You are on page 1of 288

‫جدلية النموذج والسياق‬

‫بوصلة املغرب بين نموذجين تنمويين‬


‫‪2021/2006‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الكتاب‪ :‬جدلية النموذج والسياق‪ ،‬بوصلة املغرب بين نموذجين‬


‫تنمويين ‪2021-2006‬‬
‫املؤلف‪ :‬ميلود الرحالي‬
‫اإلصداراألول‪ :‬يوليوز ‪2022‬‬
‫اإليداع القانوني‪2022MO2704 :‬‬
‫ردمك‪978-9920-30-988-2 :‬‬
‫العنوان االلكتروني‪rahali2011@gmail.ciom :‬‬
‫املوقع االلكتروني‪www.cemrap.org :‬‬
‫املطبعة‪ :‬دارالقلم للطباعة والنشروالتوزيع‬

‫‪2‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫مؤسسة بحثية في مجال السياسات العامة تسعى إلى إثراء الثقافة وإشاعة املعرفة والنهوض‬
‫بالبحث العلمي واملساهمة في صناعة القرارات وصياغة السياسات من خالل الدراسات‬
‫واألبحاث الرصدية والتشخيصية واالستراتيجية واالستشرافية‪ ،‬وهو مؤسسة مستقلة وغير‬
‫ربحية ومنفتحة على كل الرؤى وحريصة على تعزيز أواصر التعاون مع كل الفاعلين‬
‫والباحثين‪.‬‬
‫يهدف املركز إلى‪:‬‬
‫‪ -‬تشجيع البحث العلمي والدراسات حول قضايا املغرب واملغاربة من خالل رصد‬
‫وتشخيص الحالة‪ ،‬وتحليل السياسات العامة‪ ،‬ودراسة السيناريوهات‪ ،‬وإعداد‬
‫البدائل املنسجمة مع مصلحة املغرب؛‬
‫‪ -‬دراسة التجارب املقارنة في مجال السياسات العامة؛‬
‫‪ -‬تقديم الخبرة واالستشارة وإبداء الرأي‪ ،‬خاصة في املجاالت السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية؛‬
‫‪ -‬قياس اتجاهات الرأي العام؛‬
‫‪ -‬تشجيع التواصل بين الباحثين والفاعلين واملواطنين‪.‬‬
‫كما يقوم بإصدار تقرير سنوي حول املغرب‪ ،‬وإعداد الدراسات واألبحاث والتقارير‬
‫التشخيصية واالستراتيجية واالستشرافية‪ ،‬وإصدار نشرات ودوريات ومطبوعات‬
‫متخصصة‪ ،‬وتنظيم الندوات واملؤتمرات وامللتقيات وأوراش العمل والدورات التكوينية في‬
‫مجاالت اشتغاله‪ ،‬تقدم فيها بحوث منجزة من طرف أعضاء املركز واملتعاونين معه‪،‬‬
‫والتواصل والتعاون مع مراكز الدراسات واألبحاث الوطنية والدولية ذات االهتمام املشترك‪،‬‬
‫وإنجاز كل عمل يدخل في مجاالت اشتغال املركز ويتماش ى مع أهدافه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شكروتقدير‬
‫أتقد دددم بالشد ددلر الجزيد ددل لكد ددل مد ددن سد دداعد‪ ،‬مد ددن قري د د أو عيد ددد‪ ،‬فد ددي إنجد دداز ه د د ا‬
‫العم د ددل‪ ،‬س د ددواء ف د ددي مرحل د ددة ا ع د ددداد أو الص د ددياغة أو املراجع د ددة‪ .‬وأش د ددلر ش د ددكل‬
‫األخ إبر ر ر ر ررا يم بل ر ر ر ررو الد د د د د ي ك د د د ددان متوقع د د د ددا أن ش د د د ددارك ي إنج د د د دداز هد د د د د ا‬ ‫خ د د د ددا‬
‫د ددروف خاص د ددة دون ذل د ددي‪ ،‬وأ د د د إال أن يم د دددن ب فك د ددار‬ ‫اللت د دداب‪ .‬لل د ددن‪ ،‬حالد د د‬
‫ملتوبة بخصو تقرير الخمسينية‪.‬‬

‫الكات‬

‫‪4‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫األفكاراملنشورة في ذا الكتاب ال تعبربالضرورة عن‬


‫رأي "املركزاملغربي لألبحاث وتحليل السياسات"‬

‫‪5‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يصع استقراء النموذج التنموي املغر في نسختيه دون تحديد ا طار النقدي‬
‫املعتمد ل لي‪ ،‬علما أنه ليس ثمة مرجع أو منهج مطلق لنقد النماذج التنموية‬
‫يملن استنساخه‪ ،‬فلكل منهج مزاياه ونواقصه‪ .‬وقد اخترنا أن تكون قراءتنا ه ه‬
‫ميسرة وواضحة و عيدة عن التعقيد‪ ،‬تنطلق من تشريح املوجود (األفكار‬
‫والوقائع)‪ ،‬وتستقرئ ما ساعد على استخال مكامن القوة ومواطن الضعف‪.‬‬
‫وأمام ا قرار الرسمي بفشل النموذج التنموي في نسخته األولى‪ ،‬نتساءل لتحديد‬
‫بوصلة التحليل‪ :‬هل ضاع الفرصة أم فات األوان؟ وماذا قال لجنة النموذج‬
‫الجديد في ذلي؟ وملاذا قالته به ه الصيغة‪ ،‬وبه ا النفس‪ ،‬وفي ه ا الوق‬
‫بال ات؟‬
‫نمهد للنقاش في املوضوع بقولة شهيرة منسوبة إلى أينشتاين يقول فيها "ال‬
‫نستطيع حل املشاكل املستعصية بنفس العقلية التي أنتجتها"‪ ،‬ومقتض ى ه ه‬
‫القولة الصريحة والعميقة أنه ال مع ى عادة إنتاج الوعي بتجديد النموذج‬
‫بنفس الفهم وا رادة التي أنتج الوعي ب همية إعداد النموذج السابق‪ ،‬وال يملن‬
‫إصالح نموذجنا التنموي بتلثيف استعمال لغة "الينبغيات" واآلمال العريضة‪،‬‬
‫ألن برامجنا أصبح متخمة بمفاهيم جامدة من قبيل‪ :‬حكامة‪ ،‬تعزيز‪ ،‬تثمين‪،‬‬
‫رصد‪ ،‬تشجيع‪ ،‬التقائية‪ ،‬اندماج‪ ،‬تنسيق‪ ،‬فعالية‪ ،‬تطوير‪ ،‬إصدار‪ ،‬إدراج‪،‬‬
‫ترسيخ وما إلى ذلي‪.‬‬
‫فالوعي الراهن ينبغي أن يناقض سابقه في كون أهمية النموذج التنموي وضرورته‬
‫ال تثير سجاال كبيرا‪ ،‬بالقدر ال ي يثيره سؤال الغاية وا رادة واملضمون وأدوات‬
‫الفعل والتدخل‪ .‬ويرجع ه ا التقدير إلى كون التنمية كمفهوم حديث‪ ،‬اشتهر‬
‫بإنجازاته على األرض أكثر من خطابه وتنظيره‪ .‬وحيث إن ه ه النزعة الو يفية في‬
‫مقاربة التنمية تكاد تسمو على باقي املقاربات األخرى‪ ،‬فقد أصبح الحديث عن‬
‫املضمون السياس ي واالجتماعي للتنمية سود على غيره من املداخل‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ل لي يفض ي بنا الوعي املطلوب إلى االعتبار بكون قضية التنمية‪ ،‬ترتبط ارتباطا‬
‫وثيقا ببناء ومسار وسياق تحوالت الدولة‪ ،‬وعليه فالبحث في مال سات املشروع‬
‫التنموي وتحوالته هو بمثابة دراسة سياق تحوالت وخيارات الدولة وهي تؤسس‬
‫أركانها‪ ،‬وتلرس ثوابتها‪ ،‬وتعرض تصوراتها لالستمرار‪ ،‬بل وتقدم مشاريعها‬
‫لإلصالح ما دام التنمية ال تنفي عن التغيير وا صالح‪ .‬ل لي اعتبرنا ب ن اختيار‬
‫بوصلة التنمية بين نموذجين؛ هو بمثابة جدلية موضوعية بين سلطة نموذج‬
‫ونموذج سلطة أو على األقل جدلية النموذج والسياق‪.‬‬
‫وإن املتتبع لتاريخ املغرب املعاصر‪ ،‬خاصة مغرب ما عد االستقالل‪ ،‬ليقف عند‬
‫ه ه الخالصة بكل التفاصيل‪ ،‬ويلحظ مدى تعبير املشاريع التنموية عن‬
‫إصالحات جزئية أو كلية في املجاالت الحيوية؛ السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬في سياق تجديد الثقة بالسلطة‪ ،‬أو التخفيف من احتقان سياس ي‬
‫أو اجتماعي حولها‪ ،‬أو استجابة لتوجيهات مؤسسات دولية مانحة أو راعية‪.‬‬
‫في ه ا الصدد‪ ،‬يملن تقسيم مشاريع التنمية في املغرب املستقل إلى مرحلتين‬
‫متمايزتين؛ مرحلة التخطيط قصير املدى (‪ )2004/1960‬ومرحلة االستراتيجيات‬
‫(ما عد ‪ ،)2005‬وتتميز ه ه األخيرة باعتماد املغرب على مخطط شمولي تم‬
‫تسميته ب "النموذج التنموي"‪ ،1‬وقد خاض املغرب إلى حدود اآلن‪ ،‬تجربتين تح‬
‫ه ا املسمى‪ ،‬األولى أطلق بمناسبة ا عالن عن نتائج وخالصات تقريرين شبه‬
‫رسميين؛ تقرير الخمسينية وتقرير لجنة ا نصاف واملصالحة‪ ،‬فكان فلرة‬
‫النموذج التنموي هي "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية"‪ ،‬و عد حوالي عقد‬
‫ونصف من تنزيل ه ا املخطط‪ ،‬أعلن امللي عدم كفايته في حل املشاكل‬
‫االجتماعية لشرائح عريضة من املغاربة‪ ،‬وبناء على ه ه الخالصة والقرار امللك ‪،‬‬
‫عين امللي لجنة خاصة‪ ،‬أنيط بها مهمة التفلير في نموذج تنموي جديد ذي‬
‫فاعلية اجتماعية أكبر‪.‬‬

‫‪ - 1‬لم يتم الحديث عن "النموذج التنموي" به ا االسم في الخطاب الرسمي‪ ،‬بل كان الحديث‬
‫في البداية عن " املشروع املجتمعي الحداث الديمقراط "‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إن تنفي املشاريع والبرامج باعتماد أسلوب النماذج يفض ي إلى نجاح باهر‪،‬‬
‫والدليل واضح في العديد من الدول‪ ،‬سواء في الغرب‪ ،‬أو في عض الدول النامية‪،‬‬
‫أو عض الدول ا فريقية التي كان إلى زمن قري ترزح تح عتبات الفقر‬
‫وتعيش ويالت الحروب األهلية والتناحر الطائف ‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإنه ال جدال‬
‫ك لي في أن نجاح أي مشروع أو برنامج‪ ،‬أو قبل ذلي أي نموذج تنموي‪ ،‬مرتبط‬
‫عناصر أساسية ومتكاملة؛ وهي توفر البيانات واملعطيات (تقييم جيد)‪ ،‬وتوفر‬
‫وعي اجتماعي كاف ومؤهل للمشاركة‪ ،‬ثم وجود مؤسسات قائمة على التنفي‬
‫ومست منة عليه‪ ،‬بكل أهلية ومسؤولية مع ا رادة الكافية للعمل‪ .‬فعندما يتم‬
‫الحلم على نموذج تنموي معين بالفشل‪ ،‬فاألرجح أن أحد العناصر الثالثة على‬
‫األقل‪ ،‬لم يلن في املستوى املطلوب‪ ،‬أو لم ساهم في العملية التنموية بالشكل‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫في الحالة املغربية‪ ،‬نحن أمام إقرار عجز النموذج التنموي السابق عن تحقيق‬
‫طموحات التنمية ومتطلبات ا قالع‪ ،‬للن لم يتم‪ ،‬رسميا على األقل‪ ،‬تحديد‬
‫مواطن الخلل في الدوالي الثالثة املكونة للمنظومة واآللة التنموية بكامل‬
‫الصراحة والوضوح‪ ،‬مما ع ي إحالة ه ه املهمة إلى اللجنة الجديدة‪ ،‬وه ا خلل‬
‫آخر عتري آلية التدبير‪ ،‬إذ يتم ا عالن عن الفشل وضرورة التجاوز في انتظار‬
‫إعطاء مبررات وتوضيحات من قبل مؤسسات ال عالقة لها باملشروع من قري‬
‫أو عيد‪ ،‬مما عطل تفعيل ورش ربط املسؤولية باملحاسبة‪.‬‬
‫لم تعد قضية النموذج التنموي املغر ‪ ،‬عد إطالق النسخة األولى‪ ،‬مجرد رؤية‬
‫تنموية معبر عنها بإطار نظري ومفاهيمي ونسق معرفي قابل للتطبيق فقط‪ ،‬بل‬
‫برنامجا مجتمعيا متكامال‪ ،‬سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا‪ ،‬وبتعبير أدق‪،‬‬
‫أصبح قضية "التنمية البشرية" كنموذج تنموي؛ برنامجا استراتيجيا وعمليا‬
‫لتوجيه السياسات العمومية وحركية املجتمع شكل عام‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫فهل سيتم ا قرار‪ ،‬عد إعالن فشل النموذج التنموي‪ ،‬بفشل املسار ا صالحي‬
‫ال ي تم تبنيه خالل ه ه املرحلة؟‬
‫كان املتوقع عد إعالن تقرير الخمسينية‪ ،‬وإطالق املبادرة الوطنية للتنمية‬
‫البشرية‪ ،‬أن يتم ا جماع على أنه ال جدوى من عض املفاهيم اللالسيلية في‬
‫املمارسة السياسية‪ ،‬من قبيل األغلبية واملعارضة وغيرها‪ ،‬فما دام الحكومة‬
‫واملؤسسات املنتخبة ومؤسسات الوساطة ال تتحمل مسؤولية التخطيط‬
‫التنموي‪ ،‬فاملطلوب من الجميع‪ ،‬أن يصطف وراء مشاريع التنمية التي يتم‬
‫تحديدها وفق خط ثالث‪ ،‬عيدا عن الصيغة الشعبية أو التمثيلية‪ ،‬لتبق‬
‫التشاركية‪ ،‬التي تتحدث عنها كل املشاريع‪ ،‬تشاركية في التنزيل والتدبير‪ ،‬ال في‬
‫التخطيط والتصور والتقرير‪.‬‬
‫وه ا الخيار يجعلنا نتساءل عن أسباب سح صالحية التخطيط من الفاعلين‬
‫السياسيين‪ ،‬وال ي ال تخرج ا جابة عنه عن احتماالت واضحة؛ إما أن النخبة‬
‫السياسية واملدنية ‪ -‬في نظر أصحاب القرار‪ -‬غير مؤهلة للتخطيط بحلم جهلها‬
‫عملياته‪ ،‬أو عدم تمرسها على ممارسته‪ ،‬أو انشغالها بقضايا أخرى ال تترك لها‬
‫وقتا كافيا لتخطيط التنمية‪ ،‬أو أن العملية التنموية – في نظر أصحاب القرار‬
‫دائما‪ -‬هي مهمة سيادية ال يملن تركها للتداول فتضيع املصالح العليا‪ ،‬علما أن‬
‫تحديد مضمون مفهوم املصالح العليا‪ ،‬بطبيعة الواقع‪ ،‬هو مجال محفوظ‬
‫ملؤسسات عينها‪.‬‬
‫إن ه ه املقدمات مهمة جدا لت طير نقاش النموذج التنموي في املغرب‪ ،‬و براز‬
‫جدلية النموذج والسياق‪ ،‬ولفهم عض املال سات املسكوت عنها أحيانا بداعي‬
‫الواقعية و"املوضوعية" وضرورة التجاوز كما تعبر عن ذلي عض األصوات‬
‫ا عالمية تبعا لتوجهات الخطاب الرسمي‪ ،‬أو دواع أخرى غير معلنة‪ ،‬في حين أنه‬
‫ال منا من رفع الستار عن قضايا عديدة لنفض الغبار عنها حتى تتضح الرؤية‬
‫في حق النموذج‪ ،‬ال ي يبق في جوهره اقتراحا شريا‪ ،‬ومشروعا مجتمعيا من‬

‫‪9‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مسؤولية الجميع وفي خدمة الجميع‪ ،‬ومن املصلحة العامة أن يتحول إلى مشروع‬
‫للجميع تخطيطا وتنفي ا وتقييما ك لي‪.‬‬
‫ه ه إشكالية ه ا اللتاب في تعاطيها مع النموذج التنموي املغر من زاوية نقدية‬
‫صريحة‪ ،‬زاوية ا نصاف واملوضوعية والتحليل العلمي‪ ،‬ال ي عترف لنفسه‬
‫باملحاولة‪ ،‬وينف عنها اللمال‪ ،‬للنه في اآلن نفسه ال يجاري الخطاب على حساب‬
‫املضامين‪ ،‬ويقصد السطور تخطيا ملا بينها‪ ،‬وال يتيه بين األشكال والخطابات على‬
‫حساب تفليي البناء عادة تركيبه‪.‬‬
‫أما فرضية انطالق التحليل‪ ،‬فهي فلرة شديدة البساطة والوضوح؛ مضمونها أن‬
‫النموذج وليد السياق‪ ،‬وآلية إنتاج النماذج التنموية في املغرب تجعل منها سلطة‬
‫حقيقية‪ ،‬أو في مستوى أقل من ذلي‪ ،‬تصبح النماذج التنموية تعبيرا عن نموذج‬
‫ممارسة السلطة‪ ،‬ومن ذلي تتفرع فرضية تا عة‪ ،‬مفادها أن مشكلة النماذج‬
‫التنموية املغربية ال تلمن في صيغتها بالدرجة األولى‪ ،‬بل في إرادة وسياق تنفي ها‪.‬‬
‫وإننا لنقدر أن االستراتيجيات القطاعية الحالية‪ ،‬ومجموع املشاريع واألوراش‬
‫الجارية‪ ،‬وأهداف ومضامين العديد من املشاريع والبرامج السابقة‪ ،‬ال تزال‬
‫صالحة في جزء كبير منها‪ .‬وأن ما يتم اعتباره رسميا من إشكاالت من قبيل‬
‫الحكامة وااللتقائية والفعالية‪ ،‬إنما هي مظاهر متنوعة ملعضلة الفساد السياس ي‬
‫وآفة الريع‪ ،‬ال ي ينخر ممارسة السلطة‪ ،‬ذلي الحاضر الغائ باستمرار؛‬
‫الحاضر في عض الخطابات الرسمية املناسباتية‪ ،‬والغائ في املمارسة وامليدان‪.‬‬
‫فنحن لم نشهد عد بداية التنزيل املسؤول والرشيد لجملة من املضامين‬
‫التنموية املعلنة في فترات ومراحل سابقة‪ .‬وإنه ليملننا الزعم أننا في حاجة إلى‬
‫إعادة قراءة التراث التنموي املغر ‪ ،‬والبرامج التاريخية السابقة‪ ،‬ألن جزءا كبيرا‬
‫منها اليزال صالحا‪ ،‬ويلف به ا الصدد أن ن كر ببعض البرامج واملشاريع التي تم‬
‫إعالن تفاصيلها خالل مخططات التنمية السابقة‪ ،‬للنها لم تنجز‪ ،‬وتم إعالن‬
‫فشلها‪ ،‬في حين أن املشاريع البديلة كان صياغات وكراسات ونسخ‪ ،‬لألسف‬

‫‪10‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫عضها غير منقح ملا سبقها من محاوالت‪ .‬وهنا يملن الت كير بمشاريع "أقطاب‬
‫النمو" وبرامج "إعداد التراب الوط ي"‪ ،‬التي تم ا عالن عنها في املخطط الثالث‬
‫‪ ،1980/1978‬فتم إقبارها إلى حين‪ ،‬ثم جاءت حكومة التناوب‪ ،‬لتطلق الحوار‬
‫الوط ي عداد التراب‪ ،‬وتحدد نفس األهداف اللبرى تقريبا ملا تم إقراره سابقا‪،‬‬
‫وتالش ى حلم التناوب في صيغتيه (التوافق والديمقراط )‪ ،‬وتحول بوصلة‬
‫املسار الديمقراط جملة وتفصيال‪ ،‬للن بقي املشاريع نفسها‪ ،‬بل إن املجلس‬
‫األعلى عداد التراب الوط ي في دورته الثانية (‪ 28‬يوليوز ‪ ،)2016‬لم ستطع‬
‫تجاوز رهانات سبعينيات القرن املاض ي‪ ،‬وبق شعاره حبيس قضية "التقاطعات‬
‫وا لتقائية"‪ ،‬وقس على ذلي ت خر ا نجازات في العديد من القطاعات‪ ،‬من قبيل‬
‫مشاريع االهتمام بالعالم القروي وتجويد الري‪ ،‬التي تم إطالقها خالل "مشروع‬
‫سبو" في بداية االستقالل‪ ،‬ليت خر تنفي عضها إلى السنين القليلة املاضية‪.‬‬
‫واألخطر من ذلي أن إعالن تجاوز املشاريع السابقة والحلم عليها بالفشل‪ ،‬أصبح‬
‫تقليدا من صميم املمارسة السياسية الرسمية وأحد عناصر تجديدها‪.‬‬
‫فصريح الفرضية أن املشكل ال يلمن في النص‪ ،‬بل في تنفي ه‪ ،‬وفي مصداقية‬
‫ا رادة التي وضعته‪ ،‬وا رادة التي تحمل مسؤولية إنجازه‪ ،‬وا رادات والتحاليل‬
‫التي قدرت أن الخلل في النص‪/‬املشروع وليس في ش يء آخر‪.‬‬
‫ل لي سنركز على تحليل تقريري النموذجين التنمويين؛ تقرير الخمسينية‬
‫وتقرير النموذج التنموي الجديد‪ ،‬لنؤكد مجمل عناصر الفرضية‪ ،‬وننتصر‬
‫لألطروحة التي تقول ب ن حقيقة الوطنية ال تلمن في رفع الصوت شعار "ليس‬
‫با مكان أحسن مما كان"‪ ،‬بل توجد حصرا في رؤية القضايا كما هي‪ ،‬محمود‬
‫حسنها‪ ،‬ومتجاوز خللها‪ ،‬مع الت ه واالستعداد الكامل للمساهمة في مشروع‬
‫تنموي نهضوي مغر خالص‪ ،‬وذلي من موقع الباحث الناقد املنخرط‪.‬‬
‫يقوم مضمون ه ا اللتاب على سبعة فصول‪ ،‬يتقدمها فصل تمهيدي لتفليي‬
‫مجمل السياقات التي تم فيها صياغة املشاريع التنموية املغربية‪ ،‬وفصالن‬
‫يرومان تحليل ونقد النموذجين التنمويين (نموذج التنمية البشرية ‪2006‬‬
‫‪11‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والنموذج التنموي الجديد ‪ ،)2021‬مع فصل تشخيص ي لرصد واقع املغرب‬


‫اململن (الحصيلة)‪ ،‬وآخر يقف عند مواقف الفاعلين والنخ من تقارير لجنة‬
‫النموذج الجديد‪ ،‬ال ي خصصنا له هو اآلخر فصال خاصا لتحليل أهم مرتلزاته‬
‫واقتراحاته‪ ،‬و غية الخروج من الوصف والتحليل إلى االستخال واالستنتاج‪،‬‬
‫فقد عملنا‪ ،‬في فصل مركز‪ ،‬على ختم ه ه املساهمة باستقراء الثاب واملتحول‬
‫في مشاريع النماذج التنموية املغربية‪ ،‬والبحث عن مصدر إعاقة التنمية في‬
‫املغرب املعاصر‪ ،‬مع خالصة تركيبية تروم املساهمة في البحث عن نقطة انطالق‬
‫صحيحة‪ ،‬كفيلة بإنجاز نموذج تنموي ملصلحة مجتمع هو جدير به‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفصل األول‬
‫خصوصيات وسياقات التنمية في املغرب‬
‫ج ور املنظومة ومر عات االجتهاد‬

‫‪13‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ونحن على عتبة إنهاء ثلثي قرن من االستقالل‪ ،‬أحرز املغرب من ا نجازات اللثير‪،‬‬
‫وراكم من ا خفاقات اللثير ك لي‪ ،‬حري بنا أن نلتف ‪ ،‬بل نت مل في ه ا التاريخ‬
‫لنفهم البوصلة‪ ،‬ونحصر التحديات‪ ،‬أمال في استلشاف الجزء الخف من‬
‫ا خفاق ال ي ستعص ي على التجاوز‪.‬‬
‫عرض ه ا الفصل قراءة استرجاعية لتاريخ التنمية في املغرب‪ ،‬و عض التحوالت‬
‫التي شهدتها‪ ،‬مع التركيز على االنتقاالت التي اعترت املسار التنموي في املغرب‪،‬‬
‫وملصلحة من كان مشاريع التنمية‪ ،‬وما هي الفئات االجتماعية التي كان نصيبها‬
‫هزيال‪ .‬والهدف من ذلي فهم املحددات األساسية للتنمية وا صالح في املغرب‬
‫املعاصر‪.‬‬
‫‪ -1‬سياق املغرب في محيطه الدولي‪ :‬عالم متغير‪ ،‬واندماج محتم‪ ،‬وتراتبيات‬
‫مسكوت عنها‪.‬‬
‫املغرب عضو في املنتظم الدولي وفي جل املؤسسات األممية‪ ،‬ومنها املؤسسات ذات‬
‫الصلة بالتنمية‪ .‬وحيث إن املنتظم الدولي‪ ،‬هو تعبير عن تدبير موازين قوى‬
‫عاملية‪ ،‬فإن الدول النامية‪ ،‬دول االستيراد والعضوية في املستوى الثان وما يليه‪،‬‬
‫تقبل طوعا وكرها مشاريع الدول العظمى باسم األمم املتحدة وقرارات مجلس‬
‫األمن ومنظمة التجارة العاملية والبني الدولي وصندوق النقد الدولي وباقي‬
‫املنظمات والهيئات الدولية املتحلمة‪ ،‬ألن العملية التنموية في دول االستيراد‬
‫ممولة بالكامل من الدعم والقروض‪ ،‬أو على األقل جزء منها‪ ،‬وخاصة ما يرتبط‬
‫بالتنمية االجتماعية‪.‬‬
‫كما أن حسن سير العالقات الدولية بين القوى العظمى والدول النامية‪،‬‬
‫واستمرار عض األنظمة السياسية في دوائر الهامش (الدول النامية) مرتبط‬
‫بمدى استجابتها رادة ه ه القوى التي تمثل عمليا إرادة املنتظم الدولي‪.‬‬
‫وليس عيدا عن ه ا النسق‪ ،‬مال سات العالقات االقتصادية‪ ،‬واتفاقيات‬
‫التبادل الحر‪ ،‬واالنخراط في منظمة التجارة العاملية‪ ،‬واالنضمام إلى التلتالت‬

‫‪14‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫العسلرية واالقتصادية ا قليمية‪ ،‬واالنخراط في مشروع أهداف األلفية من‬


‫أجل التنمية وغيرها‪ ،‬وبالتالي فقضية التنمية ليس قضية معضلة اجتماعية‬
‫معزولة‪ ،‬وإرادة وطنية مستقلة‪ ،‬بل قضية إعالن صدق االنتماء للمنتظم الدولي‪،‬‬
‫والوفاء بالتعهدات وااللتزامات املعلنة‪ ،‬ال سيما أن الخطاب الرسمي املغر يرهن‬
‫تعزيز العالقات والروابط شمال ‪/‬جنوب بإلزامية املساعدات‪.1‬‬
‫في ه ا السياق يندرج انخراط املغرب في املشروع األممي للتنمية‪ ،2‬ه ا املشروع‬
‫ال ي عرف انتقاالت وتحوالت من الحديث عن النمو االقتصادي‪ ،‬إلى تب ي‬
‫مفهوم التنمية‪ ،‬وما تالها من أصناف وأجيال التنمية (الشاملة‪ ،‬املستدامة‪،‬‬
‫الترابية‪ ،‬البشرية)‪.‬‬
‫وانخراط املغرب في مشروع "التنمية البشرية" كان باعتبارها صيغة الجيل‬
‫الجديد للتنمية املنصوح به من قبل األمم املتحدة‪ ،‬وقد عرف هو نفسه تحوالت‬
‫وتطورات في املضامين‪ ،‬استجابة ملا يترت عن تنزيل املشاريع التنموية من‬
‫مشاكل‪ .‬ومن سنة ‪ ،1990‬انتقل مفهوم التنمية البشرية إلى الحر على الفاعل‬
‫والعنصر البشري باعتباره رأس مال العملية التنموية‪.‬‬
‫من جانبه حر املغرب على االنتقال من التنمية املستدامة وإدخال العامل‬
‫البيئي في العملية التنموية إلى التنمية البشرية‪ ،‬للن ه ه املواكبة كان مت خرة‬

‫‪ -1‬يملن الرجوع به ا الصدد إلى تصريحات املسؤولين حول انخراط املغرب في مشروع‬
‫أهداف األلفية من أجل التنمية‪ ،‬أو مشاريع التنمية املستدامة‪ ،‬أو الكوب ‪ 22‬أو غيرها من‬
‫مشاريع التنمية‪.‬‬
‫‪ - 2‬جل املشاريع التي يتم تبنيها كمؤشرات التنمية البشرية هي من صميم األهداف الثمانية‬
‫لأللفية املعلن عنها في إعالن عام ‪ 2000‬في أفق ‪ 2015‬ومنها‪ :‬تقليص الفقر املدقع بنسبة‬
‫النصف‪ ،‬ضمان التعليم األولي للجميع‪ ،‬تشجيع املساواة بين الجنسين‪ ،‬تخفيض نسبة‬
‫وفيات األطفال‪ ،‬تحسين صحة األمهات‪ ،‬دمج مبدأ التنمية املستدامة في السياسات‬
‫الوطنية (الحفاظ على البيئة‪ ،‬وتوفير املاء الشروب‪ ،‬السلن الالئق)‪ .‬و عد ذلي أهداف‬
‫األلفية للتنمية املستدامة (‪.)2015‬‬
‫‪15‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫نوعا ما عن انطالق املشروع في دول أخرى (دول التصدير)‪ ،‬فاألمم املتحدة‬


‫حددت مفهوم التنمية البشرية من تقريرها سنة ‪ ،1991‬باعتبارها عملية إرادية‬
‫ومتكاملة‪ ،‬وذات أ عاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية‪ ،‬تستهدف ترسيخ‬
‫خبرات البشر بالتركيز على تنمية قدراتهم‪ ،‬ولعل برنامج األمم املتحدة ا نمائ‬
‫يجسد ه ا املفهوم بكل تفاصيله‪ ،‬للن املغرب تب ى ه ا املفهوم (التنمية‬
‫البشرية) عد عقد ونيف (‪ )2003‬لينخرط مت خرا‪ ،‬للن بكل حماسة في املشروع‬
‫األممي‪ ،‬وفي ه ا يندرج التركيز على عض املفاهيم واملؤشرات التنموية مثل‬
‫الحكامة‪ ،‬ومقاربة النوع‪ ،‬ومحاربة الفقر‪ ،‬والقضاء على التفاوتات‪ ،‬وصحة‬
‫األمهات واألطفال‪ ،‬وااللتقائية وا دماج في املشاريع التنموية‪ ،‬وحفز قدرات‬
‫األفراد وتوسيع اختياراتهم‪ ،‬ومشاريع الطاقات املتجددة والبديلة‪.‬‬
‫إن الحديث بوضوح عن انخراط املغرب في منظومة دولية‪ ،‬وفق تراتبيات لم تعد‬
‫خافية‪ ،‬وإبراز وجوده في حلقة أضعف‪ ،‬ال عتبر موقفا معارضا لعملية االندماج‪،‬‬
‫ألنه ال يتصور عاقل إمكانية انعزال املغرب وعيشه في جزيرته الخاصة محصورا‬
‫بين املتوسط وأدغال إفريقيا‪ ،‬وبين سياج الجزائر ومياه املحيط األطلس ي إلى‬
‫موريتانيا‪ ،‬وللن املوضوع أكبر من ه ا بلثير‪ ،‬فهو ينطوي على استيضاح عض‬
‫القضايا التي يتم الترويج لها رسميا باسم النباهة والتفرد في املوقف وا نجاز‪،‬‬
‫وما هي في الحقيقة إال تعبير عن وفاء بالتزام أو تطبيق التفاقية أو خضوع لتوجيه‬
‫دولي‪ ،‬كما ينطوي على استفسار بخصو عض القضايا التي يتم السكوت عنها‬
‫أو تجاوزها وهي من أهم ا شكاالت (قضية تمويل العملية التنموية)‪ ،‬وينطوي‬
‫على استغراب قد يتحول إلى استنكار عندما يتم تجري املجرب وحرث املحروث‬
‫باسم التجديد والتطوير وا بداع‪ .‬ل لي فإن نقد املسار التنموي في املغرب هو‬
‫نقد للمال سات اللبرى التي تؤطر ه ا املسار‪.‬‬
‫للن االنخراط في التوصيات األممية‪ ،‬رغم تداعياته السلبية اقتصاديا‬
‫واجتماعيا‪ ،‬كفيل ب ن يحقق حدا أدن من التنمية‪ ،‬وبالتالي فإن السؤال املثير في‬

‫‪16‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الحالة املغربية‪ ،‬وال ي حير عض املهتمين والباحثين‪ ،‬ومنهم عض الخبراء‬


‫األمميين‪ ،‬هو أن املغرب رغم تمتعه بالعديد من املقومات االجتماعية‬
‫والجيواستراتيجية واألمنية الجيدة‪ ،‬فإنه ال ستثمر ذلي حراز املوقع املطلوب‬
‫في تصنيف التنمية البشرية‪ ،‬ولعل التقارير األخيرة‪ ،‬والتصنيفات الدولية تشهد‬
‫على ه ا التناقض‪ ،‬ما يدعو إلى التفلير والتحليل واالعتبار‪ .‬فما جدوى املشاريع‬
‫في غياب املردودية؟‬
‫إن ما عرقل تحقيق مؤشرات الحد األدن للتنمية (التمدرس‪ ،‬التطبي ‪،‬‬
‫التعليم) هو عدم ربطها باملفهوم العميق للتنمية البشرية (توسيع اختيارات‬
‫األفراد واملساواة في ذلي‪ :‬الحرية واملساواة والعدالة االجتماعية)‪ .‬واألزمة‬
‫األخالقية للمنتظم الدولي هو أنه سل عن ه ه املعضلة في عض الدول‬
‫النامية‪ ،‬أو يبحث لها عن مبررات من قبيل الخصوصية وكفاية النيات‬
‫والتصريحات الحسنة‪.‬‬
‫وال نتحدث هنا عن الخصوصيات التي يتم اعتبارها من صميم العملية التنموية‪،‬‬
‫خصوصيات الهوية الثقافية والحضارية وما إلى ذلي‪ ،‬بل نتحدث عن‬
‫الخصوصيات التي تسوق كل املشاريع الجادة إلى مر ع التحلم واالستبداد‪،‬‬
‫فتتحول املشاريع الجادة واملفاهيم اللبيرة من قبيل "التنمية البشرية" إلى أدوات‬
‫لتلريس التفاوت‪ ،‬وتجميد التراتبيات‪ ،‬وتوسيع أسواق استثمارات الخوا ‪ ،‬بل‬
‫إلى أوراش دسمة لتوزيع الريع وتلريس آلياته‪ .‬فال عقل أن تفشل مشاريع‬
‫التنمية في محاربة الفقر والهشاشة‪ ،‬في الوق ال ي تتضاعف فيه ثروات‬
‫األغنياء بوتيرات متسارعة وقياسية‪ ،‬وال أمل في تنمية تتكلف فيها ميزانيات الدولة‬
‫بتهيئة أجواء االستثمار الخا ‪ ،‬في حين أن األوراش التي ستفيد منها مجتمع‬
‫الهامش تبق رهينة بين فتات مساهمات املستثمرين ومنح الدول املتحلمة‬
‫وإعانات املنظمات األممية‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -2‬السياق الخاص‪ :‬العهد الجديد ومغرب "االنتقال التنموي"‪.‬‬


‫هناك سياقات خاصة تؤطر النماذج التنموية بكل توجهاتها وخياراتها‪ ،‬وهي‬
‫سياقات مرتبطة بتراتبيات السلطة‪ ،‬حيث ال تخرج آلية إنتاج النموذج التنموي‬
‫عن ه ه التراتبية ومتطلباتها السوسيو‪-‬اقتصادية‪.‬‬
‫‪ -1-2‬املخططات قصيرة املدى‪ ،‬قصور برامج تنموية في مسؤولية الحكومات‬
‫وتحت رقابة مؤسسات الظل‪.‬‬
‫من االستقالل والحكومات املتعاقبة تتحمل مسؤولية صياغة املشاريع‬
‫واملخططات قصيرة املدى‪ ،‬ورغم أن صياغة ه ه املخططات يخضع لرقابة‬
‫مؤسسات دستورية وقانونية عليا‪ ،‬فهو يخضع لرقابات أخرى يلرسها العرف‬
‫وتحلمها بنية السلطة السياسية‪.‬‬
‫خالل التجارب السابقة‪ ،‬تناط بالحكومة مهمة التعريف به ه املخططات وإقناع‬
‫عض مؤسسات الوساطة واملؤسسات املنتخبة بها‪ .‬أما في مرحلة النماذج‬
‫التنموية‪ ،‬ف صبح صياغة املخططات واملشاريع اللبرى والعامة مجاال‬
‫محفو ا للمؤسسات ما فوق الحكومة‪ ،‬وفق تدابير وإجراءات يحلمها التعيين‬
‫واالستعانة بمكات الخبرة‪ ،‬خاصة منها األجنبية‪.‬‬
‫ولفهم املال سات والشروط الخاصة نتاج املشاريع التنموية‪ ،‬يتعين القيام‬
‫باسترجاع تاريخي ملتمل‪ ،‬نتوقف فيه عند مفاصل التحوالت‪ ،‬وعند العناصر‬
‫الثابتة في جل محاوالت ا صالح ومشاريع التنمية في املغرب "الحديث" واملعاصر‪.‬‬
‫في مغرب ما قبل الحماية‪ ،‬لم يلن املخزن املغر يتوفر على مشروع تنموي‬
‫ملتوب أو معلن شكل واضح وصريح‪ ،‬بل كان تدبير ا يالة الشريفة (املغرب)‬
‫يتم عبر مشاورات مركزية‪ ،‬مغلقة في الغال ‪ ،‬بين السلطان ومعاونيه (ملشاورية)‪،‬‬
‫وال يتم ذلي التشاور إال في عض القضايا الحساسة‪ ،‬منها ما يرتبط بالجان‬
‫األم ي في العالقة مع عض القبائل املتمردة‪ ،‬أو تدبير عض العالقات‬
‫االقتصادية والتبادالت مع الخارج‪ ،‬أو قضايا الحرب والسلم مع الجوار‪ .‬أما ما‬

‫‪18‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫يرتبط بتدبير القضايا االجتماعية‪ ،‬فكان ذلي من صميم مهام مؤسسة‬


‫"اجماعة" التقليدية التي يتم انتدابها ل لي من قبل الساكنة املحلية (القبيلة)‪.‬‬
‫غير أن االستعمار أوقف أشكال التدبير االجتماعي التاريخية و عض التراتبيات‬
‫املحلية‪ ،‬وشرع في إنتاج "نموذج تنموي" خا ‪ ،‬ينهل من التصورات الغربية‬
‫والطموحات االستعمارية‪ ،‬وبالتالي توسع الفوارق املجالية واالجتماعية‪،‬‬
‫واختل موازين االقتصاد املغر ‪ ،‬ال ي أصبح مطبوعا بميسم ه ه الفوارق‬
‫ملصلحة كبار املستثمرين واملجاالت الترابية للمغرب النافع‪ ،‬وبق النموذج‬
‫التنموي االستعماري يدور حول مركزية إحداث الثروة والبحث عن املزيد من‬
‫املوارد املنتجة‪.‬‬
‫استخرج فرنسا أثمن موارد التراب املغر ‪ ،‬من فوسفاط وذه وغيره‪،‬‬
‫واستغل باقي املوارد املتاحة‪ ،‬من ماء وتربة وغابة وإيكولوجيا متفردة‪ ،‬أ شع‬
‫استغالل‪ ،‬بينما بق نصي املواطن املغر من ه ه الثروة هزيال إن لم نقل‬
‫منعدما‪ ،‬ألن ريع ه ه الثروة كان يمر عبر قنوات شديدة ا حكام ملصلحة املعمر‬
‫داخليا وخارجيا؛ استفادت فرنسا الدولة من ه ا الريع‪ ،‬واستفادت الحماية‬
‫وأطرها الرسمية ك لي‪ ،‬واستفاد لو املعمرين األجان في املغرب‪ ،‬كما استفاد‬
‫املغاربة املحافظون على املصالح الفرنسية في املغرب‪ ،‬وتم ب لي ربط االقتصاد‬
‫الوط ي بموقعه في مر ع تقسيم العمل الدولي‪.‬‬
‫عد االستقالل‪ ،‬ورث ا دارة املغربية ه ه التناقضات االجتماعية‪-‬السياسية‪،‬‬
‫وورث معها بنيات اجتماعية ونفسية وعقليات مركبة ومزيجة‪ ،‬كما ورث‬
‫سلطوية مصاغة على املقاس االستعماري‪ .‬ورغم ه ه التحديات‪ ،‬حاول ا دارة‬
‫املغربية جهدها‪ ،‬بتوافق مجتمعي أولي ‪ -‬لألسف كان ضعيفا ومفلكا ‪ -‬ورفع‬
‫التحدي التنموي‪ ،‬مستعينة ببعض األطر املغربية قليلة التجربة‪ ،‬وأطرا أجنبية‬
‫فرضتها مال سات اتفاق الحماية‪ .‬وقد التزم ا دارة آن اك نموذج املخططات‬
‫قصيرة املدى لعدة اعتبارات؛ منها غياب الشروط املوضوعة لتفلير استراتيجي‬
‫تحرري‪ ،‬واختالف آراء وتصورات عض مكونات الحركة الوطنية‪ ،‬وضغط إدارة‬
‫‪19‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الحماية السابقة من خالل جيوبها و عض عمالئها املندسين أو املفروضين على‬


‫ا دارة املغربية الفتية‪.‬‬
‫كان متوقعا أن يتوق البرنامج الوط ي فجر االستقالل إلى التحرر من التبعية‪ ،‬ألن‬
‫مشروع االستقالل وأجواءه ال تزال تغط سماء املغرب وتسيطر على الوعي‬
‫الجمعي في ه ه الفترة‪ ،‬ولم يلن متوقعا أن ستهدف املخطط الخماس ي‬
‫‪ 1964/1960‬غير إعادة بنية املنظومة ا صالحية‪-‬التنموية لتعبر عن الوطنية في‬
‫بنيتها وأهدافها‪ ،‬ومنها إنجاز مشروع سوسيو‪-‬اقتصادي يرفع الحيف عن عموم‬
‫املغاربة‪ ،‬وخاصة الضعفاء منهم‪ ،‬وتحقيق اقتصاد اللفاف من الغ اء والشغل‬
‫وسائر الخدمات االجتماعية‪ ،‬واالهتمام بالطبقات الفقيرة‪ ،‬خاصة في العالم‬
‫القروي‪ ،‬ال ي يمثل غالبية سكان املغرب (برنامج ا نعاش الوط ي لتشغيل‬
‫الساكنة النشيطة في العالم القروي سنة ‪ 1961‬نموذجا)‪.‬‬
‫ومن أمثلة ه ه املحاوالت ما قام به حكومة عبد هللا إبراهيم من رسم خارطة‬
‫طريق لتقليص الفوارق بين القرى والهوامش مقابل املدن والحد من تنام‬
‫األحياء الصفيحية والهامشية‪ ،‬التي تمثل أحزمة فقر وبطالة حقيقيتين تحاصر‬
‫املدن وتهدد أمنها واستقرارها‪ .‬غير أن توجهات النخبة (املجلس األعلى للتخطيط‬
‫على الخصو ) لم تلن لتتوافق حول توجهات املخطط الخماس ي األول‬
‫لالستقالل‪ ،‬سواء من حيث املدة الزمنية أو التوجهات االقتصادية اللبرى للبلد‬
‫أو من حيث ضمان عض املصالح الخفية‪ ،‬مما عجل بإقالة حكومة عبد هللا‬
‫إبراهيم وتجميد املخطط‪ ،‬وعين حكومة بديلة‪ ،‬ودخل املغرب في مشاريع وبرامج‬
‫جديدة عبرت عن عضها السياسات العمومية للمخطط الثالث املوالي‪.‬‬
‫و عد املحاوالت األولى‪ ،‬وتحقيق عض امللتسبات االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫راهن املخطط الثالث ‪ 1967/1965‬على إدماج املستثمرين الخوا لتحفيز‬
‫االقتصاد الوط ي الناش ئ‪ .‬للن التحوالت التي بدأت تشهدها الحواضر املغربية‬
‫على الخصو ‪ ،‬جعل جل الجهود تتجه في اتجاه ت هيل املدن‪ ،‬أما في القرى‬

‫‪20‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫واملجاالت النائية والهامشية‪ ،‬فقد عمل الدولة على تطوير آليات وأدوات‬
‫االستغالل الفالحي وتحديث عض وسائل ا نتاج‪.‬‬
‫ويعتبر ه ا املخطط مفصليا في تاريخ التجربة التنموية املغربية‪ ،‬ألنه خالل ه ه‬
‫الفترة بدأت تظهر بوادر نشوء اقتصاد شبه ليبرالي‪ ،‬يهتم باملشاريع االقتصادية‬
‫اللبرى‪ ،‬في حين يتم التفلير في تنمية املجاالت والطبقات الوسط والضعيفة من‬
‫خالل إعادة استثمار الثروة التي يتم جلبها من القطاعات املاكرواقتصادية‬
‫واالستثمارات اللبرى‪ ،‬ولعل نهاية ه ا املخطط عرف اقتراب ساعة الحسم في‬
‫تب ي األوراش اللبرى الداعمة للقيمة املضافة‪ ،‬وب لي خاض الدولة توجها‬
‫استثماريا واضحا‪ :‬إصدار ميثاق االستثمار (‪ )1969‬وإطالق سياسة السدود‬
‫واألوراش اللبرى املساهمة‪ ،‬شكل مباشر‪ ،‬في الناتج الداخلي الخام‪.‬‬
‫ساهم سياسة االستثمارات اللبرى (سياسة السدود نموذجا)‪ ،‬التي تم إطالقها‬
‫منتصف ونهاية الستينات‪ ،‬في إحراز مردودية اقتصادية مقبولة‪ ،‬استفاد منها‬
‫االقتصاد الوط ي‪ ،‬وباألخص دوائر االستثمار الخا ‪ ،‬للن املجاالت الهامشية‬
‫لم تعرف نموا موازيا‪ ،‬دليل ذلي عدم توازن النمو االقتصادي واالجتماعي بين‬
‫مداخل ومخارج دورة االقتصاد املغر ‪ ،‬وغياب التوافق بين حجم الثروة ونصي‬
‫املواطن منها‪.‬‬
‫وإذا كان عض الدراسات النقدية تحصر سلبيات توجه االستثمار اللبير في‬
‫تلريس الفوارق املجالية واالجتماعية‪ ،‬فإن هناك فوارقا أخرى ال تقل أهمية‪،‬‬
‫ساهم فيها سياسة االستثمارات اللبرى‪ ،‬فبمجرد إطالق مشروع من املشاريع‬
‫االستثمارية اللبرى‪ ،‬فهو بمثابة تدشين بؤرة جديدة لبعض أوجه الريع وإطالق‬
‫صفارة السباق املحموم نحو انتهاز فرصة االغتناء الخا على حساب املقومات‬
‫االقتصادية للدولة‪ ،‬وبالتالي تبق الطبقات الهشة والفقيرة في قاعة انتظار‬
‫واسعة ترقبا ملساهمة ضعيفة متوقعة من القطاع الخا في تسديد تكاليف‬
‫التنمية‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كان لسنة ‪ 1967‬وقعها الخا على انفتاح شهية القرار املغر على املزيد من‬
‫االستثمارات الخارجية‪ ،‬فقد ارتفع الناتج الداخلي الخام بنسبة ‪ %07‬نتيجة‬
‫املساهمة اللبيرة للفالحة املغربية ال ي ارتفع بنسبة ‪ %12‬خالل مواسم فالحية‬
‫متوالية‪ .‬وتبعا له ه املعطيات املشجعة‪ ،‬عمل الدولة على سن قوانين‬
‫االستثمار‪ ،‬وبالتالي جسد املخطط الثالث ‪ 1972/1968‬تتويجا للمبادرات التي‬
‫تم التفلير فيها خالل املخطط السابق‪ ،‬حيث تم إطالق أهم املشاريع اللبرى‪ ،‬وتم‬
‫االهتمام بالفالحة التصديرية‪ ،‬وعمل املخطط على تطوير انطالقة القطاع‬
‫الصناعي‪ .‬وأمام تحدي النمو الديمغرافي وتزايد نسبة الفئات النشيطة‪ ،‬حاول‬
‫املخطط إحداث ‪ 123‬مليون يوم عمل خالل ه ا املخطط (ا نعاش الوط ي) في‬
‫عض القطاعات مثل الفالحة والتجهيز والنقل‪.1‬‬
‫عد ذلي راهن الدولة على جعل املخطط الخماس ي ‪ ،21977/1973‬نقلة‬
‫اقتصادية نوعية‪ ،‬وإحدى ركائز التخطيط لإلقالع االقتصادي من أجل االكتفاء‬
‫ال ات ‪ .3‬لقد تركزت أهداف ه ا املخطط رسميا في التنمية االقتصادية‬
‫واالجتماعية التي كان البني الدولي يدفع في تجاهها‪ ،‬وخاصة تسريع النمو‬
‫االقتصادي والعمل على تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية‪.4‬‬

‫‪1- Plan quinquennal 1968/1972, Vol. 2, p173.‬‬

‫‪ -2‬رغم التحديات التي رفعها‪ ،‬عتبر مخططا مفصليا بحيث إن نتائجه السلبية وما واكبها من‬
‫تغيرات داخلية وخارجية أرغم املغرب على تحويل توجهاته االقتصادية في اتجاه التقويم‬
‫الهيللي نهاية الثمانينيات‪ .‬أنظر تفاصيل املخطط املكون من ‪ 3‬أجزاء‪ :‬آفاق عامة للتنمية‬
‫(‪ ،) 190‬التنمية القطاعية (‪ ،) 830‬التنمية املجالية (‪.) 258‬‬
‫‪ -3‬من جملة ا جراءات القانونية التي استفاد منها املشروع‪ ،‬إصدار هير رقم ‪ 1-69-25‬في‬
‫‪ 10‬جمادى األولى ‪ 25( 1389‬يوليوز ‪ )1969‬بمثابة ميثاق لالستثمارات الفالحية‪.‬‬
‫‪ -4‬لم يتحقق من ذلي ش يء‪ ،‬حيث وصل معدل النمو نهاية املخطط (‪ )1977‬ذروة االنحطاط‬
‫ب ‪.%0,8‬‬
‫‪22‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وأمام ضغط العديد من ا كراهات السوسيو‪-‬اقتصادية‪ ،‬وجد املخطط‬


‫الخماس ي ‪ 1977/1973‬نفسه أمام تحديات جمة نتيجة إخفاقات عدد كبير من‬
‫أوراش املخططات السابقة‪ ،‬مما جعل البعض عتبره مخططا سياسيا لتصحيح‬
‫االستراتيجيات (الالمركزية‪ ،‬األولوية الصناعية‪ ،‬ا صالح الضريبي)‪ .‬وقد حاول‬
‫برامج ه ا املخطط جهدها لتدارك األخطاء وإعادة االعتبار للجان االجتماعي‪،‬‬
‫إال أن السياقات االقتصادية الدولية أثرت على أهم ركائز االقتصاد الوط ي‬
‫املتمثل في صادرات الفوسفاط (انخفاض الطل على الفوسفاط مقابل ارتفاع‬
‫أسعار النفط)‪ ،‬وزاد من حدة الت ثير ارتفاع تكاليف البناء وا عداد في الحواضر‬
‫الناشئة‪ ،‬ينضاف إليها ا رهاق املالي اللبير ال ي عرفته ميزانيات الدولة عادة‬
‫تشليل وتهيئة املناطق املسترجعة وتجهيز اآلالف من املشاركين في املسيرة‬
‫الخضراء (‪ 350.000‬مواطن)‪.‬‬
‫وقد تميز ه ا املخطط بطموحه اللبير في استدراك ا خفاق في توزيع األراض ي‬
‫املسترجعة من االستعمار الخا ‪ ،‬التي كان تمثل صل املشروع الوط ي‬
‫آن اك‪ ،‬وبالتالي راهن على توزيع ‪ 400.000‬هلتار في رف خمس سنوات‬
‫املخصصة له‪ ،‬غير أن ه ا الطموح لم يلن كافيا ملواجهة واقع الهشاشة في‬
‫الفالحة املعيشية‪ ،‬ألن األراض ي املوزعة التي كان يراهن عليها املخطط موجهة إلى‬
‫حوالي ‪ 40.000‬أسرة قروية تقريبا‪ ،‬في حين أن عدد العائالت املحتاجة يقدر بما‬
‫يزيد عن مليون أسرة‪ ،‬مما ع ي أن نسبة العائالت املستهدفة من بين املجتمع‬
‫القروي املغر لن تتجاوز ‪ %04‬في أحسن األحوال‪.‬‬
‫ولم ستطع املخطط إحراز الرهانات التي وضع له‪ ،‬فقد تراجع معدل النمو في‬
‫نهاية ه ه الفترة (‪ )1977‬ولم يتجاوز ‪ %0,8‬مقابل ‪ %9,8‬سنة ‪ ،1976‬كما أن‬
‫مساهمة الفالحة‪ ،‬باعتبارها قطاعا أوال في الناتج الداخلي‪ ،‬تراجع بحوالي‬
‫خمس نقط (من ‪ %25,1‬إلى ‪ ،)%20,4‬أما الدين العام فقد فاق نصف الناتج‬
‫الداخلي الخام سنة ‪ ،1977‬للن حافظ ا نتاج ا جمالي على نسبة نمو مهمة‬
‫قدرت ب ‪.%6,8‬‬
‫‪23‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أما املخطط الثالث ‪ 1980/1978‬فقد كان طموحا كسابقيه‪ ،‬وأعلن عن هدفين‬


‫مركزيين‪ :1‬تعزيز امللتسبات في امليدانين السياس ي واالقتصادي‪ ،‬ومواصلة‬
‫األعمال االجتماعية في إطار توزيع أكثر عدالة لثمرات التوسع‪.2‬‬
‫للنه لم يلن أكثر حظا من سابقيه‪ ،‬لكونه عان من تبعات املخططات‬
‫السابقة‪ ،‬كما عرف امليزانية تقهقرا واضحا نتيجة حدة الجفاف ال ي أثر‬
‫شكل واضح على ا نتاج الفالحي (القطاع األول للدخل)‪ .‬وتحمل ه ا املخطط‬
‫التبعات املالية لجل املشاريع التي طالها ا خفاق‪ ،‬خاصة في املجال االجتماعي‬
‫ال ي اتضح جليا أنه مشروع استراتيجي يتطل سنوات‪ ،3‬ألن سياسة توزيع‬
‫ثمرات التوسع االقتصادي‪ ،‬كما عبر عنها الخطاب الرسمي‪" ،‬تعتبر هدفا طويل‬
‫املدى‪ ،‬يج املثابرة على تحقيقه خالل السنوات القادمة"‪ .4‬وقد دشن ه ا‬
‫املخطط مرحلة تراجع نسبة نمو الناتج الداخلي إلى ‪ ،)4,1%( %04‬وهي النسبة‬
‫التي تجمدت لسنوات‪ ،‬بل أصبح حلما في عض الفترات فيما عد رغم‬
‫الجهود املتواصلة‪.‬‬
‫لم تستطع املخططات قصيرة املدى‪ ،‬خالل مرحلة ما قبل التقويم الهيللي‪،‬‬
‫تحقيق ا قالع التنموي في شقه االجتماعي‪ ،‬وتعثر ا قالع االقتصادي ك لي‪،‬‬
‫وتراجع نس النمو مخططا عد آخر‪ ،‬ومن بين ا كراهات القوية التي أثرت‬
‫على وتيرة الدورة السوسيو‪-‬اقتصادية ضغط املشاريع واألوراش اللبرى التي‬

‫‪ - 1‬مخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية ‪ ،1980/1978‬ج‪" 1‬التوجهات واآلفاق العامة‬


‫والجهوية للتنمية"‪.111 ،‬‬
‫الحظ كيف أن مشروع عدالة التوزيع ال يزال مرفوعا من ‪( 1978‬أر عة عقود من تلرار‬ ‫‪ِ -2‬‬
‫الشعار)‪ ،‬وه ه إحدى معضالت التنمية في املغرب‪.‬‬
‫‪ - 3‬إنها نفس املشاريع التي يتم ا عالن عنها إلى اآلن (‪ )2021‬مع حكومة عزيز أخنوش‪ ،‬وهو ما‬
‫عزز فرضية االنطالق في ه ا اللتاب‪.‬‬
‫‪ - 4‬عرض الوزير األول أمام املجلس األعلى لإلنعاش الوط ي والتخطيط خالل الجلسة‬
‫االفتتاحية‪ ،‬الرباط‪ 30 ،‬أكتوبر‪ 02-‬نونبر ‪.1978‬‬
‫‪24‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫تبناها املغرب (املزيد من الخوصصة وفسح املجال لالستثمارات الخارجية اللبرى‬
‫على حساب دعم املقاوالت الصغرى ومعيشة الطبقات الوسط والفقيرة)‪،‬‬
‫فمعظم التدخالت في املجاالت القروية مثال كان تنفي ا عمليا واستجابة‬
‫ميدانية للمبادئ العامة التي تم إعالنها بمناسبة إطالق سياسة السدود‪ ،‬مما‬
‫جعل املخططات الثالثية والخماسية من بداية الستينيات تخصص ما بين ‪30‬‬
‫و ‪ %50‬من ميزانيات التجهيز للمساهمة في استلمال مشاريع ه ه السياسة‪.‬‬
‫أما من حيث كفاءة ا نجاز‪ ،‬فإن سياسة املخططات القصيرة ه ه الق انتقادا‬
‫واضحا من قبل خبراء املنظمات الدولية‪ ،‬سواء من حيث كفاءة الجهات املكلفة‬
‫بإعداد املخططات (الوزارة األولى‪ ،‬مديرية التخطيط)‪ ،‬أو من حيث استعمال‬
‫عض املفاهيم غير املوحدة على مستوى األجهزة واملؤسسات الحكومية‪ .‬وقد تم‬
‫االعتراف رسميا ب ن التخطيط قصير املدى غير كاف ملواجهة التخلف وتحديات‬
‫الالمساواة املكانية (توزيع اللثافة السكانية وتوزيع األنشطة االقتصادية)‬
‫الحاصلة في املجاالت املغربية‪.1‬‬
‫إال أنه ال يملن نلران ما حققه التخطيط قصير املدى‪ ،‬خاصة في املحافظة على‬
‫القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والهشة‪ ،‬لكونه يملن من تدارك الهفوات ويزيد‬
‫من فرصة التدخل الفوري وسرعة هور النتائج‪ ،‬إال أن ذلي كان ستلزم وجود‬
‫مشروع مجتمعي تعاقدي ومشترك‪ ،‬واستراتيجية واضحة تنتظم في نسقها‬
‫املخططات والبرامج‪.‬‬
‫‪ -2-2‬مغرب التقويم الهيكلي‪ ،‬ماض معلن وحاضرمسكوت عنه‪.‬‬
‫دخل املغرب في أزمة‬
‫تظافرت العديد من األسباب مع بداية عقد الثمانينيات لت ِ‬
‫اقتصادية خانقة‪ ،‬ترتب عنها أزمات اجتماعية ال تقل أهمية‪ ،‬إلى أن غدت ه ه‬
‫املرحلة مثاال سيئا للسياسات العمومية‪ ،‬وخيبة أمل اجتماعية حقيقية‪ ،‬مما‬

‫‪ -1‬انظر تصريحات من ه ا القبيل في مخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية ‪،80/1978‬‬


‫ج‪" 1‬التوجهات واآلفاق العامة والجهوية للتنمية"‪.187 ،‬‬
‫‪25‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يؤكد أن هناك مبررات عدة لتناول ه ه الفترة من تاريخ املغرب‪ ،‬واعتبارها مرحلة‬
‫لها خصوصياتها في تناول سيرورة النماذج التنموية‪.‬‬
‫وهناك مبرر آخر‪ ،‬وجيه وله راهنيته‪ ،‬السترجاع ه ه الفترة املظلمة من التنمية‪،‬‬
‫يتمثل في أن األوضاع العامة الحالية‪ ،‬وخاصة السوسيواقتصادية منها‪ ،‬تكاد‬
‫تكون مماثلة ألوضاع مرحلة التقويم الهيللي؛ فرغم محاوالت الخطاب الرسمي‪،‬‬
‫من بداية العهد الجديد‪ ،‬إبراز قطيعة السياسات العمومية الحالية مع سياسة‬
‫التقويم الهيللي‪ ،‬إال أن بصمات ه ه السياسة ال تزال واضحة في العديد من‬
‫األوراش واملشاريع التنموية‪ ،‬وخاصة االستمرار في تراجع القدرة الشرائية لجل‬
‫الشرائح االجتماعية املغربية جراء انسحاب الدولة من دعم عض املواد‬
‫والخدمات األساسية مما أدى إلى ارتفاع تكاليفها‪ ،‬ولعل القادم أسوأ مع عزم‬
‫الدولة على تجاوز سياسات املقاصة وإنهاء دعم جملة من املواد والسلع‬
‫والخدمات‪ ،‬وربط االقتصاد الوط ي بتقلبات السوق الدولية التي تتخ ها الدولة‬
‫ذريعة لرفع أسعار العديد من املواد األساسية‪.‬‬
‫مع نهاية عقد السبعينيات وجد املغرب نفسه مثقال بالديون‪ ،1‬التي انتقل من‬
‫‪ 6.203‬مليون درهم سنة ‪ 1977‬إلى ‪ 8.826‬مليون درهم سنة ‪ ،1983‬فاضطر إلى‬
‫إعادة النظر في توازن ميزانه التجاري وميزان األداءات لالستفادة من إعادة‬
‫جدولة الديون املستحقة عليه من قبل املؤسسات املانحة‪ ،‬وهو ما أدى عمليا إلى‬
‫الرفع من االدخار العموم ‪ ،‬حيث وصل ه ا األخير سنة ‪ 1990‬ما يفوق ‪ 4,3‬مليار‬
‫درهم‪ ،‬مما ملن ميزانية الدولة من تمويل ‪ % 40‬من حجم االستثمارات‪.‬‬
‫إن الوقوف مع مثل ه ه التوجهات التنموية يدعونا إلى الت مل في الصيغ املعتمدة‬
‫لتوازن دورة االقتصاد‪ ،‬واملتمثلة في الرجوع إلى خفض تكاليف املشاريع والبرامج‬
‫االجتماعية مع الزيادة في حجم وأوعية الضرائ ‪ .‬فإذا كنا نتفق على ضرورة‬

‫‪ - 1‬راجع ما تم تناوله خالل الفقرة السابقة‪ ،‬الخاصة باملخططات التنموية قصيرة املدى‪،‬‬
‫وخاصة املخطط الخماس ي ‪.1977/1973‬‬
‫‪26‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الجباية لخدمة التنمية‪ ،‬فإن مشروع العدالة االجتماعية ال ي عتبر املخرج‬


‫األخير للعملية التنموية لن يت ت إال في سياق عدالة ضريبية منصفة لجميع‬
‫املغاربة‪ ،‬فال عقل أن يتم توسيع تكاليف الضرائ على كاهل الطبقات الوسط‬
‫والفقيرة‪ ،‬في حين يتم إعفاء كبار املستثمرين‪ ،1‬وجمهور السياسيين والعديد من‬
‫أعضاء مؤسسات الوساطة‪ ،‬و عض الفاعلين الترابيين و عض مسؤولي األحزاب‬
‫السياسية وأطرها وغيرهم من املواطنين املحظو ين‪ .‬ألن النتيجة الحتمية ل لي‬
‫هو تحمل الفقراء وتزايد مساهمتهم في توازن االقتصاد ليكون في خدمة‬
‫املستثمرين اللبار‪ ،‬مما يترت عنه عمليا تزايد املديونية لت هيل االقتصاد مقابل‬
‫توسع دوائر الفقر والهشاشة والعجز عن تسديد تكاليف الحياة‪.‬‬
‫ولعل عض نتائج سياسة التقويم الهيللي تغنينا عن كل نقاش ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬ضبط النفقات العمومية‪ ،‬والتخلي التدريجي عن دعم القطاعات‬
‫االجتماعية غير املنتجة اقتصاديا وماليا‪ ،‬حيث تراجع حجم ا نفاق على‬
‫الفرد الواحد في قطاع التعليم مثال ما بين سنتي ‪ 1983‬و‪ 1989‬ب ‪،%11‬‬
‫وفي قطاع الصحة تراجع ب ‪ %08‬بين سنتي ‪ 1982‬و‪1986‬؛‬
‫‪ ‬تخفيف برامج التو يف من ‪ 28.500‬و يفة محدثة لتلبية حاجيات‬
‫التعليم والدفاع على الخصو خالل املخطط ‪ 1980/1978‬عوض‬
‫‪ 47.000‬و يفة محدثة خالل الفترة ‪.1978/1975‬‬
‫‪ ‬إخضاع األسعار لتقلبات السوق (اعتماد مقاربة األسعار الحقيقية)‪ ،2‬مما‬
‫رفع شكل مباشر أسعار العديد من املواد والخدمات؛‬

‫‪ - 1‬يملن أن ن كر هنا واقع التضري الفالحي‪ ،‬وا عفاء الكامل من الضريبة ملدة تفوق ‪30‬‬
‫سنة‪ ،‬وبق الوضع على ما هو عليه إلى حدود سنة ‪ 2014‬حيث أقر قانون املالية ‪2014‬‬
‫إخضاع االستغالليات الفالحية للضريبة بالتدرج بين سنتي ‪ 2014‬و‪ ،2018‬للن النتائج‬
‫أضعف من أن ت كر‪ ،‬فما بالي بالحديث عن مساهمتها في ا قالع التنموي‪.‬‬
‫‪ - 2‬مثال في سنة ‪( 1983‬سنة تطبيق البرنامج) تم خفض الغالف املالي املخصص لصندوق‬
‫املوازنة من مليارين إلى أقل من مليار ونصف (‪ 1,4‬مليار)‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬خفض املبالغ املخصصة لالستثمارات العمومية‪ ،‬مقابل تشجيع‬


‫االستثمارات الخاصة بتقديم االمتيازات املالية والجبائية املحفزة؛‬
‫‪ ‬تحرير التجارة الخارجية‪ ،‬وخوصصة العديد من املرافق العمومية‬
‫(املرافق االجتماعية)؛‬
‫‪ ‬خفض مناص الشغل‪1‬؛‬
‫وإذا كان ه ه أهم نتائج سياسة التقويم الهيللي في نسختها السابقة‪ ،‬وهي‬
‫في عمومها تملص من األعباء االجتماعية للتنمية‪ ،‬وتشجيع الخوصصة‬
‫واالستثمار الرأسمالي الخا ‪ .‬أفال يصح أن نسمي ما يحدث من تخلي‬
‫الدولة اآلن عن تسديد كلفة التنمية االجتماعية بنسخة جديدة من‬
‫التقويم الهيللي؟ خاصة وأننا نتا ع استمرار العديد من ا جراءات‬
‫الشبيهة بما تم ذكره من قبيل‪:‬‬
‫‪ ‬ارتفاع الدين الخارجي للمغرب بداية ‪ 2017‬إلى ‪ 142,8‬مليار درهم‪ ،‬تمثل‬
‫ديون املؤسسات الدولية منها ‪2%45,9‬؛‬
‫‪ ‬استمرار التهرب الضريبي لجل املستثمرين اللبار والعديد من املسؤولين؛‬
‫‪ ‬تراجع صندوق املوازنة عن دعم العديد من السلع واملواد؛‬
‫‪ ‬استمرار التمييز في االستفادة من الثروة‪ :‬احتكار عملية االستثمار في عض‬
‫القطاعات من قبل شركات ومستثمرين مقربين؛‬
‫‪ ‬استمرار غالء عض املنتوجات املغربية املصدرة مقارنة مع أثمنتها في‬
‫بلدان االستقبال؛‬

‫‪ - 1‬راجع الدولة ميزانية سنة ‪ 1983‬رغم الشروع في تنفي ها شهر يوليوز‪ ،‬ومن بين‬
‫املراجعات‪ ،‬إلغاء ‪ 1.900‬منص شغل من أصل ‪ 4.400‬املقررة برسم ميزانية ه ه السنة‪.‬‬
‫‪ - 2‬تم التركيز على املؤسسات الدولية ألنها تفرض رزنامة من ا صالحات االقتصادية‬
‫واالجتماعية مقابل تملين الدول املدينة من االستفادة‪.‬‬
‫‪28‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -3-2‬مغرب "العهد الجديد"‪ ،‬خصوصيات "التنمية البشرية" ومبادرة‬


‫املشروع البديل ملاض ي االنتهاكات‪.‬‬
‫يتم التصريح رسميا أن املخططات قصيرة املدى راكم إكراهات اقتصادية‬
‫واجتماعية كبيرة‪ ،‬إال أن سياسة التقويم الهيللي أت على البقية الباقية من‬
‫املقومات االجتماعية للطبقات املتوسطة والفقيرة‪ ،‬فتحول املنظمات الدولية‬
‫‪1‬‬
‫موجه ومح ِ ر‬
‫املانحة واملوجهة‪ ،‬ذات املسؤولية غير املباشرة على األوضاع ‪ ،‬إلى ِ‬
‫من النتائج السلبية التي تهدد االستقرار املغر وتدفعه إلى السلتة القلبية كما‬
‫قيل‪.‬‬
‫وقد كان النظام السياس ي واعيا بتحديات األزمة عندما اكتشف أن املعضلة‬
‫االجتماعية وثقل الواقع ال يملن حله إال في روف ِسلم اجتماعي وسياس ي‬
‫لتفادي حسابات الهامش‪ ،‬وبالتالي كان الفرصة سانحة دماج املعارضة‬
‫اليسارية في جهود تنفيد توصيات املنتظم الدولي بااللتفات إلى الوضع االجتماعي‬
‫املزري‪ ،‬ل لي نالحظ توسع هوامش مشاريع التنمية االجتماعية خالل فترة‬
‫حكومة التناوب‪ ،‬وإطالق العديد من املشاريع االجتماعية عادة االعتبار‬
‫للطبقات الفقيرة واملتوسطة (سياسة إعداد التراب الوط ي‪ ،‬ومشاريع تقليص‬
‫الفوارق‪ ،‬واستراتيجية ‪ 2020‬للتنمية القروية)‪.‬‬
‫للن الوقائع أثبت أن ه ه املرحلة كان ابتسامة أمل راحل وفرصة غير حقيقية‬
‫لالنتقال‪ ،‬سرعان ما تم تجاوزها‪ ،‬والتحول من الحديث عن مفهوم "االنتقال" إلى‬
‫الحمالت ا عالمية الصاخبة للترويج ملغرب "التنمية البشرية" و"العهد الجديد"‪.‬‬
‫يتزامن تداول مصطلح العهد الجديد مع فترة اعتالء امللي محمد السادس‬
‫العرش‪ ،‬وقد كان السلطة في املغرب واعية بضرورة استثمار ه ا املفهوم‪،‬‬
‫وأهمية اعتماده لالنتقال إلى مرحلة جديدة‪ ،‬ينص الطموح الرسمي فيها على‬

‫‪ - 1‬ه ه املنظمات هي التي اقترح ‪ ،‬بل وجه املغرب إلى سياسة التقويم الهيللي في حينه‪،‬‬
‫واعتبرت ه ه ا جراءات حال للرفع من مداخيل االقتصاد املغر ‪ ،‬وسبيال واضحا وسريعا‬
‫نتاج الثروة (التخلص من األعباء االجتماعية ودعم االستثمار اللبير والقطاع الخا )‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إحداث االنتقاالت الضرورية‪ ،‬والقطع مع املمارسات والسلوكات السلطوية‬


‫السابقة التي ال يملن أن ينلرها متتبع لتاريخ املغرب املعاصر‪.‬‬
‫فما هي خصوصيات املشروع التنموي العام للعهد الجديد؟‬
‫عد خطاب ‪ 06‬يناير ‪ 2006‬خطابا مفصليا لفهم استراتيجية العهد الجديد‬
‫ومرتلزات النماذج التنموية املستقبلية‪ ،‬وموقعها من استراتيجيات الحلم‪ ،‬في‬
‫ل مشروع الوحدة والديمقراطية والتنمية‪ ،‬كما عبرت عن ذلي جل الخطابات‬
‫املللية خالل ه ه الفترة‪ .‬ويلتس ي الخطاب أهميته من العديد من الرسائل‬
‫والقضايا التي أثارها‪ ،‬أو تلي التي طرحها كمشروع للتنمية واستلمال البناء‪.‬‬
‫فمن حيث السياق‪ ،‬شكل الخطاب تتويجا لعمل لجنتين أو هي تين (لجنة تقرير‬
‫الخمسينية‪ ،‬وهي ة ا نصاف واملصالحة)‪ ،‬ما يؤكد الرهان الرسمي على مخرجات‬
‫عمل هاتين اللجنتين لتحديد معالم النموذج التنموي املطلوب‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫ت كيد عض أعضاء اللجنتين على استقالليتهما‪ ،‬فإن الخطاب امللك ‪ ،‬وقبله‬
‫حيثيات وشكليات تعيين اللجنتين‪ ،‬يؤكد التب ي الرسمي ألعمالهما ومخرجاتهما‪.‬‬
‫أما من حيث التوقي ‪ ،‬فيعد الخطاب إعالن تتويج مجهودات لجنتين خاصتين‪،‬‬
‫ثم تعيينهما لغرض واحد؛ وهو تقييم املرحلة السابقة (خمسين سنة من‬
‫االستقالل)‪ ،‬واستشراف املستقبل‪ ،‬وه ا التوقي يجسد فعليا لحظة إعالن‬
‫نوايا السلطة لخصائص ومميزات املشروع التنموي املقبل‪ ،‬ال ي يتبين‪ ،‬من‬
‫خالل الربط بين تقريري اللجنتين‪ ،‬أنه يرتلز على دعامتين أساسيتين؛ دعامة‬
‫تخط ماض ي االنتهاكات الجسيمة لحقوق ا نسان املدنية والسياسية‪ ،‬ودعامة‬
‫تخط ماض ي انتهاكات حقوق ا نسان االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وبالتالي فالجمع‬
‫بين الدعامتين يبين اعتماد النموذج التنموي في ه ه النسخة على توليفة مهمة‬
‫ملشروع التنمية‪ ،‬تدمج ما هو اقتصادي واجتماعي بما هو سياس ي وحقوقي‪.‬‬
‫أما من حيث املضمون‪ ،‬فيحدد الخطاب خصوصيات ا صالح والتنمية ال ي‬
‫يتبناه املغرب خالل الخمسين سنة املقبلة (‪ ،)2056 -2006‬وا طار العام لكل‬

‫‪30‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ذلي وهو "إطار التغيير داخل االستمرارية"‪ .‬كما ال يملن به ا الصدد‪ ،‬إغفال‬
‫عض املقتطفات التي تصف املشروع التنموي وتحدد مراحله‪ ،‬ومنها تحديد‬
‫أهمية ا نصاف واملصالحة لالنتقال إلى زمن التنمية البشرية‪.‬‬
‫توضح مضامين الخطاب أن املشروع التنموي في شقه االجتماعي واالقتصادي‪،‬‬
‫ال ي سيكون محور العملية التنموية‪ ،‬ال يملن خوضه دون حلحلة امللفات‬
‫الثقيلة للحقوق السياسية واالنتهاكات الجسيمة لحقوق ا نسان‪ .‬فالخطاب‬
‫علن صراحة "كف من األنانية‪ ،‬واالنطواء على ذواتنا‪ ،‬وهدر الفر الثمينة‪،‬‬
‫واستنزاف الطاقات في معارك وهمية"‪ ،‬وك ن الخطاب يدعو املعارضة القديمة‬
‫على وجه التحديد‪ ،‬أن تنظر إلى مشروع املصالحة باعتباره مشروع رد االعتبار‬
‫والترضية لالنخراط‪ ،‬وأن يكون مشروع املصالحة بمثابة قطيعة مع ماض ي‬
‫النزاع‪ ،‬ودعوة إلى االنخراط في مشروع التنمية البشرية‪ ،‬ال ي عتبر مرحلة‬
‫جديدة‪ ،‬وفق نص الخطاب‪ ،‬تقطع مع ماض ي االنتهاكات‪ ،‬وتفتح صفحة مستقبل‬
‫التنمية وا صالح‪ ،‬وفي ذلي يقول الخطاب‪" :‬وإنه لصفح جماعي‪ ،‬من ش نه أن‬
‫شكل دعامة لإلصالح املؤسس ي‪ ،‬إصالح عميق يجعل بالدنا تتحرر من شوائ‬
‫ماض ي الحقوق السياسية واملدنية‪ ،‬وب لي نعبد الطريق املستقبلي‪ ،‬أمام‬
‫الخمسين الثانية لالستقالل‪ ،‬لتركيز الجهود على الورش الشاق والحاسم‪،‬‬
‫للنهوض بالحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية لكافة مواطنينا‪ ،‬وال سيما‬
‫منهم ال ين عانون معضالت الفقر واألمية والبطالة والتهميش"‪.‬‬
‫عمليا يؤسس إطالق مشاريع التنمية البشرية‪ ،‬وخاصة برامج املبادرة الوطنية‬
‫للتنمية البشرية‪ ،‬ملرحلة حسم الصراع والنزاع بخصو تمثيل إرادة الشع بين‬
‫النظام السياس ي واملعارضة السابقة‪ ،‬كما يؤسس ك لي ملرحلة انتقالية إلى ما‬
‫عد التناوب‪ ،‬بل مشروع تجاوز التناوب وانفراد ا رادة املللية بتمثيل كافة‬
‫أطياف الشع املغر ومكوناته من أحزاب ومنظمات وهيئات وغيرها‪ ،‬ولعل‬
‫إشارة تعيين ادريس جطو وزيرا أوال خلفا لعبد الرحمان اليوسف ‪ ،‬وتجاوز املسار‬
‫املعلن للتناوب من مرحلة التناوب التوافق إلى التناوب الديمقراط ال ي‬
‫‪31‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ستجي رادة صناديق االقتراع‪ ،‬وال ي لم عرف النور أبدا‪ ،‬وتزامن تقديم‬
‫تقرير الخمسينية ( يناير ‪ )2006‬مع تقديم تقرير هيئة ا نصاف واملصالحة‬
‫(العهد الجديد‪ :‬االنتقال من الحقوق السياسية واملدنية إلى الحقوق االجتماعية‬
‫وحق التملين)‪ ،‬كل ذلي يؤشر على دخول مرحلة جديدة‪ ،‬مرحلة مشاريع ا رادة‬
‫املللية ممثلة في "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية"‪ ،‬فالجميع مع ي بتوجهات‬
‫املبادرة‪ ،‬وعليه االنخراط فيها بصريح الخطاب امللك الت سيس ي له ه املرحلة‪" :‬أما‬
‫على املدى املتوسط‪ ،‬فإنه يتعين على الطبقة السياسية وهي مقبلة على‬
‫استحقاقات حزبية وانتخابية في أفق سنة ‪ ،2007‬أن تجعل في صل اهتماماتها‬
‫بلورة مشاريع ملموسة لتجسيد ه ه املبادرة‪ ،‬ألن أهدافها التنموية تشكل جوهر‬
‫االنشغاالت اليومية للشع واملحي الحقيق عادة االعتبار للعمل السياس ي"‪،1‬‬
‫أما الجماعات الترابية‪ ،‬فهي األخرى معنية بتلييف برامجها مع املبادرة‪ ،‬بحيث‬
‫إن القانون ‪ 78.00‬و ‪ 79.00‬في املادة ‪ ،36‬يدعو اللجنتين املحلية وا قليمية‬
‫املكلفتين بالتنمية االقتصادية واالجتماعية إلى مراجعة مخططيهما للتنمية‬
‫لجماعتيهما لتتوافق مع املبادرة املحلية للتنمية البشرية‪ ،‬مع العلم أن رئيس‬
‫اللجنة املكلفة بالتنمية االقتصادية واالجتماعية والثقافية عتبر عضوا في‬
‫اللجنة املحلية للمبادرة‪.‬‬
‫للن‪ ،‬هل كان متوقعا أن ينجح مشروع املبادرة بناء على تشخيص عام يملن‬
‫اختصاره في الحلم على املشاريع السابقة بانعدام االندماج وااللتقائية وتشت‬
‫جهود املتدخلين‪ ،‬والعمل على "تحقيق سياسات عمومية مندمجة ضمن عملية‬
‫متماسلة ومشروع شامل وتعبئة قوية متعددة الجبهات‪ ،‬تتكامل فيها األ عاد‬
‫السياسية واالجتماعية والثقافية والبيئية" كما جاء في مرتلزات املبادرة؟ وهل‬
‫كان متوقعا فعال إحداث ا قالع انطالقا من املشاريع والبرامج األفقية والعمودية‬
‫ملحاربة الفقر واألمية في املجال القروي‪ ،‬ومحاربة ا قصاء االجتماعي‬

‫‪ - 1‬خطاب املبادرة الوطنية (‪ 18‬ماي ‪.)2005‬‬


‫‪32‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫واالقتصادي في املجال الحضري‪ ،‬ومحاربة الهشاشة والتهميش‪ ،‬و عض البرامج‬


‫األخرى ذات الطا ع األفق (محاربة عوامل ومظاهر الخطر االجتماعي‪ ،‬وخلق‬
‫ديناميلية متجددة للتنمية البشرية‪ ،‬وتقوية الرصيد االجتماعي) في ل الظروف‬
‫السياسية واالجتماعية الراهنة وتراجع أدوار النخبة واملجتمع املدن ‪.‬‬
‫ورغم غياب العناصر األساسية للتنمية كما ذكرنا (يقظة النخبة‪ ،‬وحيوية‬
‫املجتمع‪ ،‬وضمان الحقوق والحريات)‪ ،‬ال يزال الخطاب الرسمي يراوح مكانه من‬
‫حيث األهداف اللبرى للتنمية‪ ،‬وسنرى في الفصول الالحقة أن ه ه األهداف هي‬
‫نفسها تقريبا يتم رفعها في النموذج الجديد‪.‬‬
‫تجدر ا شارة ونحن بصدد استدراك الحديث عن تحوالت النموذج التنموي‬
‫املغر ‪ ،‬أن النمو االقتصادي وحده ال يحقق تقدما تلقائيا في التنمية‪ ،‬كما أن‬
‫التنمية االجتماعية ال يملن تحقيقها بالتركيز على محاربة الفقر والهشاشة‪،‬‬
‫ف"السياسات املناصرة للفقراء‪ ،‬واالستثمارات في إمكانات األفراد‪ ،‬بالتركيز على‬
‫التعليم والتغ ية والصحة والتشغيل‪ ،‬هي التي تتيح للجميع إمكانات الحصول‬
‫على العمل الالئق وتحقيق التقدم الثاب "‪ .1‬وال مع ى للتنمية البشرية إن لم‬
‫تستهدف املرتلزات املفصلية في العملية التنموية وفق املنظور الجديد‪ ،‬حيث‬
‫مشاركة بفعالية‬
‫ِ‬ ‫"يتعين النظر إلى الناس في ه ا املنظور باعتبارهم عناصر‬
‫ونشاط ‪-‬شرط أن تتهي لهم الفر ‪ -‬في صوغ مصيرهم الخا ‪ ،‬ال أن يكونوا‬
‫عناصر قابلة في سلبية تتلق ثمار برامج تنمية ج ابة في اهرها"‪.2‬‬
‫فمن خالل الرجوع إلى التعاريف التي تم إدراجها في تقرير الخمسينية‪ ،‬والتي‬
‫تحاول جاهدة إبراز تقاطع التعريفات لتنحو منحى تحديد املفهوم املركزي ال ي‬
‫ت سس عليه كل مقترحات التقرير‪ ،‬وال ي هو "رأس املال البشري"‪ ،‬ينبغي‬
‫التمييز جيدا بين ه ا املفهوم وبين مفهوم "رأسمال القدرة البشرية"‪ ،‬ال ي‬

‫‪ - 1‬هلن كالرك‪ ،‬مديرة برنامج األمم املتحدة ا نمائ ‪ ،‬تقرير التنمية البشرية لسنة ‪.2013‬‬
‫‪ - 2‬أمارتيا صن‪" ،‬التنمية حرية‪ ،‬مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل واملرض والفقر"‪،‬‬
‫ترجمة شوقي جالل‪ ،‬منشورات عالم املعرفة‪ ،‬عدد ‪.71 ،2004 ،303‬‬
‫‪33‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تتحدث عنه األدبيات األممية باعتباره منطلق التنمية البشرية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫املفهوم الثان (رأسمال القدرة البشرية) أصبح يمثل بديال لألول (الرأسمال‬
‫البشري) في أدبيات األمم املتحدة عد إحراز "أمارتيا صن" جائزة نوبل عن‬
‫أطروحته الشهيرة‪ :‬التنمية حرية‪.‬‬
‫إن أطروحة التنمية البشرية مقابل "رأس املال البشري" تؤكد اعتبار العملية‬
‫التنموية‪ ،‬في شقها االجتماعي املدعوم‪ ،‬تهدف إلى الرفع من فعالية البشر‬
‫باعتبارهم أدوات في زيادة ا نتاج (ا نسان أداة ووسيلة لإلنتاج)‪ ،‬في حين أن‬
‫مفهوم "رأسمال القدرة البشرية" ستهدف تعزيز خيارات املواطنين الحقيقية‪،‬‬
‫وكفالة املقومات الضرورية له ه القدرة‪ ،‬والعمل على تطويرها‪ ،‬وبالتالي يتم قل‬
‫املعادلة رأسا على عق ‪ ،‬حيث إن ا نتاج يصبح وسيلة لتحقيق أهداف الحرية‬
‫والرفاه وجودة الحياة‪ ،‬وفي ه ا يقارن "أمارتيا صن" بين املفهومين بالقول‪" :‬يبدو‬
‫أن كال االتجاهين يضعان البشرية محور االهتمام‪ .‬وللن هل هناك اختالفات‬
‫والتقاءات؟ يملن القول‪ ،‬إن الدراسات عن رأس املال البشري تنزع إلى التركيز‬
‫على فعالية البشر في زيادة إمكانات ا نتاج‪ .‬وللن منظور القدرة البشرية يضع‬
‫من ناحية أخرى في بؤرة االهتمام قدرة "الحرية املوضوعية" للناس على بناء حياة‬
‫لديهم أسباب للنظر إليها كش يء قيم‪ ،‬وعلى تعزيز خياراتهم الحقيقية"‪.1‬‬
‫وبه ا التصور‪ ،‬تبق خصوصية التنمية البشرية بالنسبة للنموذج املغر ت خ‬
‫معايير ومنظومة خاصة‪ ،‬منظومة اعتبار ا نسان رأسماال اقتصاديا لتطوير‬
‫ا نتاج وفق خصوصيات األطروحة القديمة للتنمية (التنمية االقتصادية)‪،‬‬
‫وبالتالي يتم االعتماد على معايير صورية للتنمية البشرية‪ ،‬ألنه عوض أن يتم‬
‫قياس النتائج (الحرية) يتم قياس األسباب (الشغل‪ ،‬السلن وغيرها)‪ .‬وحتى وإن‬
‫سلمنا بنقيض الواقع‪ ،‬وتحدثنا عن تقدم فيما يخص ه ه املؤشرات العرفية‪،‬‬
‫فإنها تبق عاجزة عن تحقيق املع ى األعمق واألسمى للتنمية البشرية ما دام لم‬

‫‪.341‬‬ ‫‪ - 1‬مرجع سابق‪،‬‬


‫‪34‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫توسع اختيارات املواطنين وتحفزهم على تب ي مواقف مستقلة توسع مجاالت‬


‫ا بداع وتغ ي التنوع ا يجا بكافة أشكاله العرقي والثقافي‪ ،‬وه ا ما يجعل‬
‫املغرب يتدن في سلم التصنيفات العاملية للتنمية البشرية‪ ،‬رغم جهوده اللبيرة‪،‬‬
‫ألنه يهتم بالبرامج وال يجعلها في خدمة األهداف السامية (الحرية واملساواة‬
‫والعدالة االجتماعية)‪.‬‬
‫من جان آخر‪ ،‬يتم في كثير من األحيان الدفع ب ن التنمية االقتصادية هي‬
‫مقدمة التنمية االجتماعية‪ ،‬وه ا صحيح من حيث املبدأ (إعداد املقومات املادية‬
‫لتحقيق التنمية)‪ ،‬للنه متجاوز وفق منظور التنمية البشرية‪ ،‬وفي ه ا يوضح‬
‫"أمارتيا صن" عند تعقيبه على تجارب العديد من الدول النامية واقتناعه بجدوى‬
‫توسيع الحريات بالقول‪" :‬واملالحظ أن ه ا النهج (يقصد به التنمية البشرية)‬
‫يتعارض ‪-‬بل يقوض إلى حد كبير‪ -‬االعتقاد ال ي هيمن على كثير من دوائر‬
‫السياسة‪ ،‬وال ي يقض ي ب ن "التنمية البشرية" (ش ن عملية التوسع في التعليم‬
‫والرعاية الصحية‪ ،‬وغير ذلي من شروط الحياة البشرية) هي في الحقيقة نوع من‬
‫الترف ال ي ال تستطيعه سوى البلدان الغنية"‪.1‬‬
‫وبصرف النظر عن اختالف املفهوم في التجربة املغربية‪ ،‬فإن برامج ومشاريع‬
‫املبادرة مهمة جدا‪ ،‬سواء من حيث أعدادها وميزانياتها وحجم املؤسسات‬
‫املنخرطة فيها‪ ،‬مما كان يرجح قدرتها على تحريي الشروط االجتماعية الراكدة‬
‫من نصف قرن من الزمن‪ ،‬غير أن تنزيل ه ه البرامج ورعايتها تتخلله العديد من‬
‫ا كراهات املرتبطة با رادة وتنظيم عمليات التنفي ‪ ،‬وتحديد املسؤوليات‪،‬‬
‫وحكامة أنظمة الرقابة وغيرها‪.‬‬
‫خاتمة‪.‬‬
‫يزداد اقتناع الباحث في الش ن املغر بكون التنمية ال تنفي عن مشروع‬
‫ا صالح‪ .‬وفي الحالة املغربية الراهنة‪ ،‬يوضح ه ا الفصل أن مشاريع التنمية هي‬

‫‪.56‬‬ ‫‪ - 1‬التنمية حرية‪،‬‬


‫‪35‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بالدرجة األولى تعبير عن التزام دولي‪ ،‬وعن موازين قوى بين املغرب الرسمي وباقي‬
‫القوى االجتماعية الفاعلة‪ .‬أما االختيارات فهي من صميم نتائج موازين القوى‬
‫ه ه‪ ،‬ل لي فالنموذج التنموي املغر هو في حد ذاته سلطة‪ ،‬ويعبر عن نموذج‬
‫ممارسة السلطة في شتى مجاالت الحياة؛ السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫ل لي يتلرس االقتناع بجدلية النموذج والسياق‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفصل الثاني‬
‫خصوصيات النموذج التنموي القديم‬
‫دور تقرير الخمسينية في تهويل الحاجة إلى "التنمية البشرية"‬

‫‪37‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رغم غياب وثيقة مرجعية للنموذج التنموي في صيغته السابقة‪ ،‬يبق تقرير‬
‫الخمسينية بمثابة األرضية الصلبة التي قام عليها النموذج‪ .‬وال يخف كون‬
‫التقرير لم يلن عمال معزوال‪ ،‬بل كان مبادرة واضحة‪ ،‬واستجابة عملية‬
‫للخطاب امللك بإعداد تقرير مفصل عن خمسين سنة من االستقالل (‪ 20‬غش‬
‫‪ .)2003‬فهو عمل محلم التموقع في سياق العهد الجديد‪ ،‬وط صفحة املاض ي‪،‬‬
‫وتحقيق املشروع املجتمعي الحداث الديمقراط ‪ ،‬ال ي تحدث عنه الخطاب‬
‫الرسمي مع مستهل األلفية الثالثة‪ ،‬ل لي كان هدفه األساس هو دعم املشروع‬
‫التنموي للعهد الجديد‪ ،‬املتمثل في "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية"‪.‬‬
‫‪ -1‬تقرير الخمسينية كاستجابة لإلرادة امللكية وانخراط في نموذج "التنمية‬
‫البشرية"‪.‬‬
‫في الوق ال ي كان األمم املتحدة منشغلة ب هم قضية ملحة في السياق العر ‪،‬‬
‫قضية الحرية‪ ،1‬كان للمغرب الرسمي رأي آخر في تحديد أولوياته‪ .‬فف سنة‬
‫‪ 2004‬أنجز القسم العر في برنامج األمم املتحدة ا نمائ تقريرا مهما‪ ،‬شمل‬
‫خمس دول عربية (األردن‪ ،‬لبنان‪ ،‬فلسطين‪ ،‬املغرب والجزائر) لتقييم واقع‬
‫الحرية‪ ،‬باعتبارها رهانا ملحا‪ ،‬ومؤشرا حاسما من مؤشرات التنمية والرفاه‪ ،‬وقد‬
‫اعتمد التقرير منهجية الدراسة امليدانية وجمع املعلومات والبيانات امليدانية‬
‫بواسطة تقنية العينات ليكون التشخيص أكثر مصداقية‪ ،‬وقد كان املغرب من‬
‫بين الدول الخمس املختارة‪ ،‬مما رجح احتمال انخراطه‪ ،‬خالل ه ه الفترة‪ ،‬في ه ا‬
‫الورش األممي ش ن العالم العر ‪ .‬للن املغرب اختار طريقا آخر‪ ،‬كان بدايته‬
‫الخطاب امللك في ذكرى ثورة امللي والشع (‪ 20‬غش ‪ )2003‬عن ضرورة إنجاز‬
‫تقرير استرجاعي مفصل بمناسبة مرور نصف قرن من االستقالل‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬برنامج األمم املتحدة ا نمائ ‪" ،‬تقرير التنمية ا نسانية العربية"‪ ،‬عمان‪ ،‬املطبعة‬
‫الوطنية‪.2005 ،‬‬
‫‪38‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وعليه فتقرير الخمسينية؛ هو بمثابة استجابة فعلية لإلرادة املللية وفق‬


‫سياقات خاصة وبمنهجية محددة‪ .‬يقول الخطاب امللك ‪" :‬علينا أن نجعل من‬
‫ه ه ال كرى ال هبية لالستقالل وقفة تاريخية لتقييم األشواط التي قطعتها‬
‫بالدنا على درب التنمية البشرية خالل نصف قرن‪ ،‬بنجاحاتها وصعوباتها‬
‫وطموحاتها‪ ،‬مستخلصين العبر من اختيارات ه ه املرحلة التاريخية‪ ،‬واملنعطفات‬
‫اللبرى التي ميزتها‪ ،‬مستهدفين من ذلي ترسيخ توجهاتنا املستقبلية على املدى‬
‫البعيد‪ ،‬بكل ثقة ووضوح‪ ،‬مبرزين‪ ،‬بكل تجرد وإنصاف‪ ،‬الجهود الجبارة التي‬
‫ب ل لوضع املغرب على سلة بناء الدولة الحديثة‪ .‬وتللم خير وفاء لل كرى‬
‫الخالدة لصانعي استقالل املغرب"‪.1‬‬
‫أخالقيا بق التقرير موجها بصريح نص الخطاب‪ ،‬وعمليا بق موجها بها ك لي‪،‬‬
‫فقبل إصدار التقرير بحوالي سنة تقريبا‪ ،‬وبالتحديد يوم ‪ 18‬ماي ‪ ،2005‬تم‬
‫ا طالق الرسمي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في الخطاب امللك ال ي جاء‬
‫فيه‪" :‬و عد إمعان النظر فيما استخلصته من وقوفي امليدان املوصول على‬
‫أحوالي‪ ،‬في مختلف جهات اململلة‪ ،‬فقد قررت أن أخاطبي اليوم ش ن قضية‬
‫تهم املغاربة جميعا في العمق‪ ،‬قضية تسا ِئل كل املؤسسات‪ ،‬والفاعلين‬
‫السياسيين والنقابيين واالقتصاديين والهيئات الجمعوية‪ .‬بل إنها تشكل الهاجس‬
‫امللح لكافة األسر واملواطنين‪.‬‬
‫إن األمر يتعلق باملعضلة االجتماعية‪ ،‬التي نعتبرها بمثابة التحدي األكبر‪،‬‬
‫لتحقيق مشروعنا املجتمعي التنموي‪ ،‬والتي قررنا‪ ،‬عون هللا وتوفيقه‪ ،‬أن‬
‫نتصدى لها بإطالق مبادرة طموحة وخالقة‪ ،‬باسم "املبادرة الوطنية للتنمية‬
‫البشرية"‪ .‬ل لي ستقر رأي العديد من املتا عين على أن تقرير الخمسينية يمثل‬
‫دعامة فلرية وإعالمية لتحريي النقاش العموم واألكاديمي وتثويره في تجاه دعم‬
‫املبادرة وتوجهاتها‪.‬‬

