Professional Documents
Culture Documents
016 مفتاح @alsufia2018
016 مفتاح @alsufia2018
تأليف :
عبد الباقي مفتاح
بسم اهلل الرحمن الرحيم وصلى اهلل وسلم على سيدنا محمد رحمة العاملني وآله
وصحبه.
مدخل
كT Tتاب "عT Tنقاء مT Tغرب فT Tي مT TعرفT Tة خT Tتم األولT Tياء وشT Tمس املT Tغرب" مT Tن
الT Tكتب املT Tشهورة لT Tلشيخ األكT Tبر محT Tمد بT Tن عT Tلي بT Tن محT Tمد بT Tن الT TعربT Tي
) 560هـ 638-هـ( ،ن Tظرا أله Tمية م Tواض Tيعه ،خ Tصوص Tا امل Tتعلقة ب Tمسأل Tة
ختمية الوالية.
كT Tتبه الT Tشيخ سT Tنة 595هـ ،وعT Tمره خT Tمس وثT TالثT Tون سT Tنة قT TمريT Tة ،إثT Tر
تTحققه بهTذا املTقام فTي مTديTنة فTاس بTاملTغرب .وقTال عTنه فTي كTتابTه ) روح
الTقدس ( أنTه ألTفه مTن أجTل مTن وصTفه بـ ) :الTشيخ الTعارف الTسائTح املتجّTرد
صالTح املTسّن أبTو يTحيى بTن أبTي بTكر الTصنهاجTي ،مTن صادق الّ T املTنقطع الّ T
أهTل املTعارف واإلشTارات والTتمكني ،قّTل أن تTلقى مTثله .بTيني وبTينه مTسائTل
كثيرة يضيق الوقت عن ذكرها (.
وذكTر الTشيخ عTنوان هTذا الTكتاب فTي كTتب لTه أخTرى ،مTثل ) الTفتوحTات
امل T Tكية( ،ف T Tي ب T Tداي T Tة ال T Tباب ال T Tراب T Tع)ج1ص،(98:وآخ T Tرال T Tباب)71ج1ص:
،(664وآخTرالTباب )557ج4ص .(195 :وذكTره فTي آخTر كTتاب ) مTنزل الTقطب
واإلمTامTني ( ،وفTي كTتاب ) إنTشاء الTدوائTر ( ،وفTي الفهTرس) تTحت رقTم.(61
وفي ديوانه الكبير قصائد توجد ضمن هذا الكتاب.
وفTي كTتابTه حTول تTآلTيف الTشيخ ،ذكTر عTثمان يTحيى هTذا الTكتاب تTحت
رقTم ،30وقTال أن لTه عTناويTن أخTرى ،مTنها ):سTدرة املTنتهى وسّTراألنTباء فTي
مT TعرفT Tة الخT Tليفة وخT Tتم األولT Tياء( ،و) نT Tغمات األفT Tالك أو السّT Tر املT Tكتوم(،
و) الTوعTاء املTختوم عTلى السTر املTكتوم( ،و) البحTر املTحيط الTذي ال ُيTسمع
ملT TوجT Tه غT Tطيط ( ،و) سT Tر املT Tكتوم ( ،و) كT Tتاب الT Tكشف والT Tكتم فT Tي مT TعرفT Tة
الخTليفة والTختم( .وذكTر مTواقTع مخTطوطTاتTه الTكثيرة ،مTنها مخTطوط راغTب
ب T Tاش T Tا ) (b 180-133/1453امل T Tحتوي ع T Tلى س T Tماع م T Tنقول م T Tن مخ T Tطوط
أصTلي ،ومTكتوب عTلى غTالفTه تTاريTخ 629هـ ،وأن الTقارئ محTمد بTن إسTحاق
االقونوي والسامع املؤلف ابن العربي.
وذكT Tر عT Tثمان يT Tحيى أن لهT Tذا الT Tكتاب شT TروحT Tا ،أشهT TرهT Tا شT Tرح قT TاسT Tم
ال T Tشاف T Tعي ال T Tسعدي ب T Tن أب T Tي ال T Tفضل ) ت982:هـ أو 954هـ( ،وع T Tنوان T Tه:
) الTبرق الTالمTع امل ُTغرب فTي شTرح عTتقاء مTغرب( ،وأتTم كTتابTته سTنة 954هـ.
وش T Tرح ع T Tلي ب T Tن مح T Tمد ب T Tن أح T Tمد ال T Tحجازي ،وع T Tنوان T Tه ) :األغ T Tرب م T Tن
ال Tعجاب األع Tجب ( ك Tتبه س Tنة 907هـ .وش Tرح مح Tمد مح Tمود ال Tدام Tون Tي،
الTذي عTنوانTه) :كTشف الTقناع املTعجب عTن وجTه عTنقاء مTغرب( ،كTتبه سTنة
1209هـ .وشT T Tرح عT T Tبد الT T TرحT T Tمن بT T Tن الT T Tحسن الT T TشافT T Tعي الحT T Tلبي ) ت:
933هـ ،(.وعنوانه ) :إظهاراملكتوم عن السر املختوم ( كتبه سنة 933هـ.
وفTي سTنة 1420هـ .طـُـTبع بTمصر كTتاب لTطيف عTنوانTه ) :كTشف الTغطاء
عTن أسTرار الTعنقاء( ،ملحTمد إبTراهTيم محTمد سTالTم .لTكنه ال يTتضّمن سTوى
شرحا لغويا لبعض الكلمات الواردة في قصائد الكتاب.
وق Tد ت Tعّددت ط Tبعات ال Tكتاب ف Tي ال Tعدي Tد م Tن ال Tبلدان ،خ Tصوص Tا ف Tي
السنوات األخيرة.
واملT TالحT Tظ أن فT Tي جT Tميع الTTنسخ املT TطبوعT Tة واملخT TطوطT Tة أخT Tطاء نT Tسخية
ح
ك T Tثيرة ،ي T Tزي T Tد ع T Tدده T Tا أو ي T Tنقص .وق T Tد اخ T Tترت ف T Tي ه T Tذا ال T Tكتاب أص ّ T T
ال T Tنصوص حس T Tب ت T Tقدي T Tري ،ت T Tبعا ل T Tسياق امل T Tعان T Tي ،وألس T Tلوب ال T Tشيخ
ومصطلحاته.
وكتابنا هذا يتألف بعد املقدمة من ثالثة أجزاء:
الج Tزء األول :ي Tتضّمن ث Tالث Tة أق Tسام ب Tعد امل Tقّدم Tة .وف Tي امل Tقدم Tة •
ب T Tيان أله T Tم م T Tواض T Tيع ك T Tتاب "ع T Tنقاء م T Tغرب" ،ودالالت ع T Tناوي T Tنه.
وال T Tقسم األول ت T Tفصيل أله T Tم امل T Tراح T Tل ال ّT Tروح T Tية ال T Tتي تحقق ب T Tها
الTشيخ فTي سTلوكTه وأفTضت بTه إلTى املTكانTة الTعليا فTي عTوالTم الTواليTة
ح Tتى ل Tقب ب Tال Tشيخ األك Tبر .و ف Tي ال Tقسم ال Tثان Tي ت Tفصيل مل Tا ك Tتبه
حTول اإلمTام املهTدي الTظاهTر فTي آخTر الTزمTان ،واملTواقTف املTختلفة إزاء
ه Tذا امل Tوض Tوع .أم Tا ال Tقسم ال Tثال Tث ف Tهو ب Tحث مس Tتفيض ح Tول م Tا
ك T Tتبه ال T Tشيخ ف T Tي م T Tسأل T Tة خ T Tتمية ال T Tوالي T Tة ال T Tعام T Tة وال T Tخاص T Tة،
واالعتبارات املتباينة في فهمها.
والج Tزء ال Tثان Tي مTن هTذا الTكتاب :يTتضمن كTتاب "عTنقاء مTغرب" •
ح نTص ،نTظرا لTالخTتالف ت فTيه مTا بTدا لTي أنTه أصّ T بTكامTله .وقTد أثTب ُ
الT TحاصT Tل فT Tي كT Tثير مT Tن األلT Tفاظ بT Tني نT Tسخه الT Tكثيرة املخT TطوطT Tة
ت أحTيانTا بTني قTوسTني شTرحTا لTبعض الTكلمات ،أو واملTطبوعTة .وجTعل ُ
ت ت Tوض Tيح ب Tيان Tا ف Tي ال Tعنوان مل Tوض Tوع ال Tباب أو ال Tفصل .وح Tاول ُ T
أقسامه وأبوابه وفصوله للقارئ ،بتمييز بعضها عن البعض.
ويمكن تقسيم الكتاب إلى أربعة فصول:
الT T Tفصل األول :يشT T Tتمل عT T Tلى فT T Tقرات تتخT T Tللها قT T TصائT T Tد ،تT T Tبنيّ •
ال Tدواع Tي ال Tتي دف Tعت ال Tشيخ إل Tى ت Tأل Tيفه ،وامل Tضاه Tاة ب Tني م Tرات Tب
الT TعالT Tم وحT Tقائق اإلنT Tسان ومT TراحT Tل السT Tلوك الT TروحT Tي الT TعرفT TانT Tي،
امل T Tتمثل ب T Tاألخ T Tص ف T Tي ال T Tدالالت ال T Tباط T Tنية ل T Tلحج ،م T Tرك T Tزا ع T Tلى
خTصوصTيات مTقام الTختمية بTشقيه الTعام املTخصوص بTعيسى بTن
مريم عليه السالم ،واملحمدي املخصوص بالشيخ نفسه.
وفTي الTفصل الTثانTي تTفصيل واف يتعلق بTالTحضرة اإللTهية :ذاتTا •
وصTفات وأسTماء وأفTعاال ،وأن مTعرفTة الTذات مTمنوعTة بTتاتTا عTن كTل
ورهTا إال مTن خTالل مTا فTكر .وأن مTعرفTة األسTماء اإللTهية ال يTمكن تTص ّ
عTليه املخTلوق ،سTواء بTالTتنزيTه أو بTالتشTبيه ،وبTالTتالTي فTال سTبيل
إل T Tى إدراك ح T Tقيقتها ألن م T Tرج T Tعها إل T Tى ال T Tذات ،وال T Tذات يس T Tتحيل
إدراكT Tها .أمT Tا األفT Tعال فT Tهي مT Tشهودة مT TعروفT Tة ،لT Tكن مT TعرفT Tة حT Tقيقة
ك T Tيفية ص T Tدوره T Tا ،أي ك T Tيفية تعلق ال T Tقدرة ب T Tامل T Tقدور ،ت T Tبقى أي T Tضا
م Tجهول Tة ألن Tها ش Tأن ذات Tي .وف Tي ه Tذا ال Tفصل ال Tثان Tي أي Tضا ب Tيان
جTهات األسTماء اإللTهية عميق وطTريTف لسTبب انTتشاء الTعالTم مTن تTو ّT
والعالقات بينها في إبرازه.
وفTي الTفصل الTثالTث تTفصيل لTلمراحTل الTتي انTفسح فTيها الTنفَـس •
جTه تTلك األسTماء ،انTطالقTا مTن الTرحTمانTي إلبTراز مTراتTب الTوجTود بTتو ّT
ال Tحقيقة املح Tمدي Tة األص Tلية ،ون Tشأة امل Tإل األع Tلى م Tنها ،ث Tم ال Tعرش
فT TالT TكرسT Tي واألفT Tالك ،فT TالT TعناصT Tر،ثT Tم الT Tسماوات ،كT Tل ذلT Tك تT Tمهيدا
لT T TظهورالخT T Tليفة اإلنT T TسانT T Tي فT T Tي األرض ،املخT T Tلوق عT T Tلى صT T Tورة
وجT Tة
الT TرحT Tمان ،لT Tيكون روحT Tا لT TلعالT Tم ،ولT Tتتم بT Tه دورة الT Tظهور ،مT Tت َّ
بT TاإلنT Tسان الT TكامT Tل :خT TاتT Tم املT TرسT Tلني -عT Tليهم الT Tصالة والسT Tالم -
املظهTر األكTمل للحق تTعالTى ،فTكانTت مTنه الTبدايTة فTي عTالTم األنTوار
واألرواح ،وه T Tوغ T Tاي T Tة ال T Tقصد ،ف T Tكان ف T Tات T Tحا مل T Tا أغلِق ف T Tي ح T Tضرة
ال T Tبطون ،وج T Tاء ف T Tي آخ T Tر دور ال T Tخالف T Tة األرض T Tية خ T Tات T Tما ل T Tلنبوة
ول Tرس Tال Tة التش Tري Tع .وت ّTم ت Tفصيل م Tا ج Tاء ب Tه مج Tمال ف Tي ح Tضرات
خلفائه من األئمة واألقطاب واألفراد ،وفي مقدمتهم الختمان.
وفTي الTفصل األخTير الTرابTع ،يTتعّرض الTشيخ إلTى مTسألTة اإلمTامTة •
وي T T Tعود إل T T Tى ب T T Tيان خ T T Tصوص T T Tيات ال T T Tختمني، وال T T Tخالف T T Tة،
وبTاألخTص الTختم الTعام عTيسى ،مTع إشTارات لTزمTان نTزولTه وظTهوره
مع املهدي في آخر الزمان ،وأشراط الساعة.
وف Tي ك Tل ه Tذه ال Tفصول يح Tرص ال Tشيخ ك Tل الح Tرص ع Tلى ب Tيان م Tا
يTضاهTي وقTائTع اآلفTاق الTزمTانTية واملTكانTية واملTراتTب الTوجTوديTة ومTقامTات
الTواليTة وأصTحابTها ،فTي ذات اإلنTسان الTسالTك ،مTكّررا مTعنى أنTه ال جTدوى
من معرفة ما خرج عن ذاتك إن لم تر فيه سبيل نجاتك.
والجTزء الTثالTث :يشTتمل عTلى شTروح لTقصائTد الTكتاب ولTبعض فTقراتTه،
جTلها مTن مTوسTوعTته ونTصوص مTتعّددة مTوضTحة ومTكّملة لTفقرات الTكتابُ ،
الT Tعظمى" :الT TفتوحT Tات املT Tكية" ،ملT Tا تT Tتضّمنه مT Tن فT TوائT Tد نT Tفيسة ،وألنT Tها
مTكّملة ملTا فTي هTذا الTكتاب مTن حTقائق ،وأيTضا لTبيان مTا تTمّيزت بTه واليTة
الشيخ من أغوار عرفانية ال مثيل لها.
وغT TالT Tب الشT Tروح إجT TمالT Tية ،أي أنT Tها ال تشT Tرح الT Tنص بT TالT Tتفصيل جT Tملة
جTملة ،و إنTما تTبرز أهTم مTا يTنبغي فTهمه .أمTا الشTرح الTتفصيلي لTلكتاب
فT Tيحتاج إلT Tى مجT Tلد ضخT Tم ،نT Tظرا لT Tغزارة مT TعانT Tيه وكT TثافT Tة تT TلويT TحاتT Tه،
والتواتر السريع لرموزه و إشاراته.
وال أّدعTي أنTي قTاربTت فTي هTذه الشTروح الجTزئTية مTراد الTشيخ ،و إنTما هTو
اجتهاد مني في ذلك ،وأسأله تعالى تمام التوفيق ،إنه املنعم الجواد.
مقدمة
خاتم الوالية املحمدية الخاصة ،وهو مؤلف هذا الكتاب ،أي •
الشيخ األكبر محيي الدين محمد بن علي بن العربي الحاتمي
الطائي رضي اهلل عنه .وهو املعنى األول املباشر لكلمة ) شمس
املغرب( في عنوان الكتاب .ولعل هذا هو أهم ما أراد الشيخ
اإلشعار به في هذا املحور ،وهو األمر الجديد في ميدان الوالية،
ألن ظهور اإلمام املهدي ونزول عيسى في آخر الزمان تابعا
للشرع املحمدي وناصرا له ،أمران مشهوران عند جميع املسلمني
لألحاديث الثابتة صحتها الواردة في شأنهما .ولكن الشيخ
أدرج الكالم عن ختميته املحّمدية الخاصة متداخال مع كالمه عن
ختمية عيسى العام،ألن ظروفه لم تكن تسمح له بالتصريح بذلك
حني كتب هذا الكتاب .ولم ُيعلن ذلك بكل وضوح إال بعد ذلك
بسنوات في قصائده ،خصوصا في الفتوحات وفي دواوينه.
يقول الشيخ عن الختمني في الباب 73من الفتوحات ) ج / 2ص:( 9،
] ومنهم – أي األولياء -رضي اهلل عنهم :الختم ،وهو واحد ال في كل
زمان ،بل هو واحد في العالم ،يختم اهلل به الوالية املحمدية ،فال يكون
في األولياء املحمديني أكبر منه .وثم ختم آخر يختم اهلل به الوالية
العامة ،من آدم إلى آخر ولي ،وهو عيسى عليه السالم ،هو ختم
األولياء ،كما كان ختم دورة امللك ،فله يوم القيامة حشران :يحشر في
ال مع الرسل عليهم أمة محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-ويحشر رسو ً
السالم[.
تنبيه هام:
استعمل الشيخ في العديد من فصول هذا الكتاب أسلوب التلويح
والرمز واإلشارة ،حتى أنه لم يصرح بوضوح تام أ ّ
ن الختم العام هو
عيسى عليه السالم ،واستعمل في آخر الكتاب حروفا اصطالحية
غير الحروف العربية ،عند ذكره لآليات القرآنية املتعلقة به .وأما
تلويحاته إلى ختميته هو نفسه ،أي الختمية املحّمدية الخاصة
فهي أكثر غموضا .فما السبب الذي دعا الشيخ إلى كل هذا اإلغراب،
رغم أنه في الفتوحات ،وخصوصا في بعض قصائد ديوانه ،صّرح
بكل وضوح ما ستره نسبيا في هذا الكتاب " عنقاء مغرب "؟
ن الشيخ ملا أِمر بتأليف هذا الكتاب إثر الجواب – واهلل أعلم – أ ّ
تحققه باملقام الختمي ،سنة 595هـ .وعمره خمس وثالثون سنة،
أراد بيان مقام ختمية الوالية العامة وصاحبها عيسى عليه السالم،
ولم يرد اإلفصاح الواضح عن ختميته هو املحمدية الخاصة ،إال
بالتلويح ،نظرا إلى املحيط والظروف التي كان يعيشها الشيخ في
املغرب واألندلس حينذاك .وبالتالي فإدراج التلويح إلى ختميته
الخاصة ضمن الختمية العامة لعيسى عليه السالم ،ألجأه إلى ذلك
األسلوب اإلشاري الغامض .وسنعود الحقا إلى مسألة هذا اإلندراج
عند الكالم عن ما ذكره الحكيم الترمذي حول الختم في كتابه "خاتم
األولياء".
ت نTويTت أن وفTي بTدايTة الTكتاب صّTرح هTو نTفسه بهTذا السTبب ،فTقال ]:وكTن ُ
أجTعل فTيه – أي فTي كTتاب " الTتدبTيرات اإللTهية" -ﻣـﺎ أوﺿـﺣﮫ ﺗـﺎرة وأﺧـﻔﯾﮫ.
وأﯾـن ﯾـﻛون ﻣـن ھـذه اﻟـﻧﺳﺧﺔ اﻹﻧـﺳﺎﻧـﯾﺔ ،واﻟـﻧﺷﺄة اﻟـروﺣـﺎﻧـﯾﺔ ،ﻣـﻘﺎم اﻹﻣـﺎم اﻟﻣﮭـدي اﻟـﻣﻧﺳوب
ﺿﺎ ﻣـﻧﮭﺎ ﺧـﺗم اﻷوﻟـﯾﺎء وطـﺎﺑـﻊإﻟـﻰ أھـل ﺑـﯾت اﻟـﻧﺑﻲ اﻟـﻣﺎﺋـﻲ واﻟـطﯾﻧﻲ ،وأﯾـن ﯾـﻛون أﯾـ ً
اﻷﺻـﻔﯾﺎء ،إذ اﻟـﺣﺎﺟـﺔ إﻟـﻰ ﻣـﻌرﻓـﺔ ھـذﯾـن اﻟـﻣﻘﺎﻣـﯾن ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن آﻛـد ﻣـن ﻛـل ﻣـﺿﺎھـﺎة ﻣـن
أﻛوان اﻟﺣدﺛﺎن[.
الكتاب :أعطى الشيخ لكتابه هذا ثالثة عناوين: عناوين
العنوان األول>> :عنقاء مغرب في معرفة ختم الوالية •
وشمس املغرب<<.
فكلمة " ختم الوالية " تنطبق على املقامات الثالثة لهؤالء •
األختام الثالثة.
وكلمة "شمس املغرب" تنطبق كذلك على هؤالء الثالثة: •
فعيسى سينزل في آخر الزمان ،أي قريبا من غروب وانتهاء الدورة
الزمنية الراهنة ،قبيل طلوع الشمس من مغربها .وسيكون نزوله رحمة
للعالم كالشمس عند طلوعها تشرق بالحياة والنور .قال الحق تعالى
ن ِبَهاعِة فََال تَْمتَُر َّ عنه في اآلية 61من سورة الزخرف َ﴿ :و إِنَُّه َلِعْلٌم لِل َّ
سا َ
ستَِقيٌم ).﴾(61
م ْ
ط ُ هَذا ِ
صَرا ٌ َواتَِّبُعو ِ
ن َ
واملهدي سيمأل األرض عدال ورحمة بعد أن مألت ظلما وجورا، •
وسيكشف عن حقائق األمور املختلف في شأنها ،فهو كالشمس
يجلو كل غم وظلمة ،حسب تعبير الشيخ املؤلف.
وخاتم الوالية املحمدية ،شمسه كشفت أسرار كبرى الحقائق •
بكيفيات لم يسبقه فيها سابق وال الحق بعد رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم ،كما شهد له بذلك جل العارفني حتى أنهم لقبوه
بالشيخ األكبر وبمربي العارفني .وهو يسمي أهل األسرار من
)ينظر مثال األولياء باملغاربة ،وأهل األنوار منهم باملشارقة
هذا االصطالح خالل تعريفه للحروف وأعدادها في الباب الثاني
من الفتوحات( .وحتى في الظاهر ،بلده األصلي األندلس يقع في
أقصى الغرب اإلسالمي ،وكان يعتز بنسبته املغربية لداللتها
املعنوية ،كما يظهر في تصنيفه " رسالة االنتصار".
أما كلمة "عنقاء مغرب " ،فالعنقاء طائر رمزي موجود في الكثير من
القصص الرمزية والعرفانية عند جل األمم ،فيقال عنه أنه يعيش ويحوم فوق جبل
قاف املحيط باألرض .ويمثل أحيانا بالطاووس من حيث جماله وألوانه ،وأحيانا
أخرى في أشكال تختلف باختالف الداللة التي يراد إبرازها .وفي بعض
قصصه الرمزية يقال عنه أنه يختطف الطيور األخرى وغيرها من الحيوان ويطير
بها إلى أماكن مجهولة.
واستعمل الشيخ كلمة " الغريبة عنقاء " في كتابه " الشجرة والطيور
األربعة " كرمز للمرتبة الوجودية التي تسمى :مرتبة الهباء )أو الهيولى عند
الحكماء( ،وهي عبارة عن مجلى كل الصور الوجودية املتجددة في كل آن .ومن هنا
يمكن فهم عالقتها بختمية الوالية التي هي مجلى كل مقامات الوالية،وأذواق
علومها .فالشيخ يعرف الختم املحمدي الخاص في الباب 559من الفتوحات)IV:
،(442بقوله أن عالمته في نفسه أن يعرف قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد
صلى اهلل عليه وسلم ،فيكون هو الجامع لعلم كل ولي محمدي باهلل تعالى .و إذا لم
يعلم هذا فليس بختم.
وفي مراتب الوجود ،تقع مرتبة الهباء مباشرة قبل الجسم الكلي )ورمزه الغراب
الحالك( ،وبعد العقل األول )أي القلم األعلى ،ورمزه العقاب املالك( والنفس الكلية
) أي اللوح املحفوظ ،ورمزه الورقاء املطوقة( ] .حول هذه املراتب وغيرها من مراتب
الوجود ينظرالباب 198من الفتوحات ،وكتابنا" :الحقائق الوجودية الكبرى عند ابن
العربي" ،وكتاب " املفاتيح الوجودية والقرآنية لفصوص الحكم البن العربي "[.
والعنوان اآلخر لهذا الكتاب هو" :رسالة االتحاد الكوني في حضرة اإلشهاد
العيني ،بمحضر الشجرة اإلنسانية ،والطيور األربعة الروحانية" .فأعرب عن مرتبة
الهباء في فصل تحت عنوان" :خطبة الغريبة العنقاء" حيث قال – وما بني قوسني
شرح موجز لبعض الكلمات:
] ...قامت العنقاء تعرب عن وجودها ،وتغرب بعزة حّدها ،قالت :أنا
عنقاء مغرب ،مازال مسكني باملغرب ،باملقام الوسيط ،على سيف البحر
املحيط )يشير الشيخ هنا إلى عالقة العنقاء بجبل قاف املحيط باألرض ،ومن
ورائه البحر املحيط ،وهو هنا يرمز إلى العرش املحيط ،أو الجسم الكل ،الذي من
ورائه بحر الطبيعة ،أخت الهباء في املرتبة بعد النفس الكلية( ،اكتنفني العّز من
الجهتني )عّز اللوح املحفوظ ،أم الهباء ،وعزّ العرش العظيم ،ابن الهباء( ،وما
ظهر قط لوجودي عني )ألن الهباء مرتبة تقديرية ال عينية(.
فأنا التـي ال عـــني لي موجود فأنا التي ال حكم لي مفقود
)ألن جميع الصور الكونية تحت حكم هذا الجوهر الهبائي(
عرفا وباب وجودها مسدود عنقاء مغرب قد تُُعورف ذكرها
ما صّير الرحمن ذكري باطال لكن ملعنى سّره املقصــود
)ذكر اسم الرحمن ألنه هو املستوي على العرش ،ومرتبة الهباء فوق العرش ،وقد
ورد ذكر اسم الهباء في القرآن الكريم .والسّر املقصود من وراء حقيقة الهباء هي
حقيقة الحقائق الكلية ،مجلى كل الصور الوجودية الحقية والخلقية(
ِعرفانَها فصراطنا ممـــــدود هابة أسرارهـــــــــمهو أنّني و ّ
جُّلهم من نوره التجريــــــد فأ َ والسالكون على مراتب نورهم
)هنا يقارن الشيخ بني الهباء الكوني وبني مرتبة الهباء اإلنساني عند أهل السير
والسلوك ،إذ ما من مرتبة في الكون إال ولها مثيلها في اإلنسان .فمرتبة الهباء في
باطن السالك هي مقام التجريد الذي عّرفه الشيخ في )رسالة اصطالح الصوفية(
بقوله " :هو إماطة السوى والكون من القلب والسر" .فالتجريد العرفاني هو
االنعتاق عن كل صورة عرفانية بعدم الوقوف معها والتقّيد بها .بل كل صور
املقامات ومعارفها ما هي إال صور جزئّية للتجريد ،مثلها مثل الصور الكونية التي
هي صور جزئية في الهباء ،ولهذا قيل" :صاحب التجريد أسود الوجه في
الدارين" ،كما قيل عن الهباء إنه السبخة السوداء كلون الكعبة.
)ثم واصلت العنقاء خطبتها قائلة(:
ي توّقف الوجودُ .يسمع بذكري وال أ ُرى ،وليس بي تكون الحدود ،وعل ّ
وقة الورقاء مي املط ّالحديث بي حديثا يفترى ،أنا الغريبة العنقاء وأ ّ
)أي النفس الكّلّية أو اللوح املحفوظ( ووالدي العقاب املالك )أي العقل األّول أو
القلم األعلى( وولدي الغراب الحالك )أي الجسم الكلي( .أنا عنصر النور
والظَُلم ،ومحّل األمانة والتّهم .ال أقبل النور املطلق فإنّه ضّدي ،وال أعرف
ي فهو بعيد الفهم ،مقهور العلم فإني ما أعيد وما أبدي .كّل من أثنى عل ّ
تحت سلطان الوهم )أي ألنه ليس لهباء الصور الجسمية وجود عيني ،و إنما هو
من الخلق االعتباري التقديري املعقول فقط( .ما لي عّزة فأحتمي ،وهياكل
ي تنتمي .أنا الحقيقة اإلمعة ملا عندي من الكون األعلى واألسفل إل ّ
السعة ،ألبس لكل حالة لبوسها :إما نعيمها أو بؤسها .ال أعجز عن
حمل الصورة ،وليس لي في الصورة املعلومة سورة )أي ليس لي في
ت أن أهب الصور الوجودية العينّية مرتبة ،بل مرتبتي تقديرّية معقولة( .لكن ُو ِ
هب ُ
العلوم ولست بعاملة ،وأمنح األحكام ولست بحاكمة .ال يظهر شيء لم
ت في أكن فيه ،وال يحصله طالب مدرك وال يستوفيه .فبهذا القدر عظُم ُ
أعني املحققني )أي أن أهل التحقيق يعلمون أن هباء الصور الجسمية الذي
مرتبته الوجودية بني اللوح والعرش ،أو بصفة أدق بني الطبيعة والجسم الكّل ،ما هو
إال أحد مظاهر حقيقة الحقائق الكلية الجامعة للحق والخلق ،وللصور القديمة
والحادثة( ،ولي جوالن في مجالس املطرقني )أي أن املطرق هو املتفكر الناظر
إلى األسفل ،فاملطرقون هنا هم الحكماء أهل النظر الفكري ،الذين تكّلموا عن
الهباء وسّموه بالهيولى ،ويعنون به هباء الصور الجسمية ،فوقفوا عنده وما وفــقـوا
للترقي إلى العماء الذي ورد به الشرع ،وال إلى الحقيقة الكّلية التي ذكرها
املحققون( .فهذا قد أبنت عن حالي وأظهرت صدقي من محالي[.انتهى.
ومن بني الدالالت األخرى املعروفة لرمزية العنقاء ،أنها ترمز إلى الحفظ املتجدد
للحياة .فقيل عنها أنها تحترق بعد كل خمسمائة سنة ،لتنبعث من جديد من
رمادها .والعدد خمسة عند الشيخ وعند الحكماء هو العدد الحافظ لنفسه ولغيره .
واملقام الختمي الشمسي هو الحافظ ملراتب الوالية الحافظة ملراتب الوجود .وقد
أشار إلى أهميته في القصيدتني األولى والثانية من هذا الكتاب " عنقاء مغرب "،
فقال:
فأشخاصنا خمس وخمس وخمسة عليهم ترى أمر الوجود يقـــــوم
وقال:
أقول وروح القدس ينفث في النفس بأن وجود الحق في العدد الخمس.
والخمسة هي عدد هاء الهوية التي هي في كل شي“ سارية ،وعن كل شي“
مجردة وعارية ،حسب تعبير الشيخ في صالته الفيضية .كما أشار في قصيدته
قبل األخيرة من الكتاب إلى وظيفة الحفظ املنوطة باملقام الختمي ،فقال:
لجاء اللص يفتك بالوليـــد لو أن البيت يبقى دون ختـــم
فحقق يا أخي نظرا إلى مـــن حمى بيت الوالية من بعيد
لكن الطيور في الرمزية الصوفية ،ترمز عادة إلى األرواح العلوية ،أو املالئكة ،أو
األرواح اإلنسانية املفارقة في البرزخ .وترمز أيضا -كالرفارف -إلى املقامات
العرفانية العليا .وربما كان هذا املعنى أقرب إلى مراد الشيخ في اختياره لعنوان
هذا الكتاب.أي أن روحانية هذا الكتاب وموضوعه في غاية العلو والغرابة على غير
أهله ،ألنه يتكلم عن أسمى مقامات الوالية ،أي مظاهرها الختمية اإلحاطية املهيمنة
على غيرها.
القسم األول
أو ً
ال :ملحات عن مراحل تحقق الشيخ األكبر
بالختمية:
في كتابنا "ختم القرآن محيي الدين ابن العربي" ،حاولت تفصيل
السيرة القرآنية للشيخ األكبر ،خصوصا من خالل ما كتبه عن نفسه.
وسنقتطف منها هنا فقرات تتعلق بسلوكه الروحي ،وباألخص املراحل
التي لها صلة بمقامه الختمي.
انطالقة الشيخ األولى من قلب القرآن :سورة " يس": •
ملا كان مقام الختمية قلبا لدوائر الوالية ،فاالنطالقة األولى للحياة
الروحية للشيخ ابتدأت من قلب القرآن ،أي سورة " يس" حسبما رواه
الشيخ عن ما وقع له وعـمره حوالي 12سنة .يقول ،VI: 648) :طبعة
:(1293
ي في مرضي بحيث أني كنت معدودا في املوتى. ] مرضت فغشي عل ّ
فرأيت قوما كريهي املنظر يريدون إذايتي .ورأيت شخصا جميال طيب
الرائحة شديدا يدافعهم عنّي حتى قهرهم؛ فقلت له :من أنت؟ قال :أنا
سورة )يس( أدفع عنك .فأفقت من غشيتي تلك ،و إذا بأبي رحمه اهلل عند
رأسي يبكي وهو يقرأ سورة )يس( ،وقد ختمها فأخبرته بما شهدته[.
-02الجذب األول الذي وقع للشيح وهو صبي:
مل ّا شارف الصبي محمد بن علي بن العربي البلوغ ،وفي بيت من
بيوت اهلل ،فاضت خميرة الطاقات الروحية املتأججة في كمونها من
باطنه على ظاهره ،فانقلب من صحبة أبناء امللوك إلى التجرد نهائيا
و إلى آخر عمره ملالك امللوك ،وظهر عليه سّر خطاب اهلل تعالى لكليمه
عْيِني عَلى َ حبًَّة ِمنِّي َولِتُ ْ
صن َ َ
ع َ م َ عَلْي َ
ك َ ت َموسى عليه السالمَ ﴿ :وأ َْلَقْي ُ
) ﴾ (39اآلية 39من طه .يصف الشيخ هذا الجذب الرباني ما نقله عنه
ابن الشعار ) ت 1256 :م ( الذي لقي الشيخ في حلب عام 1237م
حسب ما ذكره في كتابه " عقود الجمان " فيقول ما خالصته ] :سبب
خروجي من العسكر ودخولي في الطريق ،هو أنّي خرجت يوما ً
بقرطبة صحبة األمير أبي بكر بن يوسف بن عبد املؤمن للصالة
باملسجد ،فرأيته يركع ويسجد بتواضع وخشوع .فقلت في نفسي :ما
كان األمير خانعا هلل تعالى ،إال ألن الدنيا ال قيمة لها إال في الفرار إلى
اهلل تعالى ،ففارقته في نفس اليوم ولم أره بعد ذلك وتجردت للطريق[.
ضح الشيخ بداية هذا التجرد فيقول: وفي مقدمة ديوانه الكبير يو ّ
] ...فإني ما زلت مذ قلدت الحمائل بدال من التمايم ،أمتطي الجياد،
وأقدم األجواد ،شنشنة ورثتها من األسالف و األجداد ،وأنظر في
صحائف الدفاتر ،وأجول بميادين العساكر ال بمجالس التناظر .لم
أغش قط معاني األدب ،وال أنضيت إليه ركاب الطلب ،لست أعرف سوى
دين العجائز ،وأرى أنه من أسنى املواهب والجوائز .ال أفرق بني العلم
وأضداده ،وال أميز مراتب وجوده في عباده .ولم أزل على ذلك مدة من
ي بعني عنايته الرحمن .فوجه إلي في املنام: الزمان ،إلى أن نظر إل ّ
محمًدا وعيسى وموسى عليهم الصالة والسالم .فأما عيسى فأمرني
بالزهد والتجريد ،وأما موسى فأعطاني قرص الشمس ،وبشرني
بالعلم اللدني من علوم التوحيد ،وأما محمد – صلى اهلل عليه وسلم-
فقال لي " :استمسك بي تسلم " .فاستيقظت باكيا ،وقطعت بقية ليلي
تاليا ،وتجردت في زعمي على طريق اهلل ،وأعملت ركاب الهمة في نيل
ما ناله كل حليم أّواه .فصحبت رجاال صدقوا ما عاهدوا اهلل عليه،
وعاشرت سادات ما أعرضوا عنه قط من وقت نظرهم إليه ،فانتفعت
منحت لطائف األسرار بهَّمتهم ،وعقدت على أني ال أرضى بخدمتهم ،و ُ
منه سبحانه إال به ،فإني ما أحببت أن آخذ عن كون إال عنه)( ...إلى أن
أسمعني صريف األقالم في صدري باأللحان ،ونطقت املثاني واملثالث
بحسب املطلوب من النقص والرجحان.[...
-03خلوة الشيخ األولى:
حدث للشيخ إذن ما يسميه هو بالهجوم أو البواده )الباب 259من
الفتوحات ،(II:557/أحدثت فيه انزعاجا ويعّرفه بقوله )البابII:/ 208
] :(492االنزعاج حال انتباه القلب من سنة الغفلة ،والتحرك لألنس
والوجد[.
فكيف تجسد عمليا هذا التحرك ؟.
سد بانقطاع الشيخ وعمره إذ ذاك نحو 14سنة في خلوة بإحدى تج ّ
مقابر إشبيلية للـذكر والتوجه .يقـول تلمـيذه إسمـاعيل بن سودكني في
كتاب )وسائل السائل( راويا عن الشيخ ] :لقد كانت خلوتي من الفجر،
وكان فتحي قبل طلوع الشمس .بعد الفتح جاءني الترتيب في األذكار
)؟( و غيرها من املقامات ،ولزمت مكاني أربعة عشر شهرا ،وحصل لي
بذلك األسرار التي ألفتها جميعا بعد الفتح .و كان فتحي جذبة في تلك
اللحظة ،واملنّة هلل تعالى معرفة خاصة من معارف السعداء[.
ن فتحه تقّدم على رياضته )الباب و في الفتوحات أيضا ،قال الشيخ إ ّ
.(I:616/71فالحق تعالى هو الذي توّلى بعنايته تربية الشيخ .و ّملا
تجلت فيه آثارها ،أحاطته نظرة ورعاية أرواح جماعة من الرسل ،لينال
إرثهم ،إلى أن تمكن واستقر في اإلرث املحمدي األكمل .يقول الشيخ في
الباب 270املتعلق بسورة الناس إنه اجتمع باإلمام األّول وزير القطب
ي هذا ببشارة بشرني بها ،وكنت ال فأكد له ذلك .يقول ] :ولقد أنعم عل ّ
أعرفها في حالي ،وكانت حالي فأوقفني عليها ،ونهاني عن االنتماء
إلى من لقيت من الشيوخ ،وقال لي :ال تنتم إال هلل ،فليس ألحد مّمن
الك بعنايته .فاذكر فضل من لقيت لقيته عليك يد مّما أنت فيه ،بل اهلل تو ّ
إن شئت ،وال تنتسب إليهم ،وانتسب إلى رّبك .و كان حال هذا اإلمام
مثل حالي سواء ،لم يكن ألحد مّمن لقيه عليه يد في طريق اهلل إال اهلل.
هكذا نقل لي الثقة عندي عنه ،وأخبرني بذلك عن نفسه عند اجتماعي
به في مشهد برزخي اجتمعت به فيه .فلله الحمد واملنة على ذلك[.
فإن قيل :ما هو الذكر املختار عند الشيخ في الخلوة وفي الجلوة
للسلوك ؟ فالجواب :من النصوص الكثيرة للشيخ في هذا املوضوع،
يظهر أن أشرف األذكار عنده وأسرعها فتحا وأوسعها وأعالها تحققا
هو اسم الجاللة األعظم )اهلل( ،فهو الدال على الذات العلية ،وهو اسم
مرتبة األلوهية الجامعة لكل املراتب ،ومنه تستمد حضرات كل األسماء
الحسنى .وأهل هذا االسم املفرد هم أعمدة الوجود .فإذا مات آخرهم،
تمور السماء مورا ،وتقوم الساعة لقول النبي -صلى اهلل عليه وسلم-
جِه األرض َ
مْن عُة وعلى َو ْ سا َ ال تَُقوم ال َ فيما رواه مسلم في صحيحهَ >> :
َيقول ":اهلل اهلل"<< .فالهدف من الخلوة ترويض النفس على دوام ذكره
ك َوتَبَتَّْل إَِلْيِه تَبِْتيًال ) ﴾ (8اآلية 8
سَم َرِّب َ
امتثاال لقوله تعالى َ﴿ :واْذُكِر ا ْ
مل – لُيصبح الوجود كله خلوة )األبواب .(II:150-154/81-80-79-78 املز ّ
يقول ابن سودكني في كتابه "وسائل السائل" ] :سألته رضي اهلل عنه
عن تحرير مقصد الخلوة واملعتزل عن الناس .فقال رضي اهلل عنه:
يقصد تهيئته املحل ملا يجب عليه للربوبية وقطع العالئق .متى حصل
ذلك استغنى عن الخلوة ،وصارت خلوته وجلوته كما أنشد قائلهم:
يا مؤنسي بالليل إن هجع الورى ومحـّدثي من بينــهم بنهار
ن أنسه و قد أجمعوا على أنّه من وجد األنس باهلل تعالى في الخلوة ،فإ ّ
بالخلوة ال باهلل[.
فالخلوة إحدى روافد السلوك .و الهدف من السلوك هو التحقق
بقاعدة " من عرفه نفسه عرف رّبه" .وبمقدار معرفة العبد برّبه يعبده
صص الشيخ لهذه املعرفة مكتوبات كثيرة من أهمها حق عبادته .وقد خ ّ
الباب 177من الفتوحات حيث يقول ] :املعرفة في طريقنا عندنا مل ّا
نظرنا في ذلك ،فوجدناها منحصرة في العلم بسبعة أشياء ،وهو
الطريق الذي سلكت عليه الخاصة من عباد اهلل :الواحد علم الحقائق
وهو العلم باألسماء اإللهية ،الثاني العلم بتجلي الحق في األشياء،
الثالث العلم بخطاب الحق عباده املكلفني بألسنة الشرائع ،الرابع علم
الكمال والنقص في الوجود ،الخامس علم اإلنسان نفسه من جهة
حقائقه ،السادس علم الخيال وعامله املتصل واملنفصل ،والسابع علم
صل الشيخ هذه السبعة تفصيال بديعا لم يسبق األدوية و العلل[ .ثّم ف ّ
إليه.
وللشيخ تصانيف كثيرة في الخـلوة والسـلوك وآدابه ومراحـله .وله
كتاب)الخلوة املطلقة( الذي يقول عنه ) :الباب ...] :(I:391/69للجمع
بني العبادتني الظاهرة في حسك والباطنة في عقلك ،فتكون من أهل
الجمع والوجود .فإنّك إذا طلبت الطريق إلى اهلل من حيث ما شرعه اهلل،
كان الحق الذي هو املشرع غايتك .و إذا طلبته من حيث ما تعطيه نفسك
من الصفاء وااللتحاق بعاملها من التنزه عن الحكم الطبيعي عليها ،كان
غايتها االلتحاق بالعالم الروحاني خاصة ،ومن هناك تنشأ لها شرائع
األرواح تسلك عليها وبها ،حتى يكون الحق غايتها .هذا إن فسح اهلل له
في األجل ،و إن مات فلن يدرك ذلك أبدا .وقد أفردنا لهذه الطريقة خلوة
مطلقة غير مقيدة في جزء يعمل عليها املومن فيزيد إيمانا ،ويعمل بها
عليها غير املومن من كافر ومعطل ومشرك ومنافق ،فإذا وفّى العمل
عليها وبها كما شرطناه وقررناه ،فإنّه يحصل له من العلم بما هو األمر
عليه في نفسه ،ويكون ذلك سبب إيمانه بوجود اهلل إن كان معطال،
وبتوحيد اهلل إن كان مشركا ،وبحصول إيمانه إن كان كافرا ،وبإخالصه
إن كان منافقا أو مرتابا .فمن دخل تلك الخلوة وعمل بتلك الشرائط كما
قررنا ،أثمرت له ما ذكرنا ،وما سبقني إليها أحد في علمي ،إال إن كان
ن اهلل ال تحجير عليه ،يؤتى الحكمة من يشاء .فإنّي ي ،فإ ّ
وما وصل إل ّ
ن أحدا من أهل الطريق ما يجهلها إن كان صاحب كشف تام، أعلم أ ّ
ولكن ما ذكروها،وال رأيت أحدا منهم نبّه عليها إال الخلوات املقيدة،
ولوال ما سألني عنها أخونا وولينا أبو العباس أحمد بن ميمون بن آب
التوزري ثم املصري املعروف بالقسطالني املجاور اآلن بمكة ما خطر
لنا اإلبانة عنها[.
وهكذا كانت خلوة الشيخ األولى وهو صبي منطلقا ملعارج عرفانية ال
متناهية ،تحقق فيها بأسرار القرآن في اآلفاق واألنفس .ولهذا نجده في
األبيات التي افتتح بها الباب 22من الفتوحات الذي صنف فيه سور
القرآن حسب فواتحها إلى 19صنفا يشـير إلى سـريان منازل املعراج
في منازل القرآن فيقول:
إ ّ
ن املنازل في املنــازل ساريه ]عجبا ألقوال العقـــول الساميه
إال بقهر الحـضرة املتــعاليه[ كيف العروج من الحضيض إلى العلى
صل فيها كيفيات مختلفة ومتكاملة لهذه وكثيرة هي كتب الشيخ التي ف ّ
املعارج التي يمكن تصنيفها إلى ثمانية وهي:
أوال :املعراج اآلفاقي عبر مراتب الكون ،انطالقا من التراب األرضي
والعناصر الحسية ،ومرورا بالسماوات واألفالك والكرسي والعرش،
وانتهاء بالقلم األعلى والنون .ومراتب الكون في هذا املعراج تظهر
صص الشيخ له ق املنشور لآلفاق .وخ ّ كآيات الفرقان املسطورة في الر ّ
كتبا كثيرة لبيان بعض مراتبه أو مجموعها ،منها:
كتاب اإلسرا أّلفه عام 594هـ .بفاس ،ورسالة األنوار فيما ُيمنح
صاحب الخلوة من األسرار ،ألفها عام 602هـ .بقونية ،وكتاب عقلة
املستوفز ،ورسالة االتحاد الكوني ،وأبواب من الفتوحات أهمها:
167/198/367/371ومنها أيضا/4/6:
...7/8/11/13/60/61/62/63/64/65/295/307ورسائل أخرى كثيرة منها:
العرش – الكرسي – الهباء – الدرة البيضاء – والدرة الخضراء – العالم
– مآل العالم – الجنة – النكاح الساري – البرزخ – البروج – الزمان –
الديمومية – أيام الشأن – األزل – الحركة...
ثانيا :املعراج النْفسي الذاتي عبر أحوال ومقامات النفس والقلب
والروح والسّر ،حيث تظهر مراحله ومدارجه ومعارفه كسور وآيات
التنزيل املرقومة في اللوح املحفوظ ،واملتنزلة إلى لوح النفس .ومن
كتب الشيخ حول هذا املعراج :أبواب الفصلني الثاني والثالث من
الفتوحات ،وهي 196بابا ،وكتاب مواقع النجوم ،وكتاب وجوه القلب،
وكتاب مناهج االرتقاء الذي ذكر فيه ثالثة آالف منزل للسالكني
)الباب ،(II:280/267ورسائل أخرى كثيرة.
ثالثا :معراج املضاهاة بني اإلنسان واألكوان ،أي املناسبة واملقابلة بني
اإلنسان الجامع املخلوق في أحسن تقويم ،ومراتب الوجود ،وفيه
تنطوي آيات اآلفاق في ذات السالك .فصّـل الشيـخ ذلك في )التدبيرات
مغرب( ،وأبواب من ) مواقع النجوم( ،و) نشأة اإللهية( ،و )عنقاء ُ
الحق( ،و) اإلنسان الكامل( ،و)االسم األعظم( ،و ) مراتب علوم الوهب(،
وأبواب من الفتوحات .6/308/360/361/362/375 :و من هذه املضاهاة
قوله ) الباب ] :(II:16/73فما من أمر محصور في العالم في عدد ،إال
وهلل رجال بعدده في كل زمان ،يحفظ اهلل بهم ذلك األمر[ .وقوله )الباب
ن اهلل أودع العالم كله في األفالك ،وجعل اإلنسان ...] :(I:157/15إ ّ
مجموع رقائق العالم كله ) (...فما من شيء في العالم إال وله أثر في
اإلنسان ولإلنسان أثر فيه [.
رابعا :املعراج امليراثي عبر حضرات األنبياء والكـّمل ،ليأخذ السالك
إرثه منهم حسـب استعداده )الباب .(III: 208/349ونجده في كتاب
) العبادلة( ،وكتـاب )اإلسفار عن نتائج األسفار( ،وكتاب )فصوص
الحكم( ،وأبواب متفرقة من الفتوحات ،خصوصا أبواب الفصل األّول و
الباب الطويل الرائع73 :؛ وغاية هذا املعراج هي تشكيل ذات السالك
بروح القرآن في مرآة الذات املحمدية الكاملة ،وهو ما عبّر عنه الشيخ
بقوله )الباب ...] :(III:251-252/355فال تطلب مشاهدة الحق إال في
مرآة نبيك – صلى اهلل عليه وسلم ، -واحذر أن تشهده في مرآتك ،أو
تشهد النبي وما تجلى في مرآته من الحق في مرآتك ،فإنه ينزل بك
ذلك عن الدرجة العالية ،فالزم االقتداء واالتباع ،وال تطأ مكانا ال ترى فيه
قدم نبيك ،وضع قدمك على قدمه إن أردت أن تكون من أهل الدرجات
العلى ،والشهود الكامل في املكانة الزلفى .وقد أبلغت لك النصيحة ما
أمرت.[...
