Professional Documents
Culture Documents
Fiqh 14841
Fiqh 14841
1
-2وألن تاركها هتاوناً كافر خبالف بقية العبادات .
-3ولنها تتكرر يف اليوم مخس مرات فيحتاج املكلف إلىل معرفة أحكامها أكثر من غريها .
س /لماذا قدمت الزكاة على الصيام ؟
ج -1 /ألن الزكاة هي الركن الثالث من أركان اإلسالم .
-2وألهنا قرينة الصالة يف كتاب اهلل تعاىل ،قال تعاىل ":وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة"
س /لماذا قدم الصوم على الحج ؟
ج /ألمرين :
-1ألن الصيام هو الركن الرابع من أركان اإلسالم .
-2وألن احلج عمري ،أما الصيام فإنه حويل ،فاحلاجة إىل معرفة أحكام الصيام أشد .
س /لماذا أخِّر الجهاد عن بقية العبادات ؟
ج /ألمرين :
-1ألنه يف األصل واجب على الكفاية خبالف بقية العبادات فإهنا واجبة عيناً ،وإمنا يتعني يف
حاالت معدودة .
-2وألنه اليقوى على جماهدة األعداء من اليقوى على جماهدة نفسه .
س /لماذا قدم كتاب المعامالت على كتاب األنكحة ؟
ج /ألمرين :
-1ألن احلاجة إىل معرفة أحكام املعامالت أشد ،إذ إن التعامل بالبيع والشراء يتكر يف الغالب يومياً ،
خبالف األنكحة .
-2وألن أحكام األسرة الحيتاج إليها إال البالغون ،أما الصغار فال شأن هلم هبا .
س /لماذا قدم كتاب األنكحة على الجنايات والحدود ؟
ج /ألمرين :
-1ألن األصل يف املسلم االستقامة .
-2وألن من شرط إيقاع العقوبة أن يكون املكلف عاملاً باألحكام اليت جيب عليه االلتزام هبا .
2
ويدرسون حتت هذا القسم اجلرمية ذاهتا ،والعقوبة املرتتبة عليها ،سواء أكانت تلك العقوبة قصاصاً أو
دية أو كفارة .
حدود :
وهي أفعال حمرمة حلق اهلل تعاىل .
ويدرسون حتت هذا القسم اجلرائم اليت تعد حدوداً كالزنا وشرب اخلمر والسرقة وحنوها ،والعقوبات
املرتتبة عليها من رجم أو جلد أو قطع أو غريها .
ويدرج بعضهم حتت هذا القسم التعازير .
الطريقة الثانية :وهي طريقة كثري من املؤلفني املعاصرين السيما القانونيني ،حيث يقسمون الدراسة إىل
قسمني :
الجرائم :وهي األفعال احملرمة ذاهتا سواء أكانت حداً أم جناية .
العقوبات :وهي اآلثار املرتتبة على اجلرمية ،سواء أكانت اجلرمية جنائية أم حدية ،ويعرفها الفقهاء :
بأهنا جزاء ينزل باجملرم على ما اقرتفه من ذنب زجراً له وردعاً لغريه .
وسوف نسري يف هذه الدراسة بإذن اهلل على طريقة الفقهاء ألهنا أسهل وأوضح ،وألن احلدود ختتل عن
اجلنايات يف أحكام كثرية .
3
إتالف املنافع
إتالف األعضاء
اإلنسان :خرج بذلك التعدي على احليوان واجلماد ،فإنه اليدخل يف باب اجلنايات وإمنا يف باب الضمان .
بما يوجب :أي يرتتب عليه
قصاصاً أو ماالً :هذا هو العقوبة على اجلرمية اجلنائية ،فهي إما أن تكون :
قصاصاً :وذلك يف اجلناية العمدية سواء أكانت على النفس أو على ما دوهنا .
أو ماالً :وهو الدية ،وذلك يف حال اخلطأ أو شبه العمد ،أو يف حال العمد إذا عفا ويل القصاص .
وخرج هبذا القيد احلدوح فإهنا ال توجب قصاصاً وال ماالً ،وإمنا فيها الرجم أو اجللد أو القطع كما
سيأيت .
4
وهذه التقسيمات اصطالحية واخلالف يف كوهنا ثالثة أو أربعة أو مخسة خالف لفظي اليرتتب عليه حكم ،
ألن النتيجة يف النهاية واحدة :
فقتل الخطأ :جيب فيه أمران :
-2والكفارة -1الدية املخففة
سواء كان ذلك خطأ حمضاً أو جرى جمرى اخلطأ ،وسواء كان باملباشرة أو التسبب ،فال داعي للتفريع
والتقسيم .
وقتل شبه العمد :جيب فيه أمران :
-2والكفارة . -1الدية املغلظة
وقتل العمد :جيب فيه القصاص ،او الدية املغلظة ،والجتب فيه كفارة .
وسنفصل هذه األحكام الحقاً إن شاء اهلل .
وهلذا قال املرداوي يف إلنصاف " :قال الزركشي وال نزاع أنه باعتبار احلكم الشرعي ال يزيد على ثالثة أوجه
عمد وهو ما فيه القصاص أو الدية وشبه العمد وهو ما فيه دية مغلظة وخطأ وهو ما فيه دية خمففة انتهى
قلت ( القائل هو املرداوي ) :الذي نظر إىل األحكام املرتتبة على القتل جعل األقسام ثالثة والذي نظر إىل
الصور فهي أربعة بال شك "
فاخلالف إذاً بني أصحاب هذا القول لفظي ،واخلالف احلقيقي مع قول املالكية اآليت .
5
نفس االنسان ليست ملكاً له وإمنا هي ملك خلالقها وموجدها ،وهي أمانة عند صاحبها ،وهلذا ال جيوز لإلنسان أن
يقتل نفسه أو يغرر هبا يف غري مصلحة شرعية ،وال أن يتصرف بشيء من أجزائها إال مبا يعود عليها بالنفع ،واألدلة
على ذلك كثرية :
فمن ذلك
الدليل األول :قول اهلل تعالى " :وال تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيما ،ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما
فسوف نصليه نارا وكان ذلك على اهلل يسيرا "
فهذا هني للمؤمنني أن يقتل بعضهم بعضا ،ويدخل يف ذلك قتل اإلنسان نفسه .
قال ابن العريب يف تفسري هذه اآلية " :قوله { وال تقتلوا أنفسكم } :فيه ثالثة أقوال :
األول :ال تقتلوا أهل ملتكم .
الثاين :ال يقتل بعضكم بعضا .
الثالث :ال تقتلوا أنفسكم بفعل ما هنيتم عنه قاله الطربي واألكثر من العلماء .
مث قال -أي ابن العريب : -وكلها صحيح والذي يصح عندي أن معناه :وال تقتلوا أنفسكم بفعل ما هنيتم عنه ،
فكل ذلك داخل حتته "
ويف هذه اآلية أبلغ بيان يف حترمي قتل اإلنسان غريه حيث جعل اهلل قتل املعصوم مبنزلة قتل النفس ،حىت يشعر القاتل
أنه كأمنا قتل نفسه فإذا كنت الترضى لنفسك أن تقتل فإياك أن تقتل أخاك ألنه مبنزلة نفسك اليت بني جنبيك .
وذكر اإلمام القرطيب أن أهل العلم أمجعوا على أن املراد هبذه اآلية النهي عن أن يقتل الناس بعضهم بعضاً ،وأن يتناول
الرجل نفسه بالقتل .
ويدل على هذا املعىن ما روى عمرو بن العاص أنه ملا بعث يف غزوة ذات السالسل قال احتلمت يف ليلة باردة شديدة
الربد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت مث صليت بأصحايب صالة الصبح فلما قدمنا على رسول اهلل صلى اهلل
عليه وآله وسلم ذكروا ذلك له فقال يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب فقلت ذكرت قول اهلل تعاىل وال تقتلوا
أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيما فتيممت مث صليت فضحك رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ومل يقل شيئا رواه
احلديث أخرجه البخاري تعليقا وابن حبان واحلاكم أمحد وأبو داود والدارقطين
فدل الحديث على :
.1مشروعية التيمم عند خوف الضرر من استعمال املاء لشدة برد وحنوها .
.2أن اآلية تدل على حترمي قتل اإلنسان نفسه أو اإلضرار هبا .
الدليل الثاني :قال تعالى ":وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة "
أي التلقوا أيديكم يف التهلكة ،فالباء يف " بأيديكم " زائدة ،التقدير تلقوا أيديكم ،ونظريه " :أمل يعلم بأن اهلل يرى
" ،واملراد باأليدي هنا األنفس ،أي وال تلقوا أنفسكم إىل التهلكة ،وعرب باأليدي عن األنفس ،ألن أكثر أفعال
6
النفس باأليدي كقول اهلل تعاىل ":ذلك مبا قدمت يداك " ،وقيل تقدير اآلية :وال تلقوا أنفسكم بأيديكم إىل التهلكة
.
وكان سبب نزول هذه اآلية أن اهلل تعاىل ملا فتح على املسلمني الفتوح ،ودانت هلم جزيرة العرب ،وكان املسلمون
قد انشغلوا عن أمواهلم يف اجلهاد ،فلما استقر األمر يف جزيرة العرب خلد املسلمون إىل الراحة ،وقالوا :آن لنا أن
نعود إىل حرثنا وأموالنا فنثمرها فأنزل اهلل هذه اآلية ليحثهم على اجلهاد ويبني أن التهلكة يف ترك اجلهاد .
ويف سنن الرتمذي عن أسلم أيب عمران قال غزونا القسطنطينية وعلى اجلماعة عبدالرمحن بن الوليد والروم ملصقو
ظهورهم حبائط املدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه ال إله إال اهلل يلقي بيديه إىل التهلكة فقال أبو أيوب
سبحان اهلل أنزلت هذه اآلية فينا معاشر األنصار ملا نصر اهلل نبيه وأظهر دينه قلنا هلم نقيم يف أموالنا ونصلحها فأنزل
اهلل عز وجل وأنفقوا يف سبيل اهلل اآلية واإللقاء باليد إىل التهلكة أن نقيم يف أموالنا ونصلحها وندع اجلهاد فلم يزل أبو
أيوب جماهدا يف سبيل اهلل حىت دفن بالقسطنطينية فقربه هناك فأخربنا أبو أيوب أن اإللقاء باليد إىل التهلكة هو ترك
اجلهاد يف سبيل اهلل وأن اآلية نزلت يف ذلك .
قال ابن سعدي ":واإللقاء باليد إىل التهلكة يرجع إىل أمرين :
-1ترك ما أمر به العبد إذا كان تركه موجباً ،أو مقارباً إلهالك البدن أو الروح ن كرتك اللباس واألكل
والشرب يف الربد الشديد .
-2فعل إىل ما هو سبب موصل إىل تلف النفس أو الروح ،فيدخل يف ذلك أمور كثرية منها :تغرير
اإلنسان بنفسه يف نقاتلة أو سفر خمطور أو حمل مسغبة
ومن أدلة تحريم قتل النفس من السنة :ما روى أبو هريرة قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " من قتل
نفسه حبديدة فحديدته يف يده جيأ هبا بطنه يوم القيامة يف نار جهنم خالدا خملدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه يف
يده يتحساه يف نار جهنم خالدا خملدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يرتدى يف نار جهنم خالداً خملداً
فيها أبداً " .أخرجاه يف الصحيحني
جيأ :أي يطعن
يتحساه :أي يتجرعه
تردى :أي أسقط نفسه
واملراد بقوله "خالداً خملداً " :أي أنه يستحق هذا اجلزاء ،ولكن اهلل تعاىل تكرم على عباده املوحدين أنه الخيلد موحدا
يف النار ،كما قال تعاىل :إن اهلل اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء
وعن ثابت بن الضحاك رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم
القيامة " .أخرجه اجلماعة
7
ويف الصحيحين عن جندب بن عبد اهلل البجلي قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " كان رجل ممن كان قبلكم
وكان به جرح فأخذ سكينا حنر هبا يده فما رقأ الدم حىت مات قال اهلل عز وجل عبدي بادرين بنفسه حرمت عليه
اجلنة ".
وعن جابر قال { ملا هاجر النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل املدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه
فاجتووا املدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع هبا برامجه فشخبت يداه حىت مات فرآه الطفيل بن عمرو يف منامه
وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك قال غفر يل هبجريت إىل نبيه صلى اهلل عليه وسلم فقال :ما
يل أراك مغطيا يديك ؟ قال قيل يل لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم
فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليديه فاغفر } رواه أمحد ومسلم
الرباجم :هي مقاطع األصابع
واالجتواء :أن يستوحش املكان وال يناسبه
شخص وهو ما طال نصله وعرض ِ
املشاخص :مجع م َ
فشخبت :أي سال منها الدم
وهذا احلديث يدل على أن قاتل نفسه ال خيلد يف النار ،وأن املراد باخللود يف احلديث السابق أن هذا جزاؤه لو أراد
اهلل أن يعاقبه لكن اهلل تفضل على عباده بأال خيلد من اليشرك به .
-2المسألة الثانية :تحريم قتل اإلنسان غيره :
فقد جعل اهلل قتل النفس من أعظم املوبقات ،واملراد بالنفس هنا :النفس املعصومة ،وهي نفس املسلم ،والذمي
،واملعاهد ،واملستأمن .
فالذمي :من كان بني قومه واملسلمني عقد ذمة ،أي أهنم يدفعون اجلزية للمسلمني .
واملعاهد :من كان بني قومه واملسلمني عهد أي صلح .
واملستأمن :من دخل ديار املسلمني بأمان ،وإن مل يكن قومه أهل عهد ،فهو يف األصل حريب ،ولكن يدخل بالد
املسلمني بعهد أمان ،واألصل يف األمان أن يكون لسماع كالم اهلل لقوله":وإن¸ أحداً من املشركني استجارك فأجره
حىت يسمع كالم اهلل مث أبلغه مأمنه".
أما نفس احلريب غري املستأمن فليست مبعصومة .
واألدلة على تحريم اعتداء المسلم على غيره كثيرة جداً :
فمن ذلك قول اهلل تعالى " :ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليه ولعنه وأعد له جهنم
وساءت مصريا "
وقال تعالى " :وال تقتلوا النفس اليت حرم اهلل إال باحلق "
وقوله تعالى":والذين ال يدعون مع اهلل إهلاً آخر وال يقتلون النفس اليت حرم اهلل…"،
و قوله صلى اهلل عليه وسلم":لزوال الدنيا أهون على اهلل من قتل مؤمن بغري حق"،
8
وقوله أيضاً":من قتل معاهداً مل يرح رائحة اجلنة وإن رحيها ليوجد من مسرية أربعني عاماً"،
وقوله أيضاً " :اليزال املؤمن يف فسحة من دينه ما مل يصب دماً حراماً " رواه البخاري
وعن ابن مسعود مرفوعاً " :أول ما يقضى بني الناس يوم القيامة يف الدماء " متفق عليه ،واجلمع بني هذا احلديث
وبني قوله صلى اهلل عليه وسلم " أول ماحياسب عليه العبد يوم القيامة صالته " أن املقصود باألول يف حقوق العباد ،
والثاين يف حقوق اهلل أي يف عالقة املسلم بربه .
وعن أبي بكرة مرفوعاً " :الترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض "
يقول اإلمام الشافعي :وال شيء أعظم منه أي القتل بعد الشرك .
بل إن اهلل تعاىل جعل قتل النفس الواحدة كقتل الناس مجيعاً ،وإحياءها كإحياء الناس مجيعاً ،كما قال تعالى ":من
أجل ذلك كتبنا على بني اسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في األرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن
أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا "
وقد اختلف المفسرون في المراد بالتشبيه في اآلية :
-1فروي عن ابن عباس أنه قال :املعىن من قتل نبيا أو إمام عدل فكأمنا قتل الناس مجيعا ومن أحياه بأن شد عضده
ونصره فكأمنا أحيا الناس مجيعا
-2وعنه أيضا أنه قال :املعىن من قتل نفسا واحدة وانتهك حرمتها فهو مثل من قتل الناس مجيعا ،ومن ترك قتل
نفس واحدة وصان حرمتها واستحياها خوفا من اهلل فهو كمن أحيا الناس مجيعا
-3وعنه أيضا املعىن فكأمنا قتل الناس مجيعا عند املقتول ،ومن أحياها واستنقذها من هلكة فكأمنا أحيا الناس مجيعا
عند املستنقذ
-4وقال جماهد :املعىن أن الذي يقتل النفس املؤمنة متعمدا جعل اهلل جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا
عظيما ،يقول :لو قتل الناس مجيعا مل يزد على ذلك ،ومن مل يقتل فقد حيي الناس منه
-5وقال ابن زيد :املعىن أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس مجيعا ،قال :ومن
أحياها أي من عفا عمن وجب له قتله ،وقاله احلسن أيضا ،أي هو العفو بعد املقدرة
-6وقيل :املعىن أن من قتل نفسا فاملؤمنون كلهم خصماؤه ،ألنه قد وتر اجلميع ،ومن أحياها فكأمنا أحيا الناس
مجيعا ،أي جيب على الكل شكره
وكل هذه املعاين متقاربة ،يقول ابن القيم رحمه اهلل مبييناً وجه التشبيه يف اآلية " :إن هذا تشبيه واليلزم من التشبيه
أن يكون املشبه مثل املشبه به يف كل شيء فإن من املعلوم قطعاً أن إمث من قتل مائة أعظم من إمث من قتل نفساً واحدة
،فليس املراد التشبيه يف مقدار اإلمث والعقوبة وإمنا يف كون كل منهما :
-1عاص هلل ولرسوله ،خمالف ألمره متعرض لعقوبته
-2أهنما سواء يف استحقاق القصاص
9
-3أهنما سواء يف اجلرأة على سفك الدم احلرام
-4أن كالً منهما يسمى فاسقاص عاصياً بقتله نفساً واحدة .
-5أن اهلل جعل املؤمنني يف توادهم وترامحهم كاجلسد الواحد فإذا أتلف القاتل عضواً واحداً فكأمنا أتلف مجيع
املؤمنني ومن آذى شخصاً واحداً فكأمنا آذى مجيع املؤمنني .
وأما قوله سبحانه : :ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً " فاإلحياء يكون بالعفو عمن يستحق القصاص ،أو
أن ينقذ شخصاً من هلكة كغرق ونحوه .
المسألة الثالثة :هل القاتل كافر أو مسلم ؟
القاتل مسلم بإمجاع اهل السنة واجلماعة ،ومل خياف يف ذلك سوى اخلوارج واملعتزلة .
فحكمه حكم أهل الكبائر من أمة حممد صلى اهلل عليه وسلم ،فهو يف الدنيا مسلم فاسق ،أو أنه مؤمن بإميانه فاسق
بكبريته ،ويف اآلخرة هو حتت املشيئة واإلرادة إن شاء اهلل عذبه وإن شاء غفر له ،وهو الخيلد يف النار ،ألن اهلل
قضى بإخراج عباد اهلل املوحدين من النار ،ولكن البد من تطهريه وتطييبه من درن ذنوبه قبل دخوله اجلنة والتطهري
من الذنوب يكون إما بتوبة ،أو حسنات ماحية ،أو مصائب مكفرة ،أو شفاعة ،أو دعاء قريب له ،أو بأهوال يوم
تف تلك األمور لتطهريه فإنه يدخل النار ليطهر من ذنبه حىت يهيأ لدخول القيامة ،أو برمحة أرحم الرامحني ،فإن مل ِ
اجلنة ألن اجلنة اليدخلها إال الطيبون كما قال تعاىل " :سالم عليكم طبتم فادخلوها خالدين "
واألدلة على أن القاتل ليس بكافر وأنه اليخلد في النار كثيرة منها :
-1قوله تعاىل " :إن اهلل اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء "
-2وقوله تعاىل :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص يف القتلى احلر باحلر والعبد بالعبد واألنثى باألنثى فمن
عفي له من أخيه شيء فاتباع باملعروف وأداء إليه بإحسان "
والشاهد يف قوله " من أخيه " فأثبت اهلل له وصف األخوة وهي األخوة اإلميانية مع أنه قاتل .
-3وقوله تعاىل ":وإن طائفتان من املؤمنني اقتتلوا ..اآلية " فسمى اهلل الفئة العادلة والفئة الباغية مؤمنني ،إىل أن قال
سبحانه " إمنا املؤمنون إخوة فأصلحوا بني أخويكم " فسماهم اهلل مؤمنني ،وأبقى هلم وصف األخوة اإلميانية .
-4ما ثبت يف الصحيحني عن عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوين على أن ال تشركوا باهلل شيئا وال
تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال تأتوا ببهتان تفرتونه بني أيديكم وأرجلكم وال تعصوا يف معروف
فمن ويف منكم فأجره على اهلل ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب يف الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك
شيئا مث سرته اهلل فهو إىل اهلل إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه ،قال :فبايعناه على ذلك .
-5وقوله صلى اهلل عليه وسلم :يقول اهلل تعاىل ":يابن آدم إنك ما دعوتين ورجوتين غفرت لك على ما كان منك
وال أبايل ،يابن آدم لو أتيتين بقراب األرض خطايا مث لقيتين التشرك يب شيئاُ ألتيتك بقراهبا مغفرة " رواه
الرتمذي .
10
-6ويدل على ذلك أيضاً حديث جابر بن عبداهلل املتقدم يف قصة الطفيل بن عمرو فإنه نص على أن من قتل نفسه
فإنه اليكفر والخيلد يف النار ،وهلذا بوب عليه النووي يف صحيح مسلم " باب الدليل على من قتل نفسه اليكفر
"
فإن قيل مالجواب عن النصوص المتقدمة التي تدل على أن القاتل مخلد في النار ؟
فنقول :اختلفت توجيهات أهل العلم لهذه النصوص ،وأبرز هذه األقوال:
-1فقيل :املراد من استحل ذلك ،فإنه يصري باستحالله للقتل كافراً ،ألنه أنكر شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة¸
وكذب القرآن والنصوص القطعية الدالة على حترمي القتل ،لكن هذا اجلواب ضعيف ألن املستحل كافر سواء
قتل أم مل يقتل ،والنصوص وردت فيمن ارتكب هذا اجلرم الفيمن استحله .
-2وقيل :إن املراد باخللود هنا املكث الطويل وليست اإلقامة األبدية ،ألن اخللود قد يطلق يف لغة العرب ويراد به
املكث الطويل ،كما قد يراد به التأبيد ،وهذا اجلواب ضعيف أيضاً ألن األحاديث املتقدمة جاءت مقيدة
بالتأبيد .
-3وقيل :إن هذه النصوص خرجت خمرج الزجر والتغليظ وال يراد حقيقةً التخليد ،وهذا اجلواب ضعيف أيضاً
ألنه ال دليل عليه ،ولو قيل به جلاز تأويل مجيع النصوص كذلك .
-4وقيل :هذا وعيد وإخالف الوعيد ال يذم بل ميدح واهلل تعاىل جيوز عليه إخالف الوعيد وال جيوز عليه خلف
الوعد والفرق بينهما أن الوعيد حقه فإخالفه عفو وهبة وذلك موجب كرمه والوعد حق عليه أوجبه على
نفسه واهلل ال خيلف امليعاد قالوا وهلذا مدح به كعب بن زهري رسول اهلل حيث يقول :
نبئت أن رسول اهلل أوعدين والعفو عند رسول اهلل مأمول
وتناظر يف هذه املسألة أبو عمرو بن العالء وعمرو بن عبيد فقال عمرو بن عبيد يا أبا عمرو ال خيلف اهلل وعده وقد
قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا اآلية فقال له أبو عمرو وحيك يا عمرو من العجمة أتيت إن العرب ال تعد إخالف الوعيد
ذما بل جودا وكرما أما مسعت قول الشاعر :
وال يرهب ابن العم ما عشت صوليت وال خيتشى من سطوة املتهدد
وإنـي إن أوعـدته أو وع ـدته ملخلف إيعادي ومنجز موعدي
ومن عليهم بعدم اخللود
-5وقيل :إن هذا هو جزاؤه وهو يستحق هذا الوعيد ولكن اهلل تكرم على عباده املوحدين ّ
يف النار كما قال تعاىل :إن اهلل اليغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك ملن يشاء " ،وهذا اجلواب هو الصحيح وبه
جتتمع األدلة ،يقول ابن القيم رحمه اهلل " :هذه النصوص وأمثاهلا مما ذكر فيه املقتضى للعقوبة وال يلزم من وجود
مقتضى احلكم وجوده فإن احلكم إمنا يتم بوجود مقتضيه وانتفاء مانعه وغاية هذه النصوص اإلعالم بأن كذا سبب
للعقوبة ومقتض هلا وقد قام الدليل على ذكر املوانع فبعضها باإلمجاع وبعضها بالنص فالتوبة مانع باإلمجاع والتوحيد
مانع بالنصوص املتواترة اليت ال مدفع هلا واحلسنات العظيمة املاحية مانعة واملصائب الكبار املكفرة مانعة وإقامة احلدود
يف لدنيا مانع بالنص وال سبيل إىل تعطيل هذه النصوص فال بد من إعمال النصوص من اجلانبني "
11
المسألة الرابعة :هل للقاتل عمداً توبة :
الخالف بني أهل العلم على أن القاتل عمداً إذا تاب فإن توبته التعفيه من عقوبة القصاص ،ألن القصاص
حق اآلدمي ،وهذا خبالف احلدود اليت يغلب فيها حق اهلل كالزىن وشرب اخلمر فإن الزاين وشارب اخلمر
تصح توبته فيما بينه وبني اهلل وإن مل يقم عليه احلد ،واليلزم أن يذهب إىل احلاكم ليقيم عليه احلد .
أما القاتل عمداً فال تصح توبته حىت يسلم نفسه إىل احلاكم ليقتص منه أو يدفع الدية فيما لوعفى أولياء
الدم ،ومع ذلك فإذا سلم نفسه فاقتص منه أو طولب بالدية فهل يربأ فيما بينه وبني اهلل ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين :
القول األول :
أن القاتل عمداً التوبة له .
وهذا القول هو املشهور عن ابن عباس رضي اهلل عنهما ،وإحدى الروايتني عن أمحد .
وأدلة هذا القول :
-1الدليل األول :قوله تعاىل : :ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب اهلل عليه
ولعنه وأعد له عذاباً عظيما "
ووجه الداللة من اآلية أن هذا الوعيد خرج خمرج اخلرب ،وهو دال على أن توبته التقبل .
وقد ناظر ابن عباس يف ذلك أصحابه فقالوا أليس قد قال اهلل تعاىل يف سورة الفرقان وال يقتلون النفس اليت
حرم اهلل إال باحلق إىل أن قال إال من تاب وآمن وعمل عمال صاحلا فأولئك يبدل اهلل سيئاهتم حسنات
وكان اهلل غفورا رحيما فقال كانت هذه اآلية يف اجلاهلية وذلك أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا
وزنوا فأتوا رسول اهلل فقالوا إن الذي تدعو إليه حلسن لو ختربنا أن ملا عملناه كفارة فنزل والذين ال
يدعون مع اهلل إهلا آخر اآلية فهذه يف أولئك وأما اليت يف سورة النساء وهي قوله تعاىل ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اهلل عليه ولعنه وأعد له عذاب عظيما فالرجل إذا عرف
اإلسالم وشرائعه مث قتل فجزاؤه جهنم رواه البخاري .
وقال زيد بن ثابت ملا نزلت اليت يف الفرقان والذين ال يدعون مع اهلل إهلا آخر عجبنا من لينها فلبثنا سبعة
أشهر مث نزلت الغليظة بعد اللينة فنسخت اللينة وأراد بالغليظة هذه اآلية اليت يف سورة النساء وباللينة آية
الفرقان قال ابن عباس آية الفرقان مكية وآية النساء مدنية نزلت ومل ينسخها شيء
ويناقش هذا االستدالل من ثالثة أوجه :
األول :أن اآلية فيمن قتل ومل يتب ،أما من تاب فقد جاءت نصوص أخرى سيأيت بياهنا يف أدلة القول
الثاين تدل على أن القاتل تقبل توبته .
الثاني :أن املقصود بالوعيد هنا -كما تقدم -أن هذا هو جزاؤه وهو مستحق له إن جازاه اهلل وحتققت
من على عباده املوحدين
شروط هذه العقوبة وانتفت موانعها ،ومن املوانع لتلك العقوبة :التوحيد فإن اهلل ّ
12
بعدم اخللود يف النار ،ومن املوانع كذلك التوبة ،فقد جاءت نصوص كثرية تدل على أن اهلل يقبل التوبة
من سائر الذنوب .
الثالث :أن دعوى النسخ الدليل عليها ،وإذا أمكن اجلمع بني النصوص فهو أوىل من القول بالنسخ .
الدليل الثاني (:وهو دليل من النظر ) قالوا :وألن التوبة من قتل املؤمن عمدا متعذرة إذ ال سبيل إليها إال
باستحالله أو إعادة نفسه اليت فوهتا عليه إىل جسده إذ التوبة من حق اآلدمي ال تصح إال بأحدمها وكالمها
متعذر على القاتل فكيف تصح توبته من حق آدمي مل يصل إليه ومل يستحله منه .
نوقش هذا االستدالل :بأن اهلل يويف القتيل حقه ويعوضه يف اآلخرة كما سيأيت .
القول الثاني :
أن توبته مقبولة .
وهذا هو قول مجاهري أهل العلم .
واستدلوا بما يلي :
الدليل األول :عموم اآليات واألحاديث اليت تدل على أن اهلل يقبل توبة التائبني :مثل
-قوله تعاىل " :قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم التقنطوا من رمحة اهلل إن اهلل يغفر الذنوب مجيعاً
إنه هو الغفور الرحيم "
-وقوله سبحانه " وإين لغفار ملن تاب وآمن وعمل صاحلاً مث اهتدى "
-وقوله عليه الصالة والسالم " :إن اهلل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب
مسيء الليل حىت تطلع الشمس من مغرهبا " متفق عليه .
الدليل الثاني :قوله سبحانه يف وصف عباد الرمحن " والذين اليدعون مع اهلل إهلاً آخر واليقتلون النفس
اليت حرم اهلل إال باحلق واليزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً ،يضاعف له العذاب يوم القيامة وخيلد فيه
مهاناً ،إال من تاب وآمن وعمل عمالً صاحلاً فأولئك يبدل اهلل سيئاهتم حسنات وكان اهلل غفوراً رحيما
"
فهذه اآليات نص صريح وواضح يف قبول توبة القاتل .
الدليل الثالث :ما ثبت يف الصحيحني عن أيب سعيد رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال
كان يف بين إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعني إنسانا مث خرج يسأل فأتى راهبا فسأله فقال له هل من
توبة قال ال فقتله فجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه املوت فناء بصدره حنوها
فاختصمت فيه مالئكة الرمحة ومالئكة العذاب فأوحى اهلل إىل هذه أن تقريب وأوحى اهلل إىل هذه أن
تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فوجد إىل هذه أقرب بشرب فغفر له .
الدليل الرابع :أن التوبة تصح من الكفر ،فمن القتل من باب أوىل .فحىت الكافر املعاند احملارب هلل
ولرسوله يقبل اهلل توبته كما قال تعاىل " وهم على ما يفعلون باملؤمنني شهود ،وما نقموا منهم إال أن
13
يؤمنوا باهلل العزيز احلميد ..إىل أن قال سبحانه :إن الذين فتنوا املؤمنني واملؤمنات مث مل يتوبوا فلهم عذاب
جهنم وهلم عذاب احلريق " ،وملا حكى اهلل مقولة الكافرين الذين قالوا :إن اهلل ثالث ثالثة ،قال بعدها :
" أفال يتوبون إىل اهلل ويستغفرونه واهلل غفور رحيم "
الدليل الخامس :عن عبادة بن الصامت رضي اهلل عنه أن رسول اهلل قال وحوله عصابة من أصحابه
بايعوين على أن ال تشركوا باهلل شيئا وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال تأتوا ببهتان تفرتونه بني
أيديكم وأرجلكم وال تعصوين يف معروف فمن وىف منكم فأجره على اهلل ومن أصاب من ذلك شيئا
فعوقب به يف الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا فسرته اهلل عليه فهو إىل اهلل إن شاء عفا عنه
وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك .متفق عليه
وهذا القول هو الصحيح ،ولكن يبقى النظر في القتيل ،كيف يستوفي حقه ،ويوجه ذلك ابن القيم
رمحه اهلل بقوله " :التحقيق أن القتل تتعلق به ثالثة حقوق :
-حق اهلل
-وحق للمقتول ( املوروث )
-وحق للويل
فإذا تاب القاتل من حق اهلل وسلم نفسه طوعا إىل الوارث ليستوىف منه حق موروثه سقط عنه احلقان
وبقي حق املوروث ال يضيعه اهلل وجيعل من متام مغفرته للقاتل تعويض املقتول ألن مصيبته مل تنجرب بقتل
قاتله والتوبة النصوح هتدم ما قبلها فيعوض هذا عن مظلمته وال يعاقب هذا لكمال توبته وصار هذا
كالكافر احملارب هلل ولرسوله إذا قتل مسلما يف الصف مث أسلم وحسن إسالمه فإن اهلل سبحانه يعوض هذا
الشهيد املقتول ويغفر للكافر بإسالمه وال يؤاخذه بقتل املسلم ظلما فإن هدم التوبة ملا قبلها كهدم اإلسالم
وعلى هذا إذا سلم نفسه وانقاد فعفا عنه الويل وتاب القاتل توبة نصوحا فاهلل تعاىل يقبل توبته ملا قبله
ويعوض املقتول "
فإن قيل :مالدليل على أن اهلل يعوض المقتول ؟
فاجلواب :هو عموم النصوص الواردة يف الكتاب والسنة يف القصاص يوم القيامة ،ويفهم من هذه
النصوص أن املظلوم يوم القيامة له حاالن :
احلال األوىل :إما أن يقتص من ظامله .
واحلال الثانية :أو يعفو فيعوضه اهلل جزاء عفوه .
أوالً :األدلة على الحال األولى :
-عن عبداهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال النيب صلى اهلل عليه وسلم إن أول ما يقضى بني الناس يوم
القيامة يف الدماء .متفق عليه
14
-وعن أبي هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :من كانت عنده مظلمة ألخيه فليتحلله
منها فإنه ليس مث دينار وال درهم من قبل أن يؤخذ ألخيه من حسناته فإن مل يكن له حسنات أخذ من
سيئآت أخيه فطرحت عليه .متفق عليه
-وعن أبي سعيد الخدري رضي اهلل عنه قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :خيلص املؤمنون
من النار فيحبسون على قنطرة بني اجلنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظامل كانت بينهم يف الدنيا
حىت إذا هذبوا ونقوا أذن هلم يف دخول اجلنة فوالذي نفس حممد بيده ألحدهم أهدى مبنزله يف اجلنة منه
مبنزله كان يف الدنيا .رواه البخاري
-عن أبي هريرة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال :أتدرون ما املفلس قالوا املفلس فينا يا رسول
اهلل من ال درهم له وال متاع قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املفلس من أميت من يأتى يوم القيامة
بصالته وصيامه وزكاته ويأيت قد شتم هذا وقذف هذا واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيقعد
فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص ما عليه من اخلطايا أخذ من
خطاياهم فطرح عليه مث طرح يف النار .متفق عليه
-وعن أبي هريرة ان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال مث لتؤدن احلقوق إىل أهلها حىت يقاد للشاة
اجللحاء من الشاة القرناء .
ثانياً :األدلة على الحال الثانية :
-عن أنس بن مالك رضي اهلل عنه قال بينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حىت
بدت ثناياه فقال له عمر ما أضحكك يا رسول اهلل بأيب أنت وأمي قال رجالن من أميت جثيا بني يدي
رب العزة فقال أحدمها يا رب خذ يل مظلميت من أخي فقال اهلل كيف تصنع بأخيك ومل يبق من حسناته
شيء قال يا رب فليحمل من أوزاري وفاضت عينا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بالبكاء مث قال إن
فقال اهلل للطالب ارفع بصرك فانظر فرفع فقال يا ذلك ليوم عظيم حيتاج الناس أن حيمل من أوزارهم
رب أرى مدائن من ذهب وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ أي نيب هذا أو ألي صديق هذا أو ألي شهيد
قال مباذا قال بعفوك عن هذا قال ملن أعطى الثمن قال يا رب ومن ميلك ذلك قال أنت متلكه
فقال رسول اهلل قال اهلل فخذ بيد أخيك وأدخله اجلنة قال يا رب إين قد عفوت عنه أخيك
رواه احلاكم صلى اهلل عليه وسلم مث ذلك اتقوا اهلل وأصلحوا ذات بينكم فإن اهلل يصلح بني املسلمني
والبيهقي يف البعث وقال احلاكم صحيح اإلسناد
-وعن أبي هريرة مرفوعاً " :من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى اهلل عنه يوم القيامة ومن أخذها
يريد إتالفها أتلفه اهلل .رواه البخاري ،ويقاس على األموال الدماء أيضاً ،فإن القاتل إذا سلم نفسه تائباً
فقد قصد تأدية احلق ملستحقه حسب استطاعته .
وسأتينا إن شاء اهلل في باب العفو عن القصاص المزيد من األدلة في هذا الموضوع .
15
المطلب الثاني :تعريف القتل العمد :
القتل العمد :أن يقصد اجلاين من يعلمه آدمياً معصوماً فيقتله مبا يغلب على الظن موته به .
محترزات التعريف :
أن يقصد :خرج بذلك القتل اخلطأ ،فإن اجلاين مل يقصد القتل .
من يعلمه :خرج بذلك ما إذا قصد اجلاين القتل ظاناً أن اجملين عليه مباح الدم ،كما لو استهدف شخصاً
يظنه حيواناً فتبني أنه إنسان معصوم¸ الدم ،فهذا وإن كان قد قصد القتل إال أنه قتل خطأ وليس بعمد .
آدمياً :خرج بذلك احليوان .
معصوماً :خرج بذلك غري املعصوم وسيأيت بيانه .
فيقتله :خرج بذلك اجلناية العمدية على ما دون النفس .
مبا يغلب على الظن موته به :خرج بذلك شبه العمد فإن اآللة املستخدمة فيه التقتل غالباً .
من هذا التعريف يتبين لنا أن أركان القتل العمد ثالثة ،وفيما يلي بيانها :
المطلب الثالث :أركان القتل العمد :
الركن األول :القتيل :
فلو وجد اعتداء على البدن ولكن مل يوجد قتيل فإن اجلناية التسمى قتالً عمداً .
ويشرتط يف القتيل شرطان :
الشرط األول :أن يكون آدمياً ،فخرج بذلك احليوان ،فإن قتله اليوجب عقوبة القتل العمد ،ولو قصد
قتله ،وإمنا يدخل هذا يف باب الغصب واإلتالف .
والشرط الثاني :أن يكون معصوماً ،واليلزم أن يكون مسلماً ،إذ املعصوم على أربعة أنواع :
املسلم . -3
الذمي :وهو من بني قومه وبني املسلمني عقد ذمة أي أهنم يدفعون اجلزية للمسلمني -4
املعاهد :وهو من بني قومه وبني املسلمني عهد أي صلح . -5
فيؤمن حىت ِ
املستأمن :وهو احلريب الذي يدخل بالد املسلمني بأمان من اإلمام أو نائبه َّ -6
يسمع كالم اهلل حىت يبلغ مأمنه.
مهدر الدم ،وقد يكون إهدار الدم أصلياً مثل احلريب ،وقد
وخرج بهذا الشرط :غري املعصوم ،وهو َ
يكون طارئاً ،وهو من وجد به سبب يزيل العصمة ،وأسباب إزالة العصمة متعددة منها :زىن احملصن ،
وقتل النفس ،والردة ،واإلفساد يف األرض ( احملاربة ) ،ونقض املعاهد عهده ،وغريها ،وقد أشار إىل بعض
هذه األسباب النيب صاىل اهلل عليه وسلم فيما يرويه ابن مسعود عنه أنه قال :ال حيل دم امرىء مسلم يشهد
16
أن ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل إال بإحدى ثالث الثيب الزاين والنفس بالنفس والتارك لدينه املفارق للجماعة
رواه اجلماعة
وعن عائشة مرفوعاً :ال حيل دم امرىء مسلم إال من ثالثة إال من زىن بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم أو
قتل نفس فقتل هبا رواه أمحد والنسائي
الركن الثاني :القصد :
واملراد أن يقصد اجلاين اجلناية .
مسألة :هل المراد بالقصد قصد االعتداء أم قصد القتل ؟
اختلف الفقهاء يف ذلك على قولني :
القول األول :أن املراد قصد القتل ،وهذا هو قول اجلمهور من احلنفية والشافعية واحلنابلة .
القول الثاني :أن املراد قصد االعتداء ،وهذا هو قول املالكية ،فتكون اجلرمية عندهم جرمية عمدية مبجرد
قصد اجلاين االعتداء على اجملين عليه ،وإن مل يقصد قتله .
وسبب االختالف في معنى القصد :أن املالكية اليعرتفون بالقتل شبه العمد ،فعندهم شبه العمد نوع من
العمد ،وهم يقسمون القتل إىل قسمني :خطأ ،وعمد فقط .
وسيأيت بيان اخلالف يف املسألة وأن الراجح فيها هو قول اجلمهور لعدة أدلة ،وعليه فإن الصحيح يف معىن
القصد هنا هو قصد القتل ،فلو قصد اجلاين االعتداء ومل يقصد القتل فهو شبه عمد وليس بعمد .
مسألة :إذا أذن المجني عليه للجاني بقتله فهل هذا من العمد أم من شبه العمد أم من الخطأ ؟
اختلف الفقهاء يف ذلك على ثالثة أقوال :
القول األول :أنه قتل عمد فيجب فيه القود أي القصاص .
وهذا قول املالكية .
وحجتهم :بأنه إذن يف غري حمله فكأنه غري موجود ،ألن اإلنسان الميلك نفسه فضالً عن أن ياذن لغريه أن
يقتله .
القول الثاني :أنه شبه عمد .
وهذا قول األحناف .
وحجتهم :أن قصد االعتداء موجود ولكن وجود اإلذن شبهة متنع من إحلاقه بالقتل العمد .
القول الثالث :أن هذا القتل فيه اإلمث ،والقصاص فيه والدية ،
وهذا هو قول الشافعية واحلنابلة .
وحجتهم :ألن القصاص والدية شرعا حلق اجملين عليه وهو قد تنازل عن حقه .
17
والراجح هو القول األول لقوة أدلته ،وعليه فهذا القتل فيه القصاص أو الدية ،وكون اجملين عليه قد تنازل عن
حقه اليسقط بذلك ،ألن هذا اإلسقاط إمنا كان قبل السبب املوجب هلما ،وإسقاط احلق قبل وجود سببه
اليصح .
فائدة :
ذكر أهل العلم قاعدة ،وهي أنه الجيوز تقدمي الشيء قبل سببه ،وجيوز تقدميه بعد وجود سببه وقبل شرط
وجوبه .
وهلذه القاعدة أمثلة منها :
.1الطهارة ،سببها احلدث وشرط وجوهبا القيام للصالة ،أي الجتب إال عند القيام للصالة ،ومع ذلك
يصح تقدميها قبل القيام للصالة ،ولكن اليصح تقدميها قبل سببها وهو احلدث .
.2الزكاة ،سببها امتالك النصاب ،وشرط وجوهبا مضي احلول ،ويصح تعجيل الزكاة بعد امتالك النصاب
وقبل مضي احلول ،ولكن اليصح إخراجها قبل امتالك النصاب .
.3كفارة اليمني ،سببها اليمني ،وشرط وجوهبا احلنث ،فيصح إخراجها قبل احلنث ،ولكن اليصح
تقدميها على اليمني .
.4القصاص والدية ،فإن سببهما هو اجلناية ،وشرط وجوهبما املوت ،فيصح العفو عنهما بعد وجود
االعتداء على اجملين عليه أي وهو يف طريقه إىل املوت ،ولكن اليصح قبل االعتداء .
الركن الثالث من أركان القتل العمد :األداة :
وهو أهم أركان القتل العمد ،وأكثر أحباث القتل العمد فيه ،ألن قصد القتل أمر باطن الميكن إثباته ،فيلجأ
يف إثباته إىل األداة اليت هي أمر ظاهر ،إذ احلقوق بني الناس اليستند فيها على باطن اإلنسان ،واليسأل عن
نيته ألنه رمبا كذب فأهدرت دماء ،وضيعت حقوق ،وإمنا ينظر إىل واقع احلال وهو األداة اليت استخدمت يف
االعتداء ،إذ األداة يتحدد من خالهلا ما إذا كان اجلاين قصد القتل فتكون اجلناية قتل عمد ،أو أنه قصد جمرد
االعتداء ومل يقصد القتل فتكون شبه عمد .
قاعدة عامة في التفريق بين أنواع القتل الثالثة :
إذا حصلت حالة قتل فثمت ثالث احتماالت :إما أنه قتل عمد ،أو شبه عمد ،أو خطأ ،فإن تبني قصد
االعتداء يف اجلناية فيستبعد االحتمال الثالث ،ويبقى احتماالن :إما أنه عمد أو شبه عمد ،وهنا ننظر إىل
اآللة املستخدمة يف اجلناية فإن كانت تقتل غالباً فعمد ،وإن كانت ال تقتل يف الغالب فشبه عمد ،أما إن مل
يتبني يف اجلناية قصد االعتداء فهو قتل خطأ أياً كانت اآللة املستخدمة يف القتل .
وقد استقرأ أهل العلم صور القتل العمد فوجدوها التخرج عن تسع صور ،سنشرحها بالتفصيل فيما
يلي :
المطلب الرابع :صور القتل العمد :
18
قبل الشروع يف سرد صور القتل العمد ،حيسن التعرف على املالمح العامة يف كل مذهب من املذاهب األربعة
وضوابطة يف األداة املستخدمة يف القتل العمد ،فمن خالل استقراء نصوص أئمة املذاهب األربعة يتبني أن
لكل مذهب منحى خاص يف حتديد الصور اليت تدخل ضمن القتل العمد واليت التدخل ،وأن أشد تلك
املذاهب املالكي مث يليه الشافعي واحلنبلي مث يليهما احلنفي .
وخالصة اتجاهات األئمة على النحو التالي :
-1فاإلمام مالك – ألنه اليعرتف بالقتل شبه العمد – يعترب القتل عمداً ،مادام الفعل عمداً وبقصد العدوان
،بصرف النظر عن اآللة ،فلو اعتدى عليه حبجر صغري فقتله فهو قتل عمد ،يقتل به ،ولو مل يقصد قتله ،
فهو ال يشرتط يف اآللة املستخدمة أي شرط .
-2والشافعي وأمحد يشرتطان يف اآللة شرطاً واحداً وهو أن تكون مما يقتل غالباً ،كالسيف واحلجر الكبري ،
واإللقاء من مكان عال وحنو ذلك ،أما لو اعتدى عليه بآلة التقتل غالباً كالعصا الصغرية ،فمات هبا فإن هذا
شبه عد وليس بعمد .
-3وأبو حنيفة يشرتط يف اآللة شرطني :
األول :أن تكون مما يقتل غالباً
والثاين :أن تكون معدة للقتل ،واآللة املعدة للقتل عنده هي كل آلة جارحة أو طاعنة ذات حد هلا مور يف
اجلسم ،من أي شيء كانت ( حديد ،حناس ،خشب ¸)..أو ما يعمل عمل هذه األشياء يف اجلرح والطعن
كالنار واحلديد وإن مل يكن حمدداً .
وما سوى ذلك فليس بآلة قاتلة ،فمن صور القتل العمد عنده :أن يطعنه بالسيف أو بالسكني أو يرميه
بالبندقية ،فهذه اآلالت تقتل غالباً ،وهي معدة للقتل يف عرف الناس ،ألهنا ذات نفوذ يف البدن ،ومن ذلك
أيضاً لو حرقه بالنار ،أو ضربه حبديدة على رأسه من دون أن تنفذ يف البدن ،فهذه أيضاً قتل عمد ألهنا وإن
مل تكن ذات نفوذ إال أن احلديد والنار من األدوات املعدة للقتل يف عرف الناس .
أما لو ضربه حبجر كبري ،أو أرداه من جبل شاهق ،أو دهسه بالسيارة ،فليس بقتل عمد عنده ألن هذه
األدوات وإن كانت تقتل غالباً إال أهنا غري معدة للقتل أصالً .
ووجه الخالف بين أبي حنيفة من جهة ،والشافعي وأحمد من جهة أخرى :
أن أباحنيفة يرى أن عقوبة القتل العمد عقوبة متناهية يف الشدة وهي القصاص ،وهذا يستدعي أن تكون
جرمية العمد متناهية يف العمد حبيث يكون القتل عمداً حمضاً الشبهة فيه ،ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال :
" العمد قود " ،وألن استعمال آلة غري معدة للقتل دليل على عدم قصد العمد ،وعلى أقل األحوال فهو يفيد
االحتمال واالحتمال شبهة والشبهة متنع القتل .
أما الشافعي وأمحد فرييان أن استعما آلة تقتل غالباً يعد دليالً كافياً يف قصد القتل .
19
وسيتبني لنا إن شاء اهلل أن النصوص الرعية تؤيد ما ذهب إليه الشافعي وأمحد ،ألن اشرتاط أن تكون اآللة
معدة للقتل ال دليل عليه ،أما اشرتاط كوهنا مما يقتل غالباً فهذا له ادلة سيأيت ذكرها يف القتل شبه العمد .
20
الصحيح أهنا قتل عمد ألن تقصري اجملين عليه يف التداوي اليعفي اجلاين ،إذ األداة قاتلة وقصد القتل موجود ،
واملداواة ليست طريقاً حمققاً للشفاء ،وهذا اليعفي اجملين عليه أيضاً من اإلمث .
المسألة الثالثة :لو قطع عضواً من أعضائه فمات فهو قتل عمد ،حىت ولوكان العضو زائداً ألنه قتل مبحدد
،مامل يقطع العضو الزائد بإذن صاحبه فال يكون قتالً .
بالمث ّقل :
الصورة الثانية :القتل ُ
املثقل :هو ما يقتل لثقله وأثره على اجلسد اللنفوذه ،مثل إلقاء صخرة كبرية أو الضرب بعصا كبرية ،أو
الدعس بالسيارة ،وحنوها .
وقد اختلف الفقهاء في القتل بالمثقل على قولين :
القول األول :
أنه شبه عمد إال إذا كان حبديد
وهذا مذهب أيب حنيفة .
واستدل مبا يلي :
الدليل األول :عن عبداهلل بن عمرو أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قال أال إن قتيل اخلطأ شبه العمد
قتيل السوط أو العصا فيه مائة من اإلبل منها أربعون يف بطوهنا أوالدها رواه اخلمسة إال الرتمذي .
ووجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم جعل قتيل السوط والعصا واحلجر من القتل شبه العمد ومل يفرق
بني الصغري منها والكبري .
الدليل الثاني :أن املثقل اليستخدم يف القتل عادة ولو كان كبرياً .
أما دليلهم على استثناء احلديد فقالوا :إن احلديد وصفه¸ اهلل تعاىل بأنه فيه بأس شديد يف قوله سبحانه " وأنزلنا
احلديد فيه بأس شديد " وهو يستخدم للقتال يف اجلهاد فهو أداة معدة للقتل .
القول الثاني :
أن القتل باملثقل له حاالت :
-1فإن كان كبرياً يقتل غالباً فهو عمد ،سواء كان حبديدة كاملطرقة ،أو خبشبة كبرية أوحجر وحنوه ،أو
يلكمه لكمة قوية بيده أو برجله يف بدنه أو يف رأسه ،أو يلقيه من شاهق ،أو يلقي عليه حائطاً ،أو يعصر
خصيتيه عصراً شديداً يف وقت ميوت فيه اإلنسان غالباً ،فكل هذا من القتل العمد .
-2وإن كان صغرياً فينظر :فإن استخدم اآللة الصغرية بطريقة تقتل غالباً ،فهو عمد أيضاً ،وهلذا ثالث
صور :
األوىل :أن يضربه بشيء صغري يف مقتل ،كأن يضربه حبجر صغري يف خاصرته أو خصيته أو على قلبه ،
وحنوذلك .
الثانية :أن يتواىل الضرب على اجملين عليه حىت ميوت .
21
الثالثة :أن يكون الضرب يف حال ضعف اجملين عليه وعدم قدرته على التحمل ،بسبب صغر أو كرب سن ،أو
مرض ،أو برد شديد ،وحنوذلك .
فهذه الصور الثالث تلحق باحلال األوىل ،ألن األداة املستخدمة وإن كانت صغرية إال أهنا استخدمت بطريقة
تقتل غالباً فتلحق بالكبرية .
-3أما إن كانت اآللة املستخدمة يف اجلناية صغرية التقتل غالباً ،وكان الضرب يف غري مقتل ،ويف حال قوة
اجملين عليه ،ومل يتوال الضرب ،فمات اجملين عليه فشبه عمد .
واخلالصة :أن الضابط عند هؤالء أن ننظر إىل صورة القتل باملثقل هل هي تقتل غالباً أم ال ؟ فإن كانت تقتل
غالباً لكرب اآللة أو لطريقة اجلناية فعمد وإال فشبه عمد .
استدل أصحاب هذا القول على أن القتل بالمثقل من القتل العمد بما يلي :
-1الدليل األول :عن أنس أن يهوديا رض رأس جارية بني حجرين فقيل هلا من فعل بك هذا فالن أو
فالن حىت مسي اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فاعرتف فأمر به النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم فرض رأسه
حبجرين رواه اجلماعة
-2الدليل الثاني :عن أيب شريح اخلزاعي أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال :فمن قتل له قتيل فهو خبري
النظرين القود أو الدية " متفق عليه
ووجه الداللة :عموم احلديث فالنيب صلى اهلل عليه وسلم مل يشرتط يف األداة أن تكون حمددة فسواء كان القتل
مبحدد أو مبثقل ففيه القود .
ورد اجلمهور على استدالل األحناف حبديث " أال إن قتيل اخلطأ شبه العمد ¸"...بأن احلديث حممول على
احلجر والعصا الصغريين القرتانه بالسوط ،والسوط صغري ،كما أن الغالب على العصا أن تكون صغرية
فيحمل احلديث على احلجر والعصا غري القاتل ،ومما يؤيد هذا املعىن حديث أنس املتقدمة يف اجلارية اليت رض
رأسها حبجر ،والسبيل إىل اجلمع إال بأن حيمل حديث أنس على احلجر الكبري الذي يقتل غالباً ،وحديث
عبداهلل بن عمرو على احلجر الصغري الذي اليقتل يف الغالب .
مالحظة :
غين عن البيان أن مجيع ماذكر من القتل باملثقل هو من القتل العمد عند املالكية ،ألهنم اليشرتطون يف اآللة أي
شرط فجميع الصور السابقة والالحقة من القتل العمد عندهم .
الصورة الثالثة :
أن يلقيه يف مهلكة مثل أن يلقيه يف زبية أسد أو جحره أو حنوه أو مكتوفا حبضرته أو يف مسبعة أو يف مضيق
حبضرة حية أو ينهشه كلبا عقوراً أو حية أو يلسعه عقربا من القواتل .
أما لو كتفه وألقاه يف أرض آمنة فجاء أسد فافرتسه أو حية فنهشته فهذا شبه عمد ،ألنه تعمد اجلناية بشيء
اليقتل غالباً ،ولكنه مات بسببها .
22
الصورة الرابعة :التغريق والتحريق :
اختلف العلماء في التغريق والتحريق على ثالثة أقوال :
القول األول :
يرى الشافعية واحلنابلة أن من صور القتل العمد أن يلقيه يف نار أو ماء يغرقه وال ميكنه التخلص منه إما لكثرة
املاء أو النار وإما لعجزه عن التخلص ملرض أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه اخلروج أو كونه يف حفرة ال
يقدر على الصعود منها وحنو هذا أو ألقاه يف بئر ذات نفس فمات به عاملا بذلك فهذا كله عمد ألنه يقتل
غالبا .
وإن ألقاه يف ماء يسري يقدر على اخلروج منه فلبث فيه اختيارا حىت مات فال قود فيه وال دية ألن هذا الفعل مل
يقتله وإمنا حصل موته بلبثه فيه وهو فعل نفسه فلم يضمنه غريه .
وإن تركه يف نار ميكنه التخلص منها لقلتها أو كونه يف طرف منها ميكنه اخلروج بأدىن حركة فلم خيرج حىت
مات فال قود ألن هذا ال يقتل غالبا لكنه قتل شبه عمد يوجب الضمان فقط .
والفرق بين الماء والنار أن املاء ال يهلك بنفسه وهلذا يدخله الناس للغسل والسباحة والصيد وأما النار
فيسريها يهلك وإمنا تعلم قدرته على التخلص بقوله أنا قادر على التخلص أو حنوهذا ألن النار هلا حرارة
شديدة فرمبا أزعجته حرارهتا عن معرفة ما يتخلص به أو أذهبت عقله بأملها وروعتها أو شنجت أعصابه .
فإن قيل :مالفرق بين من ألقي في ماء أو نار يسيرين وهو يستطيع الخروج فلم يخرج فالقود على
الجاني ،وبين ما إذا طعنه بمحدد وهويستطيع التداوي فتركه حتى مات ففيه القود ؟
فالجواب :أن التخلص من النار واملاء اليسريين طريق حمقق للسالمة يف حني أن التداوي ليس طريقاً حمققاً
للشفاء ،فقد يتداوى واليشفى ،فاجلاين يف مسألة املاء والنار اليسريين ليس قاتالً يف احلقيقة بل اجملين عليه هو
الذي قتل نفسه ببقائه .
القول الثاني :
يفرق األحناف بني التغريق والتحريق ،ألهنم يلحقون التحريق بالسالح إذ يعمل عمله فيفرق أجزاء اجلسد ،
ومن مث فالنار عندهم معدة للقتل ،فإن كانت كثرية تقتل غالباً فعمد ،وإن كانت صغرية الهتلك غالباً فشبه
عمد .
وعلى هذا فاألحناف يتفقون مع الشافعية واحلنابلة يف التحريق .
أما التغريق فهو شبه عمد دائماً عند األحناف ألنه يلحق باملثقل ،وهو وإن قتل غالباً إال أنه غري معد للقتل .
القول الثالث :
أن التحريق والتغريق عمد مطلقاً ولو كان يسرياً
وهذا قول املالكية بناء على أهنم اليرون القتل شبه العمد .
23
والراجح هو القول األول .
مسألة ( :)1إن ألقاه يف جلة ال ميكنه التخلص منها فالتقمه حوت فعليه القود ألنه ألقاه يف مهلكة فهلك
فأشبه ما لو غرق ،وإن ألقاه يف ماء يسري فأكله سبع أو التقمه حوت أو متساح فال قود عليه ألن الذي فعله
ال يقتل غالبا وعليه ضمانه ألنه هلك بفعله .
مسألة ( :)2أثر قدرة المجني عليه في دفع الجناية :
من خالل ما تقدم ،إذا كان اجملين عليه قادراً على دفع أثر اجلناية ،فهل هذا يؤثر يف رفع القود عن اجلاين ؟
يفرق هنا بني ثالث حاالت :
.1إذا كان الفعل مهلكاً والدفع غري موثوق به ،كرتك معاجلة اجلرح ،اعترب القاتل قاتالً والعربة برتك العالج .
.2إذا ك ¸ ¸¸ان الفعل غري مهلك ،وال ¸ ¸¸دفع موث ¸ ¸¸وق به ،كمن ألقي يف م ¸ ¸¸اء قليل ،فبقي مس ¸ ¸¸تلقياً فيه حىت م ¸ ¸¸ات أو
تصلبت أطرافه من الربد ،فهذا ليس بقتل عمد .
