالف ‪.‬‬
‫والشرط الثاني ‪ :‬أن يكون معصوماً ‪،‬واليلزم أن يكون مسلماً ‪ ،‬إذ املعصوم على أربعة أنواع ‪:‬‬
‫املسلم ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الذمي ‪ :‬وهو من بني قومه وبني املسلمني عقد ذمة أي أهنم يدفعون اجلزية للمسلمني‬ ‫‪-4‬‬
‫املعاهد ‪ :‬وهو من بني قومه وبني املسلمني عهد أي صلح ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫فيؤمن حىت‬ ‫ِ‬
‫املستأمن ‪ :‬وهو احلريب الذي يدخل بالد املسلمني بأمان من اإلمام أو نائبه َّ‬ ‫‪-6‬‬
‫يسمع كالم اهلل حىت يبلغ مأمنه‪.‬‬
‫مهدر الدم ‪ ،‬وقد يكون إهدار الدم أصلياً مثل احلريب ‪ ،‬وقد‬
‫وخرج بهذا الشرط ‪ :‬غري املعصوم ‪ ،‬وهو َ‬
‫يكون طارئاً ‪ ،‬وهو من وجد به سبب يزيل العصمة ‪ ،‬وأسباب إزالة العصمة متعددة منها ‪ :‬زىن احملصن ‪،‬‬
‫وقتل النفس ‪ ،‬والردة ‪ ،‬واإلفساد يف األرض ( احملاربة ) ‪ ،‬ونقض املعاهد عهده ‪ ،‬وغريها ‪ ،‬وقد أشار إىل بعض‬
‫هذه األسباب النيب صاىل اهلل عليه وسلم فيما يرويه ابن مسعود عنه أنه قال ‪ :‬ال حيل دم امرىء مسلم يشهد‬

‫‪16‬‬
‫أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل إال بإحدى ثالث الثيب الزاين والنفس بالنفس والتارك لدينه املفارق للجماعة‬
‫رواه اجلماعة‬
‫وعن عائشة مرفوعاً ‪ :‬ال حيل دم امرىء مسلم إال من ثالثة إال من زىن بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم أو‬
‫قتل نفس فقتل هبا رواه أمحد والنسائي‬
‫الركن الثاني ‪ :‬القصد ‪:‬‬
‫واملراد أن يقصد اجلاين اجلناية ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬هل المراد بالقصد قصد االعتداء أم قصد القتل ؟‬
‫اختلف الفقهاء يف ذلك على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أن املراد قصد القتل ‪ ،‬وهذا هو قول اجلمهور من احلنفية والشافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن املراد قصد االعتداء ‪ ،‬وهذا هو قول املالكية ‪ ،‬فتكون اجلرمية عندهم جرمية عمدية مبجرد‬
‫قصد اجلاين االعتداء على اجملين عليه ‪ ،‬وإن مل يقصد قتله ‪.‬‬
‫وسبب االختالف في معنى القصد ‪ :‬أن املالكية اليعرتفون بالقتل شبه العمد ‪ ،‬فعندهم شبه العمد نوع من‬
‫العمد ‪ ،‬وهم يقسمون القتل إىل قسمني ‪ :‬خطأ ‪ ،‬وعمد فقط ‪.‬‬
‫وسيأيت بيان اخلالف يف املسألة وأن الراجح فيها هو قول اجلمهور لعدة أدلة ‪ ،‬وعليه فإن الصحيح يف معىن‬
‫القصد هنا هو قصد القتل ‪ ،‬فلو قصد اجلاين االعتداء ومل يقصد القتل فهو شبه عمد وليس بعمد ‪.‬‬
‫مسألة ‪:‬إذا أذن المجني عليه للجاني بقتله فهل هذا من العمد أم من شبه العمد أم من الخطأ ؟‬
‫اختلف الفقهاء يف ذلك على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أنه قتل عمد فيجب فيه القود أي القصاص ‪.‬‬
‫وهذا قول املالكية ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪ :‬بأنه إذن يف غري حمله فكأنه غري موجود ‪ ،‬ألن اإلنسان الميلك نفسه فضالً عن أن ياذن لغريه أن‬
‫يقتله ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنه شبه عمد ‪.‬‬
‫وهذا قول األحناف ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪ :‬أن قصد االعتداء موجود ولكن وجود اإلذن شبهة متنع من إحلاقه بالقتل العمد ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪ :‬أن هذا القتل فيه اإلمث ‪ ،‬والقصاص فيه والدية ‪،‬‬
‫وهذا هو قول الشافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪:‬ألن القصاص والدية شرعا حلق اجملين عليه وهو قد تنازل عن حقه ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫والراجح هو القول األول لقوة أدلته ‪ ،‬وعليه فهذا القتل فيه القصاص أو الدية ‪ ،‬وكون اجملين عليه قد تنازل عن‬
‫حقه اليسقط بذلك ‪ ،‬ألن هذا اإلسقاط إمنا كان قبل السبب املوجب هلما ‪ ،‬وإسقاط احلق قبل وجود سببه‬
‫اليصح ‪.‬‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫ذكر أهل العلم قاعدة ‪ ،‬وهي أنه الجيوز تقدمي الشيء قبل سببه ‪ ،‬وجيوز تقدميه بعد وجود سببه وقبل شرط‬
‫وجوبه ‪.‬‬
‫وهلذه القاعدة أمثلة منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬الطهارة ‪ ،‬سببها احلدث وشرط وجوهبا القيام للصالة ‪ ،‬أي الجتب إال عند القيام للصالة ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫يصح تقدميها قبل القيام للصالة ‪ ،‬ولكن اليصح تقدميها قبل سببها وهو احلدث ‪.‬‬
‫‪ .2‬الزكاة ‪ ،‬سببها امتالك النصاب ‪ ،‬وشرط وجوهبا مضي احلول ‪ ،‬ويصح تعجيل الزكاة بعد امتالك النصاب‬
‫وقبل مضي احلول ‪ ،‬ولكن اليصح إخراجها قبل امتالك النصاب ‪.‬‬
‫‪ .3‬كفارة اليمني ‪ ،‬سببها اليمني ‪ ،‬وشرط وجوهبا احلنث ‪ ،‬فيصح إخراجها قبل احلنث ‪ ،‬ولكن اليصح‬
‫تقدميها على اليمني ‪.‬‬
‫‪ .4‬القصاص والدية ‪ ،‬فإن سببهما هو اجلناية ‪ ،‬وشرط وجوهبما املوت ‪ ،‬فيصح العفو عنهما بعد وجود‬
‫االعتداء على اجملين عليه أي وهو يف طريقه إىل املوت ‪ ،‬ولكن اليصح قبل االعتداء ‪.‬‬
‫الركن الثالث من أركان القتل العمد ‪ :‬األداة ‪:‬‬
‫وهو أهم أركان القتل العمد ‪ ،‬وأكثر أحباث القتل العمد فيه ‪ ،‬ألن قصد القتل أمر باطن الميكن إثباته ‪ ،‬فيلجأ‬
‫يف إثباته إىل األداة اليت هي أمر ظاهر ‪ ،‬إذ احلقوق بني الناس اليستند فيها على باطن اإلنسان ‪ ،‬واليسأل عن‬
‫نيته ألنه رمبا كذب فأهدرت دماء ‪ ،‬وضيعت حقوق ‪ ،‬وإمنا ينظر إىل واقع احلال وهو األداة اليت استخدمت يف‬
‫االعتداء ‪ ،‬إذ األداة يتحدد من خالهلا ما إذا كان اجلاين قصد القتل فتكون اجلناية قتل عمد ‪ ،‬أو أنه قصد جمرد‬
‫االعتداء ومل يقصد القتل فتكون شبه عمد ‪.‬‬
‫قاعدة عامة في التفريق بين أنواع القتل الثالثة ‪:‬‬
‫إذا حصلت حالة قتل فثمت ثالث احتماالت ‪ :‬إما أنه قتل عمد ‪ ،‬أو شبه عمد ‪ ،‬أو خطأ ‪ ،‬فإن تبني قصد‬
‫االعتداء يف اجلناية فيستبعد االحتمال الثالث ‪ ،‬ويبقى احتماالن ‪ :‬إما أنه عمد أو شبه عمد ‪ ،‬وهنا ننظر إىل‬
‫اآللة املستخدمة يف اجلناية فإن كانت تقتل غالباً فعمد ‪ ،‬وإن كانت ال تقتل يف الغالب فشبه عمد ‪ ،‬أما إن مل‬
‫يتبني يف اجلناية قصد االعتداء فهو قتل خطأ أياً كانت اآللة املستخدمة يف القتل ‪.‬‬
‫وقد استقرأ أهل العلم صور القتل العمد فوجدوها التخرج عن تسع صور ‪ ،‬سنشرحها بالتفصيل فيما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬صور القتل العمد ‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫قبل الشروع يف سرد صور القتل العمد ‪ ،‬حيسن التعرف على املالمح العامة يف كل مذهب من املذاهب األربعة‬
‫وضوابطة يف األداة املستخدمة يف القتل العمد ‪ ،‬فمن خالل استقراء نصوص أئمة املذاهب األربعة يتبني أن‬
‫لكل مذهب منحى خاص يف حتديد الصور اليت تدخل ضمن القتل العمد واليت التدخل ‪ ،‬وأن أشد تلك‬
‫املذاهب املالكي مث يليه الشافعي واحلنبلي مث يليهما احلنفي ‪.‬‬
‫وخالصة اتجاهات األئمة على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ -1‬فاإلمام مالك – ألنه اليعرتف بالقتل شبه العمد – يعترب القتل عمداً ‪ ،‬مادام الفعل عمداً وبقصد العدوان‬
‫‪ ،‬بصرف النظر عن اآللة ‪ ،‬فلو اعتدى عليه حبجر صغري فقتله فهو قتل عمد ‪ ،‬يقتل به ‪ ،‬ولو مل يقصد قتله ‪،‬‬
‫فهو ال يشرتط يف اآللة املستخدمة أي شرط ‪.‬‬
‫‪ -2‬والشافعي وأمحد يشرتطان يف اآللة شرطاً واحداً وهو أن تكون مما يقتل غالباً ‪ ،‬كالسيف واحلجر الكبري ‪،‬‬
‫واإللقاء من مكان عال وحنو ذلك ‪ ،‬أما لو اعتدى عليه بآلة التقتل غالباً كالعصا الصغرية ‪،‬فمات هبا فإن هذا‬
‫شبه عد وليس بعمد ‪.‬‬
‫‪ -3‬وأبو حنيفة يشرتط يف اآللة شرطني ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن تكون مما يقتل غالباً‬
‫والثاين ‪ :‬أن تكون معدة للقتل ‪ ،‬واآللة املعدة للقتل عنده هي كل آلة جارحة أو طاعنة ذات حد هلا مور يف‬
‫اجلسم ‪ ،‬من أي شيء كانت ( حديد ‪ ،‬حناس ‪ ،‬خشب ‪ ¸)..‬أو ما يعمل عمل هذه األشياء يف اجلرح والطعن‬
‫كالنار واحلديد وإن مل يكن حمدداً ‪.‬‬
‫وما سوى ذلك فليس بآلة قاتلة ‪ ،‬فمن صور القتل العمد عنده ‪ :‬أن يطعنه بالسيف أو بالسكني أو يرميه‬
‫بالبندقية ‪ ،‬فهذه اآلالت تقتل غالباً ‪ ،‬وهي معدة للقتل يف عرف الناس ‪ ،‬ألهنا ذات نفوذ يف البدن ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫أيضاً لو حرقه بالنار ‪ ،‬أو ضربه حبديدة على رأسه من دون أن تنفذ يف البدن ‪ ،‬فهذه أيضاً قتل عمد ألهنا وإن‬
‫مل تكن ذات نفوذ إال أن احلديد والنار من األدوات املعدة للقتل يف عرف الناس ‪.‬‬
‫أما لو ضربه حبجر كبري ‪ ،‬أو أرداه من جبل شاهق ‪ ،‬أو دهسه بالسيارة ‪ ،‬فليس بقتل عمد عنده ألن هذه‬
‫األدوات وإن كانت تقتل غالباً إال أهنا غري معدة للقتل أصالً ‪.‬‬
‫ووجه الخالف بين أبي حنيفة من جهة ‪ ،‬والشافعي وأحمد من جهة أخرى ‪:‬‬
‫أن أباحنيفة يرى أن عقوبة القتل العمد عقوبة متناهية يف الشدة وهي القصاص ‪ ،‬وهذا يستدعي أن تكون‬
‫جرمية العمد متناهية يف العمد حبيث يكون القتل عمداً حمضاً الشبهة فيه ‪ ،‬ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫" العمد قود " ‪ ،‬وألن استعمال آلة غري معدة للقتل دليل على عدم قصد العمد ‪ ،‬وعلى أقل األحوال فهو يفيد‬
‫االحتمال واالحتمال شبهة والشبهة متنع القتل ‪.‬‬
‫أما الشافعي وأمحد فرييان أن استعما آلة تقتل غالباً يعد دليالً كافياً يف قصد القتل ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وسيتبني لنا إن شاء اهلل أن النصوص الرعية تؤيد ما ذهب إليه الشافعي وأمحد ‪ ،‬ألن اشرتاط أن تكون اآللة‬
‫معدة للقتل ال دليل عليه ‪ ،‬أما اشرتاط كوهنا مما يقتل غالباً فهذا له ادلة سيأيت ذكرها يف القتل شبه العمد ‪.‬‬

‫الصورة األولى من صور القتل العمد ‪:‬القتل بالمحدد ‪:‬‬


‫المسألة األولى ‪ :‬تعريف المحدد ‪:‬‬
‫احملدد ‪ :‬هو كل ماله َمور يف البدن ‪ ،‬أي نفوذ وتفريق لألجزاء سواء أكان من احلديد أو النحاس أو الزجاج أو‬
‫اخلشب أو احلجارة أو العظام ‪ ،‬مثل السكني واخلنجر والسيف والبندقية واخلشب احملدد ‪ ،‬والزجاج احملدد ‪،‬‬
‫وحنوها ‪.‬‬
‫فالقتل هبذه األدوات من القتل العمد بتفاق الفقهاء ‪.‬‬
‫والخالف بني أهل العلم على أنه إذا أحدث جرحاً كبرياً هبذه األدوات فمات به فهو قتل عمد ‪.‬‬
‫أماإن أحدث جرحاً صغرية كالوخز باإلبرة ‪ ،‬أو بالشوكة ‪ ،‬فيفرق بني حالني ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬أن يكون اجلرح الصغري يف َمقتِل – أي مكان قاتل – فهذا عمد باتفاق الفقهاء ‪ ،‬مثل إدخال‬
‫إبرة يف القلب ‪ ،‬ألن هذا يقتل يف الغالب ‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أن يكون اجلرح يف غري مقتل ‪ ،‬كما لو وخزه بإبرة يف فخذه فمات منها ‪ ،‬فهنا اختلف‬
‫الفقهاء على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أنه قتل شبه عمد ‪.‬‬
‫وهذا مذهب احلنفية ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن اإلبرة وحنوها التستعمل يف القتل عادة ‪ ،‬وهذه اجلناية التقتل يف الغالب ‪ ،‬وكونه مات بسبب اإلبرة‬
‫مستبعد ‪ ،‬وإمنا حصل موته اتفاقاً‬
‫‪ -2‬وألن هذه سبهة يدرأ هبا القصاص ‪ ،‬ألن القصاص يدرأ بالشبهات ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أنه قتل عمد ‪.‬‬
‫وهذا قول اجلمهور‬
‫وحجتهم ‪ :‬أن الظاهر من هذه الصورة أنه قصد القتل ‪ ،‬إذ الطعن باحملدد يقتل غالباً فيكون قتل عمد ولو كان‬
‫بإبرة صغرية ‪.‬‬
‫والراجح واهلل أعلم هو قول األحناف ( القول األول ) ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬لوتمكن الجريح من آلة حادة قاتلة من مداواة نفسه ولكنه لم يفعل فمات‪ ،‬فهل الجناية‬
‫قتل عمد ؟‬

‫‪20‬‬
‫الصحيح أهنا قتل عمد ألن تقصري اجملين عليه يف التداوي اليعفي اجلاين ‪ ،‬إذ األداة قاتلة وقصد القتل موجود ‪،‬‬
‫واملداواة ليست طريقاً حمققاً للشفاء ‪ ،‬وهذا اليعفي اجملين عليه أيضاً من اإلمث ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬لو قطع عضواً من أعضائه فمات فهو قتل عمد ‪ ،‬حىت ولوكان العضو زائداً ألنه قتل مبحدد‬
‫‪ ،‬مامل يقطع العضو الزائد بإذن صاحبه فال يكون قتالً ‪.‬‬
‫بالمث ّقل ‪:‬‬
‫الصورة الثانية ‪ :‬القتل ُ‬
‫املثقل ‪ :‬هو ما يقتل لثقله وأثره على اجلسد اللنفوذه ‪ ،‬مثل إلقاء صخرة كبرية أو الضرب بعصا كبرية ‪ ،‬أو‬
‫الدعس بالسيارة ‪ ،‬وحنوها ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء في القتل بالمثقل على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه شبه عمد إال إذا كان حبديد‬
‫وهذا مذهب أيب حنيفة ‪.‬‬
‫واستدل مبا يلي ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪ :‬عن عبداهلل بن عمرو أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قال أال إن قتيل اخلطأ شبه العمد‬
‫قتيل السوط أو العصا فيه مائة من اإلبل منها أربعون يف بطوهنا أوالدها رواه اخلمسة إال الرتمذي ‪.‬‬
‫ووجه الداللة ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم جعل قتيل السوط والعصا واحلجر من القتل شبه العمد ومل يفرق‬
‫بني الصغري منها والكبري ‪.‬‬
‫الدليل الثاني ‪ :‬أن املثقل اليستخدم يف القتل عادة ولو كان كبرياً ‪.‬‬
‫أما دليلهم على استثناء احلديد فقالوا ‪ :‬إن احلديد وصفه¸ اهلل تعاىل بأنه فيه بأس شديد يف قوله سبحانه " وأنزلنا‬
‫احلديد فيه بأس شديد " وهو يستخدم للقتال يف اجلهاد فهو أداة معدة للقتل ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن القتل باملثقل له حاالت ‪:‬‬
‫‪ -1‬فإن كان كبرياً يقتل غالباً فهو عمد ‪ ،‬سواء كان حبديدة كاملطرقة ‪ ،‬أو خبشبة كبرية أوحجر وحنوه ‪ ،‬أو‬
‫يلكمه لكمة قوية بيده أو برجله يف بدنه أو يف رأسه ‪ ،‬أو يلقيه من شاهق ‪،‬أو يلقي عليه حائطاً ‪ ،‬أو يعصر‬
‫خصيتيه عصراً شديداً يف وقت ميوت فيه اإلنسان غالباً ‪ ،‬فكل هذا من القتل العمد ‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن كان صغرياً فينظر ‪ :‬فإن استخدم اآللة الصغرية بطريقة تقتل غالباً ‪ ،‬فهو عمد أيضاً ‪ ،‬وهلذا ثالث‬
‫صور ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬أن يضربه بشيء صغري يف مقتل ‪ ،‬كأن يضربه حبجر صغري يف خاصرته أو خصيته أو على قلبه ‪،‬‬
‫وحنوذلك ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬أن يتواىل الضرب على اجملين عليه حىت ميوت ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أن يكون الضرب يف حال ضعف اجملين عليه وعدم قدرته على التحمل ‪ ،‬بسبب صغر أو كرب سن ‪ ،‬أو‬
‫مرض ‪ ،‬أو برد شديد ‪ ،‬وحنوذلك ‪.‬‬
‫فهذه الصور الثالث تلحق باحلال األوىل ‪ ،‬ألن األداة املستخدمة وإن كانت صغرية إال أهنا استخدمت بطريقة‬
‫تقتل غالباً فتلحق بالكبرية ‪.‬‬
‫‪ -3‬أما إن كانت اآللة املستخدمة يف اجلناية صغرية التقتل غالباً ‪ ،‬وكان الضرب يف غري مقتل ‪ ،‬ويف حال قوة‬
‫اجملين عليه ‪ ،‬ومل يتوال الضرب ‪ ،‬فمات اجملين عليه فشبه عمد ‪.‬‬
‫واخلالصة ‪ :‬أن الضابط عند هؤالء أن ننظر إىل صورة القتل باملثقل هل هي تقتل غالباً أم ال ؟ فإن كانت تقتل‬
‫غالباً لكرب اآللة أو لطريقة اجلناية فعمد وإال فشبه عمد ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول على أن القتل بالمثقل من القتل العمد بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬الدليل األول ‪ :‬عن أنس أن يهوديا رض رأس جارية بني حجرين فقيل هلا من فعل بك هذا فالن أو‬
‫فالن حىت مسي اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فاعرتف فأمر به النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم فرض رأسه‬
‫حبجرين رواه اجلماعة‬
‫‪ -2‬الدليل الثاني ‪ :‬عن أيب شريح اخلزاعي أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ :‬فمن قتل له قتيل فهو خبري‬
‫النظرين القود أو الدية " متفق عليه‬
‫ووجه الداللة ‪:‬عموم احلديث فالنيب صلى اهلل عليه وسلم مل يشرتط يف األداة أن تكون حمددة فسواء كان القتل‬
‫مبحدد أو مبثقل ففيه القود ‪.‬‬
‫ورد اجلمهور على استدالل األحناف حبديث " أال إن قتيل اخلطأ شبه العمد ‪ ¸"...‬بأن احلديث حممول على‬
‫احلجر والعصا الصغريين القرتانه بالسوط ‪ ،‬والسوط صغري ‪ ،‬كما أن الغالب على العصا أن تكون صغرية‬
‫فيحمل احلديث على احلجر والعصا غري القاتل ‪ ،‬ومما يؤيد هذا املعىن حديث أنس املتقدمة يف اجلارية اليت رض‬
‫رأسها حبجر ‪ ،‬والسبيل إىل اجلمع إال بأن حيمل حديث أنس على احلجر الكبري الذي يقتل غالباً ‪ ،‬وحديث‬
‫عبداهلل بن عمرو على احلجر الصغري الذي اليقتل يف الغالب ‪.‬‬
‫مالحظة ‪:‬‬
‫غين عن البيان أن مجيع ماذكر من القتل باملثقل هو من القتل العمد عند املالكية ‪ ،‬ألهنم اليشرتطون يف اآللة أي‬
‫شرط فجميع الصور السابقة والالحقة من القتل العمد عندهم ‪.‬‬
‫الصورة الثالثة ‪:‬‬
‫أن يلقيه يف مهلكة مثل أن يلقيه يف زبية أسد أو جحره أو حنوه أو مكتوفا حبضرته أو يف مسبعة أو يف مضيق‬
‫حبضرة حية أو ينهشه كلبا عقوراً أو حية أو يلسعه عقربا من القواتل ‪.‬‬
‫أما لو كتفه وألقاه يف أرض آمنة فجاء أسد فافرتسه أو حية فنهشته فهذا شبه عمد ‪ ،‬ألنه تعمد اجلناية بشيء‬
‫اليقتل غالباً ‪ ،‬ولكنه مات بسببها ‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الصورة الرابعة ‪ :‬التغريق والتحريق ‪:‬‬
‫اختلف العلماء في التغريق والتحريق على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫يرى الشافعية واحلنابلة أن من صور القتل العمد أن يلقيه يف نار أو ماء يغرقه وال ميكنه التخلص منه إما لكثرة‬
‫املاء أو النار وإما لعجزه عن التخلص ملرض أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه اخلروج أو كونه يف حفرة ال‬
‫يقدر على الصعود منها وحنو هذا أو ألقاه يف بئر ذات نفس فمات به عاملا بذلك فهذا كله عمد ألنه يقتل‬
‫غالبا ‪.‬‬
‫وإن ألقاه يف ماء يسري يقدر على اخلروج منه فلبث فيه اختيارا حىت مات فال قود فيه وال دية ألن هذا الفعل مل‬
‫يقتله وإمنا حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه فلم يضمنه غريه ‪.‬‬
‫وإن تركه يف نار ميكنه التخلص منها لقلتها أو كونه يف طرف منها ميكنه اخلروج بأدىن حركة فلم خيرج حىت‬
‫مات فال قود ألن هذا ال يقتل غالبا لكنه قتل شبه عمد يوجب الضمان فقط ‪.‬‬
‫والفرق بين الماء والنار أن املاء ال يهلك بنفسه وهلذا يدخله الناس للغسل والسباحة والصيد وأما النار‬
‫فيسريها يهلك وإمنا تعلم قدرته على التخلص بقوله أنا قادر على التخلص أو حنوهذا ألن النار هلا حرارة‬
‫شديدة فرمبا أزعجته حرارهتا عن معرفة ما يتخلص به أو أذهبت عقله بأملها وروعتها أو شنجت أعصابه ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬مالفرق بين من ألقي في ماء أو نار يسيرين وهو يستطيع الخروج فلم يخرج فالقود على‬
‫الجاني ‪ ،‬وبين ما إذا طعنه بمحدد وهويستطيع التداوي فتركه حتى مات ففيه القود ؟‬
‫فالجواب ‪:‬أن التخلص من النار واملاء اليسريين طريق حمقق للسالمة يف حني أن التداوي ليس طريقاً حمققاً‬
‫للشفاء ‪ ،‬فقد يتداوى واليشفى ‪ ،‬فاجلاين يف مسألة املاء والنار اليسريين ليس قاتالً يف احلقيقة بل اجملين عليه هو‬
‫الذي قتل نفسه ببقائه ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫يفرق األحناف بني التغريق والتحريق ‪ ،‬ألهنم يلحقون التحريق بالسالح إذ يعمل عمله فيفرق أجزاء اجلسد ‪،‬‬
‫ومن مث فالنار عندهم معدة للقتل ‪ ،‬فإن كانت كثرية تقتل غالباً فعمد ‪ ،‬وإن كانت صغرية الهتلك غالباً فشبه‬
‫عمد ‪.‬‬
‫وعلى هذا فاألحناف يتفقون مع الشافعية واحلنابلة يف التحريق ‪.‬‬
‫أما التغريق فهو شبه عمد دائماً عند األحناف ألنه يلحق باملثقل ‪ ،‬وهو وإن قتل غالباً إال أنه غري معد للقتل ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫أن التحريق والتغريق عمد مطلقاً ولو كان يسرياً‬
‫وهذا قول املالكية بناء على أهنم اليرون القتل شبه العمد ‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫والراجح هو القول األول ‪.‬‬
‫مسألة (‪ :)1‬إن ألقاه يف جلة ال ميكنه التخلص منها فالتقمه حوت فعليه القود ألنه ألقاه يف مهلكة فهلك‬
‫فأشبه ما لو غرق ‪ ،‬وإن ألقاه يف ماء يسري فأكله سبع أو التقمه حوت أو متساح فال قود عليه ألن الذي فعله‬
‫ال يقتل غالبا وعليه ضمانه ألنه هلك بفعله ‪.‬‬
‫مسألة (‪ :)2‬أثر قدرة المجني عليه في دفع الجناية ‪:‬‬
‫من خالل ما تقدم ‪ ،‬إذا كان اجملين عليه قادراً على دفع أثر اجلناية ‪ ،‬فهل هذا يؤثر يف رفع القود عن اجلاين ؟‬
‫يفرق هنا بني ثالث حاالت ‪:‬‬
‫‪ .1‬إذا كان الفعل مهلكاً والدفع غري موثوق به ‪ ،‬كرتك معاجلة اجلرح ‪ ،‬اعترب القاتل قاتالً والعربة برتك العالج ‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا ك ¸ ¸¸ان الفعل غري مهلك ‪ ،‬وال ¸ ¸¸دفع موث ¸ ¸¸وق به ‪ ،‬كمن ألقي يف م ¸ ¸¸اء قليل ‪ ،‬فبقي مس ¸ ¸¸تلقياً فيه حىت م ¸ ¸¸ات أو‬
‫تصلبت أطرافه من الربد ‪ ،‬فهذا ليس بقتل عمد ‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا كان الفعل مهلكاً ‪ ،‬والدفع سهل ‪ ،‬كما لو ألقى من حيسن السباحة يف ماء كثري فغرق ‪ ،‬ففيه خالف ‪:‬‬
‫فقيل ‪ :‬إنه قتل عمد ألن املاء يدهش السابح ‪ ،‬وقد يشنج أعصابه ‪ ،‬وألن العادة أاليستسلم اإلنسان للموت ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬إنه ليس بقتل عمد ألن اآللة التقتل غالباً ‪.‬‬
‫وسبب الخالف ‪ :‬هو االختالف يف تص¸¸ور ح¸¸ال اجملين عليه فلو علم أنه بقي خمت¸¸اراً فليس بقتل عمد ‪ ،‬والص¸¸حيح يف‬
‫ه ¸ ¸¸ذه املس¸ ¸ ¸¸ألة أنه قتل ش¸ ¸ ¸¸به عمد ألن اآللة التقتل غالب ¸ ¸ ¸اً ‪ ،‬والبد يف القتل العمد أن يقصد اجلاين القتل ‪ ،‬والميكن ان‬
‫نتحقق من ذلك إال باآللة ‪ ،‬واآللة هنا التقتل غالباً ‪.‬‬
‫الصورة الخامسة ‪ :‬الخنق ‪:‬‬
‫واملقصود¸ أن مينع خروج نفسه بأي وسيلة كان مثل أن جيعل يف عنقه خراطة مث يعلقه يف خشبة أو شيء حبيث‬
‫يرتفع عن األرض فيختنق وميوت فهذا عمد سواء مات يف احلال أو بقي زمنا ألن هذا أوحى أنواع اخلنق ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضاً أن خينقه وهو على األرض بيديه أو منديل أو حبل أو يغمه بوسادة أو شيء يضعه على فيه‬
‫وأنفه أو يضع يديه عليهما فيموت فهذا إن فعل به ذلك مدة ميوت يف مثلها غالبا فمات فهو عمد فيه‬
‫القصاص ‪ ،‬وإن فعله يف مدة ال ميوت يف مثلها غالبا فمات فهو شبه عمد‬
‫وإن خنقه وتركه مثال حىت مات ففيه القود ألنه مات من سراية جنايته فهو كامليت من سراية اجلرح وإن‬
‫تنفس وصح مث مات فال قود ألن الظاهر أنه مل ميت منه فأشبه ما لو اندمل اجلرح مث مات ‪.‬‬
‫واألحناف يرون أن القتل باخلنق شبه عمد دائماً بناء على قاعدهتم بأن العمد البد بأن يكون بآلة معدة للقتل‬
‫‪.‬‬
‫بينما املالكية يرون أنه عمد مطلقاً ألهنم اليعرتفون بالقتل شبه العمد أساساً ‪.‬‬
‫والراجح هو القول األول ‪.‬‬
‫الصورة السادسة ‪ :‬حبسه ومنع الطعام والشراب عنه ‪:‬‬

‫‪24‬‬
‫ويلحق مبنع الطعام والشراب منع وسائل التدفئة أو التربيد ‪.‬‬
‫ويشرتط هلذه الصورة شرطان ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن حيبسه مدة ميوت فيها غالباً ‪ ،‬وهذه املدة ختتلف باختالف الناس والزمان واألحوال ‪،‬‬
‫فالصغري مثالً خيتلف عن الكبري ‪ ،‬واملريض خيتلف عن الصحيح ‪ ،‬إذا كان عطشان يف شدة احلر مات يف الزمن‬
‫لقليل وإن كان ريان والزمن بارد أو معتدل مل ميت إال يف مدة طويلة فتعترب هذا فيه وإن كان يف مدة ميوت يف‬
‫مثلها غالبا ففيه القود وإن كان يف مدة ال ميوت يف مثلها غالبا فهو عمد اخلطأ ‪.‬‬
‫وإن شككنا فيها مل جيب القود ألننا شككنا يف السبب وال يثبت احلكم مع الشك يف سببه السيما القصاص‬
‫الذي يسقط بالشبهات ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن اليستطيع احملبوس االستغاثة أو الطلب فإن كان قادراً على االستغاثة والطلب فلم يفعل‬
‫حىت مات فدمه هدر ‪.‬‬
‫وذهب احلنفية إىل أن احلابس الشيء عليه ألن املوت حدث باجلوع الباحلبس ‪ ،‬واحلبس ليس أداة معدة للقتل‬
‫عادة ‪.‬‬
‫أما املالكية فريون أنه عمد مطلقاً ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬يلحق هبذه الصورة أيضاً ما إذا أخذ من شخص طعامه وشرابه يف مفازة وليس حوله أحد يستنجد به‬
‫‪ ،‬أو أخذ دابته وظل ميشي على قدميه حىت مات فهو قتل عمد ‪.‬‬
‫الصورة السابعة ‪ :‬القتل بالسم ‪:‬‬
‫بالسم‪ -‬بفتح السني يف األصح – مخس صور ‪:‬‬ ‫وللقتل َ‬
‫‪ -1‬أن يسقيه َسَّما إكراهاً أو يطعمه شيئا قاتال فيموت به فهو عمد موجب للقود إذا كان مثله يقتل غالبا‬
‫‪ -2‬أو يخلطه بطعام ويقدمه إليه فيأكله أو يهديه إليه ‪ ،‬ففيه القود‬
‫‪ -3‬أو يخلطه بطعامه الذي يأكله يف العادة دون أن يقدمه إليه ‪،‬ومل يعلم بذلك اآلكل ‪ ،‬فاختلف الفقهاء يف‬
‫هذه الصورة عل قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫ذهب احلنابلة إىل أن فيه القود ألنه يقتل غالبا ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫وقال الشافعي يف املشهور ال قود عليه‬
‫وحجتهم ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألنه أكله خمتارا فأشبه ما لو قدم إليه سكينا فطعن هبا نفسه‬
‫‪ -2‬وألن أنس بن مالك روى أن يهودية أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ومل يقتلها النيب صلى اهلل عليه وسلم‬

‫‪25‬‬
‫والصحيح هو قول احلنابلة ألن أبا سلمة قال يف آخر حديث اليهودية فمات بشر بن الرباء فأمر هبا النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم فقتلت أخرجه أبو داود وألن هذا يقتل غالبا ويتخذ طريقا إىل القتل كثريا فأوجب القصاص‬
‫كما لو أكرهه على شربه فأما حديث أنس فيجوز أن يكون النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يقتلها قبل أن ميوت‬
‫بشر بن الرباء فلما مات أرسل إليها النيب صلى اهلل عليه وسلم فسأهلا فاعرتفت فقتلها فنقل أنس صدر القصة‬
‫دون آخرها ويتعني محله عليه مجعا بني اخلربين ‪.‬‬
‫وفارق تقدمي السكني ألهنا ال تقدم إىل إنسان ليقتل هبا نفسه إمنا تقدم إليه لينتفع هبا وهو عامل مبضرهتا ونفعها‬
‫فأشبه ما لو قدم إليه السم وهو عامل به ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يخلط السم بطعام نفسه ويرتكه يف منزله فيدخل إنسان فيأكله فينظر ‪:‬‬
‫‪ -1‬فإن كان قد دخل بغري إذنه فليس عليه ضمان بقصاص وال دية ألنه مل يقتله وإمنا الداخل‬
‫قتل نفسه فأشبه ما لو حفر يف داره بئرا فدخل رجل فوقع فيها وسواء قصد بذلك قتل‬
‫اآلكل مثل أن يعلم ظاملا يريد هجوم داره فرتك السم يف الطعام ليقتله فهو كما لو حفر‬
‫بئرا يف داره ليقع فيها اللص إذا دخل ليسرق منها ‪.‬‬
‫‪ -2‬أما إن دخل الدار بإذنه فأكل الطعام املسموم بغري إذنه فهذا من القتل بالتسبب ‪ ،‬أي‬
‫من اخلطأ ‪ ،‬وفيه الدية خمففة ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يخلطه بطعام رجل أو يقدم إليه طعاما مسموما ويخربه بسمه فأكله مل يضمنه ألنه أكله عاملا حباله‬
‫فأشبه ما لو قدم إليه سكينا فوجأ هبا نفسه‬
‫مسألة ‪:‬‬
‫إن سقى إنسانا مسا أو خلطه بطعامه فأكله ومل يعلم به وكان مما ال يقتل مثله غالبا فمات فهو شبه عمد ‪ ،‬وإن‬
‫ثبت أنه قاتل ‪ ،‬فقال مل أعلم أنه قاتل فعليه القود ألن السم من جنس ما يقتل به غالبا فأشبه ما لو جرحه‬
‫وقال مل أعلم أنه ميوت منه ‪.‬‬
‫وذهب احلنفية إىل أن القتل بالسم شبه عمد مطلقاً ‪ ،‬أما املالكية فريون أنه عمد مطلقاً ‪.‬‬
‫والصحيح قول الشافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫الصورة الثامنة ‪ :‬القتل بالتسبب ‪:‬‬
‫فإذا تسبب يف قتل معصوم بشيء يقتل غالباً ففيه القود ‪ ،‬وللقتل بالتسبب عدة حاالت ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬إذا شهدت عليه بينة مبا يوجب قتله من زنا حمصن أو ردة التقبل معها التوبة أو قتل عمد مث‬
‫رجعوا أي الشهود بعد قتله وقالوا عمدنا قتله فيقاد هبذا كله وحنو ذلك ‪.‬‬
‫ومثال الردة اليت التقبل معها التوبة ‪ :‬الزنديق والساحر عند من يرى أنه التقبل توبتهما قضاءً كما يف املذهب‬
‫احلنبلي ‪ ،‬أما إن شهدت البينة بردة تقبل معها التوبة قضاءً فال قصاص إذ بإمكان املتهم أن يتوب ويدرأ عن‬
‫نفسه احلد ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬دليل من األثر ‪:‬‬
‫ما روى القاسم بن عبد الرمحن أن رجلني شهدا عند علي رضي اهلل عنه على رجل أنه سرق فقطعه مث رجعا‬
‫على شهادهتما فقال علي ‪" :‬لو أعلم أنكما تعمدمتا لقطت أيديكما " وغرمهما دية يده‬
‫‪ -2‬دليل من النظر ‪:‬‬
‫ألهنم توصلوا إىل قتله مبا يقتل غالبا فوجب عليهم القصاص كالقتل باحمدد ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬ما الحكم لو كان القاضي عالماً أيضاً بكذب البينة ؟ وكذا لو كان ولي الدم أو الوكيل بالقتل‬
‫عالماً أيضاً بكذبها ‪ ،‬فممن يقتص ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ذكر أهل العلم قاعدة يف هذا الباب فقالوا ‪ " :‬ويختص بالقصاص مباشر للقتل عالم بأنه ظلم ثم‬
‫ولي عالم بذلك وبينة وحاكم علموا "‪.‬‬
‫فعندنا أربعة أطراف ‪:‬‬
‫‪ -1‬الوكيل بالقتل (السياف )‬
‫‪ -2‬ويل الدم (ورثة القتيل )‬
‫‪ -3‬القاضي‬
‫‪ -4‬البينة‬
‫وعلى هذا ‪:‬‬
‫‪ ‬فالوكيل أو ويل الدم أيهما باشر القتل فعليه القصاص دون البقية بإمجاع أهل العلم ‪ ،‬فإذا باشر الويل القتل‬
‫بنفسه وهو عامل بكذب البينة فعليه القصاص وحده حىت ولو كان القاضي والبينة يعلمون أنه يقتل ظلماً‬
‫‪،‬ولو وكل الويل شخصاً ليتوىل القتل وهو عامل بكذب البينة فعليه القصاص دون البقية (الويل والقاضي‬
‫والبينة حىت وإكانوا يعلمون أيضاً ) ‪ ،‬والقاعدة عند أهل العلم ‪ :‬أنه مىت اجتمع مباشر ومتسبب وأمكن‬
‫تضمني املباشر فإن املباشرة تقطع حكم التسبب ‪ ،‬وجيب أن يعزر البقية ‪.‬‬
‫‪ ‬فإن كان املباشر للقتل اليعلم فيقتص من مجيع من تسبب يف القتل دون املباشر ‪ ،‬فلو كان املباشر للقتل‬
‫هو ويل الدم وهو ال يعلم بكذب البينة ‪ ،‬فينظر ‪ :‬فإن تبني أن القاضي والشهود كانوا يعلمون أنه يقتل‬
‫ظلماً فيقتص من القاضي والشهود مجيعاً ‪ ،‬ألن البينة بدون حكم القاضي التوجب القتل ‪ ،‬وحكم‬
‫ويل الدم شخصاً بالقتل وكان الوكيل ( السياف ) ال‬ ‫القاضي الميكن أن يصدر بدون بينة ‪ ،‬ولو وكل ُ‬
‫يعلم بكذب البينة ‪ ،‬فينظر ‪ :‬فإن كان ويل الدم والقاضي والشهود يعلمون أنه يقتل ظلماً فيقتص منهم‬
‫مجيعاً – أي ما عدا السياف‪ -‬ألهنم اشرتكوا يف قتله ‪ ،‬أما القاضي والشهود فلما سبق ‪ ،‬وأما ويل الدم‬
‫فألن القصاص وقع بطلبه ‪ ،‬وإن كان بعضهم يعلم دون البعض فيقتص من العامل منهم دون من كان‬
‫جاهالً ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الحال الثانية من حاالت القتل بالتسبب ‪ :‬اإلكراه‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬األمر بالقتل ‪:‬‬
‫وسيأيت احلديث عن هاتني احلالتني مبشيئة اهلل تعاىل يف باب موانع القصاص ‪.‬‬
‫الصورة التاسعة ‪ :‬القتل بالسحر ‪:‬‬
‫إذا وضع لشخص سحراً يف طعام أو شراب أو عقد له عقداً فمات املسحور بسببه فهو قتل عمد ألنه شيء‬
‫يقتل غالباً ‪.‬‬
‫ويف القتل بالسحر عدة مسائل ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬تعريف السحر ‪:‬‬
‫السحر لغة ‪ :‬كل ما لطف وخفي سببه‬
‫وش¸¸رعاً ‪ :‬يق¸¸ول ابن قدام¸¸ة‪ :‬الس¸¸حر عق ¸ ٌد ورقى وكالم يتكلم به أو يكتبه أو يعمل ش¸¸يئاً ي¸¸ؤثر يف ب¸¸دن املس¸¸حور‬
‫أو قلبه أو عقله من غري مباش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رة له وله حقيقة فمنه ما يقتل ومنه ما ميرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته‬
‫فيمنعه وطئها ومنه ما يفرق بني املرء وزوجه وما يُبغض أحدمها إىل اآلخر أو حيبب بني اثنيني‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬ثبوته ‪:‬‬
‫الس¸¸حر ث¸¸ابت يف الق¸¸رآن ويف الس¸¸نة‪ ،‬أما الق¸¸رآن ففي آي¸¸ات كث¸¸رية ي¸¸بني اهلل س¸¸بحانه وتع¸¸اىل فيها وق¸¸وع الس¸¸حر‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫قول اهلل تعاىل‪":‬واتبعوا ما تتلوا الشياطني على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطني‬ ‫‪)1‬‬
‫كف¸ ¸¸روا يعلم¸ ¸¸ون الن¸ ¸¸اس الس¸ ¸¸حر وما ُأن¸ ¸¸زل على امللكني‪ "..‬الش¸ ¸¸اهد يف قول¸ ¸¸ه‪ :‬يعلم¸ ¸¸ون الن¸ ¸¸اس الس¸ ¸¸حر‪.‬‬
‫فكانت الشياطني متشي بني الناس وتعلمهم السحر‪.‬‬
‫قوله تع ¸¸اىل يف قصة موس¸¸ى‪":‬وج ¸¸اءُوا بس¸¸حر عظيم" ويف آية أخ¸¸رى‪ ¸":‬خييل إليه من س¸¸حرهم‬ ‫‪)2‬‬
‫أهنا تسعى" فبني اهلل تعاىل أن ما أتى به هؤالء السحرة هو سحر حقيقي ووصفه¸ اهلل بأنه عظيم‪.‬‬
‫قوله تع¸¸اىل‪":‬قل أع¸¸وذ ب¸¸رب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن ثر النفاث¸¸ات‬ ‫‪)3‬‬
‫يف العقد…" النفاثات هن النساء السواحر‪.‬‬
‫واألدلة من السنة‪:‬‬
‫‪-1‬ما ثبت يف الصحيحني أنه صلى اهلل عليه وسلم قال‪":‬اجتنبوا السبع املوبقات" وذكر منها السحر‪.‬‬
‫‪-2‬ويف الص ¸¸حيحني أيض ¸اً عن عائشة رضي اهلل عنها ق¸¸الت ‪ :‬س¸¸حر رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم رجل من‬
‫بين زريق يق ¸¸ال له لبيد بن األعصم حىت ك ¸¸ان رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم خييل إليه أنه ك ¸¸ان يفعل الش ¸¸يء‬
‫وما فعله حىت إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا مث ق¸¸ال يا عائشة أش¸¸عرت أن اهلل أفت¸¸اين‬

‫‪28‬‬
‫فيما اس¸ ¸ ¸¸تفتيته فيه أت¸ ¸ ¸¸اين رجالن فقعد أح¸ ¸ ¸¸دمها عند رأسي واآلخر عند رجلي فق¸ ¸ ¸¸ال أح¸ ¸ ¸¸دمها لص ¸ ¸¸احبه ما وجع‬
‫الرجل فق ¸¸ال مطب ¸¸وب ق ¸¸ال من طبه ق ¸¸ال لبيد بن األعصم ق ¸¸ال يف أي ش ¸¸يء ق ¸¸ال يف مشط ومش ¸¸اطة وجف طلع‬
‫خنلة ذكر ق ¸¸ال وأين هو ق ¸¸ال يف ب ¸¸ئر ذروان فأتاها رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم يف ن ¸¸اس من أص ¸¸حابه فج ¸¸اء‬
‫فق¸ ¸ ¸ ¸¸ال يا عائشة ك¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸أن ماءها نقاعة احلن¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اء أو ك¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸أن رءوس خنلها رءوس الش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ياطني قلت يا رس ¸ ¸ ¸¸ول اهلل أفال‬
‫استخرجته قال قد عافاين اهلل فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا "‪.‬‬
‫والشاهد أنه صلى اهلل عليه وسلم ُأصيب بالسحر‪ ،‬وقال أهل العلم إن سحره كان من أشد أن¸¸واع الس¸حر ألنه‬
‫ك¸¸ان النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يظن أنه أتى أهله ومل يفع¸¸ل‪ .‬وس¸¸حر النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ث¸¸ابت وه¸¸ذا ال‬
‫يتناقض مع عصمة النيب أو مع نبوته فهو معصوم من أن خيطأ يف الوحي والتشريع‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬طرق تحضير الساحر للجني‪:‬‬
‫الساحر حيضر اجلان يف سحره ليؤذي هبم ابن آدم ‪ ،‬وهلذا فإن كثرياً من األم¸راض النفس¸ية والعض¸وية رمبا يك¸ون‬
‫س ¸¸ببها من أذية اجلن لبين آدم عن طريق الس ¸¸حر أو غ ¸¸ريه ‪ ،‬وقد ج ¸¸اء عنه عليه الص ¸¸الة والس ¸¸الم أنه ق ¸¸ال يف دم‬
‫االستحاضة ‪" :‬إمنا هي ركضة من الش¸¸يطان " ‪ ،‬وبعض الن¸¸اس يعتقد أن من أس¸¸باب الس¸¸رطان الس¸¸حر مس¸¸تندين‬
‫إىل قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬أكثر ما ميوت من أميت من الطعن والطاعون ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬الطاعون نعرفه فما الطعن ؟‬
‫قال ‪ :‬طعن أعدائكم من اجلن " ‪.‬‬
‫ومن طرق تحضير الجان التي ذكرها من لهم خبرة في ذلك ‪:‬‬
‫االقسام باجلين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الذبح للجين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الطريقة الس ¸ ¸ ¸¸فلية‪ ،‬وهي أن يطلب اجلين من الس ¸ ¸ ¸¸احر أن يكتب آي ¸ ¸ ¸¸ات اهلل يف ح ¸ ¸ ¸¸ذاء ويُلبسه لكي‬ ‫‪-‬‬
‫يكفر باهلل ‪ ،‬ومنها أن يؤخذ شيء من دم املرأة أو البول فيوضع يف طعام املسحور أو شرابه ‪.‬‬
‫طريقة النجاسة مثل أن يطلب منه أن يكتب آيات اهلل بدم احليض‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومن العالمات التي يعرف بها الساحر ما يلي‪-:‬‬
‫أن يسأل املريض عن امسه واسم ُأمه‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫أن يطلب الساحر أن يأخذ أثراً من آثار املريض مثل شعره وأظفاره أو مالبسه‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫أن يطلب حيواناً ليذحبه‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫كتابة الطالسم‪.‬‬ ‫‪)4‬‬
‫أن يعطي املريض أشياء ليدفنها بيده‪.‬‬ ‫‪)5‬‬

‫‪29‬‬
‫أن يعطي الساحر املريض أوراقاً ليحرقها بيده‪.‬‬ ‫‪)6‬‬
‫المسألة الرابعة ‪:‬حكم السحر‬
‫ذهب مجهور أهل العلم إىل أن الساحر كافر مطلقاً أيّاً كان سحره‪ ،‬ويُقتل ردة‪.‬‬
‫وأدلتهم‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪":‬وما كفر سليمان ولكن الشياطني كفروا يُعلمون الن¸¸اس الس¸¸حر "‪ ،‬ف¸¸بني اهلل س¸¸بب‬ ‫‪-1‬‬
‫كف¸¸رهم أهنم يعلم¸¸ون الن¸¸اس الس¸¸حر ‪ ،‬مث ق¸¸ال س¸¸بحانه ‪ ..." :‬وما يعلم¸¸ان من أحد حىت يق¸¸وال إمنا حنن‬
‫فتنة فال تكفر ‪...‬ولقد علموا ملن اشرتاه ماله يف اآلخرة من خالق "‬
‫ما روى جندب بن عبد اهلل أنه ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال‪ ":‬حد الس ¸¸احر ض ¸¸ربة بالس ¸¸يف"‬ ‫‪-2‬‬
‫رواه الرتمذي بإسناد قال فيه ابن حجر ‪ :‬ضعيف ولكنه ثبت موقوفاً عن جندب رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وروى جبالة بن عب¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دة رضي اهلل عنه ق¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ال كتب عمر رضي اهلل عنه أن اقتل¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸وا كل س¸ ¸ ¸ ¸¸احر‬ ‫‪-3‬‬
‫وساحرة‪ ،‬قال فقتلنا ثالث سواحر‪.‬‬
‫ويف ص ¸ ¸¸حيح البخ ¸ ¸¸اري عن حفصة أم املؤم ¸ ¸¸نني رضي اهلل عنها أهنا أم ¸ ¸¸رت جبارية هلا س ¸ ¸¸حرهتا‬ ‫‪-4‬‬
‫فأمرت هبا ف ُقتلت‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ ،‬ثبت عن ثالثة من الصحابة رضوان اهلل عليهم قتل الساحر من غري استفصال ويُقتل حداً‪.‬‬
‫القول الثاني وهو رأي اإلمام الش¸¸افعي رمحه اهلل‪ ،‬أن الس¸حر إن ك¸¸ان بأش¸¸ياء كفرية مثل أن يتق¸¸رب الس¸¸احر إىل‬
‫اجلين بال ¸¸ذبح أو يس ¸¸تعني هبم يف س ¸¸حره إذ إهنم لن يعين ¸¸وه ب ¸¸دون التق ¸¸رب إليهم ‪ ،‬أو املشي على الق ¸¸رآن أو حنو‬
‫ذلك فهذا كفر ‪ ،‬يقتل به الساحر ردة ‪ ،‬أما إذا مل يكن بأشياء كفرية مثل أن يكون بأدوية وحنو ذلك فهذا ال‬
‫يكفر ‪ ،‬فإذا مل يقتل بسحره أحداً فال يقتل ‪ ،‬أما إذا قتل بسحره أحداً فإنه يقتل قصاصاً ‪.‬‬
‫واستدل لذلك‪:‬‬
‫ب¸ ¸أن األصل يف الس¸ ¸¸احر ال¸ ¸¸رباءة من الكفر وال¸ ¸¸رباءة من القتل فال حيكم بكف¸ ¸¸ره وال يُقتل إال إذا ثبت أنه ارتكب‬
‫مكفراً أو قتل مسلماً‪ .‬فالشافعي مل يثبت عنده دليل بتكفري الساحر‪.‬‬
‫الراجح واهلل أعلم‪ :‬قول اجلمهور‪ ،‬أن الساحر كافر مطلقاً ألنه ال يُتصور أن يفعل الساحر ما يفعل إال ب¸¸التقرب‬
‫إىل الشياطني‪ .‬واآلية السابقة صرحية يف كفره‪.‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬حكم حل السحر عن المسحور‬
‫حل السحر عند أهل العلم يُسمى النُشرة وهي على نوعني‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫حل الس¸ ¸¸حر بس¸ ¸¸حر مثله فه¸ ¸¸ذا حمرم وال جيوز ملا ثبت يف مس¸ ¸¸ند اإلم¸ ¸¸ام أمحد وس¸ ¸¸نن أيب داوود أن‬ ‫‪-‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم قال‪":‬النُشرة من عمل الشيطان"‬
‫وقال احلسن البصري‪:‬ال حيل السحر إال ساحر‪.‬‬
‫وهذا النوع من النشرة حمرم‪.‬‬
‫‪ -‬حل الس¸¸حر بالرقية والتعوي¸¸ذات وال¸¸دعوات املباحة مثل أن ي¸¸ذهب املس¸¸حور إىل رجل ليق¸¸رأ عليه‬
‫أو ي¸¸دعو له فه¸¸ذا حكمه ج¸¸ائز وقد ج¸¸اء عن قت¸¸ادة ق¸¸ال‪ :‬قلت لس¸¸عيد ابن املس¸¸يب ‪ ،‬رجل فيه طب‬
‫(أي س¸¸حر) أو يُؤخذ عن امرأته أحُي ل عنه أو يُنش¸¸ر؟ ق¸¸ال ال ب¸¸أس إمنا يُري¸¸دون به اإلص¸¸الح فأما ما‬
‫ينفع فلم يُنه عنه‪.‬‬
‫وأفضل عالج للسحر هو الرقى المشروعة ‪ ،‬ويشترط للرقية ثالثة شروط ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون بكالم اهلل وبأمسائه وصفاته أو مبا أثر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن تكون باللسان العريب أو مبا يعرف معناه من غريه‪.‬‬
‫‪-3‬أن يعتقد بأن الرقية التؤثر بذاهتا‪.‬‬
‫ومن األدلة على مشروعية الرقية‪:‬‬
‫‪ -1‬عن جابر قال هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن ح¸¸زم إىل رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى‬
‫اهلل عليه وس¸ ¸¸لم فق¸ ¸¸الوا يا رس¸ ¸¸ول اهلل إنه ك¸ ¸¸انت عن¸ ¸¸دنا رقية ن¸ ¸¸رقي هبا من العق¸ ¸¸رب وإنك هنيت عن ال ¸¸رقى ق ¸¸ال‬
‫فعرضوها عليه فقال ما أرى بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ‪.‬رواه مسلم‬
‫‪ -2‬وعن ج ¸¸ابر بن عبد اهلل ق ¸¸ال رخص النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم آلل ح ¸¸زم يف رقية احلية وق ¸¸ال ألمساء بنت‬
‫عميس ما يل أرى أجسام بين أخي ضارعة تصيبهم احلاجة ق¸¸الت ال ولكن العني تس¸¸رع إليهم ق¸¸ال ارقيهم ق¸¸الت‬
‫فعرضت عليه فقال ارقيهم ‪ .‬رواه مسلم‬
‫‪-3‬عن أيب س¸عيد رضي اهلل عنه ق¸ال انطلق نفر من أص¸¸حاب النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم يف س¸¸فرة س¸افروها حىت‬
‫نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ س¸يد ذلك احلي فس¸¸عوا له بكل ش¸يء ال‬
‫ينفعه ش¸¸يء فق¸¸ال بعض¸¸هم لو أتيتم ه¸¸ؤالء الرهط ال¸¸ذين نزل¸¸وا لعله أن يك¸¸ون عند بعض¸¸هم ش¸¸يء ف¸¸أتوهم فق¸¸الوا يا‬
‫أيها الرهط إن سيدنا ل¸دغ وس¸عينا له بكل ش¸يء ال ينفعه فهل عند أحد منكم من ش¸يء فق¸ال بعض¸هم نعم واهلل‬
‫إين ألرقي ولكن واهلل لقد استض ¸ ¸¸فناكم فلم تض ¸ ¸¸يفونا فما أنا ب ¸ ¸¸راق لكم حىت جتعل ¸ ¸¸وا لنا جعال فص¸ ¸¸احلوهم على‬
‫قطيع من الغنم ف ¸¸انطلق يتفل عليه ويق ¸¸رأ احلمد هلل رب الع ¸¸املني فكأمنا نشط من عق ¸¸ال ف ¸¸انطلق ميشي وما به قلبة‬
‫قال فأوفوهم جعلهم الذي صاحلوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فق¸ال ال¸ذي رقى ال تفعل¸وا حىت ن¸أيت النيب ص¸لى‬
‫اهلل عليه وس¸¸لم فن¸¸ذكر له ال¸¸ذي ك¸¸ان فننظر ما يأمرنا فق¸¸دموا على رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ف¸¸ذكروا له‬
‫فقال وما يدريك أهنا رقية مث قال قد أصبتم اقسموا واضربوا يل معكم سهما فضحك رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪.‬متفق عليه‬

‫‪31‬‬
‫‪ -4‬عن عائشة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يأمرها أن تسرتقي من العني رواه مسلم‬
‫‪ -5‬عن ع¸ ¸¸وف بن مالك األش¸ ¸¸جعي ق¸ ¸¸ال كنا ن¸ ¸¸رقي يف اجلاهلية فقلنا يا رس¸ ¸¸ول اهلل كيف ت¸ ¸¸رى يف ذلك فق¸ ¸¸ال‬
‫اعرضوا علي رقاكم ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك رواه مسلم‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬القتل بالسحر ‪:‬‬
‫تقدم معنا أن من صور القتل العمد عند اجلمهور ‪ :‬القتل بالسحر ‪.‬‬
‫فإذا قتل الساحر بسحره شخصاً فهل يقتل الساحر حداً أم قصاصاً ؟ ذلك أنه اجتمع يف هذه الص¸¸ورة حق¸¸ان ‪:‬‬
‫حق اهلل وهو قتله ردة ‪ ،‬وحق اآلدمي وهو قتله قصاصاً ‪ ،‬فأيهما يُغَلَّب ‪ :‬حق اهلل أم حق اآلدمي ؟‬
‫والف رق بينهما أنه إن قيل ‪ :‬إنه يقتل ح¸ ¸ ¸¸داً فإنه يقتل بالس¸ ¸ ¸¸يف وال مُيَ ًًّكن أولي¸ ¸ ¸¸اء القتيل من قتله ‪ ،‬أما لو قلنا ‪ :‬يقتل‬
‫قصاصاً فإن متكن أولياء القتيل من االستيفاء بأنفسهم فإهنم ميكنون من ذلك ‪.‬‬

‫والصحيح هو التفصيل ‪:‬‬


‫‪ -1‬فإن طلب أولياء املقتول القصاص ‪ ،‬فإنه يقدم حق اآلدمي فيقتل قصاصاً ال حداً ‪ ،‬ألمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ألن حقوق اآلدميني مبنية على املشاحة ‪ ،‬خبالف حقوق اهلل فإهنا مبنية على املساحمة ‪.‬‬
‫الث اني ‪ :‬وألن يف قتله قصاص ¸اً اس ¸¸تيفاءً حلق اهلل وحلق أولي ¸¸اء املقت ¸¸ول ‪ ،‬ذلك أن قتله قصاص ¸اً ال يفضي إىل تف ¸¸ويت‬
‫حق اهلل‪ ،‬ألن حق اهلل يتض ¸¸من أم ¸¸رين ومها العقوبة الدنيوية وهي إزه ¸¸اق النفس واجلزاء اآلخ ¸¸روي‪ ¸،‬فإقامة القص ¸¸اص‬
‫عليه تؤدي احلق الدنيوي وال ي¸¸ؤدي إىل تف¸¸ويت احلق اآلخ¸¸روي ‪ ،‬وه¸¸ذا خبالف ما لوقتل ردة فإنه ي¸¸ؤدي إىل تف¸¸ويت‬
‫حق أولياء املقتول ‪.‬‬
‫ولكن يالحظ يف ه¸¸ذه احلال بأنه وإن ك¸¸ان ال¸¸واجب يف القص¸¸اص هو املماثلة فيقتل اجلاين بنفس الطريقة اليت قتل هبا‬
‫اجملين عليه ففي ه ¸¸ذه الص ¸¸ورة ال يقتل بنفس الطريقة اليت قتل هبا املس ¸¸حور ‪ ،‬ألنه ‪-‬كما يق ¸¸ول ابن القيم ‪ -‬ال ميكن‬
‫أن يقتص منه مبثل ما فعل لكونه حمرما حلق اهلل فهو كما لو قتله باللواط وجتريع اخلمر فإنه يقتص منه بالسيف ‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن طلب أولي¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اء املقت¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ول الدية فإنه يقتل ردة ويعطى أولي¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اء املقت¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ول الدية ‪ ،‬فيجتمع على اجلاين العقوبة من‬
‫وجهني ‪ ،‬ألن قتله ردة اليبطل حق األولياء يف الدية ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬القتل بالعين ‪:‬‬
‫العني حق وهلا تأثري على اإلنسان فمنها ما يقتل ومنها ما ميرض ومنها ما مينع عن اإلنسان اخلري أو يوقعه يف البالء ‪.‬‬
‫األدلة على العين من الكتاب والسنة ‪:‬‬
‫فمن الكتاب ‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله تعالى ‪" :‬وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر " أي حيسدونك بأبصارهم ‪.‬‬
‫قال غير واحد من المفسرين في تفسير هذه اآلية ‪ :‬إنه اإلص¸¸ابة ب¸¸العني ف¸¸أرادوا أن يص¸¸يبوا هبا رس¸¸ول اهلل فنظر إليه‬
‫قوم من العائنني وق¸الوا ما رأينا مثله وال مثل حجته وك¸¸ان طائفة منهم متر به الناقة والبق¸¸رة الس¸¸مينة فيعينها مث يق¸¸ول‬

‫‪32‬‬
‫خلادمه خذ املكتل وال¸ ¸¸درهم وآتنا بش¸ ¸¸يء من حلمها فما ت¸ ¸¸ربح حىت تقع ‪ .‬وق الت طائفة أخ رى منهم ابن قتيبة ‪:‬‬
‫ليس املراد أهنم يصيبونك بالعني كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإمنا أراد أهنم ينظ¸¸رون إليك إذا ق¸¸رأت الق¸¸رآن‬
‫الك¸¸رمي نظ¸¸را ش¸¸ديدا بالع¸¸داوة والبغض¸¸اء يك¸¸اد يس¸¸قطك ق¸¸ال وي¸¸دل على ص¸¸حة ه¸¸ذا املعىن أنه ق¸¸رن ه¸¸ذا النظر بس¸¸ماع‬
‫القرآن الكرمي وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة فيحدون إليه النظر بالبغضاء ‪.‬‬
‫والم ¸¸انع من محل اآلية على كال املعن ¸¸يني إذ العني كما يك ¸¸ون س ¸¸ببها اإلعج ¸¸اب قد يك ¸¸ون س ¸¸ببها احلسد ‪ ،‬فالكف ¸¸ار‬
‫ك ¸ ¸¸انوا ينظ ¸ ¸¸رون إليه نظر حاسد ش ¸ ¸¸ديد الع ¸ ¸¸دواة فهو نظر يك ¸ ¸¸اد يزلقه ل ¸ ¸¸وال حفظ اهلل وعص ¸ ¸¸مته فه¸ ¸¸ذا أشد من نظر‬
‫العائن بل هو جنس من نظر العائن ‪.‬‬
‫‪ .2‬وقال تعالى ‪ " :‬قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد‬
‫ومن شر حاسد "‬
‫يق ول ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬الع¸ ¸¸ائن حاسد خ ¸ ¸¸اص بل هو أضر منه فكل ع ¸ ¸¸ائن حاسد وليس كل حاسد عائنا فلما‬
‫ك¸ ¸¸ان احلاسد أعم من الع¸ ¸¸ائن ك¸ ¸¸انت االس¸ ¸¸تعاذة منه اس¸ ¸¸تعاذة من الع¸ ¸¸ائن وهي س¸ ¸¸هام خترج من نفس احلاسد‬
‫والع¸ ¸¸ائن حنو احملس¸ ¸¸ودة واملعني تص¸ ¸¸يبه ت¸ ¸¸ارة وختطئه ت¸ ¸¸ارة ف¸ ¸¸إن ص¸ ¸¸ادفته مكش¸ ¸¸وفا ال وقاية عليه أث¸ ¸¸رت فيه وال بد وإن‬
‫ص ¸¸ادفته ح ¸¸ذرا ش ¸¸اكي الس ¸¸الح ال منفذ فيه للس ¸¸هام مل ت ¸¸ؤثر فيه ‪ ..‬وأص ¸¸له من إعج ¸¸اب الع ¸¸ائن بالش ¸¸يء مث تتبعه‬
‫كيفية نفسه اخلبيثة مث تستعني على تنفيذ مسها بنظرة إىل املعني ‪.‬‬
‫ومن السنة ‪:‬‬
‫روى مسلم يف صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول اهلل العني حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العني‬ ‫‪.1‬‬
‫ويف صحيحه ايضا عن انس أن النيب رخص يف الرقية من احلمة والعني والنملة‬ ‫‪.2‬‬
‫ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة قال قال رسول اهلل العني حق‬ ‫‪.3‬‬
‫ويف سنن أيب داود عن عائشة رضي اهلل عنها قالت كان يؤمر العائن فيتوضأ مث يغتسل منه املعني‬ ‫‪.4‬‬
‫ويف الصحيحني عن عائشة قالت امرين النيب أو امر أن تسرتقي من العني‬ ‫‪.5‬‬
‫وروى الرتم ¸¸ذي أن امساء بنت عميس ق ¸¸الت يا رس ¸¸ول اهلل إن بين جعفر تص ¸¸يبهم العني أفاس ¸¸رتقي هلم فق ¸¸ال نعم‬ ‫‪.6‬‬
‫فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العني قال الرتمذي حديث حسن صحيح‬
‫وروى مالك رمحه اهلل عن ايب أمامة بن س ¸¸هل ابن ح ¸¸نيف ق ¸¸ال رأى ع ¸¸امر بن ربيعة س ¸¸هل بن ح ¸¸نيف يغتسل‬ ‫‪.7‬‬
‫فق¸¸ال واهلل ما رأيت ك¸¸اليوم وال جلد خمب¸¸أة ق¸¸ال فلبط س¸¸هل ف¸¸أتى رس¸¸ول اهلل ع¸¸امرا فتغيظ عليه وق¸¸ال عالم يقتل‬
‫اح¸¸دكم اخ¸¸اه أال ب¸¸ركت اغتسل له فغسل له ع¸¸امر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأط¸¸راف رجليه وداخله إزاره‬
‫يف ق ¸ ¸¸دح مث صب عليه ف ¸ ¸¸راح مع الن ¸ ¸¸اس وروى مالك رمحه اهلل ايضا عن حممد بن أيب أمامة بن س¸ ¸¸هل عن أبيه‬
‫هذا احلديث وقال فيه إن العني حق توضأ له فتوضأ له‬
‫والمخبأة ‪ :‬هي البكر ذات اخلدور‬

‫‪33‬‬
‫‪ .8‬وذكر عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا العني حق ولو كان شيء سابق الق¸¸در لس¸¸بقته العني‬
‫وإذا استغسل أحدكم فليغتسل ‪.‬‬
‫يق ول ابن القيم ‪ " :‬والعني عين¸ ¸¸ان عني إنس¸ ¸¸ية وعني جنية فقد صح عن ام س¸ ¸¸لمة أن النيب رأى يف بيتها جارية يف‬
‫وجهها س¸¸فعة فق¸¸ال اس¸¸رتقوا هلا ف¸¸إن هبا النظ¸¸رة ق¸¸ال احلسني بن مس¸¸عود الف¸¸راء وقوله س¸¸فعه اي نظ¸¸رة يعين من اجلن‬
‫يقول هبا عني أصابتها من نظر اجلن أنفذ من أسنة الرماح " ‪.‬‬
‫حقيقة العين ‪:‬‬
‫اختلف الناس في حقيقة العين على مذاهب متعددة ‪:‬‬
‫‪ .1‬ف¸ ¸ ¸¸أبطلت طائفة أمر العني وق¸ ¸ ¸¸الوا إمنا ذلك أوه¸ ¸ ¸¸ام ال حقيقة هلا ‪ ،‬يق ول ابن القيم ‪ :‬وه¸ ¸ ¸¸ؤالء من أجهل الن ¸ ¸¸اس‬
‫بالسمع والعقل ومن أغلظهم حجابا وأكثفهم طباعا وأبعدهم معرفة عن االرواح والنفوس وصفاهتا وتأثرياهتا‬
‫‪ .2‬وقالت طائفة إن العائن إذا تكيف نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة مسية تتصل ب¸¸املعني فيتض¸¸رر ق¸¸الوا‬
‫وال يستنكر هذا كما ال يستنكر انبعاث قوة مسية من االفعى تتصل باإلنسان فيهلك ‪.‬‬
‫‪ .3‬وق¸¸الت فرقة أخ¸¸رى قد اج¸¸رى اهلل الع¸¸ادة خبلق ما يش¸¸اء من الض¸¸رر عند مقابلة عني الع¸¸ائن من غري أن يك¸¸ون‬
‫منه قوة وال سبب وال تأثري أصال وهذا مذهب منكري االسباب والتأثريات يف العامل‬
‫‪ .4‬وق ال ابن القيم ‪ :‬إن ه¸¸ذا الت¸¸أثري بواس¸¸طة ت¸¸أثري األرواح ولش¸¸دة ارتباطها ب¸¸العني ينسب الفعل إليها وليست هي‬
‫الفاعلة وإمنا التأثري للروح واألرواح خمتلفة يف طبائعها وقواها وخواصها فروح احلاسد مؤذية للمحسود أذى بينا‬
‫وهلذا امر اهلل س ¸¸بحانه ورس ¸¸وله أن يس ¸¸تعيذ به من ش ¸¸ره وت ¸¸أثري احلاسد يف اذى احملس ¸¸ود أمر ال ينك ¸¸ره إال من هو‬
‫خ ¸¸ارج عن حقيقة اإلنس ¸¸انية وهو اصل اإلص ¸¸ابة ب ¸¸العني ف ¸¸إن النفس اخلبيثة احلاس ¸¸دة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل‬
‫احملسود فتؤثر فيه بتلك اخلاصية وأشبه األشياء هبذا األفعى فإن السم كامن فيها بالقوة فإذا ق¸¸ابلت ع¸¸دوها انبعث‬
‫منها ق¸¸وة غض¸¸يبة وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تش¸¸تد كيفيتها وتق¸¸وى حىت ت¸¸ؤثر يف إس¸¸قاط اجلنني ومنها‬
‫ما ت¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ؤثر يف طمس البص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ركما ق¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ال النيب يف االبرت وذي الطفي¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸تني من احلي¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ات إهنما يلتمس ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ان البصر‬
‫ويس ¸¸قطان‪..‬ونفس الع ¸¸ائن ال يتوقف تأثريها علىالرؤية بل قد يك ¸¸ون أعمى فيوصف له الش ¸¸يء فت ¸¸ؤثر نفسه فيه‬
‫وإن مل يره ‪.‬‬
‫أنواع العين ‪:‬‬
‫العين نوعان ‪:‬‬
‫‪ -1‬العين المعجبة ‪:‬‬
‫وهذه اليكاد يسلم منها أحد ‪ ،‬ألهنا تصدر بسبب اإلعج¸اب البس¸بب احلسد ومتين زوال النعمة ‪ ،‬وقد يعني اإلنس¸ان‬
‫نفسه أوول¸¸ده ‪ ،‬وهلذا ش¸¸رع التربيك إذا رأى اإلنس¸¸ان ما يعجبه ‪ ،‬كما ق¸¸ال تع¸¸اىل ‪ ":‬ول¸¸وال إذ دخلت جنتك قلت ما‬
‫شاء اهلل القوة إال باهلل "‬
‫وقال عليه الصالة والسالم ‪" :‬إذا رأى أحدكم مايعجبه يف نفسه أو ولده فليربك "‬