خامسا :املعراج عبر مراتب الحروف وأعدادها ،بأصنافها الثالثة:
الخيالية واللفظية والرقيمة .وكل حرف مفتاح ملحيط ال ساحل له من
أسرار العلوم .فالتراكيب الوجودية واإلنسانية والقرآنية مؤسسة عند
الشيخ على أسرار الحروف واألعداد حتى أنّه يقول )البابII:/131
] :(215فالعدد حكمه مقّدم على حكم كل حاكم[ .ويقول )البابII:/198
] :(440فاملنازل مقادير التقاسيم التي في فلك البروج ) (...جعلها
ثماني وعشرون منزلة من أجل حروف النَفَس الرحماني .و إنّما قلنا
ن الناس يتخيلون أن الحروف الثمانية والعشرين من املنازل حكم ذلك أل ّ
هذا العدد لها .و عندنا بالعكس بل عن هذه الحروف كان حكم عدد
املنازل[ .وللشيخ كتب عديدة في أسرار الحروف واألعداد ،منها كتاب
)الباء( ،وكتاب )الهاء( ،وكتاب )الياء( ،وكتاب ) األلف( ،وكتاب )امليم
والواو والـنون( ،وكتاب ) العمل بالحروف( ،وكتاب ) أسرار الحروف
القرآنية( ،و)العقد املنظوم في علم الحروف( ،وكتاب ) األفراد واألعداد(،
سور ،وكتاب وقصائد ورسائل حول األحرف املقطعة في أوائل ال ّ
) املبادي والغايات( ،والباب الثاني من ) الفتوحات( ،وفيه يقول عن
أحد مشاهد هذا املعراج خالل جوالنه حول فاتحة سورة البقرة) :الم(:
] ...فقد تجلت لنا فيه أمور جسام مهولة ،رمينا الكراسة من أيدينا عند
ف عنّا ذلك ،[...وفيه يقول أيضا] :إ ّ
ن تجليها ،وفررنا إلى العالم ،حتى خ ّ
فصول حروف املعجم تزيد على أكثر من خمسمائة فصل ،وفي كل فصل
مراتب كثيرة ،فتركنا الكالم عنها حتى نستوفيه في كتاب املبادي
والغايات إن شاء اهلل [ .و قد بلغ الشيخ غاية لم يسبق إليها في
الرسوخ في علم أسرار الحروف .وكان يفاوض أهل هذا العلم ،لكنه لم
يهتم به من حيث تصريفاته الكونية ،بل من حيث دالالته على الحقائق
اإللهية .يقول في الباب 26من ) الفتوحات( )الباب:(I:190-191/26
]...ولوال أنّي آليت عقدا أن ال يظهر منّي أثر عن حرف ،ألريتهم من ذلك
ن السالمة منه عزيزة. عجبا ) (...و هو علم شريف في نفسه ،إال أ ّ
فاألولى ترك طلبه ،فإنّه من العلم الذي اختص اهلل به أولياءه على
الجملة ،و إن كان عند بعض الناس منه قليل ،ولكن من غير الطريق
الذي يناله الصالحون .ولهذا يشقى به من هو عنده ،وال يسعد .فاهلل
يجعلنا من العلماء باهلل[.
سادسا :املعراج عبر حضرات األسماء الحسنى تعلقا وتخلقا وتحققا.
واألسماء الحسنى عند الشيخ هي مفاتيح الغيب ،وأمهات آيات القرآن
صل ذلك في كتاب ) إنشـاء مهات آيات اآلفاق واألنفس .ف ّ التي هي أ ّ
الـدوائر( ،والكتاب الكبير) شرح أسماء اهلل الحسنى( ،وكتـاب )كشف
املعنى عن سّر أسماء اهلل الحسنى( ،والـباب الكـبير الرائـع 558من
)الفتوحات( ،والباب 177من الفتوحات ،وكتاب )اإلشارات في األسماء
سم الثاني اإللهية والكنايات( ،وكتاب ) االسم والنعت والوصف( ،والَق َ
من كتاب )العبادلة( ،وكتاب ) القسم اإللهي( -بفتح السين ،-وكتاب
) الجاللة( ،وكتاب )األحدية( .و قد ذكر الشيخ أحيانا طرفا من أذواقه
في التعلق والتحقق والتخلق باألسماء الحسنى .فهو مثال يقول في
حضرة االسم )املؤمن( )الباب:(IV:204/558
]ومن هذه الحضرات عبد املؤمن ،وتحققت بهذه العبودية بعد دخولي
هذه الطريق سنة أو سنتني ،تحققا لم ينله في علمي أحد في زماني
ي فيه أحد ما ابتليت فيه ،فقطعته بحيث أنه ما فاتني غيري ،وال اْبتُل َ
منه شيء ،وصفا لي الجو ،ولم يحل بيني وبني خبر السماء.[.
وعن حضرة االسم )املعز( يقول)الباب:(IV:206/558
] هذه الحضرة الداخل فيها يدعى في املأل األعلى ":عبد العزيز" ،لم
أذق في كل ما دخلته من الحضرات ذوقا ألذ منه وال أوقع في القلب [.
وبعكس )املعز ( يقول في حضرة االسم )القهار( )الباب:(IV:215/258
] أكبر العلماء من ال يكون له حظ في حضرة القهر ،فال يكون له اسم
"عبد القهار" وال "عبد القاهر" ،وهو العارف املكمل املعتنى به ،بل هو
املعصوم .وما تجلى لي الحق -بحمد اهلل -من نفسي في هذا االسم،
و إنما رأيته من مرآة غيري ،ألن اهلل عصمني منه في حال االختيار
واالضطرار ،فلم أنازع قط ،وكل مخالفة تبدو مني ملنازع فهي تعليم ال
نزاع ،فإني ما ذقت في نفسي القهر اإللهي قط ،وال كان له من هذه
ي حكم ،فإن النزاع رياسة وسلطنة[.و في كالمه عن هذا الحضرة ف َّ
االسم في كتابه النفيس»كشف املعنى عن سر أسماء اهلل الحسنى«
يقول ] :التعلق )بالقهار( :افتقارك إليه في النصرة والتأييد .والتحقق
بهذا االسم في مقابلة ما خلق اهلل في خلقه من الدعاوي في الربوبية .و
التخلق :ملا ُكلف العبد ردع شهواته وأعدائه باالستيالء عليهم ،فردعهم
ح له نصيب من هذا االسم ،وهو الذي يكثر وأسرهم وظهر عليهم ،ص ّ
منه القهر في مقابلة املنازعني[.
ويتكلم كذلك عن حضرة اللطف فيقول)الباب ]:(IV:239/558نلت منها
خُلقي الحظ الوافر ،بحيث أني لم أجد أحدا فيمن رأيت وضع قدمه في ُ
فيها بحيث وضعت ،إال أن كان وما رأيته ،لكني أقول :إنه إن كان ثّم
فغايته أن يكون معي في درجتي فيها ،وأما أن يكون أتّم فما أظن ،وال
أقطع على اهلل تعالى ،فأسراره ال تُحد وعطاياه ال تُعّد[.
سابعا :املعراج القرآني عبر منازل القرآن ،سوره وآياته وكلماته
وحروفه وأعدادها .وهو معراج الجمع القرآني والوجود الفرقاني .وهو
صه ال نهاية لها .يقول جامع للمعارج الستة السابقة مع زيادات تخ ّ
ما علم الجمع والتفرقة ،فهو البحر الشيخ عنه )الباب ]:(II:40/73وأ ّ
املحيط الذي اللوح املحفوظ جزء منه ،ومنه يستفيد العقل األّول،
وجميع املإل األعلى منه يستمدون ،وما ناله أحد من األمم سوى أولياء
هذه األمة ،وتتنوع تجلياته في صدورهم على ستة آالف نوع ومئني.
صل جميع هذه األنواع كأبي يزيد البسطامي، فمن األولياء من ح ّ
وسهل بن عبد اهلل .ومنهم من حصل بعضها .وقد كان لألولياء في سائر
األمم من هذه العلوم نفثات روع في روع ،وما كمل إال لهذه األمة
تشريفا لهم وعناية بهم ،ملكانة نبيهم سيدنا محمد – صلى اهلل عليه
وسلم .[-فقوله إن تجلياته على ستة آالف نوع ومئني يعني به آيات
القرآن .وكل كتب الشيخ تستمّد منها وشروح لها.
ثامنا وأخيرا :معراج الكمال األحمدي في ديمومة العبودية ،وهو
معراج الصالة الدائمة .وهو األكبر الجامع للمعارج السابقة ،وفيه قرة
ب ) ﴾ (19آية 19العلق.- جْد َواْقتَِر ْ
س ُ
عني اإلنسان الكامل املخاطب بـَ ﴿ :وا ْ
وخصص الشيخ له كتاب ) التنزالت املوصلية( ،والباب 69من
) الفتوحات( .و للعبادات األخرى األبواب ،68/70/71/72وبعض
أجوبته على أسئلة الترمذي:
)(5/6/7/8/9/10/11/12/99/100/109/110/111/112/128/147/148/149/154
.وتتفاوت حظوظ كّمل األولياء حسب تحققهم بحقائق هذا املعراج في
الصالة األحمدية الدائمة التي روحها فاتحة الكتاب ،وفيها تتحق أكمل
رؤية وأشرفها ،وهي التي يقول الشيخ عنها )الباب...] (IV:38/425
فالحق ال يراه غير نفسه من حيث هويته ...كان الحق بهويته بصرا لهذا
العبد .فإذا رآه بهذا الحال يكون مّمن رأى الحق بالحق واملرئي به حق.
وهذه أكمل رؤية تكون حيث كانت [ .ويقول عنها أيضا )البابIV:/558
] :(203رؤية الحق بالرؤية املحمدية في الصورة املحمدية فإنّها أتّم
رؤية وأصدقها [ .تلك هي غاية هذا املعراج تحقيقا لقوله تعالى ﴿ :إِ َّ
ن
هلل ﴾ آية 10الفتح – وقوله صلى اهلل
ن ا ََّ اَّلِذيَن ُيبَاِيُعونَ َ
ك إِنََّما ُيبَاِيُعو َ
عليه وسلم >>:من رآني فقد رأى الحق<<) .رواه أحمد والبخاري
خُلقه القرآن ،فصورته أكمل مجلى ن ُوالترمذي وكلهم عن أبي قتادة( ،أل ّ
للحق تعالى.
ولقي الشيخ الخضر مرة أخرى عام590هـ ،وعمره ثالثون سنة ،وهو
في مركب بمرسى تونس ،حيث جاءه الخضر وهو يمشي على سطح
البحر بدون أن يصيبه بلل ،وتحاورا معا.
من وصَفه بأنه " ولقيه بعد ذلك بمسجد في ساحل البحر املحيط مع َ
رجل كبير القدر أكبر منه منزلة" ،فرّبما يكون هذا الرجل هو اإلمام
الوزير الثاني للقطب الذي قال عنه الشيخ إنّه عاينه في بعض
سياحاته وأنّه يرّبي األفراد )الباب .(II: 572/270وكان مع الشيخ رجل
ينكر خرق العوائد ،فأشهده خضر إحداها قال الشيخ عنها ] :و إذا
بذلك الرجل الذي قلت إنّه الخضر قد أخذ حصيرا صغيرا كان في
محراب املسجد ،فبسطه في الهواء على قدر علو سبعة أذرع من
األرض ،ووقف على حصير في الهواء يتنفل ) (...فلما فرغ من صالته
سلمت عليه وأنشدته لنفسي:
خرهب من خلق الهواء وس ّ ب عن الهواء بسره في ح ّ شغل املحـ ّ
عن كل كـون ترتضيه مطّهرة العـارفون عقـولهم معقــولة
فهموا لديه مكّرمون وفي الورى أحـوالهم مجـهولة ومسـتره
ت ما رأيت إال في حق هذا املنكر ) (...فرددت فقال لي :يا فالن ،ما فعل ُ
وجهي إلى املنكر وقلت له :ما تقول ؟ فقال :ما بعد العني ما يقال[.
ومن تمكنه في هذا امليراث األنبيائي ،قال عنه تلميذه صدر الّدين
ما الشيخ رضي اهلل القونوي )ت:هـ (673في شرحه لألربعني حديثا ] :وأ ّ
عنه ،فإنّه كان متمكنا من االجتماع بروح من شاء من األنبياء واألولياء
وسائر املاضني على ثالثة أنحاء :إن شاء استنزل روحانيته في هذا
العالم وأدركه متجسدا في صورة مثالية شبيهة بصورته الحسية
العنصرية التي كانت له في حياته الدنيوية ال يخرم منها شيئا؛ و إن
شاء أحضره في نومه؛ و إن شاء انسلخ من هيكله ،واجتمع به حيث
تعينت مرتبة نفسه ) (...وهذا الحال الذي ذكرته من تمكن شيخنا -
رضي اهلل عنه -هو من آيات صحة الورث النبوي .و إليه اإلشارة بقوله
تعالى):واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا (اآلية .فلو لم يكن متمكنا
ح الشيخ من االجتماع بهم ،لم يكن لهذا الخطاب فائدة[ .و قد صر ّ
نفسه نيله هذا املقام ،في قوله) :الباب] :(I:755/72وكنا رأينا منهم
جماعة متجسدين من األنبياء واملالئكة والصالحني من الصحابة
وغيرهم[.
وقد ذكر الشيخ في فصول من كتابه ) التجليات( ،نماذج من حواره في
مسائل التوحيد مع بعض أرواح الصحابة وكبار الشيوخ السابقني،
منهم أبو بكر وعمر وعلي رضي اهلل عنهم ،والجنيد وسهل التستري
واملرتعش وابن عطاء والحالج والشبلي رحمهم اهلل ،وأشار إلى ترقي
هؤالء الشيوخ في العلم باهلل تعالى إثر اجتماعهم وحوارهم البرزخي
معه .وقد ذكر تلميذه ابن سودكني في تعليقاته على )التجليات( ،جواب
الشيخ له ملا سأله عن كيفية اجتماعهم به وهو قوله:
] والذي ذكرناه في كتاب )التجليات( مّما جرى بيننا وبني أسرار القوم،
إنّما كان في حضرة حّقية ومشاهدة قدسية تجرد فيها سر ّ
ي وسّر من
كوشفت به في حضرة الحق التي ال تقبل إال مجرد التحقيق و الصدق.
و لو قدرنا اجتماعنا معهم في عالم الحس باألجساد ،ملا نقص األمر
عما أخبرت به عنهم وال زاد .و املعاملة يا ولدي مع " القائم على كل
نفس بما كسبت " فيما ُيعمل أو يقال .وهو – سبحانه – عند لسان كل
عَدل أو مال[.
قائلَ ،
في بداية عام 593هـ ،قدم الشيخ إلى فاس مع شقيقتيه وأهله .وزّوج
شقيقتيه ،وكانت شهرته في أوساط األولياء ،و العلماء واألمراء قد
ظهرت .فلم يكد ينزل منزله حتى أقبلوا نحوه .يظهر ذلك في ترجمته
ألحد كبار أولياء فاس ،اسمه عبد اهلل ابن جعدون الحناوي .كان من
طبقة األوتاد األربعة ،الذين يأتون في الترتيب مباشرة تحت دائرة
القطب واإلمامني .لكل وتد جهة تخصه من الجهات األربع ،وركن معّني
من األركان الطبيعية األربعة ،وسورة خاصة هي منزله ،واسم إلهي
يستمد منه من األسماء األوتاد األربعة التي هي :الحي ،العليم ،املريد
القدير) ،حول األوتاد ينظر في الفتوحات الباب /I:160 -16الباب I:-73
/5-7الباب(III:521-383
وتمنى الشيخ أن يكون كالحناوي مغمورا ،فقال في إحدى غرر قصائده
)د:(311:
ك مستورا إلى آخر الّدهر بأن ي ُ ي أن تجـود لعبـدكم
سألتك رب ّ
إماما فلم يبرح مـن اهلل في ستر كمثل ابن جعدون وقد كان سّيدا
على سـنة الحناوي سنّتنا سألتك رّبي عصـمة السـتر إنّه
تجري
لكّن اهلل تعالى أظهره ،ألنّه سبق في عمله أن ُيؤهل الشيخ لوظيفة
أعظم من وظيفة األوتاد واألقطاب ،وهي ختمية الوالية املحّمدية،
و إحياء الّدين املحمدي و تجديده في القرن السابع ،وتدوين علوم
القوم ،وأسرار املعرفة في كتب ينهل من تسنيمها أهل اهلل إلى يوم
ن الحق أمره بالظهور لنصح العباد، القيامة .وقد أفصح الشيخ بأ ّ
فيقول مثال في أّول كتابه )روح القدس(:
] من العبد الضعيف الناصح الشفيق املأمور بالنصح إلخوانه،
املشدّد عليه في ذلك دون أهل زمانه[ .ويقول فيه أيضا واصفا حاال
عرض له في مكة ...]:فعزمت على قطع امليعاد وأن ال أقعد للناس ،فأمرت
بالقعود والنصيحة للخلق قسرا وحتما واجبا [.
وفي هذه السنة 593هـ ،اجتمع الشيخ في فاس أيضا بقطب زمانه
الذي ُيحتمل أن يكون من أصحاب أبي مدين ،سّماه في )الدرة الفاخرة(
باألشل القبائلي ،فقال عنه] :كان كثيرا ما يزورنا ،فال يتكلم إال على
القرآن[ .وذكر قصته معه فقال )الباب:(462IV/:76
] اجتمعت بقطب الزمان سنة593هـ .بمدينة فاس .أطلعني اهلل عليه
في واقعة وعرفني به ،فاجتمعنا يوما ببستان ابن حيون بمدينة فاس،
وهو في الجماعة ال يؤبه له .فحضر في الجماعة ،وكان غريبا من أهل
بجاية ،أشل اليد .و كان في املجلس معنا شيوخ من أهل اهلل ،معتبرون
صار ) (I:233/III:34وأمثاله .و في طريق اهلل ،منهم أبو العباس الح ّ
كانت تلك الجماعة بأسرها إذا حضروا يتأدبون معنا ،فال يكون املجلس
إال لنا ،وال يتكلم أحد في علم الطريق فيهم غيري .و إن تكلموا فيما
ي .فوقع ذكر األقطاب وهو في الجماعة .فقلت بينهم ،رجعوا فيها إل ّ
لهم :يا إخواني ،إني أذكر لكم في قطب زمانكم عجبا .فالتفت إلي ذلك
الرجل الذي أراني اهلل في منامي أنّه قطب الوقت ،وكان يختلف إلينا
سِّم الشخص الذي كثيرا ويحبّنا ،فقال لي :قل ما أطلعك اهلل عليه ،وال تُ َ
عّني لك في الواقعة؛ وتبسم وقال الحمد هلل .فأخذت أذكر للجماعة ما
أطلعني اهلل عليه من أمر ذلك الرجل .فتعجب السامعون ،وما سميته وال
عّينته ،وبقينا في أطيب مجلس مع أكرم إخوان إلى العصر ،وال ذكرت
للرجل أنّه هو .فلما انفضت الجماعة جاء ذلك القطب وقال :جزاك اهلل
خيرا ،ما أحسن ما فعلت ،حيث لم تسّم الشخص الذي أطلعك اهلل عليه،
والسالم عليك ورحمة اهلل .فكان سالم وداع ،وال علم لي بذلك .فما رأيته
بعد ذلك في املدينة إلى اآلن[.
و قد ألف الشيخ كتابا عنوانه" :منزل القطب واإلمامني" ،مرجعه
إلى املعوذتني .وأشار فيه إلى تحققه الذوقي والعرفاني بمقام القطب
في فاس ،فذكر اجتماعه بقطب زمانه في مشهد عيني فقال ] :كنت
ببالد املغرب في مدينة فاس ) (...و إذا بالقطب واقف فتبسم ) (...فقال:
اكتب عني ما يبدو لك ،فما زلت انظر إليه ،واألسرار ترد علينا ،وما
يريده القطب ماثل بني يدينا ،فأنشدته عنه في ذلك املشهد العيني و
سر الرّبي ،فكأني بلسانه أتكلم وعن ضميره أترجم ،حتّى أتيت على ال ّ
آخر النظم ،فأمرني بالكتم ،فكتبت الكتاب ،وسارت به الهّمة على براق
الصدق ،إلى أن حطت باألحباب ،فعرفوا مقدارهم[.
ن الشيخ نظم حينئذ إحدى أجمل قصائده التي أودعها هذا الكتاب وكأ ّ
"عنقاء مغرب" ،وهي في 36بيتا وعنوانها" :حكمة تعليم من عالم
حكيم" ،وفيها يقول:
األنباء
و ي T T Tكون ه T T Tذا ال T T Tسيد ج T T T T Tردت T T T T Tه م T T T T Tن دورة
العلم الذي الخلفاء
و ج T T T T TعTلTتTه األص T T T T Tل مT T Tا بT T Tني طT T Tينة خT T Tلقـه
الكريـــم وآدم واملاء
ونT Tقلته حT Tتى اسT Tتدار وع T T Tطفت آخ T T Tره ع T T Tلى
زمانه اإلبداء
وأقT T T Tمته عT T T Tبدا ذلT T T Tيال ده T Tرا ي T Tناج T Tيكم ب T Tغار
خاضعا حراء
ح Tتى أت Tاه مبش Tرا م Tن جT T TبريT T Tل املT T Tخصوص
عندكم باألنباء
قTال السTالم عTليك أنTت س T T Tر ال T T Tعباد وخ T T Tات T T Tم
محمد النباء
صT TدقT Tا نT Tطقت ،فT TأنT Tت
ظل ردائي
ف T T Tلقد وه T T Tبت ح T T Tقائق
األشياء
لفؤادك امل T T Tحفوظ ف T T Tي
الظلماء
يT TأتT Tيك مT TملوكT Tا بT Tغير
شراء
ثTم شTرعTت فTي الTكالم ،بTلسان الTعالم ،فTقلت -وأشTرت إلTيه -صTلى اهلل
ل:دي :ح Tقا أق Tول؟
ساTي
عليه وسلم .[-ثم ذكر الخطبة الرائعة كاملة ،إلى أي Tان ق
فقال لي:
ح ،Tمودال يه Tا ساعحاTل Tمودق Tوتزإدي Tف Tراد ] ث Tم أظه Tرت أس Tرارا ،و ق Tصصت أخ Tبارا ،ال ي Tف T
سهمTداهيعها ،خTوفTا ىكرأجا يTعرف أكTثر الخTلق إيTجادهTا ،فTتركTتها مTوقTوفTة عTلرب
ند شT T TعأTب م Tن وض Tع ال Tحكمة ف Tي غ Tير م Tوض Tعها[ .ث Tم ت Tوج Tهو ام TنT T Tخثارط TلT T Tباناال TمT T Tشنيخ
ى األخ Tالق ع Tلدد ال Tعزي Tز امله Tدوي ،منش Tدا ق Tصيدة غ Tراء ف Tي 117ب Tريبتاك،عم Tال اىنج
حتقرمقT T TذT Tايئ T T Tف TTمي اإلل Tهية ال Tوارد ف Tيها الح Tدي Tث ال Tنبوي ال Tذي ج Tعلهم T TاT Tل Tنحك TكT T Tيمل ال T
بحقيقة
كTتابTه " خTاتTم األولTياء" السؤال الTثامTن واألربTعني مTن بTني أسTئلته التي
عTددهTا ،157وأجTاب عTنها الTشيخ فTي الTباب 73مTن الTفتوحTات ،وهTو ] :إن
هلل مائة وسبعة عشر خلقا ،ما تلك األخالق؟[.
واف Tتتح الTشيخ الTقصيدة ب Tوص Tف مشه Tد ل Tه ف Tي الTطواف ح Tول الTكعبة ،
رأى فيه األب األول وهو يطوف برفقة جبريل -عليهما السالم -فقال:
مناِء صل ٌرتبة األ ُ َ سمي وح َّ ج ْ ِ حسنـــــــــاِء مل ّا انْتَهــى للكعبِة ال َ
ى وأ َث ْـبَـتَُه مَن الُعتَقــــــاِء صل َّ َ مقاِمهـــا ف وث َُّم ِعنَد َ سعى وطا َ و َ
مُل خاتَُم النُـبَـئَـــــاِء ذاَك امل ُؤ َّ بض واج ٌ من قال هذا الِفعُل َفر ٌ َ
َقـْلبي ،فكان لهم ِمَن القُـرناِء مــــا وَرأ َى ِبها امل َأل ُ الكريم وآَد َ
مـــاِء سيَْعِة أ َكَرَم الُكَر َ خَم الَّد ِ ض ْ َ وآلدم ٍ َولًدا تَـقيـَّـــا طـــاِئعــَـــــا
حَّلــة السوداِء وقد اختفىَ في ال ُ فت امل ُكَّرم ِ طائــ ٌ والُكُّل بالبَـيـ ِ
خيَــالِء خوةَ ال ُ خــتُــِر نَ ْ ذاَك التَّـبَ ْ ك في ُيرخي َذالِذَل ُبرِدِه ِليُريــ َ
مشِيِه الزُّمنـَــاِء ف َ يمشي بأضع ِ مقــَّدٌم وأبي على املألِ الكريم ِ ُ
جبَْرئيِـُل إزائ ِ
ي بو ِ ِفْعــل األِديْــ ِ ي أبيـــِه مطِّر ٌ
ق والعبُد بْني يد ْ
ى األبنَــــــــاِء ي ليُــوِرثهـــا إل َ ألب ِ مًة
خْد َ ك ِ س َ ي امل ََعالَِم وامل َنا ِ
ُيبْد ِ
وختم الشيخ هذه القصيدة الرائعة بإشارات إلى ما خصه اهلل به من مقامات،
تحدثا بنعمة ربه عليه:
ي
ضــــيَاء ذكَـائ ِ ي وال ِّ والنور بَدر ِ فاهلل أكبـــــر والكبيــــر ِردائــــــ ِ
ي
و تَنــــــائ ِ
ي والبُعــُد ُقربـــِـي والُّدنـ ُّ مشرق ِ
ي ب َ ي وامل َ َ
غار ُ غرب ِ ق َ شر ُ وال ّ
جِديِْد إِمــــَـــــائ ِ
ي ق ال َ خل ِق ال َ حقاِئ ُ و َ جنَـــان شَهاَدت ِ
ي ي وال ِ غـيْبــ ِوالناُر َ
مرائـــــــ ِ
ي ي َ ق ِف َّ خل ِت ُكَّل ال َ أ َبصر ُ ت تنُّزهـًـــا في َروضتــ ِ
ي فإذا أرد ُ
خلِّـفٌُه يَكـــــون ورائـــــــــ ِ
ي أحد أ ُ َ ت أنا اإلماُم وليس لي و إذا انصرف ُ
إلنْـشَـاِء ي ول ِ ق امل ُنشــــــ ِ ِلحقـَــــاِئ ِ فالحمد هلل الذي أنــا جــــَـــــاِمـ ٌ
ع
حـــاِء ت مسالُكهَـا على الفص َ ضـاق ْ ¦ ِبَعجـــــاِئـب منِْبـ ٌ
ي ُ ض ِ هذا َقِريْ ِ
ن أيضــــــا إلى الَعذَْراِء شـُكـَر ْ وْلـنَـ ْ عبَْد العزيز إَلَهنـــا مِعي َ شُكْر َ فا ْ
ني َقضــــَـــــائ ِ
ي ع ُ
ولوالديك وأنـت َ شْرعا فإن اهلل قال اشُكر لنَـــــا
ثم ظهر شرح أحد تالميذ الجندي وهو العالمة الكبير عبد الرزاق
القاشاني )730هـ( ،وشرح تلميذه داوود القيصري )761هـ(،
والسمناني )736هـ( ،ثم شروح عبد الرحمن جامي )898هـ( ،وبالي
خليفة الصفوي )960هـ( ،ثم الشرح املمتاز لعبد الغني النابلسي
)1143هـ( ،وشرح ألبواب من الفصوص لألمير عبد القادر الجزائري
)1300هـ( ،وشرح محمد جعفر الشهاب الدمشقي )1300هـ( .واعتنى
بشرحه أيضا بعض علماء الشيعة مثل حيدر اآلملي )توفي في أواخر
القرن الثامن الهجري ( مؤلف )نص النصوص في شرح الفصوص(
وأخيرا اإلمام الخميني في تعليقاته على الفصوص.
ويبدو أن الشيخ قد كتب الفصوص بالتوازي ،أو في نفس الفترة
التي كتب فيها أحد أطول وأهم أبواب الفتوحات ،وهو الباب ،198وهو
في معرفة النفس – بفتح الفاء -املوضح بكيفية أصيلة مختلف مظاهر
ومراتب النفس الرحماني في مراتب الوجود الثمانية والعشرين ،
املناسبة لحروف النفس اإلنساني وملنازل الفلك ،ولألسماء الحسنى
املتوجهة على إيجادها.
وقد بينّا في كتاب لنا عنوانه ) :املفاتيح الوجودية والقرآنية
لفصوص الحكم( ،العالقة األصيلة الخفية بني هذا الكتاب – أي
ن ترتيب أنبياء فصوص الحكم – وذلك الباب 198من الفتوحات ،حيث أ ّ
أبواب الفصوص السبعة والعشرين ،مطابق ملراتب الوجود السبعة
صلها في ذلك الباب .كما أنها تتناسب وتستمد من والعشرين ،كما ف ّ
السور السبعة والعشرين األخيرة من القرآن ،أي من سورة الفجر إلى
سورة الناس والفاتحة .و بينا أن ثمة فص خفي موزع في عدة
فصوص معينة ،وهو الثامن والعشرون املخصوص بخاتم األولياء
املحمدي الذي له جمعية املراتب وسر حكمة ترتيبها .واالسم اإللهي
املناسب ملرتبته واملمد لها هو ):رفيع الدرجات ذو العرش( ،وله من
الحروف الحرف الجامع لألنفاس الرحمانية كلها ،ألنه غايتها التي
تنتهي إليه وتختم به ،وهو روح الرفعة لهاء الهوية التي هي في كل
شي¦ سارية ،وعن كل شي¦ مجردة وعارية ،وهو حرف الواو ،رمز
اإلنسان املحمدي الخاتم الكامل.
هذه الهوية التي شهدها الشيخ خالل واحدة من ألطف وقائعه
الروحية ،وهو يكتب الفصل السابع والعشرين من الباب 198املذكور،
املتعلق بسماء الدنبا وكوكبه القمر بمنازله الثمانية والعشرين ،فقال:
] وفي ليلة تقييدي لهذا الفصل ،وهي الليلة الرابعة من شهر ربيع
اآلخر سنة 627هـ ،املوافقة ليلة األربعاء ،الذي هو املوفي عشرين
شباط ،رأيت في الواقعة ظاهر الهوية اإللهية وباطنها شهودا محققا،
ما رأيتها قبل ذلك في مشهد من مشاهدنا ،فحصل لي من مشاهدة ذلك
من العلم واللذة واالبتهاج ما ال يعرفه إال من ذاقه .فما كان أحسنها من
واقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة ) (...فما رأيت وال علمت وال
تخيلت وال خطر على قلبي صورة ما رأيت في هذه الهوية ).[(...
كما بينا أن لبنية الفصوص تركيبات عددية ،في غاية اإلعجاز
العجيب ،الدالة على أنه ال يمكن أن يكون هذا الكتاب إال إلهاما ربانيا
يفوق كل تأليف من صنع بشري .وهذا الذي جعل مؤيد الدين الجندي
في شرحه لفص شيث ،خالل تعداده لدالئل ختمية الشيخ يقول:
] ومن ذلك إيراده – رضي اهلل عنه -ما أورده في الفصوص ،من ختميات
مقامات الكمال في النبوة من مشرب الخصوص ،ألرباب صفاء
الخلوص .وها هنا ال يستقصى ذكر الدالئل على ختميته في هذا
الكتاب[.
وفي مقدمة شرحه ،يقول الجندي أيضا عن الفصوص:
] ...بحتوي على كلمات أذواق الحضرات األسمائية ،وينطوي على
أمهات أسرار الحرم النبوية االصفائية ،وأنوار الحصص والنسب
األحدية الجمعية الكمالية .ويتضمن نصوص مشارب الكمل من
األنبياء واملرسلني ،وخصوص مآخذهم من التوحيد ومواجيد األفاضل
منهم والكاملني .وهو مخصوص ببيان ذوق كل نبي كامل من الخلفاء
اإللهيني ،ولكن من الورث املحمدي الختمي ومشرب خاتم النبيني ،على
التخصيص والتعيني ،ال من ورثة غيره من كمل األنبياء املذكورين )(...
ولهذا السر نهى الشيخ – رضي اهلل عنه -أن يجمع بني هذا الكتاب
وبني غيره من الكتب في جلد واحد ،سواء كان من مصنفاته أو مؤلفات
غيره من أفاضل أصحاب التحقيق ،وأماجد أرباب الطريق ،ألن مشرب
مقام النبوة وحماها ،يجل ويعلو ويعظم وينبو عما سواه[.
ولعلو مراقي حقائق الفصوص ،استعصى فهمها على الكثير من
علماء الرسوم ،فأنكروا على الشيخ أشد اإلنكار .وقد توقع هو نفسه ما
سيجلب عليه هذا الكتاب الفريد من ذلك ،فقال في قصيدة من ديوانه:
صادني من كان فكري صاده
صـابرا في كل سوء و أذى مالـه و اهلل عـنه من محيـص
صـرة أودعـت قلبي علمها في كيان من عـموم و خصوص
صبرت قهرا و عجزا و أبت في كـتاب و سمـته بالفصوص
صّيــرته واحـد في دهره ا غـيرة منـها عليه أن تـبوص
صـادفـت واهلل في غيرتها ثم رامت عنـه عّزا أن تـنوص
فلها النور الذي صـدقـتـها عني ما جاء به لفـظ النصوص
صلبـت في الدين فانـقاد لها مالـه في كونها ذاك الوبـيص
صلي القـلب اشتعـاال بعدما كل معنى هو في البحث عويص
صامـت النفس و صلت فلها كان ذا عـزم علـيه و حريص
ملعـان من سنـاها و وبـيص
الشيخ والشعر:
الشــعر بني محمود و مذموم لـذا أتى ربنا فيه بتقسيم
يهـيم فيه إليصال وتفهيم في كــل واد تراه جائال أبدا
فيه لقالوا به في كل منظوم لو يعلم الناس ما القرآن جاء به
) دي(140 :
مل ّا كان كتاب "عنقاء مغرب" يتضمن العديد من القصائد ،فقد سعينا
إليضاح وبيان مكانة الشعر عند الشيخ.
و)الوعاء املختوم عن السر املكتوم( هو عنوان القصيدة التي افتتح
الشيخ بها الكتاب ،كعادته في افتتاح العديد من كتبه ،والكثير من
أبوابها بقصائد أو أبيات من الشعر ،كما هو ظاهر في "الفتوحات
املكية" و "التنزالت املوصلية " وغيرها .وقد أوضح الشيخ عالقة
موضوع كل باب من الفتوحات مع الشعر الذي يأتي به فيه ،فقال عن
القصيدة التي افتتح بها الباب 293املتعلق بسورة الشمس ):(II:665
ن هذه القصيدة وكل قصيدة في أول كل باب ] اعلم أيدنا اهلل و إياك ،أ ّ
صال في نثر من هذا الكتاب ،ليس املقصود منها إجمال ما يأتي مف ّ
الباب والكالم عليه ،بل الشعر في نفسه من جملة شرح ذلك الباب ،فال
تكرار في الكالم الذي يأتي بعد الشعر .فلينظر الشعر في شرح الباب،
كما ينظر النثر من الكالم عليه .ففي الشعر من مسائل ذلك الباب ما
ليس في الكالم عليه بطريق النثر ،وهي مسائل مفردات تستقل كل
مسألة في الغالب بنفسها ،إال أن يكون بني املسألتني رابط فيطلب
بعضها بعضا[.
والقصيدة التي افتتح بها هذا الباب املتعلق بسورة الشمس تحتوى
على 56بيتا .بينما عدد كلمات السورة بال بسملة ،54ومع البسملة
،58فجاء عدد األبيات وسطا بينهما من حيث اعتبار البسملة كآية من
السورة أو عدم اعتبارها .والعدد 56هو ضعف العدد ،28أي عدد املنازل
الفلكية التي يقطعها القمر كما تقطع الشمس بروجها ،إشارة لفاتحة
ها ) .﴾(2واختار في تلك ها )َ (1واْلَقَمِر إَِذا تََال َ حا َض َس َو ُ شْم ِ السورةَ﴿ :وال َّ
القصيدة قافية )ها( ،إشارة إلى الحرف الذي تنتهي به آيات السورة.
فلكل كلمة عند الشيخ دالالت دقيقة .و حتى عدد أبيات القصيدة،
وأحيانا حتى عدد كلماتها وحروفها ،له دالالت .لكن هذا الجانب يدخل
ضمن الخفي من تلويحات الشيخ .فمثال نجده يفتتح الباب 69من
ن 17هو عدد الركعات الفتوحات الخاص بالصالة بـ 17 :بيتا ،أل ّ
املفروضة يوميا .ويفتح الباب 70الخاص بالزكاة بسبعة أبيات إشارة
مث َُل اَّلِذيَن
إلى بركة الزكاة املذكورة في اآلية 261من سورة البقرةَ ﴿ :
سنَاِبَل ِفي ُكِّلع َ
سب ْ َت َ حبٍَّة أ َنْبَتَ ْ
هلل َكَمث َِل َسِبيِل ا َِّ واَلُهْم ِفي َ ن أَ ْ
م َ ُينِْفُقو َ
علِيٌم ).﴾(261 ع َس ٌ هلل َوا ِ
شاُء َوا َُّ ف ِمل َْن َي َ ضاِع ُ سنْبَُلٍة ِمئ َُة َ
حبٍَّة َوا َُّ
هلل ُي َ ُ
فمن فتوح العبارة تدفق الشعر غزيرا فياضا من روح الشيخ على
لسانه ،فنظم أزيد من خمسني ألف بيت .وفي الفتوحات وحدها نحو
7100بيت .وله مجموعـات شعـرية مستقـلة كـديوان )ترجمان
األشواق( ،وجزء الزينبيات )الباب (III:119 /332وديوان ) :إنزال
الغيوب على سرائر القلوب(.
وتنسب له تائيتان في بضع مئات من األبيات ،واحدة منها تتألف من
حة نسبتهما له غير ثابتة .و 436بيتا ،وأخرى في ألف بيت ،ولكن ص ّ
قبل وفاته بنحو أربع سنوات ،جمع الشيخ جل أشعاره في ديوان
ضخم عنوانه ) :ديوان املعارف اإللهية واللطائف الروحانية في بعض
ما لنا من النظم( ،وجعل له مقدمة رائعة يذكر فيها سبب نظمه للشعر،
وبدأها بقوله:
) الحمد هلل الذي خلق االنسان ،وعلمه البيان ،وأنزل املقادير واألوزان،
وأبدع األرواح وخلق األبدان ،ورتب األمور في جميع األكوان ،على
أحسن نظام وأبدع إتقان ،عطف بآخره على أوله ،وألحق أبده في نفي
النهاية بأزله ،وجعله متجانس الصور ،متماثل السور ،فكأنه قريض
ي التوحيد ،ينطق بلسان التحميد ،فهو كلماته التي ال تنفد، على ُرو ّ
وسلطانه الذي ال يبعد ،جعل الوجود سبحانه كبيت الشعر في التركيب
والنظم ،وخصه بما خص به الشعر من الحكم ،فجعله قائما على
سببني ،محفوظا بوتدين :سبب خفيف وهو عالم األرواح ،وسبب ثقيل
وهو عالم األشباح ،ووتد مجموع وهو حال التركيب واإلنشاء ،ووتد
مفروق وهو حال تحلل األجزاء ،فمدار جميع الخالئق على هذه
الحقائق ) (...النظم هو الجوهر الثابت ،و النثر هو الفرع النابت ،ال
حقق هذا األمر، يظهر نثر إال في عالم الكون ،ال في حضرة العني ،و إذا ُ
فما ثم نثر؛ أليس الشعر عني املقادير واألوزان ؟ فانظر فيه تجده في
ال ٍبَقَدٍر ع اْملِيَزانَ ،و َ
ما نُنَِزُلُه إِ َّ وجود األعيان .أين أنت من قوله َوَو َ
ض َ
يٍء ِعنَْدُه ِبِمْقَدار ) (...وما منع النبي – صلى اهلل عليه مْعُلوم ٍَ ،وُكّل َ
ش ْ َ
وسلم -من الشعر لهوانه ،وال النحطاط مكانته ومكانه ،لكن ملا كان مبنيا
على اإلشارات و الرموز ،فإنه من الشعور ،واملطلوب من الرسول البيان
ما
للكافة بأوضح العبارات .لهذا لم يجيء به الرسول .فما قال تعالىَ :و َ
شْعَر إال ألجل قولهم إنه شاعر ،فأخبر اهلل تعالى أن الذي جاء عّلْمنَاُه ال َّ
به من عند اهلل وعلمه ،إنما هو ذكر وقرآن مبني ،ما هو شعر كما زعمتم،
وما في هذا ذم للشعر وال حمد ،و إنما جاء ليبني ما أرسل به ،فهو إنباء
وحقيقة.
و كان سبب تلفظي بالشعر ،أني رأيت في الواقعة ملكا جاءني
بقطعة نور بيضاء كأنها قطعة نور الشمس ،فقلت :ما هذا ؟ فقيل لي:
سورة الشعراء .فابتلعتها ،فأحسست بشعرة انبعثت من صدري إلى
حلقي إلى فمي حيوانا لها رأس ولسان و عينان وشفتان ،فامتدت من
فمي إلى أن ضربت برأسها األفقني ،أفق املشرق واملغرب ،ثم انقبضت
ورجعت إلى صدري .فعلمت أن كالمي يبلغ املشرق واملغرب ،ورجعت
إلى حسي وأنا أتلفظ بالشعر من غير روية وال فكرة .ومازال اإلمداد
علي هلم جرا .فألجل هذا املشهد األسنى ،قيدت ما تيسر على ذكري
في هذا الديوان ،والذي فاتني أكثر ،فكل ما فيه بحمد اهلل إنما هو إلقاء
إلهي ونفث قدسي روحي ،وورث علوي و إحساني .فاملشكور خالقه ال
كاسبه ،والعبد الضعيف مقيده وكاتبه ) (...وربما يقع في هذا النظم
ذكر قوم من العارفني وغيرهم على طريق املدح والتزكية والغزل
والتشبيب ،وليس املراد الشخص املذكور ،و إنما املراد اسم ذلك
حجب األنوار ،كعبد العزيز الشخص من األسماء اإللهية املحجوبة ب ُ
وهو حال العبد في مشهد العزة اإللهية وشبه هذا ) ،(...قال تعالىَ :فَال
ن اتََّقى ) .(...فإذا أثنيت فإنما أثني علىعَلُم ِبَم ِ
و أَ ْ سُكْم ُ
ه َ تَُزُّكوا أ َنْفُ َ
الحال واملقام الذي ال يقبل التعبير .فإن الكالم على املقامات وما تعطيه
هو شأن املحققني ،ليس الكالم في الناس من شانهم .و كذلك إذا وقع
في ديواني هذا ما يتعلق بالغزل والتشبيب ،والخمور ومجالس األنس
و النساء وأسمائهن والغلمان ،فليس املقصود بذكري ما يذهب إليه
الشعراء من الغزل في أعيان املذكورين ،و إنما قصدي علوما إلهية
وأسرارا ربانية .وقد شرحت بعض ما ذكرته في جزء لنا سميناه
) الذخائر واألعالق( ،شرحنا به ما قصدناه بالغزل في جزء لنا فيه
يسمى )ترجمان األشواق( ).(...
وليس في كالمي كله منثورة ومنظومة واو وال كلمة وال حرف زائد وال
حشو أصال ،فما أقصد منه حرفا وال ترتيبا خاصا إال ملعنى .و إني ال
ق إال اهلل وال يفعل شيئا عبثا وال أمرا لغير حكمة .و إن لم يفهم أرى املنط َ
سئلت سئلت عن شيء من ذلك بينتُه .و قد ُ ذلك الغير فال أبالي .و إذا ُ
وأبنت عن ذلك غير مرة ،وال يعطى طريقنا غير هذا .و بهذا يزيد أهل اهلل
عن كل من عبّر عن شيء ،و إال فبماذا يتميز عن عامة الناس؟ و اْل َ
حْمُد
هَدانَا اهللَُّ .
ن َ ما ُكنَّا ِلنَْهتَِد َ
ي َل ْ
وَال أ َ ْ هَدانَا ِلَهَذا َو َ
هلل اَّلِذي َ
َِِّ
وقد حصلت للشيخ هذه الواقعة في خلوة دخلها ،حسبما ذكره في
الباب 358من الفتوحات املتعلق بسورة الشعراء والذي افتتحه بقوله
):(III:262
وما تلك الشمس التي اقتبس من شعاعها شعرة الشعر إال شمس
فتوح العبارة من املقام املحمدي الذي ورثه وعبّر عنه في خطبة
ن فيك شعرة مني ال صبر الفتوحات .حيث خاطبه رسول اهلل قائال ] :فإ ّ
لها عنّي ،هي السلطانة في ذاتيتك ،فال ترجع إل ّ
ي إالّ بكليتك ،والبّد لها
من الرجوع إلى اللقاء ،فإنها ليست من عالم الشقاء ،فما كان مني بعد
بعثي شيء في شيء إال سعد[ .وهذا هو مقام خاتم الوالية املحمدية
الذي نبّه الشيخ على صلته بتلك الشعرة في قوله عنه ):(III:514
] ومنزلته من رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم -منزلة شعرة واحدة من
جسده – صلى اهلل عليه وسلم. -ولهذا يشعر به إجماال ،وال ُيعلم به
تفصيال إال من أعلمه اهلل به أو صّدقه إن عّرفه بنفسه في دعواه ذلك[.
ن قصائده تنساب على لسانه من وفي غالب األحيان ،يقول الشيخ بأ ّ
غير فكر وال روية يقظة أو مناما ،كالقصيدة التي نظمها في مدح
األنصار بأمر النبي – صلى اهلل عليه وسلم) -الباب ،(I:267/49أو
كاألبيات األربعة التي افتتح بها الباب 132في معرفة مقام االستقامة
) (II:216وقال عنها ] :جاءت هذه األبيات لزوم ما ال يلزم من غير قصد،
وكذلك أمثالها ،فإنّما أنطق بما يجريه اهلل فينا من غير تعمل وال روية[.
وفي واقعة أخرى يقول )الباب:(I:628 /71
] ...كل نفس مطلوبة من الحق في نفسها ،ال تجزي نفس عن نفس
شيئا ،و إن تقلب اإلنسان في العبادة من وجه بذاته ومن وجه برّبه،
ليس لغيره فيه مساغ وال دخول .وأراني ذلك في واقعة ،فاستيقظت من
منامي وأنا أحّرك شفتي بهذه األبيات التي ما سمعتها قبل هذا ال مني
وال من غيري ،وهي هذه:
ولم يكن ذاك من كالمي ]قال لي الحق في منامي
وقـتا أناديك في عبادي وقتا أناجيـك في مقامي
في كنف الصون والذمام[ وأنت في الحالتني عندي
إلى آخر األبيات...
كذلك في الباب 353املتعلق بسورة لقمان ،يذكر واقعة علمية يقول
إثرها ) ] :(III: 238وملا فرغ هذا اإللقاء اإللهي ،والتعريف الرباني،
سّري وسكن عندي ما كنت أجده من ألم هذا التجلي في هذه الصورة ،و ُ
عني ،نظمت نظم إلهام ال نظم روّية ما أذكره:
وهو الحبيب الذي حار الورى فيه[ لنا حبيـب نزيـه ال أسمـيه
إلى آخر األبيات...
وقد عبّر الشيخ بالشعر عن الحقائق و املشاعر واألذواق واإلشارات
التي ال يسمح النثر بها ،فاستعمل كل أنواع البحور واملوشحات
بمختلف أشكالها
وكمثال :بعد أن أنهى الشيخ الباب 415من الفتوحات بكلمته
سِبيَل ،أضاف جملة هي : و َيْهِدي ال َّ ق َو ُ
ه َ هلل َيُقوُل اْل َ
ح َّ املعتادة َا َُّ
] واجعل بالك في كل منظوم في أول كل باب من أبواب هذا الكتاب،
فإنّه يتضمن من علوم ذلك الباب على قدر ما أردت أن أنبّه فيه عليها،
تجد في النظم ما ليس في الكالم في ذلك الباب ،فتزيد علما بما هو
عليه ما ذكرته في النظم وعلى اهلل قصد السبيل[ ثم يدخل في الباب
التالي 416الذي عنوانه ) في معرفة منازلة عني القلب( وهو راجع
لسورة اإلسراء حسب الترتب الخفي ألبواب الفصل الخامس من
ن عني القلب هي واسطة الرؤية أو الرؤيا .فيفتح الفتوحات .و معلوم أ ّ
الشيخ هذا الباب بستة أبيات مؤلفة من ستني كلمة .واملالحظ أ ّ
ن اآلية
جَعْلنَا الُّرْؤَيا اَّلِتيما َ
60من اإلسراء هي التي تتكلم عن الرؤياَ ﴿ :و َ
س ﴾. أ ََرْينَاَك إَِّال ِفتْنًَة لِلنَّا ِ
كما أن كلمة " لنريه " في آياتها األولى ترد بعد نحو ستني حرفا من
بدايتها.
وفي كتابه الكبير حول ذي النون املصري ) ت266:هـ( وعنوانه:
) الكوكب الدري في مناقب ذي النون املصري( ،نظم الشيخ قصيدة في
مدح ذي النون تتألف من 38بيتا .فلماذا اختار لها هذا العدد ؟ الجواب
هو أن العدد 38هم مجموع أعداد حروف )ذو النون( بحساب الجمل
الصغير وباعتبار تضعيف النون األولى.
كما نجد في ديوانه الكبير قصيدة رثاء ومدح للشيخ أبي مدين )ت:
589هـ( ،تتألف من 51بيتا ،ألن هذا العدد هو مجموع أعداد حروف لقبه
واسمه ) :أبي النجا شعيب أبي مدين = .(51=14+4+11+18+4وقد ذكر
الشيخ في الباب (I:184) 24أن لقب أبي مدين هو) :أبو النجا(.
صص الشيخ فقرة رمزية خيالية ونظرا لعالقة الشعر بالخيال ،فقد خ ّ
حول الشعر في الباب الثامن من الفتوحات الذي يصف عوالم املثال
والبرزخ والخيال في أرض الحقيقة أو السمسمة التي خلقت من بقية
خميرة طينة آدم عليه السالم فقال):(I:129
] ورأيت في هذه األرض بحرا من تراب يجري مثل ما يجري املاء.
ورأيت حجارة صغارا وكبارا يجري بعضها إلى بعض كما يجري
الحديد إلى املغناطيس ،وليس في قوته أن يمتنع .فإذا ترك وطبعه
جرت بعضه على بعض على مقدار من املساحة مخصوص ،فتنضم
هذه الحجارة بعضها إلى بعض ،فينشأ منها صورة سفينة .ورأيت
منها مركبا صغيرا وشينبني ،فإذا التأمت السفينة من تلك الحجارة،
رموا بها في بحر التراب وركبوا فيها وسافروا حيث يشتهون[ إلى آخر
ما وصفه...
فأشار ببحر التراب إلى بحور الشعر ،وأشار بالحجارة إلى
الكلمات و الحروف ،وأشار بالسفينة إلى القصيدة.
وكما قارن الشيخ في مقدمة ديوانه الكبير بني ُبنية القصيدة وبنية
بيت الكون ،كذلك قارن بينها وبني ُبنية اإلنسان .فهو يقول :إن السالك
العارج بروحه في السماوات يكشف في كل سماء عن أنواع من العلوم.