.3إذا كان الفعل مهلكاً ،والدفع سهل ،كما لو ألقى من حيسن السباحة يف ماء كثري فغرق ،ففيه خالف :
فقيل :إنه قتل عمد ألن املاء يدهش السابح ،وقد يشنج أعصابه ،وألن العادة أاليستسلم اإلنسان للموت .
وقيل :إنه ليس بقتل عمد ألن اآللة التقتل غالباً .
وسبب الخالف :هو االختالف يف تص¸¸ور ح¸¸ال اجملين عليه فلو علم أنه بقي خمت¸¸اراً فليس بقتل عمد ،والص¸¸حيح يف
ه ¸ ¸¸ذه املس¸ ¸ ¸¸ألة أنه قتل ش¸ ¸ ¸¸به عمد ألن اآللة التقتل غالب ¸ ¸ ¸اً ،والبد يف القتل العمد أن يقصد اجلاين القتل ،والميكن ان
نتحقق من ذلك إال باآللة ،واآللة هنا التقتل غالباً .
الصورة الخامسة :الخنق :
واملقصود¸ أن مينع خروج نفسه بأي وسيلة كان مثل أن جيعل يف عنقه خراطة مث يعلقه يف خشبة أو شيء حبيث
يرتفع عن األرض فيختنق وميوت فهذا عمد سواء مات يف احلال أو بقي زمنا ألن هذا أوحى أنواع اخلنق .
ومن ذلك أيضاً أن خينقه وهو على األرض بيديه أو منديل أو حبل أو يغمه بوسادة أو شيء يضعه على فيه
وأنفه أو يضع يديه عليهما فيموت فهذا إن فعل به ذلك مدة ميوت يف مثلها غالبا فمات فهو عمد فيه
القصاص ،وإن فعله يف مدة ال ميوت يف مثلها غالبا فمات فهو شبه عمد
وإن خنقه وتركه مثال حىت مات ففيه القود ألنه مات من سراية جنايته فهو كامليت من سراية اجلرح وإن
تنفس وصح مث مات فال قود ألن الظاهر أنه مل ميت منه فأشبه ما لو اندمل اجلرح مث مات .
واألحناف يرون أن القتل باخلنق شبه عمد دائماً بناء على قاعدهتم بأن العمد البد بأن يكون بآلة معدة للقتل
.
بينما املالكية يرون أنه عمد مطلقاً ألهنم اليعرتفون بالقتل شبه العمد أساساً .
والراجح هو القول األول .
الصورة السادسة :حبسه ومنع الطعام والشراب عنه :
24
ويلحق مبنع الطعام والشراب منع وسائل التدفئة أو التربيد .
ويشرتط هلذه الصورة شرطان :
الشرط األول :أن حيبسه مدة ميوت فيها غالباً ،وهذه املدة ختتلف باختالف الناس والزمان واألحوال ،
فالصغري مثالً خيتلف عن الكبري ،واملريض خيتلف عن الصحيح ،إذا كان عطشان يف شدة احلر مات يف الزمن
لقليل وإن كان ريان والزمن بارد أو معتدل مل ميت إال يف مدة طويلة فتعترب هذا فيه وإن كان يف مدة ميوت يف
مثلها غالبا ففيه القود وإن كان يف مدة ال ميوت يف مثلها غالبا فهو عمد اخلطأ .
وإن شككنا فيها مل جيب القود ألننا شككنا يف السبب وال يثبت احلكم مع الشك يف سببه السيما القصاص
الذي يسقط بالشبهات .
الشرط الثاني :أن اليستطيع احملبوس االستغاثة أو الطلب فإن كان قادراً على االستغاثة والطلب فلم يفعل
حىت مات فدمه هدر .
وذهب احلنفية إىل أن احلابس الشيء عليه ألن املوت حدث باجلوع الباحلبس ،واحلبس ليس أداة معدة للقتل
عادة .
أما املالكية فريون أنه عمد مطلقاً .
مسألة :يلحق هبذه الصورة أيضاً ما إذا أخذ من شخص طعامه وشرابه يف مفازة وليس حوله أحد يستنجد به
،أو أخذ دابته وظل ميشي على قدميه حىت مات فهو قتل عمد .
الصورة السابعة :القتل بالسم :
بالسم -بفتح السني يف األصح – مخس صور : وللقتل َ
-1أن يسقيه َسَّما إكراهاً أو يطعمه شيئا قاتال فيموت به فهو عمد موجب للقود إذا كان مثله يقتل غالبا
-2أو يخلطه بطعام ويقدمه إليه فيأكله أو يهديه إليه ،ففيه القود
-3أو يخلطه بطعامه الذي يأكله يف العادة دون أن يقدمه إليه ،ومل يعلم بذلك اآلكل ،فاختلف الفقهاء يف
هذه الصورة عل قولني :
القول األول :
ذهب احلنابلة إىل أن فيه القود ألنه يقتل غالبا .
القول الثاني :
وقال الشافعي يف املشهور ال قود عليه
وحجتهم :
-1ألنه أكله خمتارا فأشبه ما لو قدم إليه سكينا فطعن هبا نفسه
-2وألن أنس بن مالك روى أن يهودية أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها
النيب صلى اهلل عليه وسلم ومل يقتلها النيب صلى اهلل عليه وسلم
25
والصحيح هو قول احلنابلة ألن أبا سلمة قال يف آخر حديث اليهودية فمات بشر بن الرباء فأمر هبا النيب صلى
اهلل عليه وسلم فقتلت أخرجه أبو داود وألن هذا يقتل غالبا ويتخذ طريقا إىل القتل كثريا فأوجب القصاص
كما لو أكرهه على شربه فأما حديث أنس فيجوز أن يكون النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يقتلها قبل أن ميوت
بشر بن الرباء فلما مات أرسل إليها النيب صلى اهلل عليه وسلم فسأهلا فاعرتفت فقتلها فنقل أنس صدر القصة
دون آخرها ويتعني محله عليه مجعا بني اخلربين .
وفارق تقدمي السكني ألهنا ال تقدم إىل إنسان ليقتل هبا نفسه إمنا تقدم إليه لينتفع هبا وهو عامل مبضرهتا ونفعها
فأشبه ما لو قدم إليه السم وهو عامل به .
-4أن يخلط السم بطعام نفسه ويرتكه يف منزله فيدخل إنسان فيأكله فينظر :
-1فإن كان قد دخل بغري إذنه فليس عليه ضمان بقصاص وال دية ألنه مل يقتله وإمنا الداخل
قتل نفسه فأشبه ما لو حفر يف داره بئرا فدخل رجل فوقع فيها وسواء قصد بذلك قتل
اآلكل مثل أن يعلم ظاملا يريد هجوم داره فرتك السم يف الطعام ليقتله فهو كما لو حفر
بئرا يف داره ليقع فيها اللص إذا دخل ليسرق منها .
-2أما إن دخل الدار بإذنه فأكل الطعام املسموم بغري إذنه فهذا من القتل بالتسبب ،أي
من اخلطأ ،وفيه الدية خمففة .
-5أن يخلطه بطعام رجل أو يقدم إليه طعاما مسموما ويخربه بسمه فأكله مل يضمنه ألنه أكله عاملا حباله
فأشبه ما لو قدم إليه سكينا فوجأ هبا نفسه
مسألة :
إن سقى إنسانا مسا أو خلطه بطعامه فأكله ومل يعلم به وكان مما ال يقتل مثله غالبا فمات فهو شبه عمد ،وإن
ثبت أنه قاتل ،فقال مل أعلم أنه قاتل فعليه القود ألن السم من جنس ما يقتل به غالبا فأشبه ما لو جرحه
وقال مل أعلم أنه ميوت منه .
وذهب احلنفية إىل أن القتل بالسم شبه عمد مطلقاً ،أما املالكية فريون أنه عمد مطلقاً .
والصحيح قول الشافعية واحلنابلة .
الصورة الثامنة :القتل بالتسبب :
فإذا تسبب يف قتل معصوم بشيء يقتل غالباً ففيه القود ،وللقتل بالتسبب عدة حاالت :
الحال األولى :إذا شهدت عليه بينة مبا يوجب قتله من زنا حمصن أو ردة التقبل معها التوبة أو قتل عمد مث
رجعوا أي الشهود بعد قتله وقالوا عمدنا قتله فيقاد هبذا كله وحنو ذلك .
ومثال الردة اليت التقبل معها التوبة :الزنديق والساحر عند من يرى أنه التقبل توبتهما قضاءً كما يف املذهب
احلنبلي ،أما إن شهدت البينة بردة تقبل معها التوبة قضاءً فال قصاص إذ بإمكان املتهم أن يتوب ويدرأ عن
نفسه احلد .
26
واألدلة على ذلك :
-1دليل من األثر :
ما روى القاسم بن عبد الرمحن أن رجلني شهدا عند علي رضي اهلل عنه على رجل أنه سرق فقطعه مث رجعا
على شهادهتما فقال علي " :لو أعلم أنكما تعمدمتا لقطت أيديكما " وغرمهما دية يده
-2دليل من النظر :
ألهنم توصلوا إىل قتله مبا يقتل غالبا فوجب عليهم القصاص كالقتل باحمدد .
مسألة :ما الحكم لو كان القاضي عالماً أيضاً بكذب البينة ؟ وكذا لو كان ولي الدم أو الوكيل بالقتل
عالماً أيضاً بكذبها ،فممن يقتص ؟
الجواب :ذكر أهل العلم قاعدة يف هذا الباب فقالوا " :ويختص بالقصاص مباشر للقتل عالم بأنه ظلم ثم
ولي عالم بذلك وبينة وحاكم علموا ".
فعندنا أربعة أطراف :
-1الوكيل بالقتل (السياف )
-2ويل الدم (ورثة القتيل )
-3القاضي
-4البينة
وعلى هذا :
فالوكيل أو ويل الدم أيهما باشر القتل فعليه القصاص دون البقية بإمجاع أهل العلم ،فإذا باشر الويل القتل
بنفسه وهو عامل بكذب البينة فعليه القصاص وحده حىت ولو كان القاضي والبينة يعلمون أنه يقتل ظلماً
،ولو وكل الويل شخصاً ليتوىل القتل وهو عامل بكذب البينة فعليه القصاص دون البقية (الويل والقاضي
والبينة حىت وإكانوا يعلمون أيضاً ) ،والقاعدة عند أهل العلم :أنه مىت اجتمع مباشر ومتسبب وأمكن
تضمني املباشر فإن املباشرة تقطع حكم التسبب ،وجيب أن يعزر البقية .
فإن كان املباشر للقتل اليعلم فيقتص من مجيع من تسبب يف القتل دون املباشر ،فلو كان املباشر للقتل
هو ويل الدم وهو ال يعلم بكذب البينة ،فينظر :فإن تبني أن القاضي والشهود كانوا يعلمون أنه يقتل
ظلماً فيقتص من القاضي والشهود مجيعاً ،ألن البينة بدون حكم القاضي التوجب القتل ،وحكم
ويل الدم شخصاً بالقتل وكان الوكيل ( السياف ) ال القاضي الميكن أن يصدر بدون بينة ،ولو وكل ُ
يعلم بكذب البينة ،فينظر :فإن كان ويل الدم والقاضي والشهود يعلمون أنه يقتل ظلماً فيقتص منهم
مجيعاً – أي ما عدا السياف -ألهنم اشرتكوا يف قتله ،أما القاضي والشهود فلما سبق ،وأما ويل الدم
فألن القصاص وقع بطلبه ،وإن كان بعضهم يعلم دون البعض فيقتص من العامل منهم دون من كان
جاهالً .
27
الحال الثانية من حاالت القتل بالتسبب :اإلكراه
الحال الثالثة :األمر بالقتل :
وسيأيت احلديث عن هاتني احلالتني مبشيئة اهلل تعاىل يف باب موانع القصاص .
الصورة التاسعة :القتل بالسحر :
إذا وضع لشخص سحراً يف طعام أو شراب أو عقد له عقداً فمات املسحور بسببه فهو قتل عمد ألنه شيء
يقتل غالباً .
ويف القتل بالسحر عدة مسائل :
المسألة األولى :تعريف السحر :
السحر لغة :كل ما لطف وخفي سببه
وش¸¸رعاً :يق¸¸ول ابن قدام¸¸ة :الس¸¸حر عق ¸ ٌد ورقى وكالم يتكلم به أو يكتبه أو يعمل ش¸¸يئاً ي¸¸ؤثر يف ب¸¸دن املس¸¸حور
أو قلبه أو عقله من غري مباش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رة له وله حقيقة فمنه ما يقتل ومنه ما ميرض ومنه ما يأخذ الرجل عن امرأته
فيمنعه وطئها ومنه ما يفرق بني املرء وزوجه وما يُبغض أحدمها إىل اآلخر أو حيبب بني اثنيني.
المسألة الثانية :ثبوته :
الس¸¸حر ث¸¸ابت يف الق¸¸رآن ويف الس¸¸نة ،أما الق¸¸رآن ففي آي¸¸ات كث¸¸رية ي¸¸بني اهلل س¸¸بحانه وتع¸¸اىل فيها وق¸¸وع الس¸¸حر
فمن ذلك:
قول اهلل تعاىل":واتبعوا ما تتلوا الشياطني على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطني )1
كف¸ ¸¸روا يعلم¸ ¸¸ون الن¸ ¸¸اس الس¸ ¸¸حر وما ُأن¸ ¸¸زل على امللكني "..الش¸ ¸¸اهد يف قول¸ ¸¸ه :يعلم¸ ¸¸ون الن¸ ¸¸اس الس¸ ¸¸حر.
فكانت الشياطني متشي بني الناس وتعلمهم السحر.
قوله تع ¸¸اىل يف قصة موس¸¸ى":وج ¸¸اءُوا بس¸¸حر عظيم" ويف آية أخ¸¸رى ¸":خييل إليه من س¸¸حرهم )2
أهنا تسعى" فبني اهلل تعاىل أن ما أتى به هؤالء السحرة هو سحر حقيقي ووصفه¸ اهلل بأنه عظيم.
قوله تع¸¸اىل":قل أع¸¸وذ ب¸¸رب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن ثر النفاث¸¸ات )3
يف العقد…" النفاثات هن النساء السواحر.
واألدلة من السنة:
-1ما ثبت يف الصحيحني أنه صلى اهلل عليه وسلم قال":اجتنبوا السبع املوبقات" وذكر منها السحر.
-2ويف الص ¸¸حيحني أيض ¸اً عن عائشة رضي اهلل عنها ق¸¸الت :س¸¸حر رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم رجل من
بين زريق يق ¸¸ال له لبيد بن األعصم حىت ك ¸¸ان رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم خييل إليه أنه ك ¸¸ان يفعل الش ¸¸يء
وما فعله حىت إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا مث ق¸¸ال يا عائشة أش¸¸عرت أن اهلل أفت¸¸اين
28
فيما اس¸ ¸ ¸¸تفتيته فيه أت¸ ¸ ¸¸اين رجالن فقعد أح¸ ¸ ¸¸دمها عند رأسي واآلخر عند رجلي فق¸ ¸ ¸¸ال أح¸ ¸ ¸¸دمها لص ¸ ¸¸احبه ما وجع
الرجل فق ¸¸ال مطب ¸¸وب ق ¸¸ال من طبه ق ¸¸ال لبيد بن األعصم ق ¸¸ال يف أي ش ¸¸يء ق ¸¸ال يف مشط ومش ¸¸اطة وجف طلع
خنلة ذكر ق ¸¸ال وأين هو ق ¸¸ال يف ب ¸¸ئر ذروان فأتاها رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم يف ن ¸¸اس من أص ¸¸حابه فج ¸¸اء
فق¸ ¸ ¸ ¸¸ال يا عائشة ك¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸أن ماءها نقاعة احلن¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اء أو ك¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸أن رءوس خنلها رءوس الش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ياطني قلت يا رس ¸ ¸ ¸¸ول اهلل أفال
استخرجته قال قد عافاين اهلل فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا ".
والشاهد أنه صلى اهلل عليه وسلم ُأصيب بالسحر ،وقال أهل العلم إن سحره كان من أشد أن¸¸واع الس¸حر ألنه
ك¸¸ان النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يظن أنه أتى أهله ومل يفع¸¸ل .وس¸¸حر النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ث¸¸ابت وه¸¸ذا ال
يتناقض مع عصمة النيب أو مع نبوته فهو معصوم من أن خيطأ يف الوحي والتشريع.
المسألة الثالثة :طرق تحضير الساحر للجني:
الساحر حيضر اجلان يف سحره ليؤذي هبم ابن آدم ،وهلذا فإن كثرياً من األم¸راض النفس¸ية والعض¸وية رمبا يك¸ون
س ¸¸ببها من أذية اجلن لبين آدم عن طريق الس ¸¸حر أو غ ¸¸ريه ،وقد ج ¸¸اء عنه عليه الص ¸¸الة والس ¸¸الم أنه ق ¸¸ال يف دم
االستحاضة " :إمنا هي ركضة من الش¸¸يطان " ،وبعض الن¸¸اس يعتقد أن من أس¸¸باب الس¸¸رطان الس¸¸حر مس¸¸تندين
إىل قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم " :أكثر ما ميوت من أميت من الطعن والطاعون ،
قالوا :الطاعون نعرفه فما الطعن ؟
قال :طعن أعدائكم من اجلن " .
ومن طرق تحضير الجان التي ذكرها من لهم خبرة في ذلك :
االقسام باجلين. -
الذبح للجين. -
الطريقة الس ¸ ¸ ¸¸فلية ،وهي أن يطلب اجلين من الس ¸ ¸ ¸¸احر أن يكتب آي ¸ ¸ ¸¸ات اهلل يف ح ¸ ¸ ¸¸ذاء ويُلبسه لكي -
يكفر باهلل ،ومنها أن يؤخذ شيء من دم املرأة أو البول فيوضع يف طعام املسحور أو شرابه .
طريقة النجاسة مثل أن يطلب منه أن يكتب آيات اهلل بدم احليض. -
ومن العالمات التي يعرف بها الساحر ما يلي-:
أن يسأل املريض عن امسه واسم ُأمه. )1
أن يطلب الساحر أن يأخذ أثراً من آثار املريض مثل شعره وأظفاره أو مالبسه. )2
أن يطلب حيواناً ليذحبه. )3
كتابة الطالسم. )4
أن يعطي املريض أشياء ليدفنها بيده. )5
29
أن يعطي الساحر املريض أوراقاً ليحرقها بيده. )6
المسألة الرابعة :حكم السحر
ذهب مجهور أهل العلم إىل أن الساحر كافر مطلقاً أيّاً كان سحره ،ويُقتل ردة.
وأدلتهم:
قوله تعاىل":وما كفر سليمان ولكن الشياطني كفروا يُعلمون الن¸¸اس الس¸¸حر " ،ف¸¸بني اهلل س¸¸بب -1
كف¸¸رهم أهنم يعلم¸¸ون الن¸¸اس الس¸¸حر ،مث ق¸¸ال س¸¸بحانه ..." :وما يعلم¸¸ان من أحد حىت يق¸¸وال إمنا حنن
فتنة فال تكفر ...ولقد علموا ملن اشرتاه ماله يف اآلخرة من خالق "
ما روى جندب بن عبد اهلل أنه ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال ":حد الس ¸¸احر ض ¸¸ربة بالس ¸¸يف" -2
رواه الرتمذي بإسناد قال فيه ابن حجر :ضعيف ولكنه ثبت موقوفاً عن جندب رضي اهلل عنه.
وروى جبالة بن عب¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دة رضي اهلل عنه ق¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ال كتب عمر رضي اهلل عنه أن اقتل¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸وا كل س¸ ¸ ¸ ¸¸احر -3
وساحرة ،قال فقتلنا ثالث سواحر.
ويف ص ¸ ¸¸حيح البخ ¸ ¸¸اري عن حفصة أم املؤم ¸ ¸¸نني رضي اهلل عنها أهنا أم ¸ ¸¸رت جبارية هلا س ¸ ¸¸حرهتا -4
فأمرت هبا ف ُقتلت.
قال أهل العلم ،ثبت عن ثالثة من الصحابة رضوان اهلل عليهم قتل الساحر من غري استفصال ويُقتل حداً.
القول الثاني وهو رأي اإلمام الش¸¸افعي رمحه اهلل ،أن الس¸حر إن ك¸¸ان بأش¸¸ياء كفرية مثل أن يتق¸¸رب الس¸¸احر إىل
اجلين بال ¸¸ذبح أو يس ¸¸تعني هبم يف س ¸¸حره إذ إهنم لن يعين ¸¸وه ب ¸¸دون التق ¸¸رب إليهم ،أو املشي على الق ¸¸رآن أو حنو
ذلك فهذا كفر ،يقتل به الساحر ردة ،أما إذا مل يكن بأشياء كفرية مثل أن يكون بأدوية وحنو ذلك فهذا ال
يكفر ،فإذا مل يقتل بسحره أحداً فال يقتل ،أما إذا قتل بسحره أحداً فإنه يقتل قصاصاً .
واستدل لذلك:
ب¸ ¸أن األصل يف الس¸ ¸¸احر ال¸ ¸¸رباءة من الكفر وال¸ ¸¸رباءة من القتل فال حيكم بكف¸ ¸¸ره وال يُقتل إال إذا ثبت أنه ارتكب
مكفراً أو قتل مسلماً .فالشافعي مل يثبت عنده دليل بتكفري الساحر.
الراجح واهلل أعلم :قول اجلمهور ،أن الساحر كافر مطلقاً ألنه ال يُتصور أن يفعل الساحر ما يفعل إال ب¸¸التقرب
إىل الشياطني .واآلية السابقة صرحية يف كفره.
المسألة الخامسة :حكم حل السحر عن المسحور
حل السحر عند أهل العلم يُسمى النُشرة وهي على نوعني:
30
حل الس¸ ¸¸حر بس¸ ¸¸حر مثله فه¸ ¸¸ذا حمرم وال جيوز ملا ثبت يف مس¸ ¸¸ند اإلم¸ ¸¸ام أمحد وس¸ ¸¸نن أيب داوود أن -
النيب صلى اهلل عليه وسلم قال":النُشرة من عمل الشيطان"
وقال احلسن البصري:ال حيل السحر إال ساحر.
وهذا النوع من النشرة حمرم.
-حل الس¸¸حر بالرقية والتعوي¸¸ذات وال¸¸دعوات املباحة مثل أن ي¸¸ذهب املس¸¸حور إىل رجل ليق¸¸رأ عليه
أو ي¸¸دعو له فه¸¸ذا حكمه ج¸¸ائز وقد ج¸¸اء عن قت¸¸ادة ق¸¸ال :قلت لس¸¸عيد ابن املس¸¸يب ،رجل فيه طب
(أي س¸¸حر) أو يُؤخذ عن امرأته أحُي ل عنه أو يُنش¸¸ر؟ ق¸¸ال ال ب¸¸أس إمنا يُري¸¸دون به اإلص¸¸الح فأما ما
ينفع فلم يُنه عنه.
وأفضل عالج للسحر هو الرقى المشروعة ،ويشترط للرقية ثالثة شروط :
-1أن تكون بكالم اهلل وبأمسائه وصفاته أو مبا أثر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم .
-2أن تكون باللسان العريب أو مبا يعرف معناه من غريه.
-3أن يعتقد بأن الرقية التؤثر بذاهتا.
ومن األدلة على مشروعية الرقية:
-1عن جابر قال هنى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن الرقى فجاء آل عمرو بن ح¸¸زم إىل رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى
اهلل عليه وس¸ ¸¸لم فق¸ ¸¸الوا يا رس¸ ¸¸ول اهلل إنه ك¸ ¸¸انت عن¸ ¸¸دنا رقية ن¸ ¸¸رقي هبا من العق¸ ¸¸رب وإنك هنيت عن ال ¸¸رقى ق ¸¸ال
فعرضوها عليه فقال ما أرى بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه .رواه مسلم
-2وعن ج ¸¸ابر بن عبد اهلل ق ¸¸ال رخص النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم آلل ح ¸¸زم يف رقية احلية وق ¸¸ال ألمساء بنت
عميس ما يل أرى أجسام بين أخي ضارعة تصيبهم احلاجة ق¸¸الت ال ولكن العني تس¸¸رع إليهم ق¸¸ال ارقيهم ق¸¸الت
فعرضت عليه فقال ارقيهم .رواه مسلم
-3عن أيب س¸عيد رضي اهلل عنه ق¸ال انطلق نفر من أص¸¸حاب النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم يف س¸¸فرة س¸افروها حىت
نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ س¸يد ذلك احلي فس¸¸عوا له بكل ش¸يء ال
ينفعه ش¸¸يء فق¸¸ال بعض¸¸هم لو أتيتم ه¸¸ؤالء الرهط ال¸¸ذين نزل¸¸وا لعله أن يك¸¸ون عند بعض¸¸هم ش¸¸يء ف¸¸أتوهم فق¸¸الوا يا
أيها الرهط إن سيدنا ل¸دغ وس¸عينا له بكل ش¸يء ال ينفعه فهل عند أحد منكم من ش¸يء فق¸ال بعض¸هم نعم واهلل
إين ألرقي ولكن واهلل لقد استض ¸ ¸¸فناكم فلم تض ¸ ¸¸يفونا فما أنا ب ¸ ¸¸راق لكم حىت جتعل ¸ ¸¸وا لنا جعال فص¸ ¸¸احلوهم على
قطيع من الغنم ف ¸¸انطلق يتفل عليه ويق ¸¸رأ احلمد هلل رب الع ¸¸املني فكأمنا نشط من عق ¸¸ال ف ¸¸انطلق ميشي وما به قلبة
قال فأوفوهم جعلهم الذي صاحلوهم عليه فقال بعضهم اقسموا فق¸ال ال¸ذي رقى ال تفعل¸وا حىت ن¸أيت النيب ص¸لى
اهلل عليه وس¸¸لم فن¸¸ذكر له ال¸¸ذي ك¸¸ان فننظر ما يأمرنا فق¸¸دموا على رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ف¸¸ذكروا له
فقال وما يدريك أهنا رقية مث قال قد أصبتم اقسموا واضربوا يل معكم سهما فضحك رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم .متفق عليه
31
-4عن عائشة أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يأمرها أن تسرتقي من العني رواه مسلم
-5عن ع¸ ¸¸وف بن مالك األش¸ ¸¸جعي ق¸ ¸¸ال كنا ن¸ ¸¸رقي يف اجلاهلية فقلنا يا رس¸ ¸¸ول اهلل كيف ت¸ ¸¸رى يف ذلك فق¸ ¸¸ال
اعرضوا علي رقاكم ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك رواه مسلم
المسألة السادسة :القتل بالسحر :
تقدم معنا أن من صور القتل العمد عند اجلمهور :القتل بالسحر .
فإذا قتل الساحر بسحره شخصاً فهل يقتل الساحر حداً أم قصاصاً ؟ ذلك أنه اجتمع يف هذه الص¸¸ورة حق¸¸ان :
حق اهلل وهو قتله ردة ،وحق اآلدمي وهو قتله قصاصاً ،فأيهما يُغَلَّب :حق اهلل أم حق اآلدمي ؟
والف رق بينهما أنه إن قيل :إنه يقتل ح¸ ¸ ¸¸داً فإنه يقتل بالس¸ ¸ ¸¸يف وال مُيَ ًًّكن أولي¸ ¸ ¸¸اء القتيل من قتله ،أما لو قلنا :يقتل
قصاصاً فإن متكن أولياء القتيل من االستيفاء بأنفسهم فإهنم ميكنون من ذلك .
32
خلادمه خذ املكتل وال¸ ¸¸درهم وآتنا بش¸ ¸¸يء من حلمها فما ت¸ ¸¸ربح حىت تقع .وق الت طائفة أخ رى منهم ابن قتيبة :
ليس املراد أهنم يصيبونك بالعني كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإمنا أراد أهنم ينظ¸¸رون إليك إذا ق¸¸رأت الق¸¸رآن
الك¸¸رمي نظ¸¸را ش¸¸ديدا بالع¸¸داوة والبغض¸¸اء يك¸¸اد يس¸¸قطك ق¸¸ال وي¸¸دل على ص¸¸حة ه¸¸ذا املعىن أنه ق¸¸رن ه¸¸ذا النظر بس¸¸ماع
القرآن الكرمي وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة فيحدون إليه النظر بالبغضاء .
والم ¸¸انع من محل اآلية على كال املعن ¸¸يني إذ العني كما يك ¸¸ون س ¸¸ببها اإلعج ¸¸اب قد يك ¸¸ون س ¸¸ببها احلسد ،فالكف ¸¸ار
ك ¸ ¸¸انوا ينظ ¸ ¸¸رون إليه نظر حاسد ش ¸ ¸¸ديد الع ¸ ¸¸دواة فهو نظر يك ¸ ¸¸اد يزلقه ل ¸ ¸¸وال حفظ اهلل وعص ¸ ¸¸مته فه¸ ¸¸ذا أشد من نظر
العائن بل هو جنس من نظر العائن .
.2وقال تعالى " :قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد
ومن شر حاسد "
يق ول ابن القيم رحمه اهلل :الع¸ ¸¸ائن حاسد خ ¸ ¸¸اص بل هو أضر منه فكل ع ¸ ¸¸ائن حاسد وليس كل حاسد عائنا فلما
ك¸ ¸¸ان احلاسد أعم من الع¸ ¸¸ائن ك¸ ¸¸انت االس¸ ¸¸تعاذة منه اس¸ ¸¸تعاذة من الع¸ ¸¸ائن وهي س¸ ¸¸هام خترج من نفس احلاسد
والع¸ ¸¸ائن حنو احملس¸ ¸¸ودة واملعني تص¸ ¸¸يبه ت¸ ¸¸ارة وختطئه ت¸ ¸¸ارة ف¸ ¸¸إن ص¸ ¸¸ادفته مكش¸ ¸¸وفا ال وقاية عليه أث¸ ¸¸رت فيه وال بد وإن
ص ¸¸ادفته ح ¸¸ذرا ش ¸¸اكي الس ¸¸الح ال منفذ فيه للس ¸¸هام مل ت ¸¸ؤثر فيه ..وأص ¸¸له من إعج ¸¸اب الع ¸¸ائن بالش ¸¸يء مث تتبعه
كيفية نفسه اخلبيثة مث تستعني على تنفيذ مسها بنظرة إىل املعني .
ومن السنة :
روى مسلم يف صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول اهلل العني حق ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العني .1
ويف صحيحه ايضا عن انس أن النيب رخص يف الرقية من احلمة والعني والنملة .2
ويف الصحيحني من حديث أيب هريرة قال قال رسول اهلل العني حق .3
ويف سنن أيب داود عن عائشة رضي اهلل عنها قالت كان يؤمر العائن فيتوضأ مث يغتسل منه املعني .4
ويف الصحيحني عن عائشة قالت امرين النيب أو امر أن تسرتقي من العني .5
وروى الرتم ¸¸ذي أن امساء بنت عميس ق ¸¸الت يا رس ¸¸ول اهلل إن بين جعفر تص ¸¸يبهم العني أفاس ¸¸رتقي هلم فق ¸¸ال نعم .6
فلو كان شيء يسبق القضاء لسبقته العني قال الرتمذي حديث حسن صحيح
وروى مالك رمحه اهلل عن ايب أمامة بن س ¸¸هل ابن ح ¸¸نيف ق ¸¸ال رأى ع ¸¸امر بن ربيعة س ¸¸هل بن ح ¸¸نيف يغتسل .7
فق¸¸ال واهلل ما رأيت ك¸¸اليوم وال جلد خمب¸¸أة ق¸¸ال فلبط س¸¸هل ف¸¸أتى رس¸¸ول اهلل ع¸¸امرا فتغيظ عليه وق¸¸ال عالم يقتل
اح¸¸دكم اخ¸¸اه أال ب¸¸ركت اغتسل له فغسل له ع¸¸امر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأط¸¸راف رجليه وداخله إزاره
يف ق ¸ ¸¸دح مث صب عليه ف ¸ ¸¸راح مع الن ¸ ¸¸اس وروى مالك رمحه اهلل ايضا عن حممد بن أيب أمامة بن س¸ ¸¸هل عن أبيه
هذا احلديث وقال فيه إن العني حق توضأ له فتوضأ له
والمخبأة :هي البكر ذات اخلدور
33
.8وذكر عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا العني حق ولو كان شيء سابق الق¸¸در لس¸¸بقته العني
وإذا استغسل أحدكم فليغتسل .
يق ول ابن القيم " :والعني عين¸ ¸¸ان عني إنس¸ ¸¸ية وعني جنية فقد صح عن ام س¸ ¸¸لمة أن النيب رأى يف بيتها جارية يف
وجهها س¸¸فعة فق¸¸ال اس¸¸رتقوا هلا ف¸¸إن هبا النظ¸¸رة ق¸¸ال احلسني بن مس¸¸عود الف¸¸راء وقوله س¸¸فعه اي نظ¸¸رة يعين من اجلن
يقول هبا عني أصابتها من نظر اجلن أنفذ من أسنة الرماح " .
حقيقة العين :
اختلف الناس في حقيقة العين على مذاهب متعددة :
.1ف¸ ¸ ¸¸أبطلت طائفة أمر العني وق¸ ¸ ¸¸الوا إمنا ذلك أوه¸ ¸ ¸¸ام ال حقيقة هلا ،يق ول ابن القيم :وه¸ ¸ ¸¸ؤالء من أجهل الن ¸ ¸¸اس
بالسمع والعقل ومن أغلظهم حجابا وأكثفهم طباعا وأبعدهم معرفة عن االرواح والنفوس وصفاهتا وتأثرياهتا
.2وقالت طائفة إن العائن إذا تكيف نفسه بالكيفية الرديئة انبعث من عينه قوة مسية تتصل ب¸¸املعني فيتض¸¸رر ق¸¸الوا
وال يستنكر هذا كما ال يستنكر انبعاث قوة مسية من االفعى تتصل باإلنسان فيهلك .
.3وق¸¸الت فرقة أخ¸¸رى قد اج¸¸رى اهلل الع¸¸ادة خبلق ما يش¸¸اء من الض¸¸رر عند مقابلة عني الع¸¸ائن من غري أن يك¸¸ون
منه قوة وال سبب وال تأثري أصال وهذا مذهب منكري االسباب والتأثريات يف العامل
.4وق ال ابن القيم :إن ه¸¸ذا الت¸¸أثري بواس¸¸طة ت¸¸أثري األرواح ولش¸¸دة ارتباطها ب¸¸العني ينسب الفعل إليها وليست هي
الفاعلة وإمنا التأثري للروح واألرواح خمتلفة يف طبائعها وقواها وخواصها فروح احلاسد مؤذية للمحسود أذى بينا
وهلذا امر اهلل س ¸¸بحانه ورس ¸¸وله أن يس ¸¸تعيذ به من ش ¸¸ره وت ¸¸أثري احلاسد يف اذى احملس ¸¸ود أمر ال ينك ¸¸ره إال من هو
خ ¸¸ارج عن حقيقة اإلنس ¸¸انية وهو اصل اإلص ¸¸ابة ب ¸¸العني ف ¸¸إن النفس اخلبيثة احلاس ¸¸دة تتكيف بكيفية خبيثة وتقابل
احملسود فتؤثر فيه بتلك اخلاصية وأشبه األشياء هبذا األفعى فإن السم كامن فيها بالقوة فإذا ق¸¸ابلت ع¸¸دوها انبعث
منها ق¸¸وة غض¸¸يبة وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية فمنها ما تش¸¸تد كيفيتها وتق¸¸وى حىت ت¸¸ؤثر يف إس¸¸قاط اجلنني ومنها
ما ت¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ؤثر يف طمس البص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ركما ق¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ال النيب يف االبرت وذي الطفي¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸تني من احلي¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ات إهنما يلتمس ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ان البصر
ويس ¸¸قطان..ونفس الع ¸¸ائن ال يتوقف تأثريها علىالرؤية بل قد يك ¸¸ون أعمى فيوصف له الش ¸¸يء فت ¸¸ؤثر نفسه فيه
وإن مل يره .
أنواع العين :
العين نوعان :
-1العين المعجبة :
وهذه اليكاد يسلم منها أحد ،ألهنا تصدر بسبب اإلعج¸اب البس¸بب احلسد ومتين زوال النعمة ،وقد يعني اإلنس¸ان
نفسه أوول¸¸ده ،وهلذا ش¸¸رع التربيك إذا رأى اإلنس¸¸ان ما يعجبه ،كما ق¸¸ال تع¸¸اىل ":ول¸¸وال إذ دخلت جنتك قلت ما
شاء اهلل القوة إال باهلل "
وقال عليه الصالة والسالم " :إذا رأى أحدكم مايعجبه يف نفسه أو ولده فليربك "
34
ومن هذا النوع العني اليت أصابت سهل بن حنيف رضي اهلل عنه كما تقدم
ويف الس¸ ¸¸نن أن أمساء بنت عميس ق¸ ¸¸الت يا رس¸ ¸¸ول اهلل إن بين جعفر تص¸ ¸¸يبهم العني أفتس¸ ¸¸رتقي هلم ق ¸¸ال نعم فلو ك ¸¸ان
شيء يسبق القضاء لسبقته العني .
-2العين الحاسدة :
وهذه التصدر إال من ضعيف اإلميان ومن نفس خبيثة
والعاين واحلاسد يش¸رتكان يف أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه حنو من يريد أذاه فالع¸ائن تتكيف نفسه عند
مقابلة املعني ومعاينته واحلاسد حيصل له ذلك عند غيب احملسود وحضوره أيضا .
ويفرتقان يف أن العائن قد يصيب من ال حيسده من مجاد أو حيوان أو زرع أو مال .
وهذه العين أي العين الحاسدة قد تكون عارضة ،وقد تكون دائمة مع الشخص ،قال ابن القيم " :إذا ع¸¸رف
الرجل ب ¸¸األذى ب ¸¸العني س ¸¸اغ بل وجب حبسه وإف ¸¸راده عن الن ¸¸اس ويطعم ويس ¸¸قي حىت ميوت ذكر ذلك غري واحد
من الفقهاء وال ينبغي أن يكون يف ذلك خالف ألن هذا من نصيحة املسلمني ودفع األذى عنهم"
فإن مل يندفع أذاه بالسجن وظل يقذف بشره خارج السجن فلإلمام أن يقتله تعزيرا.
عالج العين :
ورد يف السنة النبوية أساليب متعددة لعالج العني ،نشري إىل شيء منها بشكل موجز :
أوالً :االستقامة على طاعة اهلل :
فإن الطاعة حتفظ العبد من الشرور واآلثام ،كما قال تعاىل " :إن اهلل يدافع عن الذي آمنوا إن اهلل الحيب كل خوان
كفور "
وقال " :إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيال "
وقال " :ذلك بأن اهلل موىل الذين آمنوا وأن الكافرين الموىل هلم "
ويف السنن عنه عليه الصالة والسالم يف وصيته البن عباس الوصية املشهورة " :احفظ اهلل حيفظك "
المحافظة على األوراد الشرعية :
فإهنا حصن حيمي اإلنسان من الشرور ،فمن التعوذات والرقي الواردة:
-قراءة المعوذتين ففي سنن النسائي عن عقبة عن عامر قال كنت أمشي مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وس¸لم ق¸ال
ياعقبة قل قلت ماذا أقول فسكت عين مث قال قل قلت م¸اذا أق¸ول يا رس¸ول اهلل ق¸ال قل أع¸وذ ب¸رب الفلق فقرأهتا حىت
أتيتها على آخرها مث قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عند ذلك ماسأل سائل مبثلها وال استعاذ مستعيذ مبثلها .
وعن أيب س¸¸عيد أن رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ك¸¸ان يتع¸¸وذ من أعني اجلان وأعني اإلنس¸¸ان فلما ن¸¸زلت املعوذت¸¸ان
أخذ هبما وترك ما سوامها رواه الرتمذي والنسائي وابن ماجة وقال الرتمذي حديث حسن
-وفاتحة الكتاب ،فقد قال عنها عليه الصالة والسالم " :وما يدريك أهنا رقية " متفق عليه
35
-وآية الكرسي ،ففي ص¸¸حيح البخ¸¸اري يف قصة أيب هري¸¸رة مع اجلين ال¸¸ذي ق¸¸ال له يف الليلة الثالثة " :إذا أويت إىل
فراشك ف¸¸اقرأ آية الكرسي فإنه الي¸¸زال عليك من اهلل حافظ وال يقربك ش¸¸يطان حىت تص¸¸بح " فق¸¸ال له النيب ص¸¸لى اهلل
عليه وسلم " :صدقك وهو كذوب ".
-وخواتيم سورة البقرة ،ففي الص¸¸حيح عنه عليه الص¸¸الة والس¸¸الم أنه ق¸¸ال " :من ق¸¸رأ اآلي¸¸تني األخ¸¸ريتني من س¸¸ورة
البقرة يف ليلة كفتاه " .
ومنها التعوذات النبوية نحو :
-اعوذ بكلمات اهلل التامات من شر ما خلق
-أعوذ بكلمات اهلل التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عني المة
-أع¸¸وذ بكلم¸¸ات اهلل التام¸¸ات اليت ال جياوزهن بر وال ف¸¸اجر من شر ما خلق وذرأ وب¸¸رأ ومن شر ما ي¸¸نزل من الس¸¸ماء
ومن شر ما يع¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رج فيها ومن شر ما ذرأ يف األرض ومن شر ما خيرج منها ومن شر فنت الليل والنه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ار ومن شر
طوارق الليل إال طارقا يطرق خبري يا رمحن
ثانياً :الرقية الشرعية لمن أصابته العين :
ففي الص¸ ¸ ¸¸حيح عنه عليه الص¸ ¸ ¸¸الة والس¸ ¸ ¸¸الم أنه ق¸ ¸ ¸¸ال " :الرقية إال من عني أو مُح ة " متفق عليه ،واملعىن :الرقية أوىل
وأفضل من رقية العني واحلمة ،واحلمة أي اللس ¸ ¸ ¸¸عة ،ومن ذلك رقية جربيل عليه الس ¸ ¸ ¸¸الم للنيب اليت رواها مس ¸ ¸¸لم يف
صحيحه :باسم اهلل أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس او عني حاسد اهلل يشفيك باسم اهلل ارقيك .
ورأى مجاعة من الس¸ ¸¸لف أن تكتب له اآلي¸ ¸¸ات من الق¸ ¸¸رآن مث يش¸ ¸¸رهبا ق¸ ¸¸ال جماهد ال ب¸ ¸¸أس ال ب¸ ¸¸أس أن يكتب الق¸ ¸¸رآن
ويغس¸¸له ويس¸¸قيه املريض ومثله عن أيب قالبة ،وي¸¸ذكر عن ابن عب¸¸اس أنه أمر أن يكتب الم¸¸رأة تعس¸¸رعليها والدها أثر
من الق ¸¸رآن مث يغسل وتس ¸¸قي وق ¸¸ال اي ¸¸وب رأيت أبا قالبة كتب كتابا من الق ¸¸رآن مث غس ¸¸له مباء وس ¸¸قاه رجال ك ¸¸ان به
وجع .
ثالثاً :التبيرك وقول :ما شاء اهلل :
فإذا كان العائن خيشى ضرر عينه وإصابتها للمعني فليدفع شرها بقوله اللهم ب¸ارك عليه كما ق¸¸ال النيب لع¸¸امر بن ربيعة
ملا عان سهل ابن حنيف أال بركت اي قلت اللهم بارك عليه .
ومما ي¸دفع به إص¸ابة العني ق¸ول ما ش¸اء اهلل ال ق¸وة إال باهلل روى هش¸ام بن ع¸روة عن أبيه أنه ك¸ان إذا رأى ش¸يئا يعجبه
أو دخل حائطا من حيطانه قال ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل .
رابعاً :أخذ أثر من العائن :
في ¸¸ؤمر الع¸ ¸¸ائن بغسل مغابنه وأطرافه وداخله إزاره ،كما أمر النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ع¸ ¸¸امراً ب¸ ¸¸ذلك ،واختلف يف
داخلة اإلزار فقيل :إنه فرجه وقيل :إنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده .
ويف احلديث " :وإذا استغسل أحدكم فليغتسل "
خامساً :ستر محاسن من يخاف عليه العين بما يردها عنه :
36
كما ذكر البغوي يف كتاب ش¸¸رح الس¸نة أن عثم¸¸ان رضي اهلل عنه رأى ص¸¸بيا مليحا فق¸¸ال دمسوا نونته لئال تص¸يبه العني
.
مث ق¸ال يف تفس¸¸ريه ومعىن دمسوا نونته أي س¸¸ودوا نونته والنونة النق¸رة اليت تك¸¸ون يف ذقن الصيب الص¸¸غري أراد س¸¸ودوا
ذلك املوضع من ذقنه لريد العني ،ومن هذا أخذ الشاعر قوله :
ـال إىل عيب يوقيه من العني ما كان أحوج ذا الكمـ
مسألة :هل القتل بالعين يوجب القصاص ؟
اختلف أهل العلم يف ذلك ،وس¸¸بب اختالفهم أن القتل ب¸¸العني أمر خفي فقد يك¸¸ون م¸¸وت املعي¸¸ون وقع اتفاق ¸اً وليس
بسبب العني ،وعلى أقل األحوال فاألمر حمتمل وليس مثت يقني .
وأصح األق¸ ¸ ¸¸وال يف املس¸ ¸ ¸¸ألة ما ذهب إليه مجع من حمققي أهل العلم منهم ش¸ ¸ ¸¸يخ اإلس¸ ¸ ¸¸الم ابن تيمية وابن القيم ،وهو
التفصيل بني ما إذا ك¸¸ان الع¸¸ائن قاص¸¸داً خمت¸¸اراً للقتل وهو يعلم أن عينه تقتل ،وبني من حص¸¸لت منه اجلناية ب¸العني من
غري قصد وال اختيار ،فاألوىل فيها القصاص دون الثانية .
يق ول ابن القيم رحمه اهلل ":إن ك¸ ¸¸ان ذلك بغري اختي¸ ¸¸اره بل غلب على نفسه مل يقتص منه وعليه الدية وإن تعمد
وق¸ ¸ ¸¸در على رده وعلم أنه يقتل به س¸ ¸ ¸¸اغ للوايل أن يقتله مبثل ما قتل به فيعينه إن ش¸ ¸ ¸¸اء كما ع¸ ¸ ¸¸ان هو املقت¸ ¸ ¸¸ول "
وس ¸¸ألت ش ¸¸يخنا أبا العب ¸¸اس ابن تيمية ق ¸¸دس اهلل روحه عن القتل باحلال هل ي ¸¸وجب القص ¸¸اص فق ¸¸ال لل ¸¸ويل أن يقتله
باحلال كما قتل به فإن قيل فما الفرق بني القتل هبذا وبني القتل بالسحر حيث توجبون القصاص به بالس¸¸يف قلنا
الف¸ ¸¸رق من وجهني أح¸ ¸¸دمها أن الس¸ ¸¸حر ال¸ ¸¸ذي يقتل به هو الس¸ ¸¸حر ال¸ ¸¸ذي يقتل مثله غالبا وال ريب أن ه ¸¸ذا كثري يف
السحر وفيه مقاالت وأبواب معروفة للقتل عند أربابه
مسالة :كيف نقتص من العائن ؟
فاملشروع يف القصاص كما سيأيت هو اللماثلة ،فهل ينسحب هذا احلكم على القتل بالعني أيضاً .
ف ¸¸ذهب بعض أهل العلم إىل أنه يقتل بالس ¸¸يف ،وه ¸¸ذا الق ¸¸ول ض ¸¸عيف ،والص ¸¸حيح أنه يقتل مبثل ما قتل به ما أمكن
ذلك ،فيؤتى بعائن مثله ويطلب منه أن يعينه ،وهذا اختيار ابن تيمية وابن القيم .
يق¸¸ول ش¸¸يخ اإلس¸¸الم ابن تيمية عن ال¸¸ويل والص¸¸ويف " :إذا قتال معص¸¸وماً حباهلما احملرمة ،فعليهما الق¸¸ود ،مبثل حاهلما ،
كقتل العائن بعني مثله "
37
ويكون ذلك إما بقصد العدوان عليه ،أو لقصد تأديبه فيسرف فيه ،كالضرب بالسوط والعصا واحلجر الصغري
والوكز باليد ،وسائر ماال يقتل غالباً إذا قتل ،فكل هذا شبه عمد ألنه قصد الضرب دون القتل.
ويسمى :عمد اخلطأ ،وخطأ العمد ،الجتماع العمد واخلطأ فيه ،فإنه َع ِمد االعتداء وأخطأ يف القتل ،قهذا القود
فيه ،وديته مغلظة
المطلب الثاني :أوجه الشبه واالختالف بينه وبين القتل العمد :
القتل شبه العمد يشبه القتل العمد من جهة ،وخيتلف عنه يف أمرين :
فهو يشبه القتل العمد من جهة أن اجلاين فيهما كليهما قصد العدوان .
وخيتلف عنه يف :
.1قصد القتل :ففي القتل العمد البد أن يقصد اجلاين القتل ،أما يف شبه العمد فيقصد جمرد االعتداء .
.2اآللة :فاآللة املستخدمة يف القتل العمد تقتل غالباً ،أما اآللة املستخدمة يف شبه العمد فهي التقتل غالباً .
ومن هذا يتبني أن الضابط يف التفرقة بني القتل العمد وشبه العمد هو اآللة ،ألن القصد أمر باطين الميكن أن يعلق
احلكم عليه .
المطلب الثالث :أوجه الشبه واالختالف بينه وبين القتل الخطأ :
القتل شبه العمد يشبه اخلطأ من جهة ،وخيتلف عنه يف أمرين :
فهو يشبه القتل اخلطأ من جهة أن اجلاين فيهما كليهما مل يقصد القتل .
وخيتلف عنه يف :
.1قصد االعتداء :فالبد يف القتل شبه العمد من قصد العدوان ،خبالف القتل اخلطأ .
.2اآللة :فاآللة املستخدمة يف القتل شبه العمد البد أن تكون غري قاتلة ،أما اآللة املستخدمة يف القتل اخلطأ
فقد تكون قاتلة كالبندقية يقتل هبا شخصاً خطًأ ،وقد تكون غري قاتلة .
المطلب الرابع :أمثلة لألداة في القتل شيه العمد :
-1قد يكون بغري أداة كاللطم ،والرفس واللكم اليسري يف غري مقتل ،والعض .
-2وقد يكون بأداة مادية كاحلجر الصغري والعصا .
-3وقد يكون بأثر نفسي ،كأن يشهر عليه سيفاً أو يصوب عليه بندقية دون أن يرميه ،فيموت رعباً ،أو يصيح
بغافل فيموت ،أو أن يدليه من شاهق أو يفزع امرأة حامالً .
-4وقد يكون اجلاين متسبباً كأن يطلب إنساناً بسيف وحنوه فيسقط وميوت .
-5وقد يكون بالرتك مثل من حيبس شخصاً مدة التقتل غالباً .
المطلب الخامس :الخالف فيه :
اختلف أهل العلم يف القتل شبه العمد على قولني :
القول األول :
38
وهو قول املالكية .
قالوا :إن القتل :إما عمد أو خطأ وليس مثت شبه عمد .
واملالكية جعلوا حاالت شبه العمد عمداً فأوجبوا فيها القصاص .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
الدليل األول :من القرآن :
ق ¸¸الوا :إن اهلل مل ي ¸¸ذكر يف كتابه إال العمد واخلطأ يف قوله تع ¸¸اىل " :وما ك ¸¸ان ملؤمن أن يقتل مؤمن ¸اً إال خطئ¸ ¸اً
..إىل أن قال سبحانه :ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم ¸"..فمن زاد قسماً ثالثاً فقد زاد على النص .
نوقش هذا االستدالل :
بأن القتل ش¸به العمد ثبت بالس¸نة يف أك¸ثر من ح¸ديث كما س¸يأيت يف أدلة الق¸ول الث¸اين ،والس¸نة وحي ك¸القرآن
،كما ق¸¸ال تع¸¸اىل " :وما آت¸¸اكم الرس¸¸ول فخ¸¸ذوه وما هناكم عنه ف¸¸انتهوا " وق¸¸ال عليه الص¸¸الة والس¸¸الم " :أال
وإين أوتيت القرآن ومثله معه "
دليلهم الثاني :من النظر :
قالوا :إن القاتل يف القتل شبه العمد قصد اجلناية فهو إذاً عمد.
نوقش :
بأنه وإن ك¸ ¸ ¸¸ان قد قصد اجلناية فهو مل يقصد القتل ،فهو يش¸ ¸ ¸¸به العمد من ناحية قصد اجلناية ويش ¸ ¸¸به اخلطأ من
ناحية أنه مل يقصد القتل ،فليس إحلاقة بأي النوعني بأوىل من اآلخر .
القول الثاني :
وذهب مجهور أهل العلم من األحناف والشافعية واحلنابلة إىل إثبات القتل شبه العمد .
واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :
الدليل األول :
عن أيب هرية رضي اهلل عنه قال :اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحدامها األخرى حبجر فقتلتها وما يف بطنها
فاختص¸¸موا إىل رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم فقضى أن دية جنينها غ¸¸رة عبد أو ولي¸¸دة وقضى بدية املرأة
على عاقلتها متفق عليه .
غرة عبد :أي قيمة عبد وهي مخس من اإلبل
عاقلتها :أي عصبتها
ووجه الداللة من هذا الحديث :
أوالً :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أوجب فيه الدية ،ولو كان عمداً كما يقول املالكية لذكر القصاص .
ثانياً :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى بدية املرأة على عاقلتها ،والعاقلة الحتمل عمداً بإمجاع العلماء .
39
الدليل الثاني :
عن عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن أبيه عن ج¸¸ده أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم ق¸¸ال " :عقل ش¸¸به العمد مغلظ مثل
عقل العمد وال يقتل صاحبه " رواه أمحد وأبو داود
عقل :أي دية
وهويدل على القتل شبه العمد من عدة أوجه :
الوجه األول :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مساه شبه عمد ومل يسمه عمداً وال خطًأ .
الوجه الثاني :أنه بني أن ديته مغلظة مثل دية العمد فدل على أنه قسم ثالث غري العمد .
الوجه الثالث :أنه قال "واليقتل صاحبه " والقتل العمد يقتل صاحبه باإلمجاع .
المبحث الثالث
القتل الخطأ
المطلب األول :تعريفه :
القتل الخطأ :أن يفعل ما له فعله فيصيب آدمياً معصوماً مل يقصده فيقتله .
المطلب الثاني :أدلته :
قوله تعاىل { :وما كان ملؤمن أن يقتل مؤمناً إال خطئاً } اآلية
40
ومن الس نة :عن حمم ¸ ¸¸ود بن لبيد ق ¸ ¸¸ال { :اختلفت س ¸ ¸¸يوف املس ¸ ¸¸لمني على اليم ¸ ¸¸ان أيب حذيفة ي¸ ¸¸وم أحد وال
يعرفونه فقتل ¸¸وه ف ¸¸أراد رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم أن يديه فتص ¸¸دق حذيفة بديته على املس ¸¸لمني } .رواه
أمحد
وقد أمجعت األمة على ثبوت القتل اخلطأ من حيث اجلملة .
المطلب الثالث :أنواع القتل الخطأ :
بعض الفقهاء -كاألحناف – يقسمون القتل اخلطأ إىل قسمني :
أ -قتل خطأ حمض .
ب – قتل يف معىن القتل اخلطأ ،أي جيري جمرى اخلطأ .
فالخطأ المحض هو ما قصد فيه اجلاين الفعل دون الشخص ،ولكنه أخطأ يف فعله أو يف ظنه .
فمثال الخطأ في الفعل :أن يرمي صيداً فيخطئه ويصيب آدمياً .
قال ابن المنذر :أمجع أهل العلم على أن هذا من اخلطأ .
ومث ال الخطأ في الظن :أن ي¸ ¸¸رمي شخص ¸ ¸اً على ظن أنه مه¸ ¸¸در ال¸ ¸¸دم ف¸ ¸¸إذا هو معص¸ ¸¸وم¸ ،أو ي¸ ¸¸رمي ما حيس ¸¸به
حيواناً فإذا هو معصوم¸ ،ومن هذا النوع أيضاً :أن يقتل مسلماً يف دار احلرب يظن أنه كافر .
والخطأ الذي يجري مجرى الخطأ هو م¸¸اال قصد فيه إىل الفعل وال إىل الش¸¸خص .وه¸¸ذا قد يك¸¸ون مباش¸¸رة أو
تس ¸¸بباً ،ف ¸¸األول كالن ¸¸ائم ينقلب على طفل جبواره فيقتله ،والث ¸¸اين كمن حيفر ب ¸¸ئراً ،أو ي ¸¸رتك حائطه املائل دون
إصالح ،أو يريق ماءً يف الطريق فيموت بذلك معصوم¸ .
ومما سبق يتبني أن القتل اخلطأ ينقسم باعتبارات خمتلفة :
-فقد يكون خطأ حمضاً
-وقد يكون مما جيري جمرى اخلطأ احملض .
-وقد يكون مباشرة .
-وقد يكون تسبباً
-وقد يكون فعالً كما سبق .
-وقد يكون تركاً مثل أن يرتك كلباً عقوراً فيقتل معصوماً¸ .
-وقد يكون بوسيلة :أ -مادية كما سبق .
ب – أو معنوية كما لو صاح حبيوان ففزع غافل فمات .
المطلب الرابع :مسائل في القتل الخطأ :
المسألة األولى :عمد الصبي والمجنون خطأ :
واألدلة على ذلك :
41
.1قوله عليه الص¸ ¸¸الة والس¸ ¸¸الم " :رفع القلم عن ثالثة عن الن¸ ¸¸ائم حىت يس¸ ¸¸تيقظ ،وعن اجملن¸ ¸¸ون حىت يفيق
وعن الصيب حىت يبلغ " .
.2اإلمجاع :فقد ق¸ ¸ ¸¸ال ابن قدامه " :ال خالف بني أهل العلم يف أنه ال قص ¸ ¸¸اص على صيب وال جمن ¸ ¸¸ون ،
وكذلك كل زائل العقل بسبب يعذر فيه كالنائم واملغمى عليه " .
.3وألهنم ليس هلم قصد صحيح .
المس ألة الثانية :ليس كل قتل خطأ يتس بب به اإلنس ان يتحمل مس ئوليته ،فالقتل الخطأ ال ي ترتب عليه
أثره وال يتحمل اإلنسان مسئوليته إال إذا فرط أو تعدى :
والتفريط هو أن يرتك أمراً كان عليه فعله شرعاً أو عرفاً .
والتعدي أن يفعل حمظوراً حيرم عليه إتيانه شرعاً أو عرفاً .
هذا هو األصل العام يف هذا الباب .وهاهنا قاعدتان تبينان هذه املسألة :
القاع دة األولى :إذا ك¸ ¸ ¸¸ان الفعل غري م¸ ¸ ¸¸أذون فيه ش¸ ¸ ¸¸رعاً وأت¸ ¸ ¸¸اه الفاعل دون ض¸ ¸ ¸¸رورة ملجئة فهو تعد من غري
ضرورة وما تولد منه يسأل عنه الفاعل سواء أكان مما ميكن التحرز عنه أو ال ميكن .
القاعدة الثانية :كل ما يلحق ض¸رراً ب¸الغري يس¸أل عنه فاعله أو املتس¸بب فيه إذا ك¸ان ميكن التح¸رز منه ،ويعترب
أنه حترز إذا مل يهمل أو يفرط يف االحتياط والتبصر فإذا كان ال ميكن التحرز إطالقاً فال مسؤوليته .
42
ذلك قوله ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم " :والعجم¸ ¸¸اء جب¸ ¸¸ار " أي نفخ الدابة برجلها جب¸ ¸¸ار ال مس ¸¸ؤولية يف
حقه ،ويق ¸ ¸¸اس على ذلك ما تقضي به عامة األنظمة الوض ¸ ¸¸عية من أن احلوادث اليت تلحق الس ¸ ¸¸يارة من
املؤخرة يتحملها قائد السيارة اخللفية ،وهذا موافق للرأي الشرعي .