‫‪ - 1‬مقتطف من خطاب ‪ 20‬غش ‪.2003‬‬


‫‪39‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عد تقرير الخمسينية بامتياز‪ ،‬أحد آليات تلريس سياسة االنتقاالت اللبرى لدى‬
‫الرأي العام املحلي والوط ي‪ ،‬وهو ما جعل عض املنابر ا عالمية ووجهات النظر‬
‫تتب ى مواقف أكثر تشددا‪ ،‬ومنها مجلة "وجهة نظر"‪ ،‬التي أصدرت عددا خاصا‬
‫تح عنوان‪ :‬القلم في خدمة السيف‪.1‬‬
‫لقد مهد تقرير الخمسينية الطريق وأعط الفرصة‪ ،‬وكرس الحاجة إلى إطالق‬
‫مشروع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬بل األصح‪ ،‬هو أن تقرير الخمسينية‬
‫كان استجابة للمبادرة‪ ،‬وبالتالي فالحديث عن التقرير هو حديث عن مشروع‬
‫أكبر هو مشروع التنمية البشرية ال ي تم تبنيه بصفة رسمية لعدة اعتبارات تم‬
‫ذكر عضها سابقا‪ .‬بل يملن القول ‪ -‬دون مبالغة ‪ -‬إن مشروع املبادرة أريد له أن‬
‫يكون اقتراح السلطة عالن املصالحة االقتصادية واالجتماعية وتدشين مرحلة‬
‫العهد الجديد‪ ،‬وتم تكليف أحد أهم مهندس ي ه ه املرحلة‪ ،‬وهو املستشار مزيان‬
‫بلفقيه رحمة هللا عليه‪ ،‬به ه املهمة‪ ،‬وذلي عد أحداث ‪ 16‬ماي ‪ ،2003‬وإعادة‬
‫تقييم العالقة مع جزء من الفاعلين ا سالميين‪ ،‬فما كان من القصر إال أن ينتهز‬
‫فرصة ذكرى ثورة امللي والشع ‪ ،‬ليدعو إلى ضرورة تقرير استرجاعي وفاء لقيمة‬
‫ال كرى (‪ 20‬غش ‪ )2003‬كما جاء في الخطاب‪.‬‬
‫إن تقرير الخمسينية‪ ،‬وباستقراء مراسيم تقديم ملخصه (‪ 44‬صفحة) إلى امللي‬
‫في ‪ 06‬يناير ‪ ،22006‬يتبين أنه اشتغال ذا بال رسمي‪ ،‬دام أكثر من سنتين‪ ،‬وعلى‬
‫مجموعة واسعة من الدراسات في قضايا التنمية البشرية في املغرب‪ ،‬كلها تندرج‬
‫وفق توجيهات الخطاب امللك من حيث الهدف (التقييم)‪ ،‬والغاية (استخال‬
‫العبر من االختيارات واملنعطفات السابقة)‪ ،‬واملنهجية (إبراز بكل تجرد وإنصاف‬
‫الجهود الجبارة التي ب ل )‪ ،‬والسياق (بناء الدولة الحديثة)‪ .‬وفي ش ن ه ه‬

‫‪ - 1‬مجلة وجهة نظر‪ ،‬عدد ‪" ،29‬القلم في خدمة السيف"‪ ،‬صيف ‪.2006‬‬
‫‪ - 2‬تم تقديم ملخص التقرير من قبل املستشار امللك املرحوم مزيان بلفقيه تح عنوان‪:‬‬
‫املستقبل يب ى واألفضل مملن"‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫االستجابة النجيبة يقول التقرير‪" :‬تتمثل رسالة التقرير الرئيسية في الت كيد على‬
‫أنه بفضل ه ه النظرة الت ملية في نصف قرن املاض ي‪ ،‬سيكون بإمكان املغرب‪،‬‬
‫املتصالح مع ذاته ومع ماضيه‪ ،‬والقوي بنجاحاته املحرزة‪ ،‬واملستفيد من العبر‬
‫املستخلصة من إخفاقاته‪ ،‬واملعتمد على نسائه ورجاله وشبابه وقدمائه‪ ،‬أن‬
‫سلي‪ ،‬بكل ثقة وطم نينة‪ ،‬السبيل الواعد لتنمية شرية أفضل"‪.1‬‬
‫ل لي نجد التقرير قد اجتهد اجتهادا استثنائيا في توصيف مغرب ‪ 50‬سنة‪ ،‬للن‬
‫مر ع توجيهات الخطاب امللك التي سبق ذكرها جعلته عتصر الخالصات‬
‫ويديرها بين يدي رحى مفهوم "التنمية البشرية" أو "ا مكان البشري" بلغة‬
‫التقرير‪ ،‬ووفق ه ا املفهوم تم كل القراءات‪ ،‬ونسج كل التحاليل رغم‬
‫اتساعها وتنوعها وتناقضها في عض األحيان‪ ،‬يؤلف بينها خطاب "نعم‪ ...‬وللن"‪.‬‬
‫للن رغم ما تم تسويقه على أنه توافق من قبل أعضاء اللجنة‪ ،‬فإن الحقيقة‬
‫تؤكد وجود اختالفات في وجهات النظر‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بنقطتين هامتين‪:2‬‬
‫القضية األولى تتعلق با طراء ا عالم ال ي حظ به حدث تقديم امللخص إلى‬
‫امللي‪ ،‬وال ي تم فيه التسويق ا عالم على أن صياغة التقرير تعد إحدى ثمرات‬
‫العهد الجديد‪ ،‬الطامح إلى إنجاز تنمية حقيقية مركزها ا نسان‪ .‬في حين أن‬
‫التقرير عرب في ديباجته على أنه مبادرة غير رسمية طالق النقاش العموم في‬
‫قضايا التنمية ومستقبل املغرب‪ .‬ولعل خطاب ‪ 06‬يناير ‪ 2006‬يقطع الشي‬
‫باليقين ب ن ا رادة املللية هي التي أوص بنشر تقرير الخمسينية وتعميمه على‬
‫جميع املواطنين إذ جاء في الخطاب "ومن ه ا املنطلق‪ ،‬أصدرنا قرارنا بنشر كل‬
‫من التقرير الختام لهي ة ا نصاف واملصالحة‪ ،‬والدراسة حول حصيلة وآفاق‬
‫التنمية البشرية ببالدنا‪ ،‬وتملين الرأي العام من االطالع عليهما"‪.‬‬
‫القضية الثانية تتمثل في لغة التقرير‪ ،‬التي اقتصرت على تشخيص الواقع‪،‬‬
‫وتوصيف املاض ي املليء باالختالالت‪ ،‬كما عبر التقرير‪ ،‬والغ ي با نجازات ك لي‪،‬‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.10 ،‬‬
‫‪ - 2‬انظر على سبيل املثال تصريحات االقتصادي نجي أقصبي أحد أعضاء اللجنة‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫دون تحديد املسؤوليات شكل دقيق‪ .‬بل إن عض األصوات تتحدث عن توجيه‬


‫لغة التقرير‪ ،‬التي لم تلن موضوعية بما يلف ‪ ،‬بحيث أنها أحجم عن تحميل‬
‫املسؤولية للسلطة عن أخطائها السابقة في قضايا االختيارات التنموية‪ ،‬باملقابل‪،‬‬
‫حر منسقو التقرير على إدخال العديد من االستطرادات واالستدراك املتلرر‬
‫ال ي يختم به التقرير الحديث عن ا خفاقات‪ ،‬وذلي في كل فقرة من فقراته‪،‬‬
‫لتسويق صورة غير حقيقية تبرئ السلطة‪ ،‬أو تجد لها األع ار واملبررات‪.‬‬
‫وفي ه ا الصدد‪ ،‬ولتوجيه الرأي العام‪ ،‬يؤكد التقرير أنه على املتلق ‪ ،‬لك يكون‬
‫منصفا‪ ،‬أن عتبر نسبية السياسات العمومية وقابليتها للخط وا خفاق‪ ،‬وال‬
‫ينظر إلى املاض ي شروط الحاضر وتحوالته إذ إن "محاولة القراءة في ضوء‬
‫املرجعية القانونية واألخالقية واملفاهيمية املتداولة اليوم‪ ،‬دون مراعاة الطا ع‬
‫النسبي للسياسات العمومية‪ ،‬املرتبط بمختلف سياقاتها وتياراتها التنموية‬
‫املعتمدة حين بلورتها‪ ،‬كل ذلي كان من اململن أن يزج بالتقرير في اتجاه عدم‬
‫ا نصاف والوفاء باألمانة إزاء الفاعلين في تلي الحقبة"‪ .1‬للن التقرير ال ي دعا‬
‫إلى إنصاف الفاعلين‪ ،‬كان قاسيا على جزء من الفاعلين‪ ،‬في حين كان متحيزا إلى‬
‫جزء آخر‪ ،‬لعله هو صاح القرار والسلطة في العديد من االختيارات التنموية‬
‫خالل الخمسين سنة من االستقالل‪.‬‬
‫‪ -2‬تقريرالخمسينية بين التحليل العلمي والتسويق اإلعالمي‪.‬‬
‫تتوزع مضامين التقرير بين هامشين متناقضين‪ :‬قوة الرصد وتسقيف‬
‫الطموحات‪ ،‬للن تبق قوته في املكانة العلمية لألطر املشرفة عليه‪ ،‬وفي حجم‬
‫املقترحات الصادرة عنه‪.‬‬
‫‪ -1-2‬تقريراستثنائي بكل املقاييس‪.‬‬
‫تعد مبادرة إعداد تقرير متكامل عن خمسين سنة من االستقالل إنجازا كبيرا بكل‬
‫املقاييس‪ ،‬ومما زاد في أهمية التقرير‪ ،‬اعتماده على خبرات وأطر وخبراء‬

‫‪.9‬‬ ‫‪ - 1‬انظر التقرير‪،‬‬


‫‪42‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ومتمرسين من أجود ما يمتلله املغرب‪ ،‬فكان الحصيلة مجموعة دراسات‬


‫وتقارير قام بها ثلة من الخبراء واألطر ا دارية واللفاءات الجامعية وفعاليات‬
‫أحدث له ا الغرض لجنة مديرية تع ى با شراف العام على‬ ‫املجتمع املدن ‪ ،‬إذ ِ‬
‫املشروع‪ ،‬وأخرى علمية أنيط بها الجوان العلمية واملنهجية‪ ،‬وتم تركي ه ه‬
‫الدراسات‪ ،‬سواء الفردية منها أو املوضوعاتية واألفقية أو ذات الطبيعة التركيبية‬
‫ملختلف النتائج اللبرى‪ ،‬داخل تقرير ضم في البداية أزيد من ‪ 4.000‬صفحة في‬
‫مواضيع وقضايا مختلفة تهم الجوان البشرية واملادية التي تسائل مفهوم‬
‫"ا مكان البشري" في خمسة محاور و شكل استرجاعي ملسار التنمية البشرية‬
‫باملغرب‪ .‬عد ذلي تم صياغة ملخص تركيبي لكل تلي األبحاث‪ .‬انتق منه‬
‫اللجنة تقريرا لم يتجاوز ‪ 44‬صفحة تم تقديمه للملي‪ ،‬ال ي أمر بتوزيعه على‬
‫الرأي العام لخلق النقاش العموم املفترض حول ه ا التقرير‪.‬‬
‫"‪ 50‬سنة من التنمية البشرية وآفاق سنة ‪ " 2025‬هو شبه وصف ملجمل حالة‬
‫املغرب ابتداء من سنة ‪ 1955‬إلى غاية ‪ ،2005‬وتحديد في نفس اآلن لبؤر املستقبل‬
‫على حد تعبير التقرير‪ ،‬ويعرض رؤيتين متقابلتين للبلد في أفق ‪.2025‬‬
‫وحتى ال يظل التقرير حبيس وصف وتشخيص ماض ي البلد‪ ،‬فقد قدم عض‬
‫املسالي االستراتيجية كمحاور للتجاوز اململنة على شكل اقتراحات من دون أن‬
‫غو في خطاب برنامجي واستشرافي محلم‪ ،1‬على اعتبار أن ه ه املهمة تناط‬
‫بالفاعلين السياسيين من خالل آلياتهم في بلورة ه ه البرامج والدفاع املشروع‬
‫عنها على حد تعبير املشرفين على التقرير‪.‬‬
‫ويتكون التقرير من املحاور التالية‪:‬‬
‫‪ ‬التقرير العام تح عنوان "املغرب اململن‪ ،‬إسهام في النقاش العام من‬
‫أجل طموح مشترك"‪ ،‬يضم تصديرا مدخليا‪ ،‬با ضافة إلى ستة فصول‬
‫جاءت تباعا؛ تطور ا مكان البشري (الساكنة والتغيرات االجتماعية‬

‫‪ - 1‬علس ذلي‪ ،‬جاءت نسخة النموذج الجديد (‪ )2021‬شبيهة ببرنامج عام يحدد األهداف‬
‫املطلوبة في كل قطاع من القطاعات املنتجة (سنرجع إلى ذلي الحقا)‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫والدينامية الثقافية)‪ ،‬وتحرير ا مكان البشري (النظام السياس ي‬


‫واملؤسسات والحكامة)‪ ،‬وتثمين ا مكان البشري (ولوج الخدمات‬
‫األساسية‪ ،‬التربية‪ ،‬الصحة‪ ،‬والحماية االجتماعية ومحاربة الفقر)‪،‬‬
‫وتعبئة ا مكان البشري (السياسات االقتصادية‪ ،‬والنمو والتشغيل)‪،‬‬
‫وإطار العيش وتنمية ا مكان الطبيعي‪ ،‬و عد خمسين سنة‪ :‬نحو‬
‫املستقبل بثقة‪ .‬با ضافة إلى ملحق يضم بيبليوغرافيا املساهمات‬
‫والوثائق املنتجة في إطار أشغال التقرير‪.‬‬
‫‪ ‬أطلس مبيان يضم الدراسات التفصيلية‪ ،‬منها خريطة التقطيع‬
‫ا داري للمغرب‪ ،‬وواقع تجهيز األسر والولوج إلى املاء واللهرباء‪ ،‬ثم‬
‫عض املميزات السوسيولوجية للساكنة‪ ،‬با ضافة إلى قضايا أخرى‬
‫كالتعليم والتكوين املنهي والصحة والسل ى والهيدروليات واللهرباء‬
‫والفالحة واالقتصاد والعدل والنقل والصناعة والتجارة والسياحة‬
‫والثقافة واالتصال والرياضة واملناجم والصناعة التقليدية‬
‫وتلنولوجيا ا عالم‪.‬‬
‫‪ ‬التقارير املوضوعاتية وتضم‪ :‬الديمغرافية والسكان‪ ،‬واملجتمع واألسرة‬
‫واملرأة والشباب‪ ،‬والنمو االقتصادي والتنمية البشرية‪ ،‬والنظم‬
‫التربوية‪ ،‬واملعرفة والتلنولوجيات‪ ،‬واألنظمة الصحية ونوعية الحياة‪،‬‬
‫وولوج الخدمات األساسية واالعتبارات املجالية‪ ،‬والفقر وعوامل‬
‫االقصاء االجتماعي‪ ،‬ثم ا طار الطبيعي واملجاالت الترابية‪ ،‬واأل عاد‬
‫الثقافية والفنية والروحية‪ ،‬وأخيرا الحكامة والتنمية التشاركية‪.‬‬
‫‪ ‬التقارير األفقية وتتكون من تقرير حول أفق املغرب ‪ 2025‬من أجل‬
‫تنمية عالية من إعداد محمد توفيق ملين وأنيسة لزرق‪ ،‬والتقرير‬
‫التركيبي للبحث الوط ي حول القيم من إعداد رحمة بورقية وعبد‬
‫اللطيف بنشريفة وحسن رشيق ومحمد الطوزي ومحمد عبد ر ‪ ،‬أما‬

‫‪44‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫التقرير األخير فكان من إعداد محمد كنبي تح عنوان مغرب‬


‫االستقالل ‪ 2005 -1955‬محاولة تركي ‪.‬‬
‫وقام على إنجاز التقرير ثالث لجن رئيسية؛ وهي اللجنة املديرية وفرق التحرير‬
‫واملراجعة واللجنة العلمية ومجموعات العمل املوضوعاتية‪.‬‬
‫‪ -2-2‬بين النقاش العمومي والتسويق اإلعالمي‪.‬‬
‫سع مختلف التقارير واملساهمات البحثية إلى تغ ية النقاش العموم كما جاء‬
‫في التصريح الرسمي‪ ،‬بل كان نية الفريق املشرف على التقرير تتجه نحو الدعوة‬
‫إلى فتح نقاش عام تشارك فيه فعليا و شكل مسؤول القوى املواطنة بهدف بلورة‬
‫اقتراحات ناجعة يملن تطبيقها‪ ،‬ل لي صرح اللجنة ب ن النقاش العموم "هو‬
‫إعادة امتالك ملصير البلد املشترك‪ ،‬مصير يج بناؤه بمشاركة الجميع انطالقا‬
‫من تقييم موضوعي ملا تراكم من سياسات وتجارب في العقود السابقة بهدف‬
‫إحداث قطيعة مع املمارسات السابقة التي أعاق التنمية في البالد‪ ،‬ثم بناء‬
‫خيارات منسجمة تعزز وتسرع أوراش ا صالح التي أطلقها املغرب"‪.‬‬
‫للن رغم أهمية التقرير في مجمله وتفاصيله وطموحاته املعلنة‪ ،‬وجودة‬
‫الدراسات الجماعية والفردية التي شكلته‪ ،‬وحسن توليف ه ا اللم الهائل من‬
‫القضايا املختلفة‪ ،‬فإن ذلي لم يلن مصوغا ومبررا للحملة ا عالمية‪ ،‬الرسمية‬
‫على الخصو ‪ ،‬التي واكبته‪ ،‬والتي استدع قاموسا استثنائيا للترويج للتقرير‪،‬‬
‫باعتباره أولى ثمرات العهد الجديد‪ ،‬ونقطة البرنامج األولى في خط ا صالحات‬
‫الهيكلية‪ ،‬واالنتقاالت التاريخية‪ ،‬يؤطرها‪ ،‬كما عبرت جل املنابر الرسمية‪،‬‬
‫املشروع الوط ي ال ي تم نعته في حينه ب "املشروع املجتمعي الحداث‬
‫الديمقراط "‪.‬‬
‫ف هداف التقرير كما أعلنها عض املساهمين‪ ،‬وكما شرحها منسقو التقرير‪ ،‬ال‬
‫تتجاوز إعداد أرضية علمية أكاديمية بمسافة كافية‪ ،‬وموضوعية وحيادية‪،‬‬
‫للمساهمة في نقاش عموم ‪ ،‬شارك فيه مجموع املواطنين ليساهموا في تنزيل‬
‫مقتضياته‪ .‬للن ما حدث جان ه ه األهداف‪ ،‬حيث تم تضخيم الجان‬
‫‪45‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ا عالم ‪ ،‬وتنافس السياسيون و عض األكاديميين‪ ،‬واللثير من رجال السلطة‪،‬‬


‫في جعله دستورا مصغرا يترجم ا رادة املللية التي ينبغي االلتزام بتوجيهاتها‬
‫وترجمتها إلى برامج‪ .‬وكان األولى أن يتم استثمار كل الدراسات والتقارير الجادة‬
‫التي تم إنجازها به ا الخصو ‪ ،‬ومنها التقرير ال ي أعدته املندوبية السامية‬
‫للتخطيط والبني الدولي سنة ‪ 2004‬حول الفقر باملغرب انطالقا من التحقيق‬
‫العائلي للموسم ‪ 1999/1998‬وا حصاء العام لسنة ‪ ،1994‬ال ي تكاد خالصاته‬
‫مع مجمل تشخيص الخمسينية (التفاوتات املجالية واالجتماعية‪ ،‬فقر العالم‬
‫القروي‪ ،‬واقع الشغل‪ ،‬تمركز توطين البرامج االجتماعية) تمثل أرضية متكاملة‬
‫طالق نموذج تنموي في املستوى املطلوب‪ ،‬إن احترم إرادة املواطن وإشراكه في‬
‫التفلير والتنزيل‪.‬‬
‫‪ -3‬التحوالت املجتمعية في مضمون التقرير‪ ،‬تحليل أزمة أم أزمة تحليل‪.‬‬
‫يقدر التقرير أن املجتمع املغر يتميز بجمعه بين حركيتين اثنتين‪ :‬حركية القيم‬
‫التقليدية التي تصمد عض عناصرها (الزواج‪ ،‬الهوية) وتتراجع أخرى‬
‫(األخالقيات‪ :‬النية والبركة والكلمة‪ ،‬وحركية القيم الجديدة الناتجة شكل‬
‫طبيعي عن االنفتاح (األنماط العصرية للتنظيم االجتماعي والسياس ي‪،‬‬
‫الفردانية)‪ ،1‬وهو ما أدى إلى بروز ازدواجية قيمية‪ ،‬حس التقرير دائما‪ ،‬تتلرس‬
‫يوما عد يوم‪ ،‬وتؤثر شكل سلبي في مسار االنتقال من حيث التزام الخطاب‬
‫الحداث الديمقراط في الفضاء العام وا ذعان إلى املمارسات التقليدية‪ ،‬من ريع‬
‫وزبونية وحر على االمتيازات في الفضاءات املغلقة والصالونات الخاصة‪،‬‬
‫ولعل ه ا من بين أهم املرتلزات التي يتم استثمارها اليوم لتلريس االستمرارية‪،‬‬
‫وهي بالتالي إحدى معيقات التنمية (استمرار تباين االستفادة من الثروات‪،‬‬
‫وانتشار الريع وتفيئ املجتمع حس والئه من دوائر السلطة والنفوذ‪ ،‬ورفض‬
‫االنتقال إلى املساواة وتحليم اللفاءة)‪ ،‬مما يجعل الخطاب الرسمي متخما‬

‫‪.53‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪46‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫شعارات التنمية‪ ،‬في حين أن الوقائع تؤكد علس ذلي‪ ،‬حيث استمرار‬
‫الرأسماليين اللبار في االنفراد بالسلطة والثروة‪ ،‬وجمود الفوارق االجتماعية‬
‫واملجالية‪ ،‬وتراجع فر االرتقاء االجتماعي‪ ،‬وتزايد أعداد الفقراء مقابل تراكم‬
‫ثروات كبار املستثمرين وعدد كبير من أصحاب السلطة‪.‬‬
‫ومن الخالصات التي تتردد في العديد من األروقة األكاديمية والجامعية‪ ،‬والتي كان‬
‫التقرير سباقا إلى طرحها والدفاع عنها؛ صمود االنتماء إلى القبيلة رغم املجهودات‬
‫التاريخية الجبارة لتجاوز ذلي إلى املفهوم الحديث للدولة‪ .‬وبه ا الصدد يطرح‬
‫نقاش عريض يلف أن نتير جزءا منه‪ .‬فرغم كون ه ه الخالصة تحتمل قراءات‬
‫متعددة وأحيانا متباينة‪ ،‬فهي تنطوي على تحديات اجتماعية كبيرة ينبغي‬
‫استحضارها عند صياغة أي نموذج تنموي‪ ،‬فه ه إحدى األعطاب الرئيسية التي‬
‫ال منا من تفليلها والعمل على تجاوزها‪ ،‬وإنه من األهمية بمكان تناول ه ه‬
‫القضية من زوايا متكاملة ترقى إلى مستوى تعقد الظاهرة وتشابلها‪.‬‬
‫أوال‪ :‬إنه ليصع فهم اهرة القبيلة من خالل املقاربة املادية والعضوية‪،‬‬
‫فالقبيلة ليس كيانا عضويا وماديا فقط‪ ،‬تتشكل من أسر وقرابات وسالالت‬
‫وما إلى ذلي‪ ،‬فالقبيلة مؤسسة مركبة ونموذج تنموي خا ملتمل األركان‪،‬‬
‫سواء من حيث هويته أو تاريخه أو تدبيره أو عالقاته أو غيرها‪ ،‬فالقبيلة هوية‬
‫حقيقية وانتماء حضاري صريح يلرس صموده أمام النماذج التنموية السابقة‬
‫في املغرب‪ ،‬بل يلرس تفوقه وخصوصيته عن النموذج القبلي املشرقي ال ي أ هر‬
‫جليا حاجته إلى التجاوز ومناقضته للحضارة والتنمية‪ ،‬ل لي ال يصح قياس‬
‫نظام القبيلة في املغرب على نظيره املشرقي‪.‬‬
‫وإن كنا نقدر اختصا العديد من أطر لجنة النموذج وتملنهم من املوضوع‪،‬‬
‫فالواضح أن مر عات االجتهاد لم تسعف في تحليل أعمق للظاهرة القبلية من‬
‫منظور تنموي استراتيجي‪ .‬وعليه فمنطلق النقاش في قضية القبيلة أو على األرجح‬
‫"الوالء الترا الخا " كما نعتقد‪ ،‬ليس مس لة تنموية باملع ى الضيق‬
‫(االنتقال من التقليد إلى الحداثة)‪ ،‬بقدر ما هي مس لة هوية بالنسبة للعملية‬
‫‪47‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التنموية‪ ،‬وقد أخفق النماذج كما سبق ا شارة‪ ،‬في تعاطيها مع القبيلة عندما‬
‫ألحقتها بالنموذج املشرقي‪ ،‬وعمل على تجري املجرب في التعاط مع املجتمعات‬
‫ما قبل صناعية (املجتمعات القبلية) سواء في إفريقيا أو املشرق (العر‬
‫واآلسيوي)‪ .‬فاالستعمار الفرنس ي اعتمد ه ا املنطلق في مشروعه التنموي‪،‬‬
‫وحر أشد الحر على استثمار الدراسات واألبحاث في العلوم ا نسانية‬
‫واالجتماعية لنع القبيلة ب قبح النعوت حتى تتلرس لديه ولدى داعميه وعموم‬
‫النخبة املغربية الحاجة امللحة للتجاوز‪ ،‬وصوال إلى مرحلة الحداثة والتحديث‬
‫التق ي ثم التحديث االجتماعي الشامل‪ ،‬للن ما ال ينتبه إليه اللثير من الدارسين‬
‫واملهتمين املغاربة‪ ،‬هو أن ه ا االستعمار الراغ في تجاوز القبيلة واملجتمع‬
‫التقليدي‪ ،‬حر جهده على اعتماد الب ى التقليدية والفاعلين التقليديين‪ ،‬بل لم‬
‫يتصور استمرارا للحماية إال بدعم ه ه األطر من قواد وأعيان وشيوخ عض‬
‫الزوايا والعديد من الوجهاء‪ ،‬وذلي عد إفراغهم من هويتهم األصلية‪ .‬وإن‬
‫املشروع التنموي اليوم‪ ،‬ليجد نفسه ملبال أمام تركة املاض ي جراء ه ا الخيار‬
‫التنموي ال ي أحدث بنيات وتراتبيات وعقليات اجتماعية يصع تجاوزها (ريع‪،‬‬
‫امتيازات‪ ،‬تفاوتات)‪ .‬وحين تسلم الدولة املغربية األمور سارت على نفس‬
‫املنوال‪ ،‬باستثناء السنوات األولى لالستقالل التي تعال فيها الشعارات بمغرب‬
‫متضامن يحافظ على الخصوصيات ويصون الهوية ويقطع مع ج ور النموذج‬
‫التنموي االستعماري‪ ،‬كما تناولنا ذلي في الفصل السابق‪ ،‬مما يجلي النظر أن‬
‫النموذج التنموي املغر ‪ ،‬بحلم الترسبات التاريخية الحديثة‪ ،‬وارتباطاته‬
‫الدولية املستجدة‪ ،‬لن ستطيع تجاوز موقعه من الخارطة الدولية‪ ،‬باعتباره بلدا‬
‫من بلدان الجنوب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث ما سماه التقرير ب "إعاقة االنتقال إلى مفهوم الدولة الحديثة في‬
‫املغرب"‪ ،‬فتجدر ا شارة إلى أن مشروع بناء الدولة يتطل نجاح النموذج‬
‫التنموي‪ ،‬وفشل الجزء هو من فشل الكل‪ ،‬وفي غياب أو قصور مسار البناء‬

‫‪48‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الديمقراط ‪ ،‬وهي حقيقة ماثلة كما تؤكد التقارير الوطنية والدولية‪ ،‬ال يملن‬
‫الحديث عن تنمية حقيقية‪ ،‬ولعلنا نلتشف ه ه املقابلة من خالل الرجوع إلى‬
‫مؤشرات التنمية‪ ،‬وخاصة مؤشرات الجيل الثالث والرا ع‪ ،‬التي تنص صراحة‬
‫على ضرورة الحلم الرشيد لتحقيق املساواة والعدالة املجالية واالجتماعية‬
‫والرفع من الدخل ومحاربة الفقر‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إنه من الضرورة بمكان أن تتم اليوم‪ ،‬وقبل الحديث عن أي نموذج تنموي‪،‬‬
‫القراءة النقدية الكافية للموقف الرسمي من الدرايات‪ 1‬والتنظيمات واملؤسسات‬
‫التقليدية‪ ،‬خاصة في املجاالت القروية والريفية‪ ،‬ألن املوقف غير الواضح من‬
‫ه ه الليانات واملؤسسات يجعلها سجينة دوائر الريبة والتشليي في كل نموذج‬
‫مرتق ‪ ،‬بله االقتناع به واملشاركة فيه‪ ،‬ويزداد تخوف ه ه الساكنة عندما ترى‬
‫الليل بمليالين والتعامل بمنطقين في التعاط مع ه ه املجاالت‪ ،‬فهي (املجاالت‬
‫والسكان) بمثابة خزان استراتيجي للدعم الجماهيري للمبادرات الرسمية‬
‫واالستحقاقات االنتخابية‪ ،‬في حين ال يلتف إليها في القضايا املصيرية‪ ،‬وتتهمها‬
‫عض الخطابات الرسمية بإعاقة العملية التنموية وضعف االنخراط في املشاريع‬
‫الطموحة‪.‬‬
‫را عا‪ :‬ينبغي أن ينتقل الفهم والتفلير وا نجاز من ثنائية السوسيواقتصادي في‬
‫مواجهة الديمقراط إلى تب ي نهج تكاملي للوجهين‪ ،‬فه ا هو النموذج الجديد‬
‫والحيوي ال ي استطاع من خالله العديد من الدول النامية أن تحقق تقدما‬
‫ملموسا في مؤشرات التنمية البشرية‪ .‬علس ذلي‪ ،‬نجد العديد من الدول‬
‫واألنظمة الشمولية ال تزال تردد عض الفرضيات القديمة التي تنف عن الفقراء‬
‫طموحهم إلى الديمقراطية‪ ،‬في حين أن تجارب العالم تؤكد علس ذلي‪ ،‬ومن‬
‫أهمها تجارب الربيع العر ال ي أسقط أنظمة وأرغم أخرى على االنفتاح‪ ،‬ولو‬

‫‪ - 1‬الدرايات هي الخبرات والتجارب املحلية الناتجة عن تملن املجتمع املحلي من املعرفة‬


‫الدقيقة بخصوصيات املجال وطبيعة املجتمع‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مرحليا‪ ،‬استجابة ملطال الفقراء ال ين مألوا الساحات‪ ،‬وبح حناجرهم‬


‫بالهتافات املطالبة بالحرية واللرامة والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -4‬املغرب االجتماعي كما رآه التقرير‪ ،‬جدلية االنتقاالت االجتماعية‬
‫واملؤشرات العرفية‪.‬‬
‫ال جدال في غناء التقرير من حيث الرصد والتشخيص وتحليل وضعية املغرب‬
‫وسيرورته التاريخية ملدة نصف قرن من الزمن‪ ،‬ونظرا لتعدد وتنوع القضايا‬
‫واملواضيع التي تناولها‪ ،‬وانسجاما مع أهداف ه ا العمل‪ ،‬سنعرض لوجهة نظره‬
‫في عدد من القضايا‪ ،‬خاصة ذات الصلة بالتنمية السوسيو‪-‬اقتصادية‪.‬‬
‫‪ -1-4‬ولوج التربية والتكوين والخدمات األساسية‪.‬‬
‫عترف تقرير الخمسينية باملجهودات اللبيرة التي ب ل ‪ ،‬وفي نفس الوق‬
‫يتحدث عن ما سميه أنواع متعددة من العجز‪ ،‬التي ما يزال املغرب عان منها‬
‫إلى يومنا ه ا (‪ ،)2006‬كما يؤكد التقرير أن الخدمات األساسية هي من عداد‬
‫املشاريع التي طال ت جيلها على الرغم من كونها تمثل مؤشرا أساسيا للتنمية‬
‫القابلة للتعميم‪ ،‬ولم يف التقرير الحديث عن ضعف جودة الخدمات والفوارق‬
‫املجالية واالجتماعية فيما يخص ه ا املؤشر‪ ،‬التي عتبرها مشلال مركزا‪ ،‬وقد‬
‫نع التقرير العديد من الخدمات املقدمة بالتقليدية‪ ،‬للن يقدر التقرير أن‬
‫املغرب رغم ذلي أحرز تقدما مهما ال ينبغي أن يحجبه تنوع املشاكل وا كراهات‪.1‬‬
‫‪ ‬التربية والتكوين‪.‬‬
‫أحرز املغرب‪ ،‬في نظر التقرير‪ ،‬تقدما ملموسا فيما يخص التربية والتكوين‪،‬‬
‫بحيث انتقل معدل التمدرس في السلي االبتدائ من ‪ %17‬سنة ‪ 1956‬إلى‬
‫‪ 46,7%‬سنة ‪ ،1964‬ليعرف الوضع عد ذلي وضعية غير مستقرة وت ب با‬
‫واضحا في ا نجاز إلى أن استقر عند ‪ %94‬سنة ‪ .2005‬وفي تقييم عام‪ ،‬يقدر‬
‫التقرير أنه رغم التوسع غير املتجانس مجاليا‪" ،‬فقد ملن البرامج من تقليص‬

‫‪.96‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفوارق الصارخة بين املناطق‪ ،‬كما أتاح تخفيض الفوارق بين الجنسين"‪،1‬‬
‫بخالف ذلي تتحدث التقارير املفصلة عن ما أسمته "مفارقات عميقة"‪ ،2‬خاصة‬
‫ما يرتبط باألمية‪ ،‬التي تتفاوت نسبتها بين الحواضر واألرياف (‪ 61%‬مقابل ‪،)%29‬‬
‫وبين ال كور وا ناث (نصف عدد النساء مقابل ثلث عدد الرجال)‪.‬‬
‫وتتطابق خالصات التقارير التفصيلية والتقرير التركيبي في كون املنظومة‬
‫التربوية املغربية في تراجع‪ ،‬إذ أصبح مع مرور الزمن عبارة عن آلة ضخمة‪،‬‬
‫تعان من ضعف النجاعة‪ ،‬وال سيما على مستوي التشغيل وا دماج‪.3‬‬
‫ويرجح التقرير أن فشل املنظومة التربوية يرجع باألساس إلى ضعف نجاعة‬
‫العالجات املقترحة (إخفاق ا صالحات التربوية املتوالية املتسمة بالتردد وعدم‬
‫االستقرار)‪ ،4‬وانعدام مشاريع واقعية وفعالة دماج الجامعة والبحث العلمي في‬
‫اقتصاد املعرفة‪ .‬ومما يثير االستفهام‪ ،‬لغة التقرير املختلفة عن ما سيرد ال حقا‬
‫بخصو الخدمات األساسية من ضرورة عدالة املساهمة في توفير الخدمات‬
‫من خالل تسديد تكاليف ه ه الخدمات‪ ،‬حيث جاء في التقرير بخصو‬
‫املدرسة املغربية‪ ،‬أن فقدان الثقة في املدرسة من لدن الطبقات امليسورة‪ ،‬وال ي‬
‫وجد صداه في اللجوء املتزايد إلى أصناف عديدة من التعليم الخصوص ي‪ ،‬إلى‬
‫املزيد من إضعاف املدرسة العمومية‪ ،‬وتلريس ازدواجية مسيئة للمنظومة‬
‫التربوية الوطنية‪ .5‬فليف يدعو التقرير إلى خوصصة الخدمات األساسية ويدعو‬
‫إلى التمييز بين الخدمات األساسية والخدمات العمومية‪ ،‬ويستنلر هنا ازدواجية‬
‫املنظومة التعليمية‪ ،‬ودور القطاع الخا في إضعاف منظومة التربية والتكوين‬
‫الوطنية‪ ،‬وإن مما يفسر مثل ه ه التناقضات في التقرير‪ ،‬تشليلة اللجنة من‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.97 ،‬‬
‫‪.37‬‬ ‫‪ - 2‬أطلس بيان ملؤشرات التنمية باملغرب خالل خمسين سنة‪،‬‬
‫‪ - 3‬التقرير‪106 ،‬‬
‫‪ - 4‬التقرير‪.111 ،‬‬
‫‪ - 5‬نفسه‪.107 ،‬‬
‫‪51‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أطر وشخصيات تختلف وجهات نظرها في العديد من القضايا التنموية‪ ،‬بل‬


‫تختلف رؤى عضها في بنية النموذج التنموي املرتق ‪ ،‬وآليات وأدوات‬
‫التشخيص املوضوعي املطلوب‪ ،‬وحيث إن أهداف التقرير يؤطرها تقري وجهات‬
‫النظر لحشد األفكار عن ضرورة التنمية البشرية فال يضير أن يتضمن التقرير‬
‫عض وجهات النظر املختلفة أحيانا‪.‬‬
‫و عد تحديده لألعطاب الرئيسة للمنظومة التربوية‪ ،‬استعرض التقرير عض‬
‫االختالالت التي تلخص في نظره مسلسال طويال من تراجع التعليم باملغرب وهي‪:‬‬
‫ا خفاق في مجال محاربة األمية‪ ،‬ال ي ي كيه التركيز على إعادة إنتاج ا خفاق‬
‫مرفوقا با همال املتوارث للتتبع املنظم لألطفال‪ ،‬ثم ضعف القدرة ا دماجية‬
‫للمنظومة التربوية‪ ،‬خاصة بالنسبة للفئات الهشة من فتيات وأطفال العالم‬
‫القروي واملناطق النائية‪ ،‬با ضافة إلى تعثر الو يفة االجتماعية واالقتصادية‬
‫للمنظومة التربوية؛ عجزها عن ترسيخ قيم املواطنة واالنفتاح والرقي وحرية‬
‫الفلر والتحصيل والفلر النقدي‪ ،‬وك ا العجز عن التليف مع سوق الشغل‪،‬‬
‫ورا ع االختالالت يتمثل في التقهقر التدريجي للمردودية الداخلية (الالتمدرس‬
‫واستفحال اهرة التسرب بدون ت هيل)‪ ،‬وأخيرا الت ب ب في تدبير السياسة‬
‫اللغوية‪ ،‬ال ي حصره التقرير في عدد من التجليات الصعبة من قبيل الخيبة‬
‫اللغوية‪ ،‬والفجوة اللسانية‪ ،‬والفقر اللغوي‪ ،‬وانعدام األمن اللغوي‪ .‬وسنالحظ‬
‫فيما عد أن ه ه االختالالت هي ذاتها التي يتحدث عنها النموذج الجديد‪.‬‬
‫‪ ‬املنظومة الصحية‪.‬‬
‫شيد التقرير بتطور املنظومة الصحية من خالل الت كير بالتطور الحاصل في‬
‫القضاء على عض األمراض واألوبئة التي فتل ساكنة املغرب لعقود خل ‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى الرفع من معدل األمل في الحياة‪ ،‬للن يلف االنتباه إلى التحول‬
‫ا يبيديمولوجي املتمثل في هور عض األمراض املرتبطة بتحوالت نمط العيش‪،‬‬
‫وبالتالي يقدر التقرير وجود ثالثة اتجاهات صحية كبرى في املغرب؛ اتجاه تقليص‬

‫‪52‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وتجاوز عض األمراض (الحمى‪ ،‬الكوليرا‪ ،‬الرمد الحبيبي‪ ،‬البلهارسيا‪ ،‬الج ام)‪،‬‬


‫واتجاه ثان متمثل في استمرار انتشار عض األمراض على رأسها السل واللباد‪،‬‬
‫ثم اتجاه ثالث نحو بروز أمراض مزمنة (السرطان‪ ،‬أمراض القل والشرايين‪ ،‬داء‬
‫السلري وغيره)‪ .‬أما النقائص اللبرى التي شكو منها القطاع الصحي‪ ،‬فيحددها‬
‫التقرير في ثالثة مظاهر أساسية وهي نقص التغطية الصحية‪ ،‬وانعدام مساواة‬
‫املغاربة في االستفادة من الخدمات الصحية وفي سن الوفاة‪ ،‬ثم ارتفاع معدالت‬
‫وفيات األطفال واألمهات‪ ،‬ليردف التقرير تقديراته ه ه بإبراز عض املشاكل التي‬
‫تهدد القطاع الصحي من قبيل قلة املوارد وضعف حكامة املنظومة الصحية‬
‫واستمرار التفاوت وضعف االنسجام بين املؤسسات الصحية املركزية واملحلية‪.‬‬
‫وفيما يخص ولوج العالجات األولية‪ ،‬يرجح التقرير أن النموذج السابق كان‬
‫يت سس على مرتلزين عمليين متمايزين‪ :‬أحدهما معتمد في الحواضر واملدن‪،‬‬
‫نعته ب"االستشفائ "‪ ،‬واآلخر مخفف‪ ،‬حس وصف التقرير دائما‪ ،‬معتمد‬
‫بالقرى‪ ،‬ويعتمد على حمالت التلقيح الجماعي والوقاية من األمراض‪ ،‬وهي‬
‫خدمات تؤمنها فرق متنقلة‪.‬‬
‫كما عرض التقرير عض ا نجازات (التقدم) ال ي يدلل عليه بارتفاع عدد‬
‫مؤسسات العالجات األولية‪ ،‬ال ي انتقل من ‪ 394‬وحدة سنة ‪ 1960‬إلى أكثر من‬
‫‪ 2.460‬مؤسسة حاليا (‪ ،)2005‬كما ي ِكر بوضعية الطاقة السريرية التي تستقر‬
‫في سرير واحد لكل ‪ 1.000‬نسمة‪ ،‬با ضافة إلى عدد السكان بالنسبة للطبي‬
‫الواحد التي ارتفع من ‪ 12.120‬نسمة سنة ‪ 1967‬إلى ‪ 1.900‬نسمة فقط‪ .‬ومن‬
‫جهته نوه التقرير التفصيلي‪ 1‬بتطور عدد املؤسسات الطبية‪ ،‬ال ي انتقل من‬
‫‪( 0,58‬مؤسسة واحدة لكل ‪ 17.000‬ساكن) سنة ‪ 1980‬إلى ‪( 0,82‬مؤسسة واحدة‬
‫لكل ‪ 12.000‬ساكن) سنة ‪ ،2003‬وقد نبه التقرير إلى الوضع الصحي املزري في‬
‫العالم القروي‪ ،‬مشيرا إلى عض املؤشرات الدالة من قبيل أن ‪ %52‬من األمهات‬

‫‪ - 1‬ملحق تقرير الخمسينية‪ ،‬أطلس بيان ملؤشرات التنمية باملغرب خالل خمسين سنة‪،‬‬
‫‪.29‬‬
‫‪53‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫القرويات ال تتلقين أي عالج قبل الوالدة‪ ،‬مع تسجيل ‪ 260‬حالة وفاة في كل‬
‫‪ 100.000‬والدة‪ ،‬وهو معدل مرتفع جدا مقارنة مع العديد من الدول العربية‬
‫وا فريقية (‪ 150‬حالة من أصل ‪ 100.000‬في األردن مثال)‪ .‬إال أن ه ه املجهودات‬
‫عجزت عن تقليص فداحة العجز القائم‪ ،‬ل ا يؤكد التقرير أن ا كراهات تتمثل‬
‫في ضعف القدرة على تقليل الفوارق االجتماعية واملجالية‪.‬‬
‫‪ ‬النقل والبنيات األساسية‪.‬‬
‫بخصو البنيات األساسية للنقل‪ ،‬سترجع التقرير أولويات ه ا الورش خالل‬
‫السنين املاضية‪ ،‬ويحصرها في العمل على سد ثغرتين أساسيتين‪ ،‬وهما هشاشة‬
‫العالقة بين الشمال والجنوب‪ ،‬وعدم كفاية النقل في املناطق النائية‪ ،‬ويشيد‬
‫باملقابل بتضاعف طول الطريق ثالث مرات ما بين سنتي ‪ 1956‬و ‪( 2004‬من‬
‫‪ 10.348‬إلى ‪ 35.000‬كلم)‪ ،‬وأشاد التقرير باملنجزات التي حصل فيما يخص‬
‫الطرق السيارة‪ ،‬التي يتم إنجاز برنامجها بوتيرة مرتفعة ومتسارعة لتصل سنة‬
‫‪ 2005‬معدل ‪ 160‬كلم في السنة في أفق ‪ .12010‬كما عتز التقرير‪ ،‬من جان آخر‪،‬‬
‫بالبرنامج الوط ي لالستدراك تح شعار عشرية ا نجاز الشامل‪ ،‬وخاصة‬
‫املشاريع املنجزة في العالم القروي‪ ،‬من برنامج عام لتزويد الوسط القروي باملاء‬
‫الصالح للشرب ‪ ،PAGER‬وبرنامج تعميم كهربة الوسط القروي ‪ ،PERG‬والبرنامج‬
‫الوط ي لبناء الطرق القروية ‪.PNCRR‬‬
‫‪ -2-4‬الحماية االجتماعية ومحاربة الفقر‪.‬‬
‫‪ ‬تأخركبيرفي تقديم الخدمات وتعثرملف الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫يقدر التقرير أنه باستثناء التقدم في مجال التعليم والعالجات الصحية‪ ،‬فإن باقي‬
‫األوراش االجتماعية األخرى عرف ت خرا واضحا‪ ،‬ويعزو التقرير ه ا الت خر إلى‬
‫تحوالت املقاربات وسيادة املنطق اللمي للعروض املقدمة للمواطن‪ ،‬با ضافة إلى‬
‫سيادة املنطق القطاعي للتدخل‪ ،‬مما يجعل البرامج تخضع لتراتبيات واضحة‪،‬‬

‫‪.98‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪54‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وتنتظر عض الخدمات األساسية دورها لتصبح أولوية قطاعية (السلن‪،‬‬


‫اللهربة‪ ،‬املاء الشروب)‪ ،‬ولم يف التقرير أن ينتقد ه ه ا جراءات ليقابلها‬
‫ببعض مظاهر التنمية البشرية املطلوب تحقيقها‪ ،‬ومنها الحر على االندماجية‬
‫وتمركز العمليات والتدخالت على األفراد والجماعات‪ .‬ويلف التقرير االنتباه إلى‬
‫قضية جدية طال ت جيلها‪ ،‬وهي التوازن بين ضرورة الخدمات وكيفية إعدادها‪،‬‬
‫خاصة فيما يتعلق بمسؤولية الدولة وإمكانية التفويض‪ ،‬وفي ذلي يقر أنه "في‬
‫الواقع‪ ،‬فإن خدمة ما تصبح أساسية في املغرب عندما تتدخل الدولة لتوفيرها"‪.1‬‬
‫و سترجع التقرير عض أشكال الحماية االجتماعية العصرية التي أطلقتها إدارة‬
‫الحماية‪ ،‬كإنشاء األنظمة األولى لحوادث الشغل‪ ،‬واملعاشات املدنية واملساعدة‬
‫االجتماعية والتقاعد الخا ‪ ،‬كما يتحدث عن ا صالحات التي أدخلتها ا دارة‬
‫الوطنية لتوسيع التغطية االجتماعية وتنويع الخدمات‪ ،‬للن ذلي يبق غير كاف‬
‫في نظر التقرير‪ ،‬بل يطرح مشاكل جدية من قبيل انعدام الوثوقية في إمكانية‬
‫استمرارية ه ه األنظمة‪ ،‬ال سيما أن مجموع األنظمة املعتمدة ال غط أكثر من‬
‫‪ 30%‬من الساكنة النشيطة في أحسن التقديرات‪ ،2‬ليستدرك على ذلي‪ ،‬كما هو‬
‫الش ن بالنسبة لنقاش العديد من مؤشرات التنمية‪ ،‬باملقاربة املتميزة التي‬
‫تطرحها املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ .3‬وقد حاول التقرير اقتراح عض‬
‫التوجهات امللحة التي ينبغي الحر عليها؛ خاصة مضاعفة توسيع حقل‬
‫الساكنة املستفيدة من نظام الحماية االجتماعية‪ ،‬وإعادة تنظيم الخدمات‪،‬‬
‫ودعم أثمنة املواد األساسية‪.‬‬
‫‪ ‬محاربة الفقر‪ ،‬تنوع املقاربات الخاطئة وجهود ال تحقق املقصود‪.‬‬
‫عرض التقرير وضعية الفقر والفقراء‪ ،‬وي كر باستقرار عدد الفقراء في حدود‬
‫‪ 05‬ماليين فردا ‪ ،‬منهم ‪ 04‬ماليين عيشون تح عتبة الفقر (إنفاق سنوي أقل‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.101 ،‬‬
‫‪ - 2‬نالحظ أن مثل ه ه األرقام لم تتغير تقريبا في تقرير لجنة النموذج الجديد‪.‬‬
‫‪ - 3‬التقرير‪.125 ،‬‬
‫‪55‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫من ‪ 3.235‬درهم بالوسط الحضري و‪ 2.989‬درهم بالوسط القروي)‪ ،1‬ويؤكد أن‬


‫محاربة الفقر هي انشغاالت حديثة العهد في املغرب (بداية التسعينات)‪ ،‬في حين‬
‫أن السياسات العمومية في الفترة السابقة تؤكد وجود برامج للتقليص من أعداد‬
‫الفقراء‪ ،‬للن بصيغ غير مباشرة‪ ،‬وفي ه ا ستدرك التقرير ليتحدث عن‬
‫محاوالت القيام ببعض األعمال االجتماعية خالل فترة الخمسينيات‬
‫والستينيات‪ ،2‬مستعرضا تجارب شبكات الت مين االجتماعي واالقتصادي‬
‫(ا نعاش الوط ي‪ ،‬التعاون الوط ي‪ ،‬صندوق املقاصة)‪ .‬ويستجلي التقرير في ه ا‬
‫الصدد مقاربة خاطئة اعتمدتها ا دارة املغربية في محاربة الفقر‪ ،‬وهي االعتماد‬
‫على التطور االقتصادي (نس النمو) للقضاء على الفقر‪ ،‬وهي باملناسبة مقاربة‬
‫معتمدة من قبل عض املنظمات املانحة مثل البني الدولي‪ ،‬ال ي يتحدث عن‬
‫تزايد نس الفقر في الفترة ما بين ‪ 1990‬و ‪ 1999‬وتحولها من ‪ %3,1‬إلى ‪%19‬‬
‫ويعزو السب إلى النمو الضعيف لالقتصاد الوط ي‪،3‬‬
‫وفي ه ه األطروحة (ربط محاربة الفقر بارتفاع نسبة النمو) نقاش عريض‪ ،‬فإن‬
‫كان لنسبة النمو االقتصادي دور مهم في محاربة الفقر‪ ،‬فه ه مقاربة متجاوزة‬
‫في املنظومات الجديدة للتنمية‪ ،‬بناء على دراسات ميدانية في العديد من الدول‬
‫النامية التي حقق تقدما ملموسا في التنمية البشرية في ل وجود نس نمو‬
‫ضعيفة مشابهة للوضعية املغربية‪ ،‬باملقابل هناك دول لها نس نمو مرتفعة‬
‫وتشكو من ترتي متراجع في تصنيف التنمية البشرية (نموذج عض دول‬
‫الخليج)‪ .‬وقد نبه التقرير إلى عض األسباب الهيكلية في استمرار ارتفاع نس‬
‫وأعداد الفقراء؛ منها عدم كفاية مجهود الدولة في إعادة توزيع الثروة‪ ،‬وعدم‬
‫كفاية النفقات العمومية املخصصة للقطاعات االجتماعية‪ ،‬ناهيي عن ضعف‬

‫‪ - 1‬نتائج البحث الوط ي حول مستوى عيش االسر (‪.)2005‬‬


‫‪ - 2‬التقرير‪.129 ،‬‬
‫‪ - 3‬هي املقاربة ذاتها التي ال تزال معتمدة في السياسات العمومية الوطنية‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تنسيق التدخالت االجتماعية ملحاربة الفقر‪ ،‬وهي األسباب الرئيسية التي كان‬
‫ينبغي محاربتها بكل جدية وحزم‪ .‬ليختم التقرير بالزمته املتلررة عن ضرورة‬
‫املبادرة الوطنية وقدرتها على تجاوز املشاكل حيث يقول‪" :‬وفي ه ا الصدد‪ ،‬فإن‬
‫املبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي انطلق مؤخرا‪ ،‬ستعمل على معالجة‬
‫أسباب كل أشكال انعدام النجاعة‪ ،‬التي تم الوقوف عليها أعاله"‪.1‬‬
‫‪ -3-4‬البطالة وسوق الشغل‪ ،‬أطروحة نسب النمو واستمرارالتحديات‪.2‬‬
‫أشرنا سابقا إلى أطروحة العالقة السببية بين نسبة النمو وتحقيق التنمية‬
‫البشرية التي يتبناها املغرب‪ ،‬ومنها محاربة البطالة وإحداث مناص الشغل‪،‬‬
‫ونعرض هنا للتناقض ال ي يؤكد عجز املغرب عن تحقيق ه ه االطروحة رغم‬
‫كونها متجاوزة‪ ،‬ونستعير من التقرير عض البيانات في ه ا الش ن‪ .‬فخالل الفترة‬
‫ما بين ‪ 1960‬و‪ 1970‬حقق املغرب معدل نمو في حدود ‪ ،%5,7‬وخالل الفترة ما‬
‫بين ‪ 1975‬و‪ 1981‬تراجع املعدل إلى ‪ .%4,6‬للن ذلي لم يفض إلى تنمية شرية‬
‫ت كر ال في الفترة األولى وال في الثانية‪ ،‬وه ا بإقرار رسمي متواتر‪ ،‬ل لي إذا سلمنا‬
‫به ه األطروحة التي ال يزال الخطاب الرسمي يتبناها وتصريحات املسؤولين‬
‫الحكوميين على الخصو ‪ ،‬كيف يملن أن نتصور واقع التنمية البشرية في ل‬
‫نس نمو لم تتجاوز ‪ %04‬لسنوات‪ ،‬مع العلم أن النمو الديمغرافي وغيره من‬
‫التحوالت تزيد من تعميق املشاكل االجتماعية‪ ،‬وهنا تجدر ا شارة إلى أن تب ي‬
‫ه ه املقاربة لن يفض ي‪ ،‬في حال إخفاق مشاريع التنمية البشرية‪ ،‬إال إلى تقويم‬
‫هيللي في نسخة ثانية كما سنرى في فصول مقبلة‪ ،‬ألن الحر على مدخل نس‬
‫النمو‪ ،‬في ل تراجع مساهمة القطاعات الرئيسية‪ ،‬سيفض ي حتما إلى التوجه إلى‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.132 ،‬‬
‫‪ - 2‬سنالحظ كيف أن التقرير يركز على مدخلين أساسيين للتنمية وهما‪ :‬ربط مشروع التنمية‬
‫االجتماعية بنس النمو االقتصادي‪ ،‬وضرورة مبادرة التنمية البشرية التي باستطاعتها‬
‫تجاوز إكراهات املاض ي حس التقرير‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خفض النفقات (مراجعة املوازنات املالية)‪ ،‬مما سيؤدي بدوره إلى تراجع القدرة‬
‫الشرائية للطبقات الفقيرة واملتوسطة‪ ،‬وإلى أزمات اجتماعية حقيقية إثر ذلي‪.‬‬
‫وارتباطا بالتحول الديمغرافي‪ ،‬عرض التقرير تزايد نس الساكنة النشيطة التي‬
‫نعتها ب "الوجه اآلخر للناف ة الديمغرافية"‪ ،1‬بل يصف ارتفاع نس الساكنة‬
‫النشيطة من ‪ %48‬سنة ‪ 1960‬إلى ‪ %62‬سنة ‪ 2003‬ب "الوجه السلبي للناف ة‬
‫الديموغرافية"‪ ،‬وهو ما يتنافى مع التصورات التنموية الدولية التي تعتبر ارتفاع‬
‫نسبة الساكنة النشيطة بمثابة رأسمال حقيق وفرصة ديمغرافية مواتية نجاز‬
‫الرهانات التنموية الصعبة‪ .‬ومن جان آخر فإنه ال يملن أن نتصور وضعا‬
‫ديمغرافيا مغايرا خالل السنوات القادمة (على األقل ‪ 15‬سنة القادمة)‪ ،‬مما ع ي‬
‫الحلم على املشاريع املقبلة بالفشل‪.‬‬
‫وإلى جان إبراز التفاوتات املجالية فيما يخص البطالة وعروض الشغل‪ ،‬وإبراز‬
‫التحوالت الفئوية (ارتفاع البطالة في صفوف الشباب والنساء)‪ ،‬عرض التقرير‬
‫تطور وتيرة إحداث مناص الشغل في املغرب التي يقدرها في حدود ‪152.000‬‬
‫سنويا (ما بين ‪ 1971‬و‪ )1982‬ثم ‪ 137.000‬ما بين ‪ 1982‬و‪ ،1994‬ليرتع إلى‬
‫‪ 217.000‬ما بين ‪ 1995‬و‪ .2003‬أما األطلس البيان ‪ ،‬فقد فصل وضعية البطالة‪،‬‬
‫التي تؤشر على حالة حرجة‪ ،‬تمثل في تزايد عدد العاطلين من ‪ 340.000‬سنة‬
‫‪ 1960‬إلى ‪ 1.300.000‬سنة ‪ 2003‬في الحواضر‪ ،‬وارتفاع نسبة البطالة من ‪%11‬‬
‫سنة ‪ 1982‬إلى ‪ %16‬سنة ‪ 1994‬ثم إلى ‪ %18‬سنة ‪ .22003‬للن عوض أن غو‬
‫التقرير التركيبي في وضعية ت ب ب إحداث مناص الشغل في مقابل استمرار‬
‫تزايد الفئات النشيطة‪ ،‬وما سيترت عن ذلي حتما من إكراهات حقيقية كما‬
‫نراها اليوم‪ ،‬ركز على قضايا أخرى أقل أهمية من قبيل مقارنة مساهمة‬
‫القطاعات الثالثة في إحداث مناص الشغل‪ ،‬ليختم ه ه الفقرة عرض ما‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.164 ،‬‬
‫‪.84‬‬ ‫‪ - 2‬أطلس بيان ملؤشرات التنمية‪ ،‬م س‪،‬‬
‫‪58‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫يتصوره محددات بنيوية يجملها في محدودية إحداث املقاوالت‪ ،‬واحتكار الدولة‬


‫لسوق الشغل‪ ،‬واملشاكل املرتبطة بقابلية التشغيل (مالءمة التكوينات لسوق‬
‫الشغل)‪.‬‬
‫‪ -4-4‬التجهيزات العمومية وقضايا السكن وسياسة املدينة‪.‬‬
‫يميز التقرير بين أر ع مراحل تاريخية متمايزة من املجهودات املب ولة في ميدان‬
‫التجهيز وتوفير البنيات التحتية وهي‪1‬؛ مرحلة التجهيزات اللبرى املواكبة لفجر‬
‫االستقالل (‪ ،)1972/1955‬ويقدر التقدير أن الهدف منها كان هو إعادة رسم‬
‫الخريطة الوطنية‪ ،‬وإنجاز مشاريع تعبر عن وحدة البلد وربط شماله بجنوبه‪ .‬أما‬
‫املرحلة الثانية فهي مرحلة تلثيف االستثمار العموم وتجهيز األقاليم‬
‫الصحراوية (‪ ،)1982/1973‬وإذا كان التقرير شيد بحجم االستثمارات‬
‫العمومية التي عرفتها ه ه املرحلة‪ ،‬فإنه ال يبرئها من وجود اختيارات غير حليمة‪،‬‬
‫كان من نتائج عضها االهتمام بالحواضر واملدن على حساب العالم القروي ال ي‬
‫لم ستفد إال من سياسة السدود‪ ،‬كما جاء في التقرير‪ ،2‬في حين عرف ت خرا‬
‫واضحا فيما يخص البنيات التحتية األساسية والتجهيزات االجتماعية‬
‫والتجهيزات الصناعية والتشغيل والسلن‪ .‬أما املرحلة الثالثة‪ ،‬فيحددها التقرير‬
‫في مرحلة التقويم الهيللي (‪ )1993/1983‬وما واكبها من تراجع شمل جل األوراش‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.201 ،‬‬
‫‪ - 2‬تبق تقديرات التقرير به ا الخصو نسبية وغير دقيقة‪ ،‬إال إذا كان الحديث هنا عن‬
‫السق اللبير والضيعات اللبيرة ومشاريع كبار الفالحين‪ .‬ألن االستفادة االجتماعية من‬
‫سياسة السدود ينبغي أن تتجلى في تطوير الفالحة املعيشية (فالحة صغار الفالحين)‪ ،‬في‬
‫حين أن العديد من الدراسات امليدانية تؤكد معاناة ه ه الفالحة لزمن طويل‪ ،‬والدليل على‬
‫ذلي املحاوالت املتلررة ملخطط املغرب األخضر لدعم ه ه الفالحة من خالل الدعامة‬
‫الثانية (الفالحة التضامنية)‪ ،‬للن رغم ذلي‪ ،‬ال يزال الفالح الصغير عان في العديد من‬
‫املجاالت البورية ومجاالت السق الصغير‪ ،‬ورهان إحداث طبقة وسط في العالم القروي‬
‫عيد املنال‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التنموية‪ ،‬فكان العالم القروي الضحية األولى ل لي‪ .‬كما لم يف التقرير ا شارة‬
‫إلى أثر تب ي السياسة األمنية غداة األزمات الحضرية العنيفة‬
‫(‪ ،)1990 ،1981،1984،1985‬وإذا كان التقرير يقدر أن ه ه األحداث كان‬
‫عبارة عن "أزمات حضرية عنيفة"‪ ،‬فالحقيقة أنها كان إضرابات وانتفاضات‬
‫اجتماعية شعبية موسعة للتعبير عن رفض ه ه السياسة‪ ،‬كان األمثل أن يتم‬
‫تحليل مال ساتها بما يلف مساهمة في الحر على عدم تلرار مثيالتها‪ .‬أما‬
‫املرحلة األخيرة فينعتها التقرير بمرحلة انتعاش املشاريع الخاصة والبنيات‬
‫التحتية االجتماعية وتطور التنافسية (‪ ،)2005/1993‬حيث النهوض لتدارك‬
‫الت خر في عض املجاالت (العالم القروي) ومواصلة تنمية البنيات التحتية‬
‫اللبرى لتحديث االقتصاد الوط ي‪ ،‬وفي ه ا الصدد عرض التقرير ثالث فئات‬
‫من املشاريع املهيكلة؛ فئة البنيات التحتية اللبرى اللوجستية والتجهيزات‬
‫الجماعية اللبرى‪ ،‬والسلن واملشاريع العمرانية اللبرى‪ ،‬والبنيات التحتية‬
‫الصغرى للتجهيزات القطاعية واالجتماعية‪ ،‬وفئة املشاريع التي تعلس تحول‬
‫الدولة نحو الخدمات العمومية عد االنسحاب من كبريات القطاعات ا نتاجية‪،‬‬
‫وفئة املشاريع الخاصة بالبنيات التحتية الطرقية وباقي الخدمات كاملاء واللهرباء‪.‬‬
‫وبخصو السلن‪ ،‬عرج التقرير على أهم التحوالت التي عرفتها سياسة‬
‫ا سكان‪ ،‬والخلل ال ي كان عتري ه ه السياسة املتمثل في الحر على بناء‬
‫وإعداد الدور السلنية فقط‪ ،‬إلى حين عقد الثمانينيات حيث بروز الوعي‬
‫باملس لة الحضرية وت ثيراتها السوسيو‪-‬اقتصادية‪ ،‬للنه يؤكد فشل سياسة‬
‫الدولة في ا دماج السوسيواقتصادي للحواضر لعدة اسباب تنظيمية ومالية‬
‫وأخرى مرتبطة باملس لة العقارية وك ا انفراد الدولة بالتدخل‪ ،‬وهو ما جعل ه ه‬
‫األخيرة تنتقل‪ ،‬على حد تقدير التقرير‪ ،‬إلى مرحلة تصحيحية مع عقد‬
‫التسعينيات تم فيها اعتماد سياسة اتفاقية‪ ،‬تتحدد فيها طبيعة أدوار مؤسسات‬
‫الدولة‪ ،‬مع الحر على إشراك فاعلين آخرين مثل املؤسسات الخاضعة لوصاية‬

‫‪60‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الدولة واملنعشين والقطاع الخا با ضافة إلى الساكنة املستهدفة‪ ،‬وهو ما أدى‬
‫إلى تحقيق عض املؤشرات ا يجابية مثل خفض نسبة عدد األسر القاطنة‬
‫سلنات هشة أو بدور الصفيح من ‪ %21,4‬سنة ‪ 1971‬إلى ‪ 8,2‬سنة ‪.2004‬‬
‫‪ -5‬مسألة إعداد التراب الوطني وقضايا التهيئة‪.‬‬
‫ستهل التقرير الحديث في قضية إعداد التراب الوط ي باملقابلة بين أطروحتين‬
‫ورؤيتين مختلفتين شهدهما املغرب‪ :‬أطروحة املراقبة وأطروحة التنمية‪ ،‬وقد‬
‫حر عند حديثه عن أهمية املقاربة التنموية على إبراز دور استمرار التحلم في‬
‫ا دارة الترابية من قبل وزارة الداخلية‪ ،‬للنه عتبر ذلي "صالحيات" ينبغي‬
‫التخفيف منها لصالح قطاعات خدمية وحكومية أخرى في إطار االندماج‪.‬‬
‫ويؤسس التقرير إلى ا قرار الرسمي بوضعية التفاوتات التنموية الحاصلة بين‬
‫املجاالت املغربية‪ ،‬وتباين توزيع األنشطة االقتصادية والتنموية‪ ،‬مع الت كيد على‬
‫حساسية الوضع بالنسبة للعديد من املجاالت الهامشية التي تشهد تزايدا‬
‫ديمغرافيا سريعا‪ ،‬للنها ال تعتبر أولوية تنموية حقيقية من قبيل الجبال‪ ،‬ه ه‬
‫األخيرة رغم أنها تمثل خزانات حقيقية للموارد الترابية وعلى رأسها املاء‪ ،‬إال أن‬
‫ساكنتها تعيش تح عتبات الفقر والتهميش والهشاشة والخصا ‪.1‬‬
‫من جان آخر يركز التقرير على ضرورة االنتقال من طموح التوازنات التنموية‬
‫الترابية إلى تحديات شمولية املقاربة‪ ،‬وفق تصور مستقل للمجاالت الترابية‬
‫بوصفها مجاالت للتالحم الترا وا عداد والبناء املستمر والدائم لتالفي مؤشرات‬
‫التوتر املجالي الحاضرة أو املحتملة‪ ،‬وفي ه ا الصدد يؤكد التقرير أن املشكلة‬
‫الترابية تلمن عمليا في اتساع الهوة بين خطاب السلطات العمومية وبين واقع‬
‫التنمية الترابية‪ ،2‬مشيرا ب لي إلى ضرورة إعادة النظر في التقطيع الترا لتكون‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.205 ،‬‬
‫‪ - 2‬كان األجدر بالتقرير أن يكون منصفا ويتحدث بنفس الجرأة عن مؤسسات وسلطات‬
‫وصالحيات أخرى لم تلن في املستوى املطلوب بخصو أوراش التنمية‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجهة محور العمليات التنموية الترابية متحررة من ضغوطات املاض ي التي‬


‫حولتها إلى مؤسسات إدارية تح الوصاية ب رائع أمنية صرفة‪.‬‬
‫وقد أشاد التقرير بمبادرة إطالق الحوار الوط ي عداد التراب‪ ،‬واعتبرها مبادرة‬
‫رائدة تم تثمين نتائجها باعتماد ميثاق وط ي خا ومخطط وط ي عداد التراب‪،‬‬
‫حيث كون مجموع ه ه الوثائق أرضية للدورة األولى للمجلس األعلى عداد‬
‫التراب (يونيو ‪ ،)2004‬إال أن التقرير يؤكد على ضرورة رفع تحدي التقارب‬
‫واالندماج الل ان لم يتحققا عد بين اآلليات االستشرافية للتراب وبين آليات‬
‫التخطيط االقتصادي واالجتماعي‪ ،‬وباألساس بين املخطط الوط ي عداد التراب‬
‫وخطة العمل الوط ي للبيئة ومخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية‪ .‬ليختم‬
‫بتصور خا للمس لة الترابية يقول فيه "إنه بدون إعادة النظر في تنوع الرؤى‬
‫"املندمجة"‪ ،‬وبدون مزج للموارد واللفاءات الخاصة‪ ،‬وبدون تظافر الجهود بين‬
‫هيئات االستشراف الترا القطاعي‪ ،‬فإن املغرب يظل مهددا بإضاعة املزيد من‬
‫الوق ‪ ،‬قبل تملنه من التوفر على بوصلة موثوق بها لتخطيط تنميته الترابية‬
‫والقطاعية‪ ،‬على األمدين املتوسط والبعيد"‪.1‬‬
‫‪ -6‬بؤر املستقبل في تصور تقرير الخمسينية‪" ،‬املستقبل يبنى واألفضل‬
‫ممكن"‪.‬‬
‫يقدر التقرير‪ ،‬كما عبر عن ذلي عنوان امللخص‪ ،‬أن "املستقبل يب ى واألفضل‬
‫مملن"‪ ،‬و"املغرب مملن"‪ ،‬للن ذلي مشروط بالعمل على عض القضايا امللحة‬
‫واالستراتيجية‪.‬‬
‫‪ -1-6‬البؤر األساسية أو دعامات اإلقالع‪.‬‬
‫في الفصل السادس من التقرير التركيبي تح عنوان " عد خمسين سنة‪ ،‬نحو‬
‫املستقبل بثقة"‪ ،‬يتحدث ه ا األخير في إحدى فقراته عن بؤر املستقبل‪،2‬‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.207 ،‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.231 ،‬‬
‫‪62‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ويحصرها في املعرفة واالقتصاد والحكامة والصحة وا دماج‪ ،‬ويعتبرها أولويات‬


‫أو مقدمات ينبغي االهتمام بها لتحسين ترتي املغرب في مؤشر التنمية البشرية‬
‫األممي‪ ،‬ألنها تشكو من عجز بنيوي وتهم األ عاد املحورية للتنمية البشرية‪ .‬وقد‬
‫كان التقرير جازما في أنه في حال عدم تجاوز بؤر املستقبل ه ه‪" ،‬فإنها سترهن‪،‬‬
‫شكل أكيد‪ ،‬مستقبل تنمية البالد"‪ ،1‬وهو ما حدث فعال حس تشخيص تقرير‬
‫لجنة النموذج الجديد‪.‬‬
‫‪ ‬املعرفة‪.‬‬
‫عتبر التقرير أن مشكلة املعرفة مركبة ترتبط بولوج املعرفة وإنتاجها ونقلها‬
‫ونشرها‪ ،‬وفي كل أشكالها‪ :‬التربية والتكوين‪ ،‬ومحو األمية‪ ،‬وا نتاج الثقافي‪،‬‬
‫والبحث العلمي‪ .‬ويطرح التقرير بديال ل لي هو إرساء مجتمع املعرفة واقتصاد‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫ومن أسباب فشل منظومة التربية والتكوين أنها‪ ،‬كما يصف التقرير‪ ،‬تمر ب زمة‬
‫مشروعية‪ ،‬ورغم أنها تست ثر ب كثر من ر ع امليزانيات العامة للدولة‪ ،‬إال أنها‪،‬‬
‫وباستثناء مرحلة فجر االستقالل‪ ،‬ل تعان من نقص كبير في التعبئة وغياب‬
‫االنخراط وااللتزام الجماعيين‪ ،‬إلى أن أصبح املدرسة املغربية مفتقدة للقدرة‬
‫على نقل قيم املواطنة واالنفتاح والتقدم‪ ،‬ناهيي عن ضعف الجودة‪ ،‬وارتفاع‬
‫نس الهدر املدرس ي‪ ،‬والضعف اللغوي وإقصاء الفتيات‪ ،‬خاصة في العالم‬
‫القروي‪ ،‬من الحق في التمدرس‪.‬‬
‫كما أخفق سياسات البحث العلمي‪ ،‬حس التقرير دائما‪ ،‬بل لم يلن أولوية‬
‫لعقود شهادة أرقام عديدة‪ ،‬وهو ما أدى إلى تراجع نجاعة سوق الشغل وعلى‬
‫االقتصاد الوط ي شكل عام‪ .‬ويبق الدت ثير األهم لتراجع املعرفة هو تراجع‬
‫النقاش العموم ومستوياته في أوساط املجتمع وتزايد نس األمية واتساع‬
‫قاعدة الفئات ذات التعليم املحدود‪.‬‬

‫‪.231‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪63‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫للن يبدو أن التقرير لم يلن منسجما‪ ،‬فهو يتب ى إصالحا في خدمة املقاولة‬
‫واالستثمار الخا ‪ ،‬فال يتحدث إال عن توفير اليد العاملة والتكوين املنهي وإنشاء‬
‫املقاولة (تعليم في خدمة إنتاج السلع)‪ ،‬ويدعو هنا إلى إصالح تعليمي من صميم‬
‫منظومة "التنمية البشرية"‪ ،‬يفيد في تعميم القراءة وتطوير مستويات التواصل‪،‬‬
‫والقدرة على الحجاج وا بداع واالبتكار‪ ،‬والقدرة على الت طير والتعبئة والبناء‪.‬‬
‫‪ ‬االقتصاد‪.‬‬
‫يقف التقرير عند إشكال بنيوي حقيق عتري االقتصاد الوط ي‪ ،‬ال ي يرتلز‬
‫على دعامتين‪ ،‬دعامة أولى تتمثل في نسق األنظمة املالية ونس التضخم‬
‫والتوازنات املاكرو اقتصادية‪ ،‬ثم دعامة ثانية تمثلها نسبة النمو‪ .‬فإذا كان املغرب‬
‫قد حقق تقدما مهما فيما يخص املرتلز األول باعتماد عدة آليات فعالة‪ ،‬من‬
‫قبيل السياسات النقدية والجبائية واملالية‪ ،‬إال أن استمرار تراجع نس النمو‬
‫وعدم ثباتها يؤثر شكل واضح على بنية غير متوازنة لالقتصاد الوط ي‪ .‬ومعلوم‬
‫ت ثر مؤشرات التنمية بنس النمو ه ه (البطالة والشغل والدخل) وفق‬
‫األطروحة املعتمدة‪.‬‬
‫‪ ‬قضية اإلدماج الترابي والسوسيواقتصادي‪.‬‬
‫خالل الخمسين سنة املاضية راكم املغرب تباينات وتفاوتات يملن حصرها في‬
‫ثالثة اتجاهات‪ :‬فئوية واجتماعية وترابية‪ .‬فثمة فئات اجتماعية لم يتم إشراكها‬
‫وإدماجها بالشكل املطلوب‪ ،‬وخاصة منها فئة النساء والشباب‪ ،‬ويتجلى التهميش‬
‫وا قصاء لهاتين الفئتين في ارتفاع نس األمية في صفوف النساء‪ ،‬ونس‬
‫البطالة‪ ،‬وعدم االستفادة من قدرات العديد من النساء املغربيات‪ ،‬كما ال تزال‬
‫فئات عريضة من الشباب تشكو األمية با ضافة إلى عدم االستقرار االجتماعي‬
‫وضعف االنخراط في املجاالت السياسية والثقافية وغيرها‪ .‬أما بخصو‬
‫التفاوتات املجالية‪ ،‬فقد نبه التقرير إلى استمرار التفاوت بين القرى واملدن من‬
‫حيث البنيات التحتية والتجهيزات والخدمات األساسية‪ ،‬كما ال يزال املغرب‬

‫‪64‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫عان من اختالل على مستوى التنمية الترابية واملحلية‪ ،‬وتباين استفادة املجاالت‬
‫الترابية فيما بينها‪.‬‬
‫‪ ‬النظام الصحي الوطني وغياب املقاربة االجتماعية‪.‬‬
‫يرجع التقرير إخفاق النظام الوط ي للصحة إلى عدة أسباب أشار إلى عضها‪،‬‬
‫ل لي يلح على ضرورة العمل على صياغة مقاربة اجتماعية لحل ه ه القضية‪،‬‬
‫وعدم االرتهان إلى املقاربة االقتصادية الربحية‪ ،‬وذلي بالرفع من ا نفاق على‬
‫الصحة والحر على عقلنة التدبير وتقويم ا نفاق‪ ،‬وإعداد مخطط تصحيحي‬
‫عادة انتشار الخدمات العالجية العمومية والخاصة‪.‬‬
‫‪ ‬الحكامة‪ ،‬عجزيشمل املقاولة واملجال العمومي على حد سواء‪.‬‬
‫يرى التقرير أن العجز في الحكامة شمل املجال العموم با ضافة إلى املقاولة‪،‬‬
‫وإذا كان التقرير قد أشاد بالتغييرات التي حصل في املجال السياس ي وما أدت‬
‫إليه من انفراج وتجاوز وضعية التشنج في اللعبة السياسية‪ ،‬فإنه عتبر سياسة‬
‫التقويم الهيللي من بين ا صالحات املهمة في سياق التنمية البشرية‪ ،‬ويصنفها‬
‫إيجابية إلى جان االنفتاح االقتصادي وانفتاح املجتمع وترسيخ مفهوم الدولة‪،1‬‬
‫وفي ذلي مجانبة كبيرة للوقائع التي تؤكد أن املغرب خسر مواقع تنموية عدة‪،‬‬
‫والدليل على ذلي التقارير السوداء التي صدرت من قبل املنظمات ا قليمية‬
‫والدولية ذات الصلة‪ .‬وقد خص التقرير عض القضايا واملؤسسات التي ينبغي‬
‫االهتمام بحكامتها لتجاوز وضعية الركود‪ ،‬منها اهرة الرشوة وضرورة ت هيل‬
‫مجال القضاء‪ ،‬ه ا األخير ال ي كان وال يزال من بين أولويات الشراكة مع البني‬
‫الدولي من سنة ‪ .21998‬ومن بين القضايا البنيوية املساهمة في تحقيق حكامة‬
‫جيدة‪ ،‬في نظر التقرير‪ ،‬ال مركزية التدبير والديمقراطية املحلية التي ستساعد‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.235 ،‬‬
‫‪ - 2‬في سنة ‪ 2000‬مول البني الدولي مشروع إصالح قانون وقضائ بمبلغ ‪ 5,6‬مليون أورو‪،‬‬
‫هم باألساس إصالح القضاء التجاري (السجل التجاري‪ ،‬ونظام تسيير املحاكم‪ ،‬وإعادة‬
‫هيكلة املعهد األعلى للقضاء)‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حتما في تحقيق الحكامة الجيدة املطلوبة‪ ،‬إذا تم صياغة جهوية حقيقية‬


‫تلرس دعم القرار املحلي وتلرس استقالليته‪ .‬ومما است ثر باهتمام التقرير‬
‫قضايا حكامة املقاولة‪ ،‬التي يرى أنها تحتاج إلى دعم وإعداد بيئة تنظيمية‬
‫ومجتمعية عمها السلم االجتماعي والحوار الدائم لتطوير االستثمار‪.‬‬
‫ومن القضايا امللحة التي كان على التقرير تناولها بكل تفصيل باعتبارها ورشا‬
‫مستقبليا؛ قضية منظومة العدالة‪ ،‬التي تناولها كميا من خالل تطور عدد‬
‫القضاة ونسبتهم إلى الساكنة‪ ،‬وك ا تطور أعداد املحامين والعدول ومؤسسات‬
‫القضاء‪ .‬وفيما كان ينتظر أن ينص نقاش التقرير في قضايا الحقوق والحريات‬
‫واستقالل العدالة ودورها في تلريس دولة الحق والقانون‪ ،‬وما عرفته منظومة‬
‫العدالة خالل ‪ 50‬سنة من التبعية للسلطة‪ ،‬واستغاللها في عض األحيان لضبط‬
‫توازنات معينة وتصفية حسابات خارج إطار القانون‪ ،‬اهتم التقرير التركيبي‬
‫والتقارير التفصيلية بتطور قضايا األسرة واألحوال الشخصية وا صالح الشامل‬
‫ال ي شمل املدونة في سياق نهج طريق الحداثة االجتماعية وتسهيل اندماج‬
‫املغرب في املنتظم الدولي‪.1‬‬
‫‪ -2-6‬بؤر التنمية البشرية‪.‬‬
‫عد تحديده للبؤر الحاسمة في مستقل التنمية في مغرب ‪ ،2025‬انتقل التقرير‬
‫إلى ما سماه مبادئ للتنمية البشرية يتعين توطيدها‪ ،2‬وكان ينتظر أن يتحدث‬
‫التقرير عن مؤشرات إجرائية قابلة للقياس يتعين التصدي لها لتحقيق التنمية‬
‫البشرية‪ ،‬إال أنه آثر الحديث عن مبادئ عامة‪ ،‬حصرها في املشاركة والتخطيط‬
‫والتقويم واملحاسبة واتخاذ القرار‪ .‬وإذا كان التقرير يرجح أن ه ه املبادئ تعتبر‬
‫كفايات مستقبلية لرسم معالم ممارسة أكثر تقدما للتنمية البشرية في‬
‫املستقبل‪ ،‬فإننا نقدر أن ه ه املبادئ تبق في مجموعها عامة وفضفاضة تليق‬

‫‪.94‬‬ ‫‪ - 1‬األطلس البيان ‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬


‫‪ - 2‬التقرير‪.237 ،‬‬
‫‪66‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫أن تكون مقدمات لكل مشروع اندماجي فعال مهما كان أهدافه‪ ،‬وبالتالي يصع‬
‫االقتناع باعتبارها خصوصيات التنمية البشرية‪ ،‬خاصة أن التقرير يلرر لغة‬
‫رسمية الزم ه ه املرحلة (مرحلة العهد الجديد)‪.‬‬
‫فعندما يتحدث التقرير عن املشاركة مثال‪ ،‬يركز باألساس على ربط االستدامة‬
‫واالستمرارية باستشارة املعنيين‪ .‬للن إذا كان التقرير ينف نفيا قطعيا عن‬
‫التدخالت السابقة استشارتها للمعنيين‪ ،‬وه ا صريح التقرير‪ ،‬فقد كان عليه أن‬
‫ينوه باملبادرات الحميدة واملمارسات األهلية واملدنية والشعبية التي كان تقوم‬
‫بها عض املؤسسات غير الرسمية و عض ممثلي التجمعات الترابية‪ ،‬خاصة في‬
‫العالم القروي‪ ،‬و عض التعاونيات والوداديات ومؤسسات أخرى غير رسمية في‬
‫الحواضر واملدن‪ ،‬إال أنه ركز شكل واضح على املشاريع الرسمية التي لم تنجز‪،‬‬
‫معتبرا أن أسبابها ال تخرج عن عدم استشارة املعنيين وعدم مشاركتهم‪.‬‬
‫وفي حديثه عن التخطيط‪ ،‬يتهم التقرير املخططات السابقة وينتقد قصر مداها‬
‫وضيق أفقها‪ ،‬لينتقل إلى ضرورة التخطيط متسع األفق‪ ،‬ال ي ال يت ثر بتعاق‬
‫املسؤولين وتحوالت السياسة‪ ،‬وفي ه ا تقليل كبير من ش ن املؤسسات‬
‫التنفي ية املنتخبة‪ ،‬وتلريس ملمارسة تاريخية أثب الزمان فشلها‪ ،‬وهي إفراغ‬
‫املهام واملسؤوليات من مضامينها وسلبها صالحياتها لصالح مؤسسات غير‬
‫منتخبة يتم تدبيرها وفق إشارات وتعليمات أصحاب القرار‪.‬‬
‫ويزيد التقرير من اتهامه للماض ي عندما ينف عن التدخالت السابقة بناؤها‬
‫انطالقا من دراسات استلشافية‪ ،‬ويؤكد أن هناك عددا جد محدود من القرارات‬
‫الحاسمة التي اتخ ت في ضوء نقاش منفتح على تعدد وجهات النظر‪ ،1‬للنه‬
‫سقط في تناقض كبير عندما شيد بالعديد من املشاريع التنموية‪ ،‬سواء في ه ا‬
‫الصدد أو في غيره مما سبق‪ ،‬وينس ى أنها تم دون تشاور أو نقاش منفتح أو غير‬
‫منفتح‪ ،‬واألمثلة قاطعة ساطعة أكبر من أن تحج غربال‪ .‬أما الحديث عن‬

‫‪.238‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪67‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اللفاءات‪ ،‬فقد أثبت تجربة الخمسين سنة‪ ،‬و عدها تجربة عقد ونيف‪ ،‬أن‬
‫تدبير الش ن العام في املغرب‪ ،‬ومعه تحقيق التنمية‪ ،‬غير مرتبط بما سمى‬
‫"اللفاءات"‪ ،‬بل يحتاج إلى إرادة حقيقية وحرية الرأي قبل ذلي‪.‬‬
‫ويلتزم التقرير املنهج نفسه عند الحديث عن مبدأ التقييم‪ ،‬ليعرب عن عدم رضا‬
‫اللجنة عن السياسات التنموية السابقة‪ ،‬التي كان تنقصها املالءمة مع‬
‫احتياجات املواطنين‪ ،‬ويتصور أنه لو تم التدخل في الوق املناس لكان بإمكان‬
‫املغرب أن يحرز تقدما أكيدا في عض القطاعات‪ ،‬مشيرا إلى قطاع التربية‬
‫والتكوين كمثال على ذلي‪ .‬ولو أن التقرير أعط املثال بقطاعات أخرى‪ ،‬النتظرنا‬
‫النتائج عد عقود‪ ،‬للن ما نراه من تراجع واضح في املنظومة التربوية‪ ،‬يدعونا إلى‬
‫التشليي في مثل ه ه التعميمات واالنطباعات‪.‬‬
‫وج ير بالت كير أن فشل املشاريع التنموية في املغرب ال يرجع إلى غياب التقييم‪،‬‬
‫بل إلى تحول التقييم إلى فرصة لفتح آمال عريضة وهدر املزيد من الوق ‪ ،‬فما‬
‫مصير التقييمات التي تم ‪ ،‬وتم الوقوف فيها عند اختالالت جمة‪ ،‬بل اختالسات‬
‫كبيرة‪ ،‬كان مصيرها دهاليز النسيان‪ .‬أما الحديث عن املحاسبة (تقديم‬
‫الحسابات)‪ ،‬أو بصيغة أخرى قضية التعاقد مع املواطن‪ ،‬فهي من صميم ما تم‬
‫الحديث عنه سابقا‪ ،‬بل يلف النظر إلى مصير البرامج االنتخابية التي تنفق عليها‬
‫املاليير من ميزانيات الدولة‪ ،‬ثم تصبح هباءا‪ ،‬وتتحول أوراق البرامج إلى نفايات‬
‫تكلف نظافتها املزيد من األموال‪ ،‬أما عن التزام أصحابها بما وعدوا‪ ،‬فهو من عداد‬
‫املستحيالت‪ ،‬إذ إن العديد من املنتخبين يكادون ينسون برامجهم االنتخابية‪،‬‬
‫ألنهم مرغمون على نسيانها في إطار التوجيهات والتعليمات والتوصيات‬
‫والتوافقات‪ ،‬بل إنهم ال يت كرونها أصال مادام تكلف بها مكات خبرة ال عالقة‬
‫لها باألحزاب من قري أو عيد‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -7‬مالحظات بنيوية مع مزيد من تحميل املسؤولية للفاعلين السياسيين‬


‫عوض أصحاب القرار‪.‬‬
‫عد تفليي التقرير ملسار توفير الخدمات االجتماعية األساسية‪ ،‬و عد تحديد‬
‫مكامن الضعف ومواطن الخلل‪ ،‬اهتم التقرير ببعض املالحظات الهيكلية التي لم‬
‫تخرج عن سياق ما ذكرناه سابقا من مالحظات‪.‬‬
‫عد تشخيص مستفيض ي يل التقرير ه ه الفقرة بمالحظات عامة وهيكلية‪،‬‬
‫للنه يربطها بالقطاعات الخدمية في عنوان واضح‪" :‬محاور مشتركة تهم مختلف‬
‫البرامج القطاعية لولوج الخدمات"‪ ،‬وفي ه ا الصدد عتبر التقرير أن هناك‬
‫عالقة وطيدة بين الفقر وولوج الخدمات‪ ،‬مرجحا مسؤولية القطاعات الوصية‬
‫على الخدمات في ارتفاع نس الفقر‪ ،‬ال ي تحدده نسبة االستفادة من الخدمات‬
‫على حد تعبير التقرير‪ .‬ولتجاوز ذلي‪ ،‬يدعو إلى ضرورة العمل على أر ع واجهات‪،‬‬
‫وهي التفاوتات السوسيومجالية وقضية النوع في عالقتهما بالفقر‪ ،‬ثم قضية‬
‫التنسيق واالندماج‪ ،‬وقضية األ عاد الليفية‪ ،‬وأخيرا إسقاط املماثلة بين‬
‫الخدمات األساسية والخدمات العامة‪.‬‬
‫فيما يخص التفاوتات‪ ،‬يصرح التقرير بوجود تفاوتات كبيرة (مجالية وعلى‬
‫مستوى النوع)‪ ،‬خاصة عند حديثه عن ازدواجية الخدمات بين الحواضر‬
‫واملدن‪ ،‬مؤكدا أنه في القرى واملناطق النائية عيش أغل السكان في شبه عزلة‬
‫وفقر وأمية‪ ،‬أما الحواضر فإنها تنعم بالتنمية البشرية‪ ،‬ما يجعل بالدنا ال تختلف‬
‫عن مثيالتها من البلدان املتقدمة‪ ،1‬وهو ما يتعارض جملة وتفصيال مع‬
‫تصنيفات األمم املتحدة التي وضع املغرب في مرات متدنية حتى عن عض‬
‫الدول النامية مثل بلدان املغرب العر أو الشرق األوسط أو إفريقيا الوسط ‪.‬‬
‫وفي سياق توصيف التفاوتات املجالية دائما‪ ،‬يرجح التقرير أنه من بين األسباب‬
‫الرئيسة‪ ،‬ت خر التدخل با ضافة إلى عدم استجابة التدخالت لخصوصيات‬

‫‪.102‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪69‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العالم القروي‪ ،‬ومنها تشت السلن وضعف اللثافة السكانية وانعدام القدرة‬
‫على األداء‪.‬‬
‫وفي ش ن التنسيق واالندماج القطاعي‪ ،‬استعمل التقرير لغة النف في وصف‬
‫اندماج تدخالت القوى العمومية‪ ،‬وال ي عتبره من صميم غياب الحكامة في‬
‫التدبير الترا ‪ ،‬ويقدر أن ذلي هو السب في تراجع التنمية البشرية‪ ،‬ويصف‬
‫باستغراب كبير ما سميه "املفارقة الصارخة" بين الوضع املرض ي للتدخالت‬
‫القطاعية والتقنية‪ ،‬والوضع املتردي للتنمية البشرية‪ ،‬وهو ما أخرج التقرير عن‬
‫دائرة املوضوعية‪ ،‬وجعله يصف األوضاع بمنظور مفهوم مجرد (التنمية‬
‫البشرية)‪ ،‬في حين أنه ال عقل أن يتم تحقيق ملتسبات واضحة فيما يخص‬
‫املؤشرات العرفية والتاريخية للتنمية وتبق وضعية التنمية البشرية على حالها‬
‫ووضعها املتخلف‪.‬‬
‫للن باملقابل كان التقرير دقيقا عندما لف االنتباه إلى إحدى ا شكاالت اللبيرة‬
‫للتنمية‪ ،‬وهو إغفال العديد من املؤشرات الليفية للتنمية البشرية‪ ،‬وخاصة‬
‫إشراك السكان‪ ،‬مما جعل العديد من التجهيزات الخاصة بالصحة أو التربية‬
‫والتكوين وغيرها عديمة الجدوى‪ ،‬ولم ينتفع منها السكان‪ ،‬إما ألنها غير جاهزة‪،‬‬
‫أو ال تناس الوسط‪ ،‬أو ال تتوفر على املوارد البشرية الضرورية لالشتغال‪ ،‬مما‬
‫يجعل مصيرها التلف أو ا همال أو تصبح عبئا إضافيا على تهيئة املجال املحلي‪.‬‬
‫للن التقرير أعط اقتراحات عامة بخصو الصيانة وحسن التدبير‬
‫والديمومة‪ ،‬دون لف االنتباه إلى ضرورة تمليي املجال لساكنيه‪ ،‬وخاصة في‬
‫العالم القروي ال ي شكو من ضعف الثقة بين الساكنة واملؤسسات الرسمية‪،‬‬
‫التي ال ينظر فيها إال أعباء مالية ورقابة إضافية ال أقل وال أكثر‪.‬‬
‫وفي مقابل تحفظ التقرير عن الخوض في قضية تمليي املجال لساكنيه‪ ،‬أسه‬
‫في الحديث عن ضرورة التمييز بين الخدمات األساسية والخدمات العامة‪ ،‬وفي‬
‫ه ا الصدد شيد بآليات التوزيع العادل للتحمالت‪ ،‬وذلي من خالل عض‬

‫‪70‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫املبادرات التي تخلص فيها الدولة من أعباء تكاليف الورش االجتماعي‪ ،‬وي كر‬
‫ما عتبره إنجازا؛ قضية إدخال التسعيرة املتدرج لخدمات املاء واللهرباء‪ ،‬وكيف‬
‫أن آلية التسعير استطاع أن تحقق عقلنة االستهالك وتوفير كميات مهمة من‬
‫املوارد املائية‪.‬‬
‫وينتقل التقرير إلى اعتماد لغة أشد وضوحا عندما علن أنه من "املحتمل أن‬
‫تكون التجربة املغربية قد جانب الصواب ملدة طويلة‪ ،‬بطموحها إلى التوحيد‪،‬‬
‫إن لم نقل ميلها إلى نزعة مساواتية غير منتجة في مجال عرض الخدمات‬
‫األساسية"‪ ،1‬ولعله يميل هنا إلى ضرورة التمايز في عرض الخدمات األساسية‪،‬‬
‫ويفترض أن بطء توفير الخدمات كان سببه الحر على املساواة‪ ،‬وهنا يملن‬
‫التفاعل مع التقرير في مستويين اثنين؛ املستوى األول مرتبط باملبدأ‪ ،‬أما الثان‬
‫فمرتبط باملوضوعية‪ .‬أما من حيث املبدأ‪ ،‬فما يتحدث عنه التقرير من أسباب في‬
‫بطء تقديم الخدمات‪ ،‬فهي مجرد إطالقات عامة وغير محسوبة‪ ،‬دليل ذلي هو‬
‫نموذج تدبير الخدمات األساسية في العديد من الدول النامية والصاعدة‪ ،‬وإنه‬
‫ملن التعميمات املعيبة‪ ،‬بل املرفوضة‪ ،‬أن نتحدث عن التوزيع العادل للتحمالت‬
‫في ل غياب منظومة متوازنة للمحاسبة‪ ،‬إذ ال يصح أن يتم السكوت عن التهرب‬
‫الضريبي وتنام أشكال ا ثراء غير املشروع وتزايد االقتصاد غير املهيكل‬
‫ألصحاب االستثمارات اللبيرة مقابل الحزم في ت دية مقابل الخدمات األساسية‪.‬‬
‫أما من حيث النظر املوضوعي للمشكلة‪ ،‬فا دارة ال تنصف الفقراء‪ ،‬وال تمتعهم‬
‫ب دن تمييز اجتماعي إيجا وال تعفيهم من أي نوع من الضرائ والرسوم على‬
‫الخدمات األساسية‪ ،‬بل الحقيقة أن الفقراء هم من يتحمل تكاليف جميع‬
‫الخدمات العمومية‪ ،‬سواء شكل مباشر أو غير مباشر‪ ،‬ولعل تراجع القدرة‬
‫الشرائية‪ ،‬وتراجع القدرة على تسديد تكاليف الحياة راجع باألساس إلى غالء‬
‫األسعار وانسحاب الدولة من مسؤولية توفير الخدمات‪ ،‬أما الحديث عن تحمل‬

‫‪.105‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير‪،‬‬
‫‪71‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الطبقات امليسورة واج االستفادة من الخدمات‪ ،‬فهي قضية شعار أكثر منها‬
‫برنامج عملي‪.‬‬
‫خاتمة‪.‬‬
‫في ختام ه ا الفصل‪ ،‬نرجع لنستجمع عض املالحظات املركزة بخصو تقرير‬
‫الخمسينية‪:‬‬
‫‪ ‬عد التقرير خطوة متقدمة باملقارنة مع ما سبق من تقارير أحادية‬
‫الجان ‪ ،‬وقد ساهم في إنجازه ثلة من كبار الباحثين والجامعيين واألطر‬
‫املغربية؛‬
‫‪ ‬حرص لغة التقرير في عمومها على إ هاره في صيغة اقتراح مفتوح في وجه‬
‫العموم‪ ،‬وفي شكل توجهات عامة مؤطرة‪ ،‬اعتبارا أن البرنامج من مهام‬
‫الطبقة السياسية‪ .‬إال أن الواقع هو أن خالصات التقرير أصبح فيما‬
‫عد نموذجا تنمويا رسميا (املبادرة الوطنية للتنمية البشرية)؛‬
‫‪ ‬يمثل التقرير نموذجا تنمويا متكامال‪ ،‬وهو النموذج ال ي تبناه املغرب‬
‫تح مسمى " التنمية البشرية" ب عادها العامة‪ ،‬في شقها االجتماعي كان‬
‫املشروع واضحا وصريحا وهو "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية"‪.‬‬
‫واقتصاديا تلخص النموذج في "األوراش اللبرى" والرفع من القيمة‬
‫املضافة للقطاعات الرئيسية الثالثة‪ ،‬أما سياسيا وحقوقيا‪ ،‬فقد ركز‬
‫الخطاب الرسمي على استلمال ورش الالمركزية والديمقراطية املحلية‬
‫واملصالحة الوطنية؛‬
‫‪ ‬يتسم التقرير ببرود واضح في التحليل‪ ،‬ويرجع ه ا البرود في نظرنا إلى‬
‫تحاش ي الخوض في القضايا الهيكلية لإلقالع التنموي‪ :‬املحاسبة والحرية‬
‫والحلم الرشيد؛‬
‫‪ ‬يتسم التقرير بتركيز كبير على ضرورة التنمية البشرية ال ي يراها حال‬
‫وحيدا لتحقيق التنمية في الحالة املغربية‪ ،‬للن املالحظ أنه في االقتراح تم‬

‫‪72‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تغيي املؤشرات الرئيسية للتنمية البشرية‪ :‬الحقوق املدنية والسياسية‬