والشعر مخصوص بالسماء الثالثة التي لها كوكب الزهرة وقطبها
يوسف عليه السالم ،فهي سماء الحسن والجمال .ويقول في ذلك ما
خالصته )باب:(.167I/I:275
] من علوم هذه السماء علم التعبير للمرائي ،والتمثل والخيال،
وأرض السمسمة التي خلقها اهلل من بقية طينة آدم عليه السالم ،وسوق
الجنة ،وعلوم اإلتقان والحسن والترتيب الحكيم .ومن هذه السماء
يكون اإلمداد للشعراء والنظم ،والصور الهندسية في األجسام .ومنها
ظهرت في هذه النشأة الجسمية األخالط األربعة على النظم األحسن:
فجعل مما يلي النفس املدبرة الصفراء ،ثم يليها الدم ،ويليه البلغم ،و
يليه السوداء ،كما ظهرت األربعة األصول التي يقوم عليها بيت الشعر،
كما قام الجسد على األربعة األخالط .فالوتد املفروق يعطي التحليل،
والوتد املجموع يعطي التركيب ،والسبب الخفيف يعطي الروح ،و
السبب الثقيل يعطي الجسم ،و باملجموع يكون اإلنسان ) (...وكذلك
السماع الطبيعي مبناه على أربعة أمور محققة .فإن الطبيعة مربعة
معقولة من فاعلني – يعني الحرارة والبرودة – ومنفعلني – يعني
اليبوسة والرطوبة . -فأظهرت األركان األربعة ،أي النار والهواء واملاء
والتراب .ولكل خلط من أخالط الجسم األربعة نغمة مخصوصة تحركه،
وهو علم األلحان واألوزان ،بالبّم و الزير واملثنى واملثلث .كل واحد من
هذه يحرك خلطا ،ما بني حركة فرح وحركة بكاء وأنواع الحركات[...
حّكام والخالفة:
موقف الشيخ من ال ُ
في هذا الكتاب تعّرض الشيخ إلى مسألة الخالفة في اإلسالم ببعدْيها
الظاهري والباطني .وأكد في البداية أن اشتغال اإلنسان بسياسة
مقّدمان على االشتغال بما هم عليه الحكام، نفسه والتحكم في هواهُ ،
ألن العناية بتقييم الفرد نفسه و إصالحها هي أهم األولويات.
وقول الشيخ ... ):هل ينفعني في اآلخرة كون السلطان عادال أو
جائرا (...إلى آخره ،ال يعني بتاتا دعوته إلى عدم االهتمام بأحوال
األمة وسياستها .و إنما يدعو قبل كل شي¦ إلى إصالح الفرد الذي به
قوام املجتمع ،ألن صالح املجتمع ،بما فيه الحكام تابع لصالح األفراد
والرعية .وسيرتة من شبابه إلى وفاته مشحونة بالنصيحة للحكام
وامللوك ،سواء في املغرب اإلسالمي أو في املشرق .و سأذكر هنا ما
جمعته من ذلك في كتابي ) ختم القرآن محيي الدين بن العربي( ،تحت
عنوان" الشيخ والحكام":
] عّدة ملوك من املغرب واملشرق اتصلوا بالشيخ لالستفادة من
مشورته ونصائحه أوالدخول تحت تربيته .فكان يرشدهم للـعمل
بالشريعة والرحمة والعدل في الرعية حسب القاعدة القرآنية ﴿ :إِ ْ
ن
ن األمة املحمدية تحت صْرُكْم ﴾.محمد .7:فالشيخ يقول :إ ّهلل َينْ ُ
صُروا ا ََّتَنْ ُ
حكم االسمني :الناصروالخاذل .فهي تحت الناصر بحسب نظرها
لنبيها محمد صلى اهلل عليه وسلم ،أي العمل بشريعته ،وبقدر إعراضها
عنه تدخل تحت حكم الخاذل )الباب /348ج3ص.(204:
ما في املغرب ،ففي سيرة الشيخ ،نجد على األقل خمسة أمراء أ ّ
مجلني له.أّولهم الخليفة املوحدي املشهور أبو اتصلوا به وكانوا ُ
يوسف يعقوب املنصور) ت (594:الذي عرض عليه االلتحاق بديوانه
فرفض ذلك .يقول الشيخ:
ي فيها ،فامتنعت عليه ،إلى ] طلبني بعض السالطني للوالية وعزم عل ّ
أن قال :ما يمنعك أن ترغب في عز الوالية؟ قلت :ذل العزل ،قال' :ال
ي العهد بذلك ،قلت :األحوال بروق تلمع وال تقيم ،وهذه أعزلك وعل ّ
الحالة منك غير دائمة وال سيما إذا جاء سلطان نقضها' .فإياك وصحبة
امللوك ،فإنك إذا أكثرت مخالطة امللك ملّــك ،و إن تركته أذلّــك ،فخذ وأعط
إذا ابتليت بصحبتهم[)الباب/560ج4ص/506 ::كتاب املسامرات ج 2
ص.[(11
أما الثاني فهو أمير فاس الذي أرشده الشيخ إلقامة حلق تالوة
القرآن يتلونه آناء الليل والنهار .والثالث أمير جنوب املغرب ،صديق
الشيخ ،أبي يحيى بن وجاتن هو وكاتبه .والرابع السلطان أبو العال
في شمال املغرب ،و للشيخ قصة معه تظهر ورع الشيخ واحترازه
البالغ من خلطة الحكام وأكل طعامهم ،ففي ترجمته ألحد الصالحني من
أصحابه وهو عبد اهلل املالقي يقول في كتابه 'روح القدس' )ص:
:(121-120
ي السلطان أبو العال مائدتني، جه إل ّ
] اتفق لي يوما بمدينة سبتة أن و ّ
ولم أكن حاضرا ،فأخذهما الفقراء الذين كانوا وصلوا إلى املوضع من
أجلي وأكلوا ،وانقبض خواص أصحابي عنها ،فلما كان في الليلة
جه إلينا كذلك مائدتني فلم أقبل ولم أرد .وكانوا قد أتوا إلينا الثانية و ّ
ن السلطان يبعث إلينا ،فأقمت صالة العشاء فقراء بالقصد مل ّا سمعوا أ ّ
فصليت ،فقال بعض الفقراء مّمن يّدعي التشيخ :ال صالة بحضرة
طعام ،فسكت عنه فغضب حيث لم أجبه ،فقلت :أنا لم أقبل على الطعام
بوال أرى أن آكله فإنّه عندي حرام ،وال يمكن لي أن آمركم بأكله فإنّي أح ّ
لكم ما أحب لنفسي ،ثم بينْت وجه الحرام فيه وأدخلت معي خواص
أصحابي ) (...فبلغ ذلك صاحبنا القلفاط ) أي عبد اهلل املالقي( ،فاجتمع
ي وعلى أصحابي مما يعرف من البالء وعاتبني على بي وقد خاف عل ّ
ذلك ) (...قلت له :بئس العبد هلل من يستند إلى عدو اهلل ،ال راعى اهلل
العالم إذا لم يراعوا حق اهلل ،حق اهلل أحق ،ونفضت يدي وقمت.[...
وكان الشيخ شديد الحرص على قضاء حوائج املسلمني عند امللوك.
يظهر هذا في عّدة وقائع منها حكايته مع أمير تونس )أبو زيد بن أبي
حدين (التي يقول عنها حفص محمد بن عبد املؤمن وكان من األمراء املو ّ
)الباب/560ج4ص:(489:
] و إّياك أن تقبل هدية من شفعت فيه شفاعة ،فإن ذلك من الربا الذي
نهى اهلل عنه بنص رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم -في ذلك .ولقد
جرى لنا مثل هذا في تونس من بالد أفريقية .دعاني كبير من كبرائها
يقال له ابن معتب إلى بيته لكرامة أعدها لي .فأجبت الداعي .فعندما
دخلت بيته ،وقّدم الطعام ،طلب مني شفاعة عند صاحب البلد ،وكنت
مقبول القول عنده متحكما .فأنعمت له في ذلك وقمت ،وما أكلت له
طعاما وال قبلت منه ما قدمه لنا من الهدايا ،وقضيت حاجته ورجع إليه
ملكه ) (...و إياك أن تشفع عند حاكم في حّد من حدود اهلل ) (...ثبت في
الحديث عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم >>:من حالت شفاعته دون
حدود اهلل فقد ضاّد اهلل<<[.
وفي املشرق اتصل امللوك األيوبيون والسالجقة بالشيخ ،وكانوا
يعظمونه غاية التعظيم ويمتثلون لجميع أوامره .يظهر ذلك في
نصوصه التالية :كما يظهر منها كيف يرى الشيخ أن يتعامل املسلم مع
أولي األمر فيقول )الباب/560ج4ص:(476:
ت واليا فاقض بالحق بني الناس ،وال تتبع الهوى فيضلك عن ] و إن كن َ
سبيل اهلل .وسبيل اهلل هو ما شرعه لعباده في كتبه و على ألسنة رسله
) (...يقول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم>> :حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا<< .ولقد أشهدني اهلل في هذا مشهدا عظيما في أشبيلية
سنة .[586
جح نظرك على علم ويقول أيضا )الباب/560ج4ص ] :(484:احذر أن تر ّ
اهلل في خلقه بمن قّدمه من الوالة في النظر في أمور املسلمني و إن
ن هلل فيهم سرا ً ال تعرفه ،و إن ما يدفع اهلل بهم من الشرور
جاروا ،فإ ّ
ويحصل بهم من املصالح أكثر من جورهم إن جاروا ،وهذا كثيرا ما يقع
فيه الناس و يرجحون نظرهم على ما فعل اهلل في خلقه ،ويأتيهم
الشيطان فيعلق تسفيههم بالذين ولوه ،ويحول بينهم و بني الصحيح
من كون اهلل والهم ،وُينسيهم أمر النبي – صلى اهلل عليه وسلم -أن ال
تخرج يدا من طاعة ،وأن ال تنازع األمر أهله ،فيدخل عليهم الشيطان من
التأويل في هذه األحاديث وأمثالها بما يخرجهم من ذلك من اإلسالم،
وينسيهم قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم >>:فإن جاروا فلكم
ن اهلل يزع بالسلطان ما ال يزع وعليهم و إن عدلوا فلكم ولهم<< ،و>> أ ّ
بالقرآن<< .ولو لم يكن في هذه املسألة إال اعتراض املالئكة على اهلل
تعالى في خالفة آدم عليه السالم لكان كافيا ،وقد جعل رسول اهلل –
صلى اهلل عليه وسلم -من تمام الزكاة أن ينقلب املصدق وهو العامل
الذي على الزكاة راضيا عنك و إن ظلمك .و هذا باب قد أغفله الناس ،وقد
أغلقوه على أنفسهم ،فيما يرى أحد إال وله في ذلك نصيب ،وال يعلم ما
فيه عند اهلل .وقد رأينا على ذلك براهني من اهلل كثيرة .و متى ذممت وال
بد فِّذم الصفة بّذم اهلل وال تذم املوصوف بها إن نصحت نفسك .ومتى
ن اهلل يحمدك على ذلك[. حمدت فاحمد الصفة و املوصوف معا ،فإ ّ
ويقول الشيخ ناصحا )الباب/560ج4ص:(490:
] و إّياك وصحبة امللوك إال أن تكون مسموع الكلمة عندهم ،فتنفع
مسلما أو تدفع عن مظلوم أو ترّد السلطان عن فعل ما يؤّدي إلى
الشقاء عند اهلل ) (...و عليك بطاعة أولي األمر من الناس ممن واله
ن طاعة أولي األمر واجبة بالنص في كتاب اهلل، السلطان أمرك ،فإ ّ
ومالهم أمر يجب علينا امتثال أمرهم فيه إال املباح ال األمر باملعاصي.
صب فال فإن غصبوك فاْقبَْل غصبهم في بعض أحوالك ،و إن أمروك بالغ ْ
صب ،وال تفارق الجماعة ،وال تخرج يدا عن طاعة فتموت ميتة تغ َ
جاهلية بنص رسول صلى اهلل عليه وسلم .و ال تخرج على األمة ،وال
تنازع األمر أهله [.
ويقول أيضا )الباب/650ج4ص:(499:
ن الوالية مندمة ] و إذا رأيت من يطلب والية عمل ،فال تسع له في ذلك ،فإ ّ
وحسرة في اآلخرة ،وقد أمرك اهلل بالنصيحة .و إذا رأيت قوما ولوا
أمرهم امرأة فال تدخل معهم في ذلك[.
ويقول كذلك في )الباب/369ج3ص:(402:
] ...و العلم وسوء الخلق ال يجتمعان في موقف .فكل عالم فهو واسع
املعرفة والرحمة .و سوء الخلق إنّما هو من الضيق والحرج ،وذلك
لجهله .فال يعلم قدر العلم إال العلماء باهلل .فله السعة التي ال نهاية لها
مددا ومدة .و لقد شفعت عند ملك في حق شخص أذنب له ذنبا،
ن امللك اقتضى ذلك الذنب في نفس ما يطلبه امللك أن يقتل صاحبه .فإ ّ
يعفو عن كل شيء إال عن ثالثة أشياء ،فإنّه ال يعفو عنها إذ ال عفو فيها.
وما يتفاضل امللوك فيها إال في صورة العقوبة .و الثالثة األشياء التي
ال عفو فيها هي :التعرض للحرم ،و إفشاء سره ،و القدح في امللك .وكان
هذا الشخص قد جاء لهذا امللك بما يقدح في امللك ،فعزم على قتله .فلما
بلغتني قصته ،تعّرضت عند امللك للشفاعة فيه أن ال يقتله .فتغير وجه
سمت وقلت له' :أيها امللك وقال :هو ذنب ال يغفر ،فال بّد من قتله! فتب ّ
امللك ،واهلل لو علمت أن في ملكك ذنبا يقاوم عفوك ويغالبه ما شفعت
عندك وال اعتقدت فيك أنك ملك .و اهلل إنِّي من عامة املسلمني ،واهلل ما
أرى في العالم كله ذنبا يقاوم عفوي' .فتحير من قولي ووّقع لي بالعفو
عن ذلك الشخص .فقلت له' :فاجعل عقوبته إنزاله عن الرتبة التي
أوجبت له عندك أن تطلعه على أسرارك ،حتى ركب مركبا يقدح في امللك،
فإني كما كنت له في دفع القتل عنه ،أنا أيضا للملك معني فيما يدفع
القدح عن ملكه' .ففرح امللك بذلك وسّر ،وقال لي' :جزاك اهلل خيرا عني'.
ثم صعد من عندي إلى قلعته وأخرج ذلك املحبوس وبعث به إلي حتى
رأيته ،فوصيته بما ينبغي ،وتعجبت من عقل امللك وتأدبه ،وشكرته على
صنيعه[.
ثم في موقع آخر زاد الشيخ تفصيال لهذه الواقعة فقال
)الباب560ج4ص/539:الباب375ج3ص]:(472:كانت لي كلمة مسموعة
عند بعض امللوك ،وهو امللك الظاهر صاحب مدينة حلب -رحمه اهلل -
غازي بن امللك الناصر لدين اهلل صالح الّدين يوسف بن أيوب .فرفعت
إليه من حوائج الناس في مجلس واحد :مائة وثمانية عشر حاجة،
فقضاها كلها[ .ثم ذكر القصة السابقة عن عفوه عن الرجل الذي قدح
في ملكه وزاد فيها قوله للملك ] :وكيف يقاوم ذنب رجل عفوك في غير
حّد من حدود اهلل؟ إنّك لدني الهمة .فخجل وسّرحه ) ،(...و بعد ذلك
املجلس ،ما رفعت إليه حاجة إال سارع في قضائها من غير توقف كانت
ما كانت[.
ومن ملوك بني أيوب اآلخرين الذين صحبوا الشيخ :العادل الذي
يذكره الشيخ في حضرة االسم الباسط من الباب )559ج4ص(225:
فيقول ] :ومن هذه الحضرة كان رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم-
يمازح العجوز والصغير ،يباسطهم بذلك ويفرحهم .أال ترى إلى أكابر
امللوك كيف يضحكون أوالدهم بما ينزلون إليهم في حركاتهم حتى
يضحك الصغير ؟ ولم أر من امللوك من تحقق بهذا املقام في دسته
بحضور أمرائه و الرسل عنده مثل امللك العادل أبي بكر بن أيوب مع
صغار أوالده وأنا حاضر عنده بميافرقني بحضور هذه الجماعة .فلقد
رأيت ملوكا كثيرا ولم أر منهم مثلما رأيته من امللك العادل في هذا
الباب .و كنت أرى ذلك من جملة فضائله ،ويعظم به في عيني ،وشكرته
على ذلك .ورأيت من رفقته بالحريم وتفقد أحوالهن وسؤاله إّياهّن ما لم
أر لغيره من امللوك ،وأرجو أ ّ
ن اهلل ينفعه بذلك[.
ويبدو أنّه كان بني الشيخ و امللك العادل صلة وطيدة ،ففي ديوانه ،نجد
ستة أبيات نظمها ملا مات امللك العزيز بن العادل – وكان أميرا على
بانياس – يوم االثنني عاشر رمضان سنة 630هـ بظاهر دمشق ،ومنها:
وفي أّول محّرم 632هـ ،كتب إجازة عدّد فيها أزيد من 270من كتبه البن
آخر للعادل ،وهو ملك دمشق األشرف مظّفر الّدين موسى )ت635:هـ(.
وخالل صراع على الحكم بني أيوب املعظّم ابن العادل في دمشق،
وأخيه الكامل بمصر ،وأخيه اآلخر األشرف في الجزيرة ،ثم بعد ذلك
ظم مع عمّيه املذكورين ،كان الشيخ ينظر إلى تلك ناصر داوود بن مع ّ
الحوادث بعني األسى .وبلغ األسى أوجه ملا سّلم امللك الكامل بيت
املقدس مللك املسيحيني فريدريك الثاني في 22ربيع األول 626هـ ) 18
فيفري 1229م( ،وذلك للقضاء على حكم ناصر داوود .فأصدر حينئذ
الشيخ فتوى بتحجير إقامة املسلمني ببيت املقدس ما دام تحت حكم
الكفار .وفي هذا األمر يقول )الباب/560ج4ص:(460:
ن في ذلك إهانة دين ] وعليك بالهجرة وال تقم بني أظهر الكفار ،فإ ّ
اإلسالم و إعالء كلمة الكفر على كلمة اهلل ،فإ ّ
ن اهلل ما أمر بالقتال إال
لتكون كلمة اهلل هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ) (...و قد ثبت عن
النبي صلى اهلل عليه وسلم قال>>:أنا بريء من مسلم يقيم بني أظهر
املشركني<< ،فما اعتبر له كلمة اإلسالم .وقال اهلل تعالى فيمن مات وهو
ن الذين توفاهم املالئكة ظاملي أنفسهم قالوا فيم بني أظهر املشركني) :إ ّ
كنتم قالوا كنا مستضعفني في األرض قالوا ألم تكن أرض اهلل واسعة
فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا( .و لهذا حجرنا في
هذا الزمان على الناس زيارة بيت املقـدس واإلقـامة فيـه لكـونه بيد
الكفار .فالوالية لهم والتحكم في املسلمني .و املسلمون معهم على أسوأ
حال ،نعوذ باهلل من تحكم األهواء .فالزائرون اليوم بيت املقدس
واملقيمون فيه من املسلمني هم من الذين قال اهلل فيهم) :ضل سعيهم في
الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا([.
وقد بّني الشيخ سياسته في صحبة امللوك فقال )الباب/375ج3ص:
:(472
] "...قال تعالى لنبيه – صلى اهلل عليه وسلم -ممتنا عليه) :فبما
رحمة من اهلل لنت لهم ( .و اللني خفض الجناح واملداراة والسياسة )(...
ث به اتفق لي أني صحب ُ
ت امللوك ومن هذا املقام مل ّا ذقته واتحْد ُ
والسالطني .و ما قضيت ألحد من خلق اهلل عند واحد منهم حاجة إال من
هذا املقام .و ما رّدني أحد امللوك في حاجة التمستها منه ألحد من خلق
اهلل .و ذلك أنّي كنت إذا أردت أن أقضي عنده حاجة أحد ،أبسط له
بساطا أستدرجه فيه حتى يكون امللك هو الذي يسأل ،ويطلب قضاء
تلك الحاجة مسارعا على الفور بطيب نفس وحرص ،ملا يرى له فيها من
املنفعة .فكنت أقضي للسلطان حاجة بأن أقبل منه قضاء حاجة ذلك
اإلنسان ) (...و إذا حصل لإلنسان هذه القوة ،انتفع به الناس عند
امللوك [.
وكمثال لتربية الشيخ امللوك باآلداب الشرعية ،ما وقع له مع الخليفة
العباسي الناصر في بغداد – وهو الذي تولى الخالفة بني سنتي
580هـ و622هـ – فيقول ] :أبدأ بالسالم على من هو أكبر منك ،وأبدأ
بالسالم على املاشي إن كنت راكبا ،وعلى القاعد إن كنت ماشيا .ولقد
جرى لي مع بعض الخلفاء رضي اهلل عنه ذات يوم ،كنا نمشي و معنا
جماعة ،و إذا بالخليفة مقبل ،فتنحينا عن الطريق وقلت ألصحابي :من
بدأه بالسالم أرذلت به عنده .فلما وصل وحاذانا بفرسه ،انتظر أن نسلم
عليه كما جرت عادة الناس في السالم على الخلفاء و امللوك ،فلم نفعل،
فنظر إلينا وقال :سالم عليكم ورحمة اهلل و بركاته ،بصوت جهير .فقلنا
بأجمعنا :وعليك السالم ورحمة اهلل وبركاته .فقال :جزاكم اهلل عن الّدين
خيرا ،وشكرنا على فعلنا وانصرف ،فتعجب الحاضرون[.
ومثل هذه الحكاية ما وقع للفقيه ابن زرب الذي ذكره الشيخ في
وصيته التالية )الباب /560ج4ص ...] :(499:و إن كنت في جماعة
يقرأون القرآن فاقرأ معهم ما اجتمعتم عليه ،فإن اختلفتم فقم عنهم،
وحافظ على قراءة الزهراوين البقرة وآل عمران .و إذا شرعت في قراءة
سورة من القرآن ،فال تتكلم حتى تختمها ،فإن ذلك دأب العلماء
الصالحني .ولقد حدثني غير واحد بقرطبة عن الفقيه ابن زرب صاحب
الخصال أنّه كان يقرأ في املصحف سورة من القرآن ،فمّر عليه أمير
املؤمنني من بني أمية .فقيل للخليفة عنه ،فمسك فرسه وسلم عليه
وسأله ،فلم يكلمه الشيخ حتى فرغ من السورة ثم كلمه ،فقال له الخليفة
في ذلك فقال :ما كنت ألترك الكالم مع سّيدك وأكلمك وأنت عبده ،هذا
ليس من األدب .ثم ضرب له مثال به وبعبيده فقال :أرأيت لو كنت في
حديث معك وكلمني بعض عبيدك ،أيحسن مني أن أترك الكالم وأقطعه
وأكلم عبدك ؟ قال :ال .قال :فإنك عبد اهلل ،فبكى الخليفة .ولقيت جماعة
على ذلك من شيوخنا منهم أبو الحجاج الشبربلي بإشبيلية[.
ن أطول امللوك صحبة للشيخ ،وأكثرهم إجالال له ودخوال تحت ويبدو أ ّ
تربيته :امللك السلجوقي كيكاوس .فقد مكث الشيخ عنده باألناضول
عّدة سنني ،وعندما افترقا بقت املراسالت بينهما مستمرة .و منها هذه
الرسالة التي كتبها الشيخ له وفيها يقول):الباب/560ج4ص:(548-547:
] وصية ونصيحة كتبت بها إلى السلطان الغالب بأمر اهلل كيكاوس
صاحب بالد الروم يونان ،رحمه اهلل ،جواب كتاب كتب به إلينا سنة
تسع وستمائة:
بسم اهلل الرحمن الرحيم ،وصل االهتمام السلطاني الغالب بأمر اهلل
العزي ،أدام اهلل عدل سلطانه ،إلى والده الداعي له محمد بن العربي،
فتعني عليه الجواب بالوصية الدينية والنصيحة السياسية اإللهية،
وقد قلدك اهلل هذا األمر ،وأقامك نائبا في بالده ،ومتحكما بما توّفق إليه
في عباده ،ووضع لك ميزانا مستقيما تقيمه فيهم ،وأوضح لك محجة
بيضاء تمشي بهم عليها ،وتدعوهم إليها .على هذا الشرط والك ،وعليه
بايعناك ،فإن عدلت فلك ولهم ،و إن جرت فلهم وعليك .فاحذر أن أراك غدا
بني أئمة املسلمني من أخسر الناس أعماال ،الذين ضل سعيهم في
الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .وال يكون شكرك ملا
ملكك بكفران النعم و إظهار املعاصيأنعم اهلل به عليك من استواء ُ
وتسليط النواب السوء بقوة سلطانك على الرعية الضعيفة ،فإ ّ
ن اهلل
أقوى منك ،فيتحكمون فيهم بالجهالة واألغراض ،وأنت املسؤول عن
ذلك ) (...و ما بينك وبني أن تقف على أعمالك إال بلوغ األجل املسمىّ،
وتصل إلى الدار التي سافر إليها آباؤك وأجدادك .وال تكن من النادمني،
ن الندم في ذلك الوقت غير نافع .يا هذا ،ومن أشد ما يمر على فإ ّ
اإلسالم و املسلمني وهم قليل ما هم ،رفع النواقيـس والتظاهر بالكفر
و إعالء كلمة الشرك ببالدك ،ورفع الشروط التي اشترطها أمير املؤمنني
عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه على أهل الذمة [ ،ثم عدّد الشيخ له تلك
الشروط .وختم كتابه بقصيدة في 17بيتا منها:
إذا أنت أعززت الهدى وتبعته فأنت لهذا الّدين عّزكـما تدعي
و إن أنت لم تحفل به وأهـنته فأنت مذل الدين تخفضه وضعا
فال تأخذ األلقاب زورا فإنّكم لتسأل عنها يوم جمـعكم جمعا
...
لكم واْرعني منكم ملا قـلته فيا أيهـا السلطان حِقق نصيحتي
سمعا
أذود الّردى عنـكم وأمنعه منـعا فإنيّ لكم واهلل أنصـح ناصــح
من الدين والدنيا العوارف وأجلب للسلطان من كل جانــب
والنفعـا
وفي رمضان من عام 612هـ بشر الشيخ كيكاوس بفتحه أنطاكية التي
كانت تحت حكم املسيحيني .ذكر ذلك في محاضرة األبرار فقال:
] رأينا ونحن بسيواس في شهر رمضان ،والسلطان الغالب في ذلك
الزمان يحاصر أنطاكية .فرأيت أنه نصب عليها املجانيق ،ورماها
باألحجار ،فقتل زعيم القوم ،فأول ُ
ت األحجار آراءه السديدة ،وعزائمه
التي يرميهم بها ،و إنّه فاتحها إن شاء اهلل تعالى .فكان كما رأيت بحمد
اهلل ،وفتحها يوم عيد الفطر ،وكان بني الرؤيا والفتح عشرون يوما،وذلك
سنة اثني عشر وستمائة .فكتبت إليه من ملطية قبل فتحه إياها
بأبيات أذكر فيها رأياي ) (...وكانت األبيات لزوميات اتفاقا وهي ) 8
أبيات(:
ن الروم فيك لفي خسر – 1قصدت بالد الكفر تبغي فتوحها فأبشر فإ ّ
– 2رأيت لكم رؤيا تدل على النصر وفتح بالد الكفر والقتل واألسر
...
جد بما لك من خير على العسر – 8إ ّذا جاء نصر اهلل و الفتح فلت ُ
واليسر
ونختم هذا الفصل بقصة رواها محي الدين عبد القادر بن شيخ بن
عبد اهلل العيدروسي عند ترجمته للفقيه الصوفي حسني بن عبد اهلل
الحضري )ت979:هـ( في كتابه ) :تاريخ النور السافر عن أخبار القرن
العاشر( فقال عنه :إنه كان من شيوخ التربية ،يعظم ابن العربي ويقرأ
كتبه ،وله في اقتنائها أشد عناية .ثم حكى أن والده أبا بكر
العيدروسي كان ينهى عن مطالعة كتابي الفتوحات و الفصوص البن
العربي ،لكن يأمر بحسن الظن فيه وباعتقاد أنه من أكابر األولياء
العلماء باهلل العارفني .ويقول :إن كتبه اشتملت على حقائق ال يدركها إال
أرباب النهايات ،وتضر بأرباب البدايات .ثم قال:
] و على بالي حكاية غريبة وقعت للشيخ ابن عربي تدل على فضله
العظيم ،أذكرها هنا تيمنا بذكره واستشعارا بعظيم قدره ) ،(...ذكرها
بعض املعتنني بأخباره واملدونني ملحاسن آثاره :إن صاحب إشبيلية
أرسل ماال عظيما إلى مكة شرفها اهلل تعالى ،وأوصى الوكيل أن ال يفرق
هذا املال إال أعلم أهل األرض .واتفق أنه اجتمع في تلك السنة بمكة
شرفها اهلل تعالى مـن املشايخ والعـلماء والفقهاء ومن كل ذي فن من
العلوم ما لم يجتمع في عصر من األعصار ،وهي السنة التي اجتمع
فيها الشيخ شهاب الدين السهروردي بالشيخ محيي الدين رضي اهلل
عنهما ،وقال كل واحد منهما في شأن صاحبه ما قال :فأجمع الكل على
الشيخ محي الدين -رضي اهلل عنه ،-وأن ال يفرق املال سواه ،ففرقه.
فلما فرغ من تفريقه قال " :لوال أن خوفي خرق اإلجماع المتنعت .فقال
له بعض أصحابه :لَِم يا سيدي ؟ قال :ما أريد به وجه اهلل ،بل أريد به
التفاخر .فقال له :بني لي ذلك .فقال :إن صاحب الغرب أراد أن يفتخر
بي على سائر ملوك األرض ،إذ قد علم أنه ال يفرقه سواي .فما أراد به
وجه اهلل تعالى ،بل أراد التفاخر .فبلغ ذلك املجلس لصاحب إشبيلية
فبكى وقال :صدق الشيخ هذا ما أردت " .واهلل أعلم بصحة هذه القصة[
انتهى.
القسم الثاني
اإلمام املهدي عليه السالم
اإلمام املهدي -عليه السالم -من املقّربني اختصاصا إلهيا : •
تكلم الشيخ األكبر عن اإلمام املهدي الظاهر في آخر الزمان ،في عدة
مواقع من كتابه "الفتوحات املكية " ،مشيرا إلى األحاديث الصحيحة
الواردة في شأنه .ويقول عنه أن له مقام القربة – أي أعلى مقامات
الوالية -وهبا إلهيا.
ففي أجوته عن أسئلة الحكيم الترمذي في الباب 73يعرف مقامه هذا
فيقول )وما بني قوسني توضيح لكالمه (:
] السؤال الثاني :أين منازل أهل القربة؟
الجواب :بني الصديقية ونبوة الشرائع ،فلم يبلغ منزلة نبي التشريع
من النبوة العامة ،وال هو من الصديقني الذين هم أتباع الرسل لقول
الرسل؛ وهو مقام املقربني .وتقريب الحق لهم على وجهني :وجه
اختصاص من غير تعمل ،كالقائم في آخر الزمان وأمثاله؛ ووجه آخر من
طريق التعمل كالخضر وأمثاله؛ واملقام واحد؛ ولكن الحصول فيه على
ما ذكرناه .ومن ثم يتبني الرسول من النبي .ويعم الجميع هذا املقام،
وهو مقام املقربني واألفراد.
وفي هذا املقام يلتحق البشر باملأل األعلى ،ويقع االختصاص اإللهي
فيما يكون من الحق لهؤالء .وأما املقام فداخل تحت الكسب ،وقد
يحصل اختصاصا ً ،ولهذا يقال في الرسالة :إنها اختصاص ،وهو
الصحيح؛ فإن العبد ال يكتسب ما يكون من الحق سبحانه ،فله التعمل
في الوصول ،وماله تعمل فيما يكون من الحق له عند الوصول .ومن
هناك منبع العلم اللدني الذي قال اهلل فيه في حق عبده خضر ﴿ :آ َتَْينَاهُ
عَّلْمنَاُه ِمْن َلُدنَّا ِعْلًما )) ﴾(65الكهف (65؛ املعنى :آتيناه
حَمًة ِمْن ِعنِْدنَا َو َ
َر ْ
رحمة "علما ً" من عندنا وعلمناه من "لدنا" .وهو من األربعة املقامات
الذي هو علم الكتابة اإللهية )أي التوراة التي كتبها الحق – تعالى -
بيده( ،وعلم الجمع والتفرقة )أي القرآن والفرقان( ،وعلم النور)أي
اإلنجيل( ،والعلم اللدني)أي الزبور(.
و اعلم أن منزل أهل القربة يعطيهم اتصال حياتهم باآلخرة ،فال
يدركهم الصعق الذي يدرك األرواح .بل هم ممن استثنى اهلل تعالى ،في
قوله" :ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في األرض إال
من شاء اهلل" .وهذا املنزل هو أخص املنازل عند اهلل وأعالها .و الناس
فيه على طبقات ثالث :فمنهم من يحصله برمته ،وهم الرسل صلوات
اهلل عليهم ،وهم فيه على درجات يفضل بعضهم بعضا .ومنهم من
يحصل منه الدرجة الثانية ،وهم األنبياء صلوات اهلل عليهم ،الذين لم
يبعثوا ،بل تعبدوا بشريعة موقوفة عليهم؛ فمن اتبعها كان )من
أتباعهم( ،ومن لم يتبعهم لم يوجب اهلل على أحد اتباعهم؛ وهم فيها
على درجات يفضل بعضهم بعضا .و الطبقة الثالثة هي دونهما،
)وهو ( درج النبوة املطلقة التي ال يتخلل وحيها ملك.
ودون هؤالء الطبقات هم الصديقون الذين يتبعون املرسلني .ودون
هؤالء الصديقني :الصديقون الذين يتبعون االنبياء من غير ان يجب
ذلك .و دون هؤالء الصديقني :الذين يتبعون أهل الطبقة الثالثة ،وهم
الذين انطلق عليهم اسم املقربني ،أعني أهل الطبقة الثالثة .و لكن طبقة
ذوق ال تعلمه الطبقة األخرى ،ولهذا قال الخضر ملوسى عليه السالم:
ط ِبِه ُ
خبًْرا ) ) ﴾(68الكهف .(68 :و الخبر: ما َلْم تُ ِ
ح ْ عَلى َ
صِبُر َ ﴿ َوَكْي َ
ف تَ ْ
الذوق؛ وهو علم حال .وقال الخضر ملوسى" :أنا على علم علمنيه اهلل ال
تعلمه أنت ،وأنت على علم علمكه اهلل ال أعلمه أنا"[ انتهى.
مميزات املهدي ووزراؤه: •
في الفتوحات خصص الشيخ الباب املتعلق بمنزل سورة الكهف
للتعريف باملهدي ووزرائه املطابقة صفاتهم الصديقية من بعض
وجوهها لفتية الكهف ،وهو الباب 366الذي عنوانه " :في معرفة منزل
وزراء املهدي الظاهر آخر الزمان ،الذي بشر به رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم ،وهو من أهل البيت" ) يالحظ أن الرقم 366يشير إلى تمام
الدورة السنوية ،أي أن ظهور املهدي يكون قرب نهاية الدورة الزمنية
لألمة املحمدية ( ،وفيه يقول:
] إن اإلمام إلى الوزير وعليهما فلك الوجـود
فـقـير يدور
وامللك إن لم تستقم بوجود هذين فسـوف
أحـوالـه يبـور
إال اإلله الحق فـهـو ما عنده فـيمـا يريد
مـنـزه وزير
جل اإلله الحق في عن أن يراه الخلق
ملكوتــه وهو فقير
وقTد جTاءكTم زمTانTه ،وأظTلكم أوانTه ،وظهTر فTي الTقرن الTرابTع الTالحق بTالTقرون
ال T Tثالث T Tة امل T Tاض T Tية :ق T Tرن رس T Tول اهلل -ص T Tلى اهلل ع T Tليه وس T Tلم -وه T Tو ق T Tرن
ال Tصحاب Tة ،ث Tم ال Tذي ي Tليه ث Tم ال Tذي ي Tلي ال Tثان Tي .ث Tم ج Tاء ب Tينهما ف Tترات،
وحTدثTت أمTور ،وانتشTرت أهTواء ،وسTفكت دمTاء ،وعTاثTت الTذئTاب فTي الTبالد،
وك Tثر ال Tفساد إل Tى أن ط Tم ال Tجور وط Tما س Tيله ،وأدب Tر ن Tهار ال Tعدل ب Tال Tظلم
حني أقبل ليله .فشهداؤه خير الشهداء ،وأمناؤه أفضل األمناء.
ب :وزراء املهدي:
و إن اهلل يسTتوزر لTه طTائTفة ،خTبأهTم لTه فTي مTكنون غTيبه ،أطTلعهم كTشفًا
وش Tهودا ً ع Tلى ال Tحقائق وم Tا ه Tو أم Tر اهلل ع Tليه ف Tي ع Tباده .ف Tمبشاورت Tهم
يTفصل مTا يTفصل ،وهTم الTعارفTون الTذيTن عTرفTوا مTا ثTم .و أمTا هTو فTي نTفسه:
فTصاحTب سTيف حق ،وسTياسTة مTدنTية ،يTعرف مTن اهلل قTدر مTا تTحتاج إلTيه
مTرتTبته ومTنزلTه ،ألنTه خTليفة مسTدد .يTفهم منطق الTحيوان ،يسTري عTدلTه فTي
اإلنT Tس والT Tجان .مT Tن أسT Tرار عT Tلم وزرائT Tه الT TذيT Tن اسT TتوزرهT Tم اهلل لT Tه قT TولT Tه
ت Tعال Tى" :وك Tان ح Tقا ً ع Tلينا ن Tصر املؤم Tنني" .وه Tم ع Tلى أق Tدام رج Tال م Tن
ال Tصحاب Tة "ص Tدق Tوا م Tا ع Tاه Tدوا اهلل ع Tليه" ،وه Tم م Tن األع Tاج Tم م Tا ف Tيهم
ع Tرب Tي ،ل Tكن ال ي Tتكلمون إال ب Tال Tعرب Tية ،ل Tهم ح Tاف Tظ ل Tيس م Tن ج Tنسهم م Tا
عTصى اهلل قTط ،هTو أخTص الTوزراء وأفTضل األمTناء .فTأعTطاهTم اهلل فTي هTذه
اآليTة الTتي اتخTذوهTا هTجيرا ً ،وفTي لTيلهم سTميرا ً ،فTضل عTلم الTصدق حTاالً
وذوقTا ً .فTعلموا أن الTصدق سTيف اهلل فTي األرض ،مTا قTام بTأحTد وال اتTصف
ب T Tه إال ن T Tصره اهلل ،ألن ال T Tصدق ن T Tعته ،وال T Tصادق اس T Tمه .ف T Tنظروا ب T Tأع T Tني
سTليمة مTن الTرمTد ،وسTلكوا بTأقTدام ثTابTتة فTي سTبيل الTرشTد .فTلم يTروا الحق
قTيد مؤمTنا ً مTن مؤمTن ،بTل أوجTب عTلى نTفسه نTصر املؤمTنني ،ولTم يTقل بTمن؟
بTل أرسTلها مTطلقة ،وجTالهTا مTحققة ،فTقال" :يTا أيTها الTذيTن آمTنوا آمTنوا"،
وق Tال" :وم Tا ك Tان ملؤم Tن أن ي Tقتل مؤم Tنا ً إال خ Tطأ" ،وق Tال" :ال Tذي Tن آم Tنوا
بTالTباطTل" ،فTسماهTم "مؤمTنني" ،وقTال" :و إن يشTرك بTه تؤمTنوا" ،فTسمى
املشTرك مؤمTنا ً .فهؤالء هTم املؤمTنون الTذيTن أيTه اهلل بTهم فTي قTولTه" :يTا أيTها
الTذيTن آمTنوا أمTنوا بTاهلل ورسTولTه والTكتاب الTذي نTزل عTلى رسTولTه والTكتاب
الTذي أنTزل مTن قTبل" ،فTميزهTم عTن املؤمTنني مTن أهTل الTكتاب والTكتب .ومTا
ثTم مTخبر جTاء بTخبر إال الTرسTل ،فTتعني أن املؤمTنني الTذيTن أمTروا بTاإليTمان
أن Tهم ال Tذي Tن آم Tنوا ب Tال Tباط Tل ،وآم Tنوا ب Tالش Tري Tك ،ع Tن ش Tبه ص Tرف Tتهم ع Tن
ال Tدل Tيل ،ألن ال Tذي Tن آم Tنوا ب Tال Tباط Tل ك Tفروا ب Tاهلل ،وال Tذي Tن آم Tنوا ب Tالش Tري Tك
اشT Tمأزت قT TلوبT Tهم إذا ذكT Tر اهلل وحT Tده .فT Tما أتT TاهT Tم بهT Tذا الT Tخبر إال أئT Tمتهم
املTضلون الTذيTن سTبقوهTم ،وكTان ذلTك فTي زعTمهم عTن بTرهTان ،أعTني األئTمة،
العTن قTصور ،بTل وفTوا الTنظر حTقه ،فTما أعTطاهTم اسTتعدادهTم الTذي آتTاهTم
اهلل ،وم Tا ك Tلف اهلل ن Tفسا ً إال م Tا آت Tاه Tا ،وم Tا آت Tاه Tا غ Tير م Tا ج Tاءت ب Tه ).(...
فTينصر اهلل املؤمTن الTذي لTم يTدخTله خTلل فTي إيTمانTه عTلى مTن دخTله خTلل فTي
إيTمانTه .فTإن اهلل يخTذلTه عTلى قTدر مTا دخTله مTن الخTلل ،أي مؤمTن كTان مTن
املؤمTنني .فTاملؤمTن الTكامTل اإليTمان مTنصور أبTدا ً .ولهTذا مTا انهTزم نTبي قTط
وال ول T Tى .أال ت T Tرى ي T Tوم ح T Tنني ،مل T Tا ادع T Tت ال T Tصحاب T Tة -رض T Tى اهلل ع T Tنهم -
تTوحTيد اهلل ،ثTم رأوا كTثرتTهم ،فTأعTجبتهم كTثرتTهم ،فTنسوا اهلل عTند ذلTك ،فTلم
ت Tغن ع Tنهم ك Tثرت Tهم ش Tيئا ً ،ك Tما ل Tم ت Tغن أول Tئك آله Tتهم م Tن اهلل ش Tيئا ً ،م Tع
ك Tون ال Tصحاب Tة مؤم Tنني ب Tال ش Tك ،ول Tكن دخ Tلهم الخ Tلل ب Tاع Tتماده Tم ع Tلى
ال Tكثرة ،ون Tسوا ق Tول اهلل" :ك Tم م Tن ف Tئة ق Tليلة غ Tلبت ف Tئة ك Tثيرة ب Tإذن اهلل".
فTما أذن اهلل هTنا إال لTلغلبة ،فTأوجTدهTا ،فTغلبتهم الTفئة الTقليلة بTها عTن إذن
اهلل.
فما ثم إال اهلل ليس وكل بصير
سـواه بالوجود يراه
وأمTا تTأثTير الTصدق فTمشهود فTي أشTخاص مTا لTهم تTلك املTكانTة مTن أسTباب
الTسعادة الTتي جTاءت بTها الشTرائTع ،ولTكن لTهم الTقدم الTراسTخ فTي الTصدق،
فTيقتلون بTالTهمة وهTي الTصدق .قTيل ألبTي يTزيTد" :أرنTا اسTم اهلل األعTظم"،
فTقال لTهم" :أرونTا األصTغر حTتى أريTكم األعTظم ،أسTماء اهلل كTلها عTظيمة،
ف T Tما ه T Tو إال ال T Tصدق ،أص T Tدق وخ T Tذ أي اس T Tم ش T Tئت ف T Tإن T Tك ت T Tفعل ب T Tه م T Tا
شTئت") .(...فTإن فTهمت فTقد فTتحت لTك بTابTا ً مTن أبTواب سTعادتTك ،إن عTملت
عTليه أسTعدك اهلل حTيث كTنت ،ولTن تخTطىء أبTدا ً .ومTن هTنا تTكون فTي راحTة
مTع اهلل إذا كTانTت الTغلبة لTلكافTريTن عTلى املسTلمني .فTتعلم أن إيTمانTهم تTزلTزل
ودخTTله الخTTلل ،وأن الTTكافTTريTTن فTTيما آمTTنوا بTTه مTTن الTTباطTTل واملشTTركTTني لTTم
يتخT Tلخل إيT TمانT Tهم ،وال تT TزلT TزلT Tوا فT Tيه .فT TالT Tنصر أخT Tو الT Tصدق ،حT Tيث كT Tان
ي Tتبعه .و ل Tو ك Tان خ Tالف ه Tذا م Tا انه Tزم املس Tلمون ق Tط ،ك Tما أن Tه ل Tم ينه Tزم
نTبي قTط .و أنTت تTشاهTد غTلبة الTكفار ونTصرتTهم فTي وقTت ،وغTلبة املسTلمني
ونTصرتTهم فTي وقTت .و الTصادق مTن الTفريTقني ال ينهTزم جTملة واحTدة ،بTل ال
يTزال ثTابTتا ً حTتى يTقتل أو يTنصرف مTن غTير هTزيTمة .وعTلى هTذه الTقدم وزراء
امله Tدي .وه Tذا ه Tو ال Tذي ي Tقررون Tه ف Tي ن Tفوس أص Tحاب امله Tدي .أال ت Tراه Tم
ب Tال Tتكبير ي Tفتحون م Tدي Tنة الTروم ،ف Tيكبرون الTتكبيرة األولTى ف Tيسقط ث Tلث
س Tوره Tا ،وي Tكبرون ال Tثان Tية ف Tيسقط ال Tثلث ال Tثان Tي م Tن ال Tسور ،وي Tكبرون
الT TثالT Tثة فT Tيسقط الT Tثلث الT TثالT Tث ،فT TيفتحونT Tها مT Tن غT Tير سT Tيف .فهT Tذا عT Tني
الTصدق الTذي ذكTرنTا .وهTم جTماعTة ،أعTني وزراء املهTدي ،دون العشTرة .و إذا
عT Tلم اإلمT Tام املهT Tدي هT Tذا عT Tمل بT Tه ،فT Tيكون أصT Tدق أهT Tل زمT TانT Tه .فT Tوزراؤه
الهTداة ،وهTو املهTدي .فهTذا الTقدر يTحصل للمهTدي مTن الTعلم بTاهلل عTلى أيTدي
وزرائه.
و أم Tا خ Tتم ال Tوالي Tة املح Tمدي Tة ) وي Tعني ال Tشيخ األك Tبر ب Tه ن Tفسه ك Tما
سTيأتTي بTيانTه الحTقا( ،فTهو أعTلم الخTلق بTاهلل ،ال يTكون فTي زمTانTه وال بTعد
زمTانTه أعTلم بTاهلل وبTمواقTع الTحكم مTنه ،فTهو والTقرآن أخTوان ،كTما أن املهTدي
والسيف أخوان..
و إن T Tما ش T Tك رس T Tول اهلل -ص T Tلى اهلل ع T Tليه وس T Tلم -ف T Tي م T Tدة إق T Tام T Tته
خ Tليفة م Tن خ Tمس إل Tى ت Tسع ،ل Tلشك ال Tذي وق Tع ف Tي وزرائ Tه ) ك Tأن ال Tشيخ
يTشير هTنا إلTى الTشك املTذكTور فTي سTورة الTكهف حTول عTدد فTتية الTكهف،
وقT Tد ورد فT Tي خT Tبر أن هؤالء الT Tفتية سT TيكونT Tون وزراء للمهT Tدي ،واهلل أعT Tلم
بTصحة هTذا الTخبر ( ،ألنTه لTكل وزيTر مTعه سTنة ،فTإن كTانTوا خTمسة عTاش
خ Tمسة ،و إن ك Tان Tوا س Tبعة ع Tاش س Tبعة ،و إن ك Tان Tوا ت Tسعة ع Tاش ت Tسعة.
فTإنTه لTكل عTام أحTوال مTخصوصTة ،وعTلم مTا يTصلح فTي ذلTك الTعام خTص بTه
وزي Tر م Tن وزرائ Tه .ف Tما ه Tم أق Tل م Tن خ Tمسة ،وال أك Tثر م Tن ت Tسعة .و ي Tقتلون
كTلهم ،إال واحTدا ً مTنهم ) يTقال عTن هTذا الTواحTد أنTه الTخضر عTليه السTالم،
واهلل أعTTلم ( ،فTTي مTTرج عTTكا ،فTTي املTTائTTدة اإللTTهية الTTتي جTTعلها اهلل مTTائTTدة
لسTباع الTطير والTهوام .وذلTك الTواحTد الTذي يTبقى ال أدري هTل يTكون مTمن
اس T Tتثنى اهلل ف T Tي ق T Tول T Tه ت T Tعال T Tى" :ون T Tفخ ف T Tي ال T Tصور فصعق م T Tن ف T Tي
ال Tسموات وم Tن ف Tي األرض إال م Tن ش Tاء اهلل" ،أو ي Tموت ف Tي ت Tلك ال Tنفخة.
وأمTا الTخضر الTذي يTقتله الTدجTال فTي زعTمه ،ال فTي نTفس األمTر ،وهTو فTتى
ممتل¦ شTبابTا ً ،هTكذا يظهTر لTه فTي عTينه ،وقTد قTيل إن الTشاب الTذي يTقتله
ال Tدج Tال ف Tي زع Tمه أن Tه واح Tد م Tن أص Tحاب ال Tكهف ،ول Tيس ذل Tك ب Tصحيح
عندنا من طريق الكشف.
ت -حديث الدجال :
وظ Tهور امله Tدي م Tن أش Tراط ق Tرب ال Tساع Tة .وي Tكون ف Tتح م Tدي Tنة ال Tروم،
وهTي القسTطنطينية الTعظمى ،وامللحTمة الTكبرى الTتي هTي املTأدبTة بTمرج
ع Tكا ،وخ Tروج ال Tدج Tال ،ف Tي س Tتة أشه Tر .وي Tكون ب Tني ف Tتح القس Tطنطينية
وخ Tروج ال Tدج Tال ث Tمان Tية عش Tرة ي Tوم Tا ً .وي Tكون خ Tروج Tه م Tن خ Tراس Tان م Tن
أرض املشق مT T TوضT T Tع الT T Tفنت .تT T Tتبعه األتT T Tراك والT T Tيهود .يخT T Tرج إلT T Tيه مT T Tن
أص Tبهان وح Tده Tا س Tبعون أل Tفا ً مطيلس Tني ف Tي ات Tباع Tه ،ك Tلهم م Tن ال Tيهود.
وهTو رجTل كهTل ،أعTور الTعني الTيمنى ،كTأن عTينه عTنبة طTافTية ،مTكتوب بTني
عT Tينيه" :كT Tاف فT Tاء راء" ،فT Tال أدري هT Tل املT Tراد بهT Tذا الT Tهجاء" :كT Tفر" مT Tن
األفTعال ،أو أراد بTه" :كTفر" مTن األسTماء ،إال أنTه حTذف األلTف كTما حTذفTتها
ال Tعرب ف Tي خ Tط امل Tصحف ف Tي م Tواض Tع ،ف Tمثل أل Tف "ال Tرح Tمن" ب Tني امل Tيم
والTنون) كTأن الTشيخ فTي هTذيTن االحTتمالTني يTشير إلTى وجTود صTنفني مTن
الTتدجTيل ،األول امل Tذك Tور ه Tو الTتدجTيل الTداخTلي ،أي داخ Tل أمTة اإلس Tالم،
وأصTحابTه يTنتمون ظTاهTريTا لTإلسTالم ،لTكنهم فTي الTحقيقة كTفروا وأمTسوا
مT T T Tن أعT T T Tوان الT T T TدجT T T Tال.والT T T Tصنف الT T T TثانT T T Tي هT T T Tم أصT T T Tحاب الT T T TتدجT T T Tيل
الخارجي.وبني االثنني والء تام(.