‫‪34‬‬
‫ومن هذا النوع العني اليت أصابت سهل بن حنيف رضي اهلل عنه كما تقدم‬
‫ويف الس¸ ¸¸نن أن أمساء بنت عميس ق¸ ¸¸الت يا رس¸ ¸¸ول اهلل إن بين جعفر تص¸ ¸¸يبهم العني أفتس¸ ¸¸رتقي هلم ق ¸¸ال نعم فلو ك ¸¸ان‬
‫شيء يسبق القضاء لسبقته العني ‪.‬‬
‫‪ -2‬العين الحاسدة ‪:‬‬
‫وهذه التصدر إال من ضعيف اإلميان ومن نفس خبيثة‬
‫والعاين واحلاسد يش¸رتكان يف أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه حنو من يريد أذاه فالع¸ائن تتكيف نفسه عند‬
‫مقابلة املعني ومعاينته واحلاسد حيصل له ذلك عند غيب احملسود وحضوره أيضا ‪.‬‬
‫ويفرتقان يف أن العائن قد يصيب من ال حيسده من مجاد أو حيوان أو زرع أو مال ‪.‬‬
‫وهذه العين أي العين الحاسدة قد تكون عارضة ‪ ،‬وقد تكون دائمة مع الشخص ‪ ،‬قال ابن القيم ‪" :‬إذا ع¸¸رف‬
‫الرجل ب ¸¸األذى ب ¸¸العني س ¸¸اغ بل وجب حبسه وإف ¸¸راده عن الن ¸¸اس ويطعم ويس ¸¸قي حىت ميوت ذكر ذلك غري واحد‬
‫من الفقهاء وال ينبغي أن يكون يف ذلك خالف ألن هذا من نصيحة املسلمني ودفع األذى عنهم"‬
‫فإن مل يندفع أذاه بالسجن وظل يقذف بشره خارج السجن فلإلمام أن يقتله تعزيرا‪.‬‬
‫عالج العين ‪:‬‬
‫ورد يف السنة النبوية أساليب متعددة لعالج العني ‪ ،‬نشري إىل شيء منها بشكل موجز ‪:‬‬
‫أوالً ‪:‬االستقامة على طاعة اهلل ‪:‬‬
‫فإن الطاعة حتفظ العبد من الشرور واآلثام ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪" :‬إن اهلل يدافع عن الذي آمنوا إن اهلل الحيب كل خوان‬
‫كفور "‬
‫وقال ‪" :‬إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيال "‬
‫وقال ‪ " :‬ذلك بأن اهلل موىل الذين آمنوا وأن الكافرين الموىل هلم "‬
‫ويف السنن عنه عليه الصالة والسالم يف وصيته البن عباس الوصية املشهورة ‪ " :‬احفظ اهلل حيفظك "‬
‫المحافظة على األوراد الشرعية ‪:‬‬
‫فإهنا حصن حيمي اإلنسان من الشرور ‪ ،‬فمن التعوذات والرقي الواردة‪:‬‬
‫‪ -‬قراءة المعوذتين ففي سنن النسائي عن عقبة عن عامر قال كنت أمشي مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وس¸لم ق¸ال‬
‫ياعقبة قل قلت ماذا أقول فسكت عين مث قال قل قلت م¸اذا أق¸ول يا رس¸ول اهلل ق¸ال قل أع¸وذ ب¸رب الفلق فقرأهتا حىت‬
‫أتيتها على آخرها مث قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عند ذلك ماسأل سائل مبثلها وال استعاذ مستعيذ مبثلها ‪.‬‬
‫وعن أيب س¸¸عيد أن رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ك¸¸ان يتع¸¸وذ من أعني اجلان وأعني اإلنس¸¸ان فلما ن¸¸زلت املعوذت¸¸ان‬
‫أخذ هبما وترك ما سوامها رواه الرتمذي والنسائي وابن ماجة وقال الرتمذي حديث حسن‬
‫‪ -‬وفاتحة الكتاب ‪ ،‬فقد قال عنها عليه الصالة والسالم ‪" :‬وما يدريك أهنا رقية " متفق عليه‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬وآية الكرسي ‪ ،‬ففي ص¸¸حيح البخ¸¸اري يف قصة أيب هري¸¸رة مع اجلين ال¸¸ذي ق¸¸ال له يف الليلة الثالثة ‪ " :‬إذا أويت إىل‬
‫فراشك ف¸¸اقرأ آية الكرسي فإنه الي¸¸زال عليك من اهلل حافظ وال يقربك ش¸¸يطان حىت تص¸¸بح " فق¸¸ال له النيب ص¸¸لى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬صدقك وهو كذوب "‪.‬‬
‫‪ -‬وخواتيم سورة البقرة ‪ ،‬ففي الص¸¸حيح عنه عليه الص¸¸الة والس¸¸الم أنه ق¸¸ال ‪ " :‬من ق¸¸رأ اآلي¸¸تني األخ¸¸ريتني من س¸¸ورة‬
‫البقرة يف ليلة كفتاه " ‪.‬‬
‫ومنها التعوذات النبوية نحو ‪:‬‬
‫‪ -‬اعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق‬
‫‪ -‬أعوذ بكلمات اهلل التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عني المة‬
‫‪ -‬أع¸¸وذ بكلم¸¸ات اهلل التام¸¸ات اليت ال جياوزهن بر وال ف¸¸اجر من شر ما خلق وذرأ وب¸¸رأ ومن شر ما ي¸¸نزل من الس¸¸ماء‬
‫ومن شر ما يع¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رج فيها ومن شر ما ذرأ يف األرض ومن شر ما خيرج منها ومن شر فنت الليل والنه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ار ومن شر‬
‫طوارق الليل إال طارقا يطرق خبري يا رمحن‬
‫ثانياً ‪ :‬الرقية الشرعية لمن أصابته العين ‪:‬‬
‫ففي الص¸ ¸ ¸¸حيح عنه عليه الص¸ ¸ ¸¸الة والس¸ ¸ ¸¸الم أنه ق¸ ¸ ¸¸ال ‪" :‬الرقية إال من عني أو مُح ة " متفق عليه ‪ ،‬واملعىن ‪ :‬الرقية أوىل‬
‫وأفضل من رقية العني واحلمة ‪ ،‬واحلمة أي اللس ¸ ¸ ¸¸عة ‪ ،‬ومن ذلك رقية جربيل عليه الس ¸ ¸ ¸¸الم للنيب اليت رواها مس ¸ ¸¸لم يف‬
‫صحيحه ‪ :‬باسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس او عني حاسد اهلل يشفيك باسم اهلل ارقيك ‪.‬‬
‫ورأى مجاعة من الس¸ ¸¸لف أن تكتب له اآلي¸ ¸¸ات من الق¸ ¸¸رآن مث يش¸ ¸¸رهبا ق¸ ¸¸ال جماهد ال ب¸ ¸¸أس ال ب¸ ¸¸أس أن يكتب الق¸ ¸¸رآن‬
‫ويغس¸¸له ويس¸¸قيه املريض ومثله عن أيب قالبة ‪ ،‬وي¸¸ذكر عن ابن عب¸¸اس أنه أمر أن يكتب الم¸¸رأة تعس¸¸رعليها والدها أثر‬
‫من الق ¸¸رآن مث يغسل وتس ¸¸قي وق ¸¸ال اي ¸¸وب رأيت أبا قالبة كتب كتابا من الق ¸¸رآن مث غس ¸¸له مباء وس ¸¸قاه رجال ك ¸¸ان به‬
‫وجع ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬التبيرك وقول ‪ :‬ما شاء اهلل ‪:‬‬
‫فإذا كان العائن خيشى ضرر عينه وإصابتها للمعني فليدفع شرها بقوله اللهم ب¸ارك عليه كما ق¸¸ال النيب لع¸¸امر بن ربيعة‬
‫ملا عان سهل ابن حنيف أال بركت اي قلت اللهم بارك عليه ‪.‬‬
‫ومما ي¸دفع به إص¸ابة العني ق¸ول ما ش¸اء اهلل ال ق¸وة إال باهلل روى هش¸ام بن ع¸روة عن أبيه أنه ك¸ان إذا رأى ش¸يئا يعجبه‬
‫أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬أخذ أثر من العائن ‪:‬‬
‫في ¸¸ؤمر الع¸ ¸¸ائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخله إزاره ‪ ،‬كما أمر النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ع¸ ¸¸امراً ب¸ ¸¸ذلك ‪ ،‬واختلف يف‬
‫داخلة اإلزار فقيل ‪:‬إنه فرجه وقيل ‪ :‬إنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده ‪.‬‬
‫ويف احلديث ‪" :‬وإذا استغسل أحدكم فليغتسل "‬
‫خامساً ‪ :‬ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه ‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫كما ذكر البغوي يف كتاب ش¸¸رح الس¸نة أن عثم¸¸ان رضي اهلل عنه رأى ص¸¸بيا مليحا فق¸¸ال دمسوا نونته لئال تص¸يبه العني‬
‫‪.‬‬
‫مث ق¸ال يف تفس¸¸ريه ومعىن دمسوا نونته أي س¸¸ودوا نونته والنونة النق¸رة اليت تك¸¸ون يف ذقن الصيب الص¸¸غري أراد س¸¸ودوا‬
‫ذلك املوضع من ذقنه لريد العني ‪ ،‬ومن هذا أخذ الشاعر قوله ‪:‬‬
‫ـال إىل عيب يوقيه من العني‬ ‫ما كان أحوج ذا الكمـ‬
‫مسألة ‪ :‬هل القتل بالعين يوجب القصاص ؟‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك ‪ ،‬وس¸¸بب اختالفهم أن القتل ب¸¸العني أمر خفي فقد يك¸¸ون م¸¸وت املعي¸¸ون وقع اتفاق ¸اً وليس‬
‫بسبب العني ‪ ،‬وعلى أقل األحوال فاألمر حمتمل وليس مثت يقني ‪.‬‬
‫وأصح األق¸ ¸ ¸¸وال يف املس¸ ¸ ¸¸ألة ما ذهب إليه مجع من حمققي أهل العلم منهم ش¸ ¸ ¸¸يخ اإلس¸ ¸ ¸¸الم ابن تيمية وابن القيم ‪ ،‬وهو‬
‫التفصيل بني ما إذا ك¸¸ان الع¸¸ائن قاص¸¸داً خمت¸¸اراً للقتل وهو يعلم أن عينه تقتل ‪ ،‬وبني من حص¸¸لت منه اجلناية ب¸العني من‬
‫غري قصد وال اختيار ‪ ،‬فاألوىل فيها القصاص دون الثانية ‪.‬‬
‫يق ول ابن القيم رحمه اهلل ‪ ":‬إن ك¸ ¸¸ان ذلك بغري اختي¸ ¸¸اره بل غلب على نفسه مل يقتص منه وعليه الدية وإن تعمد‬
‫وق¸ ¸ ¸¸در على رده وعلم أنه يقتل به س¸ ¸ ¸¸اغ للوايل أن يقتله مبثل ما قتل به فيعينه إن ش¸ ¸ ¸¸اء كما ع¸ ¸ ¸¸ان هو املقت¸ ¸ ¸¸ول "‬
‫وس ¸¸ألت ش ¸¸يخنا أبا العب ¸¸اس ابن تيمية ق ¸¸دس اهلل روحه عن القتل باحلال هل ي ¸¸وجب القص ¸¸اص فق ¸¸ال لل ¸¸ويل أن يقتله‬
‫باحلال كما قتل به فإن قيل فما الفرق بني القتل هبذا وبني القتل بالسحر حيث توجبون القصاص به بالس¸¸يف قلنا‬
‫الف¸ ¸¸رق من وجهني أح¸ ¸¸دمها أن الس¸ ¸¸حر ال¸ ¸¸ذي يقتل به هو الس¸ ¸¸حر ال¸ ¸¸ذي يقتل مثله غالبا وال ريب أن ه ¸¸ذا كثري يف‬
‫السحر وفيه مقاالت وأبواب معروفة للقتل عند أربابه‬
‫مسالة ‪ :‬كيف نقتص من العائن ؟‬
‫فاملشروع يف القصاص كما سيأيت هو اللماثلة ‪ ،‬فهل ينسحب هذا احلكم على القتل بالعني أيضاً ‪.‬‬
‫ف ¸¸ذهب بعض أهل العلم إىل أنه يقتل بالس ¸¸يف ‪ ،‬وه ¸¸ذا الق ¸¸ول ض ¸¸عيف ‪ ،‬والص ¸¸حيح أنه يقتل مبثل ما قتل به ما أمكن‬
‫ذلك ‪ ،‬فيؤتى بعائن مثله ويطلب منه أن يعينه ‪ ،‬وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم ‪.‬‬
‫يق¸¸ول ش¸¸يخ اإلس¸¸الم ابن تيمية عن ال¸¸ويل والص¸¸ويف ‪ " :‬إذا قتال معص¸¸وماً حباهلما احملرمة ‪،‬فعليهما الق¸¸ود ‪ ،‬مبثل حاهلما ‪،‬‬
‫كقتل العائن بعني مثله "‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬القتل شبه العمد‬


‫المطلب األول ‪ :‬تعريف القتل شبه العمد ‪:‬‬
‫القتل شبه العمد هو ‪ :‬أن يقصد من يعلمه آدمياً معصوماً¸ فيجين عليه بآلة التقتل غالباً ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫ويكون ذلك إما بقصد العدوان عليه ‪ ،‬أو لقصد تأديبه فيسرف فيه ‪،‬كالضرب بالسوط والعصا واحلجر الصغري‬
‫والوكز باليد ‪ ،‬وسائر ماال يقتل غالباً إذا قتل ‪ ،‬فكل هذا شبه عمد ألنه قصد الضرب دون القتل‪.‬‬
‫ويسمى ‪ :‬عمد اخلطأ ‪ ،‬وخطأ العمد ‪ ،‬الجتماع العمد واخلطأ فيه ‪ ،‬فإنه َع ِمد االعتداء وأخطأ يف القتل ‪ ،‬قهذا القود‬
‫فيه ‪ ،‬وديته مغلظة‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أوجه الشبه واالختالف بينه وبين القتل العمد ‪:‬‬
‫القتل شبه العمد يشبه القتل العمد من جهة ‪ ،‬وخيتلف عنه يف أمرين ‪:‬‬
‫فهو يشبه القتل العمد من جهة أن اجلاين فيهما كليهما قصد العدوان ‪.‬‬
‫وخيتلف عنه يف ‪:‬‬
‫‪ .1‬قصد القتل ‪ :‬ففي القتل العمد البد أن يقصد اجلاين القتل ‪ ،‬أما يف شبه العمد فيقصد جمرد االعتداء ‪.‬‬
‫‪ .2‬اآللة ‪ :‬فاآللة املستخدمة يف القتل العمد تقتل غالباً ‪ ،‬أما اآللة املستخدمة يف شبه العمد فهي التقتل غالباً ‪.‬‬
‫ومن هذا يتبني أن الضابط يف التفرقة بني القتل العمد وشبه العمد هو اآللة ‪ ،‬ألن القصد أمر باطين الميكن أن يعلق‬
‫احلكم عليه ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أوجه الشبه واالختالف بينه وبين القتل الخطأ ‪:‬‬
‫القتل شبه العمد يشبه اخلطأ من جهة ‪ ،‬وخيتلف عنه يف أمرين ‪:‬‬
‫فهو يشبه القتل اخلطأ من جهة أن اجلاين فيهما كليهما مل يقصد القتل ‪.‬‬
‫وخيتلف عنه يف ‪:‬‬
‫‪ .1‬قصد االعتداء ‪ :‬فالبد يف القتل شبه العمد من قصد العدوان ‪ ،‬خبالف القتل اخلطأ ‪.‬‬
‫‪ .2‬اآللة ‪ :‬فاآللة املستخدمة يف القتل شبه العمد البد أن تكون غري قاتلة ‪ ،‬أما اآللة املستخدمة يف القتل اخلطأ‬
‫فقد تكون قاتلة كالبندقية يقتل هبا شخصاً خطًأ ‪ ،‬وقد تكون غري قاتلة ‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬أمثلة لألداة في القتل شيه العمد ‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يكون بغري أداة كاللطم ‪ ،‬والرفس واللكم اليسري يف غري مقتل ‪ ،‬والعض ‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد يكون بأداة مادية كاحلجر الصغري والعصا ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد يكون بأثر نفسي ‪ ،‬كأن يشهر عليه سيفاً أو يصوب عليه بندقية دون أن يرميه ‪ ،‬فيموت رعباً ‪ ،‬أو يصيح‬
‫بغافل فيموت ‪ ،‬أو أن يدليه من شاهق أو يفزع امرأة حامالً ‪.‬‬
‫‪ -4‬وقد يكون اجلاين متسبباً كأن يطلب إنساناً بسيف وحنوه فيسقط وميوت ‪.‬‬
‫‪ -5‬وقد يكون بالرتك مثل من حيبس شخصاً مدة التقتل غالباً ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬الخالف فيه ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف القتل شبه العمد على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫وهو قول املالكية ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬إن القتل ‪:‬إما عمد أو خطأ وليس مثت شبه عمد ‪.‬‬
‫واملالكية جعلوا حاالت شبه العمد عمداً فأوجبوا فيها القصاص ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪:‬من القرآن ‪:‬‬
‫ق ¸¸الوا ‪ :‬إن اهلل مل ي ¸¸ذكر يف كتابه إال العمد واخلطأ يف قوله تع ¸¸اىل ‪ " :‬وما ك ¸¸ان ملؤمن أن يقتل مؤمن ¸اً إال خطئ¸ ¸اً‬
‫‪..‬إىل أن قال سبحانه ‪ :‬ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم ‪ ¸"..‬فمن زاد قسماً ثالثاً فقد زاد على النص ‪.‬‬
‫نوقش هذا االستدالل ‪:‬‬
‫بأن القتل ش¸به العمد ثبت بالس¸نة يف أك¸ثر من ح¸ديث كما س¸يأيت يف أدلة الق¸ول الث¸اين ‪ ،‬والس¸نة وحي ك¸القرآن‬
‫‪ ،‬كما ق¸¸ال تع¸¸اىل ‪ " :‬وما آت¸¸اكم الرس¸¸ول فخ¸¸ذوه وما هناكم عنه ف¸¸انتهوا " وق¸¸ال عليه الص¸¸الة والس¸¸الم ‪ " :‬أال‬
‫وإين أوتيت القرآن ومثله معه "‬
‫دليلهم الثاني ‪ :‬من النظر ‪:‬‬
‫قالوا ‪ :‬إن القاتل يف القتل شبه العمد قصد اجلناية فهو إذاً عمد‪.‬‬
‫نوقش ‪:‬‬
‫بأنه وإن ك¸ ¸ ¸¸ان قد قصد اجلناية فهو مل يقصد القتل ‪ ،‬فهو يش¸ ¸ ¸¸به العمد من ناحية قصد اجلناية ويش ¸ ¸¸به اخلطأ من‬
‫ناحية أنه مل يقصد القتل ‪ ،‬فليس إحلاقة بأي النوعني بأوىل من اآلخر ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫وذهب مجهور أهل العلم من األحناف والشافعية واحلنابلة إىل إثبات القتل شبه العمد ‪.‬‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪:‬‬
‫عن أيب هرية رضي اهلل عنه قال ‪ :‬اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحدامها األخرى حبجر فقتلتها وما يف بطنها‬
‫فاختص¸¸موا إىل رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم فقضى أن دية جنينها غ¸¸رة عبد أو ولي¸¸دة وقضى بدية املرأة‬
‫على عاقلتها متفق عليه ‪.‬‬
‫غرة عبد ‪ :‬أي قيمة عبد وهي مخس من اإلبل‬
‫عاقلتها ‪ :‬أي عصبتها‬
‫ووجه الداللة من هذا الحديث ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أوجب فيه الدية ‪ ،‬ولو كان عمداً كما يقول املالكية لذكر القصاص ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى بدية املرأة على عاقلتها ‪ ،‬والعاقلة الحتمل عمداً بإمجاع العلماء ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الدليل الثاني ‪:‬‬
‫عن عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن أبيه عن ج¸¸ده أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم ق¸¸ال ‪ " :‬عقل ش¸¸به العمد مغلظ مثل‬
‫عقل العمد وال يقتل صاحبه " رواه أمحد وأبو داود‬
‫عقل ‪ :‬أي دية‬
‫وهويدل على القتل شبه العمد من عدة أوجه ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مساه شبه عمد ومل يسمه عمداً وال خطًأ ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أنه بني أن ديته مغلظة مثل دية العمد فدل على أنه قسم ثالث غري العمد ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪ :‬أنه قال "واليقتل صاحبه " والقتل العمد يقتل صاحبه باإلمجاع ‪.‬‬

‫الدليل الثالث ‪:‬‬


‫عن عبداهلل بن عم¸ ¸¸رو أن رس¸ ¸¸ول اهلل ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸ ¸¸لم ق¸ ¸¸ال أال إن قتيل اخلطأ ش¸ ¸¸به العمد (ويف رواية‬
‫عمد اخلطأ ‪ ،‬ويف رواية خطأ العمد ) قتيل الس¸ ¸¸وط أو العصا فيه مائة من اإلبل منها أربع¸ ¸¸ون يف بطوهنا أوالدها‬
‫رواه اخلمسة إال الرتمذي‬
‫فدل احلديث على شبه العمد من وجهني ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬أنه نص على امسه فقال ‪ :‬شبه العمد ‪ /‬خطأ العمد ‪ /‬عمد اخلطأ ‪ ،‬ولوك¸ان عم¸¸داًأو خط¸ًأ لق¸ال‬
‫‪ :‬قتيل العمد أو قتيل اخلطأ ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أنه أوجب فيه الدية ولو كان عمداً لذكر القصاص ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪ :‬أنه أوجب الدية فيه مغلظة خالفاً للقتل اخلطأ فإن ديته خمففة ‪.‬‬
‫ومن هذه األدلة يتبني أن القول الراجح هو إثبات القتل شبه العمد كما هو رأي اجلمهور ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫القتل الخطأ‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريفه ‪:‬‬
‫القتل الخطأ ‪ :‬أن يفعل ما له فعله فيصيب آدمياً معصوماً مل يقصده فيقتله ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬أدلته ‪:‬‬
‫قوله تعاىل ‪ { :‬وما كان ملؤمن أن يقتل مؤمناً إال خطئاً } اآلية‬

‫‪40‬‬
‫ومن الس نة ‪ :‬عن حمم ¸ ¸¸ود بن لبيد ق ¸ ¸¸ال ‪ { :‬اختلفت س ¸ ¸¸يوف املس ¸ ¸¸لمني على اليم ¸ ¸¸ان أيب حذيفة ي¸ ¸¸وم أحد وال‬
‫يعرفونه فقتل ¸¸وه ف ¸¸أراد رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم أن يديه فتص ¸¸دق حذيفة بديته على املس ¸¸لمني } ‪ .‬رواه‬
‫أمحد‬
‫وقد أمجعت األمة على ثبوت القتل اخلطأ من حيث اجلملة ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬أنواع القتل الخطأ ‪:‬‬
‫بعض الفقهاء ‪ -‬كاألحناف – يقسمون القتل اخلطأ إىل قسمني ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قتل خطأ حمض ‪.‬‬
‫ب – قتل يف معىن القتل اخلطأ ‪ ،‬أي جيري جمرى اخلطأ ‪.‬‬
‫فالخطأ المحض هو ما قصد فيه اجلاين الفعل دون الشخص ‪ ،‬ولكنه أخطأ يف فعله أو يف ظنه ‪.‬‬
‫فمثال الخطأ في الفعل ‪ :‬أن يرمي صيداً فيخطئه ويصيب آدمياً ‪.‬‬
‫قال ابن المنذر ‪ :‬أمجع أهل العلم على أن هذا من اخلطأ ‪.‬‬
‫ومث ال الخطأ في الظن ‪ :‬أن ي¸ ¸¸رمي شخص ¸ ¸اً على ظن أنه مه¸ ¸¸در ال¸ ¸¸دم ف¸ ¸¸إذا هو معص¸ ¸¸وم¸ ‪ ،‬أو ي¸ ¸¸رمي ما حيس ¸¸به‬
‫حيواناً فإذا هو معصوم¸ ‪ ،‬ومن هذا النوع أيضاً ‪ :‬أن يقتل مسلماً يف دار احلرب يظن أنه كافر ‪.‬‬
‫والخطأ الذي يجري مجرى الخطأ هو م¸¸اال قصد فيه إىل الفعل وال إىل الش¸¸خص ‪.‬وه¸¸ذا قد يك¸¸ون مباش¸¸رة أو‬
‫تس ¸¸بباً ‪ ،‬ف ¸¸األول كالن ¸¸ائم ينقلب على طفل جبواره فيقتله ‪ ،‬والث ¸¸اين كمن حيفر ب ¸¸ئراً ‪ ،‬أو ي ¸¸رتك حائطه املائل دون‬
‫إصالح ‪ ،‬أو يريق ماءً يف الطريق فيموت بذلك معصوم¸ ‪.‬‬
‫ومما سبق يتبني أن القتل اخلطأ ينقسم باعتبارات خمتلفة ‪:‬‬
‫‪ -‬فقد يكون خطأ حمضاً‬
‫‪ -‬وقد يكون مما جيري جمرى اخلطأ احملض ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يكون مباشرة ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يكون تسبباً‬
‫‪ -‬وقد يكون فعالً كما سبق ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يكون تركاً مثل أن يرتك كلباً عقوراً فيقتل معصوماً¸ ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يكون بوسيلة ‪ :‬أ ‪ -‬مادية كما سبق ‪.‬‬
‫ب – أو معنوية كما لو صاح حبيوان ففزع غافل فمات ‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪:‬مسائل في القتل الخطأ ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬عمد الصبي والمجنون خطأ ‪:‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ .1‬قوله عليه الص¸ ¸¸الة والس¸ ¸¸الم ‪ " :‬رفع القلم عن ثالثة عن الن¸ ¸¸ائم حىت يس¸ ¸¸تيقظ ‪ ،‬وعن اجملن¸ ¸¸ون حىت يفيق‬
‫وعن الصيب حىت يبلغ " ‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلمجاع ‪ :‬فقد ق¸ ¸ ¸¸ال ابن قدامه ‪ " :‬ال خالف بني أهل العلم يف أنه ال قص ¸ ¸¸اص على صيب وال جمن ¸ ¸¸ون ‪،‬‬
‫وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم واملغمى عليه " ‪.‬‬
‫‪ .3‬وألهنم ليس هلم قصد صحيح ‪.‬‬

‫المس ألة الثانية ‪ :‬ليس كل قتل خطأ يتس بب به اإلنس ان يتحمل مس ئوليته ‪ ،‬فالقتل الخطأ ال ي ترتب عليه‬
‫أثره وال يتحمل اإلنسان مسئوليته إال إذا فرط أو تعدى ‪:‬‬
‫والتفريط هو أن يرتك أمراً كان عليه فعله شرعاً أو عرفاً ‪.‬‬
‫والتعدي أن يفعل حمظوراً حيرم عليه إتيانه شرعاً أو عرفاً ‪.‬‬
‫هذا هو األصل العام يف هذا الباب ‪ .‬وهاهنا قاعدتان تبينان هذه املسألة ‪:‬‬
‫القاع دة األولى ‪ :‬إذا ك¸ ¸ ¸¸ان الفعل غري م¸ ¸ ¸¸أذون فيه ش¸ ¸ ¸¸رعاً وأت¸ ¸ ¸¸اه الفاعل دون ض¸ ¸ ¸¸رورة ملجئة فهو تعد من غري‬
‫ضرورة وما تولد منه يسأل عنه الفاعل سواء أكان مما ميكن التحرز عنه أو ال ميكن ‪.‬‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬كل ما يلحق ض¸رراً ب¸الغري يس¸أل عنه فاعله أو املتس¸بب فيه إذا ك¸ان ميكن التح¸رز منه ‪ ،‬ويعترب‬
‫أنه حترز إذا مل يهمل أو يفرط يف االحتياط والتبصر فإذا كان ال ميكن التحرز إطالقاً فال مسؤوليته ‪.‬‬

‫وتتضح هاتان القاعدتان باألمثلة ‪:‬‬


‫‪ .1‬إذا ك¸¸ان هن¸¸اك س¸¸يارة متشي يف الطريق حاملة حدي¸¸داً فس¸¸قطت من الس¸¸يارة على إنس¸¸ان فقتلته فالس¸¸ائق‬
‫مس¸¸ؤول عن قتله ألنه يس¸¸تطيع أن يتح¸¸رز وحيت¸¸اط ‪ ،‬ولكن الغب¸¸ار واحلصى ال¸¸ذي يث¸¸ريه مشي الس¸¸يارة يف‬
‫الطريق إذا ج¸ ¸¸اء يف عني إنس¸ ¸¸ان فأتلفها فال يس¸ ¸¸أل عنها الس¸ ¸¸ائق ألن إث¸ ¸¸ارة الغب¸ ¸¸ار واحلصى مما ال ميكن‬
‫التحرز منه ‪.‬‬
‫‪ .2‬إذا س¸ ¸ ¸ ¸¸رق س¸ ¸ ¸¸يارة ‪ ،‬أو قادها ب¸ ¸ ¸¸دون رخصة ‪ ،‬أو ب¸ ¸ ¸¸دون أوراق امللكية ‪ ،‬أو ك¸ ¸ ¸ ¸¸انت س¸ ¸ ¸¸نه دون السن‬
‫القانونية وحنو ذلك فاص ¸ ¸¸طدم ب ¸ ¸¸آخر فقتله فيتحمل مس ¸ ¸¸ؤولية قتله حىت وإن ك ¸ ¸¸ان اجلاين قد اختذ مجيع‬
‫أس¸ ¸¸باب الس¸ ¸¸المة يف القي¸ ¸¸ادة وس¸ ¸¸ار بس¸ ¸¸رعة قانونية متبع¸ ¸ ¸اً لألنظمة ‪ ،‬والس¸ ¸¸بب أنه تع¸ ¸¸دى بقيادته دون‬
‫ض¸رورة ‪ ،‬أما لو ك¸ان مثة ض¸¸رورة لتلك القي¸ادة مثل أن يض¸طر إليص¸ال ش¸خص للمستش¸فى ع¸اجالً وال‬
‫حيمل رخصة القيادة فهو غري متعد حينئذ ‪.‬‬
‫‪ .3‬ذكر الفقه¸ ¸ ¸¸اء أن األض¸ ¸ ¸¸رار اليت حتدثها الدابة يف مق¸ ¸ ¸¸دمتها يتحملها قائ¸ ¸ ¸¸دها مثلما لو وطئت إنس ¸ ¸¸اناً أو‬
‫كدمته أو ص¸¸دمته ‪ ،‬أما األض¸¸رار اليت حتدثها يف مؤخرهتا فال يتحمل القائد مس¸¸ؤولياهتا مثلما لو نفخت‬
‫برجلها أو ذنبها إنس¸ ¸¸اناً فم¸ ¸¸ات ‪ ،‬ألن ه¸ ¸¸ذا ال ميكن التح ¸ ¸¸رز منه خبالف ما يف املقدمة ‪ .‬وال¸ ¸¸دليل على‬

‫‪42‬‬
‫ذلك قوله ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ‪ " :‬والعجم¸ ¸¸اء جب¸ ¸¸ار " أي نفخ الدابة برجلها جب¸ ¸¸ار ال مس ¸¸ؤولية يف‬
‫حقه ‪ ،‬ويق ¸ ¸¸اس على ذلك ما تقضي به عامة األنظمة الوض ¸ ¸¸عية من أن احلوادث اليت تلحق الس ¸ ¸¸يارة من‬
‫املؤخرة يتحملها قائد السيارة اخللفية ‪ ،‬وهذا موافق للرأي الشرعي ‪.‬‬
‫‪ .4‬من أوقف سيارته يف مكان ممنوع فتسبب يف مقتل إنسان فإن صاحب السيارة يتحمل مسؤولة ذلك ‪،‬‬
‫أما لو أوقفها يف مكان مسموح فال مسؤولية عليه ‪.‬‬
‫‪ .5‬من أح¸¸دث ش¸¸يئاً غري م¸¸أذون له به كمن أخ¸¸رج جناح¸اً أو ش¸¸رفه فع¸¸ثر به ع¸¸اثر فم¸¸ات ‪ ،‬أو رش م¸¸اء يف‬
‫الطريق فزلق به إنس¸¸ان فم¸¸ات فعليه املس¸¸ؤولية ‪ ،‬وك¸¸ذا لو قصر يف إزالة ش¸¸يء جيب عليه إزالته فوقع فيه‬
‫إنسان فم¸¸ات فعليه الض¸مان ‪ ،‬مثل أن يقصر يف إزالة الثلج من عتبة داره إذا ك¸ان النظ¸ام يلزمه ب¸ذلك ‪،‬‬
‫أو يكون جداره مائالً فيتمادى يف إصالحه ‪ ،‬أو تكون أسالك الكهرباء مكشوفة وحنو ذلك ‪.‬‬
‫‪ .6‬إذا اعرتضه وهو يقود سيارته شخص فمات ‪ ،‬فينظر ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن ك ¸¸ان قائد الس ¸¸يارة متع ¸¸دياً أو مقص ¸¸راً يف قيادته للس ¸¸يارة فعليه الض ¸¸مان مطلق ¸اً ‪ ،‬مثل أن يق ¸¸ود‬
‫السيارة من غري تصريح ‪ ،‬أو يكون مسرعاً يف قيادته ‪ ،‬أو كانت مكابح السيارة ضعيفة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬فإن كان يقود السيارة بصورة نظامية ‪ ،‬فإن كان اعرتاض القتيل بعي¸داً حبيث يتمكن القائد من‬
‫إيقاف السيارة فلم يوقفها فعليه املسؤولية ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أما أن كانت املسافة يسرية ال يتمكن من إيقاف السيارة فليس عليه املسؤولية ‪.‬‬

‫‪ .7‬إذا انقلبت س ¸ ¸¸يارة بركاهبا فهلك ¸ ¸¸وا فعلى قائد الس ¸ ¸¸يارة املس ¸ ¸¸ؤولية إن ك ¸ ¸¸ان قد ف ¸ ¸¸رط ‪ -‬مثل أن تك¸ ¸¸ون‬
‫اإلطارات قدمية ‪ ، -‬أو تعدى مثل أن يكون مسرعاً ‪ ،‬فإن مل يكن كذلك فليس عليه مسؤولية ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫العقوبات المقدرة على الجناية على النفس‬

‫المبحث األول‬
‫العقوبات المقدرة على القتل العمد‬
‫وهذه العقوبات هي ‪:‬‬
‫القصاص‬ ‫‪.1‬‬
‫الدية‬ ‫‪.2‬‬
‫الكفارة ‪ -‬على رأي بعض الفقهاء ‪-‬‬ ‫‪.3‬‬
‫التعزيز‬ ‫‪.4‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ .5‬احلرمان من الوصية‬
‫‪ .6‬احلرمان من املرياث ‪.‬‬

‫أوالً‬
‫القصاص‬
‫المطلب األول ‪ :‬الحكمة من مشروعية القصاص ‪:‬‬
‫شرع اهلل القصاص حلكم عظيمة ومقاصد سامية ومن أهم حكم القصاص ‪:‬‬
‫‪ .1‬محاية اجملتمع ¸¸ات من اجلرمية ‪ ،‬وردع كل من تس ¸¸ول له نفسه االعت ¸¸داء على اآلخ ¸¸رين وهلذا ق ¸¸ال اهلل تع ¸¸اىل‪:‬‬
‫{ ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب } ‪.‬‬
‫‪ .2‬حتقيق الع ¸¸دل واالنتص ¸¸ار للمظل ¸¸وم ‪ ،‬بتمكني ورثة القتيل من أن يفعل ¸¸وا بالقاتل مثل ما فعل مبورثهم ‪ .‬وهلذا‬
‫ق ¸¸ال تع ¸¸اىل ‪ { :‬ومن قتل مظلوم ¸اً فقد جعلنا لولية س ¸¸لطاناً فال يس ¸¸رف يف القتل } وق ¸¸ال ‪ { :‬فمن اعت ¸¸دى‬
‫عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم } ‪.‬‬
‫‪ .3‬التوبة على القاتل ‪ ،‬وتطه ¸¸ريه من ال ¸¸ذنب ال ¸¸ذي اقرتفه ‪ ،‬ف ¸¸إن القص ¸¸اص واحلدود عامة كف ¸¸ارة ألهلها وإن مل‬
‫يتوب ¸¸وا من ال ¸¸ذنب ‪ ،‬ففي الص ¸¸حيحني عن عب ¸¸ادة أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال ‪ " :‬ب ¸¸ايعوين على أال‬
‫تشركوا باهلل شيئاً وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال تأتوا ببهت¸¸ان تفرتونه بني أي¸¸ديكم وأرجلكم‬
‫وال تعصوا يف معروف ‪ ،‬فمن وىف منكم ف¸أجره على اهلل ومن أص¸¸اب من ذلك ش¸يئاً فع¸وقب به فهو كف¸¸ارة‬
‫‪ ،‬ومن أصاب من ذلك شيئاً مث سرته اهلل فهو إىل اهلل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ‪.‬‬
‫وقد توقف بعض أهل العلم حلديث أيب هريرة أن النيب صلى هلل عليه وسلم قال ‪ " :‬ال أدري هل احلدود كفارة‬
‫ألهلها أم ال " ‪ .‬أخرجه احلاكم بإسناد صحيح كما قال ابن حجر ‪.‬‬
‫واجلمع بينهما ‪ -‬كما ق ¸¸ال القاضي عي ¸¸اض ‪ (( : -‬أن يك ¸¸ون ح¸¸ديث أيب هري ¸¸رة ورد أوالً قبل أن يعلمه اهلل مث‬
‫أعلمه بعد ذلك ))‬
‫ورجح ذلك ابن حجر أيض¸ ¸اً وق¸ ¸¸ال ‪ (( :‬إن املباعية املذكورة يف ح¸ ¸¸ديث عب¸ ¸¸ادة إمنا ك¸ ¸¸انت بعد الفتح أي بعد‬
‫نزول آية املمتحنة أما حديث أيب هريرة فقد كان قبل ذلك ))‬
‫ومما يؤيد ذلك ما روى الرتم¸¸ذي عن علي أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال ‪ " :‬من أص¸¸اب ذنب¸اً فع¸¸وقب به يف‬
‫الدنيا فاهلل أكرم من أن يثين العقوبة على عبده يف اآلخرة "‪.‬‬
‫والبن حب¸¸ان يف ص¸¸حيحه مرفوع ¸اً إىل النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال ‪ " :‬الس¸¸يف حماء للخطايا " ‪ .‬وعن عائشة‬
‫مرفوعاً ‪ " :‬ال مير القتل بذنب إال حماه " رواه البزار ‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ويف ه ¸¸ذه األدلة رد على من يصم الش ¸¸ريعة اإلس ¸¸المية بأهنا تع ¸¸ارض حق¸ ¸¸وق اإلنس¸ ¸¸ان ف ¸¸إن إقامة القص ¸¸اص على‬
‫القاتل فيه مص¸¸لحة له أيض¸اً ‪ ،‬لكن الف¸¸ارق أن الق¸¸وانني الوض¸¸عية إمنا تنظر إىل املص¸¸لحة النيوية فقط ‪ ،‬أما الش¸¸ريعة‬
‫فتنظر إىل املصلحتني الدنيوية واألخروية ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬أدلة مشروعية القصاص في األنفس ‪:‬‬


‫من الكتاب ‪ :‬قوله تعاىل ‪ { :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتلى ‪ } ..‬وقوله تعاىل ‪ { :‬وكتبنا‬
‫عليهم فيها أن النفس بالنفس ‪ }..‬اآلية ‪.‬‬
‫ومن السنة ‪:‬‬
‫عن أبي هري رة أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال ‪ { :‬من قتل له قتيل فهو خبري النظ¸¸رين ‪ :‬إما أن يفت ¸¸دي وإما‬
‫أن يقتل } رواه اجلماعة لكن لفظ الرتمذي ‪ " :‬إما أن يعفو وإما أن يقتل "‬
‫وعن أبي ش ريح الخ زاعي ق ال ‪ :‬مسعت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يق¸¸ول ‪ { :‬من أص¸¸يب ب¸¸دم أو خبل‬
‫واخلبل ‪ :‬اجلراح فهو باخلي ¸ ¸¸ار بني إح ¸ ¸¸دى ثالث ‪ :‬إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو ف ¸ ¸¸إن أراد رابعة فخ¸ ¸¸ذوا‬
‫على يديه } رواه أمحد وأبو داود وابن ماجه‬
‫وعن ابن عباس قال ‪ :‬ك¸ان يف بين إس¸¸رائيل القص¸¸اص ومل يكن فيهم الدية فق¸¸ال اهلل تع¸اىل هلذه األمة ‪ { :‬كتب‬
‫عليكم القص¸¸اص يف القتلى احلر ب¸احلر } اآلية { فمن عفي له من أخيه ش¸¸يء } ق¸ال ‪ :‬ف¸¸العفو أن يقبل يف العمد‬
‫الدية واالتب¸¸اع ب¸¸املعروف يتبع الط¸¸الب مبع¸¸روف وي¸¸ؤدي إليه املطل¸¸وب بإحس¸¸ان { ذلك ختفيف من ربكم ورمحة‬
‫} فيما كتب على من كان قبلكم رواه البخاري ‪.‬‬
‫وقد أمجعت األمة على ذلك ‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫شروط وجوب القصاص‬
‫يشترط لوجوب القصاص أربعة شروط ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن تكون اجلناية عمداً حمضاً ‪:‬‬
‫فخرج بذلك شبه العمد واخلطأ ‪.‬‬
‫قال ابن قدامة ‪ (( :‬أمجع العلماء على أن القود ال جيب إال يف العمد )) ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬عصمة المقتول ‪:‬‬
‫فإن كان مهدر الدم كاحلريب واملرتد والزاين احملصن فال قصاص على القاتل سواءً أكان مسلماً أو ذمياً ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫والدليل ‪ :‬أن القص¸¸اص إمنا ش¸¸رع حفظ¸اً لل¸¸دماء املعص¸¸ومة ‪ ،‬وزج¸¸راً عن إتالف البنية املطل¸¸وب بقاؤها ‪ ،‬وذلك‬
‫مع¸ ¸¸دوم يف غري املعص ¸ ¸¸وم ‪ ،‬فالقتل يف ه ¸ ¸¸ذه احلالة ص ¸ ¸¸ادف حمله ألن القتيل متحتم القتل ‪ ،‬لكن ليعلم أن س¸ ¸¸قوط‬
‫غير‬
‫القاتل ُ‬
‫َ‬ ‫القص¸¸اص عنه ال يعفيه من التعزير ‪ ،‬فلإلم¸¸ام أن يع¸¸زره مبا ي¸¸راه رادع¸اً له وألمثاله ‪ .‬مسألة ‪ :‬إذا قتل‬
‫ولي الدم فهل يقتص منه أم ال ؟‬
‫آخر ‪ ،‬فيأيت أجنيب فيقتص من القاتل بغري إذن ‪.‬‬
‫وصورة ذلك أن يقتل شخص َ‬
‫اختلف أهل العلم في ذلك على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه يقتص منه وهذا قول اجلمهور ‪،‬‬
‫وأدلتهم ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن املقت¸¸ول مل يتحتم قتله ‪ ،‬الحتم¸¸ال عفو أحد األولي¸¸اء عن القص¸¸اص ‪ ،‬فيك¸¸ون قتله يف غري حمله ‪ ،‬ألن من‬
‫شرط القصاص اتفاق األولياء على األخذ به ‪.‬‬
‫‪ .2‬أن دمه مستحق ألولياء القتيل األول فلم يبح دمه لغ¸¸ريهم ‪ ،‬وهو ش¸يء يس¸تحقونه على س¸بيل املعاوضة أي‬
‫عوضاً عن قتيلهم ‪ ،‬فهذا كما لو كان عليه دين واستوفاه غريه فإن الدائن ال ينتفع بذلك ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أنه ال قصاص على القاتل الثاين ‪ ،‬وهو مروي عن قتادة ‪،‬‬
‫وحجته ‪:‬‬
‫‪ -‬القياس على قتل الزاين احملصن واملرتد ‪ ،‬جبامع أن القتيل يف كل منهما مباح الدم‬
‫ويرد هذا القياس بأنه قياس مع الفارق ألن الزاين واملرتد وحنوهم متحتم قتلهم خبالف القاتل فإنه غري متحتم ‪.‬‬

‫مسألة ‪ :‬لو طلب أولياء القتيل األول بالدية فهل لهم ذلك ؟‬
‫في هذه المسألة خالف ‪:‬‬
‫فالش افعية والحنابلة ي¸¸رون أهنم يس¸¸تحقون الدية ألن ال¸¸واجب يف القتل أحد ش¸¸يئني ‪ :‬القص¸¸اص أو الدية ‪ ،‬ف¸¸إذا‬
‫تعذر أحدمها لفوات حمله وجب اآلخر ‪.‬‬
‫وقال األحناف ‪ :‬ليس للورثة حق الدية لفوات احملل ‪.‬‬
‫وقال المالكية ‪ :‬من قتل رجالً فعدا عليه أجنيب فقتله عمداً ‪ ،‬فدمه ألولياء القتيل األول ‪ ،‬ويقال ألولي¸¸اء القتيل‬
‫الث ¸¸اين ‪ :‬أرض ¸¸وا أولي ¸¸اء القتيل األول وش ¸¸أنكم بقاتل وليكم يف العفو أو القتل ‪ ،‬ف ¸¸إن مل يرض ¸¸وهم فألولي ¸¸اء القتيل‬
‫األول قتله أو العفو عنه ‪.‬‬
‫والراجح هو قول املالكية ملا فيه من العدل حيث مل جيتمع على ش¸¸خص واحد عقوبت¸¸ان ومل يه¸¸در حق أي منهم‬
‫‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬التكليف ‪:‬‬
‫فال قصاص على جمنون أو صيب ‪ ،‬وقد تقدمت أدلة ذلك ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬التكافؤ بين المقتول وقاتله حال الجناية ‪:‬‬
‫ومعىن التك¸¸افؤ أن يتس¸¸اوى اجلاين واجملين عليه يف ال¸¸دين واحلرية أو ال¸¸رق ‪ ،‬فيقتل احلر املس¸¸لم ب¸¸احلر املس¸¸لم ذك¸¸راً‬
‫كان أو أنثى ‪.‬‬

‫صور عدم التكافؤ ‪:‬‬


‫الصورة األولى ‪ :‬قتل المسلم بالكافر ‪:‬‬
‫ال خالف بني أهل العلم أن الك¸¸افر يقتل باملس¸لم ألن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم قتل اليه¸¸ودي ال¸¸ذي رض رأس‬
‫جارية من األنصار على أوضاح هلا ‪ ،‬وألنه إذا قتل مبثله فبمن هو فوقه أوىل ‪.‬‬
‫واختلفوا في قتل المسلم بالكافر على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫للجمهور من املالكية والشافعية واحلنابلة ‪ :‬أن املسلم ال يقتل بالكافر ‪.‬‬
‫استدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روى البخ¸¸اري عن أيب جحيفة ق¸ال ‪ (( :‬قلت لعلي ‪ :‬هل عن¸¸دكم ش¸يء من ال¸¸وحي غري الق¸¸رآن ؟ ق¸¸ال ‪:‬‬
‫ال ‪ ،‬والذي خلق احلبة وبرأ النسمة إال فهماً يعطيه اهلل رجالً يف القرآن ‪ ،‬وما يف هذه الص¸¸حيفة قلت ‪ :‬وما‬
‫يف هذه الصحيفة ‪ .‬قال ‪ :‬العقل وفكاك األسر ‪ ،‬وأن ال يقتل مسلم بكافر )) ‪.‬‬
‫‪ .2‬وأخ ¸ ¸ ¸¸رج أمحد وأبو داوود والنس ¸ ¸ ¸¸ائي من وجه آخر عن علي رضي اهلل عنه مرفوع¸ ¸ ¸ ¸اً ‪ (( :‬املؤمن ¸ ¸¸ون تتكافأ‬
‫دم ¸¸اؤهم ويس ¸¸عى ب ¸¸ذمتهم أدن ¸¸اهم وهم ي ¸¸دعى من س ¸¸واهم وال يقتل م ¸¸ؤمن بك ¸¸افر ‪ ،‬وال ذو عهد يف عه ¸¸ده‬
‫)) ‪.‬‬
‫ووجه الداللة يف قوله (( املؤمنون تتكافأ دماؤهم )) فمفهومه أن الكافر ال يكافئ املسلم فال يقتل به ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫يقتل املسلم بالذمي خاصة ‪ ،‬وهذا رأي النخعي والشعيب واألحناف‬
‫واستدلوا لذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬بالعموم¸¸ات الدالة على أن النفس تقتل ب¸¸النفس مثل قوله تع¸¸اىل ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس ب¸¸النفس }‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬احلر باحلر } فتشمل هذه النصوص أي نفس وأي حر فيدخل بذلك قتل املسلم بالكافر ‪.‬‬
‫‪ .2‬ما روى ال ¸¸دارقطين وال ¸¸بيهقي عن ابن البيلم ¸¸اين مرس ¸الً أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم أق ¸¸اد مس ¸¸لماً ب ¸¸ذمي ‪،‬‬
‫وقال ‪ " :‬أنا أحق من وىف بذمته " ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ .3‬وألن الذمي معصوم الدم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كاملسلم ‪.‬‬

‫والراجح القول األول لقوة أدلتها وصراحتها ‪ ،‬أما ما استدل به أصحاب القول الثاين فيجاب عنه مبا يلي ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أما العمومات فهي خمصوصة بأحاديث الفريق األول ‪.‬‬
‫ب‪ -‬أما ح¸¸ديث ابن البيلم¸¸اين فهو ض¸¸عيف ج¸¸داً ‪ ،‬ق¸¸ال اإلم¸¸ام أمحد ‪ :‬ليس له إس¸¸ناد ‪ .‬وق¸¸ال ال¸¸دارقطين ‪ :‬يرويه‬
‫ابن البيلماين وهو ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل ‪.‬‬
‫ج – أما كون الذمي معصوماً¸ فال يلزم منه مكافأته للمسلم ‪ ،‬وقياسه على املسلم غري صحيح ألمرين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أنه قياس يف مقابلة النص فهو قياس فاسد االعتبار ‪.‬‬
‫الث ¸¸اين ‪ :‬أن قي ¸¸اس ال ¸¸ذمي على املس ¸¸لم ليس أوىل من قياسه على احلريب بل إن قياسه على احلريب أق ¸¸رب جبامع أن‬
‫كليهما كافر خملد يف النار ‪.‬‬

‫فائ دة ‪ :‬يقتل ال¸ ¸¸ذمي بال¸ ¸¸ذمي س¸ ¸¸واءً اتفقت أدي¸ ¸¸اهنم أو اختلفت ‪ ،‬فيقتل النص¸ ¸¸راين ب¸ ¸¸اليهودي واجملوسي ‪ ،‬ألهنم‬
‫متكافئون يف العصمة بالذمة ونقيصة الكفر فجرى جمرى القصاص بينهما كما لو تساوى دينهما ‪.‬‬

‫الصورة الثانية ‪ :‬قتل الحر بالعبد‬


‫اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن احلر ال يقتل بالعبد مطلقاً ‪ ،‬سواء كان يف ملكه أو يف ملك غريه ‪.‬‬
‫وهذا مذهب اجلمهور من املالكية والشافعية واحلنابلة‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬قوله تعالى ‪ { :‬يا أيها الذين آمن¸¸وا كتب عليكم القص¸¸اص يف القتلى احلر ب¸¸احلر والعبد بالعبد } فمفه¸¸وم‬
‫اآلية أن احلر ال يقتل بالعبد ‪.‬‬
‫نوقش هذا االستدالل من وجهين ‪:‬‬
‫أ – بأنه اس¸ ¸ ¸ ¸¸تدالل ب¸ ¸ ¸ ¸¸املفهوم ‪ ،‬والنص¸ ¸ ¸ ¸¸وص الدالة على قتل احلر بالعبد اس¸ ¸ ¸ ¸¸تدالل ب¸ ¸ ¸ ¸¸املنطوق مثل قوله تع¸ ¸ ¸¸اىل ‪:‬‬
‫{ النفس بالنفس } والقاعدة عند األصوليني ‪ :‬أن املنطوق مقدم على املفهوم ‪.‬‬
‫ب – أنه لو صح ه ¸ ¸¸ذا االس ¸ ¸¸تدالل فإنه يل ¸ ¸¸زم أال يقتل ال ¸ ¸¸ذكر ب ¸ ¸¸األنثى وال العكس ‪ .‬وهو خالف اإلمجاع كما‬
‫سيأيت ‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ثانياً ‪ :‬ما روى علي رضي اهلل عنه أنه قال ‪ (( :‬من الس¸¸نة أال يقتل حر بعبد )) وقوله من الس¸¸نة أي س¸¸نة النيب‬
‫ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ‪ ،‬فه ¸¸ذا له حكم الرفع ‪ ،‬وعن ابن عب ¸¸اس رضي اهلل عنهما أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم‬
‫قال ‪ " :‬ال يقتل حر بعبد " رواه الدارقطين ‪.‬‬
‫نوقش هذا االستدالل بما يلي ‪:‬‬
‫ب¸ ¸¸أن ه¸ ¸ ¸¸ذه األح¸ ¸ ¸¸اديث ض¸ ¸ ¸¸عيفة ال تنهض لالحتج¸ ¸ ¸¸اج هبا ‪ ،‬أما ح¸ ¸ ¸¸ديث علي ففيه ج¸ ¸ ¸¸ابر اجلعفي وهو م¸ ¸¸رتوك ‪،‬‬
‫وحديث ابن عباس فيه جويرب وغريه من املرتوكني ‪ ،‬قاله ابن حجر يف تلخيص احلبري ‪.‬‬
‫ثالث اً ‪ :‬اإلمجاع على أن احلر ال يقطع طرفه بط¸¸رف العبد مع التس¸¸اوي يف الس¸¸المة فيق¸¸اس على ذلك قتل النفس‬
‫‪.‬‬
‫ويناقش هذا االستدالل بما يلي ‪:‬‬
‫بعد التس¸¸ليم بص¸¸حة اإلمجاع فقد روي عن ابن أيب ليلى أن القص¸¸اص واجب بني احلر والعبد يف مجيع اجلراح¸¸ات‬
‫اليت نستطيع فيها القصاص ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬أن العبد ال يكافئ احلر فإنه منقوص بالرق ‪ ،‬بدليل أن دية احلر كاملة ‪ ،‬أما دية العبد ففي قيمته ‪.‬‬
‫ويناقش هذا االستدالل من وجهين ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أن هذا قياس يف مقابلة النص فهو فاسد االعتبار ‪.‬‬
‫ب – أن دية املرأة على النصف من دية الرجل ومع ذلك فإنه يقتل هبا ‪.‬‬

‫القول الثاني ‪:‬‬


‫أن احلر يقتل بالعبد مطلقاً سواءً كان يف ملكه أو ملك غريه ‪ ،‬وهذا هو رأي النخعي وداود الظاهري ‪.‬‬
‫استدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬بعموم¸¸ات النص¸¸وص القاض¸¸ية ب¸¸أن النفس تقتل ب¸¸النفس مطلق ¸اً مثل قوله تع¸¸اىل ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن‬
‫النفس ب¸¸النفس } وقوله ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ‪ " :‬املؤمن¸¸ون تتكافأ دم¸¸اؤهم " وقوله ‪ " :‬ال حيل دم ام¸¸رئ مس¸¸لم‬
‫إال بإحدى ثالث … وذكر منها النفس بالنفس " فهذه النصوص عامة يف العبيد واألحرار ‪.‬‬
‫نوقش هذا االستدالل ‪:‬‬
‫بأن هذه النصوص خمصوصة بأدلة الفريق األول ‪.‬‬
‫ويجاب عن ذلك ‪:‬‬
‫بأن أدلة التخصيص غري ثابتة كما تقدم فيبقى احلكم على عمومه ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ثانياً ‪ :‬قوله تعاىل ‪ { :‬ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب } فأخرب تعاىل أنه وجب القصاص ألن فيه حياة‬
‫لنا ‪ ،‬وذلك شامل للحر والعبد ألن صفة أويل األلب¸اب تش¸ملهم مجيع¸اً ‪ ،‬ف¸إذا ك¸انت العلة موج¸¸ودة يف اجلميع مل‬
‫جيز االقتصار حبكمها على بعض دون بعض ‪.‬‬
‫ثالث اً ‪ :‬ما روى احلسن عن مسرة أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال ‪ " :‬من قتل عب ¸¸ده قتلن ¸¸اه ‪ ،‬ومن جدعه ‪-‬‬
‫أي قطع أنفه ‪ -‬جدعناه " ‪.‬‬
‫رواه أمحد والرتمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬
‫نوقش هذا الدليل من وجهين ‪:‬‬
‫أ – ب¸ ¸ ¸¸أن احلديث ض¸ ¸ ¸¸عيف ألن احلسن مل يس¸ ¸ ¸¸مع من مسرة إال ثالثة أح¸ ¸ ¸¸اديث و ليس ه¸ ¸ ¸¸ذا منها ‪ ،‬فهو ح¸ ¸¸ديث‬
‫منقطع ومما يؤيد ذلك أن احلسن كان يفيت خبالفه فإنه يقول ‪ (( :‬ال يقتل احلر بعبد )) ‪.‬‬
‫ويجاب عن هذا ‪ :‬ب¸أن رواية احلسن عن مسرة خمتلف فيها ‪ ،‬وقد ق¸ال علي بن املديين ‪ :‬إن مساعه منه ص¸¸حيح ‪،‬‬
‫واحلديث حسنه الرتمذي ‪.‬‬
‫ب – ق ¸¸ال ابن القيم ‪ (( :‬إن ك ¸¸ان ح ¸¸ديث احلسن عن مسرة حمفوظ¸ ¸اً وقد مسعه احلسن منه ك ¸¸ان قتله تعزي ¸¸راً إىل‬
‫اإلمام حبسب ما يراه من املصلحة )) ‪.‬‬
‫ويجاب عن ذلك ‪ :‬ب¸¸أن ه¸¸ذا خالف ظ¸¸اهر احلديث ف¸¸إن ظ¸¸اهره أن قتله قص¸¸اص ال تعزير ب¸¸دليل قوله ‪ " :‬ومن‬
‫جدع جدعناه " وزاد النسائي يف روايته " زمن خصى عبده خصيناه " ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬وألن العبد آدمي معصوم¸ فيقتل باحلر كقتل احلر باحلر ‪.‬‬

‫القول الثالث ‪:‬‬


‫أن السيد ال يقتل بعبده ‪ ،‬ويقتل احلر بعبد غريه ‪.‬‬
‫وهذا مذهب األحناف ‪،‬‬
‫واستدلوا على قتل احلر بالعبد بأدلة الفريق الثاين ‪ ،‬واستدلوا على استثناء من يف ملكه مبا يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روي عن عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ق¸ ¸¸ال ‪ " :‬ال يق¸ ¸¸اد اململ¸ ¸¸وك من م ¸¸واله‬
‫والوالد من ولده " ‪ .‬رواه الدارقطين ‪.‬‬
‫ويجاب عن ذلك ‪ :‬بأنه حديث ضعيف بل منكر فإن يف إسناده عمر بن عيسى األسلمي وهو منكر ‪.‬‬
‫‪ .2‬وعن علي أن رجالً قتل عبداً فجل¸¸ده النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم مئة ونف¸¸اه عام¸اً وحما امسه من املس¸لمني‬
‫ومل يقده به ‪.‬‬
‫ويجاب عنه أيضاً ‪ :‬بأنه حديث ضعيف ‪ ،‬قال أمحد ‪ :‬ليس بشيء ‪ ،‬وضعفه أبو حامت وابن حجر ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ .3‬ما روى عم ¸ ¸¸رو بن ش ¸ ¸¸عيب عن أبيه عن ج ¸ ¸¸ده أن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما أهنما ق¸ ¸¸اال ‪ :‬من قتل‬
‫عبده جلد مئة وحرم سهمه من املسلمني ‪ .‬ويف رواية أهنما كانا ال يقتالن احلر بالعبد ‪.‬‬
‫ويجاب عن ذلك ‪ :‬بأن هذا األثر على فرض ثبوته خمالف للنصوص الواردة يف قتل النفس بالنفس مطلقاً ‪.‬‬

‫والراجح – واهلل أعلم – أن الحر يقتل بالعبد مطلقاً ‪.‬‬

‫الصورة الثالثة من صور المكافئة ‪ :‬قتل الذكر باألنثى والعكس ‪.‬‬


‫ال خالف بني الفقهاء على أن الذكر يقتل باألنثى وتقتل األنثى بالذكر‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫عموم النص¸وص الدالة على قتل النفس ب¸النفس مثل قوله تع¸اىل ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس ب¸النفس ‪..‬‬ ‫‪.1‬‬
‫} وقوله عليه الصالة والس¸الم ‪ " :‬املؤمن¸ون تتكافأ دم¸اؤهم " وقوله ‪ " :‬ال حيل دم ام¸رئ مس¸لم إال بإح¸دى‬
‫ثالث ‪ ،‬وذكر منها ‪ :‬النفس بالنفس " ‪.‬‬
‫ما ثبت يف الصحيحني أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قتل يهودياً رض رأس جارية من األنص¸ار بني حج¸رين‬ ‫‪.2‬‬
‫فأمر به النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يرض رأسه بني حجرين ‪.‬‬
‫ويف كت¸¸اب النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم إىل عم¸¸رو بن ح¸¸زم ‪ " :‬أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم كتب إىل أهل‬ ‫‪.3‬‬
‫اليمن بكت¸ ¸¸اب فيه الف¸ ¸¸رائض والس¸ ¸¸نن ‪ ،‬وفيه ‪ :‬أن الرجل يقتل ب¸ ¸¸املرأة " أخرجه النس¸ ¸¸ائي ‪ ،‬ق¸ ¸¸ال ابن قدامة ‪:‬‬
‫وهو كتاب مشهور عند أهل العلم فتلقي بالقبول عندهم ‪.‬‬
‫اإلمجاع على ذلك ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫وألهنما شخصان حيد كل واحد منهما بقذف صاحبه فيقتل به ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬

‫ومع إمجاع العلم ¸¸اء على أن الرجل يقتل ب ¸¸املرأة إال أهنم اختلف ¸¸وا ف ¸¸روي عن علي أنه ق ¸¸ال (( يقتل الرجل ب ¸¸املرأة‬
‫ويعطى أولياؤه نصف الدية )) ‪ .‬وروي مثل ذلك عن احلسن وعطاء ‪.‬‬
‫وعامة أهل العلم على أن ال ¸¸واجب القص ¸¸اص فقط وهو الص ¸¸حيح لألدلة املتقدمة ‪ ،‬وألن اختالف األب ¸¸دال ( أي‬
‫الديات ) ال عربة به يف القصاص بدليل أن اجلماعة يقتلون بالواحد ‪ ،‬ويقتل العبد بالعبد مع اختالف قيمتهما ‪.‬‬

‫مسألة ‪ :‬يقتل العبد بالعبد مطلقاً لآلية ‪.‬‬

‫مسألة ‪ :‬ال يش¸¸رتط يف القص¸¸اص املماثلة يف الص¸¸فات والفض¸¸ائل ‪ ،‬قال ابن قدامة ‪ (( :‬وأمجع أهل العلم على أن‬
‫احلر املس¸ ¸¸لم يق ¸ ¸¸اد به قاتله وإن ك¸ ¸¸ان جمدع األط¸ ¸¸راف مع ¸ ¸¸دوم احلواس ‪ ،‬والقاتل ص¸ ¸¸حيح س¸ ¸¸وي اخللق أو ك¸ ¸¸ان‬
‫ب¸العكس وك¸¸ذلك إن تفاوتا يف العلم والش¸¸رف والغىن والفقر والص¸حة واملرض والق¸وة والض¸¸عف والكرب والص¸¸غر‬

‫‪51‬‬
‫وحنو ذلك ال مينع القصاص باالتفاق وقد دلت عليه العمومات اليت تلوناها وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬‬
‫املؤمن ¸¸ون تتكافأ دم ¸¸اؤهم " وألن اعتب ¸¸ار التس ¸¸اوي يف الص ¸¸فات والفض ¸¸ائل يفضي إىل إس ¸¸قاط القص ¸¸اص بالكلية‬
‫وفوات حكمة الردع والزجر " انتهى كالمه رمحه اهلل ‪.‬‬
‫قاعدة ‪ :‬المعتبر في المكافئة في القصاص هو حال وقوع الجناية الحال زهوق الروح ‪ ،‬أما المعتبر في‬
‫الدية فهو حال استقرار الجناية أي حال زهوق الروح ‪.‬‬
‫وبناء عليه ‪:‬‬
‫لو قتل ذمي ذمياً أو جرحه مث أس¸لم اجلارح وم¸¸ات اجملروح ‪ ،‬أو قتل عبد عب¸¸داً أو جرحه مث عتق القاتل أو‬ ‫‪-1‬‬
‫اجلارح وم ¸ ¸¸ات اجملروح ‪ ،‬وجب القص ¸ ¸¸اص ألهنما متكافئ ¸ ¸¸ان ح ¸ ¸¸ال اجلناية ‪ ،‬وألن القص ¸ ¸¸اص قد وجب فال‬
‫يسقط مبا طرأ ‪.‬‬
‫¸لم ك¸¸افراً وأس¸¸لم اجملروح مث م¸¸ات مس¸¸لماً ب¸¸ذلك اجلرح مل يقتل به قاتله لع¸¸دم التك¸¸افؤ ح¸¸ال‬‫ولو ج¸¸رح مس¸ ٌ‬ ‫‪-2‬‬
‫اجلناية ‪ ،‬ولكن عليه دية مس¸ ¸¸لم ‪ ،‬ألن اعتب¸ ¸¸ار األرش حبال اس¸ ¸¸تقرار اجلناية ‪ ،‬ب¸ ¸¸دليل ما لو قطع ي¸ ¸¸دي رجل‬
‫ورجليه فسرى إىل نفسه ففيه دية واحدة ‪ ،‬ولو اعتربنا حال اجلناية لكان فيه ديتا نفس ‪.‬‬
‫لو جرح صيب معصوماً مث مات بعد بلوغ الصيب فال قصاص ألن املعترب هو حال اجلناية ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫جين على‬ ‫ولو قطع مس¸ ¸¸لم أو ذمي يد مرتد أو ح¸ ¸¸ريب فأس¸ ¸¸لم مث م¸ ¸¸ات فال ش¸ ¸¸يء على الق¸ ¸¸اطع ألنه مل‬ ‫‪-4‬‬
‫معصوم¸ ‪ ،‬فتصرفه مأذون فيه شرعاً ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫موانع القصاص‬
‫املانع هو ‪ :‬ما يلزم من وجوده العدم ‪ ،‬وال يلزم من عدمه وجود وال عدم لذاته ‪.‬‬
‫والموانع التي سندرسها في هذا المطلب خمسة ‪:‬‬
‫المانع األول ‪ :‬األبوة ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف وجوب القصاص من الوالد لولده على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن الوالد ( سواءً كان أباً أو أماً ) ال يقتل بولده وإن سفل ‪ ،‬وسواء يف ذلك أوالد البنني وأوالد البنات ‪.‬‬
‫وهذا مذهب اجلمهور من احلنفية ولشافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫الدليل األول ‪ :‬ما روى عمر بن اخلط¸¸اب عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال ‪ " :‬ال يق¸¸اد الوالد بالولد " رواه‬
‫أمحد والرتم ¸¸ذي وابن ماجه ‪ ،‬وص ¸¸ححه ابن اجلارود وال ¸¸بيهقي وق ¸¸ال ابن عبد الرب ‪ (( :‬هو ح ¸¸ديث مش ¸¸هور عند‬

‫‪52‬‬
‫أهل العلم باحلج ¸¸از والع ¸¸راق مس ¸¸تفيض عن ¸¸دهم يس ¸¸تغىن بش ¸¸هرته وقبوله والعمل به عن اإلس ¸¸ناد فيه حىت يك ¸¸ون‬
‫اإلسناد يف مثله مع شهرته تكلفاً )) ‪.‬‬
‫نوقش ‪:‬‬
‫ب ¸¸أن احلديث ض ¸¸عيف ‪ ،‬فقد ض ¸¸عفه الرتم ¸¸ذي ‪ ،‬وق ¸¸ال عبد احلق االش ¸¸بيلي ‪ (( :‬ه ¸¸ذه األح ¸¸اديث كلها معلومة ال‬
‫يصح منها شيء )) ‪.‬‬
‫وكون احلديث مشهوراً ال يلزم صحته فكم من حديث متداول يف كتب أهل العلم وهو ضعيف ‪.‬‬

‫الدليل الثاني ‪ :‬ما روى ابن ماجه عن جابر رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ (( :‬أنت ومالك‬
‫ألبيك )) وقضية هذه اإلض¸¸افة متليكه إي¸¸اه ‪ ،‬ف¸¸إذا مل تثبت حقيقة امللكية تثبت اإلض¸¸افه ش¸¸بهة يف درء القص¸¸اص ‪،‬‬
‫ألن القصاص يدرأ بالشبهات ‪.‬‬
‫الدليل الثالث ‪ :‬وألنه سبب إجياده فال ينبغي أن يكون الولد سبب إعدامه ‪.‬‬
‫نوقش ‪:‬‬
‫ب ¸¸أن الولد ليس هو س ¸¸بب اإلع ¸¸دام ‪ ،‬وإمنا ارتك ¸¸اب اجلرمية هو س ¸¸بب اإلع ¸¸دام ‪ ،‬وأيض ¸اً ف ¸¸إن األب إذا زىن بابنته‬
‫رجم اتفاقاً ‪ ،‬فتكون سبب إعدامه ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن الوالد يقتل بولده مطلقاً ‪ ،‬وهذا رأي ابن نافع وابن عبد احلكم وابن املنذر ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪:‬‬
‫عم ¸ ¸¸وم النص ¸ ¸¸وص املوجبة للقص ¸ ¸¸اص ‪ ،‬وألهنما مس ¸ ¸¸لمان من أهل القص ¸ ¸¸اص ف ¸ ¸¸وجب أن يقتل كل واحد منهما‬
‫بصاحبه كاألجنبيني ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫ي¸¸رى اإلم¸¸ام مالك أن الوالد يقتل بول¸¸ده إذا انتفت الش¸¸بهة يف أنه أراد تأديبه ‪ ،‬أي إذا ثبت ثبوت ¸اً قاطع ¸اً أنه أراد‬
‫قتله ‪ ،‬فلو أض¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸جعه فذحبه أو شق بطنه أو قطع أعض¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اءه فقد حتقق أنه أراد قتله ‪ ،‬وانتفت ش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸بهة أنه أراد من‬
‫ولو بس¸¸يف أو حذفه حبدي¸¸دة أو ما‬ ‫الفعل تأديبه ‪ ،‬ومن مث يقتل به ‪ ،‬أما إذا ض¸¸ربه ض¸¸رباً مؤدب ¸اً أو حذفه‬
‫أشبه ذلك فقتله فال يقتص منه ‪ ،‬ألن ش¸¸فقة الوالد على ول¸¸ده وطبيعة حبه له ت¸¸دعو دائم¸اً إىل الشك يف أنه قصد‬
‫قتله ‪ ،‬وهذا الشك يكفي لدرء احلد عنه ‪.‬‬
‫وال¸¸راجح ‪ -‬واهلل أعلم – هو الق¸¸ول الث¸¸اين لق¸¸وة أدلته ‪ ،‬وأما تفرقة املالكية فال دليل عليها ‪ .‬وأما أدلة اجلمه¸¸ور‬
‫فهي ضعيفة كما تقدم ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫مس ألة ‪ :‬يقتل الولد بكل واحد من األب¸ ¸¸وين يف ق¸ ¸¸ول عامة أهل العلم ‪ ،‬لعم¸ ¸¸وم النص¸ ¸¸وص ‪ ،‬وألن األب أعظم‬
‫حرمة من األجنيب فإذا قتل باألجنيب فباألب أوىل ‪.‬‬

‫مس ألة ‪ :‬ق ال أهل العلم ‪ :‬مىت ورث قاتل أو ول ¸¸ده بعض دمه ‪ ،‬فال قص ¸¸اص ‪ ،‬فلو قتل أخا زوجته فورثته ‪ ،‬مث‬
‫م¸¸اتت فورثها القاتل أو ول¸¸ده فال قص¸¸اص ألنه ال يتبعض ‪ ،‬وك¸¸ذا لو قتلت أخا زوجها فص¸¸ار القص¸¸اص أو ج¸¸زء‬
‫منه البنها س ¸¸قط القص ¸¸اص ‪ ،‬ولو قتل أحد ال ¸¸زوجني ص ¸¸احبه وهلما ولد مل جيب القص ¸¸اص ألنه لو وجب وجب‬
‫لولده ‪ ،‬وال جيب لولد قصاص على أبيه ‪.‬‬
‫وعلى ما س¸ ¸¸بق ترجيحه فإنه يقتص من الوالد لول ¸ ¸¸ده ‪ ،‬أما إن ورث القاتل ال¸ ¸¸دم فال قص¸ ¸¸اص ألن القص ¸ ¸¸اص ال‬
‫يتبعض ‪.‬‬

‫المانع الثاني ‪ :‬االشتراك في الجريمة ‪:‬‬


‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬قتل الجماعة بالواحد ‪.‬‬
‫إذا اش¸¸رتك أك¸¸ثر من واحد يف قتل معص¸¸وم¸ فهل يقتص منهم مجيع ¸اً أو من بعض¸¸هم أو أنه ال يقتص من أي منهم‬
‫‪ ،‬اختلف أهل العلم يف ذلك على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن اجلماعة تقتل بالواحد ‪ ،‬إذا كان فعل كل واحد منهم يص¸¸لح لقتله ‪ -‬أي أنه لو انف¸¸رد أوجب القص¸¸اص عليه‬
‫‪ ، -‬ف¸¸إن مل يص¸¸لح فعل أي منهم لقتله فال قص¸¸اص على أي منهم ‪ ،‬وإن ص¸¸لح فعل بعض¸¸هم دون البعض فيجب‬
‫القصاص على اآلخرين أي الذين يصلح فعل كل واحد منهم لقتله ‪.‬‬
‫وهذا القول إمجاع الصحابة وقال به األئمة األربعة ‪.‬‬
‫واستدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬ما روى س¸¸عيد بن املس¸¸يب أن عمر بن اخلط¸¸اب قتل س¸¸بعة من أهل ص¸¸نعاء قتل¸¸وا رجالً ‪ ،‬وق¸¸ال ‪ :‬لو متاأل‬
‫عليه أهل صنعاء لقتلتهم مجيعاً ‪ .‬أخرجه البخاري بلفظ (( أنه مجاعة )) ‪.‬‬
‫وعن علي رضي اهلل عنه أنه قتل ثالثة قتلوا رجالً ‪ ،‬وعن ابن عباس أنه قتل مجاعة بواحد ‪.‬‬
‫فه ¸¸ذه أق ¸¸وال الص ¸¸حابة وال يع ¸¸رف هلم خمالف ‪ ،‬فك ¸¸انت إمجاع ¸اً ‪ ،‬وقد حكى اإلمجاع على ذلك ابن قدامة وابن‬
‫القيم وغريمها ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬القياس على القذف فإن القص¸¸اص عقوبة مق¸¸درة جتب للواحد على الواحد ف¸¸وجبت للواحد على اجلماعة‬
‫كحد القذف ‪ ،‬فقد ثبت عن النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬أنه حد جمموعة من الصحابة قذفوا عائشة ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫ثالث اً ‪ :‬أن القص ¸¸اص لو س ¸¸قط باالش ¸¸رتاك فإنه ي ¸¸ؤدي إىل اختاذه ذريعة إىل القتل ومن مث األمن من االقتص ¸¸اص ‪،‬‬
‫فكان قتل اجلماعة للواحد مناسباً للحكمة من مشروعية القصاص ‪ ،‬وسداً لذريعة انتشار القتل ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن اجلماعة ال تقتل بالواحد ‪ ،‬وإمنا جتب عليهم دية واح¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دة وه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذا رأي ابن الزبري والزه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ري وابن س ¸ ¸ ¸ ¸¸ريين‬
‫والظاهرية وهو رواية عن اإلمام أمحد ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬قوله تع ¸¸اىل ‪ { :‬يا أيها ال ¸¸ذين آمن ¸¸وا كتب عليكم القص ¸¸اص يف القتلى احلر ب ¸¸احلر والعبد بالعبد } اآلية ‪،‬‬
‫وقوله تعاىل ‪ { :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } ‪.‬‬
‫ومقتضى هاتني اآليتني أنه ال يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة ‪.‬‬
‫نوقش هذا االستدالل ‪:‬‬
‫بأن كلمة ( نفس ) و ( حر ) يف اآليتني جنس يشمل الواحد واجلماعة فال حجة فيها ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬قالوا ‪ :‬وألن التفاوت يف األوصاف مينع بدليل أن احلر ال يؤخذ بالعبد ‪ ،‬فالتفاوت يف العدد أوىل ‪.‬‬
‫ويناقش ‪:‬بأننا مننع أص ¸الً أن التف¸¸اوت يف األوص¸¸اف مينع فقد س¸¸بق ت¸¸رجيح وج¸¸وب االقتص¸¸اص من احلر للعبد ‪،‬‬
‫ومن ال¸ذكر لألن¸ثى وأن املكاف¸أة هي يف ال¸دين فقط ‪ ،‬وعلى ف¸رض ص¸حة ذلك ف¸إن ه¸ذا قي¸اس يف مقابلة اإلمجاع‬
‫الس ¸ ¸¸ابق فهو م ¸ ¸¸ردود¸ ‪ ،‬وأدلة اجلمه ¸ ¸¸ور مقدمة على ه ¸ ¸¸ذا االس ¸ ¸¸تدالل ال س ¸ ¸¸يما أنه لو قيل هبذا الق ¸ ¸¸ول ألدى إىل‬
‫التسارع يف القتل ‪.‬‬
‫ثالث اً ‪ :‬ق ¸ ¸¸الوا ‪ :‬ويق ¸ ¸¸اس القص ¸ ¸¸اص أيض¸ ¸ ¸اً على الدية ‪ ،‬فإنه لو وجبت عليهم الدية مل يل ¸ ¸¸زمهم إال دية واح¸ ¸¸دة ‪،‬‬
‫فكذلك القصاص ‪.‬‬
‫ويناقش هذا االستدالل ‪:‬‬
‫بأن الدية تفارق القصاص لكوهنا تبتعض ‪ -‬أي تقبل التجزئة على القتلة – خبالف القصاص فإنه ال يتبعض ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫أنه يقتل منهم ش ¸ ¸ ¸¸خص واحد ‪ ،‬ويؤخذ من الب¸ ¸ ¸¸اقني حصص¸ ¸ ¸¸هم من الدية ‪ ،‬وهو م¸ ¸ ¸¸روي عن مع¸ ¸ ¸¸اذ وابن الزبري‬
‫والزهري‬
‫وحجة هذا القول ‪:‬‬
‫أن كل واحد منهم مكافئ للمقتول ‪ ،‬فال يستوىف أبداً إال ببدل واحد ‪ ،‬كما ال جتب ديات إال ملقتول واحد ‪.‬‬
‫وهذا القول ضعيف جداً ‪ ،‬إذ كيف س¸نحدد الش¸خص املس¸تحق للقتل ‪ ،‬وكيف يش¸رتك مجاعة يف جرمية واح¸دة‬
‫وختتلف عقوباهتم ؟!‬

‫‪55‬‬
‫وال¸ ¸¸راجح من ه¸ ¸¸ذه األق¸ ¸¸وال هو الق¸ ¸¸ول األول لق¸ ¸¸وة أدلته وألنه إمجاع الص¸ ¸¸حابة ‪ ،‬وعليه فتقتل اجلماعة بالواحد‬
‫بش ¸¸رط أن يك ¸¸ون فعل كل واحد منهم لو اس ¸¸تقل موجب¸ ¸اً للقص ¸¸اص ‪ ،‬أما إن مل يكن موجب¸ ¸اً للقص ¸¸اص كما لو‬
‫ض ¸¸ربه كل منهم بآلة ال تقتل غالب¸ ¸اً – ك ¸¸احلجر الص ¸¸غري مثالً – فننظر ‪ :‬ف ¸¸إن ك ¸¸ان بينهم تواطؤ على قتله هبذه‬
‫الطريقة فمات من جمموع الضربات فيجب عليهم القصاص مجيعاً ‪ ،‬أما إن مل يكن بينهم تواطؤ فال قصاص ‪.‬‬

‫المس ألة الثانية ‪ :‬ال تعترب يف وج¸¸وب القص¸¸اص على املش¸¸رتكني التس¸¸اوي يف س¸¸ببه ‪ ،‬فلو جرحه أح¸¸دمها جرح ¸اً‬
‫واآلخر مئة ‪ ،‬أو أوضحه أحدمها وشجه اآلخر َّآمة فمات ‪ ،‬كانا سواء يف القصاص والديه ملا يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ألن اعتبار التساوي يفضي إىل سقوط القص¸اص عن املش¸رتكني إذ ال يك¸اد جرح¸ان يتس¸اويان من كل وجه‬
‫‪.‬‬
‫‪ .2‬وألن اجلرح الواحد حيتمل أن ميوت منه دون املائة كما حيتمل أن ميوت من املوضحة دون اآلمة ‪،‬‬
‫‪ .3‬وألن اجلراح إذا ص ¸¸ارت نفس¸ ¸اً س ¸¸قط اعتبارها فك ¸¸ان حكم اجلماعة كحكم الواحد ‪ ،‬أال ت ¸¸رى أنه لو قطع‬
‫أطرافه كلها فمات وجبت دية واحد كما لو قطع طرفه فمات ‪.‬‬