.4من أوقف سيارته يف مكان ممنوع فتسبب يف مقتل إنسان فإن صاحب السيارة يتحمل مسؤولة ذلك ،
أما لو أوقفها يف مكان مسموح فال مسؤولية عليه .
.5من أح¸¸دث ش¸¸يئاً غري م¸¸أذون له به كمن أخ¸¸رج جناح¸اً أو ش¸¸رفه فع¸¸ثر به ع¸¸اثر فم¸¸ات ،أو رش م¸¸اء يف
الطريق فزلق به إنس¸¸ان فم¸¸ات فعليه املس¸¸ؤولية ،وك¸¸ذا لو قصر يف إزالة ش¸¸يء جيب عليه إزالته فوقع فيه
إنسان فم¸¸ات فعليه الض¸مان ،مثل أن يقصر يف إزالة الثلج من عتبة داره إذا ك¸ان النظ¸ام يلزمه ب¸ذلك ،
أو يكون جداره مائالً فيتمادى يف إصالحه ،أو تكون أسالك الكهرباء مكشوفة وحنو ذلك .
.6إذا اعرتضه وهو يقود سيارته شخص فمات ،فينظر :
أ -إن ك ¸¸ان قائد الس ¸¸يارة متع ¸¸دياً أو مقص ¸¸راً يف قيادته للس ¸¸يارة فعليه الض ¸¸مان مطلق ¸اً ،مثل أن يق ¸¸ود
السيارة من غري تصريح ،أو يكون مسرعاً يف قيادته ،أو كانت مكابح السيارة ضعيفة .
ب -فإن كان يقود السيارة بصورة نظامية ،فإن كان اعرتاض القتيل بعي¸داً حبيث يتمكن القائد من
إيقاف السيارة فلم يوقفها فعليه املسؤولية .
ج -أما أن كانت املسافة يسرية ال يتمكن من إيقاف السيارة فليس عليه املسؤولية .
.7إذا انقلبت س ¸ ¸¸يارة بركاهبا فهلك ¸ ¸¸وا فعلى قائد الس ¸ ¸¸يارة املس ¸ ¸¸ؤولية إن ك ¸ ¸¸ان قد ف ¸ ¸¸رط -مثل أن تك¸ ¸¸ون
اإلطارات قدمية ، -أو تعدى مثل أن يكون مسرعاً ،فإن مل يكن كذلك فليس عليه مسؤولية .
الفصل الثاني
العقوبات المقدرة على الجناية على النفس
المبحث األول
العقوبات المقدرة على القتل العمد
وهذه العقوبات هي :
القصاص .1
الدية .2
الكفارة -على رأي بعض الفقهاء - .3
التعزيز .4
43
.5احلرمان من الوصية
.6احلرمان من املرياث .
أوالً
القصاص
المطلب األول :الحكمة من مشروعية القصاص :
شرع اهلل القصاص حلكم عظيمة ومقاصد سامية ومن أهم حكم القصاص :
.1محاية اجملتمع ¸¸ات من اجلرمية ،وردع كل من تس ¸¸ول له نفسه االعت ¸¸داء على اآلخ ¸¸رين وهلذا ق ¸¸ال اهلل تع ¸¸اىل:
{ ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب } .
.2حتقيق الع ¸¸دل واالنتص ¸¸ار للمظل ¸¸وم ،بتمكني ورثة القتيل من أن يفعل ¸¸وا بالقاتل مثل ما فعل مبورثهم .وهلذا
ق ¸¸ال تع ¸¸اىل { :ومن قتل مظلوم ¸اً فقد جعلنا لولية س ¸¸لطاناً فال يس ¸¸رف يف القتل } وق ¸¸ال { :فمن اعت ¸¸دى
عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم } .
.3التوبة على القاتل ،وتطه ¸¸ريه من ال ¸¸ذنب ال ¸¸ذي اقرتفه ،ف ¸¸إن القص ¸¸اص واحلدود عامة كف ¸¸ارة ألهلها وإن مل
يتوب ¸¸وا من ال ¸¸ذنب ،ففي الص ¸¸حيحني عن عب ¸¸ادة أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال " :ب ¸¸ايعوين على أال
تشركوا باهلل شيئاً وال تسرقوا وال تزنوا وال تقتلوا أوالدكم وال تأتوا ببهت¸¸ان تفرتونه بني أي¸¸ديكم وأرجلكم
وال تعصوا يف معروف ،فمن وىف منكم ف¸أجره على اهلل ومن أص¸¸اب من ذلك ش¸يئاً فع¸وقب به فهو كف¸¸ارة
،ومن أصاب من ذلك شيئاً مث سرته اهلل فهو إىل اهلل إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه .
وقد توقف بعض أهل العلم حلديث أيب هريرة أن النيب صلى هلل عليه وسلم قال " :ال أدري هل احلدود كفارة
ألهلها أم ال " .أخرجه احلاكم بإسناد صحيح كما قال ابن حجر .
واجلمع بينهما -كما ق ¸¸ال القاضي عي ¸¸اض (( : -أن يك ¸¸ون ح¸¸ديث أيب هري ¸¸رة ورد أوالً قبل أن يعلمه اهلل مث
أعلمه بعد ذلك ))
ورجح ذلك ابن حجر أيض¸ ¸اً وق¸ ¸¸ال (( :إن املباعية املذكورة يف ح¸ ¸¸ديث عب¸ ¸¸ادة إمنا ك¸ ¸¸انت بعد الفتح أي بعد
نزول آية املمتحنة أما حديث أيب هريرة فقد كان قبل ذلك ))
ومما يؤيد ذلك ما روى الرتم¸¸ذي عن علي أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال " :من أص¸¸اب ذنب¸اً فع¸¸وقب به يف
الدنيا فاهلل أكرم من أن يثين العقوبة على عبده يف اآلخرة ".
والبن حب¸¸ان يف ص¸¸حيحه مرفوع ¸اً إىل النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال " :الس¸¸يف حماء للخطايا " .وعن عائشة
مرفوعاً " :ال مير القتل بذنب إال حماه " رواه البزار .
44
ويف ه ¸¸ذه األدلة رد على من يصم الش ¸¸ريعة اإلس ¸¸المية بأهنا تع ¸¸ارض حق¸ ¸¸وق اإلنس¸ ¸¸ان ف ¸¸إن إقامة القص ¸¸اص على
القاتل فيه مص¸¸لحة له أيض¸اً ،لكن الف¸¸ارق أن الق¸¸وانني الوض¸¸عية إمنا تنظر إىل املص¸¸لحة النيوية فقط ،أما الش¸¸ريعة
فتنظر إىل املصلحتني الدنيوية واألخروية .
المطلب الثالث
شروط وجوب القصاص
يشترط لوجوب القصاص أربعة شروط :
الشرط األول :أن تكون اجلناية عمداً حمضاً :
فخرج بذلك شبه العمد واخلطأ .
قال ابن قدامة (( :أمجع العلماء على أن القود ال جيب إال يف العمد )) .
الشرط الثاني :عصمة المقتول :
فإن كان مهدر الدم كاحلريب واملرتد والزاين احملصن فال قصاص على القاتل سواءً أكان مسلماً أو ذمياً .
45
والدليل :أن القص¸¸اص إمنا ش¸¸رع حفظ¸اً لل¸¸دماء املعص¸¸ومة ،وزج¸¸راً عن إتالف البنية املطل¸¸وب بقاؤها ،وذلك
مع¸ ¸¸دوم يف غري املعص ¸ ¸¸وم ،فالقتل يف ه ¸ ¸¸ذه احلالة ص ¸ ¸¸ادف حمله ألن القتيل متحتم القتل ،لكن ليعلم أن س¸ ¸¸قوط
غير
القاتل ُ
َ القص¸¸اص عنه ال يعفيه من التعزير ،فلإلم¸¸ام أن يع¸¸زره مبا ي¸¸راه رادع¸اً له وألمثاله .مسألة :إذا قتل
ولي الدم فهل يقتص منه أم ال ؟
آخر ،فيأيت أجنيب فيقتص من القاتل بغري إذن .
وصورة ذلك أن يقتل شخص َ
اختلف أهل العلم في ذلك على قولين :
القول األول :
أنه يقتص منه وهذا قول اجلمهور ،
وأدلتهم :
.1أن املقت¸¸ول مل يتحتم قتله ،الحتم¸¸ال عفو أحد األولي¸¸اء عن القص¸¸اص ،فيك¸¸ون قتله يف غري حمله ،ألن من
شرط القصاص اتفاق األولياء على األخذ به .
.2أن دمه مستحق ألولياء القتيل األول فلم يبح دمه لغ¸¸ريهم ،وهو ش¸يء يس¸تحقونه على س¸بيل املعاوضة أي
عوضاً عن قتيلهم ،فهذا كما لو كان عليه دين واستوفاه غريه فإن الدائن ال ينتفع بذلك .
القول الثاني :
أنه ال قصاص على القاتل الثاين ،وهو مروي عن قتادة ،
وحجته :
-القياس على قتل الزاين احملصن واملرتد ،جبامع أن القتيل يف كل منهما مباح الدم
ويرد هذا القياس بأنه قياس مع الفارق ألن الزاين واملرتد وحنوهم متحتم قتلهم خبالف القاتل فإنه غري متحتم .
مسألة :لو طلب أولياء القتيل األول بالدية فهل لهم ذلك ؟
في هذه المسألة خالف :
فالش افعية والحنابلة ي¸¸رون أهنم يس¸¸تحقون الدية ألن ال¸¸واجب يف القتل أحد ش¸¸يئني :القص¸¸اص أو الدية ،ف¸¸إذا
تعذر أحدمها لفوات حمله وجب اآلخر .
وقال األحناف :ليس للورثة حق الدية لفوات احملل .
وقال المالكية :من قتل رجالً فعدا عليه أجنيب فقتله عمداً ،فدمه ألولياء القتيل األول ،ويقال ألولي¸¸اء القتيل
الث ¸¸اين :أرض ¸¸وا أولي ¸¸اء القتيل األول وش ¸¸أنكم بقاتل وليكم يف العفو أو القتل ،ف ¸¸إن مل يرض ¸¸وهم فألولي ¸¸اء القتيل
األول قتله أو العفو عنه .
والراجح هو قول املالكية ملا فيه من العدل حيث مل جيتمع على ش¸¸خص واحد عقوبت¸¸ان ومل يه¸¸در حق أي منهم
.
46
الشرط الثالث :التكليف :
فال قصاص على جمنون أو صيب ،وقد تقدمت أدلة ذلك .
الشرط الرابع :التكافؤ بين المقتول وقاتله حال الجناية :
ومعىن التك¸¸افؤ أن يتس¸¸اوى اجلاين واجملين عليه يف ال¸¸دين واحلرية أو ال¸¸رق ،فيقتل احلر املس¸¸لم ب¸¸احلر املس¸¸لم ذك¸¸راً
كان أو أنثى .
47
.3وألن الذمي معصوم الدم عصمة مؤبدة فيقتل به قاتله كاملسلم .
والراجح القول األول لقوة أدلتها وصراحتها ،أما ما استدل به أصحاب القول الثاين فيجاب عنه مبا يلي :
أ -أما العمومات فهي خمصوصة بأحاديث الفريق األول .
ب -أما ح¸¸ديث ابن البيلم¸¸اين فهو ض¸¸عيف ج¸¸داً ،ق¸¸ال اإلم¸¸ام أمحد :ليس له إس¸¸ناد .وق¸¸ال ال¸¸دارقطين :يرويه
ابن البيلماين وهو ضعيف إذا أسند فكيف إذا أرسل .
ج – أما كون الذمي معصوماً¸ فال يلزم منه مكافأته للمسلم ،وقياسه على املسلم غري صحيح ألمرين :
األول :أنه قياس يف مقابلة النص فهو قياس فاسد االعتبار .
الث ¸¸اين :أن قي ¸¸اس ال ¸¸ذمي على املس ¸¸لم ليس أوىل من قياسه على احلريب بل إن قياسه على احلريب أق ¸¸رب جبامع أن
كليهما كافر خملد يف النار .
فائ دة :يقتل ال¸ ¸¸ذمي بال¸ ¸¸ذمي س¸ ¸¸واءً اتفقت أدي¸ ¸¸اهنم أو اختلفت ،فيقتل النص¸ ¸¸راين ب¸ ¸¸اليهودي واجملوسي ،ألهنم
متكافئون يف العصمة بالذمة ونقيصة الكفر فجرى جمرى القصاص بينهما كما لو تساوى دينهما .
48
ثانياً :ما روى علي رضي اهلل عنه أنه قال (( :من الس¸¸نة أال يقتل حر بعبد )) وقوله من الس¸¸نة أي س¸¸نة النيب
ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ،فه ¸¸ذا له حكم الرفع ،وعن ابن عب ¸¸اس رضي اهلل عنهما أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم
قال " :ال يقتل حر بعبد " رواه الدارقطين .
نوقش هذا االستدالل بما يلي :
ب¸ ¸¸أن ه¸ ¸ ¸¸ذه األح¸ ¸ ¸¸اديث ض¸ ¸ ¸¸عيفة ال تنهض لالحتج¸ ¸ ¸¸اج هبا ،أما ح¸ ¸ ¸¸ديث علي ففيه ج¸ ¸ ¸¸ابر اجلعفي وهو م¸ ¸¸رتوك ،
وحديث ابن عباس فيه جويرب وغريه من املرتوكني ،قاله ابن حجر يف تلخيص احلبري .
ثالث اً :اإلمجاع على أن احلر ال يقطع طرفه بط¸¸رف العبد مع التس¸¸اوي يف الس¸¸المة فيق¸¸اس على ذلك قتل النفس
.
ويناقش هذا االستدالل بما يلي :
بعد التس¸¸ليم بص¸¸حة اإلمجاع فقد روي عن ابن أيب ليلى أن القص¸¸اص واجب بني احلر والعبد يف مجيع اجلراح¸¸ات
اليت نستطيع فيها القصاص .
رابعاً :أن العبد ال يكافئ احلر فإنه منقوص بالرق ،بدليل أن دية احلر كاملة ،أما دية العبد ففي قيمته .
ويناقش هذا االستدالل من وجهين :
أ -أن هذا قياس يف مقابلة النص فهو فاسد االعتبار .
ب – أن دية املرأة على النصف من دية الرجل ومع ذلك فإنه يقتل هبا .
49
ثانياً :قوله تعاىل { :ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب } فأخرب تعاىل أنه وجب القصاص ألن فيه حياة
لنا ،وذلك شامل للحر والعبد ألن صفة أويل األلب¸اب تش¸ملهم مجيع¸اً ،ف¸إذا ك¸انت العلة موج¸¸ودة يف اجلميع مل
جيز االقتصار حبكمها على بعض دون بعض .
ثالث اً :ما روى احلسن عن مسرة أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال " :من قتل عب ¸¸ده قتلن ¸¸اه ،ومن جدعه -
أي قطع أنفه -جدعناه " .
رواه أمحد والرتمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
نوقش هذا الدليل من وجهين :
أ – ب¸ ¸ ¸¸أن احلديث ض¸ ¸ ¸¸عيف ألن احلسن مل يس¸ ¸ ¸¸مع من مسرة إال ثالثة أح¸ ¸ ¸¸اديث و ليس ه¸ ¸ ¸¸ذا منها ،فهو ح¸ ¸¸ديث
منقطع ومما يؤيد ذلك أن احلسن كان يفيت خبالفه فإنه يقول (( :ال يقتل احلر بعبد )) .
ويجاب عن هذا :ب¸أن رواية احلسن عن مسرة خمتلف فيها ،وقد ق¸ال علي بن املديين :إن مساعه منه ص¸¸حيح ،
واحلديث حسنه الرتمذي .
ب – ق ¸¸ال ابن القيم (( :إن ك ¸¸ان ح ¸¸ديث احلسن عن مسرة حمفوظ¸ ¸اً وقد مسعه احلسن منه ك ¸¸ان قتله تعزي ¸¸راً إىل
اإلمام حبسب ما يراه من املصلحة )) .
ويجاب عن ذلك :ب¸¸أن ه¸¸ذا خالف ظ¸¸اهر احلديث ف¸¸إن ظ¸¸اهره أن قتله قص¸¸اص ال تعزير ب¸¸دليل قوله " :ومن
جدع جدعناه " وزاد النسائي يف روايته " زمن خصى عبده خصيناه " .
رابعاً :وألن العبد آدمي معصوم¸ فيقتل باحلر كقتل احلر باحلر .
50
.3ما روى عم ¸ ¸¸رو بن ش ¸ ¸¸عيب عن أبيه عن ج ¸ ¸¸ده أن أبا بكر وعمر رضي اهلل عنهما أهنما ق¸ ¸¸اال :من قتل
عبده جلد مئة وحرم سهمه من املسلمني .ويف رواية أهنما كانا ال يقتالن احلر بالعبد .
ويجاب عن ذلك :بأن هذا األثر على فرض ثبوته خمالف للنصوص الواردة يف قتل النفس بالنفس مطلقاً .
ومع إمجاع العلم ¸¸اء على أن الرجل يقتل ب ¸¸املرأة إال أهنم اختلف ¸¸وا ف ¸¸روي عن علي أنه ق ¸¸ال (( يقتل الرجل ب ¸¸املرأة
ويعطى أولياؤه نصف الدية )) .وروي مثل ذلك عن احلسن وعطاء .
وعامة أهل العلم على أن ال ¸¸واجب القص ¸¸اص فقط وهو الص ¸¸حيح لألدلة املتقدمة ،وألن اختالف األب ¸¸دال ( أي
الديات ) ال عربة به يف القصاص بدليل أن اجلماعة يقتلون بالواحد ،ويقتل العبد بالعبد مع اختالف قيمتهما .
مسألة :ال يش¸¸رتط يف القص¸¸اص املماثلة يف الص¸¸فات والفض¸¸ائل ،قال ابن قدامة (( :وأمجع أهل العلم على أن
احلر املس¸ ¸¸لم يق ¸ ¸¸اد به قاتله وإن ك¸ ¸¸ان جمدع األط¸ ¸¸راف مع ¸ ¸¸دوم احلواس ،والقاتل ص¸ ¸¸حيح س¸ ¸¸وي اخللق أو ك¸ ¸¸ان
ب¸العكس وك¸¸ذلك إن تفاوتا يف العلم والش¸¸رف والغىن والفقر والص¸حة واملرض والق¸وة والض¸¸عف والكرب والص¸¸غر
51
وحنو ذلك ال مينع القصاص باالتفاق وقد دلت عليه العمومات اليت تلوناها وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم " :
املؤمن ¸¸ون تتكافأ دم ¸¸اؤهم " وألن اعتب ¸¸ار التس ¸¸اوي يف الص ¸¸فات والفض ¸¸ائل يفضي إىل إس ¸¸قاط القص ¸¸اص بالكلية
وفوات حكمة الردع والزجر " انتهى كالمه رمحه اهلل .
قاعدة :المعتبر في المكافئة في القصاص هو حال وقوع الجناية الحال زهوق الروح ،أما المعتبر في
الدية فهو حال استقرار الجناية أي حال زهوق الروح .
وبناء عليه :
لو قتل ذمي ذمياً أو جرحه مث أس¸لم اجلارح وم¸¸ات اجملروح ،أو قتل عبد عب¸¸داً أو جرحه مث عتق القاتل أو -1
اجلارح وم ¸ ¸¸ات اجملروح ،وجب القص ¸ ¸¸اص ألهنما متكافئ ¸ ¸¸ان ح ¸ ¸¸ال اجلناية ،وألن القص ¸ ¸¸اص قد وجب فال
يسقط مبا طرأ .
¸لم ك¸¸افراً وأس¸¸لم اجملروح مث م¸¸ات مس¸¸لماً ب¸¸ذلك اجلرح مل يقتل به قاتله لع¸¸دم التك¸¸افؤ ح¸¸الولو ج¸¸رح مس¸ ٌ -2
اجلناية ،ولكن عليه دية مس¸ ¸¸لم ،ألن اعتب¸ ¸¸ار األرش حبال اس¸ ¸¸تقرار اجلناية ،ب¸ ¸¸دليل ما لو قطع ي¸ ¸¸دي رجل
ورجليه فسرى إىل نفسه ففيه دية واحدة ،ولو اعتربنا حال اجلناية لكان فيه ديتا نفس .
لو جرح صيب معصوماً مث مات بعد بلوغ الصيب فال قصاص ألن املعترب هو حال اجلناية . -3
جين على ولو قطع مس¸ ¸¸لم أو ذمي يد مرتد أو ح¸ ¸¸ريب فأس¸ ¸¸لم مث م¸ ¸¸ات فال ش¸ ¸¸يء على الق¸ ¸¸اطع ألنه مل -4
معصوم¸ ،فتصرفه مأذون فيه شرعاً .
المطلب الرابع
موانع القصاص
املانع هو :ما يلزم من وجوده العدم ،وال يلزم من عدمه وجود وال عدم لذاته .
والموانع التي سندرسها في هذا المطلب خمسة :
المانع األول :األبوة :
اختلف أهل العلم يف وجوب القصاص من الوالد لولده على ثالثة أقوال :
القول األول :
أن الوالد ( سواءً كان أباً أو أماً ) ال يقتل بولده وإن سفل ،وسواء يف ذلك أوالد البنني وأوالد البنات .
وهذا مذهب اجلمهور من احلنفية ولشافعية واحلنابلة .
واستدلوا بما يلي :
الدليل األول :ما روى عمر بن اخلط¸¸اب عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال " :ال يق¸¸اد الوالد بالولد " رواه
أمحد والرتم ¸¸ذي وابن ماجه ،وص ¸¸ححه ابن اجلارود وال ¸¸بيهقي وق ¸¸ال ابن عبد الرب (( :هو ح ¸¸ديث مش ¸¸هور عند
52
أهل العلم باحلج ¸¸از والع ¸¸راق مس ¸¸تفيض عن ¸¸دهم يس ¸¸تغىن بش ¸¸هرته وقبوله والعمل به عن اإلس ¸¸ناد فيه حىت يك ¸¸ون
اإلسناد يف مثله مع شهرته تكلفاً )) .
نوقش :
ب ¸¸أن احلديث ض ¸¸عيف ،فقد ض ¸¸عفه الرتم ¸¸ذي ،وق ¸¸ال عبد احلق االش ¸¸بيلي (( :ه ¸¸ذه األح ¸¸اديث كلها معلومة ال
يصح منها شيء )) .
وكون احلديث مشهوراً ال يلزم صحته فكم من حديث متداول يف كتب أهل العلم وهو ضعيف .
الدليل الثاني :ما روى ابن ماجه عن جابر رضي اهلل عنه أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال (( :أنت ومالك
ألبيك )) وقضية هذه اإلض¸¸افة متليكه إي¸¸اه ،ف¸¸إذا مل تثبت حقيقة امللكية تثبت اإلض¸¸افه ش¸¸بهة يف درء القص¸¸اص ،
ألن القصاص يدرأ بالشبهات .
الدليل الثالث :وألنه سبب إجياده فال ينبغي أن يكون الولد سبب إعدامه .
نوقش :
ب ¸¸أن الولد ليس هو س ¸¸بب اإلع ¸¸دام ،وإمنا ارتك ¸¸اب اجلرمية هو س ¸¸بب اإلع ¸¸دام ،وأيض ¸اً ف ¸¸إن األب إذا زىن بابنته
رجم اتفاقاً ،فتكون سبب إعدامه .
القول الثاني :
أن الوالد يقتل بولده مطلقاً ،وهذا رأي ابن نافع وابن عبد احلكم وابن املنذر .
وحجتهم :
عم ¸ ¸¸وم النص ¸ ¸¸وص املوجبة للقص ¸ ¸¸اص ،وألهنما مس ¸ ¸¸لمان من أهل القص ¸ ¸¸اص ف ¸ ¸¸وجب أن يقتل كل واحد منهما
بصاحبه كاألجنبيني .
القول الثالث :
ي¸¸رى اإلم¸¸ام مالك أن الوالد يقتل بول¸¸ده إذا انتفت الش¸¸بهة يف أنه أراد تأديبه ،أي إذا ثبت ثبوت ¸اً قاطع ¸اً أنه أراد
قتله ،فلو أض¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸جعه فذحبه أو شق بطنه أو قطع أعض¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اءه فقد حتقق أنه أراد قتله ،وانتفت ش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸بهة أنه أراد من
ولو بس¸¸يف أو حذفه حبدي¸¸دة أو ما الفعل تأديبه ،ومن مث يقتل به ،أما إذا ض¸¸ربه ض¸¸رباً مؤدب ¸اً أو حذفه
أشبه ذلك فقتله فال يقتص منه ،ألن ش¸¸فقة الوالد على ول¸¸ده وطبيعة حبه له ت¸¸دعو دائم¸اً إىل الشك يف أنه قصد
قتله ،وهذا الشك يكفي لدرء احلد عنه .
وال¸¸راجح -واهلل أعلم – هو الق¸¸ول الث¸¸اين لق¸¸وة أدلته ،وأما تفرقة املالكية فال دليل عليها .وأما أدلة اجلمه¸¸ور
فهي ضعيفة كما تقدم .
53
مس ألة :يقتل الولد بكل واحد من األب¸ ¸¸وين يف ق¸ ¸¸ول عامة أهل العلم ،لعم¸ ¸¸وم النص¸ ¸¸وص ،وألن األب أعظم
حرمة من األجنيب فإذا قتل باألجنيب فباألب أوىل .
مس ألة :ق ال أهل العلم :مىت ورث قاتل أو ول ¸¸ده بعض دمه ،فال قص ¸¸اص ،فلو قتل أخا زوجته فورثته ،مث
م¸¸اتت فورثها القاتل أو ول¸¸ده فال قص¸¸اص ألنه ال يتبعض ،وك¸¸ذا لو قتلت أخا زوجها فص¸¸ار القص¸¸اص أو ج¸¸زء
منه البنها س ¸¸قط القص ¸¸اص ،ولو قتل أحد ال ¸¸زوجني ص ¸¸احبه وهلما ولد مل جيب القص ¸¸اص ألنه لو وجب وجب
لولده ،وال جيب لولد قصاص على أبيه .
وعلى ما س¸ ¸¸بق ترجيحه فإنه يقتص من الوالد لول ¸ ¸¸ده ،أما إن ورث القاتل ال¸ ¸¸دم فال قص¸ ¸¸اص ألن القص ¸ ¸¸اص ال
يتبعض .
54
ثالث اً :أن القص ¸¸اص لو س ¸¸قط باالش ¸¸رتاك فإنه ي ¸¸ؤدي إىل اختاذه ذريعة إىل القتل ومن مث األمن من االقتص ¸¸اص ،
فكان قتل اجلماعة للواحد مناسباً للحكمة من مشروعية القصاص ،وسداً لذريعة انتشار القتل .
القول الثاني :
أن اجلماعة ال تقتل بالواحد ،وإمنا جتب عليهم دية واح¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دة وه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذا رأي ابن الزبري والزه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ري وابن س ¸ ¸ ¸ ¸¸ريين
والظاهرية وهو رواية عن اإلمام أمحد .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
أوالً :قوله تع ¸¸اىل { :يا أيها ال ¸¸ذين آمن ¸¸وا كتب عليكم القص ¸¸اص يف القتلى احلر ب ¸¸احلر والعبد بالعبد } اآلية ،
وقوله تعاىل { :وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } .
ومقتضى هاتني اآليتني أنه ال يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة .
نوقش هذا االستدالل :
بأن كلمة ( نفس ) و ( حر ) يف اآليتني جنس يشمل الواحد واجلماعة فال حجة فيها .
ثانياً :قالوا :وألن التفاوت يف األوصاف مينع بدليل أن احلر ال يؤخذ بالعبد ،فالتفاوت يف العدد أوىل .
ويناقش :بأننا مننع أص ¸الً أن التف¸¸اوت يف األوص¸¸اف مينع فقد س¸¸بق ت¸¸رجيح وج¸¸وب االقتص¸¸اص من احلر للعبد ،
ومن ال¸ذكر لألن¸ثى وأن املكاف¸أة هي يف ال¸دين فقط ،وعلى ف¸رض ص¸حة ذلك ف¸إن ه¸ذا قي¸اس يف مقابلة اإلمجاع
الس ¸ ¸¸ابق فهو م ¸ ¸¸ردود¸ ،وأدلة اجلمه ¸ ¸¸ور مقدمة على ه ¸ ¸¸ذا االس ¸ ¸¸تدالل ال س ¸ ¸¸يما أنه لو قيل هبذا الق ¸ ¸¸ول ألدى إىل
التسارع يف القتل .
ثالث اً :ق ¸ ¸¸الوا :ويق ¸ ¸¸اس القص ¸ ¸¸اص أيض¸ ¸ ¸اً على الدية ،فإنه لو وجبت عليهم الدية مل يل ¸ ¸¸زمهم إال دية واح¸ ¸¸دة ،
فكذلك القصاص .
ويناقش هذا االستدالل :
بأن الدية تفارق القصاص لكوهنا تبتعض -أي تقبل التجزئة على القتلة – خبالف القصاص فإنه ال يتبعض .
القول الثالث :
أنه يقتل منهم ش ¸ ¸ ¸¸خص واحد ،ويؤخذ من الب¸ ¸ ¸¸اقني حصص¸ ¸ ¸¸هم من الدية ،وهو م¸ ¸ ¸¸روي عن مع¸ ¸ ¸¸اذ وابن الزبري
والزهري
وحجة هذا القول :
أن كل واحد منهم مكافئ للمقتول ،فال يستوىف أبداً إال ببدل واحد ،كما ال جتب ديات إال ملقتول واحد .
وهذا القول ضعيف جداً ،إذ كيف س¸نحدد الش¸خص املس¸تحق للقتل ،وكيف يش¸رتك مجاعة يف جرمية واح¸دة
وختتلف عقوباهتم ؟!
55
وال¸ ¸¸راجح من ه¸ ¸¸ذه األق¸ ¸¸وال هو الق¸ ¸¸ول األول لق¸ ¸¸وة أدلته وألنه إمجاع الص¸ ¸¸حابة ،وعليه فتقتل اجلماعة بالواحد
بش ¸¸رط أن يك ¸¸ون فعل كل واحد منهم لو اس ¸¸تقل موجب¸ ¸اً للقص ¸¸اص ،أما إن مل يكن موجب¸ ¸اً للقص ¸¸اص كما لو
ض ¸¸ربه كل منهم بآلة ال تقتل غالب¸ ¸اً – ك ¸¸احلجر الص ¸¸غري مثالً – فننظر :ف ¸¸إن ك ¸¸ان بينهم تواطؤ على قتله هبذه
الطريقة فمات من جمموع الضربات فيجب عليهم القصاص مجيعاً ،أما إن مل يكن بينهم تواطؤ فال قصاص .
المس ألة الثانية :ال تعترب يف وج¸¸وب القص¸¸اص على املش¸¸رتكني التس¸¸اوي يف س¸¸ببه ،فلو جرحه أح¸¸دمها جرح ¸اً
واآلخر مئة ،أو أوضحه أحدمها وشجه اآلخر َّآمة فمات ،كانا سواء يف القصاص والديه ملا يلي :
.1ألن اعتبار التساوي يفضي إىل سقوط القص¸اص عن املش¸رتكني إذ ال يك¸اد جرح¸ان يتس¸اويان من كل وجه
.
.2وألن اجلرح الواحد حيتمل أن ميوت منه دون املائة كما حيتمل أن ميوت من املوضحة دون اآلمة ،
.3وألن اجلراح إذا ص ¸¸ارت نفس¸ ¸اً س ¸¸قط اعتبارها فك ¸¸ان حكم اجلماعة كحكم الواحد ،أال ت ¸¸رى أنه لو قطع
أطرافه كلها فمات وجبت دية واحد كما لو قطع طرفه فمات .
56
قتل اجلماعة بالواحد ،ولما ثبت عن علي بن أبي ط الب رضي اهلل عنه أن رجلني ش ¸¸هدا على رجل بالس ¸¸رقة
فقطع على ي¸ ¸¸ده ،مث رجعا من الغد ،فق¸ ¸¸اال :أخطأنا يا أمري املؤم¸ ¸¸نني ،فغرمهما دية ي¸ ¸¸ده وق¸ ¸¸ال :واهلل لو أعلم
أنكما تعمدمتا لقطعت أيديكما .
ويش ¸¸رتط لوج ¸¸وب القص ¸¸اص عليهم أن يش ¸¸رتكوا فيه على وجه اليتم ¸¸يز فعل أح ¸¸دهم عن فعل اآلخر ،إما ب ¸¸أن
يش ¸¸هدوا عليه مبا ي ¸¸وجب قطعه ك ¸¸ذباً ،أو يلق ¸¸وا عليه ص ¸¸خرة فتقطع ي ¸¸ده أو رجله أو يض ¸¸ربوه بس ¸¸كني ض ¸¸ربة
واح¸¸دة أما إن قطع كل واحد منهم من ج¸انب ،أو ض¸¸رب كل واحد ض¸¸ربة ف¸انقطعت ي¸ده مبجم¸¸وع الض¸¸ربات
فال قصاص ألن كل واحد منهم مل يقطع اليد ،ولكن لو علمنا بتواطؤهم ،فإهنم يقطعون مجيعاً .
المسألة السابعة :إذا دل غ¸¸ريه على ش¸¸خص ليقتله ،وهو يعلم أنه س¸¸يقتله ،فال قص¸¸اص على ال¸¸دال وإمنا عليه
التعزير فقط ألنه أعان على اجلرمية .
57
احلش ¸¸وة مث ض ¸¸رب عنقه اآلخر فالث ¸¸اين هو القاتل ألنه مل خيرج جبرح األول عن حكم احلي ¸¸اة ،فيك ¸¸ون الث ¸¸اين هو
املفوت هلا فعليه القصاص .
58
وبن¸ ¸¸اءً عليه فتأخذ ه ¸ ¸¸ذه املس ¸ ¸¸ألة حكم االش ¸ ¸¸رتاك يف اجلرمية على التفص ¸ ¸¸يل الس ¸ ¸¸ابق من حيث عفو األولي ¸ ¸¸اء عن
البعض أو عن اجلميع أو املطالبة بالقصاص منهما مجيعاً .
ومثل ذلك ما لو أكرهه على قتل نفسه فقتلها ،فهو قاتل لنفسه ،وجيب القصاص على املك ِره ملا تقدم .
59
.1أن الصحابة رض¸وان اهلل عليهم أق¸اموا س¸كره مق¸ام قذفه ف¸أوجبوا عليه حد الق¸¸ذف ،فل¸وال أن قذفه م¸¸وجب
للحد عليه ملا وجب احلد مبظنته ،فقد ثبت أن عمر رضي اهلل عنه استش ¸ ¸¸ار الن ¸ ¸¸اس يف ش ¸ ¸¸أن ش¸ ¸¸ارب اخلمر
فق ¸¸ال علي رضي اهلل عنه :يا أمري املؤم ¸¸نني إن الش ¸¸ارب إذا س ¸¸كر ه ¸¸ذى ،وإذا ه ¸¸ذى اف ¸¸رتى وحد املف ¸¸رتي
مثانون جل ¸ ¸¸دة ،أرى أن جتل ¸ ¸¸ده مثانني ،ف ¸ ¸¸أعجب ذلك عمر وجعل عقوبته مثانني جل ¸ ¸¸دة ،ف ¸ ¸¸إذا وجب حد
القذف على الشارب فالقصاص املتمحض حق آدمي أوىل .
.2وألن يف ذلك س¸ ¸¸داً للذريعة إذ لو مل جيب القص¸ ¸¸اص واحلد ألفضى إىل أن من أراد أن يعصي اهلل ش ¸¸رب ما
يسكره مث قتل وزىن وسرق وال يلزمه عقوبة ،فيصري عصيانه سبباً لسقوط العقوبة عنه .
القول الثاني :
أنه ال يقتص منه ،وهو وجه يف مذهب احلنابلة .
واستدلوا :
.1بالقياس على اجملنون فإن كالً منهما زائل العقل .
ويناقش هذا االستدالل :بأن هذا قياس مع الفارق فإن السكران فقد عقله باختياره عصياناً خبالف اجملنون .
.2وبالقياس على الطالق فإن السكران ال يقع طالقه .
ويناقش :ب¸أن القتل لف¸¸ارق الطالق وألن الطالق ميكن إلغ¸¸اؤه خبالف القتل ،وألن إلزامه ب¸الطالق ي¸رتتب عليه
إحلاق الضرر مبن مل يرتكب املعصية وهو الزوجة واألوالد .
.3وملا ثبت يف ص¸¸حيح البخ¸¸اري أن محزة رضي اهلل عنه ق¸¸ال للنيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم وهو مثل :وهل أنتم
إال عبيد أيب ،ومل يقم النيب عليه الصالة والسالم عليه حد الردة .
ويناقش :بأن هذا كان قبل حترمي اخلمر فال يصح االستدالل به .
المطلب الخامس
استيفاء القصاص
املقصود باستيفاء القصاص أي تنفيذه واملطالبة به .
ويعرفه الفقهاء بأنه :فعل جمين عليه ،أو فعل وليه ،جبان مثل فعله أو شبهه .
شرح التعريف :
60
فعل مجني عليه :أي يف حال اجلناية العمد على ما دون النفس .
:أي يف حال كون اجلناية على النفس . فعل وليه
:املقصود به اجلاين املتعمد . بجان
:ه¸¸ذا القيد ي¸¸بني أن ال¸¸واجب يف القص¸¸اص املماثلة متام ¸اً ،ف¸¸إذا ك¸¸انت اجلناية ب¸¸اخلنق فيقتص مثل فعله
باخلنق ،وإن كانت بالتحريق فالواجب يف القصاص التحريق ،وهكذا – كما سيأيت –
:أي قد يقتص من اجلاين بطريقة تشبه جنايته وال متاثلها متاماً ،وهذا يكون يف حالتني : أو شبهه
الحالة األولى :أن يك ¸¸ون القص ¸¸اص بآلة تش ¸¸به آلة اجلناية ،مثل أن يطعنه خبنجر أو بس ¸¸كني فمن املمكن
أن يطعنه بالسيف ،ألن السيف يشه اخلنجر والسكني ،ومثل ذلك أن يقتله مبسدس فيقتص منه ببندقية .
الحالة الثانية :أن يتع ¸¸ذر اس ¸¸تعمال اآللة اليت اس ¸¸تخدمها اجلاين يف جنايته ،مثل أن يس ¸¸قيه مخراً حىت يهلك
،فليس لويل الدم أن يسقيه اخلمر حىت ميوت ،ولكن من املمكن أن يسقيه ماءً حىت ينتفخ بطنه وميوت .
61
لكن يرد على ذلك بأن القصاص خيالف الدية فإن الغرض من الدية حيصل باستيفاء األب خبالف القصاص ف¸¸إن
الغ ¸¸رض منه التش ¸¸في ،وك ¸¸ذلك ف ¸¸إن الدية إمنا ميلك اس ¸¸تيفاءها إذا تعينت والقص ¸¸اص مل يتعني بعد الحتم ¸¸ال أن
يعفو االبن .
وال¸¸راجح هو الق¸¸ول األول ،وعليه ف¸¸إن اجلاين حيبس حىت يبلغ الصيب أو يفيق اجملن¸¸ون ،ويس¸¸تثىن من ذلك ما إذا
ك¸¸ان مس¸¸تحق القص¸¸اص جمنون ¸اً واحت¸¸اج إىل النفقة فلل¸¸ويل العفو إىل الدية ،ألنه ليس له حالة معت¸¸ادة ينتظر فيها
إفاقته خبالف الصيب ،فإن كان ص¸¸غرياً أو جمنون¸اً ال حيت¸اج إىل نفقة فليس لل¸ويل العفو إىل الدية وك¸ذلك ليس له
حق املطالبة بالقص¸ ¸ ¸¸اص مطلق ¸ ¸ ¸اً ،وإمنا اس¸ ¸ ¸¸تثين العفو إىل الدية ألن يف ذلك مص¸ ¸ ¸¸لحة حمضة ملس¸ ¸ ¸¸تحق القص ¸ ¸¸اص
( اجملنون ) وللجاين .
فائدة :
كل موضع جيب تأخري االستيفاء فيه فإن القاتل حيبس حىت يبلغ الصيب ويفيق اجملنون
فإن قيل :فلم ال خيلى سبيله كاملعسر بالدين ؟
فالجواب :أن يف ختليته تضييعاً للحق ألنه ال يؤمن هربه .
والفرق بينه وبين المعسر من أوجه :
األول :أن قضاء الدين ال جيب مع اإلعسار ،فال حيبس مبا ال جيب ،والقصاص هاهنا واجب .
الثاني :أن املعسر إذا حبس¸¸ناه تع¸¸ذر الكسب لقض¸¸اء ال¸¸دين فال يفيد بل يضر اجلانبني وهاهنا احلق نفسه يف¸¸وت
بالتخلية .
فإن أقام القاتل كفيالً بنفسه ليخلي سبيله مل جيز ،ألن الكفالة ال تصح يف القصاص ،فإن فائدهتا اس¸¸تيفاء احلق
من الكفيل فإن تعذر إحضار املكفول به فال ميكن استيفاؤه من غري القاتل فلم تصح الكفالة به كاحلد .
62
أوالً :ما روى أبو ش¸¸ريح اخلزاعي عن النيب ص¸¸لى اهلل أنه ق¸¸ال (( :فمن قتل له قتيل بعد مق¸¸اليت ه¸¸ذه فأهله بني
خ ¸¸ريتني :إما أن يأخ ¸¸ذوا العقل أو يقتل ¸¸وا )) أخرجه أبو داود والنس ¸¸ائي وأص ¸¸له يف الص ¸¸حيحني من ح ¸¸ديث أيب
هريرة مبعناه .
(( فأهله )) يشمل الرج¸ال والنس¸اء ومنهم املرأة ،وال¸دليل على أن الزوجة من األهل ما ثبت يف الص¸حيحني يف
قصة اإلفك يف قوله عليه الصالة والسالم (( :من يغ¸¸درين من رجل بلغ أذاه يف أهلي وما علمت على أهلي إال
خرياً ،وما كان يدخل على أهلي إال معي )) يريد عائشة ،وقال له أسامة :أهلك وال نعلم إال خرياً .
ثانياً :ما روى عبد الرزاق يف مصنفه عن زيد بن وهب أن عمر أيت برجل قتل قتيالً فج¸اء ورثة املقت¸¸ول لقتل¸وه
فقالت امرأة املقتول ،وهي أخت القاتل :قد عفوت عن حقي ،فقال عمر :اهلل أكرب عتق القتيل )) .
ثالثاً :وألن من ورث الدية ورث القصاص كالعصبة ،وزوال الزوجية ال مينع اس¸تحقاق القص¸¸اص كما مل مينع
استحقاق الدية وسائر حقوق املوروثة .
القول الثاني :أن القصاص حق للعصبة من الذكور فقط .
ألخ ألم أو ٍ
جد ألم . فال دخل فيه للنساء مطلقاً ،وال لزوج وال ٍ
والعصبة هم :االبن وابن االبن وإن نزل ،واألب واجلد وإن عال ،واألخ الشقيق وابن األخ الشقيق وإن ن¸¸زل
،واألخ واألب وابن األخ ألب وإن نزل ،والعم الشقيق وإن عال والعم ألب وإن عال .
واملقصود¸ بالعصبة هنا العصبة بالنفس فال يستحق عاصب بالغري والمع الغري الشرتاط الذكورة فيه .
وهذا املش¸هور من م¸ذهب املالكية [ على تفص¸يل هلم يف ذلك ف¸إهنم يورث¸ون النس¸اء حق القص¸اص بثالثة ش¸روط
عندهم ] واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية .
وحجة هذا القول :
.1القياس على الوالية يف النكاح فإهنا للعصبة .
.2وألن القصاص ثبت لدفع العار والثأر فاختص به العصبات .
لكن هذا القول حمجوج بأدلة الفرق األول والقياس على والية النكاح غري ص¸¸حيح ألن الوالية يف النك¸¸اح ثبتت
بأدلة خاصة .
القول الثالث :
أن والية القصاص خاصة بالذكور الوارثني من القرابة أو ذوي األسباب .
فيدخل هبذا الزوج واإلخوة ألم واجلد ألم .
وحجتهم :أن القصاص ثبت لدفع العار فاختص به الذكور دون النساء .
وهذا مذهب الليث واألوزاعي .
وهذا القول ضيف ألن هذه التفرقة ال دليل عليها ،وال يسلم بأن القصاص شرع جملرد دفع العار .
63
الق ول الرابع :أن القص ¸¸اص حق ل ¸¸ذوي األنس ¸¸اب ( أي األق ¸¸ارب ) من الرج ¸¸ال والنس ¸¸اء دون ال ¸¸زوجني وه ¸¸ذا
أحد األقوال يف املذهب املالكي .
استدلوا بقوله عليه الصالة والسالم – يف حديث أيب شريح املتقدم (( : -فأهله )) قالوا :وأهله ذوو رمحة .
وقد سبق الرد على ذلك وبيان أن الزوجة من األهل .
المسألة الثانية :هل من شرط استيفاء القصاص اتفاق األولياء أم أنه إذا طالب به أحدهم أو بعضهم نفذ
؟:
ذهب عامة أهل العلم إىل أن من شرط استيفاء القصاص اتفاق األولياء املشرتكني فيه ملا يلي :
.1ملا روى ابن أيب ش ¸¸يبة أن عمر رفع إليه رجل قتل رجالً فج ¸¸اء أوالد املقت ¸¸ول وقد عفا بعض ¸¸هم ،فق ¸¸ال
عمر البن مس¸¸عود :ما تق¸¸ول ؟ فق¸¸ال :إنه قد أح¸¸رز من القتل فض¸¸رب على كتفه وق¸¸ال :ك¸¸نيف ملء
علماً .
وكان هذا مبحضر من الصحابة ومل ينكر .
.2وألن القصاص حق مشرتك ال يتبعض فإذا أسقطه بعضهم سرى إىل الباقي كالطالق والعتاق .
وذهب بعض أهل المدنية والظاهرية إىل أن القص¸¸اص ال يس¸¸قط بعفو بعض الش¸¸ركاء ،ألن حق غري الع¸¸ايف مل
يرض بإسقاطه ،وقد تؤخذ النفس ببعض النفس بدليل قتل اجلماعة بالواحد .
والص¸¸حيح هو الق¸¸ول األول لق¸¸وة أدلته ،وال يصح القي¸¸اس على قتل اجلماعة بالواحد ألن من ش¸¸رط قتلهم به أن
يكون فعل كل واحد منهم صاحلاً للقتل كما تقدم .
المسألة الثالثة :ما الحكم إذا انفرد بعض األولياء أو أحدهم باستيفاء القصاص دون البقية ؟ :
في هذا تفصيل :
أوالً :أن ينف¸ ¸ ¸¸رد أح ¸ ¸¸دهم بقتله بعد أن يتفق مجيع األولي¸ ¸ ¸¸اء على قتله ،فيعزرالفتياته على اإلم ¸ ¸¸ام وتعديه ،وال
يقتص منه ألن القتل وافق حمله ،وألنه قتل نفس¸ ¸اً يس ¸¸تحق بعض ¸¸ها فلم جيب قتله هبا ألن النفس ال تؤخذ ببعض
نفس ،ويف ه¸¸ذه احلالة جيب لل¸¸ويل ال¸¸ذي مل يقتل قس¸¸طه من الدية ألن حقه من القص¸¸اص س¸¸قط بغري اختي¸¸اره ،
وهل يجب ذلك على قاتل الج اني أو في تركة الج اني ؟ الص¸ ¸ ¸ ¸¸حيح أنه جيب على قاتل اجلاين ألنه تع¸ ¸ ¸¸دى
بفعله ،ولئال جتتمع عقوبتان على عمل واحد .
ثاني اً :أن يقتله الش ¸¸ريك ال ¸¸ذي مل يعف بعد علمه بعفو ش ¸¸ريكه ،فعليه القص ¸¸اص س ¸¸واء حكم به ح ¸¸اكم أو مل
حيكم ،ألنه قتل معصوماً مكافئاً له عمداً يعلم أن ال حق له فيه .
ثالث اً :أن يقتله قبل أن يعلم ب ¸ ¸ ¸¸العفو ،فقيل :يقتل ألنه قتل عمد ع ¸ ¸ ¸¸دوان ،والص حيح أنه ال يقتل لوج ¸ ¸¸ود
الشبهة وألنه معتقد بثبوت حقه فيه واألصل بقاؤه ،كالوكيل إذا قتل بعد عفو املوكل قبل علمه بعفوه .
الشرط الثالث :أن يؤمن في االستيفاء أن يتعدى الجاني إلى غيره :
64
واألدلة على ذلك :
.1قوله تعاىل (( :فال يسرف يف القتل )) وإذا أفضى القتل إىل التعدي ففيه إسراف .
.2ما روى ابن ماجة عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال (( إذا قتلت املرأة عم¸¸داً مل تقتل حىت تضع ما يف
بطنها إن ك¸¸انت ح¸¸امالً ،وحىت تكفل ول¸¸دها وإن زنت مل ت¸¸رجم حىت تضع ما يف بطنها وحىت تكفل ول¸¸دها ))
وإسناده ضعيف .
.3وثبت يف الص¸ ¸¸حيح أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ق¸ ¸¸ال للغامدية اليت زنت (( :ارجعي حىت تض¸ ¸¸عي ما يف
بطنك – مث قال هلا :ارجعي حىت ترضعيه )) ويف رواية (( :حىت تفطميه )) .
.4وألن هذا إمجاع أهل العلم ،وممن حكى اإلمجاع ابن قدامة وابن حزم .
اء عليه ق ال أهل العلم :إذا وجب القص ¸¸اص على ام ¸¸رأة حامل أو ام ¸¸رأة حائل فحملت مل تقتل حىت تضع
وبن ً
الولد وتس ¸ ¸¸قيه اللبأ ( واللبأ :أول اللنب عند ال ¸ ¸¸والدة وهو مفيد للطفل ) ،مث إن وجد من يرض ¸ ¸¸عه أعطي الولد
ملن يرضعه وقتلت ألن غريها يقوم مقامها يف إرضاعه وإن مل يوجد من يرضعه تركت حىت تفطمه حلولني .
والقص ¸¸اص من احلامل فيما دون النفس كالقص ¸¸اص ب ¸¸النفس فال يقتص منها حىت تضع حاملها ،واحلد ب ¸¸الرجم
كالقصاص .
65
والص¸¸حيح هو الق¸¸ول األول ،ألنه ال ي¸¸ؤمن من احليف مع قصد التش¸¸في ،وأما احلديث فليس ص¸¸رحياً يف الداللة
على املقصود فإن يف آخره أن الرجل ملا وىل ق¸ال عليه الص¸الة والس¸الم (( :إن قتله فهو مثله )) ف¸اإلذن الس¸ابق
من النيب عليه الصالة والسالم ليس على ظاهره ،وهلذا خلى الرجل سبيله ومل يقتله .
66
.2وألن القصاص أحد ب¸ديل النفس ف¸دخل الط¸رف يف حكم اجلملة كالدية فإنه لو ص¸ار األمر إىل الدية مل
جيب إال دية النفس .
.3وألن القصد من القصاص يف النفس تعطيل وإتالف اجلملة ،وقد أمكن هذا بضرب العنق .
القول الثاني :
أنه يفعل باجلاين كما فعل ،فلو قطع يديه مث قتله فعل به ك¸ ¸¸ذلك ،وإن قتله حبجر أو غرقه أو غري ذلك فعل به
مثل فعله .
وهذا مذهب املالكية والشافعية ورواية عن احلنابلة اختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم .
استدلوا :
.1بقوله تعاىل (( :وإن عاقبتم فعاقبوا مبثل ما عوقبتم به ))
.2وقوله تعاىل (( :فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه مبثل ما اعتدى عليكم )) .
.3وألن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم رض رأس يه¸ ¸¸ودي لرضه رأس جارية من األنص¸ ¸¸ار حبج¸ ¸¸رين .متفق
عليه .
.4وألن اهلل تعاىل قال (( :والعني بالعني )) وهذا قد قلع عينه فيجب أن يقلع عينه .
.5وألن القصاص موضوع على املماثلة ولفظه يشعر به فيجب أن يستويف منه مثل ما فعل .
وه¸¸ذا الق¸¸ول هو الص¸¸حيح وأما ح¸¸ديث (( :ال ق¸¸ود )) ..فهو ض¸¸عيف ،ض¸¸عفه أمحد وغ¸¸ريه ،وال يصح القي¸¸اس
على الدية ف¸ ¸¸إن الغ¸ ¸¸رض من الدية التع¸ ¸¸ويض خبالف الغ¸ ¸¸رض من القص¸ ¸¸اص فإنه التش¸ ¸¸في والتنكيل باجلاين مبثل ما
فعل ب¸ ¸ ¸¸اجملين عليه ،وال يصح ق¸ ¸ ¸¸وهلم :إن القصد من القص¸ ¸ ¸¸اص تعطيل وإتالف اجلملة ،ف¸ ¸ ¸¸إن القصد منه معاقبة
اجلاين مبثل ما عمل باجملين عليه .
وإذا قلنا للويل أن يستويف مثل ما فعل بوليه فأحب أن يقتصر على ضرب عنقه فله ذلك .1
ويس ¸¸تثىن من ج ¸¸واز االس ¸¸تيفاء مبثل آلة اجلناية ما إذا قتله مبح ¸¸رم يف نفسه كتجريع اخلمر والل ¸¸واط وحنوه – كما
تقدم . -
:ومنه يعلم أن إقامة القص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص مبثل كيفية اجلناية تعترب اختيارية وليست إلزامية ،فلو رأى اإلم ¸ ¸ ¸¸ام إقامة 1
القص ¸¸اص بالس ¸¸يف لتع ¸¸ذر تنفي ¸¸ذه مبثل اجلناية ،أو رضي أولي ¸¸اء ال ¸¸دم ب ¸¸ذلك ،ج ¸¸از ذلك ،واألصل يف اختي ¸¸ار
السيف أداة للقصاص أنه أسرع للقتل وأنه يزهق روح اجلاين بأيسر ما يك¸¸ون من األمل والع¸¸ذاب ،ف¸¸إذا وج¸¸دت
أداة أخ¸ ¸¸رى أس¸ ¸¸رع من الس¸ ¸¸يف وأقل إيالم¸ ¸اً فال م¸ ¸¸انع ش¸ ¸¸رعاً من اس¸ ¸¸تعماهلا – كما أفتت ب¸ ¸¸ذلك جلنة الفت¸ ¸¸وى
باألزهر – حيث جوزت استعمال الكرسي الكهربائي ألنه ال يتخلف عنه املوت عادة مع زي¸ادة الس¸¸رعة وع¸¸دم
التمثيل بالقاتل دون أن يرتتب عليه مضاعفة التعذيب .
67
إذا ص ¸¸ار األمر إىل الدية إما بعفو ال ¸¸ويل أو ك ¸¸ون الفعل خطأ أو ش ¸¸به عمد ،ف ¸¸الواجب دية واح ¸¸دة على الق ¸¸ول
الص¸ ¸ ¸ ¸¸حيح ،فلو قطع يديه ورجليه مث قتله فال جتب إال دية واح¸ ¸ ¸ ¸¸دة ،وقيل جتب دية األط¸ ¸ ¸ ¸¸راف املقطوعة ودية
النفس ،والصحيح هو القول األول ألن أرش اجلراحة دخل يف أرش النفس .
المطلب السادس
العفو عن القصاص
الفرع األول :تعريف العفو :
العفو لغة :احملو والتجاوز واإلسقاط .
واصطالحاً :التنازل عن القصاص إىل الدية أو الصلح أو إىل غري شيء .
وقد ك ¸¸انت مش ¸¸روعية العفو عن القص ¸¸اص ختفيف¸ ¸اً على ه ¸¸ذه األمة ورمحة هبا كما ق ¸¸ال تع ¸¸اىل (( :فمن عفي له
من أخيه ش¸¸يء فاتب¸¸اع ب¸¸املعروف وأداء إليه بإحس¸¸ان ذلك ختفيف من ربكم ورمحة )) فقد ك¸¸ان القص¸¸اص
حتم¸اً على اليه¸¸ود وحمرم عليهم العفو والدية ،وك¸¸انت الدية حتم¸اً على النص¸¸ارى وح¸¸رام عليهم القص¸¸اص
فخريت هذه األمة ختفيفاً ورمحة .
الفرع الثاني :أدلة مشروعيته :
األصل يف مشروعية العفو الكتاب والسنة واإلمجاع .
أما الكتاب ففي مثل قوله تعاىل (( :فمن عفي له من أخيه شيء – اآلية )) .
وأما السنة ففي مثل قوله عليه الصالة والسالم (( :فمن قتل له قتيل فأهله بني خريتني ..احلديث )) .
وأما اإلجماع فقد أمجعت األمة على جوازه .
68
وق ال ش يخ اإلس الم ابن تيمية (( اس ¸¸تيفاء اإلنس ¸¸ان حقه من ال ¸¸دم ع ¸¸دل ،والعفو عنه إحس ¸¸ان واإلحس ¸¸ان هنا
أفضل ،لكن ه ¸¸ذا اإلحس ¸¸ان ال يك¸ ¸¸ون إحس ¸¸اناً إال بعد الع ¸¸دل ،وهو أن ال حيصل ب ¸¸العفو ض ¸¸رر ،و إال ك ¸¸ان
ظلماً إما لنفسه وإما لغريه ))
قال في اإلنصاف (( :وهو عني الصواب )) .
69
وعلى القول الثاني :إذا عفا مطلقاً فله الدية ،فإن عفا عن القصاص والدية فال شيء له .
إذا اخت¸¸ار ويل ال¸¸دم القص¸¸اص مث اخت¸¸ار بعد ذلك العفو إىل الدية فله ذلك ألن القص¸¸اص أعلى فك¸¸ان له
االنتقال إىل األدىن ،ويكون بدالً عن القصاص .
أما إن اختار الدية أوعفا جماناً فليس له املطالبة بالقص¸¸اص بعد ذلك ،ألنه انتق¸¸ال من األدىن إىل األعلى
،وألنه أسقط حقه ،والساقط ال يعود .
الفرع الخامس :إذا قتل الولي بعد العفو أو أخذ الدية فما الحكم ؟
ال خالف بني أهل العلم أنه مس¸¸تحق للقص¸¸اص ألنه قتل عمد ع¸¸دوان ،وقد توع¸¸ده اهلل بالع¸¸ذاب األليم فق¸¸ال :
(( فمن عفي له من أخيه فاتب ¸ ¸¸اع ب ¸ ¸¸املعروف )) إىل قوله :فمن اعت ¸ ¸¸دى بعد ذلك فله ع ¸ ¸¸ذاب أليم )) ق ال ابن
عباس :أي بعد أخذ الدية وإسقاط حقه يف القصاص .
وإمنا اختلف ¸¸وا هل يقتل قصاص ¸اً حبيث يك ¸¸ون دمه ألولي ¸¸اء اجلاين األول أم يقتل ح¸¸داً فليس لألولي ¸¸اء العفو عنه ؟
وهلم يف ذلك قوالن :
القول األول :
أنه يقتل حداً على كل حال وال يكون أمره إىل أولياء املقتول .وهذا قول لبعض الفقهاء .
استدلوا بقوله عليه الصالة والسالم (( :ال أعفي – أي ال أدع وال أت¸¸رك – من قتل بعد أخذ الدية )) أخرجه
أمحد وأبو داود .
القول الثاني :
أنه يقتل قصاصاً بشروطه ،وهذا قول عامة أهل العلم .
وهذا هو الصواب لعموم النصوص الواردة يف وجوب القصاص على من قتل نفس¸اً ،وأما احلديث فاملقص¸¸ود به
أنه غري معذور لقتله .