و كTان -صTلى اهلل عTليه وسTلم – يسTتعيذ ،وأمTرنTا بTاالسTتعاذة مTن فTتنة
امل Tسيح ال Tدج Tال وم Tن ال Tفنت .ف Tإن ال Tفنت ت Tعرض ع Tلى ال Tقلوب ك Tال Tحصير
عT Tودا ً عT Tودا ،فT Tأي قT Tلب أشTTربTTها نT Tكتت فT Tيه نT Tكتة سT Tوداء .نT Tعوذ بT Tاهلل مT Tن
الT Tفنت) .حT Tدث (...الT Tنواس بT Tن سT Tمعان الT TكالبT Tي قT Tال ] :ذكT Tر رسT Tول اهلل -
صTلى اهلل عTليه وسTلم -الTدجTال ذات غTداة ،فTخفض فTيه ورفTع ،حTتى ظTنناه
ف Tي ط Tائ Tفة النخ Tل .ق Tال :ف Tان Tصرف Tنا م Tن ع Tند رس Tول اهلل -ص Tلى اهلل ع Tليه
وس Tلم -ث Tم رح Tنا إل Tيه ،ف Tعرف ذل Tك ف Tينا ،ف Tقال" :م Tا ش Tأن Tكم؟" ،ف Tقلنا" :ي Tا
رس Tول اهلل ذك Tرت ال Tدج Tال ال Tغداة ف Tخفضت ف Tيه ورف Tعت ح Tتى ظ Tنناه ف Tي
ط Tائ Tفة النخ Tل" ،ف Tقال" :غ Tير ال Tدج Tال أخ Tوف ل Tي ع Tليكم .إن يخ Tرج وأن Tا
فT Tيكم فT TأنT Tا حT Tجيجه دونT Tكم .و إن يخT Tرج ولسT Tت فT Tيكم فT Tكل امT Tرئ حT Tجيج
نTفسه ،واهلل خTليفتي عTلى كTل مسTلم .إنTه شTاب قTطط ،عTينه طTافTية ،شTبيه
ب T Tعبد ال T Tعزى ب T Tن ق T Tطن .ف T Tمن رآه م T Tنكم ف T Tليقرأ ف T Tوات T Tح س T Tورة أص T Tحاب
ال .يTاالTكهف" .قTال " :يخTرج مTا بTني الTشام والTعراق ،فTعاث يTمينا ً وشTما ً
عT Tباد اهلل اثT Tبتوا اثT Tبتوا" .قT Tلنا" :يT Tا رسT Tول اهلل ومT Tا لT Tبثه فT Tي األرض؟"،
قTTال" :أربTTعون يTTومTTا ً ،يTTوم كTTسنة ،ويTTوم كشهTTر ،ويTTوم كجTTمعة ،وسTTائTTر
أيTامTه كTأيTامTكم" .قTلنا" :يTا رسTول اهلل أرأيTت الTيوم الTذي كTالTسنة ،يTكفينا
ف Tيه ص Tالة ي Tوم؟" ،ق Tال" :ال ،ول Tكن أق Tدروا ل Tه" .ق Tلنا" :ي Tا رس Tول اهلل ف Tما
سTرعTته فTي األرض؟" ،قTال " :كTالTغيث إذا اسTتدبTرتTه الTريTح .فTيأتTي الTقوم
فT TيدعT TوهT Tم فT TيكذبT TونT Tه ويT Tردون عT Tليه قT TولT Tه ،فT Tينصرف فT Tتتبعه أمT TوالT Tهم،
فTيصبحون لTيس بTأيTديTهم شTيء .ثTم يTأتTي الTقوم فTيدعTوهTم فيسTتجيبون
لTه ويTصدقTونTه ،فTيأمTر الTسماء أن تTمطر فTتمطر ،ويTأمTر األرض أن تTنبت
فTتنبت .فTترروح عTليهم سTارحTتهم كTأطTول مTا كTانTت درا ً ،وأمTده خTواصTر،
وأدره ضT TروعT Tا ً .قT Tال :ثT Tم يT TأتT Tي الخT TربT Tة فT Tيقول لT Tها" :اخT TرجT Tي كT Tنوزك"
ال شTابTا ً مTمتلئا ً، ويTنصرف عTنها ،فTتتبعه كTيعاسTيب النحTل .ثTم يTدعTو رجً T
فT TيضربT Tه بT TالT Tسيف فT Tيقطعه جT TزلT Tتني ،ثT Tم يT TدعT Tوه فT Tيقبل يتهT Tلل وجT Tهه
يTضحك .فTبينما هTو كTذلTك ،إذ هTبط عTيسى بTن مTريTم بشTرقTي دمشق عTند
امل Tنارة ال Tبيضاء ،ب Tني مه Tرودت Tني ،واض Tعا ً ي Tدي Tه ع Tلى أج Tنحة م Tلكني ،إذا
طTأطTأ رأسTه قTطر ،و إذا رفTعه انحTدر مTنه جTمان كTاللؤلؤ .قTال :وال يجTد ريTح
نT Tفسه ،يT Tعني أحT Tد ،إال مT Tات .وريT Tح نT Tفسه مT Tنتهى بT Tصره .قT Tال :فT Tيطلبه
حTتى يTدركTه بTباب " لTد " ،فTيقتله .قTال :ويTلبث كTذلTك مTا شTاء اهلل .قTال :ثTم
يTوحTي اهلل إلTيه " :أن احTرز عTبادي إلTى الTطور ،فTإنTي قTد أنTزلTت عTبادا لTي
ال يTد ألحTد بTقتالTهم" .قTال :ويTبعث اهلل يTأجTوج ومTأجTوج ،وهTم كTما قTال اهلل
تT TعالT Tى" :مT Tن كT Tل حT Tدب ينسT Tلون" .قT Tال :فT Tيمر أولT Tهم بT Tبحيرة طT TبريT Tة،
فيش Tرب Tون م Tا ف Tيها ،ث Tم ي Tمر ب Tها آخ Tره Tم ف Tيقول Tون " :ل Tقد ك Tان به Tذه م Tرة
مTاء" .ثTم يTسيرون إلTى أن يTنتهوا إلTى جTبل بTيت املTقدس ،فTيقولTون " :لTقد
ق Tتلنا م Tن ف Tي األرض فه Tلم ف Tلنقتل م Tن ف Tي ال Tسماء" ،ف Tيرم Tون ب Tنشاب Tهم
إلTى الTسماء ،فTيرد اهلل عTليهم نTشابTهم محTمرا ً دمTا ً .ويTحاصTر عTيسى بTن
مTريTم وأصTحابTه ،حTتى يTكون رأس الTثور يTومTئذ خTيرا ً لTهم مTن مTائTة ديTنار
ألح Tدك Tم ال Tيوم .ق Tال :ف Tيرغ Tب ع Tيسى ب Tن م Tري Tم إل Tى اهلل وأص Tحاب Tه .ق Tال:
فTيرسTل اهلل عTليهم الTنغف فTي رقTابTهم ،فTيصبحون فTرسTى مTوتTى كTموت
نTفس واحTدة .قTال :ويهTبط عTيسى بTن مTريTم وأصTحابTه ،فTال يجTد مTوضTع
شTبر إال وقTد مTألتTه زهTمتهم ونTتنهم ودمTاؤهTم .قTال :فTيرغTب عTيسى إلTى اهلل
وأص T Tحاب T Tه .ق T Tال :ف T Tيرس T Tل اهلل ع T Tليهم ط T Tيرا ً ك T Tأع T Tناق ال T Tبخت ،فتح T Tملهم
بTاملهTبل .ويسTتوقTد املسTلمون مTن قTسيهم ونTشابTهم وجTعابTهم سTبع سTنني.
وي Tرس Tل اهلل ع Tليهم م Tطرا ً ال ي Tكن م Tنه ب Tيت وال وب Tر وال م Tدر .ق Tال :فيغس Tل
األرض ويTتركTها كTالTزلTفة .قTال :ثTم يTقال لTألرض" :أخTرجTي ثTمرتTك ،وردي
بTركTتك" .فTيومTئذ تTأكTل الTعصابTة الTرمTانTة ،ويسTتظلون بTقحفها ،ويTبارك اهلل
ف Tي ال Tرس Tل ح Tتى أن ال Tفئام م Tن ال Tناس ل Tيكتفون ب Tال Tلقحة م Tن اإلب Tل ،وأن
الT Tقبيلة لT Tيكتفون بT TالT Tلقحة مT Tن الT Tبقر ،وأن الفخT Tذ لT Tيكتفون بT TالT Tلقحة مT Tن
الTغنم .فTبيناهTم كTذلTك إذ بTعث اهلل ريTحا ً ،فTقبضت روح كTل مؤمTن ،ويTبقى
سTائTر الTناس يTتهارجTون كTما يTتهارج الحTمر ،فTعليهم تTقوم الTساعTة[ .قTال
أبو عيسى) الترمذي( :هذا حديث غريب حسن صحيح.
)قTلت :كTل جTملة مTن هTذا الحTديTث تTحتاج إلTى شTروح مTتعددة ،والشTرح
الوافي للحديث مجمال يحتاج إلى كتاب مستقل ليس هنا محله(.
-مدة إقامة املهدي مناسبة لعدد وزرائه: ث
يواصل الشيخ األكبر كالمه في هذا الباب فيقول:
] ثTم نTرجTع إلTى مTا بTنينا عTليه الTباب مTن الTعلم بTوزراء املهTدي ومTراتTبهم.
فTاعTلم أنTي عTلى الTشك مTن مTدة إقTامTة هTذا املهTدي إمTامTا ً فTي هTذه الTدنTيا.
فT TإنT Tي مT Tا طT Tلبت مT Tن اهلل تحقيق ذلT Tك ،وال تT Tعيينه وال تT Tعيني حT Tادث مT Tن
حTوادث األكTوان ،إال أن يTعلمني اهلل بTه ابTتداء ال عTن طTلب .فTإنTي أخTاف أن
ي Tفوت Tني م Tن م Tعرف Tتي ب Tه ت Tعال Tى ح Tظ ف Tي ال Tزم Tان ال Tذي أط Tلب ف Tيه م Tنه
تTعالTى مTعرفTة كTون وحTادث .بTل سTلمت أمTري إلTى اهلل فTي مTلكه ،يTفعل فTيه
مTا يTشاء .فTإنTي رأيTت جTماعTة مTن أهTل اهلل تTعالTى يTطلبون الTوقTوف عTلى
عTلم الTحوادث الTكونTية مTنه تTعالTى ،والسTيما مTعرفTة إمTام الTوقTت ،فTأنTفت
مTن ذلTك ،وخTفت أن يسTرقTني الTطبع بTمعاشTرتTهم وهTم عTلى هTذه الTحال .و
مTا أردت مTنه تTعالTى إال أن يTرزقTني اTلثبوت عTلى قTدم واحTدة مTن املTعرفTة بTه،
و إن تTقلبت فTي األحTوال فTال أبTالTي .وملTا رأيTته قTد قTدمTني وأخTرنTي ،ورأيTت
اخTتالف عTيني الخTتالف الTحال ،فTلم أر عTينا ً واحTدة تTثبت ،فTما اسTتقر لTي
أم Tرأث Tبت ع Tليه ك Tما ك Tنت ع Tليه ف Tي ح Tال ع Tدم Tي ،ورأي Tت أن ح Tكم ال Tوج Tود
وم T Tقام ال T Tشهود ح T Tكم ع T Tلى ع T Tيني ب T Tذل T Tك ،ط T Tلبت اإلق T Tال T Tة م T Tن وج T Tودي،
فخاطبته نظما ً وحكما ً:
لك العتبى أقلني من ومن حكم التحقق
وجودي بالشهود
لقد أصبحت قبلة كل وقد أمسيت أطلب
شيء بالسجود
عجبت لحالتي إذ قال ودأنا عني املس ّ
كوني واملسـود
فإما أن تميزنـي و إما أن أميز في
إمـامـا ً العـبـيد
لقد لعبت بنا أيدي خفايا الغيب في عني
الخـفـايا الـوجـود
فTلما سTألTت ذلTك ،أبTان لTي عTن جهTلي ،وقTال لTي" :أمTا تTرضTى أن تTكون
م Tثلي؟" .ث Tم أق Tام ل Tي اخ Tتالف تج Tليه ف Tي ال Tصور ،وم Tا ي Tدرك Tه م Tن ذات Tه
الT Tبصر .فT Tقلت :مT Tا عT Tلي مT Tن اخT Tتالف األحT Tوال عT Tلى عT Tني ثT TابT Tتة ال تT Tقبل
ال Tتقييد ،ف Tإن Tي م Tا أن Tكرت اخ Tتالف األح Tوال ،ف Tإن ال Tحقائق ت Tعطي ذل Tك،
و إنTما أقTلقني اخTتالف الTعني مTن وجTودي الخTتالف األحTوال ،فTإنTي أعTلم
م Tع ك Tون Tك ك Tل ي Tوم ف Tي ش Tأن أن Tك ال Tعني ال Tثاب Tتة ف Tي ال Tغنى ع Tن ال Tعامل Tني،
فإني علمت:
إن التحول في
نعت املهيمن بالخبر
الصور
وبذاك أنـزل وحـيه فيما تاله من السور
ولقد رأيت مـثـالـه بمطوال وبمختصـر
ول الT TعالT Tم كT Tله ،وبT TاملT Tختصر اإلنT Tسان الT TكامT Tل ،ملT Tا رأيT Tت أن أردت بT TاملT Tط ّ
الTتقلب فTي كTل ذلTك الزم .فTفي الTعالTم تTقلب الTليل والTنهار ،وفTي اإلنTسان
الTكامTل الTذي سTاد الTعالTم فTي الTكمال ،وهTو محTمد -صTلى اهلل عTليه وسTلم -
س T Tيد ال T Tناس ي T Tوم ال T Tقيام T Tة" :وه T Tو ال T Tذي ي T Tراك ح T Tني ت T Tقوم وت T Tقلبك ف T Tي
الساجدين".
ومل Tا ج Tرى ب Tنا ال Tقلم ف Tي ح Tلبة ال Tعبارة ال Tرق Tمية ،ألن ال Tتعري Tف ق Tد ي Tقع
لTفظا ً وكTتابTة ،وقTد يTقع فTي الTعموم عTند الTخواص بTالTنظر ،وقTد وجTدتTه ،وقTد
يT Tقع بT TالT Tضرب ،وقT Tد وجT Tده رسT Tول اهلل -صT Tلى اهلل عT Tليه وسT Tلم ،-وبT TأمT Tور
كTثيرة غTير مTا ذكTرنTا .وكTل ذلTك خTطاب وتTعريTف .فTطريق عTلمنا اإلخTبار.
وملTا كTنت عTلى هTذه الTقدم الTتي جTالسTت الحق عTليها أن ال أضTيع زمTانTي
فTي غTير عTلمي بTه تTعالTى ،قTيض اهلل واحTدا ً مTن أهTل اهلل تTعالTى وخTاصTته،
يTقال لTه أحTمد بTن عTقاب ،اخTتصه اهلل بTاألهTلية صTغيرا ً ،فTوقTع مTنه ابTتداء
ذكTر هؤالء الTوزراء ،فTقال لTي" :هTم تTسعة" .فTقلت لTه :إن كTانTوا تTسعة فTإن
مTدة بTقاء املهTدي البTد أن تTكون تTسع سTنني ،فTإنTي عTليم بTما يTحتاج إلTيه
وزيTره .فTإن كTان واحTدا ً اجTتمع فTي ذلTك الTواحTد جTميع مTا يTحتاج إلTيه .و إن
كTانTوا أكTثر مTن تTسعة فTإنTه إلTيها انTتهى الTشك مTن رسTول اهلل -صTلى اهلل
عTليه وسTلم -فTي قTولTه :خTمسا ً أو سTبعا ً أو تTسعا ً ،فTي إقTامTة املهTدي .و
جTميع مTا يTحتاج إلTيه مTما يTكون قTيام وزرائTه بTه تTسعة أمTور ال عTاشTر لTها،
وال ت Tنقص ع Tن ذل Tك .وه Tي :ن Tفوذ ال Tبصر ،وم Tعرف Tة الخ Tطاب اإلل Tهي ع Tند
اإللTقاء ،وعTلم الTترجTمة عTن اهلل ،وتTعيني املTراتTب لTوالدة األمTر ،والTرحTمة فTي
الTغضب ،ومTا يTحتاج إلTيه املTلك مTن األرزاق املTحسوسTة واملTعقولTة ،وعTلم
ت Tداخ Tل األم Tور ب Tعضها ع Tلى ب Tعض ،وامل Tبال Tغة واالس Tتقصاء ف Tي ق Tضاء
حTوائTج الTناس ،والTوقTوف عTلى عTلم الTغيب الTذي يTحتاج إلTيه فTي الTكون
فTي مTدتTه خTاصTة .فهTذه تTسعة أمTور ال بTد أن تTكون فTي وزيTر اإلمTام املهTدي
إن كان الوزير واحدا ً ،أو وزرائه إن كانوا أكثر من واحد.
)األمر األول(:
ف Tأم Tا ن Tفوذ ال Tبصر ،ف Tذل Tك ل Tيكون دع Tاؤه إل Tى اهلل ع Tلى ب Tصيرة ف Tي
املTدعTو إلTيه ،ال فTي املTدعTو .فTينظر فTي عTني كTل مTدعTو مTمن يTدعTو ،فTيرى مTا
يTمكن لTه اإلجTابTة إلTى دعTوتTه ،فTيدعTوه مTن ذلTك ولTو بTطرق اإللTحاح .ومTا
يTرى مTنه أنTه ال يTجيب دعTوتTه يTدعTوه مTن غTير إلTحاح إلقTامTة الTحجة عTليه
خTاصTة .فTإن املهTدي حTجة اهلل عTلى أهTل زمTانTه ،وهTي درجTة األنTبياء الTتي
تTقع فTيها املTشاركTة .قTال اهلل تTعالTى " :أدعTو إلTى اهلل عTلى بTصيرة أنTا ومTن
اتTبعني" .أخTبر بTذلTك عTن نTبيه صTلى اهلل عTليه وسTلم .فTاملهTدي مTمن اتTبعه.
وهTTو -صTTلى اهلل عTTليه وسTTلم -ال يخTTطىء فTTي دعTTائTTه إلTTى اهلل ،فT Tمتبعه ال
يخT Tطىء ،فT TإنT Tه يT Tقفو أثT Tره .وكT Tذا ورد فT Tي الT Tخبر صT Tفة املهT Tدي أنT Tه قT Tال -
ص Tلى اهلل ع Tليه وس Tلم" : -ي Tقفو أث Tري ال يخ Tطىء" .وه Tذه ه Tي ال Tعصمة
في الدعاء إلى اهلل وينالها كثير من األولياء بل كلهم.
ومTن حTكم نTفوذ الTبصر أن يTدرك صTاحTبه األرواح الTنوريTة والTناريTة عTن
غTير إرادة مTن األرواح وال ظTهور وال تTصور ،كTابTن عTباس وعTائTشة -رضTي
اهلل عT Tنهما -حT Tني أدركT Tا جT TبريT Tل -عT Tليه السT Tالم -وهT Tو يT Tكلم رسT Tول اهلل -
صT Tلى اهلل عT Tليه وسT Tلم -عT Tلى غT Tير عT Tلم مT Tن جT TبريT Tل بT TذلT Tك ،وال إرادة مT Tنه
لTلظهور لTهم .فTأخTبر بTذلTك رسTول اهلل -صTلى اهلل عTليه وسTلم -ولTم يTعلما
أنT Tه جT TبريT Tل عT Tليه السT Tالم .فT Tقال لT Tها -صT Tلى اهلل عT Tليه وسT Tلم " : -أو قT Tد
رأيT T Tتيه؟" ،وقT T Tال البT T Tن عT T Tباس ":أرأيT T Tته؟" ،قT T Tاال " :نT T Tعم" ،قT T Tال" :ذلT T Tك
جTبريTل" .وكTذلTك يTدركTون رجTال الTغيب فTي حTال إرادتTهم االحTتجاب ،وأن ال
يظهTروا لTألبTصار .فTيراهTم صTاحTب هTذا الTحال .ومTن نTفوذ الTبصر أيTضًا
أنTهم إذا تجسTدت لTهم املTعانTي يTعرفTونTها فTي عTني صTورهTا ،فTيعلمون أي
معنى هو ذلك الذي تجسد ،من غير توقف.
)األمر الثاني(:
وأمTا مTعرفTة الخTطاب اإللTهي عTند اإللTقاء ،فTهو قTولTه تTعالTى" :ومTا
ال". ك Tان لبش Tر أن ي Tكلمه اهلل إال وح Tيا ً أو م Tن وراء ح Tجاب أو ي Tرس Tل رس Tو ً
فTTأمTTا الTTوحTTي مTTن ذلTTك فTTهو مTTا يTTلقيه فTTي قTTلوبTTهم عTTلى جTTهة الحTTديTTث،
فTيحصل لTهم مTن ذلTك عTلم بTأمTر مTا ،وهTو الTذي تTضمنه ذلTك الحTديTث .و إن
لTم يTكن كTذلTك فTليس بTوحTي وال خTطاب .فTإن بTعض الTقلوب يجTد أصTحابTها
عTلما ً بTأمTر مTا مTن الTعلوم الTضروريTة عTند الTناس ،فTذلTك عTلم صTحيح لTيس
عTن خTطاب .وكTالمTنا إنTما هTو فTي الخTطاب اإللTهي املTسمى وحTيا ً .فTإن اهلل
ت Tعال Tى ج Tعل م Tثل ه Tذا ال Tصنف م Tن ال Tوح Tي ك Tالم Tا ً .وم Tن ال Tكالم يس Tتفيد
العلم بالذي جاء به ذلك الكالم .وبهذا يفرق إذا وجد ذلك.
وأمTا قTولTه تTعالTى" :أو مTن وراء حTجاب" ،فTهو خTطاب إلTهي يTلقيه عTلى
الTسمع ال عTلى الTقلب .فTيدركTه مTن ألTقي عTليه ،فTيفيهم مTنه مTا قTصد بTه مTن
أس T Tمعه ذل T Tك .وق T Tد ي T Tحصل ل T Tه ذل T Tك ف T Tي ص T Tور التج T Tلي ،ف T Tتخاط T Tبه ت T Tلك
الTصورة اإللTهية ،وهTي عTني الTحجاب ،فTيفهم مTن ذلTك الخTطاب عTلم مTا يTدل
عTليه ،ويTعلم أن ذلTك حTجاب ،وأن املTتكلم مTن وراء ذلTك الTحجاب .و مTا كTل
مTن أدرك صTورة التجTلي اإللTهي يTعلم أن ذلTك هTو اهلل .فTما يTزيTد صTاحTب
هTذه الTحال عTلى غTيره إال بTأن يTعرف أن تTلك الTصورة ،و إن كTانTت حTجابTا ً،
فهي عني تجلي الحق له.
وأم Tا ق Tول Tه ت Tعال Tى" :أو ي Tرس Tل رس Tوالً" ،ف Tهو م Tا ي Tنزل ب Tه امل Tلك ،أو م Tا
يجي¦ بTه الTرسTول البشTري إلTينا إذا نTقال كTالم اهلل خTاصTة ،مTثل الTتالTي.
قTال تTعالTى ":فTأجTره حTتى يTسمع كTالم اهلل" ،وقTولTه تTعالTى" :ونTاديTناه مTن
جTانTب الTطور األيTمن وقTربTناه نTجيا ً" ،وقTولTه تTعالTى" :نTودي أن بTورك مTن
ف T Tي ال T Tنار وم T Tن ح T Tول T Tها" .ف T Tإن ن T Tقال ع T Tلما ً وأف T Tصحا ً ع T Tنه ووج T Tداه ف T Tي
أنT Tفسهما ،فT TذلT Tك لT Tيس بT Tكالم إلTTهي .وقT Tد يT Tكون الTTرسTTول والT Tصورة مT Tعا ً،
وذلTك فTي نTفس الTكتابTة .فTالTكتاب رسTول ،وهTو عTني الTحجاب عTلى املTتكلم،
فTيفهمك مTا جTاء بTه ،ولTكن ال يTكون ذلTك إذا كTتب مTا عTلم .و إنTما يTكون ذلTك
إذا ك Tتب ع Tن ح Tدي Tث ي Tخاط Tبه ب Tه ت Tلك الح Tروف ال Tتي يس Tطره Tا .وم Tتى ل Tم
يT Tكن كT TذلT Tك فT Tما هT Tو كT Tالم ،هT Tذا هT Tو الT TضابT Tط .فT TالT Tلقاء لT TلرسT Tل ،واإللT Tقاء
ل Tلخبراإلل Tهي ب Tارت Tفاع ال Tوس Tائ Tط م Tن ك Tون Tه ك Tلمه ال غ Tير .وال Tكتاب Tة رق Tوم
مسTطرة حTيث كTانTت لTم تسTطر إال عTن حTديTث مTمن سTطرهTا ،العTن عTلم .فهTذا
كله من الخطاب اإللهي لصاحب هذا املقام.
)األمر الثالث(:
وأم T Tا ع T Tلم ال T Tترج T Tمة ع T Tن اهلل ،ف T Tذل T Tك ل T Tكل م T Tن ك T Tلمه اهلل ف T Tي اإلل T Tقاء
والTوحTي .فTيكون املTترجTم خTالقTا ً لTصور الحTروف الTلفظية أو املTرقTومTة الTتي
يTوجTدهTا .ويTكون روح تTلك الTصور كTالم اهلل ال غTيرهTا .فTإن تTرجTم عTن عTلم
فTما هTو مTترجTم ،ال بTد مTن ذلTك .يTقول الTولTي" :حTدثTني قTلبي عTن ربTي".
وقTد يTترجTم املTترجTم عTن ألTسنة األحTوال ،ولTيس مTن هTذا الTباب بTل ذلTك مTن
سوم، هو مTعلوم عTند عTلماء اTلر T بTاب آخTر يTرجTع إTلى عTني اTلفهم بTاألحTوال ،و T
وع Tلى ذل Tك يخ Tرج Tون ق Tول Tه ت Tعال Tى" :و إن م Tن ش Tيء إال يس Tبح بح Tمده"،
يT TقولT Tون" :يT Tعني بT Tلسان الT Tحال" .،وكT TذلT Tك قT TولT Tه تT TعالT Tى" :إنT Tا عT TرضT Tنا
األمT TانT Tة عT Tلى الT Tسموات واألرض والT Tجبال فT TأبT Tني أن يحT Tملنها وأشT Tفقن
ال ال حT Tقيقة .وكT TذلT Tك قT TولT TهمT Tنها" ،فT Tجعلوا هT Tذه اإلبT TايT Tة واالشT Tفاق حT Tا ً
عTنهما " :قTالTتا أتTينا طTائTعني" ،قTول حTال ال قTول خTطاب .وهTذا كTله لTيس
بTصحيح وال مTراد فTي هTذه اآليTات ،بTل األمTر عTلى ظTاهTره كTما ورد ،هTكذا
ي Tدرك Tه أه Tل ال Tكشف .ف Tإذا ت Tرج Tموا ع Tن امل Tوج Tودات ف Tإن Tما ي Tترج Tمون ع Tما
ت Tخاط Tبهم ب Tه ،ال ع Tن أح Tوال Tهم ،إذ ل Tو ن Tطقوا ل Tقال Tوا ه Tذا .وأص Tحاب ه Tذا
الTقول انTقسموا عTلى قTسمني :فTبعصهم يTقول إن كTان هTذا وأمTثالTه نTطقاً
حTقيقة وكTالمTا ً ،فTال بTد أن يخTلق فTي هؤالء الTناطTقني حTياة ،وحTينئذ يTصح
أن يTكون حTقيقة ،وجTائTز أن يخTلق اهلل فTيهم حTياة ،ولTكن ال عTلم لTنا بTذلTك أن
وزنTاه ،أو هTو لTسان حTال .فTأمTا أصTحاب ذاك الTقول ،فTكذا األمTر وقTع كTما جّ T
وقTع فTي نTفس األمTر ،ألن كTل مTا سTوى اهلل حTيّ نTاطق فTي نTفس األمTر .فTال
مTعنى لTألحTوال مTع هTذا عTند أهTل الTكشف والTوجTود .و أمTا الTقسم اآلخTر
هTم الTحكماء ،فTقالTوا إن هTذا لTسان حTال وال بّTد ،ألنTه مTن املTحال أن يTحيا
الجTماد .وهTذا قTول مTحجوب بTأكTثف حTجاب .فTما فTي الTعالTم إال مTترجTم إذا
ي .فافهم ذلك. ترجم عن حديث إله ّ
)األمر الرابع(:
وأمTا تTعني املTراتTب لTوالة األمTر ،فTهو الTعلم بTما تسTتحقه كTل مTرتTبة مTن
املTصالTح الTتي خTلقت لTها .فTينظر صTاحTب هTذا الTعلم فTي نTفس الTشخص
الTذي يTريTد أن يTولTيه ،ويTرفTع املTيزان بTينه وبTني املTرتTبة ،فTإذا رأى االعTتدال
فTي الTوزن مTن غTير تTرجTيح لTكفة املTرتTبة واله .و إن رجTح الTوالTي فTال يTضره.
و إن رج Tحت ك Tفة امل Tرت Tبة ع Tليه ل Tم ي Tول Tه ،ألن Tه ي Tنقص ع Tن ع Tلم م Tا رج Tحه،
فTيجور بTال شTك ،وهTو أصTل الTجور فTي الTوالة .ومTن املTحال عTندنTا أن يTعلم
ويT Tعدل عT Tن حT Tكم عT Tلمه جT Tملة واحT Tدة ،وهT Tو جT TائT Tز عT Tند عT Tلماء الT TرسT Tوم،
وعTندنTا هTذا الTجائTز لTيس بTواقTع فTي الTوجTود ،وهTي مTسألTة صTعبة .ولهTذا
ال كTما مTلئت جTورا ً وظTلما ً ،يTعني األرض. يTكون املهTدي يملؤهTا قسTطا ً وعTد ً
ف T Tإن ال T Tعلم ع T Tندن T Tا ي T Tقتضي ال T Tعمل وال ب T Tد ،و إال ف T Tليس ب T Tعلم ،و إن ظه T Tر
بصورة علم.
وامل Tرات Tب ث Tالث Tة ،وه Tي ال Tتي ي Tنفذ ف Tيها ح Tكم ال Tحاك Tم ،وه Tي :ال Tدم Tاء
واألع T Tراض واألم T Tوال .ف T Tيعلم م T Tا ت T Tطلبه ك T Tل م T Tرت T Tبة م T Tن ال T Tحكم اإلل T Tهي
املش Tروع .وي Tنظر ف Tي ال Tناس ،ف Tمن رأى أن Tه ج Tمع م Tا ت Tطلبه ت Tلك امل Tرت Tبة،
نTظر فTي مTزاج ذلTك الTجامTع ،فTإن رآه يTتصرف تTحت حTكم الTعلم ،عTلم أنTه
عTاقTل فTواله .و إن رآه يTحكم عTلى عTلمه ،وأن عTلمه مTعه مTقهور تTحت حTكم
شTهوتTه وسTلطان هTواه ،لTم يTولTه مTع عTلمه بTالTحكم ) . (...فTإن كTثيرا مTمن
يTنتمي إلTى الTديTن والTعلم الTرسTمي تTحكم شTهوتTهم عTليهم .والTعاقTل لTيس
كTذلTك ،فTإن الTعقل يTأبTى إال الTفضائTل ،فTإنTه يTقيد صTاحTبه عTن الTتصرف فTيما
ال ،من العقال. ال ينبغي ،ولهذا سمى عق ً
) األمر الخامس(:
وأمTا الTرحTمة فTي الTغضب ،فTال يTكون ذلTك إال فTي الحTدود املشTروعTة
والTتعزيTر .ومTا عTدا ذTلك فTغضب لTيس فTيه مTن اTلرحTمة شTيء .ولTذلTك قTال أبTو
ي Tزي Tد" :ب Tطشي أش Tد" مل Tا س Tمع ال Tقارىء ي Tقرأ" :إن ب Tطش رب Tك لش Tدي Tد".
ف Tإن اإلن Tسان إذا غ Tضب ل Tنفسه ف Tال ي Tتضمن ذل Tك ال Tغضب رح Tمة ب Tوج Tه.
و إذا غTضب هلل فTغضبه غTضب اهلل ،وغTضب اهلل ال يخTلص عTن رحTمة إلTهية
تTشوبTه .فTغضبه فTي الTدنTيا مTا نTصبه مTن الحTدود والTتعزيTرات .وغTضبه
فTي اآلخTرة مTا يTقيم مTن الحTدود عTلى مTن يTدخTل الTنار .فTهو و إن كTان غTضبًا
ف Tهو ت Tطهير ،مل Tا ش Tاب Tه م Tن ال Tرح Tمة ف Tي ال Tدن Tيا واآلخ Tرة .ألن ال Tرح Tمة مل Tا
س Tبقت ال Tغضب ف Tي ال Tوج Tود ع Tمت ال Tكون ك Tله ،ووس Tعت ك Tل ش Tيء .ف Tلما
ج Tاء ال Tغضب ف Tي ال Tوج Tود وج Tد ال Tرح Tمة ق Tد س Tبقته ،وال ب Tد م Tن وج Tوده،
فTكان مTع الTرحTمة كTاملTاء مTع الTلنب إذا شTابTه وخTالTطه ،فTلم يخTلص املTاء مTن
الTلنب .كTذلTك لTم يخTلص الTغضب مTن الTرحTمة ،فTحكمت عTلى الTغضب ألنTها
ص Tاح Tبة املح Tل ،ف Tينتهي غ Tضب اهلل ف Tي امل Tغضوب ع Tليهم ،ورح Tمة اهلل ال
تTنتهي .فهTذا املهTدي ال يTغضب إال هلل ،فTال يTتعدى فTي غTضبه إقTامTة حTدود
اهلل الTتي شTرعTها ،بTخالف مTن يTغضبه لTهواه ومTخالTفة غTرضTه .فTمثل هTذا
الTذي يTغضب هلل ،ال يTمكن أن يTكون إال عTادال ومقسTطا ً ،ال جTائTرا ً وال قTاسTطا ً.
وعTالمTة مTن يTدعTي هTذا املTقام ،إذا غTضب هلل وكTان حTاكTما ً ،وأقTام الحTد عTلى
املTغضوب عTليه ،يTزول عTنه الTغضب عTلى ذلTك الTشخص عTند الTفراغ مTنه،
هلل الTذي طهTرك" ،وأظهTر وربTما قTام إلTيه وعTانTقه وآنTسه ،وقTال لTه" :أحTمد ا ّ
لTه السTرور والTبشاشTة ،وربTما أحTسن إلTيه بTعد ذلTك ،هTذا مTيزانTه ،ويTرجTع
ل T Tذل T Tك املح T Tدود رح T Tمة ك T Tله ) .(...وال T Tقاض T Tي إن ب T Tقي م T Tعه ال T Tغضب ع T Tلى
هلل مTنه فTهو غTضب نTفس وطTبع ،أو ألمTر فTي نTفسه املحTدود بTعد أخTذ حق ا ّ
هلل ،فTلذلTك ال يTأجTره اهلل .فTإنTه مTا قTام فTي ذلTك لTذلTك املحTدود ،مTا هTو غTضب ّ
هلل ،وهTذا مTن قTولTه تTعالTى" :ونTبلو أخTباركTم" .فTابTتالهTم أّو ً
ال مTراعTاة لحق ا ّ
بT Tما كT Tلفهم ،فT Tإذا عT Tملوا ابT Tتلى أعT TمالT Tهم هT Tل عT TملوهT Tا لخT Tطاب الحق أو
هذا سراTئر" .و T جل أيTضا ً" :يTوم تTبلى ال T هو قTولTه عTز و T عTملوهTا لTغير ذTلك؟ و T
مTيزانTه عTند أهTل الTكشف .فTال يTغفل الTحاكTم عTند إقTامTة الحTدود عTن الTنظر
فT Tي نT Tفسه ،وليحTTذر مT Tن الTTتشفي الTTذي يT Tكون لT Tلنفوس .ولهTTذا نT Tهي عT Tن
ال Tحكم ف Tي ح Tال غ Tضبه) .(...واع Tلم أن غ Tير ال Tحاك Tم م Tا ع Tني اهلل ل Tه إق Tام Tة
الحTد عTليه ،فTال يTنبغي أن يTقوم بTه غTضب عTند تTعدي الحTدود .فTليس ذلTك
إال لTلحكام خTاصTة ،ولTرسTول اهلل -صTلى اهلل عTليه وسTلم -مTن حTيث مTا هTو
حTاكTم .فTلو كTان مTبلغا ً ال حTاكTما لTم يTقم بTه غTضب عTلى مTن رد دعTوتTه ،فTإنTه
لT Tيس لT Tه مT Tن األمT Tر شT Tيء ،ولT Tيس عT Tليه هT TداهT Tم .فT Tإن اهلل يT Tقول فT Tي هT Tذا
لTلرسTول -صTلى اهلل عTليه وسTلم" :-إن عTليك إال الTبالغ" ،وقTد بTلغ .فTأسTمع
اهلل مT Tن شT Tاء ،وأصT Tم مT Tن شT Tاء .فT Tهم أعT Tقل الT Tناس ،أعT Tني األنT Tبياء .و إذا
ك Tوش Tف ال Tداع Tي ع Tلى م Tن أص Tمه اهلل ع Tن ال Tدع Tوة ف Tما س Tمعها ،ل Tم ي Tتغير
لTذلTك ،فTإن الTصائTح إذا نTادى مTن قTام بTه الTصمم ،وعTلم أنTه لTم يTسمع نTداؤه،
لTم يجTد عTليه وقTام عTذره عTنده .فTإن كTان الTرسTول حTاكTما ً ،تTعني عTليه الTحكم
بTما عTني اهلل لTه فTيه .وهTذا عTلم شTريTف يTحتاج إلTيه كTل وال فTي األرض عTلى
العالم.
) األمر السادس(:
وأمT Tا عT Tلم مT Tا يT Tحتاج إلT Tيه املT Tلك مT Tن األرزاق ،فT Tهو أن يT Tعلم أصT Tناف
ال Tعال Tم ،ول Tيس إال اث Tنان ،وأع Tني ب Tال Tعال Tم ال Tذي ي Tمشي ف Tيهم ح Tكم ه Tذا
اإلم Tام ،وه Tم ع Tال Tم ال Tصور ،وع Tال Tم األن Tفس امل Tدب Tرون له Tذه ال Tصور ف Tيما
يTتصرفTون فTيه مTن حTركTة أو سTكون .ومTا عTدا هTذيTن الTصنفني فTما لTه عTليهم
حTكم ،إال مTن أراد مTنهم أن يTحكمه عTلى نTفسه ،كTعالTم الTجان .وأمTا الTعالTم
الTنورانTي فTهم خTارجTون عTن أن يTكون لTلعالTم البشTري عTليهم تTولTية .فTكل
شTخص مTنهم عTلى مTقام مTعلوم عTينه لTه ربTه ،فTما يTتنزل إال بTأمTر ربTه .فTمن
أراد تTنزيTل واحTد مTنهم ،فTيتوجTه فTي ذلTك إلTى ربTه ،وربTه يTأمTره ويTأذن لTه
ف Tي ذل Tك إس Tعاف Tا ً له Tذا ال Tسائ Tل ،أو ي Tنزل Tه ع Tليه اب Tتداء .وأم Tا ال Tسائ Tحون
م Tنهم ،ف Tمقام Tهم امل Tعلوم ك Tون Tهم س Tياح Tني ي Tطلبون م Tجال Tس ال Tذك Tر ،ف Tإذا
وجTدوا أهTل الTذكTر ،وهTم أهTل الTقرآن الTذاكTرون الTقرآن ،فTال يTقدمTون عTليهم
أح Tدا ً م Tن م Tجال Tس ال Tذاك Tري Tن ب Tغير ال Tقرآن .ف Tإذا ل Tم يج Tدوا ذل Tك ووج Tدوا
ال Tذاك Tري Tن اهلل ال م Tن ك Tون Tهم ت Tال Tني ،ق Tعدوا إل Tيهم ون Tادى ب Tعضهم ب Tعضا ً:
هTلموا إلTى بTغيتكم .فTذلTك رزقTهم الTذي يTعيشون بTه ،وفTيه حTياتTهم .فTإذا
عTلم اإلمTام ذلTك ،لTم يTزل يTقيم جTماعTة يTتلون آيTات اهلل آنTاء الTليل والTنهار.
وق Tد ك Tنا ب Tفاس م Tن ب Tالد امل Tغرب ق Tد س Tلكنا ه Tذا املس Tلك ،مل Tواف Tقة أص Tحاب
م Tوف Tقني ،ك Tان Tوا ل Tنا س Tام Tعني وط Tائ Tعني ،وف Tقدن Tاه Tم ف Tفقدن Tا ل Tفقده Tم ه Tذا
ال Tعمل ال Tخال Tص ،وه Tو أش Tرف األرزاق وأع Tاله Tا .ف Tأخ Tذن Tا مل Tا ف Tقدن Tا م Tثل
هؤالء فTي بTث الTعلم ،مTن أجTل األرواح الTذيTن غTذاؤهTم الTعلم .ورأيTنا أن ال
نTورد شTيئا ً مTنه إال مTن أصTل هTو مTطلوب لهTذا الTصنف الTروحTانTي ،وهTو
ال Tقرآن .فج Tميع م Tا ن Tتكلم ف Tيه ف Tي م Tجال Tسي وت Tصان Tيفي ،إن Tما ه Tو م Tن
حTضرة الTقرآن وخTزائTنه .أعTطيت مTفتاح الTفهم فTيه واإلمTداد مTنه .وهTذا كTله
حT Tتى ال نخT Tرج عT Tنه ،فT TإنT Tه أرفT Tع مT Tا يT Tمنح ،وال يT Tعرف قT Tدره إال مT Tن ذاقT Tه،
ال مTن نTفسه ،وكTلمه بTه الحق فTي سTره .فTإن الحق إذا كTان وشهTد مTنزلTته حTا ً
هTو املTكلم عTبده فTي سTره بTارتTفاع الTوسTائTط ،فTإن الTفهم يسTتصحب كTالمTه
مTنك ،فTيكون عTني الTكالم مTنه عTني الTفهم مTنك ال يTتأخTر عTنه .فTإن تTأخTر عTنه
فTليس هTو كTالم اهلل .ومTن لTم يجTد هTذا فTليس عTنده عTلم بTكالم اهلل عTباده.
فTإذا كTلمه بTالTحجاب الTصوري ،بTلسان نTبي ،أو مTن شTاء اهلل مTن الTعالTم،
فقد يصحبه الفهم وقد يتأخر عنه ،هذا هو الفرق بينهما.
وأمTا األرزاق املTحسوسTة فTإنTه ال حTكم لTه فTيها إال فTي "بTقية اهلل" .فTمن
أك Tل م Tما خ Tرج ع Tن ه Tذه ال Tبقية ي Tأك Tل م Tن ي Tد ه Tذا اإلم Tام ال Tعادل .ول Tيس
مTسمى رزق اهلل فTي حق املؤمTنني إال "بTقية اهلل" .وكTل رزق فTي الTكون مTن
"بTقية اهلل" .ومTا بTقي إال أن يTفرق بTينهما .وذلTك أن جTميع مTا فTي الTعالTم
مTن األمTوال ،ال يخTلو إمTا أن يTكون لTها مTالTك مTعني أو ال يTكون لTها مTالTك.
فTإن كTان لTها مTالTك مTعني فTهي مTن "بTقية اهلل" لهTذا الTشخص .و إن لTم يTكن
لTها مTالTك مTعني ،فTهي لجTميع املسTلمني .فTجعل اهلل لTهم وكTيال هTذا اإلمTام
يTحفظ عTليهم ذلTك .فهTذا مTن "بTقية اهلل" الTذي زاد عTلى املTال املTملوك .فTكل
رزق فTي الTعالTم "بTقية اهلل" إن عTرفTت مTعنى "بTقية اهلل" .فTمال زيTد "بTقية
اهلل" ل Tزي Tد مل Tا حج Tر اهلل ع Tليه ال Tتصرف ف Tي م Tال ع Tمرو ب Tغير إ ذن Tه .وم Tال
عTمرو "بTقية اهلل" لTعمر ملTا حجTر عTليه الTتصرف فTي مTال زيTد بTغير إذنTه.
فTما فTي الTعالTم رزق إال هTو "بTقية اهلل" .فTيحكم اإلمTام فTيه بTقدر مTا أنTزل
اهلل مT Tن الT Tحكم فT Tيه ،فT TاعT Tلم ذلT Tك .فT TالT Tناس عT Tلى حT TالT Tتني :اضT Tطرار وغT Tير
اضTطرار .فTحال اإلضTطرار يTبيح قTدر الTحاجTة فTي الTوقTت ،ويTرفTع عTنه حTكم
الT Tتحجير ،فT Tإذا نT Tال مT Tا يT TزيT Tلها بT Tه رجT Tع عT Tليه حT Tكم الT Tتحجير .فT Tإن كT Tان
املTضطر قTد تTصرف فTيما هTو مTلك ألحTد ،تTصرف فTيه بTحكم الTضمان فTي
قTول ،وبTغير ضTمان فTي قTول .فTإن وجTد أداه عTند الTقائTل بTالTضمان ،و إن لTم
يجTد فTإمTام الTوقTت يTقوم عTنه فTي ذلTك مTن بTيت املTال .و إن كTان املTتصرف قTد
تTصرف فTيما ال يTملكه أحTد ،أو يTملكه اإلمTام بTحكم الTوكTالTة املTطلقة مTن اهلل،
ف Tال ش Tيء ع Tليه ض Tمان وال غ Tيره .وه Tذا ع Tلم ي Tتعني امل Tعرف Tة ب Tه ع Tلى إم Tام
الTوقTت ،ال بTد مTنه .فTما تTصرف أحTد مTن املTكلفني بTالTوجTه املشTروع إال فTي
"ب Tقية اهلل" ع Tز وج Tل" :ب Tقية اهلل خ Tير ل Tكم إن ك Tنتم مؤم Tنني" ،وه Tو ح Tكم
فT TرعT Tي .و إنT Tما األصT Tل أن اهلل خT Tلق لT Tنا مT Tا فT Tي األرض جT Tميعا ً ،ثT Tم حجT Tر
وأبT Tقى ،فT Tما أبT Tقاه سT Tماه "بT Tقية" ،ومT Tا حجT Tر سT Tماه حT TرامT Tا ،أي املT Tكلف
ال أو زمTانTا ً أو مTكانTا ً مTع الTتحجير .فTإن األصTل مTمنوع مTن الTتصرف فTيه حTا ً
الTتوقTف عTن إطTالق الTحكم فTيه بش¦ .فTإذا جTاء حTكم اهلل فTيه ،كTنا بحسTب
ال T Tحكم اإلل T Tهي ال T Tذي ورد ب T Tه الش T Tرع إل T Tينا .ف T Tمن ع T Tرف ه T Tذا ع T Tرف ك T Tيف
يتصرف في األرزاق.
) األمر السابع(:
وأمTا عTلم تTداخTل األمTور بTعضها عTلى بTعض ،فهTذا مTعنى قTولTه تTعالTى:
"يTولTج الTليل فTي الTنهار ويTولTج الTنهار فTي الTليل" .فTاملTولTج ذكTر،واملTولTج
فTيه أنTثى .هTذا الTحكم لTه مسTتصحب حTيث ظهTر .فTهو فTي الTعلوم :الTعلم
الTنظري .وهTو فTي الTحس :الTنكاح الTحيوانTي والTنباتTي .ولTيس شTيء مTن
ذلT Tك مT Tراد لT Tنفسه فT Tقط ،بT Tل هT Tو مT Tراد لT Tنفسه وملT Tا يT Tنتجه .ولT Tوال اللحT Tمة
والسT Tدا مT Tا ظهT Tر لT Tلشفة عT Tني .وهT Tو سT Tار فT Tي جT Tميع الT TصنائT Tع الT Tعملية
والT Tعلمية .فT Tإذا عT Tلم ذلT Tك لT Tم تT TدخT Tل عT Tليه شT Tبهة فT Tي أحT TكامT Tه ،وهT Tذا هT Tو
املT Tيزان املT TوضT Tوع فT Tي الT TعالT Tم فT Tي املT TعانT Tي واملT TحسوسT Tات .و الT TعاقT Tل
ي Tتصرف ب Tامل Tيزان ف Tي ال Tعامل Tني ،ب Tل ف Tي ك Tل ش Tيء ل Tه ال Tتصرف ف Tيه .وأم Tا
الTحاكTمون بTالTوحTي املTنزل ،أهTل اإللTقاء مTن الTرسTل وأمTثالTهم ،فTما خTرجTوا
ال ملTا يTلقى إلTيهم مTن حTكمه فTي عTباده، عTن الTتوالTج .فTإن اهلل جTعلهم مTح ً
ق Tال ت Tعال Tى" :ن Tزل ب Tه ال Tروح األم Tني ع Tلى ق Tلبك" ،وق Tال ت Tعال Tى" :ي Tنزل
املTالئTكة بTالTروح مTن أمTره عTلى مTن يTشاء مTن عTباده" .فTما ظهTر حTكم فTي
الTعالTم مTن رسTول إال عTن نTكاح مTعنوي ،ال فTي الTنصوص وال فTي الTحاكTمني
بTالTقياس .فTاإلمTام يTتعني عTليه عTلم مTا يTكون بTطريق الTتنزيTل اإللTهي ،وبTني
مTا يTكون بTطريق الTقياس .ومTا يTعلمه املهTدي ،أعTني عTلم الTقياس ،لTيحكم
بTه ،و إنTما يTعلمه لTيتجنبه .فTما يTحكم املهTدي إال بTما يTلقي إلTيه املTلك مTن
ي
هلل إلTيه ليسTدده .وذلTك هTو الشTرع الTحقيقي املحTمد ّ هلل الTذي بTعثه ا ّ عTند ا ّ
هلل عTليه وسTلم -حTيا ً ورفTعت إلTيه تTلك الTنازلTة، الTذي لTو كTان محTمد -صTلى ا ّ
هلل أن ذل Tك ه Tو الش Tرع ل Tم ي Tحكم ف Tيها إال ب Tما ي Tحكم ه Tذا اإلم Tام .ف Tيعلمه ا ّ
هلل
املح T Tمدي .فيح T Tرم ع T Tليه ال T Tقياس م T Tع وج T Tود ال T Tنصوص ال T Tتي م T Tنحه ا ّ
هلل عTليه وسTلم -فTي صTفة املهTدي: هلل -صTلى ا ّ إيTاهTا .ولTذلTك قTال رسTول ا ّ
"يTقفو أثTرى ال يخTطىء" .فTعرفTنا أنTه مTتبع ال مTتبوع ،وأنTه مTعصوم ،وال
م T Tعنى ل T Tلمعصوم ف T Tي ال T Tحكم إال أن T Tه ال يخ T Tطىء .ف T Tإن ح T Tكم ال T Tرس T Tول ال
ينس Tب إل Tيه خ Tطأ ،ف Tإن Tه "ال ينطق ع Tن ال Tهوى إن ه Tو إال وح Tي ي Tوح Tى".