‫والحرية وتوسيع ا مكانات‪ ،‬وبالتالي هناك ردة إلى تب ي األجيال السابقة‬
‫للتنمية (التنمية االقتصادية واالجتماعية)؛‬
‫غي التقرير عالقة االجتماعي بالسياس ي ويركز على عالقة االجتماعي‬ ‫‪ِ ‬‬
‫بالحز ‪ ،‬وهي عالقة بنيوية حاسمة في اختيار النموذج التنموي املغر ‪،‬‬
‫وفي ل خلو التقارير التفصيلية من ورقة خاصة بتطور بناء الدولة‬
‫وعالقة املؤسسات والسلطات فيما بينها‪ ،‬يفسح التقرير املجال للتقرير‬
‫التركيبي ال ي صاغ ذلي بتوجيه واضح؛ بالتقليل من نقاش تطور طبيعة‬
‫الحلم إلى التركيز على توصيف نظام الحكامة؛‬
‫‪ ‬التزم التقرير عض التوصيفات املجانبة للحقيقة لتوجيه الخالصات نحو‬
‫املفهوم امل كور‪ :‬التنمية البشرية‪ .‬وهنا يملن ا شارة إلى ما سماه التقرير‬
‫"األزمات الحضرية العنيفة‪ ،"1990 ،1985 ،1984 ،1981 :‬وهي في حقيقة‬
‫األمر حراك شعبي واضح‪ ،‬وانتفاضات شعبية وج تحليلها وفق سياقها‬
‫التاريخي املعروف بكل جرأة ومسؤولية أخالقية وأدبية؛‬
‫‪ ‬يلتزم التقرير في كل فصوله صيغة "تحقق في املغرب اللثير‪ ،‬للن با مكان‬
‫إحراز األفضل في ل التنمية البشرية"‪ ،‬للن ال يتحدث عن تناقضات‬
‫سوسيواقتصادية لعلها أكبر مؤشر عن ضالل البوصلة التنموية‪ ،‬وهي أنه‬
‫في ل ا خفاقات التنموية وتراجع قدرة الطبقات الضعيفة واملتوسطة‬
‫على االرتقاء‪ ،‬هناك فئات قليلة تجمع بين السلطة والثروة‪ ،‬استطاع أن‬
‫تستفيد من الثروة الوطنية شكل لم شهده تاريخ املغرب املستقل؛‬
‫إجماال نلمس من خالل قراءة التقرير أنه حاول تشخيص واقع املغرب من‬
‫االستقالل بانفتاح أكبر‪ ،‬مع ا شارة إلى معظم األخطاء التي ارتلبها‬
‫الفاعلون‪ ،‬كما عمل على تثمين لحظات أحرزت تقدما ونجاحا‪ .‬للن كل‬
‫ذلي ال عدو أن يكون مجرد إشارات إلى إشكاالت واختالالت املاض ي‬
‫ومحاولة للتخفيف منها أو التماس األع ار واملبررات لها‪ ،‬وه ا يتنافى مع‬
‫‪73‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االستقالل العلمي والحياد املعرفي في تحليل وتقييم مسار التنمية البشرية‬


‫باملغرب‪ ،‬كما يتنافى أيضا مع مطامح شعار املصالحة مع املاض ي ال ي رفعه‬
‫املغرب‪ ،‬ألن ط صفحات املاض ي ال يملن أن يت ت إال من خالل تحقيق‬
‫شروط املصالحة الحقيقية كما هو متعارف عليها‪ ،‬ولعل أهمها‪ :‬معرفة كل‬
‫ما جرى‪ ،‬وملاذا جرى؟ ومن املسؤول عما جرى؟ وتفعيل املحاسبة‪ .‬ف ول‬
‫العالج مصارحة ال ات‪ ،‬وهو ما لم يتم شكل واضح واعتمد التقرير‬
‫عوض ذلي لغة انتقائية‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفصل الثالث‬
‫حالة املغرب بين نموذجين تنمويين‪2021-2006 :‬‬
‫هل نحن في تقدم أم في تراجع؟‬

‫‪75‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لتقييم املرحلة ما بين النموذجين التنمويين‪ ،‬ينبغي التزام مؤشرات واضحة‪ ،‬وفق‬
‫منطلقات مضبوطة‪ ،‬حتى يكون دقيقا و عيدا عن االنطباعات واآلراء املرسلة‪،‬‬
‫ل لي آثرنا االنطالق من الوثائق املرجعية التي حددت طبيعة املشروع التنموي‬
‫ال ي يلتزم به املغرب خالل ه ه املرحلة‪.‬‬
‫ولعل الخطاب امللك ل ‪ 18‬ماي ‪ 2005‬عد مرجعا في ضبط وتحديد معالم ه ا‬
‫املشروع إذ يقول‪" :‬وتندرج ه ه املبادرة ضمن رؤية شمولية‪ ،‬تشكل قوام‬
‫مشروعنا املجتمعي‪ ،‬املرتلز على مبادئ الديمقراطية السياسية‪ ،‬والفعالية‬
‫االقتصادية‪ ،‬والتماسي االجتماعي‪ ،‬والعمل واالجتهاد‪ ،‬وتملين كل مواطن من‬
‫االستثمار األمثل ملؤهالته وقدراته"‪ .‬وعليه يملن استخال املشاريع اللبرى التي‬
‫ينبغي تقييمها‪:‬‬
‫سياسا‪ :‬مشروع الديمقراطية السياسية؛‬
‫اقتصاديا‪ :‬مشاريع الفعالية االقتصادية؛‬
‫اجتماعيا‪ :‬مؤشرات التماسي االجتماعي املفض ي إلى تملين كل مواطن من‬
‫االستثمار األمثل ملؤهالته وقدراته‪.‬‬
‫وبا ضافة إلى الخطاب امللك ‪ ،‬هناك مرجعية أخرى يملن البناء عليها‪ ،‬وهي‬
‫خالصات تقرير الخمسينية‪ ،‬التي رسم املسارات في مفترق الطرق ال ي وصله‬
‫املغرب سنة ‪.2006‬‬
‫‪ -1‬تذكيربمعالم املسارين املفترضين سنة ‪.2006‬‬
‫خلص تقرير الخمسينية عد تحليل إنجازات وإخفاقات نصف قرن من التنمية‬
‫في املغرب إلى أن البلد يقف في مفترق طرق بين مسارين؛ مسار تراجعي مرفوض‪،‬‬
‫وآخر م مول ومملن التحقيق‪ ،‬وجعل لكل منهما سمات‪ ،‬ورجح أن املطلوب هو‬
‫تجاوز عقبات املسار التراجعي‪ ،‬والعمل على تحقيق متطلبات املغرب امل مول‬

‫‪76‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫واململن‪ .‬وقد كان التقرير جازما ب نه في حال عدم تجاوز بؤر املستقبل املطروحة‪،‬‬
‫"فإنها سترهن‪ ،‬شكل أكيد‪ ،‬مستقبل تنمية البالد"‪.1‬‬
‫‪ -1-1‬معالم سيناريو اإلقالع أو السيناريو املأمول‪.‬‬
‫ينطلق التقرير في تحديد إمكانية التغيير مما سميه بوادر التغيير التي تشهدها‬
‫بالدنا‪ ،‬ومن الطموحات الجماعية املشروعة ألمتنا‪ ،‬وقد لخص التقرير مشروع‬
‫السيناريو امل مول في شعار متكامل‪" :‬مجتمع الفر للجميع‪ ،‬واملسؤولية لكل‬
‫فرد"‪ ،‬وال ي يتطل استثمار الفر لتقليص التفاوت وا قصاء‪ ،‬واالندماج‬
‫املنسجم في سياق العوملة‪ ،‬وه ه مقوماته‪:‬‬
‫‪ ‬مغرب الديمقراطية واالنفتا على القيم العاملية‪.‬‬
‫كان التقرير طموحا جدا عندما عرض طموحات ديمقراطية كبيرة قد يتطل‬
‫إنجازها عقودا بالنظر إلى وضعية املغرب حين اك (‪ ،)2005‬ومنها توفر ا دارة‬
‫على الشفافية املطلوبة في مغرب تصاغ فيه اختيارات التنمية بطريقة متفق‬
‫عليها‪ ،‬مغرب تكون فيه الحكامة الرشيدة متج رة في سلوك وممارسات جميع‬
‫الفاعلين في مجال التنمية (الدولة‪ ،‬والجماعات الترابية‪ ،‬واملجتمع املدن )‪.‬‬
‫‪ ‬مغرب الالمركزية‪.‬‬
‫يحدد سمته التقرير في التوفر على جهات ترابية تحظ سلطات واسعة في‬
‫امليادين االقتصادية والثقافية واالجتماعية‪ ،‬واقتصاد متكامل وراسخ في فضاء‬
‫ترا متوازن‪ ،‬وإدماج العالم القروي مع اعتبار خصوصياته االقتصادية‬
‫والبيئية وثقله الديمغرافي‪ .‬وقد أدخل التقرير قضية الطاقات البديلة في سياق‬
‫الالمركزية من غير توضيح ل لي‪ ،‬معربا عن ملحاحية التحول إلى الطاقات‬
‫الهوائية والشمسية‪ ،‬وعقلنة استغالل الثروات الطبيعية واملعدنية‪.‬‬

‫‪.231‬‬ ‫‪ - 1‬انظر التقرير‪،‬‬


‫‪77‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬مغرب املسؤولية‪.‬‬
‫يركز فيها التقرير بالخصو على مسؤولية املواطنين املشبعين باملواطنة‬
‫والتضامن والتماسي الوط ي كما يصفهم‪ ،‬ومغرب مسؤول أمام مواطنيه عن‬
‫النجاحات وا خفاقات‪ ،‬حيث سيتم تقويم السياسات الحكومية حس نتائجها‬
‫وجودة مردوديتها‪.‬‬
‫‪ -2-1‬سمات املسارالتراجعي‪.‬‬
‫في ش ن ه ا املسار ال ي يتوقع التقرير أنه محتمل إذا لم يتم تحويل بؤر‬
‫املستقبل‪ ،‬التي تم ذكرها سابقا‪ ،‬إلى رافعات حقيقية للتنمية‪ ،‬يح ر التقرير من‬
‫أن تصبح الرهانات الهيكلية للتنمية محل نزاعات ومزايدات يضعف فيها‬
‫االنخراط الجماعي‪ ،‬أو أن عجز املغرب عن التليف ب كاء مع الرهانات الجديدة‬
‫واملغيرات التي شهدها املحيط الدولي‪ ،‬وبالتالي يدعو إلى تجاوز عض املؤشرات‬
‫الهيكلية للفشل وهي كما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬استمرارسيراملغرب بسرعات مختلفة‪.‬‬
‫والسب في ذلي‪ ،‬كما يرى التقرير‪ ،‬هو استمرار تنمية غير متكافئة للتراب‬
‫الوط ي‪ ،‬مما سيؤدي إلى تلد س السكان في املدن بحثا عن املراكز واألنشطة‬
‫السوسيواقتصادية‪ ،‬باملقابل إفقار العالم القروي وتدن خدماته‪ .‬وإجماال‪،‬‬
‫سيؤدي االستمرار في ه ا النهج إلى تفاوت التفاقم السوسيواقتصادي في مجال‬
‫التربية بين القرى واملدن وبين الجنسين‪ ،‬وفي ميدان ولوج الخدمات األساسية‪.‬‬
‫‪ ‬ولوج غيرمتكافئ للعالج‪.‬‬
‫يربط التقرير ه ا املؤشر بدور التداعيات في تراجع مقومات التنمية البشرية‪،‬‬
‫ومنها استمرار ارتفاع معدل وفيات األمهات واألطفال‪ ،‬وتدهور الخدمات‬
‫العمومية للصحة‪ ،‬وتزايد نس األمراض املزمنة االنحاللية‪ ،‬وأمراض السرطان‪،‬‬
‫وأمراض القل والشرايين‪ ،‬واألمراض الحسية الحركية‪ ،‬با ضافة إلى ضعف‬
‫كفالة األشخا املسنين‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬تعرض البالد للمخاطرالطبيعية والتكنولوجية‪.‬‬


‫في ه ا الصدد يح ر التقرير من الكوارث الطبيعية التي ستؤدي إلى إتالف املزيد‬
‫من املوارد‪ ،‬ويتحدث كمثال على ذلي‪ ،‬احتمال انخفاض الغطاء النبات ب‬
‫‪ 600.000‬هلتار من الغابات في أفق ‪.2025‬‬
‫‪ ‬استمرارضعف تنافسية االقتصاد‪.‬‬
‫يح ر التقرير من ت ب ب نس النمو االقتصادي‪ ،‬ألن ذلي سيؤدي إلى‬
‫انعكاسات سلبية‪ ،‬منها تفاقم البطالة وارتفاع نس الفقر والهشاشة وا قصاء‪،‬‬
‫وبروز عض املظاهر أشد ت ثيرا في الوسط الحضري من قبيل تطور نس البطالة‬
‫إلى فرد واحد من كل أر عة‪ ،‬وحامل شهادة واحد من ثالثة‪ ،‬كلهم في حالة بطالة‬
‫في أفق سنة ‪ .2025‬كما ح ر التقرير من استمرار ت ثر النساء والشباب بالبطالة‪،‬‬
‫واتساع مجال القطاع االقتصادي غير النظام ‪ ،‬للن التقرير في املقابل توقع‬
‫استمرار التقدم في مجال جل املستثمرين األجان ‪.‬‬
‫‪ ‬تزايد التأثربتهديدات العوملة‪.‬‬
‫ركز التقرير على احتمال معاناة عض القطاعات الصناعية جراء دخول‬
‫اتفاقيات التبادل الحر حيز التنفي (االتحاد األورو والواليات املتحدة وغيرها)‪،‬‬
‫واحتمال انهيار الصناعات الصيدلية أو النسيجية (نهاية اتفاقيات األلياف‬
‫املتعددة ‪ AMF‬في فاتح يناير ‪ )2005‬وفقدان آالف مناص الشغل‪.‬‬
‫‪ ‬فعالية غيرأكيدة للحكامة‪.‬‬
‫يدعو التقرير إلى ضرورة استدراك القصور واالختالالت التي عان منها نظام‬
‫تدبير الش ن العام‪ ،‬ويؤكد ضرورة مواجهة الرشوة‪ ،‬واالختالل في سير القضاء‪،‬‬
‫وغياب ثقافة تقويم البرامج‪ ،‬ومحاربة تشت وتجزيئية الحلول القطاعية واملرافق‬
‫املوازية‪ ،‬ومحاربة غياب التخطيط والتدبير املعقلن للزمن في السياسات‬
‫العمومية‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬عواقب غيرمحمودة في مجال التنمية البشرية‪.‬‬


‫يركز التقرير فيما يخص العواق التي ينبغي مواجهتها على وجه االستعجال‪ ،‬على‬
‫تلي املرتبطة بمنظومة التربية والتكوين‪ ،‬ومحاربة الفقر والهشاشة وتوفير‬
‫الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬أضواء على حصيلة عقد ونصف من التنمية ‪.2020-2006‬‬
‫قام لجنة النموذج الجديد بتقييمها الخا له ه املرحلة‪ ،‬للنها لم تتحدث عن‬
‫التكاليف وال عن التداعيات االستراتيجية‪ ،‬واختزل الخالصات في إمكانية تجاوز‬
‫ا خفاق‪ ،‬للننا نقدر أن األمر ليس بالعمل الهين‪ ،‬ألن التهديدات جدية‬
‫وا شكاالت هيكلية واالقتراحات تقنية ال تباشر صل القضايا التنموية‪ ،‬بل‬
‫تعيد اقتراح نفس االستراتيجيات اللبرى وفق مشاريع وبرامج جديدة‪.‬‬
‫ل لي يبق هدفنا من عرض عض عناصر الحصيلة هو تحليل واقع مؤشرات‬
‫السيناريوهين (التقدم والتراجعي)‪ ،‬براز مستويات التقدم وحجم التراجع‪،‬‬
‫سواء فيما يتعلق عناصر املشروع املجتمعي ال ي حدده خطاب ‪ 18‬ماي ‪،2005‬‬
‫أو في أهم املؤشرات التي تبناها النموذج التنموي في نسخته القديمة وهي‪ :‬التنمية‬
‫املتوازنة على املستوى السوسيومجالي‪ ،‬ومؤشرات التنمية البشرية‪ ،‬ومشروع‬
‫الحكامة‪ ،‬وتهديدات العوملة (ضعف املنافسة وتهديدات اتفاقيات التبادل‬
‫الحر)‪ ،‬ومشروع الالمركزية والالتمركز‪ ،‬وربط املسؤولية باملحاسبة‪.‬‬
‫‪ -1-2‬حصيلة مشروع الديمقراطية السياسية‪.‬‬
‫سنركز في ه ا الصدد على عض القضايا الرئيسة املهيكلة للديمقراطية‬
‫السياسية‪.‬‬
‫‪ ‬املمارسة السياسية والفعل الديبلوماس ي‪ :‬إنجازات وإخفاقات بارزة‪.‬‬
‫تب ى خطاب ‪ 18‬ماي ‪ 2005‬مفهوم الديمقراطية السياسية‪ ،‬في حين أن خطابات‬
‫رسمية عديدة تتحدث عن النموذج املغر في الديمقراطية االجتماعية أو‬
‫الديمقراطية التشاركية فيما عد‪ ،‬غير أن ما يقرب بين املفاهيم في طموحات‬

‫‪80‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الخطاب الرسمي املغر ؛ هو أن مشروع الديمقراطية يندرج في سياق ما تم‬


‫االصطالح عليه خالل العهد الجديد ب «املشروع املجتمعي الديمقراط‬
‫الحداث "‪ .‬وه ه الديمقراطيات تت لف كلها من إجراءات معروفة من قبيل حرية‬
‫تشليل األحزاب‪ ،‬ونزاهة العملية االنتخابية‪ ،‬واحترام نتائج االقتراع‪ ،‬والحق في‬
‫التداول على السلطة‪ ،‬وفصل السلط وتوازنها‪ ،‬وربط املسؤولية باملحاسبة‪.‬‬
‫فهل استطاع املغرب تحقيق ه ه املؤشرات؟‬
‫هناك إنجازات وإخفاقات تخلل مرحلة تنزيل النموذج التنموي في نسخته‬
‫السابقة‪ ،‬للن هناك إشكاالت بنيوية ال ترتبط بالتنزيل بقدر ما ترتبط ببناء‬
‫الدولة وتوزيع الصالحيات واملهام بين مؤسساتها‪.‬‬
‫هناك العديد من ا نجازات وا خفاقات التي ال يملن حصرها‪ .‬وفيما يلي عرض‬
‫عض املحطات الهامة وا نجازات وا خفاقات التي كان ينبغي أخ ها‪ ،‬في نظرنا‪،‬‬
‫عين االعتبار عند صياغة النموذج الجديد‪.‬‬
‫دبلوماسيا‪ :‬وقع املغرب خالل العقدين األخيرين على عدد كبير من االتفاقيات (ما‬
‫يفوق ‪ 400‬اتفاقية دولية)‪ ،‬معلنا نيته في املزيد من االنخراط واالندماج الدولي‪،‬‬
‫وتعبيرا عن ا رادة املغربية في تحديث املمارسة السياسة وحماية حقوق ا نسان‪،‬‬
‫منها البروتوكول الدولي ملناهضة التع ي ‪ ،‬واتفاقيات محاربة الجريمة املنظمة‬
‫واتفاقيات مناهضة العنف والفساد‪ ،‬واتفاقيات أخرى تهم نظام معايير منظمة‬
‫العمل الدولية‪ ،‬كاالتفاقية رقم ‪ 97‬الخاصة بالعمال املهاجرين‪ ،‬واالتفاقية رقم‬
‫‪ 102‬ش ن الضمان االجتماعي‪ ،‬واالتفاقية ‪ 108‬الخاصة با طار الترويجي‬
‫للسالمة وصحة املهنيين‪ ،‬واتفاقيات أخرى للتعاون وتطوير االستثمار الخارجي‬
‫والرفع من تمويله‪ .‬با ضافة إلى اتفاقيات تخص املجال العسلري واألم ي‬
‫استطاع من خاللها املغرب عرض قدراته االستباقية على إحباط العديد من‬
‫العمليات ا رهابية املحتملة‪ ،‬سواء في املغرب أو في دول الجوار‪ .‬كما حقق املغرب‬
‫تقدما ملموسا في استرجاع تميزه في العالقة مع االتحاد األور واالنفتاح على‬
‫روسيا والصين و عض دول أمريكا الالتينية‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫للن هناك أخطاء دبلوماسية كبيرة سقط فيها املغرب؛ منها دعمه لهيالري كلنتون‬
‫في االنتخابات األمريلية على حساب دونالد ترام ‪ ،‬وقبلها توتر العالقة سب‬
‫إعالن نية الواليات املتحدة دعم مهمة املينورسو بالصحراء لتشمل مراقبة‬
‫حقوق ا نسان‪ ،‬با ضافة إلى اللحظات العصيبة التي عاشتها العالقة مع الجارة‬
‫إسبانيا‪ ،‬خصوصا مع بروز األحزاب والتيارات السياسية الداعمة لالنفصال في‬
‫الصحراء ومشكل الهجرة واختراق حدود سبتة (يوليوز ‪.)2021‬‬
‫أما العالقة مع فرنسا فقد بقي على حالها شكل طبيعي‪ ،‬ما عدا عض الطفرات‬
‫من قبيل ما حدث سنة ‪ 2014‬من رفع شكاية ضد املدير العام ملراقبة التراب‬
‫الوط ي عند زيارته لفرنسا‪ ،‬أو خالل تعثر مفاوضات الصيد البحري ومشكل‬
‫إدخال خط املوارد الترابية الصحراوية (املوارد السملية) في قضية املفاوضات‪،‬‬
‫ومشكل التجسس على الساسة الفرنسيين من قبل املغرب (يوليوز ‪.)2021‬‬
‫أضف إلى ذلي صعوبة موقف املغرب من األزمة الخليجية (يونيو ‪ ،)2017‬خاصة‬
‫صعوبة املوقف بين قطر من جهة وا مارات والسعودية من جهة أخرى‪ ،‬وما‬
‫تمثله عالقات املغرب بدول الخليج‪ ،‬خاصة فيما يتعلق باملساعدات املالية ودعم‬
‫املشاريع االقتصادية والهبات الخليجية اللبيرة التي ستفيد منها املغرب‪.‬‬
‫أما على مستوى ا صالحات السياسية الداخلية‪ ،‬فمن بين الشعارات األساسية‬
‫التي تبناها امللي في سياق العهد الجديد‪ ،‬خيار املصالحة الوطنية وط صفحة‬
‫املاض ي من حيث العالقة مع املعارضين واحترام حقوق ا نسان وحريات الرأي‬
‫واعتماد االنفتاح السياس ي للسلطة على األحزاب والحركات ا سالمية واملنظمات‬
‫املعارضة واملنتقدة لتدبير القضايا اللبرى للحلم والسياسة‪ .‬وفي ه ا الصدد‬
‫يملن عرض عض أهم املحطات في ه ه العالقة وتحوالتها التي أسهم في تثمين‬
‫املصالحة أو عززت خيار التوجس والصراع‪.‬‬
‫دخل املغرب‪ ،‬من بداية األلفية الثالثة‪ ،‬غمار تجربة تصفية تركة االنتهاكات‬
‫الجسيمة لحقوق ا نسان‪ ،‬وت سس هيئة خاصة ل لي؛ هيئة التحليم‬

‫‪82‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫املستقلة للتعويض عن الضرر املادي واملعنوي لضحايا أو أصحاب الحقوق ممن‬


‫تعرضوا لالختطاف القسري واالعتقال التعسف وعائالتهم‪ ،‬وتم تتويج اشتغالها‬
‫ال ي دام أر ع سنوات تقريبا (‪ )1999-2003‬بتقديم حوالي مليار درهم على‬
‫‪ 3.681‬متضررا من أصل ما يفوق ‪ 11.000‬حالة‪ ،‬وقد حظي نتائج اشتغال ه ه‬
‫الهيئة بترحي من قبل هيئة ا نصاف واملصالحة التي ت سس سنة ‪2004‬‬
‫لتتويج مثل ه ه املشاريع‪.‬‬
‫بكل ت كيد تعد ه ه التجربة جديدا في ممارسة السلطة ونموذج عالقاتها‬
‫التاريخية مع الفرقاء واملعارضين‪ ،‬غير أن مال سات اعتمادها وفق السياق‬
‫السياس ي العام للمغرب أفرز انقساما في مواقف النخبة‪ ،‬سواء من حيث طبيعة‬
‫مقاربة مجاالت التعويض وجبر الضرر عن االنتهاكات‪ ،‬أو من حيث النموذج‬
‫املعتمد النتقال الحقوق من ماض ي االنتهاكات إلى مستقبل الحقوق والحريات‪ ،‬أو‬
‫من حيث أسس االجتهاد ال ي قام عليه عملية التسوية وجبر الضرر وك ا‬
‫املعايير املعتمدة‪ .‬وعليه‪ ،‬انقسم النخبة املغربية إلى فريقين؛ أحدهما مساند‬
‫للتجربة باعتبارها انتقاال حقوقيا حقيقيا وتجربة فريدة في التعامل مع ماض ي‬
‫سنوات الجمر والرصا ‪ .‬وفريق ثان يتحفظ على التجربة من حيث عض‬
‫التفاصيل األساسية من قبيل؛ تملص الدولة من مسؤوليتها عن الرصيد األسود‬
‫ملاض ي االنتهاكات وتحديد مسؤولياتها في ه ا الرصيد‪ ،‬واختزال مجاالت التعويض‬
‫في الجان املادي ومقايضة الضرر باملال دون االنتقال إلى املسؤولية السياسية‬
‫والحقوقية ملرتلبي الجرائم‪ ،‬با ضافة إلى املوقف السلبي له ا الفريق من انفراد‬
‫الدولة بكل ا جراءات مما حول مشروع االنتقال الحقوقي في املغرب‪ ،‬في نظره‪،‬‬
‫إلى محطة استثنائية لتبييض ممارسات الدولة ونفسا إضافيا لتجديد ممارسة‬
‫السلطة والحلم‪.‬‬
‫وفي سياق متصل بمشروع االنفتاح السياس ي واملصالحة‪ ،‬رجع العديد من‬
‫السياسيين املهجرين إلى أرض الوطن‪ ،‬ومنهم من أسندت له مهام ومسؤوليات‬
‫حزبية أو إدارية‪ ،‬خاصة عض املعارضين اليساريين‪ .‬وبخصو التيار ا سالم ‪،‬‬
‫‪83‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كان الحدث البارز هو إنهاء ا قامة الجبرية على الشيخ عبد السالم ياسين سنة‬
‫‪ 2000‬وتخفيف االحتكاك املباشر مع جماعة العدل وا حسان مقارنة مع عقد‬
‫التسعينيات‪.1‬‬
‫وقد استمرت السلطة في نهج سياستها ه ه بت سيسها للمجلس الوط ي لحقوق‬
‫ا نسان سنة ‪ ،2011‬وال ي حل محل املجلس االستشاري لحقوق ا نسان‪.‬‬
‫وحصيلة املغرب الحالية في مجال حقوق ا نسان من حيث املؤسسات غنية‪،‬‬
‫وهي مؤسسات تدخل في سياق توجه االندماج الدولي‪ ،‬ن كر منها‪ :‬املجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية ومحاربة‬
‫الرشوة‪ ،‬واملجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬واملجلس االستشاري‬
‫لألسرة والطفل‪ ،‬والهيئة العليا لالتصال السمعي البصري‪ ،‬واملجلس الوط ي‬
‫لحقوق ا نسان‪ ،‬واملجلس االستشاري للشباب والعمل الجمعوي‪ ،‬وهيئات‬
‫مكافحة العنف ضد النساء‪ ،‬وهيئات املناصفة ومكافحة التمييز‪ ،‬وهيئات حماية‬
‫العامالت في البيوت وغيرها‪.‬‬
‫وانخرط املغرب في العديد من البروتوكوالت ذات الصلة منها‪ :‬اتفاقية حماية‬
‫األشخا من االختفاء القسري‪ ،‬والبروتوكول االختياري التفاقية مناهضة‬
‫التع ي ‪ ،‬والبروتوكول االختياري التفاقية حقوق الطفل املتعلق بإجراء تقديم‬
‫البالغات‪ ،‬والبروتوكول االختياري امللحق بالعهد الدولي الخا بالحقوق املدنية‬
‫والسياسية‪ ،‬والبروتوكول االختياري التفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز‬
‫ضد املرأة‪ ،‬واتفاقية مجلس أوربا ش ن ممارسة حقوق الطفل‪.‬‬
‫للن املالحظ في تعامل النظام السياس ي مع املعارضين غير املنخرطين في مشروع‬
‫السلطة ه ا‪ ،‬سواء منهم املتشددين أو غيرهم‪ ،‬هو التضييق واستغالل الفرصة‬
‫للمزيد من التحجيم واالستئصال‪ .‬وفي ه ا الصدد استطاع أحداث ‪ 16‬ماي‬

‫‪ - 1‬ال يهم هل قام الدولة رسميا وقانونيا برفع الحصار‪ ،‬أم أن الجماعة بادرت بطريقتها‬
‫الخاصة إلى حلحلة امللف‪ .‬واألهم هو أن ه ا امللف اللبير تم طيه‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ 2003‬أن تقل املوازين في تجاه القطيعة والسلطوية‪ ،‬وستحتفظ ال اكرة‬


‫املغربية به ا الحادث االستثنائ ال ي خلف ‪ 45‬قتيال وعددا من الجرحى‪ ،‬وقد‬
‫مثل ه ا الحادث انتكاسة حقيقية وردة حقوقية وسياسية من قبل السلطة‪،‬‬
‫بتسريعها املصادقة على قانون ا رهاب‪ ،‬وإطالق يد السلطة باالعتقاالت التي‬
‫شمل ما يزيد عن ‪ 8.000‬شخص عضهم أدينوا بالسجن الناف ‪ ،‬وإلى حدود‬
‫ماي ‪ ،2017‬كان عدد املعتقلين على خلفية ه ه األحداث قرابة ‪ 1.000‬معتقل‪.1‬‬
‫للن رغم الحزم والصرامة التي أبدتها الدولة‪ ،‬و شكل متسارع‪ ،‬تجاه الفلر‬
‫املتشدد والخاليا ا رهابية املحتملة‪ ،‬فالتهديدات في املغرب ال تزال مستمرة‪ .‬فف‬
‫‪ 28‬أبريل ‪ 2011‬حصل تفجيرات مقهى أركانة ساحة جامع الفنا بمراكش‪،‬‬
‫وخلف ‪ 17‬قتيال بينهم أجان وأكثر من ‪ 20‬جريحا‪ ،‬وفي ذات السياق‪ ،‬أعلن‬
‫السلطات املغربية عن إحباط ‪ 352‬هجوما إرهابيا وتفليي ما يزيد عن ‪ 170‬خلية‬
‫إرهابية بين سنتي ‪ 2002‬و‪ .2017‬وفي نهاية ‪ 2018‬قتل سائحتين (دنماركية‬
‫ونرويجية) في منطقة الحوز بطريقة شعة من قبل مجموعة شباب مبا عين‬
‫لتنظيم الدولة ا سالمية وزعيمها أبو بلر البغدادي‪.‬‬
‫وارتباطا بما وقع من تفجيرات‪ ،‬يملن ا شارة إلى التحول اللبير ال ي شهده‬
‫الحقل الدي ي‪ ،‬خاصة عد أحداث ‪ 16‬ماي ‪ ،2003‬وتشديد الرقابة على أنشطة‬
‫الحركة ا سالمية‪ ،‬ومو ف وزارة األوقاف واملتعاقدين معها من القيمين واألئمة‬
‫والخطباء والوعاظ ومرشدي الحجاج وغيرهم‪ ،‬وال يزال ه ا الوضع على حاله أو‬
‫أكثر نشددا‪ ،‬بخصو التوقيف والطرد وتشديد الرقابة على من يحتمل عدم‬
‫مساندتهم للتوجهات الرسمية في الحقل الدي ي‪.‬‬
‫ولم تلتف السلطة املغربية‪ ،‬عد أحداث ‪ 16‬ماي ‪ ،2003‬بإطالق يدها في صفوف‬
‫التيار السلف املتشدد‪ ،‬بل تعدتها إلى مؤسسات وفعاليات ومعارضين آخرين‪،‬‬

‫‪ - 1‬تصريح عبد الرحيم غزالي‪ 16 ،‬ماي ‪( 2017‬متحدث باسم اللجنة املشتركة للدفاع عن‬
‫املعتقلين ا سالميين) بمناسبة الوقفة االحتجاجية أمام البرملان التي نظمها عض‬
‫الناشطين السلفيين وعائالت املعتقلين‪.‬‬
‫‪85‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫منها املحاكمة التاريخية لندية ياسين‪ ،‬نجلة مرشد جماعة العدل وا حسان‪ ،‬في‬
‫يونيو ‪ 2005‬عد تصريحاتها بتفضيل النظام الرئاس ي على النظام امللك ‪ .‬وكان‬
‫نصي الصحافة املستقلة وافرا‪ ،‬وكان الحصيلة ثقيلة وغير مبررة في حق‬
‫صحيفة "لوجورنال" و"نيشان"‪ ،‬وأدين املرحوم "مصطف العلوي" مدير‬
‫صحيفة "األسبوع الصحف " في يوليوز ‪ 2003‬بتهمة تبرير األعمال ا رهابية من‬
‫خالل النشر‪ .1‬وأدين مدير أسبوعية "الشرق" ورئيس تحريرها "محمد الحرد"‬
‫و"عبد املجيد بن الطاهر" في غش ‪ ،2003‬ومدير أسبوعية "الحياة املغربية"‬
‫"مصطف كشني ي"‪ ،‬وتم اعتقال "علي ملرابط" وحبسه ملدة ‪ 7‬أشهر سنة ‪2003‬‬
‫بتهمة إهانة امللي‪ ،‬ومنع فيما عد من ممارسة الصحافة ملدة ‪ 10‬سنوات‪.‬‬
‫ورغم محاولة الدولة تقنين مجال الصحافة والظهور باملظهر القانون في‬
‫التعاط مع الصحفيين‪ ،‬بإصدار قانون الصحافة (‪ ،)2002‬استمر التضييق‬
‫املوجه نحو الصحفيين‪ ،‬ما جعل املغرب يحتل املرتبة ‪ 135‬في حرية الصحافة من‬
‫أصل ‪ 180‬بلدا حس تصنيف منظمة "مراسلون بال حدود" سنة ‪ 2018‬خلف‬
‫تونس (‪ )72‬وقبل الجزائر (‪.)141‬‬
‫واستمر التضييق على الجسم الصحف ممثال في صحفيي الرأي واليوتوبرز‬
‫املزعجين وغيرهم‪ ،‬وعرف سنة ‪ 2019‬اعتقال عض املدونين وأصحاب‬
‫الفيديوهات على وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬وارتفع أغان الراب املنتقدة‬
‫للوضع الهش‪ ،‬منها أغنية "عاش الشع " لثالثة مغنيي راب مغاربة‪ ،‬وثم اعتقال‬
‫توفيق بو عشرين (‪ )2018‬مدير جريدة أخبار اليوم ورفع الحلم عليه استئنافيا‬
‫إلى ‪ 15‬سنة ناف ة عد حلم ابتدائ ب ‪ 12‬سنة‪ .‬كما شهدت سنة ‪ 2020‬اعتقال‬
‫مجموعة أخرى مما تبق من صحافيي الرأي والتحقيق‪ ،‬و عض أصحاب الرأي‬

‫‪ - 1‬أدين مصطف العلوي سنة موقوفة التنفي ‪ ،‬وتم حظر الصحيفة ملدة ثالثة أشهر عد‬
‫قضاء العلوي ‪ 45‬يوما في السجن‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫بتهم عيدة عن األسباب الحقيقية لالعتقال‪ ،‬منهم املؤرخ "املعط منجي "‬
‫والصحفيين "عمر الراض ي" و"سليمان الريسون "‪.‬‬
‫ويتجه العديد من املحللين السياسيين إلى االقتناع بكون السلطة السياسية في‬
‫املغرب أحلم مناوراتها السياسية تجاه املعارضين‪ ،‬وذلي عد الردة السياسية‬
‫والخروج عن املتوقع عد انتخابات ‪ ،2002‬وذلي بتعيين التلنوقراط ورجل‬
‫الظل "ادريس جطو" على رأس حكومة سياسية أفرزتها االنتخابات‪ ،‬ما أدى إلى‬
‫تداعيات سلبية واضحة على املمارسة السياسية وثقة الناخبين‪ ،‬كان من نتائجها‬
‫عزوف كبير عن املشاركة في انتخابات ‪ .2007‬وقد ارتفع منسوب العزوف عن‬
‫التصوي وتوسع االحتقان االجتماعي عد ذلي‪ ،‬توجته املشاركة الشعبية في‬
‫موجة الربيع العر ‪ ،‬وتوسع تيار املطالبين برحيل العديد من الرموز السياسية‬
‫املتحلمة‪ ،‬وحملة املقاطعة لشركات عض الرموز السياسية الناف ة (مقاطعة‬
‫الحلي واملحروقات)‪.‬‬
‫ومما يزك االعتقاد بمناورة السلطة‪ ،‬أنها عد سنة ‪2004‬؛ سنة ا عالن عن ط‬
‫ملفات املاض ي واستمالة طيف كبير من معارض ي األمس‪ ،‬انتقل إلى مشاريع‬
‫االستفراد وحشد الدعم من قبل تيار عريض تم تحقيقه بإعالن حسن النية‬
‫السابقة‪ ،‬ومما ستند إليه ه ا التوجه التحليلي ك لي؛ مبادرة "فؤاد عالي الهمة"‬
‫عد إعفائه من مهامه بوزارة الداخلية كوزير منتدب‪ ،‬إلى ت سيس حركة لكل‬
‫الديمقراطيين التي كان أنشطتها وتصريحات عض رموزها تن ى بنفسها عن‬
‫خوض املنافسة السياسة‪ ،‬إال أن إعالن نية الحركة في ت سيس حزب سياس ي‬
‫ك ب كل ه ه التصريحات‪ ،‬وكان املفاج ة أن استطاع الحزب الجديد‬
‫استقطاب العديد من األطر من خمسة أحزاب سياسية تقليدية‪ .‬وقد اشتهر ه ا‬
‫الحزب بحزب "األصالة واملعاصرة" ال ي تميز فيما عد بمشروعه املناهض‬
‫واملعارض سالميي العدالة والتنمية‪ .‬و عد مغادرة "عالي الهمة" الساحة الحزبية‪،‬‬
‫استمر التحلم بطرق أخرى‪ ،‬هرت تجلياتها شكل واضح فيما سمي ب‬
‫"البلوكاج" ال ي شهده العمل الحكوم (حكومة عبد ا له بن كيران) بقيادة‬
‫‪87‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫امللياردير واملستثمر والسياس ي "عزيز أخنوش"‪ ،‬والتي انته بإعفاء عبد ا له بن‬
‫كيران من رئاسة الحكومة (مارس ‪ )2017‬وتعيين خلفه "سعد الدين العثمان "‬
‫ال ي لم عد يخف استعداد حزبه للتعا ش مع واقع التحلم‪ ،‬بل عتبر التحلم‬
‫ضرورة سياسية نجاح التوازنات‪.‬‬
‫ويبق الحدث السياس ي والدبلوماس ي األبرز في املرحلة ما بين املشروعين‬
‫التنمويين هو قرار التطبيع مع إسرائيل‪ ،‬وربط ذلي بقضية الصحراء نهاية سنة‬
‫‪ .2020‬فف الوق ال ي يصر فيه املغرب الرسمي على اعتبار الخطوة انتصارا‬
‫كبيرا للدبلوماسية املغربية‪ ،‬وذلي بإحرازها اعترافا رسميا من الرئاسة األمريلية‬
‫سيادة املغرب على الصحراء‪ ،‬وهو انتصار سياس ي على الجارة الجزائر‪ ،‬وانتصار‬
‫ثالث اقتصادي بفتح العديد من القنصليات بمنطقة الصحراء واالستفادة من‬
‫استثمارات ضخمة التزم بها الواليات املتحدة األمريلية والعديد من الدول‬
‫الخليجية‪ .‬هناك املغرب الشعبي بقيادة نشطاء إسالميين وقوميين داعمين‬
‫للقضية الفلسطينية‪ ،‬ال ي عتبر الخطوة ردة رسمية حقيقية عن دعم القضية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬معتبرين ذلي طعنة من الخلف من قبل الدولة املغربية في حق‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬خاصة كون العاهل املغر رئيسا للجنة القدس‪ ،‬وإسالميي‬
‫العدالة التنمية يترأسون الحكومة‪ ،‬وإلى عهد قري كانوا عتبرون التطبيع خطا‬
‫أحمر‪ ،‬ومصالح الفلسطينيين فوق كل اعتبار‪.‬‬
‫‪ ‬إشكاالت يكلية يتقدمها توزيع غير متكافئ وغير متوازن للسلط‬
‫والصالحيات‪.‬‬
‫تعتري حصيلة الديمقراطية السياسية وفق نموذج التنمية البشرية عوائق ذات‬
‫طبيعة بنيوية يتقدمها انعدام التكافؤ بين السلط‪ ،‬ال ي يبرز في عدة سمات‪،‬‬
‫سنقتصر على إبراز عضها من منطلق دستوري‪/‬قانون ‪.‬‬
‫أ‪ -‬امللكية‪.‬‬
‫للملي عدة سلطات وصالحيات دستورية حاسمة في تدبير مؤسسات الدولة‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬امللي رئيس الدولة‪ ،‬وممثلها األسمى‪ ،‬ورمز وحدة األمة‪ ،‬وضامن دوام‬
‫الدولة واستمرارها‪ ،‬والحلم األسمى بين مؤسساتها‪ ،‬سهر على احترام‬
‫الدستور‪ ،‬وحسن سير املؤسسات الدستورية‪ ،‬وعلى صيانة االختيار‬
‫الديمقراط ‪ ،‬وحقوق وحريات املواطنين واملواطنات والجماعات‪ ،‬وعلى‬
‫احترام التعهدات الدولية للممللة (الفصل ‪)42‬؛‬
‫‪ ‬عين امللي رئيس الحكومة‪ ،‬ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها‬
‫(الفصل ‪)47‬؛‬
‫‪ ‬يرأس امللي املجلس الوزاري (الفصل ‪)48‬؛‬
‫‪ ‬يصدر امللي األمر بتنفي القانون (الفصل ‪)50‬؛‬
‫‪ ‬للملي حق حل مجلس ي البرملان (الفصل ‪)51‬؛‬
‫‪ ‬للملي أن يخاط األمة والبرملان‪ ،‬ويتلى خطابه أمام كال املجلسين‪ ،‬وال‬
‫يملن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما (الفصل ‪)52‬؛‬
‫‪ ‬امللي هو القائد األعلى للقوات املسلحة املللية (الفصل ‪)53‬؛‬
‫‪ ‬يرأس امللي مجلسا أعلى لألمن (الفصل ‪)54‬؛‬
‫‪ ‬عتمد امللي السفراء لدى الدول األجنبية واملنظمات الدولية (الفصل‬
‫‪)55‬؛‬
‫‪ ‬يرأس امللي املجلس األعلى للسلطة القضائية (الفصل ‪)56‬؛‬
‫‪ ‬يوافق امللي بظهير على تعيين القضاة من قبل املجلس األعلى للسلطة‬
‫القضائية (الفصل ‪)57‬؛‬
‫‪ ‬يمارس امللي حق العفو (الفصل ‪)58‬؛‬
‫‪ ‬يملن للملي إعالن حالة االستثناء (الفصل ‪.)59‬‬
‫ب‪ -‬املجلس الوزاري برئاسة امللك‪.‬‬
‫بمقتض ى الفصل ‪ 49‬من دستور ‪ ،2011‬يتداول املجلس الوزاري ال ي يرأسه‬
‫امللي في القضايا والنصو منها‪:‬‬
‫‪ ‬التوجهات االستراتيجية لسياسة الدولة؛‬
‫‪89‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬مشاريع القوانين التنظيمية؛‬


‫‪ ‬التوجهات العامة ملشروع قانون املالية؛‬
‫‪ ‬مشاريع قوانين‪-‬ا طار املشار إليها في الفصل ‪( 71‬الفقرة الثانية)‬
‫من الدستور؛‬
‫‪ ‬مشروع قانون العفو العام؛‬
‫‪ ‬مشاريع النصو املتعلقة باملجال العسلري؛‬
‫‪ ‬إعالن حالة الحصار؛‬
‫‪ ‬إشهار الحرب؛‬
‫‪ ‬مشروع املرسوم املشار إليه في الفصل ‪ 104‬من الدستور‪.‬‬
‫ت‪ -‬السلطة التنفيذية‪/‬الحكومة‪.‬‬
‫حس الفصل ‪ 92‬من الدستور‪ ،‬يتداول مجلس الحكومة في‪:‬‬
‫‪ ‬السياسة العامة للدولة قبل عرضها على املجلس الوزاري؛‬
‫‪ ‬السياسات العمومية؛‬
‫‪ ‬السياسات القطاعية؛‬
‫‪ ‬طل الثقة من مجلس النواب؛‬
‫‪ ‬القضايا الراهنة املرتبطة بحقوق ا نسان وبالنظام العام؛‬
‫‪ ‬مشاريع القوانين قبل إيداعها بملت مجلس النواب؛‬
‫‪ ‬مراسيم القوانين؛‬
‫‪ ‬مشاريع املراسيم التنظيمية؛‬
‫‪ ‬املعاهدات واالتفاقيات الدولية قبل عرضها على املجلس‬
‫الوزاري‪.‬‬
‫ج‪ -‬العالقة بين بعض املؤسسات الدستورية‪.‬‬
‫‪ ‬عين امللي الحكومة كما عين أعضاء الحكومة باقتراح من‬
‫رئيسها (الفصل ‪)47‬؛‬

‫‪90‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬للملي حق حل مجلس ي البرملان أو أحدهما بظهير طبق الشروط‬


‫املبينة في الفصول ‪ 96‬و‪ 97‬و‪98‬؛‬
‫‪ ‬السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن‬
‫السلطة التنفي ية‪ ،‬وامللي هو الضامن الستقالل السلطة‬
‫القضائية (الفصل ‪)107‬؛‬
‫‪ ‬عين امللي رئيس املحلمة الدستورية‪ ،‬وستة أعضاء من بين‬
‫االثنا عشر عضوا ال ين يكونون املحلمة الدستورية (الفصل‬
‫‪)130‬؛‬
‫‪ ‬يمثل والة الجهات وعمال األقاليم والعماالت‪ ،‬السلطة املركزية‬
‫في الجماعات الترابية‪ ،‬ويعملون باسم الحكومة‪ ،‬ويقومون‪،‬‬
‫تح سلطة الوزراء املعنيين‪ ،‬بتنسيق أنشطة املصالح‬
‫الالممركزة لإلدارة املركزية‪ ،‬ويسهرون على حسن سيرها‬
‫(الفصل ‪)145‬؛‬
‫‪ ‬يرفع املجلس األعلى للحسابات للملي تقريرا سنويا‪ ،‬يتضمن‬
‫بيانا عن جميع أعماله‪ ،‬ويوجهه أيضا إلى رئيس الحكومة‪ ،‬وإلى‬
‫رئيس ي مجلس ي البرملان‪ ،‬وينشر بالجريدة الرسمية (الفصل‬
‫‪.)148‬‬
‫‪ ‬فشل مشروع الحكامة تؤكده الخطابات امللكية‪.‬‬
‫توسع استعمال مفهوم الحكامة في املغرب من تقرير الخمسينية (‪ ،)2006‬وتم‬
‫اعتباره من بين مؤشرات الديمقراطية السياسية‪ ،‬وتبن الدولة رسميا ورش‬
‫الحكامة الجيدة‪ ،‬وعقدت من أجل ذلي ندوات ومؤتمرات عدة‪ ،‬وأصدرت عدة‬
‫قوانين ذات الصلة‪ ،‬وأسس ما ال ستهان به من مؤسسات الوساطة لتحقيق‬
‫ه ا الهدف‪ ،‬ألن التقارير الوطنية والدولية قبيل ه ا التاريخ كان قاسية في حق‬
‫التدبير ا داري املغر ‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وفي ه ا الصدد ارت ينا أن نرجع إلى الخطابات املللية لتقييم واقع الحكامة ما‬
‫بين نموذجين تنمويين‪ ،‬واختيارنا للخطابات املللية له فائدة أخرى في تقييم واقع‬
‫التنمية؛ وهي فهم بنية إنتاج السلطة التي ال تنفي التنمية عنها كما أشرنا في‬
‫عنوان ه ا اللتاب‪.‬‬
‫ومن بين الخطابات ذات الصلة به ا املوضوع‪:‬‬
‫‪ ‬خطاب افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية الرا عة (أكتوبر‬
‫‪ ،)2014‬وفيه نجد العديد من املقتطفات التي تهم تقييم الحصيلة‪،‬‬
‫ولعلها تغنينا عن أي تقييم‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪" -‬غير أن السؤال ال ي يطرح نفسه اليوم‪ ،‬وبكل إلحاح‪ :‬هل تم‬
‫مواكبة ه ا التقدم‪ ،‬من طرف جميع الفاعلين السياسيين‪ ،‬على‬
‫مستوى الخطاب واملمارسة؟"‬
‫‪" -‬غير أن املتتبع للمشهد السياس ي الوط ي عموما‪ ،‬والبرملان‬
‫خصوصا‪ ،‬يالحظ أن الخطاب السياس ي‪ ،‬ال يرقى دائما إلى‬
‫مستوى ما يتطلع إليه املواطن‪ ،‬ألنه شديد االرتباط بالحسابات‬
‫الحزبية والسياسوية"؛‬
‫‪ " -‬أما ممارسة الش ن السياس ي‪ ،‬فينبغي أن تقوم بالخصو ‪،‬‬
‫على القرب من املواطن‪ ،‬والتواصل معه‪ ،‬وااللتزام بالقوانين‬
‫واألخالقيات‪ ،‬علس ما يقوم به عض املنتخبين من تصرفات‬
‫وسلوكات‪ ،‬تس يء ألنفسهم وألحزابهم ولوطنهم‪ ،‬وللعمل السياس ي‬
‫بمعناه النبيل"؛‬
‫‪" -‬وعلى عد أقل من سنة على االنتخابات املحلية والجهوية‪،‬‬
‫أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين‪ :‬ماذا أعددتم من نخ‬
‫وبرامج للنهوض بتدبير الش ن العام؟"‬

‫‪92‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وفي ال كرى ‪ 16‬لعيد العرش (يوليوز ‪ )2015‬وفي سياق االهتمام‬ ‫‪‬‬

‫باملس لة‪ ،‬نقف عند عض املقتطفات املماثلة ملا سبق‪:‬‬


‫‪" -‬إن ما يحز في نفس ي‪ ،‬تلي األوضاع الصعبة‪ ،‬التي عيشها عض‬
‫املواطنين‪ ،‬في املناطق البعيدة واملعزولة وخاصة بقمم األطلس‬
‫والريف‪ ،‬واملناطق الصحراوية والجافة والواحات‪ ،‬وببعض‬
‫القرى في السهول والسواحل"؛‬
‫‪" -‬نثير انتباه وزير الخارجية‪ ،‬إلى ضرورة العمل‪ ،‬بكل حزم‪ ،‬لوضع‬
‫حد لكل االختالالت واملشاكل‪ ،‬التي تعرفها عض القنصليات"؛‬
‫‪" -‬نطرح السؤال‪ :‬هل التعليم ال ي يتلقاه أبناؤنا اليوم‪ ،‬في‬
‫املدارس العمومية‪ ،‬قادر على ضمان مستقبلهم؟‬
‫‪ -‬يج التحلي بالجدية والواقعية‪ ،‬والتوجه للمغاربة بكل‬
‫صراحة‪ :‬ملاذا يتسابق العديد منهم لتسجيل أبنائهم بمؤسسات‬
‫البعثات األجنبية واملدارس الخاصة‪ ،‬رغم تكاليفها الباهظة؟‬
‫الجواب واضح؛ ألنهم يبحثون عن تعليم جيد ومنفتح‪ ،‬يقوم‬
‫على الحس النقدي‪ ،‬وتعلم اللغات‪ ،‬ويوفر ألبنائهم فر الشغل‬
‫واالنخراط في الحياة العملية"‪.‬‬
‫في ال كرى ‪ 17‬لعيد العرش (يوليوز ‪ )2016‬انتقد امللي األحزاب‬ ‫‪‬‬

‫السياسية والعملية االنتخابية بصفة عامة‪:‬‬


‫‪" -‬غير أن ما يبعث على االستغراب‪ ،‬أن البعض يقوم بممارسات‬
‫تتنافى مع مبادئ وأخالقيات العمل السياس ي‪ ،‬ويطلق‬
‫تصريحات ومفاهيم تس يء لسمعة الوطن‪ ،‬وتمس بحرمة‬
‫ومصداقية املؤسسات‪ ،‬في محاولة للس أصوات وتعاطف‬
‫الناخبين"؛‬
‫‪" -‬فبمجرد اقتراب موعد االنتخابات‪ ،‬وك نها القيامة‪ ،‬ال أحد‬
‫عرف اآلخر‪ .‬والجميع حكومة وأحزابا‪ ،‬مرشحين وناخبين‪،‬‬
‫‪93‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يفقدون صوابهم‪ ،‬ويدخلون في فوض ى وصراعات‪ ،‬ال عالقة لها‬


‫بحرية االختيار‪ ،‬التي يمثلها االنتخاب‪ .‬وهنا أقول للجميع‪،‬‬
‫أغلبية ومعارضة‪ :‬كف من الركوب على الوطن لتصفية‬
‫حسابات شخصية‪ ،‬أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة"؛‬
‫‪" -‬والفساد ليس قدرا محتوما‪ .‬ولم يلن يوما من طبع املغاربة‪.‬‬
‫غير أنه تم تمييع استعمال مفهوم الفساد‪ ،‬حتى أصبح وك نه‬
‫ش يء عادي في املجتمع‪...‬وهنا يج الت كيد أن محاربة الفساد‬
‫ال ينبغي أن تكون موضوع مزايدات"‪.‬‬
‫في ال كرى ‪ 18‬لعيد العرش (يوليوز ‪ )2017‬انتقد امللي األحزاب‬ ‫‪‬‬

‫السياسية مرة أخرى و شدة‪:‬‬


‫‪" -‬إن التطور السياس ي والتنموي‪ ،‬ال ي عرفه املغرب‪ ،‬لم‬
‫ينعلس با يجاب على تعامل األحزاب واملسؤولين السياسيين‬
‫وا داريين مع التطلعات واالنشغاالت الحقيقية للمغاربة"؛‬
‫‪" -‬عندما تكون النتائج إيجابية‪ ،‬تتسابق األحزاب والطبقة‬
‫السياسية واملسؤولون إلى الواجهة‪ ،‬لالستفادة سياسيا‬
‫وإعالميا من املكاس املحققة‪ ،‬أما عندما ال تسير األمور كما‬
‫ينبغي‪ ،‬يتم االختباء وراء القصر امللك ‪ ،‬وإرجاع كل األمور إليه؛‬
‫وهو ما يجعل املواطنين شتكون مللي البالد‪ ،‬من ا دارات‬
‫واملسؤولين ال ين يتماطلون في الرد على مطالبهم‪ ،‬ومعالجة‬
‫ملفاتهم‪ ،‬ويلتمسون منه التدخل لقضاء أغراضهم"؛‬
‫‪" -‬إذا أصبح ملي املغرب‪ ،‬غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها‬
‫السياسة‪ ،‬وال يثق في عدد من السياسيين‪ ،‬فماذا بق‬
‫للشع ؟" "كف ‪ ،‬واتقوا هللا في وطنلم"؛‬

‫‪94‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ " -‬إما أن تقوموا بمهاملم كاملة‪ ،‬وإما أن تنسحبوا‪ .‬فاملغرب له‬


‫نساؤه ورجاله الصادقون"‪.‬‬
‫‪ ‬وفي خطاب ذكرى ثورة امللي والشع (غش ‪ )2018‬انتقد امللي واقع‬
‫التعليم املغر ونتائجه السيئة‪:‬‬
‫‪" -‬رغم كل الجهود واألوراش االقتصادية‪ ،‬والبرامج االجتماعية‬
‫املفتوحة‪ ،‬فإن النتائج املحققة‪ ،‬تبق دون طموحنا في ه ا‬
‫املجال‪ .‬وهو ما يدفعنا‪ ،‬في سياق نفس الروح والتوجه ال ي‬
‫حددناه في خطاب العرش‪ ،‬إلى إثارة االنتباه مجددا‪ ،‬وبكل‬
‫استعجال‪ ،‬إلى إشكالية تشغيل الشباب‪ ،‬ال سيما في عالقتها‬
‫بمنظومة التربية والتكوين"‪.‬‬
‫‪ ‬وفي ال كرى ‪ 19‬لعيد العرش (يوليوز ‪ )2018‬حافظ الخطاب امللك على‬
‫نهج التوجه إلى فئات معينة من الشع (املغاربة األحرار) بالقول‪:‬‬
‫‪" -‬كما ينبغي الترفع عن الخالفات الظرفية‪ ،‬والعمل على تحسين‬
‫أداء ا دارة‪ ،‬وضمان السير السليم للمؤسسات‪ ،‬بما عزز الثقة‬
‫والطم نينة داخل املجتمع‪ ،‬وبين كل مكوناته‪ .‬ذلي أن قضايا‬
‫املواطن ال تقبل الت جيل وال االنتظار‪ ،‬ألنها ال ترتبط بفترة دون‬
‫غيرها‪ .‬والهيئات السياسية الجادة‪ ،‬هي التي تقف إلى جان‬
‫املواطنين في السراء والضراء"‪.‬‬
‫‪ ‬تعثرواضح في أوراش الالمركزية والتنظيم الترابي‪.‬‬
‫يحصل ا جماع شكل صريح في كون الهدف األساس ي من الجهوية والالمركزية‬
‫هو املزيد من االنفتاح‪ ،‬وتوسيع دوائر املشاركة في القرار‪ ،‬واستيعاب أكبر عدد‬
‫من اللفاءات والطاقات التي تزخر بها املجاالت الترابية املغربية املتنوعة‪،‬‬
‫وتلريس االنتماء الترا ال ي يدعم التشبث بالوحدة املغربية‪ .‬غير أن املالحظ‬
‫أن هناك فارقا كبيرا بين الطموح والوقائع‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫فإذا كان الجهوية املوسعة رهينة بإرادة املنتظم الدولي والواليات املتحدة في‬
‫إنهاء النزاع في الصحراء‪ ،‬فإن ورش الجهوية املتقدمة‪ ،‬باعتباره ورشا وطنيا‬
‫داخليا‪ ،‬ال يزال شكو من نقائص جمة‪ ،‬على رأسها تعثر الالتمركز ا داري وتوزيع‬
‫الوسائل واالختصاصات‪ ،‬ال ي لم ستطع منح الجماعات الترابية استقاللية‬
‫وحرية أكبر ملمارسة املهام واالختصاصات املنصو عليها في الدستور وباقي‬
‫القوانين‪ ،‬با ضافة إلى سير الالمركزية بوتيرات متفاوتة السرعة‪ ،‬وتيرة بطيئة‬
‫لتفويض السلطات العمومية‪ ،‬ووتيرة أكثر بطئا للتفويض بالنسبة لإلدارات‬
‫املركزية‪.‬‬
‫وحيث إن ورش الالتمركز يرتهن إلى موازنات تتجاوز مشكل االختصاصات‬
‫الدستورية والقانونية والتقطيع الترا ‪ ،‬فإنه يبق من املستبعد تسريع وتيرة‬
‫مشروع الالمركزية في املغرب بالشكل املطلوب‪ .‬فقد صدرت العديد من القوانين‬
‫واملراسيم الخاصة بالالمركزية والالتمركز ا داري‪ ،‬منها على الخصو القوانين‬
‫التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية الصادرة سنة ‪ ،2015‬وعلى رأسها القانون‬
‫التنظيمي رقم ‪ 111-14‬ال ي خص الجهة بصدارة الجماعات الترابية‪ ،‬واملرسوم‬
‫رقم ‪( 2-17-618‬دجنبر ‪ )2018‬بمثابة ميثاق وط ي لالتمركز ا داري‪ .‬للن‬
‫الالمركزية في املغرب عجزت أن تعلس بروز تنوع في ا بداع واالبتكار املحلي بقدر‬
‫ما تعبر عن توزيع رهانات ومشاريع القرار املركزي على املستوى املحلي‪.1‬‬
‫إنه عد تجري مشاريع "الجهوية االقتصادية" و"الجهوية ا دارية" ثم املشروع‬
‫الحالي "للجهوية املتقدمة"‪ ،‬يتبين أن الجهوية املغربية غير محتاجة إلى قوانين‬
‫وخطابات‪ ،‬بقدر ما هي محتاجة إلى تحقيق مدلول إجرائ للفعل الترا ‪ ،‬النا ع‬
‫من إرادة محلية حرة ومشتركة معبرة عن مستويات عالية من مفاهيم التشاركية‬
‫وااللتقائية واالندماج‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر على سبيل املثال توطين املناطق الصناعية الحرة وكبريات الشركات واالستثمارات‬
‫الخارجية‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬الشفافية ومحاربة الرشوة دائما أولويات بعد ‪ 60‬سنة من التنمية‪.‬‬


‫خرج البني الدولي بتقرير هام جدا لتوجيه الدول النامية في شمال إفريقيا إلى‬
‫الوجهة التي ينبغي التفلير فيها بقوة كمدخل للبحث عن االستراتيجيات‬
‫والحلول‪ ،‬وقد كان التقرير صريحا للغاية بحيث كان عنوانه "كيف يملن‬
‫للشفافية أن تفيد بلدان الشرق األوسط وشمال إفريقيا"‪ .1‬وتحدث عن عض‬
‫الدول العربية والشرق أوسطية‪ ،‬منها املغرب‪ ،‬ال ي قدر التقرير أن اقتصاده‬
‫سيعيش كسادا خالل سنوات الجائحة هو األول من نوعه خالل العقدين‬
‫األخيرين‪ .‬ويقترح التقرير على كل الدول اعتماد مبدأ الشفافية‪ ،‬ويعتبرها الحل‬
‫األمثل لدفع النمو وتعزيز الثقة في الحكومة ومواجهة الدين العام ومحاربة‬
‫البطالة‪ .‬ولعل ه ا التقرير قد وضع يده على الخلل الهيللي في التنمية‬
‫السوسيواقتصادية للدول العربية‪ ،‬حيث تتزايد االهتمامات واملشاريع مقابل‬
‫ركود نس النمو وجمود مؤشرات التنمية االجتماعية‪.‬‬
‫وال يخرج املغرب عن السياق العر والشرق أوسط بخصو تناقضات‬
‫التنمية والشفافية‪ .‬وحس منظمة الشفافية الدولية‪ ،‬احتل املغرب سنة ‪2010‬‬
‫املرتبة ‪ 85‬من أصل ‪ 178‬دولة‪ ،‬وفي سنة ‪ 2018‬احتل املرتبة ‪ 73‬من أصل ‪180‬‬
‫دولة‪ .‬للن ه ا التصنيف ال علس حجم املبادرات واملجهودات التي يبدو أنها‬
‫كان في االتجاه الخط ‪.‬‬
‫ومن جهته أكد تقرير الخمسينية من قبل أن آفة الرشوة نخرت الجسد ا داري‬
‫رغم الحمالت املتلررة من االستقالل‪ ،‬ورغم إشراك مؤسسات الوساطة وعموم‬
‫املواطنين‪ ،‬كما أكد على وجود هوة سحيقة بين تخمة القوانين وانعدام تطبيقها‬
‫"فهل من املجدي أن تكون لنا قوانين ال تطبق؟ وفي املاض ي شبه البعض الجريدة‬
‫الرسمية للممللة على أنها مقبرة القوانين غير املطبقة‪ .‬و"ما دام القانون‪،‬‬
‫والقانون وحده‪ ،‬وكل القانون ال يطبق على الجميع‪ ،‬فإن الرشوة توشي أن تبق‬

‫‪ - 1‬مجموعة البني الدولي‪" ،‬التحديث االقتصادي ملنطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا"‪،‬‬
‫أبريل ‪. 52 ،2020‬‬
‫‪97‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫معضلة متج رة في بالدنا‪ ،‬تعطل تنميتها‪ ،‬ألنها تضر بقواعد اللعبة‪ ،‬وتشجع‬
‫أولئي ال ين يتعاملون بالرشوة على حساب اآلخرين"‪.1‬‬
‫ولعل أهم مظاهر الرشوة وأشدها وقعا على املستوى االجتماعي والسياس ي‪،‬‬
‫اهرة شراء األصوات خالل الحمالت االنتخابية (أنظر الخطاب امللك في‬
‫الفقرات السابقة)‪ ،‬و اهرة شراء املناص والو ائف والتمتع ببعض الخدمات‪،‬‬
‫فال تزال الخطابات املللية‪ ،‬والتصريحات ا عالمية املتنوعة‪ ،‬والخطابات‬
‫االنتخابية‪ ،‬وبيانات عض األحزاب‪ ،‬تؤكد استمرار استعمال املال في الحمالت‬
‫االنتخابية وشراء األصوات‪ ،‬وال تزال العديد من الشكاوى ترفع جراء الحرمان من‬
‫عض الحقوق املدنية‪ ،‬وعدم االستفادة من عض الخدمات املستحقة‪ .‬ولعل ما‬
‫تم نشره في وسائل التواصل االجتماعي من تصريحات عض املواطنين‪ ،‬وإقرار‬
‫عضهم باالستفادة من عض االمتيازات أو األموال مقابل التصوي ‪ ،‬أو حضور‬
‫ودعم محطات وأنشطة حزبية أو رسمية معينة‪ ،‬خير دليل على استمرار ه ه‬
‫اآلفات‪.2‬‬
‫‪ -2-2‬املغرب االقتصادي‪ ،‬أوراش كبرى لكنها ضعيفة املسا مة في التنمية‪.‬‬
‫بخوضه غمار تجربة النموذج التنموي‪ ،‬قام املغرب بإطالق أوراش اقتصادية‬
‫كبرى‪ ،‬كان محط أنظار املهتمين في الداخل والخارج‪ ،‬ورغم تحرك عجلة ا نتاج‬
‫في ه ه األوراش‪ ،‬وتحصيل عائدات مالية ضخمة من مبادرات االستثمار‪ ،‬إال أن‬
‫ذلي ال سهم بالشكل املطلوب في إنجاح التنمية‪.‬‬

‫‪ - 1‬التقرير‪.86 ،‬‬
‫‪ - 2‬انظر عض الفيديوهات املنتشرة في مواقع التواصل االجتماعي من قبيل‪ :‬فضيحة ولد‬
‫زروال‪ ،‬فضيحة السمسرة وشراء أحكام قضائية‪ ،‬فضيحة شراء نقط االمتحانات‪ ،‬فضائح‬
‫االستفادة من مناص في الو يفة العمومية لشباب عض األحزاب وغيرها‪.‬‬
‫‪98‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬تطور استثنائي ونوعي في بعض األوراش االقتصادية‪.‬‬


‫خالل العقدين األخيرين عرف االقتصاد الوط ي مبادرات اقتصادية استثنائية‪،‬‬
‫ساهم فيها تغير االختيارات االقتصادية الرسمية (سياسة األوراش اللبرى)‪،‬‬
‫وتزايد االستثمارات الخارجية شكل الف ‪ .‬وقد وصل حجم االستثمار األجنبي في‬
‫املغرب سنة ‪ 2018‬حوالي ‪ 3,55‬مليار دوالر‪ ،‬ويحتل املغرب املرتبة السادسة‬
‫عربيا‪ ،‬تتقدمه مصر على مستوى شمال إفريقيا التي استطاع إحراز ‪ 9‬مليار‬
‫دوالر من االستثمارات األجنبية‪ .‬ويساهم االستهالك الداخلي في دعم النشاط‬
‫االقتصادي شكل الف ‪ ،‬فقد سجل االستهالك النهائ لألسر‪ ،‬وال ي يمثل حوالي‬
‫‪ 58,9%‬من الناتج الداخلي الخام‪ ،‬نموا قدره ‪ %4,1‬باألسعار الثابتة‪ ،‬خالل الفترة‬
‫ما بين ‪ 2008‬و‪ ،2016‬مساهما ب لي بنحو ‪ 2,4‬نقطة في املتوسط في نمو الناتج‬
‫الداخلي الخام‪ .1‬إال أن االستهالك الداخلي لألسر يرتبط بقضايا هيكلية ينبغي‬
‫إيالؤها اهتماما خاصا في السياسات العمومية‪ ،‬على رأسها رفع األجور وتخفيض‬
‫الضريبة على الدخل والرفع من دينامية سوق الشغل والتحلم في األسعار‪.‬‬
‫وإذا كان الوقوف مع كل املشاريع يتطل بحثا وتقريرا خاصا‪ ،‬فإننا سنركز في ه ه‬
‫الفقرة على عرض عض املشاريع االقتصادية االستثنائية‪:‬‬
‫‪ ‬استراتيجية موانئ املغرب‪.‬‬
‫بالنظر إلى املوارد املائية البحرية التي يتوفر عليها املغرب‪ ،‬ومساحة املسطحات‬
‫املائية التي يزخر بها‪ ،‬تمثل املالحة البحرية رهانا سوسيواقتصاديا مهما‪ ،‬حيث‬
‫تؤمن البنية التحتية املينائية ما يفوق ‪ %98‬من املبادالت التجارية الخارجية‪،‬‬
‫ومما يزك قدرة ه ا القطاع على االستمرار والريادة‪ ،‬قدرته على مقاومة تداعيات‬
‫جائحة كورونا‪ ،‬وتحقيقه نموا اقتصاديا بنسبة ‪ %3,6‬في حركة املوانئ‪ ،‬بحجم‬
‫إجمالي يبلغ ‪ 95,4‬مليون طن‪.‬‬

‫‪.46‬‬ ‫‪ - 1‬مشروع قانون املالية لسنة ‪ ،2018‬التقرير االقتصادي واملالي‪،‬‬


‫‪99‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ويعد ميناء طنجة األكبر في منطقة املتوسط‪ ،‬ساهم شكل كبير في رفع القدرة‬
‫التنافسية للمغرب من حيث االستيراد والتصدير والصناعات التحويلية‪،‬‬
‫وساهم في تقدم املغرب في تصنيف الربط البحري وفق مؤشر تقرير مؤتمر األمم‬
‫املتحدة للتجارة والتنمية (األونلتاد) سنة ‪ 2017‬من الرتبة ‪ 83‬التي كان عليها إلى‬
‫الرتبة ‪ 17‬عامليا‪ .‬وارتفع الطاقة االستيعابية للميناء بما يزيد عن ‪ %15‬سنة‬
‫‪ ،2018‬واحتل امليناء املرتبة األولى إفريقيا من حيث التعامل مع عدد الحاويات‪،‬‬
‫خاصة سنة ‪ 2018‬التي تعامل فيها امليناء مع مليون و‪ 400‬ألف حاوية متكافئة‪.‬‬
‫‪ ‬مشاريع النقل واملواصالت‪.‬‬
‫يؤدي قطاع النقل أدوارا اقتصادية واجتماعية وتنموية مهمة جدا‪ ،‬لكونه يفي‬
‫العزلة ويحقق التواصل االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ويسمح بالربط ما بين األقطاب‬
‫االقتصادية واألسواق واملوارد واملواد‪ .‬ويساهم القطاع بنسبة ‪ %10‬في تشغيل‬
‫اليد العاملة‪ ،‬كما ساهم ب ‪ % 6‬من الناتج الوط ي الخام‪.‬‬
‫ومن مؤتمر الصخيرات (‪ )2008‬عرف القطاع تحوال ملموسا‪ ،‬إذ أصبح يقوم‬
‫ب دوار متنوعة؛ اقتصادية واجتماعية ووحدوية‪ ،‬تعززها بنية تحتية جيدة‪ ،‬من‬
‫بين البنيات الرائدة إفريقيا‪ ،‬تضم ما يفوق ‪ 60.000‬كيلومتر‪ ،‬منها ‪ 1.800‬كيلومتر‬
‫من الطرق السيارة‪ ،1‬وأسطول جوي عرف التطور رغم ا كراهات‪ ،‬ومن سنة‬
‫‪ 2000‬بلغ مجموع االستثمارات املوجهة لقطاع النقل واللوجستيي ‪ 350‬مليار‬
‫درهم‪ ،‬أما االستثمارات الخاصة بامللت الوط ي للمطارات (قطاع املطارات)‪،‬‬
‫فقد بلغ ‪ 4,7‬مليار درهم ما بين ‪ 2012‬و ‪ .22016‬وقد صادق لجنة االستثمار‬

‫‪ - 1‬رغم ذلي يبق تفاقم مديونية الشركة والتي تجاوزت ‪ 39‬مليار درهم من أهم املعيقات‬
‫التي تحول دون استمرارها في تطوير شبلة الطرق السيارة‪.‬‬
‫‪ - 2‬عان امللت الوط ي للمطارات من مديونية مرتفعة بلغ سنة ‪ 2019‬حوالي ‪ 4,5‬مليار‬
‫درهم‪ ،‬وال تزال في ارتفاع مستمر‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫(مارس ‪ )2019‬على ‪ 28‬مشروعا استثماريا بقيمة ‪ 23‬مليار درهم‪ ،‬خصص منها‬


‫‪ 40%‬لالستثمارات املتعلقة بالبنية التحتية للنقل واللوجستيي‪.‬‬
‫وفي سنة ‪ 2019‬تم تدشين ميناء طنجة املتوسط ‪ ،2‬ال ي ملن من مضاعفة‬
‫الطاقة االستيعابية للميناء‪ ،‬بقيمة استثمار إجمالي يقارب ‪ 14‬مليار درهم‪ ،‬ومن‬
‫املتوقع أن تسهم ه ه الطاقة االستيعابية الجديدة في استمرار تطور مؤشر‬
‫الربط باملغرب‪ ،‬ويعد امليناء أكبر ميناء أفريق من حيث قيمة السلع التي عبرته‬
‫سنة ‪ 2018‬متخطيا حاجز ‪ 300‬مليار درهم من حيث قيمة السلع العابرة‪ ،‬كما‬
‫شكل امليناء معبرا ل ‪ %50‬من صادرات املغرب ومحفزا اقتصاديا واعدا الستقرار‬
‫العديد من األنشطة االقتصادية في مدينة طنجة واملناطق املجاورة‪.‬‬
‫وشهد املغرب انطالق املرحلة األولى من خدمات القطار فائق السرعة ال ي تمتد‬
‫خدمته على طول ‪ 350‬كيلومتر‪ ،‬تربط ما بين مدينتي الدار البيضاء وطنجة‪،‬‬
‫ملن من تقليص مدة السفر من ‪ 05‬ساعات إلى ساعتين (نونبر ‪.)2018‬‬
‫غير أن املفارقة التنموية في قطاع النقل‪ ،‬هو أنه ستحوذ على أكثر من ‪ %40‬من‬
‫ميزانية االستثمار‪ ،‬للن مساهمته في الناتج الوط ي الخام ال تتجاوز ‪،%6‬‬
‫ومساهمته في التشغيل تبق في حدود ‪ .%10‬واحتل املغرب املرتبة ‪ 109‬في ترتي‬
‫الدول من حيث مؤشر نجاعة اللوجستيي ال ي أصدره البني الدولي سنة ‪2018‬‬
‫وهي أدن مرتبة يحتلها املغرب من إدراج ه ا املؤشر‪.‬‬
‫‪ ‬استثماراستراتيجي متميزفي قطاع الطاقات املتجددة‪.‬‬
‫تؤثر واردات الطاقة شكل سلبي على امليزان التجاري للمغرب‪ ،‬ل لي يرتهن‬
‫االقتصاد الوط ي والقوانين املالية في كل سنة إلى تقلبات أسعار النفط‪ .‬على‬
‫سبيل املثال ارتفع واردات الغازوال وزي الوقود وغاز البترول بنسبة ‪%37‬‬
‫و‪ %25‬على التوالي لتصل إلى ‪ 22‬مليار درهم و‪ 9‬مليار درهم على التوالي نتيجة‬
‫الرتفاع متوسط أسعار ه ه الواردات بنسبة ‪ %26‬و‪ .%25‬وانعلس ارتفاع‬
‫أسعار النفط العاملية على األسعار في محطات البنزين خالل السنين القليلة‬

‫‪101‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املاضية‪ ،1‬مما أدى إلى ارتفاع أسعار النقل بنسبة ‪ ،%1,8‬وأسعار املواد الغ ائية‬
‫بنسبة ‪ %1,4‬برسم الثمانية أشهر األولى من سنة ‪ ،22017‬وساهم أزمة الحرب‬
‫األكرانية في ارتفاع غير مسبوق ألسعار املحروقات في املغرب‪ .3‬وبلغ تكاليف‬
‫دعم غاز البوتان ‪ 6,5‬مليار درهم نهاية غش ‪ ،2017‬بارتفاع قدره ‪ ،%54‬ويعزى‬
‫ه ا االرتفاع باألساس إلى ارتفاع األسعار في األسواق الدولية‪.4‬‬
‫وتكلف مصاريف استهالك اللهرباء ميزانية الدولة اللثير (املقاصة) كما تكلف‬
‫استهالك األسر على حد سواء‪ .‬ل لي كان الدولة تفلر في كل والية حكومية في‬
‫حل ه ا املشكل املتزايد‪ ،‬إال أنه نظرا لضغوط مجموعات اقتصادية داخلية‬
‫وكبار املستثمرين‪ ،‬ال ين ال ساهمون بما يلف في تكاليف بناء االقتصاد‬
‫الوط ي‪ ،‬التج ت الحكومة سنة ‪ 2007‬إلى إلغاء دعم املحروقات‪ ،‬فكان املبادرة‬
‫على حساب املستهلي‪.‬‬
‫وللتخفيف من ضغط تكاليف الطاقة‪ ،‬دخل املغرب‪ ،‬شكل استثنائ ‪ ،‬مجال‬
‫االستثمار في الطاقة الشمسية‪ ،‬فتم ت سيس "الوكالة الوطنية للطاقة الشمسية"‬
‫سنة ‪ ،2010‬وفي سنة ‪ 2013‬تم تدشين محطة الطاقة بورزازات وإطالق مخطط‬
‫نور مستهدفا توليد إجمالي طاقي قدره ‪ 2.000‬ميكاوات في خمس محطات رئيسية‬
‫(ورزازات‪ ،‬وعين ب ي مطهر‪ ،‬وفم الواد‪ ،‬وبوجدور‪ ،‬وسبخة الطاح) تكلفة إنشائها‬

‫‪ - 1‬تجدر ا شارة إلى أن أسعار املحروقات في املغرب ال ترتبط ارتباطا مباشرا ب سعار النفط‬
‫العاملية‪ ،‬بل إلى تحلم اللو االقتصادي للمحروقات‪ ،‬ألنه خالل فترات تراجع أسعار‬
‫النفط‪ ،‬بقي أسعار املحروقات في املغرب على حالها‪ ،‬بل ارتفع شكل طفيف في عض‬
‫الحاالت‪.‬‬
‫‪ - 2‬مشروع قانون املالية لسنة ‪ ،2018‬التقرير االقتصادي واملالي‪.19 ،‬‬
‫‪ - 3‬وصل أسعار الكازوال إلى ما يقارب ‪ 15‬درهم للتر الواحد نهاية مارس وبداية أبريل ‪،2022‬‬
‫وارتفع إلى ‪ 16‬درهم وزيادة خالل شهر يونيو من نفس السنة‪.‬‬
‫‪ - 4‬مشروع قانون املالية لسنة ‪ ،2018‬التقرير االقتصادي واملالي‪.20 ،‬‬
‫‪102‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تقدر ب ‪ 81‬مليون درهم‪ ،‬ويصبو املشروع إلى املساهمة بزيادة قدرها ‪ %14‬من‬
‫الطاقة الشمسية في إجمالي الطاقة اللهربائية في حدود سنة ‪.2020‬‬
‫وبفضل الجهود املب ولة‪ ،‬ساهم املغرب في ضخ ‪ 1.208‬جيغاواط ساعة في‬
‫الشبلة اللهربائية ا سبانية‪ ،‬للن ال تزال نسبة التبعية الطاقية ببالدنا تتجاوز‬
‫‪ ،191%‬و هرت خالل السنتين املاضيتين عض إرهاصات التعثر (ضعف‬
‫الحكامة وارتفاع تكاليف ا نتاج)‪.2‬‬
‫‪ ‬صناعة السيارات تحدث الفارق مع دول الجوار‪.‬‬
‫سجل صادرات السيارات خالل الفترة ما بين ‪ 2005‬و‪ 2017‬معدالت نمو جيدة‪،‬‬
‫وصل حوالي ‪ ،%20‬وانتقل حصة صناعة السيارات والطيران من الصادرات‬
‫الصناعية للمغرب من ‪ %11‬سنة ‪ 2005‬إلى ‪ %28‬سنة ‪ ،2016‬وبلغ نسبة‬
‫صناعة السيارات لوحدها ‪ %28‬سنة ‪ 2016‬مقابل ‪ %9‬فقط سنة ‪ .2005‬وارتفع‬
‫االستثمار العموم من ‪ 40‬مليار درهم سنة ‪ 2003‬إلى أكثر من ‪ 186‬مليار درهم‬
‫سنة ‪ .2016‬وقد نوه وكالة "فيتش" للتصنيف االئتمان بقدرة صناعة‬
‫السيارات في املغرب على مقاومة تداعيات وباء كورونا‪ ،‬واستمراره في الريادة في‬
‫منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪.3‬‬
‫‪ ‬أوراش كبرى ال تجسد رافعات حقيقية لتحسين مكانة وتنافسية املغرب‪.‬‬
‫مشكلة االقتصاد الوط ي املغر أن االستثمارات الضخمة‪ ،‬واألوراش‬
‫االقتصادية اللبيرة‪ ،‬ال ترقى إلى مستوى جيد للمساهمة في حل معضلة سوء‬

‫‪ - 1‬التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.67 ،2019 ،‬‬


‫‪ - 2‬تحدث تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي (يوليوز ‪ )2020‬عن ارتفاع تكاليف‬
‫إنتاج اللهرباء‪ ،‬خاصة في محطة وارززات‪ .‬ومما يؤكد تعثر املشروع منع الباكوري‪ ،‬باعتباره‬
‫املسؤول األول عن املشروع‪ ،‬من مغادرة التراب الوط ي في ‪ 30‬مارس ‪.2021‬‬
‫‪ - 3‬حس تقرير الوكالة (‪)2020‬؛ حصل املغرب على أعلى نتيجة من حيث نمو ا نتاج برصيد‬
‫‪ 83,9‬من أصل ‪ 100‬نقطة‪.‬‬
‫‪103‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تموقع املغرب‪ ،‬وبالتالي يبق االقتصاد الوط ي عقيما من حيث الفعالية‬


‫التنموية‪ .‬ومن بين أهم مؤشرات ه ا ا خفاق يملن أن ن كر‪:‬‬
‫‪ ‬منحى إنذاري بخصوص تطور املديونية‪.‬‬
‫تعرف املديونية تطورا مخيفا من عقود‪ ،‬ووصل ا ن ار ذروته مع بداية األلفية‬
‫الحالية‪ ،‬حيث انتقل من ‪ %13‬من الناتج الداخلي ا جمالي سنة ‪ 1974‬إلى ‪%44‬‬
‫سنة ‪ 1982‬ثم إلى ‪ %82‬سنة ‪ ،2017‬و عدها ‪ %91‬سنة ‪.2019‬‬
‫جدول تطور نسبة املديونية من الناتج الداخلي بين سنتي ‪ 1974‬و‪.2019‬‬
‫‪2019 2014 2013 2012 2011 2010 1982 1974‬‬ ‫السنة‬
‫‪91‬‬ ‫‪79,7 75,5 59,7 53,7 50,3 44‬‬ ‫النسبة من الناتج ‪13‬‬
‫املصدر‪ :‬تقاريررسمية‪.‬‬
‫وما عزز املخاوف بخصو منحى تطور املديونية‪ ،‬هو أن نس كبيرة من‬
‫املداخيل االستثنائية (أموال القروض والهبات وغيرها) يتم رصدها لتسديد‬
‫نفقات التسيير وتسمين نفقات السيادة (أنظر الجدول)‪ ،‬وال يتم استثمارها في‬
‫قضايا تنموية أو في الرفع من نس النمو‪ ،‬التي تراوح مكانها ما بين ‪ 2%‬و‪%4,5‬‬
‫من عقود‪ ،‬وهو ما يؤثر سلبا على التنمية من تجميد نس البطالة وانحصار‬
‫خلق مناص الشغل وتلريس املزيد من البيروقراطية املستهللة‪ .‬وتتوسع‬
‫تداعيات املديونية في ل انحباس مصادر املالية العمومية‪ ،‬التي تضع الدولة‬
‫أمام خيارات اجتماعية صعبة؛ بتوجيهها نحو جيوب املواطنين ومداخيل الطبقة‬
‫الوسط ‪ ،‬بزيادة الضرائ وتقليص نفقات التنمية االجتماعية (ارتفاع أسعار‬
‫السلع والخدمات)‪ ،‬وتخفيض مناص الشغل‪ ،‬وتجميد األجور‪ ،‬وغيرها من‬
‫إجراءات التقشف والتقويم الهيللي‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫تطور نسبة نفقات التسييرما بين سنتي ‪ 1974‬و‪.2014‬‬

‫النسبة‪%‬‬
‫‪100‬‬
‫‪80‬‬
‫‪60‬‬
‫‪40‬‬
‫‪20‬‬
‫‪0‬‬
‫‪1974‬‬ ‫‪1982‬‬ ‫‪2010‬‬ ‫‪2011‬‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫‪2014‬‬

‫املصدر‪ :‬املندوبية السامية للتخطيط‪.‬‬


‫‪ ‬اختالل التوازن بين نسب النمو االقتصادي ونسب النمو الديمغرافي‪.‬‬
‫شهد املغرب انتقاال ديمغرافيا واضحا‪ ،‬فبعد االنفجار الديمغرافي ال ي عرفه‬
‫املجتمع خالل فترة السبعينات‪ ،‬تحول اتجاه النمو إلى التراجع‪ ،‬للن ه ا التراجع‬
‫الديمغرافي ال يوازيه تطور إيجا لنس النمو االقتصادي‪ ،‬ما يؤثر شكل سلبي‬
‫على تحقيق التنمية‪ .‬فحس تقرير صندوق النقد الدولي‪ ،‬فإن نموا في حدود‬
‫‪ 4,5%‬يبق غير كاف ملواجهة املعضالت االجتماعية (خاصة مواجهة البطالة)‪،‬‬
‫وأن النمو املناس في حالة املغرب‪ ،‬يج أن يتجاوز ‪ ،%6,2‬وأن تتم املحافظة‬
‫على نسبة النمو ه ه ملدة طويلة‪ ،‬حتى يتس ى للمغرب ا بقاء على نسبة بطالة في‬
‫حدود ‪.%10‬‬
‫جدول تطور نسبة النمو االقتصادي مقابل نسبة النمو الديمغرافي (‪.)2014/1960‬‬
‫‪ -2004 -1996 -1988 -1982 -1975 -1967 -1960‬ما عد‬
‫الفترة‬
‫‪2014 2014 2004 1995 1987 1981 1974 1966‬‬
‫‪3,9‬‬ ‫‪4,6‬‬ ‫‪4,1‬‬ ‫‪2,7‬‬ ‫‪4,1‬‬ ‫‪4,5‬‬ ‫‪2,5‬‬ ‫نمو اقتصادي ‪2,4‬‬
‫‪1,10 1,25 1,38‬‬ ‫‪2,06‬‬ ‫‪2,6‬‬ ‫نمو السكان‬
‫املصدر‪ :‬التقاريرالجزئية لتقريرالخمسينية ‪ +‬تقاريرامليزانيات‪.‬‬
‫يالحظ من خالل الجدول أن هناك اختالال واضحا ما بين النمو الديمغرافي‬
‫والنمو االقتصادي‪ ،‬وهو اختالل متوقع وال يطرح إشكاالت آنية بقدر ما يراكم‬
‫‪105‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ا شكاالت التنموية استراتيجيا‪ .‬للن تناقضات التنمية في املغرب أنه في الوق‬


‫ال ي تنخفض فيه نس النمو الديمغرافي وترتفع نس النمو االقتصادي‪ ،‬ال‬
‫يتم استثمار ذلي لتثمين وترصيد املنحى ا يجا للتطور االقتصادي‪ .‬للن في‬
‫الوق ال ي تنخفض فيه نس النمو االقتصادي تتخ ها الحكومات املتعاقبة‬
‫مبررا لخفض نس التشغيل والتراجع عن تحمل تكاليف التنمية االجتماعية‬
‫ودعم الطبقات الفقيرة‪.‬‬
‫‪ ‬جمود بعض امليكانزمات االقتصادية األساسية وغياب مشروع‬
‫االكتفاء الذاتي‪.‬‬
‫ال ستطيع االقتصاد الوط ي إحراز تموقع دولي جيد نظرا لكونه يحر على‬
‫تطوير الناتج الداخلي‪ ،‬في حين ال يب ل الجهد الكافي في إعادة الهيكلة لتحقيق‬
‫االكتفاء ال ات واالستقاللية‪ ،‬إذ يالحظ جمود واضح في العديد من امليكانزمات‬
‫السوسيواقتصادية األساسية ومنها‪:‬‬
‫األمن الغ ائ والعجز البنيوي للقطاع األول‪ :‬حيث استمرار تجاهل االكتفاء‬
‫ال ات من الحبوب‪ ،‬وال ي عمق عجز امليزان التجاري للمغرب‪ ،‬ويرهق ميزانية‬
‫الدولة شكل مستمر‪ .‬با ضافة إلى مشكل ارتباط القطاع األول بالتقلبات‬
‫املناخية‪ ،‬مع استمرار التناقض ما بين ارتفاع القيمة املضافة الفالحية وجمود‬
‫حصة القطاع من إجمالي القيمة املضافة‪ ،‬فمثال خالل تنزيل مخطط املغرب‬
‫األخضر في مرحلته األولى (‪ )2016-2008‬عرف القيمة املضافة الفالحية تزايدا‬
‫بمعدل سنوي قدره ‪ ،%5,7‬في حين بقي حصة القطاع من إجمالي القيمة‬
‫املضافة في حدود ‪ %13‬في املتوسط‪.‬‬
‫بخصو القطاع الثان ‪ :‬عتمد املغرب نظام "الفرانشيز" نظام الوكالة وشراء‬
‫حقوق التصنيع الخفيف والتصنيع الهامش ي (تجميع القطع واملكونات‬
‫املستوردة)‪ ،‬وهو نظام تستفيد منه دول االستقبال في حدود معينة‪ ،‬ويبق‬
‫املستفيد األكبر هم املستثمرون اللبار‪ ،‬ال ين ال يتحملون أدن ع ء من أعباء‬

‫‪106‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫التجهيز والتعبئة وتوفير اليد العاملة‪ ،‬وهو ما يجعل دول االستقبال تحول كل‬
‫سياساتها العمومية‪ ،‬من تعليم ونظام إداري ونظام األسواق والضرائ ‪ ،‬وغيرها‬
‫من القطاعات لتتليف مع رغبات الزبناء واملستثمرين‪.1‬‬
‫ورغم التطور الحاصل في الصادرات الصناعية للمغرب (صناعة الطيران‬
‫والسيارات على الخصو ) إال أن القطاع الصناعي في املغرب شكو أزمة بنيوية‬
‫تتمثل في ارتفاع نسبة املقاوالت الصغرى‪ ،‬التي تفوق نسبتها ‪ ،%94‬مما يفرض‬
‫إحداث ورش استعجالي ضخم لدعم نسيج املقاوالت الصغرى‪ ،‬وقد أكدت أزمة‬
‫كورونا أن املقاوالت الصغرى في املغرب ال مكان لها في مجال املنافسة‪ ،‬بحيث أن‬
‫نسبة كبيرة من ه ه املقاوالت أعلن إفالسها على عتبة املوجة األولى الكتساح‬
‫الوباء‪.‬‬
‫وبخصو االستقاللية التجارية‪ :‬رغم املحاوالت املتلررة لالنفتاح على أقطاب‬
‫اقتصادية جديدة‪ ،‬ستمر ارتباط االقتصاد الوط ي باالتحاد األور ‪ ،‬خاصة‬
‫فرنسا وإسبانيا‪.2‬‬
‫وينضاف إلى االختالالت السابقة‪ ،‬ضعف استثمار القطاع غير املهيكل‪ ،‬ال ي‬
‫يتسارع شكل الف وبوتيرة تقارب ‪ 20.000‬وحدة سنويا‪ .‬وأمام ه ا التسارع تتب ى‬
‫الدولة مقاربة جبائية صرفة‪ ،‬حيث تتب ى كل نقاشاتها ش ن ه ه ا شكالية‬
‫أطروحة "هدر املداخيل الجبائية" التي تقدرها الدولة ب ‪ 34‬مليار درهم سنويا‪،‬‬
‫والت ثير السلبي على تنافسية االقتصاد الوط ي‪ ،‬واملساهمة في عمليات التزوير‬
‫بما يتراوح ما بين ‪ 6‬و ‪ 12‬مليار درهم في السوق‪ .‬والواضح أن الدولة تركز على‬

‫‪ - 1‬الحظ توجه التعليم في املغرب حاليا‪ ،‬وحجم الحمالت الرسمية لتوجيهه نحو التكوين‬
‫املنهي‪ ،‬وتوسيع الترسانة القانونية الخاصة باالستثمار‪ ،‬وإعادة هيكلة األسواق‪ ،‬وغيرها من‬
‫املشاريع التي يتم عرضها باعتبارها توجهات وطنية مستقلة‪ ،‬وما هي في الحقيقة سوى‬
‫التزامات واتفاقيات لتحقيق االندماج في االقتصادات ا قليمية والدولية‪.‬‬
‫‪ - 2‬كمثال على ذلي‪ :‬وصل نسبة الصادرات ‪ %64,6‬ونسبة الواردات إلى ‪ %56,5‬سنة ‪2017‬‬
‫و ‪ %73‬من مجموع االستثمارات الخارجية سنة ‪.2019‬‬
‫‪107‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االقتصاد غير املهيكل املرتبط باألنشطة املوسمية وأنشطة املقاوالت واألنشطة‬


‫االقتصادية الضعيفة (طال معاشو)‪ ،‬للنها تغض الطرف عن االقتصاد غير‬
‫املهيكل ال ي تمثله الشركات واملقاوالت اللبرى املتملصة من أداء الضرائ ومن‬
‫العديد من القوانين التي تلزمها باملساهمة في تنمية االقتصاد الوط ي‪ ،‬ل لي‬
‫فاألولى أن تتوجه الدولة إلى تقنين وإدماج نماذج االقتصاد غير املهيكل اللبير‪،‬‬
‫وتتم مقاربة األنشطة الصغيرة من وجهة نظر سوسيواقتصادية باعتبارها إحدى‬
‫رافعات التشغيل ال ات وقيمة إضافية للسوق الداخلية على الخصو ‪.‬‬
‫‪ ‬دور التحكم الدولي في جمود رحى دورة االقتصادات النامية كحالة‬
‫املغرب‪.‬‬
‫بالنسبة للدول النامية‪ ،‬فإن مقاربة االقتصاد من جان الفعالية أج ر من‬
‫املقاربة من حيث اللفاءة‪ ،‬ألن الفعالية االقتصادية مفهوم مرك يضم مفهوم‬
‫اللفاءة شكل عملي‪ ،‬ويدمج املرونة والتليف الالزم مع البيئة والشروط‬
‫املوضوعية وتحفيز االبتكار‪ ،‬وتدفع الفعالية في اتجاه تحقيق األهداف املعلنة‬
‫غض النظر عن ا مكانات املتاحة أو املستخدمة‪.‬‬
‫غير أن التزام مفهوم الفعالية االقتصادية يضع النماذج التنموية االقتصادية‬
‫على محي تحديات كبرى‪ .‬فلم تعد االقتصادات الوطنية والقومية في من ى عن‬
‫املؤشرات الدولية والتحديات االستراتيجية‪ ،‬التي تم رسمها من قبل الدول‬
‫العظمى وفق سياقات معلومة‪ ،‬وهو ما يربي العقول املدبرة القتصادات الدول‬
‫النامية على الخصو ‪ .‬ومما ينبغي ا شارة إليه في ه ا الصدد (ارتباط اقتصاد‬
‫الدول النامية بتوجهات الدول العظمى) الديباجات املعهودة التي تطالعنا بها‬
‫التقارير الدولية‪ ،‬والتوقعات االستراتيجية‪ ،‬حيث نجدها جميعا تدبج أوراقها‬
‫بتوقعات كالسيلية أضح محفو ة ل ا املتتبعين‪ ،‬من قبيل املطلع املتلرر في‬
‫كل قوانين املالية والتوقعات االقتصادية‪ ،‬وال ي نصه في الغال ‪" :‬ينتظر ارتفاع‬

‫‪108‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫أو انخفاض أو تحسن تدريجي (حس الظرفية) لوتيرة النمو االقتصادي العالمي‬
‫نظرا للتوقعات التالية"‪:‬‬
‫‪ ‬تحوالت أسواق وأسعار النفط على خلفية اتفاقية الدول املصدرة في‬
‫عالقتها مع الدول املتحلمة التي تحدد مستويات ا نتاج‪ ،‬وه ه‬
‫املال سات تتحلم شكل واضح في موازنات دول االستيراد؛‬
‫‪ ‬ارتفاع أو انخفاض معدالت تضخم االقتصادات اللبرى؛‬
‫‪ ‬تحوالت سوق العمل الدولية (تحويالت املهاجرين)‪ ،‬املرتبطة نفسها‬
‫بنشاط وركود االقتصادات املتقدمة؛‬
‫‪ ‬األوضاع النقدية العاملية وضغطها على موازنات االقتصادات النامية‪،‬‬
‫وانعكاساتها على أوضاع السيولة وأسعار الفائدة في العالقات املالية‬
‫الدولية‪.‬‬
‫ونتيجة له ه ا كراهات‪ ،‬يرتفع مباشرة عجز امليزان التجاري وميزان املعامالت‬
‫الجارية بين الشمال والجنوب؛ تنخفض معدالت النمو‪ ،‬وترتفع املديونية شكل‬
‫الف ‪ ،‬ويتراجع ا نفاق االستثماري (االستثمار العام)‪ ،‬وبالتالي تتراجع احتماالت‬
‫خلق فر الشغل‪ ،‬خاصة بالنسبة للدول املرتهن اقتصادها بالتمويل الدولي‬
‫واستيراد املواد األولية واالستثمارات الخارجية‪.‬‬
‫ولعل ما يفتح اقتصادات الدول النامية على املجهول؛ تزايد منسوب عدم اليقين‬
‫تجاه مسارات السياسات االقتصادية لعدد من الدول املتقدمة‪ ،‬التي تنهج‬
‫خيارات انفرادية تحصن اقتصادها ومستثمريها وسلعها (الدول املتوفرة على‬
‫أرصدة مالية كافية)‪.‬‬
‫والحقيقة أن وضعية املغرب ال تخرج عن ه ا السياق‪ ،‬ل لي نجد أن توقعات‬
‫مشاريع امليزانيات السنوية تنطلق موضوعيا من ه ه ا كراهات‪ ،‬إال أنه بحلم‬
‫عدم سيطرتها على املعطيات‪ ،‬تجعل ه ه املنطلقات في شكل "تلهنات" أو‬
‫توقعات اقتصادية محتملة إلى حين تثب صحتها أو العلس‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ولعل ه ه الت ثيرات أصبح تمثل ضغوطا اقتصادية حقيقية مع الزمن‪ ،‬خاصة‬
‫من سنوات السبعينات والثمانينات‪ ،‬التي جسدت ارتباطا وثيقا لالقتصاد‬
‫الوط ي باملالية الدولية وتوجهات املؤسسات الدولية املانحة‪ ،‬مما يؤكد عدم‬
‫صوابية ادعاءات إصالح االقتصاد الوط ي من خالل ترقيعات اقتصادية غير‬
‫مؤثرة في الهيكلة العامة لالقتصاد‪ ،‬أو االتجاه إلى رفع تكاليف مساهمة املواطنين‬
‫في مقاومة ه ه التحديات (ارتفاع أسعار السلع والخدمات‪ ،‬خاصة على الطبقات‬
‫الوسط )‪.‬‬
‫وصعوبة الوضع االقتصادي للمغرب‪ ،‬أن رفع شعار الفعالية االقتصادية يتم في‬
‫روف اقتصادية وسياقات تاريخية صعبة للغاية‪ ،‬يملن اختصارها في تزايد‬
‫الناتج ا جمالي مع جمود نس النمو‪ .‬فخالل العقد األخير تطور الناتج ا جمالي‬
‫املحلي شكل الف ‪ ،‬وارتفع من ‪ 92,9‬مليار درهم إلى ‪ 118,5‬مليار درهم خالل‬
‫عشر سنوات (أنظر الجدول)‪ ،‬للن تراكمات املاض ي‪ ،‬وجمود الفعالية‬
‫االقتصادية الحالية يجعل االقتصاد الوط ي ضعيف املساهمة في عملية‬
‫التنمية‪.‬‬
‫فنسبة النمو االقتصادي في املغرب املستقل خالل خمسين سنة (‪)1960-2004‬‬
‫هي ‪ %4,2‬سنويا‪ ،‬أما االتجاه العام لتطور نس النمو‪ ،‬فهو في تراجع‪ ،‬خاصة من‬
‫سنة ‪ 1967‬إلى حدود ‪ ،1995‬وتعد املرحلة ما بين ‪ 1990‬و‪ 1995‬مرحلة تراجع‬
‫قياسية إذ لم تتجاوز في املتوسط ‪ ،%1,7‬في حين ارتفع ه ه النسبة في الفترة‬
‫ما بين ‪ 1996‬و‪ 2004‬لتصل ‪ ،%4,1‬وفي املرحلة ما بين ‪ 2005‬و‪ 2010‬واصل‬
‫االرتفاع شكل طفيف لتصل ‪ ،%4,6‬للن خالل الفترة ما بين ‪ 2008‬و‪2016‬‬
‫وصل نسبة النمو باألسعار الثابتة ‪ 3,9‬في املتوسط السنوي‪ .‬وال تزال ه ه‬
‫النسبة تراوح مكانها‪ ،‬بحيث بقي في حدود ‪ %3,1‬سنة ‪ ،2018‬وانخفض إلى‬
‫أقل من ذلي سنة ‪ ،)2,7%( 2019‬ولم تشهد تطورا ملحو ا في السنة املوالية‬
‫وبقي دون عتبة ‪ ،)3,9% ( %4‬ومع تداعيات جائحة كورونا ال يتوقع أن تشهد‬