الفرع السادس :حكم ما إذا هلك الجاني :
إذا هلك اجلاين فليس ل ¸¸ويل اجلناية غري الدية من تركة اجلاين ،لتع ¸¸ذر اس ¸¸تيفاء الق ¸¸ود ،كما لو تع ¸¸ذر يف طرفه ،
فإن مل خيلف جان عمداً تركة ضاع حق اجملين عليه وال حتمله العاقلة ألهنا ال حتمل العمد احملض .
الفرع السابع :سراية الجناية بعد العفو عنها :
إذا جىن على إنسان فيما دون النفس جناية توجب القصاص كاإلصبع مث عفا عن القصاص مث سرت اجلناية إىل
النفس فمات مل جيب القصاص ،ألنه يتعذر استيفاء القصاص يف النفس دون ما عفا عنه فس¸¸قط يف النفس كما
لو عفا بعض األولياء .
ثم ينظر :
فإن كان عفا إىل مال فله الدية كاملة ،أي متام الدية .
70
وإن ك¸ ¸ ¸ ¸¸ان العفو على غري م¸ ¸ ¸ ¸¸ال فاملذهب ( أي م¸ ¸ ¸ ¸¸ذهب أمحد ) أن الس¸ ¸ ¸ ¸¸راية ه¸ ¸ ¸ ¸¸در ألنه مل جيب باجلناية ش¸ ¸ ¸¸يء
فسرايتها أوىل ،والصحيح أهنا جتب دية النفس إال أرش اجلرح الذي عفا عنه ،ألن اجلناية صارت نفس¸اً وحقه
يف النفس ال فيما عفا عنه .
ومثل الس¸¸راية إىل النفس الس¸¸راية إىل عضو من األعض¸¸اء كما لو جىن على اص¸¸بعه فعفى عنه مث س¸¸رى اجلرح إىل
كفه ،فاحلكم يف ذلك على احلكم السابق .
الفرع الثامن :إذا عفا المجروح عن قود نفسه أو ديتها قبل موته ،أو طالب بالقصاص فهل له ذلك ؟
اختلف أهل العلم في ذلك على ثالثة أقوال :
القول األول :
أنه ليس له حق يف العفو وال يف املطالبة وه ¸¸ذا م ¸¸ذهب الظاهرية ،أخ ¸¸ذا بظ ¸¸اهر النص ¸¸وص اليت تفيد ب ¸¸أن احلق
لألولياء .
القول الثاني :
أن له حق يف العفو واملطالبة ،وه¸ ¸¸ذا م¸ ¸¸ذهب املالكية واحلنابلة واختي¸ ¸¸ار ش¸ ¸¸يخ اإلس¸ ¸¸الم ابن تيمية ،ف ¸¸إذا ط ¸¸الب
املقت¸ ¸ ¸¸ول بالقص¸ ¸ ¸¸اص أوجب حتتمه فال ميكن الورثة بعد ذلك من العفو ،وإذا عفا إىل م¸ ¸ ¸¸ال فليس للورثة املطالبة
بالقص ¸¸اص ،وإذا عفا جمان ¸اً فليس هلم املطالبة بالدية وال بالقص ¸¸اص س ¸¸واء عفا بلفظ العفو أو الوص ¸¸ية أو اإلب ¸¸راء
أو غري ذلك .
وحجة ه ¸¸ذا الق ¸¸ول أن احلق له فله إس ¸¸قاطه أو املطالبة به ،وألنه أس ¸¸قط حقه بعد انعق ¸¸اد س ¸¸ببه فس ¸¸قط وس ¸¸بب
القصاص هو اجلناية ،فإسقاط احلق ك¸¸ان بعد وج¸¸ود س¸¸ببه ،والقاعدة عند أهل العلم أنه يجوز إسقاط الحق
قبل وج ود ش رط وجوبه وبعد وج ود س ببه ،فالقص ¸¸اص والدية س ¸¸ببهما اجلناية وش ¸¸رطهما املوت ،فيج ¸¸وز
إسقاطهما بعد اجلناية وقبل املوت ،وال يصح إسقاطهما قبل اجلناية .
ومثل ذلك :الزك¸ ¸ ¸¸اة جيوز تق¸ ¸ ¸¸دميها قبل ش¸ ¸ ¸ ¸¸رط وجوهبا وهو ح¸ ¸ ¸ ¸¸والن احلول وبعد وج¸ ¸ ¸ ¸¸ود س¸ ¸ ¸¸ببها وهو ملك
النصاب .
ومثل ذلك :كفارات اإلحرام إذا احتيج إليها للعذر فإن العذر سببها فيجوز بعد العذر وقبل فعل احملظور .
ومثل ذلك :كفارة اليمني جيوز تقدميها على احلنث بعد عقد اليمني .
القول الثالث :
أنه يصح عفو اجملين عليه وال يصح مطالبته بالقصاص ،وهو قول لبعض الفقهاء .
71
ثانياً :العقوبة الثانية للقتل العمد :الكفارة :
األصل يف الكفارة قوله تعاىل (( :ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة مؤمنة – اآلية )) .
والخالف بني الفقهاء على وجوهبا يف القتل اخلطأ .
وقد اختلف أهل العلم في وجوب الكفارة في القتل العمد على قولين :
القول األول :
يرى الشافعية ورواية عند احلنابلة أن الكفارة واجبة يف القتل العمد :
واستدلوا بما يلي :
.1ما روى واتلة بن األس¸¸قع رضي اهلل عنه ق¸¸ال :أتينا النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم بص¸¸احب لنا قد أوجب
القتل فق¸¸ال (( :اعتق¸¸وا عنه رقبة يعتق اهلل بكل عضو منها عض¸¸واً منه من الن¸¸ار )) رواه أمحد وأبو داود
والنسائي .
.2وألهنا إذا وجبت يف القتل اخلطأ ففي العمد أوىل ألنه أعظم جرماً ،وحاجته إىل تكفري ذنبه أعظم .
القول الثاني :
يرى مجهور أهل العلم من احلنفية واملالكية واملشهور من مذهب احلنابلة أنه ال كفارة يف القتل العمد .
واستدلوا بما يلي :
.1مفهوم قوله تعاىل (( :ومن قتل مؤمناً خطًأ فتحرير رقبة مؤمنة )) مث ذكر القتل العمد فلم ي¸¸وجب فيه
كفارة ،وجعل جزاءه جهنم فمفهومه¸ أنه ال كفارة فيه .
.2وألنه فعل يوجب القتل فال يوجب كفارة كزنا احملصن .
.3وألن ال¸¸ذنب يف القتل العمد أش¸¸نع وأعظم من أن تكف¸¸ره الكف¸¸ارة خبالف القتل اخلطأ وش¸¸بهه فال يصح
قياس القتل العمد عليهما .
والق ول الث اني هو الص حيح لنص اآلية القرآنية اليت هي األصل يف الكف¸ ¸ ¸¸ارة ،وأما ح¸ ¸ ¸¸ديث واثلة فهو ليس
بص¸ ¸ ¸¸ريح الداللة ،ألنه حيتمل أنه أم ¸ ¸¸رهم باالعت ¸ ¸¸اق تربع¸ ¸ ¸اً ،وحيتمل أن القتل خطئ¸ ¸ ¸اً أو ش¸ ¸ ¸¸به عمد ،ألن لفظ
احلديث عند أمحد وأيب داود والنس¸ ¸ ¸¸ائي وابن حب¸ ¸ ¸¸ان واحلاكم ق¸ ¸ ¸¸ال (( :قد اس¸ ¸ ¸¸توجب )) ومل يقل :اس¸ ¸¸توجب
القتل .
وسيأيت تفصيل أحكام الكفارة يف حملها إن شاء اهلل .
72
واألصل يف وج¸¸وب الدية يف القتل العمد قوله عليه الص¸¸الة والس¸¸الم (( :فمن قتل له قتيل فأهله بني خ¸¸ريتني إن
أحبو قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية )) .
وقد أمجعت األمة على مشروعية الدية كعقوبة بدلية يف القتل العمد .
وسيأيت تفصيل مقادير الديات بعد استكمال أنواع العقوبات إن شاء اهلل .
73
ومحل تفصيل هذه المسألة هو في فقه الوصايا والمواريث .
واألرجح واهلل أعلم هو م¸¸اذهب إليه املالكية وأن القاتل خط¸¸ًأ ال حيرم من املرياث أو الوص¸¸ية وإمنا حيرم من الدية
فقط ،أي حيرم من تالد مال القتيل دون حديثه .
وهبذا يتبني أن العقوبات املقدرة على القتل العمد مخسة ،ثالثة منها أصلية واثنتان بدليتان :
أما األصلية فهي القصاص ،واحلرمان من الوصية ،واحلرمان من املرياث .
وأما البدلية فهي :الدية و التعزير .
وأما الكفارة فقد سبق أن الصحيح هو عدم وجوهبا يف القتل العمد .
المبحث الثاني
74
-1إن تكون اجلناية عمدا عدوانا
-2وان يكون اجلاين مكلفا
-3وان يكون اجلاين قاصدا
-4املكافأة بني اجلاين واجملين عليه
اال أن القص ¸ ¸ ¸¸اص فيما دون النفس يزيد ش ¸ ¸ ¸¸روطا أخ ¸ ¸ ¸¸رى حبسب ن ¸ ¸ ¸¸وع اجلناية ،اذ إن القص ¸ ¸ ¸¸اص فيما دون
النفس نوعان :
-1القص اص في االط راف ،مثل :السن ،العني ،واالنف ،واالذن ،واجلفن ،والش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸فه ،واليد ،
والرجل ،واالصبع ،والكف ،واملرفق ،والذكر ،وااللية ،واخلصية ،فيقتص لكل طرف مبثله .
-2القصاص في الجروح :كاملوضحة واهلا مشة واملنقلة .
اوال :شروط القصاص في االطراف :
يشرتط للقصاص يف األطراف (( فضال عن الشروط السابقة يف اجلناية على النفس )) ثالثة شروط :
الشرط االول :امكانية االستيفاء بال حيف :
وقد جعل الفقهاء ضابطا لذلك وهو :أن يكون القطع من مفصل ،او يكون له حد ينتهي اليه :
ك¸¸أن يقطع رجله من مفصل الق¸¸دم ،أو من الركبه ،أو يقطع اص¸¸بعه من املفصل ،أو ي¸¸ده من مفصل الكف أو
من املرفق او من الكتف او من م¸¸ارن األنف ( وهو ما الن منه ( الغض¸¸روف)¸ )ف¸¸ان له ح¸¸دا ينتهي اليه اما اذا مل
يكن من مفصل وليس له حد ينتهي اليه فال قصاص وامنا فيه الدية وهلذا قالوا :
-ال قص اص في جائفة :وهي اجلرح الواصل اىل اجلوف س ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸واء من جهة البطن او الظهر او
اخلصر النه ليس له حد ينتهي القطع اليه
-وال في كسر عظم غير سن :الن املماثلة غري ممكنة وال ي¸¸ؤمن ان يس¸¸توىف اك¸¸ثر من احلق اما
السن فمن املمكن برد سن اجلاين
-وال في قصبة االنف :وهي عظم األنف الهنا ليس هلا حد ينتهي القطع اليه
وه ذا الض ابط ال ذي ذك ره الفقه اء بن ¸¸اء على ما ك ¸¸ان يف الس ¸¸ابق من تع ¸¸ذر املماثلة يف الكس ¸¸ور اما االن ف ¸¸اذا
امكن طبيا كسر عظم اجلاين او القص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص من جائفة وحنو ذلك دون حيف فيجب القص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص الن العلة هي
االمن احليف فاذا امكن ذلك وجب تنفيذه
الشرط الثاني :المماثلة في االسم والموضع :
فال تؤخذ ميني بيسار وال يسار بيمني
وال خنصر ببنصر وال خنصر يسرى خبنصر ميىن
75
وال اصلى بزائد وال زائد باصلي
وال تؤخذ الشفة العليا بالسفلى
ويف كل ما تقدم القصاص ولو تراضيا لعدم املماثلة
الشرط الثالث :استواء الطرفين في الصحة والكمال :
فال تؤخذ يد او رجل ص ¸ ¸¸حيحة بيد او رجل ش ¸ ¸¸الء وال يد او رجل كاملة االص ¸ ¸¸ابع بناقص ¸ ¸¸تها وال تؤخذ عني
ص¸¸حيحة بعني قائمة ( وهي اليت بياض¸¸ها وس¸¸وادها ص¸¸افيان غري ان ص¸¸احبها ال يبصر ) وال لس¸¸ان ن¸¸اطق ب¸¸اخرس
ولو تراضيا على ذلك لنقص ذلك والن الدماء ال تستباح باالباحة والبذل .
ولكن :
يؤخذ العكس فتؤخذ الش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸الء وناقصة االص¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ابع والعني القائمة بالص ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸حيحة وال أرش الن املعيب من ذلك
كالصحيح يف اخللقة وامنا نقص يف الصفة .
مس ألة :تؤخذ اذن مسيع ب ¸¸اذن اصم ش ¸¸الء ،وم ¸¸ارن االشم الص ¸¸حيح مبارن االخشم ال ¸¸ذي ال جيد رائحة ،الن
ذلك ال لعلة يف العضو وامنا لعلة الدماغ .
76
وال قصاص – على رأيهم أيضاً -في الجراح التالية :
-الجائفة :وهي التي تنفذ الى الجوف ،كبطن وصدر وثغر نحر ،وخاصرة
والعلة يف ذلك :ع ¸ ¸¸دم األمن من احليف والزي ¸ ¸¸ادة وملا روى ابن ماجة عن النيب ص ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸ ¸¸لم انه ق ¸ ¸¸ال
(( ال قود يف املأمومة وال يف اجلائفة وال يف املنقلة ))
وال قصاص – على رأيهم أيضاً -في الكسور غير كسن سن ،بال خالف بني أهل العلم ،لعدم االمن من
احليف يف الكسور
المطلب الرابع :القصاص في اللطمة والوكزة والضربة والشجة دون الموضحة :
اختلف اهل العلم يف هذه املسألة على قولني :
القول االول :
ذهب عامة اهل العلم من احلنيفة واملالكية والش ¸¸افعية واحلنابلة اىل انه ال ق ¸¸ود يف اللطمة والض ¸¸ربة وال ¸¸وكزة وحنو
ذلك وامنا فيه التغزير
استدلوا :
بان القصاص يف اللطمة والضربة ال يؤمن معه احليف إذ إهنا ختتلف قوة وضعفا وكربا وصغرا .
القول الثاني :
وهو قول لبعض املالكية ورواية عن االمام امحد اختارها ابن تيمية وابن القيم وهو ان الواجب فيها القصاص .
استدلوا
الدليل األول :
قوله تعاىل (( وان عاقبتم فعاقبوا مبثل ما عوقبتم به )) فالواجب للملطوم ان يفعل باجلاين كما فعل به
الدليل الثاني :
عن ايب س ¸¸عيد اخلوري ق ¸¸ال بينما رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم يقسم قس ¸¸ما اقبل رجل ف ¸¸أكب عليه فطعنه
رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم بعرج¸¸ون ك¸¸ان معه فج¸¸رح وجهه فق¸¸ال الرس¸¸ول ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم :تع¸¸ال
77
فاس¸¸تقد ،فق¸¸ال بل عف¸¸وت يارس¸¸ول اهلل )) اخرجه ابو داوود والنس¸¸ائي وقد حصل ق¸¸ريب من ذلك لس¸¸واد بن
غزية يف معركة بدر .
الدليل الثالث:
عن عائشة رضي اهلل عنها ان النيب ص¸ ¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸ ¸ ¸¸لم بعث ابا جهم بن حذيفة مص¸ ¸ ¸ ¸¸دقا فالح¸ ¸ ¸¸اه رجل يف
ص¸¸دقته فض¸¸ربه ابو جهم فش¸¸جه ف¸¸اتوا النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم فق¸¸الوا الق¸¸ود يا رس¸¸ول اهلل فق¸¸ال النيب ص¸¸لى اهلل
عليه وس¸لم لكم ك¸ذا وك¸ذا فلم يرض¸وا ،فق¸ال :لكم ك¸ذا وك¸ذا فرض¸وا فق¸¸ال النيب ص¸لى اهلل عليه وس¸لم :اين
خ¸اطب العش¸ية على الن¸اس وخمربهم برض¸¸اكم فق¸الوا :نعم فخطب رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸لم فق¸¸ال :ان
ه¸ؤالء ات¸وين يري¸دون القص¸اص فعرضت عليهم ك¸ذا وك¸ذا ،فق¸ال النيب ص¸لى اهلل عليه وس¸لم فرض¸وا ،ارض¸يتم
؟ فق¸¸الوا :ال ،فهم امله¸¸اجرون هبم ،ف¸¸أمرهم رس¸¸ول اهلل ان يكف¸¸وا عنهم ،فكف¸¸وا عنهم ،مث دع¸¸اهم ف¸¸زادهم ،
فق¸¸ال :أرض¸¸يتم ؟ فق¸¸الوا :نعم فق¸¸ال :إين خ¸¸اطب على الن¸¸اس وخمربهم برض¸¸اكم ،فق¸¸الوا :نعم فخطب النيب
صلى اهلل عليه وسلم فقال ارضيتم ؟ قالوا نعم )) رواه ابو داوود والنسائي وابن ماجه
ومن فقه هذا الحديث :
-1مش ¸¸روعية الق ¸¸ود يف الش ¸¸جة ،وهلذا ص ¸¸وحلوا من الق ¸¸ود م ¸¸رة بعد م ¸¸رة حىت رض ¸¸وا ولو ك ¸¸ان ال ¸¸واجب
األرش فقط لقال هلم النيب صلى اهلل عليه وسلم حني طلبوا القود :انه ال حق لكم فيه .
-2وايضا ففيه جواز املصاحلة على اكثر من االرش املقدر يف اجلناية على ما دون النفس .
الدليل الرابع :
وثبت القص ¸¸اص يف اللطمة عن ايب بكر وعمر وعثم ¸¸ان وعلى رضي اهلل عنهم ويف مس ¸¸ند اجلوزج ¸¸اين ،ان عمر
رضي اهلل عنه خطب الناس وقال :إين مل ابعث عمايل اليكم ليضربوا ابشاركم وال لياخ¸ذوا ام¸والكم ولكن امنا
بعثتهم ليبلغ ¸¸وا دينكم وس ¸¸نة ن ¸¸بيكم ويقس ¸¸موا فيكم ف ¸¸يئكم ،فمن فعل به غري ذلك فلري فعه ايل فو ال ¸¸ذي نفس
عمر بيده القصنه منه فقام اليه عمرو بن العاص فقال :يا أمر املؤمنني :ان ك¸¸ان رجل من املس¸¸لمني على رعيته
ف¸¸أدب رعيته لتقص¸¸نه منه فق¸¸ال عمر :وم¸¸ايل ال اقصه منه وقد رايت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يقص من
نفسه .
الدليل الخامس :
أن معاقبته بالقصاص اقرب اىل املماثلة والعدالة املأمور هبا حسا وشرعا من تعزيره هبا بغري جنس اعتدائه وق¸¸دره
وصفته يقول ابن القيم (( :واألمثل هو املأمور به ،فهذا امللطوم املضروب قد اعت¸¸دى عليه ف¸¸الواجب ان يفعل
باملعت¸¸دي كما فعل به ف¸¸ان مل ميكن ك¸¸ان ال¸¸واجب م¸¸اهو االق¸¸رب واالمثل وس¸¸قط م¸¸اعجز عن العبد من املس¸¸اواة
من كل وجه وال ريب ان لطمة بلطمة وض¸ ¸ ¸¸ربة بض¸ ¸ ¸¸ربة يف حملها باآللة اليت لطم هبا او مبثلها اق¸ ¸ ¸¸رب اىل املماثلة
...من تغزيره هبا بغري خنس اعتدائه وقدره وصفته ))
78
وق¸¸ال ش¸¸يخ اإلس¸¸الم ابن تيمية " :وهلذا ك¸¸ان القص¸¸اص مش¸¸روعا إذا أمكن اس¸¸تيفاؤه من غري جنف ،ف¸¸إذا ك¸¸ان
اجلنف واقعا يف االس¸ ¸ ¸¸تيفاء ع¸ ¸ ¸¸دل إىل بدله وهو الدية ،ألنه أش¸ ¸ ¸¸به بالع¸ ¸ ¸¸دل من إتالف زي¸ ¸ ¸¸ادة يف املقتص منه ،
وك¸¸ذلك القص¸¸اص يف الض¸¸ربة واللطمة وحنو ذلك ع¸¸دل عنه طائفة من الفقه¸¸اء إىل التعزير ،لع¸¸دم إمك¸¸ان املماثلة
فيه ،وال¸¸ذي عليه اخللف¸¸اء الراش¸¸دون وغ¸¸ريهم من الص¸¸حابة وهو منص¸¸وص أمحد :ما ج¸¸اءت به س¸¸نة رس¸¸ول اهلل
ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم من ثب¸¸وت القص¸¸اص به ; ألن ذلك أق¸¸رب إىل الع¸¸دل واملماثلة .فإنا إذا حترينا أن نفعل به
من جنس فعله ونق¸ ¸¸رب الق¸ ¸¸در من الق¸ ¸¸در ك¸ ¸¸ان ه¸ ¸¸ذا أمثل من أن ن¸ ¸¸أيت جبنس من العقوبة ختالف عقوبته جنسا
وقدرا وصفة " .
فاذا كانت اجلناية هامشة ،فله ان يقتص موضحة زائدا مخس من االبل
عشر من االبل = = = منقلة = = = = = = ،
= = = مأمومه = = = = = = = ،مثانية وعشرين وثلث
مسألة :
79
ال جيوز عند تنفيذ القص ¸ ¸¸اص ان يعطى اجلاين ش ¸ ¸¸رابا خيفف عنه األمل ألن ذلك ال تتحقق معه املماثلة ،بل جيب
أن يش¸¸عر بنفس األمل ال¸¸ذي اوقعه ب¸¸اجملين عليه ،وه¸¸ذا خبالف قطع اليد يف الس¸¸رقة فانه جيوز تب¸¸نيج الس¸¸ارق عند
قطعها ألن املقص¸ ¸ ¸¸ود هو قطعها وليس إيالمه ،وهلذا ال جيوز أن تع¸ ¸ ¸¸اد يد الس¸ ¸ ¸¸ارق بعملية جراحية ،بينما جتوز
اعادة يد اجلاين املقطوعة الن املقصود من القصاص قد حتقق .
80
المبحث الثالث
دية النفس
الدية في اللغة :مصدر مسمى به املال املؤدى وأصلها :ودي ،كالعدة من الوعد
واصطالحا :املال املؤدى اىل اجملين عليه أو وليه بسبب جناية .
وه ¸ ¸¸ذا التعريف يش¸ ¸¸مل دية النفس ودية األعض ¸ ¸¸اء واملن ¸ ¸¸افع وسيقتصر ح ¸ ¸¸ديثنا هنا على دية النفس أما األعض ¸ ¸¸اء واملن ¸ ¸¸افع
فسنرجئ احلديث عنها اىل ما بعد اجلناية على مادون النفس .
81
ال ¸¸ديات ،ق ال ابن حجر :اختلف ¸¸وا يف ص ¸¸حته ،وق ال الش افعي :مل يقبل ¸¸وا ه ¸¸ذا احلديث حىت ثبت عن ¸¸دهم أنه كت ¸¸اب
النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم ،وق ال ابن عبد ال بر :ه¸ ¸¸ذا احلديث مش¸ ¸¸هور عند أهل العلم معرفة يس¸ ¸¸تغين بش¸ ¸¸هدهتا عن
اإلسناد ،ألنه أشبه املتواتر لتلقي الناس له بالقبول .أهـ
جـ -وأما اإلجماع :
فقد أمجعت األمة على مشروعية الدية يف اجلناية على النفس املعصومة .
وقد سبق بي¸ان ه¸ذه القاع¸دة مفص¸لة يف القتل اخلطأ ،وأن املرجع يف حتديد التع¸دي أو التفريط اىل الع¸رف ،وس¸بق ذكر
األمثلة على ذلك ،س¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان القتل باملباش ¸ ¸¸رة أو بالتس¸ ¸¸بب ،وس¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان اجملين عليه مس¸ ¸¸لما أو ذميا أو مس¸ ¸¸تأمنا أو
معاهدا ،لقوله تعاىل (( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة اىل أهله )) فعرب تعاىل عن الذمة بامليثاق .
82
و إلمجاع أهل العلم على ذلك ،وممن حكى اإلمجاع ابن قدامه و املرداوي
وألن ه ¸ ¸¸ذا يقتض¸ ¸ ¸¸يه األصل وهو أن ب¸ ¸ ¸¸دل املتلف جيب على املتلِف نفسه وإمنا خولف ه¸ ¸ ¸¸ذا األصل يف القتل املع ¸ ¸¸ذور فيه –وهو قتل
اخلطأ وشبه العمد -ختفيفا على اجلاين لكثرة الواجب ،وعجز اجلاين يف الغالب عن حتمله ،مع وج¸¸وب الكف¸¸ارة عليه ،وقي¸ام
عذره ،ختفيفا عنه ،ورفقا به ،والعامد ال عذر له ،فال يستحق التخفيف ،وال يوجد فيه املعىن املقتضي للمواساة يف اخلطأ .
ثانيا – أنها تجب حالة غير مؤجلة :
عند مجهور أهل العلم ( املالكية والشافعية واحلنابلة ) ،وهو الصحيح ملا يلي :
-1ألن ما وجب بالعمد احملض كان حاال كالقصاص و أروش اجلنايات
-2وألن هذا هو األصل يف بدل املتلفات
ثالثا – أنها مغلظة من حيث السن :
وقد اختلف أهل العلم يف أسناهنا :
فقيل ( -وهو قول األحناف واملالكية واحلنابلة ) :-إهنا جتب أرباعا ،على النحو التايل :
-مخس وعش¸ ¸¸رون بنت خماض ( وهو م ¸ ¸¸امت له س¸ ¸¸نة ،ودخل يف الثانية ،مسيت ب¸ ¸¸ذلك ألن أمها م¸ ¸¸اخض أي حامل واملراد أنه قد
) محلها وقت دخل
-ومخس وعشرون بنت لبون ( :وهو مامت له سنتان ،مسيت بذلك ألن أمها صارت لبوناً ،أي مرضعا بوضع احلمل )
-ومخس وعشرون حقه ( :وهو ما مت له ثالث سنوات ،مسيت بذلك ألهنا استحقت أن يطرقها الفحل )
-ومخس وعشرون جذعة ( :وهو مامت له أربع سنوات )
وقيل ( -وهو قول الشافعية ) :إهنا جتب أثالثا :
-ثالثون حقه
-ثالثون جذعة
-وأربعون َخــلِفة ( أي حامل ) يف بطوهنا أوالد .
ما روى عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ق¸¸ال إن { :من قتل متعم¸¸دا ،دفع إىل
أولي¸¸اء املقت¸¸ول ف¸¸إن ش¸¸اءوا قتل¸¸وا ،وإن ش¸¸اءوا أخ¸¸ذوا الدية ،وهي ثالث¸¸ون حقة ،وثالث¸¸ون جذعة ،وأربع¸¸ون خلفة ،وما
صوحلوا عليه فهو هلم } .وذلك تشديد العقل رواه أمحد وابن ماجه والرتمذي ،وقال :هو حديث حسن غريب
م¸¸اروى عبد اهلل بن عم¸¸رو بن الع¸¸اص عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال (( :أال إن يف قتيل عمد اخلطأ قتيل الس¸¸وط
والعصا مائة من اإلبل منها أربعون خلفة يف بطوهنا أوالدها )) أخرجه أمحد وأبو داود .
83
وعن عم ¸¸رو بن ش ¸¸عيب أن رجالً ح ¸¸ذف ابنه بالس¸¸يف فقتله فأخذ عمر منه الدية ثالثني حقة وثالثني جذعة وأربعني خلفة .
رواه مالك يف املوطأ .
دية شبه العمد مغلظة من وجه واحد ،وهو السن ،فهي جتب أثالثا كالقتل العمد ،على الص¸¸حيح من أق¸¸ول أهل العلم
.لقوله عليه الص ¸¸الة والس ¸¸الم (( عقل ش ¸¸به العمد مغلظ مثل عقل العمد – احلديث وقد تق ¸¸دم )) -أخرجه ال ¸¸دارقطين
وضعفه ،وحلديث عبد اهلل بن عمرو املتقدم (( أال إن يف قتيل خطأ العمد ¸....احلديث ))
84
األول :أهنا جتب على العاقلة ،وهذا هو مذهب اجلمهور ،وهو الصحيح ملا يلي :
ما روى أبو هريرة رضي اهلل عنه قال :اقتتلت امرأت¸ان من ه¸¸ذيل ،ف¸رمت إح¸¸دامها األخ¸رى حبجر فقتلتها وما يف -1
بطنها ،فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بدية املرأة على عاقلتها )) متفق عليه .
-2وألنه نوع قتل اليوجب قصاصا ،فوجبت ديته على العاقلة كاخلطأ
الثاني :أهنا جتب مؤجلة ،بإمجاع أهل العلم ،وممن حكى اإلمجاع ابن قدامه .
واحلكمة من ك¸¸ون دية اخلطأ وش¸¸به العمد على العاقلة أن ه¸¸ذه اجلناي¸¸ات تك¸¸ثر ،ودية اآلدمي كث¸¸رية ،فإجياهبا على اجلاين
يف ماله جيحف به فاقتضت احلكمة إجياهبا على العاقلة على س¸¸بيل املواس¸¸اة للقاتل ولإلعانه له ختفيف عنه إذ ك¸¸ان مع¸¸ذور
يف فعله .
85
استدلوا مبا يلي :
ح ¸ ¸¸ديث عبداهلل بن عم ¸ ¸¸رو – الس ¸ ¸¸ابق (( : -اال إن يف قتيل عمد اخلطأ قتيل الس ¸ ¸¸وط والعصا واحلجر -1
مائة من اإلبل )) فنص عليه الصالة والسالم على اإلبل خاصة .
وعن عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن ابيه عن ج¸¸ده أن عمر ق¸¸ام خطيبا فق¸¸ال (( :اال إن اإلبل قد غلت ،ق¸¸ال : -2
فق ¸¸وم على أهل ال ¸¸ذهب الف دين ¸¸ار وعلى أهل ال ¸¸ورق اثىن عشر الفا وعلى اهل البقر م ¸¸ائىت بق ¸¸رة وعلى أهل الش ¸¸اء ألفي
شاة وعلى أهل احللل مائىت حلة )) رواه ابو داوود وهو صحيح .
ووجه الداللة منه أنه أوجب ه¸¸ذه املذكورات على س¸¸بيل التق¸¸ومي لغالء اإلبل ولو ك¸¸انت أص¸¸وال بنفس¸¸ها مل يكن إ جياهبا
تقوميا لإلبل ،وال ك ¸ ¸¸ان لغالء اإلبل اثر يف ذلك وال ل ¸ ¸¸ذكره معىن ،وقد روي (( :أنه ك ¸ ¸¸ان يق ¸ ¸¸وم اإلبل قبل أن تغل ¸ ¸¸وا
بثمانية االف درهم ))
وألن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ف¸¸رق بني دية العمد واخلطأ فغلظ بعض¸¸ها وخفف بعض¸¸ها وال يتخقق -3
هذا يف غري اإلبل بامجاع أهل العلم .
وهذا القول هو الصحيح وأما ما استدل به أصحاب القول األول فهي أحاديث ص¸¸غيفة ،وعلى ف¸¸رض ثبوهتا فإهنا حتتمل
أن النيب صلى اهلل عليه وسلم أوجب الورق وحنوها بدال عن اإلبل وإمنا اخلالف يف كوهنا أصال .
وعلى ه ¸ ¸¸ذا فدية احلر املس ¸ ¸ ¸¸لم مائة من اإلبل أو ما يس ¸ ¸ ¸¸اوي قيمتها من األوراق النقدية ،وقد ق ¸ ¸ ¸¸درت يف اململكة العربية
السعودية مبا يساوي ( 110آالف لاير ) يف العمد وشبهه و ( 100ألف لاير ) يف اخلطأ .
وهي ختتلف من سنة إىل أخرى ومن بلد إىل آخر .
دية احلر الكت ¸¸ايب على النصف من دية املس ¸¸لم ،س ¸¸واء ك ¸¸ان معاه ¸¸دا أو مس ¸¸تأمنا أو ذميا ،على الص ¸¸حيح من أق ¸¸ول أهل
العلم ،وهذا هو مذهب املالكية واحلنابلة واختيار شيخ اإلسالم ابن تيمية
استدلوا مبا يلي :
ما روى عمر بن ش¸ ¸ ¸¸عيب عن أبيه عن ج¸ ¸ ¸¸ده عن النيب ص¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸ ¸¸لم أنه ق ¸ ¸¸ال (( :دية املعاهد
نصف دية املس ¸¸لم )) ويف لفظ أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم قضى أن عقل أهل الكت ¸¸اب نصف عقل املس ¸¸لمني )) رواه
أمحد واألربعة وصححه ابن خزميه .
قال خلطايب :ليس يف دية أهل الكتاب شيء أبني من هذا وال بأس بإسناده .
وقي ل :إن ديته كدية املس¸ ¸¸لم ( ق¸ ¸¸ول األحن¸ ¸¸اف ) وقيل :ديته أربعة آالف درهم ( وهو ق¸ ¸¸ول الش¸ ¸¸افعية ) وقيل :ديته
ثلث دية املسلم ،ولكن الصحيح هو القول األول .
86
فائ دة :جراح¸¸ات أهل الكت¸¸اب على النصف من دي¸¸اهتم كجراح¸¸ات املس¸¸لمني من دي¸¸اهتم ،ونس¸¸اؤهم على النصف من
دياهتم بال خالف
المسألة الرابعة :دية غير الكتابي :
ذهب أكثر أهل العلم إىل أن دية غري الكتايب من اجملوس والوثنيني وسائر املشركني مثامنائة درهم ألن هذا هو املروي عن
عمر وعثمان وابن مسعود رضي اهلل عنهم .
وذهب األحناف إىل أن ديته كدية املسلم ولكن الصحيح هو القول األول والجيوز اعتباره باملسلم وال بالكت¸¸ايب لنقص¸¸ان
دينه .
المسألة الخامسة :دية المرأة :
دية املرأة على النصف من دية الرجل ملا يلي :
ما ج ¸¸اء يف كت ¸¸اب النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم إىل عم ¸¸رو بن ح ¸¸زم (( :دية املرأة على النصف من دية .1
الرجل )) .
وإلمجاع أهل العلم على ذلك :وممن حكى اإلمجاع ابن عبد الرب وابن املنذر وابن قدامة و املرداوي .2
مسألة :
يس¸ ¸ ¸¸توي ال¸ ¸ ¸¸ذكر واألن¸ ¸ ¸¸ثى فيما ي¸ ¸ ¸¸وجب دون ثلث الدية ،ف¸ ¸ ¸¸إذا بلغت ثلث الدية فهي على النصف من دية الرجل ،
حلديث عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن أبيه عن ج¸¸ده مرفوع¸اً (( :عقل املرأة مثل عقل الرجل حىت تبلغ الثلث من الدية )) أخرجه
النسائي ،
وروى اإلمام مالك عن ربيعة قال :قلت لسعيد بن املسيب :كم يف أصبع املرأة ؟
قال :عشر ،
قلت ففي أصبعني ؟
قال :عشرون
قلت :ففي ثالثة أصابع
قال :ثالثون
قلت :ففي أربع ؟
قال :عشرون ،
فقلت :ملا عظمت مصيبتها قل عقلها ؟
قال :هكذا السنة يابن أخي )) .
وعلى هذا :
فتستوي دية املرأة مع الرجل فيما يوجب أقل من ثلث الدية :
ففي االصبع للذكر 10من اإلبل ،ولألنثى 10
87
ويف السن الواحدة للذكر 5من اإلبل ،ولألنثى مثل ذلك .
ويف املوضحة للذكر 5من اإلبل ،ولألنثى مثل ذلك .
ويف اهلامشة للذكر 10ولألنثى 10
ويف املنقلة للذكر 15ولألنثى 15
ويف كسر الضلع بعري واحد ولألنثى مثل ذلك .
وتكون املرأة على النصف من الرجل فيما زاد عن ثلث الدية :
ففي فقأ العني الواحدة للذكر 50بعرياً وللمرأة . 25
ويف كسر 7أسنان للذكر 35ولألنثى 17ونصف .
ويف قطع الشفة الواحدة 50للذكر و 25للمرأة .
ويف النفس للذكر 100ولألنثى 50
وتكون على النصف أيضاً فيما بلغ الثلث فقط ،للحديث املتقدم :
ففي املنخر الواحد للرجل ثلث الدية وهو ثالثة وثالثون بعرياً وثلث ،وللمرأة نصف ذلك .
= = = = = = = = = ويف املأمومة =
= = = = = = = = = = ويف اجلائفة
وهناك قول آخر يف املسألة ( وهولألحن¸اف والش¸¸افعية ) وهو أن دية املرأة على النصف فيما قل وك¸ثر ،ولكن الص¸¸حيح
هو الق¸ ¸¸ول األول لثب ¸ ¸¸وت احلديث فيه ،ق ¸ ¸¸ال ابن القيم (( :إنه – أي الق ¸ ¸¸ول األول – الس ¸ ¸¸نة وإن خ ¸ ¸¸الف يف أبو حنيفة
والشافعي .ولكن السنة أوىل )) أهـ .
واحلكمة يف التفرقة بني ما دون الثلث وما زاد عليه أن ما دونه قليل ( أي ديته قليلة ) فجربت مصيبة املرأة فيه مبس¸¸اواهتا
للرجل ،وهلذا استوى اجلنني :الذكر واألنثى يف الدية لقلة ديته ،وهي الغرة فنزل ما دون الثلث منزلة اجلنني .
المسألة السادسة :دية القن ( العبد ) :
دية العبد واألمة قيمتها بالغة ما بلغت ،ألنه ....فض¸من قيمته ،ويف جراحة ديته بقس¸¸طه من ديته ففي ي¸¸ده مثالً نصف
قيمته .
88
خبروجه ،وألن هن¸ ¸¸اك ش¸ ¸¸كاً يف وج¸ ¸¸ود أو م¸ ¸¸وت اجلنني ،وال جيب العق¸ ¸¸اب بالشك ،وبالت¸ ¸¸ايل فال دية س ¸¸واء ك ¸¸انت
اجلناية عمد أو خطأ ،وهذا هو رأي األئمة األربعة و أساسه عدم اليقني من وجود اجلنني أو موته .
والرأي الذي ينبغي العمل به اليوم مع تقدم الوس¸¸ائل الطبية أنه اذا أمكن طبيا القطع بوج¸¸ود اجلنني وأن موته بفعل اجلاين
ف¸¸إن العقوبة جتب على اجلاين ،وه¸¸ذا ال¸¸رأي حقيقة ال خيالف م¸¸اذهب اليه اجلمه¸¸ور ألهنم منع¸¸وا العق¸¸اب للشك ف¸¸إذا زال
الشك وامكن القطع ،وجبت عقوبته .
89
وال¸¸راجح هو ق¸¸ول اجلمه¸¸ور ،وأنه ال قص¸¸اص يف اجلناية على م¸¸ادون النفس ،ف¸¸إذا تعمد اجلاين اس¸¸قاطه فهو ش¸¸به عمد ،
ديته تكون مغلظة ،وإن مل يتعمد إسقاطه فهو خطأ ،ديته تكون خمففه¸.
90
يف هذا اختالف بني أهل العلم ،والصحيح أنه ال يشرتط ذلك
91
القول األول :
ذهب عامة الفقه ¸¸اء إىل ج¸ ¸¸واز الص ¸¸لح على القص ¸¸اص ،وأن القص¸ ¸¸اص يس¸ ¸¸قط بالص¸ ¸¸لح ،ويصح أن يك ¸¸ون الص ¸¸لح عن
القصاص بأكثر من الدية وبقدرها وبأقل منها .
واألدلة على ذلك :
-1ما روى عم¸¸رو بن ش¸¸عيب عن أبيه عن ج¸¸ده أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ق¸¸ال (( :من قتل عم¸¸دا دفع إىل أولي¸¸اء
املقتول ف¸إن ش¸اءوا قتل¸وا و إن ش¸اءوا أخ¸ذوا الدية :ثالثني حقه وثالثني جذعة وأربعني خلفة ،وما ص¸وحلوا عليه
فهو هلم )) رواه الرتمذي وهو صحيح
-2ويف عهد معاوية قتل هدبة بن خش ¸¸رم ق ¸¸تيال فب ¸¸ذل س ¸¸عيد بن الع ¸¸اص واحلسن واحلسني البن املقت ¸¸ول س ¸¸بع دي ¸¸ات ،
ليعفوا عنه ،فأىب ذلك وقتله .
-3وألن الشارع يتشوف اىل حفظ األنفس وحقن الدماء ويف جواز املصاحله حتقيق هلذا القصد
-4وألن األصل يف الصلح عموما هو اجلواز ما مل حيل حراما أو حيرم حاال لقوله عليه الصالة والسالم (( الص¸لح ج¸ائز
بني املسلمني اال صلحاً أحل حراما أو حرم حالل )) رواه أبو داوود .
وليس يف هذه املصاحلة شي من ذلك ،فهو صلح عما ال جيري فيه الربا فأشبه العروض.
-5وقد حكى ابن قدامه اإلمجاع على جواز الصلح عن الدماء .
92
المبحث الرابع
كفارة القتل
الكفاره هي العقوبه الثانية يف القتل شبه العمد واخلطأ وقد سبق معنا أن القتل العمد ليس فيه كفارة
وأما من السنة فعن واثلة بن األس¸¸قع ق¸¸ال اتينا رس¸¸ول اهلل عليه وس¸¸لم بص¸¸احب لنا ق¸¸دا اس¸¸توجب القتل فق¸¸ال (( اعتق¸¸وا
عنه رقبة يعتق اهلل بكل عضو منه عضوا منه من النار )) اخرجه ابو داوود والنسائي
وأما اإلجماع :
فقد امجعت األمة على أن على القاتل خطأ كفارة
( نفسا محرمة ) :دخل يف هذا القيد :املسلم ،واملعاهد ،والذمي ،واملستأمن ،واجلنني ،واجملنون ،والصغري .
وخرج بهذا القيد :
( )1ما اذا كانت نفس املقتول غري حمرمة ،كالباغي ،واملرتد ،والقتل قصاصاً أو دفاعا عن النفس ،فال كفارة
( )2ما اذا كانت اجلناية فيما دون النفس فال كفارة
(أو شارك في قتلها ) :أي أن الكفارة تتعدد بتعدد اجلناة ،فيجب على كل واحد منهم كفارة
93
( خطأ أو شبه عمد ) :فخرج بذلك القتل العمد ،والقتل املباح .
وإن رمى مسلما يف دار احلرب يظنه كافرا فعليه الكفارة ألنه قتل خطأ ولقوله تعاىل (( وإن كان من قوم
عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة ))
(مباشر أو تسببا ) :املباشرة :أن يباشر اجلاين اجلناية ،والتسبب مثل أن حيفر بئرا فيقع فيه إنسان فيموت .
وسواء كانت املباشرة أو التسبب يف قتل خطأ أو شبه عمد .
( فعليه الكف ارة ) :أي يف م ¸ ¸¸ال اجلاين خاصة وال حتمله العاقلة ،ألن العاقلة تتحمل الدية ،أما الكف ¸ ¸¸ارة فهي يف م¸ ¸¸ال
اجلاين ألمرين :
-1أهنا يسرية يتحملها اجلاين يف ماله وحده
وألننا لو أجبنا الكف¸¸ارة على العاقلة أيضا ألدى ذلك اىل أال يتحمل اجلاين – يف القتل ش¸¸به العمد واخلط¸¸أ- -2
شيئاً ال كفارة وال دية ،وهلذا مل تشرع الكفارة يف القتل العمد ألن اجلاين يتحمل الدية يف ماله خاصة .
مسألة :نصت اآلية على وجوب الكفارة في القتل الخطأ ،فلماذا الحقنا شبه العمد به ؟
ج – قال ابن قدامه (( :النه أج¸¸رى جمرى اخلطأ يف نفي القص¸¸اص ،ومحل العاقلة ديته ،وتأجيلها يف ثالث س¸¸نوات ،
فج¸¸رى جمراه يف وج¸¸وب الكف¸¸ارة ،وألن القاتل امنا مل حيمل ش¸¸يئا من الدية لتحمله الكف¸¸ارة ،فلو مل جتب عليه الكف¸¸ارة
حلمل من الدية لئال خيلو القاتل عن وجوب شيء أصال ومل يرد الشرع هبذا )) ا .هـ
المطلب الثالث :صفة الكفارة :
الواجب يف الكفارة :
عتق رقبة مؤمنة
ف ¸¸إن مل جيد ( لع ¸¸دم وج ¸¸ود رقيق أو لع ¸¸دم قدرته ) فص ¸¸يام ش ¸¸هرين متت ¸¸ابعني ،ال يقطعهما اال بع ¸¸ذر ش ¸¸رعي أو
حسي .
فالعذر الشرعي :موافقة أحد العيدين ،أو أيام التشريق ،واحليض والنفاس بالنسبة للمرأة .
والعذر احلسي :مثل املرض والسفر لغري الرتخص .
فمىت قطع الصيام لغري عذر شرعي فعليه استئنافه من جديد
فإن مل يستطع الصيام فال شيء عليه .
المبحث الخامس
94
املطلب األول :ديات األعضاء
أوالً -:من أتلف ما في اإلنسان منه شيء واحد ،ففيه دية تلك النفس على التفصيل السابق :
إن كان عمداً فدية مغلظة وإن كان خطأ خمففه وتتحملها العاقلة يف ثالث سنوات .
مثال ذلك :اللسان ،ولو من صغري ،واألنف ولو من أخشم ،والذكر ولو من عنني .
ودليل ذلك :
¸ _1ح ¸ ¸¸ديث ع ¸م ¸ ¸¸رو بن ¸ح ¸ ¸¸زم ،وفية ":ويف ا ¸ل ¸ ¸¸ذكر الدية ،ويف األنف إذا أوعب ¸ج ¸ ¸¸دعاً الدية ،ويف
اللسان الدية " رواة أمحد والنسائي
_2وقد أمجعت األمة على ذلك
مالحظة :يف لس¸¸ان األخ¸¸رس حكومة إذا مل ي¸¸ذهب ال¸¸ذوق بقطعة .أوقد ذهب قبل ف¸¸إن ذهب بقطعه
فديه .
95
-1ح¸ ¸¸ديث عم¸ ¸¸رو بن ح¸ ¸¸زم الس¸ ¸¸ابق وفيه ":ويف الش¸ ¸¸فتني الدية ،ويف البيض¸ ¸¸تني (اخلص¸ ¸¸يتني) الدية ،ويف
ص¸ ْلب( -وهو العم¸¸ود الفق¸ري ¸،ف¸إن ذهب املين مع الكسر ف¸ديتان) -الدية ،ويف العي¸نني الدية ،ويف ال ُ
الرجل الواحدة نصف الدية " .
-2وقد امجعت األمة على ذلك.
ثالثاً :ما في اإلنسان منه ثالثة أشياء ففيه الدية كاملة :
وهو شيء واحد :املنخران ،واحلاجز بينهما ،ففي كل منخر ثلث الدية ،ويف احلاجز ثلثها .
رابعاً :ما في اإلنسان منه أربعة أشياء ففيه الدية كاملة :
مثل األجفان األربعة ،ويف كل جفن ربع الدية ،ال فرق يف ذلك بني البصري واألعمى.
خامساً :في أصابع اليدين الدية كاملة ،وفي أصابع الرجلين الدية كاملة:
ويف كل إصبع عشر الدية.
ملا روى ابن عب¸¸اس رضي اهلل عنهما عن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم أنه ق¸¸ال ":دية أص¸¸ابع الي¸¸دين وال¸¸رجلني عشر
من اإلبل لكل إص¸ ¸ ¸¸بع " رواه الرتم¸ ¸ ¸¸ذي وص¸ ¸ ¸¸ححه ،ولفظه عن البخ¸ ¸ ¸¸اري " ه¸ ¸ ¸¸ذه وه¸ ¸ ¸¸ذه س¸ ¸ ¸¸واء " يعين اخلنصر
والبنصر و اإلهبام .
ويف كل أمنلة من أص¸ ¸¸ابع الي¸ ¸¸دين وال¸ ¸¸رجلني ثلث عشر الدية ،ألن يف كل إص¸ ¸¸بع ثالثة مفاصل ،إال اإلهبام ففيه
مفصالن ويف كل مفصل نصف عشر الدية.
96
املطلب الثاين
ديات املنافع
ق ال أهل العلم :إذا ذهب بعض املنفعة ف¸ ¸¸إن علم مق¸ ¸¸دار م¸ ¸¸اذهب ،فتجب الدية بق¸ ¸¸دره ،كما لو ذهب بعض
الكالم فيقسم على مثانية وعشرين حرفاً ،فإن كان قد ذهب منه ربع األحرف مثالً فله ربع الدية ،وهكذا.
أما إن مل يعلم قدر الذاهب ففيه حكومة.
ثانياً يجب في كل واحد من الشعور األربعة الدية :
وهي :
97
شعر الرأس .
شعر اللحية .
شعر احلاجبني .
شعر أهداب العني .
واملقصود¸ أن يزيل هذا الشعور فال تنبت ثانية .
واألدلة على ذلك :
ملا روى عن علي وزيد بن ثابت :يف الشعر الدية.
ب-وألنه أذهب اجلمال على الكمال .
ويف احلاجب الواحد نصف الدية ،ويف اهلدب ربعها ،ويف الشارب حكومة وليس فيه دية.
ف¸¸إن ك¸¸ان ي¸¸رجى أن يع¸¸ود الش¸¸عر فيجب االنتظ¸¸ار حىت يع¸¸ود ،ف¸¸إن ع¸¸اد فنبت س¸¸قط موجبه ،ف¸¸إن ك¸¸ان
أخذ شيئاً رده .
وإن ت ¸¸رك من حلية أو غريها م ¸¸اال مجال فيه ،فدية كاملة ،ألنه أذهب املقص ¸¸ود من ¸¸ه ،أش¸¸به ما لو ذهب
ضوء العينني .
98
مسألة :أحكام الجناية على يد األقطع أو رجله :
ض ¸ ¸¸اء ،فلو قطعت أذن من
جيب يف قطع يد األقطع أو رجله ،ولو ع ¸م ¸ ¸¸داً ،نصف الدية ك ¸غ ¸ ¸¸ريه ،وكبقية األع ¸
قطعت أذنه ،أو منخر من قطع منخ¸¸ره مل جيب فيه أك¸¸ثر من نصف الدية ،وألن أحد ذينك العض¸¸وين ال يق¸¸وم
مقام اآلخر خبالف عني األعور ،فإهنا قائمة يف اإلدراك مقام العينني ،فوجب فيها دية كاملة .
ولو قطع األقطع يد صحيح أقيد إذا توفرت الشروط السابقة .
99
المطلب الثالث
100
وغالب أهل العلم ال يذكرها ألن صاحبها ال يسلم غالباً.
المبحث السادس
العاقلة وما تحمله
101
المطلب األول :تعريف العاقلة :
العاقلة :لغة :العص¸¸بة ،ومسي أق¸¸ارب القاتل عاقلة ،ألهنم يعقل¸¸ون عن¸¸ه ،والعق¸¸ل :الدي¸¸ة ،مسيت ب¸¸ذلك ألن اإلبل
تعقل بفياء /أولياء املقتول.
وفي الشرع :عاقلة اإلنسان :هي عصبته كلهم من النسب والوالء قريبهم "ك¸األخوة" وبعي¸دهم ك¸ابن بن بن
عم جد اجلاين ،حاضرهم وغائبهم
فدخل بهذا التعريف :مجيع قرابة الرجل من جهة أبيه "أي قبيلته" .
وخرج هبذا :
.1قرابته من جهة أمه ،كاجلد الم ،واألخ ألم.
.2قرابته النسوة من جهة أمه ،فهن لسن من العاقلة ،ألهنن لسن أهالً للنصرة واملواساة
وال يعترب أن يك¸¸ون العص¸¸بة وارثني يف احلال بل مىت ك¸¸انوا يرث¸¸ون ل¸¸وال احلجب عقل¸¸وا ،وال¸¸دليل على ذلك ما
روى عم¸ ¸¸رو بن ش¸ ¸¸عيب عن ابيه عن ج¸ ¸¸ده أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس¸ ¸¸لم قضى أن عقل املرأة بني عص¸ ¸¸بتها من
كانوا ال يرثون منها شيئاً إال ما فضل عن ورثتها ،وإن قتلت فعقلها بني ورثتها" .رواه أبو داود .
المطلب الثاني :الدليل على تحمل العاقلة :
ح¸¸ديث أيب هري¸¸رة قضى رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم يف ج¸¸نني ام¸¸رأة من بين حلي¸¸ان س¸¸قط ميتا بغ¸¸رة عبد أو
أمة مث إن املرأة اليت قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بأن مرياثها لبنيها وزوجها
وأن العقل على عصبتها " متفق عليه
ويف رواية " اقتتلت امرأت¸¸ان من ه¸¸ذيل ف¸¸رمت إح¸¸دامها األخ¸¸رى حبجر فقتلتها وما فاختص¸¸موا إىل النيب ص¸¸لى اهلل
عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرةعبد أو وليدة وقضى بدية املرأةعلى عاقلتها " متفق عليه
ص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸بة
والحكمة من مش روعية العاقلة :أن القتل اخلطأ ي ¸ك¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ثر فإجياب الدية على القاتل جيحف به وألن الع ¸
يشدون أزر قريبهم وينصررونه فاستوى قريبهم وبعيدهم يف العقل .
وأما حديث " ال جيين عليك وال جتين عليه " أي إمث جنايتك ال يتخطاك إليه وبالعكس كقوله تعاىل " :وال ت¸¸زر
وازرة وزر أخرى "
المطلب الثالث :ما التتحمله العاقلة :
ال حتمل العاقلة ستة أمور:
.1عمدا
.2وال عبدا
.3وال إقرارا
.4وال صلحا
102
واألدلة على ذلك :ق¸¸ول ابن عب¸¸اس " :الحتمل العاقلة عم¸¸دا وال عب¸¸دا وال ص¸¸لحا وال اعرتاف¸¸ا" وال يع¸¸رف له
خمالف من الصحابة ،
وقال عمر العمد والعبد والصلح واعرتاف ال تعقله العاقلة رواه الدارقطين
وقال الزهري مضت السنة أن العاقلة ال حتمل شيئا من دية العمد إال أن يشاؤوا رواه مالك
.5وال م¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ادون ثلث دية ذكر مس¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸لم ،ملا روي عن عمر رضي اهلل عنه أنه قضى يف الدية أن ال حتمل منها
العاقلة شيئا حىت تبلغ عقل املأمومة ،وألن األصل وجوب الض¸¸مان على اجلاين خولف يف ثلث الدية ف¸¸أكثر
إلجحافه باجلاين لكثرته فيبقى ماعداه على األصل
.6وال قيمة متلف ،ألن األصل وجوب ضمان األموال على متلفها كقيمة العبد والدابة
المطلب الرابع :كيفية تحمل العاقلة :
حتمل العاقلة اخلطأ وشبه العمد ملا تقدم ،مؤجال يف ثالث سنني ،ملا يلي :
103
.1ملا روي عن عمر وعلي أهنما قض¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸يا بالدية على العاقلة يف ثالث س¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸نني وروي حنوه عن ابن ع ¸ب¸ ¸ ¸ ¸¸اس وال
خمالف هلم يف عصرهم من الصحابة
.2وألهنا حتمل ما جيب مواساة فاقتضت احلكمة ختفيفه عليها
وابتداء حول القتل :من الزهوق ،والجرح :من الربء ألنه وقت استقرار الوجوب
وما يحمله كل واحد مق در :ف¸ ¸¸ريجع إىل اجته¸ ¸¸اد احلاكم يف توزيعه عليهم فيحمل على كل إنس¸ ¸¸ان مايس¸ ¸¸هل
عليه ألن ذلك مواساة للجاين وختفيف عنه وال يزال الضرر بالضرر
ويبدأ باألقرب فاألقرب فيقسم على اآلب¸¸اء واألبن¸¸اء مث األخ¸¸وة مث ب¸¸نيهم مث األعم¸¸ام مث ب¸¸نيهم مث أعم¸¸ام األب مث
س ¸¸عت أ ¸م ¸¸وال األق ¸¸ربني حلمل العقل مل يتج ¸¸اوزهم وإال انتقل إىل من يليهم ، ض ¸¸وا وإن ات ¸
ب ¸¸نيهم وه ¸ك ¸¸ذا حىت ينقر ¸
وال يعترب أن يكونوا وارثني ملن يعقلون عنه بل مىت كانوا يرثون لوال احلجب عقلوا ملا سبق .
المطلب الخامس :من يعفى من العصبة من تحمل الدية :
ال عقل على :
-فق ير :وإن ك¸ ¸¸ان من العص¸ ¸¸بة ألنه ليس من أهل املواس¸ ¸¸اة ،وألهنا وجبت على العاقلة ختفيفا على اجلاين فال
تثقل على من ال جناية منه
-وصبي ومجنون وامرأة :ألهنم ليسوا من أهل النصرة واملعاضدة
قال ابن المنذر :أمجعوا على أن املرأة والذي مل يبلغ ال يعقالن وأن الفقري ال يلزمه شيء انتهى
المطلب السادس :حكم من العاقلة له :
من ال عاقلة له أو له عاقلة وعج¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸زت فال دية عليه وتك¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ون يف بيت املال كدية من م¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ات يف زمحة كجمعة
وطواف ،ألنه صلى اهلل عليه وسلم ودى األنصاري الذي قتل خبيرب من بيت املال وألن املس¸¸لمني يرث¸¸ون من ال
وارث له فيعقلون عنه
البـاب الثاني
الحـدود
الفصل األول :مدخل في التعريف بالحدود ِ ،
وح َكمها ،ومراتبها :
المبحث األول :تعريف الحدود :
المطلب األول :تعريفها في اللغة :
104
احلدود :مجع حد وهو لغة املنع ،ومنه مسي احلاجز بني الش¸ ¸¸يئني ح¸ ¸¸داً ألنه مينع من اختالط أح¸ ¸¸دمها ب¸ ¸¸اآلخر ،
وح ¸¸دود اهلل حمارمه ،لقوله تع ¸¸اىل "تلك ح ¸¸دود اهلل فال تقربوها " وهي ما ح ¸¸ده وق ¸¸دره فال جيوز أن يتع ¸¸دى ،
واحلدود العقوبات املقدرة مسيت بذلك من املنع ألهنا متنع من الوقوع يف مثل ذلك الذنب
المطلب الثاني :تعريفها في الشرع :
من أحسن ما قيل في تعريف الحد في االص طالح الفقهي أنه :عقوبة مق¸ ¸ ¸¸درة ش¸ ¸ ¸¸رعا يف معص ¸ ¸¸ية لتمنع من
الوقوع يف مثلها ،يُغلَّب فيها حق اهلل ويقيمها اإلمام أو نائبه .
شرح التعريف :
عقوبة :جنس يف التعريف ،يش¸ ¸ ¸ ¸¸مل العقوبة املق¸ ¸ ¸ ¸¸درة وغري املق¸ ¸ ¸ ¸¸درة ،فمن العقوب ات المق درة :حد الزنا
وش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رب اخلمر ،والقص¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اص ،وال¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ديات ،والكف¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ارات مثل كف¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ارة اليمني والظه ¸ ¸ ¸¸ار وغريها ،
أماالعقوبات غير المقدرة :فهي العقوبات التعزيرية .
وخرج بقولنا :عقوبة :اجلزاءات الشرعية املقدرة اليت التعد عقوبة مثل كفارة اليمني .
مقدرة :قيد يف التعريف خيرج العقوبات غري املقدرة وهي التعزير ،فإهنا التسمى ح¸دوداً ب¸املعىن االص¸طالحي ،
وإن كانت تسمى حدوداً باملعىن الشرعي العام .