هلل عTليه
كTما أنTه ال يTسوغ الTقياس فTي مTوضTع يTكون فTيه الTرسTول -صTلى ا ّ
وس Tلم – م Tوج Tودا ً .وأه Tل ال Tكشف ،ال Tنبي ع Tنده Tم م Tوج Tود ،ف Tال ي Tأخ Tذون
الTحكم إال عTنه .ولهTذا الTفقير الTصادق ال يTنتمي إلTى مTذهTب ،إنTما هTو مTع
ال Tرس Tول ال Tذي ه Tو م Tشهود ل Tه ،ك Tما أن ال Tرس Tول م Tع ال Tوح Tي ال Tذي ي Tنزل
هلل الT TتعريT Tف بT Tحكم عT Tليه .فT Tينزل عT Tلى قT Tلوب الT TعارفT Tني الT TصادقT Tني مT Tن ا ّ
هلل – ص T Tلى اهلل ع T Tليه ال T Tنوازل أن T Tه ح T Tكم الش T Tرع ال T Tذي ب T Tعث ب T Tه رس T Tول ا ّ
وسTلم . -وأصTحاب عTلم الTرسTوم ليسTت لTهم هTذه املTرتTبة ،ملTا أكTبوا عTليه مTن
هلل ،وافTتقار الTعامTة إلTيهم ،فTال حTب الTجاه والTريTاسTة والTتقدم عTلى عTباد ا ّ
يTفلحون فTي أنTفسهم ،وال يTفلح بTهم .وهTي حTالTة فTقهاء الTزمTان الTراغTبني
فT Tي املT TناصT Tب ،مT Tن قT Tضاء وشT Tهادة وحسT Tبة وتT TدريT Tس .وأمT Tا املT Tتنمسون
مTنهم بTالTديTن ،فيجTمعون أكTتافTهم ،ويTنظرون إلTى الTناس مTن طTرف خTفي
نT Tظر الT TخاشT Tع ،ويحT TركT Tون شT TفاهT Tهم بT TالT TذكT Tر لT Tيعلم الT TناظT Tر إلT Tيهم أنT Tهم
ذاكTTرون ،ويتعجTTمون فTTي كTTالمTTهم ويتشTTدقTTون ،ويTTغلب عTTليهم رعTTونTTات
هلل إلT Tيهم .هT Tذا حT Tال املT TتديT Tن
الT Tنفس ،وقT TلوبT Tهم قT Tلوب الT TذئT Tاب ،ال يT Tنظر ا ّ
هلل بTهم ،لTبسوا لTلناس جTلود مTنهم ،ال الTذيTن هTم قTرنTاء الTشيطان ،ال حTاجTة ّ
الTضأن مTن الTلني ،إخTوان الTعالنTية أعTداء السTريTرة .فTاهللّ يTراجTع بTهم ويTأخTذ
بنواصيهم إلى ما فيه سعادتهم.
و إذا خTرج هTذا اإلمTام املهTدي ،فTليس لTه عTدو مTبني إال الTفقهاء خTاصTة.
فTإنTهم ال تTبقى لTهم ريTاسTة وال تTمييز عTن الTعامTة ،وال يTبقى لTهم عTلم بTحكم
إال قTليل .ويTرتTفع الTخالف مTن الTعالTم فTي األحTكام بTوجTود هTذا اإلمTام .ولTوال
هلل يظه Tره ب Tال Tسيف أن ال Tسيف ب Tيد امله Tدي ألف Tتى ال Tفقهاء ب Tقتله .ول Tكن ا ّ
والTكرم ،فTيطمعون ويTخافTون ،فTيقبلون حTكمه مTن غTير إيTمان ،بTل يTضمرون
خTالفTه ،كTما يTفعل الTحنفيون والTشافTعيون فTيما اخTتلفوا فTيه .فTلقد أخTبرنTا
أنTهم يTقتتلون فTي بTالد العجTم ،أصTحاب املTذهTبني ،ويTموت بTينهما خTلق
كTثير ،ويTفطرون فTي شهTر رمTضان لTيتقووا عTلى الTقتال .فTمثل هؤالء لTوال
قهTر اإلمTام املهTدي بTالTسيف مTا سTمعوا لTه وال أطTاعTوه بTظواهTرهTم ،كTما
أن Tهم ال ي Tطيعوا ل Tه ب Tقلوب Tهم ،ب Tل ي Tعتقدون ف Tيه أن Tه إذا ح Tكم ف Tيهم ب Tغير
مTذهTبهم أنTه عTلى ضTاللTة فTي ذلTك الTحكم ،ألنTهم يTعتقدون أن زمTان أه Tل
االج Tتهاد ق Tد إن Tقطع وم Tا ب Tقي مجته Tد ف Tي ال Tعال Tم ،وأن اهلل ال ي Tوج Tد ب Tعد
أئ T Tمتهم أح T Tدا ً ل T Tه درج T Tة االج T Tتهاد .وأم T Tا م T Tن ي T Tدع T Tى ال T Tتعري T Tف اإلل T Tهي
بTاألحTكام الشTرعTية فTهو عTندهTم مTجنون مTفسود الTخيال ،ال يTلتفتون إلTيه.
فTإذا كTان ذا مTال وسTلطان انTقادوا فTي الTظاهTر إلTيه رغTبة فTي مTالTه وخTوفًTا
من سلطانه ،وهم ببواطنهم كافرون به.
) األمر الثامن(:
وأمTا املTبالTغة واإلسTتقصاء فTي قTضاء حTوائTج الTناس ،فTإنTه مTتعني
ع Tلى اإلم Tام خ Tصوص Tا ً دون ج Tميع ال Tناس .ف Tإن اهلل م Tا ق Tدم Tه ع Tلى خ Tلقه
ون Tصبه إم Tام Tا ً ل Tهم إال ل Tيسعى ف Tي م Tصال Tحهم .ه Tذا وال Tذي ي Tنتجه ه Tذا
الTسعي عTظيم ،ولTه فTي قTصة مTوسTى عTليه السTالم ملTا مTشى فTي حق أهTله
ل Tيطلب ل Tهم ن Tارا ً ي Tصطلون ب Tها ،وي Tقضون ب Tها األم Tر ال Tذي ال ي Tنقضي إال
بTها فTي الTعادة .ومTا كTان عTنده عTليه السTالم خTبر بTما جTاءه .فTأسTفرت لTه
عTاقTبة ذلTك الTطلب عTن كTالم ربTه ،فTكلمه اهلل تTعالTى فTي عTني حTاجTته وهTي
ال Tنار ف Tي ال Tصورة .ول Tم يخ Tطر ل Tه ع Tليه الس Tالم ذل Tك األم Tر ب Tخاط Tر .وأي
شTيء أعTظم مTن هTذا؟ ومTا حTصل لTه ال فTي وقTت الTسعي فTي حق عTيالTه،
ل Tيعلمه ب Tما ف Tي ق Tضاء ح Tوائ Tج ال Tعائ Tلة م Tن ال Tفضل ،ف Tيزي Tد ح Tرص Tا ً ف Tي
سTعيه فTي حTقهم .فTكان ذلTك تTنبيها ً مTن الحق تTعالTى عTلى قTدر ذلTك عTند اهلل
ت Tعال Tى ،وع Tلى ق Tدره Tم ،ألن Tهم ع Tبيده ع Tلى ك Tل ح Tال .وق Tد وك Tل ه Tذا ع Tلى
الTقيام بTهم ،كTما قTال تTعالTى" :الTرجTال قTوامTون عTلى الTنساء" .فTانTتج لTه
الTفرار مTن األعTداء الTطالTبني قTتله الTحكم والTرسTالTة ،كTما أخTبر اهلل تTعالTى مTن
قT TولT Tه عT Tليه السT Tالم" :فT Tفررت مT Tنكم ملT Tا خT Tفتكم فT TوهT Tب لT Tي ربT Tي حT Tكماً
وجTعلني مTن املTرسTلني" .وأعTطاه الTسعي عTلى الTعيال وقTضاء حTاجTاتTهم
كTالم اهلل ،وكTله سTعي بTال شTك ،فTإن الTفار أتTى فTي فTراره بنسTبة حTيوانTية:
فTرت نTفسه مTن األعTداء طTلبا ً لTلنجاة ،و إبTقاء لTلملك والTتدبTير عTلى الTنفس
الT TناطT Tقة ،فT Tما سT Tعى بT Tنفسه الT TحيوانT Tية فT Tي فT Tراره إال فT Tي حق الT Tنفس
الTناطTقة املTالTكة تTدبTير هTذا الTبدن .وحTركTة األئTمة كTلهم الTعادلTة إنTما تTكون
فT Tي حق الT Tغير ال فT Tي حق أنT Tفسهم .فT Tإذا رأيT Tتم السT Tلطان يشT Tتغل بT Tغير
رعTيته ومTا يTحتاجTون إلTيه ،فTاعTلموا أنTه قTد عTزلTته املTرتTبة بهTذا الTفعل ،وال
فTرق بTينه وبTني الTعامTة .وملTا أراد عTمر بTن عTبد الTعزيTز يTوم ولTي الTخالفTة أن
يTقيل راحTة لTنفسه ملTا تTعب مTن شTغله بTقضاء جTوائTج الTناس ،دخTل عTليه
ابTنه فTقال لTه" :يTا أمTير املؤمTنني أنTت تسTتريTح وأصTحاب الTحاجTات عTلى
الTباب ،مTن أراد الTراحTة ال يTلي أمTور الTناس" ،فTبكى عTمر وقTال" :الحTمد هلل
الT Tذي أخT Tرج مT Tن ظهT Tري مT Tن يT Tنبهني ويT TدعT TونT Tي إلT Tى الحق ويT Tعينني
عليه" ،فترك الراحة وخرج إلى الناس.
وكTذلTك خTضر ،واسTمه :بTليا بTن مTلكان بTن فTالTغ بTن غTابTر بTن شTالTخ بTن
أرفخشT Tد بT Tن سT Tام بT Tن نT Tوح عT Tليه السT Tالم .كT Tان فT Tي جT Tيش ،فT Tبعثه أمT Tير
الTجيش يTرتTاد لTهم مTاء ،وكTانTوا قTد فTقدوا املTاء ،فTوقTع بTعني الTحياة فشTرب
م Tنه ،ف Tعاش إل Tى اآلن .وك Tان ال ي Tعرف م Tا خ Tص اهلل ب Tه م Tن ال Tحياة ش Tارب
ذلTك املTاء .ولTقيته بTإشTبيلية ،وأفTادنTي التسTليم لTلشيوخ ،وأن ال أنTازعTهم،
وكTنت فTي ذلTك الTيوم قTد نTازعTت شTيخا ً لTي فTي مTسألTة ،وخTرجTت مTن عTنده،
ف Tلقيت ال Tخضر ب Tقوس ال Tحنية ،ف Tقال ل Tي ":س Tلم إل Tى ال Tشيخ م Tقال Tته"،
فTرجTعت إلTى الTشيخ مTن حTيني ،فTلما دخTلت عTليه مTنزلTه ،فTكلمني قTبل أن
أكT Tلمه وقT Tال لT Tي" :يT Tا محT Tمد أحT Tتاج فT Tي كT Tل مT TسألT Tة تT TنازعT Tني فT Tيها أن
يT TوصT Tيك الT Tخضر بT TالتسT Tليم لT Tلشيوخ" ،فT Tقلت لT Tه" :يT Tا سT TيدنT Tا ذلT Tك هT Tو
الTخضر الTذي أوصTانTي؟" ،قTال" :نTعم" ،قTلت لTه" :الحTمد هلل هTذي فTائTدة،
ومTع هTذا فTما هTو األمTر إال كTما ذكTرت لTك" .فTلما كTان بTعد مTدة دخTلت عTلى
الTشيخ فTوجTدتTه قTد رجTع إلTى قTولTي فTي تTلك املTسألTة ،وقTال لTي" :إنTي كTنت
عTلى غTلط فTيها وأنTت املTصيب" ،فTقلت لTه" :يTا سTيدي عTلمت الTساعTة أن
الT Tخضر مT Tا أوصT TانT Tي إال بT TالتسT Tليم ،مT Tا عT TرفT Tني بT TأنT Tك مT Tصيب فT Tي تT Tلك
املTسألTة ،فTإنTه مTا كTان يTتعني عTلي نTزاعTك فTيها ،فTإنTها لTم تTكن مTن األحTكام
املش Tروع Tة ال Tتي يح Tرم ال Tسكوت ع Tنها" .وش Tكرت اهلل ع Tلى ذل Tك ،وف Tرح Tت
لTلشيخ الTذي تTبني لTه الحق فTيها .وهTذا عTني الTحياة :مTاء خTص اهلل بTه مTن
الTحياة شTارب ذلTك املTاء .ثTم عTاد إلTى أصTحابTه فTأخTبرهTم بTاملTاء ،فTسارع
الT Tناس إل ذلT Tك املT TوضT Tوع ليسT Tتقوا مT Tنه ،فT TأخT Tذ اهلل أبT TصارهT Tم عT Tنه ،فT Tلم
يقدروا عليه .فهذا ما أنتج له سعيه في حق الغير.
وكTذلTك مTن والTى فTي اهلل ،وعTادى فTي اهلل ،وأحTب فTي اهلل ،وأبTغض فTي
اهلل ،فT Tهو مT Tن هT Tذا الT Tباب .قT Tال اهلل تT TعالT Tى" :ال تجT Tد قT TومT Tا ً يؤمT Tنون بT Tاهلل
والTيوم اآلخTر يTوادون مTن حTاد اهلل ورسTولTه ولTو كTانTوا آبTاءهTم أوأبTناءهTم
أو إخ Tوان Tهم أو ع Tشيرت Tهم أول Tئك ك Tتب اهلل ف Tي ق Tلوب Tهم اإلي Tمان وأي Tده Tم
بTروح مTنه" .فTما يTدري أحTد مTا لTهم مTن املTنزلTة عTند اهلل ،ألنTهم مTا تحTركTوا
وال سTكنوا إال فTي حق اهلل ال فTي حق أنTفسهم ،إيTثارا لTجناب اهلل عTلى مTا
يقتضيه طبعهم.
خ Tصص ال Tشيخ األك Tبرال Tباب 463م Tن ال Tفتوح Tات مل Tعرف Tة االث Tني عش Tر
قTطبا الTذيTن عTليهم مTدار زمTانTهم .وهTم الTذيTن يTدور بTهم فTلك الTعالTم ،حسTبما
وصT Tفهم بT Tه الT Tشيخ عT Tند ذكT Tره لT Tعنوان هT Tذا الT Tباب فT Tي فهT TرسT Tت مT TقدمT Tة
الفتوحات.
وال Tعدي Tد م Tن ع Tرف Tاء ال Tشيعة م Tع ب Tعض ص Tوف Tية أه Tل ال Tسنة ي Tرون أن
الTشيخ يTعني بTهم أئTمة آل الTبيت االثTني عشTر ،عTليهم السTالم ،رغTم عTدم
تصريحه بذلك بوضوح.
لT Tكن الT Tكثير مT Tن عT Tلماء أهT Tل الT Tسنة ال يT Tرون هT Tذا الT Tرأي ،ويT TقولT Tون أن
هؤالء األق Tطاب ي Tوج Tدون ف Tي أزم Tنة م Tختلفة ب Tال Tترت Tيب ،وأول Tهم الخ Tلفاء
الTراشTدون األربTعة رضTي اهلل عTنهم ،وآخTرهTم املهTدي الTذي يTدرك عTيسى
عند نزوله في آخر الزمان.
وثTمة مTوقTف ثTالTث ،يTرى أصTحابTه أن ال تTعارض فTي الTحقيقة بTني نTظرتTي
اإلمامية وأهل السنة ،فكل منهما صحيح لكن في مستويني مختلفني.
وقTد ابTتدأ الTشيخ بTالTكالم عTن الTثانTي عشTر مTنهم ،أي اإلمTام املهTدي،
فقال عنه ما خالصته:
]
منتهى األسماء في الثنتي عشر مع
العدد العقـد
فبهم حفظ الوجود في وجود الحق من
ومـا عدد
وهو املنعوت بالـعـدد وهو املنعوت باألحـد
ظهرت أحكام في التي قامت بال
نشأتـهـم عمد
تم في األركان
في أب منها وفي ولـد
حكمهمو
فTأقTطاب هTذه األمTة اثTنا عشTر قTطبا ً ،عTليهم مTدار هTذه األمTة ،كTما أن مTدار
ي والTجسمانTيّ فTي الTدنTيا واآلخTرة عTلى اثTني عشTر بTرجTا ً، الTعالTم الTجسم ّ
ق Tد وك Tلهم اهلل ب Tظهور م Tا ي Tكون ف Tي ال Tداري Tن م Tن ال Tكون وال Tفساد امل Tعتاد
وغTير املTعتاد .وأمTا املTفردون فTكثيرون والTختمان مTنهم أي مTن املTفرديTن فTما
هTما )يTعني الTشيخ بTهما – كTما سTيأتTي بTيانTه الحTقا -خTتم الTواليTة الTعامTة:
عTيسى عTليه السTالم عTند نTزولTه آخTر الTزمTان ،والTختم املحTمدي الTخاص
الTTذي هTTو الTTشيخ األكTTبر نTTفسه( .ولTTيس فTTي األقTTطاب مTTن هTTو عTTلى قTTلب
محTمد -صTلى اهلل عTليه وسTلم . -وأمTا املTفردون فTمنهم مTن هTو عTلى قTلب
مح T Tمد -ص T Tلى اهلل ع T Tليه وس T Tلم -وال T Tختم م T Tنهم ،أع T Tني خ T Tات T Tم األول T Tياء
ال T Tخاص .ف T Tأم T Tا األق T Tطاب االث T Tنا عش T Tر ف T Tهم ع T Tلى ق T Tلوب األن T Tبياء ع T Tليهم
السTالم .و إن شTئت قTلت :عTلى قTدمTهم ،وهTو أولTى ،فTإنTي هTكذا رأيTته فTي
الTكشف بTإشTبيلية ،وهTو أعTظم فTي األدب مTع الTرسTل ،واألدب مTقامTنا ،وهTو
الذي أرتضيه لنفسي ولعباد اهلل.
واع T Tلم أن ك T Tل ق T Tطب م T Tن هؤالء األق T Tطاب ل T Tه ل T Tبث ف T Tي ال T Tعال T Tم ،أع T Tني
دعTوتTهم ،فTيمن بTعث إلTيهم آجTال مTخصوصTة مTسماة تTنتهي إلTيها ،ثTم
تTنسخ بTدعTوة أخTرى كTما تTنسخ الشTرائTع بTالشTرائTع .وأعTني بTدعTوتTهم مTا
لTهم مTن الTحكم والTتأثTير فTي الTعالTم .وهTجيرهTم ) أي ذكTرهTم الTدائTم( واحTد،
وهTو ):اهلل اهلل( ،بTسكون الTهاء وتحقيق الTهمزة ،مTا لTهم هTجير سTواه .ومTا
عT T Tدا هؤالء األقT T Tطاب مT T Tن أقT T Tطاب الT T Tقرى والT T Tجهات واألقT T TالT T Tيم وشT T Tيوخ
الجماعات فأنواع كثيرة.
ف Tأم Tا أح Tد األق Tطاب)ي Tعني ال Tشيخ ب Tه اإلم Tام امله Tدي( ف Tهو ع Tلى ق Tدم
نTوح عTليه السTالم ،فTله مTن سTور الTقرآن سTورة يTس .فTإنTه لTكل قTطب سTورة
مTن الTقرآن مTن هؤالء االثTني عشTر .وهTو أكTمل األقTطاب حTكما ً .جTمع اهلل لTه
ب Tني ال Tصورت Tني ال Tظاه Tرة وال Tباط Tنة ،ف Tكان خ Tليفة ف Tي ال Tظاه Tر ب Tال Tسيف،
وفTي الTباطTن بTالTهمة .وال أسTميه وال أعTينه ،فTإنTي نTهيت عTن ذلTك ،وعTرفTت
ألي أمTر مTنعت مTن تTعيينه بTاسTمه .ولTيس فTي جTماعTة هؤالء األقTطاب مTن
أوتTي جTوامTع مTا تTقتضيه الTقطبية غTير هTذا ،كTما أوتTي آدم عTليه السTالم
جTميع األسTماء ،كTما أوتTي محTمد -صTلى اهلل عTليه وسTلم -جTوامTع الTكلم.
ولT Tو كT Tان ثT Tم قT Tطب عT Tلى قT Tدم محT Tمد -صT Tلى اهلل عT Tليه وسT Tلم -لT Tكان هT Tذا
الT Tقطب ،إال أنT Tه مT Tا ثT Tم أحT Tد عT Tلى قT Tدم محT Tمد -صT Tلى اهلل عT Tليه وسT Tلم –
)تTعقيب عTلى كTالم الTشيخ هTذا :أي أنTهم عTلى قTدم األنTبياء اآلخTريTن مTن
حTيث قTطبيتهم .وقTد يجTمع الTقطب بTني الTقطبية والTفرديTة فTيمكن حTينئذ،
مTن حTيث فTرديTته ،أن يTكون أيTضا عTلى قTدم سTيدنTا محTمد – صTلى اهلل عTليه
وسT Tلم – واهلل أعT Tلم( ،إال بT Tعض األفT Tراد األكT TابT Tر ،وال يT Tعرف لT Tهم عT Tدد ،وهT Tم
أخTفياء فTي الخTلق ،أبTريTاء ،عTلماء بTاهلل ،ال يTرزؤون ،وال يTعرفTون فTيرزؤن،
مTقامTهم الTحفظ فTيما يTعلمون ،ال يTدخTل عTليهم فTي عTلمهم شTبهة تTحيرهTم
فيما علموه ،بل هم على بينة من ربهم ،هذا حال األفراد.
فTلنرجTع إلTى ذكTر هTذا الTقطب فTنقول أن مTنازلTه عTند اهلل عTلى عTدد آيTات
هTذه الTسورة .وكTذلTك كTل قTطب مTنازلTه عTلى عTدد آيTات سTورتTه .فTالTواحTد لTه
كTما قTلنا سTورة يTس ،والTثانTي سTورة اإلخTالص ،والTثالTث سTورة إذا جTاء
نT T Tصر اهلل ،والT T TرابT T Tع سT T Tورة الT T TكافT T Tرون ،والT T TخامT T Tس سT T Tورة إذا زلT T TزلT T Tت،
والT Tسادس سT Tورة الT Tبقرة ،والT TسابT Tع سT Tورة املT TجادلT Tة ،والT TثامT Tن سT Tورة آل
عTمران ،والTتاسTع سTورة الTكهف وهTو الTذي يTقتله الTدجTال ويTدرك عTيسى
عTليه السTالم)وهTنا يظهTر إشTكال عTويTص عTند مTن يTقول أن هؤالء األقTطاب
ه T Tم أئ T Tمة آل ال T Tبيت االث T Tني عش T Tر امل T Tعروف T Tني ،ف T Tإذا ك T Tان للمه T Tدي س T Tورة
"ي Tس" ،وه Tو ال Tذي ي Tدرك ع Tيسى ع Tليه الس Tالم ،ف Tال ش Tك أن ه Tذا ال Tقطب
الTذي سTورتTه الTكهف لTيس هTو املهTدي رغTم مTا سTبق ذكTره مTن عTالقTة وزرائTه
الTخاصTة بهTذه الTسورة .وسTبق الTقول أيTضا أن الTشاب الTذي يTقتله الTدجTال
ف T Tي زع T Tمه ه T Tو ال T Tخضر ع T Tليه الس T Tالم .فه T Tل ي T Tكون ال T Tخضر أح T Tد هؤالء
األقT Tطاب؟( ،والT TعاشT Tر سT Tورة األنT Tعام ،والT Tحادي عشT Tر سT Tورة طT Tه ،وهT Tذا
الTقطب هTو نTائTب الحق تTعالTى ،كTما كTان عTلي بTن أبTي طTالTب نTائTب محTمد -
ص Tلى اهلل ع Tليه وس Tلم -ف Tي ت Tالوة س Tورة ب Tراءة ع Tلى أه Tل م Tكة ،وق Tد ك Tان
بTعث بTها أبTا بTكر ثTم رجTع عTن ذلTك ،فTقال" :ال يTبلغ عTني الTقرآن إال رجTل مTن
أهTل بTيتي" ،فTدعTا بTعلي فTأمTره ،فلحق أبTا بTكر ،فTلما وصTل إلTى مTكة حTج
ي إلTى الTناس سTورة بTراءة ،وتTالهTا عTليهم نTيابTة أبTو بTكر بTالTناس ،وبTلغ عTل ّ
عTن رسTول اهلل -صTلى اهلل عTليه وسTلم -وهTذا مTما يTدلTك عTلى صTحة خTالفTة
أبT Tي بT Tكر الT Tصديق ،ومT TنزلT Tة عT Tلي رضT Tي اهلل عT Tنهما ) وفT Tي ذكT Tر الT Tشيخ
خ Tصوص Tية اإلم Tام ع Tلي ،ف Tي ه Tذا الTسياق ،إش Tارة أخ Tرى ي Tراه Tا الTبعض
دالTة عTلى عTالقTة هؤالء األقTطاب بTأئTمة آل الTبيت ،ال سTيما إشTارتTه األخTرى
ف Tي آخ Tر األبTيات الTتي افTتتح ب Tها ه Tذا الTباب ،أي ق Tول Tه " :ف Tي أب م Tنها
وفTي ولTد" .واهلل أعTلم .وفTي ذكTره ملTكانTة أبTي بTكر رد عTلى مTن يTقول بTتشيع
الTشيخ األكTير( ،والTثانTي عشTر سTورة "تTبارك املTلك" .فهTذه سTورة األقTطاب
م Tن ال Tقرآن ،إال أن ص Tاح Tب س Tورة امل Tجادل Tة ال Tتي ه Tي "ق Tد س Tمع اهلل ق Tول
الTتي تTجادلTك فTي زوجTها وتشTتكي إلTى اهلل" إنTما هTو سTورتTه الTواقTعة،
وله تولع بهذه السورة .وكذلك الذي له سورة اإلخالص ال غير.
فTأمTا حTال هTذا الTقطب :فTله الTتأثTير فTي الTعالTم ظTاهTرا ً وبTاطTنا ً ،يTشيد
اهلل ب Tه ه Tذا ال Tدي Tن .أظه Tره ب Tال Tسيف ،وع Tصمه م Tن ال Tجور ،ف Tحكم ب Tال Tعدل
ال Tذي ه Tو ح Tكم الحق ف Tي ال Tنوازل .ورب Tما ي Tقع ف Tيه م Tن خ Tال Tف ح Tكمه م Tن
أهTل املTذاهTب ،مTثل الTشافTعية واملTالTكية والTحنفية والTحنابTلة ،ومTن انTتمى
إلTى قTولTة إمTام ال يTوافTقها فTي الTحكم هTذا الTقطب .وهTو خTليفة فTي الTظاهTر،
فTإذا حTكم بTخالف مTا يTقتضيه أدلTة هؤالء األئTمة قTال أتTباعTهم بتخTطئته
فTي حTكمه ذلTك ،وأثTموا عTند اهلل بTال شTك وهTم ال يTشعرون .فTإنTه لTيس لTهم
أن يخTطئوا مجتهTدا ً ،ألن املTصيب عTندهTم واحTد ال بTعينه .و مTن هTذه حTالTه
فT Tال يT Tقدم عT Tلى تخT Tطئة عT TالT Tم مT Tن عT Tلماء املسT Tلمني .ولهT Tذا الT Tقطب مT Tقام
الTكمال فTال يTقيده نTعت .هTو حTكيم الTوقTت ،ال يظهTر إال بTحكم الTوقTت وبTما
يTقتضيه حTال الTزمTان .اإلرادة بTحكمه ،مTا هTو بTحكم اإلرادة ،فTله الTسيادة.
وفيه عشر خصال:
أولTها :الحTلم مTع الTقدرة ،ألن لTه الTفعل بTالTهمة فTال يTغضب لTنفسه أبTدا ً،
و إذا انتهكت محارم اهلل فال يقوم شيء لغضبه ،فهو يغضب هلل.
والTثانTية :األنTاة فTي األمTور الTتي يحTمد اهلل األنTاة فTيها مTع املTسارعTة
إلى الخيرات ،فهو يسارع إلى األناة ويعرف مواطنها.
والT TثالT Tثة :االقT Tتصاد فT Tي األشT Tياء ،فT Tال يT TزيT Tد عT Tلى مT Tا يT Tطلبه الT TوقT Tت
شTيئا ً ،فTإن املTيزان بTيده يTزن بTه الTزمTان والTحال ،فTيأخTذ مTن حTالTه لTزمTانTه،
ومن زمانه لحاله ،فيخفض ويرفع.
والT TرابT Tعة :الT TتدبT Tير ،وهT Tو مT TعرفT Tة الT Tحكمة ،فT Tيعلم املT TواطT Tن فT TيلقاهT Tا
بTاألمTور الTتي تTطلبها املTواطTن .فTصاحTب الTتدبTير يTنظر فTي األمTور قTبل أن
يTبرزهTا فTي عTالTم الTشهادة ،فTله الTتصّرف فTي عTالTم الTغيب ،فTال يTأخTذ مTن
املT TعانT Tي إال مT Tا تT Tقتضيه الT Tحكمة ،فT Tهو الT Tحكيم الT Tخبير .فT Tما يT Tنبغي أن
ال أبTداه مTفص ً
ال، ال ،ومTا يTنبغي أن يTبديTه مTفص ً ال أبTداه مجTم ً يTبديTه مجTم ً
وم T Tا ي T Tنبغي أن ي T Tبدي T Tه م T Tحكما ً أب T Tداه م T Tحكما ً ،وم T Tا ي T Tنبغي أن ي T Tبدي T Tه
متشابها ً أبداه متشابها ً.
وال Tخصلةال Tخام Tسة :ال Tتفصيل ،وه Tو ال Tعلم ب Tما ي Tقع ب Tه االم Tتياز ب Tني
األشT Tياء مT Tما يT Tقع بT Tه االشT Tتراك ،فT Tينفصل كT Tل أمT Tر عT Tن مT TماثT Tله ومT TقابT Tله
وخTالفTه ،ويTأتTي إلTى األسTماء اإللTهية الTقريTبة الTتشابTه ،كTالTعليم والTخبير
وامل T Tحصي وامل T Tحيط وال T Tحكيم وك T Tلها م T Tن أس T Tماء ال T Tعلم ،وه T Tي ب T Tمعنى
ال Tعليم ،غ Tير أن ب Tني ك Tل واح Tد وب Tني اآلخ Tر دق Tيقة وح Tقيقة ي Tمتاز ب Tها ع Tن
الباقي ،هكذا في كل اسم يكون بينه وبني غيره مشاركة.
وال T Tسادس T Tة :ال T Tعدل ،وه T Tو أم T Tر يس T Tتعمل ف T Tي ال T Tحكوم T Tات وال T Tقسمة
والTقضايTا و إيTصال الTحقوق إلTى أهTلها ،وهTو فTي الTحقوق شTبيه بTما ذكTر
اهلل عTن نTفسه أنTه "أعTطى كTل شTيء خTلقه" ،وقTولTه فTي مTوسTى" :قTد عTلم
كTل أنTاس مشTربTهم" ،وقTولTه فTي نTاقTة صTالTح" :لTها شTرب ولTكم شTرب يTوم
مTعلوم" .ويتعلق بTه عTلم الجTزاء فTي الTداريTن ،والTعدل بTني الTجنايTة والحTد
والتعزيز.
والTسابTعة :األدب ،وهTو الTعلم بTجوامTع الTخيرات كTلها فTي كTل عTالTم ،وهTو
الTعلم الTذي يTحضره فTي الTبساط ،ويTمنحه املTجالTسة والTشهود واملTكاملTة
واملTسامTرة والحTديTث والخTلوة واملTعامTلة بTما فTي نTفس الحق فTي املTواطTن
من الجلوة ،فهذا وأمثاله هو األدب.
والTثامTنة :الTرحTمة ،ومTتعلقها مTنه كTل مسTتضعف ،وكTل جTبار فيسTتنزلTه
ب Tرح Tمته ول Tطفه م Tن ج Tبروت Tه وك Tبري Tائ Tه وع Tظمته ب Tأيس Tر مؤون Tة ف Tي ل Tني
وحنان.
وال T Tتاس T Tعة :ال T Tحياء ،فيس T Tتحي م T Tن ال T Tكاذب ع T Tن ال T Tكاذب ويظه T Tر ل T Tه
بTصورة مTن صTدقTه فTي قTولTه ،ال يظهTر لTه بTصورة مTن تTعامTى عTنه حTتى
يTعتقد فTيه الTكاذب أنTه قTد مTشى عTليه حTديTثه ،وأنTه جTاهTل بTمقامTه ،وبTما
جTاء بTه .ثTم ال يTكون فTي حTقه عTند ربTه إال واسTطة خTير ،يTدعTو لTه بTالTتجاوز
فTTيما بTTينه وبTTني اهلل عTTند الTTوقTTوف والسؤال يTTوم الTTقيامTTة .و قTTد ورد فTTي
الTخبر أن اهلل يTوم الTقيامTة يTدعTو بTشيخ ،فTيقول لTه :مTا فTعلت؟ فTيقول مTن
امل Tقرب Tات م Tا ش Tاء ،واهلل ي Tعلم أن Tه ك Tاذب ف Tي ق Tول Tه ،ف Tيأم Tر ب Tه إل Tى ال Tجنة،
فTتقول املTالئTكة" :يTا رب إنTه كTذب فTيما اّدعTاه" ،فTيقول الحق" :قTد عTلمت
ذلTك ،لTكني اسTتحييت مTنه أن أكTذب شTيبته" .ومTا أوصTل إلTينا رسTول اهلل -
صTلى اهلل عTليه وسTلم -هTذا الTخبر عTن اهلل ،إال لTنكون بهTذه الTصفة ،فTنحن
أحق بها لحاجتنا أن يعاملنا الحق بها.
والTعاشTرة :اإلصTالح ،وأعTظمه إصTالح ذات الTبني ،وهTو قTولTه تTعالTى:
"وأصTلحوا ذات بTينكم" .وقTد ورد فTي الTخبر أن اهلل يTصلح بTني عTباده يTوم
الTقيامTة ،فTيوقTف الTظالTم واملTظلوم بTني يTديTه لTلحكومTة واإلنTصاف ،ثTم يTقول
لT Tهما" :ارفT Tعا رؤوسT Tكما" ،فT Tينظران إلT Tى خT Tير كT Tثير فT Tيقوالن :ملT Tن هT Tذا
الTخير؟ فTيقول اهلل لTهما ":ملTن أعTطانTي الTثمن" ،فTيقول املTظلوم ":يTا رب
ومTن يTقدر عTلى ثTمن هTذا؟" ،فTيقول اهلل لTه" :أنTت بTعفوك عTن أخTيك هTذا"،
ف Tيقول امل Tظلوم" :ي Tا رب ق Tد ع Tفوت ع Tنه" ،ف Tيقول اهلل ل Tه":خ Tذ ب Tيد أخ Tيك
فTادخTال الTجنة" ،ثTم تTال رسTول اهلل -صTلى اهلل عTليه وسTلم " : -فTاتTقوا اهلل
وأصلحوا ذات بينكم" ،فإن اهلل يصلح بني عباده يوم القيامة[.
-03إشكال مهدي الشيعة ومهدي أهل السنة:
الT TتأمT Tل فT Tي الT Tنصني الT TسابT Tقني لT Tلشيخ يجT Tد بT Tعض الT TتناقT Tض فT Tي شT Tأن
تTعيني اإلمTام املهTدي .فTفي الTنص األول يTتطابق املهTدي مTع مTا يTعتقده فTيه
أهTل الTسنة ،وأنTه مTن ذريTة الTحسن بTن عTلي بTن أبTي طTالTب – رضTي اهلل عTنه -
وفTي الTنص الTثانTي ،هTو اإلمTام الTثانTي عشTر مTن أئTمة آل الTبيت املTشهورون-
ع Tليهم الس Tالم – وفق ع Tقيدة ال Tشيعة اإلم Tام Tية ،ب Tاع Tتبار أن Tهم ه Tم األق Tطاب
االثTني عشTر الTذيTن عTليهم مTدار األمTة املحTمديTة ،بTل بTهم يTدور فTلك الTعالTم،
حسب تعبير الشيخ األكبر السابق ذكره.
ف Tكيف ي Tمكن رف Tع ه Tذا ال Tتناق Tض إن ص Tح ه Tذا االع Tتبار ال Tثان Tي ك Tون Tه م Tرادا
فعليا للشيخ؟
الجواب -واهلل أعلم:-
ن الTشيخ يTعني بTاألقTطاب االثTني عشTر أئTمة آل الTبيت ،فTكل إمTام إن صTح أ ّ
هTو قTطب القTطاب دوائTر مTن الTواليTة لTها مشTربTه .واإلمTام الTثانTي عشTر ،أي
املهT Tدي سT Tليل الحسT Tني – عT Tليهما السT Tالم -كT Tما هT Tو عT Tند اإلمT TامT Tية ،قT Tطب
لTألقTطاب الTجامTعني بTني الTخالفTتني الTظاهTرة والTباطTنة ،وأكTملهم خTاتTمهم
املهTدي الTذي سTيولTد فTي آخTر الTزمTان مTن ذريTة الTحسن – عTليه السTالم – كTما
يT Tعتقد أهT Tل الT Tسنة .أي أن هT Tذا املهT Tدي عT Tند أهT Tل الT Tسنة كT TالT Tنسخة الT TتامT Tة
ال Tكام Tلة مله Tدي اإلم Tام Tية ال Tثان Tي عش Tر ،ف Tهما م Tن ح Tيث ال Tحقيقة ال Tباط Tنية
املTتمثلة فTي املTقام الTعرفTانTي والTوظTيفة الTوجTوديTة كTالTروح الTواحTدة املتجTلية
ف Tي ش Tخصني .وه Tذا ال Tتثني ل Tلحقيقة ال Tواح Tدة ف Tي مظه Tري ش Tخصني ق Tد
حT Tصل لT TغيرهT Tما أيT Tضا ،كT TإدريT Tس و إلT Tياس عT Tليهما السT Tالم ،و إسT TماعT Tيل
و إسحاق عليهما السالم ،والحسن والحسني عليهما السالم.
وبهTذا يTمكن الTتوفيق بTني مTوقTفي الTشيعة اإلمTامTية وأهTل الTسنة فTي هTذه
املسألة الدقيقة .واهلل أعلم.
ل T Tكن ب T Tقي إش T Tكال آخ T Tر ،وه T Tو أن ال T Tشيخ ق T Tال ف T Tي ال T Tباب 463امل T Tذك T Tور :
] ش T Tاه T Tدت هؤالء األق T Tطاب ،أشه T Tدن T Tيهم الحق ،و إن ك T Tان T Tوا ق T Tد درج T Tوا م T Tن
الT TدنT Tيا [ .وقT Tال عT Tن أحT Tد هؤالء األقT Tطاب االثT Tني عشT Tر أنT Tه الT Tخضر ،الT Tذي
سTوف يظهTر عTلى هTيئة شTاب فTي آخTر الTزمTان ،ويTقتله الTدجTال فTي زعTمه.
فTTكيف يTTكون الTTخضر ،ولTTيس هTTو مTTن أئTTمة آل الTTبيت االثTTني عشTTر؟ وكTTيف
ي Tقول ال Tشيخ ع Tن هؤالء األق Tطاب أن Tهم درج Tوا ،أي ان Tتقلوا م Tن ال Tدن Tيا ك Tلهم
حيث لم يستثن منهم أحدا ،ثم يقول عن هذا أنه يدرك عصر الدجال؟
ال جواب ال وح يد -وف وق ك ل ذي ع لم ع ليم ،واهلل أع لم – ي رج ع ب نا إل ى ال سياق ال ساب ق،
وه و أن ه ذ ا األخ ير ،أي ال خضر املتح ّدي ل لدج ال ف ي آخ ر ال زم ان ،ه و املظه ر األك مل
ف ي ع صر ال دج ال ألح د األئ مة االث ني عش ر م ن آل ال بيت امل ذك وري ن امل شهوري ن،
ف كأن هما ح قيقة واح دة ف ي ش خصني م تميّزي ن م ن ح يث وظ يفتهما ال كون ية ،ك ما ه و
الحال في مهدي الشيعة ومهدي أهل السنة .ومما يستروح منه هذا املعنى أن الشيخ،
ف ي ال باب ال تاس ع والعش ري ن م ن ال فتوح ات ،وه و "ف ي م عرف ة س ر س لمان ال ذي أل حقه
بأهل البيت ،واألقطاب الذين ورثه منهم ومعرفة أسرارهم" ،أشار إلى أن الخضر من
األقطاب امللحقني بآل البيت ،فقال عنهم :
ي عن منازلهم عند اهلل في اآلخرة ،لوددت أن تكون ] فلو كشف اهلل لك يا ول ّ
مولى من مواليهم.فاهلل يلهمنا رشد أنفسنا .فانظر ما أشرف منزلة سلمان
رضي اهلل عن جميعهم .وملا بينت لك أقطاب هذا املقام ،وأنهم عبيد اهلل
املصطفون األخيار ،فاعلم أن أسرارهم التي أطلعنا اهلل عليها تجهلها
العامة ،بل أكثر الخاصة التي ليس لها هذا املقام .والخضر منهم رضي
اهلل عنه ،وهو من أكبرهم .وقد شهد اهلل له أنه آتاه رحمة من عنده وعلمه
من لدنه علما ً ،اتبعه فيه كليم اهلل موسى -عليه السالم ،-الذي قال فيه -
صلى اهلل عليه وسلم" : -لو كان موسى حيا ً ما وسعه إال أن يتبعني".
فمن أسرارهم ما قد ذكرناه من العلم بمنزلة أهل البيت .وما قد نبه اهلل على
و رتبتهم في ذلك .ومن أسرارهم علم املكر الذي مكر اهلل بعباده في عل ّ
بغضهم ،مع دعواهم حب رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -عن أمر اهلل،
فعصوا اهلل ورسوله ،وما أحبوا من قرابته إال من رأوا منه اإلحسان،
فأغراضهم أحبوا وبنفوسهم تعشقوا[.
-04املهدي ومفاتيح كنوز املعارف من فاتحة الكتاب:
تكلم الشيخ في الفتوحات عن من سماهم بمفاتيح كنوز املعارف االثني عشر،
وذلك في الباب التاسع والسبعني وثلثمائة في معرفة منزل الحل والعقد واإلكرام
واإلهانة ،ونشأة الدعاء في صورة األخبار ،وهو منزل محمدي .هذا الباب هو منزل
سورة املائدة؛ وفيه تكلم الشيخ عن الرجال مفاتيح الكنوز االثني عشر .وبالتأمل
في أسمائهم يتبني أن مددهم من األسماء الحسنى القطبية التي عليها مدار
الفاتحة املنزلة من كنز محمدي تحت العرش .وسميت الفاتحة بالصالة في الحديث
الصحيح ،ولهذا قرن الشيخ هؤالء املفاتيح بصالة وتر رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم .و يبدو أن مرجع كالمه هذا هو اآلية 12من املائدة ،وهي قوله – تعالى:-
شَر نَِقيبًا َوَقاَل
ع َ سَراِئيَل َوَبَعث ْنَا ِمنُْهُم اث ْنَ ْ
ي َ ق َبِني إِ ْ هلل ِميث َا َ خَذ ا َُّ﴿ َوَلَقْد أ َ َ
صَالةَ ﴾ اآلية .وللشيخ رسالة نفيسة في التعريف مَعُكْم َلِئْن أ ََقْمتُُم ال َّ هلل إِنِّي َ ا َُّ
بالنقباء وأذكارهم ،وهم من الدوائر العليا للوالية.
يقول ما خالصته:
] اعT Tلم أن االثT Tني عشT Tر مT Tنتهى الT TبسائT Tط مT Tن األعT Tداد :أصT TابT Tع وعT Tقد؛
فTاألصTابTع مTنها تTسعة والTعقد ثTالثTة ،فTاملجTموع اثTنا عشTر .ولTكل واحTد مTن
هؤالء االثTني عشTر حTكم لTيس لTآلخTر ،ومشهTد إلTهي ال يTكون لTسواه .ولTكل
هلل له حكم ذلك العدد.
واحد من هذا العدد رجل من عباد ا ّ
هلل عTليه
هلل -صTلى ا ّ فTالTواحTد مTنهم لTيس مTن الTعدد .ولهTذا كTان وتTر رسTول ا ّ
وسTلم -إحTدى عشTرة ركTعة ،ألن الTواحTد لTيس مTن الTعدد .ولTو كTان الTواحTد
مTن الTعدد مTا صTحت الTوتTريTة جTملة واحTدة ،ال فTي الTعدد وال فTي املTعدود.
هلل عTليه وسTلم -إحTدى عشTرة ركTعة ،كTل ركTعة هلل -صTلى ا ّفTكان وتTر رسTول ا ّ
مTنها نTشأة رجTل مTن أمTته يTكون قTلب ذلTك الTرجTل عTلى صTورة قTلب الTنبي-
هلل ع Tليه وس Tلم -ف Tي ت Tلك ال Tرك Tعة .وأم Tا ال Tثان Tي عش Tر ف Tهو ال Tجام Tع
ص Tلى ا ّ
لألحد عشر.
والTرجTل الTذي لTه مTقام االثTني عشTر حق كTله فTي الTظاهTر والTباطTن ،يTعلم وال
ي Tعلم ،وه Tو ال Tواح Tد األول .ف Tإن أّول ال Tعدد م Tن االث Tنني ،ف Tإذا ان Tتهيت إل Tى
االث Tني عش Tر ف Tإن Tما ه Tي ن Tهاي Tتك إل Tى أح Tد عش Tر م Tن ال Tعدد؛ ف Tإن ال Tواح Tد
األول لTيس مTنه .وال يTصح وجTود االثTني عشTر إال بTالTواحTد األّول ،مTع كTونTه
لTيس مTن الTعدد ،ولTه هTذا الTحكم؛ فTهو فTي االثTني عشTر ال هTو ،كTما تTقول:
"أنت ال أنت".
وهؤالء االثTني عشTر هTم الTذيTن يسTتخرجTون كTنوز املTعارف الTتي اكTتنزت
فTي صTور الTعالTم ) ي لوح ال شيخ ه نا إل ى ك نوز س ور ال قرآن ( .فTللعالTم الTصور
مTن الTعالTم ) أي ل لعلماء ب اهلل ت عال ى ع لم ص ور ال عال م م ن ع لمهم ب سور ال قرآن(،
ولهؤالء عTلم مTا تTحوي عTليه هTذه الTصور ،وهTو الTكنز الTذي فTيها ) إش ارة
إل ى ك نز ال فات حة ( ،فيسT TتخرجT TونT Tه بT TالT TواحT Tد األّول .فT Tهو أعT Tلم الT Tناس
هلل الTذاتTية املسTتصحبة بTالTتوحTيد والTعبادة .و لTهم املTناجTاة الTدائTمة مTع ا ّ
اسTتصحاب الTواحTد لTألعTداد ،مTثل قTولTه " :وهTو مTعكم أيTنما كTنتم" ،أي:
لTيس لTكم وجTود مTعني دون الTواحTد .فTبالTواحTد تظهTر أعTيان األعTداد؛ فTهو
مظه Tره Tا وم Tفنيها؛ ف Tاألل Tف ن Tعته ،إذ ب Tاألل Tف وق Tعت أل Tفة ال Tواح Tد ب Tمرات Tب
الTعدد لTظهوره ،فTهو األّول واآلخTر ،ألن مTقام الTواحTد يTتعالTى أن يحTل فTي
شTيء ،أو يحTل فTيه شTيء .وسTواء كTان مTن الTعدد الTصحيح أو املTكسور ال
فTرق ،فTهو ،أعTني الTواحTد ،يTترك الTحقائق عTلى مTا هTي عTليه ال تTتغير عTن
ذاتT Tها ،إذ لT Tو تT Tغيرت لT Tتغير الT TواحT Tد فT Tي نT Tفسه ،وتT Tغير الحق فT Tي نT Tفسه
ال ال حTقا ً وال خTلقا ً .فTثبتوتTغير الTحقائق مTحال ،ولTم يTكن يTثبت عTلم أصً T
أن الT Tحقائق ال تT Tنقلب أصً T T
ال ،وبهT Tذا يT Tعتمد عT Tلى مT Tا يT Tعتمد عT Tليه ،وهT Tو
املسمى علما ً.
هلل -
فTلنذكTر كTل رجTل مTن هؤالء األحTد عشTر الTذيTن انتشؤوا مTن وتTر رسTول ا ّ
هلل
هلل -صTلى ا ّ هلل عTليه وسTلم ،-بTل هTذه الTصور ربTما جTعلت رسTول ا ّ صTلى ا ّ
عT Tليه وسT Tلم -يT TوتT Tر بT TإحT Tدى عشT Tرة ركT Tعة فT Tي الT Tصورة الT TظاهT Tرة ،وهT Tذه
هلل عTليه وسTلم -فTي الTباطTن ،فTإنTه كTان نTبيا ً وآدم بTني الTصور مTنه -صTلى ّ
املT Tاء والT Tطني ) ف ي ك تاب "اإلس راء" ذك ر ال شيخ ع الق ة ه ذه امل رت بة املح مدي ة
بالفاتحة ،فقال في باب مناجاة أسرار مبادئ السور :وليس لهم – أي الرسل عليهم
الس الم – ف ي ال فات حة ن صيب وال رم وا ف يها ب سهم م صيب ،ف اخ تص ب ها مح مد –
عليه السالم – على الرسل الكرام ،فهي قوله -مل ّا سئل : -متى كنت نبيا؟ قال :وآدم
بني املاء والطني ،فكان مفتاح النبيني(
هلل ع T Tليه وس T Tلم-
ف T Tأن T Tشأه T Tا مل T Tا ك T Tان T Tت ه T Tذه ص T Tفته ،ف T Tلما ظه T Tر -ص T Tلى ا ّ
بجسTده اسTتصحبته تTلك الTصور املTعنويTة ،فTأقTامTت جسTده لTي ً
ال ،ملTناسTبة
الTغيب ،فTحكمت عTلى ظTاهTره بTإحTدى عشTرة ركTعة كTان يTوتTر بTها ،فTكانTت
هلل عTليه وسTلم -انتشؤوا، وتTره .فTهي الTحاكTمة ملTحكومTة لTه ،فTمنه -صTلى ا ّ
هلل عT Tليه وسT Tلم ظهT Tروا -وعT Tليه حT Tكموا بT TوجهT Tني مT Tختلفني وفT Tيه -صT Tلى ا ّ
) ه ذا امل عنى ش بيه ب قول ه -ص لى اهلل ع ليه وس لم – ع ن ح فيده الحس ني -ع ليه
السالم " :-حسني مني وأنا من حسني " (.