‫‪110‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫نس النمو تحوال ذي بال‪ .‬أما نسبة التضخم فتقدر في املعدل ب ‪-2002( %5,1‬‬
‫‪ .)1955‬ه ا مع استمرار انخفاض نس نفقات االستثمار من الناتج الداخلي‬
‫ا جمالي من ‪ %8‬سنة ‪ 1993‬إلى حوالي ‪ %5‬فقط سنة ‪.2004‬‬
‫تطور إجمالي الناتج املحلي ما بين ‪ 2009‬و‪( 2018‬بامللياردر م)‪.‬‬
‫السنة ‪2018 2017 2016 2015 2014 2013 2012 2011 2010 2009‬‬
‫القيمة ‪118,5 109,7 103,4 101,2 110,1 106,8 98,27 101,4 93,22 92,9‬‬
‫‪Source: Trading Economics, World Bank, 2019‬‬
‫ومن بين أهم مؤشرات التناقض في هيكلة االقتصاد الوط ي ك لي‪ ،‬توسع الهوة‬
‫ما بين أولويات الخطاب الرسمي وحقيقة األرقام االقتصادية‪ ،‬ولن خ على سبيل‬
‫املثال التصورات الرسمية لتوازن القطاعات املنتجة املغربية‪ ،‬فف الوق ال ي‬
‫تتحدث فيه املؤسسات الرسمية عن الدور الحاسم للقطاع األول‪ ،‬وحتمية ت ثر‬
‫االقتصاد الوط ي بالتغيرات املناخية لحجم ت ثيرها على القطاع الفالحي‪ ،‬تبين‬
‫األرقام أن االقتصاد الوط ي هو اقتصاد خدمات ‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تطور املسا مات القطاعية في القيمة املضافة اإلجمالية للمغرب (‪)2010/1980‬‬


‫‪07-10 00-10 90-99 81-89‬‬ ‫املرحلة الزمنية‬
‫‪4,1‬‬ ‫‪5,1 - 0,5 5,4‬‬ ‫تطور القيمة املضافة (‪)%‬‬ ‫أنشطة‬
‫القطاع الحصة من القيمة املضافة ا جمالية (‪16,9 17 19,3 19,9 )%‬‬
‫‪0,7‬‬ ‫‪0,9 - 0,1 1,1‬‬ ‫املساهمة في نمو القيمة املضافة (‪)%‬‬ ‫األول‬
‫‪2,9‬‬ ‫‪3,7‬‬ ‫‪3,1‬‬ ‫‪2,1‬‬ ‫تطور القيمة املضافة (‪)%‬‬ ‫أنشطة‬
‫‪26,6‬‬ ‫‪27,3‬‬ ‫‪28,2‬‬ ‫الحصة من القيمة املضافة ا جمالية (‪30,1 )%‬‬ ‫القطاع‬
‫‪0,8‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0,9‬‬ ‫‪0,6‬‬ ‫املساهمة في نمو القيمة املضافة (‪)%‬‬ ‫الثان‬
‫‪4,2‬‬ ‫‪4,8‬‬ ‫‪3,1‬‬ ‫‪4,2‬‬ ‫تطور القيمة املضافة (‪)%‬‬ ‫أنشطة‬
‫‪56,3‬‬ ‫‪55,6‬‬ ‫‪54,2‬‬ ‫الحصة من القيمة املضافة ا جمالية (‪52,8 )%‬‬ ‫القطاع‬
‫‪2,4‬‬ ‫‪2,7‬‬ ‫‪1,7‬‬ ‫‪2,2‬‬ ‫املساهمة في نمو القيمة املضافة (‪)%‬‬ ‫الثالث‬
‫املصدر‪ :‬مشروع قانون املالية ‪.2012‬‬
‫تظهر أهمية الخالصات امل كورة سابقا من مثل ه ه األرقام‪ ،‬حيث يبق‬
‫االقتصاد الوط ي‪ ،‬رغم املحاوالت املتنوعة واملتعددة لإلصالح‪ ،‬اقتصادا تا عا‬
‫ورهن إشارة التوازنات الخارجية والتوجهات االقتصادية لدول التصدير‪ ،‬ومنها‬
‫الضغوط املتعلقة باستراتيجيات القطاعات املنتجة‪ ،‬منها أولوية التصدير على‬
‫االكتفاء ال ات بخصو الفالحة‪ ،‬وأولوية التركي والتوطين على حساب‬
‫التصنيع واالبتكار بالنسبة للصناعة‪ ،‬وأولوية رغبات الزبون الخارجي على حقوق‬
‫املواطن املغر بالنسبة للقطاع السياحي والخدمات ‪.‬‬
‫وحس املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬فإن الوضع االقتصادي كان يتطل‬
‫مراجعة شاملة وفق نموذج تنموي جديد من مدة‪ ،‬نظرا لتراجع العديد من‬

‫‪112‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫املؤشرات االقتصادية اللبرى‪ ،‬وذلي بمقارنة الفترة ‪ 2012-2000‬بالفترة ‪-2013‬‬


‫‪ ،2017‬ومنها‪:1‬‬
‫‪ ‬تراجع الطل الداخلي بالحجم من ‪ %5‬إلى ‪ ،%3,1‬ونفقات االستهالك‬
‫النهائ من ‪ 4,3%‬إلى ‪ ،%2,9‬وتكوين رأس املال الثاب من ‪ %6‬إلى‬
‫‪1,2%‬؛‬
‫‪ ‬انخفاض إنتاج القيمة املضافة من ‪ %4,6‬إلى ‪ ،%2,6‬وتراجع الناتج‬
‫الداخلي ا جمالي من ‪ %4,6‬إلى ‪%3,4‬؛‬
‫‪ ‬ارتفاع حاجيات تمويل االقتصاد الوط ي من ‪ %-1,2‬من الناتج‬
‫الداخلي ا جمالي إلى ‪%-4,8‬؛‬
‫‪ ‬انتقال جاري الدين الخارجي العموم من ‪ %25‬إلى ‪.30%‬‬
‫‪ -3-2‬املغرب االجتماعي بين طمو التماسك وواقع التفاوت وتجدد الحراك‬
‫الشعبي‪.‬‬
‫يحدد خطاب ‪ 18‬ماي ‪ 2005‬مشروع الدولة في شقه االجتماعي في تحقيق‬
‫"التماسي االجتماعي" و"تملين كل مواطن من االستثمار األمثل ملؤهالته‬
‫وقدراته"‪ .‬ل لي سنرصد تجليات ه ين املشروعين‪ ،‬مقابل إبراز أثرهما على‬
‫السلم والعدالة االجتماعية‪.‬‬
‫فال جدال في كون املشروع التنموي املغر يتسم بقصور الفعالية االجتماعية‪،‬‬
‫ولعل الخطابات املللية خالل العقد األخير (أنظر الفقرات السابقة) أصبح‬
‫تتحدث عن ذلي بكامل الوضوح‪ ،‬حيث جاء في خطاب العرش (يوليوز ‪ )2017‬ما‬
‫يلي‪" :‬فإذا كنا قد نجحنا في العديد من املخططات القطاعية‪ ،‬كالفالحة والصناعة‬
‫والطاقات املتجددة‪ ،‬فإن برامج التنمية البشرية والترابية‪ ،‬التي لها ت ثير مباشر‬
‫على تحسين روف عيش املواطنين‪ ،‬ال تشرفنا‪ ،‬وتبق دون طموحنا"‪.‬‬

‫‪ - 1‬املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬عض عناصر مداخلة املندوب السام حول وضعية‬
‫االقتصاد الوط ي لسنة ‪ 2018‬وآفاقها لسنة ‪ ،2019‬امليزانية التوقعية لسنة ‪16 ،2019‬‬
‫يناير ‪ ،2019‬الدر البيضاء‪.8 ،‬‬
‫‪113‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬بوصلة وتحوالت البرنامج االجتماعي الرئيس‪" :‬املبادرة الوطنية‬


‫للتنمية البشرية"‪.‬‬
‫تمثل "املبادرة الوطنية للتنمية البشرية" الجواب الصريح والعملي لخالصات‬
‫تقرير الخمسينية‪ .‬وهي بمثابة ورش ملك ونموذج تنموي خا بالعهد الجديد‬
‫لتجاوز اختالالت الخمسين سنة املاضية من االستقالل‪.‬‬
‫يحدد خطاب ‪ 18‬ماي ‪ 2005‬مراحل املبادرة في ثالث‪:‬‬
‫‪ ‬على املدى القري (الدفعة األولى)‪ :‬تكليف الحكومة بإعداد برامج‬
‫مندمجة وملموسة (اعتماد أسلوب جديد في البرمجة والتخطيط)؛‬
‫‪ ‬على املدى املتوسط‪ :‬تدري األحزاب السياسية على العمل بالبرامج‬
‫املندمجة وفق ما تطرحه املبادرة الوطنية للتنمية البشرية؛‬
‫‪ ‬على املدى البعيد‪ :‬تحقيق االرتقاء بمؤشرات التنمية البشرية لتحسين‬
‫تصنيف املغرب‪ ،‬والعمل على االنتقال من مستوى الدولة النامية إلى‬
‫مستوى البلدان املتقدمة حس نص الخطاب‪.‬‬
‫وإلى حدود اآلن قطع املبادرة مرحلتين ودخل الثالثة‪:‬‬
‫خالل املرحلة األولى (‪ :)2010/2005‬اعتمدت الدولة أر عة برامج أساسية وهي‪:‬‬
‫برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي‪ ،‬وبرنامج محاربة ا قصاء االجتماعي في‬
‫الوسط الحضري‪ ،‬وبرنامج محاربة الهشاشة‪ ،‬وبرنامج خا بالجماعات غير‬
‫املستهدفة بالبرامج السابقة‪.‬‬
‫للن قبيل نهاية ه ه املرحلة (‪ )2009‬صدر تقرير البرنامج ا نمائ لألمم املتحدة‪،‬‬
‫وصنف املغرب في املرتبة ‪ 130‬عامليا‪ ،‬مما دفع الحكومة‪ ،‬في مبادرة استباقية‪ ،‬إلى‬
‫االعتراض على التقرير واعتباره غير منصف وال عتمد مؤشرات عادلة في حق‬
‫املغرب على الخصو ‪ .‬ورغم االعتراض املعلن‪ ،‬بادر املغرب إلى تلييف نموذجه‬
‫التنموي االجتماعي (املبادرة الوطنية) لتستجي ملعايير تصنيف األمم املتحدة‪،‬‬
‫مما دفع الدولة إلى دخول مرحلة جديدة (املرحلة الثانية)‪ ،‬وهي بمثابة مرحلة‬

‫‪114‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تصحيحية (‪ ،)2018/2010‬تميزت مشاريعها باستهداف مليون مستفيد في‬


‫‪ 3.300‬دوار (‪ 22‬إقليم جبلي أو معزول)‪ ،‬وخالل ه ه املرحلة تم الرفع من‬
‫امليزانيات املخصصة ملشاريع املبادرة‪.‬‬
‫أما املرحلة الثالثة الخاصة باآلفاق املستقبلية (‪ ،)2023/2019‬فتطمح ‪ -‬كما هو‬
‫معلن‪ -‬إلى اعتماد "هندسة جديدة" هدفها " النهوض بالرأسمال البشري لألجيال‬
‫الصاعدة‪ ،‬عبر التصدي املباشر‪ ،‬وبطريقة استباقية‪ ،‬للمعيقات األساسية التي‬
‫تواجه التنمية البشرية للفرد‪ ،‬طيلة مراحل نموه‪ ،‬وك ا دعم الفئات في وضعية‬
‫صعبة‪ ،‬وإطالق جيل جديد من املبادرات املحدثة لفر الشغل‪ ،‬وتطوير‬
‫األنشطة امل رة للدخل"‪.1‬‬
‫تميزت ه ه املرحلة بإطالق أر عة برامج أساسية وهي‪ :‬برنامج تدارك الخصا في‬
‫البنيات التحتية والخدمات األساسية في املجاالت الترابية األقل تجهيزا (في‬
‫العزلة وتحسين الظروف السوسيواقتصادية للفئات املعوزة)‪ ،‬وبرنامج مواكبة‬
‫األشخا في وضعية هشاشة (التلفل وإعادة إدماج الفئات الهشة اجتماعيا)‪،‬‬
‫وبرنامج تحسين الدخل والبرنامج االقتصادي للشباب (مواكبة القرب وتثمين‬
‫املؤهالت والثروات املحلية)‪ ،‬ثم برنامج دعم التنمية البشرية لألجيال الصاعدة‬
‫(االستثمار في الرأسمال البشري)‪.‬‬
‫وإن كان الحلم الرسمي على النموذج التنموي بالفشل والقصور‪ ،‬وتركيزه على‬
‫الفشل في الشق االجتماعي‪ ،‬عفينا من الخوض في عض مظاهر ه ا الفشل‪،‬‬
‫فإنه من املفيد جدا الوقوف عند عض العناصر األساسية التي نعتبرها مؤشرات‬
‫للنظر في مستقبل وآفاق النموذج التنموي في نسخته الثانية‪.‬‬

‫‪ - 1‬مقتطف من الرسالة املللية املوجهة إلى املشاركين في املنا رة الوطنية األولى للتنمية‬
‫البشرية‪ ،‬الصخيرات‪ 19-18 ،‬شتنبر ‪.2019‬‬
‫‪115‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية بين مثالية املشروع وتحديات‬


‫الواقع‪.‬‬
‫قبل إطالق املبادرة الوطنية للتنمية البشرية كان األوضاع االجتماعية صعبة‬
‫جدا؛ نسبة الفقر تقارب ‪( %14,2‬إحصاء ‪ ،)2004‬وا قصاء االجتماعي في حدود‬
‫‪ ،11%‬ونسبة الهشاشة مرتفعة (‪ ،)17,02%‬ونس األمية مقلقة تتجاوز ‪.%42,7‬‬
‫وبخصو معدل جي ي ال ي يبين نسبة تمركز الثروة‪ ،‬فقد وصل ‪ 39,5‬حس‬
‫تقرير التنمية ا نسانية العربية‪ ،‬وفي املجال الصحي ال تختلف املؤشرات عن‬
‫سابقاتها‪ ،‬منها أن بقي نسبة وفيات األطفال في حدود ‪ 43‬وفاة عن كل ‪1.000‬‬
‫والدة حية‪ ،‬واحتل املغرب املرتبة ‪ 77‬عامليا حس تقرير اليونسيف عن حالة‬
‫أطفال العالم سنة ‪.2004‬‬
‫فما ال ي تحقق خالل عقد ونصف من التنمية البشرية؟‬
‫يصطدم املشروع املثالي للتنمية البشرية في املغرب‪ ،‬في صيغته الرسمية‪،‬‬
‫بتحديات بنيوية هي من صميم البنية السوسيوسياسية‪ ،‬تؤثر شكل واضح في‬
‫مسار اندماج املغرب في املشروع الدولي للتنمية البشرية‪ ،‬وتجعل منه ورشا‬
‫خطابيا بامتياز‪ ،‬بل استهالكيا في اللثير من الحاالت‪:1‬‬
‫‪ ‬التزام متأخرباملعاييرالدولية لقياس التنمية‪.‬‬
‫عد املغرب من الدول التي ال يتناس مجهودها التنموي مع تصنيفها الدولي‪،‬‬
‫ومن بين األسباب؛ عدم االلتزام الجيد بمعايير األمم املتحدة‪ .‬وتعد مرحلة التنمية‬
‫البشرية في املغرب مفصلية في التحول إلى املعايير الدولية‪ ،‬سواء فيما يخص‬
‫التنمية أو أهداف األلفية‪.‬‬
‫التزم املغرب عض مؤشرات التنمية البشرية من إعالن املبادرة‪ ،‬وحر‬
‫الخطاب الرسمي على توجيه البرامج االجتماعية خدمة لبعض املؤشرات‬

‫‪ - 1‬رغم إعالن الخطاب امللك فشل النموذج التنموي املغر ‪ ،‬ال تزال املنابر ا عالمية‬
‫واملؤسسات الحكومية والحزبية تردد شعار "النموذج املغر املتفرد والواعد"‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫التقليدية أو مؤشرات األجيال األولى للتنمية منها‪ :‬زيادة النمو‪ ،‬وخفض نس‬
‫األمية ورفع نس التمدرس‪ ،‬ورفع أمد الحياة‪ ،‬واستفادة األفراد من الناتج‬
‫الداخلي ا جمالي‪ ،‬وزيادة الدخل الفردي‪ ،‬وجودة التعليم‪ ،‬وتقليص نس‬
‫البطالة‪ .‬إال أن املبادرات والبرامج تتناول ه ه املؤشرات باعتبارها متطلبات‪ ،‬أما‬
‫البرامج ا نمائية األممية فتعتبر ه ه املؤشرات حقوقا شخصية‪ ،‬فمؤشر أمد‬
‫الحياة مثال‪ ،‬يرتبط شكل مباشر بالحق في الصحة والرعاية االجتماعية‪ ،‬والحق‬
‫في الشغل والبيئة السليمة‪ .‬ومؤشرات الرفع من التمدرس وخفض نس األمية‬
‫مرتبط بالحق في التعليم‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن ما يجعل املغرب يت يل عض‬
‫التصنيفات األممية‪ ،‬هو تلكؤه في التوقيع على عدة اتفاقيات ومعاهدات تخص‬
‫حقوق ا نسان‪ ،‬وتوسيع هوامش الديمقراطية‪ ،‬ورعاية الفئات الهشة‪ ،‬وتقليص‬
‫الفوارق املجالية واالجتماعية والفئوية‪.‬‬
‫‪ ‬برامج مكثفة وتكلفة إجمالية ضخمة مقابل ارتقاء بطيء في مؤشر‬
‫التنمية‪.‬‬
‫خالل حفل إطالق املرحلة الثالثة من املبادرة (‪ 19‬شتنبر ‪ ،)2018‬قدم وزير‬
‫الداخلية حصيلة املبادرة في املرحلتين السابقتين‪ ،‬وأكد أنه تم إنجاز أزيد من‬
‫‪ 43.000‬مشروع ونشاط‪ ،‬بلغ تكلفتها ا جمالية ‪ 43‬مليار درهم‪ ،‬ساهم فيها‬
‫املبادرة ب ‪ 28‬مليار درهم‪.‬‬
‫واستطاع برامج املرحلة األولى تحقيق ‪ 22.000‬مشروعا لفائدة حوالي خمسة‬
‫ماليين مستفيد‪ ،‬ينتمون إلى ‪ 403‬جماعة ترابية بالعالم القروي وتوسيعها فيما‬
‫عد إلى ‪ 702‬جماعة خالل املرحلة الثانية‪ .‬وفي الوسط الحضري استهدف مشروع‬
‫محاربة ا قصاء االجتماعي لوحده ‪ 264‬حيا في املرحلة األولى‪ ،‬ليرتفع العدد إلى‬
‫‪ 532‬في املرحلة الثانية‪ .‬ه ا با ضافة إلى تحسين الولوجية لفائدة ‪ 3.300‬دوار في‬
‫املناطق املعزولة وصعبة الولوج‪ .‬وتحقيق ‪ 43.000‬نشاط ومشروع للخدمات‬
‫األساسية للقرب (الصحة‪ ،‬والتمدرس‪ ،‬وا دماج االقتصادي‪ ،‬ومحاربة‬
‫الهشاشة)‪.‬‬
‫‪117‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬فإن الغالف املالي ال ي تم رصده ملشاريع املرحلة األولى‪ ،‬املقدر‬
‫بحوالي ‪ 15‬مليار درهم‪ ،‬عد رقما كبيرا باملقارنة مع األغلفة املالية املخصصة‬
‫للمشاريع التنموية في الجماعات الترابية‪ ،‬وباملقارنة مع الدعم املخصص‬
‫للمشاريع في النسخة السابقة‪ ،‬وباملقارنة ك لي مع نسبة مساهمتها في مشاريع‬
‫املجاالت الترابية‪ ،‬سواء في الوسط الحضري (‪ )29%‬أو الوسط القروي (‪.)19,3%‬‬
‫وحس تقارير املرصد الوط ي للتنمية‪ ،‬فقد عرف الفترة ما بين ‪ 2005‬و‪2015‬‬
‫إنجاز أزيد من ‪ 40.000‬مشروع‪ ،‬منها ‪ 8.300‬مشروع مدر للدخل استفاد منه ‪10‬‬
‫ماليين مستفيد غالف مالي يتجاوز ‪ 37‬مليار ونصف‪.‬‬
‫للن ه ه األرقام الضخمة تخف إخفاقا واضحا في املنطلقات؛ يتمثل في النسبة‬
‫الضعيفة املخصصة ملشاريع التنمية االجتماعية من الناتج الداخلي الخام‪ ،‬والتي‬
‫ال تتجاوز ‪ %0,4‬سنويا‪ .‬وحجم ه ه املشاريع ال يتناس مع بطء ارتقاء املغرب في‬
‫مؤشر التنمية البشرية‪ ،‬ال ي انتقل من ‪ 0,198‬سنة ‪ 1960‬إلى ‪ 0,631‬سنة ‪2003‬‬
‫إلى ‪ 0,67‬سنة ‪ .2017‬واحتل املغرب املرتبة ‪ 124‬من بين ‪ 177‬دولة سنة ‪،2004‬‬
‫وفي سنة ‪ 2018‬صنف املغرب في املرتبة ‪ 123‬من أصل ‪ 189‬دولة‪ ،‬وهو نفس‬
‫املركز ال ي حافظ عليه املغرب ما بين ‪ 2016‬و‪.2019‬‬
‫جدول تطور مؤشرالتنمية البشرية في املغرب ‪2018-2006‬‬
‫السنة ‪2018 2017 2014 2013 2012 2010 2009 2007 2006‬‬
‫النسبة ‪0,67 0,67 0,63 0,62 0,61 0,60 0,59 0,58 0,57‬‬
‫املصدر‪ :‬تقريرالخمسينية وتقاريراملندوبية السامية للتخطيط‪.‬‬
‫وترجع األسباب الحقيقية له ا البطء‪ ،‬با ضافة إلى ضعف فعالية عض‬
‫البرامج‪ ،‬وتراجع حكامة التدخالت‪ ،‬إلى تباطؤ املغرب في اقتحام العديد من‬
‫املؤشرات‪ ،‬وخاصة مؤشرات الجيل الجديد للتنمية‪ ،‬مؤشرات الحرية‬
‫والديمقراطية والعدالة االجتماعية والتملين البشري وتكافؤ الفر والحظوظ‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬العالم القروي‪ ،‬أ م تجليات فشل املبادرة‪.‬‬


‫يكاد املغرب يكون قرويا‪ ،‬من حيث اقتصاده ومنظومته االجتماعية‪ ،‬ورهاناته‬
‫السياسية‪ ،‬وسابقا قال "ريمي لوفو" بحقيقة "الفالح املغر املدافع عن‬
‫العرش"‪ ،‬ل لي ينصرف الخطاب الرسمي إلى إبراز االهتمام بالعالم القروي في‬
‫جل املشاريع التنموية‪ .‬وقد خصص له املبادرة برنامجا خاصا وهو "برنامج‬
‫محاربة الفقر بالوسط القروي"‪ ،‬رصدت له ميزانية تقدر ب ‪ 73.423.089‬درهم‬
‫خالل سنة االنطالق ‪ ،2005‬بما نسبته ‪ %30‬من االعتمادات ا جمالية للمبادرة‬
‫خالل ه ه الفترة‪.‬‬
‫وقد استطاع مشاريع املبادرة‪ ،‬خالل مرحلتها األولى على الخصو ‪ ،‬الرفع من‬
‫دخل األسر املستهدفة ب ‪( %20,3‬ضعف املعدل املسجل في املناطق غير‬
‫املستهدفة)‪ .1‬وفي الفترة ما بين ‪ 2005‬و ‪ ،2010‬تم إنجاز ‪ 6.756‬مشروعا‪ ،‬مقابل‬
‫‪ 4.069‬مشروعا في الحواضر‪ ،‬استفاد منها ‪ 1,6‬مليون شخص في األرياف‪،‬‬
‫باستثمار مالي قدره ‪ 2.715.929.169‬درهم‪ ،‬منها ‪ 5.230‬مشروعا لدعم الولوج‬
‫إلى البنيات والخدمات االجتماعية األساسية‪ ،‬و ‪ 1.006‬مشاريع لألنشطة املدرة‬
‫للدخل‪ .2‬وخالل املرحلة الثانية من املبادرة ‪ ، 2015/2010‬تم توسيع عدد‬
‫الجماعات القروية املستفيدة من املبادرة إلى ‪ 701‬جماعة‪ ،‬بتطبيق عتبة ‪%14‬‬
‫كمعدل للفقر عوض ‪ %30‬التي تم اعتمادها الستهداف ‪ 403‬جماعة خالل‬
‫املرحلة األولى‪ ،‬كما تم تخصيص غالف مالي قدره ‪ 3,1‬مليار درهم لتمويل مشاريع‬
‫برامج مكافحة الفقر بالوسط القروي‪ .3‬إال أن التقارير الرسمية تؤكد واقع‬
‫االنتقائية املجالية فيما يخص مساهمة الشركاء ما بين األرياف والحضر‪ ،‬حيث‬

‫‪ - 1‬رئاسة الحكومة‪ ،‬املرصد الوط ي للتنمية البشرية‪ ،‬تقييم املرحلة األولى ‪،2010-2005‬‬
‫خالصات‪ ،‬أبريل ‪.5 ،2013‬‬
‫‪.40-39‬‬ ‫‪ - 2‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬تقرير ‪،2010/2005‬‬
‫‪ - 3‬كلمة وزير الداخلية بمدينة جرادة بمناسبة إطالق الشطر الثان من املبادرة‪ ،‬يومه‬
‫السب ‪ 04‬يونيو ‪.2011‬‬
‫‪119‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إن حصيلة ا نجازات في األرياف تمثل ‪ %54,3‬من مجموع املشاريع‪ ،‬للنها لم‬
‫تستفد إال من حوالي ‪ %36,4‬من إجمالي االعتمادات و ‪ %42‬من االعتمادات‬
‫الخاصة باملبادرة‪.1‬‬
‫رغم ه ه املبادرات‪ ،‬تطلعنا التقارير الرسمية عن صورة سوداء لواقع التنمية في‬
‫العالم القروي‪ ،‬من بين ه ه التقارير‪ ،‬تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي‪ ،2‬ال ي عرى عن واقع صع تعيشه ساكنة العالم القروي‪ ،‬وقد عرض‬
‫التقرير العديد من األرقام الصادمة بخصو مؤشرات التنمية البشرية‪،‬‬
‫ووصف عضها بصيغ تؤكد الفشل الجلي‪ .‬نعرض فيما يلي عضا من ه ه األرقام‬
‫والتعليقات‪:‬‬
‫‪ ‬عرض صحي ما زال ضعيفا جدا‪ ،‬حيث انتقل أمد الحياة خالل املدة‬
‫الزمنية الفاصلة ما بين ‪ 1962‬إلى ‪ ،2014‬من ‪ 57‬سنة إلى ‪ 77,8‬سنة في‬
‫الوسط الحضري‪ ،‬بينما في الوسط القروي‪ ،‬فقد انتقل من ‪ 43‬سنة إلى‬
‫‪ ،72,6‬ومعدالت وفيات األمهات واألطفال من بين أعلى املعدالت في‬
‫منطقة الشرق األوسط (‪ ،)75%‬والفئات األكثر فقرا‪ ،‬معرضون ثالث‬
‫مرات أكثر للوفاة سب ا صابات القابلة للعالج‪ ،‬أو سب أمراض‬
‫الطفولة التي يملن عالجها في غال األحيان سهولة‪ .‬وأن النظام الصحي‬
‫شكو من غياب الخريطة الصحية‪ ،‬وقلة املوارد البشرية واملالية‪ ،‬وتدبير‬
‫غير ناجح وجد ممركز‪ ،‬واختالالت على مستوى نظام ا خالء الصحي‪،‬‬
‫وتم إغالق ما يزيد عن ‪ 143‬مركزا صحيا واللثير من املؤسسات الصحية‬
‫ال يقصدها الناس كثيرا‪ .‬ويؤثر الفقر والهشاشة شكل مباشر على إقدام‬
‫ساكنة العالم القروي على قصد املؤسسات الصحية للعالج‪ ،‬وال تزال‬
‫النساء تشتلين من ضعف االستفادة من الخدمات الصحية لعدة‬

‫‪ - 1‬رئاسة الحكومة‪ ،‬مرجع سابق‪.7 ،‬‬


‫‪.108‬‬ ‫‪ - 2‬إحالة ذاتية رقم ‪" ،2017/29‬تنمية العالم القروي‪ ،‬التحديات واآلفاق"‪،2017 ،‬‬
‫‪120‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫أسباب منها؛ قلة املوارد‪ ،‬والبعد عن الخدمات الصحية‪ ،‬وسيادة عض‬


‫التقاليد املتوارثة (إذن الزوج أو األب أو األخ)‪ ،‬والخشية من عدم العثور‬
‫على طاقم نسوي‪1‬؛‬
‫وفي مجال التربية والتكوين‪ ،‬سجل التقرير فوارق مجالية واجتماعية‬ ‫‪‬‬

‫كبيرة وفوارق على مستوى النوع‪ ،‬مع تسجيل مالحظة ضعف التعليم‬
‫األولي وسيادة التعليم التقليدي‪ ،‬وتزايد الصعوبات االجتماعية لألسر‬
‫املحرومة ال ي يرخي بظالله على استمرار تمدرس الناشئة‪2‬؛‬
‫وبخصو الخدمات العمومية والبنيات التحتية‪ :‬سجل املجلس‬ ‫‪‬‬

‫قصورا واضحا رغم املجهودات املتواصلة من بداية التسعينات‪ ،‬بحيث‬


‫إن شبلة التزود باملاء الشروب لم تتجاوز ‪ %55,3‬سنة ‪ ،32014‬وربطها‬
‫املنزلي ال يتعدى ‪ .4%39,7‬ورغم التطور ا يجا الالف للربط شبلة‬
‫اللهرباء‪ ،‬ال تزال ‪ 168.000‬أسرة أي ما يفوق ‪ 1,3‬مليون شخص ال‬
‫ستفيدون من الربط شبلة اللهرباء‪5‬؛‬
‫أما ولوج الساكنة إلى سلن الئق‪ ،‬فيبدو أن املسار منحبس لعدة‬ ‫‪‬‬

‫اعتبارات ذاتية وموضوعية‪ ،‬تجعل ه ا املؤشر في نهاية املطاف ضعيفا‬


‫في ذاته ومتراجعا باملقارنة مع املؤشرات األخرى‪ ،‬وفي ه ا الصدد يؤكد‬
‫التقرير غياب إدراج البعد املتعلق بالسلن القروي في السياسات‬

‫‪ - 1‬إحالة ذاتية رقم ‪" ،2017/29‬تنمية العالم القروي‪ ،‬التحديات واآلفاق"‪،2017 ،‬‬
‫‪.43-44‬‬
‫‪.47-46‬‬ ‫‪ - 2‬نفسه‪،‬‬
‫‪ - 3‬نسبة الولوج إلى املاء الشروب تجاوزت ‪ %95‬سنة ‪.2017‬‬
‫‪ - 4‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،2017/29‬مرجع سابق‪.49 ،‬‬
‫‪ - 5‬نفسه‪.51 ،‬‬
‫‪121‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫العمومية وفي استراتيجيات الفاعلين العاملين في ه ا املجال‪ ،‬وأن املراكز‬


‫القروية تقام بدون مخطط تهيئة في معظم األحيان‪1‬؛‬
‫‪ ‬و عد استعراض املجلس للتقدم الحاصل في توسيع شبلة الطرق‬
‫واملسالي القروية‪ ،‬سجل استمرار مشكل التتبع والصيانة‪ ،‬وضعف‬
‫االهتمام بالتشوير‪ ،‬وتزايد أنواع النقل املختلط‪ ،‬ما ساهم في تسارع‬
‫حوادث السير في ذروة الحركة أيام األسواق األسبوعية‪.2‬‬
‫‪ ‬عودة قوية واستثنائية لوزارة الداخلية‪ ،‬وتعدد املتدخلين يعيق‬
‫نجاعة البرامج‪.‬‬
‫رغم اعتماد املبادرة على آليتين فعالتين‪ :‬االندماج والتشاركية‪ ،‬فإن ذلي بق‬
‫حبيس الخطاب‪ ،‬حيث تتميز برامج املبادرة بتدخل العديد من الشركاء‬
‫والفاعلين؛ منهم املرصد الوط ي للتنمية البشرية‪ ،‬واللجنة الجهوية‪ ،‬واللجن‬
‫ا قليمية‪ ،‬واللجنة املحلية‪ ،‬والجمعيات والتعاونيات والقطاع الخا ‪ ،‬للن‬
‫تستفرد وزارة الداخلية‪ ،‬ممثلة على املستوى املركزي بوالي منسق وط ي للتنمية‬
‫البشرية‪ ،‬وعلى املستوى الترا بوالي ينسق مشاريع الجماعات بقيادة املبادرة‪،‬‬
‫وهو ما يجعل من وزارة الداخلية ممثال مباشرا للدولة‪ ،‬وتمثيل الدولة شمل‬
‫تنسيق األوراش التنموية إلى جان ممارسة املهام ا دارية والحفاظ على النظام‬
‫العام‪.‬‬
‫فإذا كان متوقعا أن تكون برامج املبادرة فعالة بحلم األموال املرصودة لها‪،‬‬
‫فالوضع على أرض الواقع لم يلن ك لي بحلم القنوات الهيكلية والقنوات‬
‫التنظيمية التي ستمر منها مشاريع وبرامج املبادرة‪ ،‬ومنها ازدواجية تدبير‬
‫السياسات العمومية بين برامج القطاعات الحكومية املعنية بتلبية حاجات‬

‫‪.52‬‬ ‫‪ - 1‬مرجع سابق‪،‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪.54 ،‬‬
‫‪122‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫املواطنين واملسؤولة عمليا عن ذلي‪ ،‬وبين هياكل تدبير املبادرة التي تستهدف‬
‫نفس الشرائح واملجاالت‪.‬‬
‫وإن سلمنا ب ن توسع املشاريع وتنوع املتدخلين سيزيد من تحقيق مصالح‬
‫املواطنين واملجاالت املستهدفة‪ ،‬وأن تعدد التدخالت (تدخل القطاعات‬
‫الحكومية وتدخل املبادرة) سيرفع من أعداد املستهدفين‪ ،‬فإن وجود شبلة‬
‫معقدة من األجهزة املعنية بالتدخل يثير التساؤل عن الجدوى‪ ،‬وهي مؤسسات‬
‫كثيرة جدا؛ منها اللجنة االستراتيجية للمبادرة ومجلس الحكومة‪ ،‬ومرصد التنمية‬
‫البشرية ال ي يضم في تشليلته ممثلين عن ا دارات العمومية‪ ،‬وممثلين عن‬
‫البرملان و عض فعاليات املجتمع املدن ‪ ،‬وإحداث أقسام للعمل االجتماعي في‬
‫األقاليم والعماالت‪ ،‬وإنشاء شبكات جهوية لخبراء املساعدة التقنية والفنية في‬
‫التنمية البشرية‪ ،‬وإحداث شبكات للنظم املعلوماتية‪ ،‬وإحداث اللجن الجهوية‬
‫وا قليمية للتنمية البشرية‪.‬‬
‫ه ا مع العلم أن مؤسسات التنمية البشرية‪ ،‬خاصة الجهوية وا قليمية‪ ،‬ذات‬
‫االتصال املباشر باملستهدفين‪ ،‬ال عالقة لها بجهاز الحكومة‪ ،‬أما وجود الوالة‬
‫والعمال على رأس ه ه املؤسسات فيجعلها مؤسسات فوق حكومية‪.‬‬
‫كما أن مشاريع املبادرة‪ ،‬بحلم الواقع‪ ،‬هي شبه تجميع وإدماج برامج قطاعية‬
‫وحكومية متنوعة وبرامج الجماعات الترابية‪ ،‬ما ع ي قانونيا أن عليها أن تكون‬
‫من أهم مسؤوليات الحكومة‪ ،‬وإال فالواقع أننا أمام حكومتين وسلسلتين‬
‫تنظيميتين تضيع بينهما املسؤوليات على الرغم من وضوح النصو املحددة‬
‫للمهام‪ ،‬ألن القطاعات الحكومية لها من الصالحية ما يجعلها تنف تدخالت‬
‫تنموية في املجال شكل انفرادي ومواز ملشاريع املبادرة‪ ،‬وبالتالي تصبح تدخالت‬
‫القطاعات وتدخالت الحكومة عبارة عن مشاريع أحزاب األغلبية‪ ،‬في حين أن‬
‫مشاريع املبادرة هي مشاريع السلطة‪ ،‬مما يلرس االعتقاد لدى غالبية املستفيدين‬
‫ب ن الخدمات املقدمة إليهم هي إعانات امللي‪ ،‬فيتواتر الحديث بين الشرائح‬

‫‪123‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االجتماعية‪ ،‬خاصة الضعيفة‪ ،‬عند حمالت املبادرة‪" ،‬ياله نستفدو راه جات‬
‫ا عانات ديال سيدنا"‪ ،‬فيتم تلريس شعار‪ :‬ملي الفقراء‪.‬‬
‫فهل كان قصد املبادرة أن تلرس حصرا ه ه األطروحة؟‬
‫‪ ‬تنمية اجتماعية معاقة بإشكاالت وإكرا ات بنيوية‪.‬‬
‫رغم نس النمو الجيدة املتحصل عليها في عض الفترات‪ ،‬وارتفاع نسبة‬
‫االستثمارات الخارجية والداخلية‪ ،‬فان ذلي لم ينعلس على املعاش اليوم‬
‫للفقراء ومجتمع الهامش نظرا لوجود إكراهات بنيوية‪.‬‬
‫‪ ‬مسار منحبس في محاربة التفاوتات الطبقية والسوسيومجالية وفي‬
‫الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫عد خالصات تقرير الخمسينية‪ ،‬ط ِل من املجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي شراكة مع بني املغرب‪ ،‬القيام بتقييم للثروة العامة في املغرب ورهانات‬
‫التنمية‪ ،‬وقد أنجزت املؤسستان تقريرا مفصال‪ ،‬ختم ببعض التوصيات املهمة‬
‫عد تشريح الوضع‪ ،1‬ومن أهم املرتلزات التي اعتبرها التقرير رافعة حداث‬
‫الثروة وحسن توزيعها قضية إرساء ميثاق اجتماعي جديد يلفل حقوق‬
‫مجتمعات الهامش‪ ،‬وقد جاء في التقرير‪" :‬ينبغي أن ستجي امليثاق االجتماعي‬
‫الجديد للحاجة امللحة املتمثلة في الحفاظ على مرتلزات التماسي االجتماعي‪،‬‬
‫بإعطاء األولوية للحد من الفوارق‪ ،‬وضمان املساواة في الحقوق والفر ‪ ،‬وتوزيع‬
‫أكثر إنصافا للثروات‪ ،‬وإنفاق عموم أكثر فعالية وعدالة"‪.2‬‬
‫للن ه ه األهداف صعبة املنال لكونها تمثل صل مشروع تحقيق العدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ال ي يتطل نضاال مستمرا ووعيا متكامال‪ .‬فالتفاوتات في املغرب‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي وبني املغرب‪" ،‬الثروة ا جمالية للمغرب ما‬
‫بين ‪ 1999‬و‪ ،2013‬تقرير الدراسة حول الرأسمال غير املادي‪ :‬عامل خلق الثروة الوطنية‬
‫وتوزيعها املنصف"‪ ،‬دجنبر ‪. 191 ،2016‬‬
‫‪ - 2‬نفسه‪.122 ،‬‬
‫‪124‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫كبيرة‪ ،‬والهوة بين الطبقات االجتماعية متسعة للغاية‪ ،‬وواقع التجهيزات‬


‫والبنيات التحتية تلخصه املقولة الشهيرة‪" :‬قطار فائق السرعة من البيضاء إلى‬
‫طنجة‪ ،‬وآخر بدون كهرباء من فاس إلى وجدة"‪ .‬تؤكد ه ا الوضع تقارير إقليمية‬
‫ودولية عديدة‪ ،‬منها تقرير منظمة أوكسفام ال ي شير إلى أن "التقدم الحاصل‬
‫في محاربة التفاوتات في املغرب يبق نسبيا بدرجة عالية‪ ،‬فعلى مستوى شمال‬
‫إفريقيا تبق اململلة املغربية البلد األكثر تجسيدا للتفاوتات االجتماعية‬
‫واملجالية"‪.1‬‬
‫ومن بين املؤشرات املعبرة عن ه ه الوضعية‪ ،‬معدل النفقات السنوية للفرد‬
‫الواحد‪ ،‬التي تصل بالحواضر ‪ 10.600‬درهم‪ ،‬بينما ال تتجاوز في العالم القروي‬
‫‪ 5.300‬درهم (‪ 8.300‬كمعدل عام) أي حوالي ‪ 700‬درهم للفرد شهريا (‪-1960‬‬
‫‪ ،)2004‬أما نفقات األسرة فقد بلغ ‪ 49.300‬درهم (‪ 4100‬درهم شهريا)‪.‬‬
‫(‪ 58.900‬درهم باملدن و‪ 34.000‬بالقرى)‪.‬‬
‫وبخصو تقييم ورش الحماية االجتماعية‪ ،‬يملن االقتصار على خالصات‬
‫تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي لسنة ‪ ،2018‬ال ي ركز على‬
‫تفليي املنظومة من حيث الخدمات واالنسجام وا نصاف والجودة‪ ،‬وقدم‬
‫توصيات خاصة لترشيد حكامة أنظمة الحماية االجتماعية‪ .2‬مؤكدا حالة تفلي‬
‫منظومة الرعاية االجتماعية وعدم كفايتها مبرزا ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬التزام محدود للمغرب باملعايير الدولية الخاصة بالضمان االجتماعي؛‬
‫‪ ‬نظام الحماية في املغرب حديث العهد للنه مثقل بتركات املاض ي؛‬
‫‪ ‬هشاشة سوق الشغل في القطاع املنظم ومحدودية الولوج إلى‬
‫الضمان االجتماعي؛‬
‫‪ ‬املقاوالت املغربية هي بنيات صغيرة للغاية تصرح بمستويات‬
‫منخفضة من األجور؛‬
‫‪1- OXFAM, rapport «Maroc égalitaire, une taxation juste», 2019, p12.‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪ - 2‬انظر‪ :‬منشورات املجلس‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪39 ،2018/34‬‬


‫‪125‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬التعويضات العائلية‪ :‬دخل تلميلي أكثر منه حماية اجتماعية‬


‫للطفولة؛‬
‫‪ ‬حوادث الشغل واألمراض املهنية‪ :‬مخاطر اجتماعية كبرى يؤطرها‬
‫نظام ت مين متقادم وغير منصف؛‬
‫‪ ‬محدودية السياسات العمومية املعتمدة لفائدة التشغيل‪.‬‬
‫‪ ‬تراجع مؤ الت الطبقة الوسطى وعسراالرتقاء االجتماعي‪.‬‬
‫دون غو في تداخل وتناقض تعريفات الطبقات الوسط ‪ ،‬يلف الت كير بكونها‬
‫الفئات االجتماعية ومجموع األسر املصنفة ما بين األغنياء والفقراء‪ ،‬مما سهل‬
‫تقديرها ويجعلها معبرة إما عن االنسجام االجتماعي أو الفوارق‪.‬‬
‫خلص تقرير الخمسينية إلى مسلمة مهمة مفادها أن السياسات االجتماعية التي‬
‫نهجها املغرب خالل خمسين سنة من االستقالل‪ ،‬لم تلن كافية لدعم الشرائح‬
‫املتوسطة‪ ،‬التي تعتبر قاطرة املجتمع‪ ،‬ويعد دورها حاسما في التنمية والدينامية‬
‫االجتماعية واملسلسل الديمقراط ‪ ،‬ويعزو التقرير ضعف ه ه الشرائح‬
‫وتراجعها إلى التوجهات التي أعقب السنوات األولى لالستقالل‪ ،‬وقد نع التقرير‬
‫ه ه السياسات بكونها كان بمثابة تفقير واضح شمل عض عناصر الطبقة‬
‫املتوسطة باملغرب‪ ،‬دليل ذلي تزايد أعداد الفقراء واملعطلين‪ .1‬ومما زاد الوضع‬
‫تفاقما‪ ،‬يضيف التقرير‪ ،‬تراجع أشكال التضامن في األسرة واملجتمع التي تسير‬
‫إلى االضمحالل تح ت ثير التغيير االجتماعي والتطور االقتصادي وتصاعد‬
‫الفردانية‪ .2‬وه ا عود بنا إلى النقاش السابق املتعلق ب همية تثمين املوروث‬
‫والدرايات التقليدية العريقة التي لم يتم‪ ،‬إلى اآلن‪ ،‬إبداع أفضل منها فيما يخص‬
‫التدبير التشارك وتجسيد الوعي الجمعي املحلي للمواطنين‪.‬‬

‫‪.46‬‬ ‫‪ - 1‬تقرير الخمسينية‪،‬‬


‫‪ - 2‬نفسه‪.47 ،‬‬
‫‪126‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫و عد عقد ونصف من التنمية البشرية‪" ،‬ال يزال الفرق في مستويات املعيشة‬


‫قري من العتبة غير املحتملة اجتماعيا (جي ي ساوي ‪ ،)0,42‬وتتزايد مرونة‬
‫الفقر باملقارنة مع الفوارق‪ ،‬من ‪ %4,1‬سنة ‪ 2001‬إلى ‪ %8,4‬سنة ‪ ،1"2014‬ومن‬
‫هنا تبدو أهمية الحد من الفوارق انطالقا من توسيع الفئات املتوسطة على‬
‫املستوى املادي واالعتباري‪.‬‬
‫تمثل الطبقة الوسط في املغرب مرتلزا اجتماعيا واعدا إن أحسن استثماره‪،‬‬
‫فهي تمثل حس الدراسة التي قام بها املندوبية السامية للتخطيط سنة‬
‫‪:2007‬‬
‫‪ 53% ‬من الوزن الديمغرافي‪ ،‬مقابل ‪ %34‬للطبقات املتواضعة‪ ،‬و‪%13‬‬
‫للطبقة امليسورة؛‬
‫‪ 63% ‬من مستخدم املغرب وحرفييه والعمال املؤهلين وأصحاب املهن‬
‫الحرفية؛‬
‫‪ 58,6% ‬من املتقاعدين واألفراد غير النشيطين؛‬
‫‪ 56,3% ‬من األطر املتوسطة والتجار والوسطاء املاليين؛‬
‫‪ 48,6% ‬من العمال الفالحيين وغير الفالحيين؛‬
‫‪ 40,2% ‬من املستغلين الفالحيين؛‬
‫‪ 19,5% ‬من األطر العليا وأعضاء املهن الحرة‪.‬‬
‫ويبق االقتصاد االجتماعي‪ ،‬ال ي تعتبره الدولة رافعة أساسية لتحقيق طبقة‬
‫وسط فاعلة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬دون الرهانات املتوقعة‪ ،‬ولو في حدها األدن ‪،‬‬
‫حيث تؤكد التقارير الرسمية أنه "رغم اعتماد االستراتيجية الوطنية للنهوض‬
‫باالقتصاد االجتماعي والتضام ي برسم الفترة ما بين ‪ ،2020-2010‬وعلى عد‬
‫سنتين من بلوغ أجلها‪ ،‬فإن القطاع ال ساهم حاليا إال بنسبة ‪ %02‬من الناتج‬
‫الداخلي الخام‪ ،‬أي أقل من الهدف ال ي حددته االستراتيجية في ‪ %3,9‬في أفق‬

‫‪ - 1‬املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬السكان والتنمية في املغرب‪ ،‬خمس وعشرون سنة عد‬
‫مؤتمر القاهرة ‪ ،"1994‬التقرير الوط ي‪.52 ،2019 ،‬‬
‫‪127‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫سنة ‪ ،2020‬كما ال شغل سوى ‪ %5,5‬من السكان النشيطين‪ ،‬بدل نسبة ‪%7,5‬‬
‫املحددة في إطار االستراتيجية امل كورة"‪.1‬‬
‫‪ ‬ضعف الخدمات األساسية يضعف تحقيق املواطنة وال يدعم‬
‫الحريات‪.‬‬
‫ال مجال لالختيار بين التنمية باعتبارها حرية أو باعتبارها خدمات صحية‬
‫وتعليمية وبنيات تحتية‪ ،‬وقد حسم إعالن تحدي األلفية (‪ )2015‬ه ا النقاش‬
‫بتبنيه توصيات مؤتمر فيينا (‪ ،)1993‬ال ي رجح كفة االهتمام بالحقوق‬
‫االقتصادية ذات الصلة باالحتياجات املادية األساسية‪ ،‬وفي ه ا يقول خبير‬
‫التنمية أمارتيا صن‪" :‬أود أن أدفع بنف ه ا النهج‪ :‬إن ه ا هو النهج الخاطئ تماما‬
‫أن ندرك فقط قوة املتطلبات االقتصادية‪ ،‬أو أن نفهم فقط بروز الحريات‬
‫السياسية‪ .‬إن القضايا الحقيقية التي يتعين التصدي لها تلمن في غير ه ا النهج‪،‬‬
‫وتقتض ي ب ن ندرك الترابطات املتبادلة واملتداخلة بين الحريات السياسية وفهم‬
‫وإيفاء االحتياجات االقتصادية"‪.2‬‬
‫إن للديمقراطية والحرية دورا و يفيا مهما ومتكامال في الرفع من ا مكان البشري‬
‫وتوسيع الفر في وجه الجميع‪ ،‬وإال ملاذا ال نسمع بظهور مجاعات‪ ،‬ونزوح‬
‫جائعين في الديمقراطيات العريقة التي تجري فيها االنتخابات الشفافة ويمارس‬
‫فيها التداول الحقيق على السلطة‪ ،‬ويتمتع املواطنون بكل حقوقهم السياسية‬
‫واملدنية‪ ،‬من حق في التعبير والتنظيم والتظاهر والنقد وغيرها‪.‬‬
‫باختصار‪ ،‬في الحالة املغربية تبق الخدمات األساسية دون التوقعات ال من‬
‫حيث اعتبارها ضرورات وجودية وال من حيث كونها حقوقا لإلنسان‪.‬‬

‫‪.10‬‬ ‫‪ - 1‬ملخص التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪،2017 ،‬‬


‫‪ - 2‬أماريا صن‪ ،‬مرجع سابق‪.181 ،‬‬
‫‪128‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬تحول الفقروالهشاشة إلى أدوات لالستبعاد االجتماعي واملجالي‪.1‬‬


‫إن أرقام الفقر والهشاشة في املغرب غير دقيقة‪ ،‬ويبدو أن التباس األرقام به ا‬
‫الخصو أصبح هدفا مرغوبا فيه بالنسبة لبعض املؤسسات‪ ،‬لكونها تحر‬
‫على عرض أرقام غير مقنعة به ا الخصو ‪ ،‬فإذا قابلناها ب رقام أخرى يتبين‬
‫وجود لبس واضح وغير مبرر‪ .‬ولن خ على سبيل املثال عض األرقام الوطنية أو‬
‫الدولية للداللة على حجم مؤشرات الفقر‪ .‬فحس تقارير برامج األمم املتحدة‬
‫ا نمائية (‪ ،)2015‬فإن ‪ %12,3‬من سكان املغرب مهددون بالفقر‪ ،‬و‪%33‬‬
‫عيشون في فقر مدقع‪ ،‬و‪ %09‬عيشون دون خط الفقر‪ .2‬وإذا كان ه ه األرقام‪،‬‬
‫تلشف وضعا اجتماعيا مزريا لعقد ونصف من األلفية الثالثة‪ ،‬فاألرقام الحالية‬
‫للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬بصيغة أخرى‪ ،‬ال تختلف كثيرا عن‬
‫ه ا‪ ،‬وتتحدث عن وجود ‪ 15‬مليون شخص تم تسجيلهم في نظام املساعدة‬
‫الطبية "راميد" إلى حدود نهاية ‪( 2019‬نصف السكان تقريبا)‪ ،‬منهم ‪ 10,9‬مليون‬
‫شخص يتوفرون على بطاقة سارية املفعول‪ ،‬وأن ‪ %94‬منهم في وضعية فقر‪ .‬كما‬
‫يظهر تقرير املجلس مؤشرا مخيفا يتعلق بتناقص نسبة الفئة الهشة من ‪%28‬‬
‫سنة ‪ 2012‬إلى ‪ %06‬سنة ‪ ،2019‬ما ع ي أن نسبة الفقر ارتفع من ‪ %72‬سنة‬
‫‪ 2012‬إلى ‪ %94‬سنة ‪.32019‬‬
‫وتحر الحكومة‪ ،‬أمام تزايد التقارير السوداء ملؤسسات الوساطة‪ ،‬على إصدار‬
‫عض القوانين والتشريعات ذات الصلة‪ ،‬فخالل شهر يناير من نفس السنة التي‬
‫صدر فيها تقرير املجلس (‪ ،)2019‬صادق الحكومة على مشروع القانون رقم‬
‫‪ 72.18‬املتعلق بإحداث الوكالة الوطنية للسجالت‪ ،‬وهو ينص على استحداث‬

‫‪ - 1‬من مؤشرات ه ا االستبعاد؛ التخلي عن املقاصة واستعمال األموال املخصصة للمقاصة‬


‫في دعم مباشر يرهن الفقراء في أيدي السلطة تستعملهم في مشاريع تثبي تصوراتها‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫‪2-UNDP, Human Development Report, 2015.‬‬

‫‪ - 3‬التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.54 ،2019 ،‬‬


‫‪129‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫"السجل االجتماعي املوحد"‪ ،‬إال أن مشروع إحصاء الفقراء واملهمشين في املغرب‬


‫عرف تعثرا كبيرا‪ ،‬مما يجعل وزارة الداخلية تتحلم في كل عمليات التدخل‬
‫والدعم االجتماعي‪ .‬كما أن مشروع "السجل االجتماعي املوحد" ال يملن اعتباره‬
‫إحصاءا حقيقيا وعمليا لحجم الطبقات الفقيرة والهشة‪ ،‬لكونه يركز على إعداد‬
‫نظام تنقيط خا لرصد طبيعة املساعدات والدعم االجتماعي وفق مجموع‬
‫النقط التي ستحصلها كل أسرة‪.1‬‬
‫تبين املعطيات امل كورة أنه للحد من الفقر أو التقليل من نسبته البد من تحمل‬
‫الدولة أعباء وتكاليف ذلي‪ ،‬وحفز باقي املتدخلين والفاعلين للمساهمة في‬
‫ا نجاز‪ ،‬ومشكلة التدبير الرسمي لقضية الفقر أنه يلتزم خطابا مزدوجا؛ فف‬
‫الوق ال ي يلتزم املغرب بمشاريع محاربة الفقر والهشاشة‪ ،‬يصر على ضرورة‬
‫تقليص نفقات املقاصة والدعم‪ ،‬ولعل الخطاب الرسمي أصبح صارما بخصو‬
‫التراجع عن الدعم‪ ،2‬والواضح أنه سير تجاه تقديم دعم مباشر ملن عتبرون في‬
‫رأي الدولة في حاجة إليه‪ .‬فقد تم تقليص نسبة النفقات الخاصة باملقاصة إلى‬
‫الناتج الداخلي الخام من ‪ %6,5‬سنة ‪ 2012‬إلى ‪ 1,4‬فقط سنة ‪ ،2017‬وه ا‬
‫الفارق تحملته الطبقتان الفقيرة واملتوسطة‪ ،‬فف ل تملص الطبقات الغنية‬
‫من املساهمة في ه ا الدعم‪ ،‬تبق الطبقات املتوسطة وجهة الدولة لتعويض‬
‫النفقات‪ ،‬وتبق مع ذلي الطبقات الفقيرة عرضة ملضاربة املستثمرين اللبار‬
‫ومنتجي السلع واملواد‪.‬‬
‫ورغم تضارب األرقام‪ ،‬فإن الفقر في املغرب حقيقة مقلقة حتى في التقارير‬
‫الرسمية‪ ،‬إال أن توزيعه املجالي يؤكد كونه قروي بامتياز‪ ،‬فقد انتقل معدل‬
‫الفقر من ‪ %15,3‬سنة ‪ 2001‬إلى ‪ %8,9‬سنة ‪ 2007‬ثم إلى ‪ %4,8‬سنة ‪،2014‬‬

‫‪ - 1‬جواب الوزير املنتدب لدى وزير الداخلية بجلسة البرملان في ‪ 13‬يناير ‪.2020‬‬
‫‪ - 2‬انظر القرارات املتوقعة للحكومة للفترة ما بين سنتي ‪ 2021‬و‪ 2024‬للتخلي عن دعم املواد‬
‫األساسية‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وباملجاالت القروية انتقل باملوازاة مع ذلي بالتوالي من ‪ %25,1‬إلى ‪ %14,4‬ثم إلى‬


‫‪ ،9,5%‬وانتقل عدد الفقراء في املغرب من ‪ 4,461‬مليون نسمة سنة ‪ 2001‬إلى‬
‫‪ 2,755‬مليون سنة ‪ 2007‬ثم ‪ 1,605‬مليون سنة ‪ .12014‬ويبق مؤشر الفقر‬
‫النقدي في املغرب هو اآلخر غير معبر بما يلف عن الوضعية‪ ،‬لكونه يخرج من‬
‫دائرة الفقراء الفئات النشيطة القادرة على تحصيل دخل يوم في حدود دوالر‬
‫واحد‪ ،‬وهي مؤشرات تعلس قصور املقاربة في تحديد الفقراء‪.‬‬
‫وقد رفع جائحة كورونا من عدد الفقراء في املغرب شكل واضح‪ ،‬قدرت ه ه‬
‫الزيادة بما يفوق مليون فقير إضافي في رصد أولي قام به املندوبية السامية‬
‫للتخطيط‪ ،‬ويتحدث التقرير الصادر عن املندوبية بالتعاون مع البني الدولي‬
‫ومنظمة األمم املتحدة (ماي ‪ )2020‬أن نسبة الفقر في املغرب ارتفع من ‪%17,1‬‬
‫سنة ‪ 2019‬إلى ‪ %19,78‬سنة ‪ .2020‬وإذا كان الفقر عد قرويا وفق كل التقارير‬
‫الرسمية السابقة‪ ،‬فإن هناك تحوال مخيفا ستشهده وضعية الفقر والفقراء في‬
‫املغرب مع الجائحة؛ وهو أن الظاهرة ستصبح أكثر بروزا في الحواضر واملدن‪،‬‬
‫وهو ما سيكلف الدول أكثر لتحقيق متطلبات التنمية وتحقيق الدخل للساكنة‬
‫النشيطة‪ ،‬فالفقر الريف أو القروي ال يكلف كثيرا مقارنة مع فقر الحواضر‬
‫واملدن (بروز حراك اجتماعي في الحواضر واملدن اللبرى)‪.‬‬
‫أما الهشاشة فقد انخفض هي األخرى في األرقام الرسمية‪ ،‬حيث انتقل من‬
‫‪ 17,4%‬سنة ‪ 2007‬إلى ‪ %12,5‬سنة ‪ ،2014‬وانخفض عدد السكان ال ين عانون‬
‫الهشاشة في نفس الفترة من ‪ 5,4‬مليون إلى ‪ 4,2‬مليون نسمة‪ .2‬للن ال تزال‬
‫الفوارق في املعيشة كبيرة‪ ،‬حيث انطالقا من مقارنة إجمالي نفقات ‪ 5‬أفقر‬
‫مواطنين مع ‪ 5‬أغ ى مواطنين يتضح حجم الفوارق السوسيواقتصادية‪ ،‬إذ انتقل‬
‫ه ا املؤشر من ‪ 19,3‬مرة سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 20,4‬سنة ‪ 2007‬ثم إلى ‪ 19,2‬سنة‬

‫‪.47-46‬‬ ‫‪ - 1‬املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬السكان والتنمية في املغرب"‪ ،‬م س‪،‬‬


‫‪ - 2‬املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬السكان والتنمية في املغرب‪ ،‬خمس وعشرون سنة عد‬
‫مؤتمر القاهرة ‪ ،"1994‬التقرير الوط ي‪.47 ،2019 ،‬‬
‫‪131‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .2014‬ونصف السكان األكثر ثراء لديهم ‪ %75,8‬من كتلة مستويات املعيشة‪ ،‬أي‬
‫أكثر بقليل من ثالثة أضعاف (‪ )3,1‬مستوى معيشة ال ‪ %50‬األقل ثراء‪ .‬وبين‬
‫سنتي ‪ 2001‬و ‪ ،2014‬لم تحسن ‪ %50‬من األسر األقل غ ى إال قليال من حصتها‬
‫في مجموع النفقات‪ ،‬إذ انتقل من ‪ %23,4‬سنة ‪ 2001‬إلى ‪ %24,2‬سنة ‪.12014‬‬
‫ورغم تطور نس النمو في عض الفترات‪ ،‬فإن الفوارق تعرقل خفض نس‬
‫الفقر‪ ،‬بحيث إن كل نمو ب ‪ %01‬يؤدي إلى انخفاض الفقر ب ‪ ،%3,6‬في حين أن‬
‫ارتفاع الفوارق يؤدي إلى ارتفاع الفقر ب ‪ .2%8,4‬وهو ما يؤكده تقرير املجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي والبيئي بصيغة أخرى تح يرية‪ ،‬حيث يقول‪" :‬ذلي أن‬
‫اطدراد االحتجاجدات ذات املطالد االجتماعيدة فد عدض املناطدق‪ ،‬خدالل الفتدرة‬
‫األخيدرة‪ ،‬يفيدد أن الفقدر والبطالدة فد صفدوف الشدباب والفدوارق أصبحد تتجداوز‬
‫حددود املقبوليدة‪ .‬وبالتالد ‪ ،‬يتعيدن العمدل علد تعزيدز العدالدة االجتماعيدة‬
‫واملسداءلة والحكامدة بتدخدل عميدق مدن أجدل الحكامة الجيددة ومحاربدة الفسداد‬
‫وكل أشدكال الشدطط‪ ،‬باملدوازاة مدع القيدام بمعالجدة الفدوارق االقتصاديدة‬
‫واالجتماعيدة واملجاليدة املسدجلة"‪.3‬‬
‫‪ ‬البطالة والتشغيل‪ ،‬ال أمل في التحسن بالنظرإلى جمود نسب النمو‪.‬‬
‫ارتفع عدد العاطلين من ‪ 340.000‬سنة ‪ 1960‬إلى ‪ 1.300.000‬سنة ‪،2004‬‬
‫وارتفع نسبة البطالة من ‪ %11‬سنة ‪ 1982‬إلى ‪ %16‬سنة ‪ 1994‬إلى ‪ %18‬سنة‬
‫‪ .2004‬وتحدث تقارير أممية خالل منتصف العقد املاض ي من األلفية أن نسبة‬
‫العاملين من مجموع السكان البالغين من العمر ‪ 25‬سنة فما فوق ال يزال ضعيفا‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.48 ،‬‬
‫‪ - 2‬املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬عض عناصر مداخلة املندوب السام حول وضعية‬
‫االقتصاد الوط ي لسنة ‪ 2018‬وآفاقها لسنة ‪ ،2019‬امليزانية التوقعية لسنة ‪16 ،2019‬‬
‫يناير ‪ ،2019‬الدر البيضاء‪.10 ،‬‬
‫‪ - 3‬االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪" ،‬الفوارق االجتماعية واملجالية"‪.119 ،2017،‬‬
‫‪132‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وال يتجاوز ‪ ،%51‬في حين تبلغ بطالة الشباب ال ين تتراوح أعمارهم ما بين ‪ 15‬و‬
‫‪ 24‬سنة إلى ‪( %19‬مع وجود نسبة معتبرة من األطفال املتراوحة أعمارهم ما بين‬
‫‪ 05‬و ‪ 14‬سنة تتجاوز ‪.1)%09‬‬
‫ويستمر االقتناع الرسمي عجز االقتصاد الوط ي عن خلق املزيد من فر‬
‫الشغل نظرا لتراجع نس النمو‪ ،‬وهي مغالطة حقيقية بالنظر إلى أوضاع‬
‫االقتصادات الدولية‪ ،‬والدليل على ذلي استمرار خلق مناص الشغل في الدول‬
‫املتقدمة رغم األزمات االقتصادية التي استمرت من سنة ‪ 2009‬إلى ‪ ،2016‬والتي‬
‫لم يتجاوز معدل النمو فيها ‪ 2‬إلى ‪ %2,5‬في أحسن األحوال‪ ،‬ورغم ذلي اعتمدت‬
‫ه ه الدول سياسات متوازنة للحفاظ على املصالح االجتماعية العامة في‬
‫حدودها املقبولة الداعمة للسلم والعدالة االجتماعيين‪.‬‬
‫إن هناك أمثلة مضادة عديدة لألطروحة الرسمية امل كورة‪ ،‬ن كر منها مثال‬
‫والية "كيراال" في الهند التي استطاع ‪ ،‬علس العديد من الواليات الهندية التي‬
‫اعتمدت على نموها االقتصادي‪ ،‬أن تحد من فقر الدخل بمعدل أسرع من‬
‫الواليات األخرى (البنجاب مثال) باالعتماد على التوسع في التعليم األساس ي‬
‫والرعاية الصحية والتوزيع املتساوي لألرض‪ .2‬كما أن ربط التشغيل بتطور نس‬
‫النمو يل به الواقع كما وضحنا سابقا‪.‬‬
‫إن معضلة البطالة وتراجع فر الشغل أصبح بنيوية ومستمرة باستمرار‬
‫الفوارق االجتماعية وغياب اندماج الطبقات وجمود الطبقات الفقيرة وضعف‬
‫فر الترقي االجتماعي‪ ،‬وقد أقر ذلي صراحة املجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي في تقريره لسنة ‪ 2017‬ال ي جاء فيه‪ ":‬إن نموذج النمو الوط ي أضحى أقل‬
‫إدماجا من خالل التشغيل‪ ،‬سيما أن نسبة كبيرة من املناص املحدثة تتعلق‬
‫بو ائف تتطل مؤهالت سيطة وبو ائف غير مستقرة‪ ،‬وبالتالي ال يملنها أن‬

‫‪1- UNDP, Op. Cit.‬‬

‫‪.118‬‬ ‫‪ - 2‬التنمية حرية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬


‫‪133‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تشكل رافعة حقيقية لالرتقاء االجتماعي"‪ .1‬ومما يؤكد جمود الطبقات الوسط‬
‫والفقيرة ومراوحتها ملكانتها االجتماعية أن كل ا ضرابات القطاعية في املغرب‬
‫تهدف إلى الحفاظ على الحد األدن للحقوق االجتماعية في مجال الشغل‪ ،‬وليس‬
‫لتحسين روف العمل داخل املقاوالت أو الرفع من القدرة الشرائية لألجراء‪ ،‬أو‬
‫املطالبة بمؤشرات الرفاه‪.2‬‬
‫‪ ‬منظومة التربية والتكوين‪ ،‬اإلخفاق املجمع حوله‪.‬‬
‫موضوع التربية والتكوين شائي في الحالة املغربية‪ ،‬والنقاش فيه واسع ومتشع ‪،‬‬
‫وما يجمع حوله به ا الخصو هو ا قرار بالفشل وقصور مشاريع ا صالح‪.‬‬
‫هناك ثالثة برامج أساسية ميزت العهد الجديد؛ وهي امليثاق الوط ي للتربية‬
‫والتكوين (‪ ،)2000‬والبرنامج االستعجالي (‪ ،)2012-2009‬ثم الرؤية االستراتيجية‬
‫‪ .2015-2030‬وال تزال األولويات التعليمية نفسها تقريبا‪ ،‬تتقدمها الجودة‬
‫واالرتقاء وا نصاف‪ .‬ف ن ستمر التمسي بنفس القيم واألهداف األساسية‬
‫للتعليم‪ ،‬ف لي املتوقع وهو مؤشر إيجا ‪ ،‬للن أن تتلرر األهداف‪ ،‬وتستنسخ‬
‫البرامج‪ ،‬ويزداد الحر على األشكال دون املضامين‪ ،‬فه ه حصيلة تقتض ي املزيد‬
‫من إلقاء الضوء‪.‬‬
‫وإن وضعية كتلي التي عيشها املغرب شترك في مسؤوليتها الجميع‪ ،‬للن بنس‬
‫متفاوتة ومتباينة‪ .‬إذ ال أمل في تعليم ناجح دون مسؤولية واضحة لألسر على‬
‫أبنائها في التوجيه والتحفيز واملواكبة‪ ،‬وال رجاء في تفوق دون تحمل شركاء‬
‫العملية التعليمية (نقابات‪ ،‬وجمعيات اآلباء‪ ،‬ومنتخبون‪ ،‬وجمعيات املجتمع‬
‫املدن وغيرهم) مسؤولية الدعم واملساندة وزرع األمل‪ ،‬وال أفق لعملية تعليمية‬

‫‪ - 1‬ملخص التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.9 ،2017 ،‬‬


‫‪ - 2‬انظر تفاصيل أخرى من ه ا القبيل في‪ :‬التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي‬
‫والبيئي‪.64 ،2019 ،‬‬
‫‪134‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تحر على تخريج املستخدمين وال تب ل جهدا كافيا لتثمين بوادر ا بداع والنقد‬
‫واالبتكار في صفوف الشباب والناشئة‪.‬‬
‫إن قضية التعليم في املغرب ذات إكراهات بنيوية ومت صلة في تناقضات العقل‬
‫املدبر وبنية النخبة الوصية‪ .‬وحيث إن ا رادة املغربية ال تتمتع بالحرية الكافية‬
‫في اختيار النموذج التعليمي الوط ي‪ ،‬فإن كل ا صالحات ستبق تقنية‪،‬‬
‫تستجي لشروط الواقع االقتصادي العالمي وتخدم أولوياته االستغاللية‬
‫وأهدافه الربحية‪ ،‬بما يبق على وضعية التعليم املغر شبه جامدة في سلم‬
‫التنمية وا صالح‪ ،‬تؤشر عليها معايير ومظاهر شديدة الوضوح والتجلي‪.‬‬
‫في ه ا الصدد‪ ،‬تغنينا تقارير املؤسسات الدولية وتقارير املجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي والبيئي‪ ،‬وتقارير املجلس األعلى للتربية والتكوين عن كل تعريف‬
‫بالفشل ال ريع للمنظومة التربوية املغربية‪ .‬ويلف أن نشير إلى عض االرقام‬
‫وا حصائيات‪ ،‬التي تعلس حجم تناقض السياسات والبرامج واملشاريع املقترحة‪،‬‬
‫خاصة خالل العقدين األخيرين ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬ضعف الولوج العادل للتمدرس مجاليا وبين الجنسين‪ ،‬حيث استقر‬
‫معدل األمية تقريبا في ‪ ،%32,2‬بانخفاض قدره ‪ 10,8‬نقطة خالل ‪10‬‬
‫سنوات‪ ،‬للن النساء هن األكثر تضررا من األمية‪ ،‬خاصة في الوسط‬
‫القروي حيث ‪ %60,1‬من النساء أميات‪.‬‬
‫‪ ‬ضعف ا نفاق على املنظومة التربوية‪ :‬تراوح ا نفاق على التعليم ما بين‬
‫‪ 5‬و ‪ %6,5‬من الناتج الداخلي ا جمالي (‪ ،)1975-1982‬للن فترة التقويم‬
‫الهيللي تبق قياسية من حيث تراجع النفقات‪ ،‬حيث لم تتجاوز سقف‬
‫‪ 5%‬سنة ‪ ،1988‬أما فيما عد (‪ )2003-1989‬فبقي النسبة تت رجح ما‬
‫بين ‪ 5‬و‪.%6‬‬
‫‪" ‬انتقل عدد التالمي والتلمي ات املنقطعين عن الدراسة في جميع‬
‫أسالك التعليم املدرس ي من ‪ 407.674‬سنة ‪ 2016‬إلى ‪ 431.876‬سنة‬
‫‪ ،2018‬ومما يزيد ه ا الوضع حدة‪ ،‬كون اهرة االنقطاع املدرس ي تطال‬
‫‪135‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شكل قوي سلي التعليم االبتدائ ‪ ،‬حيث سجل ه ا األخير ‪ %29,2‬من‬


‫مجموع حاالت االنقطاع"‪.1‬‬
‫وبالعودة إلى تقرير املجلس األعلى للتربية والتكوين (الهيئة الوطنية للتقويم‪:‬‬
‫‪ ،)2015‬نقف عند مؤشرات مقلقة للغاية ومنها‪:2‬‬
‫‪ ‬تراجع التملن من اللغات واملعارف واللفايات والقيم بالنسبة‬
‫للمتعلمين؛‬
‫‪ ‬استمرار اهرة الهدر املدرس ي واملنهي والجامعي؛‬
‫‪ ‬ضعف املردودية اللمية والليفية للبحث العلمي؛‬
‫‪ ‬ما يزيد عن ‪ %60‬من تالمي السنة الرا عة ابتدائ ‪ ،‬و‪ %49‬من تالمي‬
‫السنة الثانية ثانوي إعدادي‪ ،‬يدرسون في مؤسسات تعيش مشلالت‬
‫صعبة من قبيل الغياب عن الدروس والغش والتخري ؛‬
‫‪ ‬نسبة التالمي ال ين يدرسون في مدارس جيدة ال تتجاوز ‪.%14‬‬
‫ونظرا لتراجع الخدمات التعليمية للمدرسة العمومية وإفراغها من معايير الجودة‬
‫والت هيل‪ ،‬وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة والتشليي في نجاعة مشاريعها‪،‬‬
‫تزايدت نسبة الفارين من املدرسة العمومية إلى التعليم الخا من ‪ %04‬سنة‬
‫‪ 1999‬إلى ‪ %15‬سنة ‪ .2015‬غير أن مؤسسات التعليم الخصوص ي تشهد تفاوتا‬
‫واضحا من حيث البنيات واملؤهالت وجودة األطر‪ ،‬و عضها مفتقد ملعايير الجودة‬
‫واألهلية‪ ،‬مما يتسب بدوره في تغيير عض األسر رأيها إلى االقتناع بالعودة إلى‬
‫املدرسة العمومية‪ ،‬حيث ذكر وزير التعليم في مستهل املوسم الدراس ي‬
‫‪ 2020/2019‬أن ما يزيد عن ‪ 52.000‬تلمي غادروا املؤسسات الخصوصية‬
‫متوجهين إلى التعليم العموم ‪ .‬وقد أ هرت جائحة كورونا الوجه الجشع واملقاربة‬

‫‪ - 1‬التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.50 ،2019 ،‬‬


‫‪2- la mise en œuvre de la Charte Nationale d’Education, de Formation et de‬‬

‫‪recherche scientifique 2000- 2013 : les acquis, les déficits et les défis.‬‬
‫‪136‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الربحية االقتصادية لعدد كبير من املستثمرين الخوا في ه ا القطاع‪،‬‬


‫وتزايدت التداعيات االقتصادية واالجتماعية على األسر ذات الدخل املتوسط‬
‫واملحدود‪ ،‬مما دفع بالعديد منهم إلى توجيه أبنائه من القطاع الخا إلى املدرسة‬
‫العمومية‪ ،‬حيث التحق باملدرسة العمومية في مستهل املوسم الدراس ي‬
‫‪ 2021/2020‬ما يزيد عن ‪ 200.000‬تلمي وتلمي ة قادمين من مؤسسات التعليم‬
‫الخصوص ي‪ ،‬ما يمثل حوالي ‪ %20‬من مجموع تالمي ه ا القطاع‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫وفي تقريرها األخير حول مؤشرات التنمية‪ ،‬تؤكد املندوبية السامية للتخطيط‬
‫استمرار العديد من التحديات رغم تحقيق تقدم جيد في عض املؤشرات‪ ،‬ومن‬
‫بين ه ه التحديات ي كر التقرير‪:‬‬
‫‪ ‬تحدي تعميم التعليم في املستويين األولي والثانوي؛‬
‫‪ ‬استمرار الهدر املدرس ي رغم االنخفاض الواضح خالل السنوات‬
‫الخمس األخيرة؛‬
‫‪ ‬تحدي اكتظاظ األقسام الدراسية وارتفاع حصة األقسام املكونة‬
‫من ‪ 36‬تلمي ا وأكثر بين ‪ 2017‬و‪ 2019‬من ‪ %65,4‬إلى ‪ %85,4‬في‬
‫التعليم االبتدائ ‪ ،‬ومن ‪ %22,5‬إلى ‪ %57,2‬بالثانوي ا عدادي‪ ،‬ومن‬
‫‪ 50,3%‬إلى ‪ %69,8‬بالتعليم الثانوي الت هيلي؛‬
‫‪ ‬استمرار تحدي القضاء على األمية وتدن التحصيل الدراس ي‪،‬‬
‫بحيث أن جودة التحصيل التعليمي للتالمي املغاربة هي أقل بلثير‬
‫من املتوسط الدولي‪ ،‬خاصة في الرياضيات‪ ،‬والعلوم‪ ،‬والقراءة‪،‬‬
‫وفهم ما هو ملتوب‪.‬‬
‫ورغم ه ه التحديات‪ ،‬ستمر الخوض ا عالم في عض القضايا باعتبارها‬
‫أولويات؛ من قبيل التعدد اللغوي‪ ،‬وإدخال عض املكونات العقدية‪ ،‬وجدلية‬
‫الحداثة والتقليد‪ .‬في حين أن مقدمة النقاش في قضايا التعليم ومنطلقه هي‬

‫‪ - 1‬املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية باملغرب لسنة‬
‫‪.04 ،"2020‬‬
‫‪137‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الهوية وإرادة ا صالح‪ ،‬وحيثيات النخبة املكلفة ب لي‪ ،‬وصالحياتها ومر عات‬
‫اجتهادها‪ ،‬وحرية ه ا االجتهاد‪ ،‬وتحديد سلطات الوصاية والرقابة واملحاسبة‪.‬‬
‫ولعل استمرار قل األولويات وعلسها يديم حالة التناقض ال ي عتري املنظومة‬
‫التعليمية من زمن؛ مشاريع كبرى يقابلها فشل ذريع‪ ،‬وميزانيات ضخمة يقابلها‬
‫فقر في الحصيلة‪ ،‬ونخبة لإلصالح ذات صي وأهلية ال تستطيع إنتاج أكثر من‬
‫برامج تقنية وتدخالت ترقيعية‪.‬‬
‫ومما ال شي فيه أن وضعية إخفاق منظومة التربية والتكوين في املغرب ترتبط‬
‫بفشل النموذج التنموي املغر في العديد من العناصر‪ ،‬على رأسها جمود‬
‫العملية السياسية وبطء ا صالح السياس ي‪ ،‬وتعطل ورش إصالح منظومة‬
‫حقوق ا نسان والحريات العامة‪ ،‬وتعطل مشاريع االستثمار في املعرفة وبناء‬
‫ا نسان‪ .‬فا صالحات املتوالية التي عرفها املغرب‪ ،‬واملجهودات اللبيرة التي‬
‫ب ل ‪ ،‬ال يملن إال أن تؤكد االعتقاد ب نه ال أمل في ا صالحات الترقيعية والجزئية‬
‫والشكلية للقضايا الجوهرية واالستراتيجية للتنمية من قبيل ورش التربية‬
‫والتكوين‪.‬‬
‫‪ ‬الصحة منظومة مكتملة الفشل‪.‬‬
‫عرى الوباء عن ضعف البنيات الصحية املغربية شكل ال يقبل الجدل‪ ،‬كما بين‬
‫عجز املنظومات املعتمدة من االستقالل عن تحقيق مؤشرات الحد األدن من‬
‫الرعاية الصحية‪ ،‬حيث يبق رصيد املغرب من األطر الصحية واملهنية دون‬
‫العتبة الدنيا‪ ،‬وبفارق كبير عن دول الجوار‪ ،‬إذ ال يتجاوز معدل األطباء في املغرب‬
‫‪ 6,2‬طبيبا لكل ‪ 10.000‬نسمة (‪ 23‬مهنيا لكل ‪ 10.000‬مواطن) مقارنة ب ‪12‬‬
‫طبي في كل من الجزائر وتونس‪ ،‬يتوزعون ما بين ‪ 3.855‬طبيبا عاما و ‪7.557‬‬
‫طبيبا مختصا‪ ،‬با ضافة إلى ‪ 31.655‬صيدليا و‪ 3.773‬تقنيا و ‪ 2.028‬إداريا‬
‫باملصالح الصحية‪.1‬‬

‫‪ - 1‬عرض وزير الصحة أمام مجلس النواب في ‪ 04‬نونبر ‪.2019‬‬


‫‪138‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وقد أقر وزير الصحة أثناء عرضه ملشروع امليزانية الفرعية لسنة ‪ 2020‬ب ن‬
‫الخصا في األطباء واملمرضين يصل إلى ‪ 97.161‬منها ‪ 64.774‬ممرضا و‪32.387‬‬
‫طبيبا‪ ،‬وأن نسبة األطر الطبية والتمريضية ال تتعدى ‪ 1,5‬لكل ‪ 1.000‬نسمة‪،‬‬
‫بينما الحد األدن املطلوب هو ‪ 4,45‬في األلف‪ .1‬وينضاف إلى ضعف ه ه‬
‫املؤشرات‪ ،‬تواضع الخدمات الصحية املقدمة للمواطن‪ ،‬وضعف نسبة‬
‫املستفيدين منها‪ ،‬خاصة في األرياف والعالم القروي‪ ،‬حيث أن ‪ %20‬من السكان‬
‫يبعد عنهم أقرب مركز صحي ب كثر من ‪ 10‬كيلومترات‪.2‬‬
‫ومن حيث البنيات الصحية‪ ،‬يتوفر املغرب على تجهيزات ضعيفة ال تقارن‬
‫بنظيراتها في الدول النامية‪ ،‬حيث ال يتجاوز ‪ 2.112‬مؤسسة للعالج الصحي األولي‬
‫(‪ 838‬باملجال الحضري و ‪ 1.274‬باملجال القروي)‪ ،‬و ‪ 149‬مركزا استشفائيا كبيرا‬
‫بطاقة استيعابية تقدر ب ‪ 32.931‬سريرا فقط‪ ،‬أما مستشفيات الط النفس ي‬
‫فال يتجاوز عددها العشرة بطاقة سريرية تبلغ ‪ 1.454‬سريرا‪ ،‬ورغم تزايد اعداد‬
‫املصابين ب مراض الللي‪ ،‬ال يتعدى عدد مركز تصفية الدم ‪ 113‬مركزا مجهزة ب‬
‫‪ 2.213‬آلة غسيل فقط‪.3‬‬
‫وال تختلف أوضاع التغطية الصحية عن وضعية البنيات واملؤسسات‬
‫والتجهيزات‪ ،‬حيث بلغ نسبة التغطية الصحية للساكنة نهاية ‪ 2017‬حوالي‬
‫‪ 60%‬بما فيها نظام الت مين ا جباري األساس ي عن املرض ونظام املساعدة الطبية‬
‫"راميد"‪ ،‬ال ي وصل ‪ 11,7‬مليون مستفيد‪ ،‬غير أن ‪ 7,4‬مليون منهم فقط‬
‫يتوفرون على بطائق سارية املفعول (‪ % 31‬لم يجددوا بطائقهم‪ ،‬وهم فئات‬
‫هشة)‪ .4‬ولم يختلف الوضع كثيرا سنة ‪ 2018‬مع ارتفاع طفيف في نسبة تعميم‬
‫التغطية الصحية بواقع ‪ ،%66‬منها ‪ %31‬في إطار نظام املساعدة الطبية "راميد"‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.‬‬
‫‪ - 2‬املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬التقرير السنوي‪.18 ،2018 ،‬‬
‫‪ - 3‬بيان الوزارة بمناسبة اللشف عن البطاقة الصحية في أكتوبر ‪.2019‬‬
‫‪.12‬‬ ‫‪ - 4‬املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬ملخص التقرير السنوي‪،2017 ،‬‬
‫‪139‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫و‪ %35‬في إطار نظام الت مين ا جباري األساس ي عن املرض ‪ .1AMO‬وترتفع نسبة‬
‫مساهمة األسر في التطبي والرعاية الصحية شكل الف ‪ ،‬حيث تقدر نسبة‬
‫إنفاق األسر على الدواء ‪ %53,6‬مقابل ‪ %31,7‬التي تتحملها الدولة‪ ،2‬مما شكل‬
‫عائقا حقيقيا أمام ولوج الساكنة إلى الصحة العمومية ويساهم في توسيع‬
‫الفوارق االجتماعية وتلريس فقر الفئات الهشة وحرمانها من مقومات الحياة‪.‬‬
‫وفي ل النقص الحاصل في التجهيزات واملعدات واألطر‪ ،‬تت ثر عض املؤشرات‬
‫الصحية للساكنة‪ ،‬ومنها استمرار الفوارق املجالية واالجتماعية فيما يخص‬
‫االستفادة من الخدمات‪ ،‬تؤدي ثمنها املجاالت الهشة والقروية النائية‪ ،‬حيث‬
‫ترتفع على سبيل املثال وفيات األمهات إلى ‪ 111,1‬حالة وفاة لكل ‪ 100.000‬مولود‬
‫حي‪ ،‬وتصل وفيات األطفال دون سن الخامسة إلى ‪ 26‬وفاة لكل ‪ 1.000‬مولود حي‪.‬‬
‫من جان آخر‪ ،‬ال يزال املغرب شهد تحوال ديمغرافيا ووبائيا يفرض املزيد من‬
‫الحكامة والتخطيط االستراتيجي‪ ،‬ال سيما قضايا الشيخوخة وتوسع قمة الهرم‬
‫السكان ال ي عتريه الضعف الصحي والحاجة إلى االهتمام والرعاية‪ ،‬ولعل‬
‫األرقام تؤكد ذلي‪ ،‬فعلى سبيل املثال نجد أن ‪ %64,4‬من كبار السن عانون من‬
‫مرض مزمن واحد على األقل سنة ‪ 2018‬مقارنة ب ‪ %57،5‬سنة ‪ .2011‬وترتفع‬
‫نس أمراض الشيخوخة‪ ،‬كمرض السلري ال ي انتقل من ‪ %14,8‬إلى ‪،%20‬‬
‫وضغط الدم ال ي انتقل من ‪ %28‬إلى ‪ %34‬خالل نفس الفترة (‪.)2018-2011‬‬
‫ويحتاج تجهيز املنظومة الصحية ميزانيات كافية ونس معتبرة من الناتج‬
‫الداخلي‪ ،‬للن امليزانيات املخصصة في املغرب تبق ضعيفة لم تتجاوز ‪ %7‬من‬
‫امليزانية العامة ملدة ستة عقود تقريبا‪ ،‬حيث أن ميزانية الصحة لسنة ‪ 2020‬لم‬
‫تتجاوز سقف ‪ %7,27‬من امليزانية العامة بمبلغ ‪ 15‬مليار و‪ 334‬مليون و‪ 570‬ألف‬

‫‪ - 1‬املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬التقرير السنوي‪.18 ،2018 ،‬‬


‫‪ - 2‬وزارة الصحة‪" ،‬اللتاب األبيض‪ ،‬من أجل حكامة جديدة لقطاع الصحة"‪ ،‬املنا رة الثانية‬
‫للصحة‪ ،‬مراكش‪ 1،2،3 ،‬يوليوز ‪.30 ،2013‬‬
‫‪140‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫درهم‪ ،‬محتلة املرتبة الخامسة في ترتي األولويات عد وزارة التعليم والدفاع‬


‫الوط ي واالقتصاد واملالية والداخلية‪.1‬‬
‫‪ ‬االحتقان االجتماعي أ م تداعيات ضعف التنمية االجتماعية‪.‬‬
‫لم تلن السياسات االجتماعية في املغرب خالل العقدين األخيرين في املستوى‬
‫املطلوب‪ ،‬يزيد من حدتها على الطبقات الوسط والفقيرة؛ ارتفاع فاتورة العيش‪،‬‬
‫وتزايد األسعار‪ ،‬وتداعيات التحوالت االجتماعية‪ ،‬نتيجة ل لي ارتفع املطال‬
‫بتحسين األوضاع‪ ،‬وارتفع معها املظاهرات والحراك الشعبي‪ ،‬غير أن ما ميز ه ا‬
‫الحراك االجتماعي هو الحراك القطاعي وحراك املجاالت الهامشية واملغرب‬
‫العميق‪.‬‬
‫من سنة ‪ 2015‬ارتفع أشكال االحتجاج املغر ‪ ،‬متنوعة بين حركات قطاعية‬
‫واحتجاجات محلية ومسيرات وطنية‪ .‬وأصبح مشهد االعتصامات والوقفات‬
‫واملظاهرات الفئوية مشهدا م لوفا أمام البرملان والوزارات الخدمية كالصحة‬
‫والتعليم واألسرة والطفل‪ .‬ومن التحوالت األساسية التي عرفتها الحركة‬
‫االحتجاجية في املغرب خالل العقدين األخيرين‪ ،‬بروز العديد من التنسيقيات‬
‫واللجن القطاعية واملحلية لتتولى زمام ت طير الحركات االحتجاجية متجاوزة‬
‫أشكال ومؤسسات الوساطة التقليدية التي كان تمثلها األحزاب والنقابات‬
‫شكل حصري‪ ،‬وهو ما جعل الدولة تنظر إلى ه ا التحول بنوع من الريبة‬
‫واملواجهة باملنع والتدخالت العنيفة أحيانا‪ ،‬لكون احتجاجات من ه ا النوع‬
‫تكون مجهولة الحدود واملسارات علس االحتجاجات املؤطرة نقابيا وسياسيا‪،‬‬
‫والتي يبق سقفها محدودا ومعروفا في كل األحوال‪.‬‬
‫بخصو الحراك القطاعي‪ ،‬يملن ا شارة إلى الحركية االستثنائية لشغيلة‬
‫قطاعي التعليم والصحة‪ ،‬الل ان نظما تظاهرات محلية ووطنية على خلفية ما‬
‫لحق قطاع الصحة‪ ،‬وخاصة الطلبة األطباء‪ ،‬من حيف نتيجة التوجهات‬

‫‪ - 1‬قانون املالية ‪.2020‬‬


‫‪141‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجديدة لسياسة القطاع‪ ،‬الرامية إلى االهتمام أكثر بالقطاع الخا وخريجيه‬
‫من األطر الصحية‪ .‬أما قطاع التعليم‪ ،‬فقد تميزت حركته بنضال األسات ة‬
‫املتعاقدين أطر األكاديميات (األسات ة ال ين فرض عليهم التعاقد كما سمون‬
‫أنفسهم) لالستفادة من الحقوق التي يتمتع بها نظراؤهم من املرسمين‪.‬‬
‫وقد ذكر املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي في تقريره لسنة ‪ ،2019‬تحوالت‬
‫التعبئة والسلم االجتماعي مح را من بروز حركات احتجاجية قطاعية تتجاوز‬
‫حركة النقابات والهيئات االجتماعية الشريلة‪ ،‬ومنها حركة االحتجاج التي‬
‫يخوضها األسات ة املتعاقدون التا عون لألكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪،‬‬
‫للمطالبة بالحق في ا لحاق املباشر ب سالك الو يفة العمومية في التربية‬
‫الوطنية‪ ،‬وك ا حركة األطباء وطلبة الط للمطالبة بتحسين تكوين الطلبة‬
‫وتحسين روف العمل في املستشفيات وتطوير تجهيزات قطاع الصحة العمومية‬
‫والتراجع عن فتح مباريات األطباء الداخليين في وجه طلبة كليات الط الخاصة‪.1‬‬
‫ومما غ ى الحراك القطاعي وأجج احتجاجات الشغيلة في القطاعات االجتماعية‬
‫تعثر الحوار االجتماعي‪ ،‬وتنوع مناورات الدولة ولجوء الوزارات الخدمية إلى‬
‫سياسات الهروب إلى األمام وتجاهل املطال ‪ ،‬ومنها تحميل املسؤولية للشغيلة‬
‫واتهام النقابات عدم االلتزام بمخرجات اللقاءات الثنائية‪ ،‬ما جعل ه ه األخيرة‬
‫تنسح من العديد من االجتماعات الثنائية‪ ،‬وتراجع إثر ذلي منسوب الثقة في‬
‫النقابات وفي الحكومة والوزارات الوصية‪ ،‬التي التج ت إلى وزارة الداخلية‬
‫لتفويضها الحوار مع املركزيات النقابية‪ .‬وقد كان املركزيات النقابية األكثر‬
‫تمثيال قد وقع على اتفاق ‪ 25‬أبريل ‪ 2019‬باستثناء الكونفدرالية الديموقراطية‬
‫للشغل التي رفض عرض الحكومة‪.2‬‬

‫‪ - 1‬انظر التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.18 ،2019 ،‬‬


‫‪ - 2‬عد التعديالت الحكومية املتوالية‪ ،‬و عد البلوكاج الحكوم ‪ ،‬اتجه الحكومة نحو تقييد‬
‫حرية ا ضراب وتقييد العديد من الحريات العامة‪ ،‬با ضافة إلى تجميد العديد الحقوق‬
‫‪142‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬حراك قطاع التعليم‪.1‬‬


‫في سياق االلتزام بتوصيات املؤسسات املانحة‪ ،‬عمل الدولة على التقليل من‬
‫نس العاملين في الو يفة العمومية‪ ،‬وفي ه ا السياق توجه الدولة في قطاع‬
‫التعليم شكل كلي إلى التو يف بالتعاقد من خالل ما اصطلح عليه بتو يف‬
‫أطر األكاديميات‪ ،‬فاتسع هامش املناص املخصصة‪ .‬وإن كان الوضع في بداياته‬
‫لم يفرز اعتراضا قطاعيا ذي بال‪ ،‬إال أنه ومع تزايد أفواج األسات ة املتعاقدين‪،‬‬
‫وبداية هور عض ا شكاالت املرتبطة بالحقوق االجتماعية له ه الشريحة‪،‬‬
‫توسع دوائر املعترضين على ه ا التوجه الرسمي‪ ،‬مما كرس اقتناعا واسعا‬
‫بضرورة النضال من أجل إنصاف ه ه الشريحة لتستفيد مما تستفيد منه باقي‬
‫الفئات العاملة في القطاع‪.‬‬
‫بدأ األسات ة املتعاقدون نضاالتهم محليا بإضرابات محدودة وحمل الشارات‬
‫وإصدار العديد من البيانات وطلبات الحوار لتسوية الوضع‪ ،‬إال أن الوزارة بدت‬
‫عازمة على املض ي قدما في خيار التو يف الجهوي بالتعاقد‪ .‬و عدها تحول‬
‫النضاالت املحلية املتفرقة إلى حركة احتجاجية وطنية منظمة‪ ،‬خاض العديد‬
‫من ا ضرابات الوطنية والوقفات واملسيرات‪ ،‬التي قوبل باملنع والتدخل العنيف‬
‫أحيانا‪ .‬ومن النضاالت االستثنائية التي خاضتها التنسيقية الوطنية اعتصام ‪24‬‬
‫مارس ‪ 2019‬أمام البرملان‪ ،‬وال ي قوبل هو اآلخر بتدخل عنيف استعمل فيه‬
‫خراطيم املياه لتفريق االعتصام وإجبار األسات ة على املغادرة‪ ،‬ه ا با ضافة إلى‬
‫مسيرات ووقفات واحتجاجات وطنية أسفرت عن جرحى ومصابين بالعشرات‪،‬‬
‫با ضافة إلى تسجيل حالة وفاة‪ ،‬هي حالة "األب حجيلي"‪ ،‬ال ي تعتبره حركة‬
‫األسات ة املتعاقدين شهيدا لها‪ ،‬وتخلد اسمه عدة شعارات لكونه لم يلن معنيا‬