‫المسألة الثالثة ‪:‬‬


‫إذا اش ¸¸رتك مجاعة يف قتل واحد ف ¸¸أحب ال ¸¸ويل أن يقتل أح ¸¸دهم ويأخذ من الب ¸¸اقني نص ¸¸يبهم من الدية فله ذلك ‪،‬‬
‫مثل أن يش¸¸رتك ثالثة فيعف¸¸وا ال¸¸ويل عن اث¸¸نني فيأخذ منهما ثل¸¸ثي الدية ويقتص من أح¸¸دهم ‪ ،‬أو يعف¸¸وا عن واحد‬
‫فيأخذ ثلث الدية ويقتص من اآلخرين ‪.‬‬

‫المسألة الرابعة ‪:‬‬


‫لو اش ¸¸رتك يف القتل العمد اثن ¸¸ان أو أك ¸¸ثر ال جيب القص ¸¸اص على أح ¸¸دهم كما لو اش ¸¸رتك مس ¸¸لم وك ¸¸افر يف قتل‬
‫ك¸¸افر ‪ ،‬أو األب وأجنيب يف قتل الولد ‪ ،‬أو حر وعبد يف قتل عبد ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنه ال قص¸¸اص على واحد منهم ألنه‬
‫قتل ت ¸¸ركب من م ¸¸وجب وغري م ¸¸وجب ‪ ،‬والص حيح ‪ :‬أنه جيب القص ¸¸اص على من حتققت فيه ش ¸¸روط وج ¸¸وب‬
‫القصاص ألنه شارك يف القتل العمد العدوان فيمن يقتل به لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص ‪.‬‬
‫ومثل ذلك لو اشرتك يف القتل صيب وبالغ ‪ ،‬أو جمنون وعاقل ‪ ،‬فيجب القصاص على البالغ العاقل يف أصح قويل‬
‫أهل العلم ألن فعله قتل عمد عدوان وال نظر إىل فعل شريكه حبال ‪.‬‬

‫المسألة الخامسة ‪:‬‬


‫لو اشرتك مجاعة يف جرمية توجب القصاص فيما دون النفس ‪ ،‬كما لو اشرتكوا يف قطع عضو أو جرح م¸¸وجب‬
‫للقص¸ ¸¸اص ‪ ،‬فحكم ذلك كاالش¸ ¸¸رتاك يف القتل ‪ ،‬أي فيجب القص¸ ¸¸اص عليهم مجيع¸ ¸اً ‪ ،‬لألدلة املتقدمة يف مس ¸¸ألة‬

‫‪56‬‬
‫قتل اجلماعة بالواحد ‪ ،‬ولما ثبت عن علي بن أبي ط الب رضي اهلل عنه أن رجلني ش ¸¸هدا على رجل بالس ¸¸رقة‬
‫فقطع على ي¸ ¸¸ده ‪ ،‬مث رجعا من الغد ‪ ،‬فق¸ ¸¸اال‪ :‬أخطأنا يا أمري املؤم¸ ¸¸نني ‪ ،‬فغرمهما دية ي¸ ¸¸ده وق¸ ¸¸ال ‪ :‬واهلل لو أعلم‬
‫أنكما تعمدمتا لقطعت أيديكما ‪.‬‬
‫ويش ¸¸رتط لوج ¸¸وب القص ¸¸اص عليهم أن يش ¸¸رتكوا فيه على وجه اليتم ¸¸يز فعل أح ¸¸دهم عن فعل اآلخر ‪ ،‬إما ب ¸¸أن‬
‫يش ¸¸هدوا عليه مبا ي ¸¸وجب قطعه ك ¸¸ذباً ‪ ،‬أو يلق ¸¸وا عليه ص ¸¸خرة فتقطع ي ¸¸ده أو رجله أو يض ¸¸ربوه بس ¸¸كني ض ¸¸ربة‬
‫واح¸¸دة أما إن قطع كل واحد منهم من ج¸انب ‪ ،‬أو ض¸¸رب كل واحد ض¸¸ربة ف¸انقطعت ي¸ده مبجم¸¸وع الض¸¸ربات‬
‫فال قصاص ألن كل واحد منهم مل يقطع اليد ‪ ،‬ولكن لو علمنا بتواطؤهم ‪ ،‬فإهنم يقطعون مجيعاً ‪.‬‬

‫المسألة السادسة ‪:‬‬


‫إذا أمسك إنس¸¸ان إنس¸¸اناً ليقتله آخر ‪ ،‬فال خالف يف وج¸¸وب القص¸¸اص على القاتل ‪ ،‬وإمنا اختلف¸¸وا يف املمسك‬
‫على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫( أبو حنيفة والش ¸¸افعية وابن املن ¸¸ذر ) ال قص ¸¸اص على املمسك ألنه غري قاتل وألن اإلمس ¸¸اك س ¸¸بب غري ملجئ ‪،‬‬
‫فإذا اجتمعت معه املباشرة كان الضمان على املباشر ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫( مالك ورواية عن أمحد ) القص¸¸اص عليهما مجيع ¸اً ‪ ،‬ألنه لو مل ميس¸¸كه ما ق¸¸در على قتله ‪ ،‬وبإمس¸¸اكه متكن من‬
‫قتله ‪ ،‬فالقتل حاصل بفعلهما فيكونان شريكان فيه ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫( املشهور يف مذهب أمحد وقول عطاء وربيعة ) أن القاتل يقتل وميسك املمسك حىت ميوت ‪.‬‬

‫والراجح هو القول الثاني ‪.‬‬

‫المسألة السابعة ‪ :‬إذا دل غ¸¸ريه على ش¸¸خص ليقتله ‪ ،‬وهو يعلم أنه س¸¸يقتله ‪ ،‬فال قص¸¸اص على ال¸¸دال وإمنا عليه‬
‫التعزير فقط ألنه أعان على اجلرمية ‪.‬‬

‫المسألة الثامنة ‪:‬‬


‫إذا اش¸¸رتك اثن¸¸ان يف القتل وك¸¸ان فعل أح¸¸دمها ال تبقى معه احلي¸¸اة ‪ ،‬كما لو قطع حش¸¸وته ( أي املع¸¸دة ) أو مربيه‬
‫أو ودجيه مث ض ¸ ¸¸رب عنقه اآلخر فالقاتل هو األول وال قص¸ ¸ ¸¸اص على الث¸ ¸ ¸¸اين وإمنا عليه التعزير ‪ ،‬ألن فعل األول‬
‫أخرجه من حكم احلي¸ ¸ ¸ ¸¸اة ‪ ،‬ومثل ذلك ما لو ك¸ ¸ ¸ ¸¸ان ج¸ ¸ ¸ ¸¸رح األول تبقى معه احلي¸ ¸ ¸ ¸¸اة مثل شق البطن من غري إبانة‬

‫‪57‬‬
‫احلش ¸¸وة مث ض ¸¸رب عنقه اآلخر فالث ¸¸اين هو القاتل ألنه مل خيرج جبرح األول عن حكم احلي ¸¸اة ‪ ،‬فيك ¸¸ون الث ¸¸اين هو‬
‫املفوت هلا فعليه القصاص ‪.‬‬

‫المسألة التاسعة ‪:‬‬


‫إذا قتل واحد مجاعة ‪ ،‬فال خيلوا األمر ‪:‬‬
‫‪ .1‬إما أن يطالب األولياء كلهم بالقصاص فيقتل هبم مجيعاً ‪.‬‬
‫‪ .2‬وأما أن يطلبوا كلهم الدية فيلزمه ديات بعددهم ‪.‬‬
‫‪ .3‬وإما أن يطلب أولياء بعضهم القصاص والبعض الدية ‪ ،‬فيقتل مبن طلب القصاص ‪ ،‬وتلزمه ديات من طلب‬
‫الدية ‪.‬‬
‫ومثل ذلك القص ¸¸اص فيما دون النفس كما لو قطع رجل مييين رجلني ‪ ،‬ف¸¸إن اتفق ه ¸¸ذان الشخص ¸¸ان على طلب‬
‫القص¸¸اص فتقطع مين¸¸اه هلما مع ¸اً ‪ ،‬وإن طلبا الدية فتلزمه ديت¸¸ان ‪ ،‬وإن طلب أح¸¸دمها القص¸¸اص دون اآلخر فتقطع‬
‫ميناه مبن طلب القصاص وتلزمه دية اآلخر ‪.‬‬

‫المانع الثالث ‪ :‬اإلكراه ‪:‬‬


‫إذا أكره مكلف مكلفاً آخر على معصوم فقتله ‪ ،‬فللعلماء يف هذه املسألة ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫( مالك وأمحد و الص ¸¸حيح من م ¸¸ذهب الش ¸¸افعية ) أن القص ¸¸اص جيب على املك¸ ¸ ِره واملك ¸ َ¸ره مع¸ ¸اً ألن احلامل أي‬
‫املك ¸ ِره تس ¸¸بب يف القتل مبعىن يفضي إليه غالب ¸اً ‪ ،‬وألن املباشر أي املك ¸ َ¸ره قتل اجملين عليه ظلم ¸اً الس ¸¸تبقاء نفسه ‪،‬‬
‫فأش¸¸به ما إذا اض¸¸طر لألكل فقتله ليأكله ‪ ،‬والق¸¸ول بأنه ملجأ غري ص¸¸حيح ألنه يس¸¸تطيع أن ميتنع عن القتل ولكنه‬
‫مل يفعل إبقاءً لنفسه ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫( أبو حنيفة ) أن القص¸ ¸¸اص جيب على احلامل دون املباشر لقوله ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ‪ (( :‬رفع عن أميت اخلطأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه))¸‬
‫‪ ،‬وألن احلامل هو القاتل معىن وإن كان املباشر هو الذي قتل صورة ألنه مبنزلة اآللة ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫( زفر ) أن القص¸ ¸ ¸ ¸¸اص على املباشر – أي املك¸ ¸ ¸ ¸ َ¸ره – فقط ألنه هو ال¸ ¸ ¸ ¸¸ذي باشر القتل ‪ ،‬واملباش¸ ¸ ¸ ¸¸رة تقطع حكم‬
‫التسبب ‪.‬‬
‫املكره مبنزلة اآللة غري ص¸¸حيح ف¸¸إن اآللة‬
‫والراجح هو القول األول لقوة أدلته ‪ ،‬وقول أصحاب القول الثاين ‪ :‬إن َ‬
‫ال اختيار هلا وال تأمث خبالف املكره ‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫وبن¸ ¸¸اءً عليه فتأخذ ه ¸ ¸¸ذه املس ¸ ¸¸ألة حكم االش ¸ ¸¸رتاك يف اجلرمية على التفص ¸ ¸¸يل الس ¸ ¸¸ابق من حيث عفو األولي ¸ ¸¸اء عن‬
‫البعض أو عن اجلميع أو املطالبة بالقصاص منهما مجيعاً ‪.‬‬
‫ومثل ذلك ما لو أكرهه على قتل نفسه فقتلها ‪ ،‬فهو قاتل لنفسه ‪ ،‬وجيب القصاص على املك ِره ملا تقدم ‪.‬‬

‫المانع الرابع ‪ :‬األمر بالقتل ‪:‬‬


‫إذا أمر شخص آخر بقتل إنسان ‪ ،‬فهل جيب القصاص على اآلمر أم املأمور أم عليهما معاً ؟‬
‫هلذه املسألة تفصيل على النحو اآليت ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬أن يكون المأمور كبيراً عاقالً عالماً بتحريم القتل ‪.‬‬
‫فالقصاص على القاتل بال خالف ألنه قاتل ظلماً فوجب عليه القصاص كما لو مل يؤمر ‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أن يكون المأمور صغيراً أو مجنوناً أو جاهالً ال يعلم بتحريم القتل ‪:‬‬
‫كما لو ك¸¸ان ناش¸¸ئاً يف غري بالد اإلس¸¸الم وق¸¸ال له ‪ :‬إن ذلك الش¸¸خص مبت¸¸دع أو ظ¸¸امل مس¸¸توجب للقتل ف¸¸اذهب‬
‫فاقتله ( فإن كان مثله ال جيهل حترمي ذلك كما لو كان ناشئاً يف بالد اإلسالم فهذ من احلالة األوىل )‬
‫فالقصاص يف هذه احلالة على اآلمر ألنه توصل إىل قتله بشيء يقتل غالباً ‪ ،‬والصيب واجملن¸¸ون واجلاهل مبنزلة اآللة‬
‫‪.‬‬
‫ف¸ ¸¸إن دفع إىل صيب أو جمن¸ ¸¸ون آلة تقتل غالب ¸ ¸اً وال تعطى ملثله ع¸ ¸¸ادة ومل ي¸ ¸¸أمره بقتل أحد فهو قتل خطأ جتب فيه‬
‫الدية والكفارة ‪ ،‬عليهما مجيعاً ‪.‬‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬إذا كان اآلمر هو السلطان ‪،‬‬
‫ف¸¸إن ك¸¸ان املأمور يعلم أن املأمور بقتله ال يس¸¸تحق القتل فالقص¸¸اص عليه ألنه غري مع¸¸ذور يف فعله ألن النيب ص¸¸لى‬
‫اهلل عليه وس ¸ ¸¸لم ق¸ ¸¸ال ‪ (( :‬إمنا الطاعة يف املع ¸ ¸¸روف )) وإن مل يعلم ذلك فالقص ¸ ¸¸اص على اآلمر دون املأمور ألن‬
‫املأمور معذور لوجوب طاعة اإلمام يف غري املعصية ‪ ،‬والظاهر أنه ال يأمر إال باحلق ‪.‬‬
‫واخت ¸¸ار ش ¸¸يخ اإلس ¸¸الم ابن تيمية يف ه ¸¸ذه احلال وج ¸¸وب القص ¸¸اص عليهما مجيع ¸اً ألن اإلم ¸¸ام ال يط ¸¸اع حىت يعلم‬
‫ج ¸¸واز ما أمر به ‪ ،‬وميكن أن حيمل كالمه على ما إذا ك¸ ¸¸ان اإلم¸ ¸¸ام معروف ¸ ¸اً ب ¸¸الظلم واإلفس ¸¸اد يف األرض وع ¸¸دم‬
‫تطبيق شرع اهلل ‪ ،‬فال جيوز تنفيذ أمره يف مثل هذه احلالة إال إذا عرف املأمور جواز ما أمر به ‪ .‬واهلل أعلم ‪.‬‬

‫المانع الخامس ‪ :‬السكر ‪:‬‬


‫اختلف العلماء يف حكم إقامة القصاص على من قتل متعمداً حال سكره على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه يقتص منه ‪ ،‬وهو مذهب اجلمهور ‪.‬‬
‫استدلوا ‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ .1‬أن الصحابة رض¸وان اهلل عليهم أق¸اموا س¸كره مق¸ام قذفه ف¸أوجبوا عليه حد الق¸¸ذف ‪ ،‬فل¸وال أن قذفه م¸¸وجب‬
‫للحد عليه ملا وجب احلد مبظنته ‪ ،‬فقد ثبت أن عمر رضي اهلل عنه استش ¸ ¸¸ار الن ¸ ¸¸اس يف ش ¸ ¸¸أن ش¸ ¸¸ارب اخلمر‬
‫فق ¸¸ال علي رضي اهلل عنه ‪ :‬يا أمري املؤم ¸¸نني إن الش ¸¸ارب إذا س ¸¸كر ه ¸¸ذى ‪ ،‬وإذا ه ¸¸ذى اف ¸¸رتى وحد املف ¸¸رتي‬
‫مثانون جل ¸ ¸¸دة ‪ ،‬أرى أن جتل ¸ ¸¸ده مثانني ‪ ،‬ف ¸ ¸¸أعجب ذلك عمر وجعل عقوبته مثانني جل ¸ ¸¸دة ‪ ،‬ف ¸ ¸¸إذا وجب حد‬
‫القذف على الشارب فالقصاص املتمحض حق آدمي أوىل ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألن يف ذلك س¸ ¸¸داً للذريعة إذ لو مل جيب القص¸ ¸¸اص واحلد ألفضى إىل أن من أراد أن يعصي اهلل ش ¸¸رب ما‬
‫يسكره مث قتل وزىن وسرق وال يلزمه عقوبة ‪ ،‬فيصري عصيانه سبباً لسقوط العقوبة عنه ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أنه ال يقتص منه ‪ ،‬وهو وجه يف مذهب احلنابلة ‪.‬‬
‫واستدلوا ‪:‬‬
‫‪ .1‬بالقياس على اجملنون فإن كالً منهما زائل العقل ‪.‬‬
‫ويناقش هذا االستدالل ‪ :‬بأن هذا قياس مع الفارق فإن السكران فقد عقله باختياره عصياناً خبالف اجملنون ‪.‬‬
‫‪ .2‬وبالقياس على الطالق فإن السكران ال يقع طالقه ‪.‬‬
‫ويناقش ‪ :‬ب¸أن القتل لف¸¸ارق الطالق وألن الطالق ميكن إلغ¸¸اؤه خبالف القتل ‪ ،‬وألن إلزامه ب¸الطالق ي¸رتتب عليه‬
‫إحلاق الضرر مبن مل يرتكب املعصية وهو الزوجة واألوالد ‪.‬‬
‫‪ .3‬وملا ثبت يف ص¸¸حيح البخ¸¸اري أن محزة رضي اهلل عنه ق¸¸ال للنيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم وهو مثل ‪ :‬وهل أنتم‬
‫إال عبيد أيب ‪ ،‬ومل يقم النيب عليه الصالة والسالم عليه حد الردة ‪.‬‬
‫ويناقش ‪ :‬بأن هذا كان قبل حترمي اخلمر فال يصح االستدالل به ‪.‬‬

‫والراجح هو القول األول لقوة أدلته ‪.‬‬


‫فأما إن تن ¸ ¸¸اول ش ¸ ¸¸يئاً يزيل العقل على وجه مب ¸ ¸¸اح ك ¸ ¸¸البنج مثالً فقتل فال قص ¸ ¸¸اص عليه ألنه مع ¸ ¸¸ذور ‪ ،‬وحكمه‬
‫حكم اجملنون ‪ ،‬فهو قتل خطأ ‪.‬‬

‫المطلب الخامس‬
‫استيفاء القصاص‬
‫املقصود باستيفاء القصاص أي تنفيذه واملطالبة به ‪.‬‬
‫ويعرفه الفقهاء بأنه ‪ :‬فعل جمين عليه ‪ ،‬أو فعل وليه ‪ ،‬جبان مثل فعله أو شبهه ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬

‫‪60‬‬
‫فعل مجني عليه ‪ :‬أي يف حال اجلناية العمد على ما دون النفس ‪.‬‬
‫‪ :‬أي يف حال كون اجلناية على النفس ‪.‬‬ ‫فعل وليه‬
‫‪ :‬املقصود به اجلاين املتعمد ‪.‬‬ ‫بجان‬
‫‪ :‬ه¸¸ذا القيد ي¸¸بني أن ال¸¸واجب يف القص¸¸اص املماثلة متام ¸اً ‪ ،‬ف¸¸إذا ك¸¸انت اجلناية ب¸¸اخلنق فيقتص‬ ‫مثل فعله‬
‫باخلنق ‪ ،‬وإن كانت بالتحريق فالواجب يف القصاص التحريق ‪ ،‬وهكذا – كما سيأيت –‬
‫‪ :‬أي قد يقتص من اجلاين بطريقة تشبه جنايته وال متاثلها متاماً ‪ ،‬وهذا يكون يف حالتني ‪:‬‬ ‫أو شبهه‬
‫الحالة األولى ‪ :‬أن يك ¸¸ون القص ¸¸اص بآلة تش ¸¸به آلة اجلناية ‪ ،‬مثل أن يطعنه خبنجر أو بس ¸¸كني فمن املمكن‬
‫أن يطعنه بالسيف ‪ ،‬ألن السيف يشه اخلنجر والسكني ‪ ،‬ومثل ذلك أن يقتله مبسدس فيقتص منه ببندقية ‪.‬‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬أن يتع ¸¸ذر اس ¸¸تعمال اآللة اليت اس ¸¸تخدمها اجلاين يف جنايته ‪ ،‬مثل أن يس ¸¸قيه مخراً حىت يهلك‬
‫‪ ،‬فليس لويل الدم أن يسقيه اخلمر حىت ميوت ‪ ،‬ولكن من املمكن أن يسقيه ماءً حىت ينتفخ بطنه وميوت ‪.‬‬

‫الفرع األول ‪ :‬شروط استيفاء القصاص ‪:‬‬


‫يشترط الستيفاء القصاص ثالثة شروط ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬أن يكون مستحق القصاص ( أي ولي الدم ) مكلفاً ‪:‬‬
‫أي بالغ ¸اً ع¸¸اقالً ‪ ،‬ف¸¸إن ك¸¸ان مس¸¸تحق القص¸¸اص أو بعض مس¸¸تحقه ( أي أحد أولي¸¸اء ال¸¸دم ) ص¸¸بياً أو جمنون ¸اً‬
‫فقد اختلف يف ذلك أهل العلم على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن اجلاين حيبس حىت يبلغ الصيب ويفيق اجملن ¸ ¸¸ون ‪ ،‬وليس لألب وال للوصي وال للح ¸ ¸¸اكم اس ¸ ¸¸تيفاؤه ‪ ،‬وه ¸ ¸¸ذا‬
‫مذهب الشافعي وأمحد ‪.‬‬
‫استدلوا ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن معاوية حبس هدبة بن خش ¸¸رم يف قص ¸¸اص حىت بلغ ابن القتيل ‪ ،‬وب ¸¸ذل احلسن واحلسني وس ¸¸عيد بن‬
‫الع ¸¸اص س ¸¸بع دي ¸¸ات البن القتيل فلم يقبلها ‪ ،‬وك ¸¸ان ذلك مبحضر من الص ¸¸حابة فلم ينكر فك ¸¸ان إمجاع ¸اً‬
‫سكوتياً ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألن القصاص ثبت ملا فيه من التشفي واالنتقام ‪ ،‬وال حيصل ذلك ملستحقه باستيفاء غريه ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن لألب استيفاء القصاص نيابة عن الصغري واجملنون ‪ ،‬وهذا مذهب احلنفية واملالكية ‪.‬‬
‫واستدلوا ‪:‬‬
‫بأن القصاص أحد بديل النفس ‪ ،‬فكان لألب استيفاؤه كالدية ‪.‬‬
‫إذ من املعلوم أن لألب أن يستويف لالبن نصيبه من الدية وحيتفظ له هبا حىت يبلغ ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫لكن يرد على ذلك بأن القصاص خيالف الدية فإن الغرض من الدية حيصل باستيفاء األب خبالف القصاص ف¸¸إن‬
‫الغ ¸¸رض منه التش ¸¸في ‪ ،‬وك ¸¸ذلك ف ¸¸إن الدية إمنا ميلك اس ¸¸تيفاءها إذا تعينت والقص ¸¸اص مل يتعني بعد الحتم ¸¸ال أن‬
‫يعفو االبن ‪.‬‬
‫وال¸¸راجح هو الق¸¸ول األول ‪ ،‬وعليه ف¸¸إن اجلاين حيبس حىت يبلغ الصيب أو يفيق اجملن¸¸ون ‪ ،‬ويس¸¸تثىن من ذلك ما إذا‬
‫ك¸¸ان مس¸¸تحق القص¸¸اص جمنون ¸اً واحت¸¸اج إىل النفقة فلل¸¸ويل العفو إىل الدية ‪ ،‬ألنه ليس له حالة معت¸¸ادة ينتظر فيها‬
‫إفاقته خبالف الصيب ‪ ،‬فإن كان ص¸¸غرياً أو جمنون¸اً ال حيت¸اج إىل نفقة فليس لل¸ويل العفو إىل الدية وك¸ذلك ليس له‬
‫حق املطالبة بالقص¸ ¸ ¸¸اص مطلق ¸ ¸ ¸اً ‪ ،‬وإمنا اس¸ ¸ ¸¸تثين العفو إىل الدية ألن يف ذلك مص¸ ¸ ¸¸لحة حمضة ملس¸ ¸ ¸¸تحق القص ¸ ¸¸اص‬
‫( اجملنون ) وللجاين ‪.‬‬

‫فائدة ‪:‬‬
‫كل موضع جيب تأخري االستيفاء فيه فإن القاتل حيبس حىت يبلغ الصيب ويفيق اجملنون‬
‫فإن قيل ‪ :‬فلم ال خيلى سبيله كاملعسر بالدين ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬أن يف ختليته تضييعاً للحق ألنه ال يؤمن هربه ‪.‬‬
‫والفرق بينه وبين المعسر من أوجه ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن قضاء الدين ال جيب مع اإلعسار ‪ ،‬فال حيبس مبا ال جيب ‪ ،‬والقصاص هاهنا واجب ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن املعسر إذا حبس¸¸ناه تع¸¸ذر الكسب لقض¸¸اء ال¸¸دين فال يفيد بل يضر اجلانبني وهاهنا احلق نفسه يف¸¸وت‬
‫بالتخلية ‪.‬‬
‫فإن أقام القاتل كفيالً بنفسه ليخلي سبيله مل جيز ‪ ،‬ألن الكفالة ال تصح يف القصاص ‪ ،‬فإن فائدهتا اس¸¸تيفاء احلق‬
‫من الكفيل فإن تعذر إحضار املكفول به فال ميكن استيفاؤه من غري القاتل فلم تصح الكفالة به كاحلد ‪.‬‬

‫الشرط الثاني ‪ :‬اتفاق األولياء المشتركين فيه ‪:‬‬


‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬من هم أولياء الدم ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم في تحديد أولياء الدم على أربعة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن القصاص حق جلميع الورثة من الرجال والنساء ‪ ،‬والكبار والصغار ‪.‬‬
‫وهذا مذهب مجهور أهل العلم من احلنفية والشافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫أوالً ‪ :‬ما روى أبو ش¸¸ريح اخلزاعي عن النيب ص¸¸لى اهلل أنه ق¸¸ال ‪ (( :‬فمن قتل له قتيل بعد مق¸¸اليت ه¸¸ذه فأهله بني‬
‫خ ¸¸ريتني ‪ :‬إما أن يأخ ¸¸ذوا العقل أو يقتل ¸¸وا )) أخرجه أبو داود والنس ¸¸ائي وأص ¸¸له يف الص ¸¸حيحني من ح ¸¸ديث أيب‬
‫هريرة مبعناه ‪.‬‬
‫(( فأهله )) يشمل الرج¸ال والنس¸اء ومنهم املرأة ‪ ،‬وال¸دليل على أن الزوجة من األهل ما ثبت يف الص¸حيحني يف‬
‫قصة اإلفك يف قوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬من يغ¸¸درين من رجل بلغ أذاه يف أهلي وما علمت على أهلي إال‬
‫خرياً ‪ ،‬وما كان يدخل على أهلي إال معي )) يريد عائشة ‪ ،‬وقال له أسامة ‪ :‬أهلك وال نعلم إال خرياً ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬ما روى عبد الرزاق يف مصنفه عن زيد بن وهب أن عمر أيت برجل قتل قتيالً فج¸اء ورثة املقت¸¸ول لقتل¸وه‬
‫فقالت امرأة املقتول ‪ ،‬وهي أخت القاتل ‪ :‬قد عفوت عن حقي ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬اهلل أكرب عتق القتيل )) ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬وألن من ورث الدية ورث القصاص كالعصبة ‪ ،‬وزوال الزوجية ال مينع اس¸تحقاق القص¸¸اص كما مل مينع‬
‫استحقاق الدية وسائر حقوق املوروثة ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن القصاص حق للعصبة من الذكور فقط ‪.‬‬
‫ألخ ألم أو ٍ‬
‫جد ألم ‪.‬‬ ‫فال دخل فيه للنساء مطلقاً ‪ ،‬وال لزوج وال ٍ‬
‫والعصبة هم ‪ :‬االبن وابن االبن وإن نزل ‪ ،‬واألب واجلد وإن عال ‪ ،‬واألخ الشقيق وابن األخ الشقيق وإن ن¸¸زل‬
‫‪ ،‬واألخ واألب وابن األخ ألب وإن نزل ‪ ،‬والعم الشقيق وإن عال والعم ألب وإن عال ‪.‬‬
‫واملقصود¸ بالعصبة هنا العصبة بالنفس فال يستحق عاصب بالغري والمع الغري الشرتاط الذكورة فيه ‪.‬‬
‫وهذا املش¸هور من م¸ذهب املالكية [ على تفص¸يل هلم يف ذلك ف¸إهنم يورث¸ون النس¸اء حق القص¸اص بثالثة ش¸روط‬
‫عندهم ] واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.‬‬
‫وحجة هذا القول ‪:‬‬
‫‪ .1‬القياس على الوالية يف النكاح فإهنا للعصبة ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألن القصاص ثبت لدفع العار والثأر فاختص به العصبات ‪.‬‬
‫لكن هذا القول حمجوج بأدلة الفرق األول والقياس على والية النكاح غري ص¸¸حيح ألن الوالية يف النك¸¸اح ثبتت‬
‫بأدلة خاصة ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫أن والية القصاص خاصة بالذكور الوارثني من القرابة أو ذوي األسباب ‪.‬‬
‫فيدخل هبذا الزوج واإلخوة ألم واجلد ألم ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪ :‬أن القصاص ثبت لدفع العار فاختص به الذكور دون النساء ‪.‬‬
‫وهذا مذهب الليث واألوزاعي ‪.‬‬
‫وهذا القول ضيف ألن هذه التفرقة ال دليل عليها ‪ ،‬وال يسلم بأن القصاص شرع جملرد دفع العار ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫الق ول الرابع ‪ :‬أن القص ¸¸اص حق ل ¸¸ذوي األنس ¸¸اب ( أي األق ¸¸ارب ) من الرج ¸¸ال والنس ¸¸اء دون ال ¸¸زوجني وه ¸¸ذا‬
‫أحد األقوال يف املذهب املالكي ‪.‬‬
‫استدلوا بقوله عليه الصالة والسالم – يف حديث أيب شريح املتقدم ‪ (( : -‬فأهله )) قالوا ‪ :‬وأهله ذوو رمحة ‪.‬‬
‫وقد سبق الرد على ذلك وبيان أن الزوجة من األهل ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬هل من شرط استيفاء القصاص اتفاق األولياء أم أنه إذا طالب به أحدهم أو بعضهم نفذ‬
‫؟‪:‬‬
‫ذهب عامة أهل العلم إىل أن من شرط استيفاء القصاص اتفاق األولياء املشرتكني فيه ملا يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ملا روى ابن أيب ش ¸¸يبة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجالً فج ¸¸اء أوالد املقت ¸¸ول وقد عفا بعض ¸¸هم ‪ ،‬فق ¸¸ال‬
‫عمر البن مس¸¸عود ‪ :‬ما تق¸¸ول ؟ فق¸¸ال ‪ :‬إنه قد أح¸¸رز من القتل فض¸¸رب على كتفه وق¸¸ال ‪ :‬ك¸¸نيف ملء‬
‫علماً ‪.‬‬
‫وكان هذا مبحضر من الصحابة ومل ينكر ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألن القصاص حق مشرتك ال يتبعض فإذا أسقطه بعضهم سرى إىل الباقي كالطالق والعتاق ‪.‬‬
‫وذهب بعض أهل المدنية والظاهرية إىل أن القص¸¸اص ال يس¸¸قط بعفو بعض الش¸¸ركاء ‪ ،‬ألن حق غري الع¸¸ايف مل‬
‫يرض بإسقاطه ‪ ،‬وقد تؤخذ النفس ببعض النفس بدليل قتل اجلماعة بالواحد ‪.‬‬
‫والص¸¸حيح هو الق¸¸ول األول لق¸¸وة أدلته ‪ ،‬وال يصح القي¸¸اس على قتل اجلماعة بالواحد ألن من ش¸¸رط قتلهم به أن‬
‫يكون فعل كل واحد منهم صاحلاً للقتل كما تقدم ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬ما الحكم إذا انفرد بعض األولياء أو أحدهم باستيفاء القصاص دون البقية ؟ ‪:‬‬
‫في هذا تفصيل ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أن ينف¸ ¸ ¸¸رد أح ¸ ¸¸دهم بقتله بعد أن يتفق مجيع األولي¸ ¸ ¸¸اء على قتله ‪ ،‬فيعزرالفتياته على اإلم ¸ ¸¸ام وتعديه ‪ ،‬وال‬
‫يقتص منه ألن القتل وافق حمله ‪ ،‬وألنه قتل نفس¸ ¸اً يس ¸¸تحق بعض ¸¸ها فلم جيب قتله هبا ألن النفس ال تؤخذ ببعض‬
‫نفس ‪ ،‬ويف ه¸¸ذه احلالة جيب لل¸¸ويل ال¸¸ذي مل يقتل قس¸¸طه من الدية ألن حقه من القص¸¸اص س¸¸قط بغري اختي¸¸اره ‪،‬‬
‫وهل يجب ذلك على قاتل الج اني أو في تركة الج اني ؟ الص¸ ¸ ¸ ¸¸حيح أنه جيب على قاتل اجلاين ألنه تع¸ ¸ ¸¸دى‬
‫بفعله ‪ ،‬ولئال جتتمع عقوبتان على عمل واحد ‪.‬‬
‫ثاني اً ‪ :‬أن يقتله الش ¸¸ريك ال ¸¸ذي مل يعف بعد علمه بعفو ش ¸¸ريكه ‪ ،‬فعليه القص ¸¸اص س ¸¸واء حكم به ح ¸¸اكم أو مل‬
‫حيكم ‪ ،‬ألنه قتل معصوماً مكافئاً له عمداً يعلم أن ال حق له فيه ‪.‬‬
‫ثالث اً ‪ :‬أن يقتله قبل أن يعلم ب ¸ ¸ ¸¸العفو ‪ ،‬فقيل ‪ :‬يقتل ألنه قتل عمد ع ¸ ¸ ¸¸دوان ‪ ،‬والص حيح أنه ال يقتل لوج ¸ ¸¸ود‬
‫الشبهة وألنه معتقد بثبوت حقه فيه واألصل بقاؤه ‪ ،‬كالوكيل إذا قتل بعد عفو املوكل قبل علمه بعفوه ‪.‬‬

‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يؤمن في االستيفاء أن يتعدى الجاني إلى غيره ‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله تعاىل ‪ (( :‬فال يسرف يف القتل )) وإذا أفضى القتل إىل التعدي ففيه إسراف ‪.‬‬
‫‪ .2‬ما روى ابن ماجة عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال (( إذا قتلت املرأة عم¸¸داً مل تقتل حىت تضع ما يف‬
‫بطنها إن ك¸¸انت ح¸¸امالً ‪ ،‬وحىت تكفل ول¸¸دها وإن زنت مل ت¸¸رجم حىت تضع ما يف بطنها وحىت تكفل ول¸¸دها ))‬
‫وإسناده ضعيف ‪.‬‬
‫‪ .3‬وثبت يف الص¸ ¸¸حيح أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ق¸ ¸¸ال للغامدية اليت زنت ‪ (( :‬ارجعي حىت تض¸ ¸¸عي ما يف‬
‫بطنك – مث قال هلا ‪ :‬ارجعي حىت ترضعيه )) ويف رواية ‪ (( :‬حىت تفطميه )) ‪.‬‬
‫‪ .4‬وألن هذا إمجاع أهل العلم ‪ ،‬وممن حكى اإلمجاع ابن قدامة وابن حزم ‪.‬‬
‫اء عليه ق ال أهل العلم ‪ :‬إذا وجب القص ¸¸اص على ام ¸¸رأة حامل أو ام ¸¸رأة حائل فحملت مل تقتل حىت تضع‬
‫وبن ً‬
‫الولد وتس ¸ ¸¸قيه اللبأ ( واللبأ ‪ :‬أول اللنب عند ال ¸ ¸¸والدة وهو مفيد للطفل ) ‪ ،‬مث إن وجد من يرض ¸ ¸¸عه أعطي الولد‬
‫ملن يرضعه وقتلت ألن غريها يقوم مقامها يف إرضاعه وإن مل يوجد من يرضعه تركت حىت تفطمه حلولني ‪.‬‬
‫والقص ¸¸اص من احلامل فيما دون النفس كالقص ¸¸اص ب ¸¸النفس فال يقتص منها حىت تضع حاملها ‪ ،‬واحلد ب ¸¸الرجم‬
‫كالقصاص ‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬مسائل تتعلق بتنفيذ القصاص ‪:‬‬


‫المسألة األولى ‪ :‬ال يستوفي القصاص إال بإذن السلطان أو نائبه ‪:‬‬
‫وه ¸¸ذا بإمجاع أهل العلم ‪ ،‬الفتق ¸¸اره إىل االجته ¸¸اد ‪ ،‬وال ي¸ ¸¸ؤمن فيه من احليف فقد يقتل من ال يس ¸¸تحق القتل ‪،‬‬
‫فلو تعدى ويل الدم وقتل بدون إذن اإلمام فعليه التعزير الفتياته على ويل األمر ‪.‬‬
‫ولكن هل يجب حضور اإلمام أو نائبه عند التنفيذ ‪:‬‬
‫في هذا خالف ‪:‬‬
‫ف ¸¸ذهب بعض أهل العلم ( الش ¸¸افعية واحلنابلة ) إىل أنه جيب حض ¸¸ور اإلم ¸¸ام أو نائبه ألنه أمر يفتقر إىل االجته ¸¸اد‬
‫وحيرم احليف فيه فال يؤمن احليف مع قصد التشفي ‪.‬‬
‫والقول الثاني ‪ ( :‬احلنفية واملالكية واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية ) أنه ال جيب واستدلوا ‪:‬‬
‫‪ .1‬مبا روى مس¸لم يف ص¸حيحه أن رجالً أتى إىل النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم برجل يق¸وده بنس¸عته‬
‫‪ ،‬فق¸¸ال ‪ :‬إن ه¸¸ذا قتل أخي ف¸¸اعرتف بقتله فق¸¸ال النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ‪ (( :‬اذهب فاقتله‬
‫)) ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألن اشرتاط حضوره ال يثبت إال بدليل وال دليل على ذلك ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫والص¸¸حيح هو الق¸¸ول األول ‪ ،‬ألنه ال ي¸¸ؤمن من احليف مع قصد التش¸¸في ‪ ،‬وأما احلديث فليس ص¸¸رحياً يف الداللة‬
‫على املقصود فإن يف آخره أن الرجل ملا وىل ق¸ال عليه الص¸الة والس¸الم ‪ (( :‬إن قتله فهو مثله )) ف¸اإلذن الس¸ابق‬
‫من النيب عليه الصالة والسالم ليس على ظاهره ‪ ،‬وهلذا خلى الرجل سبيله ومل يقتله ‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬هل يمكن ولي الدم من االستيفاء بنفسه ؟‬


‫إن ك ¸¸ان ال ¸¸ويل حيسن االس ¸¸تيفاء ويق ¸¸در عليه ب ¸¸القوة واملعرفة فإنه ميكن منه لقوله تع ¸¸اىل ‪ (( :‬ومن قتل مظلوم ¸اً‬
‫فقد جعلنا لوليه س¸¸لطاناً )) وق ¸¸ال عليه الص¸¸الة والس¸¸الم ‪ (( :‬من قتل له قتيل فأهله بني خ¸¸ريتني إن أحب ¸¸وا قتل¸¸وا‬
‫وإن أحبوا أخذوا الدية )) وألن املقصود منه التشفي ومتكينه منه أبلغ يف ذلك ‪.‬‬
‫وإن مل يكن حيسن االستيفاء فينظر إن كان هناك ش¸خص معني من قبل اإلم¸¸ام لتنفيذ القص¸¸اص فإنه يت¸¸وىل إقامته‬
‫‪ ، ،‬وإن مل يوجد فيؤمر الويل بتوكيل من حيسن االستيفاء ‪ ،‬وتكون أجرته على الويل ‪.‬‬
‫فإن كان ال¸ويل ال حيسن االس¸تيفاء وادعى أنه حيس¸نه فمكنه الس¸لطان فض¸ربه بالس¸يف يف غري عنقه ‪ ،‬ف¸إن أقر أنه‬
‫فعل ذلك متعم¸¸داً ع¸¸زر ‪ ،‬وإن ق¸¸ال أخط¸¸أت وك¸¸انت الض¸¸ربة قريبة من العنق قبل قوله مع ميينه ‪ ،‬وإن ك¸¸ان بعي¸¸داً‬
‫مل يقبل فال ميكن من العود مرة أخرى ‪.‬‬
‫وإن ك ¸¸ان أولي ¸¸اء ل ¸¸دم مجاعة أم ¸¸روا بتوكيل أح ¸¸دهم ومل جيز أن يت ¸¸واله مجيعهم ملا فيه من تع ¸¸ذيب اجلاين ‪ ،‬ف ¸¸إن‬
‫تشاحوا وكان كل واحد منهم حيسن االستيفاء أقرع بينهم ‪.‬‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬يجب أن يكون االستيفاء بآلة ماضية ‪:‬‬


‫لقوله تعاىل ‪ (( :‬فال يسرف يف القتل )) والقتل بآلة كالة إسراف ملا فيه من تعذيب اجلاين ‪.‬‬
‫ولقوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ‪ ،‬وإذا ذحبتم‬
‫فأحس ¸¸نوا الذحبة ‪ ،‬وليحد أح ¸¸دكم ش ¸¸فرته ول ¸¸ريح ذبيحته )) رواه مس ¸¸لم ف ¸¸إذا ك ¸¸ان ه ¸¸ذا واجب¸ ¸اً يف البهيمة ففي‬
‫اآلدمي أوىل ‪.‬‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬في اآللة المستخدمة في القصاص ‪:‬‬


‫اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه ال يستويف يف القصاص يف النفس إال بضرب العنق بسيف ولو كان اجلاين قتله بغريه ‪.‬‬
‫وهذا مذهب احلنفية واملشهور من مذهب احلنابلة ‪.‬‬
‫استدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬قوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬ال قود إال بالسيف )) أخرجه ابن ماجه والدارقطين والبيهقي ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ .2‬وألن القصاص أحد ب¸ديل النفس ف¸دخل الط¸رف يف حكم اجلملة كالدية فإنه لو ص¸ار األمر إىل الدية مل‬
‫جيب إال دية النفس ‪.‬‬
‫‪ .3‬وألن القصد من القصاص يف النفس تعطيل وإتالف اجلملة ‪ ،‬وقد أمكن هذا بضرب العنق ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أنه يفعل باجلاين كما فعل ‪ ،‬فلو قطع يديه مث قتله فعل به ك¸ ¸¸ذلك ‪ ،‬وإن قتله حبجر أو غرقه أو غري ذلك فعل به‬
‫مثل فعله ‪.‬‬
‫وهذا مذهب املالكية والشافعية ورواية عن احلنابلة اختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم ‪.‬‬
‫استدلوا ‪:‬‬
‫‪ .1‬بقوله تعاىل ‪ (( :‬وإن عاقبتم فعاقبوا مبثل ما عوقبتم به ))‬
‫‪ .2‬وقوله تعاىل ‪ (( :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم )) ‪.‬‬
‫‪ .3‬وألن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم رض رأس يه¸ ¸¸ودي لرضه رأس جارية من األنص¸ ¸¸ار حبج¸ ¸¸رين ‪ .‬متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫‪ .4‬وألن اهلل تعاىل قال ‪ (( :‬والعني بالعني )) وهذا قد قلع عينه فيجب أن يقلع عينه ‪.‬‬
‫‪ .5‬وألن القصاص موضوع على املماثلة ولفظه يشعر به فيجب أن يستويف منه مثل ما فعل ‪.‬‬
‫وه¸¸ذا الق¸¸ول هو الص¸¸حيح وأما ح¸¸ديث ‪ (( :‬ال ق¸¸ود ‪)) ..‬فهو ض¸¸عيف ‪ ،‬ض¸¸عفه أمحد وغ¸¸ريه ‪ ،‬وال يصح القي¸¸اس‬
‫على الدية ف¸ ¸¸إن الغ¸ ¸¸رض من الدية التع¸ ¸¸ويض خبالف الغ¸ ¸¸رض من القص¸ ¸¸اص فإنه التش¸ ¸¸في والتنكيل باجلاين مبثل ما‬
‫فعل ب¸ ¸ ¸¸اجملين عليه ‪ ،‬وال يصح ق¸ ¸ ¸¸وهلم ‪ :‬إن القصد من القص¸ ¸ ¸¸اص تعطيل وإتالف اجلملة ‪ ،‬ف¸ ¸ ¸¸إن القصد منه معاقبة‬
‫اجلاين مبثل ما عمل باجملين عليه ‪.‬‬
‫وإذا قلنا للويل أن يستويف مثل ما فعل بوليه فأحب أن يقتصر على ضرب عنقه فله ذلك ‪.1‬‬
‫ويس ¸¸تثىن من ج ¸¸واز االس ¸¸تيفاء مبثل آلة اجلناية ما إذا قتله مبح ¸¸رم يف نفسه كتجريع اخلمر والل ¸¸واط وحنوه – كما‬
‫تقدم ‪. -‬‬

‫المسألة الخامسة ‪:‬‬

‫‪ :‬ومنه يعلم أن إقامة القص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص مبثل كيفية اجلناية تعترب اختيارية وليست إلزامية ‪ ،‬فلو رأى اإلم ¸ ¸ ¸¸ام إقامة‬ ‫‪1‬‬

‫القص ¸¸اص بالس ¸¸يف لتع ¸¸ذر تنفي ¸¸ذه مبثل اجلناية ‪ ،‬أو رضي أولي ¸¸اء ال ¸¸دم ب ¸¸ذلك ‪ ،‬ج ¸¸از ذلك ‪ ،‬واألصل يف اختي ¸¸ار‬
‫السيف أداة للقصاص أنه أسرع للقتل وأنه يزهق روح اجلاين بأيسر ما يك¸¸ون من األمل والع¸¸ذاب ‪ ،‬ف¸¸إذا وج¸¸دت‬
‫أداة أخ¸ ¸¸رى أس¸ ¸¸رع من الس¸ ¸¸يف وأقل إيالم¸ ¸اً فال م¸ ¸¸انع ش¸ ¸¸رعاً من اس¸ ¸¸تعماهلا – كما أفتت ب¸ ¸¸ذلك جلنة الفت¸ ¸¸وى‬
‫باألزهر – حيث جوزت استعمال الكرسي الكهربائي ألنه ال يتخلف عنه املوت عادة مع زي¸ادة الس¸¸رعة وع¸¸دم‬
‫التمثيل بالقاتل دون أن يرتتب عليه مضاعفة التعذيب ‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫إذا ص ¸¸ار األمر إىل الدية إما بعفو ال ¸¸ويل أو ك ¸¸ون الفعل خطأ أو ش ¸¸به عمد ‪ ،‬ف ¸¸الواجب دية واح ¸¸دة على الق ¸¸ول‬
‫الص¸ ¸ ¸ ¸¸حيح ‪ ،‬فلو قطع يديه ورجليه مث قتله فال جتب إال دية واح¸ ¸ ¸ ¸¸دة ‪ ،‬وقيل جتب دية األط¸ ¸ ¸ ¸¸راف املقطوعة ودية‬
‫النفس ‪ ،‬والصحيح هو القول األول ألن أرش اجلراحة دخل يف أرش النفس ‪.‬‬

‫المطلب السادس‬
‫العفو عن القصاص‬
‫الفرع األول ‪ :‬تعريف العفو ‪:‬‬
‫العفو لغة ‪ :‬احملو والتجاوز واإلسقاط ‪.‬‬
‫واصطالحاً ‪ :‬التنازل عن القصاص إىل الدية أو الصلح أو إىل غري شيء ‪.‬‬
‫وقد ك ¸¸انت مش ¸¸روعية العفو عن القص ¸¸اص ختفيف¸ ¸اً على ه ¸¸ذه األمة ورمحة هبا كما ق ¸¸ال تع ¸¸اىل ‪ (( :‬فمن عفي له‬
‫من أخيه ش¸¸يء فاتب¸¸اع ب¸¸املعروف وأداء إليه بإحس¸¸ان ذلك ختفيف من ربكم ورمحة )) فقد ك¸¸ان القص¸¸اص‬
‫حتم¸اً على اليه¸¸ود وحمرم عليهم العفو والدية ‪ ،‬وك¸¸انت الدية حتم¸اً على النص¸¸ارى وح¸¸رام عليهم القص¸¸اص‬
‫فخريت هذه األمة ختفيفاً ورمحة ‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬أدلة مشروعيته ‪:‬‬
‫األصل يف مشروعية العفو الكتاب والسنة واإلمجاع ‪.‬‬
‫أما الكتاب ففي مثل قوله تعاىل ‪ (( :‬فمن عفي له من أخيه شيء – اآلية )) ‪.‬‬
‫وأما السنة ففي مثل قوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬فمن قتل له قتيل فأهله بني خريتني ‪ ..‬احلديث )) ‪.‬‬
‫وأما اإلجماع فقد أمجعت األمة على جوازه ‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬حكم العفو عن القصاص‪:‬‬


‫العفو عن القص ¸ ¸¸اص مس¸ ¸¸تحب بش ¸ ¸¸رطه ‪ ،‬وش¸ ¸¸رطه أال حيصل ب¸ ¸¸العفو ض ¸ ¸¸رر ك¸ ¸¸أن يك¸ ¸¸ون اجلاين س¸ ¸¸فاكاً لل¸ ¸¸دماء‬
‫فاألص¸لح يف مثل ه¸¸ذه احلال القص¸¸اص ‪ ،‬وهلذا قيد اهلل تع¸اىل العفو باإلص¸¸الح فق¸ال ‪ (( :‬فمن عفا وأص¸¸لح ف¸أجره‬
‫على اهلل )) وأثىن اهلل على عب ¸¸اده املؤم ¸¸نني ب ¸¸أهنم إذا أص ¸¸اهبم البغي هم ينتص ¸¸رون فق ¸¸ال ‪ (( :‬وال ¸¸ذين إذا أص ¸¸اهبم‬
‫البغي هم ينتص ¸ ¸¸رون )) وه ¸ ¸¸ذا – واهلل أعلم – حمم ¸ ¸¸ول على إذا ما ك ¸ ¸¸ان اجلاين ظاملاً س ¸ ¸¸فاكاً لل ¸ ¸¸دماء فيس¸ ¸¸تحب‬
‫االنتصار منه لتقطع شره عن املسلمني ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫وق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمية (( اس ¸¸تيفاء اإلنس ¸¸ان حقه من ال ¸¸دم ع ¸¸دل ‪ ،‬والعفو عنه إحس ¸¸ان واإلحس ¸¸ان هنا‬
‫أفضل ‪ ،‬لكن ه ¸¸ذا اإلحس ¸¸ان ال يك¸ ¸¸ون إحس ¸¸اناً إال بعد الع ¸¸دل ‪ ،‬وهو أن ال حيصل ب ¸¸العفو ض ¸¸رر ‪ ،‬و إال ك ¸¸ان‬
‫ظلماً إما لنفسه وإما لغريه ))‬
‫قال في اإلنصاف ‪ (( :‬وهو عني الصواب )) ‪.‬‬

‫واألدلة على استحباب العفو كثيرة منها قوله تعالى ‪:‬‬


‫‪ .1‬قوله تعاىل ‪ (( :‬وملن صرب وغفر إن ذلك ملن عزم األمور )) ‪.‬‬
‫‪ .2‬وقوله تعاىل ‪ (( :‬وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على اهلل )) ‪.‬‬
‫‪ .3‬وقوله تع¸¸اىل ‪ (( :‬وكتبنا عليهم فيها أن النفس ب¸¸النفس )) إىل قوله (( فمن تص¸¸دق به فهو كف¸¸ارة له ))‬
‫أي من تصدق بالعفو فهو كفارة للجاين ( املعفو عنه ) وألولياء الدم ( العايف ) ‪.‬‬
‫‪ .4‬وقوله تع¸ ¸ ¸¸اىل ‪ (( :‬ومن أحياها فكأمنا أحيا الن ¸ ¸¸اس مجيع¸ ¸ ¸اً )) قيل يف تفس¸ ¸ ¸¸ريها ‪ :‬من أحياها ب ¸ ¸¸العفو عن‬
‫القاتل‬
‫ومن السنة‬
‫‪ .5‬عن أنس بن مالك ق¸¸ال ‪ :‬ما رأيت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم رفع إليه ش¸¸يء يف قص¸¸اص إال أمر‬
‫فيه بالعفو )) رواه أمحد وأبو داود ‪.‬‬
‫‪ .6‬وملا أن ¸¸زل اهلل عز وجل على نبيه (( خذ العفو وأمر ب ¸¸العرف وأع ¸¸رض عن اجلاهلني )) ق ¸¸ال رس ¸¸ول اهلل‬
‫ص¸ ¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸ ¸ ¸¸لم ‪ :‬ما ه¸ ¸ ¸ ¸¸ذا يا جربيل ؟ ق¸ ¸ ¸ ¸¸ال ‪ :‬إن اهلل أم¸ ¸ ¸ ¸¸رك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من‬
‫حرمك وتصل من قطعك )) رواه ابن جرير وابن أيب حامت وله شواهد متعددة ‪.‬‬
‫‪ .7‬وق¸¸ال عليه الص¸¸الة والس¸¸الم ‪ (( :‬ما نقصت ص¸¸دقة من م¸¸ال وما زاد اهلل عب¸¸داً بعفو إال ع¸¸زاً وما تواضع‬
‫أحد هلل إال رفعه )) ‪.‬‬
‫الفرع الرابع ‪ :‬ما هو الواجب بقتل العمد ؟‬
‫اختلف أهل العلم في الواجب بالقتل العمد ‪:‬‬
‫‪ ‬فقيل جيب بالقتل العمد القصاص عيناً لقوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬من قتل عمداً فهو قود )) ‪.‬‬
‫وعليه فليس لألولي¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اء إال القتل إال أن يص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸طلحا على الدية برضا اجلاين ‪ ،‬فلو رفض اجلاين العفو إىل‬
‫الدية فليس هلم سوى القصاص أو العفو جماناً ‪ .‬وهذا مذهب احلنفية واملالكية ‪.‬‬
‫‪ ‬وقيل جيب بالقتل العمد الق¸¸ود أو الدية ‪ ،‬واخلرية يف ذلك إىل ال¸¸ويل إن ش¸¸اء اقتص وإن ش¸¸اء أخذ الدية‬
‫‪ ،‬لقوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬فأهله بني خريتني )) ‪ .‬وهذا هو الص¸¸حيح ‪ ،‬ألن القاتل أمكنه إحي¸¸اء‬
‫نفسه ببذل الدية فلزمه ‪.‬‬
‫وعلى القول األول ‪ :‬إذا عفا مطلقاً مل جيب شيء ‪ ،‬وإن عفا إىل الدية فله الدية ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫وعلى القول الثاني ‪ :‬إذا عفا مطلقاً فله الدية ‪ ،‬فإن عفا عن القصاص والدية فال شيء له ‪.‬‬
‫‪ ‬إذا اخت¸¸ار ويل ال¸¸دم القص¸¸اص مث اخت¸¸ار بعد ذلك العفو إىل الدية فله ذلك ألن القص¸¸اص أعلى فك¸¸ان له‬
‫االنتقال إىل األدىن ‪ ،‬ويكون بدالً عن القصاص ‪.‬‬
‫‪ ‬أما إن اختار الدية أوعفا جماناً فليس له املطالبة بالقص¸¸اص بعد ذلك ‪ ،‬ألنه انتق¸¸ال من األدىن إىل األعلى‬
‫‪ ،‬وألنه أسقط حقه ‪ ،‬والساقط ال يعود ‪.‬‬

‫الفرع الخامس ‪ :‬إذا قتل الولي بعد العفو أو أخذ الدية فما الحكم ؟‬
‫ال خالف بني أهل العلم أنه مس¸¸تحق للقص¸¸اص ألنه قتل عمد ع¸¸دوان ‪ ،‬وقد توع¸¸ده اهلل بالع¸¸ذاب األليم فق¸¸ال ‪:‬‬
‫(( فمن عفي له من أخيه فاتب ¸ ¸¸اع ب ¸ ¸¸املعروف )) إىل قوله ‪ :‬فمن اعت ¸ ¸¸دى بعد ذلك فله ع ¸ ¸¸ذاب أليم )) ق ال ابن‬
‫عباس ‪ :‬أي بعد أخذ الدية وإسقاط حقه يف القصاص ‪.‬‬
‫وإمنا اختلف ¸¸وا هل يقتل قصاص ¸اً حبيث يك ¸¸ون دمه ألولي ¸¸اء اجلاين األول أم يقتل ح¸¸داً فليس لألولي ¸¸اء العفو عنه ؟‬
‫وهلم يف ذلك قوالن ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه يقتل حداً على كل حال وال يكون أمره إىل أولياء املقتول ‪ .‬وهذا قول لبعض الفقهاء ‪.‬‬
‫استدلوا بقوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬ال أعفي – أي ال أدع وال أت¸¸رك – من قتل بعد أخذ الدية )) أخرجه‬
‫أمحد وأبو داود ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أنه يقتل قصاصاً بشروطه ‪ ،‬وهذا قول عامة أهل العلم ‪.‬‬
‫وهذا هو الصواب لعموم النصوص الواردة يف وجوب القصاص على من قتل نفس¸اً ‪ ،‬وأما احلديث فاملقص¸¸ود به‬
‫أنه غري معذور لقتله ‪.‬‬
‫الفرع السادس ‪ :‬حكم ما إذا هلك الجاني ‪:‬‬
‫إذا هلك اجلاين فليس ل ¸¸ويل اجلناية غري الدية من تركة اجلاين ‪ ،‬لتع ¸¸ذر اس ¸¸تيفاء الق ¸¸ود ‪ ،‬كما لو تع ¸¸ذر يف طرفه ‪،‬‬
‫فإن مل خيلف جان عمداً تركة ضاع حق اجملين عليه وال حتمله العاقلة ألهنا ال حتمل العمد احملض ‪.‬‬
‫الفرع السابع ‪ :‬سراية الجناية بعد العفو عنها ‪:‬‬
‫إذا جىن على إنسان فيما دون النفس جناية توجب القصاص كاإلصبع مث عفا عن القصاص مث سرت اجلناية إىل‬
‫النفس فمات مل جيب القصاص ‪ ،‬ألنه يتعذر استيفاء القصاص يف النفس دون ما عفا عنه فس¸¸قط يف النفس كما‬
‫لو عفا بعض األولياء ‪.‬‬
‫ثم ينظر ‪:‬‬
‫فإن كان عفا إىل مال فله الدية كاملة ‪ ،‬أي متام الدية ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وإن ك¸ ¸ ¸ ¸¸ان العفو على غري م¸ ¸ ¸ ¸¸ال فاملذهب ( أي م¸ ¸ ¸ ¸¸ذهب أمحد ) أن الس¸ ¸ ¸ ¸¸راية ه¸ ¸ ¸ ¸¸در ألنه مل جيب باجلناية ش¸ ¸ ¸¸يء‬
‫فسرايتها أوىل ‪ ،‬والصحيح أهنا جتب دية النفس إال أرش اجلرح الذي عفا عنه ‪ ،‬ألن اجلناية صارت نفس¸اً وحقه‬
‫يف النفس ال فيما عفا عنه ‪.‬‬
‫ومثل الس¸¸راية إىل النفس الس¸¸راية إىل عضو من األعض¸¸اء كما لو جىن على اص¸¸بعه فعفى عنه مث س¸¸رى اجلرح إىل‬
‫كفه ‪ ،‬فاحلكم يف ذلك على احلكم السابق ‪.‬‬

‫الفرع الثامن ‪ :‬إذا عفا المجروح عن قود نفسه أو ديتها قبل موته ‪ ،‬أو طالب بالقصاص فهل له ذلك ؟‬
‫اختلف أهل العلم في ذلك على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه ليس له حق يف العفو وال يف املطالبة وه ¸¸ذا م ¸¸ذهب الظاهرية ‪ ،‬أخ ¸¸ذا بظ ¸¸اهر النص ¸¸وص اليت تفيد ب ¸¸أن احلق‬
‫لألولياء ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن له حق يف العفو واملطالبة ‪ ،‬وه¸ ¸¸ذا م¸ ¸¸ذهب املالكية واحلنابلة واختي¸ ¸¸ار ش¸ ¸¸يخ اإلس¸ ¸¸الم ابن تيمية ‪ ،‬ف ¸¸إذا ط ¸¸الب‬
‫املقت¸ ¸ ¸¸ول بالقص¸ ¸ ¸¸اص أوجب حتتمه فال ميكن الورثة بعد ذلك من العفو ‪ ،‬وإذا عفا إىل م¸ ¸ ¸¸ال فليس للورثة املطالبة‬
‫بالقص ¸¸اص ‪ ،‬وإذا عفا جمان ¸اً فليس هلم املطالبة بالدية وال بالقص ¸¸اص س ¸¸واء عفا بلفظ العفو أو الوص ¸¸ية أو اإلب ¸¸راء‬
‫أو غري ذلك ‪.‬‬
‫وحجة ه ¸¸ذا الق ¸¸ول أن احلق له فله إس ¸¸قاطه أو املطالبة به ‪ ،‬وألنه أس ¸¸قط حقه بعد انعق ¸¸اد س ¸¸ببه فس ¸¸قط وس ¸¸بب‬
‫القصاص هو اجلناية ‪ ،‬فإسقاط احلق ك¸¸ان بعد وج¸¸ود س¸¸ببه ‪ ،‬والقاعدة عند أهل العلم أنه يجوز إسقاط الحق‬
‫قبل وج ود ش رط وجوبه وبعد وج ود س ببه ‪ ،‬فالقص ¸¸اص والدية س ¸¸ببهما اجلناية وش ¸¸رطهما املوت ‪ ،‬فيج ¸¸وز‬
‫إسقاطهما بعد اجلناية وقبل املوت ‪ ،‬وال يصح إسقاطهما قبل اجلناية ‪.‬‬
‫ومثل ذلك ‪ :‬الزك¸ ¸ ¸¸اة جيوز تق¸ ¸ ¸¸دميها قبل ش¸ ¸ ¸ ¸¸رط وجوهبا وهو ح¸ ¸ ¸ ¸¸والن احلول وبعد وج¸ ¸ ¸ ¸¸ود س¸ ¸ ¸¸ببها وهو ملك‬
‫النصاب ‪.‬‬
‫ومثل ذلك ‪ :‬كفارات اإلحرام إذا احتيج إليها للعذر فإن العذر سببها فيجوز بعد العذر وقبل فعل احملظور ‪.‬‬
‫ومثل ذلك ‪ :‬كفارة اليمني جيوز تقدميها على احلنث بعد عقد اليمني ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫أنه يصح عفو اجملين عليه وال يصح مطالبته بالقصاص ‪ ،‬وهو قول لبعض الفقهاء ‪.‬‬

‫والصحيح هو القول الثاني لقوة أدلته ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ثانياً ‪ :‬العقوبة الثانية للقتل العمد ‪ :‬الكفارة ‪:‬‬
‫األصل يف الكفارة قوله تعاىل ‪ (( :‬ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة – اآلية )) ‪.‬‬
‫والخالف بني الفقهاء على وجوهبا يف القتل اخلطأ ‪.‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة في القتل العمد على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫يرى الشافعية ورواية عند احلنابلة أن الكفارة واجبة يف القتل العمد ‪:‬‬
‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما روى واتلة بن األس¸¸قع رضي اهلل عنه ق¸¸ال ‪ :‬أتينا النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم بص¸¸احب لنا قد أوجب‬
‫القتل فق¸¸ال ‪ (( :‬اعتق¸¸وا عنه رقبة يعتق اهلل بكل عضو منها عض¸¸واً منه من الن¸¸ار )) رواه أمحد وأبو داود‬
‫والنسائي ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألهنا إذا وجبت يف القتل اخلطأ ففي العمد أوىل ألنه أعظم جرماً ‪ ،‬وحاجته إىل تكفري ذنبه أعظم ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫يرى مجهور أهل العلم من احلنفية واملالكية واملشهور من مذهب احلنابلة أنه ال كفارة يف القتل العمد ‪.‬‬
‫واستدلوا بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬مفهوم قوله تعاىل ‪ (( :‬ومن قتل مؤمناً خطًأ فتحرير رقبة مؤمنة )) مث ذكر القتل العمد فلم ي¸¸وجب فيه‬
‫كفارة ‪ ،‬وجعل جزاءه جهنم فمفهومه¸ أنه ال كفارة فيه ‪.‬‬
‫‪ .2‬وألنه فعل يوجب القتل فال يوجب كفارة كزنا احملصن ‪.‬‬
‫‪ .3‬وألن ال¸¸ذنب يف القتل العمد أش¸¸نع وأعظم من أن تكف¸¸ره الكف¸¸ارة خبالف القتل اخلطأ وش¸¸بهه فال يصح‬
‫قياس القتل العمد عليهما ‪.‬‬
‫والق ول الث اني هو الص حيح لنص اآلية القرآنية اليت هي األصل يف الكف¸ ¸ ¸¸ارة ‪ ،‬وأما ح¸ ¸ ¸¸ديث واثلة فهو ليس‬
‫بص¸ ¸ ¸¸ريح الداللة ‪ ،‬ألنه حيتمل أنه أم ¸ ¸¸رهم باالعت ¸ ¸¸اق تربع¸ ¸ ¸اً ‪ ،‬وحيتمل أن القتل خطئ¸ ¸ ¸اً أو ش¸ ¸ ¸¸به عمد ‪ ،‬ألن لفظ‬
‫احلديث عند أمحد وأيب داود والنس¸ ¸ ¸¸ائي وابن حب¸ ¸ ¸¸ان واحلاكم ق¸ ¸ ¸¸ال ‪ (( :‬قد اس¸ ¸ ¸¸توجب )) ومل يقل ‪ :‬اس¸ ¸¸توجب‬
‫القتل ‪.‬‬
‫وسيأيت تفصيل أحكام الكفارة يف حملها إن شاء اهلل ‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬العقوبة الثالثة ‪ :‬الدية‬


‫الدية يف القتل العمد ليست عقوبة أص ¸ ¸ ¸ ¸¸لية ‪ ،‬وإمنا هي عقوبة بدلية ‪ ،‬ق ¸ ¸ ¸ ¸¸ررت ب ¸ ¸ ¸ ¸¸دالً من العقوبة األص ¸ ¸ ¸¸لية وهي‬
‫القص ¸ ¸¸اص ‪ ،‬وحتل الدية حمل القص ¸ ¸¸اص كلما امتنع القص ¸ ¸¸اص أو س ¸ ¸¸قط بس ¸ ¸¸بب من أس ¸ ¸¸باب االمتن¸ ¸¸اع العامة مع‬
‫مراعاة أن هناك حاالت يسقط فيها القصاص وال حتل حمله الدية كحالة العفو جماناً ‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫واألصل يف وج¸¸وب الدية يف القتل العمد قوله عليه الص¸¸الة والس¸¸الم ‪ (( :‬فمن قتل له قتيل فأهله بني خ¸¸ريتني إن‬
‫أحبو قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية )) ‪.‬‬
‫وقد أمجعت األمة على مشروعية الدية كعقوبة بدلية يف القتل العمد ‪.‬‬
‫وسيأيت تفصيل مقادير الديات بعد استكمال أنواع العقوبات إن شاء اهلل ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬العقوبة الرابعة ‪ :‬التعزير ‪:‬‬


‫يعد التعزير عقوبة بدلية يف القتل العمد ‪ ،‬وي ¸ ¸¸وجب اإلم ¸ ¸¸ام مالك معاقبة القاتل تعزي¸ ¸¸راً كلما امتنع القص ¸ ¸¸اص أو‬
‫سقط عنه بسبب من األسباب ‪ ،‬سواءً بقيت الدية أم سقطت هي األخرى ‪.‬‬
‫ونقل ابن رشد عن أيب ث ¸¸ور أن القاتل إذا ك ¸¸ان معروف¸ ¸اً بالشر وس ¸¸قط القص ¸¸اص عنه بس ¸¸بب عفو ويل ال ¸¸دم ف ¸¸إن‬
‫اإلمام يؤدبه على قدر ما يرى ‪.‬‬
‫واألئمة الثالثة ال يوجب¸¸ون عقوبة معنية على القاتل إذا س¸¸قط القص¸¸اص أو عفي عنه ‪ ،‬ولكن ليس عن¸¸دهم ما مينع‬
‫من عقاب القاتل عقوبة تعزيرية ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالص¸حيح أن تق¸دير ه¸ذه املس¸¸ألة إىل اإلم¸ام ف¸إن رأى تعزير القاتل النتهاكه احلق الع¸ام لكونه معروف¸اً‬
‫بالشر مثالً ‪ ،‬أو ك ¸¸انت جنايته بش ¸¸كل مف ¸¸زع ‪ ،‬وعفا أولي ¸¸اء ال ¸¸دم فلإلم ¸¸ام تعزي ¸¸ره ‪ ،‬ألن س ¸¸قوط احلق اخلاص ال‬
‫يلزم سقوط احلق العام ‪.‬‬

‫خامساً ‪ :‬الحرمان من الوصية‬


‫واألصل يف ذلك قوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬ليس للقاتل ش¸يء من املرياث )) وقوله عليه الص¸¸الة والس¸¸الم ‪:‬‬
‫(( ليس للقاتل وص¸ ¸¸ية )) رواه ال¸ ¸¸دارقطين وال¸ ¸¸بيهقي وهو ض¸ ¸¸عيف ج¸ ¸¸داً ‪ ،‬وألن الوص¸ ¸¸ية أج¸ ¸¸ريت جمرى املرياث‬
‫فيمنعها ما مينعه ‪.‬‬
‫وقد اختلف األئمة في تحديد القتل المانع من الوصية والميراث ‪:‬‬
‫فالمالكية يرون أن القتل املانع هو القتل العمد س¸واء ك¸ان مباش¸رة أو تس¸بباً ( مع مالحظة أن املالكية ي¸درجون‬
‫القتل ش ¸ ¸ ¸ ¸¸به العمد يف العمد ) ‪ ،‬أما القتل خطأ فال حيرم القاتل من الوص ¸ ¸ ¸ ¸¸ية واملرياث وإمنا حيرمه من نص ¸ ¸ ¸¸يبه من‬
‫الدية اليت وجبت بالقتل ‪.‬‬
‫واألحن اف ي ¸¸رون حرم ¸¸ان القاتل يف القتل العمد الع ¸¸دواين وش ¸¸به العمد الع ¸¸دواين واخلطأ وما ج ¸¸رى جمرى اخلطأ‬
‫بشرط أن يكون القتل مباشرة ال تسبباً وأن يكون القاتل بالغاً عاقالً ‪.‬‬
‫والشافعية والحنابلة يرون أن القتل املضمون هو القتل املانع من املرياث والوصية س¸واء ك¸ان عم¸¸داً أو ش¸به عند‬
‫أو خطأ وس¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان مباش¸ ¸¸رة أو تس¸ ¸¸بباً وس¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان من ص¸ ¸¸غري أو جمن¸ ¸¸ون أو من ب¸ ¸¸الغ عاقل ‪ ،‬أما القتل غري‬
‫املضمون فال مينع من املرياث كالقتل دفاعاً عن النفس والقتل قصاصاً ‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ومحل تفصيل هذه المسألة هو في فقه الوصايا والمواريث ‪.‬‬
‫واألرجح واهلل أعلم هو م¸¸اذهب إليه املالكية وأن القاتل خط¸¸ًأ ال حيرم من املرياث أو الوص¸¸ية وإمنا حيرم من الدية‬
‫فقط ‪ ،‬أي حيرم من تالد مال القتيل دون حديثه ‪.‬‬
‫وهبذا يتبني أن العقوبات املقدرة على القتل العمد مخسة ‪ ،‬ثالثة منها أصلية واثنتان بدليتان ‪:‬‬
‫أما األصلية فهي القصاص ‪ ،‬واحلرمان من الوصية ‪ ،‬واحلرمان من املرياث ‪.‬‬
‫وأما البدلية فهي ‪ :‬الدية و التعزير ‪.‬‬
‫وأما الكفارة فقد سبق أن الصحيح هو عدم وجوهبا يف القتل العمد ‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫القصاص فيما دون النفس‬

‫المطلب األول ‪ :‬مشروعية القصاص فيما دون النفس ‪:‬‬


‫القصاص فيما دون النفس مشروع بالكتاب والسنة واالمجاع والقياس‬
‫فمن الكتاب ‪ :‬قوله تع¸¸اىل (( وكتبانا عليهم فيها أن النفس ب¸¸النفس والعني ب¸¸العني واالذن ب¸¸االذن والسن بالسن‬
‫واجلروح قصاص ))‬
‫ومن الس نة ‪ :‬ما روى انس بن مالك أن الربيّع بنت النضر كس¸ ¸¸رت ثنية جارية ‪ ،‬فعرض¸ ¸¸وا عليهم األرش ف ¸¸أبوا‬
‫إال القص ¸¸اص ‪ ،‬فج ¸¸اء أخوها أنس بن النضر ‪ ،‬وق ¸¸ال ‪ :‬يارس ¸¸ول اهلل تكسر ثنية الربيع ؟ وال ¸¸ذي بعثك ب ¸¸احلق ال‬
‫تكسر ثنيتها ‪ ،‬فق¸¸ال النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ‪ (( :‬يا انس كت¸¸اب اهلل القص¸¸اص )) ق¸¸ال ‪ :‬فعفا الق¸¸وم ‪ ،‬فق¸¸ال‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إن من عباء اهلل من لو أقسم على اهلل البره )) متفق عليه‬
‫واما االجماع ‪ :‬فقد امجع املسلمون على جريان القصاص فيما دون النفس اذا أمكن‬
‫واما القياس ‪ :‬فألن ما دون النفس كالنفس يف احلاجه إىل حفظه بالقصاص فكان كالنفس يف وجوبه ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬قاعدة ‪ :‬من أقيد باحد في النفس ‪ ،‬اقيد به فيما دون النفس ومن ال فال‬
‫فال يقتص من املسلم للكافر ‪.‬‬
‫و ال من احلر للعبد‬
‫و ال من الوالد لولده على رأي اجلمهور ‪.‬‬
‫وال قصاص يف جناية خطأ أو شبه عمد فيما دون النفس وامنا فيها الدية ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬شروط القصاص فيما دون النفس ‪:‬‬
‫يشرتط للقصاص فيما دون النفس نفس الشروط املتقدمة يف اجلناية على النفس ‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -1‬إن تكون اجلناية عمدا عدوانا‬
‫‪ -2‬وان يكون اجلاين مكلفا‬
‫‪ -3‬وان يكون اجلاين قاصدا‬
‫‪ -4‬املكافأة بني اجلاين واجملين عليه‬

‫اال أن القص ¸ ¸ ¸¸اص فيما دون النفس يزيد ش ¸ ¸ ¸¸روطا أخ ¸ ¸ ¸¸رى حبسب ن ¸ ¸ ¸¸وع اجلناية ‪ ،‬اذ إن القص ¸ ¸ ¸¸اص فيما دون‬
‫النفس نوعان ‪:‬‬
‫‪ -1‬القص اص في االط راف ‪ ،‬مثل ‪ :‬السن ‪ ،‬العني ‪ ،‬واالنف ‪ ،‬واالذن ‪ ،‬واجلفن ‪ ،‬والش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸فه ‪ ،‬واليد ‪،‬‬
‫والرجل ‪ ،‬واالصبع ‪ ،‬والكف ‪ ،‬واملرفق ‪ ،‬والذكر ‪ ،‬وااللية ‪ ،‬واخلصية ‪ ،‬فيقتص لكل طرف مبثله ‪.‬‬
‫‪ -2‬القصاص في الجروح ‪ :‬كاملوضحة واهلا مشة واملنقلة ‪.‬‬
‫اوال ‪ :‬شروط القصاص في االطراف ‪:‬‬
‫يشرتط للقصاص يف األطراف (( فضال عن الشروط السابقة يف اجلناية على النفس )) ثالثة شروط ‪:‬‬
‫الشرط االول ‪ :‬امكانية االستيفاء بال حيف ‪:‬‬
‫وقد جعل الفقهاء ضابطا لذلك وهو ‪ :‬أن يكون القطع من مفصل ‪ ،‬او يكون له حد ينتهي اليه ‪:‬‬
‫ك¸¸أن يقطع رجله من مفصل الق¸¸دم ‪ ،‬أو من الركبه ‪،‬أو يقطع اص¸¸بعه من املفصل ‪ ،‬أو ي¸¸ده من مفصل الكف أو‬
‫من املرفق او من الكتف او من م¸¸ارن األنف ( وهو ما الن منه ( الغض¸¸روف)¸ )ف¸¸ان له ح¸¸دا ينتهي اليه اما اذا مل‬
‫يكن من مفصل وليس له حد ينتهي اليه فال قصاص وامنا فيه الدية وهلذا قالوا ‪:‬‬
‫‪ -‬ال قص اص في جائفة ‪ :‬وهي اجلرح الواصل اىل اجلوف س ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸واء من جهة البطن او الظهر او‬
‫اخلصر النه ليس له حد ينتهي القطع اليه‬
‫‪ -‬وال في كسر عظم غير سن ‪ :‬الن املماثلة غري ممكنة وال ي¸¸ؤمن ان يس¸¸توىف اك¸¸ثر من احلق اما‬
‫السن فمن املمكن برد سن اجلاين‬
‫‪ -‬وال في قصبة االنف ‪ :‬وهي عظم األنف الهنا ليس هلا حد ينتهي القطع اليه‬