ثTم أعTطى الTشيخ أسTماء هؤالء املTفاتTيح املسTتنبطة مTن األسTماء الTحسنى
ال Tتي ع Tليها م Tدار ال Tفات Tحة ،وف Tصل ب Tعض م Tعان Tيها ،وه Tم :ع Tبدال Tكبير،
وع Tبدامل Tجيب ،وع Tبدالح Tميد ،وع Tبدال Tرح Tمن ،وع Tبدامل Tعطي ،وع Tبداملؤم Tن،
وعبدالرحيم ،وعبدامللك ،وعبدالهادي ،وعبدربه ،وعبدالفرد ،وعبد اهلل.
و ربTما يTكون أنسTب مTفاتTيح الTكنوز للمهTدي مTن اسTمه :عTبد الTهادي ،أو
عبد امللك .واهلل أعلم.
-05املهدي يخرج كنز الكعبة:
وربما تكون لعالقة املهدي بمفتاح كنز املعارف صلة أيضا بإخراجه
الكنز املكنون في الكعبة ،حسبما ذكره الشيخ في الباب 72الذي فصل
فيه أسرار الحج ،حيث يقول عنه ) ج1ص:(667:
ن اهلل قد أودع في الكعبة كنزا أراد رسول اهلل – صلى اهلل عليه ] واعلم أ ّ
وسلم -أن يخرجه فينفقه ،ثم بدا له في ذلك مصلحة رآها ،ثم أراد عمر
بعده أن يخرجه ،فامتنع اقتداء برسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ،-
ما أنا ،فسيق لي منه لوح من ذهب جيء به فهو فيه إلى اآلن .وأ ّ
ي،وأنا بتونس سنة ثمان وتسعني وخمسمائة ،فيه شق غلظه إصبع، إل ّ
عرضه شبر ،وطوله شبر وأزيد ،مكتوب عليه بقلم ال أعرفه ،وذلك لسبب
طرأ بيني و بني اهلل .فسألت اهلل أن يرّده إلى موضعه أدبا مع رسول اهلل
– صلى اهلل عليه وسلم ،-ولو أخرجته إلى الناس لثارت فتنة عمياء؛
فتركته أيضا لهذه املصلحة ،فإنّه – صلى اهلل عليه وسلم -ما تركه
سدى ،و إنّما تركه ليخرجه القائم بأمر اهلل في آخر الزمان ،الذي يمأل
األرض قسطا و عدال ،كما ملئت جورا وظلما ،وقد ورد خبر رويناه فيما
ذكرناه من إخراجه على يد هذا الخليفة ،وما أذكر اآلن عمن رويته ،وال
الجزء الذي رأيته فيه.
كذلك جعل اهلل في قلب العارف كنز العلم باهلل ،فشهد هلل بما شهد به
الحق لنفسه من أنه ال إله إال اهلل .و نفى هذه املرتبة عن كل ما سواه،
فقال" :شهد اهلل أنه ال إله إال هو واملالئكة وأولوا العلم" .فجعلها كنزا ً
في قلوب العلماء باهلل .وملا كانت كنزا ً لذلك ال تدخل امليزان يوم القيامة،
وما يظهر لها عني إال في الكثيب األبيض يوم الزور .ويظهر جسمها،
وهو النطق بها ،عناية لصاحب السجالت ال غير .فذلك الواحد يوضع
له في ميزانه التلفظ بها إذا لم يكن له خير غيرها .فما يزن ظاهرها
شيء ،فأين أنت من روحها ومعناها؟ فهي كنز مدخر أبدا ً دنيا وآخرة .و
كل ما ظهر في األكوان واألعيان من الخير فهو من أحكامها وحقها[.
وفي ديوانه الكبير يشير الشيخ إلى هذا الكنز املكنون للمهدي في
الكعبة ،فيقول:
ت من الفئة الباغيه] ولوال تعّدي الحدود التي رأي ُ
ت كنز أبي طالـب إليكم بأوصافه الوافيـه ألظهر ُ
ولكن أبىَ ربّـــنا ذاك فأْوَدعه الكعبة الزاكيه[
كأنه يشير في النص السابق وفي هذه األبيات إلى كنز عرش الخالفة
الحقيقية الباطنة الخاصة بأئمة آل البيت األطهار ،بيت الذكر والوالية.
وأشار بكلمة " الفئة الباغية" إلى الحديث الصحيح ،وهو قول النبي –
صلى اهلل عليه وسلم لعمار -رضي اهلل عنه >> :-تقتلك الفئة الباغية<<.
ثانيا:تناسب األقطاب االثني عشر مع اثني عشر نبيا:
مTن املTمكن أن يTكون لهؤالء األقTطاب ،وملTفاتTيح الTكنوز ،نTوع مTن الTتناسTب
م Tع االث Tني عش Tر ن Tبيا ال Tذي Tن ورد خ Tبر ن Tبوي ف Tي ش Tأن Tهم ،أورده ال Tحكيم
الT TترمT Tذي فT Tي السؤال ) 144أي الT TحاصT Tل مT Tن ضT Tرب االثT Tني عشT Tرة فT Tي
نT Tفسها( مT Tن أسT Tئلته فT Tي كT TتابT Tه "خT TاتT Tم األولT Tياء ،وأجT Tاب عT Tنها الT Tشيخ
األك T Tبر ف T Tي ال T Tباب 73م T Tن ال T Tفتوح T Tات ،ح T Tيث ي T Tقول مس T Tتعمال أس T Tلوب
التلويح واإلشارة :
] السؤال الTرابTع واألربTعون ومTائTة" :لTيتمنني اثTنا عشTر نTبيا ً أن يTكونTوا
من أمتي"؟
الجواب:
ملTا كTانTت أمTته خTير األمTم ،وعTندهTا زيTادة عTلى أنTبياء األمTم بTاتTباعTهم سTنن
هTدى رسTول اهلل -صTلى اهلل عTليه وسTلم ،-فTإنTهم مTا اتTبعوه ألنTهم تTقدمTوه.
ولTيس خTيرا مTن كTل أمTة إال نTبيها ،ونTحن خTير األمTم ،فTنحن واألنTبياء فTي
ه Tذه ال Tخيري Tة ف Tي س Tلك واح Tد منخ Tرط Tني؛ ألن Tه م Tا ث Tم م Tرت Tبة ب Tني ال Tنبي
وأم Tته؛ ومح Tمد خ Tير م Tن أم Tته ،ك Tما ك Tان ك Tل ن Tبي خ Tيرا ً م Tن أم Tته ،ف Tهو -
صلى اهلل عليه وسلم -خير األنبياء.
ال ،وصTامTوا إلTى أن مTاتTوا ومTا أفTطروا فهؤالء االثTنا عشTر نTبيا ولTدوا لTي ً
ال ورغTبة ورجTاء أن يTكونTوا مTن أمTة محTمد- نTهارا ،مTع طTول أعTمارهTم ،سؤا ً
صTلى اهلل عTليه وسTلم-؛ فTلهم مTا تTمنوا ،وهTم مTع مTن أحTبوه يTوم الTقيامTة.
ف Tيأت Tي ال Tنبي ي Tوم ال Tقيام Tة وف Tي أم Tته ال Tنبي واالث Tنان وال Tثالث Tة ،وي Tأت Tي
مح Tمد -ص Tلى اهلل ع Tليه وس Tلم -وف Tي أم Tته أن Tبياء أت Tباع ،وأن Tبياء ال Tتباع،
وأنTبياء مTا هTم أنTبياء أتTباع ) يTعني :أنTبياء لTهم أتTباع مTن أمTمهم كهؤالء
الTذيTن تTمنوا وعTملوا لTيكونTوا مTن أمTته – صTلى اهلل عTليه وسTلم-؛ وأنTبياء
الTتباع ،أي كTعيسى – عTليه السTالم – عTندمTا يTنزل فTي آخTر الTزمTان تTابTعا
للش Tري Tعة املح Tمدي Tة؛ وأن Tبياء م Tا ه Tم أن Tبياء أت Tباع ،أي أه Tل م Tقام ال Tقرب Tة
كTالTخضر الTذي لTيس لTه أتTباع ،وهTو الTيوم تTابTع للشTرع املحTمدي ،مTع كTونTه
ك Tان ع Tلى ش Tري Tعة أخ Tرى ق Tبل ال Tبعثة املح Tمدي Tة .وه Tذا ك Tله ألن Tها ن Tاس Tخة
للشرائع األخرى (.
فTيتبع محTمد -صTلى اهلل عTليه وسTلم -ثTالثTة أصTناف مTن األنTبياء .وهTذه
م Tسأل Tة أع Tرض ع Tن ذك Tره Tا أص Tحاب Tنا ،مل Tا ف Tيها م Tما ي Tتطرق إل Tى األوه Tام
الضعيفة من اإلشكال.
وجTعلهم اهلل اثTني عشTر ،كTما جTعل الTفلك األقTصى اثTني عشTر بTرجTا ً ،كTل
بT Tرج مT Tنها طT TالT Tع نT Tبي مT Tن هؤالء االثT Tني عشT Tر ،لT Tتكون جT Tميع املT TراتT Tب
ت T Tتمنى أن ت T Tكون م T Tن أم T Tة مح T Tمد -ص T Tلى اهلل ع T Tليه وس T Tلم -م T Tن االس T Tم
الTظاهTر ،ليجTمعوا بTينه وبTني مTا حTصل لTهم مTن اسTمه الTباطTن؛ إذ كTان كTل
شTرع بTعثوا بTه مTن شTرعTه -عTليه السTالم -مTن اسTمه الTباطTن ،إذ كTان نTبيًا
وآدم بTني املTاء والTطني .فTقال تTعالTى لTه" :أولTئك الTذيTن هTدى اهلل فبهTداهTم
اقT Tتده" ،ومT Tا قT Tال" :بT Tهم" ،إذ كT Tان هT TداهT Tم هT Tداك الT Tذي سT Tرى إلT Tيهم فT Tي
الTباطTن مTن حTقيقتك .فTمعناه مTن حTيث الTعلم :إذا اهTتديTت بهTداهTم فTهو
اهTتداؤك بهTديTك ،ألن األولTية لTك بTاطTنا ً ،واآلخTريTة لTك ظTاهTرا ً ،واألولTية لTك
في اآلخرية ظاهرا ً وباطنا ً[ انتهى.
ق Tلت :وق Tد س Tبق ال Tكالم ع Tلى النس Tبة امل Tتميزة ب Tني امله Tدي ون Tوح ع Tليهما
السالم ،وكالهما خاتم لدورة زمنية وفاتح للتي تتلوها.
ثالثا :مكانة آل البيت عند الشيخ األكبر:
في ديوانه) ص ( 357 :يصّرح الشيخ بخصوصية آل البيت فيقول:
من طهّر اهلل لم يلحق به دنس وهو املقّدس ال بل عينه القدس
وهو اإلمام الكريم السّيد النّدس كأهل بيت رسول اهلل سّيدنا
القسم الثالث
*خ T T Tات T T Tم ال T T Tوالي T T Tة
الTعامTة:عTيسى بTن
م T T T T Tري T T T T Tم – ع T T T T TلTيTه
السالم .-
* وخاتم الوالية
املحمدية الخاصة:
الشيخ األكبر
محيي الدين
محمد ابن
-01الحكيم الترمذي أول من تكلم عن الختم :العربي -رحمه
هلل-الوالية " هو
حسب املراجع الراهنة ،أول من ذكر مصطلح " خااتم
الصوفي العارف العالمة الشيخ محمد بن علي ،املشهور بلقب الحكيم
الترمذي) توفي قريبا من سنة 320هـ( ،حيث جعله عنوانا ألحد كتبه.
وفيه وضح أنواع السلوك الروحي العرفاني وغاياتها ومزالقها،
وأفصح عن لزوم الظهور في املستقبل لخاتم الوالية ،كما ختمت نبوة
التشريع والرسالة بسيدنا محمد صلى اهلل عليه وسلم .و ال يعني به أن
ال ظهور لولي بعده ،و إنما يعني أن هذا الخاتم يفوز بأعلى مقامات
الوالية في قمة مقام القربة .لكنه لم يفصح عن اسمه ولم يعني بالتدقيق
شخصه ،إلى أن جاء الشيخ األكبر ،نحو ثالثة قرون بعد الحكيم
الترمذي ،وأوضح في هذا الكتاب – كما سيأتي بيانه املفصل – وفي
الفتوحات ،أن هذا الخاتم للوالية العامة الذي يعنيه الحكيم ،ليس
سوى عيسى – عليه السالم – عندما ينزل في آخر الزمان ،فقال في
القصيدة التي افتتح بها هذا الكتاب " عنقاء مغرب ":
إليه إذا يسري إليه يحـــوم وللختم سر لم يزل كل عارف
ولم يبده والقلب منه سليــم. أشار إليه الترمذي بختمــه
يقول الترمذي عن هذا الختم العام ما خالصته ) تحقيق عثمان يحيى /
ص ] :(441-422-421-367-345-344الولي الذي له إمامة الوالية
ورياستها وختمها مقامه في أعلى منازل األولياء في ملك الفردانية،
منفرد في وحدانيته ومناجاته .كفاحا في مجالس امللك .قد انكشف له
الغطاء عن مقاماتهم ومراتبهم وعطاياهم وتحفهم .يسير به اهلل تعالى
على طريق محمد – صلى اهلل عليه وسلم .-فكما كان– صلى اهلل عليه
وسلم -حجة على األنبياء ،فكذلك يصير هذا الولي حجة على األولياء،
بأن يقول) الحق تعالى ( لهم"" :معاشر األولياء ،أعطيتكم واليتي ،فلم
تصونوها من مشاركة النفس .و هذا أضعفكم وأقلكم عمرا قد أتى
بجميع الوالية صدقا ،فلم يجعل للنفس فيها نصيبا وال تلبيسا" .وكان
ذلك في الغيب من منة اهلل تعالى على هذا العبد ،حيث أعطاه الختم،
لتقر به عني محمد – صلى اهلل عليه وسلم -في املوقف ،فيقر له األولياء
يومئذ بالفضل عليهم ،ويكون أمانا لهم .وال ينقضي الدهر حتى يأتي
اهلل بهذا الخاتم .فإذا برز األولياء يوم القيامة واقتضوا صدق الوالية
والعبودية ،وجد الوفاء عند هذا الذي ختم الوالية تماما ،فكان حجة اهلل
عليهم وعلى سائر املوحدين من بعدهم ،وكان شفيعهم يوم القيامة.
فهو سّيدهم .ساد األولياء ،كما ساد محمد – صلى اهلل عليه وسلم -
األنبياء ،فينصب له مقام الشفاعة ،ويثني على اهلل تعالى ثناء،
ويحمده بحامد يقر األولياء بفضله عليهم في العلم باهلل تعالى .فلم
يزل هذا الولي مذكورا في البدء :أوال في الذكر ،وأّوال في العلم ،ثم
األول في املشيئة ،ثم هو األول في املقادير ،ثم هو األول في اللوح
املحفوظ ،ثم األول في امليثاق ،ثم األول في املحشر ،ثم األول في
الخطاب ،ثم األول في الوفادة ،ثم األّول في الشفاعة ،ثم األّول في
دخول الدار ،ثم األول في الزيارة .فهو في كل مكان أول األولياء ،كما
كان محمد – صلى اهلل عليه وسلم -أول األنبياء .فهو من محمد –
صلى اهلل عليه وسلم -عند األذن ،واألولياء عند القفا .فهذا عبد مقامه
بني يديه في ملك امللك .ونجواه هناك في املجلس األعظم .فهو في
قبضته ،واألولياء من خلفه دونه درجة درجة ،ومنازل األنبياء بني
يديه [انتهى.
قلنا أن الشيخ كرر في الفتوحات أن هذا الخاتم الذي يعنيه الحكيم
هو عيسى عليه السالم .والشتراكه في املقام الختمي مع الختم
املحمدي الخاص ،أي الشيخ األكبر ،كثيرا يأتي الشيخ بذكرهما معا،
فيقول مثال في الباب : 24
]وأما أسرار االشتراك بني الشريعتني ،فمثل قوله تعالى" :أقم الصالة
لذكري" .وهذا مقام ختم األولياء .ومن رجاله اليوم :خضر ،و إلياس.
وهو تقرير الثاني ما أثبته األّول من الوجه الذي أثبته ،مع مغايرة
الزمان ،ليصح املتقدم واملتأخر .وقد ال يتغير املكان وال الحال ،فيقع
الخطاب بالتكليف للثاني من عني ما وقع لألول .وملا كان الوجه الذي
جمعهما ال يتقيد بالزمان ،واألخذ منه أيضا ً ال يتقيد بالزمان ،جاز
االشتراك في الشريعة من شخصني ،إال أن العبارة يختلف زمانها
ولسانها )(...و اعلم أنه البد من نزول عيسى عليه السالم ،والبد من
حكمه فينا بشريعة محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-يوحي اهلل بها إليه
ي ال يأخذ الشرع من غير مرسله .فيأتيه امللك من كونه نبيا ً .فإن النب ّ
مخبرا ً بشرع محمد الذي جاء به -صلى اهلل عليه وسلم .-وقد يلهمه
إلها ًما ،فال يحكم في األشياء بتحليل وتحريم إال بما كان يحكم به
رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -لو كان حاضرا ً .ويرتفع اجتهاد
املجتهدين بنزوله عليه السالم .و ال يحكم فينا بشرعه الذي كان عليه
في أوان رسالته ودولته ،فيما هو عالم بها من حيث الوحي اإللهي إليه
بما هو رسول ونبي .وبما هو الشرع الذي كان عليه محمد -صلى اهلل
عليه وسلم ،-هو تابع له فيه .وقد يكون له من االطالع على روح -محمد
صلى اهلل عليه وسلم -كشفا ً ،بحيث أن يأخذ عنه ما شرع اهلل له أن
مته -صلى اهلل عليه وسلم .-فيكون عيسى عليه السالم يحكم به في أ ّ
صاحبا ً وتابعا ً من هذا الوجه .وهو عليه السالم من هذا الوجه خاتم
األولياء .فكان من شرف النبي صلى اهلل عليه وسلم أن ختم األولياء في
مته نبي رسول مكرم هو عيسى عليه السالم .وهو أفضل هذه األمة أ ّ
املحمدية .وقد نبه عليه الترمذي الحكيم في كتاب "ختم األولياء" له.
وشهد له بالفضيلة على أبي بكر الصديق وغيره .فإنه و إن كان وليا ً في
هذه األمة وامللة املحمدية ،فهو نبيّ ورسول في نفس األمر .فله يوم
وة
القيامة حشران :يحشر في جماعة األنبياء والرسل بلواء النب ّ
والرسالة ،وأصحابه تابعون له ،فيكون متبوعا ً كسائر الرسل؛ ويحشر
أيضا ً معنا وليا ً في جماعة أولياء هذه األمة ،تحت لواء محمد -صلى
اهلل عليه وسلم ،-تابعا ً له ،مقدما ً على جميع األولياء من عهد آدم إلى
آخر ولي يكون في العالم .فجمع اهلل له بني الوالية والنبوّة ظاهرا ً .وما
في الرسل يوم القيامة من يتبعه رسول إال محمد -صلى اهلل عليه
وسلم .-فإنه يحشر يوم القيامة في اتباعه عيسى والياس عليهما
السالم .و إن كان كل من في املوقف من آدم فمن دونه تحت لوائه -
صلى اهلل عليه وسلم ،-فذلك لواؤه العام .وكالمنا في اللواء الخاص
مته -صلى اهلل عليه وسلم .-وللوالية املحمدية املخصوصة بهذا بأ ّ
الشرع املنزل على محمد -صلى اهلل عليه وسلم -ختم خاص ،هو في
الرتبة دون عيسى عليه السالم ،لكونه رسو ً
ال .وقد ولد في زماننا،
ورأيته أيضا ً واجتمعت به ،ورأيت العالمة الختمية التي فيه .فال ولي
بعده إال وهو راجع إليه .كما أنه ال نبيّ بعد محمد -صلى اهلل عليه
وسلم -إال وهو راجع إليه ،كعيسى إذا نزل .فنسبة كل ولي يكون بعد
هذا الختم إلى يوم القيامة نسبة كل نبي يكون بعد محمد -صلى اهلل
مة.وة ،كإلياس ،وعيسى ،والخضر ،في هذه األ ّ عليه وسلم -في النب ّ
وبعد أن بينت لك مقام عيسى عليه السالم إذا نزل ،فقل ما شئت .إن
شئت قلت شريعتني لعني واحدة ،و إن شئت قلت شريعة واحدة [انتهى.
-02تداخل خصوصيات الختمني:
وههنا يطرح السؤال التالي :زيادة على كون أن هذا الخاتم للوالية
العامة هو عيسى – عليه السالم -كما وضحه الشيخ األكبر ،فهل
تضمن أيضا هذا الكالم من الترمذي خصوصيات الختم املحمدي
الخاص الذي سنتكلم عنه الحقا ،وهو الشيخ األكبر نفسه؟
الجواب :هذا محتمل جدا ،خصوصا – حسبما يرى البعض -أن
األوصاف الباطنية للختمني تكاد تكون متطابقة ،فهي تصح على كل
منهما .بل يذهب البعض إلى أن عدد األسئلة التي طرحها الترمذي في
كتابه "خاتم األولياء" متحديا أدعياء الوالية اإلجابة عنها ،هو .157
ولم يرفع التحدي إال الشيخ األكبر الذي وافق عدد لقبه "محي الدين "،
بحساب الجمل ،عدد تلك األسئلة )محي الدين= ،(157 =99+58فأجاب
عنها بتفصيل واف في الباب 73من الفتوحات .فإن قيل أن الشيخ لم
يجب إال على 155سؤاال ،مسقطا السؤالني 152و .153فالجواب
حينئذ هو أنه بإسقاط دال التضعيف من كلمة " الدين "يصبح ذلك
العدد ،153وبالتالي فالعدد 155هو األوسط بني اعتبار الشدة على
الدال في الكلمة اللفظية ،وعدم اعتبارها في الرقم.
واهلل أعلم بمدى صحة هذه املالحظة ،أهي فعال مقصودة من الحكيم؟ أم
جاءت اتفاقا؟ رغم أن أهل هذا الفن ال يقولون بوجودالصدفة أصال ،ألن
كل ما دق وجل في نظرهم بتقدير الحكيم العليم ،سواء علمه واضعه
من الخلق أو جهله.
وفي موضوع هذه األسئلة الترمذية ،يطرح السؤال التالي :ملاذا لم
يجب الشيخ عن السؤالني 152و )153وهذا العدد هو عدد "محي
الدين" كما سبق ذكره(؟ علما بأن نص السؤال 152هو :والقائم
بالحجة؟ ونص السؤال 153هو :ومن أين يكلم) أي القائم بالحجة (
الخلق ،حتى يقيم حجة اهلل عليهم ،فإن اهلل تعالى قد أقام الحجة عليهم
بالعبودية ،وجعل القائم بها طريقا إلى خزائن علم الكالم؟
الجواب – واهلل أعلم -يحتمل وجهني :األول هو أن هذين السؤالني
سقطا من نسخة كتاب " خاتم األولياء" التي كانت عند الشيخ .و
الوجه الثاني ،وربما يكون هو األوجه ،هو :أن الشيخ تعمد عدم
اإلجابة عنهما ألنهما يتعلقان به مباشرة ،وعني إجابته عن األسئلة
الباقية كلها هو عني الجواب عنهما .أي أن القائم بالحجة األعظم هو
الخاتم املحمدي نفسه املتحقق بكمال العبودية ،والظاهر بفتوح
العـبارة والكالم في الحقائق العليا ،كما هو مشهود للجميع عند
الشيخ محيي الدين .ومن جانب آخر فللعدد 155دالالت أخرى تتعلق
ببعض أسرار هذه األسئلة ،ليس هنا محل تفصيلها.
وفي هذا السياق يقول مؤيد الدين الجندي ) ت691:هـ( ،وهو تلميذ
الخليفة األشهر للشيخ األكبر أي صدر الدين القونوي ،في شرحه
لفص شيث ... ] :ولم يكاشف بمقام هذا الختم الخصوصي من أولياء
اهلل املتقدمني إال اإلمام العالمة محمد بن علي الترمذي الحكيم ،صاحب
" نوادر األصول " ،وهو من مشائخ الطبقة العالية .فتح له في االطالع
على مقام هذا الختم .فلما ذكره في كتبه ،واشتهر ذلك عنه بني علماء
زمانه األعالم من مشائخ اإلسالم .واشرأبت نفوس أهل الدعوى إلى
هذا املقام ،وعلم ذلك منهم ،وأنهم ليس لهم ذلك ،وخاف عليهم من دعوى
بال معنى وال فحوى ،أنشأ كتابا جامعا ملسائل غامضة خصيصة له
باملشرب الختمي .و ذكر أنه ال يشرحها على ما ينبغي إال خاتم
األولياء ،وأنه يطابق اسمه هذا الختم املجيب اسم الحكيم السائل –
رضي اهلل عنه ،-وكذلك اسم أبيه يطابق اسم أبيه .فلما عثر أهل الدعوى
على هذا املعنى ،نكصوا على أعقابهم ،ورجعوا إلى اهلل عن تراميهم
إلى مقام الختم وانتسابهم .ثم ملا بعث هذا الخاتم في أقصى البالد،
وهو املغرب ،من العرب ،شرح تلك املسائل ،وأوضح الحجج على تلك
الدالئل،وحصلت املطابقة بني تلك األسماء كما ذكر الحكيم ،فكان ذلك
أحد البراهني الدالة على ختمية هذا الخاتم الصحيح ،نسبته من طي¦
إلى الحاتم ،كما قلنا في بعض مدائحه – رضي اهلل عنه – في رسالة لنا
سميناها بـ"النصوص الواردة باألدلة على ختمية والية الخصوص"
في " الغّراء امليمية" من فتوح دار السالم ،شعر:
وخاتم حاتمي األصل من عرب عّزت به من كرام العرب
أعجام
ومن صناديد آل الطي¦ له بخوالن أخوال جحاجحــة
أعمـام[.
فمؤيد الدين الجندي ،كما يظهر من كالمه هنا ،رغم علمه األكيد أن
الشيخ األكبر قال أن الختم الذي يعنيه الترمذي هو عيسى بن مريم
عندما ينزل في آخر الزمان ،يعتقد أن كالم الترمذي عن الختم ينطبق
أيضا على الشيخ األكبر نفسه .
لكن هذا كله غير مؤكد بوضوح ،واهلل أعلم .وعلى كل حال فمن
خصوصيات هذا الخاتم أنه " :في أعلى منازل األولياء في ملك
الفردانية" ،وأنه أتى بجميع الوالية صدقا وعبودية" .ومعلوم في
سيرة الشيخ األكبر أنه كان من رؤساء األفراد ،وأخبر عن نفسه بتحققه
بمقام الصدق األتم خصوصا ملا تحقق بمنزل سورة "ص" ،وتحققه
بكمال العبودية .
ففي بداية الباب 463من الفتوحات يقول مشيرا إلى مقامه
الفرداني ] :وأما املفردون فكثيرون ،والختمان منهم ،أي من املفردين،
فما هما قطبان .وليس في األقطاب من هو على قلب محمد – صلى اهلل
عليه وسلم ،-وأما املفردون فمنهم من هو على قلب محمد – صلى اهلل
عليه وسلم ،-والختم منهم ،أعني خاتم األولياء الخاص[ ،يعني به
نفسه رضي اهلل عنه.
فوظيفة الشيخ لم تكن منحصرة في أهل زمانه كالقطب ،بل عامًة
عموم الرحمة املحمدية التي الختم مظهرها :وما أرسلناك إال رحمة
للعاملني ،ذاتية ثابتة فوق الزمان وفي الزمان ،كذاتية العبودية األحمدية
التي نال منها الشيخ أوفر نصيب ،كما صرح بذلك في قوله في الباب
مل )ج3ص:(41: 311من الفتوحات املخصوص بمنزل سورة املز ّ
ت بها ،واستيقظت ] اعلْم أنّه ليلة تقييدي هذا الباب ،رأيت رؤيا سرر ُ
وأنا أنشد بيتا كنت قد عملته قبل هذا في نفسي ) - ،(...وهو مكتوب
في مدخل مقام ضريح الشيخ اليوم – و هو:
في كل عصر واحد يسمو به وأنا لباقي العصر ذاك الواحد
و ذلك أني ما أعرف اليوم في علمي من تحقق بمقام العبودية أكثر
منّي ،و إن كان ثم فهو مثلي .فإنّي بلغت من العبودية غايتها ،فأنا
العبد املحض الخالص ال أعرف للربوبية طعما ) (...واهلل سبحانه قد
ي لم أنلها بعمل ،بل اختصاص إلهي أرجو منحنيها هبة أنَعم بها عل ّ
من اهلل أن يمسكها علينا ،وال يحول بيننا وبينها إلى أن نلقاه بها
﴿فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ﴾ [.
وأما تحققه بكمال الصدق خالل ترقية في التحقق بمنازل القرآن،
فقد ذكرأنه تم له ذلك في فاس عنما دخل منزل سورة ص التي خصص
لها الباب 346من الفتوحات تحت عنوان " :منزل سّر صدق فيه بعض
العارفني ،فرأى نوره كيف ينبعث من جوانب ذلك املنزل وهو من
ن هذا املنزل من منازلالحضرات املحمدية " ،وبدأه بقوله ] :اعلم أ ّ
التوحيد واألنوار ،وأدخلينه اهلل تعالى مرتني .وفي هذا املنزل صرت
نورا ،كما قال – صلى اهلل عليه وسلم -في دعائه ":واجعلني
نورا" .[.. .فأشار بكلمة "صدق" إلى حرف الصاد الذي هو من الصدق
و الصون والصورة ،حسبما ذكره في الباب الثاني من الفتوحات عند
ن اهلل تعالى أعطاه له في املنام ،ثمتعريفه لهذا الحرف ) ،(I:71وذكر أ ّ
قال عنه] :
الصاد حرف شريف والصاد في الصدق أصدق
حرف شريف عظيم ،أقسم عند ذكره بمقام جوامع الكلم ،وهو املشهد
املحمدي في أوج الشرف بلسان التمجيد ،وتضمنت هذه السورة من
أوصاف األنبياء عليهم السالم ومن أسرار العالم كله الخفية عجائب و
آيات .وهذه الرؤيا فيها من األسرار على حسب ما في هذه السورة من
األسرار ،فهي تدل على خير كثير جسيم يناله الرائي ومن ريئت له ،وكل
من شوهد فيها من اهلل تعالى ،ويحصل له من بركات األنبياء عليهم
السالم املذكورين في هذه السورة ،ويلحق األعداء من الكفار ما في هذه
السورة من البؤس ال من املومنني ،نسأل اهلل لنا ولهم العافية في الدنيا
وفي اآلخرة[.
-03خصوصيات الختمني عند الشيخ األكبر:
اعلم وفقنا اهلل و إياك ،أن اهلل تعالى من كرامة محمد -صلى اهلل عليه
وسلم -على ربه أن جعل من أمته رس ً
ال ) يعني بهم الدعاة إلى اهلل
تعالى على بصيرة ،و إلى الشرع املحمدي بحق يقني ال بشرع غيره (.
ثم إنه اختص من الرسل من بعدت نسبته من البشر ،فكان نصفه بشرا ً
ونصفه اآلخر روحا ً مطهرة ملكا ً ،ألن جبريل وهبه ملريم بشرا ً سويا ً.
رفعه اهلل إليه ،ثم ينزله وليا ً خاتم األولياء في آخر الزمان ،يحكم بشرع
محمد -صلى اهلل عليه وسلم -في أمته .وليس يختم إال والية الرسل
واألنبياء .وختم الوالية املحمدي ) أي الشيخ األكبر نفسه ( يختم والية
األولياء .لتتميز املراتب بني والية الولي ووالية الرسل .فإذا نزل وليا ً
) أي عيسى عليه السالم ( ،فإن خاتم األولياء) أي املحمدي الشيخ
األكبر( يكون ختما ً لوالية عيسى من حيث ما هو من هذه األمة حاكما ً
بشرع غيره .كما أن محمدا ً خاتم النبيني ،و إن نزل بعده عيسى .كذلك
حكم عيسى في واليته ،بتقدمه بالزمان خاتم والية األولياء ،وعيسى
منهم ،ورتبته قد ذكرناها في كتابنا املسمى" :عنقاء مغرب" ،فيه ذكره
وذكر املهدي الذي ذكره رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-فأغنى عن
ذكره في هذا الكتاب .ومنزلته ال خفاء بها ،فإن عيسى كما قال " :رسول
اهلل وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه" .واهلل يقول الحق وهو يهدي
السبيل[ انتهى.
وقول الشيخ عن الخاتم " :أنه أخذ من املعدن الذي يأخذ منه امللك الذي يوحي
ب ه إل ى ال رس ول" ،يفس ره م ا ف صله ف ي ال باب 14م ن ال فتوح ات ،وه و" :ف ي م عرف ة
أس رار األن بياء ،أع ني أن بياء األول ياء ،وأق طاب األم م امل كملني م ن آدم ع ليه الس الم
إل ى مح مد -ص لى اهلل ع ليه وس لم ،-وأن ال قطب واح د م نذ خ لقه اهلل ،ل م ي مت ،وأي ن
مسكنه؟"
حيث يقول:
] اعلم أيدك اهلل ،أن النبي هو الذي يأتيه امللك بالوحي من عند اهلل.
يتضمن ذلك الوحي شريعة يتعبده بها في نفسه ،فإن بعث بها إلى
ال .ويأتيه امللك على حالتني :إما ينزل بها على قلبه على غيره كان رسو ً
اختالف األحوال في ذلك التنزل ،و إما على صورة جسدية من خارج،
يلقى ما جاء به إليه على أذنه فيسمع ،أو يلقيها على بصره فيبصره،
فيحصل له من النظر مثل ما يحصل له من السمع سواء .وكذلك سائر
القوى الحساسة .وهذا باب قد أغلق برسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم،-
فال سبيل أن يتعبد اهلل أحدا ً بشريعة ناسخة لهذه الشريعة املحمدية.
و إن عيسى -عليه السالم -إذا نزل ،ما يحكم إال بشريعة محمد -صلى
اهلل عليه وسلم -وهو خاتم األولياء ،فإنه من شرف محمد -صلى اهلل عليه
وسلم -أن ختم اهلل والية أمته ،والوالية مطلقة ،بنبي رسول مكرم ،ختم
به مقام الوالية .فله يوم القيامة حشران :يحشر مع الرسل رسوالً،
ويحشر معنا وليا ً تابعا ً محمدا ً -صلى اهلل عليه وسلم .-كرمه اهلل تعالى
و إلياس بهذا املقام على سائر األنبياء .وأما حالة أنبياء األولياء في
هذه األمة :فهو كل شخص أقامه الحق في تجل من تجلياته ،وأقام له
مظهر محمد -صلى اهلل عليه وسلم -ومظهر جبريل عليه السالم،
فاسمعه ذلك املظهر الروحاني خطاب األحكام املشروعة ملظهر محمد-
صلى اهلل عليه وسلم ،-حتى إذا فرغ من خطابه ،وفزع عن قلب هذا
الولي ،عقل صاحب هذا املشهد جميع ما تضمنه ذلك الخطاب من
األحكام املشروعة الظاهرة في هذه األمة املحمدية .فيأخذها هذا الولي
كما أخذها املظهر املحمدي ،للحضور الذي حصل له في هذه الحضرة،
مما أمر به ذلك املظهر املحمدي من التبليغ لهذه األمة .فيرد إلى نفسه
وقد وعى ما خاطب الروح به مظهر محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-وعلم
صحته علم يقني ،بل عني يقني .فأخذ حكم هذا النبي ،وعمل به على
بينة من ربه .فرب حديث ضعيف قد ترك العمل به لضعف طريقه ،من
أجل وضاع كان في رواته ،يكون صحيحا ً في نفس األمر ،ويكون هذا
الواضع مما صدق في هذا الحديث ولم يضعه ،و إنما رده املحدث لعدم
الثقة بقوله في نقله .وذلك إذا انفرد به ذلك الواضع ،أو كان مدار
الحديث عليه .وأما إذا شاركه فيه ثقة ،سمعه معه قبل ذلك الحديث من
طريق ذلك الثقة .وهذا ولي قد سمعه من الروح يلقيه على حقيقة
محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-كما سمع الصحابة في حديث جبريل
عليه السالم مع محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-في اإلسالم واإليمان
واإلحسان في تصديقه إياه .و إذا سمعه من الروح امللقي ،فهو فيه مثل
الصاحب الذي سمعه من فم رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم ،-علما ً ال
يشك فيه .بخالف التابع ،فإنه يقبله على طريق غلبة الظن ،الرتفاع
التهمة املؤثرة في الصدق .ورب حديث يكون صحيحا ً من طريق رواته،
يحصل لهذا املكاشف الذي قد عاين هذا املظهر ،فسأل النبي -صلى اهلل
عليه وسلم -عن هذا الحديث الصحيح ،فأنكره وقال له " :لم أقله وال
حكمت به" ،فيعلم ضعفه ،فيترك العمل به عن بينة من ربه ،و إن كان قد
عمل به أهل النقل لصحة طريقه ،وهو في نفس األمر ليس كذلك .وقد
ذكر مثل هذا مسلم في صدر كتابه الصحيح .وقد يعرف هذا املكاشف
من وضع ذلك الحديث الصحيح طريقه في زعمهم .إما أن يسمى له ،أو
تقام له صورة الشخص .فهؤالء هم أنبياء األولياء .وال يتفردون قط
بشريعة ،وال يكون لهم خطاب بها إال بتعريف أن هذا هو شرع محمد-
صلى اهلل عليه وسلم ،-أو يشاهد املنزل عليه بذلك الحكم ،في حضرة
التمثل الخارج عن ذاته ،والداخل املعبر عنه باملبشرات في حق النائم.
غير أن الولي يشترك مع النبي في إدراك ما تدركه العامة في النوم في
حال اليقظة سواء .وقد أثبت هذا املقام لألولياء أهل طريقنا ،و إتيان
هذا وهو الفعل بالهمة ،والعلم من غير معلم من املخلوقني غير اهلل ،وهو
علم الخضر .فإن آتاه اهلل العلم بهذه الشريعة التي تعبده بها على
لسان رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -بارتفاع الوسائط -أعني
الفقهاء وعلماء الرسوم -كان من العلم اللدني ،ولم يكن من أنبياء هذه
األمة .فال يكون من يكون من األولياء وارث نبي إال على هذه الحالة
الخاصة ،من مشاهدة امللك عند اإللقاء على حقيقة الرسول ،فافهم.
فهؤالء هم أنبياء األولياء .وتستوي الجماعة كلها في الدعاء إلى اهلل
على بصيرة ،كما أمر اهلل تعالى نبيه -صلى اهلل عليه وسلم -أن يقول:
"أدعو إلى اهلل على بصيرة أنا ومن اتبعني" ،وهم أهل هذا املقام .فهم
في هذه األمة مثل األنبياء في بني إسرائيل ،على مرتبة تعبد هارون
بشريعة موسى عليهما السالم ،مع كونه نبيا ً .فإن اهلل قد شهد بنبوته،
وصرح بها في القرآن .فمثل هؤالء يحفظون الشريعة الصحيحة التي
ال شك فيها على أنفسهم ،وعلى هذه األمة ممن اتبعهم .فهم أعلم الناس
بالشرع .غير أن الفقهاء ال يسلمون لهم ذلك .وهؤالء ال يلزمهم إقامة
الدليل على صدقهم ،بل يجب عليهم الكتم ملقامهم .وال يردون على
علماء الرسوم فيما ثبت عندهم ،مع علمهم بأن ذلك خطأ في نفس األمر.
فحكمهم حكم املجتهد الذي ليس له أن يحكم في املسألة بغير ما أداه
إليه اجتهاده وأعطاه دليله ،وليس له أن يخطىء املخالف له في حكمه.
فإن الشارع قد قرر ذلك الحكم في حقه .فاألدب يقتضي له أن ال يخطىء
ما قرره الشارع حكما ً .ودليله وكشفه يحكم عليه باتباع حكم ما ظهر له
وشاهده .وقد ورد الخبر عن النبي -صلى اهلل عليه وسلم" :-إن علماء
هذه األمة أنبياء بني إسرائيل "،يعني املنزلة التي أشرنا إليها .فإن
أنبياء بني إسرائيل كانت تحفظ عليهم شرائع رسلهم وتقوم بها فيهم.
وكذلك علماء هذه األمة وأئمتها يحفظون عليها أحكام رسولها -صلى
اهلل عليه وسلم -كعلماء الصحابة ،ومن نزل عنهم من التابعني واتباع
التابعني ،كالثوري وابن عيينة وابن سيرين والحسن ومالك وابن أبي
رباح وأبي حنيفة ،ومن نزل عنهم كالشافعي وابن حنبل ،ومن جرى
مجرى هؤالء إلى هلم جرا في حفظ األحكام .وطائفة أخرى من علماء
هذه األمة ،يحفظون عليها أحوال الرسول -صلى اهلل عليه وسلم-
وأسرار علومه ،كعلي وابن عباس وسلمان وأبي هريرة وحذيفة ،ومن
التابعني كالحسن البصري ومالك بن دينار وبنان الحمال وأيوب
السختياني ،ومن نزل عنهم بالزمان كشيبان الراعي وفرج األسود
املعمر والفضيل بن عياض وذي النون املصري ،ومن نزل عنهم كالجنيد
والتستري ،ومن جرى مجرى هؤالء من السادة في حفظ الحال النبوي،
والعلم اللدني ،والسر اإللهي.
وأما القطب الواحد ،فهو روح محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-وهو
املمد لجميع األنبياء والرسل سالم اهلل عليهم أجمعني ،واألقطاب من
حني النشء اإلنساني إلى يوم القيامة .قيل له -صلى اهلل عليه وسلم:-
"متى كنت نبيا ً؟" فقال -صلى اهلل عليه وسلم" :-وآدم بني املاء
والطني" .وكان اسمه "مداوي الكلوم" ،فإنه بجراحات الهوى خبير،
والرأي والدنيا والشيطان والنفس ،بكل لسان نبوي أو رسالي أو لسان
الوالية وكان له نظر إلى موضع والدة جسمه بمكة ،و إلى الشام).(...
وقد أخذنا نحن عنه علوما ً جمة ،بمآخذ مختلفة .ولهذا الروح املحمدي
مظاهر في العالم .أكمل مظهره في قطب الزمان ،وفي األفراد ،وفي ختم
الوالية املحمدي ،وختم الوالية العامة الذي هو عيسى عليه السالم،
وهو املعبر عنه بمسكنه[ انتهى.
] وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع اإلنساني .و
هو حامل أسراره ،و ليس بعـده و لد في هذا النوع .فهو خاتم األوالد .
و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها ،فيكون رأسه عند
رجليها .و يكون مولده بالصني .و لغته لغة أهل بلده .ويسري العقم
في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير والدة .ويدعوهم إلى اهلل فال
يجاب .فإذا قبضه اهلل تعالى وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل
البهائم ال يحلون حالال وال يحرمون حراما ،يتصرفون بحكم الطبيعة،
شهوة مجردة عن العقل والشرع ،فعليهم تقوم الساعة[.
كالم الشيخ في هذه الفقرة يذكر بحال عيسى -عليه السالم -عندما
ينزل في آخر الزمان .فشيث وعيسى -عليهما السالم -يشتركان في
النفث الروحاني اللوحي من النفس الرحماني ،و إمداد املواهب
والعطايا ،وحفظ الوالية في مقام القربة الذي كان شيث فاتحا لها بعد
آدم عليه السالم .وعيسى خاتمها عند نزوله في آخر الزمان .وعيسى
هو أخر مولود من هذا النوع اإلنساني من أنواع الوالدة :فآدم خلق من
غير ذكر وأنثى ،وحواء خلقت من ذكر هو آدم ،وأبناؤهما خلقوا من ذكر
وأنثى ،وأخيرا عيسى خلق من أنثى بنفخ جبريل .ووجود الصني في
أقصى الشرق يناسب ظهور عيسى في زمن أقصى دورة امللك قبل
ظهور الرسول الخاتم -صلى اهلل عليه وسلم ،-وظهوره في آخر الزمان
خاتما للوالية العامة) يالحظ أن عدد كلمة ":صني" هو نفس عدد
كلمة " :عيسى" وهو 150بحساب الجمل املشرقي الكبير،و15
بالصغير ( .
وقوله ):فإذا قبضه اهلل تعالى وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل
البهائم… ( مناسب لألحاديث النبوية التي تصف عيسى في آخر
الزمان كالحديث الطويل الذي رواه الشيخ في الباب 366من
الفتوحات ،وهو منزل وزراء املهدي )ج 3ص (331 :وفي آخره يتكلم عن
عيسى واملؤمنني بعد قتل الدجال وياجوج وماجوج وختمه بقوله :
) فبينما هم كذلك إذ بعث اهلل ريحا فقبضت روح كل مؤمن ،ويبقى سائر
الناس يتهارجون كما يتهارج الحمر ،فعليهم تقوم الساعة (.
لكن القول بأن خاتم األوالد الشيثي هذا ،هو عيسى عليه السالم،
يرفضه بعض شارحي الفصوص ،كبالي أفندي) ت960 :هـ( الذي
يقول " :ومن قال إن هذا الولد هوعيسى عليه السالم ،فقد أخطأ في
الظاهر والباطن" .فهؤالء الشراح يفهمون النص السابق على ظاهره
الحرفي .واهلل أعلم بمراد الشيخ.