شرعاً :املقص¸¸ود أن أصل تق¸¸ديرها من قبل الش¸¸ارع إما بكت¸¸اب أو س¸¸نة أو إمجاع ،فخ¸¸رج ب¸¸ذلك العقوب¸¸ات اليت
يق¸ ¸¸درها اإلم¸ ¸¸ام من ب¸ ¸¸اب السياسة الش¸ ¸¸رعية ،وه¸ ¸¸ذا القيد ي¸ ¸¸بني أن العقوبة يف اإلس¸ ¸¸الم – ولو ك ¸¸انت
تعزيرية – البد أن يك ¸¸ون هلا أصل يف الش ¸¸رع ،وأن حتقق مقص ¸¸ود الش ¸¸ارع من حفظ ال ¸¸دين والنفس
والنسل والعقل واملال .
في معص ية :قيد خ¸ ¸¸رج به اجلزاءات املق¸ ¸¸درة ش¸ ¸¸رعاً يف غري معص¸ ¸¸ية ،مثل كف¸ ¸¸ارة اليمني ،والفدية يف احلج ،
وكفارة القتل اخلطأ ،وحنوها .
لتمنع من الوقوع في مثلها :قيد لبيان احلكمة من مش¸روعية احلدود يف الش¸ريعة ،فإهنا ل¸ردع اجملرم وغ¸ريه من
العود يف اجلرميه .
يغلب فيها حق اهلل :أي جيتمع يف هذه العقوبات حق اهلل وحق اآلدمي لكن األغلب هو حق اهلل ،فال تس¸¸قط
ب¸¸العفو ،وخ¸¸رج هبذا القيد العقوب¸¸ات املق¸¸درة على اجلناي¸¸ات كالقص¸¸اص وال¸¸ديات ،إذ املغلب فيها هو
حق اآلدمي .
وقد يشكل على هذا القيد حد الق¸ذف عند اجلمه¸ور حيث ي¸رون أنه اجتمع فيه احلق¸ان حق اهلل وحق
اآلدمي ،وحق اآلدمي أغلب ،ول ¸ ¸ ¸¸ذا ف ¸ ¸ ¸¸إن من ش ¸ ¸ ¸¸روطه عن ¸ ¸ ¸¸دهم مطالبة املق ¸ ¸ ¸¸ذوف ،فلو مل يط ¸ ¸¸الب
املقذوف فال حد على القاذف ،فيكون التعريف بناءً على رأي اجلمهور غري جامع .
وهذا اإلشكال غري وارد عند األحناف الذين يرون أن حق اهلل أغلب يف القذف .
105
وسيأيت حبث هذه املسألة يف باب القذف إن شاء اهلل .
ويقيمها اإلمام أو نائبه :قيد خرج به العقوبات املقدرة شرعاً على ٍ
معاص واليشرتط لتنفيذها إذن
اإلمام :كفارة الظهار ،وكفارة اجلماع يف هنار رمضان .
المبحث الثاني :أنواع الحدود :
احلدود سبعة أنواع ،وهي تشمل املقاصد الضرورية اخلمسة ،وهذه احلدود هي :
.1حد الزنا :حلفظ النسل
.2حد القذف :حلفظ العرض
.3حد اخلمر :حلفظ العقل
.4حد السرقة :حلفظ املال
.5حد احلرابة :حلفظ النفس واملال والعرض
.6حد البغي :حلفظ الدين والنفس
.7حد الردة :حلفظ الدين
المبحث الثالث :الفروق بين الحدود وعقوبات الجنايات (القصاص /الدية ) :
-1األغلب يف احلدود هو حق اهلل ،بينما األغلب يف القصاص والديات هو حق اآلدمي
-2ال تصح الشفاعة يف احلدود بعد بلوغها اإلمام ،بينما القصاص والدية جتوز فيهما الشفاعة مطلقاً .
-3احلدود ال تقبل العفو ألهنا حق هلل ،بينما يشرع العفو عن القصاص والدية.
-4ال تصح املصاحلة عن احلدود ،بينما تصح املصاحلة عن القصاص والدية.
-5احلدود ال تورث ألهنا حق هلل ،وحق القصاص والدية يورث ألنه حق آدمي .
-6يف احلدود إذا ت¸ ¸ ¸ ¸¸اب الفاعل قبل الق¸ ¸ ¸ ¸¸درة عليه فله أن يسرت على نفسه والينفذ عليه احلد ،وجيب عليه فقط
أن ي¸¸ؤدي ما معه من حق¸¸وق اآلدم¸¸يني ،اما يف اجلناي¸¸ات فال ت¸¸ربأ ذمته حىت يس¸¸لم نفسه للح¸¸اكم حىت يقتص منه
.
-8يش¸ ¸¸رع للح¸ ¸¸اكم يف احلدود أن يع¸ ¸¸رض على املذنب الرج¸ ¸¸وع عن إق¸ ¸¸راره إذا س¸ ¸¸لم نفسه للح¸ ¸¸اكم اختي¸ ¸¸اراً
وظهرت منه بوادر التوبه ،وال يشرع مثل ذلك يف القصاص .
الح َكم من مشروعية الحدود : المبحث الرابع ِ :
شرعت احلدود ملصاحل عظيمة ،وأهداف سامية ،ولعل من أهم هذه احلكم ما يلي :
أوالً :التنكيل بالمجرم وردعه :
فإذا شعر بأمل العقوبة وما يرتتب عليها من إهانة وفضيحة ،فإن ذلك يردعه عن الع¸¸ودة إىل مقارفة املعص¸¸ية م¸¸رة
أخ¸ ¸¸رى ،وحيمله على احملافظة واالس ¸ ¸¸تقامة على طاعة اهلل ،واالل ¸ ¸¸تزام بش¸ ¸¸رعه ،وقد نص اهلل تع¸ ¸¸اىل على ه¸ ¸¸ذه
106
احلكمة يف حد السرقة فقال سبحانه " :والسارق والسارقة فاقطعوا أي¸ديهما ج¸زاءً مبا كس¸با نك¸¸االً من اهلل واهلل
عزيز حكيم "
ثانياً :ردع الناس وزجرهم عن الوقوع في المعاصي :
فإن الناس إذا رأوا ما حل باجملرم من النكال واإلهانة والعذاب اعت¸ربوا حباله وأيقن¸وا أن ه¸¸ذا هو ج¸زاؤهم إن هم
فعل ¸¸وا مثل ما فعل ،فيك ¸¸ون ذلك رادع¸ ¸اً لكل من حتثه نفسه يف الوق ¸¸وع باملعص ¸¸ية ،وهلذا أمر اهلل تع ¸¸اىل ب ¸¸إعالن
احلد وإقامته أم ¸ ¸¸ام الن¸ ¸¸اس حىت يتحقق ال ¸ ¸¸ردع ،فق ¸ ¸¸ال س¸ ¸¸بحانه يف عقوبة ال ¸ ¸¸زىن " :وليش ¸ ¸¸هد ع ¸ ¸¸ذاهبما طائفة من
املؤمنني "
ثالثاً :تكفير ذنب المجرم وتطهيره من دنس جريمته :
فاحلدود كما أهنا تزجر املذنب ،فإهنا تكفر خطيئته ،ف¸ ¸ ¸¸تزكو نفسه ،ويلقى اهلل تع¸ ¸ ¸¸اىل نقي¸ ¸ ¸اً من ذنبه ،قد طهر من
خطيئته ،واهلل تعاىل أكرم من أن يثين عليه العقوبة يف اآلخرة .
ي¸¸دل على ذلك ما ج¸¸اء يف الص¸¸حيحني من حديث عبادة بن الصامت أنه عليه الس¸¸الم ق¸¸ال ألص¸¸حابه { تب¸¸ايعوين
على أن ال تشركوا باهلل شيئا وال تزنوا وال تسرقوا وال تقتلوا النفس اليت حرم اهلل إال ب¸¸احلق ،فمن وىف منكم ف¸¸أجره
على اهلل ومن أص¸¸اب منكم ش¸¸يئا من ذلك فع¸¸وقب به فهو كفارته ،ومن أص¸¸اب ش¸¸يئا من ذلك فس¸¸رته اهلل عز وجل
عليه فأمره إىل اهلل إن شاء عذبه وإن شاء غفر له } قال فبايعناه على ذلك .
وعن عمران بن حصين { أن امرأة من جهينة أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وهي حبلى من الزنا ،فقالت :
يا رسول اهلل أصبت حدا فأقمه علي ،فدعا نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم وليها ،فقال :أحسن إليها ،ف¸إذا وض¸¸عت
ف¸¸أتين ففعل ف¸¸أمر هبا رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم فش¸¸دت عليها ثياهبا مث أمر هبا ف¸¸رمجت مث ص¸¸لى عليها ،فق¸¸ال له
عمر :نص¸¸لي عليها يا رس¸¸ول اهلل وقد زنت ؟ ق¸¸ال :لقد ت¸¸ابت توبة لو قس¸¸مت بني س¸¸بعني من أهل املدينة لوس¸¸عتهم
،وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها هلل ؟ } رواه مسلم
رابعاً :تحقيق األمن في المجتمع وحمايته :
إذ لو مل تش¸¸رع العقوب¸¸ات لفسد نظ¸¸ام الع¸¸امل والعت¸¸دى الن¸¸اس بعض¸¸هم على بعض ،وألكل الق¸¸وي منهم الض¸¸عيف ،
فش¸¸رع اهلل تلك العقوب¸¸ات رمحة بالعب¸¸اد ليحفظ للن¸¸اس حق¸¸وقهم وليقيم الع¸¸دل بينهم ،ف¸¸إن اهلل ي¸¸زع بالس¸¸لطان ما ال
يزع بالقرآن .
خامساً :دفع الشرور واآلثام واألسقام عن األمة :
ف¸¸إن املعاصي إذا فشت يف األمة انتشر فيها البالء والفس¸¸اد ،وارتفعت عنها النعم والرخ¸¸اء ،فما وقع بالء إال ب¸¸ذنب
وال رفع إال بتوبة ،وخري سبيل حلماية األمة من الفساد هو إقامة احلدود .
قال تعالى " :ظهر الفساد يف الرب والبحر مبا كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون "
107
وه¸ذا الفس¸اد املذكور يف اآلية هو فس¸اد حسي يش¸اهده الن¸اس ،وهلذا ج¸اء يف احلديث ال¸ذي رواه أبو داود حلد يق¸ام
يف األرض أحب إىل أهلها من أن ميط ¸ ¸¸روا أربعني ص ¸ ¸¸باحا " ق ال ابن كث ير رحمه اهلل " :والس ¸ ¸¸بب يف ه ¸ ¸¸ذا أن
احلدود إذا أقيمت انكف الن ¸¸اس أو أك ¸¸ثرهم أو كثري منهم عن تع ¸¸اطي احملرم ¸¸ات وإذا ت ¸¸ركت املعاصي ك ¸¸ان س ¸¸ببا يف
حصول الربكات من السماء واألرض "
وفي مستدرك الحاكم وسنن البيهقي والمعجم الكبير للطبراني :عن بن عب¸¸اس رضي اهلل عنهما ق¸¸ال ق¸¸ال رس¸¸ول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :مخس خبمس قالوا يا رسول اهلل وما مخس خبمس قال :
ما نقض قوم العهد إال سلط عليهم عدوهم
وما حكموا بغري ما أنزل اهلل إال فشا فيهم الفقر
وال ظه ¸¸رت فيهم الفاحشة إال فشا فيهم املوت ( ويف رواية إال ظه ¸¸رت فيهم األوج ¸¸اع واألم ¸¸راض اليت مل تكن
مضت يف أسالفهم )
وال طففوا املكيال إال منعوا النبات وأخذوا بالسنني
وال منعوا الزكاة إال حبس عنهم القطر ولوال البهائم مل ميطروا " حديث صحيح
المبحث الخامس :شروط إقامة الحدود :
ال جيب احلد إال بثالثة شروط :
الشرط األول :العقل :
ملا روت عائشة رضي اهلل عنها عن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وآله وس ¸¸لم ق ¸¸ال رفع القلم عن ثالثة عن الن ¸¸ائم حىت
يس ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸تيقظ وعن الصيب حىت حيتلم وعن اجملن ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ون حىت يعقل رواه أمحد ،ومثله من رواية علي له ،وأليب داود
والرتمذي وقال حديث حسن
الشرط الثاني :االلتزام
أي أن يكون الفاعل ملتزماً أحكام املسلمني مسلما كان أو ذميا خبالف احلريب واملستأمن
الشرط الثالث :العلم بالتحريم :
لقول عمر وعثمان وعلي " :الحد إال على من علمه "
واملقص¸¸ود¸ ب¸¸العلم هنا هو العلم ب¸¸التحرمي ،وال يل¸¸زم العلم بالعقوبة ،فمن علم حترمي ش¸¸يء وجهل ما ي¸¸رتتب عليه
مل يدرأ عنه العقوبة جهله هبا ،كمن علم حترمي ال¸¸زىن واخلمر وجهل وج¸¸وب احلد حيد باالتف¸¸اق وك¸¸ذا لو علم
حترمي القتل وجهل وج¸ ¸ ¸¸وب القص¸ ¸ ¸¸اص جيب القص¸ ¸ ¸¸اص ،أو علم حترمي الكالم يف الص¸ ¸ ¸¸الة ،وجهل كونه مبطال
يبطل ،أو علم حترمي الطيب على احملرم وجهل وجوب الفدية جتب
المبحث السادس :ضوابط في تنفيذ الحد :
108
أوالً :من الذي يقيمه :
ال¸ ¸¸ذي يقيمه هو اإلم¸ ¸¸ام أو نائبه مطلقا س¸ ¸¸واء ك¸ ¸¸ان احلد هلل كحد الزنا أو آلدمي كحد الق¸ ¸¸ذف ألنه يفتقر إىل
اجتهاد وال يؤمن من استيفائه احليف فوجب تفويضه إىل نائب اهلل تعاىل يف خلقه
ثانياً :حكم إقامته في المسجد :
حيرم أن يقيمه يف مس ¸ ¸ ¸¸جد حلديث حكيم بن ح ¸ ¸ ¸¸زام أن رس ¸ ¸ ¸¸ول اهلل ص ¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸ ¸ ¸¸لم " هنى أن يق ¸ ¸¸اد يف
املسجد وأن تنشد فيه األش¸عار وأن تق¸ام فيه احلدود " وألنه الي¸ؤمن من تل¸ويث املس¸جد ومن ح¸دوث اللغط فيه
.
ثالثاً :حكم الشفاعة فيه :
حترم الشفاعة وقبوهلا يف حد اهلل تعاىل بعد أن يبلغ اإلمام .
واألدلة على ذلك ما يلي :
-1عن ابن عمر عن النيب صلى اهلل عليه وآله وس¸لم ق¸¸ال " :من ح¸¸الت ش¸¸فاعته دون حد من ح¸دود اهلل فهو
مضاد اهلل يف أمره " رواه أمحد وأبو داود
-2وعن عائشة رضي اهلل عنها أن رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال خماطبا ألس ¸¸امة ملا أراد أن يش ¸¸فع يف
املرأة املخزومية " :أتشفع يف حد من حدود اهلل " مث ق¸¸ام فخطب فق¸¸ال أيها الن¸¸اس إمنا أهلك ال¸¸ذين قبلكم أهنم
متفق عليه واللفظ ملسلم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد
-3وعن ع روة بن الزب ير ق¸¸ال لقي الزبري س¸¸ارقا فش¸¸فع فيه فقيل له حىت يبلغ االم¸¸ام فق¸¸ال إذا بلغ االم¸¸ام فلعن
اهلل الشافع واملشفع رواه مالك يف املوطأ
ولكن ينبغي أن يقيد املنع من الش¸¸فاعة مبا إذا ك¸¸ان بعد الرفع إىل اإلم¸¸ام ،أما قبل بل¸¸وغ احلد لإلم¸¸ام فله أن
يشفع إذا رأى يف ذلك مصلحة للجاين بدرء احلد عنه لكونه من ذوي املروءات الذين حيسن السرت عليهم
واألدلة على ذلك :
-1ح ديث ص فوان بن أمية عند أمحد واألربعة وص¸ ¸¸ححه احلاكم وابن اجلارود أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله
وسلم ق¸¸ال له ملا أراد أن يقطع ال¸¸ذي س¸¸رق رداءه فش¸¸فع فيه " :هال ك¸¸ان قبل أن ت¸¸أتيين به -2وعن عمرو بن
ش عيب عن أبيه عن ج ده مرفوع اً :تع ¸¸افوا احلدود فيما بينكم فما بلغين من حد فقد وجب أخرجه أبو داود
والنسائي واحلاكم وصححه
المبحث السابع :كيفية الجلد :
قال أهل العلم :
109
يض¸¸رب الرجل يف احلد قائما ألنه وس¸¸يلة إىل إعط¸¸اء كل عضو حظه من الض¸¸رب وجتلد املرأة جالسة لق¸¸ول
علي رضي اهلل عنه جتلد املرأة جالسة والرجل قائما ،وتشد عليها ثياهبا ،ومتسك ي¸ ¸¸داها لئال تنكشف ألن
املرأة عورة وفعل ذلك هبا أسرت هلا
ويك¸ ¸ ¸¸ون اجللد بس¸ ¸ ¸¸وط وسط الجديد وال َخلَ ¸ ¸ ¸ق بفتح اخلاء والالم ألن اجلديد جيرحه واخللق ال يؤمله ،وإن
رأى اإلم ¸ ¸¸ام أو نائبه الض ¸ ¸¸رب يف حد اخلمر باجلريد والنع ¸ ¸¸ال فله ذلك ألنه عليه الس ¸ ¸¸الم أيت بش¸ ¸¸ارب فق¸ ¸¸ال
اضربوه باأليدي والنعال وأطراف الثياب .
فإن كان جلدا وخشي عليه من السوط لك¸¸ربه أو ملرضه¸ مرض¸اً ال ي¸¸رجى زواله مل يتعني على األصح فيقيمه
ب¸¸أطراف الثي¸¸اب والعثك¸¸ول ملا روى أبو أمامة بن س¸¸هل عن س¸¸عد بن عب¸¸ادة أن النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم
أم¸¸رهم أن يأخ¸¸ذوا مشراخا فيض¸¸ربوه هبا رواه أمحد وابن ماجة وأبو داود والنس¸¸ائي بإس¸¸ناد حسن ،وألنه ال
جيوز تركه بالكلية ألنه خيالف الكت ¸ ¸¸اب والس ¸ ¸¸نة وال جل ¸ ¸¸ده تاما ألنه يفضي إىل إتالفه فتعني ،أما إن ك ¸ ¸¸ان
مرضه يرجى زواله فيؤخر احلد كما سيأيت .
وال ميد وال يربط وال جيرد املجل¸ ¸ ¸ود من ثيابه عند جل ¸ ¸¸ده لق ¸ ¸¸ول ابن مس ¸ ¸¸عود ليس يف ديننا مد وال قيد وال
جتريد بل يكون عليه قميص أو قميصان وإن كان عليه فرو أو جبة حمشوة نزعت
وال يبالغ بضربه اجللد ألن املقصود تأديبه ال إهالكه
وال يرفع ضارب يده حبيث يبدو إبطه
و سن أن يف¸ ¸ ¸ ¸¸رق الض¸ ¸ ¸ ¸¸رب على بدنه ليأخذ كل عضو منه حظه ،وألن ت¸ ¸ ¸ ¸¸وايل الض¸ ¸ ¸ ¸¸رب على عضو واحد
يؤدي إىل القتل ويكثر منه يف مواضع اللحم كاألليتني والفخذين ويضرب من جالس ظهره وما قاربه
ويتقي وجوبا ال¸¸رأس والوجه والف¸¸رج واملقاتل ك¸¸الفؤاد واخلص¸¸يتني ألنه رمبا أدى ض¸¸ربه على ش¸¸يء من ه¸¸ذه
إىل قتله أو ذهاب منفعته
وتعترب إلقامة احلد نية ال مواالة
المبحث الثامن :حكم تأخير الحد لسبب :
في م ذهب اإلم ام احمد :ال ي¸¸ؤخر حد حلر أو ب¸¸رد وحنوه وال ملرض ولو رجي زواله ألن عمر أق¸¸ام احلد على
قدامة بن مظعون يف مرضه ومل يؤخره ،وألن احلد واجب على الفور وال يؤخر ما أوجبه اهلل بغري حجة
وق ال القاضي وغ يره من فقه اء الحنابلة :له ت¸ ¸ ¸¸أخريه حلديث علي يف اليت هي حديثة عهد بنف ¸ ¸¸اس وألن يف
ت ¸¸أخريه إقامة احلد على الكم¸ ¸¸ال بال إتالف فك¸ ¸¸ان أوىل ،وم¸ ¸¸رض قدامة حيتمل أنه ك¸ ¸¸ان خفيفا ال مينع من إقامة
احلد على الكم ¸¸ال مث إن فعل النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم مق ¸¸دم على فعل عمر مع أنه اختي ¸¸ار علي وفعله وك ¸¸ذا
احلكم يف تأخريه حلر أو برد مفرط .
المبحث التاسع :أشد الجلد :
أشد اجللد يف احلدود :
110
-1جلد الزنا ألن اهلل تع ¸ ¸¸اىل خص الزنا مبزيد تأكيد بقوله وال تأخ ¸ ¸¸ذكم هبما رأفة يف دين اهلل وما دونه أخف
منه يف العدد فال جيوز أن يزيد عليه يف الصفة
-2مث جلد القذف ،ألنه أكثر احلدود عدداً يف اجللدات بعد الزن ،وما زاد يف عدده زاد يف صفته .
-3مث جلد الشرب ،لأن ما خف يف عدده كان أخف يف صفته وحد القذف حق آدمي .
-4مث جلد التعزير ،ألن حد الشرب حمض حق اهلل والتعزير ال يبلغ به احلد .
المبحث العاشر :حكم من مات في الحد :
من م ¸¸ات يف حد فه ¸¸در والش ¸¸يء على من ح ¸¸ده ألنه أتى به على الوجه املش ¸¸روع ب ¸¸أمر اهلل تع ¸¸اىل وأمر رس ¸¸وله
صلى اهلل عليه وسلم ،والقاعدة عند أهل العلم :أن ما ترتب على املأذون فهو غري مضمون
ومن زاد ولو جلدة أو يف السوط بسوط ال حيتمله فتلف احملدود ضمنه بديته
المبحث الحادي عشر :من يجب حضوره :
قال أهل العلم :جيب يف إقامة حد الزنا حضور إمام أو نائبه ،وسن حضور من شهد وبداءهتم برجم
وجيب إعالن احلد وأن حيضره طائفة من املؤمنني ،والحكمة في ذلك :
-1النكاية باجملرم والتنكيل به ،فإن فضيحته امام املأل قد يكون أبلغ يف نفسه من العقوبة البدنية .
-2حصول الردع والزجر ملن تسول له نفسه مثل فعله .
المسألة الثانية عشرة :اجتماع الحدود :
اجتماع الحدود له حاالت :
الحال األولى :إن اجتمعت حدود هلل تعاىل من جنس واحد بأن زىن أو سرق أو شرب اخلمر م¸¸رارا ت¸¸داخلت
فال حيد س¸¸وى م¸¸رة حك¸¸اه ابن املن¸¸ذر إمجاع من حيفظ عنه من أهل العلم ألن الغ¸¸رض الزجر عن إتي¸¸ان مثل ذلك
يف املستقبل وهو حاصل حبد واحد ،وكالكفارات من جنس واحد .
الح ال الثانية :وإن ك¸¸انت من أجن¸¸اس متع¸¸ددة وليس فيها قتل فال تت¸¸داخل بل تس¸¸توىف مجيع ¸اً بغري خالف بني
أهل العلم ،كبكر زىن وسرق وشرب اخلمر ،ويبدأ باألخف فاألخف فيحد أوال لشرب مث لزىن مث لقطع .
الحال الثالثة :وإن تعددت وكان فيها قتل بأن كان الزاين يف املثال السابق حمص¸نا اس¸توىف القتل وح¸ده وس¸قط
سائرها لقول ابن مسعود رضي اهلل عنه :إذا اجتمع حدان أحدمها القتل أحاط بذلك رواه س¸¸عيد وال يع¸¸رف له
خمالف من الصحابة ،وألن الغرض الزجر ومع القتل ال حاجة له .
الحال الرابعة :وإن كان فيها حقوق اآلدميني مثل حد الق¸¸ذف ،والقطع قصاص¸اً ،فتس¸توىف كلها س¸¸واء ك¸¸ان
فيها قتل أو مل يكن ألهنا حق ¸¸وق آدم ¸¸يني أمكن اس ¸¸تيفاؤها ف ¸¸وجب كس ¸¸ائر حق ¸¸وقهم وال يق ¸¸ال يكتفى بالقتل يف
حق ¸¸وق اهلل تع ¸¸اىل ألهنا مبنية على الس ¸¸هولة خبالف حق اآلدمي فإنه مبين على الشح والض ¸¸يق ،ويب ¸¸دأ بغري القتل
ألن الب¸داءة به يف¸¸وت اس¸تيفاء ب¸اقي احلق¸وق ،فلو ق¸ذف شخص¸اً وزىن وهو حمصن فيجلد أوالً مث ي¸¸رجم ،ومثله
111
لو كسر سن ش¸ ¸ ¸¸خص وزىن فيقتص منه أوالً مث ي¸ ¸ ¸¸رجم ،وإن اجتمعت مع ح¸ ¸ ¸¸دود اهلل تع¸ ¸ ¸¸اىل مثل أن يفقأ عينه
ويسرق ماله بديء هبا أي إذا اجتمعت حقوق اهلل وحقوق اآلدميني .
الفصـل الثـاني
حـد الـزنا
المبحث األول :تعريف الزنا :
الزنا في اللغة :مصدر من الفعل الثالثي زنا يزين .
والزنا فيه ثالث لغات :
-1اسم مقصور¸ :الزىن
-2اسم ممدود :الزنا
-3اسم ممدود مهموز :الزناء ،وهذه لغة أهل متيم خاصة .
ومعنى الزنا في اللغة :الوطء يف غري نكاح وال ملك ميني ،كما يطلق يف اللغة على مقدمات الوطء ،
كالتقبيل واللمس والنظر ،وحنو ذلك ،ومن ذلك ما جاء يف الصحيحني عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن
النيب صلى اهلل عليه وسلم أن قال " :كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك ال حمالة ،فالعني تزين
وزناها النظر ،واألذن تزين وزناها االستماع ،واللسان يزين وزناه الكالم ،واليد تزين وزناها البطش ،
والرجل تزين وزناها اخلطى ،والقلب يهوى ويتمىن ،والفرج يصدق ذلك أو يكذبه " .
ومسى ذلك زنا ألن هذه وسائل وذرائع إليه .
والزنا في االصطالح الشرعي هو :الوطء يف القبل من غري نكاح صحيح والملك وال شبهة .
شرح التعريف :
الوطء :جنس يف التعريف ،خرج به ما دون الوطء من التقبيل واملباشرة وحنوه ،فهذا ال يوجب احلد وإمنا
فيه التعزير .
في القبل :قيد خرج به اللواط فإن عقوبته غري عقوبة الزنا ،فحده القتل مطلقاً كما سيأيت .
من غير نكاح صحيح :خرج به الوطء يف النكاح فإنه مشروع والحرج فيه ،أما الوطء يف النكاح الباطل
فهو زنا ،كما لوعقد على امرأة وهي يف العدة أو عقد على خامسة ،فالعقد باطل ،ولو وطئها فهما زانيان
يقام عليهما احلد إذا مل يكونا جاهلني جهالً يعذران فيه مثل أن يكونا حديثي عهد يف اإلسالم وحنو ذلك .
فائدة :
112
النكاح على ثالثة أنواع :
-1نكاح صحيح :وهو ما توفرت شروطه .
-2ونكاح فاسد :وهو ما اختل فيه شرط من الشروط املختلف فيها بني أهل العلم املعتربين ،أو هو ما
اختلف أهل العلم يف فساده ،مثل النكاح بال ويل ،أو بال شهود ،والنكاح بنية الطالق ،وحنو ذلك ،
فالوطء يف مثل هذا العقد اليوجب احلد لوجود الشبهة ،ولكن للقاضي – إذا كان يرى فساد هذا العقد –
أن يعزرمها مبا يراه مناسباً .
-3ونكاح باطل :وهو ما اختل فيه شرط من الشروط اجملمع عليها ،أو هو ما اتفق أهل العلم على بطالنه
،مثل نكاح املسلمة للكافر ،ونكاح املعتدة ،ونكاح املتعة ،ونكاح اخلامسة ،ونكاح احملرمات كالعمة
وزوجة االبن وأخته من الرضاعة ،واجلمع بني األختني وحنو ذلك ،فالوطء يف مثل هذا العقد يوجب احلد
لعدم الشبهة .
والملك :أي ملك اليمني ألن اهلل أباحه بنص القرآن ،قال تعاىل " :والذين هم لفروجهم حافظون إال على
أزواجهم أو ما ملكت أمياهنم فإهنم غري ملومني "
والشبهة :خرج هبذا القيد أمران :
األول :الوطء بشبهة مثل أن يطأ أجنبية يظنها زوجته ،فهذا الحيد ،ولو قدر بينهما ولد فإنه ينسب ألبيه
كولد النكاح .
الثاين :النكاح الفاسد :وقد سبق بيانه .
المبحث الثاني :حد الزنا :
خيتلف حد الزنا حبسب حال اجلاين من حيث البكارة والثيوبة :
المطلب األول :حد الزاني المحصن ( الثيب ) :
وفيه مسائل :
المسألة األولى :ما هو حد الزاني المحصن :
حد الزاين احملصن هو الرجم باحلجارة حىت ميوت بإمجاع أهل السنة .
وقد دل على ذلك السنة المتواترة القطعية من قول النبي صلى اهلل عليه وسلم وفعله ،وإجماع األمة .
أوالً :األدلة من السنة :
-1عن عبادة بن الصامت قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم خذوا عين خذوا عين قد جعل اهلل
هلن سبيال البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم رواه اجلماعة إال البخاري
والنسائي
113
وقوله :البكر بالبكر :ليس بشرط بل إنه خرج خمرج الغالب فلو زىن البكر بالثيب فهذا هو حده بإمجاع
أهل العلم .
وقوله :والثيب بالثيب :مثله كذلك ،فلو زىن الثيب بالبكر فريجم الثيب وجيلد البكر ،وهذا الوصف خرج
خمرج الغالب إذ الغالب أن البكر يزين بالبكر ،والثيب يزين بالثيب .
يدل على ذلك حديث أيب هريرة وزيد بن خالد اآليت :
-2وعن أبي هريرة وزيد بن خالد أهنما قاال إن رجال من األعراب أتى رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم
فقال يا رسول اهلل أنشدك اهلل إال قضيت يل بكتاب اهلل وقال اخلصم اآلخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا
بكتاب اهلل وائذن يل فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم قل قال إن ابين كان عسيفا على هذا فزىن
بامرأته وإين أخربت أن على ابين الرجم فافتديت منه مبائة شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخربوين أن على ابين
جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده
ألقضني بينكما بكتاب اهلل الوليدة والغنم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل
من أسلم إىل امرأة هذا فإن اعرتفت فارمجها قال فغدا عليها فاعرتفت فأمر هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله
وسلم فرمجت رواه اجلماعة
-3وعن الشعبي أن عليا رضي اهلل عنه حني رجم املرأة ضرهبا يوم اخلميس ورمجها يوم اجلمعة وقال جلدهتا
بكتاب اهلل ورمجتها بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم روامها أمحد والبخاري
-4وعن ابن عمر أن اليهود أتوا النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال ما جتدون يف
كتابكم فقالوا تسخم وجوههما وخيزيان قال كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقني
فجاؤوا بالتوراة وجاؤوا بقارىء هلم فقرأ حىت إذا انتهى إىل موضع منها وضع يده عليه فقيل له ارفع يدك
فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا يا حممد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكامته بيننا فأمر هبما رسول اهلل صلى
اهلل عليه وآله وسلم فرمجا قال فلقد رأيته جينأ عليها يقيها احلجارة بنفسه ويف رواية أمحد بقارىء هلم أعور
يقال له ابن صوريا
ويستفاد من هذا الحديث أن اإلسالم ليس شرطاً في إقامة حد الزنا ،فيقام حتى على أهل الكتاب .
-5حديث ماعز األسلمي وقد رواه جمع من الصحابة :
فعن أبي هريرة قال أتى رجل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وهو يف املسجد فناداه فقال يا رسول اهلل
إين زنيت فأعرض عنه حىت ردد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النيب صلى اهلل عليه
وآله وسلم فقال أبك جنون قال ال قال فهل أحصنت قال نعم فقال النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم اذهبوا به
فارمجوه قال ابن شهاب فأخربين من مسع جابر بن عبد اهلل قال كنت فيمن رمجه فرمجناه باملصلى فلما أذلقته
احلجارة هرب فأدركناه باحلرة فرمجناه متفق عليه
114
وعن ابن عباس قال ملا أتى ماعز بن مالك النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو
نظرت قال ال يا رسول اهلل قال أفنكتها ال يكين قال نعم فعند ذلك أمر برمجه رواه أمحد والبخاري وأبو داود
وعن أبي هريرة قال جاء األسلمي إىل نيب اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة
حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل عليه يف اخلامسة فقال أنكتها قال نعم قال كما يغيب املرود يف
املكحلة والرشاء يف البئر قال نعم قال فهل تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأيت الرجل من امرأته
حالال قال فما تريد هبذا القول قال أريد أن تطهرين فأمر به فرجم رواه أبو داود والدارقطين
وعن أبي بكر الصديق قال كنت مث النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم جالسا فجاء ماعز بن مالك فاعرتف عنده
مرة فرده مث جاء فاعرتف عنده الثانية فرده مث جاء فاعرتف عنده الثالثة فرده فقلت له إنك إن اعرتفت الرابعة
رمجك قال فاعرتف الرابعة فحبسه مث سأل عنه فقالوا ما نعلم إال خريا قال فأمر برمجه .
-6حديث الغامدية ( الجهنية ) :
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم جاءته امرأة من غامد من األزد فقالت يا
رسول اهلل طهرين فقال وحيك ارجعي فاستغفري¸ اهلل وتويب إليه فقالت أراك تريد أن ترددين كما رددت ماعز
بن مالك قال وما ذاك قالت إهنا حبلى من الزنا قال أنت قالت نعم فقال هلا حىت تضعي ما يف بطنك قال
فكفلها رجل من األنصار حىت وضعت قال فأتى النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم فقال قد وضعت الغامدية
فقال إذن ال نرمجها وندع ولدها صغريا ليس له من يرضعه فقام رجل من األنصار فقال إيل رضاعه يا نيب اهلل
قال فرمجها رواه مسلم والدارقطين وقال هذا حديث صحيح
وعن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة أتت رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وهي حبلى من الزنا
فقالت يا رسول اهلل أصبت حدا فأقمه علي فدعا نيب اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم وليها فقال أحسن إليها
فإذا وضعت فأتين ففعل فأمر هبا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم فشدت عليها ثياهبا مث أمر هبا فرمجت مث
صلى عليها فقال له عمر نصلي عليها يا رسول اهلل وقد زنت قال لقد تابت توبة لو قسمت بني سبعني من
أهل املدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها هلل رواه اجلماعة إال البخاري وابن ماجة .
ثانياً :اإلجماع :
فقد أمجعت األمة على أن حد الزاين احملصن هو الرجم حىت املوت ،مل خيالف يف ذلك سوى اخلوارج ،
وبعض املعتزلة ،والعربة خبالفهم ،فإنه المينع اإلمجاع .
وللخوارج شبهتان في إنكار الرجم :
الشبهة األولى :قالوا :إن الرجم مل يذكر يف القرآن ،قالوا :وال جيوز ترك كتاب اهلل الثابت بطريق القطع
واليقني ألخبار آحاد جيوز الكذب فيها .
والرد عليهم من وجهين :
115
الوجه األول :التسليم ،فلو سلمنا بأن الرجم مل يرد يف القرآن فإنه ثابت بالسنة املتواترة ،بقول رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم وفعله ،وبإمجاع الصحابة ومن بعدهم .
يقول ابن قدامة رحمه اهلل داحضاً هذه الشبهة " :وقد روينا أن رسل اخلوارج جاؤوا عمر بن عبد العزيز
رمحه اهلل فكان من مجلة ما عابوا عليه الرجم وقالوا ليس يف كتاب اهلل إال اجللد وقالوا احلائض أوجبتم عليها
قضاء الصوم دون الصالة والصالة أوكد فقال هلم عمر وأنتم ال تأخذون إال مبا يف كتاب اهلل قالوا نعم قال
فأخربوين عن عدد الصلوات املفروضات وعدد أركاهنا وركعاهتا ومواقيتها أين جتدونه يف كتاب اهلل تعاىل
وأخربوين عما جتب الزكاة فيه ومقاديرها ونصبها فقالوا انظرنا فرجعوا يومهم ذلك فلم جيدوا شيئا مما سأهلم
عنه يف القرآن فقالوا مل جنده يف القرآن قال فكيف ذهبتم إليه قالوا ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم فعله وفعله
املسلمون بعده فقال هلم فكذلك الرجم وقضاء الصوم فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده
واملسلمون وأمر النيب صلى اهلل عليه وسلم بقضاء الصوم دون الصالة وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه "
الوجه الثاني :املنع :فإننا مننع أال يكون الرجم مذكوراً يف القرآن ،بل إن اهلل أنزل آية الرجم لكنه نسخ
رمسها وبقي حكمها .
يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه أنه قال إن اهلل تعاىل بعث
حممدا صلى اهلل عليه وسلم باحلق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأهتا وعقلتها ووعيتها
ورجم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ورمجنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما جند الرجم
يف كتاب اهلل فيضلوا برتك فريضة أنزهلا اهلل تعاىل فالرجم حق على ما زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا
قامت البينة أو كان احلبل أو االعرتاف وقد قرأ هبا " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة نكاال من اهلل واهلل
عزيز حكيم " متفق عليه
ويف إعالن عمر بالرجم وهو على املنرب وسكوت الصحابة عن خمالفته دليل على إمجاعهم على هذا احلكم .
الشبهة الثانية للخوارج :قالوا :وألن هذا يفضي إىل نسخ الكتاب بالسنة وهذا غري جائز ،ويقصدون
بالكتاب قوله تعاىل " :الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "
والرد عليهم من وجهين :
األول :المنع :فإن قوهلم إن هذا نسخ ليس بصحيح وإمنا هو ختصيص وهذا سائغ بغري خالف فإن عمومات
القرآن يف اإلثبات كلها خمصصة
الثاني :التسليم :فلو سلمنا بأنه نسخ لكان نسخا باآلية اليت ذكرها عمر رضي اهلل عنه .
المسألة الثانية :هل يجلد الزاني قبل رجمه :
اختلف أهل العلم يف هذه املسألة على قولني :
القول األول :
116
أن حد احملصن هو اجللد مائة جلدة والرجم .
وهذا هو قول الظاهرية ورواية عند احلنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
-1قوله تعاىل " :الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة "
نوقش هذا االستدالل :
بأن اآلية حممولة على الزاين البكر لألدلة اآلتية يف القول الثاين .
-2حديث عبادة بن الصامت املتقدم .
-3عن علي رضي اهلل عنه أنه جلد شراحه يوم اخلميس مث رمجها يوم اجلمعة مث قال جلدهتا بكتاب اهلل تعاىل
ورمجتها بسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .رواه البخاري
القول الثاني :
أن حده هو الرجم فقط .
وهذا هو قول مجهور أهل العلم من احلنفية واملالكية والشافعية ورواية عند احلنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
-1فعل النيب صلى اهلل عليه وسلم مع ماعز والغامدية ،واليهوديني ،فلم ينقل أنه عليه الصالة والسالم
جلدهم قبل الرجم ،مع أن الصحابة رضوان اهلل عليهم نقلوا تفاصيل تلك القصص ،فدل ذلك على أنه مل
جيلدهم .
-2قوله عليه الصالة والسالم يف حديث العسيف املتقدم " :واغد يا أنيس إىل امرأة هذا فإن اعرتفت فارمجها
" فاعرتفت فرمجها ،فلم يأمره جبلدها .
قال أصحاب هذا القول :إن هذه النصوص دلت على أن جلد احملصن منسوخ ،إذكان ذلك يف أول األمر
مث نسخ واستقر األمر على أن حد احملصن هو الرجم فقط .
-3وألنه الفائدة من جلده ألن روحه سوف تزهق والغرض الزجر ومع القتل ال حاجة له .
وهذا القول هو الصحيح .
المسألة الثالثة :في كيفية الرجم :
يفرق في كيفية الرجم بين رجم الرجل ورجم المرأة :
فإذا كان الزاني رجال :أقيم قائما ومل يوثق بشيء ويكون يف وسط الناس مث يرمونه من كل جانب
.
وإن كان امرأة :فإنها تشد عليها ثياهبا كيال تنكشف ،وقد روى أبو داود بإسناده عن عمران بن
حصني قال فأمر هبا النيب صلى اهلل عليه وسلم فشدت عليها ثياهبا وألن ذلك أسرت هلا .
117
المسألة الرابعة :الحفر للمرجوم :
اختلفت الروايات هل حفر النبي صلى اهلل عليه وسلم للمرجوم أم ال :
ففي حديث أبي سعيد قال ملا أمرنا رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم أن نرجم ماعز بن مالك
خرجنا به إىل البقيع فواهلل ما حفرنا له وال أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام واخلزف فاشتكى
فخرج يشتد حىت انتصب لنا يف عرض احلرة فرميناه جبالميد اجلندل حىت سكت .
وفي حديث عبداهلل بن بريدة عن أبيه قال جاءت الغامدية فقالت يا رسول اهلل إين قد زنيت فطهرين
وأنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول اهلل مل ترددين لعلك ترددين كما رددت ماعزا فواهلل إين
حلبلى قال إما ال فاذهيب حىت تلدي فلما ولدت أتته بالصيب يف خرقة قالت هذا قد ولدته قال اذهيب
فأرضعيه حىت تفطميه فلما فطمته أتته بالصيب يف يده كسرة خبز فقالت هذا يا نيب اهلل قد فطمته وقد
أكل الطعام فدفع الصيب إىل رجل من املسلمني مث أمر هبا فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس
فرجموها فيقبل خالد بن الوليد حبجر فرمى رأسها فنضخ الدم على وجه خالد فسبها فسمع النيب
صلى اهلل عليه وآله وسلم سبه إياها فقال مهال يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تاهبا
صاحب مكس لغفر له مث أمر هبا فصلي عليها ودفنت روامها أمحد ومسلم وأبو داود
وفي حديث عبد اهلل بن بريدة عن أبيه أن ماعز بن مالك األسلمي أتى رسول اهلل صلى اهلل عليه
وآله وسلم فقال يا رسول اهلل إين زنيت -احلديث وفيه -فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر
به فرجم رواه مسلم وأمحد
فحديث أيب سعيد املذكور فيه أهنم مل حيفروا ملاعز وحديث عبداهلل بن بريدة فيه أهنم حفروا له إىل صدره
وقد جمع بين الروايتين :
-1بأهنم مل حيفروا له أول األمر مث ملا فر فأدركوه حفروا له حفرية فانتصب هلم فيها حىت فرغوا منه .
-2أو أهنم حفروا له يف أول األمر مث ملا وجد مس احلجارة خرج من احلفرة فتبعوه فرموه وهو قائم .
المسألة الخامسة :من هو المحصن ؟
قال أهل العلم :
المحصن :من وطئ امرأته املسلمة أو الذمية يف نكاح صحيح ،ومها بالغان عاقالن حران ،فإن اختل
شرط منها يف أحد الزوجني فال إحصان لواحد منهما .
فتلخص أن شروط اإلحصان ثمانية :
-1الوطء يف القبل :فلو عقد على امرأة ومل يطأها فليس مبحصن .
-2أن يكون الوطء يف نكاح :فلو وطئ امرأة يف سفاح (زنا) فليس مبحصن ،ومثله لو وطئ امرأة مبلك
اليمني .
118
-3أن يكون النكاح صحيحاً :فلو وطئ امرأة يف نكاح فاسد أو باطل فليس مبحصن .
-4أن يكون الزوجان بالغني :فلو كانت زوجته صغرية وهو بالغ ،فليس مبحصن ،فلو زىن بامرأة فإنه
اليرجم .
-5أن يكونا عاقلني :فلو كان أحدمها عاقالً واآلخر جمنوناً فال إحصان ألي منهما .
-6أن يكونا حرين :فلو كانا رقيقني أو أحدمها حر واآلخر عبد فال إحصان لواحد منهما .
المطلب الثاني :حد الزاني غير المحصن ( البكر ) :
إذا زىن احلر البكر جلد مائة وغرب عاماً ،وال خالف يف وجوب اجللد على الزاين إذا مل يكن حمصنا ،وقد
جاء بيان ذلك يف كتاب اهلل بقوله سبحانه " الزانية والزاين فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وجاءت
األحاديث عن النيب صلى اهلل عليه وسلم موافقة ملا جاء به الكتاب ،كما يف حديث عبادة املتقدم ،وقصة
العسيف .
واختلف أهل العلم هل يجب مع الجلد تغريبه عاما ،ولهم في ذلك ثالثة أقوال:
القول األول :
أنه جيب اجللد والتغريب على الرجل واملرأة .
وهذا قول الشافعية واحلنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
-1قول النيب صلى اهلل عليه وسلم يف حديث عبادة املتقدم " :البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام "
-2ويف حديث العسيف املتقدم :قال النيب صلى اهلل عليه وسلم والذي نفسي بيده ألقضني بينكما بكتاب
اهلل عز وجل على ابنك جلد مائة وتغريب عام وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا األسلمي أن يأيت امرأة
اآلخر فإن اعرتفت رمجها فاعرتفت فرمجها متفق عليه ،ويف احلديث أنه قال سألت رجاال من أهل العلم
فقالوا إمنا على ابنك جلد مائة وتغريب عام وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا عندهم من حكم اهلل تعاىل
وقضاء رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقد قيل إن الذي قال له هذا هو أبو بكر وعمر رضي اهلل عنهما
القول الثاني :
يغرب الرجل دون املرأة
وهذا قول مالك .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
-1ألن املرأة حتتاج إىل حفظ وصيانة
-2وألهنا ال ختلو من التغريب إما مبحرم أو بغري حمرم ،وال جيوز التغريب بغري حمرم لقول النيب صلى اهلل عليه
وسلم " :ال حيل المرأة تؤمن باهلل واليوم اآلخر أن تسافر مسرية يوم وليلة إال مع ذي حمرم " وألن تغريبها
119
بغري حمرم إغراء هلا وتضييع هلا ،وهذا يؤدي إىل فوات حكمة احلد ألن احلد وجب زجرا عن الزنا ويف
تغريبها إغراء به ومتكني منه .
وإن غربت مبحرم أفضى إىل تغريب من ليس بزان ونفي من ال ذنب له ،وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة
على عقوبتها مبا مل يرد الشرع به .
-3قالوا :إن عموم اخلرب الوارد يف التغريب خمصوص خبرب النهي عن سفر املرأة بغري حمرم .
القول الثالث :
ال جيب التغريب ال على الرجل وال على املرأة .
وهذا هو قول احلنفية .
استدل أصحاب هذا القول :
-1بأن عليا رضي اهلل عنه قال حسبهما من الفتنة أن ينفيا
-2وعن ابن املسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف يف اخلمر إىل خيرب فلحق هبرقل فتنصر فقال عمر
ال أغرب مسلما بعد هذا أبدا
-3وألن اهلل تعاىل أمر باجللد دون التغريب فإجياب التغريب زيادة على النص
نوقشت أدلة األحناف :
بأن ما رووه عن علي ال يثبت لضعف رواته وإرساله .
وقول عمر ال أغرب بعده مسلما فيحتمل أنه يقصد تغريبه يف اخلمر الذي أصابت الفتنة ربيعة فيه ،وهذا من
باب التعزير .
والراجح واهلل أعلم هو قول المالكية .
مسالة :إذا غرب فإنه ال حيبس يف البلد الذي نفي إليه على الصحيح ،ألن احلبس زيادة مل يرد هبا الشرع
فال تشرع كالزيادة على العام .
فائدة :إذا زىن الرقيق جلد مخسني جلدة ،لقوله تعاىل " :فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة فعليهن نصف ما
على احملصنات من العذاب " ،وهذه اآلية يف اإلماء ،ويقاس عليها العبيد الذكور جبامع الرق ،وال يغرب
ألن التغريب إضرار بسيده ،وال يرجم ألن الرجم ال يتنصف .
المطلب الثالث :شروط إقامة حد الزنا :
يشترط إلقامة حد الزنا ثالثة شروط :
الشرط األول :تغييب حشفته األصلية كلها في ُقبُ ِل من آدمي حي .
فال حيد من قبّل أو باشر دون الفرج .
وال من غيب بعض احلشفة .
120
وال يف وطء امرأة ميتة .
وال يف إتيان البهيمة ،وسيأيت حكمه .
وجيب التعزير يف كل ما تقدم .
الشرط الثاني :انتفاء الشبهة :
لعلى ذلك أمران :
األول :األحاديث الواردة عنه عليه الصالة والسالم يف األمر بدرء احلدود بالشبهات ،ومن ذلك :
-حديث علي عنه صلى اهلل عليه وسلم " :ادرأوا احلدود بالشبهات " وهوحديث ضعيف .
--وعن أبي هريرة قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم " :ادفعوا احلدود ما وجدمت هلا مدفعا "
رواه ابن ماجة
-وعن عائشة قالت قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم " :ادرؤوا احلدود عن املسلمني ما استطعتم
فإن كان له خمرج فخلوا سبيله فإن اإلمام أن خيطىء يف العفو خري من أن خيطىء يف العقوبة " رواه الرتمذي
وذكر أنه قد روي موقوفا وأن الوقف أصح قال وقد روي واحد من الصحابة رضي اهلل عنهم أهنم قالوا مثل
ذلك .
وهذه األحاديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة إال أنه يقوي بعضها بعضاً فتقوى لالحتجاج ،والسيما أنه جاء
حنو ذلك موقوفاً عن مجع من الصحابة .
الثاني :وألن األصل يف املسلم االستقامة وبراءة الذمة فال يرتفع حكم األصل إال بيقني أو ظن غالب ،ومع
وجود الشبهة ال يتحقق اليقني .
وبناء على هذا الشرط :
فال حد يف وطء شبهة ،أو نكاح خمتلف يف فساده ( ،النكاح باطل ) وال يف إكراه ،وال مع اجلهل بتحرميه
.
الشرط الثالث :ثبوت الزنا .
وال يثبت الزىن إال بأحد ثالثة أمور :
األول :اإلقرار :
ويشرتط فيمن يقر بالزنا أن يكون بالغاً عاقالً ،ألن ماعزاً ملا أقر عند النيب صلى اهلل عليه وسلم دعاه رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال " :أبك جنون " قال ال .متفق عليه ،وأال يكون مكرهاً ،فال يصح اإلقرار
من املكره فلو ضرب الرجل ليقر بالزنا مل جيب عليه احلد ومل يثبت عليه الزنا وال خالف بني أهل العلم يف أن
إقرار املكره ال جيب به حد وروي عن عمر رضي اهلل عنه أنه قال " :ليس الرجل بأمني على نفسه إذا جوعته
121
أو ضربته أو أوثقته " وألنه مع اإلكراه يغلب على الظن أنه قصد بإقراره دفع ضرر اإلكراه فانتفى ظن
الصدق عنه فلم يقبل .
وال بد أن يصرح بذكر حقيقة الوطء ،فال تكفي الكناية ،ألهنا حتتمل ما اليوجب احلد ويف حديث ابن
قال أفنكتها ال عباس أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ملاعز لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال ال
يكين قال نعم قال فعند ذلك أمر برمجه رواه البخاري .
ويف رواية عن أبي هريرة قال :أفنكتها ؟
قال :نعم
قال :حىت غاب ذاك منك يف ذاك منها ؟
قال :نعم
قال :كما يغيب املرود يف املكحلة والرشاء يف البئر ؟
قال :نعم
قال :فهل تدري ما الزنا ؟
قال :نعم أتيت منها حراما ما يأيت الرجل من امرأته حالال " وذكر احلديث رواه أبو داود
وفي اإلقرار بالزنا اختلف أهل العلم في ثالث مسائل :
المسألة األولى :هل يشترط في اإلقرار بالزنا أن يقر به أربع مرات ؟
والمسألة الثانية :وهل يشترط أيضاً أال يرجع عن إقراره حتى يتم عليه الحد ؟
والمسالة الثالثة :وهل يشرع للقاضي أن يعرض على المقر الرجوع عن إقراره ،ويلقنه الرجوع ؟
فذهب مجهور أهل العلم إىل أن من شرط ثبوت حد الزنا :
-1أن يقر به أربع مرات ،فلو أقر به أقل من ذلك مل حيد .
-2وأن يبقى على إقراره إىل متام احلد فإن رجع عن إقراره أو هرب كف عنه ،ولو كان هروبه بعد البدء
بتنفيذ احلد .
قالوا :ويشرع للقاضي أن يلقنه الرجوع عن إقراره .
وذهب بعض العلماء إىل خالف ذلك يف املسائل الثالث ،فقالوا :يكفي إقراره ولو مرة ،ولو رجع بعد
إقراره مل يدرأ عنه احلد ،وال يشرع للحاكم أن يلقنه .
والسبب يف اخلالف يف املسألة هو اختالف األحاديث الواردة يف ذلك :
فروايات حديث ماعز تؤيد القول األول ( قول اجلمهور ) فإن فيها أن النيب صلى اهلل عليه وسلم لقنه
الرجوع ،وأنه أقر على نفسه أربعاً ،وأنه لو رجع لرتك :
ففي حديث ابن عباس :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ملاعز " :لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " قال ال
.رواه البخاري
122
وفي رواية أبي هريرة قال :فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال
أبك جنون قال ال قال فهل أحصنت قال نعم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ارمجوه متفق عليه
وروى أبو برزة األسلمي أن أبا بكر الصديق قال له عند النيب صلى اهلل عليه وسلم إن أقررت أربعا رمجك
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
وفيه أيضاً :أن ماعزا هرب فذكر للنيب صلى اهلل عليه وسلم فقال هال تركتموه يتوب فيتوب اهلل عليه قال ابن
عبد الرب ثبت من حديث أيب هريرة وجابر ونعيم بن هزال ونصر بن داهر وغريهم أن ماعزا ملا هرب فقال هلم
ردوين إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال " :هال تركتموه يتوب فيتوب اهلل عليه" .
وعن بريدة قال كنا أصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا
بعد اعرتافهما أو قال لو مل يرجعا بعد اعرتافهما مل يطلبهما وإمنا رمجهما بعد الرابعة رواه أبو داود.
وأما أصحاب القول اآلخر فاستدلوا باألحاديث األخرى :قصة العسيف ،واليهوديين ،فليس فيها إال
إقرارهم مرة واحدة ،ولم يلقنهم النبي صلى اهلل عليه وسلم .
ففي حديث العسيف قال النيب صلى اهلل عليه وسلم " :واغد يا أنيس إىل امرأة هذا فإن اعرتفت فارمجها "
ولو كان إقرارها أربعاً واجب لبينه له النيب صلى اهلل عليه وسلم ،ألن تأخري البيان عن وقت احلاجة الجيوز .
وقال عمر :إن الرجم حق واجب على من زىن وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان احلبل أو االعرتاف "
وكان هذا القول منه مبحضر من الصحابة فلم ينكر .
وأصح األقوال في الجمع بين هذه النصوص :أن يفرق بني ما إذا جاء املذنب بنفسه إىل احلاكم تائباً
وطالباً إقامة احلد عليه ،فهذا يعامل مبثل ما عامل النيب ماعزاً ،فيلقنه ،ويطلب منه اإلقرار أربع مرات ،ومىت
رجع عن إقراره ولو بعد الرابعة ،فيدرأ عنه احلد ،ألن املقصود من احلد ردعه وتطهريه ،وظاهر حال مثل
هذا الشخص أنه ليس حباجة إىل ذلك ألن الغالب هو صدقه يف توبته وندمه على ما حصل منه .
أما إذا قبض على الشخص أو وجدت قرائن على فعله ،فأخذ فاعرتف ،فهنا اليلقن ويكفي إقراره مرة
واحدة ،واليقبل رجوعه عن إقراره مامل يذكر شبهة ،عمالً حبديث العسيف ،واهلل أعلم .
وعلى هذا فمن تاب من الذنب قبل القدرة عليه فال يقام عليه احلد ،وهذا شامل لكل احلدود .
يقول ابن القيم رحمه اهلل " :نص الشارع على اعتبار توبة احملارب قبل القدرة عليه ( يقصد يف قوله تعاىل يف
احملاربني :إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم ) إما من باب التنبيه على
اعتبار توبة غريه بطريق األوىل فإنه إذا دفعت توبته عنه حد حرابه مع شدة ضررها وتعديه فألن تدفع التوبة ما
دون حد الحرابة بطريق األوىل واألحرى
وقد قال اهلل تعاىل قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما قد سلف
وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم التائب من الذنب كمن ال ذنب له
123
واهلل تعاىل جعل احلدود عقوبة ألرباب اجلرائم ورفع العقوبة عن التائب شرعا وقدرا فليس يف شرع اهلل وال
قدره عقوبة تائب البتة
ويف الصحيحني من حديث أنس قال كنت مع النيب صلى اهلل عليه وسلم فجاء رجل فقال يا رسول اهلل إين
أصبت حدا فأقمه علي قال ومل يسأله عنه فحضرت الصالة فصلى مع النيب صلى اهلل عليه وسلم فلما قضى
النيب صلى اهلل عليه وسلم الصالة قام إليه الرجل فأعاد قوله قال أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن اهلل عز
وجل قد غفر لك ذنبك
فهذا ملا جاء تائبا بنفسه من غري أن يطلب غفر اهلل له ومل يقم عليه احلد الذي اعرتف به وهو أحد القولني يف
املسألة وهو إحدى الروايتني عن أمحد وهو الصواب
فإن قيل :فماعز جاء تائبا والغامدية جاءت تائبة وأقام عليهما احلد ؟
قيل ال ريب أهنما جاءا تائبني وال ريب أن احلد أقيم عليهما ،وسألت شيخنا يقصد ابن تيمية عن ذلك
فأجاب مبا مضمونه بأن احلد مطهر وأن التوبة مطهره ومها اختارا التطهري باحلد على التطهري مبجرد التوبة وأبيا
إال أن يطهرا باحلد فأجاهبما النيب صلى اهلل عليه وسلم إىل ذلك وأرشد إىل اختيار التطهري بالتوبة على التطهري
باحلد فقال يف حق ما عز هال تركتموه يتوب فيتوب اهلل عليه .
ولو تعني احلد بعد التوبة ملا جاز تركه بل اإلمام خمري بني أن يرتكه كما قال لصاحب احلد الذي اعرتف به
اذهب فقد غفر اهلل لك وبني أن يقيمه كما أقامه على ماعز والغامدية ملا اختارا إقامته وأبيا إال التطهري به
ولذلك رددمها النيب صلى اهلل عليه وسلم مرارا ومها يأبيان إال إقامته عليهما وهذا املسلك وسط بني مسلك
من يقول ال جتوز إقامته بعد التوبة البتة وبني مسلك من يقول ال أثر للتوبة يف إسقاطه البتة وإذا تأملت السنة
رأيتها ال تدل إال على هذا القول الوسط " اهـ .