‫وه ذا الض ابط ال ذي ذك ره الفقه اء بن ¸¸اء على ما ك ¸¸ان يف الس ¸¸ابق من تع ¸¸ذر املماثلة يف الكس ¸¸ور اما االن ف ¸¸اذا‬
‫امكن طبيا كسر عظم اجلاين او القص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص من جائفة وحنو ذلك دون حيف فيجب القص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص الن العلة هي‬
‫االمن احليف فاذا امكن ذلك وجب تنفيذه‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬المماثلة في االسم والموضع ‪:‬‬
‫فال تؤخذ ميني بيسار وال يسار بيمني‬
‫وال خنصر ببنصر وال خنصر يسرى خبنصر ميىن‬

‫‪75‬‬
‫وال اصلى بزائد وال زائد باصلي‬
‫وال تؤخذ الشفة العليا بالسفلى‬
‫ويف كل ما تقدم القصاص ولو تراضيا لعدم املماثلة‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬استواء الطرفين في الصحة والكمال ‪:‬‬
‫فال تؤخذ يد او رجل ص ¸ ¸¸حيحة بيد او رجل ش ¸ ¸¸الء وال يد او رجل كاملة االص ¸ ¸¸ابع بناقص ¸ ¸¸تها وال تؤخذ عني‬
‫ص¸¸حيحة بعني قائمة ( وهي اليت بياض¸¸ها وس¸¸وادها ص¸¸افيان غري ان ص¸¸احبها ال يبصر ) وال لس¸¸ان ن¸¸اطق ب¸¸اخرس‬
‫ولو تراضيا على ذلك لنقص ذلك والن الدماء ال تستباح باالباحة والبذل ‪.‬‬
‫ولكن ‪:‬‬
‫يؤخذ العكس فتؤخذ الش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸الء وناقصة االص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ابع والعني القائمة بالص ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸حيحة وال أرش الن املعيب من ذلك‬
‫كالصحيح يف اخللقة وامنا نقص يف الصفة ‪.‬‬

‫مس ألة ‪:‬تؤخذ اذن مسيع ب ¸¸اذن اصم ش ¸¸الء ‪ ،‬وم ¸¸ارن االشم الص ¸¸حيح مبارن االخشم ال ¸¸ذي ال جيد رائحة ‪ ،‬الن‬
‫ذلك ال لعلة يف العضو وامنا لعلة الدماغ ‪.‬‬

‫ثانيا شروط القصاص في الجراح ‪:2‬‬


‫يش¸¸رتط للقص¸¸اص يف اجلراح ( فضال عن الش¸¸روط العامة يف القص¸¸اص ) ش¸¸رط واحد وهو ‪ :‬ان يك ون الج رح‬
‫منتهياً الى عظم ‪.‬‬

‫هذا ماذكره الفقهاء المكان االستيفاء من غري حيف وال زيادة‬


‫ولهذا قالوا ‪:‬‬
‫يقتص يف املوضحة يف الرأس والوجه بامجاع اهل العلم ( وهي اليت توضح العظم )‬
‫ويقتص يف جرح العضد والساق والفخذ والقدم اذا بلغ اجلرح اىل العظم‬
‫قالوا ‪ :‬وفيما عدا ذلك من الشجاج واجلروح فال قصاص فيها سواء مل تصل العظم او جتاوزت العظم فكسرته‬
‫أونقلته ‪.‬‬
‫فال قصاص – على رأي الجمهور ‪ -‬في الشجاح االتية ‪:‬‬
‫اهلامشة ‪ :‬وهي اليت هتشم العظم‬
‫واملنقلة ‪ :‬وهي اليت تنقل العظم من مكانه‬
‫واملامومة ‪ :‬وهي اليت تصل اىل جلد الدماغ‬

‫‪ 2‬اجلراح اليت تقع على الوجه والرأس تسمى شجاجا‬

‫‪76‬‬
‫وال قصاص – على رأيهم أيضاً ‪ -‬في الجراح التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬الجائفة ‪ :‬وهي التي تنفذ الى الجوف ‪ ،‬كبطن وصدر وثغر نحر ‪ ،‬وخاصرة‬
‫والعلة يف ذلك ‪ :‬ع ¸ ¸¸دم األمن من احليف والزي ¸ ¸¸ادة وملا روى ابن ماجة عن النيب ص ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸ ¸¸لم انه ق ¸ ¸¸ال‬
‫(( ال قود يف املأمومة وال يف اجلائفة وال يف املنقلة ))‬
‫وال قصاص – على رأيهم أيضاً ‪ -‬في الكسور غير كسن سن ‪ ،‬بال خالف بني أهل العلم ‪ ،‬لعدم االمن من‬
‫احليف يف الكسور‬

‫والصحيح في ذلك كله ‪:‬‬


‫أنه جيب الق¸ ¸¸ود يف كل الش¸ ¸¸جاج واجلروح اذا امن احليف والزي¸ ¸¸ادة ‪ ،‬فالفقه¸ ¸¸اء منع¸ ¸¸وا من ذلك لع¸ ¸¸دم االمن من‬
‫احليف اما اذا امكن طبيا ايق¸¸اع القص¸¸اص باجلاين مبثل جنايته متاما فيجب الق¸¸ود ‪ ،‬وال ف¸¸رق بني ان يك¸¸ون اجلرح‬
‫منتهيا اىل العظم او مل يبلغ العظم او أحدث كسرا او نقال فيه وعلى هذا يدل كالم ش¸¸يخ االس¸¸الم ابن تيمية ان‬
‫القصاص يف كل شي من اجلراح والكسر يقدر على القصاص منه لألخبار ‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬القصاص في اللطمة والوكزة والضربة والشجة دون الموضحة ‪:‬‬
‫اختلف اهل العلم يف هذه املسألة على قولني ‪:‬‬
‫القول االول ‪:‬‬
‫ذهب عامة اهل العلم من احلنيفة واملالكية والش ¸¸افعية واحلنابلة اىل انه ال ق ¸¸ود يف اللطمة والض ¸¸ربة وال ¸¸وكزة وحنو‬
‫ذلك وامنا فيه التغزير‬
‫استدلوا ‪:‬‬
‫بان القصاص يف اللطمة والضربة ال يؤمن معه احليف إذ إهنا ختتلف قوة وضعفا وكربا وصغرا ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫وهو قول لبعض املالكية ورواية عن االمام امحد اختارها ابن تيمية وابن القيم وهو ان الواجب فيها القصاص ‪.‬‬
‫استدلوا‬
‫الدليل األول ‪:‬‬
‫قوله تعاىل (( وان عاقبتم فعاقبوا مبثل ما عوقبتم به )) فالواجب للملطوم ان يفعل باجلاين كما فعل به‬
‫الدليل الثاني ‪:‬‬
‫عن ايب س ¸¸عيد اخلوري ق ¸¸ال بينما رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم يقسم قس ¸¸ما اقبل رجل ف ¸¸أكب عليه فطعنه‬
‫رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم بعرج¸¸ون ك¸¸ان معه فج¸¸رح وجهه فق¸¸ال الرس¸¸ول ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ‪ :‬تع¸¸ال‬

‫‪77‬‬
‫فاس¸¸تقد ‪ ،‬فق¸¸ال بل عف¸¸وت يارس¸¸ول اهلل )) اخرجه ابو داوود والنس¸¸ائي وقد حصل ق¸¸ريب من ذلك لس¸¸واد بن‬
‫غزية يف معركة بدر ‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫عن عائشة رضي اهلل عنها ان النيب ص¸ ¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸ ¸ ¸¸لم بعث ابا جهم بن حذيفة مص¸ ¸ ¸ ¸¸دقا فالح¸ ¸ ¸¸اه رجل يف‬
‫ص¸¸دقته فض¸¸ربه ابو جهم فش¸¸جه ف¸¸اتوا النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم فق¸¸الوا الق¸¸ود يا رس¸¸ول اهلل فق¸¸ال النيب ص¸¸لى اهلل‬
‫عليه وس¸لم لكم ك¸ذا وك¸ذا فلم يرض¸وا ‪ ،‬فق¸ال ‪ :‬لكم ك¸ذا وك¸ذا فرض¸وا فق¸¸ال النيب ص¸لى اهلل عليه وس¸لم ‪ :‬اين‬
‫خ¸اطب العش¸ية على الن¸اس وخمربهم برض¸¸اكم فق¸الوا ‪ :‬نعم فخطب رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم فق¸¸ال ‪ :‬ان‬
‫ه¸ؤالء ات¸وين يري¸دون القص¸اص فعرضت عليهم ك¸ذا وك¸ذا ‪ ،‬فق¸ال النيب ص¸لى اهلل عليه وس¸لم فرض¸وا ‪ ،‬ارض¸يتم‬
‫؟ فق¸¸الوا ‪ :‬ال ‪ ،‬فهم امله¸¸اجرون هبم ‪ ،‬ف¸¸أمرهم رس¸¸ول اهلل ان يكف¸¸وا عنهم ‪ ،‬فكف¸¸وا عنهم ‪ ،‬مث دع¸¸اهم ف¸¸زادهم ‪،‬‬
‫فق¸¸ال ‪ :‬أرض¸¸يتم ؟ فق¸¸الوا ‪ :‬نعم فق¸¸ال ‪ :‬إين خ¸¸اطب على الن¸¸اس وخمربهم برض¸¸اكم ‪ ،‬فق¸¸الوا ‪ :‬نعم فخطب النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم فقال ارضيتم ؟ قالوا نعم )) رواه ابو داوود والنسائي وابن ماجه‬
‫ومن فقه هذا الحديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬مش ¸¸روعية الق ¸¸ود يف الش ¸¸جة ‪ ،‬وهلذا ص ¸¸وحلوا من الق ¸¸ود م ¸¸رة بعد م ¸¸رة حىت رض ¸¸وا ولو ك ¸¸ان ال ¸¸واجب‬
‫األرش فقط لقال هلم النيب صلى اهلل عليه وسلم حني طلبوا القود ‪ :‬انه ال حق لكم فيه ‪.‬‬
‫‪ -2‬وايضا ففيه جواز املصاحلة على اكثر من االرش املقدر يف اجلناية على ما دون النفس ‪.‬‬
‫الدليل الرابع ‪:‬‬
‫وثبت القص ¸¸اص يف اللطمة عن ايب بكر وعمر وعثم ¸¸ان وعلى رضي اهلل عنهم ويف مس ¸¸ند اجلوزج ¸¸اين ‪ ،‬ان عمر‬
‫رضي اهلل عنه خطب الناس وقال ‪ :‬إين مل ابعث عمايل اليكم ليضربوا ابشاركم وال لياخ¸ذوا ام¸والكم ولكن امنا‬
‫بعثتهم ليبلغ ¸¸وا دينكم وس ¸¸نة ن ¸¸بيكم ويقس ¸¸موا فيكم ف ¸¸يئكم ‪ ،‬فمن فعل به غري ذلك فلري فعه ايل فو ال ¸¸ذي نفس‬
‫عمر بيده القصنه منه فقام اليه عمرو بن العاص فقال ‪ :‬يا أمر املؤمنني ‪ :‬ان ك¸¸ان رجل من املس¸¸لمني على رعيته‬
‫ف¸¸أدب رعيته لتقص¸¸نه منه فق¸¸ال عمر ‪ :‬وم¸¸ايل ال اقصه منه وقد رايت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يقص من‬
‫نفسه ‪.‬‬
‫الدليل الخامس ‪:‬‬
‫أن معاقبته بالقصاص اقرب اىل املماثلة والعدالة املأمور هبا حسا وشرعا من تعزيره هبا بغري جنس اعتدائه وق¸¸دره‬
‫وصفته يقول ابن القيم ‪ (( :‬واألمثل هو املأمور به ‪ ،‬فهذا امللطوم املضروب قد اعت¸¸دى عليه ف¸¸الواجب ان يفعل‬
‫باملعت¸¸دي كما فعل به ف¸¸ان مل ميكن ك¸¸ان ال¸¸واجب م¸¸اهو االق¸¸رب واالمثل وس¸¸قط م¸¸اعجز عن العبد من املس¸¸اواة‬
‫من كل وجه وال ريب ان لطمة بلطمة وض¸ ¸ ¸¸ربة بض¸ ¸ ¸¸ربة يف حملها باآللة اليت لطم هبا او مبثلها اق¸ ¸ ¸¸رب اىل املماثلة‬
‫‪...‬من تغزيره هبا بغري خنس اعتدائه وقدره وصفته ))‬

‫‪78‬‬
‫وق¸¸ال ش¸¸يخ اإلس¸¸الم ابن تيمية ‪ " :‬وهلذا ك¸¸ان القص¸¸اص مش¸¸روعا إذا أمكن اس¸¸تيفاؤه من غري جنف ‪ ،‬ف¸¸إذا ك¸¸ان‬
‫اجلنف واقعا يف االس¸ ¸ ¸¸تيفاء ع¸ ¸ ¸¸دل إىل بدله وهو الدية ‪ ،‬ألنه أش¸ ¸ ¸¸به بالع¸ ¸ ¸¸دل من إتالف زي¸ ¸ ¸¸ادة يف املقتص منه ‪،‬‬
‫وك¸¸ذلك القص¸¸اص يف الض¸¸ربة واللطمة وحنو ذلك ع¸¸دل عنه طائفة من الفقه¸¸اء إىل التعزير ‪ ،‬لع¸¸دم إمك¸¸ان املماثلة‬
‫فيه ‪ ،‬وال¸¸ذي عليه اخللف¸¸اء الراش¸¸دون وغ¸¸ريهم من الص¸¸حابة وهو منص¸¸وص أمحد ‪ :‬ما ج¸¸اءت به س¸¸نة رس¸¸ول اهلل‬
‫ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم من ثب¸¸وت القص¸¸اص به ; ألن ذلك أق¸¸رب إىل الع¸¸دل واملماثلة ‪ .‬فإنا إذا حترينا أن نفعل به‬
‫من جنس فعله ونق¸ ¸¸رب الق¸ ¸¸در من الق¸ ¸¸در ك¸ ¸¸ان ه¸ ¸¸ذا أمثل من أن ن¸ ¸¸أيت جبنس من العقوبة ختالف عقوبته جنسا‬
‫وقدرا وصفة " ‪.‬‬

‫المطلب الخامس ‪ :‬حكم الشجاج الزائدة عن الموضحة ‪:‬‬


‫قال الفقهاء ‪ :‬اذا كان اجلرح أعظم من املوض¸¸حه كاهلامشة واملنقلة واملأمومه¸ ‪ ،‬فللمجين عليه ان يقتص موض¸¸حه‬
‫النه يقتصر على بعض حقه وله ارش الزائد على املوضحه ‪.‬‬
‫فمثال ‪:‬‬
‫دية املوضحه ‪ 5 :‬أبعرة‬
‫دية اهلامشة ‪ 10 :‬أبعرة‬
‫دية املنقلة ‪ 15 :‬بعرياً‬
‫دية املأمومه ‪33‬وثلث بعري‬

‫فاذا كانت اجلناية هامشة ‪ ،‬فله ان يقتص موضحة زائدا مخس من االبل‬
‫عشر من االبل‬ ‫= = = منقلة ‪= = = = = = ،‬‬
‫= = = مأمومه ‪ = = = = = = = ،‬مثانية وعشرين وثلث‬

‫المطلب السادس ‪ :‬االشتراك في الجناية على مادون النفس ‪:‬‬


‫تنطبق األحك ¸¸ام الس ¸¸ابقة يف اجلناية على النفس ‪ ،‬على اجلناية على م ¸¸ادون النفس ف ¸¸اذا قطع مجاعة طرفا ي ¸¸وجب‬
‫ق ¸¸ودا ‪ ،‬أو جرح ¸¸وا جرحا ي ¸¸وجب ق ¸¸ودا ومل تتم ¸¸يز افع ¸¸اهلم ‪ ،‬ك ¸¸أن وض ¸¸عوا حدي ¸¸دة على يد وحتاملوا عليها حىت‬
‫بانت فعليهم مجيعا الق¸ود ‪ ،‬ملا ورد عن على رضي اهلل عنه انه ش¸هد عن¸ده ش¸اهدان على رجل بس¸رقة فقطع ي¸ده‬
‫مث ج¸¸اءا ب¸¸آخر فق¸¸ال ‪ :‬ه¸¸ذا هو الس¸¸ارق واخطأنا يف األول ‪ ،‬ف¸¸رد ش¸¸هادهتما على الث¸¸اين ‪ ،‬وغرمهما دية يد األول‬
‫وقال ‪ :‬لو علمت أنكما تعمدمتا لقطعتكما)) رواه البخاري‬

‫مسألة ‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫ال جيوز عند تنفيذ القص ¸ ¸¸اص ان يعطى اجلاين ش ¸ ¸¸رابا خيفف عنه األمل ألن ذلك ال تتحقق معه املماثلة ‪ ،‬بل جيب‬
‫أن يش¸¸عر بنفس األمل ال¸¸ذي اوقعه ب¸¸اجملين عليه ‪ ،‬وه¸¸ذا خبالف قطع اليد يف الس¸¸رقة فانه جيوز تب¸¸نيج الس¸¸ارق عند‬
‫قطعها ألن املقص¸ ¸ ¸¸ود هو قطعها وليس إيالمه ‪ ،‬وهلذا ال جيوز أن تع¸ ¸ ¸¸اد يد الس¸ ¸ ¸¸ارق بعملية جراحية ‪ ،‬بينما جتوز‬
‫اعادة يد اجلاين املقطوعة الن املقصود من القصاص قد حتقق ‪.‬‬

‫المطلب السابع ‪ :‬سراية الجناية ‪:‬‬


‫السراية ‪ :‬تعدي اجلرح اىل موضع اخر‬
‫وللسراية أحكام أشار إليها الفقهاء منها ‪:‬‬
‫اوال ‪ :‬سراية الجناية مضمونه ‪ ،‬وسراية القود مهدرة ‪:‬‬
‫أما كون سراية اجلناية مضمونه ‪:‬‬
‫‪ -1‬فألهنا أثر جناية ‪ ،‬واجلناية مضمونة فكذا أثرها‬
‫‪ -2‬والمجاع أهل العلم على ذلك‬
‫فلو قطع اص¸¸بعا فت¸¸آكلت اص¸¸بع اخ¸¸رى ‪ ،‬أو اليد كلها ‪ ،‬فعليه الق¸¸ود ‪ ،‬ولو م¸¸ات بس¸¸ببها فعليه الض¸¸مان بقص¸¸اص‬
‫أو دية ‪.‬‬
‫واما كون سرية القود ( املقصود تنفيذ القصاص ) مهدرة ‪:‬‬
‫‪ -1‬فالنه قطع حبق ‪ ،‬فكلما أنه غري مضمون فكذا سرايت‬
‫‪ -2‬وملا روى البيهقي عن عمر وعلى أهنما قاال يف الذي ميوت يف القصاص ‪ :‬الدية له‬
‫جـ _ والمجاع أهل العلم على ذلك‬
‫المطلب الثامن ‪:‬ال يقتص من عضو وجرح قبل برئه ‪:‬‬
‫فال جيوز أن يقتص للمجين عليه حىت برأ جرحه ‪ ،‬ألن هذا اجلرح قد يسري إىل عضو آخر ‪ ،‬يدل على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما روى جابر ‪ { :‬أن رجال جرح فأراد أن يستقيد فنهى النيب ص¸لى اهلل عليه وس¸لم أن يس¸تقاد من اجلارح‬
‫حىت يربأ اجملروح } رواه أمحد والدارقطين وصححه األلباين‬
‫‪ -2‬وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ { :‬أن رجال طعن رجال بقرن يف ركبته فج¸اء إىل النيب ص¸لى اهلل‬
‫عليه وس ¸¸لم فق ¸¸ال ‪ :‬أق ¸¸دين فق ¸¸ال ‪ :‬حىت ت ¸¸ربأ مث ج ¸¸اء إليه فق ¸¸ال أق ¸¸دين فأق ¸¸اده مث ج ¸¸اء إليه فق ¸¸ال ‪ :‬يا رس ¸¸ول اهلل‬
‫ع¸¸رجت ق¸¸ال ‪ :‬قد هنيتك فعص¸¸يتين فأبع¸¸دك اهلل وبطل عرجك مث هنى رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أن يقتص‬
‫من جرح حىت يربأ صاحبه } رواه أمحد والدارقطين‬
‫‪ ‬ومثل القصاص ‪ :‬الدية فال تطلب دية للعضو أو اجلرح قبل اندماله وبرئه الحتمال السراية‬
‫‪ ‬فإن اقتص قبل برئ اجلرح فالسراية بعد ذلك هدر س¸واء س¸رت اجلناية إىل النفس أو إىل عضو آخر حلديث‬
‫عمرو بن شعيب املتقدم ‪ ،‬وألنه استعجل ما مل يكن له استعجاله فبطل حقه وعوقب حبرمانه ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫دية النفس‬

‫المطلب األول ‪ :‬تعريف الدية ‪:‬‬

‫الدية في اللغة ‪ :‬مصدر مسمى به املال املؤدى وأصلها ‪ :‬ودي ‪ ،‬كالعدة من الوعد‬
‫واصطالحا ‪ :‬املال املؤدى اىل اجملين عليه أو وليه بسبب جناية ‪.‬‬
‫وه ¸ ¸¸ذا التعريف يش¸ ¸¸مل دية النفس ودية األعض ¸ ¸¸اء واملن ¸ ¸¸افع وسيقتصر ح ¸ ¸¸ديثنا هنا على دية النفس أما األعض ¸ ¸¸اء واملن ¸ ¸¸افع‬
‫فسنرجئ احلديث عنها اىل ما بعد اجلناية على مادون النفس ‪.‬‬

‫شرح التعريف ‪:‬‬

‫جمين عليه ‪ :‬وهذا يكون يف اجلناية على مادون النفس‬


‫أووليه ‪ :‬يف اجلناية على النفس‬
‫بس¸¸بب جناية ‪ :‬س¸¸واء ك¸¸انت اجلناية خط¸¸ًأ أو ش¸¸به عمد أو عمد عفي فيه عن القص¸¸اص إىل الدية ‪ ،‬وس¸¸واء ك¸¸انت جناية‬
‫على النفس أو على ما دوهنا‬

‫مشروعية الدية ‪:‬‬


‫األصل يف وجوب الدية الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬

‫أ – أما الكتاب ‪:‬‬


‫‪ -‬فمنه قوله تع ¸¸اىل ‪ (( :‬فمن عفي له من أخيه ش ¸¸يء فاتب ¸¸اع ب ¸¸املعروف وأداء إليه بإحس ¸¸ان )) فه ¸¸ذا يف اخلباية العمدية على‬
‫النفس ‪.‬‬
‫‪ -‬وقوله تع ¸¸اىل ‪ (( :‬وما ك ¸¸ان ملؤمن أن يقتل مؤمن¸ ¸اً إال خط ¸¸ًأ ‪ ،‬ومن قتل مؤمن¸ ¸اً خطئ ¸اً فتحرير رقبة مؤمنة ودية مس ¸¸لمة إىل‬
‫أهله إال أن يصدقوا )) ‪ ،‬فه¸ذا يف اجلناية اخلطأ وش¸به العمد ‪ ،‬ف¸أوجب اهلل الدية على القاتل ون¸دب أهل القتيل إىل العفو‬
‫عنها ‪ ،‬حيث مسي العفو صدقة ‪.‬‬
‫ب‪ -‬من السنة ‪:‬‬
‫‪ -‬قوله عليه الصالة والسالم ‪ (( :‬فمن قتل له قتيل فهو خبري النظرين – احلديث وقد تقدم مراراً ‪ ،‬فهذا يف القتل العمد ‪.‬‬
‫‪ -‬ويف كت¸ ¸¸اب النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم إىل عم¸ ¸¸رو بن ح¸ ¸¸زم يف مق¸ ¸¸ادير ال ¸ ¸¸ديات ق¸ ¸¸ال ‪ (( :‬ويف النفس مائة من اإلبل ))‬
‫أخرجه أبو داود يف املراس ¸¸يل والنس ¸¸ائي وابن خزمية وابن اجلارود وابن حب ¸¸ان وأمحد وه ¸¸ذا احلديث هو األصل يف مق ¸¸ادير‬

‫‪81‬‬
‫ال ¸¸ديات ‪ ،‬ق ال ابن حجر ‪ :‬اختلف ¸¸وا يف ص ¸¸حته ‪ ،‬وق ال الش افعي ‪ :‬مل يقبل ¸¸وا ه ¸¸ذا احلديث حىت ثبت عن ¸¸دهم أنه كت ¸¸اب‬
‫النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ‪ ،‬وق ال ابن عبد ال بر ‪ :‬ه¸ ¸¸ذا احلديث مش¸ ¸¸هور عند أهل العلم معرفة يس¸ ¸¸تغين بش¸ ¸¸هدهتا عن‬
‫اإلسناد ‪ ،‬ألنه أشبه املتواتر لتلقي الناس له بالقبول ‪ .‬أهـ‬
‫جـ ‪ -‬وأما اإلجماع ‪:‬‬
‫فقد أمجعت األمة على مشروعية الدية يف اجلناية على النفس املعصومة ‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الضمان إال في حالة التعدي أو التفريط ‪:‬‬

‫وقد سبق بي¸ان ه¸ذه القاع¸دة مفص¸لة يف القتل اخلطأ ‪ ،‬وأن املرجع يف حتديد التع¸دي أو التفريط اىل الع¸رف ‪ ،‬وس¸بق ذكر‬
‫األمثلة على ذلك ‪ ،‬س¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان القتل باملباش ¸ ¸¸رة أو بالتس¸ ¸¸بب ‪ ،‬وس¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان اجملين عليه مس¸ ¸¸لما أو ذميا أو مس¸ ¸¸تأمنا أو‬
‫معاهدا ‪ ،‬لقوله تعاىل (( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة اىل أهله )) فعرب تعاىل عن الذمة بامليثاق ‪.‬‬

‫المطلب الثالث ‪ :‬مقادير ديات النفس ‪:‬‬


‫المسألة األولى ‪ :‬دية الحر المسلم مائة من اإلبل ‪:‬‬
‫أمجع أهل العلم على أن دية احلر املس¸ ¸ ¸ ¸¸لم مائة من اإلبل ‪ ،‬ال ف¸ ¸ ¸ ¸¸رق يف ذلك بني القتل العمد ‪ ،‬وش¸ ¸ ¸ ¸¸به العمد ‪ ،‬واخلطأ ‪،‬‬
‫وال¸¸دليل على ذلك م¸¸اورد يف كت¸¸اب النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم إىل عم¸¸رو بن ح¸¸زم يف ال¸¸ديات أنه ق¸¸ال ((أال إن يف قتيل‬
‫خطأ العمد قتيل السوط والعصا مائة من اإلبل ‪ -‬احلديث وقد تقدم )) إال اهنا ختتلف من حيث التغليظ والتخفيف ‪:‬‬
‫فدية العمد مغلظة من ثالثة أوجه ‪ ،‬ودية ش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸به العمد مغلظة من وجه واحد و خمفضة من وجهني ‪ ،‬ودية اخلطأ خمفضة‬
‫من ثالثة أوجه وبيان ذلك كالتايل ‪:‬‬

‫أ‪ -‬أوجه التغليظ في دية القتل العمد ‪:‬‬

‫أوال – أنها تجب في مال القاتل ‪ ،‬وال تحملها العاقلة ‪،‬‬


‫و األدلة على ذلك ‪:‬‬
‫قوله عليه الصالة والسالم (( ال جيين جان إال على نفسه )) أخرجه أمحد‬
‫وق¸ال عليه الص¸الة والس¸الم لبعض أص¸¸حابه ‪ ،‬حني رأى معه ول¸ده ‪ " :‬ابنك ه¸¸ذا ؟ " ‪ .‬ق¸ال ‪ :‬نعم ‪ .‬ق¸ال ‪ { :‬أما إنه ال جيين‬
‫عليك ‪ ،‬وال جتين عليه }‬

‫‪82‬‬
‫و إلمجاع أهل العلم على ذلك ‪ ،‬وممن حكى اإلمجاع ابن قدامه و املرداوي‬
‫وألن ه ¸ ¸¸ذا يقتض¸ ¸ ¸¸يه األصل وهو أن ب¸ ¸ ¸¸دل املتلف جيب على املتلِف نفسه وإمنا خولف ه¸ ¸ ¸¸ذا األصل يف القتل املع ¸ ¸¸ذور فيه –وهو قتل‬
‫اخلطأ وشبه العمد‪ -‬ختفيفا على اجلاين لكثرة الواجب ‪ ،‬وعجز اجلاين يف الغالب عن حتمله ‪ ،‬مع وج¸¸وب الكف¸¸ارة عليه ‪ ،‬وقي¸ام‬
‫عذره ‪ ،‬ختفيفا عنه ‪ ،‬ورفقا به ‪ ،‬والعامد ال عذر له ‪ ،‬فال يستحق التخفيف ‪ ،‬وال يوجد فيه املعىن املقتضي للمواساة يف اخلطأ ‪.‬‬
‫ثانيا – أنها تجب حالة غير مؤجلة ‪:‬‬
‫عند مجهور أهل العلم ( املالكية والشافعية واحلنابلة ) ‪ ،‬وهو الصحيح ملا يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن ما وجب بالعمد احملض كان حاال كالقصاص و أروش اجلنايات‬
‫‪ -2‬وألن هذا هو األصل يف بدل املتلفات‬
‫ثالثا – أنها مغلظة من حيث السن ‪:‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم يف أسناهنا ‪:‬‬
‫فقيل ‪ ( -‬وهو قول األحناف واملالكية واحلنابلة ) ‪ :-‬إهنا جتب أرباعا ‪ ،‬على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪ -‬مخس وعش¸ ¸¸رون بنت خماض ( وهو م ¸ ¸¸امت له س¸ ¸¸نة ‪ ،‬ودخل يف الثانية ‪ ،‬مسيت ب¸ ¸¸ذلك ألن أمها م¸ ¸¸اخض أي حامل واملراد أنه قد‬
‫)‬ ‫محلها‬ ‫وقت‬ ‫دخل‬
‫‪ -‬ومخس وعشرون بنت لبون ‪ ( :‬وهو مامت له سنتان ‪ ،‬مسيت بذلك ألن أمها صارت لبوناً ‪ ،‬أي مرضعا بوضع احلمل )‬
‫‪ -‬ومخس وعشرون حقه ‪ ( :‬وهو ما مت له ثالث سنوات ‪ ،‬مسيت بذلك ألهنا استحقت أن يطرقها الفحل )‬
‫‪ -‬ومخس وعشرون جذعة ‪( :‬وهو مامت له أربع سنوات )‬
‫وقيل ‪ ( -‬وهو قول الشافعية ) ‪ :‬إهنا جتب أثالثا ‪:‬‬
‫‪ -‬ثالثون حقه‬
‫‪ -‬ثالثون جذعة‬
‫‪ -‬وأربعون َخــلِفة ( أي حامل ) يف بطوهنا أوالد ‪.‬‬

‫وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬لما يلي ‪:‬‬

‫ما روى عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ق¸¸ال إن ‪ { :‬من قتل متعم¸¸دا ‪ ،‬دفع إىل‬
‫أولي¸¸اء املقت¸¸ول ف¸¸إن ش¸¸اءوا قتل¸¸وا ‪ ،‬وإن ش¸¸اءوا أخ¸¸ذوا الدية ‪ ،‬وهي ثالث¸¸ون حقة ‪ ،‬وثالث¸¸ون جذعة ‪ ،‬وأربع¸¸ون خلفة ‪ ،‬وما‬
‫صوحلوا عليه فهو هلم } ‪ .‬وذلك تشديد العقل رواه أمحد وابن ماجه والرتمذي ‪ ،‬وقال ‪ :‬هو حديث حسن غريب‬
‫م¸¸اروى عبد اهلل بن عم¸¸رو بن الع¸¸اص عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال ‪ (( :‬أال إن يف قتيل عمد اخلطأ قتيل الس¸¸وط‬
‫والعصا مائة من اإلبل منها أربعون خلفة يف بطوهنا أوالدها )) أخرجه أمحد وأبو داود ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫وعن عم ¸¸رو بن ش ¸¸عيب أن رجالً ح ¸¸ذف ابنه بالس¸¸يف فقتله فأخذ عمر منه الدية ثالثني حقة وثالثني جذعة وأربعني خلفة ‪.‬‬
‫رواه مالك يف املوطأ ‪.‬‬

‫أوجه التخفيف في دية القتل الخطأ ‪:‬‬

‫دية اخلطأ خمففة من ثالثة أوجه ‪:‬‬


‫أوالً ‪ :‬أنها تجب على العاقل ‪،‬‬
‫ملا يلي ‪:‬‬
‫أ – أنه ثبتت األخبار عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قضى بدية شبه العمد على العاقلة فاخلطأ أوىل بذلك ‪.‬‬
‫ب – وإلمجاع أهل العلم على ذلك ‪ ،‬وممن حكى اإلمجاع ابن املنذر وابن قدامة وغريهم ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أنها مؤجلة في ثالث سنوات ‪:‬‬
‫ملا يلي ‪:‬‬
‫أ – أن هذا هو املروي عن عمر وعلي رضي اهلل عنهما وال يعرف هلما خمالف من الصحابة ‪.‬‬
‫ب – وألن هذا إمجاع أهل العلم وممن حكى اإلمجاع ابن املنذر وابن قدامة وغريهم‬
‫وعلى هذا فيجب يف آخر كل حول ثلثها ‪ ،‬ويعترب ابتداء السنة من حني وجوب الدية ‪.‬‬

‫ثالثا – أنها مخففة من حيث السن ‪:‬‬


‫فهي تجب أخماسا ‪ :‬عش¸¸رون بنت خماض ‪ ،‬وعش¸¸رون ابن خماض ‪ ،‬وعش¸¸رون بنت لب¸¸ون ‪ ،‬وعش¸¸رون حقه ‪ ،‬وعش¸¸رون‬
‫جذعه ‪.‬‬
‫ملا روى عبداهلل بن مس¸¸عود عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال ‪ (( :‬يف دية اخلطأ عش¸¸رون حقه ‪ ،‬وعش¸¸رون جذعة ‪،‬‬
‫وعشرون بنت خماض ‪ ،‬وعشرون بين خماض ‪ ،‬وعشرون بنت لبون )) أخرجه أبو داوود والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬

‫أوجه التغليظ والتخفيف في دية شبه العمد ‪:‬‬

‫دية شبه العمد مغلظة من وجه واحد ‪ ،‬وهو السن ‪ ،‬فهي جتب أثالثا كالقتل العمد ‪ ،‬على الص¸¸حيح من أق¸¸ول أهل العلم‬
‫‪ .‬لقوله عليه الص ¸¸الة والس ¸¸الم (( عقل ش ¸¸به العمد مغلظ مثل عقل العمد – احلديث وقد تق ¸¸دم ‪ )) -‬أخرجه ال ¸¸دارقطين‬
‫وضعفه ‪ ،‬وحلديث عبد اهلل بن عمرو املتقدم (( أال إن يف قتيل خطأ العمد ‪ ¸....‬احلديث ))‬

‫وهي مخففة من وجهين ‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫األول ‪ :‬أهنا جتب على العاقلة ‪ ،‬وهذا هو مذهب اجلمهور ‪ ،‬وهو الصحيح ملا يلي ‪:‬‬

‫ما روى أبو هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬اقتتلت امرأت¸ان من ه¸¸ذيل ‪ ،‬ف¸رمت إح¸¸دامها األخ¸رى حبجر فقتلتها وما يف‬ ‫‪-1‬‬
‫بطنها ‪ ،‬فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بدية املرأة على عاقلتها )) متفق عليه ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألنه نوع قتل اليوجب قصاصا ‪ ،‬فوجبت ديته على العاقلة كاخلطأ‬

‫الثاني ‪ :‬أهنا جتب مؤجلة ‪ ،‬بإمجاع أهل العلم ‪ ،‬وممن حكى اإلمجاع ابن قدامه ‪.‬‬
‫واحلكمة من ك¸¸ون دية اخلطأ وش¸¸به العمد على العاقلة أن ه¸¸ذه اجلناي¸¸ات تك¸¸ثر ‪ ،‬ودية اآلدمي كث¸¸رية ‪ ،‬فإجياهبا على اجلاين‬
‫يف ماله جيحف به فاقتضت احلكمة إجياهبا على العاقلة على س¸¸بيل املواس¸¸اة للقاتل ولإلعانه له ختفيف عنه إذ ك¸¸ان مع¸¸ذور‬
‫يف فعله ‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬األصل في الدية ‪:‬‬


‫اختلف أهل العلم يف حتديد األصل يف الدية هل هو اإلبل خاصة وغريها يك¸ ¸¸ون مقوما هبا ؟ أم أن هن¸ ¸¸اك أص ¸¸وال أخ ¸¸رى‬
‫للديات غري اإلبل ؟‬
‫في هذه المسألة قوالن ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن أص¸ ¸¸ول الدية مخسة ‪ :‬مائة من اإلبل ‪ ،‬أو مائتا بق¸ ¸¸رة ‪ ،‬أو ألفا ش¸ ¸¸اة ‪ ،‬أو ألف مثق¸ ¸¸ال ذهب ‪ ،‬أو اثنا عشر ألف درهم‬
‫من الفضة ‪.‬‬
‫فهذه اخلمس أصول الدية إذا أحضر من عليه الدية شيئا منها لزم قبوله‬
‫وهذا هو قول الفقهاء السبعة ‪ ،‬ومذهب احلنابلة ‪.‬‬
‫استدلوا مبا يلي ‪:‬‬
‫عن جابر رضي اهلل عنه قال ‪ :‬فرض رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يف الدية على أهل اإلبل مائة من‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلبل ‪ ،‬وعلى أهل البقر مائيت بقرة وعلى أهل الشاء ألقى شاة )) رواه أبو داود ‪ ،‬وهو حديث ضعيف‬
‫وعن ابن عب ¸ ¸¸اس رضي اهلل عنهما أن رجال قتل فجعل النيب ص ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ديته اثىن عشر ألف‬ ‫‪-2‬‬
‫درهم )) رواه ابو داود وابن ماجه وهو ضعيف أيضا ‪.‬‬
‫ويف كتاب عمرو بن حزم ‪ -‬السابق ‪ (( : -‬وعلى أهل الذهب ألف دينار ))‬ ‫‪-3‬‬

‫القول الثاني ‪:‬‬


‫أن األصل يف الديات هو اإلبل خاصة وغريها متتقوم هبا ‪.‬‬
‫وهذا هو قول اجلمهور ‪ ،‬وهو اختيار شيخ اإلسالم ابن تيميه وابن القيم ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫استدلوا مبا يلي ‪:‬‬
‫ح ¸ ¸¸ديث عبداهلل بن عم ¸ ¸¸رو – الس ¸ ¸¸ابق ‪ (( : -‬اال إن يف قتيل عمد اخلطأ قتيل الس ¸ ¸¸وط والعصا واحلجر‬ ‫‪-1‬‬
‫مائة من اإلبل )) فنص عليه الصالة والسالم على اإلبل خاصة ‪.‬‬
‫وعن عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن ابيه عن ج¸¸ده أن عمر ق¸¸ام خطيبا فق¸¸ال ‪ (( :‬اال إن اإلبل قد غلت ‪ ،‬ق¸¸ال ‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫فق ¸¸وم على أهل ال ¸¸ذهب الف دين ¸¸ار وعلى أهل ال ¸¸ورق اثىن عشر الفا وعلى اهل البقر م ¸¸ائىت بق ¸¸رة وعلى أهل الش ¸¸اء ألفي‬
‫شاة وعلى أهل احللل مائىت حلة )) رواه ابو داوود وهو صحيح ‪.‬‬
‫ووجه الداللة منه أنه أوجب ه¸¸ذه املذكورات على س¸¸بيل التق¸¸ومي لغالء اإلبل ولو ك¸¸انت أص¸¸وال بنفس¸¸ها مل يكن إ جياهبا‬
‫تقوميا لإلبل ‪ ،‬وال ك ¸ ¸¸ان لغالء اإلبل اثر يف ذلك وال ل ¸ ¸¸ذكره معىن ‪ ،‬وقد روي ‪ (( :‬أنه ك ¸ ¸¸ان يق ¸ ¸¸وم اإلبل قبل أن تغل ¸ ¸¸وا‬
‫بثمانية االف درهم ))‬
‫وألن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ف¸¸رق بني دية العمد واخلطأ فغلظ بعض¸¸ها وخفف بعض¸¸ها وال يتخقق‬ ‫‪-3‬‬
‫هذا يف غري اإلبل بامجاع أهل العلم ‪.‬‬

‫وهذا القول هو الصحيح وأما ما استدل به أصحاب القول األول فهي أحاديث ص¸¸غيفة ‪ ،‬وعلى ف¸¸رض ثبوهتا فإهنا حتتمل‬
‫أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أوجب الورق وحنوها بدال عن اإلبل وإمنا اخلالف يف كوهنا أصال ‪.‬‬

‫وعلى ه ¸ ¸¸ذا فدية احلر املس ¸ ¸ ¸¸لم مائة من اإلبل أو ما يس ¸ ¸ ¸¸اوي قيمتها من األوراق النقدية ‪ ،‬وقد ق ¸ ¸ ¸¸درت يف اململكة العربية‬
‫السعودية مبا يساوي (‪ 110‬آالف لاير ) يف العمد وشبهه و (‪ 100‬ألف لاير ) يف اخلطأ ‪.‬‬
‫وهي ختتلف من سنة إىل أخرى ومن بلد إىل آخر ‪.‬‬

‫المسألة الثالثة ‪ :‬دية الحر الكتابي ‪:‬‬

‫دية احلر الكت ¸¸ايب على النصف من دية املس ¸¸لم ‪ ،‬س ¸¸واء ك ¸¸ان معاه ¸¸دا أو مس ¸¸تأمنا أو ذميا ‪ ،‬على الص ¸¸حيح من أق ¸¸ول أهل‬
‫العلم ‪ ،‬وهذا هو مذهب املالكية واحلنابلة واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫استدلوا مبا يلي ‪:‬‬
‫ما روى عمر بن ش¸ ¸ ¸¸عيب عن أبيه عن ج¸ ¸ ¸¸ده عن النيب ص¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸ ¸¸لم أنه ق ¸ ¸¸ال ‪ (( :‬دية املعاهد‬ ‫‪‬‬
‫نصف دية املس ¸¸لم )) ويف لفظ أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم قضى أن عقل أهل الكت ¸¸اب نصف عقل املس ¸¸لمني )) رواه‬
‫أمحد واألربعة وصححه ابن خزميه ‪.‬‬
‫قال خلطايب ‪ :‬ليس يف دية أهل الكتاب شيء أبني من هذا وال بأس بإسناده ‪.‬‬
‫وقي ل‪ :‬إن ديته كدية املس¸ ¸¸لم ( ق¸ ¸¸ول األحن¸ ¸¸اف ) وقيل ‪ :‬ديته أربعة آالف درهم ( وهو ق¸ ¸¸ول الش¸ ¸¸افعية ) وقيل ‪ :‬ديته‬
‫ثلث دية املسلم ‪ ،‬ولكن الصحيح هو القول األول ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫فائ دة ‪ :‬جراح¸¸ات أهل الكت¸¸اب على النصف من دي¸¸اهتم كجراح¸¸ات املس¸¸لمني من دي¸¸اهتم ‪ ،‬ونس¸¸اؤهم على النصف من‬
‫دياهتم بال خالف‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬دية غير الكتابي ‪:‬‬
‫ذهب أكثر أهل العلم إىل أن دية غري الكتايب من اجملوس والوثنيني وسائر املشركني مثامنائة درهم ألن هذا هو املروي عن‬
‫عمر وعثمان وابن مسعود رضي اهلل عنهم ‪.‬‬
‫وذهب األحناف إىل أن ديته كدية املسلم ولكن الصحيح هو القول األول والجيوز اعتباره باملسلم وال بالكت¸¸ايب لنقص¸¸ان‬
‫دينه ‪.‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬دية المرأة ‪:‬‬
‫دية املرأة على النصف من دية الرجل ملا يلي ‪:‬‬
‫ما ج ¸¸اء يف كت ¸¸اب النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم إىل عم ¸¸رو بن ح ¸¸زم ‪ (( :‬دية املرأة على النصف من دية‬ ‫‪.1‬‬
‫الرجل )) ‪.‬‬
‫وإلمجاع أهل العلم على ذلك ‪ :‬وممن حكى اإلمجاع ابن عبد الرب وابن املنذر وابن قدامة و املرداوي‬ ‫‪.2‬‬
‫مسألة ‪:‬‬
‫يس¸ ¸ ¸¸توي ال¸ ¸ ¸¸ذكر واألن¸ ¸ ¸¸ثى فيما ي¸ ¸ ¸¸وجب دون ثلث الدية ‪ ،‬ف¸ ¸ ¸¸إذا بلغت ثلث الدية فهي على النصف من دية الرجل ‪،‬‬
‫حلديث عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن أبيه عن ج¸¸ده مرفوع¸اً‪ (( :‬عقل املرأة مثل عقل الرجل حىت تبلغ الثلث من الدية )) أخرجه‬
‫النسائي ‪،‬‬
‫وروى اإلمام مالك عن ربيعة قال ‪ :‬قلت لسعيد بن املسيب ‪ :‬كم يف أصبع املرأة ؟‬
‫قال ‪ :‬عشر ‪،‬‬
‫قلت ففي أصبعني ؟‬
‫قال ‪ :‬عشرون‬
‫قلت ‪ :‬ففي ثالثة أصابع‬
‫قال ‪ :‬ثالثون‬
‫قلت ‪ :‬ففي أربع ؟‬
‫قال ‪ :‬عشرون ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬ملا عظمت مصيبتها قل عقلها ؟‬
‫قال‪ :‬هكذا السنة يابن أخي )) ‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪:‬‬
‫‪ ‬فتستوي دية املرأة مع الرجل فيما يوجب أقل من ثلث الدية ‪:‬‬
‫ففي االصبع للذكر ‪ 10‬من اإلبل ‪ ،‬ولألنثى ‪10‬‬

‫‪87‬‬
‫ويف السن الواحدة للذكر ‪ 5‬من اإلبل ‪ ،‬ولألنثى مثل ذلك ‪.‬‬
‫ويف املوضحة للذكر ‪ 5‬من اإلبل ‪ ،‬ولألنثى مثل ذلك ‪.‬‬
‫ويف اهلامشة للذكر ‪ 10‬ولألنثى ‪10‬‬
‫ويف املنقلة للذكر ‪ 15‬ولألنثى ‪15‬‬
‫ويف كسر الضلع بعري واحد ولألنثى مثل ذلك ‪.‬‬
‫‪ ‬وتكون املرأة على النصف من الرجل فيما زاد عن ثلث الدية ‪:‬‬
‫ففي فقأ العني الواحدة للذكر ‪ 50‬بعرياً وللمرأة ‪. 25‬‬
‫ويف كسر ‪ 7‬أسنان للذكر ‪ 35‬ولألنثى ‪ 17‬ونصف ‪.‬‬
‫ويف قطع الشفة الواحدة ‪ 50‬للذكر و‪ 25‬للمرأة ‪.‬‬
‫ويف النفس للذكر ‪ 100‬ولألنثى ‪50‬‬
‫‪ ‬وتكون على النصف أيضاً فيما بلغ الثلث فقط ‪ ،‬للحديث املتقدم ‪:‬‬
‫ففي املنخر الواحد للرجل ثلث الدية وهو ثالثة وثالثون بعرياً وثلث ‪ ،‬وللمرأة نصف ذلك ‪.‬‬
‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫ويف املأمومة =‬
‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫ويف اجلائفة‬
‫وهناك قول آخر يف املسألة ( وهولألحن¸اف والش¸¸افعية ) وهو أن دية املرأة على النصف فيما قل وك¸ثر ‪ ،‬ولكن الص¸¸حيح‬
‫هو الق¸ ¸¸ول األول لثب ¸ ¸¸وت احلديث فيه ‪ ،‬ق ¸ ¸¸ال ابن القيم ‪ (( :‬إنه – أي الق ¸ ¸¸ول األول – الس ¸ ¸¸نة وإن خ ¸ ¸¸الف يف أبو حنيفة‬
‫والشافعي ‪ .‬ولكن السنة أوىل )) أهـ ‪.‬‬
‫واحلكمة يف التفرقة بني ما دون الثلث وما زاد عليه أن ما دونه قليل ( أي ديته قليلة ) فجربت مصيبة املرأة فيه مبس¸¸اواهتا‬
‫للرجل ‪ ،‬وهلذا استوى اجلنني ‪ :‬الذكر واألنثى يف الدية لقلة ديته ‪ ،‬وهي الغرة فنزل ما دون الثلث منزلة اجلنني ‪.‬‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬دية القن ( العبد ) ‪:‬‬
‫دية العبد واألمة قيمتها بالغة ما بلغت ‪ ،‬ألنه ‪ ....‬فض¸من قيمته ‪ ،‬ويف جراحة ديته بقس¸¸طه من ديته ففي ي¸¸ده مثالً نصف‬
‫قيمته ‪.‬‬

‫المسألة السابعة ‪ :‬دية الجنين ‪:‬‬


‫أوال ‪ :‬هل انفصال الجنين شرط في تحمل المسؤلية ‪:‬‬
‫يف املسألة قوالن ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫التعترب اجلناية على اجلنني قائمة مامل ينفصل اجلنني عن أمه ‪ ،‬فمن ضرب امرأة على بطنها أو أعطاها دواء فأزال مايف‬
‫بطنها من انتف ¸¸اخ أو أس ¸¸كن حركة ك ¸¸انت تش ¸¸عر هبا يف بطنها فإنه اليعد جاني¸ ¸اً على اجلنني ألن حكم الولد ال يثبت إال‬

‫‪88‬‬
‫خبروجه ‪ ،‬وألن هن¸ ¸¸اك ش¸ ¸¸كاً يف وج¸ ¸¸ود أو م¸ ¸¸وت اجلنني ‪ ،‬وال جيب العق¸ ¸¸اب بالشك ‪ ،‬وبالت¸ ¸¸ايل فال دية س ¸¸واء ك ¸¸انت‬
‫اجلناية عمد أو خطأ ‪ ،‬وهذا هو رأي األئمة األربعة و أساسه عدم اليقني من وجود اجلنني أو موته ‪.‬‬

‫القول الثاني ‪:‬‬


‫ذهب الزه¸ ¸¸ري والظاهرية إىل أن انفص¸ ¸¸ال اجلنني ليس بش¸ ¸¸رط يف العقوبة ‪ ،‬لعم¸ ¸¸وم النص¸ ¸¸وص ال¸ ¸¸واردة يف اثب¸ ¸¸ات الدية يف‬
‫اجلناية على اجلنني وليس فيها شرط انفصاله‪.‬‬

‫والرأي الذي ينبغي العمل به اليوم مع تقدم الوس¸¸ائل الطبية أنه اذا أمكن طبيا القطع بوج¸¸ود اجلنني وأن موته بفعل اجلاين‬
‫ف¸¸إن العقوبة جتب على اجلاين ‪ ،‬وه¸¸ذا ال¸¸رأي حقيقة ال خيالف م¸¸اذهب اليه اجلمه¸¸ور ألهنم منع¸¸وا العق¸¸اب للشك ف¸¸إذا زال‬
‫الشك وامكن القطع ‪ ،‬وجبت عقوبته ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬قصد الجاني ‪:‬‬


‫اخلف أهل العلم فيما اذا تعمد اجلاين اجلناية على احلمل ‪ ،‬فمات بسبب ذلك ‪ ،‬فهل عليه قصاص بسبب ذلك ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫ال قص¸¸اص عليه ‪ ،‬س¸¸واء ك¸¸ان اجلاين هو األم أو غريها وس¸¸واء ك¸¸ان لش¸¸رب دواء أو بض¸¸رب أو غ¸¸ريه ‪ ،‬وس¸¸واء ك¸¸ان قبل‬
‫نفخ الروح أو بعدها ‪،‬وسواء خرج اجلنني حيا مث مات أو خرج ميتاً ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪:‬‬
‫أن حياة اجلنني غري مستقرة ‪ ،‬وألن العمد احملض بعيد التصور لتوقفه على العلم بوجود اجلنني وحبياته‬

‫القول الثاني ‪:‬‬


‫أن عليه القصاص ‪ ،‬إذا كانت اجلناية بعد نفخ الروح ‪ ،‬وهذا قول بعض املالكية و الظاهرية ‪.‬‬
‫قال ابن حزم ‪ :‬لو شربت األم دواء بقصد اسقاط جنينها فعليها القصاص‬
‫وحجتهم ‪:‬‬
‫أنه قتل نفساً معصومة بغري حق‬
‫على أن مثة فرقا يف املوجب للقص¸ ¸ ¸ ¸¸اص عند املالكية وعند الظاهرية ‪ ،‬بن¸ ¸ ¸ ¸¸اء على اختالفهم يف املس¸ ¸ ¸ ¸¸ألة األوىل ‪ ،‬وهي هل‬
‫انفصال اجلنني شرط يف حتمل املسؤلية ‪:‬‬
‫فالق ¸¸ائلون بالقص ¸¸اص من املالكية ال يوجب ¸¸ون القص ¸¸اص اال اذا ولد اجلنني حيا مث م ¸¸ات الن من ش ¸¸رط العقوبة عن ¸¸دهم –‬
‫كماتقدم – انفصال اجلنني ‪.‬‬
‫أما الظاهرية فيكفي عندهم أن تكون اجلناية بعد نفخ الروح ‪ ،‬واليلزم عندهم انفصال اجلنني ‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫وال¸¸راجح هو ق¸¸ول اجلمه¸¸ور ‪ ،‬وأنه ال قص¸¸اص يف اجلناية على م¸¸ادون النفس ‪ ،‬ف¸¸إذا تعمد اجلاين اس¸¸قاطه فهو ش¸¸به عمد ‪،‬‬
‫ديته تكون مغلظة ‪ ،‬وإن مل يتعمد إسقاطه فهو خطأ ‪ ،‬ديته تكون خمففه‪¸.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬مقدار دية الجنين ‪:‬‬

‫ختتلف دية اجلنني حبسب نتيجة الفعل وبيان ذلك ‪:‬‬


‫أن اجلنني إما أن ينفصل ميتا ‪ ،‬أو ينفصل حيا مث ميوت بسبب اجلناية ‪.‬‬
‫وفيما يلي مقدار دية كل من احلالتني ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬انفصال الجنين عن أمه ميتا ‪:‬‬
‫اذا انفصل اجلنني عن أمه ميتا فعقوبة اجلاين هي دية اجلنني ‪ ،‬ودية اجلنني مخس من اإلبل ‪ ،‬س ¸ ¸¸واء ك ¸ ¸¸ان اجلنني ذك¸ ¸¸را أو‬
‫أنثى ‪ ،‬وال فرق يف ذلك بني العمد واخلطأ ‪ ،‬إال أهنا تغلظ من حيث الصفات يف حالة العمد ‪ ،‬وختفف يف حالة اخلطأ ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ج ¸¸اء يف الص ¸¸حيحني يف قصة املرأتني املقتتلني من ه ¸¸ذيل وفيه (( فقضى رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم أن دية‬
‫جنايتها غرة عبد أو أمة )) متفق عليه‬
‫‪ -2‬ويف الص ¸¸حيحني أن عمر رضي اهلل عنه استش ¸¸ار الن ¸¸اس يف إمالص املرأة ( أي إجهاض ¸¸ها ) فق ¸¸ال املغ ¸¸رية بن ش ¸¸عبة ‪:‬‬
‫ش¸¸هدت النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم قضى فيه بغ¸¸رة عبد أو أمة ‪ ،‬فق¸¸ال ‪ :‬لت¸¸أتني مبن يش¸¸هد معك ‪ ،‬فش¸¸هد معه حممد‬
‫بن مسلمة ‪.‬‬
‫ومقدار الغرة – كما قدرها الفقهاء ‪ : -‬مخس من اإلبل‬
‫الحالة الثانية ‪ :‬انفصال الجنين عن أمه حيا وموته بسبب الجناية ‪:‬‬
‫إذا انفصل حيا مث مات بسبب اجلناية فديته كاملة يف هذه احلال ‪ ،‬فدية الذكر دية رجل ودية األنثى دية امرأة‬
‫مالحظات ‪:‬‬
‫‪ -1‬تتع ¸¸دد دي ¸¸ات اجلنني حبسب ع ¸¸دد األجنة ‪ ،‬س ¸¸واء انفصل حيا أو ميتا ‪ ،‬فلو ألقت احلامل جني ¸¸نني مي ¸¸تني فعلى اجلاين‬
‫غرتان ‪ ،‬ولو ألقت ذكرا وانثى حيني مث ماتا فعليه دية ذكر و أنثى ‪.‬‬
‫‪ -2‬اذا ماتت األم احلامل مع محلها فعلى اجلاين دية األم ودية اجلنني‬

‫رابعا ‪ :‬كيف تثبت حياة الجنين ‪:‬‬


‫تثبت احلي ¸¸اة يكل ماي ¸¸دل على احلي ¸¸اة من االس ¸¸تهالل – أي الص ¸¸ياح – والرض ¸¸اع والتنفس والعط ¸¸اس وغري ذلك ‪ ،‬وجمرد‬
‫احلركة اليعترب دليال قاطعا على احلياة ألن احلركة قد تكون من اختالج اجلسم إثر خروجه من ضيق ‪.‬‬
‫وهل يشرتط لثبوت احلياة للجنني أن يكون انفصاله لسنة أو شهر فصاعدا ؟‬

‫‪90‬‬
‫يف هذا اختالف بني أهل العلم ‪ ،‬والصحيح أنه ال يشرتط ذلك‬

‫خامسا ‪:‬ماهو اجلنني ؟‬


‫اجلنني هو كل ما طرحته املرأة مما يعلم أنه ولد ‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء يف حتديد املرحلة اليت يعترب فيها اجلاين مستوال عن اجلناية على اجلنني ‪:‬‬
‫فيرى البعض ( مالك ) ‪ :‬أن اجلاين مسئول عن كل ما ألقته املرأة مما يعلم أنه محل سواء ك¸ان ت¸ام اخللقه أو ك¸ان مض¸¸غة‬
‫أو علقة أو دما ‪.‬‬
‫ويرى األحناف والشافعية مسئولية اجلاين عما تطرحه املرأة إذا استبان بعض خلقه ‪،‬‬
‫ويرى الحنابلة أن ال مسئولية حىت تلقي املرأة مافيه صور آدمي ‪،‬‬
‫وه ¸¸ذا هو األق ¸¸رب واهلل أعلم ‪ ،‬وهو يف الغ ¸¸الب يك ¸¸ون بعد مضي تس ¸¸عني يوما من احلمل ‪ 40 ( :‬يوما نطفة ‪ ،‬مث أربعني‬
‫يوما علقة ( دم ) ‪ ،‬مث تتك¸¸ون املض¸¸غة ( أي قطعة اللحم ‪ ،‬وال يس¸¸تبني خلقه غالبا اال بعد مضى عش¸¸رة أي¸¸ام ) وعلى ه¸¸ذا‬
‫فلو اسقطت نطفة أو آدمي فال دية ‪ ،‬وإمنا التعزير إذا رأى احلاكم ذلك ‪.‬‬

‫سادسا ‪ :‬إرث الدية ‪:‬‬


‫الدية موروثة عن اجلنني س¸ ¸¸واء انفصل ميت ¸ ¸اً أو انفصل حيا مث م¸ ¸¸ات ‪ ،‬ألهنا دية له وب¸ ¸¸دل عنه فريثها ورثته ‪ ،‬كما لو قتل‬
‫بعد الوالدة ‪.‬‬

‫سابعاً ‪ :‬تطبيقات ‪:‬‬


‫لو ش¸¸ربت املرأة دواء فتس¸¸بب يف قتل جنينها ‪ ،‬وهي غري قاص¸¸دة ‪ ،‬فينظر ‪ :‬إن ك¸¸انت متعدية أو مفرطة هبذا الش¸¸رب‬ ‫‪-1‬‬
‫فعليها الدية ‪ ،‬إن س ¸ ¸¸قط بعد تك ¸ ¸¸وين خلقه ‪ ،‬ف ¸ ¸¸إن خ ¸ ¸¸رج ميتا فديته مخس من اإلبل وإن خ ¸ ¸¸رج حيا مث م¸ ¸¸ات فديته‬
‫كاملة ‪ ،‬وإن سقط قبل تكوين خلقه فال دية وإمنا للحاكم تعزيرها إن رأى ذلك ‪.‬‬
‫لو محلت املرأة شيئا ثقيالً ليس هلا محله ‪ ،‬فمات اجلنني فعليها الضمان على التفصيل السابق ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫لو أف¸¸زع ش¸¸خص ام¸¸رأة فأس¸¸قطت جنينا ‪ ،‬أو طلبها ذو ش¸¸وكة ( كالش¸¸رطي مثال ) فف¸¸زعت فأس¸¸قطت جنينها فعليه‬ ‫‪-3‬‬
‫ضمانه ‪.‬‬
‫اذا انفصل اجلنني عن املرأة ميت¸اً بعد وفاهتا ‪ ،‬كما لو اعت¸¸دى ش¸¸خص على ام¸¸رأة فم¸¸اتت مث أخ¸¸رج الولد ميتا ‪ ،‬فقيل‬ ‫‪-4‬‬
‫ال يس¸ ¸¸أل اجلاين عن قتله ألن م¸ ¸ ¸¸وت األم س¸ ¸ ¸¸بب ظ¸ ¸ ¸¸اهر ملوته ‪ ،‬فضال عن أنه جيري جمرى أعض¸ ¸ ¸¸ائها ‪ ،‬وقيل – وهو‬
‫الصحيح ‪ : -‬إن اجلاين مسئول سواء انفصل اجلنني بعد وفاة األم أو يف حياهتا ‪ ،‬ألن اجلنني تلف جبناية اجلاين ‪.‬‬

‫المسألة التاسعة ‪ :‬حكم المصالحة في القصاص على أكثر من دية ‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫ذهب عامة الفقه ¸¸اء إىل ج¸ ¸¸واز الص ¸¸لح على القص ¸¸اص ‪ ،‬وأن القص¸ ¸¸اص يس¸ ¸¸قط بالص¸ ¸¸لح ‪ ،‬ويصح أن يك ¸¸ون الص ¸¸لح عن‬
‫القصاص بأكثر من الدية وبقدرها وبأقل منها ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما روى عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن أبيه عن ج¸¸ده أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال ‪ (( :‬من قتل عم¸¸دا دفع إىل أولي¸¸اء‬
‫املقتول ف¸إن ش¸اءوا قتل¸وا و إن ش¸اءوا أخ¸ذوا الدية ‪ :‬ثالثني حقه وثالثني جذعة وأربعني خلفة ‪ ،‬وما ص¸وحلوا عليه‬
‫فهو هلم )) رواه الرتمذي وهو صحيح‬
‫‪ -2‬ويف عهد معاوية قتل هدبة بن خش ¸¸رم ق ¸¸تيال فب ¸¸ذل س ¸¸عيد بن الع ¸¸اص واحلسن واحلسني البن املقت ¸¸ول س ¸¸بع دي ¸¸ات ‪،‬‬
‫ليعفوا عنه ‪ ،‬فأىب ذلك وقتله ‪.‬‬
‫‪ -3‬وألن الشارع يتشوف اىل حفظ األنفس وحقن الدماء ويف جواز املصاحله حتقيق هلذا القصد‬
‫‪ -4‬وألن األصل يف الصلح عموما هو اجلواز ما مل حيل حراما أو حيرم حاال لقوله عليه الصالة والسالم (( الص¸لح ج¸ائز‬
‫بني املسلمني اال صلحاً أحل حراما أو حرم حالل )) رواه أبو داوود ‪.‬‬
‫وليس يف هذه املصاحلة شي من ذلك ‪ ،‬فهو صلح عما ال جيري فيه الربا فأشبه العروض‪.‬‬
‫‪ -5‬وقد حكى ابن قدامه اإلمجاع على جواز الصلح عن الدماء ‪.‬‬

‫القول الثاني ‪:‬‬


‫ذهب بعض احلنابلة اىل حترمي الصلح يف القصاص على أكثر من الدية ‪.‬‬
‫وحجتهم ‪:‬‬
‫ما روى أبو شريح اخلزاعي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ (( :‬من أصيب بدم أو خبل ‪ ،‬فهو باخليار بني إحدى‬
‫ثالث ‪ :‬إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو ‪ .‬فإن أراد رابعة فخذوا على يديه )) رواه أمحد وأبو داوود وابن ماجه ‪.‬‬
‫ق¸¸الوا ‪ :‬واملص¸¸احله ب¸¸أكثر من الدية اختي¸¸ار رابع زائد عن اخلي¸¸ارات الثالثة املنص¸¸وص عليها يف احلديث والجواب عن هذا‬
‫االستدالل من وجهين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن احلديث ضعيف فإن يف اسناده حممد بن اسحاق وقد رواه معنعناً وهو معروف بالتدليس‬
‫الثاني ‪ :‬وعلى ف¸¸رض ثبوته ف¸¸إن املراد بقوله (( ف¸¸ان اراد رابعة )) ‪ :‬أن يقتل بعد أخذ الدية أو بعد العف¸¸وا فيك¸¸ون يف ه¸¸ذه‬
‫احلالة مسرفا قي القتل متعديا لقوله تعاىل ‪ (( :‬فمن اعتدى بعد ذلك – أي بعد اخذ الدية – فله عذاب اليم ))‬

‫‪92‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫كفارة القتل‬

‫الكفاره هي العقوبه الثانية يف القتل شبه العمد واخلطأ وقد سبق معنا أن القتل العمد ليس فيه كفارة‬

‫المطلب األول ‪ :‬مشروعية الكفارة ‪:‬‬


‫األصل يف كفارة القتل ‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعاىل (( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مس¸لمة اىل اهله اال أن يص¸دقوا ف¸إن ك¸ان من‬
‫ق¸¸وم ع¸¸دو لكم وهو م¸¸ؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان ك¸¸ان من ق¸¸وم بينكم وبينهم ميث¸¸اق فدية مس¸¸لمة اىل اهله وحترير رقبة‬
‫مؤمنة فمن مل جيد فصيام شهرين متتابعني توبة من اهلل وكان اهلل عليما حكيما ))‬

‫وأما من السنة فعن واثلة بن األس¸¸قع ق¸¸ال اتينا رس¸¸ول اهلل عليه وس¸¸لم بص¸¸احب لنا ق¸¸دا اس¸¸توجب القتل فق¸¸ال (( اعتق¸¸وا‬
‫عنه رقبة يعتق اهلل بكل عضو منه عضوا منه من النار )) اخرجه ابو داوود والنسائي‬
‫وأما اإلجماع ‪:‬‬
‫فقد امجعت األمة على أن على القاتل خطأ كفارة‬

‫المطلب الثاني ‪:‬على من تجب الكفارة ؟‬


‫قاعدة ‪ :‬من قتل نفسا محرمة ‪ ،‬أو شارك في قتلها خطأ أو شبه عمد ‪ ،‬مباشرة أو تسببا ‪ ،‬فعليه الكفارة ‪:‬‬
‫شرح القاعدة ‪:‬‬
‫( من قتل ) ‪ :‬دخل يف هذا القيد كل قاتل أيا كان ‪ ،‬سواء كان صغرياً أو كبرياً ‪ ،‬جمنوناً أو عاقالً ‪ ،‬كافراً أو مسلماً ‪.‬‬
‫واذا قتل االنسان نفسه فالصحيح أنه ال كفارة يف ماله ‪ ،‬فإن عامر بن االكوع قتل نفسه خطأ ‪ ،‬ومل يأمر النيب ص¸لى اهلل‬
‫عليه وسلم فيه بكفارة ‪.‬‬

‫( نفسا محرمة ) ‪ :‬دخل يف هذا القيد ‪ :‬املسلم ‪ ،‬واملعاهد ‪ ،‬والذمي ‪ ،‬واملستأمن ‪ ،‬واجلنني ‪ ،‬واجملنون ‪ ،‬والصغري ‪.‬‬
‫وخرج بهذا القيد ‪:‬‬
‫(‪ )1‬ما اذا كانت نفس املقتول غري حمرمة ‪ ،‬كالباغي ‪ ،‬واملرتد ‪ ،‬والقتل قصاصاً أو دفاعا عن النفس ‪ ،‬فال كفارة‬
‫(‪ )2‬ما اذا كانت اجلناية فيما دون النفس فال كفارة‬
‫(أو شارك في قتلها ) ‪ :‬أي أن الكفارة تتعدد بتعدد اجلناة ‪ ،‬فيجب على كل واحد منهم كفارة‬

‫‪93‬‬
‫( خطأ أو شبه عمد ) ‪ :‬فخرج بذلك القتل العمد ‪ ،‬والقتل املباح ‪.‬‬
‫وإن رمى مسلما يف دار احلرب يظنه كافرا فعليه الكفارة ألنه قتل خطأ ولقوله تعاىل (( وإن كان من قوم‬
‫عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ))‬

‫(مباشر أو تسببا ) ‪ :‬املباشرة ‪ :‬أن يباشر اجلاين اجلناية ‪ ،‬والتسبب مثل أن حيفر بئرا فيقع فيه إنسان فيموت ‪.‬‬
‫وسواء كانت املباشرة أو التسبب يف قتل خطأ أو شبه عمد ‪.‬‬

‫( فعليه الكف ارة ) ‪ :‬أي يف م ¸ ¸¸ال اجلاين خاصة وال حتمله العاقلة ‪ ،‬ألن العاقلة تتحمل الدية ‪ ،‬أما الكف ¸ ¸¸ارة فهي يف م¸ ¸¸ال‬
‫اجلاين ألمرين ‪:‬‬
‫‪ -1‬أهنا يسرية يتحملها اجلاين يف ماله وحده‬
‫وألننا لو أجبنا الكف¸¸ارة على العاقلة أيضا ألدى ذلك اىل أال يتحمل اجلاين – يف القتل ش¸¸به العمد واخلط¸¸أ‪-‬‬ ‫‪-2‬‬
‫شيئاً ال كفارة وال دية ‪ ،‬وهلذا مل تشرع الكفارة يف القتل العمد ألن اجلاين يتحمل الدية يف ماله خاصة ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬نصت اآلية على وجوب الكفارة في القتل الخطأ ‪ ،‬فلماذا الحقنا شبه العمد به ؟‬
‫ج – قال ابن قدامه ‪ (( :‬النه أج¸¸رى جمرى اخلطأ يف نفي القص¸¸اص ‪ ،‬ومحل العاقلة ديته ‪ ،‬وتأجيلها يف ثالث س¸¸نوات ‪،‬‬
‫فج¸¸رى جمراه يف وج¸¸وب الكف¸¸ارة ‪ ،‬وألن القاتل امنا مل حيمل ش¸¸يئا من الدية لتحمله الكف¸¸ارة ‪ ،‬فلو مل جتب عليه الكف¸¸ارة‬
‫حلمل من الدية لئال خيلو القاتل عن وجوب شيء أصال ومل يرد الشرع هبذا )) ا ‪ .‬هـ‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬صفة الكفارة ‪:‬‬
‫الواجب يف الكفارة ‪:‬‬
‫عتق رقبة مؤمنة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬ف ¸¸إن مل جيد ( لع ¸¸دم وج ¸¸ود رقيق أو لع ¸¸دم قدرته ) فص ¸¸يام ش ¸¸هرين متت ¸¸ابعني ‪ ،‬ال يقطعهما اال بع ¸¸ذر ش ¸¸رعي أو‬
‫حسي ‪.‬‬
‫فالعذر الشرعي ‪ :‬موافقة أحد العيدين ‪ ،‬أو أيام التشريق ‪ ،‬واحليض والنفاس بالنسبة للمرأة ‪.‬‬
‫والعذر احلسي ‪ :‬مثل املرض والسفر لغري الرتخص ‪.‬‬
‫فمىت قطع الصيام لغري عذر شرعي فعليه استئنافه من جديد‬
‫فإن مل يستطع الصيام فال شيء عليه ‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المبحث الخامس‬

‫ديات األعضاء ومنافعها‬

‫‪94‬‬
‫املطلب األول ‪ :‬ديات األعضاء‬

‫أوالً ‪ -:‬من أتلف ما في اإلنسان منه شيء واحد ‪،‬ففيه دية تلك النفس على التفصيل السابق ‪:‬‬

‫إن كان عمداً فدية مغلظة وإن كان خطأ خمففه وتتحملها العاقلة يف ثالث سنوات ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬اللسان ‪ ،‬ولو من صغري ‪ ،‬واألنف ولو من أخشم ‪ ،‬والذكر ولو من عنني ‪.‬‬
‫ودليل ذلك ‪:‬‬
‫‪¸ _1‬ح ¸ ¸¸ديث ع ¸م ¸ ¸¸رو بن ¸ح ¸ ¸¸زم ‪ ،‬وفية ‪ ":‬ويف ا ¸ل ¸ ¸¸ذكر الدية ‪ ،‬ويف األنف إذا أوعب ¸ج ¸ ¸¸دعاً الدية ‪ ،‬ويف‬
‫اللسان الدية " رواة أمحد والنسائي‬
‫‪ _2‬وقد أمجعت األمة على ذلك‬
‫مالحظة ‪ :‬يف لس¸¸ان األخ¸¸رس حكومة إذا مل ي¸¸ذهب ال¸¸ذوق بقطعة ‪ .‬أوقد ذهب قبل ف¸¸إن ذهب بقطعه‬
‫فديه ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ -:‬ما في اإلنسان منه شيئان ففيهما الدية ‪-:‬‬


‫مثل ‪:‬‬
‫‪ -‬العينني ‪ :‬ولو مع حول أو عمش ‪ ،‬بشرط أن يكون اإلنسان يبصر هبما ‪.‬‬
‫‪ -‬األذنني ‪ :‬ولو من أصم ‪ ،‬ألن الصمم عيب يف الدماغ ‪.‬‬
‫‪ -‬والشفتني ‪.‬‬
‫‪ -‬واللح¸ ¸¸يني ‪ :‬ومها العظم¸ ¸¸ان الل¸ ¸¸ذان فيهما األس¸ ¸¸نان ‪ ،‬ف¸ ¸¸إن قلعهما مبا عليهما من األس¸ ¸¸نان ف¸ ¸¸ديتهما ودية‬
‫األسنان ‪.‬‬
‫‪ -‬وثديي املرأة ‪.‬‬
‫‪ -‬وثُندؤيت الرجل ‪ :‬ومها للرجل مبنزلة الثديني للمرأة ‪.‬‬
‫‪ -‬واليدين ‪ :‬سواء قطعهما من الكوع أو املنكب أو املرفق ‪.‬‬
‫‪ -‬والرجلني ‪ :‬سواء من مفصل الكعب أو الركبة ‪.‬‬
‫‪ -‬واإلليتني ‪:‬‬
‫‪ -‬واألنيثني ( اخلصيتني ) ‪ ،‬سواء رضهما أو سلهما أو قطعهما‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ -1‬ح¸ ¸¸ديث عم¸ ¸¸رو بن ح¸ ¸¸زم الس¸ ¸¸ابق وفيه ‪ ":‬ويف الش¸ ¸¸فتني الدية ‪ ،‬ويف البيض¸ ¸¸تني (اخلص¸ ¸¸يتني) الدية ‪ ،‬ويف‬
‫ص¸ ْلب‪( -‬وهو العم¸¸ود الفق¸ري‪ ¸،‬ف¸إن ذهب املين مع الكسر ف¸ديتان) ‪ -‬الدية ‪ ،‬ويف العي¸نني الدية ‪ ،‬ويف‬ ‫ال ُ‬
‫الرجل الواحدة نصف الدية " ‪.‬‬
‫‪ -2‬وقد امجعت األمة على ذلك‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬ما في اإلنسان منه ثالثة أشياء ففيه الدية كاملة ‪:‬‬
‫وهو شيء واحد ‪ :‬املنخران ‪ ،‬واحلاجز بينهما ‪ ،‬ففي كل منخر ثلث الدية ‪ ،‬ويف احلاجز ثلثها ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬ما في اإلنسان منه أربعة أشياء ففيه الدية كاملة ‪:‬‬
‫مثل األجفان األربعة ‪ ،‬ويف كل جفن ربع الدية ‪ ،‬ال فرق يف ذلك بني البصري واألعمى‪.‬‬

‫خامساً ‪ :‬في أصابع اليدين الدية كاملة ‪ ،‬وفي أصابع الرجلين الدية كاملة‪:‬‬
‫ويف كل إصبع عشر الدية‪.‬‬
‫ملا روى ابن عب¸¸اس رضي اهلل عنهما عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال‪ ":‬دية أص¸¸ابع الي¸¸دين وال¸¸رجلني عشر‬
‫من اإلبل لكل إص¸ ¸ ¸¸بع " رواه الرتم¸ ¸ ¸¸ذي وص¸ ¸ ¸¸ححه ‪ ،‬ولفظه عن البخ¸ ¸ ¸¸اري " ه¸ ¸ ¸¸ذه وه¸ ¸ ¸¸ذه س¸ ¸ ¸¸واء " يعين اخلنصر‬
‫والبنصر و اإلهبام ‪.‬‬
‫ويف كل أمنلة من أص¸ ¸¸ابع الي¸ ¸¸دين وال¸ ¸¸رجلني ثلث عشر الدية ‪ ،‬ألن يف كل إص¸ ¸¸بع ثالثة مفاصل ‪ ،‬إال اإلهبام ففيه‬
‫مفصالن ويف كل مفصل نصف عشر الدية‪.‬‬