ورح Tم اهلل ال Tشيخ ع Tبد ال Tغني ال Tناب Tلسي م Tترج Tم ه Tذه األب Tيات ال Tتي ن Tظمها ش Tاع Tر
تركي:
ف T Tاح ل T Tكن ك T Tل أن T Tف ال طT T Tيب مT T Tحيي الT T TديT T Tن
مسك الورى يشم
كل فهم بهداها ال يلم وعT T Tلوم خT T TرجـT T Tت مT T Tن
فمه
جهـــــارا ت عيني َ سـ َ ما الذي آنَـ ْ ت أدري ما الذي ت أدري وليتني كن ُ لس ُ
شـــى على الدجى فأنـــــارا ــن ع ّ تلك ناُر الكليم أم نوُر محــــــــي الديــ
راك بالجوهــــر البسيــط اختبارا ك الجوهُر البسيــــط ومـــــــــــــا أد ذل َ
عن مرائي عني العقـــول غبـــــارا س محــــا بصفــــــــــــــــاه ك أطل ٌ فَــلَــ ٌ
تعالــــــــى لنفسه إظهـــــــــــــــارا سِّر األسماء أظهرهـــــــــــــــا اهلل سّر ِ
ب استنارت فعّمـــت األقطــــــــارا غــــــــــــْر حكمة أشرقت إلى جانب ال َ
بإشاراته إليه أشــــــــــــــــــــارا ك الطـُّـــوُر لو رآه ابُن سينــــــــــــا ذل َ
ملشى في ركابه أين ســــــــــارا ن تلك املساعـــــــــي أو رأى أفالطو ُ
ســـِتـــتــــــارا نا ْ ه ويَسْــتَــتِــْر َ عالِـــــٌم تنطوي العوالم في ُكنْه عال
تتراءى عنه وال تتـــــــوارى ت عيــــانـــــــــــا ُذو تجِّل له الذوا ُ
ال َّدعت فيع ما اَّدعته النصارى لو رأته األحبار أحباُر موســــــى
سبــــارا لم يكن ممكــنــــــا غدا ِم ْ سـبَـَر املمِكنـــات حتى لشـــــيء َ
ع في سر غيبــــه األقدارا َد َ صــه اهلل من لَــُدنــُه بمــــــا أو خ َّ
يَــَة ِمْن َقـــبْـــله أقام الجدارا ضر كان حني أتى الَقْر خ ْلو مع ال َ
لو جرى طَْرف طَْرِفه ال يٌبارى شهـــــــــــــود شهِـــَد اهلل أنه في ُ َ
جــة الَعـماء ِغمارا ض ِمْن ُلـ ّ خــا َ كم على ظهِر سابح بُفــيــــوض
ق النُّـهــــى لهـــــن غبارا شـ ُّ ال يَـ ُ في مجاِل الخياِل أجرى خيوالً
ضمير لركضهــا مضمـــــــــار ضَّمــٌر تجعل السويداء من كِّل ُ
خطوراِتـــها أَقـْلـَن الِعثـــــــارا لِـ ُ ما تََعث ّــرن بالخواطــــِر لكـــْن
واراح كبرق ِعنانُــــــــها املـــ ّ َ ورا ً إذ ال
مـ ْوتموُر السمــــــاُء َ
فاقتناها كواعبا ً أبْكــــــــــــارا ب املعــــــالي شن غاراِتها لنه ِ
سَر باأليادي يَســارا تجعل الُع ْ من فتوحات استفدنا فُتوحـــــــا ً
ت من فصولها اآلثــــارا أ َبَْرَز ْ ش فصـــوص فهو لوحٌ به نقو ُ
منــــارا فترّقت بها املعالي َ كم له ِمْن تَـنَـّزالت تََدّلـــــــت
ـــلى نطاق فاستوعب األدوارا داَر في الكائنات ِمْن َدْوره األعــ
ب طــــارا غِر َ عنقاِء َ
م ْ ي َ
ح ْ
بجنا َ ثن لحي ُ ث ال مكـــــــــا َ و إلى حي ُ
ن أسارى صْر َ في املعاني الرقاق ِ ب لسرايــــــــــــا ب أم كتـــائ ٌ ُكتُ ٌ
معــــــــارا ج النَِّّد ِمْن شذاها ُ أر ُ ت له تفـــــــــــــوح بسّري نفحا ٌ
فاسترّقت للطفها األحــــــرارا ت بهـــــــا ت وراَقـ ْ مَرَق ْت َ شحا ٌ َر َ
ضه أنهــــــارا بحر تجلى فيو ُ كم أفاضت فيما وراء النهر مــن
ب حتى به ظَـَلـْلـن حيـــارى جاء فيما بقشره أعجز األلبـــــا
ُه ناه فينكر اإلنكـــــــــــارا ُينِكــر املرء منه أمرا ً فينهــــــا
صحاةَ السكارى ســٌن تشبه ال ُ أْل ُ ينثني عنه ثم ُيثنــي عليــــــــه
منهما أعطي الورى ِمْعشــارا سَل إْرثــــا ً ث األنبياء والُّر ْ َوِر َ
ي َقــــــــــرارا
باملقام امل ُحمـد ّ ط ما تَــرى لولــــــــيِّ َبْعَده ق ُّ
سبِل األستارا يا جميَل الستر أ ْ و إلى الغيث حني جاَز فنادى
عليه نبّيـــــــه املختــــارا ف الذي حمَل اللـه حامُل الرفر ِ
عن سواه فال يخاف افتقارا فَـــْقـُره تَـــَّم فاستتــَّم ِغــنـــاه
َز بقرب فاستوجب اإلنظارا ومن اهلل بالنوافل كم فــــــــا
ال وال غيرهُ نفى األغيــارا ســوى استعــدوا ما لِـنَـفي ال ِّ
عّلمته اإلظهاَر واإلضمــــار ت خـَلـــوا ٌ ت ِمْن بَعِدها َ َفـَلـوا ٌ
ـــد ألستم فأيد اإلقـــرارا نقطة الباء من)بلى( كان في عهـ
بسجود فقابلته اختيــــــــارا املنادي يا قبلتي قابلينــــــــــي
ج االستغراق في ملع نور اللــــــــــه دون الوجود خاض منه الغمارا جــ ُُلــ َ
ـمِة فيما أطمع الكَّفــارا ع دائرة الرحـ ... س ِ
كم أرانا من ُو ْ
ك العارفني باهلل دارا َفـلَــ ُ ب العــــــــــارفني عليه هو قط ُ
قد عال صدرها الكبير كبارا خها األكبر الذي بُعــــــالهُ شي ُ
كان قلبا للصدر بل ولصدر الــ ..ــوالء قلب قـــالب األسرارا
واردات ال تعرف اإلصدارا تكم عليه من ذلك الصدر فاضــــ ْ
ح املعاني في راحتيه اعتصارا َ صـَر ْ
ت رو عـتَـ َهو شيخ الحان التي ا ْ
عــقارا مــــرَّوقــا و ُخنْــَدريسا ُ َ وأواني الحروف أودع منهـــــــا
بعد فرق فاستجمع األطـــوارا جمـْـع حاز فَـْرقا من بعد جْمع و َ
فجنى من زهورها أنـــــــوارا ح طَْرفــــا سَّر َجـنان التوحيد َ في ِ
ش كم خواف أعارا ش إلى الَعر ِ ِ وله الباُز في املطــــــار من الفر
ق قوة واقتــــدارا ب الـ ..ـفَـتْـ ِ
ق والَّرتْ ِ مـظِْهـُر الحق َر ُّ عـَلــُم الشرق ُ َ
بمعانيه قَّدس األســــــــــرارا ســـــــٌر َقـَّدس اهلل سَّره فهـــــــو ِ
فوقَ ذاَك النِّجار منه ِنجــــــــارا ب طَــيّــــــا ً حاتمي النِّجار أ َْك َ
س َ
الجزء الثاني
-------------------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------
قال سيدنا و إمامنا وقدوتنا الشيخ اإلمام العالم العارف الكامل
املحقق املدقق :محيي الدين أبو عبد اهلل محمد بن علي بن محمد
بن العربي الطائي الحاتمي األندلسي ،رضي اهلل عنه وأرضاه،
وحقق تابعيه بسلوك منهجه القويم ،إنه جواد كريم:
الوعاء املختوم على السر املكتوم)(1
ﺐ ﺣﱠﻞ ﻓﯿِﮫ
ﺑﺘﺮﺣﺔ ِ ﻗﻠ ٍ وﻣﺎ ﻋﺠﺒﻲ ﻣﻦ ﻓﺮﺣﺘﻲ
ﻋﻈﯿُﻢ ﻛﯿﻒ ﻗﻮرﻧَْﺖ
ﺖ ﻟ ﻘ ﻠ ﺒﻲ
ﻋﺠﺒ ُ ﻒ ﺑﺤٍﺮ
وﻟﻜﻨﻨﻲ ﻣْﻦ ﻛﺸ ِ
ﻖ ِھﯿﻢواﻟﺤﻘﺎﺋ ُ وﺟﻮدِه
ﺐ
ﺖ ﻟﻨﻮِر اﻟﻘﻠ ِ
ﻋﺠﺒ ُ وﻣﺎ ﻋﺠﺒﻲ ﻣﻦ ﻧﻮر
ﻒ ﯾﺮﯾُﻢ
ﻛﯿ َ ﺟﺴﻤﻲ وإﻧّﻤﺎ
ﺲ
إذا ﻣﺎ رآه اﻟﺨﺘُﻢ ﻟﯿ َ ﺖ ﯾﺮاهُ اﻟﺨﺘُﻢ ﻓﺄﻧﺸﺪ
ﻓﻘ ﻠ ُ
ﯾﺪوُم ﻗ ﺎ ﺋﻼ ً
ﺐ ﻣ ﻨﮫ
وﻟﻢ ﯾُﺒِﺪه واﻟﻘﻠ ُ ي
أﺷﺎَر إﻟﯿِﮫ اﻟﺘﺮﻣﺬ ﱡ
ﺳﻠﯿﻢ ﺑﺨﺘﻤِﮫ
ب
ﺲ ﺳﻤﺎِء اﻟﻐﺮ ِ
و ﺷﻤ ُ ﻖ ﻓﻲ
وﻣﺎ ﻧﺎﻟﮫُ اﻟﺼﺪﯾ ُ
ﻣﻨﮫ ﻋﺪﯾﻢ ﺖ ﻛﻮﻧِﮫ
وﻗ ِ
ض
ت اﻷر ِوﯾﺤﯿﺎ ﻧﺒﺎ َ ﻓﯿﮭﺘﺰ ﻏﺼُﻦ اﻟﻌﺪِل ﺑﻌﺪ
وھﻮ ھﺸﯿُﻢ ﺳﻜﻮﻧﮫ
ﺺ إﻣﺎِم
وﺷﺨ ُ وﯾﻈﮭﺮ ﻋﺪُل ﷲ ﺷﺮﻗﺎ ً
اﻟﻤﺆﻣﻨﯿَﻦ رﺣﯿُﻢ وﻣﻐﺮﺑﺎ ً
ﺑﮫ ﻟﻢ أزل ﻓﻲ وﺛﻢ ﺻﻼة ُ اﻟﺤﻖ
اﻟﺤﺎﻟﺘﯿﻦ أھﯿﻢ ﺗﺘﺮى ﻋﻠﻰ اﻟﺬي
أما بعد:
واﻟﺼﻼة اﻟﺘﻲ ﺧﺘﻢ ﺑﮭﺎ اﻟﺤﻤﺪ وﺗﻤﻢ ﺣﻤــﺪا „ اﻟﺬي ﺗﻘﺪم
ﻛـﻧﺎ ﻗـد أﻟـﻔﻧﺎ ﻛـﺗﺎًﺑـﺎ روﺣـﺎﻧـًﯾﺎ ،وأﻧـﺷﺄﻧـﺎه إﻧـﺷﺎًء رﺑـﺎﻧـًﯾﺎ ،ﺳـﻣﯾﻧﺎه ﺑـ ]اﻟـﺗدﺑـﯾرات اﻹﻟﮭـﯾﺔ ﻓـﻲ إﺻـﻼح
اﻟـﻣﻣﻠﻛﺔ اﻹﻧـﺳﺎﻧـﯾﺔ[ ،ﺗـﻛﻠﻣﻧﺎ ﻓـﯾﮫ ﻋـﻠﻰ أن اﻹﻧـﺳﺎن ﻋـﺎﻟـم ﺻـﻐﯾر ،ﻣﺳـﻠوخ ﻣـن اﻟـﻌﺎﻟـم اﻟـﻛﺑﯾر.
ﻓـﻛل ﻣـﺎ ظﮭـر ﻓـﻲ اﻟـﻛون اﻷﻛـﺑر ،ﻓـﮭو ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻌﯾن اﻷﺻـﻐر ،وﻟـم أﺗـﻛﻠم ﻓـﻲ ﺗـﻠك اﻷوراق
ﻋـﻠﻰ ﻣـﺿﺎھـﺎة اﻹﻧـﺳﺎن ﺑـﺎﻟـﻌﺎﻟـم ﻋـﻠﻰ اﻹطـﻼق ،وﻟـﻛن ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ ﯾـﻘﺎﺑـﻠﮫ ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻟـﺧﻼﻓـﺔ
واﻟﺗدﺑﯾر.
و ﺑـﯾﻧت ﻣـﻧﮫ ﻣـﺎ ھـو اﻟـﻛﺎﺗـب ﻣـﻧﮫ ،واﻟـوزﯾـر ،واﻟـﻘﺎﺿـﻲ اﻟـﻌﺎدل ،واﻷﻣـﻧﺎء اﻟـﻌﺎﻣـﻠون ﻋـﻠﻰ
اﻟﺻدﻗﺎت ،واﻟﺳﻔر ،واﻟﺳﺑب اﻟذي ﺟﻌل اﻟﺣرب ﺑﯾن اﻟﻌﻘل واﻟﮭوى.
ورﺗـﺑت ﻓـﯾﮫ ﻣـﻘﺎﺑـﻠﺔ اﻷﻋـداء ،وﻣـﺗﻰ ﯾـﻛون اﻟـﻠﻘﺎء ،وﻧـﺻرﺗـﮫ ﻧـﺻًرا ﻣـؤزًرا ،وﻛـوﻧـﺗﮫ
أﻣـﯾًرا ﻣـدﺑـًرا ،وأﻧـﺷﺄت ﻓـﯾﮫ اﻟـﻣﻣﺎﻟـك ،وأﻗـﻣت ﺑـﺑﻌض ﻋـﺎﻟـﻣﮫ اﻟـﺣﯾﺎة ،وﺑـﻌﺿﮭﺎ اﻟـﻣﮭﺎﻟـك .وَﻛـُﻣ َ
ل
اﻟﻐرض ،وأَِﻣَن َﻣْن ﻛﺎن ﻓﻲ ﻗﻠﺑﮫ ﻣرض.
وﻛــﻧت ﻧــوﯾــت أن أﺟــﻌل ﻓــﯾﮫ ﻣــﺎ أوﺿــﺣﮫ ﺗــﺎرة وأﺧــﻔﯾﮫ .وأﯾــن ﯾــﻛون ﻣــن ھــذه اﻟــﻧﺳﺧﺔ
اﻹﻧـﺳﺎﻧـﯾﺔ ،واﻟـﻧﺷﺄة اﻟـروﺣـﺎﻧـﯾﺔ ،ﻣـﻘﺎم اﻹﻣـﺎم اﻟﻣﮭـدي اﻟـﻣﻧﺳوب إﻟـﻰ أھـل ﺑـﯾت اﻟـﻧﺑﻲ اﻟـﻣﺎﺋـﻲ
ﺿﺎ ﻣـﻧﮭﺎ ﺧـﺗم اﻷوﻟـﯾﺎء وطـﺎﺑـﻊ اﻷﺻـﻔﯾﺎء ،إذ اﻟـﺣﺎﺟـﺔ إﻟـﻰ ﻣـﻌرﻓـﺔ واﻟـطﯾﻧﻲ ،وأﯾـن ﯾـﻛون أﯾـ ً
ھذﯾن اﻟﻣﻘﺎﻣﯾن ﻓﻲ اﻹﻧﺳﺎن آﻛد ﻣن ﻛل ﻣﺿﺎھﺎت ﻣن أﻛوان اﻟﺣدﺛﺎن.
ﻟـﻛﻧﻲ ﺧـﻔت ﻣـن ﻧـزﻏـﺔ اﻟـﻌدو اﻟﺷـﯾطﺎن ،أن ﯾـﺻرخ ﺑـﻲ ﻓـﻲ ﺣـﺿرة اﻟﺳـﻠطﺎن ،ﻓـﯾﻘول ﻋـﻠّﻲ ﻣـﺎ
ﻟـم أﻧـوﯾـﮫ ،وأﺣـﺻل ﻣـن أﺟـﻠﮫ ﻓـﻲ ﺑـﯾت اﻟـﺗﺷوﯾـﮫ ،ﻓﺳـﺗرت اﻟـﺷﺎة ﺑـﺎﻟـﻌززان ،ﺻـﯾﺎﻧـﺔ ﻟﮭـذا
اﻟﺟﺳﻣﺎن ،ﺛم رأﯾت ﻣﺎ أودع اﻟﺣق ﻓﯾﮫ ﻣن ھذه اﻷﺳرار ﻟدﯾﮫ ،وﺗوﻛﻠت ﻓﻲ إﺑرازه ﻋﻠﯾﮫ.
ﻓـﺟﻌﻠت ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب ﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ھـذﯾـن اﻟـﻣﻘﺎﻣـﯾن ،وﻣـﺗﻰ ﺗـﻛﻠﻣت ﻋـﻠﻰ ھـذا ،ﻓـﺈﻧـﻣﺎ أذﻛـر اﻟـﻌﺎﻟـﻣﯾن،
ﻟـﯾﺗﺑﯾن اﻷﻣـرﻟـﻠﺳﺎﻣـﻊ ﻓـﻲ اﻟـﻛﺑﯾر اﻟـذي ﯾـﻌرﻓـﮫ وﯾـﻌﻘﻠﮫ ،ﺛـم أﺿـﺎھـﯾﮫ ﺑﺳـره اﻟـﻣودع ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن
اﻟـذي ﯾـﻧﻛره وﯾﺟﮭـﻠﮫ ،ﻓـﻠﯾس ﻣـن ﻏـرﺿـﻲ ﻓـﻲ ﻛـل ﻣـﺎ أﺻـﻧف ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻔن ﻣـﻌرﻓـﺔ ﻣـﺎ ظﮭـر
ﻓـﻲ اﻟـﻛون ،وإﻧـﻣﺎ اﻟـﻐرض ﺗـﻧﺑﯾﮫ اﻟـﻐﺎﻓـل ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ وﺟـد ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻌﯾن اﻹﻧـﺳﺎﻧـﻲ ،واﻟـﺷﺧص
اﻵدﻣﻲ.
ﻓـﺣﻘق ﻧـظرك أﯾـﮭﺎ اﻟـﻌﺎﻗـل ،وﺗـﻧﺑﮫ أﯾـﮭﺎ اﻟـﻐﺎﻓـل ،ھـل ﯾـﻧﻔﻌﻧﻲ ﻓـﻲ اﻵﺧـرة ﻛـون اﻟﺳـﻠطﺎن ﻣـﻧﻲ
ﻋـﺎدًﻻ أو ﺟـﺎﺋـًرا؟ أو ﻋـﺎﻟـًﻣﺎأو ﺣـﺎﺋـرا؟ ﻻ وﷲ ﯾـﺎ أﺧـّﻲ ،ﺣـﺗﻰ أﻧـظر ذﻟـك اﻟﺳـﻠطﺎن ﻣـﻧﻲ وإﻟـّﻲ،
وأﺟـﻌل ﻋـﻘﻠﻲ إﻣـﺎًﻣـﺎ ﻋـﻠّﻲ ،وأطـﻠب ﻣـﻧﮫ اﻵداب اﻟﺷـرﻋـﯾﺔ ﻓـﻲ ﺑـﺎطـﻧﻲ وظـﺎھـري ،وأﺑـﺎﯾـﻌﮫ
ﻋﻠﻰ إﺻﻼح أّوﻟﻲ وآﺧري.
ﻓـﻣﺗﻰ ﻟـم أﺟـﻌل ھـذا ﻧـظري ھـﻠﻛت ،وﻣـﺗﻰ أﻋـرﺿـت ﻋـن اﻻﺷـﺗﻐﺎل ﺑـﺎﻟـﻧﺎس ﺗـﻣﻛﻧت ﻣـن
ﻧـﺟﺎﺗـﻲ وﺗـﻣﻠﻛت ،إذ ﻗـد ﻗـﺎل -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﯾـﺧﺎطـب ﺟـﻣﯾﻊ أﻣـﺗﮫ ) :ﻛـﻠﻛم راع
وﻛـﻠﻛم ﻣـﺳؤول ﻋـن رﻋـﯾﺗﮫ( .ﻓـﻘد أﺛـﺑت -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -اﻹﻣـﺎﻣـﺔ ﻟـﻛل إﻧـﺳﺎن ﻓـﻲ
ﻧـﻔﺳﮫ ،وﺟـﻌﻠﮫ ﻣـطﻠوًﺑـﺎ ﻟـﻠﺣق ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم ﻏـﯾﺑﮫ وﺣـّﺳﮫ ،ﻓـﺈذا ﻛـﺎن اﻷﻣـر ﻋـﻠﻰ ھـذا اﻟﺣـد ،وﻟـزﻣـﻧﺎ
اﻟـوﻓـﺎء ﺑـﺎﻟﻌﮭـد ،ﻓـﻣﺎ ﻟـﻧﺎ ﻧـﻔّرط ﻓـﻲ ﺳـﺑﯾل اﻟـﻧﺟﺎة ،وﻧـﻘﻧﻊ ﺑـﺄﺣـط اﻟـدرﺟـﺎت؟ ﻣـﺎ ھـذا ﻓـﻌل ﻣـن ﻗـﺎل
إﻧﻲ ﻋﺎﻗل! وﯾﺗﺟﻧب ﺟﻣﯾﻊ ھذه اﻟﻣﻌﺎﻗل.
ً
ﻓـﻣﺗﻰ ذﻛـرت ﻓـﻲ ﻛـﺗﺎﺑـﻲ ھـذا أو ﻏـﯾره ﺣـﺎدﺛـﺎ ﻣـن ﺣـوادث اﻷﻛـوان ،ﻓـﺈﻧـﻣﺎ ﻏـرﺿـﻲ أن أﺛـﺑﺗﮫ
ﻓـﻲ ﺳـﻣﻊ اﻟـﺳﺎﻣـﻊ وأﻗـﺎﺑـﻠﮫ ﺑـﻣﺛﻠﮫ ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن ،ﻓـﻠﻧﺻرف اﻟـﻧظر ﻓـﯾﮫ ﻟـذاﺗـﻧﺎ ،اﻟـﺗﻲ ھـﻲ ﺳـﺑﯾل
ﻧـﺟﺎﺗـﻧﺎ ،ﻓـﺄﻣﺷـﯾﮫ ﺑـﻛﻠﯾﺗﮫ ﻓـﻲ اﻟـﻧﺷﺄة اﻹﻧـﺳﺎﻧـﯾﺔ ﻋـﻠﻰ ﺣﺳـب ﻣـﺎ ﯾـﻌطﯾﮫ اﻟـﻣﻘﺎم ،إﻣـﺎ ﺟـﺳﻣﺎﻧـﯾﺔ وإﻣـﺎ
روﺣـﺎﻧـﯾﺔ .ﻓـﺈﯾـﺎك أن ﺗـﺗوھـم -أﯾـﮭﺎ اﻷخ اﻟـﺷﻘﯾق-أن ﻏـرﺿـﻲ ﻣـن ﻛـﺗﺑﻲ ﻛـﻠﮭﺎ اﻟـﻛﻼم ﻓـﯾﻣﺎ ﺧـرج
ﻋن ذاﺗﻲ ،ﻣن ﻏﯾر أن ﺗﻠﺣظ ﻓﯾﮫ ﺳﺑﯾل ﻧﺟﺎﺗﻲ.
َﻓَﻣﺎ أ َُﺑﺎﻟِﻲ إَِذا َﻧْﻔِﺳﻲ ُﺗَﺳﺎِﻋُدِﻧﻲ ** َﻋَﻠﻰ اﻟﱠﻧَﺟﺎِة ِﺑَﻣْن َﻗْد َﻓﺎَز أَ ْو َھَﻠَﻛﺎ
ص َﻋَﻠﻰ أَْﺟَزاِﺋِﮫ َﻣﻠَِﻛﺎ ظْر إَِﻟﻰ ُﻣْﻠِﻛَك اْﻷَْدَﻧﻰ إَِﻟْﯾَك َﺗِﺟْد ** ِﻓﻲ ُﻛﱢل َﺷْﺧ ٍ َﻓﺎْﻧ ُ
ث َﻣﺎ َﺳَﻠَﻛﺎ َوِزْﻧُﮫ َﺷْرًﻋﺎ ﺗﺟده ُﻛّل آِوَﻧٍﺔ ** َواْﺳﻠُْك ِﺑِﮫ َﺧْﻠَﻔُﮫ ِﻣْن َﺣْﯾ ُ
َوَﻻ َﺗُﻛْن َﻣﺎِرًدا َﺗْﺳَﻌﻰ ﻟَِﻣْﻔَﺳَدٍة ** ِﻓﻲ ُﻣْﻠِك َذاِﺗَك َﻟِﻛْن ِﻓﯾِﮫ ُﻛْن َﻣﻠَِﻛﺎ
ﺷـر،ﻓـﻠﺗﺗﺄﻣـل ﯾـﺎ وﻟـّﻲ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب ،ﻓـﺈﻧـﻲ أذﻛـر ﻓـﯾﮫ اﻷﻣـر ﻓـﻲ اﻟـﻌﺎﻟـم اﻷﻛـﺑر ،وأﺟـﻌﻠﮫ ﻛـﺎﻟﻘ َ
وأﺟـﻌل ﻣـﺎ ﯾـﻘﺎﺑـﻠﮫ ﻣـن اﻹﻧـﺳﺎن ﻛـﺎﻟـﻠﺑﺎب ،ﻟﻠﺳـﺑب اﻟـذي ذﻛـرﺗـﮫ)،وھـو( أن ﯾـﺗﺑﯾن ﻟـﻠﺳﺎﻣـﻊ ﻣـﺎ
ﯾﺟﮭـﻠﮫ ،ﻓـﻲ اﻟﺷـﻲء اﻟـذي ﯾـﻌرﻓـﮫ وﯾـﻌﻘﻠﮫ .وﻟـو وﺻـل ﻓـﮭﻣﮫ إﻟـﯾﮫ دون ذﻛـري إﯾـﺎه ،ﻣـﺎ
ﻟﺣـظت ﺳـﺎﻋـﺔ ﺣـﯾﺎه ،وﻻ ﻋـرﺿـت ﻟـﻣﺣﺔ ﺑـﺎرق ﻋـﻠﻰ ﻣـﻌﻧﺎه ،ﻓـﺈﻧـﻣﺎ أﺳـوﻗـﮫ ﻣـﺛﺎﻻ ﻟـﻠﺗﻘرﯾـب،
وﻣـﺟﺎﻻ ﻟﻠﺗﮭـذﯾـب ،وﺳـﺄورد ذﻟـك إن ﺷـﺎء ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب ،ﻣـن ﻵﻟـﺊ اﻷﺻـداف،
وﻧـواﺷـﺊ اﻷﻋـراف ،اﻟـﺗﻲ ھـﻲ أﻣـﺛﺎل ﻧـﺻﺑﮭﺎ اﻟـﺣق ﻟـﻠﻣؤﻣـﻧﯾن واﻟـﻌﺎرﻓـﯾن ،وﺣـﺑﺎﻟـﺔ ﺻـﺎﺋـد،
وﺗﺣﻔﺔ ﻗﺎﺻد ،وﻋﺑرة ﻟﺑﯾب ،وﻣﻼطﻔﺔ ﺣﺑﯾب.
ﻓـﻣن ﻟـم ﯾـﻛن ﻗـﺻده ﻋـﻠﻰ ھـذه اﻟـﻣﺣّﺟﺔ ،وﻟـم ﺗـﺻﺢ ﻟـﮫ ھـذه اﻟـﺣﺟﺔ ،وﯾـطﻠب اﻟـﻌﯾن ،ﻓـﮭو ﻓـﻲ
ﺣـﺿرة اﻟـﻐﯾن .ﻓـﺎﺳـﻠك ﯾـﺎ أﺧـﻲ ﻋـﻠﻰ ھـذه اﻟـطرﯾـق ،وﻗـل ّ اﻟـرﻓـﯾق ﺣـﺗﻰ ﺗـﺗﺻل ﺑـﮫ ﻣـن ﻏـﯾر
اﻧـﻔﺻﺎل ،وﺗـﻔﺻل ﻋـﻧﮫ ﻣـن ﻏـﯾر اﺗـﺻﺎل ،وﺗـﻛون ظـﻼﻟـك ﺗﺳﺟـد ﻟـﮫ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﺑـﺎﻟـﻐدو
واﻵﺻﺎل.
ﺛـم ﻟـﻣﺎ رأﯾـت اﻟـﺳﺎﺋـل ﻋـن ﺗـﻠك اﻟـﻣﺳﺎﺋـل واﻷﺳـرار ،ﺗﺣـرﻛـﮫ دواﻋـﻲ اﻷﻓـﻛﺎر ،أﻋـرﺿـت ﻋـﻧﮫ
إﻋـراض ﻣـﻌﻠم ﻧـﺎﺻـﺢ ،وﺻـرﻓـت وﺟﮭـﻲ إﻟـﻰ وﺟـﮭﺔ اﻟـﺣق اﻟـذي ﺑـﯾده اﻟـﻣﻔﺎﺗـﺢ ،ﻣـن ﺟـﮭﺔ
اﻟـﻣﻘﺎم اﻟـذي ﯾـﻌﻘﻠﮫ ،وﺳـددت اﻟـﺑﺎب اﻟـذي ﯾـﻧﻛره وﯾﺟﮭـﻠﮫ ،ﺣـﺗﻰ ﯾـﺗﻣﻛن ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎم اﻟـﺳﻣﻊ،
وﯾـﺗﺣﻘق ﺑـﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣـن ﺣـﻘﺎﺋـق اﻟﺟـﻣﻊ .وﻗـﻣت إﻟـﻰ اﻟـﺣق ﻣـﻠّﺑًﯾﺎ ،وﻟـﮫ ﻣـﻧﺎﺟـًﯾﺎ ،أﻋـّدد ﻋـﻠﻲﱠ
ﺳـواﺑـﻎ ﻧـﻌﻣﮫ ،وأﺳـﻣﻊ اﻟـﺳﺎﺋـل ﺳـراﺋـر ﺣـﻛﻣﮫ ،وﻛـﺄﻧـﻲ ﻻ أﻗـﺻده ﺑـذﻟـك ﺗـﻌﻠﯾﻣﺎ ،وھـﻛذا ﯾـﻔﻌل
ﻣـن ﺻـّﯾره اﻟـﺣق ﺣـﻛﯾﻣﺎ .ﻓـﺈن اﻟـﺑﯾوت ﻻ ﺗـؤﺗـﻰ إﻻ ﻣـن أﺑـواﺑـﮭﺎ ،واﻟـﻣﻠك ﻋـﻠﻰ أرﺟـﺎﺋـﮭﺎ،
واﻟـﻣﻠوك ﻻ ﯾـدﺧـل ﻋـﻠﯾﮭﺎ إﻻ ﺑـﺈذن ﺣـّﺟﺎﺑـﮭﺎ .وذﻟـك أﻧـﻲ إن أﺑـدﯾـت ﻟـﮫ اﻷﺳـرار ﻛـﻔﺎًﺣـﺎ ،وﺟـد
ﻗـﻠﺑﮫ ﻟـذﻟـك ﺳـراًﺣــﺎ ،ﻓﺳـرح ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم اﻟﺗﺟﺳـﯾم ﺳـر ﻓـﻛره ،واﺳـﺗوى ﻋـﻠﻰ ﻗـﻠﺑﮫ ﺳـﻠطﺎن
ﻓـﻛره ،ﻓـﺻﯾر ﻧـوره ﻧـﺎًرا ،وﻗـراره ﺑـواًرا .ﻓـﺎﻟـﺣﻛﯾم اﻟـﻣطﻠق إذا أﺧـذ ﻣـن ھـذه ﺻـﻔﺗﮫ ﻓـﻲ
ﻣـﻧﺎﺷـدة اﻟـﺣق ،وأﻋـرض ﻋـن ﻣـﺷﺎھـدة ﺟـﻣﯾﻊ اﻟﺧـﻠق ،ﺑﮭـره اﻟـﻣﻘﺎم ،ﻓـﻘطﻊ اﻷوھـﺎم ،وﻏـﺎب
ﻋـن اﻷﺟـﺳﺎم ،واﺳـﺗﺳﻠم أي اﺳـﺗﺳﻼم ،ووﻗـﻌت اﻟـﻧﻛﺗﺔ ﻓـﻲ ﻗـﻠﺑﮫ ،ﻓـﻘﺎدﺗـﮫ إﻟـﻰ ﻣـﻌرﻓـﺔ ذاﺗـﮫ
ورﺑـﮫ ،ﻓـﺄﻋـرﺿـت ﻋـﻧﮫ ﻟﮭـذه اﻟـﺣﻛﻣﺔ ،وأﻧﺷـدت وﺑـﺣـت ،ﺑـﺑﻌض ﻣـﺎ وﺟـدت ،ﺑـﻌﻠﻣﮫ ﻓـﯾﮫ ،أن
اﻟﺳﻠوك ﯾﺟذب اﻟﺣق ودواﻋﯾﮫ ،وﺑـره ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﺑﺎﻟﻌﺑد وﯾﺣﻔﯾﮫ ،ﻓﻠﻌﻠﮫ ﯾﻧﺗﺑﮫ وﯾﻌﯾﮫ.
ﻓـﻠﻣﺎ ﺳـﻣﻊ ﻣﻧﺗﮭـﻰ اﻟـﻘﻠوب ،ووﻗـف ﻋـﻠﻰ ﺷـرف اﻟـﻐﯾوب ،ورأى ﻣـﺎ ﺣـوﺗـﮫ ھـذه اﻟـﻣﻣﻠﻛﺔ
اﻹﻧـﺳﺎﻧـﯾﺔ ،ﻣـن اﻟـﺻﻔﺎت اﻟـرﺑـﺎﻧـﯾﺔ ،واﻷﺳـرار اﻟـروﺣـﺎﻧـﯾﺔ ،ﺟـﺛﺎ ﻋـﻠﻰ رﻛـﺑﺗﮫ ،واﻧﺳـﻠﺦ ﻋـن
ظـﻠﻣﺗﮫ .وﻗـﺎل :إﻧـﻲ أﻛـﺗم اﻟﺳـر ،ﻓـﺄوﺿـﺢ ﻟـﻲ اﻷﻣـر ،ﻓـﻘد زال اﻟـﻧﻛران ،وطـرد اﻟﺷـﯾطﺎن،
ن ﴾ اﻟﺣﺟـر ،42 :ﻓـﺻف سْT Tلطَا ٌ عَT Tلْيِهْم ُTك َس َلَ T T ن ِعT Tبَاِدي َلْT Tي َ ﺑـﻌﻧﺎﯾـﺔ اﻟـرﺣـﻣن ﴿ ،إِ َّ
اﻟﺧﺑر ﻓﺈﻧﻲ أﺳّﻠم ،وﻋﻠﻣﻧﻲ ﻓﺈﻧﻲ أﺗﻌﻠم.
ﻗـﻠت :ﻓـﻠم أزل ﺑﮭـذا اﻟﻣﺷﮭـد اﻟـﺳﻧّﻲ ،واﻟـﻣﻘﺎم اﻟـﻌﻠّﻲ ،أﻏـدو وأروح ،ﻓـﻲ ﻏـﺑوق وﺻـﺑوح،
ي .ﻓـﻠﻣﺎ أن اﺗـﺻﻔت ﺑﮭـذا إﻟـﻰ أن ﺗـﻣﻛن اﻷﻣـر ﻟـدي ،وﺣـﺻﻠت اﻟـﻣﻔﺎﺗـﯾﺢ اﻟـﺛواﻧـﻲ ﻓـﻲ ﯾـد ّ
اﻟـﺗﺣﺻﯾل ،وھـﯾﺄﻧـﻲ اﻟـﺣق ﻟـﻠﺗﻘدﯾـم ورﺷـﺣﻧﻲ ﻟـﻠﺗﻔﺻﯾل ،ﻋـﻠﻣت أﻧـﮫ ﻋـﻠﻰ ﻛـل ﺷـﻲء ﻗـدﯾـر،
وأﻧـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﯾـرﯾـد رﺟـوﻋـﻲ إﻟـﻰ ﻋـﺎﻟـم اﻟـﺷﮭﺎدة ،ﻓـﻘﺑﻠﺗﮫ ﻋـﻠﻰ ﺷـرط اﻹﺑـﻘﺎء ﻟـﻠﺣﺎل واﻟـزﯾـﺎدة،
إذ ﻻ دﻟـﯾل ﻗـﺎطـﻊ ﺑـوﺟـود ﻧـﮭﺎﯾـﺔ ،وﻻ ﺗـﺣﻘﯾق ﻷﺣـد ﺑـﻐﺎﯾـﺔ ،إذ ھـو اﻟـﻘﺎﺋـل ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ
مِTزيٌTد ) ﴾(35ق .35 :ﻓـﺣﺻل ن ِفTيَها َوَلَTدْيTنَا َ شاُءو َ مTا َيَ Tﻗـول ﺗـﻧزﯾـﮫ وﺗـﻣﺟﯾدَ ﴿ :لُTهْم َ
ﻟـﻠﻣﺗﺻف ﺑﮭـذا اﻟـﻣﻘﺎم ﻧـﻔوذ إرادﺗـﮫ ﻓـﻲ ﻣـﻠﻛﮫ ،وزﯾـﺎدة ﻣـﺎ ﻟـم ﺗـﺗﺻف اﻟـﮭﻣﺔ ﺑـدرﻛـﮫ؛ ﻓـﻧﻔوذ
عTنِْدِه ﴾ اﻟـﻣﺎﺋـدة: مٍTر ِمْTن ِTح أ َْو أ َ ْي ِبTاْلTفَتْ ِن َيTأ ِْتَ Tهلل أ َ ْ
سى ا َُّ إرادﺗـﮫ ﻓـﻲ ﻗـوﻟـﮫ ﴿ :فََTع َ
مٍT Tر ِمْ T T
ن ،52ﻟــﻛن ﺑﺷــرط اﻟــوﻓــﺎء ﺑﻌﮭــده ،واﻟــزﯾــﺎدة ﻓــﻲ ﺗــﺗﻣﯾم اﻵﯾــﺔ ﺑــﻘوﻟــﮫ ﴿ :أ َْو أ َ ْ
ِعTنِْدِه ﴾ ،ﻓـﻌﻧد اﻧـﺻراﻓـﻲ ﻣـن ﻏـﯾر ﻣـﻔﺎرﻗـﺔ اﻟـرﻓـﯾق ،إﻟـﻰ ﻋـﺎﻟـم اﻟـﺗرﻓـﯾﻊ واﻟـﺗﻠﻔﯾق ،ﺗـﻠﻘﺗﻧﻲ
ﺣـوادث اﻷﻛـوان ﻓـﻲ اﻟـطرﯾـق ،ﻓـﻌﻧد ذﻟـك ﻋـرﻓـت ﻣـن اﻟـﺣﺎدﺛـﺎت اﻵﻧـﯾﺔ واﻵﺗـﯾﺔ ﻣـﺎ ﺷﮭـدﺗـﮫ،
وﻋـﻠﻣت ﻣـن اﻟـﻛﺎﺋـﻧﺎت اﻟـﻌﻠوﯾـﺔ واﻟـﺳﻔﻠﯾﺔ ﻣـﺎ وﺟـدﺗـﮫ ،وأﻧـﺎ اﻵن ﻣـن ذﻟـك اﻟـوﻗـت إﻟـﻰ ﺣـﯾن
ھﻠﻛﺗﻲ ،واﻓﺗراق ﻣﻠﻛﺗﻲ ،ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟرﺟﻌﺔ اﻟﻣﺷﮭدﯾﺔ ،ﺑﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ اﻷﺣدﯾﺔ.
وﻣن ذﻟك :ھدھد أﻣﯾن ،ﺟﺎء ﺑﻧﺑٍﺄ ﯾﻘﯾن )(8
وﻗـد ﺗﺟﺳـد ﺑـﺛﻼﺛـﺔ أﻧـوار ،وأﻏـطﯾﺗﮫ أﺳـرار ،وﻣـﻣن ﺳـﻠم ﻋـﻠّﻲ ﻓـﻲ أﻓـﻘِﮫ ،وأظﮭـر ﻟـﻲ ﺑـﻌض
ُﺧـﻠﻘِﮫ ،ﻛـوﻛـب اﻷﻓـول ﻓـﻲ رداء أﻟـَﻘﮫ ،وﻗـﻣرا ﺑـﺎزﻏـﺎ ﻓـﻲ ﺣـﻠﺔ اﻟﮭـداﯾـﺔ اﻟﻣﺷـرﻗـﺔ ،ﻓـﺄﻋـطﻰ ﻛـل
ﻧـور ﺣـﻘﯾﻘﺗﮫ ،وأوﺿـﺢ ﻟـﻧﺎ طـرﯾـﻘﺗﮫ ،ﺛـم ﺗـﻼھـﻣﺎ اﻟـﺷﻣس اﻷﻛـﺑر ،واﻟـﻧور اﻷزھـر ،اﻟـذي
ﯾﺟـﻠو اﻟﺳـدف ،وﯾـﻧﯾر اﻟـﻐرف ،وﯾـزﯾـل اﻟـﻛﻠف ،وھـو اﻟﺗﺟـﻠﻲ اﻟـﻣﺛﺎﻟـﻲ ،واﻟـﻧور اﻹرﺳـﺎﻟـﻲ،
ﺳـّﻠَم ﺛـم أﻓـل ﻣـن ﻣـﻐرب اﻟـﻌﻣﻰ ،ﺣـﺗﻰ ﯾـﺻل اﻷﺟـل اﻟـﻣﺳّﻣﻰ ،ﻓـﺈذا دﻧـﺎ اﻷﺟـل واﻗـﺗرب ،طـﻠﻊ ﻓ َ
ھـﺎدًﯾـﺎ ﻣـن ﺣـﯾث ﻏـرب.وھـذا ھـو ﺷـﻣس اﻟـﺗوﺟـﯾﮫ ،وﻣـﻘﺎم اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،ﺑـﺄﻓـوﻟـﮫ ﯾـزول اﻹﺷـراك،
وﺗﻧﺣل ﻋﻘد اﻷﺷراك ،ﻓﯾﻔﻠت ﺻﯾدھﺎ ،وﯾرﺗﻔﻊ ﻛﯾدھﺎ.
وھـذا اﻷﻓـول ﻛـﻠﮫ ﻋـﻠﻰ ﻗـﺳﻣﯾن ،ﻟـذي ﻋـﯾﻧﯾن .ﻓـﺈن ﺟـﻌل أﻓـوﻟـﮭﺎ ﻓـﻲ ﻗـﻠﺑﮫ ،ﻓـﮭو ﻋـﻠﻰ ﻧـور
ﻣـن رﺑـﮫ ،ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم ﻏـﯾﺑﮫ ،ﻓـﺑﻘﻲ ﻟـﮫ ﻧـور ﻗـرﺑـﮫ ،وﯾـﻛون ﻟـﮫ ﻧـور ﻋـﻠﻰ ﻧـور ،وﺳـرور وارد
ﻋـﻠﻰ ﺳـرور .وإن أظـﻠم اﻟﻣﺣـل اﻷﺿـوى ﻋـﻧد أﻓـوﻟـﮭﺎ ،ﻓـﮭو ﻣـﻌّرى ﻋـن ﺻـﻔﺎت ﻣـﻘﯾﻠﮭﺎ ،ﻗـد
ﻏـرق ﻓـﻲ ﺑﺣـر اﻟـذات اﻷﻗـدﺳـﯾﺔ ،ﻣﺗﺟـرًدا ﻋـن أﺛـواب ﺻـﻔﺎﺗـﮭﺎ اﻟـﻣﻌﻧوﯾـﺔ .ﻓـﺎﻧـظر إﻟـﻰ ھـذا
اﻟﺳـر اﻟـﺳﻧّﻲ ﻣـﺎ أﻋـﺟﺑﮫ ،وإﻟـﻰ ھـذا اﻟـذوق اﻟـﮭﻧّﻲ ﻣـﺎ أﻋـذﺑـﮫ .وﺑـﻘﯾت ﻣـﻊ ھـذا اﻟـﻧور
اﻟﺷﻣﺳـﻲ ،ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎﻣـﮫ اﻟـﻘدﺳـﻲ ،أﻧـﺎﺟـﯾﮫ أﻋـواًﻣـﺎ ،وﻟـﯾﺎﻟـﻲ ﻗـﻣرﯾـﺔ وأﯾـﺎًﻣـﺎ ،وﻗـد أوﺿـﺢ ﷲ ﻟـﻧﺎ
اﻟـﻌﻼﻣـﺔ ،ﺑـﺄﻧـﮫ ﺧـﺎﺗـم اﻹﻣـﺎﻣـﺔ ،أﻋـﻧﻲ اﻹﻣـﺎﻣـﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ اﻟﺟـزﺋـﯾﺔ ،ﻻ اﻹﻣـﺎﻣـﺔ اﻟـﻣطﻠﻘﺔ اﻟـﻛﻠﯾﺔ.
ﻓـﻣن ﻓـﮭم ﻓـﻠﯾﻌﻠم ،وﻣـن ﺟﮭـل ﻓـﻠﯾﻘرع اﻟـﺑﺎب وﻟـﯾﻠزم ﻣـﺎ دام ھـذا اﻟـﻧور ﺛـﺎﺑـًﺗﺎ ﻓـﻲ أﻓـﻘﮫ ،ﻗـﺑل
أﻓوﻟﮫ ﻓﻲ ﺣﻘﮫ ،ﻓﺗﺣﻘﻘَت ﻣﺎ ﻟدﯾﮫ ،وﻋﻠﻣت ﻣﺎ ﺟﻌل اﻟﺣق ﻣن اﻷﺳرار ﻓﻲ ﯾدﯾﮫ.
وﻣن ذﻟك :رﺣﯾق ﻣﺧﺗومَ ،وِﻣَزاُﺟُﮫ ِﻣْن َﺗْﺳِﻧﯾٍم)(9
إﻟـﻰ أن دﺧـل ﻋـﺎم ﺧـﻣﺳﺔ وﺗـﺳﻌﯾن وﻧـﺻف اﻟـﯾوم ،ﻓـﺎﻧﺟـﻠﻰ ﻋـن اﻟـﺷﻣس ظـﻼم اﻟـﻐﯾم ،وأﻧـﺎ
ﻋـﻠﻰ ﺣـﺎﻟـﺗﻲ ﻓـﻲ رﺟـوﻋـﻲ اﻟـﻣذﻛـور ،ﺑـﻌﻠﻣﻲ اﻟـﻣﺷﮭور ،وﻋـﻠﻣﻲ اﻟﻣﺳـﺗور ،ﻓـﻲ ﻏـﻼﺋـل
اﻟـﻧور .وإﻧـﻣﺎ ﻛـﺎن ھـذا اﻟـرﺣـﯾق ﺑـﺎﻟـﻣﺳك ﻣـﺧﺗوًﻣـﺎ ،وﻛـﺎن ﻣـزاﺟـﮫ ﺗـﺳﻧﯾًﻣﺎ ،ﻷﻧـﮫ ﺗـﺎﺑـﻊ ﻣـﺗﺑوع،
وﺳـﺎﻣـﻊ ﻣـﺳﻣوع ،وﺳـﺗﺄﺗـﻲ اﻹﺷـﺎرة إﻟـﯾﮫ ﻣـن ﺑـﻌد ،وﯾـﻛون ﻟـﮫ اﻟـوﻋـﯾد واﻟـوﻋـد .ﻓـﻠﻣﺎ دﺧـل
اﻟـﻌﺎم اﻟـﻣذﻛـور ،وﻣـﺿت ﻣـﻧﮫ ﺛـﻼﺛـﺔ ﺷـﮭور ،ﺗـﻠﻘﺎﻧـﻲ ﻋـﻧد ﻓـراﻗـﻲ ﻟﮭـذه اﻟـﺷﻣس اﻟـﻣﻐرﺑـﯾﺔ،
وﺗـرﻛـﻲ ﻟـﮭﺎ ﻓـﻲ اﻟـﻌﺻﺎﺑـﺔ اﻟـﯾﺛرﺑـﯾﺔ ،اﻟـﺧﺗم اﻟـﻣذﻛـور ﺑـرﺣـﯾﻘﮫ ،وأوﺿـﺢ ﻟـﻲ ﻛـﺄس اﻟـﺗﺳﻧﯾم
ﻣـزاج طـرﯾـﻘﮫ ،ﻓـرأﯾـت ﺧـﺗم أوﻟـﯾﺎء ﷲ اﻟـﺣق ،ﻓـﻲ ﻣـﻘﻌد اﻹﻣـﺎﻣـﺔ اﻟـﺧﺎﺻـﺔ اﻹﺣـﺎطـﯾﺔ
واﻟـﺻدق ،ﻓـﻛﺷف ﻟـﻲ ﻋـن ﺳـر ﻣـﺣﺗده ،وأﻣـرت ﺑـﺗﻘﺑﯾل ﯾـده ،ورأﯾـﺗﮫ ﻣـﺗدﻟـًﯾﺎ ﻋـﻠﻰ اﻟـﺻدﯾـق
واﻟـﻔﺎروق ،ﻣـﺗداﻧـًﯾﺎ ﻣـن اﻟـﺻﺎدق اﻟـﻣﺻدوق ،ﻣـﺣﺎذًﯾـﺎ ﻟـﮫ ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻷذن ،ﻗـد أﻟـﻘﻰ اﻟـﺳﻣﻊ
ﻟـﺗﻠﻘﻲ اﻹذن ،وﻟـو ﺗـﻘدﻣـﮫ ﻣـﻧﺷور ،وﺧـﺎﺗـﻣﺎه ﻧـور ﻋـﻠﻰ ﻧـور ،ﻓـﻛﺎن ﻟـﮫ ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟﺟـﻣﻊ
اﻟـظﮭور ،وﻣـن ﻋـداه ﻓـﯾﮫ ﻛـﻼﺑـس ﺛـوﺑـﻲ زور ،واﻟـﺷﻣس اﻟـﯾﻘﯾﻧﯾﺔ ﻗـد ﻗـﺑﻠت ﯾـده ﻣـﺛﻠﻲ،
وﻟﺣـظﺗﮭﺎ ﻓـﻘﺎل اﻟـﺧﺗم :ھـﻲ ﻣـن أھـﻠﻲ .ﺛـم ﻧـﺎزﻋـﻧﻲ اﻟﺣـدﯾـث ،وﺗـﻐﻧﯾﻧﺎ ﺑـﺎﻟـﻘدﯾـم واﻟﺣـدﯾـث،
واﻟـﺳﺎﻗـﻲ ﯾـﺣث اﻟـﻣداﻣـﺔ ،وﯾـﺑدأ ﺑـﺳﺎق ﻋـرش اﻹﻣـﺎﻣـﺔ ،وھـو ﯾـﻧﻌطف ﻋـﻠﻲ ﻋـطﻔﮫ ﻧـﺷوان،
وﯾﻐـﺎزﻟﻧـﻲ ﻣﻐـﺎزﻟﺔـ ھﯾـﻣﺎن،وﯾﻘـول :رﱢدﻧﻲـ ﺑرـداء اﻟﻛـﺗم ،ﻓﺈـﻧﻲـ أﻧﺎـ اﻟﺧـﺗم ،ﻻ وﻟﻲـ ﺑﻌـدي ،وﻻ
ﺣﺎﻣل ﻟﻌﮭدي ،ﺑﻔﻘدي ﺗذھب اﻟدول ،وﺗﻠﺗﺣق اﻷﺧرﯾﺎت ﺑﺎﻷول.
ت أذﻛُرهُ ** ﻓظّن ﺧﯾًرا وﻻ ﺗﺳﺄلْ ﻋِن اﻟﺧﺑر و ﻛ ﺎن ﻣ ﺎ ﻛ ﺎن ﻣ ﻣ ﺎ ﻟ ﺳ ُ
وﻟـﻣﺎ ﺗـﻧﺎﺟـت اﻟـﻘﻠوب ﺑـﺄﺳـرارھـﺎ ،وطـﻠﻌت ﺷـﻣوس اﻟـﻐﯾوب ﻣـن ﺳـﻣﺎء أﻧـوارھـﺎ ،وأﺧـذ
اﻟﻣﺟـﻠس ﺣـده ،ودﺧـل أﺑـواﻟـﻌﺑﺎس وﺻـﺎﺣـﺑﮫ ﻋـﻧده ،اﻧـﺻرﻓـت ،ﻣـﺗﺣﻘًﻘﺎ ﺑـﻣﺎ ﻋـرﻓـت ،وﻟـم ﺗـﺑق
ﻧـﻛﺗﺔ ﻧـﺎدرة ،إﻻ ﻋـﻠﻰ ﺑـﺎب ﺣـﺿرﺗـﻲ واردة وﺻـﺎدرة .وﻟـوﻻ ﻋﮭـد اﻟـﻐﯾرة ﻣـﺎ أﺧـذ ،ودﺧـﯾل
إﻻ ﻓـﺷﺎ اﻟـذي ﻧـﺑذ ،ﻷﺑـرزﻧـﺎه ﻟـﻛم ﻓـﻲ ﺣـﻠﺗﮫ وﺑـﻧﯾﺗﮫ ،وﻟـﻛن ﺳـﺄﺟـﻌﻠﮫ وراء ﻛـﻧﯾﺗﮫ وﺣـﻠﯾﺗﮫ،
ﻓـﻣن اﺟﺗﮭـد ورﻓـﻊ ﺳـﺗره ،رأى ﺳـره .وھـﻛذا أﻓـﻌﻠﮫ ﻓـﻲ ﺷـﻣس ﻏـرﺑـﻧﺎ ،أظﮭـرھـﺎ ﻟـﻛم ﻣـن
ف ﻋـﻠوي ،وﻋـزم ﻗـوي ،ﺷـق ﻋـن ﻗـﻠﺑﻲ، وراء ﻗـﻠﺑﻧﺎ ،ﻓـﻲ ﺣـﺟﺎب ﻏـﯾﺑﻧﺎ ،ﻓـﻣن ﻛـﺎن ذا ﻛـﺷ ٍ
ﺣـﺗﻰ ﯾـرى ﻓـﯾﮫ ﺷـﻣس رﺑـﻲ ،ﻓـﻣن اﻣـﺗطﻰ ﻋـﺗﯾق اﻹﻓـﺷﺎء طـﻠب وﻟـﺣق ،وﻣـن ﻧـزل ﻋـن ﻣـﺗﻧﮫ
إﻟـﻰ ذﻟـول اﻟـﻛﺗم ﻧـﺟﺎ واﻟـﺗﺣق ،إﻻ إن ﻛـﺎن ﻛـﻣﺎ أﻓـﻌﻠﮫ وﻓـﻌﻠﮫ ﻣـن ﻗـﺑﻠﻲ ﻣـن ﺧـﻔﻲ رﻣـز،
ودرج ﻣﻌﻧﻰ ﻓﻲ ﻣﻌﻣﻰ وﻟﻐز.