‫االجتماعية للشغيلة والتراجع عن أخرى‪ ،‬وأهمها تحريي األجور وساللم الترقية‪ ،‬ومشكل‬
‫التقاعد واالقتطاعات غير املبررة‪.‬‬
‫‪ - 1‬نقتصر هنا على الفترة إلى حدود إعالن النموذج التنموي الجديد‪ ،‬وسنرجع للموضوع في‬
‫تفاصيل املوسمين ‪ 2020‬و‪.2021‬‬
‫‪143‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫شكل مباشر بالنضال‪ ،‬إال أنه آثر مساندة ابنته في انخراطها في املسار النضالي‬
‫للتنسيقية‪.‬‬
‫وقد كان العديد من األوساط املتتبعة لنضاالت التنسيقية ترجح لجوء الوزارة‬
‫إلى إعالن ‪ 2019‬سنة بيضاء‪ ،‬نظرا للغياب املستمر ملناضلي التنسيقية‪ ،‬إال أن‬
‫ه ه األخيرة‪ ،‬و عد املشاورات الداخلية‪ ،‬والنقاشات الدائرة مع عض النقابات‬
‫الداعمة‪ ،‬أعلن تعليق ا ضراب والعودة إلى األقسام في منتصف شهر أبريل من‬
‫نفس السنة‪ .‬ولم تتوقف النضاالت كثيرا حتى أعلن التنسيقية نيتها في العودة‬
‫إلى الشارع الستلمال النضال من أجل انتزاع مطل الترسيم والتمتع بكامل‬
‫حقوق نظرائهم من الشغيلة التعليمية‪.‬‬
‫‪ ‬قطاع الصحة‪ ،‬حركة نضالية طالبية خارج التوقعات‪.‬‬
‫عد قطاع الصحة مؤشرا حقيقيا لقياس تراجع منظومة الحماية االجتماعية في‬
‫املغرب‪ ،‬حيث تؤكد األرقام التي ذكرناها سابقا مؤشرا داال على معاناة أطر‬
‫القطاع الصحي‪ .‬وقد ح رت العديد من النقابات من ه ه الوضعية‪ ،‬ومنها النقابة‬
‫املستقلة ألطباء القطاع العام التي أصدرت بيانات تنديدية به ه الوضعية‪،‬‬
‫وخاض إضرابات ومحطات احتجاجية للمطالبة بتحسين أوضاع القطاع‬
‫والعاملين فيه‪ ،‬ومن بين نضاالتها االستثنائية ما خاضته خالل سنتي ‪2018‬‬
‫و‪ ،2019‬حيث خاض النقابة إضراب ‪ 6‬أكتوبر ‪ 2019‬وإضرابات شهر غش‬
‫املتتالية‪ ،‬با ضافة إلى املسيرة الوطنية ألطباء القطاع العام بالرباط في ‪ 29‬أبريل‬
‫‪.2019‬‬
‫وتميز حراك قطاع الصحة خالل سنة ‪ 2019‬بنضال طلبة الط ‪ ،‬دفاعا عن‬
‫حقوقهم في وجه توجهات الدولة نحو خوصصة التعليم ومنح التعليم الخا‬
‫املزيد من االمتيازات على حساب كليات التعليم العموم ‪ .‬وقد كان نضال ه ه‬
‫الشريحة استثنائيا وغير متوقع بكل املقاييس‪ ،‬حيث خاض طلبة الط بقيادة‬
‫التنسيقية الوطنية للطلبة عض ا ضرابات ا ن ارية في بداية مسارهم النضالي‪،‬‬

‫‪144‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ليتحول مجراه عد ذلي إلى مقاطعة عامة للدروس والتدريبات التطبيقية‪ ،‬ثم‬
‫مسيرة وطنية في شهر ماي شارك فيها آالف الطالب‪ .‬ولم تلن الدولة والوزارة‬
‫الوصية تتوقع ما حصل‪ ،‬ل لي أصبح متخوفة مما يملن أن يفض ي إليه ه ا‬
‫الحراك‪ ،‬ألنها كان تعتبر ه ه الشريحة عيدة عن خوض أشكال نضالية قوية‬
‫للدفاع عن املطال ‪ ،‬وهو ما جعلها تتهم قطاع األسات ة الجامعيين‪ ،‬وتوقف‬
‫عضهم أمال في الت ثير على الحركة‪.1‬‬
‫ولم تلن شريحة املمرضين بمن ى عن حراك قطاع الصحة‪ ،‬حيث خاض هي‬
‫األخرى نضاالت عديدة‪ ،‬منها نضاالت شهر ماي وأكتوبر من سنة ‪ ،2019‬واملسيرة‬
‫الوطنية شهر ماي من نفس السنة‪.2‬‬
‫‪ ‬الحراك املحلي‪ ،‬الهامش يتصدراملشهد‪.‬‬
‫خالل العقدين األخيرين‪ ،‬شهد املغرب حراكا اجتماعيا محليا متناميا‪ .‬خرج‬
‫ساكنة العديد من املناطق‪ ،‬خاصة املهمشة‪ ،‬أو ما سمى باملغرب العميق‪،‬‬
‫للمطالبة بتحسين األوضاع االجتماعية؛ كخدمات الصحة والتطبي والسلن‬
‫والشغل واملطالبة بالتحلم في األسعار وخفض فواتير املاء واللهرباء‪.‬‬
‫اندلع حراك الحسيمة في نسخته األخيرة عد مقتل الشاب محسن فلري (‪28‬‬
‫أكتوبر ‪ ،)2016‬داخل شاحنة لجمع النفايات في املدينة‪ ،‬تمسكا سلعته‬
‫املحمولة على هر الشاحنة عد تطور أحداث مصادرة سلعته من األسماك في‬

‫‪ - 1‬أوقف الوزارة في ‪ 11‬يونيو ‪ 2019‬ثالثة أسات ة من كليات الط والصيدلية وهم‪:‬‬


‫البروفسور أحمد بلحوس والبروفسور سعيد أمال والبروفسور إسماعيل رموز‪ ،‬مبررة‬
‫ذلي با خالل بااللتزامات املهنية‪ ،‬في تلميح إلى احتمال مساندة األسات ة لحراك الطلبة‪ .‬إال‬
‫أن ذلي لق تضامنا وطنيا واسعا وصل صداه البرملان (سؤال شفوي موجه إلى الوزير‬
‫املع ي)‪.‬‬
‫‪ - 2‬من أهم مطال املمرضين‪ :‬ا نصاف في التعويض عن األخطار املهنية‪ ،‬إحداث هيئة‬
‫وطنية للممرضين وتقنيي الصحة‪ ،‬وإدماج املمرضين وتقنيي الصحة املعطلين في إطار‬
‫النظام األساس ي للو يفة العمومية‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ميناء الحسيمة‪ .‬وفي الوق ال ي سارع فيه الدولة إلى تب ي رواية صعود الشاب‬
‫إلى الشاحنة واشتباكه عمال النظافة وا لقاء بنفسه في طاحونة األزبال‪،‬‬
‫خرج الساكنة في بداية األمر للتنديد بالطريقة التي قتل بها الشاب‪ ،‬معتبرة‬
‫ذلي استخفافا ب رواح املواطنين‪ ،‬لتتحول عد ذلي االحتجاجات التي اتخ ت‬
‫لها شعارا "اطحن مو"‪ 1‬إلى حراك محلي مستمر للمطالبة بتحسين األوضاع‬
‫االجتماعية للمنطقة‪ ،‬اعتبارا أن الشاب محسن فلري قتل شهيد لقمة عيش‬
‫أثناء نشاطه لبيع األسماء‪.‬‬
‫ورغم إعالن رموز الحراك املحلي وأعضاء لجنة القيادة تمسلهم بالسلمية وتب ي‬
‫عدة شعارات تعبيرا عن ذلي‪ ،‬من قبيل مسيرات الورود ومسيرات األكفان‪ ،‬انتهى‬
‫حراك الريف باعتقال املتزعمين املفترضين ولجن التنسيق وحلم عليهم ب حكام‬
‫ثقيلة وصل ‪ 20‬سنة في حق أر عة منهم وأحكام أخرى تتراوح ما بين خمس‬
‫وخمسة عشرة سنة‪.‬‬
‫وفي ل تنام املطال بإطالق سراح شباب الحراك‪ ،‬وتزايد املظاهرات املساندة‬
‫للقضية داخليا وخارجيا‪ ،‬ودخول معتقلي الحراك عدة إضرابات عن الطعام‬
‫تنديدا بظروف اعتقالهم‪ ،‬كان الرأي العام ينتظر انفراجا في امللف‪ ،‬خاصة عد‬
‫توسع النقاش ا عالم للقضية وانخراط عض القنوات الرسمية في ذلي‪ .‬إال أن‬
‫خلو خطابات العرش من الحديث عن ه ا امللف أحدث خيبة أمل في إعادة‬
‫األمور إلى سلتها الصحيحة‪.‬‬
‫عد حراك الريف استثنائيا بكل املقاييس‪ ،‬لكونه شهد تحوالت ومنعطفات‪ ،‬بل‬
‫تداعيات سياسية واجتماعية لم تلن في الحسبان‪ .‬وما يزيد من التخوف من‬

‫‪ - 1‬هو شعار اتخ ه املتظاهرون وقودا لحركتهم‪ ،‬تعبيرا منهم عن رفض ممارسات السلطة‪،‬‬
‫وتمسلهم بالرواية التي تقول ب ن ممثل السلطة أمر بطحن أسماك الشاب محسن فلري‬
‫على هر شاحنة األزبال‪ ،‬وعندما تمسي الشاب سلعته على هر الشاحنة‪ ،‬أمر عون‬
‫السلطة بطحنه مع سلعته بإصدار األمر‪" :‬اطحن مو"‪.‬‬
‫‪146‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫مستقبل الحراك ال ي يبدو خامدا حاليا‪ ،‬هو تردد الدولة في اتخاذ قرارات جريئة‬
‫وحاسمة لحل املشكل‪ ،‬ألن املبادرة االنتقائية للعفو على عض نشطاء الحراك‬
‫واستثناء آخرين‪ ،‬وتحريي مشاريع وقضايا اجتماعية وتجميد أخرى لن يخدم‬
‫مصلحة السلم االجتماعي باملنطقة‪ .‬وقد أبان حراك الريف عن ضعف مؤسسات‬
‫الوساطة والت طير االجتماعي‪ ،‬وتغول ممثلي السلطة وحكومة الظل‪ ،‬التي‬
‫استمرت في تدبير امللف وفق مقاربتها الخاصة‪ ،‬والتي ال تفهم في كثير من األحيان‪،‬‬
‫ويكون عضها مناقضا لتوقعات الرأي العام وجل النخ ‪.‬‬
‫اجتماعيا انطلق حراك الريف على خلفية مقتل الشاب "محسن فلري" بائع‬
‫السمي كما ذكرنا‪ ،‬للن تحول الوقفات والبيانات التنديدية إلى حركة‬
‫اجتماعية محلية منظمة‪ ،‬لها قيادتها وتنسيقها املحلي‪ ،‬وملفها املطلبي االجتماعي‪،‬‬
‫وبرنامجها النضالي املستمر‪ .‬وقد عرف الحراك منعطفا خطيرا عد نعته من قبل‬
‫عض أحزاب الحكومة بمحاولة االنفصال‪ ،1‬مما حرك النزعة العرقية لساكنة‬
‫املنطقة وأجج تمسلهم بما عتبرونه إقصاء عرقيا وتهميشا على خلفية الهوية‬
‫واالنتماء‪.2‬‬
‫وقد لعب وزارة األوقاف والشؤون ا سالمية دورا أساسيا في إحداث منعطف‬
‫حاسم في الحراك‪ ،‬وذلي عد توجيه خطباء الجمعة إلى الحديث عن الحراك‬

‫‪ - 1‬عق االجتماع املنعقد في بي رئيس الحكومة في ‪ 14‬ماي ‪ ،2017‬عبر قادة أحزاب األغلبية‬
‫الحكومية عن ذلي‪ .‬و عد ردود الفعل املجتمعية الغاضبة من التصريحات‪ ،‬أصدرت ه ه‬
‫األحزاب بالغها في اليوم املوالي تتحدث عن أعمال التخري وخدمة األجندات األجنبية‪ .‬ولم‬
‫يلن حديث وزير الداخلية عد زيارته للحسيمة (‪ 10‬أبريل ‪ )2017‬أقل لهجة من تصريحات‬
‫قادة األحزاب‪ ،‬باعتماده لغة "األهداف املشبوهة" و "خلق حالة من االحتقان االجتماعي‬
‫والسياس ي" و"الترويج للشعارات السياسية املتطرفة" و" اعتماد شعار اللراهية ضد‬
‫املؤسسات للس السند الشعبي املفقود"‪ .‬وانخرط وزارة األوقاف ك لي من خالل‬
‫خط الجمعة (‪ 26‬ماي ‪ )2017‬بنع الحراك بزرع الفتنة وزعزعة االستقرار‪.‬‬
‫‪ - 2‬عد نع عض املسؤولين الحكوميين للحراك باالنفصالي‪ ،‬تمسي نشطاء الحراك‬
‫بانتمائهم للج ور الثورية التي أسسها محمد بن عبد اللريم الخطا ‪.‬‬
‫‪147‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫باعتباره زرعا للفتنة وزعزعة لالستقرار‪ ،‬ما دفع نشطاء الحراك إلى االعتراض‬
‫على ه ا الخطاب‪ ،‬ومنهم "ناصر الزفزافي"‪ ،‬أحد قادة الحراك البارزين‪ ،‬ال ي‬
‫اعترض بدوره على خطي الجمعة في املسجد‪ ،‬فكان النقطة التي أفاض‬
‫الك س‪ ،‬واتخ ت ذريعة لتحريي االعتقاالت في صفوف النشطاء‪.‬‬
‫أما سياسيا فلم تعد الجغرافيا املحلية تستوع مطال املحتجين ومطال‬
‫الساكنة‪ ،‬وتحول قضيتهم إلى حراك وط ي انخرط فيه العديد من منظمات‬
‫حقوق ا نسان والتنظيمات ا سالمية والحزبية‪ ،‬لكون جل املشاريع املعلن عنها‪،‬‬
‫واملتوقع استفادة الساكنة منها‪ ،‬لم تلتمل أو لم يتم االنطالق فيها‪ ،‬وكان ذلي‬
‫واضحا من خالل إعفاء العديد من املسؤولين ال ين تحملوا مسؤولية عض‬
‫املشاريع‪.‬‬
‫كما لع حراك الريف وطريقة تعامل السلطة معه بروز جيل جديد من‬
‫التحركات االجتماعية في املغرب‪ ،‬حيث برزت اهرة اجتماعية جديدة تمثل في‬
‫التضامن املحلي عدد من املناطق املغربية‪ ،‬وإحداث لجن دعم وطنية‪ ،‬وتشكل‬
‫جبهات قانونية وطنية من حساسيات سياسية متباينة دعما ملطال الحراك‬
‫وحقوق املعتقلين‪ ،‬با ضافة إلى تنام وعي محلي استثنائ للتمسي بالسلمية كما‬
‫عبر املتظاهرون‪ ،‬لدفع االتهامات الرسمية التي تتخ ها السلطة عادة لإلجهاز‬
‫على أي تحرك شعبي‪ ،‬وفي ه ا الصدد يملن أن ن كر املسيرة املحلية في ‪ 18‬ماي‬
‫‪ 2017‬ضد اتهامات السلطة باالنفصال‪ ،‬ثم املسيرة الوطنية في ‪ 11‬يونيو دعما‬
‫لنفس القضية‪.‬‬
‫وبق البيان ال ي أصدرته أحزاب الحكومة (‪ 14‬ماي ‪ )2017‬نقطة تحول كبيرة‬
‫في مسار الحراك‪ ،‬ألنه ص الزي على نار العصبية الخامدة في نفوس عض‬
‫سكان منطقة الريف‪ ،‬ال ين عتبرون أنفسهم ضمن ما كان عرف ب"املغرب غير‬
‫النافع"‪ ،‬وأصبح عض األصوات الريفية تتحدث عن خيار رسمي موجه إلى‬
‫عدم االكتراث بظروف أهل الريف على خلفية صراعات ومواقف تاريخية‪ .‬وإذا‬

‫‪148‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫كان بيان أحزاب الحكومة عد خط استراتيجيا في عالقة ا دارة املغربية ساكنة‬


‫الريف‪ ،‬فإن جل التدخالت التي تلته لم تلن لترأب الصدع بين مطال املحتجين‬
‫وعروض الدولة‪ .‬وجاءت اعتقاالت نشطاء الحراك‪ ،‬و عدها األحكام القاسية على‬
‫عضهم‪ ،‬وسوء معاملتهم‪ ،‬لت ت على البقية الباقية من األمل في إيجاد حل يضمن‬
‫إدماج الريفيين‪.‬‬
‫للن روف جائحة كورونا وما واكبها من إجراءات احترازية ساهم في إخماد‬
‫الحراك االجتماعي املحلي في أكثر من منطقة‪ ،‬وتراجع وتيرة االحتجاجات‪ ،‬إن‬
‫لم نقل توقف بفعل التعليمات وا جراءات االستثنائية‪ .‬ومع تراجع تهديدات‬
‫الوباء وتخفيف ا جراءات بدأت بوادر االحتجاج والحراك تظهر من جديد‪ ،‬عد‬
‫محاولة الدولة تمرير عض القوانين املقيدة للحرية‪ ،‬و عد موجة االعتقاالت التي‬
‫شمل عض الصحفيين وأصحاب الرأي‪ ،‬ل لي يبق الحراك املحلى والوط ي في‬
‫حالة خمود في انتظار ما يملن أن تسفر عنه حالة الترق بين الدولة وحركة‬
‫االحتجاج‪.‬‬
‫‪ -4-2‬املغرب البيئي‪ ،‬ضغط الندرة واستمرارالتغافل‪.‬‬
‫هناك قضايا حاسمة ال يتم اعتبارها أولويات‪ ،‬أو يتم تناولها من منطلق االنخراط‬
‫في القضايا الدولية واألولويات األممية فقط‪ ،‬فتب ر األموال وتهدر الطاقات في‬
‫مشاريع سياسية واقتصادية لها أهميتها‪ ،‬للن ذلي يتم على حساب قضايا‬
‫الوجود واستمراره‪ ،‬ومنها قضايا البيئة من ماء وهواء وتربة ومناخ‪.‬‬
‫من بين أهم مؤشرات قياس التنمية؛ مؤشر سالمة البيئة‪ .‬للن ه ه املؤشرات‬
‫تبق مؤجلة في ل استمرار تراجع مؤشرات ذات أولويات حاسمة كمحاربة‬
‫الفقر وتحسين ولوج الخدمات الصحية ومحاربة األمية والقضاء على حاالت‬
‫الوفاة عند الوالدة‪.‬‬
‫تقدر املوارد املائية التي يتوفر عليها املغرب ب ‪ 29‬مليار متر ملع سنويا‪ ،‬للن‬
‫القابل منها للتعبئة ال يتجاوز ‪ 22‬مليارا‪ .‬وقد عرف املياه املعب ة تطورا واضحا‪،‬‬
‫ألنها لم تلن تتجاوز ‪ 15‬مليار متر ملع سنة ‪ .2001‬ونظرا لتع ر استغالل‬
‫‪149‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عض الفرشات العميقة‪ ،‬يقدر حجم املياه الباطنية القابلة للتجديد في‬
‫مجموعها بحوالي ‪ 3,4‬مليار متر‪ ،3‬بينما الحجم املستغل حاليا يتجاوز ‪ 4,3‬مليار‬
‫متر‪ ،3‬ما ع ي أن األجيال الحالية تحرم األجيال القادمة من حقها في مليار متر‬
‫ملع وما يزيد‪.‬‬
‫وتزيد من الضغط على مواردنا املائية تهديدات التغيرات املناخية‪ ،‬وضغط‬
‫االستنزاف‪ ،‬وإكراهات التلوث‪ .‬ويحتمل أن شهد املغرب نقصا استثنائيا وغير‬
‫مسبوق من املوارد في أفق ‪ ،2030‬كما أن تداعيات التغيرات املناخية على املوارد‬
‫املائية ستكون في أقص ى مستوياتها في أفق ‪ 2050‬على أقص ى تقدير‪.‬‬
‫ولعل خطاب العرش لسنة ‪ 2008‬يلخص واقع الحال إذ يقول‪" :‬إن املغرب يواجه‬
‫تحدي تدبير تزايد الطل على املاء‪ ،‬وتعاق فترات الجفاف‪ ،‬وتقلص مخزون‬
‫املياه الجوفية‪ ،‬والتب ير الالمسؤول له ه الثروة الحيوية"‪ .‬أما املجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬فقد حمل النشاط البشري مسؤولية القضاء‬
‫النهائ املحتمل على املوارد املائية‪ ،‬إذ يؤكد " إن األنشطة البشرية تمارس ضغوطا‬
‫تزداد قوة مع الزمن‪ ،‬مما يؤثر سلبا‪ ،‬وبطريقة تكاد تكون نهائية‪ ،‬على نوعية وكمية‬
‫املوارد املائية"‪.1‬‬
‫ويؤدي التراجع الحاصل في التساقطات املطرية إلى تراجع املوارد السطحية‬
‫والجوفية على حد سواء‪ .‬وتحدث التغيرات املناخية املزيد من الفيضانات التي‬
‫تتوسع مجاالت ت ثيرها سنة عد أخرى‪ ،‬وحس معطيات املخطط الوط ي‬
‫للوقاية من خطر الفيضانات (‪ ،)2002‬فإن جل األحواض املائية مهددة‬
‫بالفيضانات‪ ،‬إال أن ه ه التهديدات تبق متوسطة إلى ضعيفة‪ ،‬مع وجود‬
‫أحواض ترتفع فيها درجة التهديد من املستوى املتوسط إلى العالي‪ ،‬رغم وجود عدة‬

‫‪ - 1‬املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪" 2014/15‬الحكامة عن طريق‬
‫التدبير املندمج للموارد املائية في املغرب‪ :‬رافعة أساسية للتنمية املستدامة"‪.18 ،‬‬
‫‪150‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫سدود أنش ئ عضها له ا الغرض‪ ،‬خاصة حوض ملوية‪ ،‬وحوض زيز‪-‬غريس‪،‬‬


‫و عض أحواض سوس ماسة‪ ،‬وتانسيف الحوز‪.‬‬
‫وتمثل املوارد السطحية حوالي ‪ %75‬من مجموع املوارد‪ ،‬ولتثمين ه ه املوارد تم‬
‫إنجاز ما يفوق ‪ 139‬سدا إلى حدود سنة ‪ِ ،2014‬سعتها ا جمالية تقدر ب ‪17,5‬‬
‫مليار متر ملع أو يزيد‪ .‬إال أن املعدالت السنوية للمياه املعب ة ال تصل‬
‫املستويات املطلوبة‪ ،‬بحيث تؤكد تقارير مديرية البحث والتخطيط املائ (‪)2013‬‬
‫أن املعدل السنوي للمياه املعب ة في املنشآت املائية يقل عن ‪ 7‬مليارات متر ملع‬
‫خالل الفترة ما بين ‪ 1950‬و‪ ،2012‬ويت ب ب ه ا املعدل ما بين قيمة قصوى‬
‫تتعدى ‪ 19‬مليار متر‪ 3‬بقليل (‪ ،)2009 ،1962‬وقيمة دنيا تقارب ‪ 01‬مليار متر‬
‫ملع أو أقل (‪ .)1994 ،1992‬وتضيع من ه ه املوارد كميات كبيرة‪ ،‬تقدر بما‬
‫يفوق مليار متر ملع سنويا نتيجة التوحل أو ا طماء‪.‬‬
‫ومن بين التهديدات املحدقة باملوارد املائية املغربية مشكل التلوث‪ ،‬ال ي يؤثر‬
‫شكل واضح على جودة املوارد املائية‪ ،‬حيث تؤكد التقارير الرسمية أن ‪ %04‬من‬
‫املياه السطحية فقط تعتبر جيدة جدا‪ ،‬و‪ %50‬جيدة‪ ،‬و‪ %17‬متوسطة الجودة‪،‬‬
‫في حين أن ‪ %29‬تعتبر رديئة‪ .‬أما املياه الجوفية ف ‪ %53‬منها جيدة‪ ،‬أما ‪%47‬‬
‫فدون ذلي‪.1‬‬
‫من جانبها تعد التربة من املوارد الطبيعية االستراتيجية‪ ،‬للن معظمها هش‬
‫وضعيف‪ ،‬وهي مهددة بالعديد من املخاطر الطبيعية والبشرية‪ ،‬حيث يلع‬
‫التعمير دورا أساسيا في تحجيم مردودية التربة‪ ،‬وال يزال املغرب شهد املزيد من‬
‫االستيطان الحضري واملعماري على حساب املجاالت الفالحية والتنوع البيئي‪،‬‬
‫حيث ارتفع نسبة التمدين من ‪ %51,3‬سنة ‪ 1994‬إلى ‪ %60,3‬سنة ‪.2014‬‬

‫‪1-‬‬ ‫‪Ministère délégué auprès du ministre de l’énergie, des Mines, de l’Eau et de‬‬
‫‪l’Environnement, Chargé de l’Eau, « Etat de la qualité des ressources en Eau au‬‬
‫‪Maroc », Juin 2014, p 42.‬‬
‫‪151‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وتعد التعرية املائية أخطر عامل يهدد التربة املغربية‪ ،‬ال سيما في املناطق‬
‫الجبلية‪ ،‬وقد أثبت العديد من الدراسات دور التعرية املائية في ا خالل بتوازن‬
‫األحواض الخصبة‪ ،‬على رأسها حوض سبو (منطقة الغرب)‪ .1‬ويساعد الرعي‬
‫الجائر بطريقة غير مباشرة في ه ا النوع من التعرية‪ .‬وتختلف حدة التعرية املائية‬
‫حس طبيعة التربة‪ ،‬وحس حجم التساقطات املطرية‪ ،‬فكلما ازدادت كميات‬
‫التساقطات املطرية‪ ،‬وكلما كان التربة هشة‪ ،‬إال وكان نسبة التعرية مرتفعة‪.‬‬
‫ويساهم املناخ شبه الجاف‪ ،‬السائد في العديد من املناطق املغربية‪ ،‬في تقوية‬
‫التعرية الريحية على نطاق واسع‪ ،‬خاصة في املناطق الجنوبية والجنوبية‬
‫الشرقية‪ ،2‬فهناك ما يزيد عن ‪ 300.000‬هلتار من األراض ي مهددة بزحف الرمال‬
‫في كل من وارززات وزاكورة والراشيدية‪ ،‬مما يؤدي إلى ضياع ما يفوق ‪ 500‬هلتار‬
‫من األراض ي الصالحة في السنة به ه املناطق‪.3‬‬
‫ويتدخل املناخ شبه الجاف في املغرب شكل غير مباشر في الرفع من ملوحة‬
‫التربة‪ ،‬فه ه األخيرة تتعرض إلى نسبة كبيرة من أشعة الشمس خالل املوسم‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إلى الرفع من التبخر‪ ،‬وبالتالي توفير كميات إضافية من األمالح في التربة‬
‫(ملوحة ثانوية)‪ .‬كما ساهم السق باملياه املالحة في الرفع من ملوحة التربة‬
‫شكل تلقائ ‪.‬‬
‫من جان آخر‪ ،‬يؤدي االستعمال املفرط لألدوية إلى حقن التربة باملزيد من‬
‫النترات والفوسفاط‪ ،‬ما ساهم‪ ،‬شكل مباشر‪ ،‬في ا خالل بالتوازن البيوكميائ‬
‫‪1-‬‬ ‫‪Organisation des Nations Unies pour l’Alimentation et l’Agriculture FAO,‬‬
‫‪« Utilisation des engrais par culture au Maroc », Rome, 2006, p 10.‬‬
‫‪ - 2‬من املناطق املت ثرة به ا النوع من التعرية هناك‪ :‬شرق األطلس اللبير ب حواض زيز‪،‬‬
‫وسافلة زيز وزيز األوسط بمناطق الراشيدية كلميمة وأرفود‪ ،‬وفي اتجاه الجنوب إلى‬
‫تافالل ب حواض درعة ومناطق وارززات‪ ،‬وبين زاكورة ومحاميد الغزالن‪ ،‬وبمناطق‬
‫طرفاية‪-‬العيون حيث التربة الجافة والعرية من الغطاء النبات ‪.‬‬
‫‪3- Badraoui M. (2006), Op. Cit., p108.‬‬

‫‪152‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫للتربة وجودتها وخصوبتها‪ ،‬أو يؤدي شكل غير مباشر‪ ،‬إلى تلويث املياه السطحية‬
‫عبر الجريان‪ ،‬أو تلويث املياه الجوفية عبر الترشيح‪.‬‬
‫ومن املوارد الطبيعية التي يتميز بها املغرب املجال الغابوي املمتد واملتنوع‪ ،‬ال ي‬
‫يمتد حاليا على مساحة عامة تقدر ب ‪ 9.037.714‬هلتارا (‪ 08%‬من التراب‬
‫الوط ي)‪ ،‬وقد ارتفع ه ه املساحة شكل الف خالل نهاية القرن املاض ي‬
‫بفضل الجهود املب ولة‪ ،‬حيث سجل ارتفاعا في املساحة نسبته ‪ %7,4‬ما بين‬
‫سنتي ‪ 1995‬و‪.2006‬‬
‫للن الغابة املغربية تعرف موجة كبيرة من التراجع‪ ،‬جراء عض العوامل‬
‫الطبيعية‪ ،‬والتدخالت البشرية العدوانية‪ ،‬فقد أثبت نتائج الجرد ال ي قام‬
‫به الوزارة الوصية‪ ،‬باعتماد نظام التتبع عبر األقمار االستطالعية بين سنتي‬
‫‪ 1985‬و‪ ،1995‬أن حوالي ‪ 245.000‬هلتار من الغابة تم اختفاؤها‪ ،‬في حين يصل‬
‫معدل تراجع الغابة سنويا‪ ،‬حس مديرية إعداد التراب الوط ي (‪ )2001‬إلى‬
‫‪ 31.000‬هلتار‪.‬‬
‫إن هناك مجهودات كبيرة يتم القيام بها‪ ،‬وهناك تدخالت عديدة‪ ،‬للن رغم‬
‫املجهودات الجبارة‪ ،‬وتو يف العديد من األطر واملؤسسات له ا العرض‪ ،‬إال أن‬
‫وضع الغابة املغربية مقلق جدا‪ ،‬فباستثناء ‪ 282.800( %0,4‬هلتار) فقط من‬
‫املجال الغابوي‪ ،‬توجد خارج تهديد التصحر‪ ،‬ويبق ما يفوق ‪ 2.474.300‬هلتار‬
‫(‪ )3,6%‬ذات تهديد متوسط‪ ،‬و‪ )8,6%( 5.950.500‬بتهديد مرتفع‪،‬‬
‫و‪ 60.366.431‬هلتار (‪ )87,4%‬في حالة حرجة جدا‪.1‬‬
‫وللمراعي أهمية تفوق الغابات‪ ،‬لكونها تمتد على مساحة تفوق ‪ %30‬من التراب‬
‫الوط ي‪ ،‬وتمثل مصدر عيش لنسبة كبيرة من ساكنة املجاالت الجافة من الرحل‬
‫والقاطنين‪ ،‬للن املالحظ أنها تمتد على أتربة ضعيفة الخصوبة في الغال ‪ ،‬وعلى‬
‫املشاهد الطبيعية الوعرة أو الهامشية‪ ،‬خاصة في الجبال والسهوب ذات املناخ‬

‫‪1- Mhirit O. et Et-tobi M., Op. Cit., p147.‬‬

‫‪153‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الجاف أو شبه الجاف أو الصحراوي‪ ،‬ل لي فهي تشكو من ضعف ا عداد‬


‫والتجهيز ال ي يرتبط بإكراهين أساسيين‪:1‬‬
‫‪ ‬عدم تسوية الوضعية القانونية للمراعي التي تعود إلى أراض ي الجموع‪،‬‬
‫وبالتالي إلحاقها‪ ،‬شكل تلقائ ‪ ،‬بوزارة الداخلية؛‬
‫‪ ‬التكاليف املالية الباهظة والخبرة التي يتطلبها تجهيز ه ه املراعي‪ ،‬با ضافة‬
‫إلى حاجة ه ا الورش إلى زمن أطول‪.‬‬
‫ومن جهته يؤكد البني الدولي (‪ )2003‬أن حجم الخسارة في السهوب يتجاوز ‪80‬‬
‫مليون درهم سنويا‪ ،‬أما في الغابات فتكاليف التدهور ترتفع إلى ‪ 98‬مليون درهم‬
‫حس نفس التقديرات‪ .‬و تقدر عض الدراسات أن املراعي في املغرب تعرف‬
‫تراجعا كبيرا وتشهد ضغطا واضحا من قبل قطعان املاشية‪ ،‬التي تتجاوز طاقة‬
‫املراعي بما يزيد عن الضعف(‪ ،)2,4‬ويزداد الضغط خالل السنوات الجافة‪.2‬‬
‫‪ -3‬أي مسارخضنا في ظل ذه الحصيلة؟‬
‫هل خضنا طريقا تقدميا‪ ،‬أم سللنا مسلكا تراجعيا؟‬
‫انطالقا من الحصيلة املعروضة‪ ،‬تعززها تقارير لجنة النموذج الجديد‪ ،‬يت كد‬
‫أننا خضنا طريق التقدم تجاه االندماج االقتصادي الدولي‪ ،‬وسللنا مسلكا‬
‫تراجعيا في العديد من أوراش التنمية االجتماعية كما حددها تقرير الخمسينية‪.3‬‬

‫‪1- Conseil Général du Développement Agricole (2016), Op. Cit., p 62.‬‬

‫‪2- Ellatifi M., « l’Economie de la forêt et des produits forestiers au Maroc : Bilan et‬‬

‫‪perspectives », Thèse Doctorat en sciences économiques, Université‬‬


‫‪Montesquieu, Bordeaux IV, 2012, p 90.‬‬
‫‪ - 3‬نظرا ملا عرضناه من تفاصيل في الحصيلة‪ ،‬سن كر بمؤشرات التراجع كما حددها تقرير‬
‫الخمسينية‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -1-3‬تعثرمسار اإلقالع تحت شعار‪" :‬مجتمع الفر للجميع‪ ،‬واملسؤولية لكل‬


‫فرد"‪.‬‬
‫تعثر مسار ا قالع في مستوياته الثالثة بامتياز‪ ،‬فلم ستطع النموذج التنموي‬
‫املقترح خوض غمار املشاريع املقترحة‪:‬‬
‫‪ ‬مسلسل ديمقراطي متذبذب وانفتا حذرعلى القيم العاملية‪.‬‬
‫استمر التحلم في مجريات املسار الديمقراط ‪ ،‬ونتائج االنتخابات التشريعية‬
‫األخيرة (شتنبر ‪ )2021‬خيب اآلمال‪ ،‬وأعادت إلى ال اكرة ذكريات انتخابات العهد‬
‫القديم‪ ،‬وأصبح مفاهيم حكومة الظل ودوائر التحلم والتماسيح والعفاري‬
‫وما إلى ذلي من املفاهيم الالديمقراطية جزء من املمارسة السياسية الرسمية‬
‫وقاموس الخطاب ا عالم الحالي‪ .‬وتراجع جل املمارسات السياسية إلى مرحلة‬
‫ما قبل العهد الجديد‪ ،‬مرحلة التحلم في نتائج االنتخابات‪ ،‬وتقطيع الخريطة‬
‫السياسية على املقاس‪ ،‬وإفراغ املؤسسات السياسية من محتواها‪ ،‬وسيادة‬
‫التعليمات‪ ،‬وا فالت من العقاب‪ ،‬وتوسع أشكال الريع‪ ،‬وتنصي عض الرموز‬
‫والسياسيين وأصحاب السلطة أنفسهم فوق القوانين‪ ،‬واستمرار الجمع بين‬
‫السلطة والثروة وغيرها من املمارسات‪.‬‬
‫‪ ‬مغرب الالمسؤولية بامتياز‪.‬‬
‫أكدنا في الفقرات السابقة واقع الالمسؤولية ال ي عيشه املغرب‪ ،‬وأوردنا جزء‬
‫كبيرا من الخطابات املللية التي تتحدث في املوضوع‪ .‬أما ورش املحاسبة الشعبية‬
‫ال ي شر به تقرير الخمسينية فال خبر عنه من ذلي الحين (‪ ،)2006‬باملقابل‬
‫تطالعنا التقارير وا عالم الوط ي والدولي ب خبار ا فالت من العقاب واستمرار‬
‫الريع في جل مناحي الحياة السياسية واالقتصادية وفي الخدمات االجتماعية‪،‬‬
‫وتحلم خدام الدولة في دوالي التدبير السياس ي والتوجه االقتصادي للبلد‪.‬‬
‫‪ -2-3‬مسارتنموي بسرعات متباينة‪.‬‬
‫رغم كل املجهودات‪ ،‬استمر التباين املجالي واالجتماعي والفئوي‪ ،‬وبقي املجاالت‬
‫الهامشية ترزح تح الفقر والتهميش‪ ،‬مما جعل املدن وكبريات الحواضر تعرف‬
‫‪155‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫توسعا ديمغرافيا متناميا سب الهجرة القروية‪ ،‬في حين تعيش ساكنة األرياف‬
‫والقرى أنواعا من الحيف والحرمان كما وضحنا ذلي سلفا‪.‬‬
‫وقد استمر التفاوت السوسيواقتصادي في مجال الخدمات األساسية وتوطين‬
‫املشاريع التنموية‪ ،‬وفي مجال التربية والتكوين بين القرى واملدن وبين الجنسين‪.‬‬
‫‪ -3-3‬كورونا تكشف اختالل القطاع الصحي وعدم تكافؤالولوج إلى الخدمات‪.‬‬
‫لوال االستعانة بالقطاع الخا ‪ ،‬وبالقطاع الصحي العسلري‪ ،‬ولوال املبادرات‬
‫والتطوع (صندوق الجائحة نموذجا)‪ ،‬لكان الكارثة الصحية محققة‪ .‬ومع كل‬
‫ذلي لن يخف واقع التعاون والتكافل والتطوع توقف الخدمات الصحية األخرى‬
‫غير املرتبطة بالكوفيد‪ ،‬فقد أغلق املؤسسات الصحية أبوابها في وجه فئات‬
‫عديدة هي في أمس الحاجة إلى التطبي ‪ ،‬ألن املغرب شكو من تزايد نس‬
‫األمراض املزمنة االنحاللية‪ ،‬وأمراض السرطان‪ ،‬وأمراض القل والشرايين‪،‬‬
‫واألمراض الحسية الحركية‪ ،‬كما يملن ا شارة إلى الغياب الواضح لبرامج كفالة‬
‫األشخا املسنين‪.‬‬
‫‪ -4-3‬مغرب تزايد املخاطرالطبيعية‪.‬‬
‫أ هر تقل حجم املحاصيل املوسمية للحبوب مدى ارتباط املغرب بالتغيرات‬
‫املناخية‪ ،‬مما يوسع التداعيات من عدها البيئي الصرف إلى أ عاد اقتصادية‬
‫واجتماعية واستراتيجية محدقة‪ .‬ويزيد من املخاوف استمرار تعرض العديد من‬
‫الحواضر والقرى املغربية لظاهرة الفيضانات‪ .‬وتشهد مجاالت عديدة تزايد‬
‫اهرة الجفاف وندرة املياه‪ ،‬واملخيف هو تعرض ساكنة عض املناطق لنقص‬
‫مياه الشرب‪ ،‬كما يتراجع التنوع البيئي ويتزايد إتالف املجاالت الطبيعية واملوارد‬
‫من غابات وتربة وغيرها‪.‬‬
‫‪ -5-3‬استمرارضعف تنافسية االقتصاد الوطني‪.‬‬
‫إن عدم استقرار نس النمو االقتصادي أصبح واقعا مشهودا‪ ،‬تستمر معه‬
‫انعكاسات اجتماعية واقتصادية ال أمل في تجاوزها‪ ،‬منها البطالة وانحصار فر‬

‫‪156‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الشغل‪ ،‬وارتفاع نس الفقر والهشاشة وا قصاء‪ .‬وأ هرت جائحة كورونا حجم‬
‫االقتصاد غير املهيكل وما يمثله من إكراهات اقتصادية وانعكاسات اجتماعية‬
‫صعبة‪.‬‬
‫‪ -6-3‬تزايد تهديدات العوملة‪.‬‬
‫من أهم تهديدات العوملة عدم استقرار وضعية املغرب في نسق االندماج الدولي‪،‬‬
‫وضعف نديته في اتفاقيات التبادل الحر‪ ،‬وتقل األسعار واملواد في السوق‬
‫الوطنية وفق الظروف والشروط الدولية‪ ،‬ولعل التصريحات املتوالية لبعض‬
‫املسؤولين تؤكد ذلي‪ ،‬ومنها التصريحات املتعلقة بتداعيات اتفاقية التبادل‬
‫الحر مع تركيا (دجنبر ‪ ،)2021‬ال ي يكلف املغرب اللثير حس تقديرات‬
‫املسؤولين‪ .‬وإذا كان االقتصاد الترك ال يقارن مع نظرائه من األمريليين واألملان‬
‫وغيرهم‪ ،‬فإن وضعية املغرب أمام ه ه الدول صعبة دون شي‪ .‬ويملن أن نشير‬
‫هنا إلى عجز امليزان التجاري للمغرب أمام جل شركائه في التبادل الحر‪.‬‬
‫‪ -7-3‬ضعف فعالية نظام الحكامة‪.‬‬
‫نجح املغرب في تب ي أسلوب التخطيط القطاعي االستراتيجي‪ ،‬وتبق الحكامة‬
‫عنوانا مشتركا لكل التدخالت العمومية‪ ،‬للنها الغائ الحاضر في العديد من‬
‫التدخالت (حاضر في الخطاب وغائ في املمارسة)‪ .‬وال تزال الرشوة وانعدام‬
‫الشفافية واملساواة أمام الخدمات العمومية تستشري في العديد من املرافق‬
‫والخدمات كما أكدت الخطابات املللية‪ .‬ومن جانبه عان القضاء من تعثر كبير‬
‫في مسار االستقاللية واملساواة في التقاض ي رغم خوضه غمار مشاريع إصالح‬
‫استثنائية‪ ،‬وقد أصبح القضاء في كثير من األحيان أداة في يد السلطة لحسم‬
‫الصراع ضد العديد من املعارضين وأصحاب الرأي والصحفيين املنتقدين لتدبير‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وال تزال فئات نافدة في املغرب خارج أحكام القضاء وفوق‬
‫القانون والتشريعات‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -8-3‬عواقب غيرمحمودة في مجال التنمية البشرية‪.‬‬


‫به ه العبارة ح ر تقرير الخمسينية من املسار التراجعي من ‪ ،2006‬وي ت‬
‫الخطاب امللك ليؤكد قصور النموذج التنموي عن تحقيق طموحات الشع‬
‫املغر بما هو جدير به‪ ،‬وخاصة عجز النموذج السابق عن تحقيق التنمية‬
‫االجتماعية‪.‬‬
‫خاتمة‪.‬‬
‫خضنا في ه ا الفصل غمار تقييم حصيلة تنفي توجهات النموذج السابق‪ .‬ولعل‬
‫ه ا الفصل يجي في كثير من فقراته ومضامينه عن سؤال مسكوت عنه‪ :‬ملاذا‬
‫فشل النموذج السابق؟‬
‫وإنه وفق ما تم رصده من مؤشرات‪ ،‬ليت كد فشل النموذج التنموي من حيث‬
‫بنيته ومقوماته‪ ،‬ومن حيث برامجه التي تفتقد للفعالية الكافية‪ .‬للن أصل‬
‫الفشل يلمن في أن املغرب يخوض غمار التجارب التنموية رغبة في تحسين‬
‫موقعه داخل املنتظم الدولي‪ ،‬وللحفاظ على مصالح غير مفهومة في كثير من‬
‫األحيان‪ ،‬غير أن تخوف املغرب من مباشرة إصالحات هيكلية‪ ،‬يجعله يراكم‬
‫رصيدا هائال من االقتراحات واملبادرات دون تحقيق حكامة التنفي ‪.‬‬
‫ل لي تبق مشكلة التنمية في املغرب مستمرة باستمرار بطء عمليات ا صالح‪،‬‬
‫وعندما ستكون إرادة ا صالح قاصدة‪ ،‬عندها يصير النموذج التنموي رائدا بكل‬
‫املقاييس‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفصل الرابع‪:‬‬
‫على عتبة النموذج التنموي الجديد‬
‫مواقف وآراء‬

‫‪159‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تباين ردود أفعال ومواقف النخبة‪ ،‬واألحزاب السياسية‪ ،‬وجمعيات املجتمع‬


‫املدن ‪ ،‬إزاء إعالن فشل النموذج التنموي السابق وتسمية لجنة النموذج‬
‫الجديد‪ .‬فكل األحزاب املشاركة في العملية السياسية‪ ،‬من أغلبية ومعارضة‪،‬‬
‫ثمن املبادرة املللية‪ ،‬وأعلن انخراطها واستعدادها للعمل وإنجاح مبادرة‬
‫تجديد النموذج‪ ،‬ومنها من بادر بمقترحات يتصورها داعمة لعمل اللجنة‪ .‬في حين‬
‫أن عض النخ ‪ ،‬با ضافة إلى مكونات سياسية معارضة‪ ،‬خاصة املعترضة على‬
‫سير العملية السياسية برمتها‪ ،‬تحدث عن ضرورة إصالح سياس ي وانفراج‬
‫حقوقي وأجواء مصالحة عامة حتى يكون القتراح وتنزيل النموذج التنموي مع ى‪.‬‬
‫‪ -1‬املواقف املعارضة ملنهجية إعداد النموذج‪.‬‬
‫في الوق ال ي سارع فيه غالبية األحزاب السياسية والفعاليات املدنية إلى‬
‫ا شادة باملبادرة املللية‪ ،‬وتعيين لجنة النموذج التنموي‪ ،‬بقي عض الهيئات‬
‫املعارضة وفية لنهجها الرافض ملا تعتبره منهجية قديمة لإلصالح‪ ،‬تبق فيها‬
‫السلطة مركز ا صالح وسيدته‪ ،‬وتسخر باقي مكونات املجتمع لتحقيق ا جماع‬
‫حولها‪ .‬وتمثل ه ه املعارضة باألساس في كل من حزب النهج الديمقراط‬
‫وجماعة العدل وا حسان‪ ،‬ثم انضاف إليهما الحزب املغر الحر فيما عد‪.1‬‬
‫عبرت جماعة العدل وا حسان عن رفضها القاطع ملنهجية إعداد ومراجعة‬
‫النموذج التنموي‪ ،‬ورغم أن الجماعة لم تصدر بيانا خاصا باملوقف‪ ،‬فإن قادتها‬
‫عبروا عن رفض الجماعة لتلرار التجارب الفاشلة‪ ،‬التي لن تكون إال ربحا إضافيا‬
‫للوق في نظرهم‪ ،‬ما دام السلطة تتمركز في يد القصر‪ ،‬ال ي يبق صاح‬
‫الحل والعقد في كل املبادرات التي تخص املجتمع‪ .‬كما أكد التقرير السنوي ال ي‬
‫أصدره املجلس القطري للدائرة السياسية للجماعة منتصف أكتوبر ‪" 2019‬إن‬
‫فشل النموذج التنموي ناتج عن االختيارات الالشعبية للدولة‪ ،‬التي لم تقم‬

‫‪ - 1‬هناك مواقف شخصية وآراء مكونات أخرى‪ ،‬غير أنها ال تتمتع بالقوة والت ثير مثل اآلراء‬
‫امل كورة‪.‬‬
‫‪160‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫با صالحات االقتصادية واملالية الضرورية قالع تنموي يولد الثروة ويوزعها‬
‫شكل عادل‪ .‬فعلى الرغم من توفره على ثروات معدنية مهمة كالفوسفاط‬
‫وال ه والفضة وغيرها‪ ،‬ما زال املغرب عان من اختالالت كبرى أضح بنيوية‪،‬‬
‫تتمثل في احتكار شديد للثروة في يد العائالت الناف ة التي استفادت أساسا من‬
‫الريع والتوزيع غير العادل لألراض ي والثروات واالمتيازات"‪.‬‬
‫من جانبه رفض النهج الديمقراط املشاركة في جلسات االستماع‪ ،‬وجدد رفضه‬
‫آللية إعداد النموذج مشددا أنه "ال تنمية في ل نظام الفساد واالستبداد‬
‫والتبعية والريع واالحتكار" معتبرا أن "النموذج املتوقع هو نموذج تنموي مخزن‬
‫لن يكون إال تجسيدا للسياسة الليبرالية ااملتوحشة‪ ،‬والقبضة البوليسية‪،‬‬
‫وديمقراطية الواجهة"‪ .1‬وشدد الحزب على أن طرح النموذج ستوج إعداد‬
‫أجواء سليمة‪ ،‬على رأسها وقف املتا عات في حق العديد من النشطاء‪ ،‬وإطالق‬
‫سراح مئات املعتقلين السياسيين‪ ،‬وعودة العمال املطرودين ألسباب نقابية‪،‬‬
‫ووضع حد للقمع والحصار املمارس على العديد من التنظيمات‪.‬‬
‫كما رفض الحزب املغر الحر لقاء لجنة النموذج لكون ه ه اآللية‪ ،‬في تقديره‪،‬‬
‫ستفرغ املؤسسات الدستورية من مهامها‪ ،‬وتفرز نظاما شموليا جديدا ألن‬
‫"محاوالت توحيد الفلر السياس ي والتنموي في األنظمة الشمولية كان مآلها‬
‫الفشل‪ ،‬ألنها تضرب في العمق قيم ا بداع والتفلير والنقد والحق في االختالف‪،‬‬
‫التي تعتبر األساس املتين ألي مجتمع ديمقراط متمدن ومتحضر" وأكد الحزب‬
‫أن "املشروع التنموي والبرنامج السياس ي للحزب ال يملن عرضه إال أمام الشع‬
‫املغر وكتلته الناخبة‪ ،‬وال ي يبق له كامل السلط في اختيار النموذج ال ي يراه‬
‫مناسبا لقناعاته وانتظاراته في ل نظام انتخا عادل"‪.2‬‬

‫‪ - 1‬بيان خا لللتابة الوطنية للحزب بداية يناير ‪.2020‬‬


‫‪ - 2‬بالغ الحزب عق توجيه لجنة بنموس ى دعوة لألحزاب للمساهمة بمقترحات في النموذج‪.‬‬
‫‪161‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -2‬آراء ومقترحات املؤسسات والتنظيمات املساندة‪.‬‬


‫رحب جل األحزاب السياسية املشاركة في العملية السياسية الرسمية بمسار‬
‫تعديل النموذج‪ ،‬وأصدرت أوراقها ومقترحاتها الخاصة ب لي‪ ،‬وأرسلتها إلى لجنة‬
‫النموذج أمال في أخ ها عين االعتبار في صياغة الوثيقة املتوقعة‪.‬‬
‫‪ -1-2‬رأي املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.1‬‬
‫تعد تقارير املجلس وآراؤه من املراجع األساسية في صياغة النموذج كما عبرت‬
‫اللجنة في أكثر من فقرة في تقريرها العام‪ .‬و عداد مقترحه الخا بالنموذج‬
‫التنموي‪ ،‬التزم املجلس آلية خاصة لإلعداد؛ وهي آلية تشاركية موسعة‪ ،‬شمل‬
‫جلسات خاصة لإلنصات‪ ،‬وورشات نظمتها مجموعة العمل املكلفة باملشروع‪،‬‬
‫حيث عقدت اللجنة سلسلة لقاءات شارك فيها ‪ 59‬فاعال‪ ،2‬عالوة على تنظيم‬
‫اجتماعات خاصة بالفئات الخمس التي يت لف منها املجلس‪ .‬كما أطلق املجلس‪،‬‬
‫حس تعبيره‪ ،‬استشارة موسعة مع عموم املواطنين عبر شبلة األنترن ملعرفة‬
‫آرائهم وتصوراتهم بخصو النموذج التنموي الجديد‪.3‬‬
‫تنطلق مساهمة املجلس من فرضية أن "املغرب بلد يمتلي العديد من املؤهالت‪،‬‬
‫ويملنه أن يتطلع إلى الطموح التنموي"‪ ،‬وتعتبر أن الخطابين امللليين ل ‪13‬‬
‫أكتوبر ‪ 2017‬و‪ 12‬أكتوبر ‪ 2018‬نقطة االنطالق وبوصلة البحث والتقص ي‬
‫واالستشراف في املوضوع‪ ،‬لكونها حددت املطلوب‪ ،‬وال ي يلمن في "مواكبة‬
‫التطورات التي تعرفها البالد"‪ .‬كما تقدر مساهمة املجلس أن ال ي حلم على‬
‫النموذج القديم بالفشل؛ هو تغير الطموح الرسمي في تنمية أفضل‪ ،‬أصبح معها‬
‫النموذج القديم قاصرا بكل املقاييس‪ ،‬وهو ما سنرجع لتفليله الحقا‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر مساهمة املجلس‪" :‬النموذج التنموي الجديد للمغرب‪. 160 ،2019 ،‬‬
‫‪ - 2‬يفصل امللحق رقم ‪ 1‬من التقرير الئحة املؤسسات والفاعلين ال ين تم ا نصات إليهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر امللحق رقم ‪ ،4‬الخا بنتائج استشارة املواطنين‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تتكون مساهمة املجلس من ستة محاور رئيسة‪ ،‬تخضع لتراتبية منهجية منظمة‬
‫ومنسقة‪ ،‬يتم استهالل الحديث فيها عن امتالك املغرب ملؤهالت جيدة يملنه أن‬
‫يطمح بحسن استثمارها إلى طموح تنموي مشروع‪ .‬ومن خالل ‪ 10‬صفحات‬
‫مركزة‪ ،1‬ستعرض املجلس جملة من املؤهالت الواعدة التي خاض املغرب في‬
‫استثمارها‪ ،‬مما يتطل ‪ ،‬في رأي املجلس‪ ،‬ترصيدها وفق التوجيهات املللية‪،‬‬
‫لتحقيق طموح جديد ومشروع (مستوى أعلى من التنمية)‪.‬‬
‫فاملغرب يزخر بمؤهالت كبرى للنهوض‪ ،‬على رأسها التاريخ العريق ال ي تتمتع به‬
‫اململلة‪ ،‬وانتماؤه الجغرافي املتج ر في إفريقيا‪ ،‬وانتسابه إلى مجموعات حضارية‬
‫كبرى‪ ،‬فضال عن ثراء رأسماله الطبيعي والبشري وغير املادي‪ ،‬وسمعة إشعاعه‬
‫الدولي‪ .‬ويبق املغرب مؤهال الستثمار ه ه املؤهالت بما يتمتع به من ميزة النقد‬
‫ال ات وشجاعة املصالحة مع املاض ي‪.2‬‬
‫ويقدر املجلس أنه بالقيادة املللية‪ ،‬وخالل العقدين املاضيين‪ ،‬أحرز املغرب‬
‫تقدما مهما في العديد من املجاالت التنموية‪:‬‬
‫‪ ‬سياسيا‪ :‬خاض املغرب إصالحات ديمقراطية واعدة‪ ،‬واعتبر الخيار‬
‫الديمقراط ال رجعة فيه‪ ،‬وفي ه ا شيد املجلس با صالح‬
‫الدستوري لسنة ‪ ،2011‬وإنجاح مسلسل املصالحة الوطنية‪،‬‬
‫وإحداث مؤسسات حقوق ا نسان‪ ،‬وتطوير الديمقراطية‬
‫التشاركية والتمثيلية وإرساء دعائم الجهوية املتقدمة؛‬
‫‪ ‬اجتماعيا‪ :‬استطاع املغرب‪ ،‬من وجهة نظر املجلس‪ ،‬إحراز تقدم‬
‫ملموس في ل تقدم مشاريع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪،‬‬
‫حيث انخفض نس األمية من ‪ %48‬سنة ‪ 1999‬إلى ‪ %32‬سنة‬
‫‪ ،2014‬وتضاعف نسبة التمدرس في جميع األسالك الدراسية‪.‬‬
‫وتطورت الخدمات األساسية شكل واضح‪ ،‬منها نسبة الولوج إلى‬

‫‪ - 1‬من الصفحة ‪ 05‬إلى الصفحة ‪.14‬‬


‫‪.19-18‬‬ ‫‪ - 2‬التقرير‪،‬‬
‫‪163‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املاء الشروب واللهرباء‪ ،‬وتحسين السلن والحماية االجتماعية‪،‬‬


‫وفي العزلة عن أزيد من ‪ 3‬ماليين شخص في العالم القروي؛‬
‫ومهنا عاملية‬
‫‪ ‬اقتصاديا‪ :‬استطاع املغرب تطوير قطاعات واعدة ِ‬
‫جديدة‪ ،‬ساهم في ج ب املزيد من االستثمار األجنبي‪ ،1‬وتم تنويع‬
‫بنيات املغرب االنتاجية والنهوض عدد من القطاعات‪ ،‬كان من‬
‫نتائجها قدرة االقتصاد الوط ي على الصمود في مواجهة تداعيات‬
‫األزمة املالية العاملية السابقة‪ ،‬كما ارتفع اجمالي الدخل الفردي‪،‬‬
‫وتحقق متوسط نمو سنوي قدره ‪ %4,3‬ما بين سنتي ‪ 2000‬و ‪.2018‬‬
‫للن املجلس يؤكد أن ه ه ا نجازات لم يوازيها تقدم على مستوى تقليص‬
‫الفوارق في الدخل ال ي انتقل من ‪ 0,407‬إلى ‪ 0,395‬بين سنتي ‪ 2007‬و‪2014‬‬
‫حس مؤشر جي ي‪.‬‬
‫ولتحقيق مستوى عال من التنمية‪ ،‬يرى املجلس إمكانية االرتكاز على املؤهالت‬
‫وا نجازات امل كورة‪ ،‬وفق الرؤية املللية دائما‪ ،‬لالنتقال من املؤشرات اللمية‬
‫للتنمية إلى آفاق االندماج وتكافؤ الفر واالستدامة والتنوع والتمازج‬
‫االجتماعي‪ ،‬والنهوض بالثقافة وتعزيز االنفتاح‪ .2‬ويؤكد في اقتراحه ه ا على‬
‫االنطالق من الرؤية املللية (خطاب ‪ 13‬أكتوبر ‪ ،)2017‬التي حددت متطلبات‬
‫ثالثا يتعين أن يرتلز عليها النموذج الجديد وهي؛ تطوير العقليات لتحقيق‬
‫التقدم الشامل‪ ،‬وإحداث قطائع وتحوالت كبرى على مستوى السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬واقتراح تدابير عملية وواقعية على املديين القصير واملتوسط من أجل‬
‫تحقيق تنمية متوازنة ومنصفة وقادرة على الصمود‪.‬‬

‫‪ - 1‬بلغ صافي تدفقات االستثمارات األجنبية املباشرة في املتوسط ‪ %3,6‬من الناتج الداخلي‬
‫ا جمالي ما بين ‪ 2008‬و‪.2017‬‬
‫‪ - 2‬التقرير‪.21 ،‬‬
‫‪164‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ومن خالل ما سبق‪ ،‬يتوقع املجلس إمكانية صياغة الطموح التنموي املقبل‪،‬‬
‫وبناء نموذج تنموي دينام يحقق نموا قويا‪ ،‬دامجا ومستداما‪ ،‬ويضمن تكافؤ‬
‫الفر ‪ ،‬وينهض بتنمية الفرد ويعزز قدراته في ل مجتمع مزدهر ومتضامن‪،‬‬
‫يحتل فيه املواطن مكانة مركزية‪.1‬‬
‫في الفصل الثان تح عنوان "النموذج التنموي الحالي غير قادر على تحقيق ه ا‬
‫الطموح"‪ ،‬عرض تقرير املجلس‪ ،‬في ‪ 10‬صفحات ك لي‪ ،‬املؤشرات التنموية‬
‫الهيكلية‪ ،‬التي قصر النموذج السابق عن تحقيقها؛ وهي الرخاء االقتصادي‪،‬‬
‫وتنمية الفرد وتطوير قدراته‪ ،‬وا دماج‪ ،‬وتكافؤ الفر ‪ ،‬وتحقيق التضامن‪،‬‬
‫واالستدامة‪.‬‬
‫وقد ركز املجلس في تقديره ه ا على عدة مؤشرات اقتصادية واجتماعية‪ ،‬منها‬
‫ضعف وتيرة النمو وتراجع جودته وكفايته‪ ،‬وبطء تطور ا نتاجية‪ ،‬وعدم توازن‬
‫أداء القطاعات ا نتاجية الثالثة‪ ،‬وانخفاض مردودية االستثمار ال ي أدى‪ ،‬في‬
‫نظر املجلس‪ ،‬إلى ضعف مراكمة الرأسمال املادي‪ ،‬وهشاشة وضعية املقاولة‪.‬‬
‫كل ه ه ا كراهات‪ ،‬في نظر املجلس دائما‪ ،‬جعل االقتصاد املغر في ل‬
‫النموذج التنموي‪ ،‬عجز عن ا قالع الحقيق ‪ .‬وفي ه ا يقيم املجلس مقارنة‬
‫باالقتصاد الترك ‪ ،‬ال ي أحرز ه ا ا قالع في رفية قياسية‪ .2‬ويزيد التقرير‬
‫(الفصل الثان ) في تفصيل عجز النموذج التنموي الحالي‪ ،‬مركزا على العناصر‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ ‬العجز عن تنمية الفرد وتعزيز قدراته‪ ،‬وخاصة قصور منظومة‬
‫التربية والتكوين؛‬
‫‪ ‬العجز عن إدماج املزيد من الفئات االجتماعية‪ ،‬مركزا على الساكنة‬
‫القروية من النساء والشباب‪ ،‬وك ا ضعف مناص الشغل وعدم‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.24 ،‬‬
‫‪.29‬‬ ‫‪ - 2‬انظر تفاصيل املقارنة في التقرير‪،‬‬
‫‪165‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كفاية جودتها‪ ،‬مما ساهم في رفع وتيرة الهجرة‪ ،‬بما فيها هجرة‬
‫اللفاءات واألدمغة؛‬
‫‪ ‬العجز عن تحقيق الحماية االجتماعية؛‬
‫‪ ‬استمرار الفوارق االجتماعية والحيف الفئوي‪ ،‬وغياب آليات واقعية‬
‫لالرتقاء االجتماعي بفئات عريضة يطالها التمييز؛‬
‫‪ ‬تعتر مشروع االستدامة‪ ،‬خاصة في املجال البيئي‪ ،‬رغم توسيع ا طار‬
‫التشريعي والقانون ‪.‬‬
‫وفي الفصل الثالث "تعطل النموذج التنموي الحالي يضعف الثقة وي ك‬
‫الهشاشة"‪ ،‬سه التقرير في تعرية مساوئ النموذج الحالي‪ ،‬ويعتبرها سببا في‬
‫زعزعة ثقة املجتمع (اتساع الهوة بين الطموح الجماعي وبين ما يقدمه النموذج‬
‫الحالي)‪ .‬ومن خالل إبراز املظاهر السلبية ه ه‪ ،‬ينتهز التقرير الفرصة للتعبير عن‬
‫حجم التقاطبات الثنائية املعتمدة في تدبير الش ن العام‪ ،‬ومنها الثنائية التي‬
‫شهدها مجال التربية والتكوين (تعليم عموم مقابل تعليم خصوص ي)‪ ،‬والتي‬
‫أكدت تصريحات املواطنين‪ ،‬كما جاء في املالحق‪ ،‬أنه املجال ال ي علس أكبر‬
‫تجل للتفاوت االجتماعي واملجالي في نظر املغاربة (‪ .)29,98%‬ه ا با ضافة إلى‬
‫الثنائية التي شهدها قطاع الصحة‪ ،‬والتي تؤدي ثمنها فئات عريضة من الفقراء‬
‫واملعوزين ال ين لم تخفف تدابير الرعاية الصحية (نظام راميد) من معاناتهم‬
‫الصحية املتزايدة‪ .‬وي ت التقرير في مرتبة أخرى على تعرية الثنائية التي شهدها‬
‫السلن‪ ،‬والتي تحاصر الطبقات الهشة والفقيرة في أوضاع معيشية ال ترقى إلى‬
‫مستويات ا نسانية‪ .‬كما ي كر التقرير ثنائية أخرى ال تخف على متتبع‪ ،‬وهي‬
‫ثنائية الحواضر والقرى‪/‬األرياف‪ ،‬والتي يتحدث التقرير فيها عن معاناة كشفتها‬
‫تقارير سابقة‪ ،‬تعيشها ساكنة األرياف‪ ،‬خاصة ما يرتبط بالخدمات األساسية‪.‬‬
‫ويختم التقرير ه ا الفصل بالت كير بتهديدات التقاط االجتماعي الناتج عن‬
‫استمرار تباين مواكبة الثورة التلنولوجية‪ ،‬وفي ه ا عيد الت كيد على تحديات‬

‫‪166‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفساد وتداعياته االجتماعية (تراجع الرابط االجتماعي)‪ ،‬وتداعيات غياب‬


‫الشفافية واملحاسبة‪ ،‬ودورها في تعميق عدم الثقة في املؤسسات الرسمية‪ ،‬وك ا‬
‫الوضعية املقلقة ألداء مؤسسات الوساطة‪ ،‬مما يدفع املواطنين إلى اعتماد‬
‫أشكال جديدة للحراك االجتماعي خارج الوسائط التقليدية املعهودة‪.‬‬
‫أما الفصل الرا ع من املقترح‪ ،‬فيخوض غمار الحديث عن ستة مواطن ضعف‬
‫كبرى ترهن تحقيق الطموح التنموي املنشود‪ ،‬وذلي من خالل عروض مفصلة‪.‬‬
‫في ‪ 14‬صفحة تقريبا‪ ،‬يتوقف خاللها التقرير مع كل من غياب الشروط والوسائل‬
‫التي تؤهل املواطنين للمساهمة في التنمية‪ ،‬وفي ه ا يرجع التقرير إلى غياب ت هيل‬
‫املواطن نظرا لضعف منظومة التربية والتكوين‪ ،‬وتراجع املنظومة الصحية‬
‫الضامنة الستمرار العطاء‪ ،‬واستمرار ا قصاء االجتماعي في مخرجات سياسات‬
‫ا سكان والتعمير‪ ،‬واستمرار التفاوت في خدمات النقل العموم ‪ ،‬وضعف‬
‫منظومة العدالة التي أصبح دون تطلعات املواطنين‪.‬‬
‫وفي الفقرة الثانية من ه ا الفصل‪ ،‬يتوقف التقرير مع ما عتبره "استمرار النساء‬
‫على هامش مسلسل التنمية"‪ ،‬ال ي عزوه‪ ،‬حس نتائج البحث امليدان من‬
‫خالل مشاركة املواطنين‪ ،‬إلى العامل الثقافي‪ ،‬ال ي شكل العامل الرئيس ي وراء‬
‫إقصاء النساء من ميدان الشغل مثال (‪ 34,88%‬من األجوبة)‪ ،‬متبوعا بالعامل‬
‫املتعلق بمدى توفر فر الشغل (‪.1)27,31%‬‬
‫وقد توقف التقرير ك لي عند معاناة العالم القروي‪ ،‬ال ي لم عد ساهم بما‬
‫يلف في تنمية البالد‪ ،‬وال يزال عان من العزلة ونقص التجهيزات‪ ،‬وتبق‬
‫املجاالت الجبلية من أكثر املجاالت هشاشة وتهميشا‪ ،‬وتراجعا من حيث مؤشرات‬
‫التنمية البشرية‪.‬‬
‫و عد الحديث عن املظاهر األر عة لضعف النموذج‪ ،‬ينتقل التقرير للحديث عن‬
‫قضية بنيوية في التصور التنموي‪ ،‬تتعلق باستمرار االمتيازات‪ ،‬التي عتبر‬

‫‪.53‬‬ ‫‪ - 1‬انظر التقرير‪،‬‬


‫‪167‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫التقرير أنها أصبح "نظاما" متكامال عمق ا قصاء ويتسب في بطء النمو‪،‬‬
‫ويعزز املجلس رأيه ه ا ب جوبة املواطنين‪ ،‬التي تؤكد في ‪ %50‬منها أنه ثمة اتفاقات‬
‫في ما بين الفاعلين االقتصاديين‪ ،‬تكون على حساب مصلحة املواطن‪ ،‬كما اعتبر‬
‫‪ 42%‬منهم أن مبدأ املنافسة غير متحقق بالقدر الكافي‪.1‬‬
‫املواطن األر عة‪ ،‬عرج التقرير على األوضاع املقلقة للمقاولة‬
‫ِ‬ ‫و عد استعراض‬
‫املغربية ومحدودية مساهمتها في املشروع التنموي‪ ،‬ويرجع ذلي إلى شروط‬
‫موضوعية؛ من قبيل ضعف ا طار القانون املنظم‪ ،‬وعدم كفاية الدعم‬
‫والتوجيه وتعقد املساطر‪ ،‬كل ه ه العوائق تحول دون تحقيق نسيج مقاوالت‬
‫قادر على استثمار الفر واملساهمة شكل فعال في تنمية البالد‪.‬‬
‫وفي الختام‪ ،‬يتطرق التقرير للركود الواضح ال ي تعرفه السياسات العمومية‪،‬‬
‫التي تبق في عمومها غير واضحة بما يلف ‪ ،‬وتتميز بالبطء وانعدام النجاعة‪ ،‬كما‬
‫يتوقف في ه ا الصدد عند التفلي ال ي عتري االستراتيجيات القطاعية فيما‬
‫بينها‪ ،‬مما يفوت فرصة إحداث جيد للثروة وفر الشغل‪.‬‬
‫ينتقل التقرير في فصله الخامس للحديث عن "الخيارات اللبرى اللفيلة بإعادة‬
‫بناء الثقة وجعل املغرب بلدا متضامنا ومزدهرا لفائدة جميع مواطنيه"‪ ،‬يراها‬
‫التقرير مملنة‪ ،‬وينبغي أن تعلس الطا ع املرك لطموحنا الجماعي وهي‪:‬‬
‫‪ ‬خيار االستثمار في التربية والتكوين‪ :‬وهو خيار استعجالي‪ ،‬في رأي املجلس‪،‬‬
‫حداث تحول عميق‪ ،‬ولتلريس وتعزيز وتوسيع مسؤولية الفاعلين وتقوية‬
‫قدراتهم وتحفيزهم‪ ،‬ويقترح املجلس ل لي ‪ 7‬أهداف استراتيجية‪ ،‬لكل منها‬
‫إجراءات عملية‪:‬‬
‫‪ ‬تلريس وتعزيز وتوسيع مسؤولية الفاعلين وتقوية قدراتهم وتحفيزهم‬
‫عبر إجراءات محددة وهي؛ استقاللية املؤسسات من األكاديمية إلى‬
‫املؤسسة مع تعزيز املراقبة واملحاسبة واالفتحا ‪ ،‬وإشراك كل‬

‫‪.56‬‬ ‫‪ - 1‬نفسه‪،‬‬
‫‪168‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفاعلين في حكامة وتقييم النظام التعليمي‪ ،‬وإحداث مسالي‬


‫إشهادية في مجال "تدبير املؤسسات املدرسية"‪ ،‬واالرتقاء بمهنة‬
‫املدرس مع تعزيز وتوسيع مسؤوليته؛‬
‫‪ ‬تغيير نظام التكوين األساس ي واملستمر للفاعلين في املنظومة عبر‬
‫الرفع من جودة التكوين األساس ي واملستمر‪ ،‬وتوسيع اعتماد‬
‫التلنولوجيات الرقمية؛‬
‫‪ ‬تعميم استعمال التلنولوجيا الرقمية من خالل بلورة وإرساء‬
‫منظومة رقمية مناسبة‪ ،‬واستثمار التلنولوجيات الرقمية ملصلحة‬
‫املتعلمين ذوي االحتياجات الخاصة؛‬
‫‪ ‬إرساء نظام للقيادة ملصلحة املتعلمين قائم على اكتساب اللفايات‬
‫وتحقيق األهداف عبر وضع إطار مرجعي ستجي للحاجيات‬
‫(بالعودة إلى التقييمات السابقة)‪ ،‬ووضع آلية موجهة للدعم‬
‫املدرس ي‪ ،‬وتوسيع صالحيات الهيئة الوطنية لتقييم املنظومة لتشمل‬
‫تتبع تنفي إصالح املنظومة‪ ،‬وفتح مسالي للتميز بالقطاع العموم ‪،‬‬
‫وتوفير تعليم مالئم ملصلحة ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬وتوسيع‬
‫الجسور بين التعليم والتكوين املنهي‪ ،‬ومراجعة ضريبة التكوين املنهي‪1‬؛‬
‫‪ ‬خفض معدل األمية إلى أقل من ‪ %05‬في غضون ‪ 10‬سنوات من خالل‬
‫تعزيز وسائل تدخل الوكالة الوطنية ملحاربة األمية‪ ،‬ومضاعفة‬
‫إحداث مدارس الفرصة الثانية‪ ،‬واستثمار ا عالم ودعم جهود‬
‫مؤسسات املجتمع املدن ‪.‬‬

‫‪ - 1‬تهم ‪ %1,6‬من كتلة األجور دون تحديد سقف‪ ،‬املوجهة حاليا نحو التكوين األساس ي‪ ،‬إلى‬
‫ضريبة تؤول عائداتها إلى حساب فردي لألجير لدعم تكوينه طوال مساره املنهي‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬خيار تجديد الخدمات العمومية باستثمار فر التحول الرقمي لتحقيق‬


‫خمسة أهداف استراتيجية‪ ،‬يجعل التقرير لكل منها إجراءات عملية ك لي‬
‫وهي‪:1‬‬
‫‪ ‬توفير عرض صحي يضمن العدالة السوسيومجالية من خالل‬
‫تحسين حكامة منظومة الصحة‪ ،‬وضمان تغطية صحية شاملة‬
‫لجميع املواطنين‪ ،‬وتوفير عرض صحي عموم جيد وتطوير‬
‫الشراكة بين القطاعين العام والخا ‪ ،‬والنهوض باملوارد البشرية‬
‫كما وكيفا؛‬
‫‪ ‬إصالح منظومة القضاء لصون حقوق املتقاضين عبر تيسير ولوج‬
‫جميع املواطنين للقضاء‪ ،‬وتقليص آجال الب في القضايا وتوسيع‬
‫تنفي األحكام‪ ،‬وضمان ا عمال الفعلي للحقوق وإرساء األمن‬
‫القضائ ‪ ،‬وإصالح العدالة الجبائية وقضاء األسرة؛‬
‫‪ ‬إصالح قطاع النقل بالعمل على تحقيق تسعة إجراءات فصلها‬
‫التقرير شكل دقيق‪2‬؛‬
‫‪ ‬ضمان الحق في السلن والعيش اللريم بتحقيق سبعة إجراءات‪،‬‬
‫على رأسها تقييم اآلثار االجتماعية واالقتصادية للتدابير التحفيزية‬
‫املمنوحة للمنعشين العقاريين في إطار السلن االجتماعي‪3‬؛‬
‫‪ ‬تحسين الولوج للثقافة والرياضة وجعلها أولوية‪ ،‬وفي ه ا يقترح‬
‫التقرير خمسة إجراءات‪ ،‬يتقدمها العمل على استرجاع الثقافة‬
‫ملوقعها الريادي في املنظومة التربوية‪.4‬‬

‫‪.76-70‬‬ ‫‪ - 1‬انظر التقرير‪،‬‬


‫‪ - 2‬انظر ‪ 73‬من التقرير‪.‬‬
‫‪ - 3‬التفاصيل في ‪.74‬‬
‫‪ - 4‬نفسه‪.75 ،‬‬
‫‪170‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬خيار توفير بيئة خالية من الفساد والريع واالمتيازات غير املنتجة‪ ،‬عبر‬
‫تحقيق هدفين رئيسيين؛ تشديد العقوبات ضد الفساد ومحاصرة تنام‬
‫اقتصاد الريع‪ ،‬وإرساء نظام جبائ عادل‪ ،‬ينبثق عن كل منهما جملة من‬
‫ا جراءات العملية‪ ،‬حدد عددها التقرير في أر عة إجراءات بالنسبة للهدف‬
‫األول‪ ،1‬وثالثة إجراءات بالنسبة للهدف الثان ‪.‬‬
‫‪ ‬خيار املراجعة الهيكلية لالقتصاد الوط ي‪ ،‬وال ي تضمن تفاصيل إجرائية‬
‫عدة (حوالي ‪ 40‬إجراء) استحوذت على ما يزيد عن ‪ 14‬صفحة من التقرير‪،2‬‬
‫وقد فصل التقرير في العديد من القضايا املرتبطة باالقتصاد منها نموذج‬
‫النمو‪ ،‬وإحداث الرجة املبادراتية‪ ،‬وت هيل السياسات القطاعية‪ ،‬وتحقيق‬
‫االبتكار‪ ،‬وتحسين مناخ األعمال‪ ،‬وإدماج القطاع غير املنظم‪ ،‬واستثمار‬
‫املوقع الجغرافي للمغرب حراز اندماج إقليمي منتج‪.‬‬
‫‪ ‬خيار مراجعة وضعية املرأة على املستويات االقتصادية واالجتماعية‬
‫والثقافية واملجتمعية‪.‬‬
‫‪ -2-2‬آراء واقتراحات األحزاب السياسية‪ :‬إجماع معلن واعتراضات‬
‫مستبطنة‪.‬‬
‫رغم موقف عض أفرادها السلبي من األحزاب السياسية‪ ،3‬فإن ه ه األخيرة‬
‫بادرت‪ ،‬سواء بإرادتها الخاصة‪ ،‬أو عالن حسن نيتها ومواقفها ا يجابية من‬
‫اللجنة املللية للنموذج‪ ،‬باقتراحات رأتها ضرورية لصياغة نموذج تنموي إجرائ‬
‫ستجي لطموحات املواطنين املغاربة‪.‬‬
‫للن تلتنف مواقف األحزاب السياسية إزاء النموذج التنموي استفهامات عدة‪،‬‬
‫لكون جلها يتمسي بموقف مساندة السلطة (الخطابات املللية) لضمان‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.77 ،‬‬
‫‪ - 2‬من الصفحة ‪ 79‬إلى الصفحة ‪.92‬‬
‫‪ - 3‬اعتبر عض أعضاء اللجنة في عض تصريحاتهم أن ممارسات األحزاب السياسية من‬
‫العوائق األساسية للتنمية في املغرب‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫معارضة باقي املؤسسات األخرى‪ ،‬وهو ما يت كد في مواقف العديد من األحزاب‬


‫وعلى رأسها أحزاب األغلبية‪ ،‬التي بادرت دون تردد إلى ا شادة باملبادرة املللية إلى‬
‫مراجعة النموذج التنموي‪ ،‬في حين التزم مواقف تناقض ه ه ا شادة‪ ،‬ومنها‬
‫االعتراض على مقترح رئيس الحكومة سعد الدين العثمان لتقديم مقترح موحد‬
‫حول النموذج التنموي نهاية يناير ‪ .2019‬وقد كان أحزاب األغلبية قد شارك‬
‫أحزاب الحكومة‪ ،‬في وق سابق (‪ 20/19‬أكتوبر ‪ ،)2018‬جنبا إلى جن في امللتق‬
‫الدولي الثان حول إعادة النظر في النموذج التنموي ملواكبة التطورات التي‬
‫شهدها املغرب‪.‬‬
‫يملن تقسيم اقتراحات األحزاب إلى صنفين‪ ،‬أحزاب اعتبرت اقتراحها بمثابة رؤية‬
‫سياسية لنموذج تنموي إجرائ ‪ ،‬فركزت على عرض تصورها السياس ي لتجاوز‬
‫عجز النموذج السابق‪ ،‬منها حزب االتحاد االشتراك والتقدم واالشتراكية‪.‬‬
‫وأحزاب أخرى جعل من م كراتها مقترحات تفصيلية لتحقيق التحول واالنتقال‬
‫في القطاعات الحيوية للنموذج التنموي‪ ،‬منها العدالة والتنمية وحزب االستقالل‬
‫والتجمع الوط ي لألحرار‪.‬‬
‫‪ ‬العدالة والتنمية يتشبث باألصالة واإلنصاف واالستدامة‪.1‬‬
‫جاء مقترح الحزب في شكل م كرة تح مسؤولية األمانة العامة‪ ،‬موقعة باسم‬
‫األمين العام سعد الدين العثمان ‪ ،‬موسومة "من أجل نموذج تنموي أصيل‬
‫ومنصف ومستدام"‪.‬‬
‫وفي ‪ 45‬صفحة‪ ،‬دافع األمانة العامة للحزب عن ثالثيتها امل كورة‪ ،‬وقد تركب‬
‫امل كرة من ثالثة محاور أساسية‪ :‬حصيلة املنجز التنموي و روف تجديده‪،‬‬
‫ومرتلزات مؤطرة للنموذج التنموي‪ ،‬ثم اختيارات موجهة للنموذج التنموي‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪ :‬حزب العدالة والتنمية‪ ،‬األمانة العامة‪" ،‬من أجل نموذج تنموي أصيل ومنصف‬
‫ومستدام"‪ ،‬م كرة خاصة‪. 46 ،‬‬
‫‪172‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫عد مقدمة واضحة‪ ،‬تتحدث فيها األمانة العامة عن أهمية مبادرة امللي إلى‬
‫تجديد النموذج‪ ،‬والتي وضع ‪ ،‬حس م كرة الحزب‪ ،‬كافة القوى الحية أمام‬
‫مسؤولياتها املرتبطة بإطالق دورة إصالحية وتنموية جديدة‪ ،‬تؤكد امل كرة أن‬
‫مبادرة الحزب تجسد استجابة عملية وحرصا أكيدا على االنخراط القوي ألطر‬
‫الحزب في املبادرة املللية‪.‬‬
‫وشددت امل كرة في املحور األول على اختيار املغرب منهج سياسة األوراش‬
‫اللبرى‪ ،‬وذكرت بما اعتبرته ملتسبات ومنجزات معتبرة حددتها في ثالثة‪ :1‬تقليص‬
‫معدالت الفقر‪ ،‬والتقدم امللموس في ولوج الخدمات األساسية‪ ،‬وارتفاع‬
‫االستثمار العموم ‪ .‬بينما في الشق املتعلق باختالالت وعوائق مركبة‪ ،‬فقد‬
‫اعتبرتها امل كرة مرتبطة بمقاربات تدبيرية للسياسات العمومية‪ ،‬وأغلبها ذو طا ع‬
‫تق ي‪ ،‬من قبيل غياب الرؤية االستراتيجية املندمجة‪ ،‬أو غياب منظومة حديثة‬
‫ومندمجة للتتبع والتقييم‪.‬‬
‫واعتبرت امل كرة أن العوائق تجل في مؤشرات عدة‪ ،‬تدل على محدودية النموذج‬
‫التنموي‪ ،‬وعلى رأسها ت خر مؤشرات التنمية البشرية‪ .‬وفي خضم ه ه املؤشرات‬
‫التقنية‪ ،‬أدرج امل كرة مؤشرا هيكليا‪ ،‬تمثل في التركز الفئوي والجغرافي القوي‬
‫للثروة‪ ،‬م كرة بجمود مؤشر جي ي لقياس عدالة الدخل ال ي انخفض شكل‬
‫طفيف من ‪ 0,41‬سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 0,39‬سنة ‪.22014‬‬
‫في املحور الثان املرتبط باملرتلزات املؤطرة للنموذج‪ ،‬و عد طرح مفهومها الخا‬
‫للنموذج التنموي‪ ،‬اقترح امل كرة خمسة مرتلزات اعتبرتها مداخل مؤطرة‪،‬‬
‫وكفيلة لصناعة نموذج ينتج الثروة ويستجي لحاجيات املجتمع ويحقق العدالة‬
‫االجتماعية واملجالية والقطاعية وهي تثمين الوطن وتعزيز االنتماء إليه‪،‬‬

‫‪.10-9‬‬ ‫‪ - 1‬امل كرة‪،‬‬


‫‪.12‬‬ ‫‪ - 2‬امل كرة‪،‬‬
‫‪173‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وتحصين املجتمع وتمنيع الدولة‪ ،‬وتوطين املغرب في مصاف الدول الصاعدة‪،‬‬


‫وتكوين ا مكان ا نسان وت هيله‪ ،‬وتملين املواطن سياسيا وحقوقيا وميدانيا‪.1‬‬
‫أما املحور الثالث‪ ،‬وال ي يتضمن أهم مقترحات امل كرة‪ ،‬فقد تناول االختيارات‬
‫املوجهة للنموذج‪ ،‬محددا إياها في ستة اختيارات موزعة بين مجاالت القيم‬
‫والهوية واالختيارات التنموية القطاعية وبناء الثروة البشرية‪ ،‬بحيث اعتمدت‬
‫امل كرة صيغة تفصيلية للمرتلزات يتم فيها إدراج املقترحات التفصيلية داخل‬
‫كل مرتلز من املرتلزات الستة‪.‬‬
‫وباستثناء االختيار األول املتعلق بتحفيز القيم املغربية وتمللها وتنزيلها‪ ،‬تضمن‬
‫االختيار الثان ؛ تحسين املناخ السياس ي للمغرب وتعزيز حضوره الدولي ثالثة‬
‫مقترحات وهي ترسيخ الخيار الديمقراط ‪ ،‬وتسريع ورش الجهوية كرافعة‬
‫لتحديث هياكل الدولة وتحسين الحكامة الترابية‪ ،‬وتعزيز ا شعاع الدولي‪.‬‬
‫وأدرج امل كرة ك لي ثالثة عناصر تفصيلية في االختيار الثالث‪ :‬تطوير‬
‫الحكامة لتسريع ا صالح ورفع قدرات ا نجاز وهي؛ استلمال ت هيل الترسانة‬
‫القانونية وتفعيلها‪ ،‬وتطوير نجاعة والتقائية السياسات العمومية‪ ،‬وإصالح‬
‫ا دارة وتعزيز دور املجتمع املدن ‪ .‬أما االختيار الرا ع؛ توطيد االنتقال إلى مصادر‬
‫جديدة للنمو وتعزيز تنافسية االقتصاد الوط ي‪ ،‬فقد است ثر ب غل املقترحات‪،‬‬
‫وصل ثمانية مقترحات‪ ،‬منها توجيه التحفيزات العمومية لخدمة االقتصاد‬
‫املنتج‪ ،‬وتحرير الطاقات الكامنة ومحاربة الريع‪ ،‬ودعم التحول الهيللي للنسيج‬
‫االقتصادي عبر النهوض بالقطاع الصناعي‪ ،‬وتعزيز إنتاجية وتنافسية االقتصاد‬
‫الوط ي‪ ،‬وتطوير االقتصاد الرقمي والتجارة ا للترونية‪ ،‬ودعم ا بداع واالبتكار‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬وتعزيز االنتقال نحو االقتصاد األخضر‪ ،‬وأخيرا تطوير‬
‫االقتصاد األزرق‪.‬‬

‫‪.30-26‬‬ ‫‪ - 1‬نفسها‪،‬‬
‫‪174‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫أما بخصو التنمية البشرية‪ ،‬فاعتمدت امل كرة مفهوم "الثروة البشرية"‪،‬‬
‫وجاء املدخل الخامس تح عنوان‪ :‬تثمين الثروة البشرية لالستجابة لتحديات‬
‫التنمية‪ ،‬متضمنا ثالثة عناصر تستهدف الصحة والتعليم والثقافة والرياضة‪،‬‬
‫وهي تفعيل إصالح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬وتحسين وتعميم‬
‫الخدمات الصحية‪ ،‬وتحسين الولوج للثقافة والرياضة‪.‬‬
‫وعلى خالف املدخالت التقنية السابقة‪ ،‬جاء املدخل السادس واألخير هيكليا‬
‫يروم لف االنتباه إلى ضرورة تعزيز العدالة االجتماعية واملجالية والقطاعية‪،‬‬
‫مركزا على أر عة مقترحات شمل قضايا اجتماعية معروفة وهي الحد من‬
‫الفوارق (الحد من الفقر والهشاشة)‪ ،‬ومساواة فر الشغل‪ ،‬وحكامة سياسة‬
‫إعداد التراب‪ ،‬وتوفير السلن للطبقات الفقيرة واملتوسطة‪.‬‬
‫‪ ‬استمرارحزب االستقالل في الدفاع عن النموذج التعادلي‪.‬‬
‫تح عنوان "النموذج التعادلي للتنمية البشرية املستدامة"‪ ،‬اقترح لجنة‬
‫نموذج التنمية لحزب االستقالل املشروع في ‪ 48‬صفحة‪ ،‬وهي اللجنة التي ترأسها‬
‫كريم غالب‪ ،‬وساعده في تجميع توصياتها ثالثة مقررين وهم‪ :‬عبد اللطيف معزوز‬
‫ونعيمة بن يحيى وخالد الزرهون ‪ ،‬وضم با ضافة إلى األعضاء األر عة‬
‫امل كورين ‪ 16‬عضوا من أطر الحزب‪ ،‬واستمع اللجنة وتوصل بمداخالت‬
‫ستة أعضاء آخرين‪.1‬‬
‫با ضافة إلى مقدمة وخاتمة‪ ،‬يت لف املشروع من ستة محاور وهي‪ :‬اعتماد حكامة‬
‫ناجعة مع الحر على تقوية الديمقراطية‪ ،‬وجعل التشغيل في صل السياسات‬
‫العمومية والقرارات االقتصادية‪ ،‬وتحسين الجاذبية والتنافسية االقتصادية‪،‬‬
‫وتنمية الطبقة الوسط ومحاربة الفقر‪ ،‬واالنخراط ا رادي في الثورات‬
‫التلنولوجية‪ ،‬وت هيل املقومات األساسية للتنمية البشرية‪ :‬التربية والصحة‬
‫واملساواة بين الجنسين وحماية البيئة‪.‬‬

‫‪ - 1‬يتعلق األمر بكل من‪ :‬عالل عمراوي ونجي ميكو ومنصف كتان ومحمد شلي الريف‬
‫ووحيد شوقي ومحمد كمال عرشان‪.‬‬
‫‪175‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قبل عرض املقترحات‪ ،‬تقدم اللجنة بتعريف املفاهيم األساسية التي تؤطر‬
‫املشروع وهي "نموذج التنمية" و"التنمية البشرية" و"التنمية املستدامة"‪ ،‬وفي‬
‫نهاية عرض املفاهيم‪ ،‬تبن اللجنة مفهوم "التنمية البشرية املستدامة"‪ ،‬ودع‬
‫إلى تج يره في إعادة تصور النموذج الوط ي للتنمية‪ .1‬لتنتقل عد ذلي إلى تحديد‬
‫الرؤية التي تدعو إليها اللجنة‪ :‬جعل املغرب بلدا مستقرا‪ ،‬متج را في قارته‬
‫ا فريقية‪ ،‬ومتشبثا بإسالم الوسطية واالعتدال‪ .‬بلد القانون والحريات‬
‫والديمقراطية والعيش اللريم‪ ،‬مغرب حريص على حماية البيئة‪ ،‬منفتح ومتصل‬
‫بمحيطه الجهوي والدولي‪ :‬مغرب آمن‪ ،‬يطي فيه العيش وج اب لالستثمارات‪.2‬‬
‫في املحور األول‪ ،‬أوص اللجنة عشرة مقترحات مركزة وهي‪ :‬مواصلة بناء دولة‬
‫الحق والقانون وتقوية املؤسسات الديمقراطية‪ ،‬وتسريع وتيرة العمل العموم‬
‫وتطبيق ا صالحات‪ ،‬وتطوير القدرات االستباقية لصناع القرار‪ ،‬وم سسة‬
‫تطبيق مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة وتحسين فعاليته‪ ،‬وتعزيز تقييم‬
‫السياسات العمومية وتحديد الفاعلين وتوضيح اختصاصاتهم‪ ،‬وتطوير قدرات‬
‫الدولة في ضمان الشفافية وا نصاف واملنافسة داخل األسواق الوطنية‪،‬‬
‫وا سراع في تطبيق الجهوية املتقدمة‪ ،‬وتحسين الحكامة الجماعية‪ ،‬وت هيل‬
‫وتحسين القدرات املؤسساتية لإلدارة العمومية والقطاع العام‪ ،‬وإحداث قطيعة‬
‫في الخدمات ا دارية املقدمة للمواطن واملقاولة‪.‬‬
‫في املحور الثان املتعلق بالتشغيل‪ ،‬وال ي اعتبرته اللجنة العامل الرئيس ي‬
‫والحاسم في السياسات والقرارات االقتصادية‪ ،‬واملعيار الرئيس ي ملبدأ ربط‬
‫املسؤولية باملحاسبة بالنسبة للمسؤولين العموميين‪ ،‬انطلق اللجنة من‬
‫أطروحة ربط خلق مناص الشغل بنسبة النمو‪ ،‬للن من وجهة نظر وموقف‬

‫‪ - 1‬حزب االستقالل‪ ،‬لجنة النموذج التنموي‪" ،‬النموذج التعادلي للتنمية البشرية‬


‫املستدامة"‪.5 ،‬‬
‫‪ - 2‬مقترح الحزب‪.8 ،‬‬
‫‪176‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫خاصين‪ ،‬تعط فيه اللجنة مثاال بكونها تفضل تحقيق نمو اقتصادي بنسبة ‪%3‬‬
‫يملن من إحداث ‪ 150.000‬منص شغل‪ ،‬عوض نمو بنسبة ‪ %5‬يخلق ‪60.000‬‬
‫منص شغل فقط‪ .1‬وترى أن تحقيق طموح الرفع من مناص الشغل يتطل ‪:‬‬
‫جعل إحداث مناص الشغل الهدف األول من السياسات العمومية والقرارات‬
‫االقتصادية‪ ،‬وإعادة تقييم القدرات الحقيقية لخلق مناص الشغل‬
‫لالستراتيجيات القطاعية الحالية‪ ،‬والحفاظ على رصيد الشغل وتنميته في‬
‫القطاعات االقتصادية التاريخية باملغرب (النسيج‪ ،‬الصناعة الغ ائية‪ ،‬البناء‪،‬‬
‫الصناعة الليميائية‪ ،‬الصناعة التقليدية)‪ ،‬وتشجيع املقاوالت الصغرى‬
‫واملتوسطة والناشئة على إحداث الشغل والتشغيل ال ات ‪ ،‬واعتماد مقاربة‬
‫ميدانية تصاعدية وبراغماتية ملساعدة الشباب دون مؤهالت على إيجاد شغل‪،‬‬
‫وإطالق عملية تعبئة وطنية للشباب العاطل وتشغيله في إطار خدمة مدنية من‬
‫نوع جديد‪ ،‬ومالءمة سياسة الهجرة لبلدنا مع آفاق تطور حاجيات سوق الشغل‬
‫في املغرب وفي بلدان االستقبال‪.‬‬
‫في املحور املتعلق باالقتصاد‪ ،‬عمل اللجنة على تقديم توصيات عدة (سبع‬
‫توصيات)‪ ،2‬هدفها إنعاش نمو اقتصادي شامل ومستدام‪ ،‬وتحسين أداء‬
‫االقتصاد الوط ي وجودة حياة املواطنين‪ .‬مع عرض توصيات أخرى تهم تجويد‬
‫وتحسين مناخ األعمال‪ ،‬وأخرى تستهدف تنويع االختيارات املتعلقة باألسواق‬
‫املستهدفة من طرف االقتصاد الوط ي‪.‬‬
‫في املحور الرا ع‪ ،‬ركزت اللجنة على قضية الطبقة الوسط ‪ ،‬التي تعد في نظرها‪،‬‬
‫إحدى نقط الضعف اللبرى للنموذج الحالي‪ ،‬ل لي تعتبر اللجنة توصياتها في ه ا‬
‫املحور استعجالية لتعزيز مقومات مجتمع متوازن ومتضامن وهي‪ :3‬تحديد‬
‫وتعريف وط ي لعتبة الفقر واالنتماء للطبقة الوسط وتبنيه من طرف املهتمين‪،‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.18 ،‬‬
‫‪ - 2‬املشروع املقترح‪.23 ،‬‬
‫‪.31-29‬‬ ‫‪ - 3‬نفسه‪،‬‬
‫‪177‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وإحداث منظومة معلوماتية لتحديد املواطنين واألسر املستحقة لالستهداف‬


‫االجتماعي للدولة‪ ،‬وجعل االرتقاء بالطبقة الوسط أولوية وطنية‪ ،‬وتقييم‬
‫التدخالت السابقة شكل عميق‪ ،‬وتنويع املصاعد االجتماعية لتحسين درجة‬
‫االندماج االجتماعي‪ ،‬والتركيز على الصناعة التقليدية املحلية لتنمية االنشطة‬
‫املدرة للدخل في الجماعات والجهات‪ ،‬وتدارك الت خر الحاصل في تطبيق مشاريع‬
‫الدعامة الثانية ملخطط املغرب االخضر‪ ،‬والنهوض باالقتصاد االجتماعي‬
‫والتضام ي خاصة في قطاعات الصناعة التقليدية واملنتوجات الفالحية محليا‪،‬‬
‫ووضع مخطط وط ي لتنمية الجمعيات والتعاونيات التنموية‪ ،‬وتفعيل آلية‬
‫وطنية دماج األشخا ذوي االحتياجات الخاصة‪ ،‬وإعداد خطة وطنية للعناية‬
‫باألشخا املسنين واملتقاعدين‪.‬‬
‫أما املحور الخامس‪ ،‬فقد جعل منه اللجنة مقترحا الغتنام فرصة جديدة‪ ،‬يج‬
‫التحلي بالقدرة على استباقها‪ ،‬واالستعداد لها الغتنامها على أحسن وجه‪ ،‬معتبرة‬
‫أن البحث والتنمية واالبتكار التلنولوجي ينبغي أال يبق حلرا على الدول التي‬
‫تفوقنا في املجال التلنولوجي‪ .1‬وفي ه ا الصدد تقترح العمل بالتوصيات التالية‪:‬‬
‫إعداد وتطبيق استراتيجية وطنية لتموقع تفاعلي للمغرب تجاه التحوالت‬
‫التلنولوجية‪ ،‬ومضاعفة املجهود الوط ي (ثالث مرات) في مجال البحث والتنمية‬
‫ليصل إلى ‪ %2,5‬من الناتج الداخلي الخام‪ ،‬وتوفير كفاءات من املستوى العالي في‬
‫مجال البحث التلنولوجي في امليادين املختارة‪ ،‬وجعل رقمنة ا دارة "مختبرا‬
‫وطنيا" للبحث ووسيلة للتنمية التلنولوجية‪.‬‬
‫واملحور األخير‪ ،‬خصصته اللجنة للحديث عن مقترحات في القضايا االجتماعية‬
‫الثالث‪ :‬التربية والصحة واملساواة بين الجنسين‪ ،‬با ضافة إلى فقرة خاصة‬
‫بحماية البيئة‪ .‬وقد جاءت املقترحات في العناصر األر عة امل كورة لتحقيق‬
‫التعادلية االقتصادية واالجتماعية؛ لكون التربية والصحة‪ ،‬في نظر اللجنة‪،‬‬