‫سادساً ‪ :‬دية األسنان‪:‬‬


‫يف كل سن أو ناب أو ضرس ‪ ،‬ولو من صغري ومل َيعُد ‪ ،‬مخس من اإلبل ‪،‬‬
‫حلديث عمر بن حزم وفيه ‪ ":‬ويف السن مخس من اإلبل" رواه النسائي‪.‬‬
‫وعن عمرو بن شعيب مرفوعاً‪":‬يف األسنان مخس مخس"¸ رواه أبو داود‪.‬‬
‫وعن ابن عباس مرفوعاً ‪ ":‬األسنان سواء الثنية والضرس سواء"رواه أبو داود وابن ماجه ‪.‬‬
‫ق ال العلم اء ‪ :‬وينبغي إذا قلع ¸س ¸¸نه أن ينظر عودها ¸ف ¸¸إن مضت ¸م ¸¸دة يئس من عودها وجبت ديتها ‪ ،‬وإن بنت‬
‫مكاهنا أخ¸ ¸¸رى فال دية ‪ ،‬لكن إن ع¸ ¸¸ادت قص¸ ¸¸رية أو مش¸ ¸¸وهة ففيها حكومة ‪ ،‬وك¸ ¸¸ذا إن ك¸ ¸¸ان فيها ثلمة أو نبتت‬
‫أطول‪.‬‬
‫وعلى هذا فلو كسر أسنانه كلها ففيها مائة وستون بعرياً ‪ ،‬ألن يف اإلنسان اثنني وثالثني سناً ‪،‬‬
‫وقال بعض أهل العلم ‪ :‬ال تتجاوز دية األسنان دية النفس ‪ ،‬ولكن الصحيح أهنا تتجاوزها لعموم احلديث‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫املطلب الثاين‬

‫ديات املنافع‬

‫أوالً ‪ :‬يجب في كل واحد من النافع دية كاملة ‪:‬‬


‫فتجب الدية كاملة يف ذهاب كل من ‪:‬‬
‫‪ .1‬حاسة السمع‪.‬‬
‫‪ .2‬حاسة البصر‬
‫‪ .3‬حاسة الشم‪.‬‬
‫‪ .4‬حاسة الذوق ‪.‬‬
‫‪ .5‬الكالم‪.‬‬
‫‪ .6‬العقل‪.‬‬
‫‪ .7‬منفعة املشي‪.‬‬
‫‪ .8‬منفعة األكل‪.‬‬
‫‪ .9‬منفعة النكاح‪.‬‬
‫‪ .10‬عدم استمساك البول والغائط‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث عمرو بن حزم ‪ ،‬فإن فيه "ويف السمع دية"‬
‫‪ -2‬ولقض¸¸اء عمر رضي اهلل عنه يف رجل ض¸¸رب رجالً ف¸¸ذهب مسعه وبص¸¸ره ونكاحه وعقله ‪ ،‬ب¸¸أربع دي¸¸ات‬
‫‪ ،‬والرجل حي ‪ .‬رواه البيهقي‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬وقد أمجعت األمة على أغلب هذه املنافع ‪.‬‬
‫د_ وألن يف كل واحدة من هذه منفعة كبرية ليس يف البدن مثلها‪.‬‬

‫ق ال أهل العلم ‪ :‬إذا ذهب بعض املنفعة ف¸ ¸¸إن علم مق¸ ¸¸دار م¸ ¸¸اذهب ‪ ،‬فتجب الدية بق¸ ¸¸دره‪ ،‬كما لو ذهب بعض‬
‫الكالم فيقسم على مثانية وعشرين حرفاً ‪ ،‬فإن كان قد ذهب منه ربع األحرف مثالً فله ربع الدية ‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫أما إن مل يعلم قدر الذاهب ففيه حكومة‪.‬‬
‫ثانياً يجب في كل واحد من الشعور األربعة الدية ‪:‬‬
‫وهي ‪:‬‬

‫‪97‬‬
‫شعر الرأس ‪.‬‬
‫شعر اللحية ‪.‬‬
‫شعر احلاجبني ‪.‬‬
‫شعر أهداب العني ‪.‬‬
‫واملقصود¸ أن يزيل هذا الشعور فال تنبت ثانية ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫ملا روى عن علي وزيد بن ثابت ‪ :‬يف الشعر الدية‪.‬‬
‫ب‪-‬وألنه أذهب اجلمال على الكمال ‪.‬‬
‫‪ ‬ويف احلاجب الواحد نصف الدية ‪ ،‬ويف اهلدب ربعها ‪ ،‬ويف الشارب حكومة وليس فيه دية‪.‬‬
‫‪ ‬ف¸¸إن ك¸¸ان ي¸¸رجى أن يع¸¸ود الش¸¸عر فيجب االنتظ¸¸ار حىت يع¸¸ود ‪ ،‬ف¸¸إن ع¸¸اد فنبت س¸¸قط موجبه ‪ ،‬ف¸¸إن ك¸¸ان‬
‫أخذ شيئاً رده ‪.‬‬
‫‪ ‬وإن ت ¸¸رك من حلية أو غريها م ¸¸اال مجال فيه ‪ ،‬فدية كاملة ‪ ،‬ألنه أذهب املقص ¸¸ود من ¸¸ه‪ ،‬أش¸¸به ما لو ذهب‬
‫ضوء العينني ‪.‬‬

‫مسألة ‪ :‬أحكام الجناية على عين األعور ‪:‬‬


‫‪ ‬جيب يف عني األعور الصحيحة الدية كاملة ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫ص ¸ ¸¸حابة ف ¸ك ¸ ¸¸ان‬
‫‪ -1‬أن ه¸ ¸ ¸¸ذا هو قض¸ ¸ ¸¸اء عمر و عثم¸ ¸ ¸¸ان و علي و ابن عمر ‪ ،‬ومل يع¸ ¸ ¸¸رف هلم خمالف من ال ¸‬
‫إمجاعاً‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن قلع عني األعور يتضمن إذهاب البصر كله ألنه حيصل بعني األعور ما حيصل بالعني ‪.‬‬
‫وإن قلع ص¸¸حيح عني أع¸¸ور أقيد بش¸¸رطه ‪ ،‬وعليه معه نصف الدية ‪ ،‬ألنه ملا ذهب بقلع عني األع¸¸ور مجيع بص¸¸ره‬
‫‪ ،‬ومل ميكن إذهاب بصر القالع بقلع عينه األخ¸رى ‪ ،‬ملا فيه من أخذ عي¸نني بعني واح¸دة ‪ ،‬فله أخذ عينه‬
‫الواحدة بنظريهتا ‪ ،‬وأخذ نصف الدية لنصف البصر الذي ال ميكن استفاؤه‪.‬‬
‫وإن قلع األعور عني الصحيح املماثلة لعينه الصحيحة عمداً ‪ ،‬فعليه دية كاملة وال قصاص‪:‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هذا مروي¸ عن عمر وعثمان وال يعرف هلما خمالف من الصحابة‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن القصاص يفضي إىل إستيفاء مجيع البصر من األعور ‪ ،‬وهو إمنا أذهب بصر عني واحدة‪.‬‬
‫فإن كان األعور قلعها خطأ ففيها نصف الدية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪98‬‬
‫مسألة ‪:‬أحكام الجناية على يد األقطع أو رجله ‪:‬‬
‫ض ¸ ¸¸اء ‪ ،‬فلو قطعت أذن من‬
‫جيب يف قطع يد األقطع أو رجله ‪ ،‬ولو ع ¸م ¸ ¸¸داً ‪ ،‬نصف الدية ك ¸غ ¸ ¸¸ريه ‪ ،‬وكبقية األع ¸‬
‫قطعت أذنه ‪ ،‬أو منخر من قطع منخ¸¸ره مل جيب فيه أك¸¸ثر من نصف الدية ‪ ،‬وألن أحد ذينك العض¸¸وين ال يق¸¸وم‬
‫مقام اآلخر خبالف عني األعور ‪ ،‬فإهنا قائمة يف اإلدراك مقام العينني ‪ ،‬فوجب فيها دية كاملة ‪.‬‬
‫ولو قطع األقطع يد صحيح أقيد إذا توفرت الشروط السابقة ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫المطلب الثالث‬

‫ديات الشجاج وكسر العظام‬


‫المسألة األولى ‪ :‬ديات الشجاج ‪:‬‬
‫الشجاج مجع شجة ‪ ،‬وهي اجلرح يف الرأس والوجه خاصة وهي عشرة أنواع‪ ،‬مرتبة على النحو التايل ‪:‬‬
‫‪ -1‬الحارصة‪ :‬وهي اليت حترص اجللد أي تشقه قليالً وال تدميه ‪.‬‬
‫‪ -2‬البازلة ‪ :‬وهي الدامية ‪ ،‬أي اليت ينزل فيها دم يسري‪.‬‬
‫‪ -3‬الباضعة ‪ :‬وهي اليت تبضع اللحم ‪ ،‬أي تشقه بعد اجللد ‪.‬‬
‫‪ -4‬المتالحمه‪ :‬وهي الغائصة يف اللحم‪.‬‬
‫‪ -5‬السمحاق ‪ :‬وهي اليت بينها وبني العظام قشرة رقيقة تسمى السمحاق ‪.‬‬
‫فهذه الخمس‪:‬‬
‫أ‪ -‬ال قصاص فيها عند اجلمهور‪.‬‬
‫وال مقدار فيها‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬بل فيها الحكومة‪.‬‬
‫‪-6‬الموض حة ‪ :‬وهي ما توضح اللحم ‪ ،‬ف ¸ه¸ ¸¸ذه ديتها مخس من اإلبل ‪ ،‬وجيري فيها القص¸ ¸¸اص إن ك¸ ¸¸انت‬
‫عمداً‪.‬‬
‫‪ -7‬الهاشمة ‪ :‬وهي اليت توضح العظم وهتشمه ‪ ،‬أي تكسره‪.‬‬
‫ص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ره خمالف من‬
‫و ¸ه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذه ديتها عشر من اإلبل ‪ ،‬ملا روي عن زيد بن ¸ث¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ابت ومل ي ¸ع¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رف له يف ع ¸‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫وإن ¸ك ¸ ¸ ¸¸انت يف جناية عمد فعند اجلم ¸ه ¸ ¸ ¸¸ور ‪ :‬له أن يقتص موض¸ ¸ ¸ ¸¸حة ويأخذ أرش الزائد وهو مخس من‬
‫اإلبل ‪.‬‬
‫‪ -8‬المنقلة‪ :‬وهي ما توضح العظم وهتشمه وتنقله من مكانه‪.‬‬
‫ففيها خمس عشرة من اإلبل لحديث عمرو بن حزم فإن فيه "وفي المنقلة خمس عشرة من اإلبل"‪.‬‬
‫ض¸ ¸¸حه ويأخذ الف¸ ¸¸رق بينهما وهو‬
‫وإن ك¸ ¸¸انت يف جناية عمد فعند اجلمه¸ ¸¸ور ‪ :‬له أن يقتص مو ¸‬
‫عشر من اإلبل‬
‫‪ -9‬المأمومة‪ :‬وهي اليت تصل إىل جلدة الدماغ (أم الدماغ)‬
‫وفيها ثلث الدية ‪ ،‬حلديث عمرو بن حزم ‪" :‬ويف املأمومة ثلث الدية"‪.‬‬
‫‪ -10‬الدامغة‪ :‬وهي اليت تصل إىل اجللدة‪ .‬وفيها ثلث الدية كاملأمومة‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫وغالب أهل العلم ال يذكرها ألن صاحبها ال يسلم غالباً‪.‬‬

‫المسألة الثانية ‪ :‬ديات بقية الجروح والكسور ‪:‬‬

‫‪ -1‬في الجائفة ‪:‬‬


‫ثلث الدية‪ ،‬ملا يف كتاب عمرو بن حزم ‪" :‬ويف اجلائفة ثلث الدية"‪ .‬ولإلمجاع‪.‬‬
‫واجلائفة ‪ :‬اليت تصل إىل ¸ب¸ ¸ ¸¸اطن اجلوف ‪ ،‬كبطن ‪ ،‬ولو خترق أم ¸ع¸ ¸ ¸¸اء ‪ ،‬وظهر ‪ ،‬وص¸ ¸ ¸¸در وحلق ‪،‬‬
‫ومثانة ‪.‬‬
‫وإن أدخل السهم من جانب وأخرجه من آخر فجائفتان‪.‬‬

‫‪ -2‬وفي الضلع ‪:‬‬


‫إذا جرب كما كان بعري ‪ ،‬فإذا اجنرب غري مستقيم فحكومة‪.‬‬

‫جـ‪ -‬وفي الترقوة‪:‬‬


‫إذا جربت كما كانت بعري ‪ ،‬ويف كل إنسان ترقوتان ‪ ،‬والرتقوة العظم املستدير حول العنق‪.‬‬
‫ودليل ذلك ما روي عن عمر رضي اهلل عنه ‪ :‬يف الضلع مجل ‪ ،‬ويف الرتقوة مجل‪.‬‬

‫د‪ -‬وفي كسر الذراع والساعد الجامع لعظمي الزند والعضد‪:‬‬


‫إذا جرب ذلك مستقيماً بعريان ‪ ،‬ويف الفخذ بعريان ‪ ،‬ويف الساق بع¸¸ريان ‪ ،‬ويف الزند الواحد (ويف كل‬
‫يد زندان) بعريان‪ ،‬ملا روي أن عمرو بن العاص كتب إىل عمر يف أحد الزن¸¸دين إذا كسر فكتب إليه‬
‫عمر ‪" :‬أن فيه بعريين ‪ ،‬وإذا كسر الزندان ففيهما أربع من اإلبل " ومثله ال يق¸ال من قبل ال¸رأي وال‬
‫يعرف له خمالف من الصحابة ‪ ،‬وأحلق بالزند يف ذلك باقي العظام املذكورة ألهنا مثله ‪.‬‬

‫المبحث السادس‬
‫العاقلة وما تحمله‬

‫‪101‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف العاقلة ‪:‬‬
‫العاقلة ‪ :‬لغة ‪ :‬العص¸¸بة‪ ،‬ومسي أق¸¸ارب القاتل عاقلة ‪ ،‬ألهنم يعقل¸¸ون عن¸¸ه‪ ،‬والعق¸¸ل‪ :‬الدي¸¸ة‪ ،‬مسيت ب¸¸ذلك ألن اإلبل‬
‫تعقل بفياء‪ /‬أولياء املقتول‪.‬‬
‫وفي الشرع ‪ :‬عاقلة اإلنسان‪ :‬هي عصبته كلهم من النسب والوالء قريبهم "ك¸األخوة" وبعي¸دهم ك¸ابن بن بن‬
‫عم جد اجلاين ‪ ،‬حاضرهم وغائبهم‬
‫فدخل بهذا التعريف ‪ :‬مجيع قرابة الرجل من جهة أبيه "أي قبيلته" ‪.‬‬
‫وخرج هبذا ‪:‬‬
‫‪ .1‬قرابته من جهة أمه ‪ ،‬كاجلد الم ‪ ،‬واألخ ألم‪.‬‬
‫‪ .2‬قرابته النسوة من جهة أمه‪ ،‬فهن لسن من العاقلة ‪ ،‬ألهنن لسن أهالً للنصرة واملواساة‬
‫وال يعترب أن يك¸¸ون العص¸¸بة وارثني يف احلال بل مىت ك¸¸انوا يرث¸¸ون ل¸¸وال احلجب عقل¸¸وا ‪ ،‬وال¸¸دليل على ذلك ما‬
‫روى عم¸ ¸¸رو بن ش¸ ¸¸عيب عن ابيه عن ج¸ ¸¸ده أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم قضى أن عقل املرأة بني عص¸ ¸¸بتها من‬
‫كانوا ال يرثون منها شيئاً إال ما فضل عن ورثتها ‪ ،‬وإن قتلت فعقلها بني ورثتها" ‪ .‬رواه أبو داود ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬الدليل على تحمل العاقلة ‪:‬‬
‫ح¸¸ديث أيب هري¸¸رة قضى رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يف ج¸¸نني ام¸¸رأة من بين حلي¸¸ان س¸¸قط ميتا بغ¸¸رة عبد أو‬
‫أمة مث إن املرأة اليت قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بأن مرياثها لبنيها وزوجها‬
‫وأن العقل على عصبتها " متفق عليه‬
‫ويف رواية " اقتتلت امرأت¸¸ان من ه¸¸ذيل ف¸¸رمت إح¸¸دامها األخ¸¸رى حبجر فقتلتها وما فاختص¸¸موا إىل النيب ص¸¸لى اهلل‬
‫عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرةعبد أو وليدة وقضى بدية املرأةعلى عاقلتها " متفق عليه‬
‫ص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸بة‬
‫والحكمة من مش روعية العاقلة ‪ :‬أن القتل اخلطأ ي ¸ك¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ثر فإجياب الدية على القاتل جيحف به وألن الع ¸‬
‫يشدون أزر قريبهم وينصررونه فاستوى قريبهم وبعيدهم يف العقل ‪.‬‬
‫وأما حديث " ال جيين عليك وال جتين عليه " أي إمث جنايتك ال يتخطاك إليه وبالعكس كقوله تعاىل‪ " :‬وال ت¸¸زر‬
‫وازرة وزر أخرى "‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬ما التتحمله العاقلة ‪:‬‬
‫ال حتمل العاقلة ستة أمور‪:‬‬
‫‪ .1‬عمدا‬
‫‪ .2‬وال عبدا‬
‫‪ .3‬وال إقرارا‬
‫‪ .4‬وال صلحا‬

‫‪102‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪ :‬ق¸¸ول ابن عب¸¸اس ‪ " :‬الحتمل العاقلة عم¸¸دا وال عب¸¸دا وال ص¸¸لحا وال اعرتاف¸¸ا" وال يع¸¸رف له‬
‫خمالف من الصحابة ‪،‬‬
‫وقال عمر العمد والعبد والصلح واعرتاف ال تعقله العاقلة رواه الدارقطين‬
‫وقال الزهري مضت السنة أن العاقلة ال حتمل شيئا من دية العمد إال أن يشاؤوا رواه مالك‬
‫‪ .5‬وال م¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ادون ثلث دية ذكر مس¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸لم ‪ ،‬ملا روي عن عمر رضي اهلل عنه أنه قضى يف الدية أن ال حتمل منها‬
‫العاقلة شيئا حىت تبلغ عقل املأمومة ‪ ،‬وألن األصل وجوب الض¸¸مان على اجلاين خولف يف ثلث الدية ف¸¸أكثر‬
‫إلجحافه باجلاين لكثرته فيبقى ماعداه على األصل‬
‫‪ .6‬وال قيمة متلف ‪ ،‬ألن األصل وجوب ضمان األموال على متلفها كقيمة العبد والدابة‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬كيفية تحمل العاقلة ‪:‬‬
‫حتمل العاقلة اخلطأ وشبه العمد ملا تقدم ‪ ،‬مؤجال يف ثالث سنني ‪ ،‬ملا يلي ‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ .1‬ملا روي عن عمر وعلي أهنما قض¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸يا بالدية على العاقلة يف ثالث س¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸نني وروي حنوه عن ابن ع ¸ب¸ ¸ ¸ ¸¸اس وال‬
‫خمالف هلم يف عصرهم من الصحابة‬
‫‪ .2‬وألهنا حتمل ما جيب مواساة فاقتضت احلكمة ختفيفه عليها‬
‫وابتداء حول القتل ‪ :‬من الزهوق ‪ ،‬والجرح ‪ :‬من الربء ألنه وقت استقرار الوجوب‬
‫وما يحمله كل واحد مق در ‪ :‬ف¸ ¸¸ريجع إىل اجته¸ ¸¸اد احلاكم يف توزيعه عليهم فيحمل على كل إنس¸ ¸¸ان مايس¸ ¸¸هل‬
‫عليه ألن ذلك مواساة للجاين وختفيف عنه وال يزال الضرر بالضرر‬
‫ويبدأ باألقرب فاألقرب فيقسم على اآلب¸¸اء واألبن¸¸اء مث األخ¸¸وة مث ب¸¸نيهم مث األعم¸¸ام مث ب¸¸نيهم مث أعم¸¸ام األب مث‬
‫س ¸¸عت أ ¸م ¸¸وال األق ¸¸ربني حلمل العقل مل يتج ¸¸اوزهم وإال انتقل إىل من يليهم ‪،‬‬ ‫ض ¸¸وا وإن ات ¸‬
‫ب ¸¸نيهم وه ¸ك ¸¸ذا حىت ينقر ¸‬
‫وال يعترب أن يكونوا وارثني ملن يعقلون عنه بل مىت كانوا يرثون لوال احلجب عقلوا ملا سبق ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬من يعفى من العصبة من تحمل الدية ‪:‬‬
‫ال عقل على ‪:‬‬
‫‪ -‬فق ير ‪ :‬وإن ك¸ ¸¸ان من العص¸ ¸¸بة ألنه ليس من أهل املواس¸ ¸¸اة ‪ ،‬وألهنا وجبت على العاقلة ختفيفا على اجلاين فال‬
‫تثقل على من ال جناية منه‬
‫‪ -‬وصبي ومجنون وامرأة ‪ :‬ألهنم ليسوا من أهل النصرة واملعاضدة‬
‫قال ابن المنذر ‪ :‬أمجعوا على أن املرأة والذي مل يبلغ ال يعقالن وأن الفقري ال يلزمه شيء انتهى‬
‫المطلب السادس ‪ :‬حكم من العاقلة له ‪:‬‬
‫من ال عاقلة له أو له عاقلة وعج¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸زت فال دية عليه وتك¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ون يف بيت املال كدية من م¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ات يف زمحة كجمعة‬
‫وطواف ‪ ،‬ألنه صلى اهلل عليه وسلم ودى األنصاري الذي قتل خبيرب من بيت املال وألن املس¸¸لمني يرث¸¸ون من ال‬
‫وارث له فيعقلون عنه‬

‫البـاب الثاني‬
‫الحـدود‬
‫الفصل األول ‪ :‬مدخل في التعريف بالحدود ‪ِ ،‬‬
‫وح َكمها ‪ ،‬ومراتبها ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الحدود ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريفها في اللغة ‪:‬‬

‫‪104‬‬
‫احلدود ‪ :‬مجع حد وهو لغة املنع ‪ ،‬ومنه مسي احلاجز بني الش¸ ¸¸يئني ح¸ ¸¸داً ألنه مينع من اختالط أح¸ ¸¸دمها ب¸ ¸¸اآلخر ‪،‬‬
‫وح ¸¸دود اهلل حمارمه ‪ ،‬لقوله تع ¸¸اىل "تلك ح ¸¸دود اهلل فال تقربوها " وهي ما ح ¸¸ده وق ¸¸دره فال جيوز أن يتع ¸¸دى ‪،‬‬
‫واحلدود العقوبات املقدرة مسيت بذلك من املنع ألهنا متنع من الوقوع يف مثل ذلك الذنب‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬تعريفها في الشرع ‪:‬‬
‫من أحسن ما قيل في تعريف الحد في االص طالح الفقهي أنه ‪ :‬عقوبة مق¸ ¸ ¸¸درة ش¸ ¸ ¸¸رعا يف معص ¸ ¸¸ية لتمنع من‬
‫الوقوع يف مثلها ‪ ،‬يُغلَّب فيها حق اهلل ويقيمها اإلمام أو نائبه ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫عقوبة ‪ :‬جنس يف التعريف ‪ ،‬يش¸ ¸ ¸ ¸¸مل العقوبة املق¸ ¸ ¸ ¸¸درة وغري املق¸ ¸ ¸ ¸¸درة ‪ ،‬فمن العقوب ات المق درة ‪ :‬حد الزنا‬
‫وش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رب اخلمر ‪ ،‬والقص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص ‪ ،‬وال¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ديات ‪ ،‬والكف¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ارات مثل كف¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ارة اليمني والظه ¸ ¸ ¸¸ار وغريها ‪،‬‬
‫أماالعقوبات غير المقدرة ‪ :‬فهي العقوبات التعزيرية ‪.‬‬
‫وخرج بقولنا ‪ :‬عقوبة ‪ :‬اجلزاءات الشرعية املقدرة اليت التعد عقوبة مثل كفارة اليمني ‪.‬‬
‫مقدرة ‪:‬قيد يف التعريف خيرج العقوبات غري املقدرة وهي التعزير ‪ ،‬فإهنا التسمى ح¸دوداً ب¸املعىن االص¸طالحي ‪،‬‬
‫وإن كانت تسمى حدوداً باملعىن الشرعي العام ‪.‬‬
‫شرعاً ‪:‬املقص¸¸ود أن أصل تق¸¸ديرها من قبل الش¸¸ارع إما بكت¸¸اب أو س¸¸نة أو إمجاع ‪ ،‬فخ¸¸رج ب¸¸ذلك العقوب¸¸ات اليت‬
‫يق¸ ¸¸درها اإلم¸ ¸¸ام من ب¸ ¸¸اب السياسة الش¸ ¸¸رعية ‪ ،‬وه¸ ¸¸ذا القيد ي¸ ¸¸بني أن العقوبة يف اإلس¸ ¸¸الم – ولو ك ¸¸انت‬
‫تعزيرية – البد أن يك ¸¸ون هلا أصل يف الش ¸¸رع ‪ ،‬وأن حتقق مقص ¸¸ود الش ¸¸ارع من حفظ ال ¸¸دين والنفس‬
‫والنسل والعقل واملال ‪.‬‬
‫في معص ية ‪ :‬قيد خ¸ ¸¸رج به اجلزاءات املق¸ ¸¸درة ش¸ ¸¸رعاً يف غري معص¸ ¸¸ية ‪ ،‬مثل كف¸ ¸¸ارة اليمني ‪ ،‬والفدية يف احلج ‪،‬‬
‫وكفارة القتل اخلطأ ‪ ،‬وحنوها ‪.‬‬
‫لتمنع من الوقوع في مثلها ‪ :‬قيد لبيان احلكمة من مش¸روعية احلدود يف الش¸ريعة ‪ ،‬فإهنا ل¸ردع اجملرم وغ¸ريه من‬
‫العود يف اجلرميه ‪.‬‬
‫يغلب فيها حق اهلل ‪ :‬أي جيتمع يف هذه العقوبات حق اهلل وحق اآلدمي لكن األغلب هو حق اهلل ‪ ،‬فال تس¸¸قط‬
‫ب¸¸العفو ‪ ،‬وخ¸¸رج هبذا القيد العقوب¸¸ات املق¸¸درة على اجلناي¸¸ات كالقص¸¸اص وال¸¸ديات ‪ ،‬إذ املغلب فيها هو‬
‫حق اآلدمي ‪.‬‬
‫وقد يشكل على هذا القيد حد الق¸ذف عند اجلمه¸ور حيث ي¸رون أنه اجتمع فيه احلق¸ان حق اهلل وحق‬
‫اآلدمي ‪ ،‬وحق اآلدمي أغلب ‪ ،‬ول ¸ ¸ ¸¸ذا ف ¸ ¸ ¸¸إن من ش ¸ ¸ ¸¸روطه عن ¸ ¸ ¸¸دهم مطالبة املق ¸ ¸ ¸¸ذوف ‪ ،‬فلو مل يط ¸ ¸¸الب‬
‫املقذوف فال حد على القاذف ‪ ،‬فيكون التعريف بناءً على رأي اجلمهور غري جامع ‪.‬‬
‫وهذا اإلشكال غري وارد عند األحناف الذين يرون أن حق اهلل أغلب يف القذف ‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وسيأيت حبث هذه املسألة يف باب القذف إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫ويقيمها اإلمام أو نائبه ‪ :‬قيد خرج به العقوبات املقدرة شرعاً على ٍ‬
‫معاص واليشرتط لتنفيذها إذن‬
‫اإلمام ‪ :‬كفارة الظهار ‪ ،‬وكفارة اجلماع يف هنار رمضان ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أنواع الحدود ‪:‬‬
‫احلدود سبعة أنواع ‪ ،‬وهي تشمل املقاصد الضرورية اخلمسة ‪ ،‬وهذه احلدود هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬حد الزنا ‪ :‬حلفظ النسل‬
‫‪ .2‬حد القذف ‪ :‬حلفظ العرض‬
‫‪ .3‬حد اخلمر ‪ :‬حلفظ العقل‬
‫‪ .4‬حد السرقة ‪ :‬حلفظ املال‬
‫‪ .5‬حد احلرابة ‪ :‬حلفظ النفس واملال والعرض‬
‫‪ .6‬حد البغي ‪ :‬حلفظ الدين والنفس‬
‫‪ .7‬حد الردة ‪ :‬حلفظ الدين‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الفروق بين الحدود وعقوبات الجنايات (القصاص ‪ /‬الدية ) ‪:‬‬
‫‪ -1‬األغلب يف احلدود هو حق اهلل ‪ ،‬بينما األغلب يف القصاص والديات هو حق اآلدمي‬
‫‪ -2‬ال تصح الشفاعة يف احلدود بعد بلوغها اإلمام ‪ ،‬بينما القصاص والدية جتوز فيهما الشفاعة مطلقاً ‪.‬‬
‫‪ -3‬احلدود ال تقبل العفو ألهنا حق هلل ‪ ،‬بينما يشرع العفو عن القصاص والدية‪.‬‬
‫‪ -4‬ال تصح املصاحلة عن احلدود ‪ ،‬بينما تصح املصاحلة عن القصاص والدية‪.‬‬
‫‪ -5‬احلدود ال تورث ألهنا حق هلل ‪ ،‬وحق القصاص والدية يورث ألنه حق آدمي ‪.‬‬
‫‪ -6‬يف احلدود إذا ت¸ ¸ ¸ ¸¸اب الفاعل قبل الق¸ ¸ ¸ ¸¸درة عليه فله أن يسرت على نفسه والينفذ عليه احلد ‪ ،‬وجيب عليه فقط‬
‫أن ي¸¸ؤدي ما معه من حق¸¸وق اآلدم¸¸يني ‪ ،‬اما يف اجلناي¸¸ات فال ت¸¸ربأ ذمته حىت يس¸¸لم نفسه للح¸¸اكم حىت يقتص منه‬
‫‪.‬‬
‫‪ -8‬يش¸ ¸¸رع للح¸ ¸¸اكم يف احلدود أن يع¸ ¸¸رض على املذنب الرج¸ ¸¸وع عن إق¸ ¸¸راره إذا س¸ ¸¸لم نفسه للح¸ ¸¸اكم اختي¸ ¸¸اراً‬
‫وظهرت منه بوادر التوبه ‪ ،‬وال يشرع مثل ذلك يف القصاص ‪.‬‬
‫الح َكم من مشروعية الحدود ‪:‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ِ :‬‬
‫شرعت احلدود ملصاحل عظيمة ‪ ،‬وأهداف سامية ‪ ،‬ولعل من أهم هذه احلكم ما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬التنكيل بالمجرم وردعه ‪:‬‬
‫فإذا شعر بأمل العقوبة وما يرتتب عليها من إهانة وفضيحة ‪ ،‬فإن ذلك يردعه عن الع¸¸ودة إىل مقارفة املعص¸¸ية م¸¸رة‬
‫أخ¸ ¸¸رى ‪ ،‬وحيمله على احملافظة واالس ¸ ¸¸تقامة على طاعة اهلل ‪ ،‬واالل ¸ ¸¸تزام بش¸ ¸¸رعه ‪ ،‬وقد نص اهلل تع¸ ¸¸اىل على ه¸ ¸¸ذه‬

‫‪106‬‬
‫احلكمة يف حد السرقة فقال سبحانه ‪ " :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أي¸ديهما ج¸زاءً مبا كس¸با نك¸¸االً من اهلل واهلل‬
‫عزيز حكيم "‬
‫ثانياً ‪ :‬ردع الناس وزجرهم عن الوقوع في المعاصي ‪:‬‬
‫فإن الناس إذا رأوا ما حل باجملرم من النكال واإلهانة والعذاب اعت¸ربوا حباله وأيقن¸وا أن ه¸¸ذا هو ج¸زاؤهم إن هم‬
‫فعل ¸¸وا مثل ما فعل ‪ ،‬فيك ¸¸ون ذلك رادع¸ ¸اً لكل من حتثه نفسه يف الوق ¸¸وع باملعص ¸¸ية ‪ ،‬وهلذا أمر اهلل تع ¸¸اىل ب ¸¸إعالن‬
‫احلد وإقامته أم ¸ ¸¸ام الن¸ ¸¸اس حىت يتحقق ال ¸ ¸¸ردع ‪ ،‬فق ¸ ¸¸ال س¸ ¸¸بحانه يف عقوبة ال ¸ ¸¸زىن ‪" :‬وليش ¸ ¸¸هد ع ¸ ¸¸ذاهبما طائفة من‬
‫املؤمنني "‬
‫ثالثاً ‪ :‬تكفير ذنب المجرم وتطهيره من دنس جريمته ‪:‬‬
‫فاحلدود كما أهنا تزجر املذنب ‪ ،‬فإهنا تكفر خطيئته ‪ ،‬ف¸ ¸ ¸¸تزكو نفسه ‪ ،‬ويلقى اهلل تع¸ ¸ ¸¸اىل نقي¸ ¸ ¸اً من ذنبه ‪ ،‬قد طهر من‬
‫خطيئته ‪ ،‬واهلل تعاىل أكرم من أن يثين عليه العقوبة يف اآلخرة ‪.‬‬
‫ي¸¸دل على ذلك ما ج¸¸اء يف الص¸¸حيحني من حديث عبادة بن الصامت أنه عليه الس¸¸الم ق¸¸ال ألص¸¸حابه { تب¸¸ايعوين‬
‫على أن ال تشركوا باهلل شيئا وال تزنوا وال تسرقوا وال تقتلوا النفس اليت حرم اهلل إال ب¸¸احلق ‪ ،‬فمن وىف منكم ف¸¸أجره‬
‫على اهلل ومن أص¸¸اب منكم ش¸¸يئا من ذلك فع¸¸وقب به فهو كفارته ‪ ،‬ومن أص¸¸اب ش¸¸يئا من ذلك فس¸¸رته اهلل عز وجل‬
‫عليه فأمره إىل اهلل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له } قال فبايعناه على ذلك ‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصين { أن امرأة من جهينة أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهي حبلى من الزنا ‪ ،‬فقالت ‪:‬‬
‫يا رسول اهلل أصبت حدا فأقمه علي ‪ ،‬فدعا نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليها ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحسن إليها ‪ ،‬ف¸إذا وض¸¸عت‬
‫ف¸¸أتين ففعل ف¸¸أمر هبا رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم فش¸¸دت عليها ثياهبا مث أمر هبا ف¸¸رمجت مث ص¸¸لى عليها ‪ ،‬فق¸¸ال له‬
‫عمر ‪ :‬نص¸¸لي عليها يا رس¸¸ول اهلل وقد زنت ؟ ق¸¸ال ‪ :‬لقد ت¸¸ابت توبة لو قس¸¸مت بني س¸¸بعني من أهل املدينة لوس¸¸عتهم‬
‫‪ ،‬وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها هلل ؟ } رواه مسلم‬
‫رابعاً ‪ :‬تحقيق األمن في المجتمع وحمايته ‪:‬‬
‫إذ لو مل تش¸¸رع العقوب¸¸ات لفسد نظ¸¸ام الع¸¸امل والعت¸¸دى الن¸¸اس بعض¸¸هم على بعض ‪ ،‬وألكل الق¸¸وي منهم الض¸¸عيف ‪،‬‬
‫فش¸¸رع اهلل تلك العقوب¸¸ات رمحة بالعب¸¸اد ليحفظ للن¸¸اس حق¸¸وقهم وليقيم الع¸¸دل بينهم ‪ ،‬ف¸¸إن اهلل ي¸¸زع بالس¸¸لطان ما ال‬
‫يزع بالقرآن ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬دفع الشرور واآلثام واألسقام عن األمة ‪:‬‬
‫ف¸¸إن املعاصي إذا فشت يف األمة انتشر فيها البالء والفس¸¸اد ‪ ،‬وارتفعت عنها النعم والرخ¸¸اء ‪ ،‬فما وقع بالء إال ب¸¸ذنب‬
‫وال رفع إال بتوبة ‪ ،‬وخري سبيل حلماية األمة من الفساد هو إقامة احلدود ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬ظهر الفساد يف الرب والبحر مبا كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "‬

‫‪107‬‬
‫وه¸ذا الفس¸اد املذكور يف اآلية هو فس¸اد حسي يش¸اهده الن¸اس ‪ ،‬وهلذا ج¸اء يف احلديث ال¸ذي رواه أبو داود حلد يق¸ام‬
‫يف األرض أحب إىل أهلها من أن ميط ¸ ¸¸روا أربعني ص ¸ ¸¸باحا " ق ال ابن كث ير رحمه اهلل ‪ " :‬والس ¸ ¸¸بب يف ه ¸ ¸¸ذا أن‬
‫احلدود إذا أقيمت انكف الن ¸¸اس أو أك ¸¸ثرهم أو كثري منهم عن تع ¸¸اطي احملرم ¸¸ات وإذا ت ¸¸ركت املعاصي ك ¸¸ان س ¸¸ببا يف‬
‫حصول الربكات من السماء واألرض "‬
‫وفي مستدرك الحاكم وسنن البيهقي والمعجم الكبير للطبراني ‪ :‬عن بن عب¸¸اس رضي اهلل عنهما ق¸¸ال ق¸¸ال رس¸¸ول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬مخس خبمس قالوا يا رسول اهلل وما مخس خبمس قال ‪:‬‬
‫ما نقض قوم العهد إال سلط عليهم عدوهم‬
‫وما حكموا بغري ما أنزل اهلل إال فشا فيهم الفقر‬
‫وال ظه ¸¸رت فيهم الفاحشة إال فشا فيهم املوت ( ويف رواية إال ظه ¸¸رت فيهم األوج ¸¸اع واألم ¸¸راض اليت مل تكن‬
‫مضت يف أسالفهم )‬
‫وال طففوا املكيال إال منعوا النبات وأخذوا بالسنني‬
‫وال منعوا الزكاة إال حبس عنهم القطر ولوال البهائم مل ميطروا " حديث صحيح‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬شروط إقامة الحدود ‪:‬‬
‫ال جيب احلد إال بثالثة شروط ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬العقل ‪:‬‬
‫ملا روت عائشة رضي اهلل عنها عن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وآله وس ¸¸لم ق ¸¸ال رفع القلم عن ثالثة عن الن ¸¸ائم حىت‬
‫يس ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸تيقظ وعن الصيب حىت حيتلم وعن اجملن ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ون حىت يعقل رواه أمحد ‪ ،‬ومثله من رواية علي له ‪ ،‬وأليب داود‬
‫والرتمذي وقال حديث حسن‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬االلتزام‬
‫أي أن يكون الفاعل ملتزماً أحكام املسلمني مسلما كان أو ذميا خبالف احلريب واملستأمن‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬العلم بالتحريم ‪:‬‬
‫لقول عمر وعثمان وعلي ‪ " :‬الحد إال على من علمه "‬
‫واملقص¸¸ود¸ ب¸¸العلم هنا هو العلم ب¸¸التحرمي ‪ ،‬وال يل¸¸زم العلم بالعقوبة ‪ ،‬فمن علم حترمي ش¸¸يء وجهل ما ي¸¸رتتب عليه‬
‫مل يدرأ عنه العقوبة جهله هبا ‪ ،‬كمن علم حترمي ال¸¸زىن واخلمر وجهل وج¸¸وب احلد حيد باالتف¸¸اق وك¸¸ذا لو علم‬
‫حترمي القتل وجهل وج¸ ¸ ¸¸وب القص¸ ¸ ¸¸اص جيب القص¸ ¸ ¸¸اص ‪ ،‬أو علم حترمي الكالم يف الص¸ ¸ ¸¸الة ‪ ،‬وجهل كونه مبطال‬
‫يبطل ‪ ،‬أو علم حترمي الطيب على احملرم وجهل وجوب الفدية جتب‬
‫المبحث السادس ‪ :‬ضوابط في تنفيذ الحد ‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫أوالً ‪:‬من الذي يقيمه ‪:‬‬
‫ال¸ ¸¸ذي يقيمه هو اإلم¸ ¸¸ام أو نائبه مطلقا س¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان احلد هلل كحد الزنا أو آلدمي كحد الق¸ ¸¸ذف ألنه يفتقر إىل‬
‫اجتهاد وال يؤمن من استيفائه احليف فوجب تفويضه إىل نائب اهلل تعاىل يف خلقه‬
‫ثانياً ‪ :‬حكم إقامته في المسجد ‪:‬‬
‫حيرم أن يقيمه يف مس ¸ ¸ ¸¸جد حلديث حكيم بن ح ¸ ¸ ¸¸زام أن رس ¸ ¸ ¸¸ول اهلل ص ¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸ ¸ ¸¸لم " هنى أن يق ¸ ¸¸اد يف‬
‫املسجد وأن تنشد فيه األش¸عار وأن تق¸ام فيه احلدود " وألنه الي¸ؤمن من تل¸ويث املس¸جد ومن ح¸دوث اللغط فيه‬
‫‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬حكم الشفاعة فيه ‪:‬‬
‫حترم الشفاعة وقبوهلا يف حد اهلل تعاىل بعد أن يبلغ اإلمام ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن ابن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وآله وس¸لم ق¸¸ال ‪ " :‬من ح¸¸الت ش¸¸فاعته دون حد من ح¸دود اهلل فهو‬
‫مضاد اهلل يف أمره " رواه أمحد وأبو داود‬
‫‪ -2‬وعن عائشة رضي اهلل عنها أن رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال خماطبا ألس ¸¸امة ملا أراد أن يش ¸¸فع يف‬
‫املرأة املخزومية ‪ " :‬أتشفع يف حد من حدود اهلل " مث ق¸¸ام فخطب فق¸¸ال أيها الن¸¸اس إمنا أهلك ال¸¸ذين قبلكم أهنم‬
‫متفق عليه واللفظ ملسلم‬ ‫كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‬
‫‪ -3‬وعن ع روة بن الزب ير ق¸¸ال لقي الزبري س¸¸ارقا فش¸¸فع فيه فقيل له حىت يبلغ االم¸¸ام فق¸¸ال إذا بلغ االم¸¸ام فلعن‬
‫اهلل الشافع واملشفع رواه مالك يف املوطأ‬
‫‪ ‬ولكن ينبغي أن يقيد املنع من الش¸¸فاعة مبا إذا ك¸¸ان بعد الرفع إىل اإلم¸¸ام ‪ ،‬أما قبل بل¸¸وغ احلد لإلم¸¸ام فله أن‬
‫يشفع إذا رأى يف ذلك مصلحة للجاين بدرء احلد عنه لكونه من ذوي املروءات الذين حيسن السرت عليهم‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ح ديث ص فوان بن أمية عند أمحد واألربعة وص¸ ¸¸ححه احلاكم وابن اجلارود أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم ق¸¸ال له ملا أراد أن يقطع ال¸¸ذي س¸¸رق رداءه فش¸¸فع فيه ‪ " :‬هال ك¸¸ان قبل أن ت¸¸أتيين به ‪ -2‬وعن عمرو بن‬
‫ش عيب عن أبيه عن ج ده مرفوع اً ‪ :‬تع ¸¸افوا احلدود فيما بينكم فما بلغين من حد فقد وجب أخرجه أبو داود‬
‫والنسائي واحلاكم وصححه‬
‫المبحث السابع ‪ :‬كيفية الجلد ‪:‬‬
‫قال أهل العلم ‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ ‬يض¸¸رب الرجل يف احلد قائما ألنه وس¸¸يلة إىل إعط¸¸اء كل عضو حظه من الض¸¸رب وجتلد املرأة جالسة لق¸¸ول‬
‫علي رضي اهلل عنه جتلد املرأة جالسة والرجل قائما ‪ ،‬وتشد عليها ثياهبا ‪ ،‬ومتسك ي¸ ¸¸داها لئال تنكشف ألن‬
‫املرأة عورة وفعل ذلك هبا أسرت هلا‬
‫‪ ‬ويك¸ ¸ ¸¸ون اجللد بس¸ ¸ ¸¸وط وسط الجديد وال َخلَ ¸ ¸ ¸ق بفتح اخلاء والالم ألن اجلديد جيرحه واخللق ال يؤمله ‪ ،‬وإن‬
‫رأى اإلم ¸ ¸¸ام أو نائبه الض ¸ ¸¸رب يف حد اخلمر باجلريد والنع ¸ ¸¸ال فله ذلك ألنه عليه الس ¸ ¸¸الم أيت بش¸ ¸¸ارب فق¸ ¸¸ال‬
‫اضربوه باأليدي والنعال وأطراف الثياب ‪.‬‬
‫‪ ‬فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط لك¸¸ربه أو ملرضه¸ مرض¸اً ال ي¸¸رجى زواله مل يتعني على األصح فيقيمه‬
‫ب¸¸أطراف الثي¸¸اب والعثك¸¸ول ملا روى أبو أمامة بن س¸¸هل عن س¸¸عد بن عب¸¸ادة أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم‬
‫أم¸¸رهم أن يأخ¸¸ذوا مشراخا فيض¸¸ربوه هبا رواه أمحد وابن ماجة وأبو داود والنس¸¸ائي بإس¸¸ناد حسن ‪ ،‬وألنه ال‬
‫جيوز تركه بالكلية ألنه خيالف الكت ¸ ¸¸اب والس ¸ ¸¸نة وال جل ¸ ¸¸ده تاما ألنه يفضي إىل إتالفه فتعني ‪ ،‬أما إن ك ¸ ¸¸ان‬
‫مرضه يرجى زواله فيؤخر احلد كما سيأيت ‪.‬‬
‫‪ ‬وال ميد وال يربط وال جيرد املجل¸ ¸ ¸ود من ثيابه عند جل ¸ ¸¸ده لق ¸ ¸¸ول ابن مس ¸ ¸¸عود ليس يف ديننا مد وال قيد وال‬
‫جتريد بل يكون عليه قميص أو قميصان وإن كان عليه فرو أو جبة حمشوة نزعت‬
‫‪ ‬وال يبالغ بضربه اجللد ألن املقصود تأديبه ال إهالكه‬
‫‪ ‬وال يرفع ضارب يده حبيث يبدو إبطه‬
‫‪ ‬و سن أن يف¸ ¸ ¸ ¸¸رق الض¸ ¸ ¸ ¸¸رب على بدنه ليأخذ كل عضو منه حظه ‪ ،‬وألن ت¸ ¸ ¸ ¸¸وايل الض¸ ¸ ¸ ¸¸رب على عضو واحد‬
‫يؤدي إىل القتل ويكثر منه يف مواضع اللحم كاألليتني والفخذين ويضرب من جالس ظهره وما قاربه‬
‫‪ ‬ويتقي وجوبا ال¸¸رأس والوجه والف¸¸رج واملقاتل ك¸¸الفؤاد واخلص¸¸يتني ألنه رمبا أدى ض¸¸ربه على ش¸¸يء من ه¸¸ذه‬
‫إىل قتله أو ذهاب منفعته‬
‫‪ ‬وتعترب إلقامة احلد نية ال مواالة‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬حكم تأخير الحد لسبب ‪:‬‬
‫في م ذهب اإلم ام احمد ‪ :‬ال ي¸¸ؤخر حد حلر أو ب¸¸رد وحنوه وال ملرض ولو رجي زواله ألن عمر أق¸¸ام احلد على‬
‫قدامة بن مظعون يف مرضه ومل يؤخره ‪ ،‬وألن احلد واجب على الفور وال يؤخر ما أوجبه اهلل بغري حجة‬
‫وق ال القاضي وغ يره من فقه اء الحنابلة ‪ :‬له ت¸ ¸ ¸¸أخريه حلديث علي يف اليت هي حديثة عهد بنف ¸ ¸¸اس وألن يف‬
‫ت ¸¸أخريه إقامة احلد على الكم¸ ¸¸ال بال إتالف فك¸ ¸¸ان أوىل ‪ ،‬وم¸ ¸¸رض قدامة حيتمل أنه ك¸ ¸¸ان خفيفا ال مينع من إقامة‬
‫احلد على الكم ¸¸ال مث إن فعل النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم مق ¸¸دم على فعل عمر مع أنه اختي ¸¸ار علي وفعله وك ¸¸ذا‬
‫احلكم يف تأخريه حلر أو برد مفرط ‪.‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬أشد الجلد ‪:‬‬
‫أشد اجللد يف احلدود ‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -1‬جلد الزنا ألن اهلل تع ¸ ¸¸اىل خص الزنا مبزيد تأكيد بقوله وال تأخ ¸ ¸¸ذكم هبما رأفة يف دين اهلل وما دونه أخف‬
‫منه يف العدد فال جيوز أن يزيد عليه يف الصفة‬
‫‪ -2‬مث جلد القذف ‪ ،‬ألنه أكثر احلدود عدداً يف اجللدات بعد الزن ‪ ،‬وما زاد يف عدده زاد يف صفته ‪.‬‬
‫‪ -3‬مث جلد الشرب ‪ ،‬لأن ما خف يف عدده كان أخف يف صفته وحد القذف حق آدمي ‪.‬‬
‫‪ -4‬مث جلد التعزير ‪ ،‬ألن حد الشرب حمض حق اهلل والتعزير ال يبلغ به احلد ‪.‬‬
‫المبحث العاشر ‪ :‬حكم من مات في الحد ‪:‬‬
‫من م ¸¸ات يف حد فه ¸¸در والش ¸¸يء على من ح ¸¸ده ألنه أتى به على الوجه املش ¸¸روع ب ¸¸أمر اهلل تع ¸¸اىل وأمر رس ¸¸وله‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬والقاعدة عند أهل العلم ‪ :‬أن ما ترتب على املأذون فهو غري مضمون‬
‫ومن زاد ولو جلدة أو يف السوط بسوط ال حيتمله فتلف احملدود ضمنه بديته‬
‫المبحث الحادي عشر ‪:‬من يجب حضوره ‪:‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬جيب يف إقامة حد الزنا حضور إمام أو نائبه ‪ ،‬وسن حضور من شهد وبداءهتم برجم‬
‫وجيب إعالن احلد وأن حيضره طائفة من املؤمنني ‪ ،‬والحكمة في ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬النكاية باجملرم والتنكيل به ‪ ،‬فإن فضيحته امام املأل قد يكون أبلغ يف نفسه من العقوبة البدنية ‪.‬‬
‫‪ -2‬حصول الردع والزجر ملن تسول له نفسه مثل فعله ‪.‬‬
‫المسألة الثانية عشرة ‪ :‬اجتماع الحدود ‪:‬‬
‫اجتماع الحدود له حاالت ‪:‬‬
‫الحال األولى ‪ :‬إن اجتمعت حدود هلل تعاىل من جنس واحد بأن زىن أو سرق أو شرب اخلمر م¸¸رارا ت¸¸داخلت‬
‫فال حيد س¸¸وى م¸¸رة حك¸¸اه ابن املن¸¸ذر إمجاع من حيفظ عنه من أهل العلم ألن الغ¸¸رض الزجر عن إتي¸¸ان مثل ذلك‬
‫يف املستقبل وهو حاصل حبد واحد ‪ ،‬وكالكفارات من جنس واحد ‪.‬‬
‫الح ال الثانية ‪ :‬وإن ك¸¸انت من أجن¸¸اس متع¸¸ددة وليس فيها قتل فال تت¸¸داخل بل تس¸¸توىف مجيع ¸اً بغري خالف بني‬
‫أهل العلم ‪ ،‬كبكر زىن وسرق وشرب اخلمر ‪ ،‬ويبدأ باألخف فاألخف فيحد أوال لشرب مث لزىن مث لقطع ‪.‬‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬وإن تعددت وكان فيها قتل بأن كان الزاين يف املثال السابق حمص¸نا اس¸توىف القتل وح¸ده وس¸قط‬
‫سائرها لقول ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪ :‬إذا اجتمع حدان أحدمها القتل أحاط بذلك رواه س¸¸عيد وال يع¸¸رف له‬
‫خمالف من الصحابة ‪ ،‬وألن الغرض الزجر ومع القتل ال حاجة له ‪.‬‬
‫الحال الرابعة ‪ :‬وإن كان فيها حقوق اآلدميني مثل حد الق¸¸ذف ‪ ،‬والقطع قصاص¸اً ‪ ،‬فتس¸توىف كلها س¸¸واء ك¸¸ان‬
‫فيها قتل أو مل يكن ألهنا حق ¸¸وق آدم ¸¸يني أمكن اس ¸¸تيفاؤها ف ¸¸وجب كس ¸¸ائر حق ¸¸وقهم وال يق ¸¸ال يكتفى بالقتل يف‬
‫حق ¸¸وق اهلل تع ¸¸اىل ألهنا مبنية على الس ¸¸هولة خبالف حق اآلدمي فإنه مبين على الشح والض ¸¸يق ‪ ،‬ويب ¸¸دأ بغري القتل‬
‫ألن الب¸داءة به يف¸¸وت اس¸تيفاء ب¸اقي احلق¸وق ‪ ،‬فلو ق¸ذف شخص¸اً وزىن وهو حمصن فيجلد أوالً مث ي¸¸رجم ‪ ،‬ومثله‬

‫‪111‬‬
‫لو كسر سن ش¸ ¸ ¸¸خص وزىن فيقتص منه أوالً مث ي¸ ¸ ¸¸رجم ‪ ،‬وإن اجتمعت مع ح¸ ¸ ¸¸دود اهلل تع¸ ¸ ¸¸اىل مثل أن يفقأ عينه‬
‫ويسرق ماله بديء هبا أي إذا اجتمعت حقوق اهلل وحقوق اآلدميني ‪.‬‬

‫الفصـل الثـاني‬
‫حـد الـزنا‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الزنا ‪:‬‬
‫الزنا في اللغة ‪ :‬مصدر من الفعل الثالثي زنا يزين ‪.‬‬
‫والزنا فيه ثالث لغات ‪:‬‬
‫‪ -1‬اسم مقصور¸ ‪ :‬الزىن‬
‫‪ -2‬اسم ممدود ‪ :‬الزنا‬
‫‪ -3‬اسم ممدود مهموز ‪ :‬الزناء ‪ ،‬وهذه لغة أهل متيم خاصة ‪.‬‬
‫ومعنى الزنا في اللغة ‪ :‬الوطء يف غري نكاح وال ملك ميني ‪ ،‬كما يطلق يف اللغة على مقدمات الوطء ‪،‬‬
‫كالتقبيل واللمس والنظر ‪ ،‬وحنو ذلك ‪ ،‬ومن ذلك ما جاء يف الصحيحني عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم أن قال ‪ " :‬كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك ال حمالة ‪ ،‬فالعني تزين‬
‫وزناها النظر ‪ ،‬واألذن تزين وزناها االستماع ‪ ،‬واللسان يزين وزناه الكالم ‪ ،‬واليد تزين وزناها البطش ‪،‬‬
‫والرجل تزين وزناها اخلطى ‪ ،‬والقلب يهوى ويتمىن ‪ ،‬والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " ‪.‬‬
‫ومسى ذلك زنا ألن هذه وسائل وذرائع إليه ‪.‬‬
‫والزنا في االصطالح الشرعي هو ‪ :‬الوطء يف القبل من غري نكاح صحيح والملك وال شبهة ‪.‬‬
‫شرح التعريف ‪:‬‬
‫الوطء ‪ :‬جنس يف التعريف ‪ ،‬خرج به ما دون الوطء من التقبيل واملباشرة وحنوه ‪ ،‬فهذا ال يوجب احلد وإمنا‬
‫فيه التعزير ‪.‬‬
‫في القبل ‪ :‬قيد خرج به اللواط فإن عقوبته غري عقوبة الزنا ‪ ،‬فحده القتل مطلقاً كما سيأيت ‪.‬‬
‫من غير نكاح صحيح ‪ :‬خرج به الوطء يف النكاح فإنه مشروع والحرج فيه ‪ ،‬أما الوطء يف النكاح الباطل‬
‫فهو زنا ‪ ،‬كما لوعقد على امرأة وهي يف العدة أو عقد على خامسة ‪ ،‬فالعقد باطل ‪ ،‬ولو وطئها فهما زانيان‬
‫يقام عليهما احلد إذا مل يكونا جاهلني جهالً يعذران فيه مثل أن يكونا حديثي عهد يف اإلسالم وحنو ذلك ‪.‬‬
‫فائدة ‪:‬‬

‫‪112‬‬
‫النكاح على ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ -1‬نكاح صحيح ‪ :‬وهو ما توفرت شروطه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ونكاح فاسد ‪ :‬وهو ما اختل فيه شرط من الشروط املختلف فيها بني أهل العلم املعتربين ‪ ،‬أو هو ما‬
‫اختلف أهل العلم يف فساده ‪ ،‬مثل النكاح بال ويل ‪ ،‬أو بال شهود ‪ ،‬والنكاح بنية الطالق ‪ ،‬وحنو ذلك ‪،‬‬
‫فالوطء يف مثل هذا العقد اليوجب احلد لوجود الشبهة ‪ ،‬ولكن للقاضي – إذا كان يرى فساد هذا العقد –‬
‫أن يعزرمها مبا يراه مناسباً ‪.‬‬
‫‪ -3‬ونكاح باطل ‪ :‬وهو ما اختل فيه شرط من الشروط اجملمع عليها ‪ ،‬أو هو ما اتفق أهل العلم على بطالنه‬
‫‪ ،‬مثل نكاح املسلمة للكافر ‪ ،‬ونكاح املعتدة ‪ ،‬ونكاح املتعة ‪ ،‬ونكاح اخلامسة ‪ ،‬ونكاح احملرمات كالعمة‬
‫وزوجة االبن وأخته من الرضاعة ‪ ،‬واجلمع بني األختني وحنو ذلك ‪ ،‬فالوطء يف مثل هذا العقد يوجب احلد‬
‫لعدم الشبهة ‪.‬‬
‫والملك ‪ :‬أي ملك اليمني ألن اهلل أباحه بنص القرآن ‪ ،‬قال تعاىل ‪ " :‬والذين هم لفروجهم حافظون إال على‬
‫أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم فإهنم غري ملومني "‬
‫والشبهة ‪ :‬خرج هبذا القيد أمران ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬الوطء بشبهة مثل أن يطأ أجنبية يظنها زوجته ‪ ،‬فهذا الحيد ‪ ،‬ولو قدر بينهما ولد فإنه ينسب ألبيه‬
‫كولد النكاح ‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬النكاح الفاسد ‪ :‬وقد سبق بيانه ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬حد الزنا ‪:‬‬
‫خيتلف حد الزنا حبسب حال اجلاين من حيث البكارة والثيوبة ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬حد الزاني المحصن ( الثيب ) ‪:‬‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬ما هو حد الزاني المحصن ‪:‬‬
‫حد الزاين احملصن هو الرجم باحلجارة حىت ميوت بإمجاع أهل السنة ‪.‬‬
‫وقد دل على ذلك السنة المتواترة القطعية من قول النبي صلى اهلل عليه وسلم وفعله ‪ ،‬وإجماع األمة ‪.‬‬
‫أوالً ‪:‬األدلة من السنة ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم خذوا عين خذوا عين قد جعل اهلل‬
‫هلن سبيال البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم رواه اجلماعة إال البخاري‬
‫والنسائي‬

‫‪113‬‬
‫وقوله ‪ :‬البكر بالبكر ‪ :‬ليس بشرط بل إنه خرج خمرج الغالب فلو زىن البكر بالثيب فهذا هو حده بإمجاع‬
‫أهل العلم ‪.‬‬
‫وقوله ‪:‬والثيب بالثيب ‪ :‬مثله كذلك ‪ ،‬فلو زىن الثيب بالبكر فريجم الثيب وجيلد البكر ‪ ،‬وهذا الوصف خرج‬
‫خمرج الغالب إذ الغالب أن البكر يزين بالبكر ‪ ،‬والثيب يزين بالثيب ‪.‬‬
‫يدل على ذلك حديث أيب هريرة وزيد بن خالد اآليت ‪:‬‬
‫‪ -2‬وعن أبي هريرة وزيد بن خالد أهنما قاال إن رجال من األعراب أتى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‬
‫فقال يا رسول اهلل أنشدك اهلل إال قضيت يل بكتاب اهلل وقال اخلصم اآلخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا‬
‫بكتاب اهلل وائذن يل فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قل قال إن ابين كان عسيفا على هذا فزىن‬
‫بامرأته وإين أخربت أن على ابين الرجم فافتديت منه مبائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخربوين أن على ابين‬
‫جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده‬
‫ألقضني بينكما بكتاب اهلل الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل‬
‫من أسلم إىل امرأة هذا فإن اعرتفت فارمجها قال فغدا عليها فاعرتفت فأمر هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله‬
‫وسلم فرمجت رواه اجلماعة‬
‫‪ -3‬وعن الشعبي أن عليا رضي اهلل عنه حني رجم املرأة ضرهبا يوم اخلميس ورمجها يوم اجلمعة وقال جلدهتا‬
‫بكتاب اهلل ورمجتها بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم روامها أمحد والبخاري‬
‫‪ -4‬وعن ابن عمر أن اليهود أتوا النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال ما جتدون يف‬
‫كتابكم فقالوا تسخم وجوههما وخيزيان قال كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقني‬
‫فجاؤوا بالتوراة وجاؤوا بقارىء هلم فقرأ حىت إذا انتهى إىل موضع منها وضع يده عليه فقيل له ارفع يدك‬
‫فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا يا حممد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكامته بيننا فأمر هبما رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وآله وسلم فرمجا قال فلقد رأيته جينأ عليها يقيها احلجارة بنفسه ويف رواية أمحد بقارىء هلم أعور‬
‫يقال له ابن صوريا‬
‫ويستفاد من هذا الحديث أن اإلسالم ليس شرطاً في إقامة حد الزنا ‪ ،‬فيقام حتى على أهل الكتاب ‪.‬‬
‫‪ -5‬حديث ماعز األسلمي وقد رواه جمع من الصحابة ‪:‬‬
‫فعن أبي هريرة قال أتى رجل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وهو يف املسجد فناداه فقال يا رسول اهلل‬
‫إين زنيت فأعرض عنه حىت ردد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النيب صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم فقال أبك جنون قال ال قال فهل أحصنت قال نعم فقال النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم اذهبوا به‬
‫فارمجوه قال ابن شهاب فأخربين من مسع جابر بن عبد اهلل قال كنت فيمن رمجه فرمجناه باملصلى فلما أذلقته‬
‫احلجارة هرب فأدركناه باحلرة فرمجناه متفق عليه‬

‫‪114‬‬
‫وعن ابن عباس قال ملا أتى ماعز بن مالك النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو‬
‫نظرت قال ال يا رسول اهلل قال أفنكتها ال يكين قال نعم فعند ذلك أمر برمجه رواه أمحد والبخاري وأبو داود‬
‫وعن أبي هريرة قال جاء األسلمي إىل نيب اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة‬
‫حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل عليه يف اخلامسة فقال أنكتها قال نعم قال كما يغيب املرود يف‬
‫املكحلة والرشاء يف البئر قال نعم قال فهل تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأيت الرجل من امرأته‬
‫حالال قال فما تريد هبذا القول قال أريد أن تطهرين فأمر به فرجم رواه أبو داود والدارقطين‬
‫وعن أبي بكر الصديق قال كنت مث النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم جالسا فجاء ماعز بن مالك فاعرتف عنده‬
‫مرة فرده مث جاء فاعرتف عنده الثانية فرده مث جاء فاعرتف عنده الثالثة فرده فقلت له إنك إن اعرتفت الرابعة‬
‫رمجك قال فاعرتف الرابعة فحبسه مث سأل عنه فقالوا ما نعلم إال خريا قال فأمر برمجه ‪.‬‬
‫‪ -6‬حديث الغامدية ( الجهنية ) ‪:‬‬
‫فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم جاءته امرأة من غامد من األزد فقالت يا‬
‫رسول اهلل طهرين فقال وحيك ارجعي فاستغفري¸ اهلل وتويب إليه فقالت أراك تريد أن ترددين كما رددت ماعز‬
‫بن مالك قال وما ذاك قالت إهنا حبلى من الزنا قال أنت قالت نعم فقال هلا حىت تضعي ما يف بطنك قال‬
‫فكفلها رجل من األنصار حىت وضعت قال فأتى النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم فقال قد وضعت الغامدية‬
‫فقال إذن ال نرمجها وندع ولدها صغريا ليس له من يرضعه فقام رجل من األنصار فقال إيل رضاعه يا نيب اهلل‬
‫قال فرمجها رواه مسلم والدارقطين وقال هذا حديث صحيح‬
‫وعن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وهي حبلى من الزنا‬
‫فقالت يا رسول اهلل أصبت حدا فأقمه علي فدعا نيب اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وليها فقال أحسن إليها‬
‫فإذا وضعت فأتين ففعل فأمر هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم فشدت عليها ثياهبا مث أمر هبا فرمجت مث‬
‫صلى عليها فقال له عمر نصلي عليها يا رسول اهلل وقد زنت قال لقد تابت توبة لو قسمت بني سبعني من‬
‫أهل املدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها هلل رواه اجلماعة إال البخاري وابن ماجة ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬اإلجماع ‪:‬‬
‫فقد أمجعت األمة على أن حد الزاين احملصن هو الرجم حىت املوت ‪ ،‬مل خيالف يف ذلك سوى اخلوارج ‪،‬‬
‫وبعض املعتزلة ‪ ،‬والعربة خبالفهم ‪ ،‬فإنه المينع اإلمجاع ‪.‬‬
‫وللخوارج شبهتان في إنكار الرجم ‪:‬‬
‫الشبهة األولى ‪ :‬قالوا ‪ :‬إن الرجم مل يذكر يف القرآن ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وال جيوز ترك كتاب اهلل الثابت بطريق القطع‬
‫واليقني ألخبار آحاد جيوز الكذب فيها ‪.‬‬
‫والرد عليهم من وجهين ‪:‬‬

‫‪115‬‬
‫الوجه األول ‪ :‬التسليم ‪ ،‬فلو سلمنا بأن الرجم مل يرد يف القرآن فإنه ثابت بالسنة املتواترة ‪ ،‬بقول رسول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وسلم وفعله ‪ ،‬وبإمجاع الصحابة ومن بعدهم ‪.‬‬
‫يقول ابن قدامة رحمه اهلل داحضاً هذه الشبهة ‪ " :‬وقد روينا أن رسل اخلوارج جاؤوا عمر بن عبد العزيز‬
‫رمحه اهلل فكان من مجلة ما عابوا عليه الرجم وقالوا ليس يف كتاب اهلل إال اجللد وقالوا احلائض أوجبتم عليها‬
‫قضاء الصوم دون الصالة والصالة أوكد فقال هلم عمر وأنتم ال تأخذون إال مبا يف كتاب اهلل قالوا نعم قال‬
‫فأخربوين عن عدد الصلوات املفروضات وعدد أركاهنا وركعاهتا ومواقيتها أين جتدونه يف كتاب اهلل تعاىل‬
‫وأخربوين عما جتب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها فقالوا انظرنا فرجعوا يومهم ذلك فلم جيدوا شيئا مما سأهلم‬
‫عنه يف القرآن فقالوا مل جنده يف القرآن قال فكيف ذهبتم إليه قالوا ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم فعله وفعله‬
‫املسلمون بعده فقال هلم فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده‬
‫واملسلمون وأمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصالة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه "‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬املنع ‪ :‬فإننا مننع أال يكون الرجم مذكوراً يف القرآن ‪ ،‬بل إن اهلل أنزل آية الرجم لكنه نسخ‬
‫رمسها وبقي حكمها ‪.‬‬
‫يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه أنه قال إن اهلل تعاىل بعث‬
‫حممدا صلى اهلل عليه وسلم باحلق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأهتا وعقلتها ووعيتها‬
‫ورجم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورمجنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما جند الرجم‬
‫يف كتاب اهلل فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل تعاىل فالرجم حق على ما زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا‬
‫قامت البينة أو كان احلبل أو االعرتاف وقد قرأ هبا " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة نكاال من اهلل واهلل‬
‫عزيز حكيم " متفق عليه‬
‫ويف إعالن عمر بالرجم وهو على املنرب وسكوت الصحابة عن خمالفته دليل على إمجاعهم على هذا احلكم ‪.‬‬
‫الشبهة الثانية للخوارج ‪ :‬قالوا ‪ :‬وألن هذا يفضي إىل نسخ الكتاب بالسنة وهذا غري جائز ‪ ،‬ويقصدون‬
‫بالكتاب قوله تعاىل ‪ " :‬الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "‬
‫والرد عليهم من وجهين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬المنع ‪ :‬فإن قوهلم إن هذا نسخ ليس بصحيح وإمنا هو ختصيص وهذا سائغ بغري خالف فإن عمومات‬
‫القرآن يف اإلثبات كلها خمصصة‬
‫الثاني ‪ :‬التسليم ‪ :‬فلو سلمنا بأنه نسخ لكان نسخا باآلية اليت ذكرها عمر رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬هل يجلد الزاني قبل رجمه ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف هذه املسألة على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫أن حد احملصن هو اجللد مائة جلدة والرجم ‪.‬‬
‫وهذا هو قول الظاهرية ورواية عند احلنابلة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعاىل ‪ " :‬الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "‬
‫نوقش هذا االستدالل ‪:‬‬
‫بأن اآلية حممولة على الزاين البكر لألدلة اآلتية يف القول الثاين ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث عبادة بن الصامت املتقدم ‪.‬‬
‫‪ -3‬عن علي رضي اهلل عنه أنه جلد شراحه يوم اخلميس مث رمجها يوم اجلمعة مث قال جلدهتا بكتاب اهلل تعاىل‬
‫ورمجتها بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬رواه البخاري‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن حده هو الرجم فقط ‪.‬‬
‫وهذا هو قول مجهور أهل العلم من احلنفية واملالكية والشافعية ورواية عند احلنابلة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬فعل النيب صلى اهلل عليه وسلم مع ماعز والغامدية ‪ ،‬واليهوديني ‪ ،‬فلم ينقل أنه عليه الصالة والسالم‬
‫جلدهم قبل الرجم ‪ ،‬مع أن الصحابة رضوان اهلل عليهم نقلوا تفاصيل تلك القصص ‪ ،‬فدل ذلك على أنه مل‬
‫جيلدهم ‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله عليه الصالة والسالم يف حديث العسيف املتقدم ‪ " :‬واغد يا أنيس إىل امرأة هذا فإن اعرتفت فارمجها‬
‫" فاعرتفت فرمجها ‪ ،‬فلم يأمره جبلدها ‪.‬‬
‫قال أصحاب هذا القول ‪ :‬إن هذه النصوص دلت على أن جلد احملصن منسوخ ‪ ،‬إذكان ذلك يف أول األمر‬
‫مث نسخ واستقر األمر على أن حد احملصن هو الرجم فقط ‪.‬‬
‫‪ -3‬وألنه الفائدة من جلده ألن روحه سوف تزهق والغرض الزجر ومع القتل ال حاجة له ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪.‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬في كيفية الرجم ‪:‬‬
‫يفرق في كيفية الرجم بين رجم الرجل ورجم المرأة ‪:‬‬
‫‪ ‬فإذا كان الزاني رجال ‪ :‬أقيم قائما ومل يوثق بشيء ويكون يف وسط الناس مث يرمونه من كل جانب‬
‫‪.‬‬
‫‪ ‬وإن كان امرأة ‪ :‬فإنها تشد عليها ثياهبا كيال تنكشف ‪ ،‬وقد روى أبو داود بإسناده عن عمران بن‬
‫حصني قال فأمر هبا النيب صلى اهلل عليه وسلم فشدت عليها ثياهبا وألن ذلك أسرت هلا ‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬الحفر للمرجوم ‪:‬‬
‫اختلفت الروايات هل حفر النبي صلى اهلل عليه وسلم للمرجوم أم ال ‪:‬‬
‫‪ ‬ففي حديث أبي سعيد قال ملا أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أن نرجم ماعز بن مالك‬
‫خرجنا به إىل البقيع فواهلل ما حفرنا له وال أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام واخلزف فاشتكى‬
‫فخرج يشتد حىت انتصب لنا يف عرض احلرة فرميناه جبالميد اجلندل حىت سكت ‪.‬‬
‫‪ ‬وفي حديث عبداهلل بن بريدة عن أبيه قال جاءت الغامدية فقالت يا رسول اهلل إين قد زنيت فطهرين‬
‫وأنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول اهلل مل ترددين لعلك ترددين كما رددت ماعزا فواهلل إين‬
‫حلبلى قال إما ال فاذهيب حىت تلدي فلما ولدت أتته بالصيب يف خرقة قالت هذا قد ولدته قال اذهيب‬
‫فأرضعيه حىت تفطميه فلما فطمته أتته بالصيب يف يده كسرة خبز فقالت هذا يا نيب اهلل قد فطمته وقد‬
‫أكل الطعام فدفع الصيب إىل رجل من املسلمني مث أمر هبا فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس‬
‫فرجموها فيقبل خالد بن الوليد حبجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها فسمع النيب‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم سبه إياها فقال مهال يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تاهبا‬
‫صاحب مكس لغفر له مث أمر هبا فصلي عليها ودفنت روامها أمحد ومسلم وأبو داود‬
‫‪ ‬وفي حديث عبد اهلل بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك األسلمي أتى رسول اهلل صلى اهلل عليه‬
‫وآله وسلم فقال يا رسول اهلل إين زنيت ‪ -‬احلديث وفيه ‪ -‬فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر‬
‫به فرجم رواه مسلم وأمحد‬
‫فحديث أيب سعيد املذكور فيه أهنم مل حيفروا ملاعز وحديث عبداهلل بن بريدة فيه أهنم حفروا له إىل صدره‬
‫وقد جمع بين الروايتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬بأهنم مل حيفروا له أول األمر مث ملا فر فأدركوه حفروا له حفرية فانتصب هلم فيها حىت فرغوا منه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أو أهنم حفروا له يف أول األمر مث ملا وجد مس احلجارة خرج من احلفرة فتبعوه فرموه وهو قائم ‪.‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬من هو المحصن ؟‬
‫قال أهل العلم ‪:‬‬
‫المحصن ‪ :‬من وطئ امرأته املسلمة أو الذمية يف نكاح صحيح ‪ ،‬ومها بالغان عاقالن حران ‪ ،‬فإن اختل‬
‫شرط منها يف أحد الزوجني فال إحصان لواحد منهما ‪.‬‬
‫فتلخص أن شروط اإلحصان ثمانية ‪:‬‬
‫‪ -1‬الوطء يف القبل ‪ :‬فلو عقد على امرأة ومل يطأها فليس مبحصن ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الوطء يف نكاح ‪ :‬فلو وطئ امرأة يف سفاح (زنا) فليس مبحصن ‪ ،‬ومثله لو وطئ امرأة مبلك‬
‫اليمني ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ -3‬أن يكون النكاح صحيحاً ‪ :‬فلو وطئ امرأة يف نكاح فاسد أو باطل فليس مبحصن ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون الزوجان بالغني ‪ :‬فلو كانت زوجته صغرية وهو بالغ ‪ ،‬فليس مبحصن ‪ ،‬فلو زىن بامرأة فإنه‬
‫اليرجم ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يكونا عاقلني ‪ :‬فلو كان أحدمها عاقالً واآلخر جمنوناً فال إحصان ألي منهما ‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يكونا حرين ‪ :‬فلو كانا رقيقني أو أحدمها حر واآلخر عبد فال إحصان لواحد منهما ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬حد الزاني غير المحصن ( البكر ) ‪:‬‬
‫إذا زىن احلر البكر جلد مائة وغرب عاماً ‪ ،‬وال خالف يف وجوب اجللد على الزاين إذا مل يكن حمصنا ‪ ،‬وقد‬
‫جاء بيان ذلك يف كتاب اهلل بقوله سبحانه " الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وجاءت‬
‫األحاديث عن النيب صلى اهلل عليه وسلم موافقة ملا جاء به الكتاب ‪ ،‬كما يف حديث عبادة املتقدم ‪ ،‬وقصة‬
‫العسيف ‪.‬‬
‫واختلف أهل العلم هل يجب مع الجلد تغريبه عاما ‪ ،‬ولهم في ذلك ثالثة أقوال‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه جيب اجللد والتغريب على الرجل واملرأة ‪.‬‬
‫وهذا قول الشافعية واحلنابلة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حديث عبادة املتقدم ‪ " :‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام "‬
‫‪ -2‬ويف حديث العسيف املتقدم ‪ :‬قال النيب صلى اهلل عليه وسلم والذي نفسي بيده ألقضني بينكما بكتاب‬
‫اهلل عز وجل على ابنك جلد مائة وتغريب عام وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا األسلمي أن يأيت امرأة‬
‫اآلخر فإن اعرتفت رمجها فاعرتفت فرمجها متفق عليه ‪ ،‬ويف احلديث أنه قال سألت رجاال من أهل العلم‬
‫فقالوا إمنا على ابنك جلد مائة وتغريب عام وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا عندهم من حكم اهلل تعاىل‬
‫وقضاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقد قيل إن الذي قال له هذا هو أبو بكر وعمر رضي اهلل عنهما‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫يغرب الرجل دون املرأة‬
‫وهذا قول مالك ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن املرأة حتتاج إىل حفظ وصيانة‬
‫‪ -2‬وألهنا ال ختلو من التغريب إما مبحرم أو بغري حمرم ‪ ،‬وال جيوز التغريب بغري حمرم لقول النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬ال حيل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تسافر مسرية يوم وليلة إال مع ذي حمرم " وألن تغريبها‬