األمر الثاني مما يثبت به الزنا :شهادة أربعة رجال :
ويشرتط أن يكونوا عدوالً ،وأن يصفوا الزنا ،فال يكفي أن يقولوا :رأيناه فوقها ،بل البد أن يقولوا :رأينا
ذكره يف فرجها ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال ملاعز " :أفنكتها ؟ قال :نعم قال :حىت غاب ذاك منك
يف ذاك منها ؟قال :نعم قال :كما يغيب املرود يف املكحلة والرشاء يف البئر ؟ قال :نعم " وإذا اعترب التصريح
يف اإلقرار فالشهادة أوىل .
والدليل على الشهادة :قوله تعاىل " :والذين يرمون احملصنات مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني
جلدة –اآلية"-
الحبَل :
األمر الثالث مما يثبت به الزنى َ :
إذا وجدت املرأة حبلى ومل يكن هلا زوج والسيد ومل تدع شبهة ىف احلبل ففيها قوالن ىف مذهب امحد وغريه
.
قيل :الحد عليها ألنه جيوز ان تكون حبلت مكرهة او بتحمل او بوطء شبهة .
124
وقيل :بل حتد مامل تدع شبهة ،وهذا القول هو الصحيح ،قال ابن تيمية :وهذا هو املأثور عن اخللفاء
الراشدين وهو األشبه بأصول الشريعة وهو مذهب أهل املدينة فان االحتماالت النادرة اليلتفت اليها كاحتمال
كذهبا وكذب الشهود .
يدل على ذلك قول عمر رضي اهلل عنه " :فالرجم حق على ما زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت
البينة أو كان احلبل أو االعرتاف "
المبحث الثالث :حكم اللواط :
أمجع أهل العلم على حتريم اللواط ،وقد ذمه اهلل تعاىل يف كتابه وعاب من فعله ،وذمه رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم .
أئنكم لتأتون فقال اهلل تعالى " :ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم هبا من أحد من العاملني
الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون "
ولم يثبت عنه عليه الصالة والسالم أنه قضى يف اللواط بشيء ألن هذا مل تكن تعرفه العرب ومل يرفع إليه
ولكن ثبت عنه من حديث ابن عباس رضي اهلل عنهما عنه أنه قال ":من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا
الفاعل واملفعول به " رواه أهل السنن األربعة وقال الرتمذي حديث حسن.
واختلف أهل العلم في حد اللواط :
-1فقيل :إن حده القتل مطلقاً بكرا كان أو ثيبا وهذا قول علي وابن عباس وجابر بن زيد وعبد اهلل بن
معمر والزهري وأيب حبيب وربيعة ومالك وإسحاق وأحد قويل الشافعي
-2وقيل :إن حده كالزنا متاماً ،وهذا هو املشهور من قويل الشافعي ،ألن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال :
" إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان " ،وألنه إيالج فرج آدمي يف فرج آدمي ال ملك له فيه وال شبهة ملك
فكان زنا كاإليالج يف فرج املرأة .
-3وقيل :ال حد عليه ،وهذا هو قول أيب حنيفة ،ألنه ليس مبحل الوطء الفرج
والقول األول هو األصح بال شك ،حلديث ابن عباس املتقدم وهو حديث صحيح ،وألن هذا هو إمجاع
الصحابة رضوان اهلل عليهم ،فإهنم أمجعوا على قتله وإمنا اختلفوا يف صفته ،فقد روى صفوان بن سليم عن
خالد بن الوليد أنه وجد يف بعض ضواحي العرب رجال ينكح كما تنكح املرأة فكتب إىل أيب بكر فاستشار
أبو بكر رضي اهلل عنه الصحابة فيه فكان علي أشدهم قوال فيه فقال ما فعل هذا إال أمة من األمم واحدة وقد
علمتم ما فعل اهلل هبا أرى أن حيرق بالنار وقال بعضهم :يرمى من جدار ،وقال بعضهم :يرمى باحلجارة ،
فكتب أبو بكر إىل خالد بذلك فحرقه .
وهذا احلكم على وفق حكم الشارع فإن احملرمات كلما تغلظت ،تغلظت عقوباهتا ووطء من ال حيل حبال
أعظم جرما من وطء من يباح يف بعض األحوال فيكون حده أقل .
مسألة :
125
حكم من عقد على ذات حمرم كحكم اللوطي على الصحيح من أقوال أهل العلم ،ملا روى اإلمام أمحد
والنسائي وغريمها عن الرباء رضي اهلل عنه قال لقيت خايل أبا بردة معه الراية فقال أرسلين رسول اهلل إىل
رجل تزوج امرأة أبيه أن أقتله وآخذ ماله .
المبحث الرابع :حكم من أتى بهيمة :
اختلفت أهل العلم يف حكم من أتى هبيمة :
فقيل :إنه يعزر وال حد عليه
وقيل :حده حد الزاين
وقيل :يقتل هو والبهيمة لقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :من أتى هبيمة فاقتلوه واقتلوها معه " رواه
أبو داود وهو حديث يرويه عمرو بن أيب عمرو ومل يثبته أمحد ،وقال الطحاوي هو ضعيف
واألقرب هو القول األول ،وميكن اجلواب عن احلديث من وجهني :
األول :أن قتله من باب التعزير وليس حداً .
الثاني :وبأن فيه ضعفاً ،فهو ال ينهض لالحتجاج به يف إقامة احلد ،ألن احلدود تدرأ بالشبهات ،وغاية ما
ميكن أن يستدل به هو جواز تعزير من أتى هبيمة ولو كان التعزير بالقتل .
ويستفاد من الحديث مشروعية قنل البهيمة .
فإن قيل :احلديث ضعيف ومل يعمل به يف قتل الفاعل اجلاين ففي حق حيوان ال جناية منه أوىل ؟
فالجواب :إمنا مل يعمل به يف قتل الفاعل لوجهني :
أحدهما :أنه حد واحلدود تدرأ بالشبهات وهذا إتالف مال فال تؤثر الشبهة فيه
والثاني :أنه إتالف آدمي وهو أعظم املخلوقات حرمة فلم جيز التهجم على إتالفه إال بدليل يف غاية القوة وال
يلزم مثل هذا يف إتالف مال وال حيوان سواه .
إذا ثبت هذا فإن احليوان إن كان للفاعل ذهب هدرا وإن كان لغريه فعلى الفاعل غرامته ألنه سبب إتالفه
فيضمنه .
مث إن كانت مأكولة فهل يباح أكلها ؟
ألهل العلم يف ذلك قوالن .
واختلف في علة قتلها :
-1فقيل :إمنا قتلت لئال يعري فاعلها ويذكر برؤيتها ،وقد روى ابن بطة بإسناده عن النيب صلى اهلل عليه
وسلم أنه قال من وجدمتوه على هبيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة قالوا يا رسول اهلل ما بال البهيمة قال ال يقال
هذه وهذه
-2وقيل :لئال تلد خلقا مشوها
126
-3وقيل :لئال تؤكل ،وإليها أشار ابن عباس يف تعليله .
المبحث الخامس :حكم السحاق :
إذا تدالكت امرأتان فهما زانيتان ملعونتان ملا روي عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال " :إذا أتت املرأة
املرأة فهما زانيتان "
وال حد عليهما ألنه ال يتضمن إيالجا فأشبه املباشرة دون الفرج ،وعليهما التعزير ألنه زنا ال حد فيه فأشبه
مباشرة الرجل املرأة بغري مجاع .
قال ابن القيم رحمه اهلل :سحاق املرأتني نظري مباشرة الرجل الرجل من غري إيالج ،على أنه قد جاء يف
بعض االحاديث املرفوعة إذا أتت املرأة املرأة فهم زانيتان ،ولكن ال جيب احلد بذلك لعدم االيالج ،وإن اطلق
عليهما اسم الزنا العام كزنا العني واليد والرجل والفم .
مسألة :إذا باشر الرجل املرأة فاستمتع هبا فيما دون الفرج فال حد عليه ملا روي أن رجال أتى النيب صلى اهلل
عليه وسلم فقال يا رسول اهلل إين لقيت املرأة فأصبت منها كل شيء إال اجلماع فأنزل اهلل تعاىل أقم الصالة
هود اآلية فقال الرجل أيل هذه اآلية فقال " :ملن عمل هبا من أميت "رواه النسائي .
وللحاكم أن يعزرمها مبا يراه مناسباً .
المبحث السادس :في بعض المقاصد الشرعية في حد الزنا :
الزنا يتع ¸¸ارض مع قصد الش ¸¸ارع يف حفظ النسل والنسب ،وهو من أمه ¸¸ات اجلرائم وكب ¸¸ائر املعاصي ملا فيه من
اختالف األنس ¸ ¸ ¸¸اب ال ¸ ¸ ¸¸ذي يبطل معه التع ¸ ¸ ¸¸ارف والتناصر على إحي ¸ ¸ ¸¸اء ال ¸ ¸ ¸¸دين ،ويف ه ¸ ¸ ¸¸ذا هالك احلرث والنسل
فش¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اكل يف معانيه أو يف أكثرها القتل ال¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذي فيه هالك ذلك ،فهو في الحقيقة قتل للمجتمع ،فزجر عنه
بالعقوبة ارادعة اليت تش¸ ¸¸به القص¸ ¸¸اص ،لريت¸ ¸¸دع عن مثل فعله من يهم به ،فيع¸ ¸¸ود ذلك بعم¸ ¸¸ارة ال¸ ¸¸دنيا وص¸ ¸¸الح
العامل املوصل إىل إقامة العبادات املوصلة إىل نعيم اآلخرة .
يق ول ابن القيم رحمه اهلل مبين اً الحكمة في حد الزنا ":وأما ال ¸¸زاين فإنه ي ¸¸زين جبميع بدنه ،والتل ¸¸ذذ بقض ¸¸اء
شهوته يعم البدن ،فعوقب مبا يعم بدنه من اجللد مرة والقتل باحلجارة مرة "
فإن قيل :ماالحكمة في كون العقوبة على المحصن أغلظ مما هي على البكر؟
فالجواب من أوجه :
-1أن دواعي الش ¸¸هوة يف البكر أق ¸¸وى منها يف احملصن ،إذ إن احملصن قد ت ¸¸زوج ،فعلم ما يقع به من العف ¸¸اف
عن الف¸¸روج احملرمة ،واس¸¸تغىن به عنها ،وأح¸¸رز نفسه عن التع¸¸رض حلد الزنا ،ف¸¸زال ع¸¸ذره من مجيع الوج¸¸وه يف
ختطي ذلك إىل مواقعة احلرام ،أما البكر ،فإنه مل يعلم ما علمه احملصن وال عمل ما عمله ،فحمل له من
العذر بعض ما أوجب له التخفيف ،فحقن دمه ،وزجر بإيالم مجيع بدنه بأعلى أن¸¸واع اجللد ردعا عن املع¸¸اودة
لالستمتاع باحلرام .
127
-2وألن زىن احملصن أبشع من البكر ،إذ إن فيه خيانة للعالقة الزوجية ،وه¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دماً لألس¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸رة ،واختالط ¸ ¸ ¸ ¸اً يف
األنساب ،السيما يف حق املرأة إذ إنه يؤدي إىل أن تدخل املرأة يف فراش زوجها ما ليس منه .
فإن قيل ماالحكمة في عدم معاقبة الزني بقطع العضو الذي باشر الجريمة كما هو الحال في السرقة ؟
فالجواب من أوجه :
فالجواب من أوجه :
أحدها :أنه عضو خفي مستور ال تراه العيون ،فال حيصل االعتبار املقصود من احلد بقطعه .
الثاني :أن ذلك يفضي إىل إبطال آالت التناسل وانقطاع النوع اإلنساين ،وهو خالف مقصود¸ الشرع .
الث الث :أن ل¸¸ذة الب¸¸دن مجيعه بالزنا كل¸¸ذة العضو املخص¸¸وص ،فال¸¸ذي ن¸¸ال الب¸¸دن من الل¸¸ذة احملرمة مثل ما ن¸¸ال
الفرج ،وهلذا كان حد اخلمر على مجيع البدن .
الرابع :أن قطع هذا العضو مفض إىل اهلالك ،وغري احملصن ال تستوجب جرميته اهلالك
فإن قيل :ما الحكمة من تشديد العقوبة في الزنا بتشريع الرجم مع أن فيه إزهاق اً للنفس ؟وكيف نرد على من
يتهم اإلسالم بالرجعية والتخلف بهذا الحكم ؟
والج واب :أن مش¸ ¸¸روعية ال¸ ¸¸رجم من أهم الوس¸ ¸¸ائل حلفظ اجملتمع¸ ¸¸ات من فاحشة الزن¸ ¸¸ا ،وقد ش¸ ¸¸رع اإلس ¸¸الم ال ¸¸رجم
وجعل له من الضوابط ما يتم به حتقيق الغاية اليت شرع من أجلها ،ويظهر ذلك يف األوجه اآلتية :
أوالً :أن ه ذه العقوبة تتناسب مع قبح جريمة الزنا :ف¸¸إن يف الزنا من البش¸¸اعة واملفاسد ما يناسب تش¸¸ديد العقوبة
فيه ،وهلذا مسى اهلل ه¸ ¸ ¸ ¸¸ذه اجلرمية فاجشة فق¸ ¸ ¸ ¸¸ال " :وال تقرب¸ ¸ ¸ ¸¸وا الزنا إنه ك¸ ¸ ¸ ¸¸ان فاحشة وس¸ ¸ ¸ ¸¸اء س¸ ¸ ¸¸بيال" ألهنا جرمية
تستبشعها كل الشرائع والفطر السوية واجملتمعات .
فمن مفاسد تلك الجريمة :اخنالط األنس ¸ ¸¸اب ال ¸ ¸¸ذي يبطل معه التع ¸ ¸¸ارف والتناصر على إحي ¸ ¸¸اء ال ¸ ¸¸دين ،وتفكك
األسر ،وض ¸¸ياع األوالد ،إذ يعيش ابن الزنا طيلة عم ¸¸ره لقيط¸ ¸اً مهمال ،وانتش ¸¸ار األم ¸¸راض يف اجملتمع ،وهلذا ق ¸¸ال
عليه الص¸ ¸ ¸ ¸¸الة والس¸ ¸ ¸ ¸¸الم :وما ظه¸ ¸ ¸ ¸¸رت الفاحشة يف ق¸ ¸ ¸ ¸¸وم قط إال ابتالهم اهلل ب¸ ¸ ¸ ¸¸األمراض واألوج¸ ¸ ¸ ¸¸اع اليت مل تكن يف
أس ¸¸الفهم " ،والقض ¸¸اء على النك ¸¸اح ال ¸¸ذي هو من أهم مقاصد الش ¸¸ريعة ،وإدخ¸ ¸¸ال الع ¸¸ار على األس ¸¸رة بل والقبيلة
برمتها ،فهو يف احلقيقة جرمية قتل ،وهلذا يق ¸¸ول س ¸¸يد قطب ":كث ¸¸رياً ما يق ¸¸رن اهلل تع ¸¸اىل يف كتابه بني الش ¸¸رك وقتل
النفس والزناذلك أهنا كلها جرائم قتل يف احلقيقة :اجلرمية األوىل قتل للفطرة ،والثانية جرمية قتل للجماعة ،والثالثة
جرمية قتل للنفس املفردة "
ثانياً :ثم إن هذه العقوبة مقررة في الكتب السماوية األخرى :
128
فعن ابن عمر أن { اليه¸¸ود أت¸¸وا النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم برجل وام¸¸رأة منهم قد زنيا - ،احلديث وقد س¸¸بق ذك¸¸ره
. } -متفق عليه
ثالثاً :وكذلك فإن الشريعة جعلت لتنفيذ الرجم قيوداً لضمان تنفيذ الرجم في أضيق نطاق :
فمن ذلك وجوب ثبوت البينة إلقامة احلد ،وإذا تأملنا البينة يف الزنا فهي :
-إما شهادة أربعة رجال يشهدون أهنم رأوا الزنا بأعينهم حقيقة ،وال يكفي أن يشهدوا أهنم راوا الرجل يعلو املرأة
،وإال ح ¸¸دوا حد الق ¸¸ذف ،وه ¸¸ذا أش ¸¸به باملس ¸¸تحيل ،وهلذا ذكر ابن تيمية أنه مل ي ¸¸رجم أحد بش ¸¸هادة أربعة عليه مذ
عصر النيب صلى اهلل عليه وسلم وحىت عصره .
-وإما إق¸¸راره على نفسه بالزنا أربع م¸¸رات ،ويش¸¸رتط يف ه¸¸ذه احلال أن اليك¸¸ون اإلق¸¸رار حتت التهديد أو الض¸¸غط أو
الضرب .
واملتأمل يف النص¸¸وص ال¸¸واردة يف مثل قصة م¸¸اعز والغامدية يلحظ أن الش¸¸رع مييل إىل السرت على ال¸¸زاين ،وال¸¸رتوي يف
إقامة احلد ،وأنه مىت ما رجع عن اعرتافه فإن احلد يدرأ عنه ،وال مانع يف مثل ه¸¸ذه احلال من التعزير إذا ق¸¸امت عند
القاضي ق¸ ¸ ¸¸رائن التصل إىل درجة البينة لتنفيذ حد ال¸ ¸ ¸¸زىن ،ومما يؤكد ذلك أن النيب ص¸ ¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸ ¸¸لم مل يطلب
املرأة اليت زىن هبا ماعز ،ومل يسأله من هي ؟ بل سرت عليها درأ احلد عنها تغليباً جلانب السرت .
رابعاً :ثم إن الغاية من إقامة الحد هي تطهير الزاني من جريمته :
وه ¸ ¸ ¸¸ذا يف احلقيقة هو الف¸ ¸ ¸ ¸¸ارق اجلوهري بني املقص¸ ¸ ¸ ¸¸ود من احلدود يف اإلس¸ ¸ ¸ ¸¸الم ،واملقص¸ ¸ ¸ ¸¸ود منها يف النظم الرعية ،
ف¸¸اخلالف حقيقة من أصل النظ¸¸رة ،وهلذا ف¸¸إن اجلاين يف اإلس¸¸الم ي¸¸أيت بنفسه إىل اإلم¸¸ام طالب¸اً تنفيذ حكم اهلل فيه حىت
يطهر من ذنبه ،وهذا ما ال ميكن أن يدركه أي ٍ
نظام آخر .
فعن سليمان بن بريدة عن أبيه { أن النيب صلى اهلل عليه وسلم جاءته ام¸¸رأة من غامد من األزد ،فق¸¸الت :يا رس¸¸ول
اهلل طه¸¸رين ،فق¸¸ال :وحيك ارجعي فاس¸¸تغفري¸ اهلل وت¸¸ويب إليه ،فق¸¸الت :أراك تريد أن ت¸¸ردين كما رددت م¸¸اعز بن
مالك ،ق¸¸ال :وما ذاك ق¸¸الت إهنا حبلى من الزنا ،ق¸¸ال :أنت ؟ ق¸¸الت :نعم ،فق¸¸ال هلا :حىت تض¸¸عي ما يف بطنك
..احلديث } .رواه مسلم
وعن عمران بن حصني { أن ام¸¸رأة من جهينة أتت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم وهي حبلى من الزنا ،فق¸¸الت :
يا رسول اهلل أصبت حدا فأقمه علي -احلديث – وفيه :مث أمر هبا فرمجت مث ص¸¸لى عليها ،فق¸ال له عمر :نص¸لي
عليها يا رس ¸ ¸ ¸¸ول اهلل وقد زنت ؟ ق ¸ ¸ ¸¸ال :لقد ت ¸ ¸ ¸¸ابت توبة لو قس ¸ ¸ ¸¸مت بني س ¸ ¸ ¸¸بعني من أهل املدينة لوس ¸ ¸¸عتهم ،وهل
وجدت أفضل من أن جادت بنفسها هلل ؟ } رواه مسلم .
129
الفصل الثاني
حـد القذف
المبحث األول :تعريف القذف :
القذف يف اللغة :مبعىن الرمي .
ويف الشرع :هو الرمي بزنا أو لواط .
فلو رماه مبا دون ذلك ،كالتقبيل ،واملباشرة ،وشرب اخلمر ،والسرقة ،والكفر ،فليس بقذف ،وإمنا فيه التعزير
،وكذلك لو قال :يا فاسق يامحار يا كافر وحنو ذلك .
المبحث الثاني :حكم القذف :
القذف من كبائر الذنوب ،وقد جاء الوعيد الشديد عليه يف الكتاب والسنة :
أما الكتاب :فقال تعالى " :إن الذين يرمون احملصنات الغافالت املؤمنات لعنوا يف الدنيا واآلخرة وهلم عذاب
عظيم ،يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم مبا كانوا يعملون ِ ،
يومئذ يوفيهم اهلل دينهم احلق ويعلمون أن
اهلل هو احلق املبني "
وأما السنة :ففي الصحيحني عن أيب هريرة رضي اهلل عنه عن النيب صلى اهلل عليه وسلم اجتنبوا السبع املوبقات
قالوا وما هن يا رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال الشرك باهلل والسحر وقتل النفس اليت حرم اهلل وأكل الربا
وأكل مال اليتيم والتويل يوم الزحف وقذف احملصنات املؤمنات الغافالت متفق عليه
والمحصنات في هذه اآلية بمعنى العفائف
فائدة :
المحصنات في القرآن جاءت بأربعة معان :
أحدها :هذا ،أي العفيفات .
والثاني :مبعىن املزوجات كقوله تعاىل " :واحملصنات من النساء إال ما ملكت أميانكم "
والثالث :مبعىن احلرائر كقوله تعاىل " ومن مل يستطع منكم طوال أن ينكح احملصنات املؤمنات "
وقوله سبحانه " واحملصنات من املؤمنات واحملصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "
130
وقوله " :فعليهن نصف ما على احملصنات من العذاب "
والرابع :مبعىن اإلسالم كقوله " :فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة – اآلية –" قال ابن مسعود إحصاهنا إسالمها .
المبحث الثالث :حد القذف :
حد القذف :مثانون جلدة إذا كان القاذف حراً ،بالغاً ،عاقالً ،غري مكره .
والدليل على ذلك من الكتاب والسنة واإلجماع :
أما الكتاب :فقوله تعاىل " :والذين يرمون احملصنات مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني جلدة والتقبلوا هلم
شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون ،إال الذين تابوا من بعذ ذلك وأصلحوا فإن اهلل غفور رحيم "
فرتب اهلل في هذه اآليات ثالثة أحكام على القاذف :
األول :اجللد مثانني جلدة .
الثاني :أن ترد شهادته .
الثالث :أنه من الفاسقني .
فإذا تاب من ذنبه ،فإن توبته ترفع حكم الفسق باتفاق الفقهاء ،وال ترفع عنه حكم اجللد باالتفاق أيضاً ،فلو
تاب قبل جلده فإنه حيد إذا طلب املقذوف ألنه حق آدمي فال يسقط بالتوبة .
وأما رد شهادته ،ففيها خالف بني العلماء :فذهب احلنفية إىل أنه مردود الشهادة ولو تاب ،وذهب اجلمهور إىل
قبول شهادته بعد التوبة ،وسبب اختالفهم هو اختالفهم يف االستثناء املذكور يف اآلية هل هو عائد على مجيع ما
ذكر يف اآلية األوىل أم على اجلملة األخرية منه ،فاألحناف يرون أنه عائد على اجلملة األخرية فقط ،واجلمهور
يرون أنه عائد على مجيع ما ذكر ،وإمنا خرج اجللد باإلمجاع .
وأما السنة :فعن عائشة رضي اهلل عنها – يف قصة اإلفك ، -قالت :ملا نزل عذري ،قام رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم على املنرب فذكر ذلك ،وتال القرآن ،فلما نزل أمر برجلني وامرأة فضربوا حدهم " أخرجه اخلمسة
وقد أمجعت األمة على أن حد القذف مثانون جلدة للحر .
فإن كان القاذف عبداً فحده أربعون جلدة ،لقوله تعاىل -يف اإلماء " : -فإذا أحصن فإن أتني بفاحشة فعليهن
نصف ما على احملصنات من العذاب " وحكم الرجال األرقاء كاإلماء .
المبحث الرابع :من هو المحصن في باب القذف :
من شروط حد القذف أن يكون املقذوف حمصناً ،فلو قذف غري حمصن فال حيد وإمنا فيه التعزير .
131
فمن هو احملصن يف باب القذف ؟
ينبغي أن يعلم أوالً أن احملصن يف باب القذف غري احملصن يف باب الزنا .
فالمحصن في باب القذف هو :احلر ،املسلم ،العاقل ،العفيف ،الذي جيامع مثله .
فهذه ستة شروط :
أن يكون
-1مسلماً :فال حد على من رمى غري املسلم لقوله تعاىل " :إن الذين يرمون احملصنات الغافالت املؤمنات " .
-2حراً :فال حد على من رمى عبداً .
-3عاقالً :فلو قذف جمنوناً فال حد ألنه اليلحقه عار بذلك .
-4عفيفاً :أي من الزنا يف الظاهر ،ولو تائباً منه ،فلو رمى فاجراً فال حد ،لقوله تعاىل يف اآلية السابقة " :
الغافالت " أي عن الزنا.
-5يجامع مثله :وهو خيتلف حبسب حال املقذوف ،ولداً كان أو بنت ،وضبطه احلنابلة بابن عشر سنني
،وبنت تسع ،واألوىل عدم التحديد ألن هذا خيتلف حبسب حال املقذوف وجسمه .
فلو قذف من الجيامع مثله ،كابن مخس سنني فال حد ألنه ال يلحقه العار بذلك .
المبحث الخامس :هل األغلب في حد القذف حق اهلل أم حق اآلدمي ؟ :
اختلف أهل العلم يف ذلك :
فذهب األحناف إىل أن األغلب هو حق اهلل .
وذهب اجلمهور إىل أن األغلب هو حق اآلدمي .
ويترتب على هذا الخالف مسالتان ،ومها :
-1هل يشترط إلقامة الحد مطالبة المقذوف ؟
-2وهل يسقص احلد بعفوه ؟
فمن غلب حق اآلدمي وهم احلمهور قالوا :يشرتط إلقامة احلد مطالبة املقذوف ،كما قالوا :يسقط احلد بعفوه ،
كالقصاص .
أما األحناف فقالوا :جيب إقامة احلد ولو مل يطلب املقذوف ،واليسقط بعفوه ألنه حق اهلل ،فال يسقط بالعفو
كسائر احلدود .
132
وسبب الخالف في هذه المسالة :أن حد القذف فيه شبه بالقصاص ،كما أن فيه شبهاً باحلدود ،فهو من جهة
يشبه القصاص ألنه مشروع جزاءً العتداء القاذف على عرض املقذوف ،كما أن القصاص مشروع جزاءً العتداء
اجلاين على نفس اجملين عليه ،ومن جهة أخرى فإن قاعدة الشريعة يف اجلوابر والتعويضات أن تكون باملثل ،ولكن
يف هذه احلال تتعذر املعاقبة باملثل ،فشرع احلد جلداً فمن هذه اجلهة أشبه احلدود .
واألقرب واهلل أعلم هو قول الجمهور ،فاألغلب فيه هو حق اآلدمي فال يستوفى إال بطلب المقذوف ،
ويسقط بعفوه ،واهلل أعلم .
المبحث السادس :ألفاظ القذف :
ألفاظ القذف على ثالثة أنواع :
.1صريح القذف :هو اللفظ الذي الحيتمل غري القذف .
مثل :يازاين ،يالوطي ،أو قد زنيت ،أو يا منيوك ويامنيوكة إن مل يفسره بفعل زوج أو سيد ،فإن فسر بفعل
زوج أو سيد فليس بقذف .
ومن قال :يابن الزانية فهو قذف ألمه .
ومن صريح القذف كذلك :نفي نسبه ،مثل أن يقول :لست ولد فالن ،فهذا قذف قذف ألمه أي املقول له ،
وكذا لو نفاه عن قبيلته حلديث األشعث بن قيس مرفوعا " :ال أوتى برجل يقول :إن كنانة ليست من قريش إال
جلدته " ،وألنه اليكون لغري أبيه إال بزىن أمه .
فمثل هذه األلفاظ حيد قائلها مطلقاً سواء ادعى أنه مل يقصد القذف أم مل يدع ذلك ،وسواء كان هناك قرينة
ظاهرة على أنه قصد القذف أم مل يكن .
.2وكناية القذف :هو اللفظ الذي حيتمل القذف وغريه .
مثل :ياقحبة ،يافاجرة ،ياخبيث ،ياخبيثة ،فضحت زوجك ،نكست رأسه ،جعلت له قروناً ،زنت يداك ،
وحنوذلك .
فهذا ينظر فيه إلى ظاهر الحال :فإن كان ظاهر احلال يدل على أنه قصد القذف فإنه حيد به ،حىت ولو ادعى أنه
مل يقصد القذف ،أما إن كان ظاهر احلال ال يدل على أنه قصد القذف ،وفسره هو بغري القذف فيقبل تفسريه
وال حيد ،بل يعزر ،كأن أراد باملخنث املتطبع بطبائع التأنيث ،وبالقحبة املتعرضة للزىن وإن مل تفعله ،وبالفاجرة
الكاذبة وحنو ذلك .
133
.3والتعريض بالقذف :مثل أن يقول ملن خياصمه :ما أنت بزان ،ما يعرفك الناس بالزنا ،يا حالل ابن احلالل
،أو يقول :ما أنا بزان وال أمي بزانية ن يقصد بذلك التعريض باآلخر .
فاختلف أهل العلم في ذلك فيما إذا كان هناك قرينة تدل على قصده القذف :
فذهب بعضهم إلى أنه ليس بقذف ولو وجدت قرينة ،لما يلي :
-1ملا يف الصحيحني أن رجال قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم إن امرأيت ولدت غالما أسود يعرض بنفيه فلم يلزمه
بذلك حد وال غريه .
-2وألن اهلل فرق بني التعريض باخلطبة والتصريح هبا فأباح التعريض يف العدة وحرم التصريح فكذلك يف القذف
وقال بعضهم :عليه احلد ،ملايلي :
-1ألن عمر حني شاورهم يف الذي قال لصاحبه ما أنا بزان وال أمي بزانية فقالوا قد مدح أباه وأمه فقال عمر :
قد عرض بصاحبه ،فجلده احلد .
-2وروى أن عثمان جلد رجال قال آلخر يا ابن شامة الوذر يعرض له بزنا أمه والوذر قدر اللحم يعرض له بكمر
الرجال
-3وألن الكناية مع القرينة الصارفة إىل أحد حمتمالهتا كالصريح الذي ال حيتمل إال ذلك املعىن ولذلك وقع
الطالق بالكناية.
-4وألن هذه األلفاظ يراد هبا القذف عرفا فجرت جمرى الصريح .
وهذا القول هو الصحيح ،وهو أن التعريض يعد قذفاً إذا وجدت قرينة تدل على أنه قصد القذف ،فإن مل يكن
يف حال اخلصومة وال وجدت قرينة تصرف إىل القذف فاألقرب أنه ليس بقذف .
وأما اجلواب عن احلديث الذي استدل به أصحاب القول األول فنقول :إن الرجل جاء إىل النيب صلى اهلل عليه
وسلم مستفتياً ،ومل يقصد القذف .
وبهذا يتبين أن حكم التعريض بالقذف كحكم الكناية .
فائدة هامة :املرجع يف حتديد ألفاظ القذف وكوهنا صرحية أم كناية أم تعريضاً إىل العرف ،فما عده الناس صرحياً
يف القذف أو كناية فيه أو تعريضاً به فهو كذلك ،وما ال فال .
المبحث السابع :حكم من قذف جماعة :
من قذف أهل بلد ،أو مجاعة اليتصور منهم الزنا عادة ،فال حد عليه ،ألنه العار عليهم بذلك ،للقطع بكذبه ،
وإمنا يعزر .
134
وإن كان يتصور الزىن منهم عادة وقذف كل واحدة بكلمة فعليه لكل واحد حد لتعدد القذف وتعدد حمله كما لو
قذف كال منهم دون أن يقذف اآلخر ،وإن كان إمجاال كقوله هم زناة فحد واحد لقوله تعاىل " :والذين يرمون
احملصنات اآلية " ومل يفرق بني قذف واحد ومجاعة ،وألنه قذف واحد فال جيب به أكثر من حد .
المبحث الثامن :شروط إقامة حد القذف :
يشترط إلقامة حد القذف ما يلي :
الشرط األول :ثبوته :
ويثبت حد القذف بإقراره أي القاذف ،أو بشهادة عدلني على أنه نطق به .
الشرط الثاني :مطالبة المقذوف :
وهذه املسالة حمل خالف بني أهل العلم ،وتبني أن القول الصحيح أن حد القذف اليقام إال بطلب من املقذوف .
ولو مات املقذوف ومل يطالب به سقط .
ومن قذف ميتاً فلوارثه املطالبة بإقامة احلد عليه .
فائدة :قال أهل العلم :من قذف نبياً كفر ،وقتل ،ولو تاب .
المبحث التاسع :مسقطات حد القذف :
يسقط حد القذف بمايلي :
-1عفو المقذوف :
فلو طالب باحلد مث عفا سقط احلد عن القاذف ،على الصحيح من أقوال أهل العلم .
-2ثبوت الزنا على المقذوف :
إما بإكتمال أربعة شهداء ،أو بإقرار املقذوف به .
وعلى هذا فو شهد ثالثة على شخص بالزنا فإهنم حيدون حد الفرية أي القذف .
-3اللعان :
وذلك بالنسبة للزوج يف قذفه المرأته ،فيدرأ حد القذف عن نفسه مبالعنته .
المبحث العاشر :إن قيل :ما الحكمة في إيجاب حد الفرية على من قذف غيره بالزنا دون الكفر ؟
الجواب من وجهين :
األول :ما أش ار إليه ابن القيم رحمه اهلل بقوله ":إن الق¸ ¸¸اذف غ¸ ¸¸ريه بالزنا ال س¸ ¸¸بيل للن¸ ¸¸اس إىل العلم بكذبه ،
فجعل حد الفرية تك ¸ ¸¸ذيبا له ،وتربئة لع ¸ ¸¸رض املق ¸ ¸¸ذوف ،وتعظيما لش¸ ¸ ¸¸أن ه ¸ ¸¸ذه الفاحشة اليت جيلد من رمى هبا
مس ¸¸لما ،وأما من رمى غ ¸¸ريه ب ¸¸الكفر ف ¸¸إن ش ¸¸اهد ح ¸¸ال املس ¸¸لم واطالع املس ¸¸لمني عليها ك ¸¸اف يف تكذيبه ،وال
135
يلحقه من الع¸ ¸¸ار بكذبه عليه يف ذلك ما يلحقه بكذبه عليه يف ال¸ ¸¸رمي بالفاحشة ،وال س¸ ¸¸يما إن ك¸ ¸¸ان املق¸ ¸¸ذوف
ام¸¸رأة ،ف¸¸إن الع¸¸ار واملع¸¸رة¸ اليت تلحقها بقذفه بني أهلها وتش¸¸عب ظن¸¸ون الن¸¸اس وك¸¸وهنم بني مص¸¸دق ومك¸¸ذب ال
يلحق مثله بالرمي بالكفر ".
والثاني :وألن القذف ال يقتصر ضرره على املقذوف وحده ،بل يلحقه وزوجه وأوالده وعشريته ،خبالف الكفر
.
الفصل الربع
حـد المسكر
المبحث األول :حكم الخمر :
شرب اخلمر من الكبائروقد جاء حترميه يف الكتاب والسنةواإلمجاع :
136
فمن الكتاب :قوله تعاىل ":يا أيها الذين آمنوا إمنا اخلمر وامليسر واألنصاب واألزالم رجس من عمل الشيطان
...اآلية "
ومن السنة :فقد تواترت األحاديث على حترمي اخلمر : ،
فقد أخ رج الش يخان وغيرهما عن أبي هري رة رضي اهلل عنه أن النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم ق ¸¸ال { :ال ي ¸¸زين
الزاين حني يزين وهو مؤمن ،وال يسرق السارق حني يسرق وهو مؤمن ،وال يشرب اخلمر حني يش¸¸رب وهو
مؤمن }
وعنه أيض اً{ لعن رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم يف اخلمر عش ¸¸رة :عاص ¸¸رها ومعتص ¸¸رها وش ¸¸ارهبا وحاملها
واحملمولة له وساقيها وبائعها وآكل مثنها واملشرتي هلا واملشرتى له } .رواه أبو داود وغريه
وروى مسلم في صحيحه عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :كل مس¸¸كر ح¸¸رام وإن على اهلل عه¸¸دا ملن
يشرب املسكر أن يسقيه من طينة اخلبال قالوا يا رسول اهلل وما طينة اخلبال ؟ ق¸ال :ع¸¸رق أهل الن¸ار أو عص¸ارة
أهل النار }
وعن ابن عمر أن الن بي ص لى اهلل عليه وس لم ق ال ":من ش ¸ ¸¸رب اخلمر يف ال ¸ ¸¸دنيا مث مل يتب منها حرمها يف
اآلخرة" .متفق عليه
وقد استش كل أهل العلم مع نى الح ديث ،ذلك أن اجلنة فيها ما تش ¸ ¸¸تهيه األنفس وتلذ األعني ،واهلل تع¸ ¸¸اىل
أخرب أن يف اجلنة أهنارا من مخر ل¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ذة للش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸اربني فلو دخلها وقد علم أن فيها مخرا أو أنه حرمها عقوبة له ل ¸ ¸ ¸¸زم
وقوع اهلم واحلزن ،واجلنة ال هم فيها وال حزن .
وللعلماء في معنى الحديث عدة أقوال :
-1فق¸ ¸¸ال ابن عب¸ ¸¸دالرب :حيمل احلديث عند أهل الس ¸¸نة على أنه ال ي¸ ¸¸دخلها وال يش¸ ¸¸رب اخلمر فيها إال إن عفا
اهلل عنه كما يف بقية الكب¸¸ائر وهو يف املش¸¸يئة ،فعلى ه¸¸ذا معىن احلديث :ج¸¸زاؤه يف اآلخ¸¸رة أن حيرمها حلرمانه
دخول اجلنة إال إن عفا اهلل عنه .
-2وقال القاضي عياض :املراد حبرمانه شرهبا أنه حيبس عن اجلنة مدة إذا أراد اهلل عقوبته .
-3وقال النووي :معن¸¸اه أنه حيرم ش¸¸رهبا يف اجلنة وإن دخلها قيل ينس¸¸اها وقيل ال يش¸¸تهيها وإن ذكرها ويك¸¸ون
هذا نقص نعيم يف حقه متييزا بينه وبني تارك شهوهتا .
وه ¸¸ذا التأويل هو األق ¸¸رب ويؤي ¸¸ده ح ¸¸ديث أيب س ¸¸عيد مرفوعا { من لبس احلرير يف ال ¸¸دنيا مل يلبسه يف اآلخ ¸¸رة ،
وإن دخل اجلنة لبسه أهل اجلنة ومل يلبسه } وقد أخرجه الط ¸¸رباين وص ¸¸ححه ابن حب ¸¸ان ،وك ¸¸ذلك ح ¸¸ديث عبد
اهلل بن عم¸¸رو رفعه { من م¸¸ات من أميت وهو يش¸¸رب اخلمر ح¸¸رم اهلل عليه ش¸¸رهبا يف اجلنة } أخرجه أمحد بس¸¸ند
حسن .
ومما يدخل في تحريم المسكر :تحريم المخدرات :
137
وي ¸¸دخل يف ذلك احلشيشة واألفي ¸¸ون ،فه ¸¸ذه كلها مس ¸¸كرة كما ص ¸¸رح به الن ¸¸ووي وغ ¸¸ريه ،وإذا ثبت أن ه ¸¸ذه
كلها مسكرة أو خمدرة فاستعماهلا كبرية وفسق كاخلمر ،فكل ما ج¸اء يف وعيد ش¸ارهبا ي¸أيت يف مس¸تعمل ش¸يء
من ه ¸¸ذه املذكورات الش ¸¸رتاكهما يف إزالة العقل املقص ¸¸ود للش ¸¸ارع بق ¸¸اؤه ،ألنه اآللة للفهم عن اهلل تع ¸¸اىل وعن
رس¸¸وله واملتم¸¸يز به اإلنس¸¸ان عن احلي¸¸وان والوس¸¸يلة إىل إيث¸¸ار الكم¸¸االت عن النق¸¸ائص ،فك¸¸ان يف تع¸¸اطي ما يزيله
وي ¸¸دخل يف املف¸ ¸¸رتات الق¸ ¸¸ات وقد ألف اهليتمي كتابا مساه [ حتذير الثق¸ ¸¸ات عن اس¸ ¸¸تعمال الكفتة والق ¸¸ات ] يف
التح¸ ¸ ¸¸ذير عنهما ،واألصل في تح ريم كل ذلك ما رواه أحمد في مس نده وأبو داود في س ننه { :نهى
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر } .
قال العلماء :املفرت كل ما يورث الفتور واخلدر يف األطراف ،وهذه املذكورات كلها تسكر وختدر وتفرت .
وحكى الق ¸ ¸¸رايف وابن تيمية اإلمجاع على حترمي احلشيشة ،ق ¸ ¸¸ال :ومن اس ¸ ¸¸تحلها فقد كفر .ق ¸ ¸¸ال :وإمنا مل
يتكلم فيها األئمة األربعة ألهنا مل تكن يف زمنهم ،وإمنا ظه¸¸رت يف آخر املائة السادسة وأول املائة الس¸¸ابعة حني
ظهرت دولة التتار .
المبحث الثاني :ضابط المسكر :
مثت ضابطان عند أهل العلم يف حتديد املسكر ،ومها :
األول :كل ما أسكر كثيره فقليله حرام
والثاني :كل مسكر خمر ،وكل خمر حرام .
فال خيتص اخلمر بكونه من العنب بل يكون من سائر املصعومات إذا أسكرت .
واألدلة على هذين الضابطين :
-1عموم اآلية السابقة .
-2وعن ابن عمر مرفوعا " :كل مسكر مخر وكل مخر حرام " رواه مسلم
138
-3وق¸ال عمر ن¸زل حترمي اخلمر وهي من العنب والتمر والعسل واحلنطة والش¸عري واخلم¸رة ما خ¸امر العقل متفق
عليه
-4وعن ابن عمر مرفوعا " :ما أسكر كثريه فقليله حرام " رواه أمحد وابن ماجة والدارقطين
-5وعن عائشة مرفوعا " :ما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام " رواه أبو داود
المبحث الثالث :تحريم الخمر في الشرائع السابقة :
ق ال الغ زالي :مل تش¸ ¸¸تمل ملة قط على حتليل املس¸ ¸¸كر وإن اش¸ ¸¸تملت على حتليل الق¸ ¸¸در ال¸ ¸¸ذي ال يُس ¸¸كر من
جنس املسكر.
يدل على ذلك ما يلي :
-1نصوص الشريعة التي بينت أن جميع الرسل أتوا إلصالح أقوامهم وإرشادهم لما فيه خيرهم في
ال دنيا واآلخ رة :وحترمي اخلمر من ذلك ،كما ق ¸¸ال تع ¸¸اىل على لس ¸¸ان ش ¸¸غيب " إن أريد إال اإلص ¸¸الح ما
اس¸¸تطعت " وق¸¸ال موسى ألخيه ه¸¸ارون " اخلفين يف ق¸¸ومي وأص¸¸لح وال تتبع س¸¸بيل املفس¸¸دين " وق¸¸ال ص¸¸لى
اهلل عليه وس¸¸لم":إنه مل يكن نيب قبلي قط إال ك¸¸ان حق ¸اً عليه أن ي¸¸دل أمته على خري ما يعلمه هلم ،وحيذرهم
من شر ما يعلمه هلم" ،وإن من الشر الذي أمجع عليه أرباب العقول هو شرب اخلمر.
-2وردت آثار عن الصحابة تدل على أن الخمر كانت محرمة على األمم السابقة ،فمن ذلك :
ما روى ال ¸¸بيهقي عن عثم ان بإس ¸¸ناد ص ¸¸حيح أنه ق ¸¸ال :اجتنب ¸¸وا اخلمر فإهنا ُأم اخلب ¸¸ائث ،إنه ك ¸¸ان رجل ممن
قبلكم يتعبد اهلل فعلقته إم¸¸رأة غوية فأرس¸¸لت إليه جاريتها تطلبه للش¸¸هادة ،فلما ج¸¸اء جعلت كلما دخل باب¸اً
أغلقته دونه حىت انتهى إىل امرأة وضيئة فقالت :إين ما دعوت للش¸هادة ولكن لتقع علي أو تش¸رب اخلم¸ر-
وك¸¸ان عن¸¸ده باطية مخر -أو تقت¸ل ه¸¸ذا الغالم ،فق¸¸ال اخلمر أه¸¸ون ،فش¸¸رب كأس¸اً مث ق¸¸ال زي¸¸دوين ،فوقع على
املرأة وقتل الغالم ،مث قال عثمان :فاجتنبوا اخلمر فإهنا ُأم اخلبائث.
وك¸¸ذلك ما ورد عن عبد اهلل ابن عمرو أنه ق¸¸ال:إن ه¸¸ذه اآلية اليت يف الق¸¸رآن يا أيها ال¸¸ذين آمن¸¸وا إمنا اخلمر
وامليسر واألنص¸¸اب واألزالم رجس من عمل الش¸¸يطان ف¸¸اجتنبوه لعلكم تفلح¸¸ون ،ق¸¸ال هي يف الت¸¸وراة :إن
اهلل أن¸¸زل احلق لي¸¸ذهب به الباطل ويبطل به اللعب واملزامري وال¸¸زفن والكب¸¸ارات يعين الربابط والزم¸¸ارات يعين
به ال¸ ¸ ¸ ¸¸دف والطن¸ ¸ ¸ ¸¸ابري والش¸ ¸ ¸ ¸¸عر واخلمر ملن طعمها م¸ ¸ ¸ ¸¸رة أقسم اهلل بيمينه وعزمه¸ من ش¸ ¸ ¸ ¸¸رهبا بع¸ ¸ ¸¸دما حرمتها
ألعطش¸¸نه ي¸¸وم القيامة ومن تركها بعد ما حرمتها ألس¸¸قينه إياها يف حظ¸¸رية الق¸¸دس رواه ابن أيب ح¸¸امت وق¸¸ال
ابن كثري :إسناده صحيح
والزفن :الرقص – والكربات :الربابط مجع بربط وهو آلة عزف تشبه العود – والزفرات :الدفوف.
والشاهد أن هذه اآلية موجودة يف التوراة وفيها حترمي اخلمر صراحة .
139
المبحث الرابع :حد المسكر :
الخالف بني العلماء على وجوب احلد على من شرب مسكراً ،واختلفوا يف مقداره على قولني :
القول األول :
أن حده مثانون جلدة .
وهذا هو قول اجلمهور من احلنفية واملالكية واملشهور عند احلنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
بأن هذا هو إجماع الصحابة على عهد عمر بنا الخطاب رضي اهلل عنه ،حيث استشارهم في حد شارب
الخمر فأشاروا عليه أن يجلده ثمانين .
يدل على ذلك ما يلي :
-1عن أنس أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸ ¸¸لم أيت برجل قد ش¸ ¸¸رب اخلمر فجلد جبري¸ ¸¸دتني حنو أربعني ق ¸¸ال
وفعله أبو بكر فلما ك ¸ ¸¸ان عمر استش ¸ ¸¸ار الن ¸ ¸¸اس فق ¸ ¸¸ال عبد ال ¸ ¸¸رمحن أخف احلدود مثانني ف ¸ ¸¸أمر به عمر رواه أمحد
ومسلم وأبو داود والرتمذي وصححه
-2وعن علي أنه ق ¸¸ال يف املش¸ ¸¸ورة إذا س ¸¸كر ه¸ ¸¸ذى وإذا ه¸ ¸¸ذى اف¸ ¸¸رتى فح¸ ¸¸دوه حد املف¸ ¸¸رتي رواه اجلوزج ¸¸اين
والدارقطين
-3وعن السائب بن يزيد قال كنا نؤتى بالشارب يف عهد رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم ويف إمرة أيب
بكر وص¸¸درا من إم¸¸رة عمر فنق¸¸وم إليه نض¸¸ربه بأي¸¸دينا ونعالنا وأرديتنا حىت ك¸¸ان ص¸¸درا من إم¸¸رة عمر فجلد فيها
أربعني حىت إذا عتوا فيها وفسقوا جلد مثانني رواه أمحد والبخاري
نوقشت هذه األدلة :
ب ¸¸أن غاية ما تفي ¸¸ده أن حد اخلمر أربع ¸¸ون ،وأن م ¸¸ازاد عنها إىل الثم ¸¸انني إمنا هو زي ¸¸ادة تعزيرية رآها عمر رضي
اهلل عنه ،يدل على ذلك ما يلي :
أنه جاء يف هذه الروايات وغريها أن عمر رضي اهلل عنه كان جيلد يف اخلمر يف صدر خالفته أربعني ،فلما
عتا الن ¸¸اس وفس ¸¸قوا زاد فيها إىل الثم ¸¸انني بع ¸¸دما استش ¸¸ار الص ¸¸حابة ن ف¸¸دل ذلك على أهنا زي¸¸ادة تعزيرية منه
رضي اهلل عنه ،اقتض ¸ ¸¸اها ح ¸ ¸¸ال الن ¸ ¸¸اس يف عص ¸ ¸¸ره ،بل قد ثبت عنه بأس ¸ ¸¸انيد ص ¸ ¸¸حيحة أنه ت ¸ ¸¸درج يف جلد
شارب اخلمر من أربعني إىل ستني إىل مثانني
140
أن عمر رضي اهلل عنه ك ¸¸ان يع ¸¸زر ش ¸¸ارب اخلمر – إض ¸¸افة إىل احلد – بنفيه كما فعل مع ربيعة بن أمية بن
خلف ،وأحياناً حبلق رأسه ،فلو صح اعتب¸ار زيادته عن األربعني ح¸داً لل¸¸زم مثل ذلك يف النفي والتحليق ،
وال قائل بذلك .
ودع¸¸وى اإلمجاع ه¸¸ذه غري ص¸¸حيحة ،فقد خالفه غ¸¸ريه من الص¸¸حابة كما س¸¸يأيت يف أدلة الق¸¸ول الث¸¸اين ،إن
شاء اهلل .
القول الثاني :
أن حده أربعون ،وجتوز الزيادة فيه إىل الثمانني تعزيراً .
وهذا مذهب الشافعية ،والظاهرية ،ورواية عند احلنابلة ،اختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وابن القيم .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
-1ب¸¸أن ه¸¸ذا هو فعل النيب ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم ،وأيب بكر ،طيلة خالفته ،وأق¸¸ره الص¸¸حابة على ذلك فك¸¸ان
إمجاعاً ،وقد سبق ذكر األدلة على ذلك .
-2وعن حص¸ني بن املن¸¸ذر ق¸¸ال ش¸¸هدت عثم¸¸ان بن عف¸¸ان أيت بالوليد قد ص¸¸لى الص¸¸بح ركع¸¸تني مث ق¸¸ال أزي¸¸دكم
فش¸¸هد عليه رجالن أح¸¸دمها محران أنه ش¸¸رب اخلمر وش¸¸هد آخر أنه رآه يتقيؤها فق¸¸ال عثم¸¸ان إنه مل يتقيأها حىت
ش ¸¸رهبا فق ¸¸ال يا علي قم فاجل ¸¸ده فق ¸¸ال علي قم يا حسن فاجل ¸¸ده فق ¸¸ال احلسن ول حارها من ت ¸¸وىل قارها فكأنه
وج¸ ¸د عليه فق ¸¸ال يا عبد اهلل بن جعفر قم فاجل ¸¸ده فجل ¸¸ده وعلي يعد حىت بلغ أربعني فق ¸¸ال أمسك مث ق ¸¸ال جلد
النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أربعني وأبو بكر أربعني وعمر مثانني وكل سنة وهذا أحب إيل رواه مسلم
-3وعن علي ق¸ ¸¸ال ما كنت ألقيم ح¸ ¸¸دا على أحد فيم¸ ¸¸وت وأجد يف نفسي منه ش¸ ¸¸يئا إال ص ¸ ¸¸احب اخلمر فإنه
مات وديته وذلك أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مل يسنه متفق عليه
ومعن¸ ¸ ¸¸اه :مل يق¸ ¸ ¸ ¸¸دره ويوقته ،واملقص¸ ¸ ¸¸ود¸ ما زاد عن األربعني أ ق ال ابن القيم رحمه اهلل " :املراد ب¸ ¸ ¸¸ذلك أن
رس¸ ¸ ¸¸ول اهلل مل يق¸ ¸ ¸¸در فيه بقوله تق¸ ¸ ¸¸ديرا ال ي¸ ¸ ¸¸زاد عليه وال ينقص الح¸ ¸ ¸¸دود وإال فعلي رضي اهلل عنه قد ش ¸ ¸¸هد أن
رس¸¸ول اهلل قد ض¸¸رب فيها أربعني وقوله إمنا هو ش¸¸يء قلن¸¸اه حنن يعين التق¸¸دير بثم¸¸انني ف¸¸إن عمر رضي اهلل عنه
مجع رضي اهلل عنهم واستشارهم فأشاروا بثمانني .
وهذا القول هو الصحيح .
قال ابن تيمية " :فمن العلماء من يقول جيب ضرب الثمانني ومنهم من يقول الواجب أربعون والزيادة يفعلها
اإلم¸ ¸ ¸¸ام عند احلاجة إذا أدمن الن ¸ ¸¸اس اخلمر أو ك ¸ ¸¸ان الش¸ ¸ ¸¸ارب ممن ال يرت ¸ ¸¸دع ب ¸ ¸¸دوهنا وحنو ذلك فأما مع قلة
الش¸ ¸¸اربني وق¸ ¸¸رب أمر الش¸ ¸¸ارب فتكفي األربع¸ ¸¸ون وه¸ ¸¸ذا اوجه الق¸ ¸¸ولني ،وقد ك¸ ¸¸ان عمر رضي اهلل عنه ملا ك ¸¸ثر
141
الش¸¸رب زاد فيه النفي وحلق ال¸¸راس مبالغة يف الزجر عنه فلو ع¸¸زر الش¸¸ارب مع األربعني بقطع خ¸¸ربه أو عزله عن
واليته كان حسنا " .
المبحث الخامس :في قتل شارب الخمر في الرابعة :
جاءت نصوص متعددة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم في قتل شارب الخمر في الرابعة ،فمن ذلك :
-1عن عبد اهلل بن عم رو ق¸¸ال ق¸¸ال رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم ":من ش¸¸رب اخلمر فاجل¸¸دوه ف¸¸إن
ع¸¸اد فاجل¸¸دوه ف¸¸إن ع¸¸اد فاجل¸¸دوه ف¸¸إن ع¸¸اد ف¸¸اقتلوه " ق¸¸ال عبداهلل ائت¸¸وين برجل قد ش¸¸رب اخلمر يف الرابعة فلكم
علي أن أقتله رواه أمحد
-2وعن معاوية أن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال إذا شربوا اخلمر فاجلدوهم مث إذا ش¸¸ربوا فاجل¸¸دوهم مث
إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم رواه اخلمسة إال النسائي
-3عن جابر عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم قال إن ش¸رب اخلمر فاجل¸دوه ف¸إن ع¸اد الرابعة ف¸اقتلوه ق¸ال مث
أيت النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم بعد ذلك برجل قد شرب يف الرابعة فضربه ومل يقتله .رواه الرتمذي
-4عن قبيصة بن ذؤيب أن النيب صلى اهلل عليه وآله وس¸لم ق¸ال من ش¸رب اخلمر فاجل¸¸دوه ف¸إن ع¸¸اد فاجل¸¸دوه
ف¸¸إن ع¸¸اد فاجل¸¸دوه ف¸¸إن ع¸¸اد يف الثالثة أو الرابعة ف¸¸اقتلوه ف¸¸أيت برجل قد ش¸¸رب فجل¸¸ده مث أيت به فجل¸¸ده مث أيت به
فجلده مث أيت به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة رواه أبو داود
فأخذ جمهور أهل العلم من هذه النصوص أن قتل شارب الخمر في الرابعة منسوخ .
والصحيح أنه ليس بمنسوخ ،بل هو من باب التعزير ،فلإلمام ان يفعله إذا رأى المصلحة في ذلك .
ق ال ابن تيمية " :ك ¸¸ذلك قد يق ¸¸ال يف أم ¸¸ره يقتل ش ¸¸ارب اخلمر يف الرابعة ب¸¸دليل ما رواه أمحد يف املس ¸¸ند
عن ديلم الحميري رضي اهلل عنه ق¸¸ال س¸¸ألت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وس¸¸لم فقلت :يا رس¸¸ول اهلل إنا ب¸¸أرض
نعاجل هبا عمال شديدا وإنا نتخذ شرابا من القمح نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بالدنا ؟
فقال :هل يسكر ؟
قلت :نعم
قال :فاجتنبوه
قلت :إن الناس غري تاركيه
قال :فإن مل يرتكوه فاقتلوهم "
142
قال ابن تيمية :وهذا ألن املفسد كالصائل فإذا مل ين¸¸دفع الص¸¸ائل إال بالقتل قتل ومجاع ذلك أن العقوبة نوع¸¸ان
:
أحدهما :على ذنب ماض جزاء مبا كسب نكاال من اهلل كجلد الشارب والقاذف وقطع احملارب والسارق
والثاني :العقوبة لتأديب حق واجب وترك حمرم يف املس¸تقبل كما يس¸تتاب املرتد حىت يس¸لم ف¸إن ت¸اب وإال قتل
وكما يعاقب تارك الصالة والزكاة وحقوق اآلدميني حىت يؤدوها ف¸التعزير يف ه¸ذا الض¸¸رب أشد منه يف الض¸¸رب
األول وهلذا جيوز أن يضرب مرة بعد مرة حىت يؤدي الصالة الواجبة أو يؤدي الواجب عليه "
وقال ابن القيم " :قتل شارب اخلمر يف الثالثة أو الرابعة ليس حبد وال منس¸وخ وإمنا هو تعزير يتعلق باجته¸¸اد
".
143
الفصل الخامس
حد السرقة
المبحث األول :في حد السارق :
حد السارق هو القطع ،بنص الكتاب والسنة وإمجاع األمة .
أما الكتاب :فقوله تعاىل " :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "
ومن السنة :عن عائشة مرفوعا " :تقطع اليد يف ربع دينار فصاعدا " متفق عليه
المبحث الثاني :شروط إقامة حد السرقة :
جيب بثمانية شروط :
الشرط األول :السرقة :
وهي أخذ مال الغري من مالكه أو نائبه على وجه اإلختفاء .
فال قطع على :
-1منتهب :وهو من يأخذ املال على وجه الغنيمة حلديث ج¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸ابر مرفوعا ليس على املنتهب قطع رواه أبو
داود
-2ومختطف :وهو الذي خيتلس الشيء ومير به
-3وغاضب .
-4وخائن في وديعة .
والدليل :عن جابر عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم ق¸¸ال " :ليس على خ¸¸ائن وال منتهب وال خمتلس قطع "
رواه اخلمسة وصححه الرتمذي
ٍمسألة :اختلف أهل العلم في حكم جاحد العارية :
فالمشهور في مذهب اإلمام أحمد قطع جاحد العارية :
144
واستدلوا بما في الصحيح عن عائشة ق¸¸الت :ك¸¸انت ام¸¸رأة خمزومية تس¸¸تعري املت¸¸اع وجتح¸¸ده ف¸¸أمر النيب ص¸¸لى اهلل
عليه وآله وسلم فتكون يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النيب صلى اهلل عليه وآله وس¸¸لم فيها فق¸¸ال
له النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸ ¸¸لم " :يا أس¸ ¸¸امة ال أراك تش¸ ¸¸فع يف حد من ح¸ ¸¸دود اهلل عز وجل " مث ق¸ ¸¸ام النيب
ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم خطيبا فق ¸¸ال " :إمنا هلك من ك ¸¸ان قبلكم بأنه إذا س ¸¸رق فيهم الش ¸¸ريف ترك¸¸وه وإذا
سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت حممد لقطعت ي¸¸دها " فقطع يد املخزومية
رواه أمحد ومسلم والنسائي
وفي رواية قال :اس¸¸تعارت ام¸¸رأة يعين حليا على ألس¸¸نة ن¸¸اس يعرف¸¸ون وال تع¸¸رف هي فباعته فأخ¸¸ذت ف¸¸أيت هبا
النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وآله وس ¸¸لم ف ¸¸أمر فقطعت ي ¸¸دها وهي اليت ش ¸¸فع فيها أس ¸¸امة بن زيد وق ¸¸ال فيها رس ¸¸ول اهلل
صلى اهلل عليه وآله وسلم ما قال رواه أبو داود والنسائي .