‫‪.34‬‬ ‫‪ - 1‬املشروع‪،‬‬
‫‪178‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تؤثران على مستوى التعادلية بين الفئات االجتماعية‪ ،‬ومس لة النوع تندرج ضمن‬
‫التعادلية بين الجنسين‪ ،‬وحماية البيئة تستجي ملنطق التعادلية بين األجيال‪.1‬‬
‫‪ ‬التجمع الوطني لألحرار‪" :‬مسارالثقة" بلغة فائقة الثقة‪.‬‬
‫اختار الحزب شعار الثقة أساسا ملساهمته في النموذج‪ ،‬وتح عنوان "مسار‬
‫الثقة‪ ،‬مساهمة في بناء نموذج تنموي جديد"‪ ،‬أعرب عن وجهة نظره في وثيقة‬
‫يفوق عددها ‪ 170‬صفحة‪ ،‬وب لي تكون ه ه الوثيقة األكبر على مستوى الحجم‬
‫وعدد الصفحات‪ .‬إال أن ورقة الحزب لم تلن معبرة عن وجهة نظر موحدة للحزب‬
‫في قضايا ومواقف تنموية محددة‪ ،‬وللن كان تجميعا لعدد من مساهمات‬
‫أعضاء امللت السياس ي‪ ،‬تناول قضايا متنوعة تخص التنمية في بالدنا‪.‬‬
‫وعلس املساهمات الحزبية األخرى‪ ،‬اختار الحزب توجيه رسالة سيميائية‬
‫ملساهمته؛ هي عبارة عن لوحة غط صدر الورقة وأثارت دفتها األولى‪ ،‬وهي من‬
‫إعداد الفنان التشليلي "عبد اللبير ربيع"‪ ،‬ال ي نال ثناء الحزب في مقدمة‬
‫الورقة‪ ،‬معبرا عن شلره له‪ ،‬ألنه عبر فنيا عما يخالج أطر الحزب من خالل‬
‫لوحته‪ ،‬كما جاء في املقترح‪ ،‬للن بقي اللوحة مفتوحة على كل القراءات‪.‬‬
‫عد التقديم‪ ،‬ال ي جاء باسم رئيس الحزب "عزيز أخنوش"‪ ،‬توال مساهمات‬
‫وأوراق امللت السياس ي‪.‬‬
‫بكامل الثقة تناول التقديم مطلعا هجوميا للت كير ب ن أولى مهام رجل السياسة‬
‫هي إنتاج األفكار‪ ،‬التي يج أن تكون من رحم "قيم" األسرة السياسية‪ ،‬معتبرا أن‬
‫مفهوم "القيم" معبر عن الجمع علس "ا ديولوجيا أو املرجعية امل هبية" التي‬
‫من ش نها أن تفرق‪ ،‬كما يقول رئيس الحزب‪.2‬‬
‫وم كرا بمركزية املؤسسة املللية وافتخاره بقيادتها للنموذج التنموي املغر ‪،‬‬
‫عرج التقديم على إعالنه املض ي قدما للمساهمة في بناء املغرب‪ .‬لينتقل إلى انتقاد‬
‫خطاب العزوف السياس ي للمغاربة ومسؤولية األحزاب السياسية في ذلي‪ ،‬معبرا‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.37 ،‬‬
‫‪ - 2‬انظر الوثيقة‪.10 ،‬‬
‫‪179‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عن نهوض الحزب ملواجهة ه ا الخطاب ألن ذلي من صميم مرجعيته‪ ،‬باملقابل‬
‫يتب ى التقديم ما سماه "لغة الحقيقة"‪ ،‬التي تعبر عن الوقائع كما هي لتجاوزها‪،‬‬
‫ه ه الحقيقة التي تؤكد جمود عض السياسات السابقة‪ ،‬وقصور استثمارات‬
‫القطاع الخا ‪ ،‬وضعف إصالح املرفق العموم والقطاعات االجتماعية‬
‫(الصحة والتعليم)‪ ،‬ورغبة املغاربة في العيش اللريم‪.‬‬
‫وفي شبه رد على خصوم مفترضين‪ ،‬لم يخل التقديم من حديث ال ات واألنا‪،‬‬
‫حيث بادر رئيس الحزب في تقديمه ه ا إلى الت كير بما يقول "رسخ في ال اكرة"‬
‫عن كونه عاش دائم ا حساس بإرادة قوية ورغبة أكيدة ليكون فاعال في التطور‬
‫ال ي تعرفه البالد‪ ،‬ويضيف رئيس الحزب أن التزامه السياس ي لم يلن وليد‬
‫األمس‪ ،‬بل كان بدايته من انتخابات ‪ 2003‬كمرشح بمسقط رأسه "أكرض‬
‫أوضاض"‪.‬‬
‫و عد ذلي شدد التقديم على استعداد الحزب لإلنصات إلى املغاربة‪ ،‬خاصة فئاته‬
‫الحية والفاعلين والشباب‪ ،‬معربا ب ن رؤية الحزب تعتبر العدالة االجتماعية‪:‬‬
‫"عدالة للكل‪ ،‬ومسؤولية للفرد" قاعدتها قيم املساواة (توفير الفر للجميع)‬
‫واملسؤولية (الحقوق مقابل الواجبات) والتماسي االجتماعي (التملين لكل‬
‫املواطنين)‪.1‬‬
‫ولتبرير الصيغة التي جاء بها مقترح الحزب (أوراق متنوعة باسم أصحابها)‪ ،‬شير‬
‫التقديم‪ ،‬أن الحزب ال يريد جردا ملقترحات ديماغوجية‪ ،‬ألنه لن سقط في مط‬
‫الشمولية ووهم اللمال في رؤيته ا صالحية‪ ،‬ولن يوزع الوعود الكاذبة يمينا‬
‫وشماال من أجل غايات انتخابية‪ ،‬وسيبق دائما في خدمة الوطن واملواطنين كما‬
‫يقول‪ .‬غير أن عض األوراق‪ ،‬من قبيل ورقة "موالي عبد الحفيظ العلمي" كان‬
‫مليئة بالوعود في حل مشكلة التشغيل‪ ،‬مع تفاصيل تخص أعداد مناص‬

‫‪.15‬‬ ‫‪ - 1‬نفسه‪،‬‬
‫‪180‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الشغ املفترض إحداثها في قطاعات معينة‪ ،‬لت كيد شعار الحزب في قضية‬
‫التشغيل؛ وهو مليون منص شغل في أفق ‪.2025‬‬
‫الورقة األولى التي تمثل العرض السياس ي للحزب‪ ،‬تقدم بها عضو امللت‬
‫السياس ي "محمد أوجار" تح عنوان "هناك خلل في املشهد السياس ي‪ ،‬ألن‬
‫املواطنين يالحظون كيف يصفق الشيوعيون للمحافظين"‪ .‬وفي س (‪)06‬‬
‫صفحات دافع أوجار عن التصور السياس ي للحزب منطلقا من سؤالين‪ :‬هل عد‬
‫تحديد القيم في املمارسة السياسية أمرا جوهريا‪ ،‬أم عرضا ثانويا؟ وأي تموقع‬
‫سنختار في ل الغموض ال ي يحيط برقعة سياسية أطيافها غير ثابتة؟‬
‫استهل "أوجار" ورقته باالنتصار ألطروحة تجاوز مفاهيم "اليسار" و"اليمين" التي‬
‫طبع املمارسة السياسية في العالم من سقوط جدار برلين‪ .‬غير أنه يقر‬
‫بالخصوصية املغربية التي يكون فيها املواطن تواقا إلى شهود تمايز سياس ي واضح‪.‬‬
‫ل لي يقول إن التموقع السياس ي عد بمثابة تعاقد مع املواطن‪ ،‬وفي ه ا يحدد‬
‫موقع الحزب باعتباره ذا مسار وسط بديل يدافع عن قيم العدالة االجتماعية‬
‫والتملين للمواطن‪ ،1‬وهو ب لي يقف على أرضية سياسية صلبة غير مسبوقة‬
‫كما يقول‪ ،‬إنها الوسطية التي تؤمن بالثواب ‪ :‬الوحدة الوطنية متعددة الروافد‪،‬‬
‫واملللية الدستورية الديمقراطية البرملانية االجتماعية‪ ،‬واالختيار الديمقراط ‪.‬‬
‫ولم يف "أوجار" الت كير بانتصار الحزب مل ه وسط وفهم خا لإلسالم‪،‬‬
‫ال يحتاج دروسا من أحد على حد قوله‪ ،‬إسالم "الجماعة" املفتخر بإمارة املؤمنين‬
‫وبامل ه املالك ‪ ،‬إسالم احترام ا نسان واالنتصار للمساواة والعدالة‬
‫االجتماعية‪ .‬تلي الوسطية التي جعل للحزب هاجسا واحدا هو املواطن املغر ‪،‬‬
‫متخ ا مسارا متجددا ستمد من الليبرالية أجود ما فيها ومن النموذج االشتراك‬
‫ك لي‪ ،‬ومشددا على أن نضال الحزب هو من أجل مجتمع عادل يت سس على‬

‫‪ - 1‬انظر الصفحة ‪.22‬‬


‫‪181‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫مبدأ املساواة ومبادئ التماسي االجتماعي واحترام حقوق ا نسان وكرامته‪،‬‬


‫مجتمع مب ي على ثالثة مفاتيح‪ :‬املساواة واملسؤولية والتماسي االجتماعي‪.‬‬
‫استلماال لورقة "أوجار"‪ ،‬تقدم عضو امللت السياس ي "محمد بوسعيد"‬
‫بتفصيل املفاتيح الثالثة امل كورة في ورقة زميله بصيغة أقرب إلى املحاضرة‬
‫والدرس الجامعي من االقتراح‪ ،‬وذلي في ورقة عنوان "ال نريد آراء تفرق‪ ،‬بل نريد‬
‫قيما توحد"‪.‬‬
‫استهل "بوسعيد" ورقته بت كيد االرتباط العضوي بين املساواة والعدالة‬
‫االجتماعية في مسار الثقة‪ ،‬مشددا على دور تكافؤ الفر في ضمان ولوج‬
‫خدمات استراتيجية مشتركة‪ .‬لينتقل إلى سط مضمون مفهوم الالمساواة‬
‫باعتباره اغتناما للفر وضرورة محاربة الفقر وا قصاء االجتماعي ال ي يتجلى‬
‫في نوعين في املغرب‪ :‬إقصاء فئات أسفل السلم ومنعهم من االرتقاء االجتماعي‪،‬‬
‫وا قصاء ا رادي ال ي يجعل صاحبه منزويا عيدا عن املجتمع (حالة عض‬
‫امليسورين)‪.‬‬
‫وفي فقرة ثانية متخمة باملفاهيم األكاديمية‪ ،‬تحدث "بوسعيد" عن شروط‬
‫استعادة ثقة املغاربة‪ ،‬وعلى رأسها توفير جودة الخدمات واملرافق العمومية‬
‫(التعليم والصحة)‪ ،‬وفي ه ا عود ليعرض وجهة نظر الحزب في مفهوم املساواة‬
‫ال ي ال ينبغي أن يكون طوباويا‪ ،‬باملقابل يريد الحزب مساواة عادلة تضمن تكافؤ‬
‫الفر ومحاربة الفوارق غير العادلة وغير املبررة‪.‬‬
‫وبخصو مبدأ املسؤولية‪ ،‬يقول "بوسعيد" إن القيم ِ‬
‫املؤسسة ملجتمع عادل ال‬
‫يملن أن تصير واقعا إال عندما يتصرف املواطنون فرديا بطريقة مسؤولة‪.‬‬
‫وللمسؤولية داللة قانونية تترجم من خالل احترام الدستور والقوانين‪ ،‬وهي تب ى‬
‫من األسرة إلى مؤسسات الدولة‪ .‬ويعتبر بوسعيد "التماسي االجتماعي" قيمة‬
‫جوهرية‪ ،‬كفيلة بمنح كل فرد وسائل حياة أفضل‪ .‬كما أنه منهج عيش مشترك‬
‫يضمن التوازن بين املبادرة الفردية وتحرير الطاقات واستثمار اللفاءات‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫أما مساهمة "موالي حفيظ العلمي"‪ ،‬عضو امللت السياس ي‪ ،‬فقد انصب على‬
‫معضلة التشغيل‪ ،‬انطالقا من شعار مليون منص شغل‪ ،‬وتح عنوان‬
‫"الشغل فالشغل‪ ،‬ثم الشغل‪ ،‬ه ه هي وصفتنا التي سنحقق بها التماسي‬
‫االجتماعي"‪ .‬وهي ورقة تفصيلية ملقترحات عديدة وفي قطاعات متنوعة‪ ،‬تناقض‬
‫ما دافع عنه رئيس الحزب في التقديم‪.‬‬
‫فبعد عرض أهمية التشغيل في تحقيق التنمية‪ ،‬انتقل "العلمي" إلى إبراز دور‬
‫قطاع الخدمات في إحداث مناص الشغل "بجينات مغربية" كما يقول‪ ،1‬معلنا‬
‫وعد الحزب بتوفير ‪ 300.000‬منص شغل في السياحة والصناعة التقليدية في‬
‫أفق ‪ ،2025‬وذلي عبر الرفع من احترافية الفندقة‪ ،‬وتنويع العرض السياحي‬
‫واالنفتاح على أسواق جديدة‪ ،‬وتعزيز النقل الجوي‪ ،‬وتحفيز الصانع التقليدي‬
‫املغر ‪.‬‬
‫كما أعلن "العلمي" قدرة الحزب على إحداث ‪ 600.000‬منص شغل في قطاع‬
‫خدمات القرب في أفق ‪ ،2025‬و‪ 12.000‬فرصة شغل مباشرة في مهن التنشيط‬
‫االجتماعي من خالل صناعة مندمجة من أجل فر عمل الئقة‪ ،‬وتسريع إحداث‬
‫وتنشيط املنظومات الصناعية‪ ،‬ودعم صناعاتنا اللالسيلية (النسيج والجلد)‪،‬‬
‫وترحيل خدمات ‪ Offshoring‬متقدم‪ ،‬واملالءمة بين كفاءات الرأسمال البشري‬
‫ومتطلبات القطاع الصناعي‪ ،‬وتعزيز ملس الفالحة والصناعات الغ ائية‬
‫(إحداث ‪ 38.000‬منص شغل إضافي)‪ .‬وفي قطاع الصيد البحري‪ ،‬وعد "العلمي"‬
‫بإحداث حوالي ‪ 5.000‬منص شغل إضافي مباشر بفضل تثمين املصطادات‪.‬‬
‫من جانبها ساهم "ملياء بوطال "‪ ،‬عضو امللت السياس ي‪ ،‬في مقترح الحزب‬
‫بورقة تح عنوان‪" :‬االحرار ينشدون اللرامة وضمان مستقبل األجيال القادمة‬
‫عن طريق توفير فر الشغل"‪ ،‬وفيها رفع العديد من الشعارات والتزامات‬
‫الحزب بخصو ه ه القضية‪ .‬ونظرا لكون الورقة السابقة جاءت مفصلة‬

‫‪ - 1‬انظر الصفحة ‪.41‬‬


‫‪183‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫بخصو الشغل‪ ،‬فإننا سن كر بطموحات الحزب املرفوعة في ه ه الورقة دون‬


‫تفصيل أو تصرف وهي‪:‬‬
‫‪ ‬من أجل عيش كريم لكل مغر بفضل عمله؛‬
‫‪ ‬حتى يتملن كل مغر من االرتقاء في السلم االجتماعي؛‬
‫‪ ‬تكوين مليون شاب منقطع عن الدراسة؛‬
‫‪ ‬محاربة بطالة الشباب حاملي الشهادات؛‬
‫‪ ‬تكوين مستمر أكثر ولوجية؛‬
‫‪ ‬من أجل تحرير املبادرة الفردية ودعم املقاوالت الصغيرة جدا والصغرى‬
‫واملتوسطة؛‬
‫‪ ‬تمويل عادل من أجل مستقبل أفضل؛‬
‫‪ ‬من أجل استفادة أفضل من الصفقات العمومية؛‬
‫‪ ‬من أجل انفتاح أكثر على األسواق الدولية؛‬
‫‪ ‬حتى يتس ى لكل مستثمر نهج مساره ب مان؛‬
‫‪ ‬من أجل تحقيق حماية جبائية‪،‬‬
‫‪ ‬من أجل حكامة أمثل بين حماية ومرونة التشغيل؛‬
‫‪ ‬املراكز الجهوية لالستثمار شريي للمستثمر؛‬
‫‪ ‬من أجل خدمات لوجستية لدعم القدرة التنافسية وا نصاف املجالي؛‬
‫‪ ‬من أجل محاور لوجستية مندمجة؛‬
‫‪ ‬من أجل دعم مقاوالت وطنية رائدة في مجال النقل واللوجستيي؛‬
‫‪ ‬تحسيس املقاوالت الصغيرة جدا والصغرى واملتوسطة ب همية التدبير‬
‫املفوض للوجستيي؛‬
‫‪ ‬تكوين أفضل ملهن اللوجستيي؛‬
‫‪ ‬من أجل إعادة االعتبار لدور البحث والتطوير؛‬
‫‪ ‬ألجل استفادة جماعية من نمو قوي؛‬

‫‪184‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬ملتسبات هامة وعوائق ينبغي تجاوزها؛‬


‫‪ ‬ألجل نمو قوي وشامل‪.‬‬
‫وتناول الورقة التي تقدم بها "مباركة بوعيدة"‪ ،‬عضو امللت السياس ي‪،‬‬
‫قضية التعليم‪ ،‬مركزة على التعليم األولي في مساهمة موسومة "إن املعارف‬
‫األساسية تلتس في سن مبلرة‪ ،‬ل ا وج االستثمار في املستويات األولى‬
‫للتعليم"‪ ،‬وفيها تناول العديد من قضايا التربية والتكوين منها‪:‬‬
‫قضية الحق في التعليم (لكل تلمي الحق في تعليم أساس ي جيد)‪ ،‬وقضية الهدر‪،‬‬
‫داعية إلى عدم مغادرة املدرسة من قبل األطفال أقل من ‪ 15‬سنة‪ ،‬ومشددة على‬
‫التزام الحزب باملرافعة في ش ن ضمان التعليم األولي لجميع التالمي في سن‬
‫التمدرس‪ .‬ولم يف "بوعيدة" إعالن اهتمام الحزب والتزامه الدفاع عن تعليم‬
‫التالمي ذوي االحتياجات الخاصة وفق روفهم واحتياجاتهم‪ .‬وانتقل عد ذلي‬
‫إلى تفصيل مقترحات الحزب في عض قضايا املدرسة والتعليم؛ منها قضايا‬
‫املناهج الدراسية‪ ،‬وفي ذلي رفع "بوعيدة" شعار الحزب الداعي إلى التخفيف‬
‫من ع ء املقررات وثقل املحا ِفظ املدرسية‪ ،‬كما دع إلى إعطاء األولوية في‬
‫التعليم للغات والرياضيات‪.‬‬
‫وفي ورقة مقتضبة‪ ،‬ململة لورقة "بوعيدة"‪ ،‬مكونة من ثالثة عناصر‪ ،‬ساهم‬
‫عضو امللت السياس ي "أمينة بن خضراء" بورقة عنوان‪" :‬إن املدرسة هي التي‬
‫تب ي املجتمع‪ ،‬ألنها تكون مواطن الغد"‪ ،‬وفيها شددت على دور املدرسة في تعميم‬
‫قيم العيش املشترك‪ ،‬معتبرة ذلي سياسة عمومية يطمح إليها الحزب تح‬
‫شعار‪" :‬من أجل تعليم يزرع قيم العيش املشترك لدى املتعلمين"‪ .‬لتنتقل عد‬
‫ذلي إلى شعار الحزب بجعل الثقافة في قل املدرسة‪ ،‬داعية إلى تخصيص‬
‫حصص خاصة بالثقافة واألنشطة لتحقيق انفتاح املدرسة على املجتمع‪ .‬وفي‬
‫ختام ورقتها‪ ،‬دع بن خضراء إلى االهتمام بتثقيف مغاربة العالم‪ ،‬معلنة نية‬
‫الحزب في إعداد عرض بيداغوجي متكامل ملغاربة العالم لنقل املبادئ األساسية‬
‫للغة العربية وتعاليم الدين ا سالم وتاريخ الثقافة املغربية‪.‬‬
‫‪185‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وتناول عضو امللت السياس ي "أنيس بيرو" قضية التربية والتكوين من زاوية‬
‫أخرى‪ ،‬تتعلق بهيئة التدريس ودورها في ا صالح‪ ،‬وفي ذلي جاءت مساهمته‬
‫ت كيدا ب ن "ا صالح الحقيق رهين بإعادة االعتبار لهيئة التدريس"‪ ،‬مستهال‬
‫ورقته باالعتقاد أن املدرس ينبغي أن يحظ بالتشريف واالحترام الالزمين من‬
‫خالل عنوان أكبر‪" :‬من أجل تعزيز ا مكانيات وضمان حكامة فعلية لكل مدرسة‬
‫مغربية"‪ ،‬غير أن "بيرو" شدد على استراتيجية التعاقد معتبرا تو يف مكونين‬
‫بالتعاقد من خيرة املمارسين يضمن ت طير أسات ة املستقبل‪ ،‬مع الدعوة إلى‬
‫االهتمام ب جور املدرسين ومنحهم عالوات سنوية وتخصيصها ألحسن املدارس‬
‫مردودية‪ .‬وفي األخير أبرز اعتبار التعليم قطاعا استراتيجيا بالنسبة لحزب‬
‫األحرار‪ ،‬وفي ذلي دعا إلى تملينه من املوارد املالية الضرورة من امليزانية العامة‪،‬‬
‫مشددا على أن مجانية التعليم مبدأ غير قابل للنقاش‪ ،‬ألنه مب ي على محورية‬
‫املساواة في خدمة العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫أما الورقة الخاصة بالجامعة والتعليم العالي‪ ،‬فتناولها "محمد القباج" عضو‬
‫امللت السياس ي‪ ،‬واملالحظ أن عنوان ه ه الورقة "يج أن يجد كل مغر‬
‫نفسه في منظومة ما‪ :‬إن لم يلن في التعليم النظام ‪ ،‬فف التكوين أو التدرج‬
‫املهنيين"‪ ،‬لم ستج كليا ملضمونها‪ ،‬ال ي أسه في الحديث عن الجامعة‬
‫ومكوناتها‪.‬‬
‫تح عنوان "من أجل اختيار وفق املسار املنهي املنشود"‪ ،‬وهو ما يتناس مع‬
‫العنوان املركزي للورقة‪ ،‬استهل "القباج" الحديث عن مقترحات الحزب فيما‬
‫يخص التوجيه الدراس ي‪ ،‬مؤكدا وعي الحزب بتطورات سوق الشغل‪ ،‬التي تفرض‬
‫على املنظومة التعليمية التليف‪ ،‬ليربط ذلي بوضعية الجامعة (امللج األخير‬
‫للطلبة)‪ ،‬التي لم تعد تؤدي التحصيل العلمي املطلوب‪ ،‬فكان النتيجة هي الهدر‬
‫املتزايد‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫أما التكوين املنهي‪ ،‬فيقدر "القباج" أن مشكلته تلمن في سمعته غير الحسنة‪،‬‬
‫على الرغم من كونه فرصة أخرى للنجاح‪ ،‬ل لي يدعو حزب األحرار إلى جعل‬
‫التكوين املنهي مجاال لتطوير املعارف ونقطة انطالق تعزز حسن اختيار املستقبل‪.‬‬
‫وفي معرض املرافعة عن روف التحصيل الجامعي‪ ،‬يدعو "القباج" إلى تحسين‬
‫شروط الحياة الطالبية وتوفير البنيات األساسية الضرورة لحياة الشباب‬
‫والطالب‪ ،‬ويستطرد القباج في تحليل معضالت الجامعة من خالل تناول قضية‬
‫البحث العلمي‪ ،‬ال ي يدعو صاح الورقة إلى تجويده عبر توجيه الباحثين نحو‬
‫طرق جديدة للتشبيي والتقاطعات‪ ،‬وتقوية الشراكة مع القطاع الخا ‪ ،‬وزيادة‬
‫الدعم وتحفيز االسات ة الباحثين‪ ،‬مع عدم إغفال مس لة حاسمة تخص‬
‫استقاللية الجامعة‪ ،‬التي عتبرها "القباج" من إخفاقات الدولة‪ ،‬م كرا بجمود‬
‫القانون ‪ 00.01‬الخا بتنظيم التعليم العالي‪.‬‬
‫من جان آخر‪ ،‬يرى "القباج" أن فلرة توسيع صالحيات رؤساء الجامعات‪ ،‬من‬
‫ش نها تحسين العرض البيداغوجي للجامعة وت هيل الخريجين إلى االندماج في‬
‫سوق الشغل‪ ،‬غير أن ه ه الطموحات تبق دون جدوى في غياب ميزانيات وموارد‬
‫مالية كافية‪ ،‬كما يقول‪ ،‬وفي ه ا الصدد‪ ،‬ينتهز صاح الورقة الفرصة عالن‬
‫موقف الحزب من رسوم التسجيل التي يؤديها الطلبة‪ ،‬والتي ستدفع في نظره إلى‬
‫املزيد من الهدر‪ ،‬ألن الجامعة أصال هي وجهة أبناء األسر ذات الدخل املحدود‪.‬‬
‫و عد عرض ه ه األوراق الخاصة ب عضاء امللت السياس ي‪ ،‬عود رئيس الحزب‬
‫للمساهمة بورقة تخص القطاع الصحي رافعا شعار "كف من املستشفيات‬
‫القاحلة"‪ .‬وفي ه ه املساهمة املعنونة ب "الصحة كنز ال يملن أن يبق رهين‬
‫الصدفة‪ ،‬وحق ال يتملن على إمكانيات املرض ى"‪ ،‬يرافع رئيس الحزب عن مواقف‬
‫ووعود كبيرة جدا من داخل وضعية م زومة تتحدث عنها الورقة بلثير من‬
‫التفصيل‪.‬‬
‫يرى رئيس الحزب أن العناية باملريض ينبغي أن تكون أولوية‪ ،‬و عد عرضه لتقرير‬
‫أسود عن املرافق الصحية‪ ،‬يلتزم بتغيير ه ه الوضعية غير املقبولة بتاتا‪ ،‬كما‬
‫‪187‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫يقول‪ ،‬والدفاع بال تردد ضد املستشفيات القاحلة‪ .‬ومن بين الطموحات اللبيرة‪،‬‬
‫والوعود االستثنائية التي يلتزم بها الرئيس به ا الخصو رغم غياب الشروط‬
‫املوضوعية‪ ،‬قضية "طبي لكل أسرة"‪ ،‬التي يراها مملنة بمساعدة الدولة عبر‬
‫تحفيز الهيئة الطبية على العمل في املناطق النائية‪ ،‬وتخصيص حصص امتيازية‬
‫لولوج كليات الط تبعا للحاجيات داخل كل إقليم‪.‬‬
‫با ضافة إلى ذلي‪ ،‬يلتزم الرئيس بتجويد الخدمات داخل مراكز القرب مقابل‬
‫تعرفة اجتماعية للفئات املتوسطة‪ ،‬وضمان مجانية العالجات بالنسبة‬
‫للمستفيدين من نظام "راميد"‪ ،‬ويؤكد استمرار نضال الحزب من أجل املراجعة‬
‫الج رية ملنظومة العرض الصحي ليتوافق ومبادئ الجهوية املتقدمة‪ ،‬التي تكون‬
‫فيها املجالس قادرة على ضمان تعاضد املصالح الطبية والتقييم املستمر لتجويد‬
‫األداء والخدمات‪.‬‬
‫وفي موضوع الصحة ك لي‪ ،‬ساهم "نبيلة الرميلي" عضو امللت السياس ي‪،‬‬
‫بورقة مقتضبة‪ ،‬تدافع فيها عن رقمنة مجال الصحة عنوانها "التفهم أساس‬
‫العالقة بين الطبي واملريض"‪ ،‬وفيها تدعو إلى تزويد املغاربة جميعا ببطاقة‬
‫صحية ذكية‪ ،‬تتضمن جميع املعلومات الخاصة باملريض وسوابقه املرضية وما‬
‫يرتبط ب لي من عالجات وتحاليل وغيرها‪ .‬كما تشدد "الرميلي" على ضرورة‬
‫إشراك الصيدليات في توزيع األدوية املدعمة لتملين الوزارة الوصية من التركيز‬
‫على مهمتها األصلية‪ ،‬املتمثلة في ضمان خدمات عالجية جيدة للمواطنين‪ .‬ولم‬
‫يف صاحبة الورقة الت كير ب همية االهتمام ِ ِعلم األوبئة والسكان‪ ،‬وفي ذلي‬
‫تطرح رؤية الحزب لوضع عقود‪-‬برامج‪ ،‬ب هداف تسطر نجاعة األداء في عالج‬
‫األوبئة‪ ،‬مع التركيز على األوبئة الفتاكة واملستعصية مثل السل‪ ،‬ومواجهة‬
‫األمراض املزمنة مثل السلري وأزمات القل والدماغ‪.‬‬
‫"فاطمة مروان" عضو امللت الساس ي‪ ،‬بدورها تناول معضلة الصحة من‬
‫جان قضية العالجات‪ ،‬وذلي في مساهمة اختارت لها كعنوان‪" :‬ال ش يء أغلى عند‬

‫‪188‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفرد من صحته وصحة ذويه"‪ ،‬وقد اختارت ملساهمتها شعارا قطعيا "ال للتخلي‬
‫عن العالج"‪.‬‬
‫في ه ه الورقة تتحدث "مروان" عن قضية التمويل املستدام للقطاع الصحي‪،‬‬
‫منتقدة وضعية التمويل املباشر لألسر‪ ،‬ومعلنة أفكار الحزب لضمان استدامة‬
‫التمويل عبر تغطية صحية ل ‪ %90‬من املغاربة بتحفيز الشركاء (املشغلين‬
‫واملقاولين ال اتيين)‪ ،‬واعتماد ضريبة على الدخل محفزة ألطباء القطاع الخا ‪،‬‬
‫وتعزيز موارد املستشفيات عبر إعادة هندسة نظام تمويل التدخالت الطبية‬
‫بالقطاع العام‪ ،‬وإعادة تنظيم االستفادة من نظام "راميد"‪ ،‬وتخصيص ‪ %10‬من‬
‫ميزانية الدولة لقطاع الصحة‪ ،‬والتركيز على منظومة الوقاية الصحية من خالل‬
‫برامج وطنية وقطاعية للتحسيس‪.‬‬
‫وبا ضافة إلى مساهمات أعضاء امللت السياس ي‪ ،‬تقدم "عبد الصادق أي‬
‫معط هللا"‪ ،‬بمساهمة تخص املوارد البشرية في القطاع الصحي‪ ،‬عنوان "إنقاذ‬
‫األرواح من أنبل املهن وأشرفها"‪ ،‬تروم تحقيق شعار "تحفيز ملزيد من العطاء"‪،‬‬
‫وهدفها تحقيق عقد ثقة بين الدولة وأطر القطاع الصحي‪ ،‬ال ي تنعدم ضمانة‬
‫ولوج متكافئ للخدمات الصحية بدونهم‪ .‬ويقترح "معط هللا" ل لي عض‬
‫املقترحات من قبيل‪ :‬تحفيزات مادية للعاملين في املستشفيات القاحلة تهم األجور‬
‫والسلن و روف العيش‪ ،‬وتحقيق ليونة أكثر لتجويد فعالية أداء األطباء‬
‫األخصائيين‪ ،‬والعمل على احتواء املمارسات غير القانونية التي تقوم بها عض‬
‫االطر بتواطؤ داخل املستشفيات‪ ،‬وتحسين مسارات خريجي القطاع الصحي‬
‫الخا بفتح مسار ولوج الخدمات العمومية عن طريق مباريات أو عن طريق‬
‫التعاقد أو املقاولة ال اتية كبديل للو يفة العمومية‪.‬‬
‫في نهاية مقترحه لبناء نموذج تنموي جديد‪ ،‬يتقدم حزب األحرار بخارطة طريق‬
‫بناء الثقة‪ ،‬التي جاءت من توقيع عضو امللت السياس ي "رشيد الطالبي العلمي"‪،‬‬
‫ال ي رافع عن شعار الحزب "أغراس أغراس" من خالل شعار مرحلي للتنمية‬
‫"شباب ذو عزيمة‪ ،‬إيجا ‪ ،‬متطوع وطموح‪...‬ال يملن إال أن تتحرر طاقاته"‪ ،‬وفي‬
‫‪189‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ه ه الورقة يتب ى "العلمي" خيار دعوة املغاربة إلى بناء الثقة حتى وإن لم ينخرطوا‬
‫في حزب األحرار‪.‬‬
‫في ه ه الخريطة علن "العلمي" عن أهم املكونات واألطر اللفيلة بتحقيق مسار‬
‫الثقة‪ ،‬على رأسها منهجية بناء ه ا املسار‪ ،‬التي تعتمد آلية التجري ‪ ،‬التي تقوم‬
‫على فلرة التنزيل التدريجي والتشارك للبرامج قصد تلييفها مع املعطيات‬
‫املوجودة على أرض الواقع‪ .‬ومن عناصر الثقة ك لي‪ ،‬يتحدث "العلمي" عن دور‬
‫املجتمع املدن باعتباره ركيزة البناء الديمقراط ‪ ،‬ويطمح أن يب ي معه الحزب‬
‫مسار الثقة من خالل مقاربة جديدة تستند إلى مبادئ التملين للمواطنين من‬
‫خالل االستثمار في ا دماج والتشغيل كوسيلة فعالة ملكافحة الفقر‪ .‬و عد‬
‫الحديث عن املجتمع املدن ‪ ،‬ينتقل إلى إبراز دور الشباب‪ ،‬ال ي يقر عزوفه عن‬
‫السياسة وإقباله على العمل الجمعوي‪ ،‬مما ع ي حاجته إلى من ينص إليه‬
‫ويصغي لفهم احتياجاته في الشغل والتعليم والصحة‪ ،‬وحاجات أخرى مغفول‬
‫عنها من قبيل الت طير الثقافي‪ ،‬ال ي يتصدى له الحزب بالجامعات الربيعية‬
‫والصيفية والخريفية والشتوية للشباب‪ ،‬كما يقول‪.‬‬
‫وفي األخير يطلق "العلمي" نداء األحرار إلى جميع املغاربة لتقاسم مبادئ‬
‫الديمقراطية االجتماعية والدفاع عنها‪ .‬وملن يرغ في املساهمة في إثراء نقاشات‬
‫الحزب‪ ،‬ي كر العلمي ببوابة الحزب الرقمية الخاصة ب لي على شبلة األنترن ‪.‬‬
‫‪ ‬االتحاد االشتراكي‪ ،‬جولة جديدة من املرافعة عن املجتمع الحداثي‪.‬‬
‫اختار االشتراك نموذجا مختلفا للمساهمة في النموذج التنموي‪ ،‬وهي ورقة‬
‫مختصرة (‪ 14‬صفحة)‪ ،‬باالنطالق من التاريخ النضالي للحزب‪ ،‬وتشبته‬
‫باالشتراكية في إطار املجتمع الحداث ‪ ،‬وعبر عنوان من ثنائية متكاملة‪" :‬دولة قوية‬
‫عادلة ومجتمع حداث متضامن"‪ ،‬تسنده عناصر أساسية من قبيل‪:‬‬
‫الديمقراطية ودور األحزاب السياسية ومدخل املؤسسات واالهتمام بالشباب‬
‫والنساء واملجتمع الحداث وت مين االستقرار‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫يؤكد الحزب بحرارة بكون مساهمته جاءت حصريا للتفاعل مع الدعوة املللية‪،‬‬
‫واستعدادا نجاحها من منطلق مسؤولية املؤسسات السياسية للدولة‪ ،‬معربا‬
‫عن منهجية إعداد تصوره املستند إلى التراكمات النضالية للحزب والتعبئة‬
‫املتواصلة لطاقاته وكفاءاته (اليوم الدراس ي للحزب‪ 19 :‬أبريل ‪ ،2018‬وعمل‬
‫اللجان املوضوعاتية وأشغال املجلس الوط ي)‪.‬‬
‫ويرى االتحاد االشتراك أن تجديد النموذج يقتض ي تجديد املقاربة لوضع آلية‬
‫للتقري بين مختلف الفئات لبناء مجتمع متضامن‪ ،‬عتبر فيه كل مواطن نفسه‬
‫مسؤوال عن دعم ومساندة اآلخر‪.‬‬
‫تعرض املساهمة تصور الحزب للنموذج التنموي ال ي ينبغي‪ ،‬في نظره‪ ،‬تحقيق‬
‫الجاذبية االستثمارية والعدالة الترابية والتضامن االجتماعي‪ ،‬وذلي بناء على‬
‫دعامتين‪ :‬نمو اقتصادي مطرد وتنمية اجتماعية مستدامة‪ ،‬يقوم على خمسة‬
‫مرتلزات أساسية‪:‬‬
‫‪ ‬املرتلز املؤسسات ‪ :‬ينتقد فيه الحزب نمط االقتراع بالالئحة‪ ،‬ويدعو إلى‬
‫إصالحات قوية من أجل تمثيلية سياسية حقيقية في كل الهيئات‬
‫املنتخبة‪ ،‬والتفعيل الجيد الستقالل السلطة القضائية‪ ،‬والتفعيل‬
‫الجيد للجهوية والالتمركز وتحديث ا دارة العمومية‪ ،‬ويلف االنتباه إلى‬
‫ضرورة تملين األحزاب من ا مكانات الضرورية على غرار املجتمع املدن‬
‫كما يقول؛‬
‫‪ ‬املرتلز االقتصادي‪ :‬وينطلق فيه الحزب من االعتقاد في الحاجة إلى نمط‬
‫تنمية يحرك قوى ا نتاج الوطنية‪ ،‬وال يراهن فقط على العوامل‬
‫الخارجية‪ ،‬وذلي يحتاج إلى استرجاع املبادرة الوطنية في مجال التدبير‬
‫املالي واالقتصادي‪ ،‬واملراجعة الج رية في العديد من املجاالت‪ :‬سن نظام‬
‫ضريبي جديد‪ ،‬وتشجيع االستثمارات الصغيرة واملتوسطة‪ ،‬ووضع حد‬
‫لجشع املضاربين واملحتلرين والربح الالمشروط واملنافسة غير‬
‫الشريفة‪ ،‬مع العمل على إرساء منظومة اقتصادية جديدة تدعم اآلليات‬
‫‪191‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االجتماعية (تعزيز القدرة الشرائية للمواطن وإنصاف الفئات الفقيرة‬


‫واملتوسطة)؛‬
‫‪ ‬املرتلز االجتماعي‪ :‬يتعلق بضمان الحقوق االقتصادية واالجتماعية‬
‫(الشغل‪ ،‬التعليم‪ ،‬الصحة)‪ ،‬وفي ذلي دعا الحزب إلى إصالح منظومة‬
‫التربية والتكوين‪ ،‬وتوفير العدالة االجتماعية واللغوية لكافة فئات‬
‫الشع املغر ‪ ،‬واعتبار مجانية التعليم حق للشع وتعاقد في عنق‬
‫الدولة‪ ،‬وإصالح أنظمة الحماية االجتماعية وتوسيعها وتطويرها‪ ،‬واتخاذ‬
‫مبادرات استعجالية وجريئة حداث املزيد من مناص الشغل؛‬
‫‪ ‬املرتلز املجتمعي‪ :‬يتعلق بإقامة مجتمع ديمقراط متوازن يتسع لجميع‬
‫الطاقات‪ ،‬مع ضرورة الت ويل املنفتح والحداث للمقتضيات والقوانين‬
‫املؤطرة ملجتمع املساواة واملناصفة وتكافؤ الفر (مثال الفصل ‪ 19‬من‬
‫الدستور)‪ ،‬وإدماج مختلف الفئات االجتماعية خاصة ذوي االحتياجات‬
‫الخاصة وفئة املسنين؛‬
‫‪ ‬املرتلز الثقافي‪ :‬يدعو فيه الحزب إلى املحافظة على التعدد والتنوع‬
‫الثقافي ب عاده الديمقراطية والحداثية‪ ،‬وخلق دينامية مجتمعية قوية‬
‫رافضة لكل أشكال االستيالب املحافظ والتفلير العدم ‪ ،‬وتعزيز‬
‫الوضعية الثقافية واالعتبارية للغتين العربية واألمازيغية‪.‬‬
‫ومن العناصر األساسية في ورقة الحزب‪ ،‬والتي ختم بها مساهمته‪ ،‬ت كيده على‬
‫املحافظة على االستقرار واألمن لتحصين ا قالع التنموي‪.‬‬
‫‪ ‬التقدم واالشتراكية‪ ،‬مسا مة بدون عنوان‪.‬‬
‫ش نه ش ن باقي األحزاب السياسية‪ ،‬استهل الحزب مساهمته بتقديم يؤكد فيه‬
‫استجابته ِملا سماه بالنداء امللك ملراجعة النموذج التنموي‪ ،‬مع الت كير بمرجعية‬
‫الحزب وتاريخه النضالي واصطفافه في صف املدافعين عن الديمقراطية‪ .‬لينتقل‬
‫عد ذلي إلى توصيف عجز النموذج السابق واستنفاذه ملهامه‪ ،‬وفي ه ا تقول‬

‫‪192‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫مساهمة الحزب أن النموذج السابق حقق من امللتسبات اللثير منها تطور‬
‫االستثمار العموم ‪ ،‬ومحاربة الفوارق االجتماعية‪ ،‬واالعتراف باألمازيغية كلغة‬
‫ثقافية‪ ،‬للن تعتريه العديد من النواقص من قبيل استمرار الريع في كثير من‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وضعف حكامة والتقائية جل االستراتيجيات التنموية‬
‫والبرامج القطاعية‪ ،‬وهيمنة التنافس غير الشريف‪ ،‬وضعف الشفافية‪ .‬وتبق‬
‫هناك أعراضا بارزة له ا العجز‪ ،‬تتمثل في نظر الحزب‪ ،‬في التردد الحاصل في‬
‫تفعيل مقتضيات دستور ‪ 2011‬وما تتعرض له األحزاب السياسية من إضعاف‬
‫وإنهاك وتبخيس‪.‬‬
‫من ه ا املنطلق‪ ،‬عتبر الحزب أن املناسبة مواتية النبثاق نموذج جديد لإلجابة‬
‫عن األسئلة اللبرى‪ :‬النمو االقتصادي املتسارع‪ ،‬والتنمية الشاملة والعادلة‪،‬‬
‫والديمقراطية املتينة‪ ،‬بحيث إن ه ا النموذج ينبغي أن يقوم على عدة ركائز‬
‫أهمها النظرة الشمولية للمسار التنموي‪ ،‬وتقييم عالقات املغرب االقتصادية‬
‫(التبادل الحر)‪ ،‬وتلريس املوقع ا فريق الرائد‪ ،‬والتحلم في االندماج الدولي‪.‬‬
‫واستنادا إلى ه ه املنطلقات‪ ،‬يقترح الحزب خمسة مداخل أساسية‪:‬‬
‫‪ ‬وضع ا نسان في قل العملية التنموية بتجاوز آليات النمو الرأسمالي‬
‫وقوانين السوق‪ ،‬عطاء األولوية نتاج ثروة في مصلحة العدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬والتركيز على االستثمار في اقتصاد املعرفة‪ ،‬وفي التربية‬
‫والتكوين وفي صحة املواطنين‪ ،‬وخلق فر الشغل‪ ،‬ومحاربة الفوارق‬
‫االجتماعية واملجالية؛‬
‫‪ ‬نمو اقتصادي سريع ومضطرد يكون للدولة فيه دور محوري لتحقيق‬
‫نمو اقتصادي ساير تزايد االستثمارات العمومية‪ ،‬مع التركيز على‬
‫التصنيع بقدرة عالية وتلنولوجيا متطورة‪ ،‬وتثمين االندماج الصناعي‪،‬‬
‫واالهتمام باملقاوالت الصغيرة واملتوسطة‪ ،‬وعدم إغفال إصالح القطاع‬
‫البنك لتوجيه جهوده نحو تمويل املشاريع االستثمارية الصناعية ذات‬
‫القيمة املضافة‪ .‬وال ع ي االهتمام بالتصنيع تجاوز القطاع الفالحي‪،‬‬
‫‪193‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ال ي ينبغي إصالحه وفق رؤية شاملة تستحضر تنمية البوادي‬


‫واألرياف‪ .‬ناهيي عن االهتمام باالقتصاد االجتماعي والتضام ي؛‬
‫تحسين الحكامة وضمان مناخ مناس للعمل واألعمال من خالل‬ ‫‪‬‬

‫القضاء على مختلف مظاهر وأشكال الفساد والرشوة‪ ،‬وإقرار شروط‬


‫الشفافية والتنافس الشريف‪ ،‬والقضاء على مظاهر االحتكار غير‬
‫املشروع واقتصاد الريع‪ .‬ولضمان الحكامة الترابية الجيدة‪ ،‬يقترح‬
‫الحزب إيجاد تناغم بين الالمركزية والالتمركز ا داري‪ ،‬مع إحداث‬
‫قطيعة مع املقاربة الضبطية في إحداث التقطيعات والتقسيمات‬
‫الترابية‪ ،‬وضمان املساواة الفئوية وفيما بين الجنسين؛‬
‫البعد القيمي والثقافي واملجتمعي‪ :‬ينطلق الحزب في ذلي من مقولة‬ ‫‪‬‬

‫الفقيد‪ ،‬االقتصادي "عزيز بالل"‪ ،‬ال ي يدعو إلى عدم إغفال العوامل‬
‫غير االقتصادية للتنمية‪ .‬وفي ه ا السياق يدعو الحزب إلى القضاء على‬
‫األمية والجهل‪ ،‬ومواصلة وتقوية االنفتاح على الثقافة الكونية‪،‬‬
‫وصيانة التنوع الثقافي‪ ،‬وإعادة االعتبار للمثقفين واملفلرين واملبدعين‪،‬‬
‫ودعم الصناعات الثقافية وا بداعية؛‬
‫الديمقراطية لحمل النموذج التنموي‪ :‬عتبر الحزب أن الحريات‬ ‫‪‬‬

‫الديمقراطية والعدالة االجتماعية عنصران جوهريان ومتالزمان‬


‫ومتكامالن لبناء ثقة املغاربة في مستقبل بالدهم‪ ،‬مشددا على كون‬
‫دستور ‪ 2011‬عد إغناء للديمقراطية وتحصينا لها‪ ،‬ل لي يرى أن‬
‫تفعيل املضامين الدستورية في املجالين السياس ي واملؤسسات ‪ ،‬ينبغي‬
‫أن يوازيه تفعيل آخر لضمان ممارسة الحريات الفردية والجماعية‬
‫وتقوية املؤسسات والهيئات واألحزاب السياسية‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وفي نهاية مساهمته‪ ،‬عرض حزب التقدم واالشتراكية ملخصا ملا تضمنته‬
‫الورقة‪ ،‬في خمسين مقترحا تهم املداخل الخمسة واملرتلزات‪.1‬‬
‫‪ -3‬خالصات مختصرة من تحليل مسا مات األحزاب‪.‬‬
‫باستقراء مساهمات األحزاب السياسية ومقارنتها ببعضها‪ ،‬خاصة تلي التي تم‬
‫التعرض لها في الفقرة السابقة‪ ،‬يملن أن نميز بين جزء من املواقف واآلراء‬
‫املشتركة أو املتقاربة‪ ،‬وجزء آخر تختلف فيه األحزاب عن عضها‪.‬‬
‫أما الجزء املشترك فهو إعالن االستجابة للمبادرة املللية واالنخراط في تحقيق‬
‫وتنفي التعليمات املللية‪ ،‬وتتقاسم كل األحزاب الدعوة إلى ضرورة العمل على‬
‫األولويات االجتماعية (الصحة والتعليم)‪ ،‬وحفز النمو االقتصادي وتسريعه‪،‬‬
‫وتسريع ورش الحكامة وتحقيق الالمركزية وتجويد عرضها‪ ،‬واستلمال املسلسل‬
‫الديمقراط ‪ .‬با ضافة إلى إعالن االنتصار للعديد من القضايا واملواقف التي‬
‫يملن الوقوف عندها من خالل األفكار التالية‪:‬‬
‫‪ ‬هناك تقارب كبير بين مساهمات األحزاب من حيث التشخيص‬
‫ومداخل ا صالح وضرورة تجديد النموذج؛‬
‫‪ ‬تجمع األحزاب على كون املسار الديمقراط في املغرب فتي‪ ،‬ويحتاج‬
‫إلى املزيد من صيانة الحريات العامة الفردية والجماعية؛‬
‫‪ ‬تنطلق األحزاب في تشخيصها للوضع من الوثيقة الدستورية‬
‫باعتبارها طموحا لم يتم تفعيله بما يلف ؛‬
‫‪ ‬تتواط أوراق جل األحزاب على اعتبار السياسات العمومية تشكو‬
‫معضالت هيكلية وهي االلتقائية‪ ،‬وغياب الحكامة‪ ،‬وتوسع انتشار‬
‫الريع واملنافسة غير الشريفة؛‬
‫‪ ‬تقر كل األحزاب بواقع عزوف املواطن عن السياسة نظرا لتراجع أداء‬
‫الهيئات واملؤسسات السياسية؛‬

‫‪.27-23‬‬ ‫‪ - 1‬انظر مساهمة الحزب‪،‬‬


‫‪195‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬تتفق كل األحزاب على قصور البنيات والخدمات االجتماعية‬


‫(الصحة والتعليم) املقدمة للمواطن‪ ،‬وتعتقد أن النموذج الجديد‬
‫يج أن يكون نموذجا في خدمة العدالة االجتماعية؛‬
‫‪ ‬تدعو األحزاب إلى ابتكار مسالي جديدة لخلق الثروة وحسن تدبيرها‬
‫وتوزيعها‪ ،‬وتدعم تقوية دور الدولة ودعم املقاولة للرفع من نس‬
‫النمو االقتصادي الوط ي؛‬
‫‪ ‬تتقاطع مواقف األحزاب السياسية في قضايا حماية التنوع الثقافي‬
‫وضرورة االنفتاح واالهتمام أكثر بقضايا الشباب واملرأة‪،‬‬
‫‪ ‬تجمع كل األحزاب على أن التحدي في وجه نجاح النموذج هي الثقة‬
‫املفقودة‪ ،‬سواء بين الهيئات واملكونات أو بينها وبين املجتمع‪.‬‬
‫وتختلف األحزاب السياسية امل كورة في عض املواقف‪ ،‬التي تعود بالدرجة األولى‬
‫إلى هويتها ا يديولوجية‪ ،‬أو خطها السياس ي الحز ‪ .‬ولتقوية ه ه املواقف‬
‫الخاصة‪ ،‬يحر كل حزب على تدعيم آرائه ومواقفه بمقتطفات من خطابات‬
‫مللية أو توجيهات سامية‪.‬‬
‫كما أن عض األحزاب حاول الظهور ب فكار أو صياغات جديدة لقضايا راهنة‪،‬‬
‫منها حر حزب العدالة والتنمية على إبداء وجهة نظره في مفهوم "النموذج‬
‫التنموي"‪ ،‬منتقدا عض التعاريف واملضامين املتداولة‪ ،‬ليخلص إلى ما سميه‬
‫تصوره الخا للنموذج‪ ،‬بكونه "يجعل ا نسان‪/‬املواطن أساس أي تصور‬
‫تنموي وفي الصل منه" و"ال ي يمس كل مستويات التركي ا نسان ‪ ،‬ويجي‬
‫على مختلف احتياجاته الروحية واملادية والفلرية والسلوكية‪ ،‬بحيث غدو‬
‫ا نسان‪ ،‬ببعديه الفردي والجماعي‪ ،‬منطلقا وغاية لكل تنمية ديمقراطية‬
‫واقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية"‪.1‬‬

‫‪.24‬‬ ‫‪ - 1‬انظر ورقة الحزب‪،‬‬


‫‪196‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ومن حيث املداخل العامة‪ ،‬يركز الحزب على مدخل "تكوين ا مكان ا نسان‬
‫وت هيله" (املدخل الرا ع)‪ ،‬وفيه يدعو الدولة إلى توجيه مجهوداتها إلى تكوين‬
‫املواطن وت هيله لت مين انخراطه في العمليات التنموية‪ .‬للن ه ه املقاربة‬
‫التنموية تبق تقليدية‪ ،‬ألنها تنهل من أطروحة ت هيل ا نسان خدمة للرفع من‬
‫املوجهة للنموذج‬
‫القيمة املضافة االقتصادية‪ ،‬إال أن الحزب في فقرة االختيارات ِ‬
‫التنموي‪ ،‬عود ليؤكد على كرامة املواطن وحقوقه وأمنه الروحي واملادي‪ .‬للن‬
‫ذلي يبق باعتباره وسيلة وليس غاية من أجل توسيع اختيارات املواطن‪ ،‬وليس‬
‫توجيهه إلى االنخراط في املوجود شكل أحادي‪.‬‬
‫أما حزب االستقالل‪ ،‬فيؤكد تبنيه ملفهوم التنمية باعتبارها "تنمية شرية‬
‫مستدامة"‪ ،‬تهدف إلى تطوير رأسمال وحريات وقدرات األفراد في مكوناتها‬
‫االقتصادية واالجتماعية والثقافية واألخالقية والسياسية‪ .1‬ويتشبث بقضية‬
‫التشغيل‪ ،‬التي ربح الحزب رهانها عند رئاسته لحكومة سابقة‪ ،‬ويدافع عن قناعته‬
‫بتفضيل نمو اقتصادي أقل يملن من خلق مناص شغل أكثر على غيره من‬
‫التصورات‪ .‬ومن بين خصوصيات مساهمة الحزب‪ ،‬دعوته إلى تعزيز حماية‬
‫الطبقة الوسط ‪ ،‬وتحسين دخلها وتوسيعها لضمان مقومات مجتمع متوازن‬
‫ومتضامن‪ ،‬ويوص ي في ذلي عدة اقتراحات‪.2‬‬
‫وبا ضافة إلى اهتمامه بقضية التشغيل‪ ،‬يركز حزب التجمع الوط ي لألحرار على‬
‫تمايز التصورات والخلفيات السياسية‪ ،‬ليعلن عن موقعه السياس ي باعتباره‬
‫وسطيا بديال يدافع عن قيم العدالة االجتماعية والتملين للمواطن‪ ،‬وسطية‬
‫تتجاوز التموقع السياس ي‪ ،‬كما يقول الحزب‪ ،‬بين اليمين واليسار‪ ،‬إلى الخيار‬
‫املبدئ للوسطية واالعتدال كمنهاج لإليمان الحقيق ‪ ،‬ال ي عزز الثواب ‪:‬‬
‫ا سالم‪ ،‬والوحدة الوطنية‪ ،‬واملللية‪ ،‬واالختيار الديمقراط ‪.3‬‬

‫‪.5‬‬ ‫‪ - 1‬م كرة الحزب‪،‬‬


‫‪.31-28‬‬ ‫‪ - 2‬م كرة الحزب‪،‬‬
‫‪.23-22‬‬ ‫‪ - 3‬ورقة الحزب‪،‬‬
‫‪197‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ومن وجهة نظر مختلفة‪ ،‬يدعو حزب االتحاد االشتراك إلى تجديد املقاربة‬
‫لصياغة النموذج الجديد‪ ،‬باالنطالق من استخال الدروس من االنعكاسات‬
‫السلبية املترتبة عن نظام العوملة واألزمات االقتصادية اللبرى‪ ،‬الناتجة عن نهج‬
‫السياسات املحافظة‪ ،‬وفي ذلي يطرح منظوره لدور الدولة في التنمية؛ منتقدا‬
‫اعتبارها "جهازا حارسا"‪ ،‬سمح للصراع االجتماعي واقتصاد السوق بالتحلم في‬
‫مصير البالد‪ ،‬ومنحازا إلى مفهوم "الدولة الداعمة" للتخفيف من حدة آثار نظام‬
‫العوملة املنتجة للمزيد من الفقر والهشاشة والتهميش‪.1‬‬
‫من جانبه ينتقد حزب التقدم واالشتراكية املقاربة التنموية القائمة على أن آليات‬
‫النمو الرأسمالي وقوانين السوق قادرة لوحدها تلقائيا على تحقيق التوازن‬
‫االجتماعي‪ .2‬ويميز في اقتراحه بين النموذج التنموي واملشروع املجتمعي والبرنامج‬
‫ا نمائ أو البرنامج الحكوم ‪ ،‬ويعتبر النموذج التنموي من صميم املشروع‬
‫املجتمعي‪ .‬وإذا كان الحزب يرى ضرورة النموذج وفقا للتوجيهات املللية‪ ،‬فإنه ال‬
‫يدعو إلى تجديد النموذج في إطار مشروع مجتمعي بديل‪ ،‬بل عتبر أن املشروع‬
‫قائم ويحتاج إلى نموذج مناس ‪ ،‬وفي ه ا يؤكد أن التنمية مفهوم أوسع‪ ،‬يتجاوز‬
‫مس لة الزيادة في الثروة‪ ،‬ليشمل أيضا طرق التوزيع وإصالح الهياكل االقتصادية‬
‫واالجتماعية واملؤسسية‪ ،‬ومنه يخلص إلى كون النموذج التنموي "بمثابة تصور‬
‫مرجعي للخيارات وا صالحات والتوجهات والقطائع اللبرى املتعين إحداثها لبناء‬
‫سياسات عمومية بمنهجيات ومقاربات جديدة‪ ،‬في إطار مشروعنا املجتمعي‬
‫القائم"‪.3‬‬

‫‪.6-5‬‬ ‫‪ - 1‬م كرة الحزب‪،‬‬


‫‪.08‬‬ ‫‪ - 2‬مقترح الحزب‪،‬‬
‫‪ - 3‬نفسه‪.06 ،‬‬
‫‪198‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫خاتمة‪.‬‬
‫تا عنا في ه ا الفصل مواقف مختلف الفاعلين واألحزاب السياسية و عض‬
‫هيئات الحكامة‪ ،‬ورأينا كيف ساهم املبادرة املللية الداعية إلى تجديد النموذج‬
‫في تقسيمها وتباينها‪ .‬فاملعارضة الراديكالية ال تزال تتشبث ب ولوية اللحظة‬
‫الت سيسية للمسار الديمقراط الحقيق ‪ ،‬وترفض ب لي كل مبادرات السلطة‪،‬‬
‫مبررة موقفها بانتفاء اآللية الديمقراطية عن ه ه املبادرة‪ .‬أما األحزاب السياسية‬
‫ومؤسسات الوساطة‪ ،‬فتشترك جميعها في تثمين املبادرة املللية وتراها في االتجاه‬
‫الصحيح‪ ،‬وتدعو إلى إصالح قضايا تنموية تعتبرها أولويات‪ ،‬وهي ال تخرج في‬
‫عمومها عن توجيهات الخطابات املللية خالل السنوات األخيرة‪ ،‬في حين تختلف‬
‫في عض التفاصيل التي تحاول أن تغلفها غالف إديولوجي أو توجه سياس ي‬
‫للحزب‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل الخامس‬
‫على عتبة النموذج التنموي الجديد‬
‫مشاريع جارية وتجاوزات مستشرية‬

‫‪200‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫يحتاج تنزيل النموذج إلى أجواء مساعدة‪ ،‬تشجع النخبة وعموم املواطنين على‬
‫تقبل املشروع‪ ،‬واالنخراط في تنزيل برامجه‪ .‬ومن شروط البيئة السليمة للتنزيل‬
‫إشاعة أجواء الحرية وإصدار وثائق وم كرات واضحة لتنظيم التعامل مع‬
‫املشاريع الجارية واالتفاقيات االستراتيجية وغيرها من البرامج املستمرة على املدى‬
‫البعيد‪.‬‬
‫في حالة النموذج املقترح ينتف الشرط األول باستمرار اعتقال النشطاء على‬
‫خلفية الحراك الشعبي‪ ،‬وخاصة معتقلي حراك الريف‪ .‬أما بخصو الشرط‬
‫الثان ‪ ،‬فقد أعلن لجنة النموذج الجديد عن حزمة من ا جراءات يقترح عضها‬
‫صيغا للتعامل‪ ،‬للن عضها يبدو غير كاف لتحقيق االنسجام‪ ،‬خاصة أن‬
‫هناك عض املبادرات الجيدة التي قام بها الدولة‪ ،‬وهناك مشاريع وأوراش كبرى‬
‫مهيكلة لم ينقض أجلها عد‪.‬‬
‫‪ -1‬نموذج تنموي في ظل مخططات استراتيجية والتزامات دولية سارية‬
‫املفعول‪.‬‬
‫تعلن لجنة النموذج الجديد أن عملها ي ت في إطار االستمرارية‪ ،‬للنها ت ت في‬
‫العديد من املقترحات لتعلن تبنيها للقطيعة‪ ،‬وفي ل غياب الوضوح في تحديد‬
‫عناصر االستمرارية بكل دقة‪ ،‬تصبح عناصر القطيعة غير دقيقة‪ ،‬أو يتم‬
‫التوسل عبارات عامة تخف منح صالحية القرار إلى جهات غير معلنة‪.‬‬
‫كما أن هناك تداخل واضح بين النموذج الجديد واالستراتيجيات القطاعية‬
‫وااللتزامات الدولية ذات الصلة بالتنمية‪ ،‬بل هناك العديد من األهداف‬
‫املطروحة في ه ه االستراتيجيات أعاد تلرارها النموذج في صيغ جديدة‪ .‬وكان‬
‫األولى أن يتم توضيح العالقة ومساحات التقاطع وااللتقائية بين االتجاهين‬
‫التنمويين؛ اتجاه االستراتيجيات القطاعية واتجاه النموذج‪.‬‬
‫وفيما يلي ت كير ببعض االستراتيجيات التي ال تزال سارية املفعول‪ ،‬أو تم‬
‫تجديدها حديثا لتحقيق التنمية‪ ،‬وقد حرصنا أن ن كر بتفاصيل عض األهداف‬
‫لتبيان املالحظة السابقة‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -1-1‬انخراط املغرب في أ داف التنمية املستدامة في أفق ‪.2030‬‬


‫بحلم عضويته في املنتظم الدولي‪ ،‬وحرصه على املزيد من االندماج‪ ،‬يبق املغرب‬
‫مطالبا باالنخراط في البرنامج األممي الجديد للتنمية‪" :‬خطة التنمية املستدامة‬
‫لعام ‪ ،"2030‬املعتمد من قبل املجتمع الدولي من خالل القرار األممي ‪ 1/70‬في‬
‫شتنبر ‪ .2015‬وهي خطة مكونة من ‪ 17‬هدفا و‪ 169‬غاية و‪ 231‬مؤشرا‪ ،‬تفرض‬
‫على جميع الدول األعضاء االنخراط وعرض تقدم تنفي ه ه األهداف كل سنة‬
‫أمام املجلس االقتصادي واالجتماعي لألمم املتحدة‪ ،‬وكل أر ع سنوات أمام‬
‫الجمعية العامة‪.‬‬
‫و نجاح ه ا الورش األممي تقوم األمم املتحدة بمساعدة الدول األعضاء‪،‬‬
‫وخاصة النامية منها‪ ،‬بإعداد برامج وطنية تنسجم مع ه ه األهداف‪ ،‬وك ا إعداد‬
‫خطط عملية للمتا عة‪ .‬وفي املغرب‪ ،‬تم إحداث اللجنة الوطنية للتنمية‬
‫املستدامة في يوليوز ‪ 2019‬لتتبع تنفي أهداف التنمية‪.‬‬
‫وال يملن تصور برامج املغرب ومشاريعه ا نمائية خارج ه ا ا طار‪ .‬فمن سنة‬
‫‪2015‬؛ سنة إعالن األهداف‪ ،‬عمل املغرب على تلييف مشاريعه وبرامجه‬
‫القطاعية مع األهداف ‪ 17‬املحددة في القرار األممي امل كور وهي‪:‬‬
‫‪ ‬القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان من خالل‪ :‬توفير الو ائف‬
‫املستدامة‪ ،‬والتشجيع على تكافؤ الفر ‪ ،‬وتطوير أنظمة الحماية‬
‫االجتماعية‪ ،‬وتقديم الدعم ملواجهة املخاطر االقتصادية اللبيرة؛‬
‫‪ ‬القضاء على الجوع وتوفير األمن الغ ائ وتعزيز الزراعة املستدامة من‬
‫خالل تغيير ج ري في نظام األغ ية والزراعة؛‬
‫‪ ‬ضمان تمتع الجميع ب نماط عيش صحية‪ ،‬وبالرفاهية ملختلف األعمار‬
‫من خالل ضمان الحياة الصحية وتشجيع الرفاه للجميع‪ ،‬والعمل على‬
‫زيادة العمر املتوقع‪ ،‬وخفض حاالت ا صابة ببعض األمراض العامة‬

‫‪202‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫القاتلة املرتبطة بوفيات األطفال واألمهات‪ ،‬وتحقيق تقدم جوهري في‬


‫زيادة إمكانية الحصول على املياه النظيفة والصرف الصحي؛‬
‫ضمان التعليم الجيد املنصف والشامل‪ ،‬وتعزيز فر التعلم مدى‬ ‫‪‬‬

‫الحياة بتيسير الحصول على التعليم الشامل‪ ،‬وتزويد املجتمعات املحلية‬


‫باألدوات الالزمة لتطوير حلول مبتلرة تساعد في حل املشاكل اللبرى؛‬
‫تحقيق املساواة بين الجنسين‪ ،‬وتملين النساء والفتيات بالحر على‬ ‫‪‬‬

‫رفع معاناة النساء ضحايا التمييز والعنف؛‬


‫ضمان توفر املياه وخدمات الصرف الصحي؛‬ ‫‪‬‬

‫ضمان تكلفة ميسرة على خدمات الطاقة املوثوقة واملستدامة؛‬ ‫‪‬‬

‫تعزيز النمو االقتصادي املطرد والشامل واملستدام‪ ،‬وتوفير العمل‬ ‫‪‬‬

‫الالئق للجميع‪ ،‬مع الحر على احترام البيئة؛‬


‫إقامة بنيات تحتية قادرة على الصمود‪ ،‬وتحفيز التصنيع الشامل‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وتشجيع االبتكار‪ ،‬خاصة في قطاعات الطاقة والنقل والري وتلنولوجيا‬


‫املعلومات واالتصاالت؛‬
‫الحد من انعدام املساواة داخل البلدان‪ ،‬وفيما بينها‪ ،‬خاصة فيما يخص‬ ‫‪‬‬

‫الخدمات الصحية والتعليمية؛‬


‫جعل املدن والتجمعات البشرية شاملة وآمنة ومستدامة‪ ،‬بحفز فر‬ ‫‪‬‬

‫العمل وتحقيق الرخاء‪ ،‬مع عدم إجهاد األرض واملوارد‪ ،‬وتجن‬


‫االكتظاظ‪ ،‬وعدم توافر أموال لتقديم الخدمات األساسية‪ ،‬ومحاربة‬
‫السلن غير الالئق؛‬
‫ضمان وجود أنماط استهالك وإنتاج مستدامة عبر إنتاج املزيد شكل‬ ‫‪‬‬

‫أفضل وتكلفة أقل‪ ،‬وزيادة املكاس الصافية في الرفاه (خفض‬


‫استعمال املوارد وتقليل تدهورها)‪ ،‬والعمل على زيادة جودة الحياة؛‬
‫اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير املناخ وآثاره؛‬ ‫‪‬‬

‫‪203‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬حفظ املحيطات والبحار واملوارد البحرية واستخدامها على نحو‬


‫مستدام؛‬
‫‪ ‬حماية النظم البرية‪ ،‬ومكافحة التصحر‪ ،‬ووقف تدهور األراض ي وفقدان‬
‫التنوع؛‬
‫‪ ‬تحقيق السالم والعدل واملؤسسات‪ ،‬بإدراج الحرية والسالم واألمن‬
‫واحترام حقوق ا نسان في إطار التنمية الجديد‪ ،‬غرض تشجيع وجود‬
‫مجتمعات سلمية شاملة للجميع تحقيقا للتنمية املستدامة؛‬
‫‪ ‬تعزيز وسائل التنفي ‪ ،‬وتنشيط الشراكة العاملية‪ ،‬بالتوجه نحو‬
‫االستثمارات طويلة األمد‪ ،‬بما في ذلي االستثمار األجنبي املباشر‪ ،‬وإلى‬
‫قطاعات ذات أهمية حاسمة (الطاقة املستدامة‪ ،‬الهياكل األساسية‪،‬‬
‫النقل‪ ،‬تلنولوجيا املعلومات واالتصال)‪.‬‬
‫والحقيقة أن كل مشاريع املغرب الحالية وفي كل مناحي الحياة إنما هي استجابة‬
‫ملنطوق ه ه األهداف‪ ،‬وسنالحظ شكل جيد مدى استجابة النموذج التنموي‬
‫املغر ‪ ،‬وسائر نماذج الدول األعضاء‪ ،‬خاصة النامية‪ ،‬له ه التوجهات‬
‫والقضايا‪ ،‬سواء لالستفادة من مشاريع املنتظم الدولي وا عانات والهبات‬
‫واملساعدات‪ ،‬أو حراز شهادة حسن سيرة وسلوك من قبل الهيئات واملؤسسات‬
‫الدولية املتحلمة‪.1‬‬
‫‪ -2-1‬إطالق املرحلة الثالثة من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪.‬‬
‫تم إطالق املرحلة الثالثة في ‪ 19‬شتنبر ‪ ،2018‬وتمتد خالل الفترة ما بين ‪-2023‬‬
‫‪ ،2019‬وتستهدف تعزيز امللتسبات وإعادة توجيه البرامج نحو تنمية الرأسمال‬

‫‪ - 1‬ال نتحدث هنا بخلفية عدمية ترفض كل مقترح أو مشروع أممي‪ ،‬وللن لنوضح اللبس‬
‫ال ي تطرحه املؤسسات الرسمية‪ ،‬التي تقدم املشاريع على اعتبار أنها اقتراح وتصميم‬
‫مغر خالص‪ ،‬في حين إنما هي استجابة وتنزيل التفاقية أو توجيه دولي‪ .‬وه ا ما انطلقنا‬
‫منه في تحديد الفرضيات في مقدمة اللتاب‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫البشري‪ ،‬كما تم التوضيح‪ ،‬مع العمل على تحسين روف األجيال الصاعدة‬
‫ودعم الفئات االجتماعية في وضعية صعبة‪ ،‬وخلق جيل جديد من املبادرات‬
‫املدرة للدخل والتشغيل‪.‬‬
‫وال يتوقع أن يضيف النموذج الجديد شيئا ي كر عن النهج ال ي تتبناه املرحلة‬
‫الثالثة من خالل ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬تحصين وتحسين امللتسبات املنجزة؛‬
‫‪ ‬جعل هيئات الحكامة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية فضاءات‬
‫للتفلير والنقاش حول قضايا التنمية البشرية؛‬
‫‪ ‬وضع أدوات جديدة للتخطيط والتعاقد لضمان أهمية وانسجام‬
‫وفعالية عمل املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪.‬‬
‫‪ -3-1‬الرؤية االستراتيجية للتربية والتكوين ‪ 2030-2015‬والقانون اإلطار‬
‫‪.51.17‬‬
‫تعد ه ه االستراتيجية من أهم االستراتيجيات التي عول عليها املغرب لضمان‬
‫استمرار توجهاته املستقبلية‪ ،‬و عد تجري العديد من ا صالحات‪ ،‬استقر‬
‫القرار الرسمي على تعيين مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬ال ي‬
‫اقترح اعتماد ه ه االستراتيجية وانخراط جميع املؤسسات‪ ،‬بما فيها الحكومة‬
‫وباقي املصالح ذات الصلة مركزيا ومحليا‪.‬‬
‫تصبو االستراتيجية إلى الرفع من جودة املدرسة بمفهومها العام وإلى تحقيق‬
‫خمس و ائف‪ :‬التعليم والتعلم والتثقيف‪ ،‬والتنشئة االجتماعية والتربية على‬
‫القيم في عديها الوط ي والكون ‪ ،‬والتكوين والت طير‪ ،‬والت هيل وتيسير االندماج‬
‫االقتصادي واالجتماعي والثقافي‪ ،‬ثم البحث واالبتكار‪ .‬وترتلز على ثالثة أسس‬
‫جديدة وهي‪ :‬الجودة للجميع‪ ،‬واالرتقاء بالفرد واملجتمع‪ ،‬وا نصاف وتكافؤ‬
‫الفر ‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ونظرا لتوفر الوثائق املرتبطة باالستراتيجية‪ ،‬سنقتصر على الت كير باألهداف‬
‫األساسية والخيارات االستراتيجية‪ ،‬التي لم يطرح النموذج الجديد اجتهادا‬
‫خارجها‪ ،‬بل اقترح لبعضها إجراءات تم طرحها في مشاريع سابقة‪:‬‬
‫أوال‪ :‬تحقيق مدرسة ا نصاف وتكافؤ الفر ‪ ،‬وذلي باالرتكاز على ثمان رافعات‬
‫أساسية وهي‪ :‬التحقيق الفعلي ملبدأ املساواة في ولوج التربية والتكوين دون أي‬
‫تمييز‪ ،‬وإلزامية التعليم األولي وتعميمه‪ ،‬واستهداف تعميم وتنمية التمدرس‬
‫باألوساط القروية وشبه الحضرية واملناطق ذات الخصا بتخويلها تمييزا‬
‫إيجابيا‪ ،‬وت مين الحق في ولوج التربية والتكوين لألشخا في وضعية إعاقة أو في‬
‫وضعيات خاصة‪ ،‬وتملين املتعلمة واملتعلم من استدامة التعلم وبناء املشروع‬
‫الشخص ي واالندماج‪ ،‬وتملين مؤسسات التربية والتكوين من الت طير الالزم ومن‬
‫التجهيزات والدعم لضمان ا نصاف والتعميم التام‪ ،‬وتحقيق مدرسة ذات‬
‫جدوى وجاذبية‪ ،‬واعتبار التعليم الخا شريي للتعليم العموم في التعميم‬
‫وتحقيق ا نصاف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحقيق مدرسة الجودة للجميع من خالل هدفين مؤطرين؛ جعل الحاصل‬
‫على الباكالوريا متملنا من اللغة العربية وقادرا على التواصل باألمازيغية ومتقنا‬
‫للغتين أجنبيتين على األقل‪ ،‬وا عمال التدريجي للتناوب اللغوي كآلية لتعزيز‬
‫التملن من اللغات عن طريق التدريس بها‪ .‬ويت سس ه ا الهدف على ثالثة‬
‫مرتلزات وهي تحقيق ا نصاف وتكافؤ الفر في تعلم اللغات‪ ،‬وحضور اللغتين‬
‫الوطنيتين الرسميتين في مستوى مكانتهما الدستورية واالجتماعية‪ ،‬وإرساء‬
‫تعددية لغوية تدريجية ومتوازنة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تحقيق مدرسة االرتقاء الفردي واملجتمعي من خالل س رافعات وهي‬
‫مالءمة التعلمات والتكوينات مع حاجات البالد ومهن املستقبل والتملين من‬
‫االندماج‪ ،‬وتقوية االندماج السوسيوثقافي‪ ،‬وترسيخ مجتمع املواطنة‬

‫‪206‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫والديمقراطية واملساواة‪ ،‬وت مين التعلم مدى الحياة‪ ،‬واالنخراط الفاعل في‬
‫اقتصاد ومجتمع املعرفة‪ ،‬وتعزيز تموقع املغرب ضمن البلدان الصاعدة‪.‬‬
‫را عا‪ :‬تحقيق ريادة ناجعة وتدبير جديد للتغيير من خالل رافعتين؛ تعبئة‬
‫مجتمعية مستدامة‪ ،‬وريادة وقدرات تدبيرية ناجعة في مختلف مستويات‬
‫املدرسة‪.‬‬
‫أما القانون ا طار فيعد تحويال لالختيارات اللبرى لالستراتيجية إلى تعاقد وط ي‬
‫ملزم‪ ،‬معلنا في ديباجته ب ن جوهره يلمن في إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام‬
‫الجميع‪ ،‬تتوخى ت هيل الرأسمال البشري‪ ،‬مستندة إلى ركيزت املساواة وتكافؤ‬
‫الفر ‪ ،‬والجودة للجميع‪ ،‬غية تحقيق الهدف األسمى املتمثل في االرتقاء بالفرد‬
‫وتقدم املجتمع‪.‬‬
‫وقد حر قانون ا طار على استجماع ما تم تحديده من أهداف سابقا‪ ،‬بداية‬
‫من الت كيد على ثواب الهوية واالنتماء (املادة‪ ،)45‬وتحديد األهداف اللبرى‬
‫ملنظومة التربية والتكوين في تزويد املجتمع باللفاءات والنخ (املادة‪ ،)5‬وتنويع‬
‫العرض التربوي وانسجامه مع التجسير بين مختلف املكونات واملسارات‪ ،‬مع‬
‫الحر على تدريس اللغات والعمل على إتقانها من قبل املتعلمين واعتماد مبدأ‬
‫التناوب اللغوي (املادة‪ ،)31‬وتنمية البحث العلمي بتعزيز وتنفي أهداف‬
‫الصندوق الوط ي لدعم البحث العلمي والتنمية التلنولوجية املحدث بموج‬
‫قانون املالية رقم ‪ 55.00‬للسنة املالية ‪( 12001‬املادة‪ .)50‬وإعادة تنظيم التعليم‬
‫الخصوص ي لدمجه في املرفق العموم ليقوم ب دواره االجتماعية‪ ،‬خاصة مع‬
‫الفئات املعوزة واملحتاجة (املادة‪ )13‬وضبط ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة‬
‫والت مين والخدمات ذات الصلة (املادة‪ .)14‬وبخصو قضية تمويل املنظومة‪،‬‬
‫يلرس القانون مجانية التعليم في جميع أسالكه (املادة ‪ ،)45‬ويرصن مبدأ‬
‫التضامن مع باقي الفاعلين لتحمل تكاليف تمويل املنظومة (املادة ‪ ،)46‬وفي ذلي‬

‫‪ - 1‬يتعلق األمر بتنفي الظهير الشريف رقم ‪ 1.00.351‬بتاريخ ‪ 29‬رمضان ‪ 26( 1421‬دجنبر‬
‫‪.)2000‬‬
‫‪207‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫لتنويع مصادر تمويل منظومة التربية‬ ‫يطرح مبادرة إحداث صندوق خا‬
‫والتكوين وتحسين جودتها (املادة‪.)47‬‬
‫وتبق مقترحات النموذج الجديد أقل جرأة ووضوحا من ه ه املضامين والبنود‪.‬‬
‫‪ -4-1‬القانون اإلطاررقم ‪ 09.21‬املتعلق بالحماية االجتماعية‪.1‬‬
‫ستهدف القانون تدعيم واستلمال جملة البرامج االجتماعية السابقة‪ :‬املبادرة‬
‫الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬ونظام املساعدة الطبية راميد‪ ،‬وبرنامج تيسير لدعم‬
‫تمدرس األطفال‪ ،‬وبرامج دعم األرامل‪ .‬ويغط املجاالت التي حددها خطاب‬
‫افتتاح الدورة التشريعية في ‪ 9‬أكتوبر ‪ ،2020‬إذ من املتوقع أن البرامج املندرجة‬
‫في ه ا السياق سيستفيد منها ‪ 22‬مليون مغر في حدود سنة ‪ .2025‬وقد رصدت‬
‫له ا املشروع مبالغ مالية سنوية تقدر ب ‪ 51‬مليار درهم سنويا‪ ،‬وسيتم تنزيل‬
‫املشروع على أر ع مراحل ب ر ع خطوات وأهداف هي على التوالي‪:‬‬
‫‪ ‬في أفق ‪ :2022‬تعميم الت مين ا جباري األساس ي عن املرض‪ ،‬وإرساء‬
‫تغطية صحية ت مينية شاملة وموحدة‪ ،‬يتوقع املشروع أن ستفيد منها‬
‫حوالي ‪ 22‬مليون شخص إضافي‪ ،‬منهم الفئات املستفيدة من نظام‬
‫املساعدة الطبية راميد‪ ،‬وال ي سيتحول إلى نظام ت مي ي‪ ،‬واألشخا‬
‫ال ين يزاولون نشاطا خاصا كاملهنيين والعمال املستقلين؛‬
‫‪ ‬في أفق ‪ :2024‬تعميم التعويضات العائلية تشمل ثالثة ماليين أسرة‪،‬‬
‫إما عبر تعويضات جزافية‪ ،‬أو تعويضات حس الحاالت االجتماعية‪،‬‬
‫أو تعويضات الحماية من املخاطر التي تمس الطفولة؛‬
‫‪ ‬في أفق ‪ :2025‬توسيع قاعدة املنخرطين في أنظمة التقاعد‪ ،‬وتخص‬
‫العاملين ال ين ال ستفيدون من معاش كاملهنيين‪ ،‬والعمال املستقلين‪،‬‬
‫ومزاولي النشاطات الخاصة غير األجراء‪ .‬با ضافة إلى تعميم االستفادة‬

‫‪ - 1‬انظر الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪.6975‬‬


‫‪208‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫ال ين‬ ‫من التعويض عن فقدان الشغل‪ ،‬خاصة بالنسبة لألشخا‬


‫يتوفرون على شغل قار‪.‬‬
‫‪ -5-1‬االستراتيجية الوطنية املندمجة للشباب ‪.2030-2015‬‬
‫من جانبها قام وزارة الشباب والرياضة بإعداد استراتيجيتها الخاصة‪ ،‬تقول‬
‫ش نها أنه رغم تعدد االستراتيجيات‪ ،‬إال أن ما يميز استراتيجيتها الحالية هو‬
‫البحث في سبل االلتقائية من أجل مصلحة الشباب‪ .‬وقد ارتلزت ه ه‬
‫االستراتيجية على خمسة محاور‪ ،‬وضع لكل منها أهدافا وتدابير محددة‪:‬‬
‫املحور األول‪ :‬الرفع من الفر االقتصادية املتاحة للشباب‪ ،‬ومن قابليتهم‬
‫للتشغيل وذلي بتحقيق األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ -‬دعم متا عة الشباب لدراستهم وبنائهم لتصور منهي مستقبلي في سن‬
‫مبلر؛‬
‫‪ -‬مالءمة اكتساب اللفاءات مع متطلبات سوق الشغل؛‬
‫‪ -‬تطوير البرامج التي تساعد على االنتقال من املدرسة إلى سوق الشغل؛‬
‫‪ -‬تشجيع الشباب على التشغيل ال ات واملبادرة الفردية‪ ،‬خاصة في‬
‫املناطق القروية وشبه الحضرية؛‬
‫‪ -‬االرتقاء بالتدابير التنظيمية الخاصة بت هيل الشباب للتو يف‪.‬‬
‫املحور الثان ‪ :‬تطوير ولوج الشباب إلى الخدمات األساسية وتحسين جودتها‪،‬‬
‫وتقليص الفوارق الجغرافية من خالل تحقيق األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تحسين الولوج إلى الخدمات الصحية؛‬
‫‪ -‬ضمان الولوج العادل لإليواء املدرس ي ابتداء من الطور الثانوي؛‬
‫‪ -‬إعادة ت هيل البنيات السوسيوثقافية وتسهيل الولوج إلى خدماتها؛‬
‫‪ -‬منح الشباب امتيازات تفضيلية للولوج للخدمات األساسية والنقل‬
‫والسياحة والثقافة؛‬
‫‪ -‬تقوية الخدمات العمومية الهادفة إلى تقليص السلوكات املحفوفة‬
‫باملخاطر‪.‬‬
‫‪209‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫املحور الثالث‪ :‬تشجيع املشاركة الفاعلة للشباب في الحياة االجتماعية واملدنية‪،‬‬


‫وفي صناعة القرار وذلي عبر‪:‬‬
‫‪ -‬ترسيخ قيم املواطنة واالنتماء لدى الشباب؛‬
‫‪ -‬تقوية املشاركة الجمعوية املواطنة للشباب؛‬
‫‪ -‬تقوية اللفاءات الجمعوية للشباب؛‬
‫‪ -‬إشراك الشباب في صنع القرارات‪ ،‬التي تتخ في إطار السياسات‬
‫العمومية ش نه وفي الحكامة املحلية؛‬
‫‪ -‬تشجيع املشاركة السياسية للشباب‪.‬‬
‫املحور الرا ع‪ :‬تعزيز احترام حقوق ا نسان عبر بلوغ األهداف الخاصة التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تشجيع التعريف بحقوق ا نسان؛‬
‫‪ -‬وضع إطار قانون ومؤسسات لحماية حرية التعبير واستنكار انتهاكات‬
‫حقوق ا نسان؛‬
‫املحور الخامس‪ :‬تقوية املقتضيات املؤسساتية املتعلقة بالتواصل وا عالم‬
‫والتقييم والحكامة ببلوغ األهداف التالية‪:‬‬
‫‪ -‬خلق وسائط جديدة للتواصل وا عالم؛‬
‫‪ -‬إعادة التفلير في أنماط استقبال الشباب والتواصل معهم وتوجيههم؛‬
‫‪ -‬تشجيع التنسيق وتناغم التدخالت لصالح الشباب؛‬
‫‪ -‬تطوير قاعدة بيانات حول الشباب وتقوية أدوات الحكامة؛‬
‫‪ -‬تحسين أدوات تتبع وتقييم السياسات والبرامج الخاصة بالشباب‪.‬‬
‫‪ -6-1‬مخطط الصحة في أفق ‪.2025‬‬
‫في اجتماع مجلس الحكومة املنعقد في ‪ 19‬أبريل ‪ ،2018‬تقدم وزير الصحة‬
‫عرض عن املحاور الرئيسية له ا املشروع‪ ،‬ال ي ينب ي على س (‪ )06‬قيم وهي‬
‫االستمرارية والقرب‪ ،‬واملسؤولية واملحاسبة‪ ،‬والتكافل والتضامن‪ ،‬واملساواة في‬

‫‪210‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الولوج واألداء‪ ،‬والنجاعة والجودة في الخدمات‪ ،‬وثالث دعامات رئيسية يندرج‬


‫تحتها ‪ 25‬محورا و‪ 125‬إجراء‪ .‬أما الدعامات فهي تمس القضايا التالية‪:‬‬
‫تنظيم وتطوير عرض العالجات بهدف تحسين الولوج إلى الخدمات الصحية‪،‬‬
‫عبر‪:‬‬
‫‪ -‬تنظيم العرض الصحي الوط ي؛‬
‫‪ -‬تطوير الشبلة العمومية‪ ،‬وتعزيز شبلة مؤسسات الرعاية الصحية‬
‫األولية؛‬
‫‪ -‬تطوير الصحة املتنقلة بالعالم القروي؛‬
‫‪ -‬تطوير صحة القرب وط األسرة؛‬
‫‪ -‬تقوية الصحة الوطنية وبرامج محاربة األمراض؛‬
‫‪ -‬تعزيز برامج األم والطفل ك ولوية وطنية؛‬
‫‪ -‬تعزيز صحة ذوي االحتياجات الخاصة؛‬
‫‪ -‬تقوية محاربة األمراض السارية؛‬
‫‪ -‬تحيين املخطط الوط ي للصحة النفسية والعقلية؛‬
‫‪ -‬تعزيز اليقظة الصحية واألمن الصحي‪.‬‬
‫تطوير حكامة القطاع وترشيد استخدام املوارد واستعمالها‪ ،‬وتشتمل على‬
‫ا جراءات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬توسيع التغطية الصحية األساسية؛‬
‫‪ -‬معالجة الخصا في املوارد البشرية؛‬
‫‪ -‬تحسين روف العمل وتحفيز املهنيين؛‬
‫‪ -‬تعزيز الت طير التشريعي والتنظيمي في القطاع الصحي؛‬
‫وهناك استراتيجيات أخرى سارية التنفي وقوانين مستجدة تتقاطع أهدافها مع‬
‫أهداف النموذج الجديد‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪ ‬االستراتيجية الوطنية للموانئ في أفق ‪2030‬؛‬
‫‪" ‬الجيل األخضر" كاستراتيجية فالحية جديدة ‪2030-2020‬؛‬
‫‪211‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬استراتيجية غابات املغرب ‪2030-2020‬؛‬


‫‪ ‬مخطط ا نعاش الصناعي في أفق ‪2023‬؛‬
‫‪ ‬االستراتيجية الوطنية لفائدة مغاربة العالم في أفق ‪2030‬؛‬
‫‪ ‬االستراتيجية الوطنية ملحاربة العنف ضد النساء ‪.2030-2020‬‬
‫وإذا رجعنا إلى تفاصيل مجموع االستراتيجيات والقوانين ا طار‪ ،‬ودمجنا البرامج‬
‫عضها في عض‪ ،‬غية تحقيق ما عتبر فشال في النموذج السابق كااللتقائية‬
‫والتشاركية وغيرها‪ .‬ف كيد أننا سنكون أمام نموذج تنموي متكامل‪ ،‬وسنكون في‬
‫غ ى عن هدر األموال والوق والطاقات التي خصص عداد التقرير الجديد‪،‬‬
‫وستكون فرصة لتحقيق ربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬وحمل هيئات ومؤسسات‬
‫الدولة على القيام بواجباتها‪.‬‬
‫‪ -2‬نموذج تنموي في ظل تناقضات صارخة؛ أوراش كبرى ومعضالت أكبر‪.‬‬
‫من خطاب فشل النموذج التنموي‪ ،‬وتعيين لجنة النموذج الجديد‪ ،‬ترق‬
‫الجميع ا شارات االستثنائية الصادرة عن مؤسسات الدولة‪ ،‬وخاصة مبادرات‬
‫املؤسسة املللية في ش ن القضايا البنيوية للتنمية‪ ،‬من قبيل ملف حقوق‬
‫ا نسان‪ ،‬والخدمات االجتماعية‪ ،‬واالنفراج السياس ي‪ ،‬وحرية ا عالم‬
‫والصحافة‪ ،‬وقضايا املساواة والعدالة املجالية واالجتماعية والجيلية والفئوية‪.‬‬
‫‪ -1-2‬إشارات وتحركات إيجابية‪.‬‬
‫قام الدولة ببعض املبادرات الجيدة‪ ،‬التي تمس الحاجات األساسية‬
‫للمواطنين‪ ،‬وتيهئ الرأي العام لتلق النسخة الثانية من النموذج التنموي‪.‬‬
‫‪ ‬إعداد خطة وطنية (اقتصادية واجتماعية) ملواجهة جائحة كورونا‪.‬‬
‫ملواجهة تداعيات جائحة كورونا على االقتصاد واملجتمع‪ ،‬لج املغرب إلى خطة‬
‫متعددة االتجاهات للتقليل من املخاطر والتداعيات‪ .‬ورغم أن ا دارة املغربية‬
‫ت خرت في عض القرارات‪ ،‬من قبيل غلق الحدود البرية والجوية‪ ،‬خاصة مع‬

‫‪212‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الدول األوربية‪ ،‬لج املغرب إلى اتخاذ تدابيراستباقية‪ ،‬و عض ا جراءات التي كان‬
‫لها ت ثير إيجا ومنها‪:‬‬
‫‪ ‬تعليق الدراسة باملدارس والجامعات ومراكز التدري ابتداءا من ‪16‬‬
‫مارس ‪2020‬؛‬
‫‪ ‬إعالن حالة الطوارئ الصحية يوم ‪ 19‬مارس ‪ ،12020‬والشروع في‬
‫تمديدها حس الحالة الوبائية للممللة‪ ،‬حيث تم تمديدها في‬
‫البداية مرتين إلى غاية ‪ 10‬يونيو ‪2020‬؛‬
‫‪ ‬على املستوى املالي‪/‬النقدي‪ ،‬وللحفاظ على االحتياطات الضرورية من‬
‫العمالت األجنبية‪ ،‬ولتفادي الصدمات الخارجية املتوقعة لالقتصاد‬
‫الوط ي‪ ،‬سح بني املغرب يوم ‪ 7‬أبريل ‪ 2020‬مبلغ ‪ 3‬مليار دوالر (‪30‬‬
‫مليار درهم) من خط الوقاية والسيولة لصندوق النقد الدولي‪،‬‬
‫بمقتض ى االتفاق املبرم مع ه ا األخيرسنة ‪ .22012‬كما لج ت‬
‫الحكومة إلى طل الترخيص لتجاوز سقف االقتراض الخارجي املحدد‬
‫في ‪ 31‬مليار درهم بموج قانون املالية لسنة ‪32020‬؛‬
‫‪ ‬بمقتض ى املرسوم رقم ‪ 2.20.269‬الصادر في ‪ 16‬مارس ‪ ،2020‬تم‬
‫إحداث "الصندوق الخا بتدبير جائحة فيروس كورونا "كوفيد‬
‫‪ ،"19‬لت هيل املنظومة الصحية‪ ،‬ودعم االقتصاد الوط ي‪ ،‬والحفاظ‬
‫على مناص الشغل‪ ،‬والتخفيف من التداعيات االجتماعية‬
‫للجائحة‪ .‬وقد بلغ مجموع موارد ه ا الصندوق إلى حدود ‪ 24‬أبريل‬

‫‪ - 1‬مرسوم رقم ‪ 2.20.293‬صادر في ‪ 29‬من رج ‪ 24( 1441‬مارس ‪ )2020‬بإعالن حالة‬


‫الطوارئ الصحية سائر التراب الوط ي ملواجهة تفش ي فيروس كورونا – كوفيد ‪.19‬‬
‫‪ 2‬صندوق النقد الدولي‪ ،‬بيان صحف رقم ‪ ،18/477‬املجلس التنفي ي يوافق للمغرب على‬
‫‪ 2,97‬مليار دوالر أمريك في إطار "خط الوقاية والسيولة"‪ ،‬بتاريخ ‪ 17‬دجنبر ‪.2018‬‬
‫‪ 3‬هير شريف رقم ‪ 1.19.125‬صادر في ‪ 16‬من ربيع اآلخر ‪ 13( 1441‬د سمبر ‪ )2019‬بتنفي‬
‫قانون املالية رقم ‪ 70.19‬للسنة املالية ‪.2020‬‬
‫‪213‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ 2020‬ما يفوق ‪ 32‬مليار درهم‪ ،‬في حين بلغ نفقاته خالل نفس‬
‫الفترة ‪6,2‬مليار درهم فقط‪ ،‬خصص منها ‪ 2‬مليار درهم لدعم‬
‫وزارة الصحة القتناء املعدات واملستلزمات الطبية الضرورية‬
‫ملواجهة الجائحة‪.1‬‬
‫اتخاذ حزمة من ا جراءات لفائدة املقاوالت املتضررة جراء الجائحة‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫حيث اتخ ت لجنة اليقظة االقتصادية جملة من ا جراءات‪ ،‬هم‬


‫بالخصو ؛ ت جيل مساهمات املقاوالت املتضررة في الصندوق‬
‫الوط ي للضمان االجتماعي‪ ،‬وت جيل الديون املستحقة للقطاع‬
‫البنك ‪ ،‬وإقرار آليات لضمان القروض لفائدة املقاوالت لغرض‬
‫استئناف نشاطها؛‬
‫على املستوى االجتماعي‪ ،2‬تم دعم األسر الفقيرة والهشة بتعويضات‬ ‫‪‬‬

‫شهرية تتراوح ما بين ‪ 800‬و‪ 1.200‬درهم حس عدد أفراد األسرة‬


‫خالل الفترة املمتدة ما بين ‪ 15‬مارس و‪ 30‬يونيو ‪.32020‬‬
‫وقد هم املساعدات فئات واسعة‪ ،‬حيث بلغ عدد املستفيدين‬
‫املفترضين من دعم صندوق تدبير كورونا ما يقارب ‪ 950‬ألف أجير‬
‫مصرح به في الصندوق الوط ي للضمان االجتماعي‪ ،‬وحوالي ‪2,3‬‬

‫‪ - 1‬عرض وزير االقتصاد واملالية وإصالح ا دارة أمام مجلس النواب جوابا على السؤال‬
‫الشفوي املتعلق ب "التدابير املالية واالقتصادية ملجابهة األزمة الناتجة عن جائحة كورونا‬
‫"كوفيد ‪"19‬بتاريخ ‪ 27‬أبريل ‪.2020‬‬
‫‪ - 2‬للمزيد من التفاصيل أنظر‪ :‬بالغ لجنة اليقظة االقتصادية ليوم ‪ 23‬مارس ‪.2020‬‬
‫‪ - 3‬كان الدعم مخصصا لفائدة األجراء واملستخدمين املنخرطين بالصندوق الوط ي للضمان‬
‫االجتماعي‪ ،‬املتوقفين عن العمل‪ .‬كما تم دعم أرباب األسر املتوفرون على بطاقة نظام‬
‫املساعدة الطبية "راميد"‪ ،‬وك لي األسر التي تشتغل بالقطاع غير املهيكل‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫مليون أسرة شملها نظام املساعدة الطبية "راميد"‪ ،‬وحوالي ‪ 2‬مليون‬
‫أسرة بالقطاع غير املهيكل‪.1‬‬
‫‪ ‬املصادقة على قانون الحماية االجتماعية‪.‬‬
‫كما ذكرنا سابقا‪ ،‬صادق مجلس الوزراء في الحادي عشر من شهر فبراير ‪2021‬‬
‫على مشروع قانون إطار يتعلق بالحماية االجتماعية (مشروع قانون رقم‬
‫‪ ،)21.09‬بهدف تعميم التغطية االجتماعية لجميع املغاربة في أفق خمس سنوات‬
‫املقبلة‪ .‬وقد اعتبرت املصالح الرسمية ومؤسسات الدولة أن مبادرة املصادقة‬
‫ه ه؛ بمثابة "ثورة اجتماعية حقيقية"‪ ،‬كما تحدث بيان صادر عن القصر امللك‬
‫عن مشاريع اجتماعية استثنائية ستهدفها القانون الجديد‪ ،‬على رأسها تحسين‬
‫روف عيش املواطنين‪ ،‬وتحصين الفئات الهشة‪ ،‬ودعم القدرة الشرائية لألسر‪.‬‬
‫وقد جاءت املصادقة دعما لخيار األولوية االجتماعية‪ ،‬التي تحدث عنها‬
‫الخطابات املللية من ا عالن عن فشل النموذج التنموي‪ ،‬وجوابا عن‬
‫التداعيات االستثنائية؛ االقتصادية واالجتماعية التي خلفتها جائحة كورونا‪.‬‬
‫‪ ‬نجا املغرب في تأمين الجرعات الكافية من اللقا ‪ ،‬وتنظيم الحملة وفق‬
‫خطة مضبوطة‪.‬‬
‫عد عام من الترق والهلع‪ ،‬خاض املنتظم الدولي تجربة البحث عن لقاح ضد‬
‫فيروس كورونا‪ ،‬فتزايد التسابق املحموم نحو اقتناء كميات الجرعات الضرورية‪،‬‬
‫وقد أفرزت املرحلة تباينا واضحا بين الدول‪ ،‬حيث است ثرت الدول العظمى‬
‫بلميات وافرة من جرعات اللقاح‪ ،‬في حين أن العديد من الدول النامية لم‬
‫تستطع الظفر بالحد األدن منه‪ ،‬أما الدول الفقيرة فبقي عاجزة عن دخول‬
‫سوق املنافسة على اللقاحات‪.‬‬

‫‪ 1‬عرض وزير االقتصاد واملالية وإصالح ا دارة أمام مجلس النواب جوابا على السؤال‬
‫الشفوي املتعلق ب "التدابير املالية واالقتصادية ملجابهة األزمة الناتجة عن جائحة كورونا‬
‫"كوفيد ‪"19‬بتاريخ ‪ 27‬أبريل ‪2020‬؛ وبالغ لجنة اليقظة االقتصادية في اجتماعها ليوم ‪21‬‬
‫ماي ‪.2020‬‬
‫‪215‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫في ل ه ه الوضعية املتناقضة‪ ،‬استطاع املغرب توفير اللميات الضرورية من‬