‫‪119‬‬
‫بغري حمرم إغراء هلا وتضييع هلا ‪ ،‬وهذا يؤدي إىل فوات حكمة احلد ألن احلد وجب زجرا عن الزنا ويف‬
‫تغريبها إغراء به ومتكني منه ‪.‬‬
‫وإن غربت مبحرم أفضى إىل تغريب من ليس بزان ونفي من ال ذنب له ‪ ،‬وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة‬
‫على عقوبتها مبا مل يرد الشرع به ‪.‬‬
‫‪ -3‬قالوا ‪ :‬إن عموم اخلرب الوارد يف التغريب خمصوص خبرب النهي عن سفر املرأة بغري حمرم ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫ال جيب التغريب ال على الرجل وال على املرأة ‪.‬‬
‫وهذا هو قول احلنفية ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول ‪:‬‬
‫‪ -1‬بأن عليا رضي اهلل عنه قال حسبهما من الفتنة أن ينفيا‬
‫‪ -2‬وعن ابن املسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف يف اخلمر إىل خيرب فلحق هبرقل فتنصر فقال عمر‬
‫ال أغرب مسلما بعد هذا أبدا‬
‫‪ -3‬وألن اهلل تعاىل أمر باجللد دون التغريب فإجياب التغريب زيادة على النص‬
‫نوقشت أدلة األحناف ‪:‬‬
‫بأن ما رووه عن علي ال يثبت لضعف رواته وإرساله ‪.‬‬
‫وقول عمر ال أغرب بعده مسلما فيحتمل أنه يقصد تغريبه يف اخلمر الذي أصابت الفتنة ربيعة فيه ‪ ،‬وهذا من‬
‫باب التعزير ‪.‬‬
‫والراجح واهلل أعلم هو قول المالكية ‪.‬‬
‫مسالة ‪ :‬إذا غرب فإنه ال حيبس يف البلد الذي نفي إليه على الصحيح ‪ ،‬ألن احلبس زيادة مل يرد هبا الشرع‬
‫فال تشرع كالزيادة على العام ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬إذا زىن الرقيق جلد مخسني جلدة ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪ " :‬فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة فعليهن نصف ما‬
‫على احملصنات من العذاب " ‪ ،‬وهذه اآلية يف اإلماء ‪ ،‬ويقاس عليها العبيد الذكور جبامع الرق ‪ ،‬وال يغرب‬
‫ألن التغريب إضرار بسيده ‪ ،‬وال يرجم ألن الرجم ال يتنصف ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬شروط إقامة حد الزنا ‪:‬‬
‫يشترط إلقامة حد الزنا ثالثة شروط ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬تغييب حشفته األصلية كلها في ُقبُ ِل من آدمي حي ‪.‬‬
‫فال حيد من قبّل أو باشر دون الفرج ‪.‬‬
‫وال من غيب بعض احلشفة ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫وال يف وطء امرأة ميتة ‪.‬‬
‫وال يف إتيان البهيمة ‪ ،‬وسيأيت حكمه ‪.‬‬
‫وجيب التعزير يف كل ما تقدم ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬انتفاء الشبهة ‪:‬‬
‫لعلى ذلك أمران ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬األحاديث الواردة عنه عليه الصالة والسالم يف األمر بدرء احلدود بالشبهات ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬حديث علي عنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ادرأوا احلدود بالشبهات " وهوحديث ضعيف ‪.‬‬
‫‪ --‬وعن أبي هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪ " :‬ادفعوا احلدود ما وجدمت هلا مدفعا "‬
‫رواه ابن ماجة‬
‫‪ -‬وعن عائشة قالت قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪ " :‬ادرؤوا احلدود عن املسلمني ما استطعتم‬
‫فإن كان له خمرج فخلوا سبيله فإن اإلمام أن خيطىء يف العفو خري من أن خيطىء يف العقوبة " رواه الرتمذي‬
‫وذكر أنه قد روي موقوفا وأن الوقف أصح قال وقد روي واحد من الصحابة رضي اهلل عنهم أهنم قالوا مثل‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وهذه األحاديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة إال أنه يقوي بعضها بعضاً فتقوى لالحتجاج ‪ ،‬والسيما أنه جاء‬
‫حنو ذلك موقوفاً عن مجع من الصحابة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬وألن األصل يف املسلم االستقامة وبراءة الذمة فال يرتفع حكم األصل إال بيقني أو ظن غالب ‪ ،‬ومع‬
‫وجود الشبهة ال يتحقق اليقني ‪.‬‬
‫وبناء على هذا الشرط ‪:‬‬
‫فال حد يف وطء شبهة ‪ ،‬أو نكاح خمتلف يف فساده ‪ ( ،‬النكاح باطل ) وال يف إكراه ‪ ،‬وال مع اجلهل بتحرميه‬
‫‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪:‬ثبوت الزنا ‪.‬‬
‫وال يثبت الزىن إال بأحد ثالثة أمور ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬اإلقرار ‪:‬‬
‫ويشرتط فيمن يقر بالزنا أن يكون بالغاً عاقالً ‪ ،‬ألن ماعزاً ملا أقر عند النيب صلى اهلل عليه وسلم دعاه رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ " :‬أبك جنون " قال ال ‪ .‬متفق عليه ‪ ،‬وأال يكون مكرهاً ‪ ،‬فال يصح اإلقرار‬
‫من املكره فلو ضرب الرجل ليقر بالزنا مل جيب عليه احلد ومل يثبت عليه الزنا وال خالف بني أهل العلم يف أن‬
‫إقرار املكره ال جيب به حد وروي عن عمر رضي اهلل عنه أنه قال ‪ " :‬ليس الرجل بأمني على نفسه إذا جوعته‬

‫‪121‬‬
‫أو ضربته أو أوثقته " وألنه مع اإلكراه يغلب على الظن أنه قصد بإقراره دفع ضرر اإلكراه فانتفى ظن‬
‫الصدق عنه فلم يقبل ‪.‬‬
‫وال بد أن يصرح بذكر حقيقة الوطء ‪ ،‬فال تكفي الكناية ‪ ،‬ألهنا حتتمل ما اليوجب احلد ويف حديث ابن‬
‫قال أفنكتها ال‬ ‫عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ملاعز لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال ال‬
‫يكين قال نعم قال فعند ذلك أمر برمجه رواه البخاري ‪.‬‬
‫ويف رواية عن أبي هريرة قال ‪ :‬أفنكتها ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم‬
‫قال ‪ :‬حىت غاب ذاك منك يف ذاك منها ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم‬
‫قال ‪ :‬كما يغيب املرود يف املكحلة والرشاء يف البئر ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم‬
‫قال ‪ :‬فهل تدري ما الزنا ؟‬
‫قال ‪ :‬نعم أتيت منها حراما ما يأيت الرجل من امرأته حالال " وذكر احلديث رواه أبو داود‬
‫وفي اإلقرار بالزنا اختلف أهل العلم في ثالث مسائل ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬هل يشترط في اإلقرار بالزنا أن يقر به أربع مرات ؟‬
‫والمسألة الثانية ‪ :‬وهل يشترط أيضاً أال يرجع عن إقراره حتى يتم عليه الحد ؟‬
‫والمسالة الثالثة ‪ :‬وهل يشرع للقاضي أن يعرض على المقر الرجوع عن إقراره ‪ ،‬ويلقنه الرجوع ؟‬
‫فذهب مجهور أهل العلم إىل أن من شرط ثبوت حد الزنا ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يقر به أربع مرات ‪ ،‬فلو أقر به أقل من ذلك مل حيد ‪.‬‬
‫‪ -2‬وأن يبقى على إقراره إىل متام احلد فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه ‪ ،‬ولو كان هروبه بعد البدء‬
‫بتنفيذ احلد ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ويشرع للقاضي أن يلقنه الرجوع عن إقراره ‪.‬‬
‫وذهب بعض العلماء إىل خالف ذلك يف املسائل الثالث ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يكفي إقراره ولو مرة ‪ ،‬ولو رجع بعد‬
‫إقراره مل يدرأ عنه احلد ‪ ،‬وال يشرع للحاكم أن يلقنه ‪.‬‬
‫والسبب يف اخلالف يف املسألة هو اختالف األحاديث الواردة يف ذلك ‪:‬‬
‫فروايات حديث ماعز تؤيد القول األول ( قول اجلمهور ) فإن فيها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم لقنه‬
‫الرجوع ‪ ،‬وأنه أقر على نفسه أربعاً ‪ ،‬وأنه لو رجع لرتك ‪:‬‬
‫ففي حديث ابن عباس ‪ :‬أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ملاعز ‪" :‬لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " قال ال‬
‫‪ .‬رواه البخاري‬

‫‪122‬‬
‫وفي رواية أبي هريرة قال ‪ :‬فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال‬
‫أبك جنون قال ال قال فهل أحصنت قال نعم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ارمجوه متفق عليه‬
‫وروى أبو برزة األسلمي أن أبا بكر الصديق قال له عند النيب صلى اهلل عليه وسلم إن أقررت أربعا رمجك‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وفيه أيضاً ‪:‬أن ماعزا هرب فذكر للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقال هال تركتموه يتوب فيتوب اهلل عليه قال ابن‬
‫عبد الرب ثبت من حديث أيب هريرة وجابر ونعيم بن هزال ونصر بن داهر وغريهم أن ماعزا ملا هرب فقال هلم‬
‫ردوين إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪" :‬هال تركتموه يتوب فيتوب اهلل عليه" ‪.‬‬
‫وعن بريدة قال كنا أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا‬
‫بعد اعرتافهما أو قال لو مل يرجعا بعد اعرتافهما مل يطلبهما وإمنا رمجهما بعد الرابعة رواه أبو داود‪.‬‬
‫وأما أصحاب القول اآلخر فاستدلوا باألحاديث األخرى ‪ :‬قصة العسيف ‪،‬واليهوديين ‪ ،‬فليس فيها إال‬
‫إقرارهم مرة واحدة ‪ ،‬ولم يلقنهم النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫ففي حديث العسيف قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬واغد يا أنيس إىل امرأة هذا فإن اعرتفت فارمجها "‬
‫ولو كان إقرارها أربعاً واجب لبينه له النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ألن تأخري البيان عن وقت احلاجة الجيوز ‪.‬‬
‫وقال عمر ‪ :‬إن الرجم حق واجب على من زىن وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان احلبل أو االعرتاف "‬
‫وكان هذا القول منه مبحضر من الصحابة فلم ينكر ‪.‬‬
‫وأصح األقوال في الجمع بين هذه النصوص ‪ :‬أن يفرق بني ما إذا جاء املذنب بنفسه إىل احلاكم تائباً‬
‫وطالباً إقامة احلد عليه ‪ ،‬فهذا يعامل مبثل ما عامل النيب ماعزاً ‪ ،‬فيلقنه ‪ ،‬ويطلب منه اإلقرار أربع مرات ‪ ،‬ومىت‬
‫رجع عن إقراره ولو بعد الرابعة ‪ ،‬فيدرأ عنه احلد ‪ ،‬ألن املقصود من احلد ردعه وتطهريه ‪ ،‬وظاهر حال مثل‬
‫هذا الشخص أنه ليس حباجة إىل ذلك ألن الغالب هو صدقه يف توبته وندمه على ما حصل منه ‪.‬‬
‫أما إذا قبض على الشخص أو وجدت قرائن على فعله ‪ ،‬فأخذ فاعرتف ‪ ،‬فهنا اليلقن ويكفي إقراره مرة‬
‫واحدة ‪ ،‬واليقبل رجوعه عن إقراره مامل يذكر شبهة ‪ ،‬عمالً حبديث العسيف ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل القدرة عليه فال يقام عليه احلد ‪ ،‬وهذا شامل لكل احلدود ‪.‬‬
‫يقول ابن القيم رحمه اهلل ‪ " :‬نص الشارع على اعتبار توبة احملارب قبل القدرة عليه ( يقصد يف قوله تعاىل يف‬
‫احملاربني ‪ :‬إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم ) إما من باب التنبيه على‬
‫اعتبار توبة غريه بطريق األوىل فإنه إذا دفعت توبته عنه حد حرابه مع شدة ضررها وتعديه فألن تدفع التوبة ما‬
‫دون حد الحرابة بطريق األوىل واألحرى‬
‫وقد قال اهلل تعاىل قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف‬
‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم التائب من الذنب كمن ال ذنب له‬

‫‪123‬‬
‫واهلل تعاىل جعل احلدود عقوبة ألرباب اجلرائم ورفع العقوبة عن التائب شرعا وقدرا فليس يف شرع اهلل وال‬
‫قدره عقوبة تائب البتة‬
‫ويف الصحيحني من حديث أنس قال كنت مع النيب صلى اهلل عليه وسلم فجاء رجل فقال يا رسول اهلل إين‬
‫أصبت حدا فأقمه علي قال ومل يسأله عنه فحضرت الصالة فصلى مع النيب صلى اهلل عليه وسلم فلما قضى‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم الصالة قام إليه الرجل فأعاد قوله قال أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن اهلل عز‬
‫وجل قد غفر لك ذنبك‬
‫فهذا ملا جاء تائبا بنفسه من غري أن يطلب غفر اهلل له ومل يقم عليه احلد الذي اعرتف به وهو أحد القولني يف‬
‫املسألة وهو إحدى الروايتني عن أمحد وهو الصواب‬
‫فإن قيل ‪ :‬فماعز جاء تائبا والغامدية جاءت تائبة وأقام عليهما احلد ؟‬
‫قيل ال ريب أهنما جاءا تائبني وال ريب أن احلد أقيم عليهما ‪ ،‬وسألت شيخنا يقصد ابن تيمية عن ذلك‬
‫فأجاب مبا مضمونه بأن احلد مطهر وأن التوبة مطهره ومها اختارا التطهري باحلد على التطهري مبجرد التوبة وأبيا‬
‫إال أن يطهرا باحلد فأجاهبما النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل ذلك وأرشد إىل اختيار التطهري بالتوبة على التطهري‬
‫باحلد فقال يف حق ما عز هال تركتموه يتوب فيتوب اهلل عليه ‪.‬‬
‫ولو تعني احلد بعد التوبة ملا جاز تركه بل اإلمام خمري بني أن يرتكه كما قال لصاحب احلد الذي اعرتف به‬
‫اذهب فقد غفر اهلل لك وبني أن يقيمه كما أقامه على ماعز والغامدية ملا اختارا إقامته وأبيا إال التطهري به‬
‫ولذلك رددمها النيب صلى اهلل عليه وسلم مرارا ومها يأبيان إال إقامته عليهما وهذا املسلك وسط بني مسلك‬
‫من يقول ال جتوز إقامته بعد التوبة البتة وبني مسلك من يقول ال أثر للتوبة يف إسقاطه البتة وإذا تأملت السنة‬
‫رأيتها ال تدل إال على هذا القول الوسط " اهـ ‪.‬‬
‫األمر الثاني مما يثبت به الزنا‪ :‬شهادة أربعة رجال ‪:‬‬
‫ويشرتط أن يكونوا عدوالً ‪ ،‬وأن يصفوا الزنا ‪ ،‬فال يكفي أن يقولوا ‪ :‬رأيناه فوقها ‪ ،‬بل البد أن يقولوا ‪ :‬رأينا‬
‫ذكره يف فرجها ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ملاعز ‪ " :‬أفنكتها ؟ قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬حىت غاب ذاك منك‬
‫يف ذاك منها ؟قال ‪ :‬نعم قال ‪ :‬كما يغيب املرود يف املكحلة والرشاء يف البئر ؟ قال ‪ :‬نعم " وإذا اعترب التصريح‬
‫يف اإلقرار فالشهادة أوىل ‪.‬‬
‫والدليل على الشهادة ‪ :‬قوله تعاىل ‪" :‬والذين يرمون احملصنات مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني‬
‫جلدة –اآلية‪"-‬‬
‫الحبَل ‪:‬‬
‫األمر الثالث مما يثبت به الزنى ‪َ :‬‬
‫إذا وجدت املرأة حبلى ومل يكن هلا زوج والسيد ومل تدع شبهة ىف احلبل ففيها قوالن ىف مذهب امحد وغريه‬
‫‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬الحد عليها ألنه جيوز ان تكون حبلت مكرهة او بتحمل او بوطء شبهة ‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫وقيل ‪ :‬بل حتد مامل تدع شبهة ‪ ،‬وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬قال ابن تيمية ‪ :‬وهذا هو املأثور عن اخللفاء‬
‫الراشدين وهو األشبه بأصول الشريعة وهو مذهب أهل املدينة فان االحتماالت النادرة اليلتفت اليها كاحتمال‬
‫كذهبا وكذب الشهود ‪.‬‬
‫يدل على ذلك قول عمر رضي اهلل عنه ‪ " :‬فالرجم حق على ما زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت‬
‫البينة أو كان احلبل أو االعرتاف "‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬حكم اللواط ‪:‬‬
‫أمجع أهل العلم على حتريم اللواط ‪ ،‬وقد ذمه اهلل تعاىل يف كتابه وعاب من فعله ‪ ،‬وذمه رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫أئنكم لتأتون‬ ‫فقال اهلل تعالى ‪ " :‬ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم هبا من أحد من العاملني‬
‫الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون "‬
‫ولم يثبت عنه عليه الصالة والسالم أنه قضى يف اللواط بشيء ألن هذا مل تكن تعرفه العرب ومل يرفع إليه‬
‫ولكن ثبت عنه من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عنه أنه قال ‪":‬من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا‬
‫الفاعل واملفعول به " رواه أهل السنن األربعة وقال الرتمذي حديث حسن‪.‬‬
‫واختلف أهل العلم في حد اللواط ‪:‬‬
‫‪ -1‬فقيل ‪ :‬إن حده القتل مطلقاً بكرا كان أو ثيبا وهذا قول علي وابن عباس وجابر بن زيد وعبد اهلل بن‬
‫معمر والزهري وأيب حبيب وربيعة ومالك وإسحاق وأحد قويل الشافعي‬
‫‪ -2‬وقيل ‪ :‬إن حده كالزنا متاماً ‪ ،‬وهذا هو املشهور من قويل الشافعي ‪ ،‬ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫" إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان " ‪ ،‬وألنه إيالج فرج آدمي يف فرج آدمي ال ملك له فيه وال شبهة ملك‬
‫فكان زنا كاإليالج يف فرج املرأة ‪.‬‬
‫‪ -3‬وقيل ‪:‬ال حد عليه ‪ ،‬وهذا هو قول أيب حنيفة ‪ ،‬ألنه ليس مبحل الوطء الفرج‬
‫والقول األول هو األصح بال شك ‪ ،‬حلديث ابن عباس املتقدم وهو حديث صحيح ‪ ،‬وألن هذا هو إمجاع‬
‫الصحابة رضوان اهلل عليهم ‪ ،‬فإهنم أمجعوا على قتله وإمنا اختلفوا يف صفته ‪ ،‬فقد روى صفوان بن سليم عن‬
‫خالد بن الوليد أنه وجد يف بعض ضواحي العرب رجال ينكح كما تنكح املرأة فكتب إىل أيب بكر فاستشار‬
‫أبو بكر رضي اهلل عنه الصحابة فيه فكان علي أشدهم قوال فيه فقال ما فعل هذا إال أمة من األمم واحدة وقد‬
‫علمتم ما فعل اهلل هبا أرى أن حيرق بالنار وقال بعضهم ‪ :‬يرمى من جدار ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬يرمى باحلجارة ‪،‬‬
‫فكتب أبو بكر إىل خالد بذلك فحرقه ‪.‬‬
‫وهذا احلكم على وفق حكم الشارع فإن احملرمات كلما تغلظت ‪ ،‬تغلظت عقوباهتا ووطء من ال حيل حبال‬
‫أعظم جرما من وطء من يباح يف بعض األحوال فيكون حده أقل ‪.‬‬
‫مسألة ‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫حكم من عقد على ذات حمرم كحكم اللوطي على الصحيح من أقوال أهل العلم ‪ ،‬ملا روى اإلمام أمحد‬
‫والنسائي وغريمها عن الرباء رضي اهلل عنه قال لقيت خايل أبا بردة معه الراية فقال أرسلين رسول اهلل إىل‬
‫رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬حكم من أتى بهيمة ‪:‬‬
‫اختلفت أهل العلم يف حكم من أتى هبيمة ‪:‬‬
‫فقيل ‪ :‬إنه يعزر وال حد عليه‬
‫وقيل ‪ :‬حده حد الزاين‬
‫وقيل ‪ :‬يقتل هو والبهيمة لقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬من أتى هبيمة فاقتلوه واقتلوها معه " رواه‬
‫أبو داود وهو حديث يرويه عمرو بن أيب عمرو ومل يثبته أمحد ‪ ،‬وقال الطحاوي هو ضعيف‬
‫واألقرب هو القول األول ‪ ،‬وميكن اجلواب عن احلديث من وجهني ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن قتله من باب التعزير وليس حداً ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬وبأن فيه ضعفاً ‪ ،‬فهو ال ينهض لالحتجاج به يف إقامة احلد ‪ ،‬ألن احلدود تدرأ بالشبهات ‪ ،‬وغاية ما‬
‫ميكن أن يستدل به هو جواز تعزير من أتى هبيمة ولو كان التعزير بالقتل ‪.‬‬
‫ويستفاد من الحديث مشروعية قنل البهيمة ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬احلديث ضعيف ومل يعمل به يف قتل الفاعل اجلاين ففي حق حيوان ال جناية منه أوىل ؟‬
‫فالجواب ‪ :‬إمنا مل يعمل به يف قتل الفاعل لوجهني ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه حد واحلدود تدرأ بالشبهات وهذا إتالف مال فال تؤثر الشبهة فيه‬
‫والثاني ‪ :‬أنه إتالف آدمي وهو أعظم املخلوقات حرمة فلم جيز التهجم على إتالفه إال بدليل يف غاية القوة وال‬
‫يلزم مثل هذا يف إتالف مال وال حيوان سواه ‪.‬‬
‫إذا ثبت هذا فإن احليوان إن كان للفاعل ذهب هدرا وإن كان لغريه فعلى الفاعل غرامته ألنه سبب إتالفه‬
‫فيضمنه ‪.‬‬
‫مث إن كانت مأكولة فهل يباح أكلها ؟‬
‫ألهل العلم يف ذلك قوالن ‪.‬‬
‫واختلف في علة قتلها ‪:‬‬
‫‪ -1‬فقيل ‪ :‬إمنا قتلت لئال يعري فاعلها ويذكر برؤيتها ‪ ،‬وقد روى ابن بطة بإسناده عن النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم أنه قال من وجدمتوه على هبيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة قالوا يا رسول اهلل ما بال البهيمة قال ال يقال‬
‫هذه وهذه‬
‫‪ -2‬وقيل ‪ :‬لئال تلد خلقا مشوها‬

‫‪126‬‬
‫‪ -3‬وقيل ‪ :‬لئال تؤكل ‪ ،‬وإليها أشار ابن عباس يف تعليله ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬حكم السحاق ‪:‬‬
‫إذا تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان ملا روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬إذا أتت املرأة‬
‫املرأة فهما زانيتان "‬
‫وال حد عليهما ألنه ال يتضمن إيالجا فأشبه املباشرة دون الفرج ‪ ،‬وعليهما التعزير ألنه زنا ال حد فيه فأشبه‬
‫مباشرة الرجل املرأة بغري مجاع ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬سحاق املرأتني نظري مباشرة الرجل الرجل من غري إيالج ‪ ،‬على أنه قد جاء يف‬
‫بعض االحاديث املرفوعة إذا أتت املرأة املرأة فهم زانيتان ‪ ،‬ولكن ال جيب احلد بذلك لعدم االيالج ‪ ،‬وإن اطلق‬
‫عليهما اسم الزنا العام كزنا العني واليد والرجل والفم ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬إذا باشر الرجل املرأة فاستمتع هبا فيما دون الفرج فال حد عليه ملا روي أن رجال أتى النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم فقال يا رسول اهلل إين لقيت املرأة فأصبت منها كل شيء إال اجلماع فأنزل اهلل تعاىل أقم الصالة‬
‫هود اآلية فقال الرجل أيل هذه اآلية فقال ‪ " :‬ملن عمل هبا من أميت "رواه النسائي ‪.‬‬
‫وللحاكم أن يعزرمها مبا يراه مناسباً ‪.‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬في بعض المقاصد الشرعية في حد الزنا ‪:‬‬
‫الزنا يتع ¸¸ارض مع قصد الش ¸¸ارع يف حفظ النسل والنسب ‪ ،‬وهو من أمه ¸¸ات اجلرائم وكب ¸¸ائر املعاصي ملا فيه من‬
‫اختالف األنس ¸ ¸ ¸¸اب ال ¸ ¸ ¸¸ذي يبطل معه التع ¸ ¸ ¸¸ارف والتناصر على إحي ¸ ¸ ¸¸اء ال ¸ ¸ ¸¸دين ‪ ،‬ويف ه ¸ ¸ ¸¸ذا هالك احلرث والنسل‬
‫فش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اكل يف معانيه أو يف أكثرها القتل ال¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذي فيه هالك ذلك ‪ ،‬فهو في الحقيقة قتل للمجتمع ‪ ،‬فزجر عنه‬
‫بالعقوبة ارادعة اليت تش¸ ¸¸به القص¸ ¸¸اص ‪ ،‬لريت¸ ¸¸دع عن مثل فعله من يهم به ‪ ،‬فيع¸ ¸¸ود ذلك بعم¸ ¸¸ارة ال¸ ¸¸دنيا وص¸ ¸¸الح‬
‫العامل املوصل إىل إقامة العبادات املوصلة إىل نعيم اآلخرة ‪.‬‬
‫يق ول ابن القيم رحمه اهلل مبين اً الحكمة في حد الزنا ‪ ":‬وأما ال ¸¸زاين فإنه ي ¸¸زين جبميع بدنه ‪ ،‬والتل ¸¸ذذ بقض ¸¸اء‬
‫شهوته يعم البدن ‪ ،‬فعوقب مبا يعم بدنه من اجللد مرة والقتل باحلجارة مرة "‬
‫فإن قيل ‪ :‬ماالحكمة في كون العقوبة على المحصن أغلظ مما هي على البكر؟‬
‫فالجواب من أوجه ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن دواعي الش ¸¸هوة يف البكر أق ¸¸وى منها يف احملصن ‪ ،‬إذ إن احملصن قد ت ¸¸زوج ‪ ،‬فعلم ما يقع به من العف ¸¸اف‬
‫عن الف¸¸روج احملرمة ‪ ،‬واس¸¸تغىن به عنها ‪ ،‬وأح¸¸رز نفسه عن التع¸¸رض حلد الزنا ‪ ،‬ف¸¸زال ع¸¸ذره من مجيع الوج¸¸وه يف‬
‫ختطي ذلك إىل مواقعة احلرام ‪ ،‬أما البكر ‪ ،‬فإنه مل يعلم ما علمه احملصن وال عمل ما عمله ‪ ،‬فحمل له من‬
‫العذر بعض ما أوجب له التخفيف ‪ ،‬فحقن دمه ‪ ،‬وزجر بإيالم مجيع بدنه بأعلى أن¸¸واع اجللد ردعا عن املع¸¸اودة‬
‫لالستمتاع باحلرام ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫‪ -2‬وألن زىن احملصن أبشع من البكر ‪ ،‬إذ إن فيه خيانة للعالقة الزوجية ‪ ،‬وه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دماً لألس¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رة ‪ ،‬واختالط ¸ ¸ ¸ ¸اً يف‬
‫األنساب ‪ ،‬السيما يف حق املرأة إذ إنه يؤدي إىل أن تدخل املرأة يف فراش زوجها ما ليس منه ‪.‬‬
‫فإن قيل ماالحكمة في عدم معاقبة الزني بقطع العضو الذي باشر الجريمة كما هو الحال في السرقة ؟‬
‫فالجواب من أوجه ‪:‬‬
‫فالجواب من أوجه ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنه عضو خفي مستور ال تراه العيون ‪ ،‬فال حيصل االعتبار املقصود من احلد بقطعه ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن ذلك يفضي إىل إبطال آالت التناسل وانقطاع النوع اإلنساين ‪ ،‬وهو خالف مقصود¸ الشرع ‪.‬‬
‫الث الث ‪ :‬أن ل¸¸ذة الب¸¸دن مجيعه بالزنا كل¸¸ذة العضو املخص¸¸وص ‪ ،‬فال¸¸ذي ن¸¸ال الب¸¸دن من الل¸¸ذة احملرمة مثل ما ن¸¸ال‬
‫الفرج ‪ ،‬وهلذا كان حد اخلمر على مجيع البدن ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬أن قطع هذا العضو مفض إىل اهلالك ‪ ،‬وغري احملصن ال تستوجب جرميته اهلالك‬

‫فإن قيل ‪:‬ما الحكمة من تشديد العقوبة في الزنا بتشريع الرجم مع أن فيه إزهاق اً للنفس ؟وكيف نرد على من‬
‫يتهم اإلسالم بالرجعية والتخلف بهذا الحكم ؟‬
‫والج واب ‪:‬أن مش¸ ¸¸روعية ال¸ ¸¸رجم من أهم الوس¸ ¸¸ائل حلفظ اجملتمع¸ ¸¸ات من فاحشة الزن¸ ¸¸ا‪ ،‬وقد ش¸ ¸¸رع اإلس ¸¸الم ال ¸¸رجم‬
‫وجعل له من الضوابط ما يتم به حتقيق الغاية اليت شرع من أجلها ‪ ،‬ويظهر ذلك يف األوجه اآلتية ‪:‬‬
‫أوالً ‪:‬أن ه ذه العقوبة تتناسب مع قبح جريمة الزنا ‪ :‬ف¸¸إن يف الزنا من البش¸¸اعة واملفاسد ما يناسب تش¸¸ديد العقوبة‬
‫فيه ‪ ،‬وهلذا مسى اهلل ه¸ ¸ ¸ ¸¸ذه اجلرمية فاجشة فق¸ ¸ ¸ ¸¸ال ‪ " :‬وال تقرب¸ ¸ ¸ ¸¸وا الزنا إنه ك¸ ¸ ¸ ¸¸ان فاحشة وس¸ ¸ ¸ ¸¸اء س¸ ¸ ¸¸بيال" ألهنا جرمية‬
‫تستبشعها كل الشرائع والفطر السوية واجملتمعات ‪.‬‬
‫فمن مفاسد تلك الجريمة ‪ :‬اخنالط األنس ¸ ¸¸اب ال ¸ ¸¸ذي يبطل معه التع ¸ ¸¸ارف والتناصر على إحي ¸ ¸¸اء ال ¸ ¸¸دين ‪ ،‬وتفكك‬
‫األسر ‪ ،‬وض ¸¸ياع األوالد ‪ ،‬إذ يعيش ابن الزنا طيلة عم ¸¸ره لقيط¸ ¸اً مهمال ‪ ،‬وانتش ¸¸ار األم ¸¸راض يف اجملتمع ‪ ،‬وهلذا ق ¸¸ال‬
‫عليه الص¸ ¸ ¸ ¸¸الة والس¸ ¸ ¸ ¸¸الم ‪ :‬وما ظه¸ ¸ ¸ ¸¸رت الفاحشة يف ق¸ ¸ ¸ ¸¸وم قط إال ابتالهم اهلل ب¸ ¸ ¸ ¸¸األمراض واألوج¸ ¸ ¸ ¸¸اع اليت مل تكن يف‬
‫أس ¸¸الفهم " ‪ ،‬والقض ¸¸اء على النك ¸¸اح ال ¸¸ذي هو من أهم مقاصد الش ¸¸ريعة ‪ ،‬وإدخ¸ ¸¸ال الع ¸¸ار على األس ¸¸رة بل والقبيلة‬
‫برمتها ‪ ،‬فهو يف احلقيقة جرمية قتل ‪ ،‬وهلذا يق ¸¸ول س ¸¸يد قطب ‪":‬كث ¸¸رياً ما يق ¸¸رن اهلل تع ¸¸اىل يف كتابه بني الش ¸¸رك وقتل‬
‫النفس والزناذلك أهنا كلها جرائم قتل يف احلقيقة ‪ :‬اجلرمية األوىل قتل للفطرة ‪ ،‬والثانية جرمية قتل للجماعة ‪ ،‬والثالثة‬
‫جرمية قتل للنفس املفردة "‬
‫ثانياً ‪:‬ثم إن هذه العقوبة مقررة في الكتب السماوية األخرى ‪:‬‬

‫‪128‬‬
‫فعن ابن عمر أن { اليه¸¸ود أت¸¸وا النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم برجل وام¸¸رأة منهم قد زنيا ‪ - ،‬احلديث وقد س¸¸بق ذك¸¸ره‬
‫‪ . } -‬متفق عليه‬
‫ثالثاً ‪:‬وكذلك فإن الشريعة جعلت لتنفيذ الرجم قيوداً لضمان تنفيذ الرجم في أضيق نطاق ‪:‬‬
‫فمن ذلك وجوب ثبوت البينة إلقامة احلد ‪ ،‬وإذا تأملنا البينة يف الزنا فهي ‪:‬‬
‫‪ -‬إما شهادة أربعة رجال يشهدون أهنم رأوا الزنا بأعينهم حقيقة‪ ،‬وال يكفي أن يشهدوا أهنم راوا الرجل يعلو املرأة‬
‫‪ ،‬وإال ح ¸¸دوا حد الق ¸¸ذف ‪ ،‬وه ¸¸ذا أش ¸¸به باملس ¸¸تحيل ‪ ،‬وهلذا ذكر ابن تيمية أنه مل ي ¸¸رجم أحد بش ¸¸هادة أربعة عليه مذ‬
‫عصر النيب صلى اهلل عليه وسلم وحىت عصره ‪.‬‬
‫‪ -‬وإما إق¸¸راره على نفسه بالزنا أربع م¸¸رات ‪ ،‬ويش¸¸رتط يف ه¸¸ذه احلال أن اليك¸¸ون اإلق¸¸رار حتت التهديد أو الض¸¸غط أو‬
‫الضرب ‪.‬‬
‫واملتأمل يف النص¸¸وص ال¸¸واردة يف مثل قصة م¸¸اعز والغامدية يلحظ أن الش¸¸رع مييل إىل السرت على ال¸¸زاين ‪ ،‬وال¸¸رتوي يف‬
‫إقامة احلد ‪ ،‬وأنه مىت ما رجع عن اعرتافه فإن احلد يدرأ عنه ‪ ،‬وال مانع يف مثل ه¸¸ذه احلال من التعزير إذا ق¸¸امت عند‬
‫القاضي ق¸ ¸ ¸¸رائن التصل إىل درجة البينة لتنفيذ حد ال¸ ¸ ¸¸زىن ‪ ،‬ومما يؤكد ذلك أن النيب ص¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸ ¸¸لم مل يطلب‬
‫املرأة اليت زىن هبا ماعز ‪ ،‬ومل يسأله من هي ؟ بل سرت عليها درأ احلد عنها تغليباً جلانب السرت ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬ثم إن الغاية من إقامة الحد هي تطهير الزاني من جريمته ‪:‬‬
‫وه ¸ ¸ ¸¸ذا يف احلقيقة هو الف¸ ¸ ¸ ¸¸ارق اجلوهري بني املقص¸ ¸ ¸ ¸¸ود من احلدود يف اإلس¸ ¸ ¸ ¸¸الم ‪ ،‬واملقص¸ ¸ ¸ ¸¸ود منها يف النظم الرعية ‪،‬‬
‫ف¸¸اخلالف حقيقة من أصل النظ¸¸رة ‪ ،‬وهلذا ف¸¸إن اجلاين يف اإلس¸¸الم ي¸¸أيت بنفسه إىل اإلم¸¸ام طالب¸اً تنفيذ حكم اهلل فيه حىت‬
‫يطهر من ذنبه ‪ ،‬وهذا ما ال ميكن أن يدركه أي ٍ‬
‫نظام آخر ‪.‬‬
‫فعن سليمان بن بريدة عن أبيه { أن النيب صلى اهلل عليه وسلم جاءته ام¸¸رأة من غامد من األزد ‪ ،‬فق¸¸الت ‪ :‬يا رس¸¸ول‬
‫اهلل طه¸¸رين ‪ ،‬فق¸¸ال ‪ :‬وحيك ارجعي فاس¸¸تغفري¸ اهلل وت¸¸ويب إليه ‪ ،‬فق¸¸الت ‪ :‬أراك تريد أن ت¸¸ردين كما رددت م¸¸اعز بن‬
‫مالك ‪ ،‬ق¸¸ال ‪ :‬وما ذاك ق¸¸الت إهنا حبلى من الزنا ‪ ،‬ق¸¸ال ‪ :‬أنت ؟ ق¸¸الت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فق¸¸ال هلا ‪ :‬حىت تض¸¸عي ما يف بطنك‬
‫‪..‬احلديث } ‪ .‬رواه مسلم‬
‫وعن عمران بن حصني { أن ام¸¸رأة من جهينة أتت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم وهي حبلى من الزنا ‪ ،‬فق¸¸الت ‪:‬‬
‫يا رسول اهلل أصبت حدا فأقمه علي ‪ -‬احلديث – وفيه ‪ :‬مث أمر هبا فرمجت مث ص¸¸لى عليها ‪ ،‬فق¸ال له عمر ‪ :‬نص¸لي‬
‫عليها يا رس ¸ ¸ ¸¸ول اهلل وقد زنت ؟ ق ¸ ¸ ¸¸ال ‪ :‬لقد ت ¸ ¸ ¸¸ابت توبة لو قس ¸ ¸ ¸¸مت بني س ¸ ¸ ¸¸بعني من أهل املدينة لوس ¸ ¸¸عتهم ‪ ،‬وهل‬
‫وجدت أفضل من أن جادت بنفسها هلل ؟ } رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫حـد القذف‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف القذف ‪:‬‬
‫القذف يف اللغة ‪ :‬مبعىن الرمي ‪.‬‬
‫ويف الشرع ‪ :‬هو الرمي بزنا أو لواط ‪.‬‬
‫فلو رماه مبا دون ذلك ‪ ،‬كالتقبيل ‪ ،‬واملباشرة ‪ ،‬وشرب اخلمر ‪ ،‬والسرقة ‪ ،‬والكفر ‪ ،‬فليس بقذف ‪ ،‬وإمنا فيه التعزير‬
‫‪ ،‬وكذلك لو قال‪ :‬يا فاسق يامحار يا كافر وحنو ذلك ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬حكم القذف ‪:‬‬
‫القذف من كبائر الذنوب ‪ ،‬وقد جاء الوعيد الشديد عليه يف الكتاب والسنة ‪:‬‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقال تعالى ‪ " :‬إن الذين يرمون احملصنات الغافالت املؤمنات لعنوا يف الدنيا واآلخرة وهلم عذاب‬
‫عظيم ‪ ،‬يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم مبا كانوا يعملون ‪ِ ،‬‬
‫يومئذ يوفيهم اهلل دينهم احلق ويعلمون أن‬
‫اهلل هو احلق املبني "‬
‫وأما السنة ‪ :‬ففي الصحيحني عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم اجتنبوا السبع املوبقات‬
‫قالوا وما هن يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال الشرك باهلل والسحر وقتل النفس اليت حرم اهلل وأكل الربا‬
‫وأكل مال اليتيم والتويل يوم الزحف وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت متفق عليه‬
‫والمحصنات في هذه اآلية بمعنى العفائف‬
‫فائدة ‪:‬‬
‫المحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬هذا ‪ ،‬أي العفيفات ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬مبعىن املزوجات كقوله تعاىل ‪" :‬واحملصنات من النساء إال ما ملكت أميانكم "‬
‫والثالث ‪ :‬مبعىن احلرائر كقوله تعاىل " ومن مل يستطع منكم طوال أن ينكح احملصنات املؤمنات "‬
‫وقوله سبحانه " واحملصنات من املؤمنات واحملصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "‬

‫‪130‬‬
‫وقوله ‪ " :‬فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب "‬
‫والرابع ‪ :‬مبعىن اإلسالم كقوله ‪ " :‬فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة – اآلية –" قال ابن مسعود إحصاهنا إسالمها ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬حد القذف ‪:‬‬
‫حد القذف ‪ :‬مثانون جلدة إذا كان القاذف حراً ‪ ،‬بالغاً ‪ ،‬عاقالً ‪ ،‬غري مكره ‪.‬‬
‫والدليل على ذلك من الكتاب والسنة واإلجماع ‪:‬‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعاىل ‪ " :‬والذين يرمون احملصنات مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني جلدة والتقبلوا هلم‬
‫شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ‪ ،‬إال الذين تابوا من بعذ ذلك وأصلحوا فإن اهلل غفور رحيم "‬
‫فرتب اهلل في هذه اآليات ثالثة أحكام على القاذف ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬اجللد مثانني جلدة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن ترد شهادته ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه من الفاسقني ‪.‬‬
‫فإذا تاب من ذنبه ‪ ،‬فإن توبته ترفع حكم الفسق باتفاق الفقهاء ‪ ،‬وال ترفع عنه حكم اجللد باالتفاق أيضاً ‪ ،‬فلو‬
‫تاب قبل جلده فإنه حيد إذا طلب املقذوف ألنه حق آدمي فال يسقط بالتوبة ‪.‬‬
‫وأما رد شهادته ‪ ،‬ففيها خالف بني العلماء ‪ :‬فذهب احلنفية إىل أنه مردود الشهادة ولو تاب ‪ ،‬وذهب اجلمهور إىل‬
‫قبول شهادته بعد التوبة ‪ ،‬وسبب اختالفهم هو اختالفهم يف االستثناء املذكور يف اآلية هل هو عائد على مجيع ما‬
‫ذكر يف اآلية األوىل أم على اجلملة األخرية منه ‪ ،‬فاألحناف يرون أنه عائد على اجلملة األخرية فقط ‪ ،‬واجلمهور‬
‫يرون أنه عائد على مجيع ما ذكر ‪ ،‬وإمنا خرج اجللد باإلمجاع ‪.‬‬
‫وأما السنة ‪ :‬فعن عائشة رضي اهلل عنها – يف قصة اإلفك‪ ، -‬قالت ‪ :‬ملا نزل عذري ‪ ،‬قام رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم على املنرب فذكر ذلك ‪ ،‬وتال القرآن ‪ ،‬فلما نزل أمر برجلني وامرأة فضربوا حدهم " أخرجه اخلمسة‬
‫وقد أمجعت األمة على أن حد القذف مثانون جلدة للحر ‪.‬‬
‫فإن كان القاذف عبداً فحده أربعون جلدة ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪ -‬يف اإلماء‪ " : -‬فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة فعليهن‬
‫نصف ما على احملصنات من العذاب " وحكم الرجال األرقاء كاإلماء ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬من هو المحصن في باب القذف ‪:‬‬
‫من شروط حد القذف أن يكون املقذوف حمصناً ‪ ،‬فلو قذف غري حمصن فال حيد وإمنا فيه التعزير ‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫فمن هو احملصن يف باب القذف ؟‬
‫ينبغي أن يعلم أوالً أن احملصن يف باب القذف غري احملصن يف باب الزنا ‪.‬‬
‫فالمحصن في باب القذف هو ‪ :‬احلر ‪،‬املسلم ‪ ،‬العاقل ‪ ،‬العفيف ‪ ،‬الذي جيامع مثله ‪.‬‬
‫فهذه ستة شروط ‪:‬‬
‫أن يكون‬
‫‪ -1‬مسلماً ‪ :‬فال حد على من رمى غري املسلم لقوله تعاىل ‪ " :‬إن الذين يرمون احملصنات الغافالت املؤمنات " ‪.‬‬
‫‪ -2‬حراً ‪ :‬فال حد على من رمى عبداً ‪.‬‬
‫‪ -3‬عاقالً ‪ :‬فلو قذف جمنوناً فال حد ألنه اليلحقه عار بذلك ‪.‬‬
‫‪ -4‬عفيفاً ‪ :‬أي من الزنا يف الظاهر ‪ ،‬ولو تائباً منه ‪ ،‬فلو رمى فاجراً فال حد ‪ ،‬لقوله تعاىل يف اآلية السابقة ‪" :‬‬
‫الغافالت " أي عن الزنا‪.‬‬
‫‪ -5‬يجامع مثله ‪ :‬وهو خيتلف حبسب حال املقذوف ‪ ،‬ولداً كان أو بنت ‪ ،‬وضبطه احلنابلة بابن عشر سنني‬
‫‪،‬وبنت تسع ‪ ،‬واألوىل عدم التحديد ألن هذا خيتلف حبسب حال املقذوف وجسمه ‪.‬‬
‫فلو قذف من الجيامع مثله ‪ ،‬كابن مخس سنني فال حد ألنه ال يلحقه العار بذلك ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬هل األغلب في حد القذف حق اهلل أم حق اآلدمي ؟ ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف ذلك ‪:‬‬
‫فذهب األحناف إىل أن األغلب هو حق اهلل ‪.‬‬
‫وذهب اجلمهور إىل أن األغلب هو حق اآلدمي ‪.‬‬
‫ويترتب على هذا الخالف مسالتان ‪ ،‬ومها ‪:‬‬
‫‪ -1‬هل يشترط إلقامة الحد مطالبة المقذوف ؟‬
‫‪ -2‬وهل يسقص احلد بعفوه ؟‬
‫فمن غلب حق اآلدمي وهم احلمهور قالوا ‪ :‬يشرتط إلقامة احلد مطالبة املقذوف ‪ ،‬كما قالوا ‪ :‬يسقط احلد بعفوه ‪،‬‬
‫كالقصاص ‪.‬‬
‫أما األحناف فقالوا ‪ :‬جيب إقامة احلد ولو مل يطلب املقذوف ‪ ،‬واليسقط بعفوه ألنه حق اهلل ‪ ،‬فال يسقط بالعفو‬
‫كسائر احلدود ‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫وسبب الخالف في هذه المسالة ‪ :‬أن حد القذف فيه شبه بالقصاص ‪ ،‬كما أن فيه شبهاً باحلدود ‪ ،‬فهو من جهة‬
‫يشبه القصاص ألنه مشروع جزاءً العتداء القاذف على عرض املقذوف ‪ ،‬كما أن القصاص مشروع جزاءً العتداء‬
‫اجلاين على نفس اجملين عليه ‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن قاعدة الشريعة يف اجلوابر والتعويضات أن تكون باملثل ‪ ،‬ولكن‬
‫يف هذه احلال تتعذر املعاقبة باملثل ‪ ،‬فشرع احلد جلداً فمن هذه اجلهة أشبه احلدود ‪.‬‬
‫واألقرب واهلل أعلم هو قول الجمهور ‪ ،‬فاألغلب فيه هو حق اآلدمي فال يستوفى إال بطلب المقذوف ‪،‬‬
‫ويسقط بعفوه ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬ألفاظ القذف ‪:‬‬
‫ألفاظ القذف على ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ .1‬صريح القذف ‪ :‬هو اللفظ الذي الحيتمل غري القذف ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬يازاين ‪ ،‬يالوطي ‪ ،‬أو قد زنيت ‪ ،‬أو يا منيوك ويامنيوكة إن مل يفسره بفعل زوج أو سيد ‪ ،‬فإن فسر بفعل‬
‫زوج أو سيد فليس بقذف ‪.‬‬
‫ومن قال ‪ :‬يابن الزانية فهو قذف ألمه ‪.‬‬
‫ومن صريح القذف كذلك ‪ :‬نفي نسبه ‪ ،‬مثل أن يقول ‪ :‬لست ولد فالن ‪ ،‬فهذا قذف قذف ألمه أي املقول له ‪،‬‬
‫وكذا لو نفاه عن قبيلته حلديث األشعث بن قيس مرفوعا ‪ " :‬ال أوتى برجل يقول ‪ :‬إن كنانة ليست من قريش إال‬
‫جلدته " ‪ ،‬وألنه اليكون لغري أبيه إال بزىن أمه ‪.‬‬
‫فمثل هذه األلفاظ حيد قائلها مطلقاً سواء ادعى أنه مل يقصد القذف أم مل يدع ذلك ‪ ،‬وسواء كان هناك قرينة‬
‫ظاهرة على أنه قصد القذف أم مل يكن ‪.‬‬
‫‪ .2‬وكناية القذف ‪ :‬هو اللفظ الذي حيتمل القذف وغريه ‪.‬‬
‫مثل ‪ :‬ياقحبة ‪ ،‬يافاجرة ‪،‬ياخبيث ‪ ،‬ياخبيثة ‪ ،‬فضحت زوجك ‪ ،‬نكست رأسه ‪ ،‬جعلت له قروناً ‪ ،‬زنت يداك ‪،‬‬
‫وحنوذلك ‪.‬‬
‫فهذا ينظر فيه إلى ظاهر الحال ‪ :‬فإن كان ظاهر احلال يدل على أنه قصد القذف فإنه حيد به ‪ ،‬حىت ولو ادعى أنه‬
‫مل يقصد القذف ‪ ،‬أما إن كان ظاهر احلال ال يدل على أنه قصد القذف ‪ ،‬وفسره هو بغري القذف فيقبل تفسريه‬
‫وال حيد ‪ ،‬بل يعزر ‪ ،‬كأن أراد باملخنث املتطبع بطبائع التأنيث ‪ ،‬وبالقحبة املتعرضة للزىن وإن مل تفعله ‪ ،‬وبالفاجرة‬
‫الكاذبة وحنو ذلك ‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ .3‬والتعريض بالقذف ‪ :‬مثل أن يقول ملن خياصمه ‪ :‬ما أنت بزان ‪ ،‬ما يعرفك الناس بالزنا ‪ ،‬يا حالل ابن احلالل‬
‫‪ ،‬أو يقول ‪ :‬ما أنا بزان وال أمي بزانية ن يقصد بذلك التعريض باآلخر ‪.‬‬
‫فاختلف أهل العلم في ذلك فيما إذا كان هناك قرينة تدل على قصده القذف ‪:‬‬
‫فذهب بعضهم إلى أنه ليس بقذف ولو وجدت قرينة ‪ ،‬لما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ملا يف الصحيحني أن رجال قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم إن امرأيت ولدت غالما أسود يعرض بنفيه فلم يلزمه‬
‫بذلك حد وال غريه ‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن اهلل فرق بني التعريض باخلطبة والتصريح هبا فأباح التعريض يف العدة وحرم التصريح فكذلك يف القذف‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬عليه احلد ‪ ،‬ملايلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن عمر حني شاورهم يف الذي قال لصاحبه ما أنا بزان وال أمي بزانية فقالوا قد مدح أباه وأمه فقال عمر ‪:‬‬
‫قد عرض بصاحبه ‪ ،‬فجلده احلد ‪.‬‬
‫‪ -2‬وروى أن عثمان جلد رجال قال آلخر يا ابن شامة الوذر يعرض له بزنا أمه والوذر قدر اللحم يعرض له بكمر‬
‫الرجال‬
‫‪ -3‬وألن الكناية مع القرينة الصارفة إىل أحد حمتمالهتا كالصريح الذي ال حيتمل إال ذلك املعىن ولذلك وقع‬
‫الطالق بالكناية‪.‬‬
‫‪ -4‬وألن هذه األلفاظ يراد هبا القذف عرفا فجرت جمرى الصريح ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬وهو أن التعريض يعد قذفاً إذا وجدت قرينة تدل على أنه قصد القذف ‪ ،‬فإن مل يكن‬
‫يف حال اخلصومة وال وجدت قرينة تصرف إىل القذف فاألقرب أنه ليس بقذف ‪.‬‬
‫وأما اجلواب عن احلديث الذي استدل به أصحاب القول األول فنقول ‪ :‬إن الرجل جاء إىل النيب صلى اهلل عليه‬
‫وسلم مستفتياً ‪ ،‬ومل يقصد القذف ‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن حكم التعريض بالقذف كحكم الكناية ‪.‬‬

‫فائدة هامة ‪ :‬املرجع يف حتديد ألفاظ القذف وكوهنا صرحية أم كناية أم تعريضاً إىل العرف ‪ ،‬فما عده الناس صرحياً‬
‫يف القذف أو كناية فيه أو تعريضاً به فهو كذلك ‪ ،‬وما ال فال ‪.‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬حكم من قذف جماعة ‪:‬‬
‫من قذف أهل بلد ‪ ،‬أو مجاعة اليتصور منهم الزنا عادة ‪ ،‬فال حد عليه ‪ ،‬ألنه العار عليهم بذلك ‪ ،‬للقطع بكذبه ‪،‬‬
‫وإمنا يعزر ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫وإن كان يتصور الزىن منهم عادة وقذف كل واحدة بكلمة فعليه لكل واحد حد لتعدد القذف وتعدد حمله كما لو‬
‫قذف كال منهم دون أن يقذف اآلخر ‪ ،‬وإن كان إمجاال كقوله هم زناة فحد واحد لقوله تعاىل ‪ " :‬والذين يرمون‬
‫احملصنات اآلية " ومل يفرق بني قذف واحد ومجاعة ‪ ،‬وألنه قذف واحد فال جيب به أكثر من حد ‪.‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬شروط إقامة حد القذف ‪:‬‬
‫يشترط إلقامة حد القذف ما يلي ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬ثبوته ‪:‬‬
‫ويثبت حد القذف بإقراره أي القاذف ‪ ،‬أو بشهادة عدلني على أنه نطق به ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬مطالبة المقذوف ‪:‬‬
‫وهذه املسالة حمل خالف بني أهل العلم ‪ ،‬وتبني أن القول الصحيح أن حد القذف اليقام إال بطلب من املقذوف ‪.‬‬
‫ولو مات املقذوف ومل يطالب به سقط ‪.‬‬
‫ومن قذف ميتاً فلوارثه املطالبة بإقامة احلد عليه ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬قال أهل العلم ‪ :‬من قذف نبياً كفر ‪ ،‬وقتل ‪ ،‬ولو تاب ‪.‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬مسقطات حد القذف ‪:‬‬
‫يسقط حد القذف بمايلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬عفو المقذوف ‪:‬‬
‫فلو طالب باحلد مث عفا سقط احلد عن القاذف ‪ ،‬على الصحيح من أقوال أهل العلم ‪.‬‬
‫‪ -2‬ثبوت الزنا على المقذوف ‪:‬‬
‫إما بإكتمال أربعة شهداء ‪ ،‬أو بإقرار املقذوف به ‪.‬‬
‫وعلى هذا فو شهد ثالثة على شخص بالزنا فإهنم حيدون حد الفرية أي القذف ‪.‬‬
‫‪ -3‬اللعان ‪:‬‬
‫وذلك بالنسبة للزوج يف قذفه المرأته ‪ ،‬فيدرأ حد القذف عن نفسه مبالعنته ‪.‬‬
‫المبحث العاشر ‪:‬إن قيل ‪ :‬ما الحكمة في إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ؟‬
‫الجواب من وجهين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬ما أش ار إليه ابن القيم رحمه اهلل بقوله ‪ ":‬إن الق¸ ¸¸اذف غ¸ ¸¸ريه بالزنا ال س¸ ¸¸بيل للن¸ ¸¸اس إىل العلم بكذبه ‪،‬‬
‫فجعل حد الفرية تك ¸ ¸¸ذيبا له ‪ ،‬وتربئة لع ¸ ¸¸رض املق ¸ ¸¸ذوف ‪ ،‬وتعظيما لش¸ ¸ ¸¸أن ه ¸ ¸¸ذه الفاحشة اليت جيلد من رمى هبا‬
‫مس ¸¸لما ‪ ،‬وأما من رمى غ ¸¸ريه ب ¸¸الكفر ف ¸¸إن ش ¸¸اهد ح ¸¸ال املس ¸¸لم واطالع املس ¸¸لمني عليها ك ¸¸اف يف تكذيبه ‪ ،‬وال‬

‫‪135‬‬
‫يلحقه من الع¸ ¸¸ار بكذبه عليه يف ذلك ما يلحقه بكذبه عليه يف ال¸ ¸¸رمي بالفاحشة ‪ ،‬وال س¸ ¸¸يما إن ك¸ ¸¸ان املق¸ ¸¸ذوف‬
‫ام¸¸رأة ‪ ،‬ف¸¸إن الع¸¸ار واملع¸¸رة¸ اليت تلحقها بقذفه بني أهلها وتش¸¸عب ظن¸¸ون الن¸¸اس وك¸¸وهنم بني مص¸¸دق ومك¸¸ذب ال‬
‫يلحق مثله بالرمي بالكفر "‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬وألن القذف ال يقتصر ضرره على املقذوف وحده ‪ ،‬بل يلحقه وزوجه وأوالده وعشريته ‪ ،‬خبالف الكفر‬
‫‪.‬‬

‫الفصل الربع‬
‫حـد المسكر‬
‫المبحث األول ‪ :‬حكم الخمر ‪:‬‬
‫شرب اخلمر من الكبائروقد جاء حترميه يف الكتاب والسنةواإلمجاع ‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫فمن الكتاب ‪ :‬قوله تعاىل ‪":‬يا أيها الذين آمنوا إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان‬
‫‪...‬اآلية "‬
‫ومن السنة ‪ :‬فقد تواترت األحاديث على حترمي اخلمر ‪: ،‬‬
‫فقد أخ رج الش يخان وغيرهما عن أبي هري رة رضي اهلل عنه أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال ‪ { :‬ال ي ¸¸زين‬
‫الزاين حني يزين وهو مؤمن ‪ ،‬وال يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن ‪ ،‬وال يشرب اخلمر حني يش¸¸رب وهو‬
‫مؤمن }‬
‫وعنه أيض اً{ لعن رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم يف اخلمر عش ¸¸رة ‪ :‬عاص ¸¸رها ومعتص ¸¸رها وش ¸¸ارهبا وحاملها‬
‫واحملمولة له وساقيها وبائعها وآكل مثنها واملشرتي هلا واملشرتى له } ‪ .‬رواه أبو داود وغريه‬
‫وروى مسلم في صحيحه عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬كل مس¸¸كر ح¸¸رام وإن على اهلل عه¸¸دا ملن‬
‫يشرب املسكر أن يسقيه من طينة اخلبال قالوا يا رسول اهلل وما طينة اخلبال ؟ ق¸ال ‪ :‬ع¸¸رق أهل الن¸ار أو عص¸ارة‬
‫أهل النار }‬
‫وعن ابن عمر أن الن بي ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ‪":‬من ش ¸ ¸¸رب اخلمر يف ال ¸ ¸¸دنيا مث مل يتب منها حرمها يف‬
‫اآلخرة" ‪ .‬متفق عليه‬
‫وقد استش كل أهل العلم مع نى الح ديث ‪ ،‬ذلك أن اجلنة فيها ما تش ¸ ¸¸تهيه األنفس وتلذ األعني ‪ ،‬واهلل تع¸ ¸¸اىل‬
‫أخرب أن يف اجلنة أهنارا من مخر ل¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذة للش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اربني فلو دخلها وقد علم أن فيها مخرا أو أنه حرمها عقوبة له ل ¸ ¸ ¸¸زم‬
‫وقوع اهلم واحلزن ‪ ،‬واجلنة ال هم فيها وال حزن ‪.‬‬
‫وللعلماء في معنى الحديث عدة أقوال ‪:‬‬

‫‪ -1‬فق¸ ¸¸ال ابن عب¸ ¸¸دالرب‪ :‬حيمل احلديث عند أهل الس ¸¸نة على أنه ال ي¸ ¸¸دخلها وال يش¸ ¸¸رب اخلمر فيها إال إن عفا‬
‫اهلل عنه كما يف بقية الكب¸¸ائر وهو يف املش¸¸يئة ‪ ،‬فعلى ه¸¸ذا معىن احلديث ‪ :‬ج¸¸زاؤه يف اآلخ¸¸رة أن حيرمها حلرمانه‬
‫دخول اجلنة إال إن عفا اهلل عنه ‪.‬‬
‫‪-2‬وقال القاضي عياض ‪ :‬املراد حبرمانه شرهبا أنه حيبس عن اجلنة مدة إذا أراد اهلل عقوبته ‪.‬‬
‫‪-3‬وقال النووي ‪ :‬معن¸¸اه أنه حيرم ش¸¸رهبا يف اجلنة وإن دخلها قيل ينس¸¸اها وقيل ال يش¸¸تهيها وإن ذكرها ويك¸¸ون‬
‫هذا نقص نعيم يف حقه متييزا بينه وبني تارك شهوهتا ‪.‬‬
‫وه ¸¸ذا التأويل هو األق ¸¸رب ويؤي ¸¸ده ح ¸¸ديث أيب س ¸¸عيد مرفوعا { من لبس احلرير يف ال ¸¸دنيا مل يلبسه يف اآلخ ¸¸رة ‪،‬‬
‫وإن دخل اجلنة لبسه أهل اجلنة ومل يلبسه } وقد أخرجه الط ¸¸رباين وص ¸¸ححه ابن حب ¸¸ان ‪ ،‬وك ¸¸ذلك ح ¸¸ديث عبد‬
‫اهلل بن عم¸¸رو رفعه { من م¸¸ات من أميت وهو يش¸¸رب اخلمر ح¸¸رم اهلل عليه ش¸¸رهبا يف اجلنة } أخرجه أمحد بس¸¸ند‬
‫حسن ‪.‬‬
‫ومما يدخل في تحريم المسكر ‪ :‬تحريم المخدرات ‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫وي ¸¸دخل يف ذلك احلشيشة واألفي ¸¸ون ‪ ،‬فه ¸¸ذه كلها مس ¸¸كرة كما ص ¸¸رح به الن ¸¸ووي وغ ¸¸ريه ‪ ،‬وإذا ثبت أن ه ¸¸ذه‬

‫كلها مسكرة أو خمدرة فاستعماهلا كبرية وفسق كاخلمر ‪ ،‬فكل ما ج¸اء يف وعيد ش¸ارهبا ي¸أيت يف مس¸تعمل ش¸يء‬

‫من ه ¸¸ذه املذكورات الش ¸¸رتاكهما يف إزالة العقل املقص ¸¸ود للش ¸¸ارع بق ¸¸اؤه ‪ ،‬ألنه اآللة للفهم عن اهلل تع ¸¸اىل وعن‬

‫رس¸¸وله واملتم¸¸يز به اإلنس¸¸ان عن احلي¸¸وان والوس¸¸يلة إىل إيث¸¸ار الكم¸¸االت عن النق¸¸ائص ‪ ،‬فك¸¸ان يف تع¸¸اطي ما يزيله‬

‫وعيد اخلمر ‪.‬‬

‫وي ¸¸دخل يف املف¸ ¸¸رتات الق¸ ¸¸ات وقد ألف اهليتمي كتابا مساه [ حتذير الثق¸ ¸¸ات عن اس¸ ¸¸تعمال الكفتة والق ¸¸ات ] يف‬
‫التح¸ ¸ ¸¸ذير عنهما ‪ ،‬واألصل في تح ريم كل ذلك ما رواه أحمد في مس نده وأبو داود في س ننه ‪ { :‬نهى‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر } ‪.‬‬
‫قال العلماء ‪ :‬املفرت كل ما يورث الفتور واخلدر يف األطراف ‪ ،‬وهذه املذكورات كلها تسكر وختدر وتفرت ‪.‬‬
‫وحكى الق ¸ ¸¸رايف وابن تيمية اإلمجاع على حترمي احلشيشة ‪ ،‬ق ¸ ¸¸ال ‪ :‬ومن اس ¸ ¸¸تحلها فقد كفر ‪ .‬ق ¸ ¸¸ال ‪ :‬وإمنا مل‬
‫يتكلم فيها األئمة األربعة ألهنا مل تكن يف زمنهم ‪ ،‬وإمنا ظه¸¸رت يف آخر املائة السادسة وأول املائة الس¸¸ابعة حني‬
‫ظهرت دولة التتار ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬ضابط المسكر ‪:‬‬
‫مثت ضابطان عند أهل العلم يف حتديد املسكر ‪ ،‬ومها ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬كل ما أسكر كثيره فقليله حرام‬
‫والثاني ‪ :‬كل مسكر خمر ‪ ،‬وكل خمر حرام ‪.‬‬
‫فال خيتص اخلمر بكونه من العنب بل يكون من سائر املصعومات إذا أسكرت ‪.‬‬
‫واألدلة على هذين الضابطين ‪:‬‬
‫‪ -1‬عموم اآلية السابقة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن ابن عمر مرفوعا ‪ " :‬كل مسكر مخر وكل مخر حرام " رواه مسلم‬

‫‪138‬‬
‫‪ -3‬وق¸ال عمر ن¸زل حترمي اخلمر وهي من العنب والتمر والعسل واحلنطة والش¸عري واخلم¸رة ما خ¸امر العقل متفق‬
‫عليه‬
‫‪ -4‬وعن ابن عمر مرفوعا ‪ " :‬ما أسكر كثريه فقليله حرام " رواه أمحد وابن ماجة والدارقطين‬
‫‪ -5‬وعن عائشة مرفوعا‪ " :‬ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " رواه أبو داود‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬تحريم الخمر في الشرائع السابقة ‪:‬‬
‫ق ال الغ زالي‪ :‬مل تش¸ ¸¸تمل ملة قط على حتليل املس¸ ¸¸كر وإن اش¸ ¸¸تملت على حتليل الق¸ ¸¸در ال¸ ¸¸ذي ال يُس ¸¸كر من‬
‫جنس املسكر‪.‬‬
‫يدل على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬نصوص الشريعة التي بينت أن جميع الرسل أتوا إلصالح أقوامهم وإرشادهم لما فيه خيرهم في‬
‫ال دنيا واآلخ رة ‪ :‬وحترمي اخلمر من ذلك ‪ ،‬كما ق ¸¸ال تع ¸¸اىل على لس ¸¸ان ش ¸¸غيب " إن أريد إال اإلص ¸¸الح ما‬
‫اس¸¸تطعت " وق¸¸ال موسى ألخيه ه¸¸ارون " اخلفين يف ق¸¸ومي وأص¸¸لح وال تتبع س¸¸بيل املفس¸¸دين " وق¸¸ال ص¸¸لى‬
‫اهلل عليه وس¸¸لم‪":‬إنه مل يكن نيب قبلي قط إال ك¸¸ان حق ¸اً عليه أن ي¸¸دل أمته على خري ما يعلمه هلم‪ ،‬وحيذرهم‬
‫من شر ما يعلمه هلم" ‪ ،‬وإن من الشر الذي أمجع عليه أرباب العقول هو شرب اخلمر‪.‬‬
‫‪-2‬وردت آثار عن الصحابة تدل على أن الخمر كانت محرمة على األمم السابقة ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ ‬ما روى ال ¸¸بيهقي عن عثم ان بإس ¸¸ناد ص ¸¸حيح أنه ق ¸¸ال‪ :‬اجتنب ¸¸وا اخلمر فإهنا ُأم اخلب ¸¸ائث‪ ،‬إنه ك ¸¸ان رجل ممن‬
‫قبلكم يتعبد اهلل فعلقته إم¸¸رأة غوية فأرس¸¸لت إليه جاريتها تطلبه للش¸¸هادة‪ ،‬فلما ج¸¸اء جعلت كلما دخل باب¸اً‬
‫أغلقته دونه حىت انتهى إىل امرأة وضيئة فقالت‪ :‬إين ما دعوت للش¸هادة ولكن لتقع علي أو تش¸رب اخلم¸ر‪-‬‬
‫وك¸¸ان عن¸¸ده باطية مخر‪ -‬أو تقت¸ل ه¸¸ذا الغالم‪ ،‬فق¸¸ال اخلمر أه¸¸ون‪ ،‬فش¸¸رب كأس¸اً مث ق¸¸ال زي¸¸دوين‪ ،‬فوقع على‬
‫املرأة وقتل الغالم‪ ،‬مث قال عثمان‪ :‬فاجتنبوا اخلمر فإهنا ُأم اخلبائث‪.‬‬
‫‪ ‬وك¸¸ذلك ما ورد عن عبد اهلل ابن عمرو أنه ق¸¸ال‪:‬إن ه¸¸ذه اآلية اليت يف الق¸¸رآن يا أيها ال¸¸ذين آمن¸¸وا إمنا اخلمر‬
‫وامليسر واألنص¸¸اب واألزالم رجس من عمل الش¸¸يطان ف¸¸اجتنبوه لعلكم تفلح¸¸ون ‪ ،‬ق¸¸ال هي يف الت¸¸وراة ‪ :‬إن‬
‫اهلل أن¸¸زل احلق لي¸¸ذهب به الباطل ويبطل به اللعب واملزامري وال¸¸زفن والكب¸¸ارات يعين الربابط والزم¸¸ارات يعين‬
‫به ال¸ ¸ ¸ ¸¸دف والطن¸ ¸ ¸ ¸¸ابري والش¸ ¸ ¸ ¸¸عر واخلمر ملن طعمها م¸ ¸ ¸ ¸¸رة أقسم اهلل بيمينه وعزمه¸ من ش¸ ¸ ¸ ¸¸رهبا بع¸ ¸ ¸¸دما حرمتها‬
‫ألعطش¸¸نه ي¸¸وم القيامة ومن تركها بعد ما حرمتها ألس¸¸قينه إياها يف حظ¸¸رية الق¸¸دس رواه ابن أيب ح¸¸امت وق¸¸ال‬
‫ابن كثري ‪ :‬إسناده صحيح‬
‫والزفن‪ :‬الرقص – والكربات‪ :‬الربابط مجع بربط وهو آلة عزف تشبه العود – والزفرات‪ :‬الدفوف‪.‬‬
‫والشاهد أن هذه اآلية موجودة يف التوراة وفيها حترمي اخلمر صراحة ‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬حد المسكر ‪:‬‬
‫الخالف بني العلماء على وجوب احلد على من شرب مسكراً ‪ ،‬واختلفوا يف مقداره على قولني ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن حده مثانون جلدة ‪.‬‬
‫وهذا هو قول اجلمهور من احلنفية واملالكية واملشهور عند احلنابلة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫بأن هذا هو إجماع الصحابة على عهد عمر بنا الخطاب رضي اهلل عنه ‪ ،‬حيث استشارهم في حد شارب‬
‫الخمر فأشاروا عليه أن يجلده ثمانين ‪.‬‬
‫يدل على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أنس أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸ ¸¸لم أيت برجل قد ش¸ ¸¸رب اخلمر فجلد جبري¸ ¸¸دتني حنو أربعني ق ¸¸ال‬
‫وفعله أبو بكر فلما ك ¸ ¸¸ان عمر استش ¸ ¸¸ار الن ¸ ¸¸اس فق ¸ ¸¸ال عبد ال ¸ ¸¸رمحن أخف احلدود مثانني ف ¸ ¸¸أمر به عمر رواه أمحد‬
‫ومسلم وأبو داود والرتمذي وصححه‬
‫‪ -2‬وعن علي أنه ق ¸¸ال يف املش¸ ¸¸ورة إذا س ¸¸كر ه¸ ¸¸ذى وإذا ه¸ ¸¸ذى اف¸ ¸¸رتى فح¸ ¸¸دوه حد املف¸ ¸¸رتي رواه اجلوزج ¸¸اين‬
‫والدارقطين‬
‫‪ -3‬وعن السائب بن يزيد قال كنا نؤتى بالشارب يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ويف إمرة أيب‬
‫بكر وص¸¸درا من إم¸¸رة عمر فنق¸¸وم إليه نض¸¸ربه بأي¸¸دينا ونعالنا وأرديتنا حىت ك¸¸ان ص¸¸درا من إم¸¸رة عمر فجلد فيها‬
‫أربعني حىت إذا عتوا فيها وفسقوا جلد مثانني رواه أمحد والبخاري‬
‫نوقشت هذه األدلة ‪:‬‬
‫ب ¸¸أن غاية ما تفي ¸¸ده أن حد اخلمر أربع ¸¸ون ‪ ،‬وأن م ¸¸ازاد عنها إىل الثم ¸¸انني إمنا هو زي ¸¸ادة تعزيرية رآها عمر رضي‬
‫اهلل عنه ‪ ،‬يدل على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ ‬أنه جاء يف هذه الروايات وغريها أن عمر رضي اهلل عنه كان جيلد يف اخلمر يف صدر خالفته أربعني ‪،‬فلما‬
‫عتا الن ¸¸اس وفس ¸¸قوا زاد فيها إىل الثم ¸¸انني بع ¸¸دما استش ¸¸ار الص ¸¸حابة ن ف¸¸دل ذلك على أهنا زي¸¸ادة تعزيرية منه‬
‫رضي اهلل عنه ‪ ،‬اقتض ¸ ¸¸اها ح ¸ ¸¸ال الن ¸ ¸¸اس يف عص ¸ ¸¸ره ‪ ،‬بل قد ثبت عنه بأس ¸ ¸¸انيد ص ¸ ¸¸حيحة أنه ت ¸ ¸¸درج يف جلد‬
‫شارب اخلمر من أربعني إىل ستني إىل مثانني‬

‫‪140‬‬
‫‪ ‬أن عمر رضي اهلل عنه ك ¸¸ان يع ¸¸زر ش ¸¸ارب اخلمر – إض ¸¸افة إىل احلد – بنفيه كما فعل مع ربيعة بن أمية بن‬
‫خلف ‪ ،‬وأحياناً حبلق رأسه ‪ ،‬فلو صح اعتب¸ار زيادته عن األربعني ح¸داً لل¸¸زم مثل ذلك يف النفي والتحليق ‪،‬‬
‫وال قائل بذلك ‪.‬‬
‫‪ ‬ودع¸¸وى اإلمجاع ه¸¸ذه غري ص¸¸حيحة ‪ ،‬فقد خالفه غ¸¸ريه من الص¸¸حابة كما س¸¸يأيت يف أدلة الق¸¸ول الث¸¸اين ‪ ،‬إن‬
‫شاء اهلل ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن حده أربعون ‪ ،‬وجتوز الزيادة فيه إىل الثمانني تعزيراً ‪.‬‬
‫وهذا مذهب الشافعية ‪ ،‬والظاهرية ‪ ،‬ورواية عند احلنابلة ‪ ،‬اختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وابن القيم ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ب¸¸أن ه¸¸ذا هو فعل النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ‪ ،‬وأيب بكر ‪ ،‬طيلة خالفته ‪ ،‬وأق¸¸ره الص¸¸حابة على ذلك فك¸¸ان‬
‫إمجاعاً ‪ ،‬وقد سبق ذكر األدلة على ذلك ‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن حص¸ني بن املن¸¸ذر ق¸¸ال ش¸¸هدت عثم¸¸ان بن عف¸¸ان أيت بالوليد قد ص¸¸لى الص¸¸بح ركع¸¸تني مث ق¸¸ال أزي¸¸دكم‬
‫فش¸¸هد عليه رجالن أح¸¸دمها محران أنه ش¸¸رب اخلمر وش¸¸هد آخر أنه رآه يتقيؤها فق¸¸ال عثم¸¸ان إنه مل يتقيأها حىت‬
‫ش ¸¸رهبا فق ¸¸ال يا علي قم فاجل ¸¸ده فق ¸¸ال علي قم يا حسن فاجل ¸¸ده فق ¸¸ال احلسن ول حارها من ت ¸¸وىل قارها فكأنه‬
‫وج¸ ¸د عليه فق ¸¸ال يا عبد اهلل بن جعفر قم فاجل ¸¸ده فجل ¸¸ده وعلي يعد حىت بلغ أربعني فق ¸¸ال أمسك مث ق ¸¸ال جلد‬
‫النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أربعني وأبو بكر أربعني وعمر مثانني وكل سنة وهذا أحب إيل رواه مسلم‬
‫‪ -3‬وعن علي ق¸ ¸¸ال ما كنت ألقيم ح¸ ¸¸دا على أحد فيم¸ ¸¸وت وأجد يف نفسي منه ش¸ ¸¸يئا إال ص ¸ ¸¸احب اخلمر فإنه‬
‫مات وديته وذلك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مل يسنه متفق عليه‬
‫ومعن¸ ¸ ¸¸اه ‪ :‬مل يق¸ ¸ ¸ ¸¸دره ويوقته ‪ ،‬واملقص¸ ¸ ¸¸ود¸ ما زاد عن األربعني أ ق ال ابن القيم رحمه اهلل ‪ " :‬املراد ب¸ ¸ ¸¸ذلك أن‬
‫رس¸ ¸ ¸¸ول اهلل مل يق¸ ¸ ¸¸در فيه بقوله تق¸ ¸ ¸¸ديرا ال ي¸ ¸ ¸¸زاد عليه وال ينقص الح¸ ¸ ¸¸دود وإال فعلي رضي اهلل عنه قد ش ¸ ¸¸هد أن‬
‫رس¸¸ول اهلل قد ض¸¸رب فيها أربعني وقوله إمنا هو ش¸¸يء قلن¸¸اه حنن يعين التق¸¸دير بثم¸¸انني ف¸¸إن عمر رضي اهلل عنه‬
‫مجع رضي اهلل عنهم واستشارهم فأشاروا بثمانني ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ " :‬فمن العلماء من يقول جيب ضرب الثمانني ومنهم من يقول الواجب أربعون والزيادة يفعلها‬
‫اإلم¸ ¸ ¸¸ام عند احلاجة إذا أدمن الن ¸ ¸¸اس اخلمر أو ك ¸ ¸¸ان الش¸ ¸ ¸¸ارب ممن ال يرت ¸ ¸¸دع ب ¸ ¸¸دوهنا وحنو ذلك فأما مع قلة‬
‫الش¸ ¸¸اربني وق¸ ¸¸رب أمر الش¸ ¸¸ارب فتكفي األربع¸ ¸¸ون وه¸ ¸¸ذا اوجه الق¸ ¸¸ولني ‪ ،‬وقد ك¸ ¸¸ان عمر رضي اهلل عنه ملا ك ¸¸ثر‬