وممن رجح هذا الق ول الشوكاني ،فق ال في نيل األوطار " :وال خيفى أن الظ¸¸اهر من أح¸¸اديث الب¸¸اب أن
القطع ك ¸¸ان ألجل ذلك اجلحد كما يش ¸¸عر به قوله يف ح ¸¸ديث ابن عمر بعد وصف القصة ف ¸¸أمر النيب ص ¸¸لى اهلل
عليه وآله وس ¸ ¸ ¸ ¸¸لم فقطعت ي ¸ ¸ ¸ ¸¸دها ،وك ¸ ¸ ¸ ¸¸ذلك بقية األلف ¸ ¸ ¸ ¸¸اظ املذكورة وال ين ¸ ¸ ¸ ¸¸ايف ذلك وصف املرأة يف بعض
الرواي¸ ¸¸ات بأهنا س¸ ¸¸رقت فإنه يص¸ ¸¸دق على جاحد الوديعة بأنه س¸ ¸¸ارق ف¸ ¸¸احلق قطع جاحد الوديعة ويك¸ ¸¸ون ذلك
خمصصا لألدلة الدالة على اعتب ¸¸ار احلرز ووجهه أن احلاجة ماسة بني الن ¸¸اس إىل العارية فلو علم املعري أن املس ¸¸تعري
إذا جحد ال شيء عليه جلر ذلك إىل سد باب العارية وهو خالف املشروع " .
وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية :
واستدلوا على ذلك :بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق واجلاحد للوديعة ليس بسارق .
وأج اب الجمه ور عن أح اديث قطع المخزومية :ب ¸¸أن اجلحد للعارية وإن ك ¸¸ان مرويا فيها من طريق عائشة
وجابر وابن عمر وغريهم لكنه ورد التصريح يف الصحيحني وغريمها بذكر السرقة ،ومما يؤيد ذلك :
-1يف رواية من ح¸¸ديث ابن مس¸¸عود أهنا س¸¸رقت قطيفة من بيت رس¸¸ول اهلل ص¸¸لى اهلل عليه وآله وس¸¸لم أخرجه
ابن ماجة واحلاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والرتمذي
-2ووقع يف مرسل حبيب بن أيب ثابت أهنا سرقت حليا ،
قالوا :واجلمع ممكن ب¸أن يك¸ون احللي يف القطيفة فتق¸رر أن املذكورة قد وقع منها الس¸رق ف¸ذكر جحد العارية
ال يدل على أن القطع كان له فقط .
-3قالوا :وميكن أن يكون ذكر اجلحد لقصد التعريف حباهلا وأهنا كانت مش¸تهرة ب¸¸ذلك الوصف والقطع ك¸¸ان
للسرقة كذا قال البيهقي والنووي وغريمها
145
-4ويؤيد هذا ما يف احلديث املتقدم من قوله صلى اهلل عليه وآله وسلم إمنا هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق
فيهم الشريف اخل فإن ذكر هذا عقب ذكر املرأة املذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرق .
واألقرب واهلل أعلم هو القول الثاني أن جاحد العارية اليقطع .
الشرط الثاني من شروط السرقة :كون السارق مكلفا مختارا عالما :
ألن غرياملكلف مرفوع عنه القلم ،وألن املكره معذور ،وكذا اجلاهل .
الشرط الثالث :كون المسروق ماال :
ألن القطع شرع لصيانة األموال فال جيب يف غريها واألخبار مقيدة لآلية ،فال قطع بسرقة ماء ال يتمول عادة
،وال بإن ¸ ¸¸اء فيه مخر ،وال بكتب بدعة وتص ¸ ¸¸اوير لوج ¸ ¸¸وب إتالفها أش¸ ¸ ¸¸بهت املزامري ومثل ذلك س ¸ ¸¸ائر الكتب
احملرمة وال بآلة هلو ك ¸¸الطنبور واملزم ¸¸ار والطبل لغري احلرب وحنوها ألهنا معص ¸¸ية ك ¸¸اخلمر ومثله ن ¸¸رد وش ¸¸طرنج ،
وال بصليب أوصنم من ذهب أو فضة ألنه جمرم أشه الطنبور .
ويقطع بسرقة مصحف ،وماء معد للبيع .
الشرط الرابع :أن يبلغ المال المسروق النصاب في السرقة :
وهو ثالثة دراهم أو ربع دينار أو ما يساوي أحدمها ،فال قطع بسرقة ما دون ذلك :
-لح ديث عائشة مرفوعا ال تقطع اليد إال يف ربع دين ¸¸ار فص ¸¸اعدا رواه أمحد ومس ¸¸لم والنس ¸¸ائي وابن ماجه ،
وهو خيصص عموم اآلية
. -وعن ابن عمر أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قطع يف جمن قيمته ثالثة دراهم رواه اجلماعة
وأما ح ديث أبي هري رة مرفوع¸ ¸اً " :لعن اهلل الس ¸¸ارق يس ¸¸رق احلبل فتقطع ي ¸¸ده ويس ¸¸رق البيضة فتقطع ي ¸¸ده "
متفق عليه ،
فيحمل على حبل يساوي ذلك وكذا البيضة
ويحتمل أن يراد هبا بيضة السالح وهي تساوي ذلك مجعا بني األخباركما حكى البخاري عن األعمش
ويحتمل :أن سرقة القليل ذريعة إىل سرقة النصاب بالتدريج ذكر معناه ابن القيم يف اهلدى
مسألة :تعترب القيمة حال اإلخراج من احلرز ألنه وقت الوجوب لوجود السبب فيه
الشرط الخامس :إخراجه من حرز :
146
يف قول أكثر أهل العلم منهم مالك والشافعي وأصحاب الرأي واحلنابلة .
واألدلة على ذلك :
-1ح ديث عم رو بن ش عيب عن أبيه عن ج ده أن رجال من مزينة س ¸¸أل النيب ص ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم عن
الثمار فقال ما أخذ أكمامه واحتمل ففيه قيمته ومثله معه وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ مثن اجملن رواه
أبو داود وابن ماجه ويف لفظ ومن سرق منه ش¸يئا بعد أو يؤويه اجلرين فبلغ مثن اجملن فعليه القطع رواه أبو داود
والنسائي وزاد وما مل يبلغ مثن اجملن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال
-2وعن رفع بن خديج مرفوعا ال قطع يف مثر وال كثر رواه اخلمسة
فلو سرق من غري حرز فال قطع لفوات شرطه .
مسألة :ضابط الحرز :
ح¸رز كل م¸ال ما يحفظ فيه ع¸ادة ،وهو خيتلف ب¸اختالف األم¸وال واألزمنة واألمكنة ،وج¸ور الس¸لطان وعدله
،ألن معناه احلفظ وألن الشرع ملا اعترب احلرز ومل يبينه علمنا أنه رده إىل العرف كالقبض .
وذكر الفقهاء لذلك أمثلة فقالوا :
فنعل برجل وعمامة على رأس حرز .
ون¸ ¸¸وم على مت ¸ ¸¸اع أو رداء ح ¸ ¸¸رز ،فعن ص¸ ¸¸فوان بن أمية ق¸ ¸¸ال كنت نائما يف املس¸ ¸¸جد على مخيصة يل فس ¸ ¸¸رقت
فأخ ¸¸ذنا الس ¸¸ارق فرفعن ¸¸اه إىل رس ¸¸ول اهلل ص ¸¸لى اهلل عليه وآله وس ¸¸لم ف ¸¸أمر بقطعه ،فقلت يا رس ¸¸ول اهلل " :أيف
مخيصة مثن ثالثني درمها أنا أهبها له أو أبيعها له " ق ¸ ¸ ¸ ¸¸ال " :فهال ك ¸ ¸ ¸ ¸¸ان قبل أن ت ¸ ¸ ¸ ¸¸أتيين به " .رواه اخلمسة إال
الرتمذي
وح ¸¸رز الكفن كونه على امليت يف القرب لق ¸¸ول عائشة رضي اهلل عنها س ¸¸ارق أمواتنا كس ¸¸ارق أحيائنا وروي عن
ابن الزبري أنه قطع نباشا .
ووضع البهائم يف مراحها حرز هلا .
وإغالق باب الدكان إحراز له .
وقفل السيارة إحراز هلا أيضاً ،وهكذا .
قال أهل العلم :وخيتلف احلرز بالبل¸¸دان والس¸¸الطني خلف¸¸اء الس¸¸ارق بالبلد الكبري لس¸¸عة أقط¸¸اره أك¸¸ثر من خفائه
يف البلد الص¸¸غري وك¸¸ذا الس¸¸لطان إن ك¸¸ان ع¸¸دال يقيم احلدود قل الس¸¸راق قال حيت¸¸اج اإلنس¸¸ان إىل زي¸¸ادة ح¸¸رز وإن
147
كان جائرا يش¸ارك من التجأ إليه وي¸ذب عنهم ق¸ويت ص¸ولتهم فيحت¸اج أرب¸¸اب األم¸وال إىل زي¸ادة التحفظ وك¸ذا
احلال مع قوته وضعفه
مسألة :لو اش¸¸رتك مجاعة يف هتك وإخ¸¸راج النص¸¸اب قطع¸¸وا مجيعا ،لوج¸¸ود س¸بب القطع منهم كالقتل وكما لو
ك ¸ ¸¸ان ثقيال فحمل¸ ¸ ¸¸وه ،ويقطع س¸ ¸ ¸¸ارق نص¸ ¸ ¸¸اب جلماعة ،وإن هتك احلرز أح¸ ¸ ¸¸دهم ودخل اآلخر ف ¸ ¸¸أخرج املال
فيقطعان معاً إذا كانا متواطئني .
الشرط السادس :انتفاء الشبهة :
.1فال قطع بس ¸ ¸ ¸¸رقته من م ¸ ¸ ¸¸ال فروعه وأص ¸ ¸ ¸¸وله ،أما ول ¸ ¸ ¸¸ده فلح ¸ ¸ ¸¸ديث :أنت ومالك ألبيك " ،وأما أص ¸ ¸¸وله
فلوج¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸وب نفقة أح¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸دهم على اآلخر ،وألن بينهم قرابة متنع ش¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸هادة بعض¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸هم لبعض فال يقطع به ،ألن
احلدود تدرأ بالشبهات.
.2وال يقطع أحد ال¸¸زوجني بس¸¸رقته من م¸¸ال اآلخر رواه س¸¸عيد عن عمر بإس¸¸ناد جيد ،وألن كل واحد منهما
يرث صاحبه بغري حجب وينبسط يف ماله أشبه الولد .
.3وال بسرقة من مال له فيه شرك أو ألحد ممن ذكر كأصوله وفروعه وحنوهم لقيام الشبهة فيه بالبعض ال¸¸ذي
ال جيب بسرقته قطع
.4وال قطع على مسلم س¸¸رق من بيت املال ل¸¸ذلك ولق¸¸ول عمر وابن مس¸¸عود من س¸¸رق من بيت املال فال قطع
ما من أحد إال وله يف هذا املال حق .
الشرط السابع :ثبوتها :
.1إما بش هادة ع دلين يص فانها ،لقوله تع¸¸اىل " :واستش¸¸هدوا ش¸¸هيدين من رج¸¸الكم " واألصل عمومه لكن
خولف فيما فيه دليل خاص للدليل فبقي فيما عداه على عمومه .
.2أو بإقرار السارق مرتين ويصفها في كل مرة ،الحتمال ظنه وجوب القطع مع فقد بعض شروطه
وحكم رجوعه عن اعترافه ،وتلقين القاضي له ،كحكم الزاني :
ف¸إن ك¸¸ان قد قبض عليه وجيء به ،فال يش¸¸رع تلقينه ،واليقبل رجوعه ،أما إن ك¸¸ان قد ج¸اء تائب¸اً إىل احلاكم
فله تلقينه ،ويقبل رجوعه عن إق¸ ¸¸راره ،حلديث أيب أمية املخ ¸¸زومي أن النيب ص¸ ¸¸لى اهلل عليه وس ¸¸لم أتى بلص قد
اع¸رتف فق¸ال ما إخالك س¸رقت ق¸ال بلى فأع¸اد عليه م¸رتني أو ثالثا ق¸ال بلى ف¸أمر به فقطع رواه أمحد وأبو داود
.
الشرط الثامن مطالبة المسروق منه بماله :
148
أو مطالبة وكيله أو وليه إن كان حمج¸ورا عليه حلظة ،ألن املال يب¸اح بالب¸ذل واإلباحة فيحتمل إباحة مالكه إي¸اه
أو إذنه له يف دخول حرزه وحنوه مما يسقط القطع فاعترب الطلب لنفي هذا االحتمال وانتفاء الشبهة .
مس ألة :ق ال أهل العلم :ال قطع ع ¸¸ام جماعة وغالء إن مل جيد ما يش ¸¸رتي به ،لق ¸¸ول عمر ال قطع يف ع ¸¸ام س ¸¸نة
قيل :أهو قول تقول به قال :أي لعمري ال أقطعه إذا محلته احلاجة والناس يف شدة وجماعة .
المبحث الثالث :في كيفية القطع :
مىت توفرت شروط السرقة يف السارق قطعت يده اليمىن من مفصل كفه ،ألن يف ق¸¸راءة عبداهلل بن مس¸¸عود " :
فاقطعوا أمياهنما"
وروي عن أيب بكر وعمر رضي اهلل عنهما أهنما ق¸ ¸¸اال إذا س¸ ¸¸رق الس ¸ ¸¸ارق ف¸ ¸¸اقطعوا ميينه من مفصل الك¸ ¸¸وع وال
خمالف هلمايف الصحابة ،وغمست وجوبا يف زيت مغلي لتنسد أفواه العروق لئال ينزفه الدم فيؤدي إىل موته .
ف¸¸إن ع¸¸اد قطعت رجله اليس¸¸رى قياسا على القطع يف احملاربة ،وألنه أرفق به ليتمكن من املشي على خش¸¸بة ولو
قطعت ميناه مل ميكنه ذلك ،وهذا احلكم باتفاق األئمة األربعة ،وحكاه بعضهم إمجاعاً .
ويك ¸ ¸¸ون القطع من مفصل كعبه ويرتك عقبه ملا روى عن علي أنه ك¸ ¸¸ان يقطع من ش¸ ¸¸طر الق¸ ¸¸دم وي¸ ¸¸رتك له عقبا
ميشي عليها .
فإن عاد فقد اختلف العلماء في حكمه على قولين :
القول األول :
أنه في الثالثة تقطع يده اليسرى ،وفي الرابعة تقطع رجله اليمنى ،فإن سرق بعد ذلك حبس وعزر .
وهذا مذهب املالكية والشافعية ورواية عند احلنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بأحاديث ضعيفة من أبرزها :
حديث أبي هريرة مرفوعا من سرق فاقطعوا يده مث إن سرق فاقطعوا رجله ،فإن عاد ف¸اقطعوا ي¸ده ،ف¸إن ع¸اد
فاقطعوا رجله . " .أخرجه الدارقطين ،وهو حديث ضعيف .
القول الثاني :
أنه إن عاد في الثالثة فال يقطع منه شيء بل يعزر ويحبس حتى يتوب أو يموت .
وهذا مذهب احلنفية واملشهور من مذهب احلنابلة .
استدل أصحاب هذا القول بما يلي :
149
-1بما روي أن عمر رضي اهلل عنه أتى برجل أقطع الزند والرجل قد س¸ ¸ ¸¸رق ف¸ ¸ ¸¸أمر به عمر أن تقطع رجله
فق ¸¸ال علي :إمنا ق ¸¸ال اهلل تع ¸¸اىل :إمنا ج ¸¸زاء ال ¸¸ذين حياربون اهلل ورس ¸¸وله اآلية" وقد قطعت يد ه ¸¸ذا ورجله فال
ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة ميشي عليها إما أن تع¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸زره وإما أن تس¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸تودعه الس¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸جن فاس ¸ ¸ ¸¸تودعه
السجن .رواه سعيد
-2وعن س عيد المق بري ق¸ ¸ ¸¸ال :إن علي بن أيب ط¸ ¸ ¸¸الب أتى برجل مقط¸ ¸ ¸¸وع اليد والرجل قد س ¸ ¸¸رق فق ¸ ¸¸ال
ألصحابه :ما ترون يف هذا ؟
قالوا :اقطعه يا أمري املؤمنني .
قال :قتلته إذا وما عليه القتل ،بأي شيء يأكل الطعام ؟ بأي شيء يتوضأ للصالة ؟ بأي شيء يقوم حلاجته ؟
فرده إىل لسجن أياما ،مث أخرجه ،فاستش¸ار أص¸حابه فق¸الوا مثل ق¸وهلم األول وق¸ال هلم مثل ماق¸ال أوال فجل¸ده
جلدا شديدا مث أرسله .رواه عبدالرزاق يف مصنفه .
وفي رواية أنه رضي اهلل عنه قال " :إين ألستحيي من اهلل أال أدع له يداً يأكل هبا ويستنجي " .
وهذا القول هو الصحيح ،واهلل أعلم .
مس ألة :ق ال أهل العلم :جيتمع على الس ¸¸ارق القطع والض ¸¸مان ،ألهنما حق ¸¸ان ملس ¸¸تحقني فج ¸¸از اجتماعهما
كالدية والكف ¸¸ارة يف القتل اخلطأ ،ف ¸¸ريد ما أخذ ملالكه إن ك ¸¸ان باقيا ألنه عني ماله وإن ك ¸¸ان تالفا فعليه ض ¸¸مانه
ألنه مال آدمي تلف حتت يد عادية فوجب ضمانه ،ويعيد ما خرب من احلرز ألنه متعد .
المبحث الرابع :في بعض المقاصد الشرعية في حد السرقة :
المطلب األول :إن قيل :ما الحكمة في قطع يد السارق ؟ وهل في هذا إال زيادة في اإلتالف وتنكيل
في السارق بما ال يستحقه من العقوبه ؟ إذ يكفي لردعه ما هو أقل من ذلك ؟
فالجواب من أوجه :
-1الوجه األول :وهو ج ¸¸واب جممل أش ¸¸ار إليه ابن القيم يف احلكمة من مش ¸¸روعية س¸¸ائر احلدود ،ذلك أن من
ش¸¸رع ه¸¸ذه العقوب¸¸ات ورتبها على أس¸¸باهبا جنسا وق¸¸درا هو ع¸¸امل الغيب والش¸¸هادة ،وأحكم احلاكمني ،وأعلم
الع ¸¸املني ،ومن أح¸ ¸¸اط بكل ش¸ ¸¸يء علما وأح¸ ¸¸اط علمه بوج¸ ¸¸وه املص¸ ¸¸احل دقيقها وجليلها ما ميكن اطالع البشر
عليه وما ال ميكنهم ،وليست هذه التقديرات خارجة عن وجوه احلكم والغايات احملمودة ،كما أن التق¸¸ديرات
الواقعة يف خلقه ك¸¸ذلك ،فه¸¸ذا يف خلقه وذاك يف ش¸¸رعه ،ومص¸¸درمها مجيعا عن كم¸¸ال علمه وحكمته ووض¸¸عه¸
كل ش ¸¸يء يف موض ¸¸عه¸ ال ¸¸ذي ال يليق به س ¸¸واه ،فش ¸¸مل إتقانه وإحكامه لكل ما مشله خلقه كما ق ¸¸ال تع ¸¸اىل :
150
{ ص ¸¸نع اهلل ال ¸¸ذي أتقن كل ش ¸¸يء } وإذا ك ¸¸ان س ¸¸بحانه قد أتقن خلقه غاية اإلتق ¸¸ان ،فألن يك ¸¸ون تش ¸¸ريعه يف
غاية اإلتقان أوىل وأحرى .
وس¸ ¸¸بحان اهلل ما أعظم ظلم اإلنس¸ ¸¸ان وجهله فإنه لو اع¸ ¸¸رتض على أي ص¸ ¸¸احب ص¸ ¸¸ناعة ك¸ ¸¸انت ممن تقصر عنها
معرفته وإدراكه على ذلك وس ¸¸أله عما اختصت به ص ¸¸ناعته من األس ¸¸باب واملق ¸¸ادير وكيف ك ¸¸ان كل ش ¸¸يء من
ذلك على الوجه ال ¸¸ذي هو عليه ال أكرب وال أص ¸¸غر وال على ش ¸¸كل غري ذلك يس ¸¸خر منه ،ويه ¸¸زأ به ،وعجب
من س¸ ¸¸خف عقله وقلة معرفته ،ه ¸ ¸¸ذا مع أن ص¸ ¸¸احب تلك الص ¸ ¸¸ناعة غري م¸ ¸¸دفوع عن العجز والقص ¸ ¸¸ور وع¸ ¸¸دم
اإلحاطة واجلهل مث ال يس¸¸عه إال التس¸¸ليم له ،واالع¸¸رتاف حبكمته ،فهال وس¸¸عه ذلك مع أحكم احلاكمني وأعلم
العاملني ومن أتقن كل شيء فأحكمه وأوقعه على وفق احلكمة
الوجه الث اني :أن اهلل ش ¸¸رع عقوبة الس ¸¸ارق فك ¸¸ان أليق العقوب ¸¸ات به إبانة العضو ال ¸¸ذي جعله وس ¸¸يلة إىل أذى
الناس ،فكانت عقوبته به أبلغ وأردع من عقوبته باجللد ،ومل تبلغ جنايته حد العقوبة بالقتل .
وملا كان ضرر احملارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظم ،ضم إىل قطع يده قطع رجله ،ليكف عدوانه ،
وشر ي¸ ¸ ¸¸ده اليت بطش هبا ،ورجله اليت س¸ ¸ ¸¸عى هبا ،وش¸ ¸ ¸¸رع أن يك¸ ¸ ¸¸ون ذلك من خالف لئال يف¸ ¸ ¸¸وت عليه منفعة
الشق بكماله ،فكف ضرره وعدوانه ،ورمحه بأن أبقى له يدا من شق ورجال من شق .
الوجه الثالث :أن اهلل شرع القطع وجعل له شروطاً اليكون إال هبا حىت ينحصر تطبيقه يف أقبح صور االعتداء
وأشدها بشاعة ،وقد سبق اإلشارة إىل هذه الشروط .
المطلب الثاني :إن قيل ما الحكمة في قطع السارق وعدم قطع الغاصب والخائن والمنتهب والمختلس
؟
فالجواب :أن جريمةالسرقة أعظم من هذه الجرائم لما يلي :
-1أن الس¸ ¸ ¸ ¸¸ارق ال ميكن االح¸ ¸ ¸¸رتاز منه ،فإنه ينقب ال¸ ¸ ¸¸دور ويهتك احلرز ويكسر القفل ،وال ميكن ص¸ ¸ ¸¸احب
املت¸¸اع االح ¸¸رتاز ب¸¸أكثر من ذلك ،فلو مل يش ¸¸رع قطعه لس ¸¸رق الن¸¸اس بعض ¸¸هم بعضا ،وعظم الض ¸¸رر ،واش¸¸تدت
احملنة بالس¸ ¸ ¸ ¸ ¸¸راق ،خبالف املنتهب واملختلس ،ف ¸ ¸ ¸ ¸¸إن املنتهب هو ال ¸ ¸ ¸ ¸¸ذي يأخذ املال جه ¸ ¸ ¸ ¸¸رة مبرأى من الن ¸ ¸ ¸¸اس ،
فيمكنهم أن يأخ¸ ¸ ¸¸ذوا على يديه ،وخيلص¸ ¸ ¸¸وا حق املظل¸ ¸ ¸¸وم ،أو يش¸ ¸ ¸¸هدوا له عند احلاكم ،وأما املختلس فإنه إمنا
يأخذ املال على حني غفلة من مالكه وغ¸ ¸ ¸ ¸¸ريه ،فال خيلو من ن¸ ¸ ¸ ¸¸وع تفريط ميكن به املختلس من اختالسه ،وإال
فمع كمال التحفظ والتيقظ ال ميكنه االختالس ،فليس كالسارق
-2وكذلك فإن السرقة تتضمن الرتويع والتخويف واختالل األمن خبالف هذه الذنوب .
-3مث إن درء احلد عن ه¸ ¸¸ؤالء ال يعين ع¸ ¸¸دم مع¸ ¸¸اقبتهم إذ يس¸ ¸¸وغ كف ع¸ ¸¸دواهنم بالض¸ ¸¸رب والنك ¸¸ال والس¸ ¸¸جن
الطويل والعقوبة بأخذ املال وحنو ذلك من التعازير .
المطلب الث الث :إن قيل :مالحكمة في قطع الس ارق في ربع دين ار مع أن دية اليد إذا قطعت بمئ ات
الدنانير ،وهل هذا إال نوع تناقض ؟
151
فالجواب :بأن هذا من أعظم املصاحل واحلكمة ،فإن اهلل احتاط يف املوضعني لألموال واألط¸¸راف ،فقطعها يف
ربع دين ¸ ¸¸ار حفظا لألم¸ ¸ ¸¸وال ،وجعل ديتها مخس ¸ ¸¸مائة دين ¸ ¸¸ار حفظا هلا وص ¸ ¸¸يانة ،وقد أورد بعض الزنادقة ه ¸ ¸¸ذا
السؤال وضمنه بيتني ،فقال :
ما باهلا قطعت يف ربع دينار يد خبمسمئي من عسجد وديت
وأن نعوذ مبوالنا من العار تناقض ما لنا إال السكوت لـه
فأجابه بعض الفقهاء بأهنا كانت مثينة ملا كانت أمينة ،فلما خانت هانت ،وضمنه الناظم قوله :
خيانة املال فانظر حكمة الباري محاية الدم أغالها وأرخصها
الفصل السادس
حـد الحرابة ( قطاع الطريق )
المبحث األول :في تعريف الحرابة :
الحرابة في اللغة :مشتقة من احلََرب ،بالتحريك ،وهو أن يسلب الرجل ماله .
والمحاربون في االصطالح الشرعي :هم املكلفون امللتزمون من املسلمني وأهل الذمة ،الذين خيرجون على
الناس بالسالح فيأخذون أمواهلم جماهرة .
فقطع الطريق يشترط فيه شرطان :
األول :أن يكون على سبيل اجملاهرة والغلبة ،فإن كانوا خمتفني فسراق ،وإن اختطفوا وهربوا فمنتهبون ال
قطع عليهم ألن عادة قطاع الطريق القهر فاعترب ذلك فيهم .
والثاني :إشهار السالح ،فمن مل يكن معه سالح ،فليس مبحارب ،ألنه المينع من قصده ،قال ابن قدامة
" :ال نعلم فيه خالفاً " .
واألصل في حد الحرابة قوله تعالى " :إمنا جزاء الذين حياربون هلل ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن
يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو ينفوا من األرض ذلك هلم خزي يف الدنيا وهلم يف
اآلخرة عذاب عظيم ،تعاىل إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم ".
قال ابن عباس وأكثر المفسرين :نزلت يف قطاع الطريق من املسلمني
152
قال يف الشرح الكبري " :وحكى عن ابن عمر أهنا نزلت يف املرتدين وقال أنس يف العرنيني الذين استاقوا إبل
الصدقة وارتدوا ،ولكن يرد هذا التأويل قوله تعاىل إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم والكفار تقبل
توبتهم بعد القدرة عليهم .انتهى
ويعترب ثبوته ببينة أو إقرار كالسرقة .
المبحث الثاني :هل يشترط في الحرابة :الحرز ،والنصاب ؟
اختلف العلماء في ذلك :
فذهب بعض العلماء إلى أن من شرطه :أن يأخذوا املال من حرز ،وأن يبلغ املال املسروق نصاباً ،قياساً
على السرقة ،فلو مل ياخذه من حرز ،أو مل يبلغ املال املسروق نصاباً ،فليس بقاطع طريق .
والصحيح أن احلرز والنصاب ليسا بشرط ،ألن العلة يف قطع الطريق هي الرعب ونشر الفساد ،وليس أخذ
املال ،فال يصح قياسه على السرقة ،بل إن احلد جيب يف قطع الطريق ولو مل يأخذوا ماالً أصالً .
المبحث الثالث :هل من شرط قطع الطريق أن يكون خارج المصر ؟
اتفق العلماء على أن احلرابة تكون خارج املصر ،واختلفوا فيمن حارب داخل املصر ،فذهب بعضهم إىل أن
احلرابة التكون إال يف خارج املصر ،فلو قطع الطريق داخل البلد فليس حبرابة ،لوجود الغوث .
والصحيح :أن احلرابة كما تكون خارج املصر تكون داخله أيضاً ،لعموم اآلية ،وألن الرعب كما يكون
خارج املصر يكون كذلك داخلها .
قال ابن حزم رحمه اهلل " :كل من حارب املار وأخاف السبيل بقتل نفس ،أو أخذ مال ،أو جلراحة ،أو
النتهاك فرج فهو حمارب عليه وعليهم – كثروا أو قلوا -حكم احملاربني املنصوص يف اآلية ،ألن اهلل تعاىل مل
خيص شيءاً من هذه الوجوه "
وهذا القول هو هو اختيار مجع من احملققني من أهل العلم منهم شيخ اإلسالم ابن تيمية ،وابن القيم ،وغريمها
،وهو رواية يف مذهب أمحد ،وعليه تدل اآلية الكرمية ،إذ ليس يف اآلية ختصيصه يف الصحراء أو يف حال
دون حال ،فتبقى اآلية على عمومها .
المبحث الرابع :حكم المحاربين :
اختلف العلماء في عقوبة المحاربين بسبب اختالفهم في المراد ب " أو " في اآلية ،هل هي للتنويع
على حسب الجناية ،أم أنها للتخيير ؟
ولهم في ذلك قوالن :
153
القول األول :
أن " أو " للتنويع وبيان أن لكل جناية عقوبة .
ويكون حكمهم كما جاء عن ابن عباس رضي اهلل عنهما يف معىن اآلية قال " :إذا قتلوا وأخذوا املال قتلوا
وصلبوا ،وإذا قتلوا ومل يأخذوا املال قتلوا ومل يصلبوا ،وإذا أخذوا املال ومل يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم
من خالف ،وإذا أخافوا السبيل ومل يأخذوا ماال نفوا من األرض "
وهذا هو مذهب الشافعية واحلنابلة ،واألحناف على تفصيل قريب من هذا يف مذهبهم .
وعلى هذا القول فللمحاربين أربعة أحكام :
-1إن قتلوا وأخذوا ماال حتم قتلهم وصلبهم حىت يشتهروا لريتدع غريهم مث يغسلوا ويكفنوا ويصلى عليهم
ويدفنوا .
-2وإن قتلوا ومل يأخذوا ماال قتلوا ،وحكم الردء كاملباشر على الصحيح من أقوال أهل العلم وبه قال
مالك وأمحد .
يف آن -3وإن أخذوا ماال ومل يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خالف حتما ،لوجوبه حلق اهلل تعاىل
واحد فال ينتظر لقطع أحدمها اندمال اآلخر ألنه تعاىل أمر بقطعهما واألمر للفور فتقطع يده اليمىن ورجله
اليسرى لقوله من خالف ،واحلكهة يف كون القطع من خالف :اإلرفاق به ،لئال يفوت عليه منفعة الشق
بكماله ،فيستطيع أن ميشي بعصا بدالً من رجله املقطوعة وتكئ عليها بيده .
-4وإن أخافوا الناس ومل يأخذوا ماال نفوا من األرض فال يرتكون يأوون إىل بلد حىت تظهر توبتهم وتنفي
اجلماعة متفرقة كل إىل جهة لئال جيتمعوا على احملاربة .
استدل أصحاب هذا القول :
-1مبا روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس قال وادع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أبا برزة األسلمي فجاء
ناس يريدون اإلسالم فقطع عليهم أصحابه فنزل جربيل عليه السالم باحلد فيهم أن من قتل وأخذ املال قتل
وصلب ومن قتل ومل يأخذ املال قتل ومن أخذ املال ومل يقتل قطعت يده ورجله من خالف .وهذا
احلديث ضعيف
-2وبتفسري ابن عباس املتقدم .
القول الثاني :
أن " أو " يف اآلية للتخيري وليست للتنويع .
154
فيكون معىن اآلية أن لإلمام أن جيتهد يف اختيار العقوبة املناسبة مما هو مذكور يف اآلية ،فمن كان منهم رئيساً
مطاعاً أو ذا شوكة أو كان معروفاً باإلجرام فله قتله إذا رأى يف ذلك مصلحة وإن مل يقتل ،وله أن يقطع إذا
رأى يف ذلك مصلحة وإن مل يأخذ ماالً ،كما أن له أن خيفف العقوبة عمن مل يعهد منه اإلجرام ،وليس
بذي شوكة ،بأن يقتصر على نفيه ،وهكذا ،فاألمر موكول إىل اجتهاد احلاكم بأن يتخري العقوبة املناسبة مما
هو مذكور يف اآلية .
وهذا مذهب املالكية والظاهرية ،ورواية عند احلنابلة ،واختار هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية .
أدلة هذا القول :
-1أن التقسيم الذي ذكره أصحاب القول األول ال دليل عليه ،واحلديث املذكور ضعيف ،وتفسري ابن
عباس رضي اهلل عنهما اجتهاد منه .
-2ومما يؤيد هذا القول :أنه مبقتضى القول األول فإن احملاربني لو ارتكبوا جرائم غري أخذ املال والقتل فإن
عقوبتهم التكون هي حد قطاع الطريق ،بل تكون عقوبات جرائم عادية ،كجرمية االغتصاب ،وترويج
املخدرات ،وحنو ذلك ،فهذه ليست من حد احلرابة عند أصحاب القول األول ،وإمنا فيها حد الزنا أو
التعزير ،مع أهنا أشد ضرراً وأعظم فحشاً من أخذ املال ،وهذا بال شك خمالف للقواعد الشرعية ،فإن
احلرابة يف الفروج أعظم منها يف األموال .
-3ومما يؤيد هذا القول :أن اهلل نعاىل أوجب حد احلرابة مىت ما حتقق أمران :احملاربة ،والسعي يف األرض
فساداً ،وهو أمشل من أن يكون بالقتل أو أخذ املال ،فمىت حتقق هذان الشرطان يف جرمية فإهنا تكون
جرمية حرابة ،وعند أصحاب القول األول التكون احلرابة إال يف األنفس أو يف األموال ،ويف هذا تقييد
لآلية بغري دليل ،أما القول الثاين فإنه أرحب جماالً وهو يعطي اإلمام حرية واختياراً وصالحية أكثر يف
ردع اجملرمني ،وتنفيذ حد احلرابة يف كل ما جيد يف حياة الناس من اجلرائم اليت يقصد منه اإلفساد يف
األرض ،وحماربة اهلل ورسوله .
والقول الثاني هو الصحيح واهلل أعلم .
المبحث الخامس :في الجرائم التي ألحقها أهل العلم بجريمة الحرابة :
تبني لنا مما سبق أن جرمية احلرابة يقصد منها اإلفساد يف األرض ونشر الرعب يف قلوب الناس ،وترويع اآلمنني
.
وهذا هو الفرق بني جرمية احلرابة وغريها من اجلرائم .
155
ففي احلرابة اليستهدف احملارب شخصاً بعينه لينتقم منه ،بل قصده نشر الرعب يف قلوب العامة ،فهو حني
يقطع الطريق اليقصد شخصاً بعينه بل يقصد كل من مر .
بينما اجلرائم األخرى شخصية ،فالسارق إمنا يقصد ذلك املنزل ،والقاتل إمنا يقصد ذلك الشخص بعينه
لينتقم منه ،ولذلك كانت عقوبة احلرابة أشد وأنكى ،واليقبل فيها عفو اجملين عليه ،ألهنا حق هلل .
فمما ألحقه أهل العلم بالحرابة :
-1قتل الغيلة ( :عند املالكية ) :وهو القتل على حني غرة من اجملين عليه ،والسبب يف ذلك أنه ال ميكن
التحرز منه ،ألن اجلاين خيادع املقجين عليه فيقتله من حيث هو آمن ،مثل أن تقتل املرأة زوجها وهو نائم ،
أو خيرج برجل خارج البنيان مث يقتله وحنوذلك .
وعلى هذا فإن القاتل غيلة يقتل مطلقاً ولو عفا أولياء القتيل ألن قتله حد ال قصاص .
-2ترويج المخدرات وتهريبه إلى داخل بالد المسلمين :ألهنا جرمية عامة تستهدف إفساد األمة ،
خبالف تعاطي املخدرات فإهنا جرمية خاصة .
-3تزييف عملة المسلمين :فهذه من اجلرائم العامة اليت يصعب التحرز منها ،وإذا انتشرت العملة املزيفة
يف بالد املسلمني دب الفساد يف أسواقهم ،ومل يأمن الناس يف التعامل بعملتهم .
المبحث السادس :في مدة الصلب :
اختلف أهل العلم يف مدة الصلب ،فقيل ثالثة أيام بعد قتله ،وقيل يوم وليلة ،والصحيح أن ذلك راجع إىل
اجتهاد اإلمام ،فمىت رأى أن املقصود من الصلب قد حتقق بارتداع الناس واعتبارهم ،فإنه ينزل املصلوب مث
إن كان مسلماً فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن يف مقابر املسلمني .
المبحث السابع في معنى النفي في اآلية ؟
قيل :النفي :أي الطرد من بلدهم ،وقيل احلبس يف بلدهم ،وقال ابن عباس :نفيهم إذا هربوا أن يطلبوا
حىت يؤخذوا فتقام عليهم احلدود .
واألظهر :أهنم ينفون من بلدهم وحيبسون يف البلد اليت نفوا إليها ،ألن تشريدهم يقضي إىل إغرائهم يف العود
يف جرائمهم .
المبحث الثامن :حكم من تاب منهم قبل القدرة عليه ؟
من تاب منهم قبل القدرة عليه سقطت عنه حقوق اهلل تعاىل من :نفي وقطع يد ورجل وحتتم قتل وصلب
لقوله تعاىل " :إال الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن اهلل غفور رحيم " ،وأخذ حبقوق
156
اآلدميني من :نفس وطرف ومال إال أن يعفى له عنها من مستحقها ألنه حق آدمي فال يسقط بالتوبة
كالضمان .
ومثل ذلك سائر احلدود كالزنا والسرقة وشرب اخلمر فمن تاب منها قبل القدرة عليه سقط عنه حق اهلل فيها
،وأخذ حبق اآلدميني .
المبحث التاسع :أحكام دفع الصائل :
المطلب األول :معنى الصيال :
الصيال :أن يعتدى على الشخص يف نفسه أو ماله أو حرميه ،سواء كان املعتدي آدمياً أو حيواناً .
المطلب الثاني :األدلة على مشروعية دفع الصائل :
.1قال عليه الصالة والسالم " :من قتل دون فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ومن قتل دون
ماله فهو شهيد "
.2وعن أيب هريرة جاء رجل فقال يا رسول اهلل أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مايل قال قاتله قال أرأيت إن
قتلين قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو يف النار رواه أمحد ومسلم
المطلب الثالث :حكم دفع الصائل :
أوالً :الدفاع عن العرض :جيب أن يدفع عن حرميه كأمه وأخته وزوجته وحنوهن إذا أريدت بفاحشة أو
قتل ،ألنه يؤدي بذلك حق اهلل من الكف عن الفاحشة والعدوان وحفظ نفسه باملنع عن أهله فال يسعه
إضاعة احلقني .
وكذا يلزمه الدفاع عن حرمي غريه لئال تذهب األنفس وتستباح احلرم ،ويسقط وجوب الدفع بإياسه من
فائدته .
فائدة :قال أهل العلم يشرع اخلروج إىل صيحة ولو ليال لقول أنس فزع أهل املدينة ذات ليلة فانطلق أناس
قبل الصوت فتلقاهم النيب صلى اهلل عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إىل الصوت وهو على فرس أليب طلحة
عري يف عنقه السيف وهو يقول مل تراعوا مل تراعوا متفق عليه
ثانياً :الدفاع عن النفس :فيه تفصيل :
ففي غير الفتنة :جيب عليه الدفاع عن نفسه ،لقوله تعاىل " :وال تلقوا بأيديكم إىل التهلكة " فإذا حرم قتل
نفسه حرم عليه إباحة قتلها ،وكذا جيب عليه الدفاع عن نفس غريه ،لقوله صلى اهلل عليه وسلم انصر أخاك
ظاملا أو مظلوما .
157
وإن كان ثم فتنة :مل جيب الدفع عن نفسه وال نفس غريه ،لقصة عثمان رضي اهلل عنه وملا روي عن النيب
صلى اهلل عليه وسلم أنه قال يف الفتنة " :اجلس يف بيتك فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك "
ويف لفظ " فكن كخري ابين آدم " ويف لفظ " فكن عبداهلل املقتول وال تكن عبداهلل القاتل " .
ثالثاً :الدفاع عن المال :فيه تفصيل :
فبالنسبة لماله :جيوز له الدفاع عن مال نفسه أي وال جيب عليه ،فله بذله ملن أراده منه ظلما ،وبذله أفضل
من الدفع عنه ،ألن املال غاد ورائح خبالف النفس فإنه العوض هلا ،قال أمحد :أرى دفعه إليه وال يأيت على
نفسه ألهنا ال عوض هلا ،وال يلزمه حفظه من الضياع واهلالك .
وأما دفاعه عن مال غيره :فقد قال مجع من أهل العلم بوجوبه إذا كان قادراً على الدفاع عنه من غري ضرر
عليه ،قال في الفروع :وأطلق الشيخ تقي الدين – يقصد ابن تيمية -لزومه عن مال غريه وقال -يف جند
قاتلوا عربا هنبوا أموال جتار لريدوه إليهم " : -هم جماهدون يف سبيل اهلل وال ضمان عليهم بقود وال دية
والكفارة " .
المطلب الرابع :في كيفية دفع الصائل :
من اعتدي عليه يف نفسه أو ماله أو عرضه فله دفعة باألسهل فاألسهل ،فإن اندفع باألسهل حرم األصعب
لعدم احلاجة إليه ،فإن مل يندفع إال بالقتل فله قتله وال شيء عليه وإن قتل كان شهيداً .
وإذا وىل هارباً فليس له أن يعتدي عليه ألنه ليس بصائل ِ
حينئذ ،وعقوبته موكولة إىل اإلمام .
قال أهل العلم :إن كان يندفع شره باملوعظة أو بالصراخ فال جيوز ضربه ،فإن ضربه ضمن ،وإن كان
يندفع بالضرب اخلفيف فال جيوز الضرب الشديد ،وإن كان يندفع بالضرب فال جيوز قطعه أو جرحه ،وإن
كان يندفع بالقطع أو باجلرح فال جيوز قتله .
وسيتثنى من ذلك حالتان :
األولى :إذا خشيت أن يباغتك بالقتل فلك أن تقتله ،ألن األصل أنه معتدي وال تؤمن غائلته .
والثانية :أن تقصد ضربه فتخطئ فتقتله .
ففي كال احلالتني الضمان وال إمث .
المطلب الخامس :من قتل شخصاً في داره وادعى أنه صال عليه ،أو على حريمه ،أو على ماله فهل
تقبل دعواه ؟
أما ديانة :فإن كان صادقاً فال إمث عليه فيما بينه وبني اهلل .
158
قضاء :فاألصل أنه اليقبل قوله إال ببينة .
وأما ً
واختار شيخ اإلسالم ابن تيمية جواز العمل بقرائن األحوال يف مثل هذه املسألة ،مثل أن يكون الرجل املقتول
معروفاً بالفساد ،والقاتل معروفاً بالصالح .
فإن مل يكن مثّ بينة وال قرائن تدل على صدق دعواه ،فيجب عليه القصاص عند عامة أهل العلم ،قال ابن
قدامة " :الأعلم فيه خالفاً " ،وسواء وجد القتيل يف دار القاتل أو يف غريها ،وسواء وجد حبوزته سالح أم
مل يوجد .
واألدلة على ذلك :
-1أن األصل براءة ذمة املقتول مما يدعيه ،فال تثبت دعواه إال ببينة ،وقد قال عليه الصالة والسالم " :لو
يعطى الناس بدعواهم الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم ولكن اليمني على املدعى عليه "
-2وملا روي عن علي رضي اهلل عنه أنه سئل عن رجل وجد مع امرأته رجالً فقتله ،فقال " :إن مل يأت
بأربعة شهداء فليعط برمته " أي ليقتص منه إن مل يقم البينة على الزنا ،والبينة يف الزنا أربعة شهود .
-3وألنه لو مل يطالب القاتل بالبينة لكان يف ذلك ذريعة لكل من أراد قتل شخص أن يستدرجه إىل بيته
فيقتله ،مث يدعي أنه صال عليه .
المطلب السادس :هل يجوز لمن رأى رجالً يفجر بأهله أن يقتله ؟
الجواب :أما ديانة :فيجوز له ذلك ،وال إمث عليه ،سواء كان الزاين حمصناً أم غري حمصن ،على الصحيح
من أقوال أهل العلم ،وال حيتاج إىل إذن حاكم ،وال يلزمه أن يدفعه باألسهل فاألسهل ،ألن هذا ليس من
باب دفع الصائل ،بل هو من باب عقوبة املغتدين املؤذين ،ودمه يف هذه احلال هدر ،فال قصاص والدية ،
ألنه قتل حبق .
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية " :ومن رأى رجالً يفجر بأهله جاز له قتلهما فيما بينه وبني اهلل تعاىل ،وسواء
كان الفاجر حمصناً ،أو غري حمصن ،معروفاً بذلك أم ال ،كما دل عليه كالم األصحاب وفتاوى الصحابة
..،إىل أنقال :وليس هذا من باب دفع الصائل كما ظن بعضهم بل هو من باب عقوبة املعتدين " .اهـ
واألدلة على ذلك ما يلي :
-1أن هذا من باب عقوبة املعتدين ،فهو كقوله عليه الصالة والسالم " :من اطلع على بيت قوم بغير
إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه " متفق عليه ،فهذا اليلزمه أن يدفعه باألسهل ،وال حيتاج إىل إذن حاكم
،فقد ثبت يف الصحيحني أيضاً أن النيب صلى اهلل عليه وسلم رأى رجالً ينظر من خصاص الباب فأخذ عليه
الصالة السالم مشاقصاً وجعل يتقي باجلدار ليفقأ به عينه ،فلما وصل إليه كان الرجل قد وىل .
159
و يستفاد من هذا احلديث :أنه جيوز إيقاع العقوبة على املعتدي حال اعتدائه ،أما إذا وىل فال يطلبه ،بل
يستقيد له احلاكم .
-2حديث سعد بن عبادة رضي اهلل عنه ففي الصحيحني أنه ملا نزل قزله نعاىل " :والذين يرمون احملصنات
مث مل يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم مثانني جلدة – اآلية " قال سعد بن عبادة لو رأيت رجال مع امرأيت
لضربته بالسيف غري مصفح عنه فبلغ ذلك رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فقال :أتعجبون من غرية سعد
فواهلل ألنا أغري منه واهلل أغري مىن من أجل غرية اهلل حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وال شخص أغري من
اهلل وال شخص أحب إليه العذر من اهلل من أجل ذلك بعث اهلل املرسلني مبشرين ومنذرين وال شخص أحب
إليه املدحة من اهلل من أجل ذلك وعد اهلل اجلنة .
والشاهد أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل ينكر مقولة سعد تلك .
-3ماورد عن عمر رضي اهلل عنه بينما هو يتغذى يوما إذ أقبل رجل يعدو ومعه¸ سيف جمرد ملطخ بالدم
فجاء حىت قعد مع عمر فجعل يأكل وأقبل مجاعة من الناس فقالوا يا أمري املؤمنني إن هذا قتل صاحبنا مع
امرأته فقال عمر ما يقول هؤالء قال ضرب اآلخر فخذي امرأته بالسيف فإن كان بينهما أحد فقد قتله فقال
هلم عمر ما يقول قالوا ضرب بسيفه فقطع فخذي امرأته فأصاب وسط الرجل فقطعه باثنني فقال عمر :إن
عادوا فعد .
فهذا هو حكم من وجد رجالً يفجر بأهله ديانة .
قضاء فال يقبل قوله إال بالبينة أو بقرينة تدل على صدق دعواه ،فلو أن رجالً قتل آخر وادعى
أما ً
القاتل أنه إنما قتله لكونه وجده يفجر بأهله ،فال تقبل دعواه في هذه الحال إال بأحد أمرين )1( :ببينة
( )2بقرينة ظاهرة ،فغن لم يأت بأحدهما قتل به . أو
أما البينة فاألدلة عليها ما يلي :
-1ألن األصل براءة ذمة القتيل مما يدعيه ،وقد قال عليه الصالة والسالم " :لو يعطى الناس بدعواهم
الدعى ناس دماء رجال وأمواهلم "
-2ولقول علي رضي اهلل عنه –املتقدم – " إن مل يأت بأربعة شهداء فليعط برمته "
وأما القرينة الظاهرة :
فلقصة عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه املتقدمة ،فإن عمر رضي اهلل عنه أخذ بالقرينة وهي كون السيف قد
أصاب فخذي املرأة ،فهذه قرينة قوية على أن القتيل كان يفجر هبا .
مالحظة هامة :
160
يف مجيع ما تقدم – أي يف حال دفع الصائل ،وعقوبة املعتدي – الجيوز للمعتدى عليه أن يوقع العقوبة
باملعتدي بعد اجلرمية ،وإالكان مفتاتاً على اإلمام .
وبه يتبين أن مراحل االعتداء على العرض ثالث :
األولى :قبل وقوع اجلرمية ،فهذه من باب دفع الصائل ،فللمعتدى عليه أن يدفعه باألسهل فاألسهل ،فإن
مل يندفع إال بالقتل قتله .
والثانية :حال وقوع اجلرمية ،فللمعتدى عليه أن يقتله يف احلال .
ويف كال املرحلتني املتقدمتني يقبل قوله ديانة ،القضاءً ،إال ببينة أو قرينة ظاهرة .
والثالثة :بعد وقوع اجلرمية ،فال جيوز له معاقبته الديانة وال قضاء ،واهلل أعلم
الفصل السابع
حد البـغي
161
المبحث األول :تعريف البغي والفرق بينه وبين الحرابة :
البغي في اللغة :مبعىن الظلم والتعدي واالستطالة
والبغي في االصطالح الشرعي :اخلروج عن طاعة من ثبتت إمامته وغالبته بالقوة .
والبغاة هم :اخلارجون على اإلمام بتأويل سائغ وهلم شوكة ولو مل يكن فيهم مطاع .
مسوا بغاة لعدوهلم عن احلق وما عليه أئمة املسلمني .
فإن فإن اختل شرط من ذلك بأن مل خيرجوا على إمام ،أو خرجوا عليه بال تأويل سائغ ،أو كانوا مجيعا
يسريا ال شوكة هلم ،فقطاع طريق البغاة .
وبهذا يتضح الفرق بين البغاة والمحاربين ( قطاع الطريق ) :فكل منهما أي البغاة واحملاربون خارجون
على اإلمام ،إال أن البغاة هلم تأويل سائغ ،وأما احملاربون فهم خيرجون بقصد اإلفساد وال تأويل هلم .
المبحث الثاني :األدلة على مشروعية قتال البغاة :
األصل يف قتاهلم :الكتاب والسنة واإلمجاع :
أما الكتاب :فقوله تعاىل فقاتلوا اليت تبغي حىت تفيء إىل أمر اهلل فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا
إن اهلل حيب املقسطني ،إمنا املؤمنون إخوة فأصلحوا بني أخويكم واتقوا اهلل لعلكم ترمحون "
وأما السنة :فأحاديث كثرية منها :
-1قوله عليه الصالة والسالم " :من أتاكم وأمركم مجيعا على رجل واحد يريد عصاكم ويفرق مجاعتكم
فاقتلوه " رواه أمحد ومسلم
-2وعن ابن عباس مرفوعا " :من رأى من أمريه شيئا يكرهه فليصرب عليه فإنه من فارق اجلماعة شربا فميتته
جاهلية " متفق عليه
وأما اإلجماع :فقد أمجع الصحابة على قتال البغاة ،وقاتل علي رضي اهلل عنه أهل النهروان فلم ينكره أحد
.
المبحث الثالث :حكم تنصيب اإلمام :
تنصيب اإلمام فرض كفاية حلاجة الناس لذلك حلماية البيضة والذب عن احلوزة وإقامة احلدود واستيفاء
احلقوق واألمر باملعروف والنهي عن املنكر .
162
قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية " :قد أوجب النيب صلى اهلل عليه وسلم تأمري الواحد يف اإلجتماع القليل
العارض يف السفر وهو تنبيه على أنواع اإلجتماع انتهى.
وكل من ثبتت إمامته حرم اخلروج عليه وقتاله أياً كان طريقة تنصيبه :
-1سواء ثبتت بإمجاع املسلمني عليه كإمامة أيب بكر الصديق رضي اهلل عنه .
-2أو بعهد اإلمام الذي قبله إليه كعهد أيب بكر إىل عمر رضي اهلل عنهما .
-3أو باجتهاد أهل احلل والعقد ألن عمر جعل أمر اإلمامة شورى بني ستة من الصحابة فوقع اإلتفاق على
عثمان رضي اهلل عنه .
-4أو بقهره للناس حىت أذعنوا له ودعوه إماما كعبدامللك بن مروان ملا خرج على ابن الزبري فقتله واستوىل
على البالد وأهلها حىت بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما ألن يف اخلروج على من ثبتت إمامته بالقهر شق عصا
املسلمني وإراقةدمائهم وإذهاب أمواهلم .
يدل على ذلك قوله عليه الصالة والسالم " :عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه
زبيبة " .رواه الرتمذي
قال أحمد :ومن غلب عليهم بالسيف حىت صار خليفة ومسي أمري املؤمنني فال حيل ألحد يؤمن باهلل أن يبيت
وال يراه إماما برا كان أو فاجرا .
وقال في غاية المنتهى :ويتجه ال جيوز ،ولو تعدد اإلمام وأنه لو تغلب كل سلطان على ناحية كزماننا
فحكمة كاإلمام
المبحث الرابع :شروط اإلمام :
-1كونه قرشيا لقوله صلى اهلل عليه وسلم " :األئمة من قريش " متفق عليه
-2بالغا
-3عاقال
-4مسيعا
-5بصريا
-6ناطقا
-7حرا
163
-8ذكرا
-9عدال
-10عاملا
-11ذا بصرية
-12كفئا
وأت تتحقق فيه هذه الشروط ابتداء ودواما إلحتياجه إىل ذلك يف أمره وهنيه وحربه وسياسته وإقامة احلدود
وحنو ذلك ،وألن العبد منقوص برقة مشغول حبقوق سيده وقوله صلى اهلل عليه وسلم يف حديث العرباض
وغريه والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد احلديث حممول على حنو أمري سرية ،أو أنه إن تغلب بالقوة .
مسألة :ال واملرأة ليست من أهل الوالية ويف احلديث " :ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري
ينعزل اإلمام بفسقه ملا يف ذلك من املفسدة خبالف القاضي وحلديث إال أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من اهلل
برهان .
المبحث الخامس :حكم البغاة :
أوالً :تلزم اإلمام مراسلة البغاة ،وإزالة شبههم ،وما يدعون من املظامل ،فإذا ذكروا مظلمة أزاهلا ،وإن
ذكروا شبهة كشفها ،ألن ذلك وسيلة إلىالصلح املأمور به والرجوع إىل احلق ،وألن عليا رضي اهلل عنه
راسل أهل البصرة يوم اجلمل قبل الوقعة وأمر أصحابه أن ال يبدأوهم بقتال ،وقال إن هذا يوم من فلج فيه
فلج يوم القيامة .
وروى عبد اهلل بن شداد أن عليا رضي اهلل عنه ملا اعتزله احلرورية بعث إليهم عبد اهلل بن عباس فواضعوه
كتاب اهلل ثالثةأيام فرجع منهم أربعة آالف
،وجيب على ثانياً :فإن رجعوا وإال لزمه قتاهلم لقوله تعاىل :فقاتلوا اليت تبغي حىت تفيء إىل أمر اهلل "
رعيته معونته لآلية ،وألن الصحابة قاتلوا مانعي الزكاة ،وقاتل علي رضي اهلل عنه أهل البصرة يوم اجلمل
وأهل الشام بصفني .
وإذا حضر من مل يقاتل مل جيز قتله ألن عليا رضي اهلل عنه قال " :إياكم وصاحب الربنس " يعين حممد بن
طلحة السجاد وكان حضر طاعة ألبيه ومل يقاتل ،وألن القصد كفهم وهذا قد كف نفسه قاله يف الكايف .
ثالثاً :ويختلف قتال البغاة عن قتال المشركين في امور منها :
164
أهنم إذا تركوا القتال حرم قتلهم وقتل مدبرهم ،وجريحهم :ألن املقصود قتاهلم القتلهم ،لقول
مروان صرخ صارخ لعلي يوم اجلمل " :ال يقتلن مدبر ،وال يذفف على جريح ،وال يهتك سرت ،ومن
أغلق بابه فهو آمن ،ومن ألقى السالح فهو آمن .
وروى ابن مسعود أن النيب صلىاهلل عليه وسلم قال " :يا ابن أم عبد ما حكم من بغى على أميت" فقلت :
اهلل ورسوله أعلم
فقال " :ال يقتل مدبرهم وال جياز على جرحيهم وال يقتل أسريهم وال يقسم فيئهم.
وعن أبي أمامة :قال شهدت صفني فكانوا ال جييزون على جريح وال يطلبون موليا وال يسلبون قتيال
وألن املقصود دفعهم فإذا حصل مل جيز قتلهم كالصائل .
وال يغنم مالهم وال تسبي ذراريهم :بال خالف بني أهل العلم ،ألن ماهلم مال معصوم¸ وذريتهم
معصومون¸ .
ويجب رد ذلك إليهم :ألن أمواهلم كأموال غريهم من املسلمني وإمنا أبيح قتاهلم للرد إىل الطاعة وعن
علي أنه قال يوم اجلمل :من عرف من ماله مع أحد فليأخذه فعرف بعضهم قدرا مع أصحاب علي وهو
يطبخ فيها فسأله إمهاله حىت ينطبخ فأىب وكبه وأخذها
وال يضمن البغاة ما أتلفوه حال الحرب كما ال يضمن أهل العدل ما أتلفوه للبغاة حال الحرب :ألن
عليا مل يضمن البغاة ما أتلفوه حال احلرب من نفس ومال
وقال الزهري :هاجت الفتنة وأصحاب رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم متوافرون وفيهم البدريون
فأمجعوا أنه ال يقاد أحد وال يأخذ مال على تأويل القرآن إال ما وجد بعينه .
وإن استولوا على بلد فأقاموا الحدود وأخذوا الزكاة والخراج والجزية احتسب به :ألن عليا رضي
اهلل عنه مل يتبع ما فعله أهل البصرة ومل يطالبهم بشيء مما جباه البغاة وألن ابن عمر وسلمة بن األكوع
كان يأتيهم ساعي جندة احلروري فيدفعون إليه زكاهتم وألن يف ترك االحتساب بذلك ضررا عظيما على
الرعايا ،وهم يف شهادهتم وإمضاء حكم حاكمهم كأهل العدل ألن التأويل يف الشرع ال يفسق به
الذاهب إليه أشبه املخطىء من الفقهاء يف فرع فيقضي بشهادة عدوهلم وال ينقص حكم حاكمهم إال ما
خالف نص كتاب أو سنة أو إمجاعا.