‫اللقاح عد الدخول في مفاوضات ناجحة مع الشركات املنتجة‪ ،‬والتعاقد لتوفير‬
‫ما يفوق ‪ 65‬مليون جرعة من لقاحي أسترازينيكا وسينوفارم خالل بداية حملة‬
‫التلقيح‪.‬‬
‫وبا ضافة إلى توفير اللميات والجرعات الضرورية‪ ،‬استطاع السلطات‬
‫املختصة تنظيم حملة منظمة للتلقيح‪ ،‬شمل في مرحلتها األولى فئة كبار السن‬
‫والعاملين في قطاعات الصفوف األمامية من األمن والجيش والصحة والتعليم‪.‬‬
‫ويطمح املغرب إلى تلقيح حوالي ‪ %80‬من السكان‪ .‬وإلى حدود بداية دجنبر (‪08‬‬
‫دجنبر ‪ ،)2021‬بلغ العدد ا جمالي للمستفيدين من الجرعة األولى ‪ 24‬مليون‬
‫و‪ 449‬ألف و‪ ،866‬وبلغ عدد املستفيدين من الجرعة الثانية خالل نفس الفترة‬
‫‪ 22‬مليون و‪ 746‬ألف و‪ ،994‬في حين يبق عدد املستفيدين من الجرعة الثالثة‬
‫ضعيفا ال يتجاوز مليون و‪ 896‬ألف و‪ 565‬مستفيد‪.‬‬
‫وقد اعتمدت السلطات املختصة منهجية تدريجية ساهم في توسيع الدائرة‬
‫بإقحام فئة الشباب في بداية األمر (‪ 25‬سنة ثم عدها ‪ 18‬سنة)‪ ،‬ثم فئة األطفال‬
‫بمناسبة الدخول املدرس ي‪ ،‬مما رفع عدد الجرعات املوزعة‪ .‬وقد ساهم قرار‬
‫إجبارية جواز التلقيح للتنقل بين املدن‪ ،‬خالل عطلة عيد األضحى والعطلة‬
‫الصيفية‪ ،‬في إقبال املغاربة على اللقاح‪ ،‬إضافة إلى عدم اعتماد شرط السلن في‬
‫االستفادة من التلقيح‪ .‬إال أن قرار فرض جواز التلقيح لالستفادة من الخدمات‬
‫العمومية‪ ،‬فيما عد‪ ،‬أجج عددا من االحتجاجات الوطنية واملحلية‪.‬‬
‫‪ ‬إر اصات انفراج جزئي في بعض قضايا الرأي‪.‬‬
‫بادرت السلطات املغربية إلى إحداث انفراج في عض امللفات الحساسة‪ ،‬ومنها‬
‫ملف املؤرخ "املعط منج "‪ ،‬ال ي تم إطالق سراحه عد ا دانة في قضايا‬
‫التعامل املالي والتنسيق مع جهات أجنبية (غسيل أموال)‪ ،‬وغيرها من التهم‪ ،‬التي‬
‫حلم في عضها سنة سجنا ناف ة‪ .‬و عد دخوله في إضراب عن الطعام‪ ،‬كلفه‬

‫‪216‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫فقدام ما يفوق ‪ 12‬كيلوغرام من وزنه – كما صرح ب لي‪ -‬تم ا فراج املؤق عنه‬
‫بقرار من قاض ي التحقيق باملحلمة االبتدائية بالرباط في ‪ 23‬مارس ‪ ،2021‬وذلي‬
‫عدما أحرزت قضيته مساندة واسعة في الداخل والخارج‪ ،‬و عدما دخل في‬
‫إضراب مفتوح عن الطعام‪.‬‬
‫‪ -2-2‬إر اصات ومقدمات سلبية في وجه إعالن النموذج‪.‬‬
‫في الجان السلبي ملقدمات إعالن النموذج‪ ،‬نسجل الزيادة في أثمان عدد من‬
‫املواد الغ ائية‪ ،‬والعزم على إنهاء صندوق املقاصة‪ ،‬في رفية ضائقة اقتصادية‬
‫واضحة‪.1‬‬

‫وثيقة صادرة عن جمعية حماية املستهلك بمدينة العروي (‪ 09‬شتنبر‪)2021‬‬


‫كما شهدت مرحلة إطالق النموذج مظاهر وأحداثا غير مساعدة من أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬تجدر ا شارة إلى أن الزيادة في األسعار لم تتوقف حتى عد إعالن النموذج‪ ،‬وإلى حدود‬
‫طبع ه ا اللتاب‪ :‬نهاية يوليوز ‪ ،2022‬ال تزال أسعار املحروقات والعديد من املواد األولية‬
‫والغ ائية في تصاعد مستمر‪.‬‬
‫‪217‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬تأخرإعالن تقريرلجنة النموذج وتأكد استمرارالوصاية الفرنسية‪.‬‬


‫من املؤكد أن النموذج التنموي املغر لن يكون مستقال شكل تام عن‬
‫التوجيهات الدولية واستشارة الدول اللبرى‪ ،‬التي سميها الخطاب الرسمي‬
‫"صديقة"‪ ،‬فه ه الدول هي املانحة وهي املقدمة للعديد من املساعدات‬
‫والقروض‪ ،‬واملستثمرة في العديد من املشاريع‪ ،‬التي عدها املغرب تنموية‪ ،‬أو‬
‫تندرج ضمن األوراش اللبرى وبرامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬أو مشاريع‬
‫االستثمار في القطاعات ا نتاجية املغربية‪.‬‬
‫للن املشكلة تلمن في تناقض الخطاب الرسمي‪ ،‬ال ي يؤكد حتمية االندماج‬
‫الدولي‪ ،‬بما هي عليه صيغته الحالية‪ ،‬من تبعية وتوجيه ووصاية في كثير من‬
‫األحيان‪ ،‬وينف في نفس الوق خضوعه لتوجيهات أو توصيات خارجية‪ .‬وت ت‬
‫تدوينة السفيرة الفرنسية في ه ا السياق‪ ،‬حيث بادرت األخيرة إلى ا بالغ عن‬
‫تقديم رئيس لجنة النموذج التنموي لتقرير عن خالصات عمل اللجنة‪ ،‬وذلي في‬
‫الوق ال ي لم يتم فيه عرض أي ش يء ي كر على املؤسسات الدستورية أو‬
‫الشع ‪.‬‬
‫وقد أثارت قضية التشاور ه ه سخطا عارما من قبل املتتبعين‪ ،‬وخاصة رواد‬
‫مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬ال ين عبروا عن استيائهم العميق من استمرار‬
‫وصاية الدول العظمى‪ ،‬وخاصة فرنسا‪ ،‬باعتبارها دولة مستعمرة‪ ،‬مما يؤكد‪ ،‬كما‬
‫عبر عن ذلي اللثيرون‪ ،‬استمرار االستعمار الفرنس ي في صيغته املعاصرة‬
‫(التبعية وخدمة املصالح الفرنسية العليا)‪.‬‬
‫ولم تستطع لجنة النموذج تبديد مخاوف املغاربة من استمرار النماذج التنموية‬
‫في خدمة املصالح الفرنسية وكبار املستثمرين‪ ،‬بل زادت من الشكوك التي تلف‬
‫املوضوع برمته‪ ،‬عندما جاء رد اللجنة الرسمي على صفحتها على مواقع التواصل‬
‫االجتماعي ب نه "تم الحديث عن عد مع السفيرة الفرنسية‪ ،‬بطل منها‪ ،‬على غرار‬
‫لقاءات سابقة مع سفراء بلدان صديقة وممثلين ملؤسسات دولية"‪ ،‬ومما يؤكد‬

‫‪218‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وصاية الدول املانحة حس املنتقدين‪ ،‬ما جاء في رد اللجنة من حديث عن‬


‫مشاورات بخصو العالقات بين املغرب وفرنسا وبين إفريقيا وأوروبا عد‬
‫الجائحة‪ ،‬وعن إخبار رئيس اللجنة للسفيرة الفرنسية عن املقاربة التشاركية التي‬
‫اعتمدتها لجنة النموذج التنموي‪.‬‬
‫ومن ا شارات السلبية التي تعتري إعالن النموذج التنموي ك لي‪ ،‬ت خر تقديم‬
‫الخالصات شهور‪ ،‬فقد كان متوقعا‪ ،‬حس الخطاب امللك ‪ ،‬وحس تصريحات‬
‫اللجنة‪ ،‬أن يتم عرض مشروع النموذج خالل مستهل سنة ‪ ،2021‬للن مرت‬
‫شهور عد الت جيل بمبررات الجائحة (ستة أشهر)‪ ،‬ولم يتم إصدار أي‬
‫توضيحات به ا الخصو ‪ .‬وقد أثارت قضية الت خر ه ه استياءا لدى املغاربة‪،‬‬
‫خاصة وأن هناك استمرارا للعديد من املبادرات املللية والحكومية التي من‬
‫املرجح أن تكون في صل النموذج التنموي‪ ،‬خاصة ما يرتبط بالجان االجتماعي‪،‬‬
‫ال ي من أجله حلم على النموذج القديم بالفشل‪ .‬وفي الوق ال ي سلت فيه‬
‫الجهات املعنية عن إعالن أسباب ت جيل ا عالن‪ ،‬خرج عض أعضاء لجنة‬
‫النموذج بتصريحات مفادها أن املشروع أصبح جاهزا‪ ،‬وينتظرون تحديد موعد‬
‫استقبال اللجنة من قبل امللي‪ ،‬ويوضحون أن شروط االشتغال في ل الجائحة‬
‫تعتريها العديد من ا كراهات التي ينبغي أخ ها عين االعتبار‪.‬‬
‫‪ ‬ضعف منهجية وخطط تدبيرتداعيات جائحة كورونا‪.‬‬
‫سبق وأن ذكرنا عض تداعيات الجائحة على االقتصاد واملجتمع‪ ،‬وقد أوردنا‬
‫العديد من األرقام الرسمية الدالة على حجم التداعيات‪ ،‬إذ يملن أن نستنتج أن‬
‫الجائحة أت على جزء كبير من مقومات الطبقات الفقيرة واملتوسطة‪ ،‬وعلى‬
‫عدد مماثل من املقاوالت الصغرى واملتوسطة‪ ،‬فعاش العديد من األسر ضائقة‬
‫مالية حقيقية لم تنفع معها املساعدات الضعيفة للدولة‪ ،‬وفقد جزء كبير من‬
‫اليد العاملة فر الشغل والدخل‪ ،‬سواء منه القار أو غيره‪ ،‬واتسع رقعة‬
‫التداعيات لتشمل املقاوالت املتوسطة و عض األنشطة الخدماتية‪ ،‬التي تعد‬

‫‪219‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫رافدا أساسيا نعاش االقتصاد الوط ي مثل السياحة وما يرتبط بها من خدمات‬
‫الفنادق واملطاعم والنقل‪.‬‬
‫‪ ‬استمرار اعتقال نشطاء حراك الريف‪ ،‬ومتابعة بعض الصحفيين‬
‫والنشطاء الجدد‪.‬‬
‫لم شهد ملف معتقلي حراك الريف أي انفراج‪ ،‬بل إن عض النشطاء غادروا‬
‫السجن عد إنهاء مدة الحلم عليهم‪ ،‬والبعض اآلخر ال يزال عبر عن معاناته‬
‫والتضييق عليه‪ ،‬وتستمر األسر في رفع وتوجيه نداءات استغاثة للمطالبة بإطالق‬
‫سراح أبنائها وتمتيعهم بظروف اعتقال تناس اعتبارهم نشطاء سياسيين‬
‫وفاعلين مدنيين‪ ،‬وإلى جان األسر واملعتقلين‪ ،‬يصطف جزء من املجتمع املغر‬
‫والعديد من السياسيين والحقوقيين واألكاديميين‪ ،‬بل إن العديد من املتتبعين ال‬
‫يتصور أفقا للمصالحة وآفاقا للتنمية وا صالح في املغرب دون حدوث انفراج في‬
‫امللف أو إطالق سراح معتقلي حراك الريف‪.‬‬
‫وعلى صلة باملوضوع‪ ،‬تميزت املرحلة باعتقال عض الصحفيين البارزين‪ ،‬من‬
‫بينهم صحفيو أخبار اليوم؛ "توفيق بو عشرين" مؤسس الصحيفة‪ ،‬ال ي حلم‬
‫عليه بالسجن ملدة ‪ 15‬عاما‪ ،‬ثم الصحفية "هاجر الريسون " التي حلم عليها‬
‫سنة ناف ة‪ ،‬والصحف "سليمان الريسون " ال ي تجاوز اعتقاله سنة كاملة دون‬
‫محاكمة‪ ،‬ما دفع به إلى خوض إضراب عن الطعام لم تفلح في إيقافه مناشدة‬
‫العديد من االصدقاء واملحامين وأفراد العائلة‪ ،‬وقد استمر "الريسون " في‬
‫إضرابه عن الطعام رغم الشروع في محاكمته وإنهاؤها بالحلم عليه بخمس‬
‫سنوات سجنا ناف ة‪.1‬‬
‫والقاسم املشترك بين الثالثة هو انتماؤهم للجسم الصحف ‪ ،‬ال ي يخوض غمار‬
‫تعرية عض األحداث وممارسات عض األشخا الناف ين في الدولة‪ ،‬أما قاسم‬

‫‪ - 1‬في بداية غش ‪ ،2021‬أوقف "الريسون " إضرابه عن الطعام عد إصرار هيئة دفاعه‬
‫و عض أصدقائه وإلحاحهم في طل ذلي‪.‬‬
‫‪220‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫التهمة فهي ترتبط بالجان األخالقي‪ ،‬وتتراوح ما بين ا جهاض والحمل الناتج عن‬
‫عالقة غير شرعية‪ ،‬وهتي عرض باستعمال العنف واالحتجاز واالتجار في البشر‪.‬‬
‫"عمر الراض ي" " هو واحد من الصحفيين ال ين طالهم االعتقال خالل ه ه‬
‫الفترة‪ ،‬وهو صوت آخر من األصوات غير املرغوب فيها‪ ،‬ألنه عبر عن عض‬
‫املواقف املناهضة ملمارسة الدولة في العديد من القضايا‪ ،‬سواء من خالل‬
‫التدوين في وسائل التواصل االجتماعي‪ ،‬أو من خالل املقاالت والتحقيقات‬
‫الصحفية لصالح منظمات إقليمية ودولية‪ .‬ومن بين التهم التي أدين فيها الراض ي‬
‫بالحبس هناك تهمة التجسس‪ ،‬واالعتداء الجنس ي‪ ،‬وهتي العرض بالعنف‬
‫واالغتصاب‪ ،‬واملس سالمة الدولة‪ ،‬والتخابر مع عمالء دولة أجنبية‪ ،‬والسلر‬
‫العل ي‪ ،‬وهي تهم ثقيلة جدا‪.‬‬
‫‪ ‬اعتقال شباب حراك مدينة الفنيدق‪.‬‬
‫عد توقف املعبر الحدودي ملدينة سبتة املحتلة‪ ،‬تضررت ساكنة مدينة الفنيدق‬
‫شكل واضح‪ ،‬حيث كان جل األسر تعيش على عائدات التهري واألنشطة‬
‫املرتبطة به‪ ،‬من نقل وتوصيل ووساطة وبيع وشراء‪ .‬وجراء تنام التداعيات‬
‫السلبية لغلق املعبر مع تفش ي جائحة كورونا‪ ،‬أصبح الساكنة بين مطرقة غلق‬
‫املعبر وسندان جائحة كورونا‪ ،‬فتراكم الديون على جل األسر‪ ،‬وعجزت العديد‬
‫منها عن تسديد فواتير املاء واللهرباء ونفقات تمدرس األطفال‪ ،‬مما دفع‬
‫بالساكنة إلى الخروج في حراك لم يلن متوقعا للمطالبة با نصاف لتجاوز األزمة‪،‬‬
‫وإيجاد حلول بديلة لتوفير الدخل الضروري للعيش اليوم ‪ .‬ورغم مبادرة الدولة‬
‫إلى تنشيط عجلة االقتصاد املحلي املتوقف‪ ،‬عبر إحداث عض األنشطة امل رة‬
‫للدخل‪ ،‬إال أن الساكنة تشتك من قصور ه ه املبادرات عن تحقيق العيش‬
‫اللريم‪.‬‬
‫وعلى خلفية حراك ساكنة املدينة تم اعتقال أر عة شباب بتهم التحريض على‬
‫العصيان‪ ،‬والتجمهر غير املسلح‪ ،‬وخرق حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬وإهانة هيئة‬
‫منظمة بقانون‪ ،‬ليتم إطالق سراحهم ومتا عتهم في حالة سراح‪ .‬وقد كان حراك‬
‫‪221‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفنيدق مفتوحا على كل االحتماالت نظرا للظرفية االستثنائية التي تبق فيها‬
‫الدولة صاحبة السيطرة والتعليمات‪ ،‬ومما زاد من احتمال دخول حراك املدينة‬
‫منعطفا استثنائيا تصريحات والي الجهة‪ ،‬ال ي لوح بإمكانية اللجوء إلى املقاربة‬
‫األمنية التي تم بها حسم حراك الريف‪.‬‬
‫‪ ‬استئناف نضال تنسيقية األساتذة املتعاقدين‪.‬‬
‫من ت سيس التنسيقية الوطنية‪ ،‬خاض األسات ة املتعاقدون‪ ،‬على مر ثالث‬
‫سنوات‪ ،‬نضاالت قوية بين وقفات محلية ومسيرات وطنية‪ .‬ورغم ت ثر حركة‬
‫املتعاقدين بظروف الحجر الصحي وقرارات منع التظاهرات والوقفات‪ ،‬إال أنها‬
‫استطاع استجماع الجسم التربوي له ه الفئة لتخوض نضاالت وطنية‬
‫استثنائية‪ ،‬كان أبرزها أسبوع الغض ال ي جسده آالف املتعاقدين بالعاصمة‬
‫الرباط (‪ 21/14‬مارس ‪ ،)2021‬مما اضطر الدولة للتدخل العنيف لتفريق‬
‫املتظاهرين‪ ،‬عد القيام بالعديد من املحاوالت لث ي األسات ة عن الوصول إلى‬
‫مدينة الرباط‪ ،‬وتوقيف كل مشتبه في حمله صفة أستاذ من اجتياز محطات‬
‫القطار‪ ،‬با ضافة إلى منع عض الفنادق من إيواء األسات ة واألستاذات لحملهم‬
‫على العودة إلى ديارهم‪ .‬للن رغم املحاوالت التي قام بها الدولة‪ ،‬استطاع‬
‫التنسيقية تجسيد مسيرات قوية‪ ،‬خاصة خالل يوم ‪ 16‬و ‪ 17‬مارس ‪،2021‬‬
‫والتي عرف تدخال عنيفا ألجهزة األمن‪ ،‬بل قام العديد من رجال األمن‬
‫ومساعديهم بتصرفات خارجة عن القانون واألعراف‪ ،‬من ركل وضرب وتنليل‬
‫وتحرش‪ ،1‬استهجنها عموم املغاربة و عض النخ ‪ ،‬وكان مادة إعالمية رئيسة في‬
‫العديد من املنابر ا عالمية الوطنية والدولية‪.‬‬

‫‪ - 1‬حس إفادات وشهادات عض األستاذات‪ ،‬فإن عض رجال األمن وأعوان السلطة قاموا‬
‫بالتحرش ب ستاذات واستفزازهن‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وقد كان ممارسات السلطة ه ه سببا في إعالن املركزيات النقابية تضامنها مع‬
‫ه ه الشريحة التعليمية‪ ،‬وإعالن األسبوع املوالي (‪ 27-22‬مارس ‪ )2021‬أسبوعا‬
‫للغض وفق برنامج متنوع من ا ضرابات الوطنية والوقفات املحلية والجهوية‪.‬‬

‫جدول توزيع إضراب املركزيات النقابية‬


‫‪UGTM‬‬ ‫‪FDT UMT CDT‬‬ ‫‪FNE UNTM‬‬
‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪ 22‬مارس‬
‫‪x‬‬ ‫‪x‬‬ ‫‪x‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪ 23‬مارس‬
‫‪x‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪ 24‬مارس‬
‫‪x‬‬ ‫‪X‬‬ ‫‪ 05‬أبريل‬
‫‪x‬‬ ‫‪ 06‬أبريل‬
‫املصدر‪ :‬بيانات املركزيات النقابية‬
‫وأمام انسداد أفق الحوار واألمل في حل املشكل‪ ،‬صعدت التنسيقية من نضاالتها‬
‫بإعالن مسيرة ‪ 6‬أبريل ‪ 2021‬رغم املنع املعلن من قبل السلطات‪ .‬ورغم‬
‫االعتقاالت على خلفية املشاركة في ه ه املسيرة‪ ،‬قررت التنسيقية تمديد‬
‫ا ضراب ليشمل يوم ‪ 9‬و‪ 10‬أبريل ‪.2021‬‬
‫وفي يوم ‪ 8‬أبريل ‪ ،2021‬تم تقديم املعتقلين من األسات ة أمام املحلمة‪ ،‬وآثار‬
‫الضرب بادية على عضهم‪ ،‬كما أن عض املعتقلين صرحوا ب نه تم اصطيادهم‬
‫من جنبات الطريق وفي األزقة‪ ،‬مما يؤكد‪ ،‬حس تصريحات عض املحامين‪ ،‬نية‬
‫ا يقاع بهم والتدبير املسبق ل لي من قبل القوات العمومية‪ .‬ولم يقتصر‬
‫االعتقال على الرجال من األسات ة‪ ،‬بل تعداه إلى النساء‪ ،‬كحالة األستاذتين‬
‫"فاطمة زرياح" و"نزهة مجدي" التي كان قد صرح فيما قبل أنها تعرض‬
‫لتحرش جنس ي من قبل أحد رجال األمن في مسيرة ‪ 17‬مارس ‪ ،2021‬ليطلق‬
‫سراحهم في اليوم ذاته‪ ،‬وإدراج ملفهم بجلسة ‪ 22‬ماي ‪.2021‬‬

‫‪223‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خاتمة‪.‬‬
‫تخلل أجواء طرح النموذج التنموي‪ ،‬في صيغته الثانية‪ ،‬إرهاصات مبادرات‬
‫جيدة‪ ،‬كما اعترتها أحداث وتحركات غير مساعدة‪ .‬وإذا كان عض رجال السلطة‬
‫السياسية يقتنعون ب ن األوراش اللبرى التي يخوضها املغرب‪ ،‬وتحسن موقعه‬
‫الجيواستراتيجي في عض املجاالت‪ ،‬تغط على املمارسات املشينة ألجهزة الدولة‬
‫و عض تحركاتها خارج القانون‪ ،‬فإن عض التقارير الدولية ومعها جزء من‬
‫النخبة قد يكون لها موقفا مخالفا ل لي كما أوضحنا في ه ا الفصل‪ ،‬مما يرجح‬
‫احتمال الت ثير في الشروط املوضوعية لتنزيل النموذج‪.‬‬
‫ولعل من صعوبات تنزيل النموذج الجديد ك لي‪ ،‬خوض املغرب استراتيجيات‬
‫قطاعية غير ملتملة‪ ،‬عضها عد التزاما دوليا للمغرب مع منظمات مانحة أو‬
‫راعية‪ ،‬ما يجعل النموذج الجديد في مه تجاذبات وتقاطبات متناقضة في كثير‬
‫من األحيان‪ ،‬وحدها األيام والسنين القادمة كفيلة بت كيد األقوى ت ثيرا وتوجيها‬
‫له‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفصل السادس‬
‫النموذج التنموي الجديد‬
‫مخطط إنمائ بنفس تلنوقراط‬

‫‪225‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫عد ت خر تجاوز خمسة أشهر‪ ،‬تم استقبال رئيس لجنة النموذج الجديد بالقصر‬
‫امللك في ‪ 25‬ماي ‪ ،2021‬وبحضور عدد من الشخصيات‪ ،‬تقدم "شلي بنموس ى"‬
‫بالتقرير املنجز‪ ،‬ال ي عد مخططا تنمويا تفصيليا بامتياز‪ ،‬استجمع فيه‬
‫اللجنة ما ينبغي العمل عليه لتحقيق االنتقال التنموي في أفق سنة ‪.2035‬‬
‫وبدعوة مختلف الفاعلين واملؤسسات الوطنية للمشاركة واملساهمة الفعالة في‬
‫تنفي التوصيات‪ ،‬كل حس اختصاصه‪ ،‬والت كيد على ضرورة تفعيل مقترح‬
‫اللجنة بإشراك كل القوى الحية فيما سمي "ميثاق وط ي من أجل التنمية"‪،‬‬
‫يصبح تقرير اللجنة سلطة خارج نسق املؤسسات ‪ ،‬تقترح وتوجه وت مر وتنهى‪.‬‬
‫فهل استجاب النموذج للطموحات الرسمية والشعبية املعلنة فيما قبل؟‬
‫‪ -1‬لجنة النموذج التنموي‪ ،‬البنية وآلية االشتغال‪.‬‬
‫في ‪ 19‬نونبر ‪ 2019‬ذكر بالغ للديوان امللك أنه تم تعيين شلي بنموس ى رئيسا‬
‫للجنة خاصة بصياغة النموذج التنموي‪ ،‬وهو خريج البوليتيلنيي الباريزية‬
‫(‪ ،)1979‬واملدرسة الوطنية للقناطر الباريزية ك لي (‪ ،)1981‬وحاصل على‬
‫شواهد أخرى في تخصص العلوم وتدبير املشاريع‪ .‬ويحظ "بنموس ى" بثقة‬
‫أصحاب القرار‪ ،‬ما خوله فرصة التعيين في العديد من املناص ‪ ،‬سواء في وزارة‬
‫التجهيز أو الداخلية أو عض الشركات اللبرى مثل "براسري دي ماروك"‬
‫و"صوناصيد" و"أونا" سابقا‪ ،‬با ضافة إلى تعيينه رئيسا للمنطقة الحرة بطنجة‪.‬‬
‫أما فيما يخص املناص الحكومية والدبلوماسية‪ ،‬فيبق منص الكات العام‬
‫للوزارة األولى (‪ ،)1995-1998‬ومنص الكات العام لوزارة الداخلية‪ ،‬ثم وزيرا‬
‫للداخلية‪ ،‬وسفيرا للمغرب في فرنسا (‪ ،)2013‬أهم املناص التي تقلدها‬
‫"بنموس ى"‪.‬‬
‫وفي ‪ 12‬دجنبر‪ ،2019‬استقبل امللي بالقصر امللك بالرباط أعضاء اللجنة‪ ،‬التي‬
‫تضم ‪ 35‬عضوا‪ ،‬وقد وصف بالغ الديوان امللك أعضاء اللجنة بكونهم "يتوفرون‬

‫‪226‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫على مسارات أكاديمية ومهنية متعددة‪ ،‬وعلى دراية واسعة باملجتمع املغر ‪،‬‬
‫وبالقضايا السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والبيئية" وهم‪:‬‬
‫‪ ‬أحمد الجمان ‪ :‬باحث في علم االجتماع‪ ،‬متخصص في الثقافة‬
‫الحسانية مهتم بالتنمية املجالية؛‬
‫‪ ‬أحمد بونفور‪ :‬أستاذ جامعي‪ ،‬أستاذ اللرس ي األورو للتدبير الالمادي‬
‫بجامعة باريس؛‬
‫‪ ‬أحمد رضا الشام ‪ :‬وزير سابق‪ ،‬وسفير سابق‪ ،‬ورئيس املجلس‬
‫االقتصادي واالجتماعي والبيئي؛‬
‫‪ ‬إدريس جطو‪ :‬وزير أول سابق‪ ،‬ورئيس املجلس األعلى للحسابات؛‬
‫‪ ‬إدريس كسيلس‪ :‬كات ومسرحي‪ ،‬ومدير مركز "إيكونوميا" للبحث‬
‫التا ع ملعهد الدراسات العليا للتدبير؛‬
‫‪ ‬السعدية السالوي بنان ‪ :‬رئيسة مديرة عامة مللت استشارة‪ ،‬ورئيسة‬
‫لجنة "املقاولة املواطنة" باالتحاد العام ملقاوالت املغرب؛‬
‫‪ ‬حسن رشيق‪ :‬عالم انثروبولوجي وأستاذ جامعي؛‬
‫‪ ‬حميد بوشيخي‪ :‬خبير في املقاوالت واالبتكار في مجال التدبير‪ ،‬وعضو‬
‫املعهد املغر لل كاء االستراتيجي؛‬
‫‪ ‬حليمة حميش‪ :‬أستاذة بكلية الط ‪ ،‬وعضو باملجلس االقتصادي‬
‫واالجتماعي والبيئي؛‬
‫‪ ‬خالد املشاط‪ :‬خبير في التحول الرقمي وتدبير االبتكار داخل املقاولة‪،‬‬
‫وفي التلنولوجيات ا حاللية واملدن ال كية؛‬
‫‪ ‬خديجة الكامون ‪ :‬مهندسة متخصصة في التنمية الخضراء‪ ،‬ورئيسة‬
‫مشروع باملؤسسة املغربية للعلوم املتقدمة وا بداع والبحث العلمي؛‬
‫‪ ‬رجاء أغزادي‪ :‬جراحة ممارسة‪ ،‬ورئيسة الجمعية املغربية "قل‬
‫النساء"؛‬

‫‪227‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬رجاء شافيل‪ :‬مديرة مركز اللفاءات في مجال تغير املناخ "‪ 4‬س ي‪-‬‬
‫ماروك" املكلف بدعم السياسات املناخية باملغرب وأفريقيا؛‬
‫‪ ‬رشيد اللراوي‪ :‬أستاذ ومدير معهد الخوارزميات املوزعة باملدرسة‬
‫متعددة التقنيات بلوزان (سويسرا)‪ ،‬وجامعة محمد السادس متعددة‬
‫التقنيات؛‬
‫‪ ‬رشيد بنزين‪ :‬أستاذ جامعي بالجامعة الكاثوليلية بلوفان وكلية‬
‫التيولوجيا البروتيستانتية بباريس؛‬
‫‪ ‬عبد اللطيف ميراوي‪ :‬رئيس سابق لجامعة القاض ي عياض بمراكش‪،‬‬
‫أستاذ جامعي بجامعة التلنولوجيا لبلفور مونبليار‪ -‬فرنسا؛‬
‫‪ ‬عدنان عديوي‪ :‬مؤسس مشترك لد "موروكن سانتير فور إينوفا شن آند‬
‫سوشل إنتروبرونورشي " وأرضية "ولوج" الخاصة باملشاركة في تمويل‬
‫مشاريع مبدعة ومبتلرة؛‬
‫‪ ‬العر الجعيدي‪ :‬خبير اقتصادي وأستاذ جامعي‪ ،‬كبير الباحثين بمركز‬
‫السياسات من أجل الجنوب الجديد؛‬
‫‪ ‬غيثة القادري‪ :‬املديرة العامة ملؤسسة زاكورة للتربية املهتمة باالبتكار‬
‫االجتماعي؛‬
‫‪ ‬غيثة لحلو اليعقو ‪ :‬مديرة املدرسة املركزية بالدار البيضاء‪ ،‬ورئيسة‬
‫ومؤسسة مشتركة لحركة (املواطنون)؛‬
‫‪ ‬فريدة بليزيد‪ :‬ناقدة سينمائية مخرجة وكاتبة سيناريو؛‬
‫‪ ‬فؤاد العروي‪ :‬كات وأستاذ بجامعة أمستردام؛‬
‫‪ ‬كريم التازي‪ :‬رجل أعمال ومدير شركات؛‬
‫‪ ‬للبير أوحجو‪ :‬أستاذ باحث وخبير في التنمية الترابية والواحات؛‬

‫‪228‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬ليلى بنعلي‪ :‬خبيرة دولية في مجال االستراتيجية الطاقية واالستدامة‪،‬‬


‫كبيرة االقتصاديين‪ ،‬ومديرة االستراتيجية في االقتصاد واالستدامة بد‬
‫"آبيكورب"‪ ،‬ورئيسة النادي العر للطاقة؛‬
‫‪ ‬محمد الطوزي‪ :‬خبير في علم االجتماع‪ ،‬وأستاذ بجامعة (آكس أون‬
‫بروفانس)‪ ،‬ورئيس جمعية "تارغة" للتنمية املستدامة؛‬
‫‪ ‬محمد العمران بوخبزة‪ :‬عميد كلية الحقوق بتطوان؛‬
‫‪ ‬محمد بنموس ى‪ :‬رجل اقتصاد‪ ،‬ومتصرف سابق بمجلس أخالقيات‬
‫القيم املنقولة‪ ،‬ونائ رئيس جمعية ضمير؛‬
‫‪ ‬محمد فلرات‪ :‬مدير شركة‪ ،‬ورئيس لجنة االستثمار والتنافسية‬
‫باالتحاد العام ملقاوالت املغرب؛‬
‫‪ ‬مصطف التراب‪ :‬الرئيس املدير العام ملجموعة امللت الشريف‬
‫للفوسفاط؛‬
‫‪ ‬ميشيل زاوي‪ :‬بنك أعمال بلندن‪ ،‬ونائ الرئيس السابق ملورغان‬
‫ستانلي؛‬
‫‪ ‬نرجس هالل‪ :‬أستاذة بجامعة جنيف الدولية‪ ،‬ومتخصصة في قضايا‬
‫ال كاء االصطناعي وتطوير قدرات النساء؛‬
‫‪ ‬نور الدين العمري‪ :‬مفتش مالية‪ ،‬ورئيس سابق ملجموعة البني‬
‫الشعبي‪ ،‬وكات عام سابق لوزارة االقتصاد واملالية‪ ،‬ومكلف بمهمة في‬
‫الديوان امللك ؛‬
‫‪ ‬نور الدين العوفي‪ :‬أستاذ العلوم االقتصادية بجامعة محمد الخامس‬
‫بالرباط‪ ،‬ورئيس الجمعية املغربية للعلوم االقتصادية؛‬
‫‪ ‬يوسف السعدان ‪ :‬خبير اقتصادي‪ ،‬وإطار سابق ببني املغرب‪ ،‬ومدير‬
‫الدراسات االقتصادية بصندوق ا يداع والتدبير‪.‬‬
‫يملن تقسيم حيثيات وتوجهات أعضاء اللجنة حس اهتماماتهم وتخصصاتهم‬
‫إلى املجموعات التالية‪:‬‬
‫‪229‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬مجموعة األسات ة الجامعيين الخبراء والباحثين؛‬


‫‪ -‬مجموعة الخبراء االقتصاديين ورجال املال واألعمال؛‬
‫‪ -‬مجموعة رجال السياسة ومؤسسات السيادة والقرب من دوائر‬
‫السلطة؛‬
‫‪ -‬مجموعة رجال ونساء الفن واملسرح والسينما؛‬
‫‪ -‬مجموعة النشطاء الجمعويين؛‬
‫‪ -‬مجموعة خبراء االقتصاد املستدام الرقمي واألخضر‪.‬‬
‫وكما ذكرنا في عنوان ه ا الفصل‪ ،‬فقد كان السيطرة لخبراء االقتصاد واملالية‬
‫والعلوم الرقمية واالقتصاد األخضر‪ .‬للن املالحظ هو الغياب التام ملمثلي‬
‫املؤسسات السياسية الرسمية واألحزاب‪ ،‬سواء في املعارضة أو الحكومة‪ ،‬مما‬
‫يؤكد االستمرار في الخيار السابق للتخطيط التنموي‪ ،‬املب ي على املقاربة التقنية‪،‬‬
‫واملزيد من البيروقراطية واللجن والهيئات الخاصة‪ ،‬في حين أن مؤسسات الدولة‬
‫الدستورية والقانونية‪ ،‬تبق عيدة عن التخطيط والتوجيه والتفلير‬
‫االستراتيجي في القضايا التنموية‪.‬‬
‫أما بخصو آلية اشتغال اللجنة‪ ،‬فقد ذكر بالغها الخا ‪ ،‬الصادر في ‪ 23‬نونبر‬
‫‪ ،2020‬أن ه ه األخيرة رصدت مجمل املشاورات واللقاءات‪ ،‬وتعتمد آلية محددة‬
‫شراك النخبة واألحزاب ومنظمات املجتمع املدن وعموم املواطنين‪ .‬ومن أهم ما‬
‫جاء في البالغ بخصو آلية االشتغال ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬تنقل اللجنة إلى أكثر من ‪ 30‬موقعا داخل املغرب من أجل التشاور‬
‫واالطالع؛‬
‫‪ ‬تنظيم ‪ 70‬جلسة استماع‪ ،‬و‪ 113‬ورشة عمل‪ ،‬و‪ 35‬جلسة استماع‬
‫مواطنة بمختلف مدن اململلة؛‬
‫‪ ‬االلتقاء واالستماع إلى أكثر من ‪ 10.000‬شخص؛‬

‫‪230‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬عقد لقاءات عديدة عن عد‪ ،‬للوقوف على اآلثار والتداعيات املترتبة‬


‫عن جائحة كورونا؛‬
‫‪ ‬إطالق منصة رقمية لتلق مقترحات املواطنين ووجهات نظرهم‬
‫وتصورهم للمغرب ال ي يطمحون إليه؛‬
‫‪ ‬عقد لقاءات استماع خاصة مع األحزاب السياسية والفاعلين‬
‫االقتصاديين والنقابات ومختلف مكونات املجتمع املدن ؛‬
‫‪ ‬عقد لقاءات استماع مع ا دارات العمومية والجامعات والهيئات‬
‫الدولية املختصة؛‬
‫‪ ‬تخصيص سلسلة من اللقاءات الجهوية بحضور ممثلين عن ‪ 12‬جهة‬
‫بخصو مشاريع أقطاب نمو جهوية‪.‬‬
‫باسترجاع تشليلة اللجنة واالطالع على آلية اشتغالها‪ ،‬يملن االرتياح من جان‬
‫اللفاءة والخبرة التي يتمتع بها أعضاء اللجنة كل في تخصصه الدقيق‪ ،‬للن‬
‫االعتقاد راسخ‪ ،‬تزكيه التجارب املقارنة‪ ،‬ب ن مقدمة نجاح كل نموذج تنموي‬
‫وط ي هي إعداد الرؤية املجتمعية السياسية للمشروع التنموي‪ ،‬وهي مهمة‬
‫املؤسسات املنتخبة‪ ،‬املمثلة لرأي الشع واملعبرة عن هويته‪ .‬وحتى وإن سلمنا‬
‫بانتفاء تمثيلية األمة عن املؤسسات املنتخبة الحالية العتبارات قد تكون معروفة‬
‫أو مفهومة‪ ،‬فإن املفروض‪ ،‬وعلى األرجح‪ ،‬أن يتم التوافق حول مؤسسة خاصة‪،‬‬
‫قد تكون من حلماء املجتمع وفضالئه‪ ،‬ال ين ال تختلف أغلبية الشع في‬
‫وطنيتهم ونزاهتهم‪.‬‬
‫إن االستمرار في ه ا النهج القديم للتخطيط التنموي من ش نه املزيد من‬
‫إضعاف مؤسسات الدولة‪ ،‬وجعلها في خدمة اللجن املعينة‪ ،‬وتح تصرفها‪،‬‬
‫ووفق توصياتها‪ ،‬وبالتالي تجاوز ا رادة الشعبية واالنتخابية‪ ،‬التي ال تزال تطمع في‬
‫ممارسة حقيقية للديمقراطية بما هي انتخاب مؤسسات قادرة على التخطيط‬
‫والتوجيه واملبادرة‪ .‬كما أن االستمرار في ه ا النهج غلق األمل في تحقيق مشروع‬
‫ربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬إذ يبق أعضاء اللجنة ورئيسها بمثابة خبراء‬
‫‪231‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وتلنوقراطيين تح الطل ‪ ،‬وتنتهي مهامهم ومسؤولياتهم عن التنمية عند‬


‫صياغة كتي النموذج‪.‬‬
‫‪ -2‬موقف لجنة بنموس ى من النموذج القديم‪.‬‬
‫يقر تقرير لجنة النموذج الجديد بمجموعة من ا نجازات التي حققها النموذج‬
‫السابق‪ ،‬ويشيد بما سماه ب"الدينامية التنموية الحميدة والتعبوية"‪ ،‬التي عرفها‬
‫املغرب من أواسط التسعينات‪ ،‬وينوه بتسارع وتيرتها خالل عقد األلفين‪ ،‬ملفتا‬
‫االنتباه إلى قدرة املغرب على تجاوز ما سماه "اضطرابات سنة ‪ ،"2011‬وإلى أهمية‬
‫االستراتيجيات القطاعية‪ ،‬وأدوار عض املشاريع اللبرى من قبيل أوراش الطاقة‬
‫املتجددة‪ ،‬وبرامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬ونظام املساعدة الطبية‬
‫راميد‪ ،‬واالهتمام بالعالم القروي‪ .‬وفي ه ا الصدد كان على التقرير االعتراف‬
‫بتبنيه للعديد من املقترحات واملشاريع التي جاءت في ه ه االستراتيجيات والبرامج‬
‫كما سبق التفصيل في الفصل ما قبل األخير‪.‬‬
‫إال أن تقرير اللجنة يقف‪ ،‬عد ه ه ا شادة العابرة‪ ،‬عند ما اعتبره ثغرات‬
‫أساسية في النموذج السابق‪ ،‬يحددها في بطء تنزيل ا صالحات املعلن عنها من‬
‫أعلى مستوى في الدولة‪ ،1‬مؤكدا وجود أر عة معيقات أساسية تحد من مردودية‬
‫النموذج السابق وهي غياب االنسجام بين الرؤية التنموية والسياسات العمومية‬
‫املعلن عنها‪ ،‬وبطء التحول الهيللي لالقتصاد‪ ،‬ومحدودية قدرات القطاع العام‬
‫في تقديم خدمات جيدة وسهلة الولوج‪ ،‬والشعور بضعف الحماية القضائية‬
‫وعدم القدرة على التوقع‪.2‬‬

‫‪ -1‬هناك توصيات وبرامج وقرارات وقوانين دون ه ا املستوى لم تنجز هي األخرى‪ ،‬وكان على‬
‫التقرير ذكرها‪ ،‬ليتبين أن الثغرات األساسية تلمن في انفصال آليات اشتغال املؤسسات‬
‫املعينة عن آليات اشتغال املؤسسات املنتخبة‪ ،‬التي تبق دائما في مرم االنتقادات‪.‬‬
‫‪ -2‬ملخص تقرير اللجنة‪" ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير الطاقات واستعادة الثقة‬
‫لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه"‪ ،‬أبريل ‪.7 ،2021‬‬
‫‪232‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -3‬مرجعية النموذج الجديد وخياراته االستراتيجية‪ ،‬اجتهاد ال يتجاوز مربع‬


‫دستور ‪.2011‬‬
‫في حدود الصالحيات واألهداف املحددة في خطاب تنصي اللجنة‪ ،‬عبر تقرير‬
‫ه ه األخيرة على أن النموذج املقترح ال يمثل حال سحريا‪ ،‬وال تجميعا لسياسات‬
‫قطاعية‪ ،‬وال دليال مرجعيا لبرنامج حكوم أو حز ‪ ،1‬وإنما يندرج ضمن ا طار‬
‫الدستوري‪ ،‬ووفقا لتنظيم السلط‪ ،‬لتفعيل الوعود الدستورية على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬كما يقترح مسارا للتغيير ذا مصداقية وقابل للتنفي على أرض الواقع‪.2‬‬
‫ستند النموذج الجديد إلى دستور ‪ 2011‬كإطار معياري ومرجعي وعلى املفهوم‬
‫الجديد للتنمية‪ ،‬ويقول التقرير الخا أن النموذج الجديد هو بمثابة "امتدادا‬
‫للدستور وترجمة ملبادئه إلى رافعات للتنمية ولقيمه إلى مناهج للعمل"‪ ،3‬وفي ذلي‬
‫يركز على دعامتي الهوية الدينية لإلسالم املنفتح‪ ،‬وامل ه املالك سماته‬
‫املتميزة‪ ،‬القابلة ملواكبة التطورات التي تمنحها له مؤسسة إمارة املؤمنين‪.‬‬
‫وبخصو املفهوم الجديد للتنمية ال ي تبناه الخطاب الرسمي؛ يجمله النموذج‬
‫في كونه " علس دينامية حميدة لخلق الثروة والتنمية البشرية لفائدة كافة‬
‫املواطنين"‪ ،‬وحيث يقر التقرير بتعقد العملية التنموية‪ ،‬فإنه يجعلها رهينة‬
‫بتعبئة كافة الفاعلين وبالتفاعل اليقظ مع آجال وأزمنة متنوعة‪ ،‬ومعايير‬
‫ومقاييس متعددة‪ ،‬تسمح بالترجيح املتوازن بين أولويات متعددة‪ ،‬قد ال تجتمع‬
‫أحيانا فيما بينها (النمو‪/‬االستدامة‪ ،‬الحرية‪/‬الحماية)‪.4‬‬
‫ومن حيث الخيار االستراتيجي‪ ،‬ينطلق النموذج الجديد من شعار "املسؤولية‬
‫وا قالع الشامل"‪ ،‬ويعتبر أن الرهانات املعلنة مملنة التحقيق شريطة إحداث‬

‫‪ -1‬الحقيقة أن التقرير والنموذج أصبح أكثر من دليل مرجعي‪ ،‬خاصة عندما أعطي األوامر‬
‫للحكومة وباقي املؤسسات لتلييف السياسات العمومية مع توجهاته‪.‬‬
‫‪ -2‬امللخص‪.5 ،‬‬
‫‪ -3‬التقرير العام‪.40 ،‬‬
‫‪ - 4‬التقرير العام‪.40 ،‬‬
‫‪233‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تكامل ما بين الدولة واملجتمع‪ ،‬حيث تتحمل الدولة مسؤولية إعداد رؤية‬
‫استراتيجية واضحة‪ ،1‬ومجتمع تعددي معب ومسؤول عزز استقاللية االفراد‬
‫واملجموعات املكونة له‪.‬‬
‫‪ -4‬األ داف العامة والرئيسة للنموذج الجديد‪ ،‬عندما يتحول التقرير إلى‬
‫دليل مرجعي حكومي‪.‬‬
‫رغم نف عالقتها بتوجيه السياسات العمومية وعمل الحكومة‪ ،‬إال أن تقرير‬
‫اللجنة عد دليال مرجعيا بامتياز‪ ،‬حيث استجمع كل ما من ش نه أن عبر عن‬
‫مغرب التنمية في صورتها املتكاملة‪ ،‬وحددت املسار إلى ذلي‪ ،‬وترى أن مغرب‬
‫‪ ،2035‬ال ي سينعم بالتنمية وفق مفهوم جديد ومؤكد‪ ،‬س "يتعزز كبلد‬
‫ديمقراط يمتلي فيه جميع املواطنين القدرة الكاملة على تولي زمام أمورهم‪،‬‬
‫وتحرير طاقاتهم‪ ،‬والعيش بلرامة في مجتمع منفتح ومتنوع وعادل ومنصف‪ .‬بلد‬
‫قادر على خلق القيمة املضافة‪ ،‬ستثمر مؤهالته بصفة مستدامة ومسؤولة‪.‬‬
‫مستندا على التقدم املضطرد ال ي يحققه على املستوى الوط ي‪ ،‬يبرز املغرب‬
‫كقوة إقليمية تضطلع بدور طالئعي في مواجهة التحديات التي تواجه العالم"‪.2‬‬
‫وفي أفق تنموي حدوده سنة ‪ ،2035‬يحدد النموذج أر عة أهداف كبرى؛ مغرب‬
‫مزدهر‪ ،‬ومغرب اللفاءات‪ ،‬ومغرب ا دماج والتضامن‪ ،‬ومغرب االستدامة‬
‫والجرأة‪ .‬مع وضع العنصر البشري في صل العملية التنموية وفق األفق الجديد‪.‬‬
‫كل ذلي من أجل وصول املغرب إلى مصاف دول الثلث األول في الترتي العالمي‪.‬‬
‫وبخالف ما يدعيه التقرير من كونه ال يمثل دليال مرجعيا حكوميا؛ فهو يوجه‬
‫بقوة عناية واضعي السياسات العمومية إلى وضع أهداف تنموية محددة جدا‪،‬‬
‫وفي املتناول كما تتصور اللجنة‪ ،‬والتعليمات والتوجيهات عديدة جدا في ثنايا‬

‫‪ -1‬للن املالحظ أن لجنة النموذج لم تقدم استراتيجية تنموية بقدر ما قدم برنامجا تنمويا‬
‫تفصيليا في أهم املجاالت ا نتاجية‪.‬‬
‫‪ - 2‬التقرير العام‪.47 ،‬‬
‫‪234‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫امللخص والتقرير العام ن كر عضها من قبيل‪ :‬الدعوة إلى مضاعفة الناتج‬


‫الداخلي الخام حس الفرد‪ ،‬وضمان امتالك ‪ %90‬من التالمي للتعلمات‬
‫األساسية‪ ،‬والرفع من الت طير الطبي للمالءمة مع معايير منظمة الصحة العاملية‪،‬‬
‫وتقليص نسبة الشغل في القطاع غير املهيكل إلى ‪ ،%20‬ورفع نسبة مشاركة املرأة‬
‫في سوق العمل إلى ‪ ،%45‬والوصول إلى رضا املواطنين عن ا دارة والخدمات‬
‫العمومية إلى ما يزيد عن ‪ 1%80‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ -5‬املكونات واالختيارات‪ ،‬وس القيمة االقتصادية املضافة من جديد‪.‬‬
‫لتحقيق توازن جديد‪ ،‬يحفز التقرير على خوض خيار واحد؛ خلق قيمة مضافة‬
‫اقتصاديا واجتماعيا ومؤسساتيا‪ .‬وفي ه ا يحدد النموذج ثالثة مكونات‬
‫متداخلة ومتكاملة‪ ،‬تشكل منظومة متجانسة ومندمجة في نظر اللجنة‪:2‬‬
‫‪ -‬مشروع جماعي جامع يحفز طموحا إلى الهدف املنشود؛‬
‫‪ -‬مرجعية للتنمية ذات توجه تنظيمي جديد‪ ،‬يحدد دور الدولة ويقلص‬
‫تداخل األدوار؛‬
‫‪ -‬اختيارات وتوجهات استراتيجية؛‬
‫وللتوجه بقوة‪ ،‬حس تعبير اللجنة‪ ،‬إلى مستقبل ‪ ،2035‬ترسم ه ه األخيرة توجها‬
‫واضحا‪ ،‬قوامه اختيارات تنموية محددة‪ ،3‬للن املالحظ دائما هو أن ه ه‬
‫الخيارات هي نفسها التي انطلق منها النموذج القديم‪:‬‬
‫‪ -‬استلمال الخيار الديمقراط وت سيس دولة الحق والقانون‪4‬؛‬
‫‪ -‬تثمين الرأسمال البشري لتحقيق الرفاه وتفعيل املواطنة؛‬

‫‪ - 1‬امللخص‪.6 ،‬‬
‫‪ - 2‬التقرير العام‪.45 ،‬‬
‫‪.48-47‬‬ ‫‪ - 3‬التقرير العام‪،‬‬
‫‪ - 4‬سيالحظ املتتبع والباحث كيف أن لجنة غير ديمقراطية تدافع عن فلرة الخيار‬
‫الديمقراط ‪ ،‬مما يوضح الخصوصية املغربية في تصورها ملفهوم الخيار الديمقراط‬
‫وأدواره التنموية‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -‬التعلق بخصوصيات اململلة‪ :‬العمق التاريخي‪ ،‬وروافد الهوية الوطنية‬


‫وقيمها الثقافية والدينية؛‬
‫‪ -‬التشبث بالتنوع واملساواة بين الرجل واملرأة؛‬
‫‪ -‬اعتماد نمط إدماجي في خلق القيمة يثمن الطاقات ويضمن التوزيع‬
‫املنصف للثروة؛‬
‫‪ -‬املحافظة على املوارد الطبيعية وعلى البيئة؛‬
‫‪ -‬حتمية االنفتاح على العالم والحر على التعاون الدولي‪.‬‬
‫‪ -6‬الرافعات األساسية إلطالق النموذج‪ ،‬ال جديد عن النموذج السابق‪.‬‬
‫مر بنا الحديث في الفصل الثان عن ا مكانات التي وضعتها لجنة تقرير‬
‫الخمسينية أمام أصحاب القرار‪ ،‬ومر عها ال ي ال يخرج عن هدف الرفع من‬
‫نس النمو‪ ،‬وتحسين التموقع املغر في عالم الرقميات‪ ،‬وإصالح ا دارة‪ ،‬وتثمين‬
‫خيار االندماج الدولي‪ .‬ويبدو أن لجنة النموذج الجديد لم تخرج هي األخرى عن‬
‫ه ا املر ع‪ ،‬للن صاغتها بما يتناس مع بناء التقرير‪.‬‬
‫تحتاج مرحلة إطالق النموذج‪ ،‬في نظر اللجنة‪ ،‬إمكانات تقنية و شرية ومالية‬
‫هامة‪ ،‬ولتحقيق نجاح ه ا ا طالق ينبغي التركيز على خمس رافعات أساسية‪،‬‬
‫منها رافعة الرقميات التي تعد جديدا في التصور التنموي املغر ‪:1‬‬
‫‪ ‬الرقميات كرافعة للتحول السريع‪ ،‬وفي ذلي تطرح اللجنة رفع‬
‫خمسة تحديات رئيسة وهي‪ :‬اعتماد استراتيجية للتحول الرقمي‬
‫عهد بإدارتها إلى أعلى مستوى‪ ،‬وت هيل البنيات التحتية الرقمية‬
‫للصبي العالي والعالي جدا الثاب واملحمول‪ ،‬وتطوير منصات‬
‫رقمية بالنسبة لكل الخدمات املقدمة للمواطنين واملقاولة‪،‬‬
‫وتكوين اللفاءات ب عداد كافية تكون قادرة على إنجاز التحول‬
‫الرقمي وتنفي ه على أرض الواقع‪ ،‬واستلمال ا طار القانون‬

‫‪.143-135‬‬ ‫‪ - 1‬انظر التقرير العام‪،‬‬


‫‪236‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الهادف إلى ضمان الثقة الرقمية للمستعملين والسيادة الرقمية‬


‫للممللة؛‬
‫‪ ‬جهاز إداري مؤهل وفعال‪ ،‬عيد عن منطق االنتماء الحز ‪،1‬‬
‫ويعرف التجديد املنتظم ملسؤولي الو يفة العمومية العليا على‬
‫املستويين الوط ي واملحلي‪ ،‬وإدماج املقاولة في إطالق النموذج‪ ،‬كل‬
‫ذلي من أجل ضمان تقديم خدمات جيدة للمواطن واملقاولة؛‬
‫‪ ‬ت مين املوارد الضرورية لتمويل مشاريع التحول‪ ،‬وفي ه ا الصدد‪،‬‬
‫تقدر اللجنة أن ا صالحات واملشاريع املقترحة تتطل تمويالت‬
‫عمومية إضافية‪ ،‬تقدر بحوالي ‪ %4‬من الناتج الداخلي الخام‬
‫سنويا خالل مرحلة ا طالق (‪ ،)2022-2025‬وبحوالي ‪ %10‬منه في‬
‫مرحلة السرعة القصوى في أفق ‪ .2030‬ولتوفير ه ه األموال‪ ،‬فإن‬
‫اللجنة تدعو إلى انخراط الدولة شكل أقوى خالل املرحلة األولى‪،‬‬
‫ليتس ى الرفع من نسبة النمو التي يتوقع وصولها إلى ‪ %6‬ابتداء‬
‫من ‪ ،2025‬وارتفاعها إلى ‪ %7‬ابتداء من ‪.2030‬‬
‫ولضمان ه ه االستراتيجية املالية‪ ،‬تدعو اللجنة إلى التركيز على‬
‫خمس دعامات مهيكلة وهي‪ :2‬سياسة مالية تتماش ى مع أهداف‬
‫النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تعيد توزيع املوارد الضرورية ألوراشه‬
‫التحولية‪ .‬وسياسة ميزانياتية مرنة‪ ،‬تندرج في إطار الدينامية‬
‫املتوسطة والبعيدة املدى‪ ،‬التي يتطلبها كل نموذج تنموي‪.‬‬
‫وسياسة جبائية أكثر فعالية‪ ،‬من ش نها تعبئة موارد إضافية‪،‬‬

‫‪ -1‬عندما يتم الحديث عن مثل ه ه األهداف في ل واقع معروف من قبل الجميع‪ ،‬يتبين أن‬
‫املشاريع التنموية تبحث دائما عن مشج مستقبلي لتعليق الفشل‪ ،‬إذ كيف يتم الحديث‬
‫عن هل ا أهداف في ل فساد العملية االنتخابية والسياسية برمتها كما أوضحنا في‬
‫الفصول السابقة‪.‬‬
‫‪.140-138‬‬ ‫‪ - 2‬التقرير العام‪،‬‬
‫‪237‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تقدر بنسبة تتراوح ما بين ‪ 2‬و‪ %3‬من الناتج الداخلي الخام‪.‬‬


‫وإطالق عملية التحول الهيللي لالقتصاد‪ ،‬شكل يملن من خلق‬
‫موارد إضافية على املديين املتوسط والبعيد‪ ،‬تضمن استدامة‬
‫النموذج‪ .‬وتعبئة املؤسسات واملقاوالت العمومية والقطاع‬
‫الخا الوط ي والدولي‪ .‬وشروط مالئمة للرفع من االستثمار‬
‫الخا الوط ي والدولي‪ ،‬من خالل إطار استثماري جاذب وتنويع‬
‫آليات وأنظمة التمويل‪ ،‬وجعلها في خدمة التحول االقتصادي؛‬
‫‪ ‬إشراك مغاربة العالم لالستفادة من معارفهم وشبكاتهم‬
‫وخبراتهم‪ ،‬وذلي من منطلق دستوري‪ ،‬حيث تؤكد لجنة النموذج‬
‫التنموي على مكانة مغاربة العالم‪ ،‬وتوص ي باعتماد مقاربات تعزز‬
‫ج ب ذوي املؤهالت العالية منهم‪ ،‬والعاملين في القطاعات‬
‫املتطورة للمساهمة في تطوير البحث العلمي في املغرب‪ ،‬وتؤكد‬
‫على اعتبارهم "جسرا" بين السوق الوطنية واألسواق الدولية‪،‬‬
‫لتحقيق ملتسبات جديدة للمغرب من قبيل؛ تعبئة رؤوس‬
‫األموال‪ ،‬وتطوير شراكات جديدة‪ ،‬والولوج إلى كفاءات وخبرات‬
‫غير متوفرة في املغرب‪ ،‬والترويج للمنتجات والخدمات املغربية‪.‬‬
‫كما تنوه اللجنة بضرورة الحفاض على أدوار تدفقات التحويالت‬
‫املالية للجالية‪ ،‬التي تساهم شكل كبير في توازن ميزان األداءات‬
‫ببالدنا‪.1‬‬
‫ولتقوية الروابط الثقافية والالمادية مع ه ا املكون‪ ،‬تؤكد اللجنة‬
‫على ضرورة مواصلة الجهود من خالل الرفع امللموس من جودة‬
‫محتوى البرامج الثقافية الحالية املوجهة ملغاربة العالم‪ ،‬والحر‬
‫على التنظيم الدوري للتظاهرات السوسيوثقافية ذات الصلة؛‬

‫‪.141‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير العام‪،‬‬


‫‪238‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬تعبئة عالقات التعاون مع الشركاء األجان للممللة اعتمادا على‬


‫مقاربة رابح‪-‬رابح‪ :‬وهنا تشدد اللجنة على انتماء املغرب ا فريق‬
‫والعر وا سالم ‪ ،‬وعلى ضرورة مواصلة التزام املغرب بتنمية‬
‫إفريقيا‪ ،‬ومواصلة الشراكة االستراتيجية مع مجلس التعاون‬
‫الخليجي‪ ،‬والتزام املغرب بإقامة فضاء للتعاون القوي مع االتحاد‬
‫األور والجوار األورو‪-‬متوسط ‪ ،‬واالنفتاح على تنويع التحالفات‬
‫والشراكات مع املناطق األخرى من العالم‪ ،‬وخاصة الدول‬
‫الصاعدة‪ :‬الصين والهند وروسيا‪ .‬ولت طير أهداف ه ه الشراكات‪،‬‬
‫ت كر اللجنة ب همية تعزيز االستثمارات‪ ،‬ودعم نقل التلنولوجيا‬
‫واملهارات‪ ،‬وتوسيع األسواق الخارجية‪.‬‬
‫ولم يف لجنة النموذج الت كيد على رهانات خاصة وطموحة‪ ،‬حددتها في خمسة‬
‫وهي‪ :1‬أن يصبح املغرب بلدا رقميا‪ ،‬وأن يصبح مركزا للتعليم العالي والبحث‬
‫واالبتكار في منطقته‪ ،‬وأن غدو الرائد ا قليمي للطاقة ذات االنبعاثات‬
‫املنخفضة من اللربون‪ ،‬وأن يرقى إلى مستوى قط مالي مرجعي‪ ،‬وأن يجعل من‬
‫عالمة "صنع في املغرب" عالمة للجودة والتنافسية واالستدامة‪.‬‬
‫‪ -7‬األوراش الكبرى واملحاور االستراتيجية‪ ،‬إغراق كبيرفي التفاصيل‪.‬‬
‫لم تقتصر اللجنة على االقتراحات االستراتيجية أو الدليل املرجعي‪ ،‬بل خاض‬
‫في تفاصيل كثيرة ستقيد تفلير الفاعلين السياسيين وا داريين والترابيين‪.‬‬
‫تقترح اللجنة إطالق دينامية جديدة لخلق الثروة‪ ،‬مبنية على خيارات استراتيجية‬
‫محددة‪ ،‬وفق محاور هيكلية للتحول (أر عة محاور أساسية لكل منها خياراتها‬
‫الخاصة)‪.‬‬

‫‪.142‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير العام‪،‬‬


‫‪239‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -1-7‬املحور االقتصادي ومشروع "الصدمة التنافسية"‪.‬‬


‫تنتقد لجنة النموذج التنموي الصيغة القديمة‪ ،‬لكونها أنتج اقتصادا بقيمة‬
‫مضافة ضعيفة‪ ،‬وإنتاجية منخفضة‪ ،‬وأنشطة ريعية محمية‪ ،‬ل لي تتب ى‬
‫النسخة الجديدة انتقاال اقتصاديا هيكليا‪ ،‬ونموذجا اقتصاديا جديدا يتميز‬
‫بتعدد األنشطة وبالتنافسية‪ ،‬يقوم على نسيج ملثف من املقاوالت‪ ،‬تجعله قادرا‬
‫على املرونة واالبتكار‪.1‬‬
‫وحددت اللجنة له ه االستراتيجية خمسة خيارات استراتيجية‪:2‬‬
‫‪ -‬ت مين املبادرة املقاوالتية؛‬
‫‪ -‬توجيه الفاعلين االقتصاديين نحو األنشطة املنتجة؛‬
‫‪ -‬إحداث صدمة تنافسية؛‬
‫‪ -‬إرساء إطار ماكرواقتصادي في خدمة النمو؛‬
‫‪ -‬بروز االقتصاد االجتماعي كقطاع اقتصادي قائم ال ات لتدعيم‬
‫التنمية‪.‬‬
‫وب لي تؤكد اللجنة على ضرورة تحقيق القدرة على تسريع وتيرة التحول الهيللي‬
‫لالقتصاد الوط ي‪ ،‬لجعله أكثر دينامية وتنوعا وتنافسية لتحقيق أهداف‬
‫أساسية منها‪:‬‬
‫‪ -‬خلق املزيد من القيمة املضافة؛‬
‫‪ -‬خلق املزيد من مناص الشغل؛‬
‫‪ -‬تحرير املبادرة الخاصة وبث روح املقاولة؛‬
‫‪ -‬التقليص من تكلفة عوامل ا نتاج (الطاقة واللوجستيي)‪ ،‬لتحسين‬
‫تنافسية النسيج االقتصادي؛‬
‫‪ -‬توجيه استثمار القطاع الخا نحو القطاعات الرائدة واملستقبلية؛‬

‫‪.69‬‬ ‫‪ - 1‬نفسه‪،‬‬
‫‪.90-78‬‬ ‫‪ - 2‬نفسه‪،‬‬
‫‪240‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -‬تثمين االقتصاد االجتماعي في املجاالت الترابية‪.‬‬


‫وفي سياق اهتمام اللجنة بالتداعيات االقتصادية ألزمة كوفيد‪ ،19-‬دع إلى‬
‫التركيز على عض القطاعات‪ ،‬التي اعتبرتها ذات مضمون سيادي مثل الفالحة‬
‫والسياحة‪ .‬فالقطاع األول في نظر اللجنة‪ ،‬ينبغي أن يهتم بتقوية اندماج سالسل‬
‫القيمة املضافة من أجل تثمين أفضل لإلنتاج املحلي وترسيخ السيادة الغ ائية‪،‬‬
‫بتحفيز أنشطة البحث واالبتكار وإرساء حكامة املجاالت الترابية‪ .‬وبخصو‬
‫قطاع السياحة‪ ،‬دع اللجنة إلى إعطاء نفس جديد‪ ،‬يرتلز على تثمين مؤهالت‬
‫كافة املجاالت الترابية‪ ،‬مع حتمية استلمال عروض ا يواء عروض أخرى‬
‫كالتنشيط‪ ،‬وتسريع التحول الرقمي‪ ،‬وتعزيز التنسيق على املستويين االستراتيجي‬
‫والعملي‪.‬‬
‫‪ -2-7‬املحور االجتماعي ومشروع مغرب الكفاءات‪.‬‬
‫تركز اللجنة على مفهوم الرأسمال البشري (مغرب اللفاءات)‪ ،‬مؤكدة القدرة‪ ،‬في‬
‫أفق ‪ ،2035‬على منح كل املواطنين القدرات التي تملنهم‪ ،‬بكل استقاللية‪ ،‬من‬
‫األخ بزمام أمورهم وتحقيق طموحاتهم واملساهمة في تنمية البالد واندماجها في‬
‫اقتصاد املعرفة واالقتصاد الالمادي استنادا إلى اللفاءات‪ ،1‬وهي نفس األهداف‬
‫التي حددها تقرير الخمسينية من سنة ‪ 2006‬وتح نفس العنوان‪" :‬ا مكان‬
‫البشري"‪.‬‬
‫وهنا تجدر ا شارة إلى انتفاء املوضوعية والواقعية في اقتراحات اللجنة‪ ،‬ألن لغة‬
‫التعميم (كل املواطنين) هي أقرب إلى الشعار منها إلى الواقع‪ ،‬لكون املشاريع‬
‫التنموية في كل التجارب الدولية‪ ،‬وإن استطاع النجاح‪ ،‬فإنها تبق قاصرة على‬
‫تعميم الثمار على كل املواطنين‪ ،‬ألن ذلي عد ضربا من املحال‪ .‬إن معظم ما‬
‫تقترحه اللجنة يبق في عمومه تلرارا ألهداف مشاريع سابقة‪ ،‬وفي روف‬
‫اقتصادية وتنافسية صعبة للغاية ( روف الجائحة وتداعياتها)‪ ،‬و روف‬

‫‪.69‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير العام‪،‬‬


‫‪241‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫اجتماعية تحتاج إلى دعم أكبر‪ ،‬ورغم ذلي تتصور اللجنة قدرتها على تحقيق‬
‫تجويد الرأسمال البشري ببرامج كبيرة جدا واستثنائية حتى‪ :‬الترسيخ القوي‬
‫القتصاد املعرفة‪ ،‬وتجويد عرض ي التعليم والصحة عبر تعزيز عرض الخدمات‬
‫العمومية‪ ،‬وحفز مشاركة القطاع الخا ‪ ،‬وتجويد الخدمات‪ ،‬وتثمين املوارد‬
‫البشرية (تحقيق الحكامة الترابية واستقاللية مؤسسات الصحة والتربية‬
‫والتكوين)‪ ،1‬وال ننس أن نفس ه ه الشعارات التي رفعها النموذج السابق‪،‬‬
‫ورصدت لها من املوارد املالية ما يلف ‪ ،‬للنها لم تحقق لحد األدن من تنمية‬
‫ا مكان البشري بما هو تعزيز للقدرات الفردية لتحقيق الطموحات الفردية‬
‫والجماعية‪.‬‬
‫أما الخيارات التي اعتبرتها اللجنة أولويات‪ ،‬فتركزت في قطاعي الصحة والتعليم‪،‬‬
‫لتعميم الخدمات باعتبارها حقوقا أساسية‪ ،‬وتحسين أداء البحث العلمي وفق‬
‫حكامة مستقلة وقوية‪ ،2‬وفي ه ا ا طار‪ ،‬تعيد لجنة النموذج طرح ما تم اقتراحه‬
‫من تقرير الخمسينية‪ ،‬وفق صيغ جديدة‪ ،‬من قبيل النهوض باملدرسة العمومية‪،‬‬
‫وتحقيق جودة التعليم‪ ،‬وإعادة تنظيم املسارات الدراسية‪ ،‬وإصالح املناهج‪،‬‬
‫وتجويد التعليم العالي والبحث العلمي وتشجيع االبتكار‪ ،‬وتعميم ولوجية‬
‫الخدمات الصحية‪ ،‬وتعميم التغطية الصحية‪ ،‬وتشجيع التعاون بين القطاعين‬
‫العام والخا للرفع من العرض الصحي‪ ،‬مما يؤكد مجمل ما ذكرناه في املقدمة‬
‫من أن املعضلة التنموية في املغرب تلمن في غياب إرادة التنفي نظرا لوجود‬
‫بنيات سياسية واقتصادية ال تسمح با قالع نحو العدالة الحقيقية واملساواة‬
‫الفعلية‪.‬‬

‫‪ - 1‬ملخص تقرير اللجنة‪" ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير الطاقات واستعادة الثقة‬
‫لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه"‪ ،‬أبريل ‪.10 ،2021‬‬
‫‪.104-92‬‬ ‫‪ - 2‬التقرير العام‪،‬‬
‫‪242‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -3-7‬املحور الترابي ومشروع مغرب الجهات‪.‬‬


‫يتب ى النموذج الجديد شعار "مغرب الجهات"‪ ،‬حيث دع اللجنة إلى دعم‬
‫املجاالت الترابية لضمان تعزيز العملية التنموية‪ ،‬وتحويلها إلى فاعل رئيس ي في‬
‫إعداد السياسات العمومية وإرسائها وإنجاحها‪ ،‬مما يملنها من تحقيق الخدمات‬
‫العمومية (ا طار الجيد للعيش)‪ ،‬والحفاظ على روافد الهوية الوطنية وتنوعها‪،‬‬
‫وضمان كرامة املواطنين وفق االنتظارات وا مكانات املتاحة‪.‬‬
‫ودع اللجنة إلى العمل على تحقيق الخيارات التالية‪:1‬‬
‫‪ -‬ضمان إعادة تنظيم مبتلرة للمستويات الترابية؛‬
‫‪ -‬تشجيع إعداد مندمج للمجاالت الترابية‪ ،‬وتحسين السلن وإطار‬
‫العيش‪ ،‬وتعزيز الربط عبر تلنولوجيا التواصل والتنقل؛‬
‫‪ -‬الحفاظ على املوارد الطبيعية‪ ،‬ودعم مقاومة املجاالت الترابية للتغيرات‬
‫املناخية؛‬
‫‪ -‬الحفاظ على املوارد املائية من خالل تثمين أفضل للماء وتدبير أكثر‬
‫صرامة لندرتها‪.‬‬
‫وفي سياق تفعيل الجهوية املتقدمة‪ ،‬تدعو اللجنة إلى تحقيق ال تمركز فعلي‪ ،‬يتم‬
‫بموجبه االنتقال من تفويض التوقيعات إلى تنزيل التصاميم املديرية لالتمركز‪،‬‬
‫ونقل حقيق للوسائل والسلطات إلى الجهات والجماعات الترابية لالضطالع‬
‫باختصاصاتها ال اتية واملشتركة واملنقولة‪ ،‬مع تعزيز املوارد املالية للجماعات‪،‬‬
‫وتقوية "السلطات الجهوية للتنمية" لتدبير التنمية االقتصادية‪ ،‬وتطوير مناطق‬
‫األنشطة االقتصادية في الجهة ‪ .2‬وتقترح اللجنة ك لي إحداث مجالس‬
‫اقتصادية واجتماعية وبيئية جهوية‪ ،‬لدعم مشاركة الفاعلين الجهويين في إعداد‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وك ا االرتقاء ب"الدوائر" إلى وحدات إدارية للقرب‪،‬‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.71 ،‬‬
‫‪.119‬‬ ‫‪ - 2‬التقرير العام‪،‬‬
‫‪243‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫كنقطة التقاء بين املجالين الحضري والقروي‪ .1‬وفيما يخص تنمية العالم‬
‫القروي‪ ،‬دع اللجنة إلى إنجاز تطور منسجم مب ي على‪ :‬االهتمام بالتعمير‬
‫القروي‪ ،‬وتعميم التغطية الرقمية‪ ،‬ومواكبة الفالحة التضامنية‪ ،‬واالهتمام‬
‫بالشباب‪.‬‬
‫كما تدعو اللجنة إلى مراجعة منظومة إعداد التراب الوط ي‪ ،‬باعتماد تصور‬
‫جديد للتعمير (اعتماد إطار مرجعي وط ي للتنمية الحضرية)‪ ،‬وحسن التدبير‬
‫املستدام للوعاء العقاري‪ ،‬ودعم ا دماج والتمازج االجتماعيين في املدن‪،‬‬
‫واالهتمام بمرفق النقل العموم في الحواضر اللبرى‪.2‬‬
‫للن بقدر ما يلمس الباحث في ه ه االقتراحات إملاما ب هم ا كراهات التنموية‬
‫في الش ن الترا ‪ ،‬بقدر ما يقف على االستمرار في الخطاب القديم‪ ،‬املب ي على‬
‫اعتماد عض املفاهيم التي ال تتوافق مع الوقائع‪ ،‬ومنها قضية الفاعلية في إعداد‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬لكون الجهات غير مخولة عمليا وتشريعيا ل لي‪ ،‬ألنها ال‬
‫تعمل باسم الحكومة‪ ،‬وه ه الصالحية مخولة ملؤسسات أخرى على املستوى‬
‫الترا ‪ ،‬على رأسها والي الجهة‪ ،‬ال ي يتمتع بصالحيات واسعة جدا مقارنة مع‬
‫رئيس الجهة ومجلسها‪.‬‬
‫ومن حيث ما يطرحه النموذج الجديد من تقوية الجهة لالضطالع باختصاصاتها‬
‫ال اتية واملشتركة واملنقولة‪ ،‬فال يملن إال تثمينه وا شادة به‪ ،‬ألن املس لة الترابية‬
‫في املغرب أصبح ملحة أكثر من أي وق مض ى‪ ،‬للن الشروط املوضوعية التي‬
‫أفرزت مجالس الجهات وفق نتائج االنتخابات التشريعية األخيرة (شتنبر ‪)2021‬‬
‫تطرح أكثر من سؤال به ا الخصو ‪ .‬فإذا كان متوقعا أن تتنافس األحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬وتستعمل في ذلي كل الوسائل املشروعة وغير املشروعة للظفر‬
‫بالنصي األوفر من مجالس الجهات بالنظر إلى واقع املمارسة الحزبية وشروط‬

‫‪ - 1‬نفسه‪.121 ،‬‬
‫‪.125-124‬‬ ‫‪ - 2‬التقرير العام‪،‬‬
‫‪244‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫املمارسة السياسية الحالية‪ ،‬فإنه من غير املفهوم وال املبرر‪ ،‬السكوت املطبق‬
‫والحياد السلبي للدولة عن ممارسات وصل حد العدمية وا قصاء وتوزيع‬
‫املناص ومسؤوليات الجهات وفق منطق أطروحة الحزب الوحيد والرأي‬
‫الواحد‪.‬‬
‫‪ -8‬مختصراملذكرات املوضوعاتية وأ م الر انات واملشاريع املقترحة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫با ضافة إلى ملخص التقرير‪ ،‬والتقرير العام‪ ،‬وملف نتائج االستماعات‬
‫واملساهمات الخاصة بجلسات ا نصات‪ ،‬أعدت اللجنة وثيقة خاصة تح‬
‫مسمى "امل كرات املوضوعاتية والرهانات واملشاريع املقترحة في إطار النموذج"‪،2‬‬
‫وهي وثيقة من ‪ 326‬صفحة‪ ،‬جمع فيها اللجنة ‪ 25‬م كرة موضوعاتية خاصة‬
‫بتحليل اللجنة واقتراحاتها‪ ،‬بخصو عض املواضيع‪ ،‬التي تم اعتبارها مهيكلة‬
‫للنموذج‪ ،‬وتتكون الوثيقة من أر عة مكونات وهي‪:‬‬
‫‪ -‬املحاور األر عة االستراتيجية للنموذج؛‬
‫‪ -‬مرجعية النموذج الجديد (التوجه التنظيمي وإطار الثقة واملسؤولية)؛‬
‫‪ -‬دعائم التغيير (الجهاز ا داري ورهان الرقميات)؛‬
‫‪ -‬مسار تفعيل النموذج (التمويل والشراكات)‪.‬‬
‫وقد اعتمدت اللجنة منهجية خاصة في صياغة امل كرات املوضوعاتية ه ه‪،‬‬
‫حيث صمم كل منها وفق أر عة جوان أساسية وهي توصيف مختصر للوضع‬
‫الراهن‪ ،‬مع عرض أهم تطورات املوضوع املعروض من حيث ا كراهات‬
‫وا صالحات املتخ ة‪ ،‬ثم عرض خا بالعناصر التشخيصية لتحديد العوائق‬
‫الرئيسية‪ ،‬ثم عد ذلي عرض تصور اللجنة وطموحها لتنمية املوضوع املتناول‪،‬‬
‫وفي األخير تحديد االستراتيجيات املوجهة للهيئات واملؤسسات املتدخلة واملعنية‬
‫باملوضوع لضمان العمل املشترك‪.‬‬

‫‪ - 1‬هل ا جاءت في أوراق اللجنة‪.‬‬


‫‪ - 2‬ملحق رقم ‪.2‬‬
‫‪245‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -9‬القيادة االستراتيجية والتتبع وإدارة التغيير‪" ،‬امليثاق الوطني من أجل‬


‫التنمية" وإمكانية إحداث آلية أخرى سيادية‪.‬‬
‫تعي لجنة النموذج جيدا أن السبيل إلى التنزيل يتطل مرجعية مشتركة‬
‫للفاعلين‪ ،‬بمثابة توافق لضمان انخراط الجميع‪ ،‬والتزام معنوي وسياس ي أمام‬
‫امللي باعتباره صاح املبادرة‪ .‬وفي ه ا الصدد ترى اللجنة أن امليثاق سيكون‬
‫إطارا عاما لالنسجام وتظافر الجهود بين مجموع الفاعلين‪ ،‬ولتحديد األولويات‬
‫االستراتيجية التي تؤطر تخصيص املوارد ولقيادة التغيير‪ ،‬وتحدد للميثاق‬
‫و ائف ومهام‪.1‬‬
‫فمن حيث الو ائف‪ ،‬تدعو أن يركز امليثاق على االختيارات األساسية للتنمية‪،‬‬
‫وترجمة الطا ع املتفرد للنموذج املغر ‪ ،‬وأن شكل إطارا لقيادة وتتبع وتفعيل‬
‫الرؤية التنموية للمغرب‪ ،‬ويملن أن يتضمن ا شارة إلى آليات التتبع املنتظم‬
‫لتقدم األوراش‪.‬‬
‫أما من حيث املهام‪ ،‬فقد حددتها في خمسة وهي التعريف بالنموذج وضمان‬
‫نشره‪ ،‬وتصميم ووضع أدوات منهجية رهن إشارة الهيئات والسلطات املعنية‬
‫لتسهيل التنفي الفعال‪ ،‬والسهر على انسجام االستراتيجيات وا صالحات‬
‫املقترحة‪ ،‬وضمان تتبع تفعيل األوراش االستراتيجية ورفع تقارير إلى امللي‪ ،‬ودعم‬
‫إدارة التغيير من خالل املساهمة في إعداد مشاريع استراتيجية لدعم السلطات‬
‫والهيئات املختصة بناء على التعليمات املللية‪.‬‬
‫إال أن لجنة النموذج أدرج اقتراحا ثانيا (استدراكيا)‪ ،‬يتمثل في إحداث آلية‬
‫(به ا التعبير)‪ ،2‬تح إشراف امللي‪ ،‬لتتبع وتحفيز األوراش االستراتيجية وقيادة‬
‫التغيير‪ .‬وقد ترك اللجنة ه ا االقتراح مفتوحا (آلية) دون الخوض في تفاصيلها‬
‫وكيفية تحديدها‪.‬‬

‫‪.146-145‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير العام‪،‬‬


‫‪ - 2‬انظر امللخص التنفي ي‪.14 ،‬‬
‫‪246‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ -10‬قياس النتائج‪.‬‬
‫من جديد اقتراحات النموذج أنه حدد مؤشرات عملية لقياس إنجاز التنمية في‬
‫أفق ‪ ،2035‬وفي ه ا الصدد اقترح اللجنة ‪ 15‬مؤشرا للقياس‪ ،1‬باعتماد معايير‬
‫وطنية ودولية‪ ،‬وباالستناد إلى تقارير وأبحاث منظمات ذات صلة (منظمة األمم‬
‫املتحدة للتطوع الصناعي‪ ،‬البني الدولي‪ ،‬منظمة التعاون والتنمية االقتصادية‪،‬‬
‫املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬املرصد الوط ي للتنمية البشرية)‪.‬‬
‫وألهمية ه ه املؤشرات التي تعد بمثابة تعاقد وط ي لتحليم النموذج‪ ،‬نورد هنا‬
‫عض املؤشرات األساسية كما اعتمدها التقرير‪.‬‬
‫جدول مؤشرات قياس النتائج‬
‫أفق ‪2035‬‬ ‫حاليا‬ ‫املؤشر‬
‫‪16‬‬ ‫‪7.826‬‬ ‫الناتج الداخلي الخام للفرد (متوسط نمو ‪)%6‬‬
‫‪50%‬‬ ‫‪28%‬‬ ‫القيمة املضافة الصناعية للتلنولوجيا املتوسطة ‪/‬العالية‬
‫‪0.75‬‬ ‫‪0.5‬‬ ‫مؤشر الرأسمال البشري‬
‫‪4.5‬‬ ‫‪1.65‬‬ ‫كثافة مقدم الخدمات الصحية بالنسبة لكل ‪ 1.000‬نسمة‬
‫‪75%‬‬ ‫‪27%‬‬ ‫التالمي املتقنون للقراءة والرياضيات والعلوم في سن ‪ 15‬سنة‬
‫‪45%‬‬ ‫‪22%‬‬ ‫نسبة النساء النشيطات‬
‫‪80%‬‬ ‫‪41%‬‬ ‫نسبة العمل املهيكل امل جور ضمن الشغل الللي‬
‫‪0.350‬‬ ‫‪0.395‬‬ ‫مؤشر جي ي ‪Gini‬‬
‫‪15%‬‬ ‫‪0%‬‬ ‫نسبة املياه املحالة واملصفاة من االستهالك الللي‬
‫‪0.85%‬‬ ‫‪0.7%‬‬ ‫مؤشر التنمية املحلية متعددة األ عاد‬
‫‪40%‬‬ ‫‪11%‬‬ ‫حصة الطاقة املتجددة في إجمالي استهالك الطاقة‬
‫‪80%‬‬ ‫‪---‬‬ ‫نسبة رضا املواطنين إزاء الخدمات العمومية‬
‫املصدر‪ :‬التقريرالعام‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪.51‬‬ ‫‪ - 1‬التقرير العام‪،‬‬


‫‪247‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -11‬استقراء عرضاني ومالحظات عامة‪.‬‬


‫حدد الخطاب امللك أمام البرملان خالل افتتاح السنة التشريعية ‪ 2017‬شهر‬
‫أكتوبر‪ ،‬األهداف الرئيسية التي ينبغي على النموذج الجديد تحقيقها‪ :‬توفير‬
‫املطال امللحة والحاجيات املتزايدة للمواطنين‪ ،‬والحد من الفوارق االجتماعية‬
‫بين الفئات املختلفة ومن االختالالت املجالية‪ ،‬وتحقيق العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫وبحلم التزامها باالستجابة ملا عبر عنه املغاربة أفرادا ومؤسسات‪ ،‬فاللجنة‬
‫مطالبة بالتوفيق بين املطال الشعبية ورهانات النخبة والتعليمات املللية‪.‬‬
‫في بداية التقييم البد من االعتراف بصعوبة عمل اللجنة‪ ،‬فهي من جهة لجنة‬
‫معينة من قبل أعلى سلطة‪ ،‬ومر عات االجتهاد محددة سلفا‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫ف عضاؤها واعون بالسقف املرتفع آلمال جميع املغاربة في نموذج يخرجهم إلى‬
‫فضاء تنموي أرح ‪ .‬ويزداد التحدي في وجه اللجنة‪ ،‬عندما التزم بمنهجية‬
‫االستماع إلى مختلف الفاعلين وعموم املواطنين واالستجابة لهم‪ ،‬وفي ذلي‬
‫صعوبة عملية للتوفيق بين االقتراحات واالستجابة لالنتظارات وااللتزام‬
‫بالتوجيهات‪.‬‬
‫من ا نصاف القول ب ن اللجنة قام بمجهود معتبر ومقدر‪ ،‬استطاع من‬
‫خالله إنتاج أر ع أوراق متكاملة‪ :‬التقرير العام‪ ،‬وامللخص التنفي ي‪ ،‬وامل كرات‬
‫املوضوعاتية‪ ،‬ونتائج جلسات ا نصات واالستماع‪ .‬استطاع من خاللها‪:‬‬
‫‪ ‬ا حاطة الشاملة بجل‪ ،‬إن لم نقل كل‪ ،‬مواضيع التنمية في املغرب‪،‬‬
‫وفي أهم تفاصيلها الهيكلية والجزئية؛‬
‫‪ ‬إبراز وعي أعضائها بحجم ا خفاق السابق‪ ،‬مما جعلها تعتمد عبارات‬
‫وصيغ وتقييم شديد اللهجة للعديد من مواطن الخلل في النموذج‬
‫السابق؛‬
‫إال أنه باملقارنة مع تقرير الخمسينية ومع املوكول إليها‪ ،‬وما ينتظر من أي لجنة‬
‫خاصة للقيام بمشروع استراتيجي‪ ،‬عبرت عن قصور واضح في عدة جوان ‪:‬‬

‫‪248‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫‪ ‬باملقارنة مع تقرير الخمسينية‪ ،‬يالحظ النفس التق ي والتوجه‬


‫التقنوقراط لتقاريرها‪ ،‬حيث غي النسق التنموي‪ ،‬والروابط بين‬
‫املشاريع والبرامج غياب رؤية وتصور عام‪ ،‬عبر عن مرجعية النموذج‬
‫وخلفيته التصورية‪ .‬وغياب ه ه العناصر يجعلنا أمام تقارير‬
‫وتشخيص وبرامج ال ترقى إلى مستوى "نموذج تنموي"‪ ،‬فما بالي‬
‫بنموذج تنموي بخصوصيات مغربية‪ ،1‬وبق النموذج في شكل برامج‬
‫متوسطة املدى في املجاالت الحيوية؛‬
‫‪ ‬ملاذا ا طار الزم ي املحدد في ‪ 15‬سنة (‪ ،)2035‬وكل االستراتيجيات‬
‫القطاعية وغير القطاعية‪ ،‬من مرحلة ما قبل الكوفيد‪ ،‬قام‬
‫باستقراء سيناريوهات وآفاق سنة ‪2030‬؟ أما البني الدولي‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن اللجنة اعتمدت عض مؤشراته في تقييم التنمية‪ ،‬فتحدث‬
‫عن مغرب ‪ ،2040‬وتقارير الخبراء الدوليين في التنمية واالقتصاد‬
‫واملجتمع‪ ،‬تتحدث عن أفق ‪ 2035‬كبداية لتعافي االقتصاد العالمي‬
‫وعودة العالقات االقتصادية الدولية إلى حالتها الطبيعية‪ ،‬في حين أن‬
‫اللجنة ترفع التحدي لتحقيق طموحات استثنائية في تاريخ املغرب‬
‫خالل املرحلة االستثنائية واالنتقالية هاته‪ .‬ولنا في استقراء تداعيات‬
‫األزمة االقتصادية العاملية (‪ )2008‬ومدة ت ثيرها في االقتصاد العالمي‬
‫والعالقات االستراتيجية‪ ،‬وتداعياتها على الجوان االجتماعية في‬
‫الدول النامية درس بليغ؛‬
‫‪ ‬اعتمدت اللجنة املنهج العلمي االجتماعي‪ ،‬باستقراء اآلراء واالستماع‬
‫للمعنيين بالتنمية‪ ،‬للن العملية كان في حدود استقبال اآلراء‬
‫واالقتصار على املبادرين إلى االتصال باللجنة من املواطنين‪ ،‬وكان‬

‫‪ - 1‬في تقديرنا الخا ‪ ،‬كان على اللجنة أن تحدد تعريفا واضحا يتضمن تصور اللجنة ملفهوم‬
‫"النموذج التنموي"‪ ،‬ولكونها تركز‪ ،‬كما ركز الخطاب امللك ‪ ،‬على كونه مغربيا خالصا‪ ،‬كان‬
‫عليها أن تحدد شكل دقيق معالم ومحددات ه ه الخصوصية‪.‬‬
‫‪249‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫األمثل أن تقوم باستقراء ميدان ‪ ،‬وفق املؤشرات واملعايير العلمية‬


‫املعروفة بخصو تحديد عينات الدراسة‪ .‬وفي ل الصعوبة‬
‫الحالية ( روف الجائحة)‪ ،‬كان على اللجنة استثمار االنفتاح على‬
‫املخابر الجامعية والبحوث والتحريات العديدة واملتنوعة التي تم‬
‫إنجازها ميدانيا في العديد من املجاالت الترابية املغربية‪.‬‬
‫وغياب املعطيات امليدانية الحقيقية جعل اللجنة تجازف بإعالن‬
‫طموحات اجتماعية غير واقعية‪ ،‬منها على سبيل املثال؛ الوصول إلى‬
‫عتبة ‪ 00‬فتاة أقل من ‪ 15‬سنة خارج املدرسة في غضون سنة ‪،2035‬‬
‫وهو طموح صع املنال في مجاالت ترابية عديدة‪ ،‬خاصة في املغرب‬
‫العميق‪ ،‬لعدة اعتبارات علمها خبراء امليدان‪ ،‬وغيرها من األمثلة‬
‫كثير؛‬
‫‪ ‬عبرت اللجنة عن رغبتها في إشراك جميع الفاعلين بمن فيهم مغاربة‬
‫العالم‪ ،‬للنها تجاوزت الحديث عن قضية الصحراء وما تعرفه من‬
‫تطورات‪ ،‬وكان عليها تقييم التعامل مع القضية خالل تنزيل النموذج‬
‫السابق‪ ،‬واقتراح مسالي جديدة خراج القضية مما تعانيه حاليا‪،‬‬
‫خاصة وأن اللجنة تعتبر مشروع "جهات املغرب" بمثابة إصالح ترا‬
‫هيللي لتحقيق النموذج التنموي املغر ؛‬
‫‪ ‬عد تقرير اللجنة بمثابة ترجمة اللتزامات املغرب ب هداف التنمية‬
‫املستدامة ‪ ،2030‬ال ي أطلقته األمم املتحدة سنة ‪( 2015‬األهداف‬
‫السبعة عشر للتنمية املستدامة)‪ ،1‬ألن ذلي يضمن للمغرب‬

‫‪ - 1‬يتعلق األمر بالقضاء على الفقر‪ ،‬والقضاء التام على الجوع‪ ،‬والصحة الجيدة والرفاه‪،‬‬
‫والتعليم الجيد‪ ،‬واملساواة بين الجنسين‪ ،‬واملياه النظيفة والنظافة الصحية‪ ،‬وطاقة‬
‫نظيفة وب سعار معقولة‪ ،‬والعمل الالئق ونمو االقتصاد‪ ،‬والصناعة واالبتكار والبنية‬
‫التحتية‪ ،‬والحد من مظاهر عدم املساواة‪ ،‬ومدن ومجتمعات محلية مستدامة‪،‬‬
‫‪250‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫االستفادة من الدعم الدولي وا قليمي‪ ،‬واالستفادة من قروض‬


‫املنظمات املانحة‪ .‬ويقول التقرير الخا بالنموذج أن هدف اللجنة‬
‫هو تحويل طموحات دستور ‪ 2011‬إلى رافعات للتنمية‪ ،‬وفي ذلي‬
‫نلران وتعال واضح عن الجهود الرسمية والشعبية املب ولة‪ ،‬وإنكار‬
‫جلي ملا يتم ب له من قبل عموم املغاربة فرادى وجماعات من أجل‬
‫الحفاظ على املستوى األدن ‪ ،‬على األقل‪ ،‬من التماسي االجتماعي في‬
‫روف دولية ووطنية صعبة (األزمة االقتصادية‪ ،‬الربيع العر ‪،‬‬
‫كوفيد‪.)19‬‬
‫أما مغربة النموذج‪ ،‬فلم تظهر بالشكل الكافي‪ ،‬ألن التقرير لم يتحدث‬
‫عن املغرب املتنوع بمجاالته الترابية املتمايزة‪ ،‬واألولى أن تبحث‬
‫اللجنة في رافعات تنموية وآفاق استراتيجية خاصة بكل مجال ترا‬
‫منسجم (الشمال‪ ،‬الوسط‪ ،‬الصحراء‪ ،‬الجنوب الشرقي‪ ،‬الجبال‪،‬‬
‫الواحات وغيرها)؛‬
‫‪ ‬عدم خروج اللجنة في تشخيصها ومقترحاتها عن مر عات ا صالح‬
‫املعهودة في املغرب‪ ،‬في كل الجوان السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬ومنها أنها تحدث عن ا كراهات وا شكاالت الهيكلية‪،‬‬
‫للن لم تحدد املسؤوليات عنها‪ ،‬ولم تحدد ملاذا تستمر ه ه‬
‫ا كراهات من االستقالل‪ ،‬ومنها قضية الريع املتنوع (االقتصادي‪،‬‬
‫والسياس ي‪ ،‬والثقافي وا عالم وغيره)‪ .‬وعند طرحها للحلول‪ ،‬تتجاوز‬
‫اآلليات الديمقراطية اللفيلة بربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬وتشدد‬
‫على رعاية تنفي النموذج وفق آلية تعيين مؤسسات وهيئات‬
‫وأشخا من خارج الهياكل املنتخبة؛‬

‫واالستهالك وا نتاج املسؤوالن‪ ،‬والعمل املناخي‪ ،‬والحفاظ على املاء‪ ،‬وجودة إطار الحياة‪،‬‬
‫والسالم والعدالة واملؤسسات القوية‪ ،‬والشراكات العاملية لتحقيق األهداف‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬التزام اللجنة منهجا انتقائيا عدم خوضها في تقييم االختيارات‬


‫والتوجهات التنموية اللبرى ومدى انسجامها مع الخطاب الرسمي‬
‫(ا صالح السياس ي‪ ،‬والجمع بين السلطة والثروة‪ ،‬وربط املسؤولية‬
‫باملحاسبة في كل مستويات السلطة‪ ،‬والحد من الفوارق االجتماعية‬
‫بين الفئات‪ ،‬وتجاوز االختالالت املجالية واالنتقائية التنموية‪،‬‬
‫ومشروع العدالة االجتماعية)‪ ،‬وال في تقييم أهم أركان ومكونات‬
‫النموذج السابق (املبادرة الوطنية للتنمية البشرية)‪ ،‬باملقابل تتشبث‬
‫اللجنة بموقفها‪ ،‬غير املبرر‪ ،‬ب ن أول عائق تنموي عرفه النموذج‬
‫السابق؛ هو غياب االنسجام بين الرؤية التنموية والسياسات‬
‫العمومية املعلن عنها؛‬
‫‪ ‬ركزت اللجنة كثيرا على موضوع تثمين الرأسمال البشري‪ ،‬للن‬
‫بمقاربة تقنية‪ ،‬وكان األولى تقييم تراجع األداء االجتماعي للطبقة‬
‫الوسط في املغرب‪ ،‬وملاذا تعمل السياسات العمومية والتوجهات‬
‫السياسية على املزيد من إضعاف ه ه الطبقة‪ ،‬وعندما يتم االلتفات‬
‫إليها‪ ،‬يكون ذلي بمنطق إحسان عيد كل البعد عن االلتزام‬
‫السياس ي واملبادئ والحقوق األساسية؛‬
‫‪ ‬من املؤشرات األساسية التي كان على اللجنة االهتمام بها شكل كاف‬
‫لتثمين ا مكان البشري مؤشر جي ي‪ ،1‬لكونه مؤشرا هيكليا لتحقيق‬
‫التوازن االجتماعي واملساواة والعدالة االجتماعية التي يتحدث عنها‬

‫‪ -1‬عتمد مؤشر جي ي لقياس توزيع الدخل بين السكان‪ ،‬وتتغير قيمته ما بين ‪ 0‬و‪ ،1‬بحيث‬
‫أن القيم األقرب إلى الصفر تؤشر على القرب إلى املساواة (‪ 00‬ع ي مساواة كاملة)‪ ،‬في حين‬
‫أن القيم القريبة من ‪ 1‬تؤشر على ضعف‪/‬انعدام املساواة‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الخطاب الرسمي باعتبارها أولوية األولويات‪ ،‬غير أن طموح اللجنة‬