‫‪141‬‬
‫الش¸¸رب زاد فيه النفي وحلق ال¸¸راس مبالغة يف الزجر عنه فلو ع¸¸زر الش¸¸ارب مع األربعني بقطع خ¸¸ربه أو عزله عن‬
‫واليته كان حسنا " ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬في قتل شارب الخمر في الرابعة ‪:‬‬
‫جاءت نصوص متعددة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم في قتل شارب الخمر في الرابعة ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن عبد اهلل بن عم رو ق¸¸ال ق¸¸ال رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم ‪ ":‬من ش¸¸رب اخلمر فاجل¸¸دوه ف¸¸إن‬
‫ع¸¸اد فاجل¸¸دوه ف¸¸إن ع¸¸اد فاجل¸¸دوه ف¸¸إن ع¸¸اد ف¸¸اقتلوه " ق¸¸ال عبداهلل ائت¸¸وين برجل قد ش¸¸رب اخلمر يف الرابعة فلكم‬
‫علي أن أقتله رواه أمحد‬
‫‪ -2‬وعن معاوية أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال إذا شربوا اخلمر فاجلدوهم مث إذا ش¸¸ربوا فاجل¸¸دوهم مث‬
‫إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم رواه اخلمسة إال النسائي‬
‫‪ -3‬عن جابر عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال إن ش¸رب اخلمر فاجل¸دوه ف¸إن ع¸اد الرابعة ف¸اقتلوه ق¸ال مث‬
‫أيت النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم بعد ذلك برجل قد شرب يف الرابعة فضربه ومل يقتله ‪ .‬رواه الرتمذي‬
‫‪ -4‬عن قبيصة بن ذؤيب أن النيب صلى اهلل عليه وآله وس¸لم ق¸ال من ش¸رب اخلمر فاجل¸¸دوه ف¸إن ع¸¸اد فاجل¸¸دوه‬
‫ف¸¸إن ع¸¸اد فاجل¸¸دوه ف¸¸إن ع¸¸اد يف الثالثة أو الرابعة ف¸¸اقتلوه ف¸¸أيت برجل قد ش¸¸رب فجل¸¸ده مث أيت به فجل¸¸ده مث أيت به‬
‫فجلده مث أيت به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة رواه أبو داود‬
‫فأخذ جمهور أهل العلم من هذه النصوص أن قتل شارب الخمر في الرابعة منسوخ ‪.‬‬
‫والصحيح أنه ليس بمنسوخ ‪ ،‬بل هو من باب التعزير ‪ ،‬فلإلمام ان يفعله إذا رأى المصلحة في ذلك ‪.‬‬
‫ق ال ابن تيمية ‪ " :‬ك ¸¸ذلك قد يق ¸¸ال يف أم ¸¸ره يقتل ش ¸¸ارب اخلمر يف الرابعة ب¸¸دليل ما رواه أمحد يف املس ¸¸ند‬
‫عن ديلم الحميري رضي اهلل عنه ق¸¸ال س¸¸ألت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم فقلت ‪:‬يا رس¸¸ول اهلل إنا ب¸¸أرض‬
‫نعاجل هبا عمال شديدا وإنا نتخذ شرابا من القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بالدنا ؟‬
‫فقال ‪ :‬هل يسكر ؟‬
‫قلت ‪ :‬نعم‬
‫قال ‪ :‬فاجتنبوه‬
‫قلت ‪ :‬إن الناس غري تاركيه‬
‫قال ‪ :‬فإن مل يرتكوه فاقتلوهم "‬

‫‪142‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ :‬وهذا ألن املفسد كالصائل فإذا مل ين¸¸دفع الص¸¸ائل إال بالقتل قتل ومجاع ذلك أن العقوبة نوع¸¸ان‬
‫‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬على ذنب ماض جزاء مبا كسب نكاال من اهلل كجلد الشارب والقاذف وقطع احملارب والسارق‬
‫والثاني ‪ :‬العقوبة لتأديب حق واجب وترك حمرم يف املس¸تقبل كما يس¸تتاب املرتد حىت يس¸لم ف¸إن ت¸اب وإال قتل‬
‫وكما يعاقب تارك الصالة والزكاة وحقوق اآلدميني حىت يؤدوها ف¸التعزير يف ه¸ذا الض¸¸رب أشد منه يف الض¸¸رب‬
‫األول وهلذا جيوز أن يضرب مرة بعد مرة حىت يؤدي الصالة الواجبة أو يؤدي الواجب عليه "‬
‫وقال ابن القيم ‪ " :‬قتل شارب اخلمر يف الثالثة أو الرابعة ليس حبد وال منس¸وخ وإمنا هو تعزير يتعلق باجته¸¸اد‬
‫"‪.‬‬

‫المبحث السادس ‪ :‬مسائل في شرب الخمر ‪:‬‬


‫‪ ‬ق ال أهل العلم ‪ :‬ومن ش¸ ¸ ¸ ¸¸رب مس¸ ¸ ¸ ¸¸كرا مائعا أو اس¸ ¸ ¸ ¸¸تعط به أو احتقن به أو أكل عجينا ملتوتا به ولو مل‬
‫يسكر حد مثانني‬
‫‪ ‬واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية وجوب احلد بأكل احلشيشة سكر أو مل يسكر وضررها من بعض الوج¸وه‬
‫أعظم من ضرر اخلمر وإمنا حدث أكلها يف آخر املائة السادسة أو قريبا منها مع ظهور سيف جنكيز‬
‫‪ ‬من تشبه بشراب الخمر يف جملسه وآنيته ح¸¸رم وع¸¸زر حلديث من تش¸¸به بق¸¸وم فه¸¸ومنهم ‪ ،‬وك¸¸ذا يع¸¸زر من‬
‫حضر ش¸ ¸¸رب اخلمر حلديث ابن عمر مرفوعا لعن اهلل اخلمر وش¸ ¸¸ارهبا وس¸ ¸¸اقيها وبائعها ومبتاعها وعاص¸ ¸¸رها‬
‫ومعتصرها وحاملها واحملمولة إليه رواه أبو داود‬

‫‪143‬‬
‫الفصل الخامس‬
‫حد السرقة‬
‫المبحث األول ‪ :‬في حد السارق ‪:‬‬
‫حد السارق هو القطع ‪ ،‬بنص الكتاب والسنة وإمجاع األمة ‪.‬‬
‫أما الكتاب ‪:‬فقوله تعاىل ‪ " :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "‬
‫ومن السنة ‪:‬عن عائشة مرفوعا‪ " :‬تقطع اليد يف ربع دينار فصاعدا " متفق عليه‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬شروط إقامة حد السرقة ‪:‬‬
‫جيب بثمانية شروط ‪:‬‬
‫الشرط األول ‪ :‬السرقة ‪:‬‬
‫وهي أخذ مال الغري من مالكه أو نائبه على وجه اإلختفاء ‪.‬‬
‫فال قطع على ‪:‬‬
‫‪ -1‬منتهب ‪ :‬وهو من يأخذ املال على وجه الغنيمة حلديث ج¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ابر مرفوعا ليس على املنتهب قطع رواه أبو‬
‫داود‬
‫‪ -2‬ومختطف ‪ :‬وهو الذي خيتلس الشيء ومير به‬
‫‪ -3‬وغاضب ‪.‬‬
‫‪ -4‬وخائن في وديعة ‪.‬‬
‫والدليل ‪ :‬عن جابر عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم ق¸¸ال ‪ " :‬ليس على خ¸¸ائن وال منتهب وال خمتلس قطع "‬
‫رواه اخلمسة وصححه الرتمذي‬
‫ٍمسألة ‪ :‬اختلف أهل العلم في حكم جاحد العارية ‪:‬‬
‫فالمشهور في مذهب اإلمام أحمد قطع جاحد العارية ‪:‬‬

‫‪144‬‬
‫واستدلوا بما في الصحيح عن عائشة ق¸¸الت ‪:‬ك¸¸انت ام¸¸رأة خمزومية تس¸¸تعري املت¸¸اع وجتح¸¸ده ف¸¸أمر النيب ص¸¸لى اهلل‬
‫عليه وآله وسلم فتكون يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النيب صلى اهلل عليه وآله وس¸¸لم فيها فق¸¸ال‬
‫له النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸ ¸¸لم ‪ " :‬يا أس¸ ¸¸امة ال أراك تش¸ ¸¸فع يف حد من ح¸ ¸¸دود اهلل عز وجل " مث ق¸ ¸¸ام النيب‬
‫ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم خطيبا فق ¸¸ال ‪ " :‬إمنا هلك من ك ¸¸ان قبلكم بأنه إذا س ¸¸رق فيهم الش ¸¸ريف ترك¸¸وه وإذا‬
‫سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت حممد لقطعت ي¸¸دها " فقطع يد املخزومية‬
‫رواه أمحد ومسلم والنسائي‬
‫وفي رواية قال ‪ :‬اس¸¸تعارت ام¸¸رأة يعين حليا على ألس¸¸نة ن¸¸اس يعرف¸¸ون وال تع¸¸رف هي فباعته فأخ¸¸ذت ف¸¸أيت هبا‬
‫النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وآله وس ¸¸لم ف ¸¸أمر فقطعت ي ¸¸دها وهي اليت ش ¸¸فع فيها أس ¸¸امة بن زيد وق ¸¸ال فيها رس ¸¸ول اهلل‬
‫صلى اهلل عليه وآله وسلم ما قال رواه أبو داود والنسائي ‪.‬‬
‫وممن رجح هذا الق ول الشوكاني ‪ ،‬فق ال في نيل األوطار ‪" :‬وال خيفى أن الظ¸¸اهر من أح¸¸اديث الب¸¸اب أن‬
‫القطع ك ¸¸ان ألجل ذلك اجلحد كما يش ¸¸عر به قوله يف ح ¸¸ديث ابن عمر بعد وصف القصة ف ¸¸أمر النيب ص ¸¸لى اهلل‬
‫عليه وآله وس ¸ ¸ ¸ ¸¸لم فقطعت ي ¸ ¸ ¸ ¸¸دها ‪ ،‬وك ¸ ¸ ¸ ¸¸ذلك بقية األلف ¸ ¸ ¸ ¸¸اظ املذكورة وال ين ¸ ¸ ¸ ¸¸ايف ذلك وصف املرأة يف بعض‬
‫الرواي¸ ¸¸ات بأهنا س¸ ¸¸رقت فإنه يص¸ ¸¸دق على جاحد الوديعة بأنه س¸ ¸¸ارق ف¸ ¸¸احلق قطع جاحد الوديعة ويك¸ ¸¸ون ذلك‬
‫خمصصا لألدلة الدالة على اعتب ¸¸ار احلرز ووجهه أن احلاجة ماسة بني الن ¸¸اس إىل العارية فلو علم املعري أن املس ¸¸تعري‬
‫إذا جحد ال شيء عليه جلر ذلك إىل سد باب العارية وهو خالف املشروع " ‪.‬‬
‫وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية ‪:‬‬
‫واستدلوا على ذلك ‪ :‬بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق واجلاحد للوديعة ليس بسارق ‪.‬‬
‫وأج اب الجمه ور عن أح اديث قطع المخزومية ‪ :‬ب ¸¸أن اجلحد للعارية وإن ك ¸¸ان مرويا فيها من طريق عائشة‬
‫وجابر وابن عمر وغريهم لكنه ورد التصريح يف الصحيحني وغريمها بذكر السرقة ‪ ،‬ومما يؤيد ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬يف رواية من ح¸¸ديث ابن مس¸¸عود أهنا س¸¸رقت قطيفة من بيت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم أخرجه‬
‫ابن ماجة واحلاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والرتمذي‬
‫‪ -2‬ووقع يف مرسل حبيب بن أيب ثابت أهنا سرقت حليا ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬واجلمع ممكن ب¸أن يك¸ون احللي يف القطيفة فتق¸رر أن املذكورة قد وقع منها الس¸رق ف¸ذكر جحد العارية‬
‫ال يدل على أن القطع كان له فقط ‪.‬‬
‫‪ -3‬قالوا ‪:‬وميكن أن يكون ذكر اجلحد لقصد التعريف حباهلا وأهنا كانت مش¸تهرة ب¸¸ذلك الوصف والقطع ك¸¸ان‬
‫للسرقة كذا قال البيهقي والنووي وغريمها‬

‫‪145‬‬
‫‪ -4‬ويؤيد هذا ما يف احلديث املتقدم من قوله صلى اهلل عليه وآله وسلم إمنا هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق‬
‫فيهم الشريف اخل فإن ذكر هذا عقب ذكر املرأة املذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق ‪.‬‬
‫واألقرب واهلل أعلم هو القول الثاني أن جاحد العارية اليقطع ‪.‬‬
‫الشرط الثاني من شروط السرقة ‪ :‬كون السارق مكلفا مختارا عالما ‪:‬‬
‫ألن غرياملكلف مرفوع عنه القلم ‪ ،‬وألن املكره معذور ‪ ،‬وكذا اجلاهل ‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬كون المسروق ماال ‪:‬‬
‫ألن القطع شرع لصيانة األموال فال جيب يف غريها واألخبار مقيدة لآلية ‪ ،‬فال قطع بسرقة ماء ال يتمول عادة‬
‫‪ ،‬وال بإن ¸ ¸¸اء فيه مخر ‪ ،‬وال بكتب بدعة وتص ¸ ¸¸اوير لوج ¸ ¸¸وب إتالفها أش¸ ¸ ¸¸بهت املزامري ومثل ذلك س ¸ ¸¸ائر الكتب‬
‫احملرمة وال بآلة هلو ك ¸¸الطنبور واملزم ¸¸ار والطبل لغري احلرب وحنوها ألهنا معص ¸¸ية ك ¸¸اخلمر ومثله ن ¸¸رد وش ¸¸طرنج ‪،‬‬
‫وال بصليب أوصنم من ذهب أو فضة ألنه جمرم أشه الطنبور ‪.‬‬
‫ويقطع بسرقة مصحف ‪ ،‬وماء معد للبيع ‪.‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن يبلغ المال المسروق النصاب في السرقة ‪:‬‬
‫وهو ثالثة دراهم أو ربع دينار أو ما يساوي أحدمها ‪ ،‬فال قطع بسرقة ما دون ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬لح ديث عائشة مرفوعا ال تقطع اليد إال يف ربع دين ¸¸ار فص ¸¸اعدا رواه أمحد ومس ¸¸لم والنس ¸¸ائي وابن ماجه ‪،‬‬
‫وهو خيصص عموم اآلية‬
‫‪.‬‬ ‫‪ -‬وعن ابن عمر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قطع يف جمن قيمته ثالثة دراهم رواه اجلماعة‬
‫وأما ح ديث أبي هري رة مرفوع¸ ¸اً ‪ " :‬لعن اهلل الس ¸¸ارق يس ¸¸رق احلبل فتقطع ي ¸¸ده ويس ¸¸رق البيضة فتقطع ي ¸¸ده "‬
‫متفق عليه ‪،‬‬
‫فيحمل على حبل يساوي ذلك وكذا البيضة‬
‫ويحتمل أن يراد هبا بيضة السالح وهي تساوي ذلك مجعا بني األخباركما حكى البخاري عن األعمش‬
‫ويحتمل ‪ :‬أن سرقة القليل ذريعة إىل سرقة النصاب بالتدريج ذكر معناه ابن القيم يف اهلدى‬

‫مسألة ‪:‬تعترب القيمة حال اإلخراج من احلرز ألنه وقت الوجوب لوجود السبب فيه‬
‫الشرط الخامس ‪ :‬إخراجه من حرز ‪:‬‬

‫‪146‬‬
‫يف قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي واحلنابلة ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ح ديث عم رو بن ش عيب عن أبيه عن ج ده أن رجال من مزينة س ¸¸أل النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم عن‬
‫الثمار فقال ما أخذ أكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ مثن اجملن رواه‬
‫أبو داود وابن ماجه ويف لفظ ومن سرق منه ش¸يئا بعد أو يؤويه اجلرين فبلغ مثن اجملن فعليه القطع رواه أبو داود‬
‫والنسائي وزاد وما مل يبلغ مثن اجملن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال‬
‫‪ -2‬وعن رفع بن خديج مرفوعا ال قطع يف مثر وال كثر رواه اخلمسة‬
‫فلو سرق من غري حرز فال قطع لفوات شرطه ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬ضابط الحرز ‪:‬‬
‫ح¸رز كل م¸ال ما يحفظ فيه ع¸ادة ‪ ،‬وهو خيتلف ب¸اختالف األم¸وال واألزمنة واألمكنة ‪ ،‬وج¸ور الس¸لطان وعدله‬
‫‪،‬ألن معناه احلفظ وألن الشرع ملا اعترب احلرز ومل يبينه علمنا أنه رده إىل العرف كالقبض ‪.‬‬
‫وذكر الفقهاء لذلك أمثلة فقالوا ‪:‬‬
‫فنعل برجل وعمامة على رأس حرز ‪.‬‬
‫ون¸ ¸¸وم على مت ¸ ¸¸اع أو رداء ح ¸ ¸¸رز ‪ ،‬فعن ص¸ ¸¸فوان بن أمية ق¸ ¸¸ال كنت نائما يف املس¸ ¸¸جد على مخيصة يل فس ¸ ¸¸رقت‬
‫فأخ ¸¸ذنا الس ¸¸ارق فرفعن ¸¸اه إىل رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وآله وس ¸¸لم ف ¸¸أمر بقطعه ‪ ،‬فقلت يا رس ¸¸ول اهلل ‪ " :‬أيف‬
‫مخيصة مثن ثالثني درمها أنا أهبها له أو أبيعها له " ق ¸ ¸ ¸ ¸¸ال ‪ " :‬فهال ك ¸ ¸ ¸ ¸¸ان قبل أن ت ¸ ¸ ¸ ¸¸أتيين به " ‪ .‬رواه اخلمسة إال‬
‫الرتمذي‬
‫وح ¸¸رز الكفن كونه على امليت يف القرب لق ¸¸ول عائشة رضي اهلل عنها س ¸¸ارق أمواتنا كس ¸¸ارق أحيائنا وروي عن‬
‫ابن الزبري أنه قطع نباشا ‪.‬‬
‫ووضع البهائم يف مراحها حرز هلا ‪.‬‬
‫وإغالق باب الدكان إحراز له ‪.‬‬
‫وقفل السيارة إحراز هلا أيضاً ‪ ،‬وهكذا ‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬وخيتلف احلرز بالبل¸¸دان والس¸¸الطني خلف¸¸اء الس¸¸ارق بالبلد الكبري لس¸¸عة أقط¸¸اره أك¸¸ثر من خفائه‬
‫يف البلد الص¸¸غري وك¸¸ذا الس¸¸لطان إن ك¸¸ان ع¸¸دال يقيم احلدود قل الس¸¸راق قال حيت¸¸اج اإلنس¸¸ان إىل زي¸¸ادة ح¸¸رز وإن‬

‫‪147‬‬
‫كان جائرا يش¸ارك من التجأ إليه وي¸ذب عنهم ق¸ويت ص¸ولتهم فيحت¸اج أرب¸¸اب األم¸وال إىل زي¸ادة التحفظ وك¸ذا‬
‫احلال مع قوته وضعفه‬
‫مسألة ‪ :‬لو اش¸¸رتك مجاعة يف هتك وإخ¸¸راج النص¸¸اب قطع¸¸وا مجيعا ‪ ،‬لوج¸¸ود س¸بب القطع منهم كالقتل وكما لو‬
‫ك ¸ ¸¸ان ثقيال فحمل¸ ¸ ¸¸وه ‪ ،‬ويقطع س¸ ¸ ¸¸ارق نص¸ ¸ ¸¸اب جلماعة ‪ ،‬وإن هتك احلرز أح¸ ¸ ¸¸دهم ودخل اآلخر ف ¸ ¸¸أخرج املال‬
‫فيقطعان معاً إذا كانا متواطئني ‪.‬‬
‫الشرط السادس ‪ :‬انتفاء الشبهة ‪:‬‬
‫‪ .1‬فال قطع بس ¸ ¸ ¸¸رقته من م ¸ ¸ ¸¸ال فروعه وأص ¸ ¸ ¸¸وله ‪ ،‬أما ول ¸ ¸ ¸¸ده فلح ¸ ¸ ¸¸ديث ‪ :‬أنت ومالك ألبيك " ‪ ،‬وأما أص ¸ ¸¸وله‬
‫فلوج¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸وب نفقة أح¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دهم على اآلخر ‪ ،‬وألن بينهم قرابة متنع ش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸هادة بعض¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸هم لبعض فال يقطع به ‪ ،‬ألن‬
‫احلدود تدرأ بالشبهات‪.‬‬
‫‪ .2‬وال يقطع أحد ال¸¸زوجني بس¸¸رقته من م¸¸ال اآلخر رواه س¸¸عيد عن عمر بإس¸¸ناد جيد ‪ ،‬وألن كل واحد منهما‬
‫يرث صاحبه بغري حجب وينبسط يف ماله أشبه الولد ‪.‬‬
‫‪ .3‬وال بسرقة من مال له فيه شرك أو ألحد ممن ذكر كأصوله وفروعه وحنوهم لقيام الشبهة فيه بالبعض ال¸¸ذي‬
‫ال جيب بسرقته قطع‬
‫‪ .4‬وال قطع على مسلم س¸¸رق من بيت املال ل¸¸ذلك ولق¸¸ول عمر وابن مس¸¸عود من س¸¸رق من بيت املال فال قطع‬
‫ما من أحد إال وله يف هذا املال حق ‪.‬‬
‫الشرط السابع ‪ :‬ثبوتها ‪:‬‬
‫‪ .1‬إما بش هادة ع دلين يص فانها ‪ ،‬لقوله تع¸¸اىل ‪ " :‬واستش¸¸هدوا ش¸¸هيدين من رج¸¸الكم " واألصل عمومه لكن‬
‫خولف فيما فيه دليل خاص للدليل فبقي فيما عداه على عمومه ‪.‬‬
‫‪ .2‬أو بإقرار السارق مرتين ويصفها في كل مرة ‪ ،‬الحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه‬
‫وحكم رجوعه عن اعترافه ‪ ،‬وتلقين القاضي له ‪ ،‬كحكم الزاني ‪:‬‬
‫ف¸إن ك¸¸ان قد قبض عليه وجيء به ‪ ،‬فال يش¸¸رع تلقينه ‪ ،‬واليقبل رجوعه ‪ ،‬أما إن ك¸¸ان قد ج¸اء تائب¸اً إىل احلاكم‬
‫فله تلقينه ‪ ،‬ويقبل رجوعه عن إق¸ ¸¸راره ‪ ،‬حلديث أيب أمية املخ ¸¸زومي أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم أتى بلص قد‬
‫اع¸رتف فق¸ال ما إخالك س¸رقت ق¸ال بلى فأع¸اد عليه م¸رتني أو ثالثا ق¸ال بلى ف¸أمر به فقطع رواه أمحد وأبو داود‬
‫‪.‬‬
‫الشرط الثامن مطالبة المسروق منه بماله ‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫أو مطالبة وكيله أو وليه إن كان حمج¸ورا عليه حلظة ‪ ،‬ألن املال يب¸اح بالب¸ذل واإلباحة فيحتمل إباحة مالكه إي¸اه‬
‫أو إذنه له يف دخول حرزه وحنوه مما يسقط القطع فاعترب الطلب لنفي هذا االحتمال وانتفاء الشبهة ‪.‬‬
‫مس ألة ‪ :‬ق ال أهل العلم ‪:‬ال قطع ع ¸¸ام جماعة وغالء إن مل جيد ما يش ¸¸رتي به ‪ ،‬لق ¸¸ول عمر ال قطع يف ع ¸¸ام س ¸¸نة‬
‫قيل ‪ :‬أهو قول تقول به قال ‪ :‬أي لعمري ال أقطعه إذا محلته احلاجة والناس يف شدة وجماعة ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬في كيفية القطع ‪:‬‬
‫مىت توفرت شروط السرقة يف السارق قطعت يده اليمىن من مفصل كفه ‪ ،‬ألن يف ق¸¸راءة عبداهلل بن مس¸¸عود ‪" :‬‬
‫فاقطعوا أمياهنما"‬
‫وروي عن أيب بكر وعمر رضي اهلل عنهما أهنما ق¸ ¸¸اال إذا س¸ ¸¸رق الس ¸ ¸¸ارق ف¸ ¸¸اقطعوا ميينه من مفصل الك¸ ¸¸وع وال‬
‫خمالف هلمايف الصحابة ‪ ،‬وغمست وجوبا يف زيت مغلي لتنسد أفواه العروق لئال ينزفه الدم فيؤدي إىل موته ‪.‬‬
‫ف¸¸إن ع¸¸اد قطعت رجله اليس¸¸رى قياسا على القطع يف احملاربة ‪ ،‬وألنه أرفق به ليتمكن من املشي على خش¸¸بة ولو‬
‫قطعت ميناه مل ميكنه ذلك ‪ ،‬وهذا احلكم باتفاق األئمة األربعة ‪ ،‬وحكاه بعضهم إمجاعاً ‪.‬‬
‫ويك ¸ ¸¸ون القطع من مفصل كعبه ويرتك عقبه ملا روى عن علي أنه ك¸ ¸¸ان يقطع من ش¸ ¸¸طر الق¸ ¸¸دم وي¸ ¸¸رتك له عقبا‬
‫ميشي عليها ‪.‬‬
‫فإن عاد فقد اختلف العلماء في حكمه على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أنه في الثالثة تقطع يده اليسرى ‪ ،‬وفي الرابعة تقطع رجله اليمنى ‪ ،‬فإن سرق بعد ذلك حبس وعزر ‪.‬‬
‫وهذا مذهب املالكية والشافعية ورواية عند احلنابلة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بأحاديث ضعيفة من أبرزها ‪:‬‬
‫حديث أبي هريرة مرفوعا من سرق فاقطعوا يده مث إن سرق فاقطعوا رجله ‪ ،‬فإن عاد ف¸اقطعوا ي¸ده ‪ ،‬ف¸إن ع¸اد‬
‫فاقطعوا رجله ‪ . " .‬أخرجه الدارقطين ‪ ،‬وهو حديث ضعيف ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أنه إن عاد في الثالثة فال يقطع منه شيء بل يعزر ويحبس حتى يتوب أو يموت ‪.‬‬
‫وهذا مذهب احلنفية واملشهور من مذهب احلنابلة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول بما يلي ‪:‬‬

‫‪149‬‬
‫‪ -1‬بما روي أن عمر رضي اهلل عنه أتى برجل أقطع الزند والرجل قد س¸ ¸ ¸¸رق ف¸ ¸ ¸¸أمر به عمر أن تقطع رجله‬
‫فق ¸¸ال علي ‪ :‬إمنا ق ¸¸ال اهلل تع ¸¸اىل‪ :‬إمنا ج ¸¸زاء ال ¸¸ذين حياربون اهلل ورس ¸¸وله اآلية" وقد قطعت يد ه ¸¸ذا ورجله فال‬
‫ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة ميشي عليها إما أن تع¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸زره وإما أن تس¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸تودعه الس¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸جن فاس ¸ ¸ ¸¸تودعه‬
‫السجن ‪ .‬رواه سعيد‬
‫‪ -2‬وعن س عيد المق بري ق¸ ¸ ¸¸ال ‪ :‬إن علي بن أيب ط¸ ¸ ¸¸الب أتى برجل مقط¸ ¸ ¸¸وع اليد والرجل قد س ¸ ¸¸رق فق ¸ ¸¸ال‬
‫ألصحابه ‪ :‬ما ترون يف هذا ؟‬
‫قالوا ‪ :‬اقطعه يا أمري املؤمنني ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬قتلته إذا وما عليه القتل ‪ ،‬بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصالة ؟ بأي شيء يقوم حلاجته ؟‬
‫فرده إىل لسجن أياما ‪ ،‬مث أخرجه ‪ ،‬فاستش¸ار أص¸حابه فق¸الوا مثل ق¸وهلم األول وق¸ال هلم مثل ماق¸ال أوال فجل¸ده‬
‫جلدا شديدا مث أرسله ‪ .‬رواه عبدالرزاق يف مصنفه ‪.‬‬
‫وفي رواية أنه رضي اهلل عنه قال ‪" :‬إين ألستحيي من اهلل أال أدع له يداً يأكل هبا ويستنجي " ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫مس ألة ‪ :‬ق ال أهل العلم ‪ :‬جيتمع على الس ¸¸ارق القطع والض ¸¸مان ‪ ،‬ألهنما حق ¸¸ان ملس ¸¸تحقني فج ¸¸از اجتماعهما‬
‫كالدية والكف ¸¸ارة يف القتل اخلطأ ‪ ،‬ف ¸¸ريد ما أخذ ملالكه إن ك ¸¸ان باقيا ألنه عني ماله وإن ك ¸¸ان تالفا فعليه ض ¸¸مانه‬
‫ألنه مال آدمي تلف حتت يد عادية فوجب ضمانه ‪ ،‬ويعيد ما خرب من احلرز ألنه متعد ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬في بعض المقاصد الشرعية في حد السرقة ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬إن قيل ‪ :‬ما الحكمة في قطع يد السارق ؟ وهل في هذا إال زيادة في اإلتالف وتنكيل‬
‫في السارق بما ال يستحقه من العقوبه ؟ إذ يكفي لردعه ما هو أقل من ذلك ؟‬
‫فالجواب من أوجه ‪:‬‬
‫‪-1‬الوجه األول ‪:‬وهو ج ¸¸واب جممل أش ¸¸ار إليه ابن القيم يف احلكمة من مش ¸¸روعية س¸¸ائر احلدود ‪ ،‬ذلك أن من‬
‫ش¸¸رع ه¸¸ذه العقوب¸¸ات ورتبها على أس¸¸باهبا جنسا وق¸¸درا هو ع¸¸امل الغيب والش¸¸هادة ‪ ،‬وأحكم احلاكمني ‪ ،‬وأعلم‬
‫الع ¸¸املني ‪ ،‬ومن أح¸ ¸¸اط بكل ش¸ ¸¸يء علما وأح¸ ¸¸اط علمه بوج¸ ¸¸وه املص¸ ¸¸احل دقيقها وجليلها ما ميكن اطالع البشر‬
‫عليه وما ال ميكنهم ‪ ،‬وليست هذه التقديرات خارجة عن وجوه احلكم والغايات احملمودة ‪ ،‬كما أن التق¸¸ديرات‬
‫الواقعة يف خلقه ك¸¸ذلك ‪ ،‬فه¸¸ذا يف خلقه وذاك يف ش¸¸رعه‪ ،‬ومص¸¸درمها مجيعا عن كم¸¸ال علمه وحكمته ووض¸¸عه¸‬
‫كل ش ¸¸يء يف موض ¸¸عه¸ ال ¸¸ذي ال يليق به س ¸¸واه ‪ ،‬فش ¸¸مل إتقانه وإحكامه لكل ما مشله خلقه كما ق ¸¸ال تع ¸¸اىل ‪:‬‬

‫‪150‬‬
‫{ ص ¸¸نع اهلل ال ¸¸ذي أتقن كل ش ¸¸يء } وإذا ك ¸¸ان س ¸¸بحانه قد أتقن خلقه غاية اإلتق ¸¸ان ‪ ،‬فألن يك ¸¸ون تش ¸¸ريعه يف‬
‫غاية اإلتقان أوىل وأحرى ‪.‬‬
‫وس¸ ¸¸بحان اهلل ما أعظم ظلم اإلنس¸ ¸¸ان وجهله فإنه لو اع¸ ¸¸رتض على أي ص¸ ¸¸احب ص¸ ¸¸ناعة ك¸ ¸¸انت ممن تقصر عنها‬
‫معرفته وإدراكه على ذلك وس ¸¸أله عما اختصت به ص ¸¸ناعته من األس ¸¸باب واملق ¸¸ادير وكيف ك ¸¸ان كل ش ¸¸يء من‬
‫ذلك على الوجه ال ¸¸ذي هو عليه ال أكرب وال أص ¸¸غر وال على ش ¸¸كل غري ذلك يس ¸¸خر منه ‪ ،‬ويه ¸¸زأ به ‪ ،‬وعجب‬
‫من س¸ ¸¸خف عقله وقلة معرفته ‪ ،‬ه ¸ ¸¸ذا مع أن ص¸ ¸¸احب تلك الص ¸ ¸¸ناعة غري م¸ ¸¸دفوع عن العجز والقص ¸ ¸¸ور وع¸ ¸¸دم‬
‫اإلحاطة واجلهل مث ال يس¸¸عه إال التس¸¸ليم له ‪ ،‬واالع¸¸رتاف حبكمته ‪ ،‬فهال وس¸¸عه ذلك مع أحكم احلاكمني وأعلم‬
‫العاملني ومن أتقن كل شيء فأحكمه وأوقعه على وفق احلكمة‬
‫الوجه الث اني ‪ :‬أن اهلل ش ¸¸رع عقوبة الس ¸¸ارق فك ¸¸ان أليق العقوب ¸¸ات به إبانة العضو ال ¸¸ذي جعله وس ¸¸يلة إىل أذى‬
‫الناس ‪ ،‬فكانت عقوبته به أبلغ وأردع من عقوبته باجللد ‪ ،‬ومل تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل ‪.‬‬
‫وملا كان ضرر احملارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظم ‪ ،‬ضم إىل قطع يده قطع رجله ‪ ،‬ليكف عدوانه ‪،‬‬
‫وشر ي¸ ¸ ¸¸ده اليت بطش هبا ‪ ،‬ورجله اليت س¸ ¸ ¸¸عى هبا ‪ ،‬وش¸ ¸ ¸¸رع أن يك¸ ¸ ¸¸ون ذلك من خالف لئال يف¸ ¸ ¸¸وت عليه منفعة‬
‫الشق بكماله ‪ ،‬فكف ضرره وعدوانه ‪ ،‬ورمحه بأن أبقى له يدا من شق ورجال من شق ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪:‬أن اهلل شرع القطع وجعل له شروطاً اليكون إال هبا حىت ينحصر تطبيقه يف أقبح صور االعتداء‬
‫وأشدها بشاعة ‪ ،‬وقد سبق اإلشارة إىل هذه الشروط ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬إن قيل ما الحكمة في قطع السارق وعدم قطع الغاصب والخائن والمنتهب والمختلس‬
‫؟‬
‫فالجواب ‪:‬أن جريمةالسرقة أعظم من هذه الجرائم لما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الس¸ ¸ ¸ ¸¸ارق ال ميكن االح¸ ¸ ¸¸رتاز منه ‪ ،‬فإنه ينقب ال¸ ¸ ¸¸دور ويهتك احلرز ويكسر القفل ‪ ،‬وال ميكن ص¸ ¸ ¸¸احب‬
‫املت¸¸اع االح ¸¸رتاز ب¸¸أكثر من ذلك ‪ ،‬فلو مل يش ¸¸رع قطعه لس ¸¸رق الن¸¸اس بعض ¸¸هم بعضا ‪ ،‬وعظم الض ¸¸رر ‪ ،‬واش¸¸تدت‬
‫احملنة بالس¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸راق ‪ ،‬خبالف املنتهب واملختلس ‪ ،‬ف ¸ ¸ ¸ ¸¸إن املنتهب هو ال ¸ ¸ ¸ ¸¸ذي يأخذ املال جه ¸ ¸ ¸ ¸¸رة مبرأى من الن ¸ ¸ ¸¸اس ‪،‬‬
‫فيمكنهم أن يأخ¸ ¸ ¸¸ذوا على يديه ‪ ،‬وخيلص¸ ¸ ¸¸وا حق املظل¸ ¸ ¸¸وم ‪ ،‬أو يش¸ ¸ ¸¸هدوا له عند احلاكم ‪ ،‬وأما املختلس فإنه إمنا‬
‫يأخذ املال على حني غفلة من مالكه وغ¸ ¸ ¸ ¸¸ريه ‪ ،‬فال خيلو من ن¸ ¸ ¸ ¸¸وع تفريط ميكن به املختلس من اختالسه ‪ ،‬وإال‬
‫فمع كمال التحفظ والتيقظ ال ميكنه االختالس ‪ ،‬فليس كالسارق‬
‫‪-2‬وكذلك فإن السرقة تتضمن الرتويع والتخويف واختالل األمن خبالف هذه الذنوب ‪.‬‬
‫‪ -3‬مث إن درء احلد عن ه¸ ¸¸ؤالء ال يعين ع¸ ¸¸دم مع¸ ¸¸اقبتهم إذ يس¸ ¸¸وغ كف ع¸ ¸¸دواهنم بالض¸ ¸¸رب والنك ¸¸ال والس¸ ¸¸جن‬
‫الطويل والعقوبة بأخذ املال وحنو ذلك من التعازير ‪.‬‬
‫المطلب الث الث ‪ :‬إن قيل ‪ :‬مالحكمة في قطع الس ارق في ربع دين ار مع أن دية اليد إذا قطعت بمئ ات‬
‫الدنانير ‪ ،‬وهل هذا إال نوع تناقض ؟‬

‫‪151‬‬
‫فالجواب ‪ :‬بأن هذا من أعظم املصاحل واحلكمة ‪ ،‬فإن اهلل احتاط يف املوضعني لألموال واألط¸¸راف ‪ ،‬فقطعها يف‬
‫ربع دين ¸ ¸¸ار حفظا لألم¸ ¸ ¸¸وال ‪ ،‬وجعل ديتها مخس ¸ ¸¸مائة دين ¸ ¸¸ار حفظا هلا وص ¸ ¸¸يانة ‪ ،‬وقد أورد بعض الزنادقة ه ¸ ¸¸ذا‬
‫السؤال وضمنه بيتني ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ما باهلا قطعت يف ربع دينار‬ ‫يد خبمسمئي من عسجد وديت‬
‫وأن نعوذ مبوالنا من العار‬ ‫تناقض ما لنا إال السكوت لـه‬
‫فأجابه بعض الفقهاء بأهنا كانت مثينة ملا كانت أمينة ‪ ،‬فلما خانت هانت ‪ ،‬وضمنه الناظم قوله ‪:‬‬
‫خيانة املال فانظر حكمة الباري‬ ‫محاية الدم أغالها وأرخصها‬

‫الفصل السادس‬
‫حـد الحرابة ( قطاع الطريق )‬
‫المبحث األول ‪ :‬في تعريف الحرابة ‪:‬‬
‫الحرابة في اللغة ‪ :‬مشتقة من احلََرب ‪ ،‬بالتحريك ‪ ،‬وهو أن يسلب الرجل ماله ‪.‬‬
‫والمحاربون في االصطالح الشرعي ‪ :‬هم املكلفون امللتزمون من املسلمني وأهل الذمة ‪ ،‬الذين خيرجون على‬
‫الناس بالسالح فيأخذون أمواهلم جماهرة ‪.‬‬
‫فقطع الطريق يشترط فيه شرطان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬أن يكون على سبيل اجملاهرة والغلبة ‪ ،‬فإن كانوا خمتفني فسراق ‪ ،‬وإن اختطفوا وهربوا فمنتهبون ال‬
‫قطع عليهم ألن عادة قطاع الطريق القهر فاعترب ذلك فيهم ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬إشهار السالح ‪ ،‬فمن مل يكن معه سالح ‪ ،‬فليس مبحارب ‪ ،‬ألنه المينع من قصده ‪ ،‬قال ابن قدامة‬
‫‪ " :‬ال نعلم فيه خالفاً " ‪.‬‬
‫واألصل في حد الحرابة قوله تعالى ‪ " :‬إمنا جزاء الذين حياربون هلل ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن‬
‫يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا من األرض ذلك هلم خزي يف الدنيا وهلم يف‬
‫اآلخرة عذاب عظيم ‪ ،‬تعاىل إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم "‪.‬‬
‫قال ابن عباس وأكثر المفسرين ‪ :‬نزلت يف قطاع الطريق من املسلمني‬

‫‪152‬‬
‫قال يف الشرح الكبري ‪ " :‬وحكى عن ابن عمر أهنا نزلت يف املرتدين وقال أنس يف العرنيني الذين استاقوا إبل‬
‫الصدقة وارتدوا ‪ ،‬ولكن يرد هذا التأويل قوله تعاىل إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والكفار تقبل‬
‫توبتهم بعد القدرة عليهم ‪ .‬انتهى‬
‫ويعترب ثبوته ببينة أو إقرار كالسرقة ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬هل يشترط في الحرابة ‪ :‬الحرز ‪ ،‬والنصاب ؟‬
‫اختلف العلماء في ذلك ‪:‬‬

‫فذهب بعض العلماء إلى أن من شرطه ‪:‬أن يأخذوا املال من حرز ‪ ،‬وأن يبلغ املال املسروق نصاباً ‪،‬قياساً‬
‫على السرقة ‪ ،‬فلو مل ياخذه من حرز ‪ ،‬أو مل يبلغ املال املسروق نصاباً ‪ ،‬فليس بقاطع طريق ‪.‬‬
‫والصحيح أن احلرز والنصاب ليسا بشرط ‪ ،‬ألن العلة يف قطع الطريق هي الرعب ونشر الفساد ‪ ،‬وليس أخذ‬
‫املال ‪ ،‬فال يصح قياسه على السرقة ‪ ،‬بل إن احلد جيب يف قطع الطريق ولو مل يأخذوا ماالً أصالً ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬هل من شرط قطع الطريق أن يكون خارج المصر ؟‬
‫اتفق العلماء على أن احلرابة تكون خارج املصر ‪ ،‬واختلفوا فيمن حارب داخل املصر ‪ ،‬فذهب بعضهم إىل أن‬
‫احلرابة التكون إال يف خارج املصر ‪ ،‬فلو قطع الطريق داخل البلد فليس حبرابة ‪ ،‬لوجود الغوث ‪.‬‬
‫والصحيح ‪ :‬أن احلرابة كما تكون خارج املصر تكون داخله أيضاً ‪ ،‬لعموم اآلية ‪ ،‬وألن الرعب كما يكون‬
‫خارج املصر يكون كذلك داخلها ‪.‬‬
‫قال ابن حزم رحمه اهلل ‪ " :‬كل من حارب املار وأخاف السبيل بقتل نفس ‪ ،‬أو أخذ مال ‪ ،‬أو جلراحة ‪ ،‬أو‬
‫النتهاك فرج فهو حمارب عليه وعليهم – كثروا أو قلوا‪ -‬حكم احملاربني املنصوص يف اآلية ‪ ،‬ألن اهلل تعاىل مل‬
‫خيص شيءاً من هذه الوجوه "‬
‫وهذا القول هو هو اختيار مجع من احملققني من أهل العلم منهم شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ،‬وابن القيم ‪ ،‬وغريمها‬
‫‪ ،‬وهو رواية يف مذهب أمحد ‪ ،‬وعليه تدل اآلية الكرمية ‪ ،‬إذ ليس يف اآلية ختصيصه يف الصحراء أو يف حال‬
‫دون حال ‪ ،‬فتبقى اآلية على عمومها ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬حكم المحاربين ‪:‬‬
‫اختلف العلماء في عقوبة المحاربين بسبب اختالفهم في المراد ب " أو " في اآلية ‪ ،‬هل هي للتنويع‬
‫على حسب الجناية ‪ ،‬أم أنها للتخيير ؟‬
‫ولهم في ذلك قوالن ‪:‬‬

‫‪153‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن " أو " للتنويع وبيان أن لكل جناية عقوبة ‪.‬‬
‫ويكون حكمهم كما جاء عن ابن عباس رضي اهلل عنهما يف معىن اآلية قال ‪ " :‬إذا قتلوا وأخذوا املال قتلوا‬
‫وصلبوا ‪ ،‬وإذا قتلوا ومل يأخذوا املال قتلوا ومل يصلبوا ‪ ،‬وإذا أخذوا املال ومل يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم‬
‫من خالف ‪ ،‬وإذا أخافوا السبيل ومل يأخذوا ماال نفوا من األرض "‬
‫وهذا هو مذهب الشافعية واحلنابلة ‪ ،‬واألحناف على تفصيل قريب من هذا يف مذهبهم ‪.‬‬
‫وعلى هذا القول فللمحاربين أربعة أحكام ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن قتلوا وأخذوا ماال حتم قتلهم وصلبهم حىت يشتهروا لريتدع غريهم مث يغسلوا ويكفنوا ويصلى عليهم‬
‫ويدفنوا ‪.‬‬
‫‪ -2‬وإن قتلوا ومل يأخذوا ماال قتلوا ‪ ،‬وحكم الردء كاملباشر على الصحيح من أقوال أهل العلم وبه قال‬
‫مالك وأمحد ‪.‬‬
‫يف آن‬ ‫‪ -3‬وإن أخذوا ماال ومل يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خالف حتما ‪ ،‬لوجوبه حلق اهلل تعاىل‬
‫واحد فال ينتظر لقطع أحدمها اندمال اآلخر ألنه تعاىل أمر بقطعهما واألمر للفور فتقطع يده اليمىن ورجله‬
‫اليسرى لقوله من خالف ‪ ،‬واحلكهة يف كون القطع من خالف ‪ :‬اإلرفاق به ‪ ،‬لئال يفوت عليه منفعة الشق‬
‫بكماله ‪ ،‬فيستطيع أن ميشي بعصا بدالً من رجله املقطوعة وتكئ عليها بيده ‪.‬‬
‫‪ -4‬وإن أخافوا الناس ومل يأخذوا ماال نفوا من األرض فال يرتكون يأوون إىل بلد حىت تظهر توبتهم وتنفي‬
‫اجلماعة متفرقة كل إىل جهة لئال جيتمعوا على احملاربة ‪.‬‬
‫استدل أصحاب هذا القول ‪:‬‬
‫‪ -1‬مبا روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال وادع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا برزة األسلمي فجاء‬
‫ناس يريدون اإلسالم فقطع عليهم أصحابه فنزل جربيل عليه السالم باحلد فيهم أن من قتل وأخذ املال قتل‬
‫وصلب ومن قتل ومل يأخذ املال قتل ومن أخذ املال ومل يقتل قطعت يده ورجله من خالف ‪ .‬وهذا‬
‫احلديث ضعيف‬
‫‪ -2‬وبتفسري ابن عباس املتقدم ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫أن " أو " يف اآلية للتخيري وليست للتنويع ‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫فيكون معىن اآلية أن لإلمام أن جيتهد يف اختيار العقوبة املناسبة مما هو مذكور يف اآلية ‪ ،‬فمن كان منهم رئيساً‬
‫مطاعاً أو ذا شوكة أو كان معروفاً باإلجرام فله قتله إذا رأى يف ذلك مصلحة وإن مل يقتل ‪ ،‬وله أن يقطع إذا‬
‫رأى يف ذلك مصلحة وإن مل يأخذ ماالً ‪ ،‬كما أن له أن خيفف العقوبة عمن مل يعهد منه اإلجرام ‪ ،‬وليس‬
‫بذي شوكة ‪ ،‬بأن يقتصر على نفيه ‪ ،‬وهكذا ‪ ،‬فاألمر موكول إىل اجتهاد احلاكم بأن يتخري العقوبة املناسبة مما‬
‫هو مذكور يف اآلية ‪.‬‬
‫وهذا مذهب املالكية والظاهرية ‪ ،‬ورواية عند احلنابلة ‪ ،‬واختار هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.‬‬
‫أدلة هذا القول ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن التقسيم الذي ذكره أصحاب القول األول ال دليل عليه ‪ ،‬واحلديث املذكور ضعيف ‪ ،‬وتفسري ابن‬
‫عباس رضي اهلل عنهما اجتهاد منه ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومما يؤيد هذا القول ‪ :‬أنه مبقتضى القول األول فإن احملاربني لو ارتكبوا جرائم غري أخذ املال والقتل فإن‬
‫عقوبتهم التكون هي حد قطاع الطريق ‪ ،‬بل تكون عقوبات جرائم عادية ‪ ،‬كجرمية االغتصاب ‪ ،‬وترويج‬
‫املخدرات ‪،‬وحنو ذلك ‪ ،‬فهذه ليست من حد احلرابة عند أصحاب القول األول ‪ ،‬وإمنا فيها حد الزنا أو‬
‫التعزير ‪ ،‬مع أهنا أشد ضرراً وأعظم فحشاً من أخذ املال ‪ ،‬وهذا بال شك خمالف للقواعد الشرعية ‪ ،‬فإن‬
‫احلرابة يف الفروج أعظم منها يف األموال ‪.‬‬
‫‪ -3‬ومما يؤيد هذا القول ‪ :‬أن اهلل نعاىل أوجب حد احلرابة مىت ما حتقق أمران ‪ :‬احملاربة ‪ ،‬والسعي يف األرض‬
‫فساداً ‪ ،‬وهو أمشل من أن يكون بالقتل أو أخذ املال ‪ ،‬فمىت حتقق هذان الشرطان يف جرمية فإهنا تكون‬
‫جرمية حرابة ‪ ،‬وعند أصحاب القول األول التكون احلرابة إال يف األنفس أو يف األموال ‪ ،‬ويف هذا تقييد‬
‫لآلية بغري دليل ‪ ،‬أما القول الثاين فإنه أرحب جماالً وهو يعطي اإلمام حرية واختياراً وصالحية أكثر يف‬
‫ردع اجملرمني ‪ ،‬وتنفيذ حد احلرابة يف كل ما جيد يف حياة الناس من اجلرائم اليت يقصد منه اإلفساد يف‬
‫األرض ‪ ،‬وحماربة اهلل ورسوله ‪.‬‬
‫والقول الثاني هو الصحيح واهلل أعلم ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬في الجرائم التي ألحقها أهل العلم بجريمة الحرابة ‪:‬‬
‫تبني لنا مما سبق أن جرمية احلرابة يقصد منها اإلفساد يف األرض ونشر الرعب يف قلوب الناس ‪ ،‬وترويع اآلمنني‬
‫‪.‬‬
‫وهذا هو الفرق بني جرمية احلرابة وغريها من اجلرائم ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ففي احلرابة اليستهدف احملارب شخصاً بعينه لينتقم منه ‪ ،‬بل قصده نشر الرعب يف قلوب العامة ‪ ،‬فهو حني‬
‫يقطع الطريق اليقصد شخصاً بعينه بل يقصد كل من مر ‪.‬‬
‫بينما اجلرائم األخرى شخصية ‪ ،‬فالسارق إمنا يقصد ذلك املنزل ‪ ،‬والقاتل إمنا يقصد ذلك الشخص بعينه‬
‫لينتقم منه ‪ ،‬ولذلك كانت عقوبة احلرابة أشد وأنكى ‪ ،‬واليقبل فيها عفو اجملين عليه ‪ ،‬ألهنا حق هلل ‪.‬‬
‫فمما ألحقه أهل العلم بالحرابة ‪:‬‬
‫‪ -1‬قتل الغيلة ‪ ( :‬عند املالكية ) ‪ :‬وهو القتل على حني غرة من اجملين عليه ‪ ،‬والسبب يف ذلك أنه ال ميكن‬
‫التحرز منه ‪ ،‬ألن اجلاين خيادع املقجين عليه فيقتله من حيث هو آمن ‪ ،‬مثل أن تقتل املرأة زوجها وهو نائم ‪،‬‬
‫أو خيرج برجل خارج البنيان مث يقتله وحنوذلك ‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن القاتل غيلة يقتل مطلقاً ولو عفا أولياء القتيل ألن قتله حد ال قصاص ‪.‬‬
‫‪ -2‬ترويج المخدرات وتهريبه إلى داخل بالد المسلمين ‪ :‬ألهنا جرمية عامة تستهدف إفساد األمة ‪،‬‬
‫خبالف تعاطي املخدرات فإهنا جرمية خاصة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تزييف عملة المسلمين ‪ :‬فهذه من اجلرائم العامة اليت يصعب التحرز منها ‪ ،‬وإذا انتشرت العملة املزيفة‬
‫يف بالد املسلمني دب الفساد يف أسواقهم ‪ ،‬ومل يأمن الناس يف التعامل بعملتهم ‪.‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬في مدة الصلب ‪:‬‬
‫اختلف أهل العلم يف مدة الصلب ‪ ،‬فقيل ثالثة أيام بعد قتله ‪ ،‬وقيل يوم وليلة ‪ ،‬والصحيح أن ذلك راجع إىل‬
‫اجتهاد اإلمام ‪ ،‬فمىت رأى أن املقصود من الصلب قد حتقق بارتداع الناس واعتبارهم ‪ ،‬فإنه ينزل املصلوب مث‬
‫إن كان مسلماً فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن يف مقابر املسلمني ‪.‬‬
‫المبحث السابع في معنى النفي في اآلية ؟‬
‫قيل ‪ :‬النفي ‪ :‬أي الطرد من بلدهم ‪ ،‬وقيل احلبس يف بلدهم ‪ ،‬وقال ابن عباس ‪ :‬نفيهم إذا هربوا أن يطلبوا‬
‫حىت يؤخذوا فتقام عليهم احلدود ‪.‬‬
‫واألظهر ‪ :‬أهنم ينفون من بلدهم وحيبسون يف البلد اليت نفوا إليها ‪ ،‬ألن تشريدهم يقضي إىل إغرائهم يف العود‬
‫يف جرائمهم ‪.‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬حكم من تاب منهم قبل القدرة عليه ؟‬
‫من تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق اهلل تعاىل من ‪ :‬نفي وقطع يد ورجل وحتتم قتل وصلب‬
‫لقوله تعاىل ‪ " :‬إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم " ‪ ،‬وأخذ حبقوق‬

‫‪156‬‬
‫اآلدميني من ‪ :‬نفس وطرف ومال إال أن يعفى له عنها من مستحقها ألنه حق آدمي فال يسقط بالتوبة‬
‫كالضمان ‪.‬‬
‫ومثل ذلك سائر احلدود كالزنا والسرقة وشرب اخلمر فمن تاب منها قبل القدرة عليه سقط عنه حق اهلل فيها‬
‫‪ ،‬وأخذ حبق اآلدميني ‪.‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬أحكام دفع الصائل ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬معنى الصيال ‪:‬‬
‫الصيال ‪ :‬أن يعتدى على الشخص يف نفسه أو ماله أو حرميه ‪ ،‬سواء كان املعتدي آدمياً أو حيواناً ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬األدلة على مشروعية دفع الصائل ‪:‬‬
‫‪ .1‬قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬من قتل دون فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومن قتل دون‬
‫ماله فهو شهيد "‬
‫‪ .2‬وعن أيب هريرة جاء رجل فقال يا رسول اهلل أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مايل قال قاتله قال أرأيت إن‬
‫قتلين قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار رواه أمحد ومسلم‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬حكم دفع الصائل ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬الدفاع عن العرض ‪ :‬جيب أن يدفع عن حرميه كأمه وأخته وزوجته وحنوهن إذا أريدت بفاحشة أو‬
‫قتل ‪ ،‬ألنه يؤدي بذلك حق اهلل من الكف عن الفاحشة والعدوان وحفظ نفسه باملنع عن أهله فال يسعه‬
‫إضاعة احلقني ‪.‬‬
‫وكذا يلزمه الدفاع عن حرمي غريه لئال تذهب األنفس وتستباح احلرم ‪ ،‬ويسقط وجوب الدفع بإياسه من‬
‫فائدته ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬قال أهل العلم يشرع اخلروج إىل صيحة ولو ليال لقول أنس فزع أهل املدينة ذات ليلة فانطلق أناس‬
‫قبل الصوت فتلقاهم النيب صلى اهلل عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إىل الصوت وهو على فرس أليب طلحة‬
‫عري يف عنقه السيف وهو يقول مل تراعوا مل تراعوا متفق عليه‬
‫ثانياً ‪ :‬الدفاع عن النفس ‪ :‬فيه تفصيل ‪:‬‬
‫ففي غير الفتنة ‪ :‬جيب عليه الدفاع عن نفسه ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪ " :‬وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة " فإذا حرم قتل‬
‫نفسه حرم عليه إباحة قتلها ‪ ،‬وكذا جيب عليه الدفاع عن نفس غريه ‪ ،‬لقوله صلى اهلل عليه وسلم انصر أخاك‬
‫ظاملا أو مظلوما ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫وإن كان ثم فتنة ‪:‬مل جيب الدفع عن نفسه وال نفس غريه ‪ ،‬لقصة عثمان رضي اهلل عنه وملا روي عن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أنه قال يف الفتنة ‪ " :‬اجلس يف بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك "‬
‫ويف لفظ " فكن كخري ابين آدم " ويف لفظ " فكن عبداهلل املقتول وال تكن عبداهلل القاتل " ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬الدفاع عن المال ‪ :‬فيه تفصيل ‪:‬‬
‫فبالنسبة لماله ‪ :‬جيوز له الدفاع عن مال نفسه أي وال جيب عليه ‪ ،‬فله بذله ملن أراده منه ظلما ‪ ،‬وبذله أفضل‬
‫من الدفع عنه ‪ ،‬ألن املال غاد ورائح خبالف النفس فإنه العوض هلا ‪ ،‬قال أمحد ‪ :‬أرى دفعه إليه وال يأيت على‬
‫نفسه ألهنا ال عوض هلا ‪ ،‬وال يلزمه حفظه من الضياع واهلالك ‪.‬‬
‫وأما دفاعه عن مال غيره ‪ :‬فقد قال مجع من أهل العلم بوجوبه إذا كان قادراً على الدفاع عنه من غري ضرر‬
‫عليه ‪ ،‬قال في الفروع ‪ :‬وأطلق الشيخ تقي الدين – يقصد ابن تيمية ‪ -‬لزومه عن مال غريه وقال ‪ -‬يف جند‬
‫قاتلوا عربا هنبوا أموال جتار لريدوه إليهم‪ " : -‬هم جماهدون يف سبيل اهلل وال ضمان عليهم بقود وال دية‬
‫والكفارة " ‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬في كيفية دفع الصائل ‪:‬‬
‫من اعتدي عليه يف نفسه أو ماله أو عرضه فله دفعة باألسهل فاألسهل ‪ ،‬فإن اندفع باألسهل حرم األصعب‬
‫لعدم احلاجة إليه ‪ ،‬فإن مل يندفع إال بالقتل فله قتله وال شيء عليه وإن قتل كان شهيداً ‪.‬‬
‫وإذا وىل هارباً فليس له أن يعتدي عليه ألنه ليس بصائل ِ‬
‫حينئذ ‪ ،‬وعقوبته موكولة إىل اإلمام ‪.‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬إن كان يندفع شره باملوعظة أو بالصراخ فال جيوز ضربه ‪ ،‬فإن ضربه ضمن ‪ ،‬وإن كان‬
‫يندفع بالضرب اخلفيف فال جيوز الضرب الشديد ‪ ،‬وإن كان يندفع بالضرب فال جيوز قطعه أو جرحه ‪ ،‬وإن‬
‫كان يندفع بالقطع أو باجلرح فال جيوز قتله ‪.‬‬
‫وسيتثنى من ذلك حالتان ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬إذا خشيت أن يباغتك بالقتل فلك أن تقتله ‪ ،‬ألن األصل أنه معتدي وال تؤمن غائلته ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬أن تقصد ضربه فتخطئ فتقتله ‪.‬‬
‫ففي كال احلالتني الضمان وال إمث ‪.‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬من قتل شخصاً في داره وادعى أنه صال عليه ‪ ،‬أو على حريمه ‪ ،‬أو على ماله فهل‬
‫تقبل دعواه ؟‬
‫أما ديانة ‪ :‬فإن كان صادقاً فال إمث عليه فيما بينه وبني اهلل ‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫قضاء ‪ :‬فاألصل أنه اليقبل قوله إال ببينة ‪.‬‬
‫وأما ً‬
‫واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية جواز العمل بقرائن األحوال يف مثل هذه املسألة ‪ ،‬مثل أن يكون الرجل املقتول‬
‫معروفاً بالفساد ‪ ،‬والقاتل معروفاً بالصالح ‪.‬‬
‫فإن مل يكن مثّ بينة وال قرائن تدل على صدق دعواه ‪ ،‬فيجب عليه القصاص عند عامة أهل العلم ‪ ،‬قال ابن‬
‫قدامة ‪ " :‬الأعلم فيه خالفاً " ‪ ،‬وسواء وجد القتيل يف دار القاتل أو يف غريها ‪ ،‬وسواء وجد حبوزته سالح أم‬
‫مل يوجد ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن األصل براءة ذمة املقتول مما يدعيه ‪ ،‬فال تثبت دعواه إال ببينة ‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬لو‬
‫يعطى الناس بدعواهم الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم ولكن اليمني على املدعى عليه "‬
‫‪ -2‬وملا روي عن علي رضي اهلل عنه أنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجالً فقتله ‪ ،‬فقال ‪ " :‬إن مل يأت‬
‫بأربعة شهداء فليعط برمته " أي ليقتص منه إن مل يقم البينة على الزنا ‪ ،‬والبينة يف الزنا أربعة شهود ‪.‬‬
‫‪ -3‬وألنه لو مل يطالب القاتل بالبينة لكان يف ذلك ذريعة لكل من أراد قتل شخص أن يستدرجه إىل بيته‬
‫فيقتله ‪ ،‬مث يدعي أنه صال عليه ‪.‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬هل يجوز لمن رأى رجالً يفجر بأهله أن يقتله ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أما ديانة ‪ :‬فيجوز له ذلك ‪ ،‬وال إمث عليه ‪ ،‬سواء كان الزاين حمصناً أم غري حمصن ‪ ،‬على الصحيح‬
‫من أقوال أهل العلم ‪ ،‬وال حيتاج إىل إذن حاكم ‪ ،‬وال يلزمه أن يدفعه باألسهل فاألسهل ‪ ،‬ألن هذا ليس من‬
‫باب دفع الصائل ‪ ،‬بل هو من باب عقوبة املغتدين املؤذين ‪ ،‬ودمه يف هذه احلال هدر ‪ ،‬فال قصاص والدية ‪،‬‬
‫ألنه قتل حبق ‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬ومن رأى رجالً يفجر بأهله جاز له قتلهما فيما بينه وبني اهلل تعاىل ‪ ،‬وسواء‬
‫كان الفاجر حمصناً ‪ ،‬أو غري حمصن ‪ ،‬معروفاً بذلك أم ال ‪ ،‬كما دل عليه كالم األصحاب وفتاوى الصحابة‬
‫‪..،‬إىل أنقال ‪ :‬وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظن بعضهم بل هو من باب عقوبة املعتدين " ‪.‬اهـ‬
‫واألدلة على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هذا من باب عقوبة املعتدين ‪ ،‬فهو كقوله عليه الصالة والسالم ‪ " :‬من اطلع على بيت قوم بغير‬
‫إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه " متفق عليه ‪ ،‬فهذا اليلزمه أن يدفعه باألسهل ‪ ،‬وال حيتاج إىل إذن حاكم‬
‫‪ ،‬فقد ثبت يف الصحيحني أيضاً أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى رجالً ينظر من خصاص الباب فأخذ عليه‬
‫الصالة السالم مشاقصاً وجعل يتقي باجلدار ليفقأ به عينه ‪ ،‬فلما وصل إليه كان الرجل قد وىل ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫و يستفاد من هذا احلديث ‪ :‬أنه جيوز إيقاع العقوبة على املعتدي حال اعتدائه ‪ ،‬أما إذا وىل فال يطلبه ‪ ،‬بل‬
‫يستقيد له احلاكم ‪.‬‬
‫‪ -2‬حديث سعد بن عبادة رضي اهلل عنه ففي الصحيحني أنه ملا نزل قزله نعاىل ‪ " :‬والذين يرمون احملصنات‬
‫مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني جلدة – اآلية " قال سعد بن عبادة لو رأيت رجال مع امرأيت‬
‫لضربته بالسيف غري مصفح عنه فبلغ ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال ‪ :‬أتعجبون من غرية سعد‬
‫فواهلل ألنا أغري منه واهلل أغري مىن من أجل غرية اهلل حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وال شخص أغري من‬
‫اهلل وال شخص أحب إليه العذر من اهلل من أجل ذلك بعث اهلل املرسلني مبشرين ومنذرين وال شخص أحب‬
‫إليه املدحة من اهلل من أجل ذلك وعد اهلل اجلنة ‪.‬‬
‫والشاهد أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل ينكر مقولة سعد تلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬ماورد عن عمر رضي اهلل عنه بينما هو يتغذى يوما إذ أقبل رجل يعدو ومعه¸ سيف جمرد ملطخ بالدم‬
‫فجاء حىت قعد مع عمر فجعل يأكل وأقبل مجاعة من الناس فقالوا يا أمري املؤمنني إن هذا قتل صاحبنا مع‬
‫امرأته فقال عمر ما يقول هؤالء قال ضرب اآلخر فخذي امرأته بالسيف فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال‬
‫هلم عمر ما يقول قالوا ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنني فقال عمر ‪ :‬إن‬
‫عادوا فعد ‪.‬‬
‫فهذا هو حكم من وجد رجالً يفجر بأهله ديانة ‪.‬‬
‫قضاء فال يقبل قوله إال بالبينة أو بقرينة تدل على صدق دعواه ‪ ،‬فلو أن رجالً قتل آخر وادعى‬
‫أما ً‬
‫القاتل أنه إنما قتله لكونه وجده يفجر بأهله ‪ ،‬فال تقبل دعواه في هذه الحال إال بأحد أمرين ‪ )1( :‬ببينة‬
‫(‪ )2‬بقرينة ظاهرة ‪ ،‬فغن لم يأت بأحدهما قتل به ‪.‬‬ ‫أو‬
‫أما البينة فاألدلة عليها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ألن األصل براءة ذمة القتيل مما يدعيه ‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬لو يعطى الناس بدعواهم‬
‫الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم "‬
‫‪ -2‬ولقول علي رضي اهلل عنه –املتقدم – " إن مل يأت بأربعة شهداء فليعط برمته "‬
‫وأما القرينة الظاهرة ‪:‬‬
‫فلقصة عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه املتقدمة ‪ ،‬فإن عمر رضي اهلل عنه أخذ بالقرينة وهي كون السيف قد‬
‫أصاب فخذي املرأة ‪ ،‬فهذه قرينة قوية على أن القتيل كان يفجر هبا ‪.‬‬
‫مالحظة هامة ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫يف مجيع ما تقدم – أي يف حال دفع الصائل ‪ ،‬وعقوبة املعتدي – الجيوز للمعتدى عليه أن يوقع العقوبة‬
‫باملعتدي بعد اجلرمية ‪ ،‬وإالكان مفتاتاً على اإلمام ‪.‬‬
‫وبه يتبين أن مراحل االعتداء على العرض ثالث ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬قبل وقوع اجلرمية ‪ ،‬فهذه من باب دفع الصائل ‪ ،‬فللمعتدى عليه أن يدفعه باألسهل فاألسهل ‪ ،‬فإن‬
‫مل يندفع إال بالقتل قتله ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬حال وقوع اجلرمية ‪ ،‬فللمعتدى عليه أن يقتله يف احلال ‪.‬‬
‫ويف كال املرحلتني املتقدمتني يقبل قوله ديانة ‪ ،‬القضاءً ‪ ،‬إال ببينة أو قرينة ظاهرة ‪.‬‬
‫والثالثة ‪ :‬بعد وقوع اجلرمية ‪ ،‬فال جيوز له معاقبته الديانة وال قضاء ‪ ،‬واهلل أعلم‬

‫الفصل السابع‬
‫حد البـغي‬

‫‪161‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف البغي والفرق بينه وبين الحرابة ‪:‬‬
‫البغي في اللغة ‪ :‬مبعىن الظلم والتعدي واالستطالة‬
‫والبغي في االصطالح الشرعي ‪ :‬اخلروج عن طاعة من ثبتت إمامته وغالبته بالقوة ‪.‬‬
‫والبغاة هم ‪ :‬اخلارجون على اإلمام بتأويل سائغ وهلم شوكة ولو مل يكن فيهم مطاع ‪.‬‬
‫مسوا بغاة لعدوهلم عن احلق وما عليه أئمة املسلمني ‪.‬‬
‫فإن فإن اختل شرط من ذلك بأن مل خيرجوا على إمام ‪ ،‬أو خرجوا عليه بال تأويل سائغ ‪ ،‬أو كانوا مجيعا‬
‫يسريا ال شوكة هلم ‪ ،‬فقطاع طريق البغاة ‪.‬‬
‫وبهذا يتضح الفرق بين البغاة والمحاربين ( قطاع الطريق ) ‪ :‬فكل منهما أي البغاة واحملاربون خارجون‬
‫على اإلمام ‪ ،‬إال أن البغاة هلم تأويل سائغ ‪ ،‬وأما احملاربون فهم خيرجون بقصد اإلفساد وال تأويل هلم ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬األدلة على مشروعية قتال البغاة ‪:‬‬
‫األصل يف قتاهلم ‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع ‪:‬‬
‫أما الكتاب ‪ :‬فقوله تعاىل فقاتلوا اليت تبغي حىت تفيء إىل أمر اهلل فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا‬
‫إن اهلل حيب املقسطني ‪ ،‬إمنا املؤمنون إخوة فأصلحوا بني أخويكم واتقوا اهلل لعلكم ترمحون "‬
‫وأما السنة ‪ :‬فأحاديث كثرية منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله عليه الصالة والسالم ‪ " :‬من أتاكم وأمركم مجيعا على رجل واحد يريد عصاكم ويفرق مجاعتكم‬
‫فاقتلوه " رواه أمحد ومسلم‬
‫‪ -2‬وعن ابن عباس مرفوعا ‪ " :‬من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه فإنه من فارق اجلماعة شربا فميتته‬
‫جاهلية " متفق عليه‬
‫وأما اإلجماع ‪ :‬فقد أمجع الصحابة على قتال البغاة ‪ ،‬وقاتل علي رضي اهلل عنه أهل النهروان فلم ينكره أحد‬
‫‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬حكم تنصيب اإلمام ‪:‬‬
‫تنصيب اإلمام فرض كفاية حلاجة الناس لذلك حلماية البيضة والذب عن احلوزة وإقامة احلدود واستيفاء‬
‫احلقوق واألمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية ‪ " :‬قد أوجب النيب صلى اهلل عليه وسلم تأمري الواحد يف اإلجتماع القليل‬
‫العارض يف السفر وهو تنبيه على أنواع اإلجتماع انتهى‪.‬‬
‫وكل من ثبتت إمامته حرم اخلروج عليه وقتاله أياً كان طريقة تنصيبه ‪:‬‬
‫‪ -1‬سواء ثبتت بإمجاع املسلمني عليه كإمامة أيب بكر الصديق رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫‪ -2‬أو بعهد اإلمام الذي قبله إليه كعهد أيب بكر إىل عمر رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫‪ -3‬أو باجتهاد أهل احلل والعقد ألن عمر جعل أمر اإلمامة شورى بني ستة من الصحابة فوقع اإلتفاق على‬
‫عثمان رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫‪ -4‬أو بقهره للناس حىت أذعنوا له ودعوه إماما كعبدامللك بن مروان ملا خرج على ابن الزبري فقتله واستوىل‬
‫على البالد وأهلها حىت بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما ألن يف اخلروج على من ثبتت إمامته بالقهر شق عصا‬
‫املسلمني وإراقةدمائهم وإذهاب أمواهلم ‪.‬‬
‫يدل على ذلك قوله عليه الصالة والسالم ‪ " :‬عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه‬
‫زبيبة " ‪ .‬رواه الرتمذي‬
‫قال أحمد ‪ :‬ومن غلب عليهم بالسيف حىت صار خليفة ومسي أمري املؤمنني فال حيل ألحد يؤمن باهلل أن يبيت‬
‫وال يراه إماما برا كان أو فاجرا ‪.‬‬
‫وقال في غاية المنتهى ‪ :‬ويتجه ال جيوز ‪ ،‬ولو تعدد اإلمام وأنه لو تغلب كل سلطان على ناحية كزماننا‬
‫فحكمة كاإلمام‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬شروط اإلمام ‪:‬‬
‫‪ -1‬كونه قرشيا لقوله صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬األئمة من قريش " متفق عليه‬
‫‪ -2‬بالغا‬
‫‪ -3‬عاقال‬
‫‪ -4‬مسيعا‬
‫‪ -5‬بصريا‬
‫‪ -6‬ناطقا‬
‫‪ -7‬حرا‬

‫‪163‬‬
‫‪ -8‬ذكرا‬
‫‪ -9‬عدال‬
‫‪ -10‬عاملا‬
‫‪ -11‬ذا بصرية‬
‫‪ -12‬كفئا‬
‫وأت تتحقق فيه هذه الشروط ابتداء ودواما إلحتياجه إىل ذلك يف أمره وهنيه وحربه وسياسته وإقامة احلدود‬
‫وحنو ذلك ‪ ،‬وألن العبد منقوص برقة مشغول حبقوق سيده وقوله صلى اهلل عليه وسلم يف حديث العرباض‬
‫وغريه والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد احلديث حممول على حنو أمري سرية ‪ ،‬أو أنه إن تغلب بالقوة ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬ال‬ ‫واملرأة ليست من أهل الوالية ويف احلديث ‪ " :‬ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري‬
‫ينعزل اإلمام بفسقه ملا يف ذلك من املفسدة خبالف القاضي وحلديث إال أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من اهلل‬
‫برهان ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬حكم البغاة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬تلزم اإلمام مراسلة البغاة ‪ ،‬وإزالة شبههم ‪ ،‬وما يدعون من املظامل ‪ ،‬فإذا ذكروا مظلمة أزاهلا ‪ ،‬وإن‬
‫ذكروا شبهة كشفها ‪ ،‬ألن ذلك وسيلة إلىالصلح املأمور به والرجوع إىل احلق ‪ ،‬وألن عليا رضي اهلل عنه‬
‫راسل أهل البصرة يوم اجلمل قبل الوقعة وأمر أصحابه أن ال يبدأوهم بقتال ‪ ،‬وقال إن هذا يوم من فلج فيه‬
‫فلج يوم القيامة ‪.‬‬
‫وروى عبد اهلل بن شداد أن عليا رضي اهلل عنه ملا اعتزله احلرورية بعث إليهم عبد اهلل بن عباس فواضعوه‬
‫كتاب اهلل ثالثةأيام فرجع منهم أربعة آالف‬
‫‪ ،‬وجيب على‬ ‫ثانياً ‪ :‬فإن رجعوا وإال لزمه قتاهلم لقوله تعاىل ‪ :‬فقاتلوا اليت تبغي حىت تفيء إىل أمر اهلل "‬
‫رعيته معونته لآلية ‪ ،‬وألن الصحابة قاتلوا مانعي الزكاة ‪ ،‬وقاتل علي رضي اهلل عنه أهل البصرة يوم اجلمل‬
‫وأهل الشام بصفني ‪.‬‬
‫وإذا حضر من مل يقاتل مل جيز قتله ألن عليا رضي اهلل عنه قال ‪ " :‬إياكم وصاحب الربنس " يعين حممد بن‬
‫طلحة السجاد وكان حضر طاعة ألبيه ومل يقاتل ‪ ،‬وألن القصد كفهم وهذا قد كف نفسه قاله يف الكايف ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪:‬ويختلف قتال البغاة عن قتال المشركين في امور منها ‪:‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ ‬أهنم إذا تركوا القتال حرم قتلهم وقتل مدبرهم ‪ ،‬وجريحهم ‪ :‬ألن املقصود قتاهلم القتلهم ‪ ،‬لقول‬
‫مروان صرخ صارخ لعلي يوم اجلمل ‪ " :‬ال يقتلن مدبر ‪ ،‬وال يذفف على جريح ‪ ،‬وال يهتك سرت ‪ ،‬ومن‬
‫أغلق بابه فهو آمن ‪ ،‬ومن ألقى السالح فهو آمن ‪.‬‬
‫وروى ابن مسعود أن النيب صلىاهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬يا ابن أم عبد ما حكم من بغى على أميت" فقلت ‪:‬‬
‫اهلل ورسوله أعلم‬
‫فقال ‪" :‬ال يقتل مدبرهم وال جياز على جرحيهم وال يقتل أسريهم وال يقسم فيئهم‪.‬‬
‫وعن أبي أمامة ‪ :‬قال شهدت صفني فكانوا ال جييزون على جريح وال يطلبون موليا وال يسلبون قتيال‬
‫وألن املقصود دفعهم فإذا حصل مل جيز قتلهم كالصائل ‪.‬‬
‫‪ ‬وال يغنم مالهم وال تسبي ذراريهم ‪ :‬بال خالف بني أهل العلم ‪ ،‬ألن ماهلم مال معصوم¸ وذريتهم‬
‫معصومون¸ ‪.‬‬
‫‪ ‬ويجب رد ذلك إليهم ‪ :‬ألن أمواهلم كأموال غريهم من املسلمني وإمنا أبيح قتاهلم للرد إىل الطاعة وعن‬
‫علي أنه قال يوم اجلمل ‪ :‬من عرف من ماله مع أحد فليأخذه فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب علي وهو‬
‫يطبخ فيها فسأله إمهاله حىت ينطبخ فأىب وكبه وأخذها‬
‫‪ ‬وال يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب كما ال يضمن أهل العدل ما أتلفوه للبغاة حال الحرب ‪ :‬ألن‬
‫عليا مل يضمن البغاة ما أتلفوه حال احلرب من نفس ومال‬
‫وقال الزهري ‪ :‬هاجت الفتنة وأصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم متوافرون وفيهم البدريون‬
‫فأمجعوا أنه ال يقاد أحد وال يأخذ مال على تأويل القرآن إال ما وجد بعينه ‪.‬‬
‫‪ ‬وإن استولوا على بلد فأقاموا الحدود وأخذوا الزكاة والخراج والجزية احتسب به ‪ :‬ألن عليا رضي‬
‫اهلل عنه مل يتبع ما فعله أهل البصرة ومل يطالبهم بشيء مما جباه البغاة وألن ابن عمر وسلمة بن األكوع‬
‫كان يأتيهم ساعي جندة احلروري فيدفعون إليه زكاهتم وألن يف ترك االحتساب بذلك ضررا عظيما على‬
‫الرعايا ‪ ،‬وهم يف شهادهتم وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل ألن التأويل يف الشرع ال يفسق به‬
‫الذاهب إليه أشبه املخطىء من الفقهاء يف فرع فيقضي بشهادة عدوهلم وال ينقص حكم حاكمهم إال ما‬
‫خالف نص كتاب أو سنة أو إمجاعا‪.‬‬
‫‪ ‬ويغسل قتالهم ويصلى عليهم ‪ :‬ألهنم مسلمون‬