ويغسل قتالهم ويصلى عليهم :ألهنم مسلمون
165
ومما سبق يتبني أن قتال البغاة خيتلف عن بقية احلدود من حيث إنه ال يعد عقوبة باملعىن املألوف للعقوبة اليت
توقع على األفراد ،وإمنا هو من باب دفع الصائل ،فيعمل اإلمام على دفع شرهم باألسهل فاألسهل ،فمىت
اندفع شرهم باملوعظة مل جيز قتاهلم .
الفصل الثامن
حد الردة
المبحث األول :تعريف الردة :
الردة في اللغة :اسم من االرتداد ،تقول :رده ،يرده ،رداً ،مبعىن الرجوع إىل الشيء .
والردة في االصطالح الشرعي :الرجوع من اإلسالم إىل الكفر .
قال تعالى " :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعماهلم يف الدنيا واآلخرة وأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون "
والمرتد :من كفر بعد إسالمه
المبحث الثاني :بيان حد الردة :
أمجع أهل العلم على وجوب قتل املرتد ،إن مل يتب .
واألدلة على ذلك :
-1حديث ابن عباس عن النيب صلى اهلل عليه وسلم قال " :من بدل دينه فاقتلوه " رواه اجلماعة إال مسلما
-2وعن ابن مسعود عن النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه قال :ال حيل دم امرىء مسلم يشهد أن ال إله إال
اهلل وأين رسول اهلل إال بإحدى ثالث الثيب الزاين والنفس بالنفس والتارك لدينه املفارق للجماعة رواه اجلماعة
-3وعن عائشة مرفوعاً :ال حيل دم امرىء مسلم إال من ثالثة إال من زىن بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم
أو قتل نفس فقتل هبا رواه أمحد والنسائي
وروي عن أيب بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل خالد بن الوليد وغريهم .
166
وقد أمجعت األمة على وجوب قتل املرتد ،وملا ارتدت بعض قبائل العرب بعد وفاة النيب صلى اهلل عليه وسلم
امجع الصحابة على قتاهلم .
مسألة :ذهب احلنفية إىل أن املرأة إذا ارتدت التقتل ،بل جترب على اإلسالم باحلبس والضرب ،أو تظل
حمبوسة حىت متوت .
واستدل األحناف بنهيه عليه الصالة والسالم عن قتل النساء والصبيان ،رواه أهل السنن .
والصحيح ما عليه جمهور أهل العلم أن الرجل والمرأة سواء في ذلك :
-لعموم الأدلة املتقدمة
-وروى الدارقطين أن امرأة يقال هلا أم مروان ارتدت عن اإلسالم فبلغ أمرها إىل النيب صلى اهلل عليه وسلم
فأمر أن تستتاب فإن تابت وإال قتلت .
-وأما استدالل احلنفية فال يصح االستدالل به هنا ألن النهي عن قتلهم يف حال الغزو إذا مل يشاركوا ،وقد
جاء يف بعض طرق احلديث أنه عليه الصالة والسالم يف بعض مغازيه مر بامرأة مقتولة فنهى عن قتل النساء
والصبيان .
المبحث الثالث :أسباب الردة :
قال أهل العلم :حيصل الكفر بأحد أربعة أمور
األمر األول :بالقول :
كسب اهلل تعاىل أو رسوله أو مالئكته ألنه ال يسبه إال وهو جاحد به ،أو ادعاء النبوة أو تصديق من ادعاها
ألن ذلك تكذيب هلل تعاىل يف قوله " :ولكن رسول اهلل وخامت النبيني "وحلديث " :ال نيب بعدي وحنوه "
األمر الثاني :بالفعل :
كالسجود للصنم كشمس وقمر وشجر وحجر وقرب ألنه إشراك باهلل تعاىل .
وكإلقاء املصحف يف قاذورة ،أو ادعى اختالفه أو القدرة على مثله ألن ذلك تكذيب له .
ومن ذلك أيضاً السحر .
األمر الثالث :وباإلعتقاد :
-كاعتقاده الشرك له تعاىل أو الصاحبة أو الولد ،لقوله تعاىل " :ما اختذ اهلل من ولد وما كان معه من إله"
اآلية ،ولقوله تعاىل " :إن اهلل ال يغفر أن يشرك به "
167
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية " :أو كان مبغضا لرسوله أو ملا جاء به اتفاقا أو جعل بينه وبني اهلل وسائط
يتوكل عليهم ويدعوهم ويسأهلم كفر إمجاعا .
-أو اعتقد أن الزىن واخلمر حالل أو أن اخلبز حرام وحنو ذلك مما أمجع عليه إمجاعا قطعيا ألن ذلك معاندة
لإلسالم وامتناع من قبول أحكامه وخمالفة للكتاب والسنة وإمجاع األمة
-ومثل ذلك من قذف عائشة مبا برأها اهلل منه كفر بال خالف .
األمر الرابع :بالشك في شيء مما تقدم :
أي يف حترمي الزىن واخلمر أو يف حل اخلبز وحنوه ومثله ال جيهله لكونه نشأ بني املسلمني وإن كان جيهله مثله
حلداثة عهده باإلسالم أو اإلفاقة من جنون وحنوه مل يكفر وعرف حكمه ودليله فإن أصر عليه كفر ألن أدلة
هذه األمور ظاهرة من كتاب اهلل وسنة رسوله واليصدر إنكارها إال من مكذب لكتاب اهلل وسنة رسوله .
المبحث الرابع :استتابة المرتد :
من ارتد وهو مكلف خمتار استتيب ثالثة أيام وجوبا ،عند مجهور أهل العلم ،ملا روى مالك والشافعي أنه
قدم على عمر رجل من قبل أيب موسى :
فقال له عمر " :هل كان من مغربة خرب "
قال :نعم رجل كفر بعد إسالمه
فقال :ما فعلتم به
قال :قربناه فضربنا عنقه
قال عمر :فهال حبستموه ثالثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر اهلل اللهم إين
مل أحضر ومل أرض إذا بلغين .
فلوال وجوب االستابة ملا برىء من فعلهم ،وأحاديث األمر بقتله حتمل على ذلك مجعا بني األخبار .
فإن تاب فال شيء عليه وال يحبط عمله لما يلي :
لقوله تعالى " :والذين ال يدعون مع اهلل إله آخر إىل قوله إال من تاب اآلية ،
ولمفهوم قوله تعالى " :ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعماهلم " وعن أنس
مرفوعا " :أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل فإذا قالوها عصموا مين
دماءهم وأمواهلم إال حبقها" متفق عليه
168
وألن النيب صلى اهلل عليه وسلم كف عن املنافقني حني أظهروا اإلسالم
وإن أصر قتل بالسيف ملا تقدم ،وحلديث " :إن اهلل كتب اإلحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا
القتلة" وحديث " :من بدل دينه فاقتلوه وال تعذبوا بعذاب اهلل يعين النار " رواه البخاري وأبو داود
وال يقتله إال اإلمام أو نائبه ألنه قتل حلق اهلل تعاىل فكان إىل اإلمام كرجم الزاين احملصن فإن قتله غريمها أساء
وعزر الفتئاته على ويل األمر
وال ضمان بقتل مرتد ،ولو كان قبل استتابته ألنه مهدر الدم بالردة يف اجلملة ،وال يلزم من حترمي القتل
الضمان بدليل نساء احلرب وذريتهم .
المبحث الخامس :حكم إسالم المميز وردته :
يصح إسالم المميز ذكرا أو أنثى إذا عقله ،ألن عليا رضي اهلل عنه أسلم وهو ابن مثاين سنني رواه البخاري
يف تارخيه فصح إسالمه وثب إميانه وعد بذلك سابقا ،وروىعنه قوله :
صبيا ما بلغت أوان حلمي سبقتكموا إىل اإلسالم طرا
وتصح كذلك ردته :ألن من صح إسالمه صحت ردته كسائر الناس لكن ال يقتل حىت يستتاب بعد بلوغه
ثالثة أيام ألن بلوغه أول زمن صار فيه حلديث " :رفع القلم عن ثالثة – احلديث " .
المبحث السادس :في كيفية توبة المرتد :
المطلب األول :توبة المرتد وكل كافر بأمرين :
.1األول :إتيانه بالشهادتني ،حلديث ابن مسعود أن النيب صلى اهلل عليه وسلم دخل الكنيسة فإذا هو
بيهودي يقرأ عليهم التوراة فقرأ حىت إذا أتى على صفة النيب صلىاهلل عليه وسلم وأمته فقال " :هذه
صفتك وصفة أمتك أشهد أن ال إله إال اهلل وأنك رسول اهلل "
فقال صلى اهلل عليه وسلم " :آووا أخاكم " رواه أمحد
وعن أنس أن يهوديا قال للنيب صلى اهلل عليه وسلم أشهد أنك رسول اهلل مث مات فقال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم صلوا على صاحبكم احتج به أمحد
.2والثاني :رجوعه عما كفر به ألنه كذب اهلل ورسوله مبا اعتقد فال بد من إيتائه مبا يدل على رجوعه عنه
المطلب الثاني :مسائل في كيفية توبة المرتد:
المسألة األولى :ال يغين قوله حممد رسول اهلل عن كلمة التوحيد فالحيكم بإسالمه حىت يوحد اهلل ويقر مبا
كان جيحده .
169
المسألة الثانية :لو قال الكافر أو المرتد " :أنا مسلم " فهل تعد توبة ؟
ذهب اجلمهور إىل أنه يعد توبة ملا يلي :
ألنه يتضمن الشهادتني
وعن المقداد أنه قال يا رسول اهلل أرأيت إن لقت رجال من الكفار فقاتلين فضرب إحدى يدي بالسيف
فقطعها مث الذ مين بشجرة فقال :أسلمت أفأقتله يا رسول اهلل بعد أن قاهلا قال ال تقتله فإنه مبنزلتك قبل
قبل أن تقتله وإنك مبنزلته قبل أن يقول كلمته اليت قاهلا .رواه مسلم
وعن عمران بن حصين قال أصاب املسلمون رجال من بين عقيل فأتوا به النيب صلى اهلل عليه وسلم فقال
يا حممد إين مسلم فقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لو كنت قلت وأنت متلك التابعني أفلحت كل
الفالح رواه مسلم
وقال في المغنى " :حيتمل أن هذا يف الكافر األصلي أي من جحد الوحدانية وأما من كفر جبحد نيب أو
كتاب أو فريضة وحنو هذا فال يصري مسلما بذلك ،ألنه رمبا اعتقدأن اإلسالم ما هو ما عليه فإن أهل البدع
كلهم يعتقدون أهنم هم املسلمون ومنهم من هو كافر " ،وهذا القول هو الصحيح واهلل أعلم .
المبحث السابع :المرتدون الذين التقبل توبتهم في الظاهر :
ذهب الجمهور إلى أنه التقبل في الظاهر توبة كل من :
-1الزنديق :
وهو املنافق الذي يظهر اإلسالم وخيفي الكفر .
والدليل على ذلك قوله تعالى " :إال الذين تابوا وأصلحوا وبينوا " ،قالوا :والزنديق اليعلم تبني رجوعه
وتوبته ألنه اليظهر منه التوبة خالف ما كان عليه من قبل ،فإنه كان ينفي الكفر عن نفسه قبل ذلك وقلبه ال
يطلع عليه .
-2من تكررت ردته :
لقوله تعالى " :إن الذين آمنوا مث كفروا مث آمنوا مث كفروا مث ازدادوا كفرا مل يكن اهلل ليغفر هلم وال ليهديهم
سبيال "
ولقوله " :إن الذين كفروا بعد إمياهنم مث ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم "
وألن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته وقلة مباالته باإلسالم .
-3من سب اهلل تعالى أو رسوله :
170
لعظيم ذنبه جدا فيدل على فساد عقيدته .
قال أمحد :ال تقبل توبة من سب النيب صلى اهلل عليه وسلم .
وكذا من قذف نبيا أو أمه ملا يف ذلك من التعرض للقدح يف النبوة املوجب للكفر .
والصحيح في المسائل الثالث المتقدمة :
أنه تقبل توبة كل من تاب توبة نصوحاً من كل ذنب ،لعموم قوله تعاىل " :قل ياعبادي الذين أسرفوا على
أنفسهم التقنطوا من رمحة اهلل ،إن اهلل يغفر الذنوب مجيعا " ،ولقوله سبحانه يف نفس املنافقني " :إال الذين
تابوا وأصلحوا واعتصموا باهلل وأخلصوا دينهم هلل فأولئك مع املؤمنني" .
ويستثىن من ذلك من سب النيب صلى اهلل عليه وسلم فإنه تقبل توبته فيما بينه وبني اهلل إن كان صادقاً ،أما يف
الظاهر فإنه يقتل بكل حال ،ولو أظهر التوبة ،ألن السب حق للنيب صلى اهلل عليه وسلم فهو حق آلدمي مل
نعلم أنه عفا عنه ،فوجب األخذ به ،خبالف من سب اهلل مث تاب فإنه اليقتل ألن سب اهلل حق هلل وقد علمنا
عفوه سبحانه عن حقه ملن تاب إليه .
الباب الثالث
التعازير
الفصل األول :تعريف التعزير ،والفرق بينه وبين الحدود والقصاص والكفارات :
المبحث األول :تعريف التعزير :
171
التعزير لغة :مصدر عزر من العزر ،وهو الرد واملنع ،ويقال :عزر أخاه مبعىن :نصره ،ألنه منع عدوه من
أن يؤذيه ،ويقال :عزرته مبعىن :وقرته ،وأيضا :أدبته ،فهو من أمساء األضداد .وسميت العقوبة تعزيرا ،
ألن من شأهنا أن تدفع اجلاين وترده عن ارتكاب اجلرائم ،أو العودة إليها وفي االصطالح :هو عقوبة غري
مقدرة شرعا ،جتب حقا هلل ،أو آلدمي ،يف كل معصية ليس فيها حد وال كفارة غالبا .
المبحث الثاني :الفروق بين التعازير والحدود والقصاص والكفارات :
يختلف التعزير عن الحد والقصاص والكفارة من وجوه منها :
أ -في الحدود والقصاص ،إذا ثبتت اجلرمية املوجبة هلما لدى القاضي شرعا ،فإن عليه احلكم باحلد أو
القصاص على حسب األحوال ،وليس له اختيار يف العقوبة ،بل هو يطبق العقوبة املنصوص عليها شرعا
بدون زيادة أو نقص ،وال حيكم بالقصاص إذا عفي عنه ،وله هنا التعزير .
ومرد ذلك :أن القصاص حق لألفراد ،خبالف احلد .
وفي التعزير :خيتار القاضي من العقوبات الشرعية ما يناسب احلال ،فيجب على الذين هلم سلطة التعزير
االجتهاد يف اختيار األصلح ،الختالف ذلك باختالف مراتب الناس ،وباختالف املعاصي .
ب -إقامة الحد الواجب حلق اهلل ال عفو فيه وال شفاعة وال إسقاط ،إذا وصل األمر للحاكم ،وثبت
بالبينة ،وكذلك القصاص إذا مل يعف صاحب احلق فيه .
والتعزير إذا كان من حق اهلل تعاىل جتب إقامته ،وجيوز فيه العفو والشفاعة إن كان يف ذلك مصلحة ،أو
انزجر اجلاين بدونه ،وإذا كان من حق الفرد فله تركه العفو وبغريه ،وهو يتوقف على الدعوى ،وإذا طالب
صاحبه ال يكون لويل األمر عفو وال شفاعة وال إسقاط .
ج -إثبات الحدود والقصاص عند اجلمهور ال يثبت إال بالبينة أو االعرتاف ،بشروط خاصة .وعلى سبيل
املثال :ال يؤخذ فيه بأقوال اجملين عليه كشاهد ،وال بالشهادة السماعية ،وال باليمني ،وال بشهادة النساء .
أما التعزير فيثبت بذلك ،وبغريه .
د -ال خالف بني الفقهاء أن من حده اإلمام فمات من ذلك فدمه هدر ،ألن اإلمام مأمور بإقامة احلد ،
وفعل املأمور ال يتقيد بشرط السالمة .
أما التعزير فقد اختلفوا فيه ،فعند احلنفية واملالكية واحلنابلة :احلكم كذلك يف التعزير ،أما عند الشافعية :
فالتعزير موجب للضمان ،وقد استدلوا على ذلك بفعل عمر رضي اهلل عنه ،إذ أرهب امرأة ففزعت فزعا ،
فدفعت الفزعة في رحمها ،فتحرك ولدها ،فخرجت ،فأخذها المخاض ،فألقت غالما جنينا ،فأيت
عمر رضي اهلل عنه بذلك ،فأرسل إىل املهاجرين فقص عليهم أمرها ،فقال :ما ترون ؟ فقالوا :ما نرى
عليك شيئا يا أمري املؤمنني ،إمنا أنت معلم ومؤدب¸ ،ويف القوم علي رضي اهلل عنه ،وعلي ساكت .قال :
172
فما تقول :أنت يا أبا احلسن قال :أقول :إن كانوا قاربوك يف اهلوى فقد أمثوا ،وإن كان هذا جهد رأيهم
فقد أخطئوا ،وأرى عليك الدية يا أمري املؤمنني ،قال :صدقت ،اذهب فاقسمها على قومك .
أما من يتحمل الدية يف النهاية ،فقيل :إمنا تكون على عاقلة ويل األمر .وقيل :إهنا تكون يف بيت املال .
هـ -إن احلدود تدرأ بالشبهات ،بخالف التعزير ،فإنه يثبت بالشبهة .
و -جيوز الرجوع يف احلدود إن ثبتت باإلقرار ،أما التعزير فال يؤثر فيه الرجوع .
ز -إن احلد ال جيب على الصغري ،وجيوز تعزيره .
ح -إن احلد قد يسقط بالتقادم عند بعض الفقهاء ،خبالف التعزير .
ط -احلدود جيب على اإلمام إقامتها ،أما التعازير ،قد حصل اخلالف يف التعزير هل هو واجب على ولي
األمر أم ال ؟
فمالك ،وأبو حنيفة ،وأمحد قالوا بوجوب التعزير فيما شرع فيه .
وقال الشافعي :إنه ليس بواجب ،استنادا إىل { أن رجال قال للرسول صلى اهلل عليه وسلم :إين لقيت امرأة
فأصبت منها دون أن أطأها .فقال صلى اهلل عليه وسلم أصليت معنا ؟ قال نعم :فتال عليه آية { :وأقم
الصالة طريف النهار وزلفا من الليل إن احلسنات يذهنب السيئات} } .وإىل قوله صلى اهلل عليه وسلم يف
األنصار { .اقبلوا من حمسنهم ،وجتاوزوا عن مسيئهم } وإىل { أن رجال قال للرسول صلى اهلل عليه وسلم
يف حكم حكم به للزبري مل يرقه :إن كان ابن عمتك ،فغضب .ومل ينقل أنه عزره .
المبحث الثالث :حكمة التشريع :
التعزير مشروع لردع اجلاين وزجره ،وإصالحه وهتذيبه .
قال الزيلعي :إن الغرض من التعزير الزجر .ومسى التعزيرات :بالزواجر غري املقدرة .
والزجر معناه :منع اجلاين من معاودة اجلرمية ،ومنع غريه من ارتكاهبا ،ومن ترك الواجبات ،كرتك الصالة
واملماطلة يف أداء حقوق الناس .
أما اإلصالح والتهذيب :فهما من مقاصد التعزير ،وقد بني ذلك الزيلعي بقوله :التعزير للتأديب .
ومثله تصريح املاوردي وابن فرحون بأن :التعزير تأديب استصالح وزجر .
وقال الفقهاء :إن احلبس غري احملدد املدة حده التوبة وصالح حال اجلاين .
وقالوا :إن التعزير شرع للتطهري :ألن ذلك سبيل إلصالح اجلاين .
وقالوا :الزواجر غري املقدرة حمتاج إليها ،لدفع الفساد كاحلدود .وليس التعزير للتعذيب ،أو إهدار اآلدمية
،أو اإلتالف ،حيث ال يكون ذلك واجبا .
وفي ذلك يقول الزيلعي :التعزير للتأديب ،وال جيوز اإلتالف ،وفعله مقيد بشرط السالمة .ويقول ابن
فرحون :التعزير إمنا جيوز منه ما أمنت عاقبته غالبا ،وإال مل جيز
173
ويقول البهوتي :ال جيوز قطع شيء ممن وجب عليه التعزير ،وال جرحه ،ألن الشرع مل يرد بشيء من ذلك
،عن أحد يقتدى به ،وألن الواجب أدب ،واألدب ال يكون باإلتالف ،وكل ضرب يؤدي إلى اإلتالف
ممنوع ،سواء أكان هذا االحتمال ناشئا من آلة الضرب ،أم من حالة اجلاين نفسه ،أم من موضع الضرب
.
وتفريعا على ذلك :منع الفقهاء الضرب يف املواضع اليت قد يؤدي فيها إىل اإلتالف ، .ولذلك فالراجح :أن
الضرب على الوجه والفرج والبطن والصدر ممنوع .وعلى األساس املتقدم منع مجهور الفقهاء يف التعزير :
الصفع ،وحلق اللحية ،وتسويد الوجه ،وإن كان البعض قال به يف شهادة الزور .
قال األسروشني :ال يباح التعزير بالصفع لأنه من أعلى ما يكون من االستخفاف .
الفصل الثاني
المعاصي التي شرع فيها التعزير
المبحث األول :تعريف المعصية التي يشرع فيها التعزير :
المعصية :فعل ما حرم ،وترك ما فرض ،يستوي يف ذلك كون العقاب دنيويا أو أخرويا.
أجمع الفقهاء على :أن ترك الواجب أو فعل احملرم معصية فيها التعزير ،إذا مل يكن هناك حد مقدر .
ومثال ترك الواجب عندهم :منع الزكاة ،وترك قضاء الدين عند القدرة على ذلك ،وعدم أداء األمانة ،
وعدم رد املغصوب ،وكتم البائع ما جيب عليه بيانه ،كأن يدلس يف املبيع عيبا خفيا وحنوه ،والشاهد واملفيت
واحلاكم يعزرون على ترك الواجب .
ومثال فعل المحرم :سرقة ما ال قطع فيه ،لعدم توافر شروط النصاب أو احلرز مثال ،وتقبيل األجنبية ،
واخللوة هبا ،والغش يف األسواق ،والعمل بالربا ،وشهادة الزور .
وقد يكون الفعل مباحا في ذاته لكنه يؤدي لمفسدة ،وحكمه عند كثري من الفقهاء -وعلى اخلصوص
املالكية -أنه يصري حراما ،بناء على قاعدة سد الذرائع ،وعلى ذلك فارتكاب مثل هذا الفعل فيه التعزير ،
ما دام ليست له عقوبة مقدرة . .
وقد اختلف يف تعزير تارك املندوب ،وفاعل املكروه ،ففريق من الفقهاء على عدم جوازه ،لعدم التكليف ،
وال تعزير بغري تكليف .وفريق أجازه ،استنادا على فعل عمر رضي اهلل عنه ،فقد عزر رجال أضجع شاة
لذحبها ،وأخذ حيد شفرته وهي على هذا الوضع ،وهذا الفعل ليس إال مكروها ،ويأخذ هذا احلكم من يرتك
املندوب .
وقال القليوبي :قد يشرع التعزير وال معصية ،كتأديب طفل ،وكافر ،وكمن يكتسب بآلة هلو ال معصية
فيها
المبحث الثاني :اجتماع التعزير مع الحد أو القصاص أو الكفارة :
174
قد يجتمع التعزير مع الحد أو القصاص أوالكفارة ،ومن األمثلة على ذلك :
.1أن احلنفية ال يرون تغريب الزاين غري احملصن من حد الزىن .فعندهم أن حده مائة جلدة ال غري ،ولكنهم
جييزون تغريبه بعد اجللد ،وذلك على وجه التعزير .
.2وجيوز تعزير شارب اخلمر بالقول ،بعد إقامة حد الشرب عليه ،فعن أيب هريرة رضي اهلل عنه { أن النيب
صلى اهلل عليه وسلم أمر بتبكيت شارب اخلمر بعد الضرب } .والتبكيت تعزير بالقول ،وممن قال
بذلك :احلنفية ،واملالكية .
.3وقال املالكية :إن اجلارح عمدا يقتص منه ويؤدب .ومن مث فالتعزير قد اجتمع مع القصاص يف االعتداء
على ما دون النفس عمدا .
.4والشافعي جييز اجتماع التعزير مع القصاص فيما دون النفس من اجلنايات على البدن ،وهو أيضا يقول
جبواز اجتماع التعزير مع احلد ،مثل تعليق يد السارق في عنقه بعد قطعها ساعة من هنار ،زيادة يف
النكال .وقال أمحد بذلك أيضاً .
.5الزيادة عن األربعني يف حد الشرب ،ألن حد الشرب عند الشافعي أربعون .
.6وقد جيتمع التعزير مع الكفارة .فمن املعاصي ما فيه الكفارة مع األدب ،كاجلماع يف حرام ،ويف هنار
رمضان ،ووطء املظاهر منها قبل الكفارة إذا كان الفعل متعمدا يف مجيعها .
.7وعند مالك يف القتل الذي ال قود فيه ،كالقتل الذي عفي عن القصاص فيه ،جتب على القاتل الدية ،
وتستحب له الكفارة ،ويضرب مائة ،وحيبس سنة ،وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفارة .
.8وقال البعض يف القتل شبه العمد :بوجوب التعزير مع الكفارة .
المبحث الثالث :أنواع التعزير من حيث غلبة حق هلل وحق للعبد وأثر ذلك :
ينقسم التعزير إىل ما هو حق هلل ،وما هو حق للعبد .
والمراد باألول غالبا :ما تعلق به نفع العامة ،وما يندفع به ضرر عام عن الناس ،من غري اختصاص بأحد .
والتعزير هنا من حق اهلل ،ألن إخالء البالد من الفساد واجب مشروع ،وفيه دفع للضرر عن األمة ،وحتقيق
نفع عام .
ويراد بالثاني :ما تعلقت به مصلحة خاصة ألحد األفراد .
وعلى هذا فاألقسام أربعة :
فقد يكون التعزير خالص حق اهلل ،كتعزير تارك الصالة ،واملفطر عمدا يف رمضان بغري عذر ،ومن
حيضر جملس الشراب .
وقد يكون لحق اهلل وللفرد ،مع غلبة حق اهلل ،كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها .
وقد تكون الغلبة لحق الفرد ،كما يف السب والشتم واملواثبة .
175
وقد قيل بحاالت يكون فيها التعزير لحق الفرد وحده ،كالصيب يشتم رجال ألنه غري مكلف حبقوق
اهلل تعاىل فيبقى تعزيره متمحضا حلق املشتوم .
وتظهر أهمية التفرقة بين نوعي التعزير في أمور ،منها :
أن التعزير الواجب حقا للفرد أو الغالب فيه حقه -وهو يتوقف على الدعوى -إذا طلبه صاحب احلق فيه
لزمت إجابته ،وال جيوز للقاضي فيه اإلسقاط ،وال جيوز فيه العفو أو الشفاعة من ويل األمر .
أما التعزير الذي جيب حقا هلل فإن العفو فيه من ويل األمر جائز ،وكذلك الشفاعة إن كانت يف ذلك مصلحة
،أو حصل انزجار اجلاين بدونه .وقد روي عن الرسول صلى اهلل عليه وسلم قوله " :اشفعوا تؤجروا
ويقضي اهلل على لسان نبيه ما يشاء .
الفصل الثالث
األنواع الجائزة في عقوبة التعزير
المبحث األول :التعزير عقوبة مفوضة :
ذهب مجهور الفقهاء إىل أن التعزير عقوبة مفوضة إىل رأي احلاكم ،وهذا التفويض يف التعزير من أهم أوجه
اخلالف بينه وبني احلد الذي هو عقوبة مقدرة من الشارع .
وعلى احلاكم يف تقدير عقوبة التعزير مراعاة حال الجريمة والمجرم .
أما مراعاة حال الجريمة:
فللفقهاء فيه نصوص كثرية ،منه قول األسروشين :ينبغي أن ينظر القاضي إىل سببه ،فإن كان من جنس ما
جيب به احلد ومل جيب ملانع وعارض ،يبلغ التعزير أقصى غاياته .
وإن كان من جنس ما ال جيب احلد ال يبلغ أقصى غاياته ،ولكنه مفوض إىل رأي اإلمام .
وأما مراعاة حال المجرم :
فيقول الزيلعي :إنه يف تقدير التعزير ينظر إىل أحوال اجلانني ،فإن من الناس من ينزجر باليسري .ومنهم من
ال ينزجر إال بالكثري .
يقول ابن عابدين :إن التعزير خيتلف باختالف األشخاص ،فال معىن لتقديره مع حصول املقصود بدونه ،
فيكون مفوضا إىل رأي القاضي ،يقيمه بقدر ما يرى املصلحة فيه .
ونص الفقهاء :على أن التعزير خيتلف من حيث املقادير ،واألجناس ،والصفات ،باختالف اجلرائم ،من
حيث كربها ،وصغرها ،وحبسب حال اجملرم نفسه ،وحبسب حال القائل واملقول فيه والقول ،وهو موكول
إىل اجتهاد اإلمام .
قال القرافي :إن التعزير خيتلف باختالف األزمنة واألمكنة ،
176
وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون :رب تعزير يف بلد يكون إكراما يف بلد آخر ،كقطع الطيلسان ليس تعزيرا
يف الشام بل إكرام ،وكشف الرأس عند األندلسيني ليس هوانا مع أنه يف مصر والعراق هوان .وقال :إنه
يالحظ يف ذلك أيضا نفس الشخص ،فإن يف الشام مثال من كانت عادته الطيلسان وألفه -من املالكية
وغريهم -يعترب قطعه تعزيرا هلم .فما ذكر ظاهر منه :أن األمر مل يقتصر على اختالف التعزير باختالف
الزمان واملكان واألشخاص ،مع كون الفعل حمال لذلك ،بل إن هذا االختالف قد جيعل الفعل نفسه غري
معاقب عليه ،بل قد يكون مكرمة المبحث الثاني :األنواع الجائزة في عقوبة التعزير:
جيوز يف جمال التعزير :إيقاع عقوبات خمتلفة ،خيتار منها احلاكم يف كل حالة ما يراه مناسبا حمققا ألغراض
التعزير .
وهذه العقوبات قد تنصب على البدن ،وقد تكون مقيدة للحرية ،وقد تصيب املال ،وقد تكون غري ذلك .
وفيما يلي بيان هذا اإلجمال
المطلب األول :العقوبات البدنية :
أوالً -التعزير بالقتل :
األصل :أنه ال يبلغ بالتعزير القتل ،وذلك لقول اهلل تعاىل " :وال تقتلوا النفس اليت حرم اهلل إال باحلق "
وقول النيب صلى اهلل عليه وسلم " :ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث :الثيب الزاين ،والنفس بالنفس
،والتارك لدينه املفارق للجماعة" .
وقد ذهب بعض الفقهاء إىل جواز القتل تعزيرا يف جرائم معينة بشروط خمصوصة ،من ذلك:
-1قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين ،وذهب إىل جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض
أصحاب أمحد ،ومنعه أبو حنيفة ،والشافعي ،وأبو يعلى من احلنابلة .وتوقف فيه أمحد .
-2ومن ذلك :قتل الداعية إىل البدع املخالفة للكتاب والسنة كاجلهمية .ذهب إىل ذلك كثري من أصحاب
مالك ،وطائفة من أصحاب أمحد
-3وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من اجلرائم ،إذا كان جنسه يوجب القتل ،كما يقتل من
تكرر منه اللواط أو القتل باملثقل .
-4وقال ابن تيمية :وقد يستدل على أن املفسد إذا مل ينقطع شره إال بقتله فإنه يقتل ،ملا رواه مسلم يف
صحيحه عن عرفجة األشجعي رضي اهلل عنه قال " :مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول :من
أتاكم وأمركم مجيع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ،أو يفرق مجاعتكم فاقتلوه "
ثانياً :التعزير بالجلد :
وفيه مسائل :
المسألة األولى :األدلة على مشروعية الجلد في التعزير :
177
-1قول الرسول صلى اهلل عليه وسلم " :ال جيلد أحد فوق عشرة أسواط ،إال يف حد من حدود اهلل تعاىل
".
-2ويف احلريسة -أي الشاة -اليت تؤخذ من مراتعها غرم مثنها مرتني ،وضرب نكال .
-3وكذلك احلكم يف سرقة التمر يؤخذ من أكمامه ،حلديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " :
سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم عن التمر املعلق ،فقال :من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غري
متخذ خبنة فال شيء عليه ،ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ،ومن سرق منه شيئا بعد
أن يؤويه اجلرين فبلغ مثن اجملن فعليه القطع " رواه النسائي وأبو داود .ويف رواية قال " :مسعت رجال
من مزينة يسأل رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم عن احلريسة اليت توجد يف مراتعها ؟ قال :فيها مثنها
مرتني ،وضرب نكال .وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك مثن اجملن .قال :يا
رسول اهلل ،فالثمار وما أخذ منها يف أكمامها ؟ قال :من أخذ بفمه ومل يتخذ خبنة فليس عليه شيء ،
ومن احتمل فعليه مثنه مرتني ،وضرب نكال ،وما أخذ من أجرانه ففيه القطع ،إذا بلغ ما يؤخذ من
ذلك مثن اجملن " رواه أمحد والنسائي .والبن ماجه معناه ،وزاد النسائي يف آخره :وما مل يبلغ مثن اجملن
ففيه غرامة مثليه ،وجلدات نكال .
وقد سار على هذه العقوبة يف التعزير اخللفاء الراشدون ومن بعدهم من احلكام ،ومل ينكر عليهم أحد .
المسألة الثانية :مقدار الجلد في التعزير
اختلف الفقهاء في أقصى الجلد في التعزير على أقوال :
القول األول :
للحنفية .
مما ال خالف فيه عند احلنفية :أن التعزير ال يبلغ احلد ،حلديث النعمان بن بشري مرفوعاً " من بلغ حدا
يف غري حد فهو من املعتدين "
واختلف احلنفية يف أقصى الجلد في التعزير :فريى أبو حنيفة :أنه ال يزيد عن تسعة وثالثني سوطا
بالقذف والشرب ،أخذا عن الشعيب ،إذ صرف كلمة احلد يف احلديث إىل حد األرقاء وهو أربعون .
وأبو يوسف قال بذلك أوال ،مث عدل عنه إىل اعتبار أقل حدود األحرار وهو مثانون جلدة
القول الثاني :
وهو قول املالكية :أن اإلمام له أن يزيد التعزير عن احلد ،مع مراعاة املصلحة اليت ال يشوهبا اهلوى .
ومما استدل به المالكية :
178
فعل عمر يف معن بن زياد ملا زور كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت املال ماال ،إذ جلده مائة
،مث مائة أخرى ،مث ثالثة ،ومل خيالفه أحد من الصحابة فكان إمجاعا ،كما أنه ضرب صبيغ بن
عسل أكثر من احلد
وروى أمحد بإسناده أن عليا رضي اهلل عنه أيت بالنجاشي قد شرب مخرا يف رمضان فجلده مثانني
( احلد ) وعشرين سوطا ،لفطره يف رمضان .
القول الثالث :
للشافعية والحنابلة
أنه ال يزيد يف أكثر اجللد يف التعزير عن عشر جلدات أخذا حبديث أيب بردة مرفوعاً " :ال جيلد فوق عشرة
أسواط إال يف حد من حدود اهلل ".
القول الرابع :
وهو اختيار ابن تيمية وابن القيم :وهو أن التعزير يكون حبسب املصلحة ،وعلى قدر اجلرمية ،فيجتهد فيه
ويل األمر على أال يبلغ التعزير فيما فيه حد مقدر ذلك املقدر ،فالتعزير على سرقة ما دون النصاب مثال ال
يبلغ به القطع ،وقاال :إن هذا هو أعدل األقوال ،وإن السنة دلت عليه ،ومن ذلك :
-1ما مر يف ضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة ال احلد وهو الرجم ،
-2كما أن عليا وعمر رضي اهلل عنهما ضربا رجال وامرأة وجدا يف حلاف واحد مائة مائة ،
-3وحكم عمر رضي اهلل عنه فيمن قلد خامت بيت املال بضربه ثالمثائة على مرات ،
-4وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثريا مل يعده .
وهذا القول هو الصحيح :
وأما حديث أيب بردة فاملراد باحلد فيه أي املعصية ،وليس احلد االصطالحي ،فهو كقوله تعاىل " :تلك
حدود اهلل فال تعتدوها " واملعىن :اليزاد على عشرة أسواط إال يف معصية ،أما التأديب الذي اليكون على
معصية مثل تأديب الرجل ابنه فال جيوز أن يزيد على عشرة أسواط ،وأما حديث النعمان فهو ضعيف .
-المطلب الثاني :التعزير بالحبس :
احلبس مشروع بالكتاب والسنة واإلمجاع:
أما الكتاب فقوله تعاىل " :واليت يأتني الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا
فأمسكوهن يف البيوت حىت يتوفاهن املوت أو جيعل اهلل هلن سبيال " وقوله سبحانه " :إمنا جزاء الذين
حياربون اهلل ورسوله ويسعون يف األرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خالف أو
ينفوا من األرض " .
فقد قال مجع من أهل العلم :إن املقصود بالنفي هنا احلبس .
179
وأما السنة فقد ثبت أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم حبس باملدينة أناسا يف هتمة دم ،وحكم بالضرب
والسجن ،وأنه قال فيمن أمسك رجال آلخر حىت قتله :اقتلوا القاتل ،واصربواالصابر " أي حببس حىت
املوت ،ألنه حبس املقتول للموت بإمساكه إياه .
وأما اإلجماع فقد أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم ،ومن بعدهم ،على املعاقبة باحلبس .واتفق الفقهاء على
أن احلبس يصلح عقوبة يف التعزير .
ومما جاء يف هذا املقام :أن عمر رضي اهلل عنه سجن احلطيئة على اهلجو ،وسجن صبيغا على سؤاله عن
الذاريات ،واملرسالت ،والنازعات ،وشبهه ،وأن عثمان رضي اهلل عنه سجن ضابئ بن احلارث ،وكان
من لصوص بين متيم وفتاكهم ،وأن علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه سجن بالكوفة .وأن عبد اهلل بن الزبري
رضي اهلل عنه سجن مبكة ،وسجن يف " دارم " حممد بن احلنفية ملا امتنع عن بيعته
مسألة :مدة الحبس في التعزير :
األصل أن تقدير مدة احلبس يرجع إىل احلاكم ،مع مراعاة ظروف الشخص ،واجلرمية والزمان واملكان .وقد
أشار الزيلعي إىل ذلك بقوله :ليس للحبس مدة مقدرة .وقال املاوردي :إن احلبس تعزيرا خيتلف باختالف
اجملرم ،وباختالف اجلرمية ،فمن اجلانني من حيبس يوما ،ومنهم من حيبس أكثر ،إىل غاية غري مقدرة .
المطلب الثالث - :التعزير بالنفي
التعزير بالنفي مشروع بال خالف بني الفقهاء .
ودليل مشروعيته :الكتاب والسنة واإلمجاع
أما الكتاب فقوله تعاىل " :أو ينفوا من األرض " ومن مث فهو عقوبة مشروعة يف احلدود .وأما السنة :
فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم قضى بالنفي تعزيرا يف املخنثني ،إذ نفاهم من املدينة .
وأما اإلجماع :فإن عمر رضي اهلل عنه نفى نصر بن حجاج الفتتان النساء به ،ومل ينكر عليه أحد من
الصحابة .
وجيوز كون التغريب ألكثر من مسافة القصر ،ألن عمر غرب من املدينة نصر بن حجاج إىل البصرة ،ونفى
عثمان رضي اهلل عنه إىل مصر ،ونفى علي رضي اهلل عنه إىل البصرة .ويشرتط أن يكون التغريب لبلد معني
،فال يرسل احملكوم عليه به إرساال ،وليس له أن خيتار غري البلد املعني إلبعاده
المطلب الرابع :التعزير بالمال :
المسألة األولى :مشروعية التعزير بالمال :
اختلف الفقهاء في حكم التعزير بالمال على قولين :
القول األول :
أن التعزير بأخذ املال الجيوز .
180
ألن الشرع مل يرد بشيء من ذلك عمن يقتدى به .
وهذا هو رأي مجهور الفقهاء .
القول الثاني :
جواز التعزير باملال .
وهذا هو اختيار ابن تيمية وابن القيم ،ورواية عند احلنابلة
واستدلوا لذلك بأقضية للرسول صلى اهلل عليه وسلم :
-1كإباحته سلب من يصطاد يف حرم املدينة ملن جيده ،
-2وأمره بكسر دنان اخلمر ،وشق ظروفها ،
-3وأمره عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما حبرق الثوبني املعصفرين ،
-4وتضعيفه الغرامة على من سرق من غري حرز ،وسارق ما ال قطع فيه من الثمر والكثر ،وكامت الضالة .
-5ومنها أقضية اخللفاء الراشدين ،مثل أمر عمر وعلي رضي اهلل عنهما بتحريق املكان الذي يباع فيه اخلمر
،وأخذ شطر مال مانع الزكاة ،وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أيب وقاص رضي اهلل عنه الذي بناه
حىت حيتجب فيه عن الناس .وقد نفذ هذا األمر حممد بن مسلمة رضي اهلل عنه
المسألة الثانية :أنواع التعزير بالمال:
التعزير باملال يكون حببسه أو بإتالفه ،أو بتغيري صورته ،أو بتمليكه للغري .
أ -حبس المال عن صاحبه :
وهو أن ميسك القاضي شيئا من مال اجلاين مدة زجرا له ،مث يعيده له عندما تظهر توبته ،وليس معناه أخذه
لبيت املال ،ألنه ال جيوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعي يقتضي ذلك .
ب – اإلتالف :
قال ابن تيمية :إن املنكرات من األعيان والصفات جيوز إتالف حملها تبعا هلا ،فاألصنام صورها منكرة ،
فيجوز إتالف مادهتا ،وآالت اللهو جيوز إتالفها عند أكثر الفقهاء ،وبذلك أخذ مالك ،وهو أشهر الروايتني
عن أمحد
-ومن هذا القبيل أيضا أوعية اخلمر ،جيوز تكسريها وحتريقها ،واحملل الذي يباع فيه اخلمر جيوز حتريقه ،
واستدل لذلك بفعل عمر رضي اهلل عنه يف حتريق حمل يباع فيه اخلمر ،وقضاء علي رضي اهلل عنه حتريق القرية
اليت كان يباع فيها اخلمر ،وألن مكان البيع كاألوعية
-ومن هذا القبيل أيضا :إراقة عمر اللنب املخلوط باملاء للبيع .ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتالف
المغشوشات في الصناعات ،كالثياب رديئة النسج ،بتمزيقها وإحراقها ،
-وحتريق عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما لثوبه املعصفر بأمر النيب صلى اهلل عليه وسلم .
181
وقال ابن تيمية :إن هذا اإلتالف للمحل الذي قامت به املعصية نظريه إتالف احملل من اجلسم الذي وقعت به
املعصية ،كقطع يد السارق .وهذا اإلتالف ليس واجبا يف كل حالة ،فإذا مل يكن يف احملل مفسد فإن إبقاءه
جائز ،إما له أو يتصدق به .وبناء على ذلك أفىت فريق من العلماء :بأن يتصدق بالطعام املغشوش .ويف هذا
إتالف له
ج -التعزير بالتغيير :
من التعزير بالتغيري :
-هني النيب صلى اهلل عليه وسلم عن كسر سكة املسلمني اجلائزة بني املسلمني ،كالدراهم والدنانري ،إال إذا
كان هبا بأس ،فإذا كانت كذلك كسرت .
-وفعل الرسول صلى اهلل عليه وسلم يف التمثال الذي كان يف بيته ،والسرت الذي به متاثيل ،إذ قطع رأس
التمثال فصار كالشجرة ،وقطع السرت إىل وسادتني منتبذتني يوطآن .
-ومن ذلك :تفكيك آالت اللهو ،وتغيري الصور املصورة
د -التعزير بالتمليك :
من التعزير بالتمليك :
-قضاء الرسول صلى اهلل عليه وسلم فيمن سرق من الثمر املعلق قبل أن يؤخذ إىل اجلرين جبلدات نكال ،
وغرم ما أخذ مرتني .
-وفيمن سرق من املاشية قبل أن تؤوي إىل املراح جبلدات نكال ،وغرم ذلك مرتني ،وقضاء عمر رضي اهلل
عنه بتضعيف الغرم على كامت الضالة ،وقد قال بذلك طائفة من العلماء ،منهم :أمحد ،وغريه ،
-ومن ذلك إضعاف عمر وغريه الغرم يف ناقة أعرايب أخذها مماليك جياع ،إذ أضعف الغرم على سيدهم ،
ودرأ القطع
المطلب الخامس :أنواع أخرى من التعزير :
هناك أنواع أخرى من التعزير غري ما سبق .منها :اإلعالم اجملرد ،واإلحضار جمللس القضاء ،والتوبيخ
واهلجر .
أ -اإلعالم المجرد :
صورته أن يقول القاضي للجاين :بلغين أنك فعلت كذا وكذا ،أو يبعث القاضي أمينه للجاين ،ليقول له
ذلك .وقد قيد البعض اإلعالم ،بأن يكون مع النظر بوجه عابس
ب -التوبيخ :
التعزير بالتوبيخ مشروع باتفاق الفقهاء :
-فقد روى أبو ذر رضي اهلل عنه :أنه ساب رجال فعريه بأمه ،فقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم يا أبا ذر ،
أعريته بأمه ، ،إنك امرؤ فيك جاهلية .
182
-وقال الرسول صلى اهلل عليه وسلم " :يل الواجد حيل عرضه وعقوبته " .وقد فسر النيل من العرض بأن
يقال له مثال :يا ظامل ،يا معتد .وهذا نوع من التعزير بالقول .
-وقد جاء في تبصرة الحكام البن فرحون :وأما التعزير بالقول فدليله ما ثبت يف سنن أيب داود عن أيب
هريرة رضي اهلل عنه :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أيت برجل قد شرب فقال :اضربوه فقال أبو هريرة
:فمنا الضارب بيده ،ومنا الضارب بنعله ،والضارب بثوبه .ويف رواية بإسناده ،مث قال رسول اهلل صلى
اهلل عليه وسلم ألصحابه بكتوه فأقبلوا عليه يقولون :ما اتقيت اهلل ،ما خشيت اهلل ،ما استحييت من رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم .
وهذا التبكيت من التعزير بالقول .
ج -الهجر :
الهجر معناه :مقاطعة اجلاين ،واالمتناع عن االتصال به ،أو معاملته بأي نوع ،أو أية طريقة كانت .وهو
مشروع بدليل قوله تعاىل " :والاليت ختافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن يف املضاجع "
وقد هجر النيب صلى اهلل عليه وسلم أصحابه الثالثة الذين ختلفوا عنه يف غزوة تبوك .
وعاقب عمر صبيغا باهلجر ملا نفاه إىل البصرة ،وأمر أال جيالسه أحد .وهذا منه عقوبة باهلجر
الفصل الرابع
الجرائم التي شرع فيها التعزير
الجرائم التي شرع فيها التعزير على نوعين :
النوع األول :قد تكون من قبيل ما شرع يف جنسه عقوبة مقدرة من حد أو قصاص ،لكن هذه العقوبة ال
تطبق ،لعدم توافر شرائط تطبيقها ،أو لوجود مانع ،كوجود شبهة تستوجب درء احلد ،أو عفو صاحب
احلق عن طلبه .
النوع الثاني :وقد تكون اجلرائم التعزيرية غري ما ذكر فيكون فيها التعزير أصال .ويدخل يف هذا القسم ما ال
يدخل يف سابقه من جرائم .
وفيما يلي تفصيل ذلك :
المبحث األول :الجرائم التي يشرع فيها التعزير بديال عن الحدود أو القصاص :
المطلب األول :جرائم االعتداء على النفس :
ويدخل في هذا الموضوع :
-1القتل العمد العدوان موجبه القصاص ،وجيب لذلك توافر شروط ،أمهها :كون القاتل قد تعمد تعمدا
حمضا ليس فيه شبهة ،وكونه خمتارا ،ومباشرا للقتل ،وأال يكون املقتول جزء القاتل ،وأن يكون معصوم
183
الدم مطلقا .وفضال عن ذلك جيب للقصاص :أن يطلب من ويل الدم .فإذا اختل شرط من هذه الشروط
امتنع القصاص ،وفيه التعزير .
-2القتل شبه العمد قال البهويت :قد يقال بوجوب التعزير يف القتل شبه العمد ،ألن الكفارة حق هلل
تعاىل وليست ألجل الفعل ،بل بدل النفس الفائتة ،فأما نفس الفعل احملرم -الذي هو اجلناية فال كفارة فيه
.
-3ومن األصول الثابتة عند احلنفية :أن ما ال قصاص فيه عندهم كالقتل باملثقل ( وهو القتل مبثل احلجر
الكبري أو اخلشبة العظيمة ) جيوز لإلمام أن يعزر فيه مبا يصل للقتل ،إذا تكرر ارتكابه ،ما دامت فيه مصلحة
،وبناء على هذا األصل قالوا بالتعزير بالقتل ملن يتكرر منه اخلنق ،أو التغريق ،أو اإللقاء من مكان مرتفع ،
إذا مل يندفع فساده إال بالقتل
المطلب الثاني :جرائم االعتداء على ما دون النفس :
إذا كانت اجلناية على ما دون النفس عمدا فيشرتط للقصاص فضال عن شروطه يف النفس :املماثلة ،وإمكان
استيفاء املثل .ويرى مجهور الفقهاء التعزير أيضا يف اجلناية العمد على ما دون النفس ،إذا سقط القصاص ،
أو امتنع لسبب أو آلخر ،فيكون يف اجلرمية التعزير مع الدية ،أو األرش ،أو بدونه ،تبعا لألحوال .
وإذا مل يرتك االعتداء على اجلسم أثرا :فأغلب الفقهاء على أن يف ذلك التعزير ،ال القصاص .
المطلب الثالث :الزىن الذي ال حد فيه ،ومقدماته :
الزىن إذا توافرت الشرائط الشرعية لثبوته فإن فيه حد الزىن ،أما إذا مل يطبق احلد املقدر لوجود شبهة ،أو
لعدم توافر شريطة من الشرائط الشرعية لثبوت احلد ،فإن الفعل يكون جرمية شرع احلكم فيها -أو يف
جنسها -لكنه مل يطبق .وكل جرمية ال حد فيها وال قصاص ففيها التعزير .وبناء على ذلك :
_ إذا كانت هناك شبهة تدرأ احلد ،سواء كانت شبهة فعل ،أو شبهة ملك ،أو شبهة عقد ،فإن احلد ال
يطبق .لكن اجلاين يعزر ،ألنه ارتكب جرمية ليست فيها عقوبة مقدرة .وتعرف الشبهة بأهنا :ما يشبه
الثابت وليس بثابت .
_ وإذا كانت المزني هبا ميتة ففي هذا الفعل التعزير ،ألنه ال يعترب زىن ،إذ حياة املزين هبا شريطة يف احلد .
_ وإذا مل يكن الفعل من رجل فال يقام احلد ،بل التعزير ،ومن ذلك :املساحقة .
_ وإذا مل يكن الفعل يف قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم احلد ،لكن فيه التعزير
-وإذا كان الفعل يف زوجة الفاعل فال حد فيه باإلمجاع .واجلمهور على أنه يستوجب التعزير .
-ومما يستوجب التعزير يف هذا اجملال كل ما دون الوقاع من أفعال ،كالوطء فيما دون الفرج ،ويستوي فيه
املسلم ،والكافر ،واحملصن ،وغريه .
-ومنه أيضا :إصابة كل حمرم من املرأة غري اجلماع .وعناق األجنبية ،أو تقبيلها .
184
-ومما فيه التعزير كذلك :كشف العورة آلخر ،وخداع النساء ،والقوادة ،وهي :اجلمع بني الرجال
والنساء للزىن ،وبني الرجال والرجال للواط
المطلب الرابع :القذف الذي ال حد فيه والسب :
حد القذف ال يقام على القاذف إال بشرائطه ،فإذا انعدم واحد منها أو اختل فإن اجلاين ال حيد .ويعزر عند
طلب املقذوف ،ألنه ارتكب معصية ال حد فيها .
ومن شروط القذف الذي فيه الحد :كون املقذوف حمصنا .فإذا مل يكن كذلك فال حيد القاذف ،ولكن
يعزر .ومن ذلك أن يقذف جمنونا بالزىن .أو صغريا بالزىن .أو مسلمة قد زنت .أو مسلما قد زىن ،أو من
معها أوالد ال يعرف هلم أب ،وذلك لعدم العفة يف هذه الثالثة األخرية .ومنها كون املقذوف معلوما ،فإن
مل يكن كذلك فال حد ،بل التعزير ،ألن الفعل معصية ال حد فيها .وبناء على ذلك يعزر -وال حيد -من
قذف بالزىن جد آخر دون بيان اجلد .أو أخاه كذلك ،وكان له أكثر من أخ
وال حد في القذف بغير الصريح ،بدون قرينة ،وإمنا فيه التعزير .
ومن قذف آخر قذفا مقيدا بشرط أو أجل يعزر وال حيد .
وإذا مل يكن القول قذفا ،بل جمرد سب أو شتم فإنه يكون معصية ال حد فيها ،ففيها التعزير .ومن ذلك
قوله :يا نصراين ،أو يا زنديق ،أو يا كافر ،يف حني أنه مسلم .وكذلك من قال آلخر :يا خمنث ،أو يا
منافق ،ما دام اجملين عليه غري متصف بذلك .ويعزر كذلك في مثل :يا آكل الربا ،أو يا شارب اخلمر ،أو
يا خائن ،أو يا سارق ،وكله بشرط كون اجملين عليه غري معروف مبا نسب إليه .وكذلك من قال آلخر :
يا بليد ،أو يا قذر ،أو يا سفيه ،أو يا ظامل ،أو يا أعور ،وهو صحيح ،أو يا مقعد ،وهو صحيح كذلك
على سبيل الشتم .وعلى وجه العموم يعزر من شتم آخر ،مهما كان الشتم ،ألنه معصية
ويرجع في تحديد الفعل الموجب للتعزير إلى العرف ،فإذا مل يكن الفعل املنسوب للمجين عليه مما يلحق
به يف العرف العار واألذى والشني ،فال عقاب على اجلاين ،إذ ال يكون مثة جرمية
المطلب الخامس :السرقة التي ال حد فيها :
السرقة من جرائم احلدود ما دامت قد استوفت شروطها الشرعية ،وأمهها :اخلفية .وكون موضوع السرقة
ماال ،مملوكا لغري السارق ،حمرزا ،نصابا .فإذا ختلف شرط من شروط احلد فال يقام ،ولكن يعزر الفاعل ،
ألنه ارتكب جرمية ليس فيها حد
المطلب السادس :قطع الطريق الذي ال حد فيه :
قطع الطريق كغريه من جرائم احلدود ،جيب لكي يكون فيه احلد أن تتوافر شروط معينة ،وإال فال يقام احلد
،ويعزر اجلاين ما دام قد ارتكب معصية ال حد فيها .
المبحث الثاني :اجلرائم اليت موجبها األصلي التعزير :
185
من األمثلة عليها :
-1شهادة الزور :
حرم قول الزور يف القرآن الكرمي بقوله تعاىل " واجتنبوا قول الزور"
و يف السنة مبا أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم عد قول الزور وشهادة الزور من أكرب الكبائر ،وما دام أنه
ليس فيها عقوبة مقدرة ،ففيها التعزير
-2قتل حيوان غير مؤذ أو اإلضرار به :
هنى الرسول صلى اهلل عليه وسلم عن تعذيب احليوان يف قوله " :إن امرأة دخلت النار يف هرة حبستها ،فال
هي أطعمتها وسقتها ،وال هي تركتها تأكل من خشاش األرض "
فهذا الفعل معصية ،فيعزر الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حد مقدر .
-3انتهاك حرمة ملك الغير :
دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعا لقوله تعاىل " :ال تدخلوا بيوتا غري بيوتكم حىت تستأنسوا
وتسلموا على أهلها " وبناء على هذا األصل قيل بتعزير من يوجد يف منزل آخر بغري إذنه أو علمه ،ودون أن
يتضح سبب مشروع هلذا الدخول
ومن األمثلة على الجرائم مضرة بالمصلحة العامة :
-4التجسس للعدو على المسلمين ،
-5الرشوة
-6تجاوز الموظفين حدودهم ،وتقصيرهم :
-7تقليد المسكوكات الزيوف والمزورة
-8التزوير ،يف هذه اجلرمية التعزير ،فقد روي :أن معن بن زياد عمل خامتا على نقش خامت بيت املال
فأخذ ماال ،فضربه عمر رضي اهلل عنه مائة جلدة ،وحبسه ،مث ضربه مائة أخرى ،مث ثالثة ،مث نفاه .
-9الغش في المكاييل والموازين :
مسألة :سقوط التعزير بالتوبة :
اختلف الفقهاء يف أثر التوبة يف التعزير :
فعند الحنفية والمالكية وبعض الشافعية والحنابلة :أنه ال تسقط العقوبة بالتوبة ،ألهنا كفارة عن املعصية .
وعند هؤالء يف تعليل ذلك :عموم أدلة العقوبة بال تفرقة بني تائب وغريه عدا احملاربة .وفضال عن ذلك
فجعل التوبة ذات أثر يف إسقاط العقوبة جيعل لكل ادعاءها ،لإلفالت من العقاب .
وعند فريق آخر ،منهم الشافعية والحنابلة :أن التوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياسا على حد احملاربة ،
استنادا إىل ما ورد يف الصحيحني من حديث أنس رضي اهلل عنه :كنت مع النيب صلى اهلل عليه وسلم فجاء
186
رجل فقال :يا رسول اهلل ،إين أصبت حدا فأقمه علي ،ومل يسأله عنه .فحضرت الصالة فصلى مع النيب
صلى اهلل عليه وسلم .فلما قضى النيب صلى اهلل عليه وسلم الصالة قام إليه الرجل ،فأعاد قوله ،فقال :أليس
قد صليت معنا ؟ قال نعم .قال :فإن اهلل عز وجل قد غفر لك ذنبك
ويف هذا دليل على أن اجلاين غفر له ملا تاب .وفضال عن ذلك فإنه إذا جازت التوبة يف احملاربة مع شدة
ضررها وتعديه ،فأوىل التوبة فيما دوهنا .وهؤالء يقصرون السقوط بالتوبة على ما فيه اعتداء على حق اهلل ،
خبالف ما ميس األفراد .
وقال ابن تيمية وابن القيم :إن التوبة تدفع العقوبة يف التعزير وغريه ،كما تدفعها يف احملاربة ،بل إن ذلك
أوىل من احملاربة ،لشدة ضررها ،وهذا يعترب مسلكا وسطا بني من يقول :بعدم جواز إقامة العقوبة بعد التوبة
ألبتة .وبني مسلك من يقول :إنه ال أثر للتوبة يف إسقاط العقوبة ألبتة .ويرتتب على هذا الرأي :أن التعزير
الواجب حقا هلل تعاىل يسقط بالتوبة ،إال إذا اختار اجلاين العقوبة ليطهر هبا نفسه ،فالتوبة تسقط التعزير ،
على شريطة أال يطلب اجلاين إقامته ،وذلك بالنسبة حلقوق املصلحة العامة .واحتج القائلون بذلك بأن اهلل عز
وجل جعل توبة الكفار سببا لغفران ما سلف واحتجوا بقوله تعاىل " :قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر هلم ما
قد سلف " وأن السنة عليه كذلك ،ففي احلديث " :التائب من الذنب كمن ال ذنب له " .
واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه .
187