‫فيما يخص ه ا املؤشر لم يلن كباقي الطموحات األخرى‪ ،‬بحيث‬
‫حددت اللجنة فيما يخص ه ا املؤشر االنتقال من ‪( 0,395‬القيمة‬
‫الحالية) إلى ‪ 0,350‬في أفق ‪.2035‬‬
‫‪ ‬عوض الخوض في التقييم املوضوعي لبعض السياسات القطاعية‬
‫مثار الجدل واالختالف بين الساسة والنخبة‪ ،‬انحازت اللجنة إلى‬
‫قطاعات معينة مختلف ش ن حصيلتها‪ ،‬وهنا يملن ا شارة إلى‬
‫موقف اللجنة من أداء القطاع الفالحي‪ ،‬حيث أقرت‪ ،‬شكل غير‬
‫موضوعي‪ ،‬بنجاح االستراتيجية الفالحية في املغرب‪ ،‬وبقي مقترحاتها‬
‫في حدود التوجيهات املللية األخيرة بمناسبة إطالق استراتيجية‬
‫الجيل األخضر‪ .‬باملقابل كان تقرير اللجنة قاسيا وجارحا في حق‬
‫عض القطاعات واملؤسسات‪ ،‬وعلى رأسها األحزاب السياسية؛‬
‫‪ ‬في تحديد مستقبل دور الدولة وفعالية تدخالتها خالل املرحلة‬
‫املقبلة‪ ،‬التزم اللجنة توجيهات بنفس وروح تعود إلى ما قبل حكومة‬
‫عبد الرحمن اليوسف ‪ ،‬فعوض أن يتم الحديث عن الدولة التنموية‬
‫والراعية والحامية‪ ،‬تتحدث عن "الدولة القوية" و"الدولة املركزية"‬
‫الحاملة لرؤية استراتيجية‪ ،‬دولة تنهج السياسات الوطنية عيدة‬
‫املدى‪ ،‬مما عط إشارات قوية بخصو طبيعة الالمركزية التي‬
‫دع إليها لجنة النموذج‪ ،‬وأدوار الشركاء والفاعلين الترابيين‪ .‬ولم‬
‫تلتف اللجنة ب لي‪ ،‬بل استرسل في التلميح إلى عدم كفاءة جل‬
‫املؤسسات املنتخبة واألحزاب السياسية‪ ،‬بكونها سب اللثير من‬
‫املشاكل‪ ،‬وأن تعيين رئيس الحكومة وفق مقتضيات دستور ‪2011‬‬
‫يثير اللثير من الجدل‪ ،‬ويعطل تسريع التوافق لتشليل الحكومة‪،‬‬
‫مما يلمح إلى أهمية النكو إلى عهود سابقة لتحقيق النموذج‬
‫التنموي في نظر اللجنة؛‬
‫‪253‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ ‬التزم لجنة التقرير تراتبية واضحة في تناول مداخل التنمية وفق‬


‫أولوية االقتصادي على االجتماعي املعتمدة من التقويم الهيللي‪،‬‬
‫بحيث إن حجم البرامج االجتماعية ينبغي أن تكون‪ ،‬حس اللجنة‪،‬‬
‫متناسبة وتا عة للقيمة املضافة التي ينتجها االقتصاد‪ ،‬وهي أطروحة‬
‫تقيد تحرير التفلير في التنمية االجتماعية شكل إبداعي‪ ،‬وقد سبق‬
‫التفصيل في االختالف بين األطروحتين‪.‬‬
‫كما دع اللجنة إلى االستمرار في النهج السابق‪ ،‬الداعي إلى رفع دعم‬
‫الرأسمالي‪ ،‬دون ضوابط‬ ‫وتحفيز املقاولة والقطاع الخا‬
‫موضوعية‪ ،‬في الوق ال ي يت كد بامللموس أن ه ا التحفيز املفتوح‬
‫وغير املتوازن يكلف مالية الدولة اللثير‪ ،‬ويبق في مصلحة فئات‬
‫وشرائح معينة (أقلية)‪ ،‬ال تنخرط بما يلف في دعم أوراش التنمية‪.‬‬
‫وه ه إحدى القضايا التي تتطل تشخيصا دقيقا‪ ،‬ودراسة جدوى من‬
‫قبل جهات مستقلة‪ ،‬ألن هناك تقارير مضادة تقول ب ن الفئات‬
‫والشرائح املستفيدة من الثروة هي األقل مساهمة في إنتاج ه ه‬
‫الثروة؛‬
‫‪ ‬تفتقد اللجنة إلى عنصر الوعي بالهامش املغر ‪ ،‬ما جعلها تستمر في‬
‫مساواة املواطن باملقاولة عند الحديث عن الخدمات األساسية‪ ،‬وفي‬
‫ذلي تنقيص واضح من كرامة املواطن‪ .‬وإن كان الواقع هو أن املقاولة‬
‫تعد أولوية في جل املشاريع املغربية‪ ،‬وعندما تتعارض مصالح املواطن‬
‫وطموحات املقاولة‪ ،‬فإن األولوية تكون لالستثمار املالي واملقاولة‪،‬‬
‫واألمثلة كثيرة جدا وفي أكثر من مجال ترا (تهجير الساكنة لتوطين‬
‫املشاريع االقتصادية‪ ،‬وعدم تحمل عض الوحدات االقتصادية‬
‫والصناعية مسؤولية حماية الساكنة املجاورة من مخلفات ه ه‬
‫الوحدات‪ ،‬والطرد التعسف للعديد من امل جورين على خلفية‬

‫‪254‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫إضرابات أو تحركات مطلبية‪ ،‬وعدم تحمل الوحدات الصناعية‬


‫مسؤولية حماية وعالج املستخدمين خالل فترة الوباء‪ ،‬وغيرها من‬
‫األمثلة)؛‬
‫‪ ‬اعتمد التقرير منهجية قل هرم التشخيص فانتف فيه شروط‬
‫إنتاج الحقيقة‪ ،‬بحيث جعل ا شكاالت الهيكلية مجرد مشاكل‬
‫تقنية‪ ،‬في حين رفع من ش ن عض ا كراهات وا خفاقات وك نها‬
‫سب رئيس ي في إعاقة التنمية في املغرب‪ ،‬ومن ذلي مروره مرور‬
‫اللرام على السب األساس ي في استدامة ا عاقة التنموية؛ وهو أن‬
‫ال ‪ %10‬األكثر ثراء من املغاربة يركزون ‪ 11‬مرة ثروة ال ‪ %10‬األكثر‬
‫فقرا‪ ،‬وكان على لجنة النموذج أن تعزز ه ه الحقائق بالبيانات التي‬
‫رصدتها املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬انطالقا من مقارنة إجمالي‬
‫نفقات ‪ 5‬أفقر مواطنين مع ‪ 5‬أغ ى مواطنين‪ ،‬ليتضح حجم الفوارق‬
‫السوسيواقتصادية‪ ،‬حيث انتقل ه ا املؤشر من ‪ 19,3‬مرة سنة‬
‫‪ 2001‬إلى ‪ 20,4‬سنة ‪ 2007‬ثم إلى ‪ 19,2‬سنة ‪ ،2014‬ونصف السكان‬
‫األكثر ثراء عيشون على ‪ %75,8‬من كتلة مستويات املعيشة‪ ،‬أي أكثر‬
‫بقليل من ثالثة أضعاف (‪ )3,1‬مستوى معيشة ‪ %50‬األقل ثراء‪ .‬وبين‬
‫سنتي ‪ 2001‬و ‪ ،2014‬لم تحسن ‪ %50‬من األسر األقل غ ى إال قليال‬
‫من حصتها في مجموع النفقات‪ ،‬إذ انتقل من ‪ %23,4‬سنة ‪ 2001‬إلى‬
‫‪ 24,2%‬سنة ‪12014‬؛‬
‫‪ ‬تجاوزت اللجنة تشخيص وتقييم عض املوازنات الحاسمة في‬
‫تحقيق التنمية االقتصادية‪ ،‬ومنها ثنائية االستثمار ونس النمو‪،‬‬
‫بحيث أن املغرب عمل باستمرار على الرفع من حجم االستثمار بكل‬

‫‪ - 1‬املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬السكان والتنمية في املغرب‪ ،‬خمس وعشرون سنة عد‬
‫مؤتمر القاهرة ‪ ،"1994‬التقرير الوط ي‪.48 ،2019 ،‬‬
‫‪255‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫أنواعه‪ ،1‬في حين أن نس النمو تبق جامدة ودون التوقعات وال‬


‫املستوى املطلوب من عقود‪ ،‬مما يترت عنه جمود العملية التنموية‬
‫(ارتفاع البطالة والفقر والهشاشة)‪ ،‬وه ا يؤكد أن عائدات‬
‫االستثمار تتعرض لهدر كبير في مستويات معينة من هرم التدبير‬
‫واملسؤولية (الريع)؛‬
‫‪ ‬تؤكد اللجنة على حتمية خيار االندماج االقتصادي الدولي‪ ،‬ومنه‬
‫خيار التبادل الحر‪ ،‬للنها لم ترصد تكاليف ه ا التبادل على‬
‫االقتصاد الوط ي لتبيان نجاعته أو إخفاقه؛‬
‫‪ ‬عوض ت كيد لجنة النموذج على أولوية التحرر من املديونية‪ ،‬كرس‬
‫اللجنة النهج التنموي السابق‪ ،‬املب ي على التوجه نحو القروض‬
‫املباشرة وسوق الرساميل واالستثمار األجنبي املباشر‪ ،‬وهي آليات‬
‫تقليدية أنتج تنمية معاقة ومرهونة في يد املنظمات الدولية‬
‫املانحة‪ .‬ورغم استحضار اللجنة لتداعيات الجائحة‪ ،‬فإنها لم ترسم‬
‫مخططا استراتيجيا لبناء ال ات وتحقيق االكتفاء (الغ ائ ‪،‬‬
‫والصحي‪ ،‬ومن املوارد البشرية‪ ،‬ووسائل ا نتاج وغيرها)؛‬
‫أما من حيث االستراتيجيات العرضانية أو القطاعية‪ ،‬فاملالحظ أن لجنة‬
‫النموذج استعمل ‪ ،‬في كثير من األحيان‪ ،‬لغة الشعارات أكثر من لغة األرقام‬
‫والحقيقة‪ ،‬خاصة عندما تتحدث لغة "سيصبح املغرب وكل املواطنين" أو‬
‫عند طرح عض األهداف من قبيل‪:‬‬
‫‪ ‬تعميم التغطية الرقمية بالعالم القروي‪ ،‬وتعتبره أمرا ال منا عنه‪.‬‬
‫فهل يملن أن يتوقع خبير بالعالم القروي في املغرب أن ‪ 15‬سنة‬

‫‪ - 1‬تضاعف االستثمار العموم من الناتج الداخلي الخام ما بين سنتي ‪ 2006‬و‪ 2018‬من ‪71‬‬
‫مليار درهم إلى ‪ 197‬مليار درهم‪ ،‬في حين بقي نسبة النمو جامدة دون ‪.%4‬‬
‫‪256‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫كافية ل لي‪ ،‬ونحن نعلم تراجع مجموع الخدمات األساسية مثل‬


‫املدرسة واملستوصف واملستشف والسلن والطريق وغيرها؟‬
‫‪ ‬النموذج التنموي الحالي مب ي على مرتلز تصوري يتوقع وصول نسبة‬
‫النمو االقتصادي إلى ‪ %6‬ابتداء من ‪ ،2025‬وارتفاعها إلى ‪ %7‬ابتداء‬
‫من ‪ .2030‬وه ه إحدى سقطات النموذج‪ ،‬ألننا نعلم جيدا أن‬
‫السنوات الخمس املقبلة إلى ثمان سنوات على األقل‪ ،‬ستكون مرحلة‬
‫تعافي االقتصاد ليعود إلى الوضعية ما قبل الوباء (نسبة نمو في حدود‬
‫‪ 4%‬في املتوسط)‪ ،‬فالواقع أن نسبة النمو في السنة املوالية لنلسة‬
‫الجائحة ستكون جيدة (‪ ،)2022‬أما باقي السنوات املوالية‪ ،‬فلن‬
‫تستطيع تجاوز نسبة ‪ ،%05‬ه ا إن لم نتفاج بظروف مناخية‬
‫قاسية تؤثر على املحصول الفالحي (خاصة حصيلة الحبوب)‪.‬‬
‫ورغم وجاهة االقتراحات التي تطرحها اللجنة في ه ا الش ن مثل‪:‬‬
‫توجيه املقاولة نحو التصدير "صنع في املغرب" من خالل؛ تحديث‬
‫النسيج االقتصادي الحالي بإدماج أغل األنشطة في القطاع املنظم‬
‫مع الرفع من تنافسيته‪ ،‬وتنويع االقتصاد للسماح بتطوير أنشطة‬
‫اقتصادية ومهارات جديدة‪ ،‬والرفع من مستوى القيمة املضافة‬
‫املحلية‪ ،‬واالندماج األكبر في االقتصاد العالمي بهدف توجيه‬
‫املقاوالت نحو التصدير‪ ،‬فإن ذلي ليس مؤكدا‪ .‬وكان على اللجنة‪،‬‬
‫على األقل‪ ،‬إعداد الخطة البديلة ‪ .Plan B‬وعدم تماسي ه ا‬
‫املنطلق‪ ،‬له تداعياته االجتماعية الواضحة‪ ،‬ومن ضمنها؛ عدم‬
‫القدرة على تحقيق مضاعفة الناتج الداخلي الخام حس الفرد في‬
‫مدة ‪ 15‬سنة (‪ ،)2020-2035‬ال ي وعدت به اللجنة‪ ،‬ليصل ‪16.000‬‬
‫دوالر تقريبا (‪ 130.000‬درهم) عوض ‪ 7.800‬دوالر حاليا؛‬
‫‪ ‬بخصو طموح الرفع من حجم النسيج املقاوالت ‪ ،‬هناك تناقض‬
‫كبير بين أدوات التشخيص ومقترحات االستشراف‪ .‬فف الوق ال ي‬
‫‪257‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫تقر اللجنة بت ثير الوباء (إغالق آالف املقاوالت الصغيرة واملتوسطة‬


‫وتسريح ما يزيد عن ‪ 950.000‬عامل خالل أقل من سنة)‪ ،‬تطمح إلى‬
‫الزيادة في عدد املقاوالت الناشئة لتصل ‪ 3.000‬مقاولة‪ ،‬با ضافة إلى‬
‫وصول عتبة ‪ 300‬شركة مدرجة في البورصة‪ ،‬وتحقيق زيادة أكبر في‬
‫مساهمة االقتصاد االجتماعي في القيمة املضافة لتصل ‪ ،%8‬وكلها‬
‫رهانات صعبة املنال بالنظر إلى تحوالت االقتصاد العالمي وضعف‬
‫ت ثير املغرب فيه؛‬
‫‪ ‬فيما يخص تحسين إطار العيش‪ ،‬هناك العديد من املالحظات التي‬
‫أثارتها نقاشات عمومية متنوعة‪ ،‬ونلتف هنا بإثارة مس لة سيطة‬
‫للنها تخدش في موضوعية املقترحات املطروحة‪ ،‬حيث تطمح اللجنة‬
‫إلى توسيع املجاالت الخضراء لتصل ‪ 10‬أمتار مر عة كحد أدن للفرد‬
‫الواحد‪ ،‬وهو املستحيل عينه في ل انحصار املجاالت الع راء التي‬
‫يملن استثمارها للسلن في العديد من الحواضر واملدن اللبيرة‬
‫واملتوسطة‪ ،‬فما بالي باملساحات الخضراء‪ .‬با ضافة إلى طموح‬
‫اللجنة وصول متوسط معدل التنقل بين مكان ا قامة ومكان العمل‬
‫ال يتجاوز ‪ 30‬دقيقة‪ ،‬وه ا يتنافى ك لي مع استراتيجيات إقامة‬
‫املركبات واملدن الصناعية‪ ،‬التي تبعد بليلومترات عن الحواضر‪ ،‬وفي‬
‫ل انغالق شبكات الطرق واللثافات السكانية املرتفعة‪ ،‬وتزايد‬
‫نس الهجرة إلى املدن‪ ،‬فإن النتيجة اآلن هي تزايد حوادث السير التي‬
‫تكون وراءها وسائل النقل الخاصة بالعمال واألجراء؛‬
‫‪ ‬نالحظ أن برامج اللجنة وباقي املشاريع والبرامج القطاعية‪ ،‬تتحدث‬
‫عن زيادة نسبتها من الناتج الداخلي الخام لتحقيق املطلوب‪ ،‬باملقابل‬
‫ليس هناك قطاع يت كد خفض نسبته من ه ا الناتج‪ ،‬ما ع ي أن‬
‫الطموحات ينقصها التماسي في كثير من األحيان‪ ،‬وتحتاج إلى‬

‫‪258‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫مداخيل ونس نمو استثنائية غير أكيدة‪ .‬ولعل اللجنة تتحدث عن‬
‫زيادات مهمة‪ ،‬بحيث إن املشاريع املقترحة تتطل تمويالت عمومية‬
‫إضافية تقدر بحوالي ‪ %4‬من الناتج الداخلي الخام سنويا خالل‬
‫مرحلة ا طالق (‪ ،)2022-2025‬وبحوالي ‪ %10‬منه في مرحلة السرعة‬
‫القصوى في أفق ‪2030‬؛‬
‫‪ ‬هناك طموحات تنموية أخرى هي أقرب إلى الشعار إن لم تلن ك لي‪،‬‬
‫ومنها أن يصبح املغرب في رف ‪ 15‬سنة‪:‬‬
‫‪ -‬ضمن مصاف دول الثلث األول في الترتي العالمي؛‬
‫‪ -‬مركزا للتعليم العالي والبحث واالبتكار في منطقته؛‬
‫‪ -‬الرائد ا قليمي للطاقة ذات االنبعاثات املنخفضة من اللربون؛‬
‫‪ -‬قطبا ماليا مرجعيا‪ ،‬وأن يجعل من عالمة "صنع في املغرب"‬
‫عالمة للجودة والتنافسية واالستدامة‪.‬‬
‫خاتمة‪.‬‬
‫ال يخف النفس التق ي والتوجه التقنوقراط لتقارير لجنة النموذج التنموي‬
‫الجديد‪ ،‬حيث تغي الرؤية والخلفية التصورية الكافية واملتكاملة‪ ،‬غياب ال‬
‫يخفف من وقعه التوسل بدستور‪ 2011‬باعتباره مرجعا تصوريا وإطارا مرجعيا‬
‫لالجتهاد التنموي‪.‬‬
‫أما من حيث البنية واملضامين‪ ،‬فتبق تقارير اللجنة تعبيرا عن مجهود مقدر في‬
‫املتجاوز ملهام‬
‫ِ‬ ‫التشخيص واقتراح الحلول‪ ،‬سلل فيه اللجنة منهج النقد‬
‫وصالحيات مؤسسات دستورية وقانونية مثل الحكومة ومجلس ي البرملان‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يبق النموذج التنموي‪ ،‬في صيغته الحالية‪ ،‬تعبيرا عن سلطة حقيقية في‬
‫شخص اللجنة املعينة‪ ،‬تستمد قوتها من سموها على اآللية الديمقراطية نفسها‪،‬‬
‫لكونها لجنة معينة من أعلى سلطة‪ ،‬فهي ب لي مست منة وسيدة‪ ،‬وقراراتها ناف ة‪،‬‬
‫وعلى الهيئات ومؤسسات الدولة أن تليف اجتهاداتها وبرامجها واستراتيجياتها مع‬
‫التصور املطروح‪.‬‬
‫‪259‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السابع‬
‫في فهم النموذج و عض املداخل اململنة‬

‫‪260‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫تفض ي بنا خالصات الفصول السابقة إلى استنتاجين رئيسين‪:‬‬


‫‪ -‬يتب ى املغرب مسلكا وحيدا للتنمية‪ ،‬وقد ضاع الفرصة األولى من خوض‬
‫ه ا املسلي‪ ،‬واملحاولة الثانية تدعو إرهاصاتها ومؤشراتها إلى الح ر‪،‬‬
‫لكونها لم تتوقف عند ما ينبغي التوقف عنده‪.‬‬
‫‪ -‬النموذج التنموي وليد سياق إنتاج السلطة‪ ،‬وتعبير عن طبيعة السلطة‬
‫املتحلمة ومنهجية تدبيرها للش ن العام‪ ،‬وقصور النموذج من قصور‬
‫التدبير العام‪ .‬أما عندما يتحول النموذج نفسه إلى سلطة‪ ،‬فإن االشتباك‬
‫يزداد تعقيدا‪ ،‬ويصبح من الصع على العديد من الباحثين التفلير خارج‬
‫النسق الرسمي‪ .‬ه ا ما يحصل في الحالة املغربية في تقديرنا‪.‬‬
‫ل لي‪ ،‬فإنه من األهمية بمكان فهم خصوصيات النموذج املغر الستيعاب‬
‫عوائقه‪ ،‬واالجتهاد في التفلير خارج النسق‪ ،‬للن ضمن تحليل السياق‪ ،‬لالنفتاح‬
‫على أفق تنموي أرح ‪.‬‬
‫‪ -1‬في فهم النموذج املغربي‪.‬‬
‫‪ -1-1‬فهم النموذج في عالقته باملشروع املجتمعي‪.‬‬
‫يحصل ا جماع في كون النموذج التنموي الوط ي نسق من عتبات ثالث‪ :‬التصور‬
‫وآلية التنزيل والبرامج التفصيلية‪ ،‬وهو حلقة وسط بين املشروع املجتمعي‬
‫والبرامج الحكومية والقطاعية (السياسات العمومية)‪.‬‬
‫وفي غياب املشروع املجتمعي الواضح‪ ،‬يصع على النموذج التنموي أن يكون‬
‫متماسكا وفعاال‪ .‬في الحالة املغربية ال نعلم بوجود مشروع مجتمعي مرجعي‬
‫ملتوب‪ ،‬وللن تتحدث عض الخطابات املللية عن مرتلزات من بينها‪ :‬مبادئ‬
‫الديمقراطية السياسية‪ ،‬والفعالية االقتصادية‪ ،‬والتماسي االجتماعي‪ ،‬والعمل‬
‫واالجتهاد‪ ،‬وتملين كل مواطن من االستثمار األمثل ملؤهالته وقدراته‪.1‬‬

‫‪ - 1‬انظر نص الخطاب امللك بمناسبة إطالق املبادرة الوطنية للتنمية البشرية (‪ 18‬ماي‬
‫‪.)2005‬‬
‫‪261‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫إن ما يحول املشاريع املجتمعية إلى مجرد شعارات؛ هو عدم انبثاقها من رحم‬
‫املجتمع‪ ،‬والسكوت عن مظاهر الريع‪ ،‬وعدم ربط املسؤولية باملحاسبة‪ .‬وتنتف‬
‫شروط املشروع املجتمعي‪ ،‬وخاصة شرط الديمقراطية السياسية عند غياب‬
‫مرحلة ت سيسية وتوافق مجتمعي لبناء الدولة‪ ،‬فممارسة السلطة في املغرب هي‬
‫كما هي من إقالة حكومة عبد هللا إبراهيم‪ ،‬واألحزاب السياسية على طبيعتها‬
‫الراكدة في انتظار مبادرات الحلم والطبقة السياسية‪ ،‬العجوزة في عمومها‪،‬‬
‫يتجدد وفاؤها ألولوية االستحقاقات االنتخابية وغنيمة املقاعد‪ ،‬وعزوف املجتمع‬
‫عن مشاركة النخبة في لعبتها يتوسع يوما عد آخر‪ .‬واملقلق أن الغالبية الساحقة‬
‫من املغاربة تفهم تشابي خيوط اللعبة‪ ،‬للنها غير مستعدة بما يلف ‪ ،‬لالنخراط‬
‫في الت سيس للحظة انطالق تنموي صحيحة‪.‬‬
‫‪ -2-1‬فهم النموذج وفق تجارب مقارنة‪.‬‬
‫ما هي خصوصية النموذج التنموي املغر ؟‬
‫ه ا السؤال تناوله اللثيرون‪ ،‬للن تتطابق العديد من ا جابات‪ ،‬لكونها تغرق في‬
‫التفاصيل‪ ،‬وتبحث عن الخصوصيات الجزئية‪ ،‬سواء في األطر املرجعية‪ ،‬أو‬
‫التوجهات العامة‪ ،‬أو البرامج واملشاريع‪.‬‬
‫والحقيقة أن تحديد طبيعة النموذج املغر ‪ ،‬ينبغي أن ننطلق فيه من تحديد‬
‫جغرافيا الفاعلين ومهامهم وأدوارهم‪ ،‬وتراتبية ه ه املهام واألدوار‪ ،‬وطبيعة‬
‫العالقة بينها‪.‬‬
‫لعل البعض عترض على ه ا الطرح بالقول‪ :‬إن النموذج شخص وعرى كل‬
‫العوائق وا كراهات‪ .‬ونحن من جانبنا نقر به ا املجهود‪ ،‬للن نستدرك عليه ألنه‬
‫قال كل ش يء لك ال يقول شيئا‪ .‬فما تعتبره التقارير الرسمية تحصيل حاصل‬
‫ينبغي وضعه في الهامش للتقدم أكثر‪ ،‬عتبره البعض اآلخر أساسيا ينبغي تجاوزه‬
‫والقطع معه ال إعادة تدويره والبحث له عن سياق أفضل‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫إن النموذج التنموي املغر هو أقرب ما يكون إلى مرك ثالث وفق تراتبية‬
‫صارمة‪ :‬القائد الرمز (امللي)‪ ،‬الهيئات املعينة‪ ،‬الهيئات واملؤسسات املنتخبة‬
‫واملجتمع‪.‬‬
‫والحقيقة أن فلرة نموذج به ه الخصوصيات‪ ،‬لها وجاهتها وقوتها‪ ،‬كما لها عيوبها‬
‫ومثالبها‪ .‬ألن هناك نماذج تنموية أخرى على ه ه الشاكلة‪ ،‬التي تغي فيها اآلليات‬
‫الديمقراطية‪ ،‬ورغم ذلي استطاع أن تكون رائدة في التنمية والتقدم‪ ،‬واملثال‬
‫الحي هو النموذج التنموي اليابان ‪ ،‬املب ي هو اآلخر على ثالثية‪ :‬ا مبراطور‬
‫والقيادة والشع ‪.‬‬
‫فلماذا لم يحقق النموذج املغر مطامحه كما حققته ه ه النماذج املماثلة؟‬
‫الجواب في غاية البساطة‪ ،‬رغم أنه يحتاج إلى نقاش عريض‪ :‬لم يتحقق املشروع‬
‫التنموي املغر لغياب إرادة حقيقية ل لي‪ ،‬ولكون التنمية ال تنفي عن ا صالح‬
‫والتغيير‪ ،‬وألن التنمية ال تنب وال تترعرع في أرضية ستشري فيها الريع‪.‬‬
‫أما من حيث التوجهات العامة‪ ،‬فيملن أن نالحظ أن النموذج التنموي املغر‬
‫خليط مرك أو مزيج غير منسجم‪ ،‬ويجمع بين عناصر ينقصها االئتالف‪ .‬فهو‬
‫يتكون‪ ،‬على األقل‪ ،‬من ثالث أطروحات سوسيواقتصادية متباينة‪:‬‬
‫‪ -‬أطروحة اقتصاد السوق االجتماعي‪ :‬وهو نموذج الدول االسلندنافية‪،‬‬
‫للن يتم اعتماده بخصوصيات العالقات السوسيوسياسية املغربية‬
‫(زواج السلطة والثروة‪ ،‬وعدم ربط املسؤولية باملحاسبة)؛‬
‫‪ -‬أطروحة الخط التنموي الثالث‪ ،‬املت ثرة في نسختها األصلية (البريطانية)‬
‫ب فكار عالم االجتماع "أنتون جيدنز"‪ ،‬ارتكازا على العناصر الثالثة‪:‬‬
‫السوق ومؤسسات الوساطة واملجتمع املدن ‪ ،‬للن بمقاربة مغربية‬
‫خالصة ك لي‪ ،‬هدفها الحفاظ على البنيات االجتماعية والسياسية في‬
‫أصولها اللبرى؛‬
‫‪ -‬نموذج االقتصاد االجتماعي التضام ي‪ ،‬ال ي يدعم فلرة النشاط‬
‫االقتصادي‪ ،‬ال ي ال تسيطر عليه الدولة شكل مباشر‪ ،‬وال يخضع كليا‬
‫‪263‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ملنطق السوق‪ ،‬مع االهتمام باملجتمعات املحلية والفئات االجتماعية‬


‫املهمشة‪.‬‬
‫غير أن ه ه األطروحات‪ ،‬في الحالة املغربية‪ ،‬ال تمثل نموذجا تنمويا وال حتى نظاما‬
‫اقتصاديا واضحا‪ ،‬وإنما هي مجموعة مشاريع لدعم ا نتاج‪ ،‬ويملن تصنيفها‬
‫ليبراليا كما يملن تصنيفها اشتراكيا أو غير ذلي‪ .‬وقد كان بإمكان النموذج‬
‫املعتمد عد تقرير الخمسينية "نموذج التنمية البشرية" أن يكون رائدا‪ ،‬كما هو‬
‫ش ن عض الدول‪ ،‬للن لم يتم التزامها باملقومات الرئيسية املتمثلة في‪ :‬حقوق‬
‫ا نسان‪ ،‬وا نصاف‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬واالستدامة واللفاءة‪.‬‬
‫خيار آخر يخوضه املغرب دون وعي تام ب لي‪ ،‬وهو خيار "التنمية املستقلة"‪،‬‬
‫املبنية على االدخار‪ ،‬وذلي من خالل الرفع من االستثمار‪ ،‬ولعلنا الحظنا التزايد‬
‫السريع لنس االستثمار العموم في القوانين املالية للسنوات األخيرة‪ .‬إال أن ه ا‬
‫النموذج نفسه ال يملن أن يتحقق العتبارات كثيرة ن كر منها‪:‬‬
‫‪ -‬غياب استراتيجية واضحة لالستثمار‪ ،‬ون كر هنا أطروحة التعاون "جنوب‪-‬‬
‫جنوب"‪ ،‬خاصة مع الدول ا فريقية‪ ،‬وكيف استنزف الرأسمال الوط ي‪،‬‬
‫العموم والخا ‪ ،‬ورغم ذلي فإن عائدات ه ا االستثمار ال تظهر في مؤشرات‬
‫التنمية االقتصادية للمغرب‪ ،‬فما بالي بالتنمية االجتماعية‪ .‬با ضافة إلى ذلي‪،‬‬
‫فإن نس االستثمار املرتفعة‪ ،‬خاصة االستثمار العموم ‪ ،‬ال يوازيه تطور نس‬
‫النمو‪ ،‬وا سهام في التنمية‪ ،‬خاصة في قضية التشغيل والقضاء على البطالة‪،‬‬
‫وهو ما كان تختبئ خلفه الحكومات املتعاقبة من كون نس النمو املتدنية‬
‫وضعف االستثمار عرقل خوض استراتيجيات فعالة للقضاء على البطالة‪.‬‬
‫ومن املعضالت الرئيسة في التنمية االقتصادية‪ ،‬اعتماد املغرب على إحدى‬
‫قواعد النموذج الليبرالي املتجاوزة‪ ،‬وهي "النمو أوال ثم التوزيع الحقا"‪ ،‬بمع ى أن‬
‫النمو االقتصادي يحتاج إلى درجة عالية من التفاوت في توزيع الدخل والثروة‪،‬‬

‫‪264‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫لك يتولد قدر كاف من املدخرات لتمويل االستثمارات الالزمة للنمو السريع‪،‬‬
‫وهو نموذج تدحضه تجارب عديدة في آسيا وأمريكا الالتينية‪.‬‬
‫واملشكلة الرئيسة في املغرب‪ ،‬كما في العديد من الدول العربية‪ ،‬يتحول التمييز‬
‫لصالح الطبقات الغنية إلى توسيع الريع والجمع بين الثروة والسلطة‪ ،‬فتتوسع‬
‫الفوارق‪ ،‬وترتفع أعداد الفقراء واملهمشين‪ ،‬وتضعف القدرة الشرائية لجل‬
‫الشرائح االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -3-1‬فهم النموذج من خالل األولويات املرحلية‪.‬‬
‫هل هناك أولويات واضحة ينطلق منها النموذج التنموي املغر ؟‬
‫الحقيقة أنه ال أحد ستطيع تحديد ه ه األولويات‪ ،‬على األقل من بين املسؤولين‬
‫الحكوميين والسياسيين‪ ،‬ألنهم يلتفون جميعا با شادة باملبادرة املللية‪ ،‬حتى‬
‫صارت الخطابات املللية نفسها تنبه إلى تمادي الساسة في ذلي‪ ،‬وتتبرأ منها‪،‬‬
‫وتدعو إلى عدم االختباء وراء املشاريع والبرامج املللية‪.‬‬
‫للن إذا عدنا إلى البرنامج الرئيس ي للنموذج التنموي السابق‪ ،‬املتمثل في املبادرة‬
‫الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬تتضح أولويات النموذج التنموي املغر ‪ ،‬وفي ه ا‬
‫ينص خطاب ‪ 18‬ماي ‪ 2005‬على أن "األمر يتعلق باملعضلة االجتماعية‪ ،‬التي‬
‫نعتبرها بمثابة التحدي األكبر‪ ،‬لتحقيق مشروعنا املجتمعي التنموي‪ ،‬والتي‬
‫قررنا‪ ،‬عون هللا وتوفيقه‪ ،‬أن نتصدى لها بإطالق مبادرة طموحة وخالقة‪ ،‬باسم‬
‫"املبادرة الوطنية للتنمية البشرية"‪ ،‬ثم يضيف الخطاب‪" :‬أما على املدى البعيد‪،‬‬
‫فإن طموحي اللبير‪ ،‬ال ي هو طموحي شعبي العزيز‪ ،‬ستهدف االرتقاء بمؤشرات‬
‫التنمية البشرية لوطننا العزيز إلى مستوى البلدان املتقدمة"‪.‬‬
‫به ا يتضح أن النموذج التنموي االستراتيجي هو نموذج التنمية البشرية‪ .‬فلماذا‬
‫ه ا االختيار؟‬
‫سبق وأن قلنا إن القضية ترتبط بالتوجهات والخيارات العامة للمغرب املعاصر‪،‬‬
‫وهي خيارات االندماج الدولي‪ ،‬وه ا األخير يفرض التزام نماذج تنموية موص ى بها‬
‫من قبل املنظمات الدولية املانحة وإرادات اللبار‪ .‬ويلف أن ينخرط املغرب في‬
‫‪265‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫برنامج األلفية للتنمية املستدامة‪ ،‬لتصبح أولوياته محددة‪ ،‬وبرامجه معروفه‪،‬‬


‫وأدواته التنموية جزء من خيار التبعية‪.‬‬
‫واألخطر في ذلي أن مسارات‪/‬سرادي االندماج تتحول من مجرد التزام أممي إلى‬
‫إدمان وجودي ضاغط‪ ،‬فيصبح العقل السياس ي الرسمي مهووسا بتلبية رغبات‬
‫الدول العظمى وكبار املستثمرين العامليين واملشاهير واألغنياء‪ ،‬ومنتشيا بتقديم‬
‫الخدمات لهم‪ ،‬ومحتفيا باستقبالهم أكثر من احتفائه ب عياده الوطنية وذكرياته‬
‫التاريخية‪.‬‬
‫بيد أن املغرب يتب ي خطا ثالثا في عالقته باملنظومة التنموية العاملية (الوفاء‬
‫بااللتزامات والحفاظ على الخصوصيات)‪ ،‬ومما يميز ه ا االتجاه استغالله‬
‫ملساحة شاسعة من الخطاب العالمي (التنمية ومحاربة التطرف)‪ ،‬ومساحة‬
‫إضافية ستفيدها النموذج املغر بتركيزه على ضرورة الحفاظ على‬
‫"الخصوصيات"‪ ،‬وهو ما يمنح عض الساسة مشجبا لتبرير ا خفاقات التنموية‬
‫بالقول إن التنمية في بلدنا مشروع فتي والتغيير يحتاج املزيد من الوق ‪.‬‬
‫للن األطروحة التنموية للمغرب تلق انتقادا متلررا من قبل عض الخبراء‬
‫واألكاديميين‪ ،‬ال ين ينبهون الساسة املغاربة إلى أن االستقرار ال ي ينعم به‬
‫املغرب‪ ،‬با ضافة إلى األوراش اللبرى واالستثمارات الضخمة‪ ،‬ال يوازيه تقدم‬
‫مناس في نس النمو‪ ،‬وحصة املواطن من الناتج الداخلي الخام‪ ،‬وتحقيق‬
‫مؤشرات التنمية االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -4-1‬فهم النموذج من خالل آلية االشتغال ومسالك إنجازالتنمية‪.‬‬
‫يتب ى املغرب منهجية اللجن الخاصة بالنموذج‪ ،‬وهي منهجية تعيق ربط‬
‫املسؤولية باملحاسبة (آفة املمارسة السياسية في املغرب)‪ ،‬ألن تعيين أشخا ال‬
‫عالقة لهم باملواطن والناخ والرأي العام ال من قري وال من عيد‪ ،‬يحولهم‬
‫بمجرد تعيينهم إلى نوا غ وحلماء وموجهين وكبار مستشارين فوق العادة‪ ،‬دون‬

‫‪266‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫استشعار املسؤولية الشعبية واملحاسبة الوطنية‪ .‬وفي املحصلة‪ ،‬يبق التخطيط‬


‫التنموي عيدا عن اآللية الديمقراطية الحقيقية‪.‬‬
‫ومن تداعيات التزام اآللية غير الديمقراطية في إعداد النماذج التنموية املغربية‪،‬‬
‫عدم خضوع املشاريع ملا يلف من التقييم التشارك ‪ ،‬إذ يتم االستثمار اللبير في‬
‫مشاريع معينة على اعتبار أنها أولويات‪ ،‬وتنفق عليها األموال الطائلة في روف‬
‫مالية واقتصادية صعبة (األزمات االقتصادية واملديونية)‪ ،‬وقبل استلمال ه ه‬
‫املشاريع‪ ،‬يتفاج الجميع بإعالن الفشل‪ ،‬واالنتقال إلى أخرى ال يدري أحد‬
‫تفاصيلها السابقة أو الالحقة‪ .‬فهل استنف تقرير الخمسينية مثال أغراضه؟ وهل‬
‫يحق إعالن فشل نموذج تنموي به ه الطريقة‪ ،‬واالقتصار على إعالن الفشل‬
‫لالنتقال إلى نموذج تنموي جديد؟ ومن يتحمل مسؤولية فشل النموذج السابق؟‬
‫إنها مسؤولية السلطة واملؤسسات الحكومية‪ ،‬ومسؤولية الفاعلين عد ذلي‪،‬‬
‫ومسؤولية عامة ينبغي الوفاء بها‪ .‬فإن كان املؤسسات الرسمية تتب ى اليوم‬
‫موقف السكوت وانتظار الضوء األخضر للتصريح باملسموح به‪ ،‬فإن على الفاعل‬
‫األكاديمي وعموم املهتمين النهوض للمساهمة في إيقاف النزيف والهدر ال ي يتهدد‬
‫جميع األصعدة‪ .‬ه ا مطمح ه ه املساهمة‪ ،‬التي تروم لف االنتباه إلى أن عملية‬
‫ا صالح في املغرب‪ ،‬وصياغة النموذج التنموي‪ ،‬ال تحتاج إلى كل ه ا الحراك‬
‫االستثنائ ‪ ،‬ألن وضع النموذج هو من صميم عمل ومسؤولية املؤسسات‬
‫الدستورية‪ ،‬التي يتم ا نفاق عليها من امليزانية العامة للدولة‪ ،‬وتتحدد مهامها‪،‬‬
‫وفق نصو القوانين‪ ،‬في إعداد املشاريع والبرامج والنهوض بالبلد من جميع‬
‫مستوياته االقتصادية واالجتماعية والسياسية‪.‬‬
‫‪ -2‬آفاق ومداخل ممكنة‪.‬‬
‫كل املقاربات التنموية تنطلق من أطروحة "الرأسمال البشري" وأولوية العناصر‬
‫الالمادية‪ ،‬غير أن جل التصورات التنموية تطرح ه ا املدخل من أجل تحقيق‬
‫االستثمار والربح االقتصادي‪ ،‬وفي ه ا ا طار نجد مثال تقرير البني الدولي‬
‫الخا بالتنمية تح عنوان‪" :‬االستثمار في الرأسمال الالمادي لتسريع ا قالع‬
‫‪267‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االقتصادي"‪ ،‬وعلى نفس املنوال جاء عنوان تقرير لجنة النموذج التنموي‬
‫"تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع"‪.‬‬
‫كما ينبغي االنتقال من تنمية البنيات التحتية إلى تنمية اختيارات ا نسان‪،‬‬
‫وتجويدها وتوسيعها ومساواتها (التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬السلن‪ ،‬وسط العيش‬
‫ومحيطه‪ ،‬اختيار املستقبل وغيرها)‪ ،‬وه ا مدخل ينبع من أطروحة "رأسمال‬
‫القدرة البشرية"‪ ،‬التي تتطل عناصر ضرورية وإمكانات حد أدن للنهوض‪:‬‬
‫‪ -1-2‬املدخل الرئيس‪ :‬التغييراالجتماعي‪-‬السياس ي وإصال البنيات‪.‬‬
‫إن منطلق التفلير السليم في النموذج التنموي؛ هو ا يمان الراسخ باستحالة‬
‫إعادة إنتاج نموذج تنموي رأسمالي ناجح على خط الدول املتحلمة‪ ،‬ألن‬
‫النموذج املصنوع تم هندسته من أجل السيادة والتحلم‪ ،‬مما ستوج‬
‫ضرورة الوعي ب نه في حال استيراد النموذج‪ ،‬إن كان ضروريا‪ ،‬فعليه أن يكون‬
‫مرحليا عداد القرار االستراتيجي املستقل قيميا وحضاريا وسياسيا واقتصاديا‬
‫وماليا‪.‬‬
‫فالتنمية الغربية لها سياقاتها الخاصة‪ ،‬واقترح في ل حركة مجتمعية ذاتية‬
‫أنتج منظومة أشمل؛ "الحضارة الغربية" بكل مقوماتها املجتمعية والتنموية‪،‬‬
‫وعليه فالنموذج التنموي الغر تولد عضويا مع رحم الدينامية االجتماعية‬
‫والثقافية في السياق الغر الخا ‪ ،‬ل لي فاستنساخ النموذج الرأسمالي يجعل‬
‫النموذج الوط ي مفتقدا للتماسي البنيوي واالنتساب الحضاري‪.‬‬
‫من جان آخر‪ ،‬ينبغي االنتباه إلى تالش ي التماسي البنيوي للنماذج التنموية في‬
‫تبيئة‬
‫حالة األنظمة الشمولية أو فتية املسلسالت الديمقراطية‪ ،‬عند محاولتها ِ‬
‫ه ه النماذج وفق ما تسميه "الخصوصيات الوطنية"‪ ،‬فتتلرس السلطوية‬
‫واالنفراد بالقرار وتحجيم املشاركة العامة‪ .‬وإن تالش ي أمل املزاوجة بين‬
‫الشمولية واالنفتاح في آن واحد‪ ،‬جعل العديد من األنظمة تتناقض مع دساتيرها‬

‫‪268‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫وخطاباتها السياسية الداعية إلى الحرية والديمقراطية والشراكة والحلم‬


‫الرشيد‪.‬‬
‫تحيل ه ه املقدمات على ضرورة واستعجالية تحويل التفلير التنموي من مجرد‬
‫استشعار عمق أزمات التخلف (الفقر والهشاشة والتفاوتات) إلى حالة وعي‬
‫ب همية وضع استراتيجية تغييرية للتنمية‪ ،‬يتم من خاللها تحديد هويتنا‬
‫الحضارية وشخصيتنا التنموية بكل دقة‪ ،‬حينها نستطيع أن نعي ذاتنا متى نكون‬
‫"كونيين"‪ ،‬نساير نبوغ العقل البشري املشترك‪ ،‬ومتى نكون "وطنيين‪/‬محليين"‬
‫نعتز بهويتنا وقدرتنا على التفرد‪ ،‬فيضع السجال ال ي تتستر خلفه دعوات "ليس‬
‫با مكان أبدع مما كان" أوزاره‪ ،‬وتتجلى ا جابة الصريحة عن مفهوم‬
‫"الخصوصية" هل هي قيمية أم واقعية أم تبريرية فقط‪.‬‬
‫وال ننف أن الخطاب الرسمي‪ ،‬يتضمن في جزء منه‪ ،‬عض مقومات ه ا املدخل‪،‬‬
‫وعلى رأسها االهتمام بمبدأ التشاركية واالندماج االجتماعي‪ ،‬غير أن املمارسة‬
‫السياسية املعتمدة تبق عيدة كل البعد عن املعان الحقيقية للشراكة‪ ،‬ألن‬
‫إشراك العديد من الفئات االجتماعية والفاعلين‪ ،‬يكون في كثير من األحيان‪،‬‬
‫لت تي املشهد واالستثمار ا عالم ‪ ،‬في حين أن القضايا البنيوية للتنمية‪،‬‬
‫والتفلير في أساسياتها يبق محفو ا لهيئات عينها‪ ،‬ولعل منهجية تعيين اللجن‬
‫الخاصة بالنماذج التنموية تؤكد نمط التفلير الرسمي‪ ،‬ال ي ينحو إلى‬
‫التقليدانية عوض االنطالق من النقاش العموم املنفتح‪ ،‬ال ي يتم تبنيه شكليا‬
‫من خالل جلسات االستماع كما تم ا شارة إلى ذلي‪.‬‬
‫ولعل في الرصيد التاريخي للمغرب محطات مضيئة‪ ،‬لم يتم تثمينها‪ ،‬بل تم‬
‫االنقالب عليها وإقبارها‪ ،‬خدمة ملصلحة اآلراء والقرارات االنفرادية والنخبوية‪ ،‬مع‬
‫العلم أن االستمرار في ه ا النهج يزيد من هدر الزمن والطاقات‪ ،‬ويزيد من عزوف‬
‫املغاربة عن املشاركة في مشاريع السلطة واملشاريع الرسمية شكل عام‪.‬‬
‫ومما يضعف احتمال النجاح في استثمار مدخل التغيير االجتماعي في املغرب‪،‬‬
‫استمرار السياسة الرسمية في تحجيم أدوار الطبقة الوسط ‪ ،‬وضعف مشاريع‬
‫‪269‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫االندماج الطبق ‪ ،‬وعسر الترقي االجتماعي‪ .‬فالطبقات االجتماعية في املغرب‬


‫متباينة‪ ،‬والبون بينها يتسع باستمرار‪ ،‬وحجم الطبقة الوسط في تراجع دائم‪ ،‬ألن‬
‫السياسات العمومية والتوجهات الرسمية تتوجس من احتمال تحركها‬
‫االجتماعي وقيادتها ملطال مجتمعية‪ ،‬ل لي فالدولة تعمل على إضعافها‬
‫وتحر جاهدة الستعمالها كخزان احتياط جاهز الستعادة التوازنات املالية‪،‬‬
‫وت دية فاتورة ا خفاق التنموي‪ ،‬وتسديد الحاجات األساسية للطبقات الفقيرة‬
‫والهشة‪ ،‬التي تعان من نتائج إجراءات تقشفية وتقويمات هيكلية تنهجها الدولة‬
‫في كثير من األحيان‪.‬‬
‫ومن املداخل األساسية لتحقيق نموذج تنموي مغر متميز؛ هو مدخل إصالح‬
‫البنيات‪ ،‬التي يقتض ي تناولها تجاوز أطروحة‪" :‬نحن في الطريق الصحيح وتنقصنا‬
‫الحكامة"‪ ،‬فلسنا في الطريق الصحيح رغم التقدم اللبير ال ي أحرزناه في العديد‬
‫من األوراش‪ ،‬وحتى في حال تقدمنا في مشاريع الحكامة لن نصل الغايات اللبرى‬
‫للتنمية‪ :‬الحرية‪ ،‬واملساواة والعدالة االجتماعية‪ ،‬التي تتطل تغيير البنيات‬
‫وإصالح النفسيات وانسجام الطبقات االجتماعية‪.‬‬
‫إن ما يحدث الفرق في التنمية بين بلدان املعمور هي البداية الصحيحة‪ ،‬فاملغرب‬
‫لم يقم عد باالنطالقة التصحيحية‪ ،‬التي تشخص أسباب جمود البنيات؛‬
‫السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية‪ ،‬وعندما يتم تجاوز نقطة‬
‫االنطالق ه ه وعدم االكتراث لها‪ ،‬تصبح املشاريع تنسخ عضها‪ ،‬وتتلرر األهداف‬
‫بصيغ متنوعة‪ ،‬ويتم الحر على الشكل دون بحث في املضمون‪ .‬فنفس الخطاب‬
‫الرسمي يتلرر من السبعينيات بخصو تقليص الفوارق وت مين الثروة‬
‫الوطنية باعتبارهما دعامتي املشروع التنموي‪ ،‬واألمثلة عديدة جدا في الخطاب‬
‫الرسمي‪ ،‬وللقارئ أن ستعرض عضها ليقف عند أزمة نموذجنا التنموي‪ .‬وفيما‬
‫يلي مقتطف من خطاب الوزير األول نهاية السبعينات لنت كد أن قضية النموذج‬
‫هي قضية جمود في البنية‪ ،‬يقول الخطاب‪" :‬ستتخ عدة تدابير في ميادين‬

‫‪270‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫التشغيل للقضاء التدريجي على الفوارق املوجودة في املداخيل بين فئات السكان‬
‫وبين األقاليم والجهات املختلفة"‪ ،‬ويضيف "وتقتض ي ه ه التعبئة محاربة كل‬
‫تب ير كيفما كان نوعه‪ ،‬والقضاء على الرشوة‪ ،‬ومعاقبة املتالعبين بمصالح‬
‫املواطنين‪ ،‬وفي ه ا ا طار ستتخ إجراءات تهدف إلى معرفة الثروة الشخصية‬
‫لكل مسؤول وإلى مراقبة أسباب تغيراتها‪.1‬‬
‫ولعل ه ا الخطاب متقدم جدا على ما نسمعه اآلن‪ ،‬ألنه يروم محاسبة‬
‫املسؤولين‪ ،‬والتفتيش في ثروتهم‪ ،‬والحديث شكل مباشر عن املتا عة‪ ،‬وعن‬
‫الدخل وغيره‪ ،‬أما خطابات املرحلة الحالية‪ ،‬خاصة خطابات الحكومة واألجهزة‬
‫التا عة‪ ،‬فال أثر للحديث عن ه ه القضايا‪ ،‬مما ع ي أننا أمام نموذج سلطة لم‬
‫يتغير‪.‬‬
‫فالخلل بنيوي‪ ،‬والنموذج التنموي ال ينفي عن مسار ا صالح‪ .‬ودون إصالح‬
‫سياس ي جريء‪ ،‬ستظل السلطة السياسية تستغل فر تجديد النموذج‬
‫التنموي كوسيلة للهروب إلى األمام‪ ،‬ألنها تعتبره وقتا إضافيا لتثبي ج ور‬
‫السلطة التقليدية وت كيد أهليتها لالستمرار‪.‬‬
‫‪ -2-2‬مداخل تصحيح مرتكزات فرعية‪.‬‬
‫يحتاج املدخل الرئيس ي إلى مداخل فرعية داعمة‪ ،‬عضها تفصيلي‪ ،‬وهي عديدة‬
‫بتعدد القطاعات‪ ،‬وبما أن تقارير لجنة النموذج الجديد جاءت ب فكار ومقترحات‬
‫عديدة وفي قطاعات متنوعة‪ ،‬وهي جيدة إن وضع في سياقها وفي االتجاه‬
‫الصحيح‪ ،‬فإننا سنتناول مدخلين فقط‪ ،‬نرى أنهما يدعمان التصحيح شكل‬
‫جيد‪:‬‬
‫‪ ‬املدخل القيمي‪.‬‬
‫مشكلة الدول املتخلفة مع القيم مشكلة مركبة‪ ،‬والنتيجة انعدام مفهوم دقيق‬
‫ملع ى القيم‪ ،‬أو يتم حشوه بكل ما من ش نه أن يلرس السلطوية ويشيع الوهم‬

‫‪ - 1‬عرض الوزير االول أمام املجلس األعلى لإلنعاش الوط ي والتخطيط خالل الجلسة‬
‫االفتتاحية‪ ،‬الرباط‪ 30 ،‬أكتوبر‪ 02-‬نونبر ‪.1978‬‬
‫‪271‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫باملعتقدات الاليقينية‪ .‬باملقابل تدعي كل األنظمة السياسية املفاهيم الكونية‬


‫وا نسانية‪ ،‬للن تستغلها لتحجيم منافسيها من الفاعلين املجتمعيين‪ ،‬وقد‬
‫وجدت العديد من األنظمة الشمولية واملغلقة فرصتها في "عصر الرقمنة" لتوسع‬
‫مشاريعها نتاج ترسانة من القيم السائلة كما سميها العديد من علماء‬
‫االجتماع‪.‬‬
‫أما في الدول املتقدمة التي ال تفرط في قيمها‪ ،‬فمفهوم القيم واضح وعناصره‬
‫محددة‪ ،‬والسبيل إليه سالي بما يلف ‪ .‬فإذا أخ نا القيم الغربية في النهضة‬
‫والتنمية نجدها نوعين‪ ،‬لكل منها محددات خاصة‪ :‬قيم كلية وأخرى أداتية‪-‬‬
‫و يفية‪ .‬فالكلية راسخة ال تتغير في وعي األمة‪ ،‬ألنها تمثل األدبيات الفلسفية‬
‫والتربوية العامة‪ .‬أما القيم التا عة (األداتية)‪ ،‬فهي قيم عملية لتحقيق القيم‬
‫الكلية‪ ،‬وهي خاضعة للتجديد وفق متطلبات الحياة‪.‬‬
‫فهل يملن أن تجد رجل تنمية من مجتمع غر ال ينطلق في تفليره من الحضارة‬
‫اليونانية أو الرومانية أو من عصر األنوار لت سيس نموذجه التنموي‪ ،‬فقد غي‬
‫التنصيص املباشر على ه ه املرتلزات كتابة‪ ،‬للن تحضر عناصرها األساسية‬
‫بقوة‪ .‬فالحضارة اليونانية حاضرة مثال بقيم تجاوز األسطورة‪ ،‬وقيم الفردانية‪،‬‬
‫والعلم الوضعي‪ ،‬والديمقراطية وغيرها‪ .‬كما أن الحضارة الرومانية حاضرة‬
‫ك لي بقوة أكبر في قيم االندماج االجتماعي‪ ،‬وحماية التنوع‪ ،‬وفي الفلر‬
‫التنظيمي‪ .‬أما عصر األنوار فقيمه مهيمنة على الفلر النهضوي الغر ‪ ،‬وخاصيتها‬
‫أنها قيم انتقالية بين الللي واألدات ‪.‬‬
‫فليف يتم الت سيس ملفهوم القيم في نموذجنا التنموي؟‬
‫لم عد املغرب الرسمي يولي اهتماما كافيا له ا املدخل (مدخل القيم)‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلي إلى اختيارات وطنية‪ ،‬وشروط دولية مساعدة‪ .‬فقد حرص الدولة على‬
‫تحجيم أدوار املؤسسات الثقافية الداعمة لتثبي القيم‪ ،‬ابتداء من الجامعة‬
‫واملدرسة‪ ،‬إلى دور السينما ودور الشباب ومؤسسات املجتمع املدن ‪ .‬في املقابل‪،‬‬

‫‪272‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫فسح الدولة املجال للتيار الدولي الداعي إلى إشاعة التفاهة والالمباالة‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى قل األولويات القيمية للمغرب‪ .‬وبركوبه موجة املسخ الثقافي والقيمي‬
‫املسيطرة‪ ،‬تراجع مقومات الهوية املغربية‪ ،‬وانساق الخطاب الرسمي وراء‬
‫الشعبوية وتمجيد الشخصية االفتراضية املتمردة على القيم‪.‬‬
‫والغري أن ه ه السلطة املتمسلة بقيم االندماج الدولي والكونية والحداثة‬
‫واملجتمع الرقمي‪ ،‬هي نفسها الحريصة على تلريس املمارسات املغرقة في‬
‫التقليدانية‪ ،‬تح ذرائع متنوعة ومبررات متعددة‪ ،‬يح وها األمل في استرجاع‬
‫زمن السلطوية واالنفراد‪ ،‬مستعملة في ذلي كل الوسائل اململنة من إعالم‬
‫مساند‪ ،‬وطيف سياس ي مضلل‪ ،‬ومؤسسات صورية‪ ،‬ومشاريع وهمية‪ ،‬ونخ‬
‫جشعة‪ ،‬وأحيانا سياقات دولية مساعدة‪ ،‬وأصوات م جورة أو ضعيفة االطالع‬
‫والخبرة‪.‬‬
‫‪ ‬مدخل اقتصاد التنمية‪.‬‬
‫يتب ى النموذج الجديد مدخل اقتصاد التنمية‪ ،‬للن املضامين املقترحة عيدة‬
‫عن حقيقة ه ا املدخل‪ ،‬وعلى رأسها مستقبل خيار االندماج ال ي يتبناه املغرب‪،‬‬
‫وال ي يحجم هامش استثمار مخرجات التنمية في إصالحات هيكلية حقيقية‪.1‬‬
‫كما يملن لف االنتباه إلى عض القضايا التي ينبغي إيالؤها األهمية البالغة‪،‬‬
‫ومنها قضية أهلية االقتصاد الوط ي للمنافسة في ل اقتصاد السوق‪ ،‬ال ي‬
‫يت سس بدوره على مدى قدرة االقتصاد الوط ي على تطوير املقاولة‪ ،‬بما في ذلي‬
‫تصحيح مسار تغول االقتصاد الريعي غير املهيكل (اقتصاد صفقات الظل‬

‫‪ - 1‬تتب ى لجنة النموذج الجديد خيار التحول الهيللي لالقتصاد الوط ي‪ ،‬للن بقي األهداف‬
‫نفسها (القيمة املضافة‪ ،‬مناص الشغل‪ ،‬تمويل الحاجيات االجتماعية)‪ ،‬حيث يقول‬
‫امللخص "تعتبدر اللجندة أنده مدن الضروري تسدريع وتيرة التحدول الهيللي لالقتصداد الوط ي‬
‫قصدد جعلده أكثدر ديناميدة وتنوعدا وتنافسدية‪ ،‬وقددرة علد خلدق مزيدد مدن القيمدة املضافدة‬
‫ومناصد الشدغل ذات جددودة ومدددرا للمددوارد مددن أجددل تمويددل الحاجيددات االجتماعيددة"‪.‬‬
‫‪273‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫واالستثمار في املجاالت املحفو ة لدوائر السلطة)‪ ،‬وتحديد الحجم الحقيق‬


‫ملساهمته في إحداث الثروة الوطنية والناتج الداخلي الخام‪.‬‬
‫ثم قضية ثانية ال تقل أهمية‪ ،‬وهي قضية تصحيح موقع التقنيات املستوردة‬
‫والتقدم الرقمي من ا مكانات الوطنية‪ ،‬ألن اعتماد التقنيات املتطورة في قطاع‬
‫معين ال تع ي بالضرورة وضعية تنموية متقدمة‪ ،‬بل املطلوب‪ ،‬وفق االستفادة من‬
‫تجارب العالم‪ ،‬أن يتم اعتماد تقنيات وفق املتاح واململن واملتوفر من التعليم‬
‫والتثقيف‪ ،‬وتثمين ذلي بالتنسيق بين املتدخلين في نفس القطاع‪.‬‬
‫أما بخصو ت هيل القطاع الصناعي‪ ،‬ال ي عتمد فيه املغرب توفير خدمات‬
‫استثنائية للمستثمرين‪ ،‬خاصة األجان ‪ ،‬لنقل مشاريعهم إلى املغرب‪ ،‬فاملطلوب‬
‫أن تعمل السياسات االقتصادية الوطنية على رعاية قطاع صناعي وط ي‬
‫مستقل‪ ،‬ألن الدول املتقدمة ال تسمح بتحويل خبراتها الصناعية إلى الغير إال ما‬
‫يخدم مصالحها الخاصة‪ ،‬وبالتالي تقوم بنقل عض الصناعات الخفيفة في اتجاه‬
‫دول الجنوب‪ ،‬لتخفيف تكاليف ا نتاج والتخلص من أعباء التداعيات البيئية‪.‬‬
‫من جان آخر يحتاج اقتصاد التنمية إلى اندماج املشاريع السوسيواقتصادية‪،‬‬
‫عقد مصالحة بين االستثمارين اللبير والصغير‪ ،‬وإحداث شراكة فاعلة لتحقيق‬
‫االندماج بين كل أشكال املقاولة‪ ،‬إذ ال عقل أن يتم تقسيم مجاالت االستثمار‪،‬‬
‫وحجم االستفادة من الثروة واملوارد الوطنية‪ ،‬حس قيمة الرأسمال الخا‬
‫لألفراد واملقاوالت‪ .‬ومن مظاهر غياب االندماج؛ استمرار تراتبيات املقاوالت‬
‫املغربية (كبيرة‪ ،‬متوسطة‪ ،‬صغيرة) في تفلير الدولة واهتماماتها ودعمها‪ ،‬بما‬
‫يفض ي إلى تراتبية أهلية وأحقية االستثمار في القطاعات واملجاالت واملوارد‬
‫الوطنية‪ ،‬فال أمل للمقاوالت الصغيرة واملتوسطة في منافسة املقاوالت‬
‫العنلبوتية‪ ،‬التي يتوفر أصحابها على ضمانات وامتداد ونفوذ سياس ي واقتصادي‬
‫يحجم من إمكانيات تطوير االستثمار الصغير وتثمين مبادرات تجميعه‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫كما ال ينبغي قياس الربح االجتماعي لالستثمار االقتصادي عدد مناص الشغل‬
‫املستحدثة فقط‪ ،‬كما هو الحال في النموذج املقترح‪ ،‬بل على السياسات‬
‫االقتصادية الوطنية أن تؤسس ملشروع الشراكة الثالثية املنصفة بين أصحاب‬
‫الرساميل ومالك الثروة وأصحاب الخبرة‪/‬الفلرة وعموم املستخدمين‪ ،‬واستثمار‬
‫ه ه الشراكة في امتالك زمام املبادرة واالبتكار للتغل على معضلتي الهجرة‬
‫وضعف التكوين والت هيل‪.‬‬
‫ويحتاج اقتصاد التنمية إلى مستويات عالية من التعليم واملعرفة‪ ،‬وتوجيه‬
‫الشباب املتعلم نحو االبتكار وا بداع‪ ،‬علس ما يتم الترويج له من أولوية‬
‫التكوين املنهي وا عداد السريع لليد العاملة الكافية للعمل في املركبات واملدن‬
‫الصناعية املستحدثة في إطار االستثمار الدولي والوط ي الخا ‪.‬‬
‫خالصة‪.‬‬
‫حاولنا في ه ا الفصل التفلير بطريقة مختلفة لرسم أفق تنموي مختلف‪ ،‬يقوم‬
‫على إرادة االستقالل والندية‪ ،‬ويطمح إلى ت مين االكتفاء بجميع أنواعه‪ ،‬ويحر‬
‫على ت مين وترصين ا مكان البشري ومساواته وعدالته‪.‬‬
‫وقد ارتلز نظرنا إلى ه ا األفق على أرضية استيعاب عوائق التنمية في النسخة‬
‫السابقة‪ ،‬تلي العوائق الهيكلية التي ال تسمح بالتقدم رغم كثرة املجهودات‬
‫وا نجازات‪ ،‬ما جعلنا نقف عند خالصة أكيدة‪ ،‬مفادها أن السبيل إلى إنجاز‬
‫نموذج تنموي تنافس ي مغر خالص هو التفلير خارج العلبة أو النسق‪ ،‬للن‬
‫باستحضار السياق العام‪ ،‬سياق التغيير والطموح نحو الديمقراطية‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خالصات ختامية‪.‬‬
‫ن ت في ختام ه ا اللتاب إلى وقفة مركزة مع فلرته األساسية؛ جدلية النموذج‬
‫التنموي وخيارات السلطة السياسية في املغرب‪ .‬ولعل البعض ستغرب من ربط‬
‫مثل ه ا بين السياق والنموذج‪ ،‬وقد عتبره حشوا أو تجاوزا مخال بمضامين‬
‫مفهوم التنمية‪.‬‬
‫ل لي ن كر كل من واك فصول ه ا اللتاب أننا بصدد مراجعة نقدية لتصور‬
‫تنموي استراتيجي (‪ ،)2035‬تتبناه دولة‪ ،‬لها فهمها الخا ملفهوم التنمية‬
‫والتخلف‪ ،‬ولها نظامها السياس ي الخا ك لي‪ ،‬ولها خصوصياتها في الهوية‬
‫والتاريخ واملجتمع والتحوالت‪.‬‬
‫واملراجعة النقدية املعتمدة في ه ا اللتاب‪ ،‬لها منهجها التحليلي املختلف‪،‬‬
‫ونظرتها الخاصة إلى تعقد العالقة بين التنمية وا صالح‪/‬التغيير‪ ،‬في مستوياته‬
‫الكلية (التغيير االجتماعي) وعتباته التفصيلية (تغيير البنيات)‪ ،‬ل لي ختمنا‬
‫فصول ه ا اللتاب‪ ،‬بنظرة استشرافية ألفق تنموي خارج النسق املعهود لعالقة‬
‫التنمية بالسلطة‪.‬‬
‫فليف ينظر التحليل املعروض في ه ا اللتاب إلى تشابي العالقات نتاج‬
‫النموذج التنموي؟‬
‫يت طر التحليل املعتمد بين منطلقين أساسيين‪:‬‬
‫‪ -‬رغم انحياز لجنة النموذج الجديد إلى املقاربة التقنية في إعداد التقرير‬
‫الخا ‪ ،‬فإننا ال نرى جدوى نقدية من تناوله بنفس املنهجية التقنية‬
‫التي طرح بها‪ ،‬اعتقادا منا ب ن ما تعتبره اللجنة مسلما به‪ ،‬نعتبره محط‬
‫نقاش وموضوع مكاشفة‪ ،‬ومنها قضية مفهوم النموذج‪ ،‬وكيف‪ ،‬ومن‪،‬‬
‫وباقي األسئلة الت سيسية؛‬
‫‪ -‬إذا كان اللجنة ومن شاطرها الرأي واملنهجية‪ ،‬عتقدون بصواب‬
‫أطروحة التجاوز‪/‬التغافل عن نقاش واقع البنيات والعالقات‬

‫‪276‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫والتراتبيات االجتماعية والسياسية‪ ،‬إما اعتقادا بضرورتها على ما هي‬


‫عليه‪ ،‬أو تهويال من صعوبة إصالحها‪ ،‬فإننا في ه ا اللتاب نترافع عن‬
‫جدوى إعادة فتح ه ا النقاش‪ ،‬ألسباب عدة‪ ،‬لعل أ سطها؛ تحصين‬
‫النموذج من استعمال املفاهيم عد إفراغها من مضامينها وعناصرها‬
‫البنائية كالديمقراطية والحرية والعدالة االجتماعية ودولة الحق‬
‫والقانون وغيرها‪.‬‬
‫ويفض ي التزام ه ين املنطلقين إلى وعي خا بمفهوم النموذج وصيغته وبنائه‬
‫وأهدافه ومكوناته‪ ،‬وإلى منهج نقدي (تفليي وتركي ) نسق ينظر إلى قضايا‬
‫التنمية مركبة يتفرع عضها (الجزء) عن البعض (الكل) وفق املسلي اآلت ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن التنمية التي نحن بصدد الحديث عنها‪ ،‬إنما هي سيرورة مجتمعية‬
‫تشاركية واعية‪ ،‬والتخلف ال ي تعري النماذج التنموية مساوئه بوابل‬
‫من االنتقادات‪ ،‬هو سيرورة مبنية بوعي ك لي‪ .‬ل لي قلنا في مقدمة ه ا‬
‫اللتاب‪ :‬ال مع ى عادة إنتاج الوعي بتجديد النموذج بنفس الفهم‬
‫وا رادة التي أنتج الوعي ب همية إعداد النموذج السابق‪.‬‬
‫وحيث إن البناء ال ستقيم إال عد الهدم وا عداد‪ ،‬فإن التنمية‬
‫الحقيقية رهينة بهدم البنيات املتخلفة‪ ،‬التي تم إنتاجها خالل عقود‬
‫مض ؛ السياسية واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬وليس سيرا أن نتصدى‬
‫له ه البنيات‪ ،‬فهي معقدة بما يلف ‪ ،‬ألنها صنع عبر عقود‪ ،‬وتشابل‬
‫فيها مالمح السلطوية ما قبل االستعمارية سمات القهر االستعماري‬
‫وأوهام التحرر ومناورات أبناء الوطن‪ .‬للن املسار الطويل املتوقع‬
‫صالحها يبدأ حتما من االعتقاد واليقين بانتفاء األمل من مسارات‬
‫أخرى غيره‪ ،‬وهو ما سميناه ب "الخطوة األولى في مسار التصحيح"‪ ،‬وهي‬
‫مسؤولية الجيل الحالي؛‬

‫‪277‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ -2‬بناء على ما سبق‪ ،‬فمشكلة التنمية هي مشكلة التغيير االجتماعي‪،‬‬


‫وليس قضية نس نمو ومنافسة وتموقع ماركة "صنع في املغرب" في‬
‫السوق العالمي‪.‬‬
‫وهنا تج ر ا شارة إلى ضرورة التحلي بالوعي وطول النفس لبناء نموذج‬
‫تنموي حقيق ‪ ،‬ألن التغيير االجتماعي ال يحصل بضربة الزب‪ .‬ومع ه ا‬
‫فال يملن أن نتصور التغيير االجتماعي بنظرة طوباوية متعالية ومثالية‪،‬‬
‫بل نظرة واقعية عملية تميز بين الواجبات التنموية االنتقالية‪ ،‬أو ما يتم‬
‫نعته اليوم بمؤشرات التنمية البشرية‪ ،‬وبين النموذج التنموي ال ي‬
‫يمثل نهضة خاصة ألمة لها هويتها ومقوماتها التاريخية والحضارية‪،‬‬
‫بمع ى أن قيام النموذج هي مهمة أجيال‪ ،‬ويلفينا شرفا أن نقوم بمهمتنا‬
‫الت سيسية الصحيحة‪ ،‬ونترك لألجيال القادمة حقها في النقد والتنقيح‬
‫والتصحيح؛‬
‫‪ -3‬النموذج التنموي أو على األصح االستراتيجية التنموية تعبير عن طبيعة‬
‫الدولة والسلطة السائدة‪ ،‬وكيفية إعداد ه ه االستراتيجية تؤشر عن‬
‫مستوى االنفتاح‪/‬االنغالق السياس ي واالجتماعي داخل الدولة‪ ،‬وتنبئ‬
‫عن مدى مساهمة املشروع التنموي في تحقيق التغيير االجتماعي‬
‫املطلوب‪ .‬وهنا نقطة التمايز بين أطروحة التنمية البشرية‪ ،‬التي تصبو‬
‫إلى تحقيق الرفاه لتنمية االقتصاد‪ ،‬وما بين أطروحة تنمية ا مكان‬
‫البشري‪ ،‬التي تجعل ا نسان غاية التنمية‪ ،‬وب لي يتحقق التغيير‬
‫االجتماعي؛‬
‫‪ -4‬يفض ي بنا التقابل السابق بين األطروحتين إلى اليقين ب همية األساس‬
‫النظري لالستراتيجية التنموية لتصبح نموذجا حقيقيا‪ .‬فما يصطلح‬
‫عليه بالنماذج التنموية في الدول "النامية"‪ ،‬إنما هي استراتيجيات‬
‫(متوسطة املدى في الغال )‪ ،‬تستجي كليا أو جزئيا للتيار العالمي‬

‫‪278‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫املسيطر‪ ،‬واملتستر خلف ما سمى "مساعدات" على إنجاز التنمية في‬


‫البلدان النامية‪.‬‬
‫والوضع التنموي الوط ي في مرحلة معينة يلشف مسارات حتمية تجاه‬
‫تلريس التبعية‪ ،‬التي اختيرت لها شعارات عديدة من قبيل "التعاون‬
‫شمال‪-‬جنوب"‪ .‬مع عدم إغفال دور ه ا التعاون واملساعدات في الت ثير‬
‫على الحركات االجتماعية التغييرية وفرملة حركتها نحو الغايات‬
‫االستراتيجية للتنمية وا صالح‪ ،‬سواء بالتخفيف من االحتقان‬
‫االجتماعي عبر الدعم وا عانات‪ ،‬أو دعم القوى املتحلمة باملوقف‬
‫واملساندة االقتصادية لإلبقاء على أوضاع البنيات العامة على حالها‬
‫(السلطوية والتحلم)؛‬
‫‪ -5‬ما دام االستراتيجيات التنموية في البلدان النامية كالحالة املغربية‪،‬‬
‫تعد مظهرا مليفا لالندماج الدولي وتوجيهات الدول العظمى‪ ،‬فهناك‬
‫سؤال أساس ي ينبغي أن نطرحه على أنفسنا‪ :‬هل يملن إعادة إنتاج‬
‫النموذج السائد حاليا بخصوصيات وطنية؟‬
‫طبعا فإن تقارير النموذجين تؤكد ذلي‪ ،‬وتدعي القدرة على إنتاج نموذج‬
‫تنموي بخصوصيات مغربية‪ ،‬للن املضامين والعناصر واملكونات ال تعبر‬
‫عن ه ا مطلقا‪.‬‬
‫وللت كير بما تناولناه خالل فصول ه ا اللتاب‪ ،‬فإننا نؤكد استحالة‬
‫إعادة إنتاج ه ا النموذج‪ ،‬ألنه ب ي في سياقات تاريخية وحضارية خاصة‪،‬‬
‫فهو سليل ه ه التحوالت واملعطيات املوضوعية‪ ،‬وعلينا أن نفلر في‬
‫نموذج واستراتيجية تنموية تناس سياقنا التاريخي‪ ،‬سياق بناء الحرية‬
‫والتعددية واملساواة والعدالة االجتماعية ومحاربة الريع والسلطوية؛‬
‫‪ -6‬نستوع جيدا أن إبداع نموذج تنموي وط ي يحتاج إلى ثورة خاصة‪،‬‬
‫على شاكلة السياقات الغربية للثورات الصناعية والرقمية وغيرها‪ .‬وهنا‬
‫يطرح علينا التحدي الختيار طبيعة الثورة التي تناس مجتمعنا‬
‫‪279‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫وسياقنا التاريخي‪ ،‬ولعل الثورة األقرب إلينا هي الثورة االجتماعية‬


‫(التغيير االجتماعي)‪ ،‬القائمة على نموذج جديد من العالقات ا نسانية‬
‫واملؤسساتية‪.‬‬
‫‪ -7‬ال شي أن النموذج التنموي في السياق التاريخي امل كور سابقا سيحتاج‬
‫إلى توجهات تفصيلية أو قطاعية‪.‬‬
‫فمن حيث األهداف االنتقالية للتنمية‪ ،‬فالخيار هو تحقيق االكتفاء‪،‬‬
‫ال ي يمنحنا موقعا تفاوضيا جيدا‪ ،‬فمن ال يملي ضروريات عيشه وال‬
‫يؤمنها ملستقبل األجيال‪ ،‬ال مكان له في الجغرافيا الدولية‪.‬‬
‫أما من حيث التوجهات القطاعية‪ ،‬ف لي يدعونا إلى الرجوع إلى‬
‫الفرضية التي انطلقنا منها في ه ا اللتاب؛ ومفادها أن التراث التنموي‬
‫ومجموع املشاريع والبرامج كفيلة بتحقيق املطلوب‪ ،‬وألن مشاريع أقل‬
‫منها طموحا في دول أخرى صنع الفارق‪ ،‬وحقق النهضة التنموية‬
‫املطلوبة‪.‬‬
‫ه ا مع التنبيه الالزم أن الخوض في تفاصيل البرامج ال ستقيم دون‬
‫اطالع على حقائق األشياء وخبايا املعطيات؛ من موارد ومقدرات‬
‫وإنجازات‪.‬‬
‫لعل ما عرض في ه ه الخالصات يبين حجم املهام التنموية املتوقعة في السياق‬
‫الصحيح‪ .‬وننبه باملناسبة أنه لتيسير تناول املشروع‪/‬النموذج والتفلير فيه‪،‬‬
‫ينبغي أن يصبح جزءا من التفلير في مشروع مجتمعي عام ومتكامل؛ اقتراحه‬
‫وإعداده وتقييمه ومراجعته‪ ،‬وهو يتطل التزام آلية ديمقراطية حقيقية أقل‬
‫مظاهرها لجنة ت سيسية عادة النظر في النموذجين السابقين‪ ،‬تقييما وتقويما‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫الئحة املراجع‪.‬‬
‫مراجع باللغة العربية‪.‬‬
‫إدريس اللراوي‪" ،‬التنمية‪ ،‬نهاية نموذج؟"‪ ،‬منشورات املركز الثقافي لللتاب‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار‬ ‫‪-‬‬
‫البيضاء‪.2018 ،‬‬
‫ألبير عياش‪"،‬املغرب واالستعمار‪ ،‬حصيلة السيطرة الفرنسية"‪ ،‬ترجمة عبد القادر الشاوي‬ ‫‪-‬‬
‫ونور الدين سعودي‪ ،‬سلسلة معرفة املمارسة‪ ،‬دار الخطا للطباعة والنشر ط‪ ،1‬الرباط‪،‬‬
‫أبريل ‪.1985‬‬
‫أمارتيا صن‪" ،‬التنمية حرية‪ ،‬مؤسسات حرة وإنسان متحرر من الجهل واملرض والفقر"‪ ،‬ترجمة‬ ‫‪-‬‬
‫شوقي جالل‪ ،‬منشورات عالم املعرفة‪ ،‬عدد ‪.2004 ،303‬‬
‫برنامج األمم املتحدة ا نمائ ‪" ،‬تقرير التنمية ا نسانية العربية"‪ ،‬عمان‪ ،‬املطبعة الوطنية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪.2005‬‬
‫برنامج األمم املتحدة ا نمائ ‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪" ،2013‬نهضة الجنوب‪ ،‬تقدم شري في‬ ‫‪-‬‬
‫عالم التنوع"‪ ،‬تنسيق خالد مالي‪.‬‬
‫بالل الركراك ‪" ،‬النموذج التنموي الجديد وإشكالية تحقيق التنمية الترابية"‪ ،‬منشورات ملتبة‬ ‫‪-‬‬
‫الرشاد‪ ،‬سطات‪ ،‬ط‪.2021 ،1‬‬
‫تقرير البني الدولي‪" :‬املغرب في أفق ‪ ،2040‬االستثمار في الرأسمال الالمادي لتسريع االقالع‬ ‫‪-‬‬
‫االقتصادي"‪ ،‬منشورات مجموعة البني الدولي‪ ،‬رقم‪DOI : 10.1596/978-1-4648-1066- :‬‬
‫‪ ،4‬تنسيق جان بيير شوفور‪ ،‬واشنطن‪.2017 ،‬‬
‫تقرير الخمسينية‪ ،‬مطبعة دار النشر املغربية‪ ،‬الدار البيضاء‪.2006 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس األعلى للتعليم‪" ،‬إنجاح مدرسة للجميع"‪ ،2008 ،‬ملخص التقرير‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫التقرير السنوي للمجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪.2019 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬إحالة رقم ‪ 2013/4‬تح عنوان "املبادرة‬ ‫‪-‬‬
‫الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬تحليل وتوصيات"‪.‬‬
‫تقرير املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬اللجنة الدائمة املكلفة بالشؤون االجتماعية‬ ‫‪-‬‬
‫والتضامن‪ ،‬مطبعة كانا برن ‪ ،‬الرباط‪( ،2013 ،‬تقرير غير مرقم الصفحات)‪.‬‬
‫تقرير املرصد الوط ي للتنمية البشرية‪ ،‬تقييم املرحلة األولى ‪ ،2010-2005‬خالصات‪ ،‬أبريل‬ ‫‪-‬‬
‫‪.2013‬‬
‫الجريدة الرسمية (أعداد كثيرة)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫جورج سبيلمان‪" ،‬املغرب من الحماية إلى االستقالل ‪ ،"1956-1912‬ترجمة محمد املؤيد‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫منشورات أمل‪ ،‬ط‪ ،1‬الرباط‪. 238 ،2014 ،‬‬
‫حزب االستقالل‪ ،‬لجنة النموذج التنموي‪" ،‬النموذج التعادلي للتنمية البشرية املستدامة"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪281‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫خطاب ملك بمناسبة إطالق املبادرة الوطنية للتنمية االبشرية (‪ 18‬ماي ‪.)2005‬‬ ‫‪-‬‬
‫خطاب ملك بمناسبة افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية الثالثة من الوالية التشريعية‬ ‫‪-‬‬
‫العاشرة‪.‬‬
‫الرسالة املللية املوجهة إلى املشاركين في املنا رة الوطنية األولى للتنمية البشرية‪ ،‬الصخيرات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ 18-19‬شتنبر ‪.2019‬‬
‫رئاسة الحكومة‪ ،‬املرصد الوط ي للتنمية البشرية‪ ،‬تقييم املرحلة األولى ‪ ،2010-2005‬خالصات‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫أبريل ‪.2013‬‬
‫صندوق النقد الدولي‪ ،‬بيان صحف رقم ‪ ،18/477‬بتاريخ ‪ 17‬دجنبر ‪.2018‬‬ ‫‪-‬‬
‫هائر ومراسيم (أعداد متعلقة بالنموذج والتنمية االقتصادية واالجتماعية)‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عبد العزيز بالل‪" ،‬التنمية والعوامل غير االقتصادية"‪ ،‬ترجمة نور الدين سعودي‪ ،‬منشورات‬ ‫‪-‬‬
‫مركز الدراسات واألبحاث عزيز بالل‪.2020 ،‬‬
‫العدالة والتنمية‪ ،‬األمانة العامة‪" ،‬من أجل نموذج تنموي أصيل ومنصف ومستدام"‪ ،‬م كرة‬ ‫‪-‬‬
‫خاصة‪.‬‬
‫عرض الوزير االول أمام املجلس األعلى لإلنعاش الوط ي والتخطيط خالل الجلسة االفتتاحية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الرباط‪ 30 ،‬أكتوبر‪ 02-‬نونبر ‪.1978‬‬
‫عرض وزير االقتصاد واملالية وإصالح ا دارة أمام مجلس النواب "التدابير املالية واالقتصادية‬ ‫‪-‬‬
‫ملجابهة األزمة الناتجة عن جائحة كورونا "كوفيد ‪"19‬بتاريخ ‪ 27‬أبريل ‪.2020‬‬
‫فرونسوا ديبي‪" ،‬املواقع والحظوظ‪ ،‬إعادة تفلير التفاوتات االجتماعية"‪ ،‬ترجمة كنزة القاسمي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫إفريقيا الشرق‪.2016 ،‬‬
‫كلمة وزير الداخلية بمدينة جرادة بمناسبة إطالق الشطر الثان من املبادرة‪ ،‬يومه السب ‪04‬‬ ‫‪-‬‬
‫يونيو ‪.2011‬‬
‫لجنة النموذج التنموي‪ ،‬امللحق رقم‪" ،1‬تقديم نتائج االستماعات واملساهمات املنظمة من‬ ‫‪-‬‬
‫طرف اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي"‪ ،‬أبريل ‪.2021‬‬
‫لجنة النموذج التنموي‪ ،‬امللحق رقم‪" ،2‬مجموع امل كرات املوضوعاتية والرهانات واملشاريع‬ ‫‪-‬‬
‫املقترحة في إطار النموذج التنموي الجديد"‪ ،‬أبريل ‪.2021‬‬
‫املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬تقرير ‪.2010/2005‬‬ ‫‪-‬‬
‫املجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪" ،‬مدرسة العدالة االجتماعية‪ ،‬مساهمة في‬ ‫‪-‬‬
‫التفلير حول النموذج التنموي"‪.2020 ،‬‬

‫‪282‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي وبني املغرب‪" ،‬الثروة ا جمالية للمغرب ما بين ‪1999‬‬ ‫‪-‬‬
‫و‪ ،2013‬تقرير الدراسة حول الرأسمال غير املادي‪ :‬عامل خلق الثروة الوطنية وتوزيعها‬
‫املنصف"‪ ،‬دجنبر ‪.2016‬‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪" 2014/15‬الحكامة عن طريق‬ ‫‪-‬‬
‫التدبير املندمج للموارد املائية في املغرب‪ :‬رافعة أساسية للتنمية املستدامة"‪.‬‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪" ،2017/29‬تنمية العالم القروي‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫التحديات واآلفاق"‪.2017 ،‬‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬التقرير السنوي‪.2018 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬ملخص التقرير السنوي‪.2017 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫مجموعة البني الدولي‪" ،‬التحديث االقتصادي ملنطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا"‪ ،‬أبريل‬ ‫‪-‬‬
‫‪.2020‬‬
‫مخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية ‪ ،1980/1978‬ج‪" 1‬التوجهات واآلفاق العامة‬ ‫‪-‬‬
‫والجهوية للتنمية"‪.‬‬
‫مخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية ‪ ،1985-1981‬ج‪" 2‬التنمية القطاعية"‪ ،‬القسم ‪1‬‬ ‫‪-‬‬

‫"القطاعات االجتماعية"‪ ،‬منشورات كوثر‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬


‫مخطط التنمية االقتصادية واالجتماعية ‪ ،2004-2000‬ج‪" 2‬التنمية القطاعية"‪ ،‬الباب األول‬ ‫‪-‬‬

‫"تثمين املوارد البشرية والتنمية االجتماعية"‪.‬‬


‫مرسوم رقم ‪ 2.20.293‬صادر في ‪ 29‬من رج ‪ 24( 1441‬مارس ‪ )2020‬بإعالن حالة الطوارئ‬ ‫‪-‬‬
‫الصحية سائر التراب الوط ي ملواجهة تفش ي فيروس كورونا – كوفيد ‪.19‬‬
‫ملخص تقرير لجنة النموذج التنموي‪" ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير الطاقات واستعادة‬ ‫‪-‬‬
‫الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه"‪ ،‬أبريل ‪.2021‬‬
‫املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬السكان والتنمية في املغرب‪ ،‬خمس وعشرون سنة عد مؤتمر‬ ‫‪-‬‬
‫القاهرة ‪ ،"1994‬التقرير الوط ي‪.2019 ،‬‬
‫املندوبية السامية للتخطيط‪" ،‬تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية باملغرب لسنة ‪."2020‬‬ ‫‪-‬‬
‫املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬عض عناصر مداخلة املندوب السام حول وضعية االقتصاد‬ ‫‪-‬‬
‫الوط ي لسنة ‪ 2018‬وآفاقها لسنة ‪ ،2019‬امليزانية التوقعية لسنة ‪ 16 ،2019‬يناير ‪ ،2019‬الدر‬
‫البيضاء‪.‬‬
‫املندوبية السامية للتخطيط‪ ،‬تقديم نتائج البحث الوط ي حول االستهالك‪ ،‬أكتوبر ‪.2016‬‬ ‫‪-‬‬
‫وزارة إعداد التراب الوط ي واملاء والبيئة‪" ،‬امليثاق الوط ي عداد التراب‪ ،‬منشورات عكاظ‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫الرباط‪.2001 ،‬‬

‫‪283‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫ املنا رة الثانية‬،"‫ من أجل حكامة جديدة لقطاع الصحة‬،‫ "اللتاب األبيض‬،‫ وزارة الصحة‬-
.2013 ‫ يوليوز‬1،2،3 ،‫ مراكش‬،‫للصحة‬
‫ أي مدخالت ألي‬:‫ "النموذج التنموي الجديد‬،)‫ يوسف أشحشاح وجابر البوع (كتاب جماعي‬-
‫ سلسلة‬،‫ منشورات مركز تفاعل للدراسات واألبحاث في العلوم االجتماعية‬،"‫مخرجات؟‬
.2021 ،1‫ ط‬،4‫ عدد‬،‫الدراسات السياسية والدستورية‬
.‫مراجع بالغة الفرنسية‬

- Duez Ph., « La place de l’économie des territoires dans la


construction d’une théorie générale intégrant l’espace », Revue
Economie Régionale et Urbaine, N° 4, Octobre 2011.
- El fassi R., « Impact des investissements par le Plan Maroc Vert
sur l’économie nationale », Mém. fin d’études, Institut
Agronomique et Vétérinaire, Rabat, 2013.
- El Malki H., « L’Economie marocaine, bilan d’une décennie
1970-1980 », Ed. Centre National de la Recherche Scientifique,
Paris, 1982.
- Haut-Commissariat au Plan, « Pauvreté et prospérité partagée

au Maroc du troisième millénaire, 2001-2014 », Novembre


2017.
- Haut-Commissariat au Plan, prospective Maroc 2030,

Agriculture 2030, Quels avenirs pour le Maroc ? Rabat.


- Lazarev G., « Les politiques agraires au Maroc (1956-2006) »,
Economie critique, El maàrif al Jadida, 2012.
- Ministère délégué auprès du ministre de l’énergie, des Mines,
de l’Eau et de l’Environnement, Chargé de l’Eau, « Etat de la
qualité des ressources en Eau au Maroc », Juin 2014.
- Organisation des Nations Unies pour l’Alimentation et
l’Agriculture FAO, « Utilisation des engrais par culture au
Maroc », Rome, 2006.
- OXFAM, rapport « Maroc égalitaire, une taxation juste » ,2019.

284
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬
‫فهرس املحتويات‬
‫مقدمة‪06 ............................................................................................................................‬‬
‫الفصل األول‪ :‬خصوصيات وسياقات التنمية في املغرب‪13 ....................................‬‬
‫‪-1‬سياق املغرب في محيطه الدولي‪14 ..................................................................................‬‬
‫‪ -2‬السياق الخا ‪ :‬العهد الجديد ومغرب "االنتقال التنموي"‪18....................................‬‬
‫‪ -1-2‬املخططات قصيرة املدى‪18 ......................................................................................‬‬
‫‪-2-2‬مغرب التقويم الهيللي‪ ،‬ماض معلن وحاضر مسكوت عنه‪25 ..................................‬‬
‫‪ -3-2‬مغرب "العهد الجديد"‪29 ..........................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬خصوصيات النموذج التنموي القديم‪37 .....................................‬‬
‫‪ -1‬تقرير الخمسينية كاستجابة لإلرادة املللية‪38 ............................................................‬‬
‫‪ -2‬تقرير الخمسينية بين التحليل العلمي والتسويق ا عالم ‪42 .....................................‬‬
‫‪ -1-2‬تقرير استثنائ بكل املقاييس‪42............................................................................... .‬‬
‫‪ -2-2‬بين النقاش العموم والتسويق ا عالم ‪45 ..............................................................‬‬
‫‪ -3‬التحوالت املجتمعية في مضمون التقرير‪ ،‬تحليل أزمة أم أزمة تحليل‪46 ....................‬‬
‫‪ -4‬املغرب االجتماعي‪ ،‬جدلية االنتقاالت االجتماعية واملؤشرات العرفية‪50 ...................‬‬
‫‪-1-4‬ولوج التربية والتكوين والخدمات األساسية‪50 ...........................................................‬‬
‫‪ -2-4‬الحماية االجتماعية ومحاربة الفقر‪54 ......................................................................‬‬
‫‪ -3-4‬البطالة وسوق الشغل‪ ،‬أطروحة نس النمو واستمرار التحديات‪57 ....................‬‬
‫‪ -4-4‬التجهيزات العمومية وقضايا السلن وسياسة املدينة‪59 .......................................‬‬
‫‪ -5‬مس لة إعداد التراب الوط ي وقضايا التهيئة‪61........................................................... .‬‬
‫‪ -6‬بؤر املستقبل في تصور تقرير الخمسينية‪" ،‬املستقبل يب ى واألفضل مملن"‪62 ........‬‬
‫‪ -1-6‬البؤر األساسية أو دعامات ا قالع‪62 ......................................................................‬‬
‫‪ -2-6‬بؤر التنمية البشرية‪66 ..............................................................................................‬‬
‫‪ -7‬مالحظات بنيوية‪69........................................................................................................‬‬
‫خاتمة‪72............................................................................................................................. .‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬حالة املغرب بين نموذجين تنمويين‪75 ......................2021-2006 :‬‬
‫‪-1‬ت كير بمعالم املسارين املفترضين سنة ‪76............................................................2006‬‬
‫‪ -1-1‬معالم سيناريو ا قالع أو السيناريو امل مول‪77..........................................................‬‬

‫‪285‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪-2-1‬سمات املسار التراجعي‪78.............................................................................................‬‬


‫‪ -2‬أضواء على حصيلة عقد ونصف من التنمية ‪80.....................................2020-2006‬‬
‫‪ -1-2‬حصيلة مشروع الديمقراطية السياسية‪80..............................................................‬‬
‫‪-2-2‬املغرب االقتصادي‪ ،‬أوراش كبرى للنها ضعيفة املساهمة في التنمية‪98....................‬‬
‫‪ -3-2‬املغرب االجتماعي بين طموح التماسي وواقع التفاوت وتجدد الحراك الشعبي‪113..‬‬
‫‪ -4-2‬املغرب البيئي‪ ،‬ضغط الندرة واستمرار التغافل‪149....................................................‬‬
‫‪ -3‬أي مسار خضنا في ل ه ه الحصيلة؟‪154....................................................................‬‬
‫‪ -1-3‬تعثر مسار ا قالع تح شعار‪" :‬مجتمع الفر للجميع‪ ،‬واملسؤولية لكل فرد"‪155.‬‬
‫‪ -2-3‬مسار تنموي سرعات متباينة‪155...............................................................................‬‬
‫‪ -3-3‬كورونا تلشف اختالل القطاع الصحي وعدم تكافؤ الولوج إلى الخدمات‪156...........‬‬
‫‪ -4-3‬مغرب تزايد املخاطر الطبيعية‪156...............................................................................‬‬
‫‪ -5-3‬استمرار ضعف تنافسية االقتصاد الوط ي‪156..........................................................‬‬
‫‪ -6-3‬تزايد تهديدات العوملة‪157............................................................................................‬‬
‫‪ -7-3‬ضعف فعالية نظام الحكامة‪157..................................................................................‬‬
‫‪ -8-3‬عواق غير محمودة في مجال التنمية البشرية‪158.....................................................‬‬
‫خاتمة‪158................................................................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬على عتبة النموذج التنموي الجديد مواقف وآراء‪159........................‬‬
‫‪ -1‬املواقف املعارضة ملنهجية إعداد النموذج‪160................................................................‬‬
‫‪ -2‬آراء ومقترحات املؤسسات والتنظيمات املساندة‪162......................................................‬‬
‫‪ -1-2‬رأي املجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪162..........................................................‬‬
‫‪ -2-2‬آراء واقتراحات األحزاب السياسية‪ :‬إجماع معلن واعتراضات مستبطنة‪171..............‬‬
‫العدالة والتنمية يتشبث باألصالة وا نصاف واالستدامة‪172..............................................‬‬
‫استمرار حزب االستقالل في الدفاع عن النموذج التعادلي‪175.............................................‬‬
‫التجمع الوط ي لألحرار‪" :‬مسار الثقة" بلغة فائقة الثقة‪179.................................................‬‬
‫االتحاد االشتراك ‪ ،‬جولة جديدة من املرافعة عن املجتمع الحداث ‪190...............................‬‬
‫التقدم واالشتراكية‪ ،‬مساهمة بدون عنوان‪192.....................................................................‬‬
‫‪ -3‬خالصات مختصرة من تحليل مساهمات األحزاب‪195....................................................‬‬
‫خاتمة‪199................................................................................................................................‬‬
‫‪286‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ميلود الرحالي‬

‫الفصل الخامس‪ :‬على عتبة النموذج الجديد‪ ،‬مشاريع جارية وتجاوزات مستشرية‪200‬‬
‫‪ -1‬نموذج تنموي في ل مخططات استراتيجية والتزامات دولية سارية املفعول‪201.........‬‬
‫‪ -1-1‬انخراط املغرب في أهداف التنمية املستدامة في أفق ‪202.................................2030‬‬
‫‪ -2-1‬إطالق املرحلة الثالثة من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪204..................................‬‬
‫‪ -3-1‬الرؤية االستراتيجية للتربية والتكوين ‪ 2030-2015‬والقانون ا طار ‪205.........51.17‬‬
‫‪ -4-1‬القانون ا طار رقم ‪ 09.21‬املتعلق بالحماية االجتماعية‪208.......................................‬‬
‫‪ -5-1‬االستراتيجية الوطنية املندمجة للشباب ‪209.........................................2030-2015‬‬
‫‪ -6-1‬مخطط الصحة في أفق ‪210................................................................................2025‬‬
‫‪ -2‬نموذج تنموي في ل تناقضات صارخة؛ أوراش كبرى ومعضالت أكبر‪212...................‬‬
‫‪ -1-2‬إشارات وتحركات إيجابية‪212.......................................................................................‬‬
‫‪ -2-2‬إرهاصات ومقدمات سلبية في وجه إعالن النموذج‪217...............................................‬‬
‫خاتمة‪223................................................................................................................................‬‬
‫الفصل السادس‪ :‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬مخطط إنمائي بنفس تكنوقراطي‪225....‬‬
‫‪ -1‬لجنة النموذج التنموي‪ ،‬البنية وآلية االشتغال‪226.........................................................‬‬
‫‪ -2‬موقف لجنة بنموس ى من النموذج القديم‪232................................................................‬‬
‫‪ -3‬مرجعية النموذج الجديد وخياراته االستراتيجية ‪233.....................................................‬‬
‫‪ -4‬األهداف العامة‪ ،‬عندما يتحول التقرير إلى دليل مرجعي حكوم ‪134............................‬‬
‫‪ -5‬املكونات واالختيارات‪ ،‬هوس القيمة االقتصادية املضافة من جديد‪135......................‬‬
‫‪ -6‬الرافعات األساسية طالق النموذج‪ ،‬ال جديد عن النموذج السابق‪236......................‬‬
‫‪ -7‬األوراش اللبرى واملحاور االستراتيجية‪ ،‬إغراق كبير في التفاصيل‪239...........................‬‬
‫‪ -1-7‬املحور االقتصادي ومشروع "الصدمة التنافسية"‪240...............................................‬‬
‫‪ -2-7‬املحور االجتماعي ومشروع مغرب اللفاءات‪241..........................................................‬‬
‫‪ -3-7‬املحور الترا ومشروع مغرب الجهات‪243...................................................................‬‬
‫‪ -8‬مختصر امل كرات املوضوعاتية وأهم الرهانات واملشاريع املقترحة‪245.........................‬‬
‫‪ -9‬القيادة االستراتيجية والتتبع ‪246.....................................................................................‬‬
‫‪ -10‬قياس النتائج‪247...........................................................................................................‬‬
‫‪ -11‬استقراء عرضان ومالحظات عامة‪248.........................................................................‬‬
‫خاتمة‪260................................................................................................................................‬‬
‫‪287‬‬
‫جدلية النموذج والسياق ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫الفصل السابع‪ ،‬في فهم النموذج وبعض املداخل املمكنة‪260...................................‬‬


‫‪-1‬في فهم النموذج املغر ‪261...............................................................................................‬‬
‫‪ -2-1‬فهم النموذج في عالقته باملشروع املجتمعي‪262.........................................................‬‬
‫‪ -2-1‬فهم النموذج وفق تجارب مقارنة‪263..........................................................................‬‬
‫‪ -3-1‬فهم النموذج من خالل األولويات املرحلية‪266...........................................................‬‬
‫‪ -4-1‬فهم النموذج من خالل آلية االشتغال ومسالي إنجاز التنمية‪267..........................‬‬
‫‪-2‬آفاق ومداخل مملنة‪268..................................................................................................‬‬
‫‪-1-2‬املدخل الرئيس‪ :‬التغيير االجتماعي‪-‬السياس ي وإصالح البنيات‪269..............................‬‬
‫‪ -2-2‬مداخل تصحيح مرتلزات فرعية‪272..........................................................................‬‬
‫خالصة‪275............................................................................................................................‬‬
‫خالصات ختامية‪276............................................................................................................‬‬
‫الئحة املراجع‪281..................................................................................................................‬‬
‫الفهرس‪286...........................................................................................................................‬‬

‫‪288‬‬

You might also like