‫‪165‬‬
‫ومما سبق يتبني أن قتال البغاة خيتلف عن بقية احلدود من حيث إنه ال يعد عقوبة باملعىن املألوف للعقوبة اليت‬
‫توقع على األفراد ‪ ،‬وإمنا هو من باب دفع الصائل ‪ ،‬فيعمل اإلمام على دفع شرهم باألسهل فاألسهل ‪ ،‬فمىت‬
‫اندفع شرهم باملوعظة مل جيز قتاهلم ‪.‬‬

‫الفصل الثامن‬
‫حد الردة‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الردة ‪:‬‬
‫الردة في اللغة ‪ :‬اسم من االرتداد ‪ ،‬تقول ‪ :‬رده ‪ ،‬يرده ‪ ،‬رداً ‪ ،‬مبعىن الرجوع إىل الشيء ‪.‬‬
‫والردة في االصطالح الشرعي ‪ :‬الرجوع من اإلسالم إىل الكفر ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ " :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعماهلم يف الدنيا واآلخرة وأولئك‬
‫أصحاب النار هم فيها خالدون "‬
‫والمرتد ‪ :‬من كفر بعد إسالمه‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬بيان حد الردة ‪:‬‬
‫أمجع أهل العلم على وجوب قتل املرتد ‪ ،‬إن مل يتب ‪.‬‬
‫واألدلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث ابن عباس عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬من بدل دينه فاقتلوه " رواه اجلماعة إال مسلما‬
‫‪ -2‬وعن ابن مسعود عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ :‬ال حيل دم امرىء مسلم يشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وأين رسول اهلل إال بإحدى ثالث الثيب الزاين والنفس بالنفس والتارك لدينه املفارق للجماعة رواه اجلماعة‬
‫‪ -3‬وعن عائشة مرفوعاً ‪ :‬ال حيل دم امرىء مسلم إال من ثالثة إال من زىن بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم‬
‫أو قتل نفس فقتل هبا رواه أمحد والنسائي‬
‫وروي عن أيب بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل خالد بن الوليد وغريهم ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫وقد أمجعت األمة على وجوب قتل املرتد ‪ ،‬وملا ارتدت بعض قبائل العرب بعد وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫امجع الصحابة على قتاهلم ‪.‬‬
‫مسألة ‪ :‬ذهب احلنفية إىل أن املرأة إذا ارتدت التقتل ‪ ،‬بل جترب على اإلسالم باحلبس والضرب ‪ ،‬أو تظل‬
‫حمبوسة حىت متوت ‪.‬‬
‫واستدل األحناف بنهيه عليه الصالة والسالم عن قتل النساء والصبيان ‪،‬رواه أهل السنن ‪.‬‬
‫والصحيح ما عليه جمهور أهل العلم أن الرجل والمرأة سواء في ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬لعموم الأدلة املتقدمة‬
‫‪ -‬وروى الدارقطين أن امرأة يقال هلا أم مروان ارتدت عن اإلسالم فبلغ أمرها إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم‬
‫فأمر أن تستتاب فإن تابت وإال قتلت ‪.‬‬
‫‪ -‬وأما استدالل احلنفية فال يصح االستدالل به هنا ألن النهي عن قتلهم يف حال الغزو إذا مل يشاركوا ‪ ،‬وقد‬
‫جاء يف بعض طرق احلديث أنه عليه الصالة والسالم يف بعض مغازيه مر بامرأة مقتولة فنهى عن قتل النساء‬
‫والصبيان ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬أسباب الردة ‪:‬‬
‫قال أهل العلم ‪ :‬حيصل الكفر بأحد أربعة أمور‬
‫األمر األول ‪ :‬بالقول ‪:‬‬
‫كسب اهلل تعاىل أو رسوله أو مالئكته ألنه ال يسبه إال وهو جاحد به ‪ ،‬أو ادعاء النبوة أو تصديق من ادعاها‬
‫ألن ذلك تكذيب هلل تعاىل يف قوله ‪ " :‬ولكن رسول اهلل وخامت النبيني "وحلديث ‪" :‬ال نيب بعدي وحنوه "‬
‫األمر الثاني ‪ :‬بالفعل ‪:‬‬
‫كالسجود للصنم كشمس وقمر وشجر وحجر وقرب ألنه إشراك باهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وكإلقاء املصحف يف قاذورة ‪ ،‬أو ادعى اختالفه أو القدرة على مثله ألن ذلك تكذيب له ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضاً السحر ‪.‬‬
‫األمر الثالث ‪ :‬وباإلعتقاد ‪:‬‬
‫‪-‬كاعتقاده الشرك له تعاىل أو الصاحبة أو الولد ‪ ،‬لقوله تعاىل ‪ " :‬ما اختذ اهلل من ولد وما كان معه من إله"‬
‫اآلية ‪ ،‬ولقوله تعاىل ‪ " :‬إن اهلل ال يغفر أن يشرك به "‬

‫‪167‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ " :‬أو كان مبغضا لرسوله أو ملا جاء به اتفاقا أو جعل بينه وبني اهلل وسائط‬
‫يتوكل عليهم ويدعوهم ويسأهلم كفر إمجاعا ‪.‬‬
‫‪ -‬أو اعتقد أن الزىن واخلمر حالل أو أن اخلبز حرام وحنو ذلك مما أمجع عليه إمجاعا قطعيا ألن ذلك معاندة‬
‫لإلسالم وامتناع من قبول أحكامه وخمالفة للكتاب والسنة وإمجاع األمة‬
‫‪ -‬ومثل ذلك من قذف عائشة مبا برأها اهلل منه كفر بال خالف ‪.‬‬
‫األمر الرابع ‪ :‬بالشك في شيء مما تقدم ‪:‬‬
‫أي يف حترمي الزىن واخلمر أو يف حل اخلبز وحنوه ومثله ال جيهله لكونه نشأ بني املسلمني وإن كان جيهله مثله‬
‫حلداثة عهده باإلسالم أو اإلفاقة من جنون وحنوه مل يكفر وعرف حكمه ودليله فإن أصر عليه كفر ألن أدلة‬
‫هذه األمور ظاهرة من كتاب اهلل وسنة رسوله واليصدر إنكارها إال من مكذب لكتاب اهلل وسنة رسوله ‪.‬‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬استتابة المرتد ‪:‬‬
‫من ارتد وهو مكلف خمتار استتيب ثالثة أيام وجوبا ‪ ،‬عند مجهور أهل العلم ‪ ،‬ملا روى مالك والشافعي أنه‬
‫قدم على عمر رجل من قبل أيب موسى ‪:‬‬
‫فقال له عمر ‪ " :‬هل كان من مغربة خرب "‬
‫قال ‪ :‬نعم رجل كفر بعد إسالمه‬
‫فقال ‪ :‬ما فعلتم به‬
‫قال‪ :‬قربناه فضربنا عنقه‬
‫قال عمر ‪ :‬فهال حبستموه ثالثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر اهلل اللهم إين‬
‫مل أحضر ومل أرض إذا بلغين ‪.‬‬
‫فلوال وجوب االستابة ملا برىء من فعلهم ‪ ،‬وأحاديث األمر بقتله حتمل على ذلك مجعا بني األخبار ‪.‬‬
‫فإن تاب فال شيء عليه وال يحبط عمله لما يلي ‪:‬‬
‫لقوله تعالى ‪ " :‬والذين ال يدعون مع اهلل إله آخر إىل قوله إال من تاب اآلية ‪،‬‬
‫ولمفهوم قوله تعالى ‪ " :‬ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعماهلم " وعن أنس‬
‫مرفوعا ‪ " :‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل فإذا قالوها عصموا مين‬
‫دماءهم وأمواهلم إال حبقها" متفق عليه‬

‫‪168‬‬
‫وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم كف عن املنافقني حني أظهروا اإلسالم‬
‫وإن أصر قتل بالسيف ملا تقدم ‪ ،‬وحلديث ‪ " :‬إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا‬
‫القتلة" وحديث ‪" :‬من بدل دينه فاقتلوه وال تعذبوا بعذاب اهلل يعين النار " رواه البخاري وأبو داود‬
‫وال يقتله إال اإلمام أو نائبه ألنه قتل حلق اهلل تعاىل فكان إىل اإلمام كرجم الزاين احملصن فإن قتله غريمها أساء‬
‫وعزر الفتئاته على ويل األمر‬
‫وال ضمان بقتل مرتد ‪ ،‬ولو كان قبل استتابته ألنه مهدر الدم بالردة يف اجلملة ‪ ،‬وال يلزم من حترمي القتل‬
‫الضمان بدليل نساء احلرب وذريتهم ‪.‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬حكم إسالم المميز وردته ‪:‬‬
‫يصح إسالم المميز ذكرا أو أنثى إذا عقله ‪ ،‬ألن عليا رضي اهلل عنه أسلم وهو ابن مثاين سنني رواه البخاري‬
‫يف تارخيه فصح إسالمه وثب إميانه وعد بذلك سابقا ‪ ،‬وروىعنه قوله ‪:‬‬
‫صبيا ما بلغت أوان حلمي‬ ‫سبقتكموا إىل اإلسالم طرا‬
‫وتصح كذلك ردته ‪ :‬ألن من صح إسالمه صحت ردته كسائر الناس لكن ال يقتل حىت يستتاب بعد بلوغه‬
‫ثالثة أيام ألن بلوغه أول زمن صار فيه حلديث ‪ " :‬رفع القلم عن ثالثة – احلديث " ‪.‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬في كيفية توبة المرتد ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬توبة المرتد وكل كافر بأمرين ‪:‬‬
‫‪ .1‬األول ‪ :‬إتيانه بالشهادتني ‪ ،‬حلديث ابن مسعود أن النيب صلى اهلل عليه وسلم دخل الكنيسة فإذا هو‬
‫بيهودي يقرأ عليهم التوراة فقرأ حىت إذا أتى على صفة النيب صلىاهلل عليه وسلم وأمته فقال ‪ " :‬هذه‬
‫صفتك وصفة أمتك أشهد أن ال إله إال اهلل وأنك رسول اهلل "‬
‫فقال صلى اهلل عليه وسلم ‪" :‬آووا أخاكم " رواه أمحد‬
‫وعن أنس أن يهوديا قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم أشهد أنك رسول اهلل مث مات فقال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم صلوا على صاحبكم احتج به أمحد‬
‫‪ .2‬والثاني ‪ :‬رجوعه عما كفر به ألنه كذب اهلل ورسوله مبا اعتقد فال بد من إيتائه مبا يدل على رجوعه عنه‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مسائل في كيفية توبة المرتد‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬ال يغين قوله حممد رسول اهلل عن كلمة التوحيد فالحيكم بإسالمه حىت يوحد اهلل ويقر مبا‬
‫كان جيحده ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬لو قال الكافر أو المرتد ‪" :‬أنا مسلم " فهل تعد توبة ؟‬
‫ذهب اجلمهور إىل أنه يعد توبة ملا يلي ‪:‬‬
‫‪ ‬ألنه يتضمن الشهادتني‬
‫‪ ‬وعن المقداد أنه قال يا رسول اهلل أرأيت إن لقت رجال من الكفار فقاتلين فضرب إحدى يدي بالسيف‬
‫فقطعها مث الذ مين بشجرة فقال ‪ :‬أسلمت أفأقتله يا رسول اهلل بعد أن قاهلا قال ال تقتله فإنه مبنزلتك قبل‬
‫قبل أن تقتله وإنك مبنزلته قبل أن يقول كلمته اليت قاهلا ‪ .‬رواه مسلم‬
‫‪ ‬وعن عمران بن حصين قال أصاب املسلمون رجال من بين عقيل فأتوا به النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال‬
‫يا حممد إين مسلم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لو كنت قلت وأنت متلك التابعني أفلحت كل‬
‫الفالح رواه مسلم‬
‫وقال في المغنى ‪ " :‬حيتمل أن هذا يف الكافر األصلي أي من جحد الوحدانية وأما من كفر جبحد نيب أو‬
‫كتاب أو فريضة وحنو هذا فال يصري مسلما بذلك ‪ ،‬ألنه رمبا اعتقدأن اإلسالم ما هو ما عليه فإن أهل البدع‬
‫كلهم يعتقدون أهنم هم املسلمون ومنهم من هو كافر " ‪ ،‬وهذا القول هو الصحيح واهلل أعلم ‪.‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬المرتدون الذين التقبل توبتهم في الظاهر ‪:‬‬
‫ذهب الجمهور إلى أنه التقبل في الظاهر توبة كل من ‪:‬‬
‫‪ -1‬الزنديق ‪:‬‬
‫وهو املنافق الذي يظهر اإلسالم وخيفي الكفر ‪.‬‬
‫والدليل على ذلك قوله تعالى ‪ " :‬إال الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " ‪ ،‬قالوا ‪ :‬والزنديق اليعلم تبني رجوعه‬
‫وتوبته ألنه اليظهر منه التوبة خالف ما كان عليه من قبل ‪ ،‬فإنه كان ينفي الكفر عن نفسه قبل ذلك وقلبه ال‬
‫يطلع عليه ‪.‬‬
‫‪ -2‬من تكررت ردته ‪:‬‬
‫لقوله تعالى ‪ " :‬إن الذين آمنوا مث كفروا مث آمنوا مث كفروا مث ازدادوا كفرا مل يكن اهلل ليغفر هلم وال ليهديهم‬
‫سبيال "‬
‫ولقوله ‪ " :‬إن الذين كفروا بعد إمياهنم مث ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم "‬
‫وألن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته وقلة مباالته باإلسالم ‪.‬‬
‫‪ -3‬من سب اهلل تعالى أو رسوله ‪:‬‬

‫‪170‬‬
‫لعظيم ذنبه جدا فيدل على فساد عقيدته ‪.‬‬
‫قال أمحد ‪ :‬ال تقبل توبة من سب النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكذا من قذف نبيا أو أمه ملا يف ذلك من التعرض للقدح يف النبوة املوجب للكفر ‪.‬‬
‫والصحيح في المسائل الثالث المتقدمة ‪:‬‬
‫أنه تقبل توبة كل من تاب توبة نصوحاً من كل ذنب ‪ ،‬لعموم قوله تعاىل ‪ " :‬قل ياعبادي الذين أسرفوا على‬
‫أنفسهم التقنطوا من رمحة اهلل ‪ ،‬إن اهلل يغفر الذنوب مجيعا " ‪ ،‬ولقوله سبحانه يف نفس املنافقني ‪ " :‬إال الذين‬
‫تابوا وأصلحوا واعتصموا باهلل وأخلصوا دينهم هلل فأولئك مع املؤمنني" ‪.‬‬
‫ويستثىن من ذلك من سب النيب صلى اهلل عليه وسلم فإنه تقبل توبته فيما بينه وبني اهلل إن كان صادقاً ‪ ،‬أما يف‬
‫الظاهر فإنه يقتل بكل حال ‪ ،‬ولو أظهر التوبة ‪ ،‬ألن السب حق للنيب صلى اهلل عليه وسلم فهو حق آلدمي مل‬
‫نعلم أنه عفا عنه ‪،‬فوجب األخذ به ‪ ،‬خبالف من سب اهلل مث تاب فإنه اليقتل ألن سب اهلل حق هلل وقد علمنا‬
‫عفوه سبحانه عن حقه ملن تاب إليه ‪.‬‬

‫الباب الثالث‬
‫التعازير‬
‫الفصل األول ‪ :‬تعريف التعزير ‪ ،‬والفرق بينه وبين الحدود والقصاص والكفارات ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف التعزير ‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫التعزير لغة ‪ :‬مصدر عزر من العزر ‪ ،‬وهو الرد واملنع ‪ ،‬ويقال ‪ :‬عزر أخاه مبعىن ‪ :‬نصره ‪ ،‬ألنه منع عدوه من‬
‫أن يؤذيه ‪ ،‬ويقال ‪ :‬عزرته مبعىن ‪ :‬وقرته ‪ ،‬وأيضا ‪ :‬أدبته ‪ ،‬فهو من أمساء األضداد ‪ .‬وسميت العقوبة تعزيرا ‪،‬‬
‫ألن من شأهنا أن تدفع اجلاين وترده عن ارتكاب اجلرائم ‪ ،‬أو العودة إليها وفي االصطالح ‪ :‬هو عقوبة غري‬
‫مقدرة شرعا ‪ ،‬جتب حقا هلل ‪ ،‬أو آلدمي ‪ ،‬يف كل معصية ليس فيها حد وال كفارة غالبا ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬الفروق بين التعازير والحدود والقصاص والكفارات ‪:‬‬
‫يختلف التعزير عن الحد والقصاص والكفارة من وجوه منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬في الحدود والقصاص ‪ ،‬إذا ثبتت اجلرمية املوجبة هلما لدى القاضي شرعا ‪ ،‬فإن عليه احلكم باحلد أو‬
‫القصاص على حسب األحوال ‪ ،‬وليس له اختيار يف العقوبة ‪ ،‬بل هو يطبق العقوبة املنصوص عليها شرعا‬
‫بدون زيادة أو نقص ‪ ،‬وال حيكم بالقصاص إذا عفي عنه ‪ ،‬وله هنا التعزير ‪.‬‬
‫ومرد ذلك ‪ :‬أن القصاص حق لألفراد ‪ ،‬خبالف احلد ‪.‬‬
‫وفي التعزير ‪ :‬خيتار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب احلال ‪ ،‬فيجب على الذين هلم سلطة التعزير‬
‫االجتهاد يف اختيار األصلح ‪ ،‬الختالف ذلك باختالف مراتب الناس ‪ ،‬وباختالف املعاصي ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إقامة الحد الواجب حلق اهلل ال عفو فيه وال شفاعة وال إسقاط ‪ ،‬إذا وصل األمر للحاكم ‪ ،‬وثبت‬
‫بالبينة ‪ ،‬وكذلك القصاص إذا مل يعف صاحب احلق فيه ‪.‬‬
‫والتعزير إذا كان من حق اهلل تعاىل جتب إقامته ‪ ،‬وجيوز فيه العفو والشفاعة إن كان يف ذلك مصلحة ‪ ،‬أو‬
‫انزجر اجلاين بدونه ‪ ،‬وإذا كان من حق الفرد فله تركه العفو وبغريه ‪ ،‬وهو يتوقف على الدعوى ‪ ،‬وإذا طالب‬
‫صاحبه ال يكون لويل األمر عفو وال شفاعة وال إسقاط ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إثبات الحدود والقصاص عند اجلمهور ال يثبت إال بالبينة أو االعرتاف ‪ ،‬بشروط خاصة ‪ .‬وعلى سبيل‬
‫املثال ‪ :‬ال يؤخذ فيه بأقوال اجملين عليه كشاهد ‪ ،‬وال بالشهادة السماعية ‪ ،‬وال باليمني ‪ ،‬وال بشهادة النساء ‪.‬‬
‫أما التعزير فيثبت بذلك ‪ ،‬وبغريه ‪.‬‬
‫د ‪ -‬ال خالف بني الفقهاء أن من حده اإلمام فمات من ذلك فدمه هدر ‪ ،‬ألن اإلمام مأمور بإقامة احلد ‪،‬‬
‫وفعل املأمور ال يتقيد بشرط السالمة ‪.‬‬
‫أما التعزير فقد اختلفوا فيه ‪ ،‬فعند احلنفية واملالكية واحلنابلة ‪ :‬احلكم كذلك يف التعزير ‪ ،‬أما عند الشافعية ‪:‬‬
‫فالتعزير موجب للضمان ‪ ،‬وقد استدلوا على ذلك بفعل عمر رضي اهلل عنه ‪ ،‬إذ أرهب امرأة ففزعت فزعا ‪،‬‬
‫فدفعت الفزعة في رحمها ‪ ،‬فتحرك ولدها ‪ ،‬فخرجت ‪ ،‬فأخذها المخاض ‪ ،‬فألقت غالما جنينا ‪ ،‬فأيت‬
‫عمر رضي اهلل عنه بذلك ‪ ،‬فأرسل إىل املهاجرين فقص عليهم أمرها ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما ترون ؟ فقالوا ‪ :‬ما نرى‬
‫عليك شيئا يا أمري املؤمنني ‪ ،‬إمنا أنت معلم ومؤدب¸ ‪ ،‬ويف القوم علي رضي اهلل عنه ‪ ،‬وعلي ساكت ‪ .‬قال ‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫فما تقول ‪ :‬أنت يا أبا احلسن قال ‪ :‬أقول ‪ :‬إن كانوا قاربوك يف اهلوى فقد أمثوا ‪ ،‬وإن كان هذا جهد رأيهم‬
‫فقد أخطئوا ‪ ،‬وأرى عليك الدية يا أمري املؤمنني ‪ ،‬قال ‪ :‬صدقت ‪ ،‬اذهب فاقسمها على قومك ‪.‬‬
‫أما من يتحمل الدية يف النهاية ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إمنا تكون على عاقلة ويل األمر ‪ .‬وقيل ‪ :‬إهنا تكون يف بيت املال ‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬إن احلدود تدرأ بالشبهات ‪ ،‬بخالف التعزير ‪ ،‬فإنه يثبت بالشبهة ‪.‬‬
‫و ‪ -‬جيوز الرجوع يف احلدود إن ثبتت باإلقرار ‪ ،‬أما التعزير فال يؤثر فيه الرجوع ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬إن احلد ال جيب على الصغري ‪ ،‬وجيوز تعزيره ‪.‬‬
‫ح ‪ -‬إن احلد قد يسقط بالتقادم عند بعض الفقهاء ‪ ،‬خبالف التعزير ‪.‬‬
‫ط‪ -‬احلدود جيب على اإلمام إقامتها ‪ ،‬أما التعازير ‪ ،‬قد حصل اخلالف يف التعزير هل هو واجب على ولي‬
‫األمر أم ال ؟‬
‫فمالك ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ ،‬وأمحد قالوا بوجوب التعزير فيما شرع فيه ‪.‬‬
‫وقال الشافعي ‪ :‬إنه ليس بواجب ‪ ،‬استنادا إىل { أن رجال قال للرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬إين لقيت امرأة‬
‫فأصبت منها دون أن أطأها ‪ .‬فقال صلى اهلل عليه وسلم أصليت معنا ؟ قال نعم ‪ :‬فتال عليه آية ‪ { :‬وأقم‬
‫الصالة طريف النهار وزلفا من الليل إن احلسنات يذهنب السيئات} } ‪ .‬وإىل قوله صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫األنصار ‪ { .‬اقبلوا من حمسنهم ‪ ،‬وجتاوزوا عن مسيئهم } وإىل { أن رجال قال للرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫يف حكم حكم به للزبري مل يرقه ‪ :‬إن كان ابن عمتك ‪ ،‬فغضب ‪ .‬ومل ينقل أنه عزره ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬حكمة التشريع ‪:‬‬
‫التعزير مشروع لردع اجلاين وزجره ‪ ،‬وإصالحه وهتذيبه ‪.‬‬
‫قال الزيلعي ‪ :‬إن الغرض من التعزير الزجر ‪ .‬ومسى التعزيرات ‪ :‬بالزواجر غري املقدرة ‪.‬‬
‫والزجر معناه ‪ :‬منع اجلاين من معاودة اجلرمية ‪ ،‬ومنع غريه من ارتكاهبا ‪ ،‬ومن ترك الواجبات ‪ ،‬كرتك الصالة‬
‫واملماطلة يف أداء حقوق الناس ‪.‬‬
‫أما اإلصالح والتهذيب ‪ :‬فهما من مقاصد التعزير ‪ ،‬وقد بني ذلك الزيلعي بقوله ‪ :‬التعزير للتأديب ‪.‬‬
‫ومثله تصريح املاوردي وابن فرحون بأن ‪ :‬التعزير تأديب استصالح وزجر ‪.‬‬
‫وقال الفقهاء ‪ :‬إن احلبس غري احملدد املدة حده التوبة وصالح حال اجلاين ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن التعزير شرع للتطهري‪ :‬ألن ذلك سبيل إلصالح اجلاين ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬الزواجر غري املقدرة حمتاج إليها ‪ ،‬لدفع الفساد كاحلدود ‪ .‬وليس التعزير للتعذيب ‪ ،‬أو إهدار اآلدمية‬
‫‪ ،‬أو اإلتالف ‪ ،‬حيث ال يكون ذلك واجبا ‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول الزيلعي ‪ :‬التعزير للتأديب ‪ ،‬وال جيوز اإلتالف ‪ ،‬وفعله مقيد بشرط السالمة ‪ .‬ويقول ابن‬
‫فرحون ‪ :‬التعزير إمنا جيوز منه ما أمنت عاقبته غالبا ‪ ،‬وإال مل جيز‬

‫‪173‬‬
‫ويقول البهوتي ‪ :‬ال جيوز قطع شيء ممن وجب عليه التعزير ‪ ،‬وال جرحه ‪ ،‬ألن الشرع مل يرد بشيء من ذلك‬
‫‪ ،‬عن أحد يقتدى به‪ ،‬وألن الواجب أدب ‪ ،‬واألدب ال يكون باإلتالف ‪ ،‬وكل ضرب يؤدي إلى اإلتالف‬
‫ممنوع ‪ ،‬سواء أكان هذا االحتمال ناشئا من آلة الضرب ‪ ،‬أم من حالة اجلاين نفسه ‪ ،‬أم من موضع الضرب‬
‫‪.‬‬
‫وتفريعا على ذلك ‪ :‬منع الفقهاء الضرب يف املواضع اليت قد يؤدي فيها إىل اإلتالف‪ ، .‬ولذلك فالراجح ‪ :‬أن‬
‫الضرب على الوجه والفرج والبطن والصدر ممنوع ‪ .‬وعلى األساس املتقدم منع مجهور الفقهاء يف التعزير ‪:‬‬
‫الصفع ‪ ،‬وحلق اللحية ‪ ،‬وتسويد الوجه ‪ ،‬وإن كان البعض قال به يف شهادة الزور ‪.‬‬
‫قال األسروشني ‪ :‬ال يباح التعزير بالصفع لأنه من أعلى ما يكون من االستخفاف ‪.‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المعاصي التي شرع فيها التعزير‬
‫المبحث األول ‪ :‬تعريف المعصية التي يشرع فيها التعزير ‪:‬‬
‫المعصية ‪ :‬فعل ما حرم ‪ ،‬وترك ما فرض ‪ ،‬يستوي يف ذلك كون العقاب دنيويا أو أخرويا‪.‬‬
‫أجمع الفقهاء على ‪ :‬أن ترك الواجب أو فعل احملرم معصية فيها التعزير ‪ ،‬إذا مل يكن هناك حد مقدر ‪.‬‬
‫ومثال ترك الواجب عندهم ‪ :‬منع الزكاة ‪ ،‬وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك ‪ ،‬وعدم أداء األمانة ‪،‬‬
‫وعدم رد املغصوب ‪ ،‬وكتم البائع ما جيب عليه بيانه ‪ ،‬كأن يدلس يف املبيع عيبا خفيا وحنوه ‪ ،‬والشاهد واملفيت‬
‫واحلاكم يعزرون على ترك الواجب ‪.‬‬
‫ومثال فعل المحرم ‪ :‬سرقة ما ال قطع فيه ‪ ،‬لعدم توافر شروط النصاب أو احلرز مثال ‪ ،‬وتقبيل األجنبية ‪،‬‬
‫واخللوة هبا ‪ ،‬والغش يف األسواق ‪ ،‬والعمل بالربا ‪ ،‬وشهادة الزور ‪.‬‬
‫وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة ‪ ،‬وحكمه عند كثري من الفقهاء ‪ -‬وعلى اخلصوص‬
‫املالكية ‪ -‬أنه يصري حراما ‪ ،‬بناء على قاعدة سد الذرائع ‪ ،‬وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير ‪،‬‬
‫ما دام ليست له عقوبة مقدرة ‪. .‬‬
‫وقد اختلف يف تعزير تارك املندوب ‪ ،‬وفاعل املكروه ‪ ،‬ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ‪ ،‬لعدم التكليف ‪،‬‬
‫وال تعزير بغري تكليف ‪ .‬وفريق أجازه ‪ ،‬استنادا على فعل عمر رضي اهلل عنه ‪ ،‬فقد عزر رجال أضجع شاة‬
‫لذحبها ‪ ،‬وأخذ حيد شفرته وهي على هذا الوضع ‪ ،‬وهذا الفعل ليس إال مكروها ‪ ،‬ويأخذ هذا احلكم من يرتك‬
‫املندوب ‪.‬‬
‫وقال القليوبي ‪ :‬قد يشرع التعزير وال معصية ‪ ،‬كتأديب طفل ‪ ،‬وكافر ‪ ،‬وكمن يكتسب بآلة هلو ال معصية‬
‫فيها‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اجتماع التعزير مع الحد أو القصاص أو الكفارة ‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫قد يجتمع التعزير مع الحد أو القصاص أوالكفارة ‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن احلنفية ال يرون تغريب الزاين غري احملصن من حد الزىن ‪ .‬فعندهم أن حده مائة جلدة ال غري ‪ ،‬ولكنهم‬
‫جييزون تغريبه بعد اجللد ‪ ،‬وذلك على وجه التعزير ‪.‬‬
‫‪ .2‬وجيوز تعزير شارب اخلمر بالقول ‪ ،‬بعد إقامة حد الشرب عليه ‪ ،‬فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه { أن النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم أمر بتبكيت شارب اخلمر بعد الضرب } ‪ .‬والتبكيت تعزير بالقول ‪ ،‬وممن قال‬
‫بذلك ‪ :‬احلنفية ‪ ،‬واملالكية ‪.‬‬
‫‪ .3‬وقال املالكية ‪ :‬إن اجلارح عمدا يقتص منه ويؤدب ‪ .‬ومن مث فالتعزير قد اجتمع مع القصاص يف االعتداء‬
‫على ما دون النفس عمدا ‪.‬‬
‫‪ .4‬والشافعي جييز اجتماع التعزير مع القصاص فيما دون النفس من اجلنايات على البدن ‪ ،‬وهو أيضا يقول‬
‫جبواز اجتماع التعزير مع احلد ‪ ،‬مثل تعليق يد السارق في عنقه بعد قطعها ساعة من هنار ‪ ،‬زيادة يف‬
‫النكال ‪ .‬وقال أمحد بذلك أيضاً ‪.‬‬
‫‪ .5‬الزيادة عن األربعني يف حد الشرب ‪ ،‬ألن حد الشرب عند الشافعي أربعون ‪.‬‬
‫‪ .6‬وقد جيتمع التعزير مع الكفارة ‪ .‬فمن املعاصي ما فيه الكفارة مع األدب ‪ ،‬كاجلماع يف حرام ‪ ،‬ويف هنار‬
‫رمضان ‪ ،‬ووطء املظاهر منها قبل الكفارة إذا كان الفعل متعمدا يف مجيعها ‪.‬‬
‫‪ .7‬وعند مالك يف القتل الذي ال قود فيه ‪ ،‬كالقتل الذي عفي عن القصاص فيه ‪ ،‬جتب على القاتل الدية ‪،‬‬
‫وتستحب له الكفارة ‪ ،‬ويضرب مائة ‪ ،‬وحيبس سنة ‪ ،‬وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفارة ‪.‬‬
‫‪ .8‬وقال البعض يف القتل شبه العمد ‪ :‬بوجوب التعزير مع الكفارة ‪.‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬أنواع التعزير من حيث غلبة حق هلل وحق للعبد وأثر ذلك ‪:‬‬
‫ينقسم التعزير إىل ما هو حق هلل ‪ ،‬وما هو حق للعبد ‪.‬‬
‫والمراد باألول غالبا ‪ :‬ما تعلق به نفع العامة ‪ ،‬وما يندفع به ضرر عام عن الناس ‪ ،‬من غري اختصاص بأحد ‪.‬‬
‫والتعزير هنا من حق اهلل ‪ ،‬ألن إخالء البالد من الفساد واجب مشروع ‪ ،‬وفيه دفع للضرر عن األمة ‪ ،‬وحتقيق‬
‫نفع عام ‪.‬‬
‫ويراد بالثاني ‪ :‬ما تعلقت به مصلحة خاصة ألحد األفراد ‪.‬‬
‫وعلى هذا فاألقسام أربعة ‪:‬‬
‫‪ ‬فقد يكون التعزير خالص حق اهلل ‪ ،‬كتعزير تارك الصالة ‪ ،‬واملفطر عمدا يف رمضان بغري عذر ‪ ،‬ومن‬
‫حيضر جملس الشراب ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد يكون لحق اهلل وللفرد ‪ ،‬مع غلبة حق اهلل ‪ ،‬كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها ‪.‬‬
‫‪ ‬وقد تكون الغلبة لحق الفرد ‪ ،‬كما يف السب والشتم واملواثبة ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫‪ ‬وقد قيل بحاالت يكون فيها التعزير لحق الفرد وحده ‪ ،‬كالصيب يشتم رجال ألنه غري مكلف حبقوق‬
‫اهلل تعاىل فيبقى تعزيره متمحضا حلق املشتوم ‪.‬‬
‫وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي التعزير في أمور ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أن التعزير الواجب حقا للفرد أو الغالب فيه حقه ‪ -‬وهو يتوقف على الدعوى ‪ -‬إذا طلبه صاحب احلق فيه‬
‫لزمت إجابته ‪ ،‬وال جيوز للقاضي فيه اإلسقاط ‪ ،‬وال جيوز فيه العفو أو الشفاعة من ويل األمر ‪.‬‬
‫أما التعزير الذي جيب حقا هلل فإن العفو فيه من ويل األمر جائز ‪ ،‬وكذلك الشفاعة إن كانت يف ذلك مصلحة‬
‫‪ ،‬أو حصل انزجار اجلاين بدونه ‪ .‬وقد روي عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قوله ‪ " :‬اشفعوا تؤجروا‬
‫ويقضي اهلل على لسان نبيه ما يشاء ‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫األنواع الجائزة في عقوبة التعزير‬
‫المبحث األول ‪ :‬التعزير عقوبة مفوضة ‪:‬‬
‫ذهب مجهور الفقهاء إىل أن التعزير عقوبة مفوضة إىل رأي احلاكم ‪ ،‬وهذا التفويض يف التعزير من أهم أوجه‬
‫اخلالف بينه وبني احلد الذي هو عقوبة مقدرة من الشارع ‪.‬‬
‫وعلى احلاكم يف تقدير عقوبة التعزير مراعاة حال الجريمة والمجرم ‪.‬‬
‫أما مراعاة حال الجريمة‪:‬‬
‫فللفقهاء فيه نصوص كثرية ‪ ،‬منه قول األسروشين ‪ :‬ينبغي أن ينظر القاضي إىل سببه ‪ ،‬فإن كان من جنس ما‬
‫جيب به احلد ومل جيب ملانع وعارض ‪ ،‬يبلغ التعزير أقصى غاياته ‪.‬‬
‫وإن كان من جنس ما ال جيب احلد ال يبلغ أقصى غاياته ‪ ،‬ولكنه مفوض إىل رأي اإلمام ‪.‬‬
‫وأما مراعاة حال المجرم ‪:‬‬
‫فيقول الزيلعي ‪ :‬إنه يف تقدير التعزير ينظر إىل أحوال اجلانني ‪ ،‬فإن من الناس من ينزجر باليسري ‪ .‬ومنهم من‬
‫ال ينزجر إال بالكثري ‪.‬‬
‫يقول ابن عابدين ‪ :‬إن التعزير خيتلف باختالف األشخاص ‪ ،‬فال معىن لتقديره مع حصول املقصود بدونه ‪،‬‬
‫فيكون مفوضا إىل رأي القاضي ‪ ،‬يقيمه بقدر ما يرى املصلحة فيه ‪.‬‬
‫ونص الفقهاء ‪ :‬على أن التعزير خيتلف من حيث املقادير ‪ ،‬واألجناس ‪ ،‬والصفات ‪ ،‬باختالف اجلرائم ‪ ،‬من‬
‫حيث كربها ‪ ،‬وصغرها ‪ ،‬وحبسب حال اجملرم نفسه ‪ ،‬وحبسب حال القائل واملقول فيه والقول ‪ ،‬وهو موكول‬
‫إىل اجتهاد اإلمام ‪.‬‬
‫قال القرافي ‪ :‬إن التعزير خيتلف باختالف األزمنة واألمكنة ‪،‬‬

‫‪176‬‬
‫وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون ‪ :‬رب تعزير يف بلد يكون إكراما يف بلد آخر ‪ ،‬كقطع الطيلسان ليس تعزيرا‬
‫يف الشام بل إكرام ‪ ،‬وكشف الرأس عند األندلسيني ليس هوانا مع أنه يف مصر والعراق هوان ‪ .‬وقال ‪ :‬إنه‬
‫يالحظ يف ذلك أيضا نفس الشخص ‪ ،‬فإن يف الشام مثال من كانت عادته الطيلسان وألفه ‪ -‬من املالكية‬
‫وغريهم ‪ -‬يعترب قطعه تعزيرا هلم ‪ .‬فما ذكر ظاهر منه ‪ :‬أن األمر مل يقتصر على اختالف التعزير باختالف‬
‫الزمان واملكان واألشخاص ‪ ،‬مع كون الفعل حمال لذلك ‪ ،‬بل إن هذا االختالف قد جيعل الفعل نفسه غري‬
‫معاقب عليه ‪ ،‬بل قد يكون مكرمة المبحث الثاني ‪ :‬األنواع الجائزة في عقوبة التعزير‪:‬‬
‫جيوز يف جمال التعزير ‪ :‬إيقاع عقوبات خمتلفة ‪ ،‬خيتار منها احلاكم يف كل حالة ما يراه مناسبا حمققا ألغراض‬
‫التعزير ‪.‬‬
‫وهذه العقوبات قد تنصب على البدن ‪ ،‬وقد تكون مقيدة للحرية ‪ ،‬وقد تصيب املال ‪ ،‬وقد تكون غري ذلك ‪.‬‬
‫وفيما يلي بيان هذا اإلجمال‬
‫المطلب األول ‪ :‬العقوبات البدنية ‪:‬‬
‫أوالً ‪ -‬التعزير بالقتل ‪:‬‬
‫األصل ‪ :‬أنه ال يبلغ بالتعزير القتل ‪ ،‬وذلك لقول اهلل تعاىل ‪ " :‬وال تقتلوا النفس اليت حرم اهلل إال باحلق "‬
‫وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث ‪ :‬الثيب الزاين ‪ ،‬والنفس بالنفس‬
‫‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجماعة" ‪.‬‬
‫وقد ذهب بعض الفقهاء إىل جواز القتل تعزيرا يف جرائم معينة بشروط خمصوصة ‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين ‪ ،‬وذهب إىل جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض‬
‫أصحاب أمحد ‪ ،‬ومنعه أبو حنيفة ‪ ،‬والشافعي ‪ ،‬وأبو يعلى من احلنابلة ‪ .‬وتوقف فيه أمحد ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن ذلك ‪ :‬قتل الداعية إىل البدع املخالفة للكتاب والسنة كاجلهمية ‪ .‬ذهب إىل ذلك كثري من أصحاب‬
‫مالك ‪ ،‬وطائفة من أصحاب أمحد‬
‫‪ -3‬وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من اجلرائم ‪ ،‬إذا كان جنسه يوجب القتل ‪ ،‬كما يقتل من‬
‫تكرر منه اللواط أو القتل باملثقل ‪.‬‬
‫‪ -4‬وقال ابن تيمية ‪ :‬وقد يستدل على أن املفسد إذا مل ينقطع شره إال بقتله فإنه يقتل ‪ ،‬ملا رواه مسلم يف‬
‫صحيحه عن عرفجة األشجعي رضي اهلل عنه قال ‪ " :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ :‬من‬
‫أتاكم وأمركم مجيع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ‪ ،‬أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه "‬
‫ثانياً ‪ :‬التعزير بالجلد ‪:‬‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬األدلة على مشروعية الجلد في التعزير ‪:‬‬

‫‪177‬‬
‫‪ -1‬قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬ال جيلد أحد فوق عشرة أسواط ‪ ،‬إال يف حد من حدود اهلل تعاىل‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -2‬ويف احلريسة‪ -‬أي الشاة ‪ -‬اليت تؤخذ من مراتعها غرم مثنها مرتني ‪ ،‬وضرب نكال ‪.‬‬
‫‪ -3‬وكذلك احلكم يف سرقة التمر يؤخذ من أكمامه ‪ ،‬حلديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‪" :‬‬
‫سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم عن التمر املعلق ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غري‬
‫متخذ خبنة فال شيء عليه ‪ ،‬ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ‪ ،‬ومن سرق منه شيئا بعد‬
‫أن يؤويه اجلرين فبلغ مثن اجملن فعليه القطع " رواه النسائي وأبو داود ‪ .‬ويف رواية قال ‪ " :‬مسعت رجال‬
‫من مزينة يسأل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم عن احلريسة اليت توجد يف مراتعها ؟ قال ‪ :‬فيها مثنها‬
‫مرتني ‪ ،‬وضرب نكال ‪ .‬وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك مثن اجملن ‪ .‬قال ‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬فالثمار وما أخذ منها يف أكمامها ؟ قال ‪ :‬من أخذ بفمه ومل يتخذ خبنة فليس عليه شيء ‪،‬‬
‫ومن احتمل فعليه مثنه مرتني ‪ ،‬وضرب نكال ‪ ،‬وما أخذ من أجرانه ففيه القطع ‪ ،‬إذا بلغ ما يؤخذ من‬
‫ذلك مثن اجملن " رواه أمحد والنسائي ‪ .‬والبن ماجه معناه ‪ ،‬وزاد النسائي يف آخره ‪ :‬وما مل يبلغ مثن اجملن‬
‫ففيه غرامة مثليه ‪ ،‬وجلدات نكال ‪.‬‬
‫وقد سار على هذه العقوبة يف التعزير اخللفاء الراشدون ومن بعدهم من احلكام ‪ ،‬ومل ينكر عليهم أحد ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬مقدار الجلد في التعزير‬
‫اختلف الفقهاء في أقصى الجلد في التعزير على أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫للحنفية ‪.‬‬
‫مما ال خالف فيه عند احلنفية ‪ :‬أن التعزير ال يبلغ احلد ‪ ،‬حلديث النعمان بن بشري مرفوعاً " من بلغ حدا‬
‫يف غري حد فهو من املعتدين "‬
‫واختلف احلنفية يف أقصى الجلد في التعزير ‪ :‬فريى أبو حنيفة ‪ :‬أنه ال يزيد عن تسعة وثالثني سوطا‬
‫بالقذف والشرب ‪ ،‬أخذا عن الشعيب ‪ ،‬إذ صرف كلمة احلد يف احلديث إىل حد األرقاء وهو أربعون ‪.‬‬
‫وأبو يوسف قال بذلك أوال ‪ ،‬مث عدل عنه إىل اعتبار أقل حدود األحرار وهو مثانون جلدة‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫وهو قول املالكية ‪ :‬أن اإلمام له أن يزيد التعزير عن احلد ‪ ،‬مع مراعاة املصلحة اليت ال يشوهبا اهلوى ‪.‬‬
‫ومما استدل به المالكية ‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ ‬فعل عمر يف معن بن زياد ملا زور كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت املال ماال ‪ ،‬إذ جلده مائة‬
‫‪ ،‬مث مائة أخرى ‪ ،‬مث ثالثة ‪ ،‬ومل خيالفه أحد من الصحابة فكان إمجاعا ‪ ،‬كما أنه ضرب صبيغ بن‬
‫عسل أكثر من احلد‬
‫‪ ‬وروى أمحد بإسناده أن عليا رضي اهلل عنه أيت بالنجاشي قد شرب مخرا يف رمضان فجلده مثانني‬
‫( احلد ) وعشرين سوطا ‪ ،‬لفطره يف رمضان ‪.‬‬
‫القول الثالث ‪:‬‬
‫للشافعية والحنابلة‬
‫أنه ال يزيد يف أكثر اجللد يف التعزير عن عشر جلدات أخذا حبديث أيب بردة مرفوعاً ‪ " :‬ال جيلد فوق عشرة‬
‫أسواط إال يف حد من حدود اهلل ‪".‬‬
‫القول الرابع ‪:‬‬
‫وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم ‪ :‬وهو أن التعزير يكون حبسب املصلحة ‪ ،‬وعلى قدر اجلرمية ‪ ،‬فيجتهد فيه‬
‫ويل األمر على أال يبلغ التعزير فيما فيه حد مقدر ذلك املقدر ‪ ،‬فالتعزير على سرقة ما دون النصاب مثال ال‬
‫يبلغ به القطع ‪ ،‬وقاال ‪ :‬إن هذا هو أعدل األقوال ‪ ،‬وإن السنة دلت عليه ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬ما مر يف ضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة ال احلد وهو الرجم ‪،‬‬
‫‪ -2‬كما أن عليا وعمر رضي اهلل عنهما ضربا رجال وامرأة وجدا يف حلاف واحد مائة مائة ‪،‬‬
‫‪ -3‬وحكم عمر رضي اهلل عنه فيمن قلد خامت بيت املال بضربه ثالمثائة على مرات ‪،‬‬
‫‪ -4‬وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثريا مل يعده ‪.‬‬
‫وهذا القول هو الصحيح ‪:‬‬
‫وأما حديث أيب بردة فاملراد باحلد فيه أي املعصية ‪ ،‬وليس احلد االصطالحي ‪ ،‬فهو كقوله تعاىل ‪ " :‬تلك‬
‫حدود اهلل فال تعتدوها " واملعىن ‪ :‬اليزاد على عشرة أسواط إال يف معصية ‪ ،‬أما التأديب الذي اليكون على‬
‫معصية مثل تأديب الرجل ابنه فال جيوز أن يزيد على عشرة أسواط ‪ ،‬وأما حديث النعمان فهو ضعيف ‪.‬‬
‫‪-‬المطلب الثاني ‪ :‬التعزير بالحبس ‪:‬‬
‫احلبس مشروع بالكتاب والسنة واإلمجاع‪:‬‬
‫أما الكتاب فقوله تعاىل ‪ " :‬واليت يأتني الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا‬
‫فأمسكوهن يف البيوت حىت يتوفاهن املوت أو جيعل اهلل هلن سبيال " وقوله سبحانه ‪ " :‬إمنا جزاء الذين‬
‫حياربون اهلل ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو‬
‫ينفوا من األرض " ‪.‬‬
‫فقد قال مجع من أهل العلم ‪ :‬إن املقصود بالنفي هنا احلبس ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫وأما السنة فقد ثبت أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم حبس باملدينة أناسا يف هتمة دم ‪ ،‬وحكم بالضرب‬
‫والسجن ‪ ،‬وأنه قال فيمن أمسك رجال آلخر حىت قتله ‪ :‬اقتلوا القاتل ‪ ،‬واصربواالصابر " أي حببس حىت‬
‫املوت ‪ ،‬ألنه حبس املقتول للموت بإمساكه إياه ‪.‬‬
‫وأما اإلجماع فقد أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم ‪ ،‬ومن بعدهم ‪ ،‬على املعاقبة باحلبس ‪ .‬واتفق الفقهاء على‬
‫أن احلبس يصلح عقوبة يف التعزير ‪.‬‬
‫ومما جاء يف هذا املقام ‪ :‬أن عمر رضي اهلل عنه سجن احلطيئة على اهلجو ‪ ،‬وسجن صبيغا على سؤاله عن‬
‫الذاريات ‪ ،‬واملرسالت ‪ ،‬والنازعات ‪ ،‬وشبهه ‪ ،‬وأن عثمان رضي اهلل عنه سجن ضابئ بن احلارث ‪ ،‬وكان‬
‫من لصوص بين متيم وفتاكهم ‪ ،‬وأن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه سجن بالكوفة ‪ .‬وأن عبد اهلل بن الزبري‬
‫رضي اهلل عنه سجن مبكة ‪ ،‬وسجن يف " دارم " حممد بن احلنفية ملا امتنع عن بيعته‬
‫مسألة ‪ :‬مدة الحبس في التعزير ‪:‬‬
‫األصل أن تقدير مدة احلبس يرجع إىل احلاكم ‪ ،‬مع مراعاة ظروف الشخص ‪ ،‬واجلرمية والزمان واملكان ‪ .‬وقد‬
‫أشار الزيلعي إىل ذلك بقوله ‪ :‬ليس للحبس مدة مقدرة ‪ .‬وقال املاوردي ‪ :‬إن احلبس تعزيرا خيتلف باختالف‬
‫اجملرم ‪ ،‬وباختالف اجلرمية ‪ ،‬فمن اجلانني من حيبس يوما ‪ ،‬ومنهم من حيبس أكثر ‪ ،‬إىل غاية غري مقدرة ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ - :‬التعزير بالنفي‬
‫التعزير بالنفي مشروع بال خالف بني الفقهاء ‪.‬‬
‫ودليل مشروعيته ‪ :‬الكتاب والسنة واإلمجاع‬
‫أما الكتاب فقوله تعاىل ‪ " :‬أو ينفوا من األرض " ومن مث فهو عقوبة مشروعة يف احلدود ‪ .‬وأما السنة ‪:‬‬
‫فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى بالنفي تعزيرا يف املخنثني ‪ ،‬إذ نفاهم من املدينة ‪.‬‬
‫وأما اإلجماع ‪ :‬فإن عمر رضي اهلل عنه نفى نصر بن حجاج الفتتان النساء به ‪ ،‬ومل ينكر عليه أحد من‬
‫الصحابة ‪.‬‬
‫وجيوز كون التغريب ألكثر من مسافة القصر ‪ ،‬ألن عمر غرب من املدينة نصر بن حجاج إىل البصرة ‪ ،‬ونفى‬
‫عثمان رضي اهلل عنه إىل مصر ‪ ،‬ونفى علي رضي اهلل عنه إىل البصرة ‪ .‬ويشرتط أن يكون التغريب لبلد معني‬
‫‪ ،‬فال يرسل احملكوم عليه به إرساال ‪ ،‬وليس له أن خيتار غري البلد املعني إلبعاده‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬التعزير بالمال ‪:‬‬
‫المسألة األولى ‪ :‬مشروعية التعزير بالمال ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء في حكم التعزير بالمال على قولين ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫أن التعزير بأخذ املال الجيوز ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ألن الشرع مل يرد بشيء من ذلك عمن يقتدى به ‪.‬‬
‫وهذا هو رأي مجهور الفقهاء ‪.‬‬
‫القول الثاني ‪:‬‬
‫جواز التعزير باملال ‪.‬‬
‫وهذا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم ‪ ،‬ورواية عند احلنابلة‬
‫واستدلوا لذلك بأقضية للرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ -1‬كإباحته سلب من يصطاد يف حرم املدينة ملن جيده ‪،‬‬
‫‪ -2‬وأمره بكسر دنان اخلمر ‪ ،‬وشق ظروفها ‪،‬‬
‫‪ -3‬وأمره عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما حبرق الثوبني املعصفرين ‪،‬‬
‫‪ -4‬وتضعيفه الغرامة على من سرق من غري حرز ‪ ،‬وسارق ما ال قطع فيه من الثمر والكثر ‪ ،‬وكامت الضالة ‪.‬‬
‫‪ -5‬ومنها أقضية اخللفاء الراشدين ‪ ،‬مثل أمر عمر وعلي رضي اهلل عنهما بتحريق املكان الذي يباع فيه اخلمر‬
‫‪ ،‬وأخذ شطر مال مانع الزكاة ‪ ،‬وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أيب وقاص رضي اهلل عنه الذي بناه‬
‫حىت حيتجب فيه عن الناس ‪ .‬وقد نفذ هذا األمر حممد بن مسلمة رضي اهلل عنه‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬أنواع التعزير بالمال‪:‬‬
‫التعزير باملال يكون حببسه أو بإتالفه ‪ ،‬أو بتغيري صورته ‪ ،‬أو بتمليكه للغري ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬حبس المال عن صاحبه ‪:‬‬
‫وهو أن ميسك القاضي شيئا من مال اجلاين مدة زجرا له ‪ ،‬مث يعيده له عندما تظهر توبته ‪ ،‬وليس معناه أخذه‬
‫لبيت املال ‪ ،‬ألنه ال جيوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعي يقتضي ذلك ‪.‬‬
‫ب – اإلتالف ‪:‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ :‬إن املنكرات من األعيان والصفات جيوز إتالف حملها تبعا هلا ‪ ،‬فاألصنام صورها منكرة ‪،‬‬
‫فيجوز إتالف مادهتا ‪ ،‬وآالت اللهو جيوز إتالفها عند أكثر الفقهاء ‪ ،‬وبذلك أخذ مالك ‪ ،‬وهو أشهر الروايتني‬
‫عن أمحد‬
‫‪ -‬ومن هذا القبيل أيضا أوعية اخلمر ‪ ،‬جيوز تكسريها وحتريقها ‪ ،‬واحملل الذي يباع فيه اخلمر جيوز حتريقه ‪،‬‬
‫واستدل لذلك بفعل عمر رضي اهلل عنه يف حتريق حمل يباع فيه اخلمر ‪ ،‬وقضاء علي رضي اهلل عنه حتريق القرية‬
‫اليت كان يباع فيها اخلمر ‪ ،‬وألن مكان البيع كاألوعية‬
‫‪ -‬ومن هذا القبيل أيضا ‪ :‬إراقة عمر اللنب املخلوط باملاء للبيع ‪ .‬ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتالف‬
‫المغشوشات في الصناعات ‪ ،‬كالثياب رديئة النسج ‪ ،‬بتمزيقها وإحراقها ‪،‬‬
‫‪ -‬وحتريق عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما لثوبه املعصفر بأمر النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫وقال ابن تيمية ‪ :‬إن هذا اإلتالف للمحل الذي قامت به املعصية نظريه إتالف احملل من اجلسم الذي وقعت به‬
‫املعصية ‪ ،‬كقطع يد السارق ‪ .‬وهذا اإلتالف ليس واجبا يف كل حالة ‪ ،‬فإذا مل يكن يف احملل مفسد فإن إبقاءه‬
‫جائز ‪ ،‬إما له أو يتصدق به ‪ .‬وبناء على ذلك أفىت فريق من العلماء ‪ :‬بأن يتصدق بالطعام املغشوش ‪ .‬ويف هذا‬
‫إتالف له‬
‫ج ‪ -‬التعزير بالتغيير ‪:‬‬
‫من التعزير بالتغيري ‪:‬‬
‫‪ -‬هني النيب صلى اهلل عليه وسلم عن كسر سكة املسلمني اجلائزة بني املسلمني ‪ ،‬كالدراهم والدنانري ‪ ،‬إال إذا‬
‫كان هبا بأس ‪ ،‬فإذا كانت كذلك كسرت ‪.‬‬
‫‪ -‬وفعل الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف التمثال الذي كان يف بيته ‪ ،‬والسرت الذي به متاثيل ‪ ،‬إذ قطع رأس‬
‫التمثال فصار كالشجرة ‪ ،‬وقطع السرت إىل وسادتني منتبذتني يوطآن ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك ‪ :‬تفكيك آالت اللهو ‪ ،‬وتغيري الصور املصورة‬
‫د ‪ -‬التعزير بالتمليك ‪:‬‬
‫من التعزير بالتمليك ‪:‬‬
‫‪ -‬قضاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم فيمن سرق من الثمر املعلق قبل أن يؤخذ إىل اجلرين جبلدات نكال ‪،‬‬
‫وغرم ما أخذ مرتني ‪.‬‬
‫‪ -‬وفيمن سرق من املاشية قبل أن تؤوي إىل املراح جبلدات نكال ‪ ،‬وغرم ذلك مرتني ‪ ،‬وقضاء عمر رضي اهلل‬
‫عنه بتضعيف الغرم على كامت الضالة ‪ ،‬وقد قال بذلك طائفة من العلماء ‪ ،‬منهم ‪ :‬أمحد ‪ ،‬وغريه ‪،‬‬
‫‪ -‬ومن ذلك إضعاف عمر وغريه الغرم يف ناقة أعرايب أخذها مماليك جياع ‪ ،‬إذ أضعف الغرم على سيدهم ‪،‬‬
‫ودرأ القطع‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬أنواع أخرى من التعزير ‪:‬‬
‫هناك أنواع أخرى من التعزير غري ما سبق ‪ .‬منها ‪ :‬اإلعالم اجملرد ‪ ،‬واإلحضار جمللس القضاء ‪ ،‬والتوبيخ‬
‫واهلجر ‪.‬‬
‫أ ‪ -‬اإلعالم المجرد ‪:‬‬
‫صورته أن يقول القاضي للجاين ‪ :‬بلغين أنك فعلت كذا وكذا ‪ ،‬أو يبعث القاضي أمينه للجاين ‪ ،‬ليقول له‬
‫ذلك ‪ .‬وقد قيد البعض اإلعالم ‪ ،‬بأن يكون مع النظر بوجه عابس‬
‫ب‪ -‬التوبيخ ‪:‬‬
‫التعزير بالتوبيخ مشروع باتفاق الفقهاء ‪:‬‬
‫‪ -‬فقد روى أبو ذر رضي اهلل عنه ‪ :‬أنه ساب رجال فعريه بأمه ‪ ،‬فقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم يا أبا ذر ‪،‬‬
‫أعريته بأمه ‪ ، ،‬إنك امرؤ فيك جاهلية ‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫‪ -‬وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :‬يل الواجد حيل عرضه وعقوبته " ‪ .‬وقد فسر النيل من العرض بأن‬
‫يقال له مثال ‪ :‬يا ظامل ‪ ،‬يا معتد ‪ .‬وهذا نوع من التعزير بالقول ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد جاء في تبصرة الحكام البن فرحون ‪ :‬وأما التعزير بالقول فدليله ما ثبت يف سنن أيب داود عن أيب‬
‫هريرة رضي اهلل عنه ‪ :‬أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أيت برجل قد شرب فقال ‪ :‬اضربوه فقال أبو هريرة‬
‫‪ :‬فمنا الضارب بيده ‪ ،‬ومنا الضارب بنعله ‪ ،‬والضارب بثوبه ‪ .‬ويف رواية بإسناده ‪ ،‬مث قال رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ألصحابه بكتوه فأقبلوا عليه يقولون ‪ :‬ما اتقيت اهلل ‪ ،‬ما خشيت اهلل ‪ ،‬ما استحييت من رسول‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وهذا التبكيت من التعزير بالقول ‪.‬‬
‫ج‪ -‬الهجر ‪:‬‬
‫الهجر معناه ‪ :‬مقاطعة اجلاين ‪ ،‬واالمتناع عن االتصال به ‪ ،‬أو معاملته بأي نوع ‪ ،‬أو أية طريقة كانت ‪ .‬وهو‬
‫مشروع بدليل قوله تعاىل ‪ " :‬والاليت ختافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن يف املضاجع "‬
‫وقد هجر النيب صلى اهلل عليه وسلم أصحابه الثالثة الذين ختلفوا عنه يف غزوة تبوك ‪.‬‬
‫وعاقب عمر صبيغا باهلجر ملا نفاه إىل البصرة ‪ ،‬وأمر أال جيالسه أحد ‪ .‬وهذا منه عقوبة باهلجر‬

‫الفصل الرابع‬
‫الجرائم التي شرع فيها التعزير‬
‫الجرائم التي شرع فيها التعزير على نوعين ‪:‬‬
‫النوع األول ‪ :‬قد تكون من قبيل ما شرع يف جنسه عقوبة مقدرة من حد أو قصاص ‪ ،‬لكن هذه العقوبة ال‬
‫تطبق ‪ ،‬لعدم توافر شرائط تطبيقها ‪ ،‬أو لوجود مانع ‪ ،‬كوجود شبهة تستوجب درء احلد ‪ ،‬أو عفو صاحب‬
‫احلق عن طلبه ‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬وقد تكون اجلرائم التعزيرية غري ما ذكر فيكون فيها التعزير أصال ‪ .‬ويدخل يف هذا القسم ما ال‬
‫يدخل يف سابقه من جرائم ‪.‬‬
‫وفيما يلي تفصيل ذلك ‪:‬‬
‫المبحث األول ‪:‬الجرائم التي يشرع فيها التعزير بديال عن الحدود أو القصاص ‪:‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬جرائم االعتداء على النفس ‪:‬‬
‫ويدخل في هذا الموضوع ‪:‬‬
‫‪ -1‬القتل العمد العدوان موجبه القصاص ‪ ،‬وجيب لذلك توافر شروط ‪ ،‬أمهها ‪ :‬كون القاتل قد تعمد تعمدا‬
‫حمضا ليس فيه شبهة ‪ ،‬وكونه خمتارا ‪ ،‬ومباشرا للقتل ‪ ،‬وأال يكون املقتول جزء القاتل ‪ ،‬وأن يكون معصوم‬

‫‪183‬‬
‫الدم مطلقا ‪ .‬وفضال عن ذلك جيب للقصاص ‪ :‬أن يطلب من ويل الدم ‪ .‬فإذا اختل شرط من هذه الشروط‬
‫امتنع القصاص ‪ ،‬وفيه التعزير ‪.‬‬
‫‪ -2‬القتل شبه العمد قال البهويت ‪ :‬قد يقال بوجوب التعزير يف القتل شبه العمد ‪ ،‬ألن الكفارة حق هلل‬
‫تعاىل وليست ألجل الفعل ‪ ،‬بل بدل النفس الفائتة ‪ ،‬فأما نفس الفعل احملرم ‪ -‬الذي هو اجلناية فال كفارة فيه‬
‫‪.‬‬
‫‪ -3‬ومن األصول الثابتة عند احلنفية ‪ :‬أن ما ال قصاص فيه عندهم كالقتل باملثقل ( وهو القتل مبثل احلجر‬
‫الكبري أو اخلشبة العظيمة ) جيوز لإلمام أن يعزر فيه مبا يصل للقتل ‪ ،‬إذا تكرر ارتكابه ‪ ،‬ما دامت فيه مصلحة‬
‫‪ ،‬وبناء على هذا األصل قالوا بالتعزير بالقتل ملن يتكرر منه اخلنق ‪ ،‬أو التغريق ‪ ،‬أو اإللقاء من مكان مرتفع ‪،‬‬
‫إذا مل يندفع فساده إال بالقتل‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬جرائم االعتداء على ما دون النفس ‪:‬‬
‫إذا كانت اجلناية على ما دون النفس عمدا فيشرتط للقصاص فضال عن شروطه يف النفس ‪ :‬املماثلة ‪ ،‬وإمكان‬
‫استيفاء املثل ‪ .‬ويرى مجهور الفقهاء التعزير أيضا يف اجلناية العمد على ما دون النفس ‪ ،‬إذا سقط القصاص ‪،‬‬
‫أو امتنع لسبب أو آلخر ‪ ،‬فيكون يف اجلرمية التعزير مع الدية ‪ ،‬أو األرش ‪ ،‬أو بدونه ‪ ،‬تبعا لألحوال ‪.‬‬
‫وإذا مل يرتك االعتداء على اجلسم أثرا ‪ :‬فأغلب الفقهاء على أن يف ذلك التعزير ‪ ،‬ال القصاص ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الزىن الذي ال حد فيه ‪ ،‬ومقدماته ‪:‬‬
‫الزىن إذا توافرت الشرائط الشرعية لثبوته فإن فيه حد الزىن ‪ ،‬أما إذا مل يطبق احلد املقدر لوجود شبهة ‪ ،‬أو‬
‫لعدم توافر شريطة من الشرائط الشرعية لثبوت احلد ‪ ،‬فإن الفعل يكون جرمية شرع احلكم فيها ‪ -‬أو يف‬
‫جنسها ‪ -‬لكنه مل يطبق ‪ .‬وكل جرمية ال حد فيها وال قصاص ففيها التعزير ‪ .‬وبناء على ذلك ‪:‬‬
‫_ إذا كانت هناك شبهة تدرأ احلد ‪ ،‬سواء كانت شبهة فعل ‪ ،‬أو شبهة ملك ‪ ،‬أو شبهة عقد ‪ ،‬فإن احلد ال‬
‫يطبق ‪ .‬لكن اجلاين يعزر ‪ ،‬ألنه ارتكب جرمية ليست فيها عقوبة مقدرة ‪ .‬وتعرف الشبهة بأهنا ‪ :‬ما يشبه‬
‫الثابت وليس بثابت ‪.‬‬
‫_ وإذا كانت المزني هبا ميتة ففي هذا الفعل التعزير ‪ ،‬ألنه ال يعترب زىن ‪ ،‬إذ حياة املزين هبا شريطة يف احلد ‪.‬‬
‫_ وإذا مل يكن الفعل من رجل فال يقام احلد ‪ ،‬بل التعزير ‪ ،‬ومن ذلك ‪ :‬املساحقة ‪.‬‬
‫_ وإذا مل يكن الفعل يف قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم احلد ‪ ،‬لكن فيه التعزير‬
‫‪ -‬وإذا كان الفعل يف زوجة الفاعل فال حد فيه باإلمجاع ‪ .‬واجلمهور على أنه يستوجب التعزير ‪.‬‬
‫‪ -‬ومما يستوجب التعزير يف هذا اجملال كل ما دون الوقاع من أفعال ‪ ،‬كالوطء فيما دون الفرج ‪ ،‬ويستوي فيه‬
‫املسلم ‪ ،‬والكافر ‪ ،‬واحملصن ‪ ،‬وغريه ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنه أيضا ‪ :‬إصابة كل حمرم من املرأة غري اجلماع ‪ .‬وعناق األجنبية ‪ ،‬أو تقبيلها ‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫‪ -‬ومما فيه التعزير كذلك ‪ :‬كشف العورة آلخر ‪ ،‬وخداع النساء ‪ ،‬والقوادة ‪ ،‬وهي ‪ :‬اجلمع بني الرجال‬
‫والنساء للزىن ‪ ،‬وبني الرجال والرجال للواط‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬القذف الذي ال حد فيه والسب ‪:‬‬
‫حد القذف ال يقام على القاذف إال بشرائطه ‪ ،‬فإذا انعدم واحد منها أو اختل فإن اجلاين ال حيد ‪ .‬ويعزر عند‬
‫طلب املقذوف ‪ ،‬ألنه ارتكب معصية ال حد فيها ‪.‬‬
‫ومن شروط القذف الذي فيه الحد ‪ :‬كون املقذوف حمصنا ‪ .‬فإذا مل يكن كذلك فال حيد القاذف ‪ ،‬ولكن‬
‫يعزر ‪ .‬ومن ذلك أن يقذف جمنونا بالزىن ‪ .‬أو صغريا بالزىن ‪ .‬أو مسلمة قد زنت ‪ .‬أو مسلما قد زىن ‪ ،‬أو من‬
‫معها أوالد ال يعرف هلم أب ‪ ،‬وذلك لعدم العفة يف هذه الثالثة األخرية ‪ .‬ومنها كون املقذوف معلوما ‪ ،‬فإن‬
‫مل يكن كذلك فال حد ‪ ،‬بل التعزير ‪ ،‬ألن الفعل معصية ال حد فيها ‪ .‬وبناء على ذلك يعزر ‪ -‬وال حيد ‪ -‬من‬
‫قذف بالزىن جد آخر دون بيان اجلد ‪ .‬أو أخاه كذلك ‪ ،‬وكان له أكثر من أخ‬
‫وال حد في القذف بغير الصريح ‪ ،‬بدون قرينة ‪ ،‬وإمنا فيه التعزير ‪.‬‬
‫ومن قذف آخر قذفا مقيدا بشرط أو أجل يعزر وال حيد ‪.‬‬
‫وإذا مل يكن القول قذفا ‪ ،‬بل جمرد سب أو شتم فإنه يكون معصية ال حد فيها ‪ ،‬ففيها التعزير ‪ .‬ومن ذلك‬
‫قوله ‪ :‬يا نصراين ‪ ،‬أو يا زنديق ‪ ،‬أو يا كافر ‪ ،‬يف حني أنه مسلم ‪ .‬وكذلك من قال آلخر ‪ :‬يا خمنث ‪ ،‬أو يا‬
‫منافق ‪ ،‬ما دام اجملين عليه غري متصف بذلك ‪ .‬ويعزر كذلك في مثل ‪ :‬يا آكل الربا ‪ ،‬أو يا شارب اخلمر ‪ ،‬أو‬
‫يا خائن ‪ ،‬أو يا سارق ‪ ،‬وكله بشرط كون اجملين عليه غري معروف مبا نسب إليه ‪ .‬وكذلك من قال آلخر ‪:‬‬
‫يا بليد ‪ ،‬أو يا قذر ‪ ،‬أو يا سفيه ‪ ،‬أو يا ظامل ‪ ،‬أو يا أعور ‪ ،‬وهو صحيح ‪ ،‬أو يا مقعد ‪ ،‬وهو صحيح كذلك‬
‫على سبيل الشتم ‪ .‬وعلى وجه العموم يعزر من شتم آخر ‪ ،‬مهما كان الشتم ‪ ،‬ألنه معصية‬
‫ويرجع في تحديد الفعل الموجب للتعزير إلى العرف ‪ ،‬فإذا مل يكن الفعل املنسوب للمجين عليه مما يلحق‬
‫به يف العرف العار واألذى والشني ‪ ،‬فال عقاب على اجلاين ‪ ،‬إذ ال يكون مثة جرمية‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬السرقة التي ال حد فيها ‪:‬‬
‫السرقة من جرائم احلدود ما دامت قد استوفت شروطها الشرعية ‪ ،‬وأمهها ‪ :‬اخلفية ‪ .‬وكون موضوع السرقة‬
‫ماال ‪ ،‬مملوكا لغري السارق ‪ ،‬حمرزا ‪ ،‬نصابا ‪ .‬فإذا ختلف شرط من شروط احلد فال يقام ‪ ،‬ولكن يعزر الفاعل ‪،‬‬
‫ألنه ارتكب جرمية ليس فيها حد‬
‫المطلب السادس ‪ :‬قطع الطريق الذي ال حد فيه ‪:‬‬
‫قطع الطريق كغريه من جرائم احلدود ‪ ،‬جيب لكي يكون فيه احلد أن تتوافر شروط معينة ‪ ،‬وإال فال يقام احلد‬
‫‪ ،‬ويعزر اجلاين ما دام قد ارتكب معصية ال حد فيها ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬اجلرائم اليت موجبها األصلي التعزير ‪:‬‬

‫‪185‬‬
‫من األمثلة عليها ‪:‬‬
‫‪ -1‬شهادة الزور ‪:‬‬
‫حرم قول الزور يف القرآن الكرمي بقوله تعاىل " واجتنبوا قول الزور"‬
‫و يف السنة مبا أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم عد قول الزور وشهادة الزور من أكرب الكبائر ‪ ،‬وما دام أنه‬
‫ليس فيها عقوبة مقدرة ‪ ،‬ففيها التعزير‬
‫‪ -2‬قتل حيوان غير مؤذ أو اإلضرار به ‪:‬‬
‫هنى الرسول صلى اهلل عليه وسلم عن تعذيب احليوان يف قوله ‪ " :‬إن امرأة دخلت النار يف هرة حبستها ‪ ،‬فال‬
‫هي أطعمتها وسقتها ‪ ،‬وال هي تركتها تأكل من خشاش األرض "‬
‫فهذا الفعل معصية ‪ ،‬فيعزر الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حد مقدر ‪.‬‬
‫‪ -3‬انتهاك حرمة ملك الغير ‪:‬‬
‫دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعا لقوله تعاىل ‪ " :‬ال تدخلوا بيوتا غري بيوتكم حىت تستأنسوا‬
‫وتسلموا على أهلها " وبناء على هذا األصل قيل بتعزير من يوجد يف منزل آخر بغري إذنه أو علمه ‪ ،‬ودون أن‬
‫يتضح سبب مشروع هلذا الدخول‬
‫ومن األمثلة على الجرائم مضرة بالمصلحة العامة ‪:‬‬
‫‪ -4‬التجسس للعدو على المسلمين ‪،‬‬
‫‪ -5‬الرشوة‬
‫‪ -6‬تجاوز الموظفين حدودهم ‪ ،‬وتقصيرهم ‪:‬‬
‫‪ -7‬تقليد المسكوكات الزيوف والمزورة‬
‫‪ -8‬التزوير ‪ ،‬يف هذه اجلرمية التعزير ‪ ،‬فقد روي ‪ :‬أن معن بن زياد عمل خامتا على نقش خامت بيت املال‬
‫فأخذ ماال ‪ ،‬فضربه عمر رضي اهلل عنه مائة جلدة ‪ ،‬وحبسه ‪ ،‬مث ضربه مائة أخرى ‪ ،‬مث ثالثة ‪ ،‬مث نفاه ‪.‬‬
‫‪ -9‬الغش في المكاييل والموازين ‪:‬‬
‫مسألة ‪ :‬سقوط التعزير بالتوبة ‪:‬‬
‫اختلف الفقهاء يف أثر التوبة يف التعزير ‪:‬‬
‫فعند الحنفية والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة ‪ :‬أنه ال تسقط العقوبة بالتوبة ‪ ،‬ألهنا كفارة عن املعصية ‪.‬‬
‫وعند هؤالء يف تعليل ذلك ‪ :‬عموم أدلة العقوبة بال تفرقة بني تائب وغريه عدا احملاربة ‪ .‬وفضال عن ذلك‬
‫فجعل التوبة ذات أثر يف إسقاط العقوبة جيعل لكل ادعاءها ‪ ،‬لإلفالت من العقاب ‪.‬‬
‫وعند فريق آخر ‪ ،‬منهم الشافعية والحنابلة ‪ :‬أن التوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياسا على حد احملاربة ‪،‬‬
‫استنادا إىل ما ورد يف الصحيحني من حديث أنس رضي اهلل عنه ‪ :‬كنت مع النيب صلى اهلل عليه وسلم فجاء‬

‫‪186‬‬
‫رجل فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬إين أصبت حدا فأقمه علي ‪ ،‬ومل يسأله عنه ‪ .‬فحضرت الصالة فصلى مع النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ .‬فلما قضى النيب صلى اهلل عليه وسلم الصالة قام إليه الرجل ‪ ،‬فأعاد قوله ‪ ،‬فقال ‪ :‬أليس‬
‫قد صليت معنا ؟ قال نعم ‪ .‬قال ‪ :‬فإن اهلل عز وجل قد غفر لك ذنبك‬
‫ويف هذا دليل على أن اجلاين غفر له ملا تاب ‪ .‬وفضال عن ذلك فإنه إذا جازت التوبة يف احملاربة مع شدة‬
‫ضررها وتعديه ‪ ،‬فأوىل التوبة فيما دوهنا ‪ .‬وهؤالء يقصرون السقوط بالتوبة على ما فيه اعتداء على حق اهلل ‪،‬‬
‫خبالف ما ميس األفراد ‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية وابن القيم ‪ :‬إن التوبة تدفع العقوبة يف التعزير وغريه ‪ ،‬كما تدفعها يف احملاربة ‪ ،‬بل إن ذلك‬
‫أوىل من احملاربة ‪ ،‬لشدة ضررها ‪ ،‬وهذا يعترب مسلكا وسطا بني من يقول ‪ :‬بعدم جواز إقامة العقوبة بعد التوبة‬
‫ألبتة ‪ .‬وبني مسلك من يقول ‪ :‬إنه ال أثر للتوبة يف إسقاط العقوبة ألبتة ‪ .‬ويرتتب على هذا الرأي ‪ :‬أن التعزير‬
‫الواجب حقا هلل تعاىل يسقط بالتوبة ‪ ،‬إال إذا اختار اجلاين العقوبة ليطهر هبا نفسه ‪ ،‬فالتوبة تسقط التعزير ‪،‬‬
‫على شريطة أال يطلب اجلاين إقامته ‪ ،‬وذلك بالنسبة حلقوق املصلحة العامة ‪ .‬واحتج القائلون بذلك بأن اهلل عز‬
‫وجل جعل توبة الكفار سببا لغفران ما سلف واحتجوا بقوله تعاىل ‪ " :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما‬
‫قد سلف " وأن السنة عليه كذلك ‪ ،‬ففي احلديث ‪ " :‬التائب من الذنب كمن ال ذنب له " ‪.‬‬
‫واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه ‪.‬‬

‫‪187‬‬

You might also like