وﻟـﻣﺎ دﺧـل ﺷﮭـر ﻣـﯾﻼد اﻟـﻧﺑﻲ ﻋـﻠﯾﮫ اﻟـﺻﻼة واﻟﺳـﻼم ،ﺑـﻌث إﻟـﻲ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ رﺳـول اﻹﻟـﮭﺎم،
وھـو اﻟـوﺣـﻲ اﻟـذي أﺑـﻘﺎه ﻋـﻠﯾﻧﺎ ،واﻟﺧـطﺎب اﻟـذي ﺟـﻌل ﻣـﻧﮫ إﻟـﯾﻧﺎ ،ﺛـم أردﻓـﮫ ﺑﻣﺑ ّ
ﺷــرة
ﺳـﺎطـﻌﺔ ،ﻓـﻲ روﺿـﺔ ﯾـﺎﻧـﻌﺔ ،ﯾـﺄﻣـرﻧـﻲ ﻓـﯾﮭﺎ ﺑـوﺿـﻊ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب اﻟـﻣﻛﻧون ،واﻟﺳـر اﻟـﻣﺻون
اﻟﻣﺧـزون ،وﺳـﻣﺎه ﻟـﻲ ﺑـﻛﺗﺎب] :اﻟـﻛﺷف واﻟـﻛﺗم ،ﻓـﻲ ﻣـﻌرﻓـﺔ اﻟﺧـﻠﯾﻔﺔ واﻟـﺧﺗم[ .ﻓـراﺟـﻌت
اﻟـﻣﻠك ﻓـﻲ ھـذه اﻟـﻌﻼﻣـﺔ ،ﻓـﻘﺎل :أﯾـﮭﺎ اﻟـﻔﺗﻰ ﻣـﮫ .ﺛـم ﻋـﺎد إﻟـّﻲ وﻣـﺎ رﺣـل ،وﻓـرش اﻟﻣﺣـل
اﻷﻗـدس وﻣـﺎ ﻧـزل ،وﻗـﺎل :اﻟـﺣﺿرة ﻗـد وﺳـﻣﺗُﮫ ﺑـﻛﺗﺎب ]ﺳـدرة اﻟﻣﻧﺗﮭـﻰ وﺳـر اﻷﻧـﺑﯾﺎء ،ﻓـﻲ
ﻣﻌـرﻓﺔـ اﻟﺧﻠـﯾﻔﺔ وﺧﺗـم اﻷوﻟﯾـﺎء[ .ﻓﻘـﻠت :إﻧﻲـ ﻻ أﺟدـ ﻓﻲـ ﻧﻔﺳﻲـ ﻟﮭذـه اﻟﺳـﻣﺔ ﻧﻛـﺗﺔ ،ﻓﻼ
ﺗﻌﺟـل ﻋـﻠّﻲ وﻻ ﺗـﺄﺧـذﻧـﻲ ﺑـﻐﺗﺔ .ﻓـﻘﺎل :إﻧـﻲ أﺳـﺗﺣﻲ .ﻓـﻘﻠت :رﺑـﻲ اﻟـذي ﯾـﻣﯾت وﯾـﺣﯾﻲ .ﻓـﻠﻣﺎ
ﻛـﺎن ﯾـوم اﻟﺟـﻣﻌﺔ واﻟﺧـطﯾب ﻋـﻠﻰ أﻋـواده ،ﯾـدﻋـو ﻗـﻠوب أوﻟـﯾﺎء ﷲ وﻋـﺑﺎده ،إذ وﺟـدت ﺑـرد
ﻛـف اﻟﺟـذب ،ﻣـن ﺣـﺿرة اﻟـﻘرب ،ﻓـﺗﻠﻘﯾت ﻓـﻲ اﻟـﻐﻔﻠﺔ اﻟـﻛﻠﻣﺎت ،وﺗـوﻓـرت دواﻋـﻲ اﻟـﻘﻠب ﻟـﻣﺎ
ﯾـرد ﻋـﻠﯾﮫ ﻣـن اﻟـﻧﺳﻣﺎت ،ﻓـﺈذا اﻟﺧـطﺎب اﻷﻧـﻔس ،ﻣـن اﻟـﻣﻘﺎم اﻷﻗـدس :ھـل ﺗـﻘﻧﻊ أﯾـﮭﺎ
اﻟﺧـطﯾب اﻟـﻣﻐرب ،واﻟـﻣﻧﺗﻘد اﻟـﻣﻌﺟب ،ﺑـ ]ﻋـﻧﻘﺎء ﻣـﻐرب ﻓـﻲ ﻣـﻌرﻓـﺔ ﺧـﺗم اﻷوﻟـﯾﺎء وﺷـﻣس
اﻟﻣﻐرب ،وﻧﻛﺗﺔ ﺳّر اﻟﺷﻔﺎ ﻓﻲ اﻟﻘرن اﻟﻼﺣق ﺑﻘرن اﻟﻣﺻطﻔﻰ[؟
وﺻل
ت ﻟـكوھـذه اﻹﺷـﺎرات ﻛـﻠﮭﺎ راﺟـﻌﺔ إﻟـﻰ اﻟـﻧﺳﺧﺔ اﻟـﺻﻐرى ،ﻻ إﻟـﻰ اﻟـﻧﺳﺧﺔ اﻟـﻛﺑرى ،ﻓـﻘد ﺑـﯾﻧ ُ
آﻧـًﻔﺎ أﻧـﮫ ﻻ ﻓـﺎﺋـدة ﻟـك ﻓـﻲ ﻣـﻌرﻓـﺔ ﻣـﺎ ﺧـرج ﻋـن ذاﺗـك ،إﻻ أن ﯾـﺗﻌﻠق ﺑـﮫ ﺳـﺑﯾل ﻧـﺟﺎﺗـك.
ﻓـﺷﻣس اﻟـﻣﻐرب ﻣـﺎ طـﻠﻊ ﻓـﻲ ﺳـﻣﺎء ﻏـﯾﺑﺗك ﻣـن أﻧـوار اﻟـﻌﻠوم ،وﺗﺟـﻠﻰ ﻋـﻠﻰ ﻗـﻠﺑك ﻣـن
أﺳـرار اﻟـﺧﺻوص واﻟـﻌﻣوم .ﻛـﻣﺎ أن اﻟـﺧﺗم ﻣـﺎ ﺧـﺗم ﺑـﮫ ﻋـﻠﻰ ﻣـﻘﺎﻣـك ،ﻋـﻧد ﻣﻧﺗﮭـﻰ ﻣـﻘﺎﻣـك.
وﻛـذﻟـك إذا ﻛـﻧت ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎﻣـك اﻟـﺧﺎص ﺑـك ﺑـﯾن إﺧـواﻧـك ،ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ ﻛـﺎن ﻋـﻠﯾﮫ َﻣـن ﺗـﻘدم ِﻣـن
ﺻـﺣﺎﺑـﺔ اﻟـﻧﺑﻲ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻣـن اﻟـﻌﻣل اﻟـﺳﻧﻲ ،واﻟﺗﺟـﻠﻲ اﻟـﻌﻠﻲ ،ﻓـﻘد ﻟـﺣق
زﻣﺎﻧك ﺑزﻣﺎﻧﮭم ،وﺻرَت ﻣن ﺟﻣﻠﺔ أﻗراﻧﮭم.
ص ﻣـﺎ ذﻛـرﺗـﮫ ،وورد ﻋـﻠّﻲ ﺑـﻣﺎ ﺳـطرﺗـﮫ ،ﻗـﺎل :ھـل رأﯾـَت ﯾـﺎ ﻣﺣـﻣد ھـذه اﻹﺷـﺎرة ،ﻓـﻲ وﻟـﱠﻣﺎ ﻧـ ّ
ﺗـﺄﺧـر اﻟـوزارة ،ﻋـن اﻷﻣـﯾر ﻓـﻲ وﻗـت اﻹﻣـﺎرة؟ ﻟـوﻻ ﺧـﻼﻓـﺔ اﻟـﺻّدﯾـق ،ﻟـرﺟـﻊ اﻟـﻧﺎس ﻋـن
اﻟـطرﯾـق ،ﻟـﻌدم اﻟـﻛﺷف ،وﻣـﻌرﻓـﺔ اﻟـﺻرف .وھـل اﻟﺧـﻠﯾﻔﺔ إﻻ ﺑـﻌد ﺛـﺑوت اﻟﻣﺳـﺗﺧﻠف؟ وﻟﮭـذا
ﺗـوﻗـف اﻟـﻣﺟﺎدل اﻟـﻣﺗﻌﺳف .ﻗـل ﻟـﮫ :ﯾـﺎ ﻣﺣـﻣد ھـﯾﮭﺎت ﯾـﺎ إﻧـﺳﺎن ،ﻣـﺎ ﻻ ﺑـد ﻣـن ﻛـوﻧـﮫ ﻓـﻛﺄﻧـﮫ ﻗـد
ﻛـﺎن ،ﻟـﻛﻧﮫ ﻏـﯾر ﻣـوﺟـود ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم اﻟـﺗﻐﯾﯾر واﻟﺣـدﺛـﺎن ،وإﻧـﻣﺎ اﻟـﺣﻛﻣﺔ أﺧـرﺗـﮫ ،ﻟﺳـّر أﺿـﻣرﺗـﮫ،
ﺳﯾظﮭر ذﻟك اﻟﺳر ﻓﻲ أواﻧﮫ ،وﺣﻠول زﻣﺎﻧﮫ.
ﻓـﺷﻣس اﻟـﻣﻐرب دون رﺗـﺑﺔ اﻟـﺻّدﯾـق ﻓـﻌﻠﯾك ﺑـﺎﻟـﻛﺗم ،ﻛـﻣﺎ أن اﻟـﺻدﯾـق ﻓـﻣن دوﻧـﮫ ﺗـﺣت ﻟـواء
اﻟـﺧﺗم .وذﻟـك أن أﻧـوار اﻟـﻐﯾوب ،اﻟـﺳﺎطـﻌﺔ ﻓـﻲ اﻟـﻘﻠوب ،اﻟـﺗﻲ ﻛـﻧﯾﻧﺎ ﻋـﻧﮭﺎ ﻗـد ﯾـﻧﺎﻟـﮭﺎ ﻣـن
ﻟـﯾس ﺑـﺻّدﯾـق أﻛـﺑر ،وﻻ ﻟـﮫ ذﻟـك اﻟـﻣﻘﺎم اﻷﺧـطر اﻷزھـر ،ﺑـل ﻗـد ﯾـﻧﺎﻟـﮭﺎ اﻟـﻣﻣﻛور ﺑـﮫ
ث َ
ال جُT T Tهْم ِمْT T Tن َT
حْT T Tي ُ سنَ ْT
سT T Tتَْدِر ُT اﻟﻣﺳــﺗدرج اﻟــﻣﻐﺑون ،وﺳــّر ھــذا ﻓــﻲ ﻗــوﻟــﮫَ ﴿ :
ن ﴾– اﻷﻋـراف .182:واﻟـﺻّدﯾـﻘﯾﺔ ﻻ ﯾـﻧﺎﻟـﮭﺎ إﻻ أھـل اﻟـوﻻﯾـﺔ ،وﻣـن ﻛـﺎن ﻟـﮫ ﻋـﻧد َيْTعَلُمو َ
ﷲ أزًﻻ ﺳـﺎﺑـُق ﻋـﻧﺎﯾـﺔ ،وھـﻲ اﻟﺳـﺑﯾل ﻓـﻲ ﻧـﺟﺎة ﻣـن اﺗـﺻف ﺑـﮭﺎ ،وﺗـﻣذھـب ﺑـﻣذھـﺑﮭﺎ ،ﻓﻠﮭـذا
ﺟـﻌﻠﻧﺎ اﻟـﺷﻣس دوﻧـﮭﺎ ،وإﻟـﯾﮭﺎ رﻛـوﻧـﮭﺎ .ﻛـﻣﺎ أن اﻟـﺧﺗم ﻓـوق رﺗـﺑﺔ اﻟـﺻدﯾـق ،إذ ﻛـﺎن اﻟﻣﻣﮭـد
ﻟـﻠطرﯾـق ،اﻟـذي ﻣﺷـﻰ ﻋـﻠﯾﮫ ﻋـﺗﯾق ،ﻓـﺎﻟـﺧﺗم ﻧـﺑوي اﻟـﻣﺣﺗد ،ﻋـﻠوي اﻟﻣﺷﮭـد ،ﻓﻠﮭـذا ﺟـﻌﻠﻧﺎه
ﻓـوق اﻟـﺻّدﯾـق ،ﻛـﻣﺎ ﺟـﻌﻠﮫ اﻟـﺣق ،ﻓـﺎﻵﺧـذ ﻧـوره ﻣـن ﻣـﺷﻛﺎة اﻟـﻧﺑوة ،أﻛـﺑر ﻣـﻣن أﺧـذه ﻣـن
ﻣﺷﻛﺎة اﻟﺻدﯾﻘﯾﺔ ،ﻓﺑﯾن اﻟﺗﺎﺑﻊ واﻟﺻﺎﺣب ،ﻛﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﺷﺎھد واﻟﻐﺎﺋب.
وﻟـﻣﺎ ﺻـﱠﺢ أن اﻟـﺧﺗم ﻣـﺗﻘدم اﻟﺟـﻣﺎﻋـﺔ ،ﯾـوم ﻗـﯾﺎم اﻟـﺳﺎﻋـﺔ ،ﺛـﺑت أن ﻟـﮫ ﺣﺷـرﯾـن ،وأﻧـﮫ
ﺷــَرْﯾــﮫ ،وﯾـﻧﻔرد اﻟـﺧﺗم ﺑـﺧﺎﺗـﻣﯾﮫ .وذوﺻـﺎﺣـب اﻟـﺧﺗﻣﯾن ،وﯾﺷـرﻛـﮫ ذو اﻷﺟـﻧﺣﺔ ﻓـﻲ َﺣ ْ
اﻷﺟـﻧﺣﺔ ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن ﻣـن ﻏـﻠﺑت ﻋـﻠﯾﮫ اﻟـروﺣـﺎﻧـﯾﺔ ،واﻟـﺗﺣق ﺑﺗطﮭـﯾر ﻧـﻔﺳﮫ ﺑـﺎﻟـرﺗـﺑﺔ اﻟـﻣﻠﻛﯾﺔ،
وﻻ دﻓـﺎع ﻋـﻧدﻧـﺎ ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻣﻘﺎم وﻻ ﻧـزاع ،وﻋـﻠﻰ ﻗـدر ارﺗـﻘﺎﺋـﮫ ﻓـﯾﮭﺎ ﯾـﻛون ﻣـﻊ ﺻـﺎﺣـب
ﻣـﺛﻧﻰ أو رﺑـﺎع ،ﻓـﺈن ﻛـﺎن أﻣـﯾن اﻷرواح ،ﻓـﯾﻛون ﻟـﮫ ﺳـﺗﻣﺎﺋـﺔ ﺟـﻧﺎح ،وﻻ ﺣـرج ﻋـﻠﯾﮫ ﻓـﻲ
ذﻟك وﻻ ُﺟﻧﺎح.
وإﻧـﻣﺎ ﺳـﻣﯾﻧﺎه ﺧـﺎﺗـًﻣﺎ ،وﺟـﻌﻠﻧﺎه ﻋـﻠﻰ اﻷوﻟـﯾﺎء ﺣـﺎﻛـًﻣﺎ ،ﻷﻧـﮫ ﯾـﺄﺗـﻲ ﯾـوم اﻟـﻘﯾﺎﻣـﺔ وﻓـﻲ ﯾـده
اﻟـﯾﻣﻧﻰ ،ﻣﺣـل اﻟـﻣﻠك اﻷﺳـﻧﻰ ،ﺧـﺎﺗـم ﻣـﺛﺎﻟـﻲ ﺟـﺳﻣﺎﻧـﻲ ،وﻓـﻲ ﯾـده اﻟﯾﺳـرى ،ﻣﺣـل اﻹﻣـﺎم
اﻷﺳـرى ،ﺧـﺎﺗـم ﻧـزاﻟـﻲ روﺣـﺎﻧـﻲ ،وﻗـد اﻧﺗﺷـر ﺑـﺎﻟـﯾﻣﯾن ،ﻓـﻲ زﻣـرة أھـل اﻟـﺗﻌﯾﯾن ،وﻗـد اﻧﺗﺷـر
ﺑـﺎﻟـﯾﺳﺎر ﻣـﻊ أھـل اﻟـﺗﻣﻛﯾن ،ﻓـﻘد ُﺧــﺻص ِﺑـِﻌْﻠﻣﯾن ،وﺧـوطـب ﺑـﺎْﺳــَﻣْﯾن ،ﻓـﻠﮫ اﻟـﺗرأس ﻓـﻲ
اﻵﺧـرة واﻟـﺣﺎﻓـرة ،واﻟـﺗﻘدم ﻓـﻲ اﻷوﻟـﻰ واﻵﺧـرة .ﻓـﺗﻔطن أﯾـﮭﺎ اﻟـﻠﺑﯾب ﻟﮭـذه اﻷﺳـرار ،واﺳـﻊ
ﻟﺿﯾﺎء ھذه اﻷﻧوار.
ﻓـﻣن ﻛـﺎن ذا ﻗـﻠب وﻓـطﻧﺔ ،ﺷـﻐﻠﮫ طـﻠب اﻟـﺣﻛﻣﺔ ﻋـن اﻟـﺑطﻧﺔ ،ﻓـوﻗـف ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ رﻣـزﻧـﺎه ،وﻓـكّ
اﻟـﻣﻌّﻣﻰ اﻟـذي ﻟـﻐزﻧـﺎه ،وﻟـوﻻ اﻷﻣـر اﻹﻟﮭـﻲ ﻟـﺷﺎﻓـﮭﻧﺎ ﺑـﮫ اﻟـوارد واﻟـﺻﺎدر ،وﺟـﻌﻠﻧﺎه ﻗـوت
اﻟﻣﻘﯾم وزاد اﻟﻣﺳﺎﻓر ،وﻟﻛن ﻗد ﺟف اﻟﻘﻠم ،ﺑﻣﺎ ﺳﺑق ﻓﻲ اﻟﻘدم.
ﻓـﻣﺎ أﺷـرف اﻹﻧـﺳﺎن ،ﺣـﯾث ﺟـﻌﻠﮫ ﷲ ﻣﺣـل روﺣـﺎﻧـﯾﺎت ھـذه اﻷﻛـوان ،ﻓـﻠﻘد أﺑـدع ﷲ ﺳـﻠﺧﮫ،
سِT Tبيِل ﴾ اﻟﻧﺣـل،9:صُد ال َّTهلل َقْ T T
عَT Tلى ا َِّ
ﺣـﯾن أوﺟـده وأﻛـﻣل ﻧـﺳﺧﮫ ،وﷲ اﻟـﻛﻔﯾلَ﴿ ،و َ
جَمِع َ
ني ﴾اﻟﻧﺣل.9: شاَء َلَهَداُكْم أ َ ْ
و َ
﴿َوَل ْ
وﻣن ذﻟك :ﻣوﻗف اﺧﺗﺻﺎص ،وﻧﺗﯾﺟﺔ إﺧﻼص)(13
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن ھـذا اﻷﻣـر ﯾـدﺧـﻠﮫ اﻟـﺻدق واﻟـَﻣْﯾن ،وﻟـو ﻛـﺎن ﻋـﻧد ﻗـﺎﺋـﻠﮫ ﻋـن ﻣـﺷﺎھـدٍة ﻋـﯾن ،ﻟـﻣﺎ
ﻛـﺎن ﯾـﻘطﻊ ﺑـﺻدق اﻟـﺳﺎﻣـﻊ ،إﻻ أن ﯾـﺗﺄﯾـد ذﻟـك اﻟـﺧﺑر ﺑـﺈﻋـﺟﺎز ﻗـﺎطـﻊ ،أو ﻧـور ﺣـﺳن ظـنﱟ
ﺑـﻘﻠﺑﮫ ﺳـﺎطـﻊ .وﻟﮭـذا ﻗـﺎل اﻹﻣـﺎم أﺑـو ﯾـزﯾـد) اﻟﺑﺳـطﺎﻣـﻲ( ﻟـﻣوﺳـﻰ اﻟـدﯾـﺑﻠّﻲ :إن اﻟـﻣؤﻣـن ﺑـﻛﻼم
أھـل ھـذه اﻟـطرﯾـﻘﺔ ﻣـﺟﺎب اﻟـدﻋـوة ﻋـﻧد اﻟـﻌﻠّﻲ .ﻓـﻘد ﺣـﺻل ﻟـﻠﻣؤﻣـن اﻟـﺻدﯾـق اﻻﺷـﺗراك ﻣـﻊ
اﻟﺻﺎدق ،ﺑطرﯾق ﺣﺳن اﻟظن ﻻ ﺑدﻟﯾل اﻟﺧوارق.
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن اﻷﻣـر ﻋـﻧد اﻟﺧـﻠق ﺑﮭـذه اﻟﻧﺳـﺑﺔ ،وﺣـﺟﺑوا ﻋـﻣﺎ ﻟـﮫ ﻋـﻧد ﷲ ﻣـن ﻋـظﯾم اﻟـﻧﺻﺑﺔ،
أﺧﻔـﯾﻧﺎه ﻋﻧـﮭم رﺣﻣـﺔ ﺑﮭـم ،وﺟرـﯾﻧـﺎ ﻣﻌـﮭم ﻋﻠـﻰ ﻣذـھﺑـﮭم ،ﻓﻣـﺎ أظﮭرـت اﻟﻧـﺑوة ﻟﻠﺟﻣـﮭور إﻻ
ﻗـدر ﺣـﻣل ﻋـﻘوﻟـﮭم ،ﺧـوًﻓـﺎ ﻣـن ﻧـﻔورھـم ﻋـﻧﮫ وذھـوﻟـﮭم ،ﻓـﯾﻘﻌوا ﻓـﻲ ﺗـﻛذﯾـب اﻟـﻣﺧﺑر
اﻟﺻﺎدق ،ﻓﺗﺣل ﺑﮭم ﻟذﻟك َﻣُﺛﻼت اﻟﻌواﺋق.
ﺛـم ﺟـرى ﻋـﻠﻰ ھـذا اﻟﻣْﮭـَﯾﻊ اﻟﺳـﻠف اﻟـﺻﺎﻟـﺢ ﻣـن اﻟـﺻﺣﺎﺑـﺔ ،وﻧـزﻟـوا ﻣـن ﻣـﻘﺎم اﻟﮭـﯾﺑﺔ إﻟـﻰ
ﻣـﻘﺎم اﻟـﻣزاح واﻟـدﻋـﺎﺑـﺔ ،اﻗـﺗداء ﺑـﻣن ﻣـﺎزح اﻟﺷـﯾﺧﺔ و 'ذا اﻟـﺗﻐﯾﯾر' ،ﺑـﻣﺎ ظـﺎھـره ﻣـوھـم
وﺑـﺎطـﻧﮫ ﺧـﯾر ،وﺗﺳـﺗروا ﺑـﺎﻟـﻣﻌﺎﻣـﻼت ﻓـﻲ اﻟـظواھـر ،وﺗـﻛﺗﻣوا ﺑـﻣﺎ ﺣـﺻل ﻟـﮭم ﻣـن اﻟـﻌﻠم
اﻟـﻣﺻون واﻟﺳـراﺋـر ،وإن ﻛـﺎن ﻗـد ﻧـﺑﮭوا -رﺿـوان ﷲ ﻋـﻠﯾﮭم -ﻋـﻠﻰ أﻣـور ،ﻟﯾﺳـت ﻋـﻧد
اﻟﺟـﻣﮭور ،ﺧـوطـﺑوا ﺑـﮭﺎ ﻣـن وراء اﻟﺳـﺗور .ﻓـﻘﺎل أﺑـو ھـرﯾـرة ] :ﻟـو ﺑـﺛﺛﺗﮫ ﻟـﻘطﻊ ﻣـﻧﻲ ھـذا
ﺳـرﺗـﮫ ﻟـﻛﻧت ﻓـﯾﻛم اﻟـﻛﺎﻓـر اﻟـﻣرﺟـوم[ ،ﻟـﻣﺎ رأوا أن ﺣـﻘﺎﺋـق اﻟـﺑﻠﻌوم[ ،وﻗـﺎل اﺑـن ﻋـﺑﺎس] :ﻟـو ﻓ ّ
اﻟـﻐﯾوب ،ﻓـوق ﻣـراﺗـب ﺑـﻌض اﻟـﻘﻠوب ،ﻓـﺄﺧـذوا اﻷﻣـر ﻣـن ﻓـوق ،ﻣـﻌرﻓـﺔ ﻣـﺷﺎھـدة وذوق،
ِورًﺛـﺎ ﻧـﺑوًﯾـﺎ ﻣـﺣﻔوًظـﺎ ،وﻣـﻘﺎًﻣـﺎ ﻋـﻠوًﯾـﺎ ﻣـﻠﺣوًظـﺎ ،إذ أﺷـﺎر ﻓـﻲ إﻧـﺑﺎﺋـﮫ ،ﻟـﻣﺎ ﻟُﻘﻧﮫ ﻟـﯾﻠﺔ إﺳـراﺋـﮫ،
ﻣن ﺗﺣﺻﯾل ﻋﻠم أ ُِﺧَذ ﻋﻠﯾﮫ ﻛﺗﻣﮫ ،ﻟﻣﺎ ﻋﺳر ﻋﻠﻰ ﻏﯾره ﻓﮭﻣﮫ.
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎﻧـت ھـذه اﻟـﻌﻠوم اﻟـﺗﻲ أﻧـﺎ واﺿـﻌﮭﺎ ﻓـﻲ ھـذا اﻟﻣﺟـﻣوع وأﺷـﺑﺎھـﮫ ﻣـن ھـذا اﻟـﻘﺑﯾل،
وﻣـﺗﻠﻘﺎه ﻣـن ﻣـﺷﻛﺎة ھـذا اﻟـﺟﯾل ،وﻣـﻣﺎ ﻻ ﯾـﺻﺢ إﻻ ﺑـﻌد ﻣـﻔﺎرﻗـﺔ ﺟـﺑرﯾـل ،وﻛـل ﺻـﻧف ﻣـن
اﻟـﻣﻸ اﻷﻋـﻠﻰ وﻗـﺑﯾل ،ﻻ ﯾـﺻﺢ ﻋـﻧدﻧـﺎ إذاﻋـﺗﮭﺎ ،إﻻ أن ﯾـرﻓـﻊ ﺣـﺟﺎﺑـﮭﺎ ﻓـﺗﻛﺷف ﺳـرﯾـرﺗـﮭﺎ.
ﻓـﻛل ﻣـﺎ أﺑـرزﻧـﺎه ﻟـﻌﯾن اﻟـﻧﺎﻗـد اﻟـﺑﺻﯾر إﻧـﻣﺎ ھـو ﻣـن ﺗـﻠﻘﯾﺎت اﻟـروح اﻷﻣـﯾن ،وﻣـن ﺳـدرة
اﻟﻣﻧﺗﮭـﻰ ﻟـﻠﺳﺎﻟـﻛﯾن ،وﺑـﻌض ﺗـﻠﻘﯾﺎت اﻟـﯾﻘﯾن واﻟـﺗﻣﻛﯾن ،ﻣـن ﺣـﺿرة اﻟـﻣﻧﺎﺟـﺎة ﺑـﻠﻐﺔ اﻹﻧـس،
ﻹزاﻟـﺔ ﺳـطوة اﻟﮭـﯾﺑﺔ وﻧـزول رﺣـﻣﺔ اﻷﻧـس ،ﻓـﺄظﮭـر ﻣـﻧﮭﺎ ﻋـﻠﻰ ﻗـدر أﺑـﺻﺎر اﻟـﻧﺎظـرﯾـن،
ﻓﻣﻧﮭم ﻣن ﻓﮭم وﺳﻠم وﻣﻧﮭم ﻣن ﺟﺎل ﺑﮭﺎ ﻓﻲ ﻣﯾدان اﻟﻣﻧﺎظرﯾن.
وﻟـﻣﺎ ﺗـواﻟـت ﻋـﻠّﻲ اﻷﺳـرار ،وﺳـطﻌت ﻣـن ﺟـﻣﯾﻊ ﻣـﺳﺎم ﻧـﺷﺄﺗـﻲ أﺷـﻌﺔ اﻷﻧـوار ،اﻏﺗﺳـﻠت
ﺑـﺎﻟـﻣﺎء اﻟـﻘراح ﻟﺳـد اﻟـﻣﺳﺎم ،ﻓـﺎﻧﻌﻛﺳـت اﻷﻧـوار إﻟـﻰ ﻣﺣـل اﻹﻟـﮭﺎم ،ﻓﺗﻔﺟـرت ﺟـداوﻟـﮭﺎ
وأﻧـﮭﺎرھـﺎ ،واﺷـﺗد اﻟـرﯾـﺢ اﻟـﻐرﺑـﻲ ﻓـﺗﻣوﺟـت ﺑـﺣﺎرھـﺎ ،ﻓـدﺧـل اﻟـﻣوج ﺑـﻌﺿﮫ ﻋـﻠﻰ ﺑـﻌض،
ﺟـﺎ
وأﺳـرع إﻟـﻰ ﻣـﺎ أﺑـرﻣـﮫ اﻟـﻣﺑرم ﺑـﺎﻟﺣـل واﻟـﻧﻘض ،ﻓـﻼ ﺗـﺑﺻر إﻻ ﺳـﺣﺎًﺑـﺎ ﻣـرﻛـوًﻣـﺎ ،وﻣـو ًـ
حا ٌ
ب وِق ِTه َ T
سَ T ج ِم ْTن فَ ْ T
و ٌ وِق ِTه َ
مْ T ج ِم ْTن فَ ْ T
و ٌ
مْ T غ َ
شاُه َ ي َي ْ T
ج ٍّ ﻣـﺟﻧوًﻧـﺎِ ﴿ .ف Tي َب ْ T
ح ٍTر ُل ِّ T
ض ﴾ اﻟـﻧور ،40:ﺣـﺗﻰ ﻣـﺎ ﺑـﻘﻲ ﻋـﻠﻰ ظﮭـر ھـذا اﻟﺑﺣـر ﻓـﻠك ق َبْTع ٍ و َضَها َفْ T ت َبْTع ُ ظُُTلَما ٌ
ﯾﺟـري ،وﻻ ظﮭـر ﻓـﻲ ﺟـوه ﻓـﻠك ﯾﺳـري ،إﻟـﻰ أن ﻟـطف اﻟـﻣﻐﯾث -ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ -ﻓـﺳﻛن ﻣـن اﻟـرﯾـﺢ
ﻣـﺎ اﺷـﺗد ،وﻛـﺛر اﻟـﻣوج ﺑـﺎﻟـﺳﺎﺣـل واﻣـﺗد ،ﻓـرﻣـﻰ ﺑـزﺑـده ﻋـﻠﻰ ﺳـﯾﻔﮫ ،زﺑـد ﻣـﺧض ﻟـوﺿـﯾﻊ
شَT Tرَب ُTهْم ﴾ اﻟـﺑﻘرة ،60:وﺣـﻘﻘوا طـرﯾـﻘﮭم م ْTس َ عT Tلَِم ُTك ُّTل أ ُنَ Tا ٍ
اﻟـوﻗـت وﺷـرﯾـﻔﮫَ﴿ ،ق ْTد َ
وﻣـذھـﺑﮭم ،ﻓـذاك اﻟـزﺑـد ﻗـدر ﻣـﺎ ﺧـرج ﻣـن ﺑﺣـر ﻗـﻠوب اﻟـﻌﺎرﻓـﯾن ﻋـﻠﻰ ظـواھـرھـم إﻟـﻰ اﻟﺧـﻠق،
وﻻ ﯾﻌرف ﻗدره إﻻ ﺻﺎﺣب ذوق.
وھـذا اﻟـﻛﺗﺎب اﻟـﻣﺣﻔوظ ﻣـن طـوارق اﻟـﻌﻠل ،واﻟـﻣﺳﻣﻰ ﻓـﻲ ﻏـﯾﺎﺑـﺎت اﻷزل ،ﺑـ] :ﻋـﻧﻘﺎء
ﻣـﻐرب ﻓـﻲ ﻣـﻌرﻓـﺔ ﺧـﺗم اﻷوﻟـﯾﺎء وﺷـﻣس اﻟـﻣﻐرب ،وﻧـﻛﺗﺔ ﺳـّر اﻟـﺷﻔﺎ ﻓـﻲ اﻟـﻘرن اﻟـﻼﺣـق
ﺑـﻘرن اﻟـﻣﺻطﻔﻰ[ ،ﻣـن ذﻟـك اﻟـزﺑـد اﻟـذي رﻣـﺎه اﻟـﻣوج ،ﯾـﻠوح ﻟـﻠﻣﻧﻔرد ﺑـﮫ اﻟـﻔرد وﻟـﻠﺟﺎﻣـﻊ
ﻋـﻠﯾﮫ اﻟـزوج ،ﻓـﻣن ﺷـﺎء ﻓـﻠﯾوﺗـر وﻣـن ﺷـﺎء ﻓـﻠﯾﺷﻔﻊ ،وﻣـن ﺷـﺎء ﻓـﻠﯾﻛﺗم وﻣـن ﺷـﺎء ﻓـﻠﯾﺷﻊ.
وھـذا اﻟـﻘرن ﻗـد آن زﻣـﺎﻧـﮫ ،وﻗـرب أواﻧـﮫ ،ﻓـﻠﯾﺗﺄھـب اﻟـﻣﺗﺄھـب ﻟﺣـﻠوﻟـﮫ ،وﻟﯾﺳـﺗﻐﻧم اﻟـﺳﻌﻲ
ﻟﮭـذا اﻟـﻧور اﻹﻟﮭـﻲ ﻗـﺑل أﻓـوﻟـﮫ .ﻻ ﺗـﻌﺟب ﯾـﺎ أﺧـﻲ ﻓـﺈن اﻟـﻘرن اﻟـﻼﺣـق ﺑـﻘرن اﻟـﻣﺻطﻔﻰ -
ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻟـم ﯾـزل ﻣـوﺟـوًدا ،ﻣـﺎ دام اﻹﻧـﺳﺎن ﻣـﻊ رﺑـﮫ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﺷـﺎھـًدا ﻟـﮫ
واﻟـﺣق ﻟـﮫ ﻣـﺷﮭوًدا ،وإن ﻛـﺎن اﻟـذي أﺷـﺎر إﻟـﯾﮫ اﻟﺷـرع ،وﺟـﺎء ﺑـﮫ اﻟـﺳﻣﻊ ،ﻓـﻲ ﻋـﺑﺎرة
اﻟﮭـرج واﻟـﻣرج واﻟـﻘﺗل ،ﻓـذﻟـك أوان اﻟـﺗﻘدم واﻟـﻔﺿل ،ﻓـﺈن ﻟـﻠﻌﺎﻣـل ﻣـﻧﮭم أﺟـر ﺳـﺑﻌﯾن ﻣـﻣن
ﺗﻘـدم ،وإن ﻛﺎـن اﻹﻣﺎـم اﻟﻣـﻘدم ،ﻓﺈـﻧﮭـم ﻻ ﯾﺟدـون ﻋﻠـﻰ اﻟﺧـﯾر أﻋوـاًﻧﺎـ ﻛﻣـﺎ وﺟدـوا ،وﻻ
ﯾﺷﮭـدون ﻹﻣـﺎﻣـﮭم ﻏـﯾًﺑﺎ ﻛـﻣﺎ ﺷﮭـدوا ،ﻓـﻼ ﺷـﻲء أﻗـوى ﻣـن إﯾـﻣﺎن ﻏـﯾب ،إذا ﻟـم ﯾـﻠﺣق
وَّلTى
مْTن تََ T عْTن َ ض َ ﺑـﺻﺎﺣـﺑﮫ رﯾـب .وذﻟـك زﻣـﺎن اﻟـﻔﺗن ،وﺣـﻠول اﻟـﺑﻼﯾـﺎ واﻟـﻣﺣن ﴿ .فَTأ َ ْ
عِTر ْ
و ك ُ
هَ T ن َرَّبَ Tغُهْم ِمَTن اْلِTعْلم ِ إِ َّ مTبَْل ُ
ك َحَياةَ الُّTدنَْTيا ) (29ذَلَِ T عْTن ِذْكِTرنَTا َوَلْTم ُيِTرْد إَِّال اْلَ Tَ
هTتََدى ) ﴾(30اﻟﻧﺟـم .30-29:ﻓـﺗﺄﻣـل نا ْ عَTلُم ِبَTم ِ
و أَ ْ
هَ TسِTبيلِِه َو ُ عْTن َT ضَّTل َ
عَTلُم ِبَTمْن َT T أَ ْ
ھـذه اﻹﺷـﺎرات ﻓـﻲ ﻧـﻔﺳك ،واﺟـﺗﻣﻊ ﻋـﻠﯾﮭﺎ ﺑـﻘﻠﺑك وﺣـﺳك ،ﻓـﺈن اﻟـزﻣـﺎن ﺷـدﯾـد ،وﺟـﺑﺎره
ﻋـﻧﯾد ،وﺷـﯾطﺎﻧـﮫ ﻣـرﯾـد ،ﻓـﺎﻧﺳـﻠﺦ ﻣـﻧﮭم اﻧﺳـﻼخ اﻟـﻧﮭﺎر ﻣـن اﻟـﻠﯾل ،وإﻻ ﻓـﻘد ﻟـﺣﻘت ﺑـﺄﺻـﺣﺎب
اﻟﺛﺑورواﻟوﯾل ،ﻓﻘد ﻧﺻﺣﺗك ﻓﺎﻋﻠم ،وأوﺿﺣت ﻟك اﻟﺳﺑﯾل ﻓﺎﻟزم.
س ُ
ﺷِﮭد )(15 ح ُﻋﻘِد ،وﻋر ٌ
و ﻣ ن ذ ﻟ ك :ﻧ ﻛ ﺎ ٌ
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن ﻣـﺎ ﺻـدق ﻣـن اﻟـرؤﯾـﺎ ﺟـزًءا ﻛـﺑﯾًرا ﻧـﺑوًﯾـﺎ ﻗـطﻌﻧﺎ ﺑـﺗﺻدﯾـق ﻣـﺎ ﺗﮭـدﯾـﮫ ،وﺗـﻧﻌم ﺑـﮫ ﻣـن
أﯾـﺎدي اﻟـﺣق وﺗـﺑدﯾـﮫ ،ﻓـدﺧـﻠت ﺑـﯾت اﻷﻧـوار ،واﻧﺳـدﻟـت اﻟـﺣﺟب واﻷﺳـﺗﺎر ،ﻏـﯾرة ﻋـﻠﻰ اﻟﺣـرم
واﻷﺑـﻛﺎر ،ﻓـﺑﯾﻧﻣﺎ أﻧـﺎ أﻧـﺎﺟـﯾﮫ ﺑـﯾن ﯾـدﯾـﮫ ،إذ ﺟـذﺑـﻧﻲ ﺟـذﺑـﺔ ﻋـزﯾـز إﻟـﯾﮫ ،ﻓـﺄﻗـﺎﻣـﻧﻲ اﻟـﺣق ﻓـﻲ
ﻣﻘـﺎم اﻟﺑﺣرـ اﻟذـي ﻋﻼ ﻣوـﺟﮫـ وطﻣـﺎ ،ودﺧلـ ﺑﻌـﺿﮫ ﻓﻲـ ﺑﻌـض وﻧﻣـﺎ ،وأﻧﺎـ ﻓﻲـ ﺣﺎـﻟﺔـ ﻻ
ﯾﻌرﻓﮭﺎ إﻻ ﻣن ﻛﺎﺑدھﺎ ،وﻻ ﯾﺻﻔﮭﺎ إﻻ ﻣن ﺷﺎھدھﺎ ،ﻛﻣﺎ ﻗﯾل:
ﺻَﺑﺎَﺑَﺔ إِﻻﱠ َﻣْن ُﯾَﻌﺎِﻧﯾَﮭﺎ
ﺷْوَق إِﱠﻻ َﻣْن ُﯾَﻛﺎِﺑُدهُ ** َوَﻻ اﻟ ﱠ َﻻ َﯾْﻌِر ُ
ف اﻟ ﱠ
ﻓـﺄﻗـﻣت ﻣـﺗﻛًﺋﺎ ﻋـﻠﻰ اﻟـﯾﻣﯾن ،وﺗـرﻛـت ﻗـﻠﺑﻲ ﻣـﻘﺎﺑـًﻼ ﻋـﻠﯾﯾن ،إذ ھـو ﻣﺣـل اﻟـﺣق ،وﻣـﻘﻌد
اﻟـﺻدق ،وﻗـد ﻏـﻣره اﻟـﻣﺎء ،وأﺣـﺎطـت ﺑـﮫ اﻷﻧـواء ،ﻓـﻠم ﺗـزل أﻣـواﺟـﮫ ﺗـﺻطﻔق ،ورﯾـﺎﺣـﮫ
ﺗـﻧزﻋـﺞ وﺗـﺧﺗﻔق ،إﻟـﻰ أن ﻓُِﺗَﺢ ﻓـﻲ اﻟـورك اﻷﯾﺳـر اﻷﻋـﻠﻰ ﻗـدر ﺧـرم اﻹﺑـرة ،ﻓـرﺷـﺢ ﻣـﻧﮫ ﻗـدر
رأس اﻟـﺷﻌرة ،رأﯾـت ﻣـﻧﮭﺎ اﻟـﻌﺑرة ،ﻓـﻛوﻧـﮭﺎ اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﺷـﺧﺻﺎ ﻣـﻠﻛًﯾﺎ ،وأﻧـﺷﺄھـﺎ إﻧـﺷﺎءً
ﻓـﻠﻛًﯾﺎ ،ﻓـرأﯾـﺗﮫ ﻣﺳـﺑًﺣﺎ وﻣﮭـﻠًﻼ وﻣـﻛﺑًرا وﻣـﻠﺑًﯾﺎ ،ﻓـﻌرﻓـت أن ذﻟـك اﻟـﺷﺧص ﺟـﺳﻣﺎﻧـﯾﺔ ھـذا
ي ،وأﻧـﮫ ﻗـطرة ﻣـن ذﻟـك اﻟﺑﺣـر اﻟـﻛﺗﺎب اﻟـذي أﻧـزﻟـﮫ اﻟـﺣق ﻋـﻠّﻲ ،وأﺑـرزه ﻟـﻠﻌﯾﺎن ﻋـﻠﻰ ﯾـد ّ
ً
اﻟـﻣﺗﻣوج ،ورﺷـﺣﺔ ﻣـن ذﻟـك اﻟـﻣوج اﻷھـوج ،ﻓـﺎﻟﺣـﻣد ‚ اﻟـذي ﺻـّﯾرﻧـﻲ ﻟـﮫ ﻓـﻠًﻛﺎ ﻣـﺣﯾطﺎ،
وﺟﻌﻠﻧﻲ ﻟﮫ روًﺣﺎ ﺑﺳﯾًطﺎ.
ﺳـﻧﺗﮫ،ﻓـﺎﻧـظر وﺗـﺄﻣـل ،أﯾـﮭﺎ اﻟـوﻟـﻲ اﻷﻛـﻣل ،إﻟـﻰ ﻧـﺑﻲ ﻗـد ﻓـﻘدت ﺟـﺛﺗﮫ ،وﺑـﻘﯾت ﻋـﻧد اﻵﺣـﺎد ُ
ﻓـُﺑِﻌَث ﻟـﯾﻠﺔ ﻣـن ﻗـﺑره ،وﺳـّﯾر ﺑـﮫ إﻟـﻰ ﺣﺷـره ،واﻟـﺗﺣق اﻟـﺣﻲ ﺑـﺎﻟـﻣﯾت ﻓﺣﺷـر ،وﺣـﺻل رب
اﻟـﺑﯾت ﻓـﻲ اﻟـﺑﯾت ﻓـﻌﻣر ،ﻓﺧـطب ﺣـﻣﯾرة ﻣـن ﻋـﺗﯾﻘﮫ ،واﻧـﺗزﻋـﮭﺎ ﻣـن ﯾـدي ﺻـدﯾـﻘﮫ ،ﻓـﺄﺻـدﻗـﮭﺎ
ﻋـدًدا ﻏـﺎب ﻋـﻧﻲ ،وطـﻠب اﻟـﺷﮭﺎدة ﻋـﻠﻰ ذﻟـك ﻣـﻧﻲ ،ﻓـﻛﺗب ﻓـﻲ ﺧـرﻗـﺔ ﺣـرﯾـر أﺣـﻣر ،ﻛـﺗﺎب
زھـر ﯾـزھـر ،وﻛـﻧت أول اﻟـﺷﮭود ﻓـﻲ ﻣﮭـره ،ﻋـن إذﻧـﮫ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم-وأﻣـره،
وذﻟـك ﻓـﻲ ﻣـﻧزﻟـﮫ اﻷﻋـﻠﻰ ،وﻣـﻘﺎﻣـﮫ اﻷﺟـل اﻷﺟـﻠﻰ .ﻓـﻠﻣﺎ ﺻـﺢ أﻣـره ،ﺗـرك ﺑـﯾدي ﻣﮭـره،
ودﺧل ﻣﻧزﻟﮫ ﺑﻌرﺳﮫ ،وﺧﻼ ﺑﮭﺎ وﺑﻧﻔﺳﮫ ،وﺑﻘﻲ اﻟﻣﮭر ﺑﯾدي ،إﻟﻰ اﻧﻘﺿﺎء أﻣدي.
ﺳـﺎ وﻻ ﺑـﻌًﻼ ﻏـﯾر ذاﺗـﻲ، ﻓـﻠﻣﺎ ﻻح اﻟـﺻﺑﺢ ﻟـذي ﻋـﯾﻧﯾن ،وﺟـﻣﻊ ﻟـﻲ ﺑـﯾن اﻟـﻧورﯾـن ،ﻟـم أﺟـد ﻋـر ً
وﻻ ﺻــداًﻗــﺎ ﻏــﯾر ﺧــﻠﻘﻲ وﺻــﻔﺎﺗــﻲ ،ﻓــﻛﻧت اﻟــﺑﻌل واﻟــﻌرس ،وزوﺟــت اﻟــﻌﻘل ﺑــﺎﻟــﻧﻔس،
ﻓﺗطﮭـرت اﻟُﺣـَﻣْﯾرة ﺑـﺑﻌﻠﮭﺎ ،وﺗـﺄﯾـدت ﺑـﻌزﯾـﻣﺔ ﻋـﻘﻠﮭﺎ .ﻓـﻌﺟﺑت ﻣـن أﻣـري ،ﻟـﻣﺎ ﻟـم ﯾـﻛن ﻏـﯾري.
وھـﻛذا وﻗـﻔت ﻋـﻧد رﻓـﻊ اﻟﺳـﺗور ،ﻋـﻠﻰ ﻣـﺧﺑﺂت اﻷﻣـور .ﻓـﻣن ﺳـﺎﺣـل ﻣـﺎ ﻟـﮫ ﺑﺣـر ﯾـﺣﺗﻣﻲ ﺑـﮫ
زوﺟﮫـ ،وﻣنـ ﺑﺣرـ ﻻ ﺳﺎـﺣلـ ﻟﮫـ ﯾﻛﺳرـ ﻋﻠـﯾﮫ ﻣوـﺟﮫـ ،وﻣنـ ﻧﺎـطقـ ﺑﺣـﻘﺎﺋقـ ،ﺑﻐـﯾر ﻟﺳـﺎن وﻻ
ﻣـﺧﺎرق ،وﻣـن ﺻـﺎﻣـت ﻻ ﯾـﺑرح داﻋـًﯾﺎ ،وإﻟـﻰ ﷲ ھـﺎدًﯾـﺎ ،وﻣـن ﻛـرة ﻻ ﻣـﻛﺎن ﻟـﮭﺎ ،ﻣـﺎ ﻋـرﻓـﮭﺎ
أﺣـد وﻻ ﺟﮭـﻠﮭﺎ ،وﻣـن ﻗـﺑﺔ ﻣـﺎ ﻟـﮭﺎ ُﻋـُﻣد ،وﻣـن ُﻋـُﻣد ﻣـﺎ ﻟـﮭﺎ ﻓـﻲ اﻷرض ﻣﺳـﺗﻧد ،إﻟـﻰ أﺳـرار
ﺗﺗـدﻧسـ ﺑﺎـﻟذـﻛرـ ،وﻻ ﺗﺧﻠـص ﺑﺎـﻟﻔـﻛر ،إذ ھﻲـ ﻣنـ ﺣﺿـرة ﻣﺎـ ﺧطـر ،ﻋﻠـﻰ ﻗﻠـب ﺑﺷرـ ،وﻻ
وﻋـﺗﮭﺎ أذن واﻋﯾﺔ ﺑﺧﺑر ،وﻻ أدرﻛﺗﮭﺎ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﺑﺻر.
س ﻟُﮫ َﺑْﺣُر َ َ
ﺳﺎِﺣٍل ﻟْﯾ َ ﺳﺎِﺣٍل ** َو َ ت ِﻣْن َﺑْﺣٍر ِﺑَﻼ َ َﻋِﺟْﺑ ُ
س َﻟَﮭﺎ َﻓْﺟُر ٌ
س َﻟَﮭﺎ ُظْﻠَﻣﺔ ** َوَﻟْﯾَﻠٍﺔ َﻟْﯾ َ ﺻْﺣَوٍة َﻟْﯾ َ َو َ
ﺿٌﻊ ** َﯾْﻌِرﻓَُﮭﺎ اْﻟَﺟﺎِھل ُ َواْﻟَﺣْﺑُر س َﻟَﮭﺎ َﻣْو َِوﻛَرٍة َﻟْﯾ َ
ﺻوَﺑٍﺔ ** َﺟﺎِرَﯾٍﺔ َﻣْرَﻛُزَھﺎ اْﻟَﻘْﮭُر ﺿَراَء َﻣْﻧ ُ َوﻗُﱠﺑٍﺔ َﺧ ْ
س َﻟَﮭﺎ ﻗُﱠﺑٌﺔ ** َوَﻻ َﻣَﻛﺎٌن َﺧﻔَِﻲ اﻟﺳﱡر َوُﻋُﻣٍد َﻟْﯾ َ
ت ِﺳًّرا َﻟْم َﯾْﻌُﺑْرهُ َﻛْﻣٌن ** َﻓﻘِﯾل ََ :ھلْ َھﱠﯾَﻣَك اْﻟﻔِْﻛُر َﺟَﻌْﻠ ُ
ﺻْﺑُر تَ :ﻣﺎ ﻟِﻲ ﻗُْدَرهٌ َﻓﺎْرﻓِﻘُوا ** َﻋَﻠْﯾِﮫ ﻓِﻲ اْﻟَﻛْوِن َوَﻻ َ َﻓﻘُْﻠ ُ
َﻓﺈِﱠن ِﺑﺎْﻟﻔِْﻛِر إَِذا َﻣﺎ اْﺳَﺗَوى ** ﻓِﻲ َﺧَﻠِدي َﯾﱠﺗﻘُِد اْﻟَﺟْﻣُر
ﺷْﻔٌﻊ ُﯾَرى ﻓِﯾِﮫ َوَﻻ وْﺗُر ﺻِﺑُﺢ اْﻟُﻛل ﱡ َﺣِرﯾًﻘﺎ َﻓَﻼ ** َ َﻓُﯾ ْ
َﻓﻘِﯾل َ ﻟِﻲَ :ﻣْن َﯾْﺟَﺗِﻧﻲ َزْھَرًة ** َﻣْن َﻗﺎل َ ِرْﻓًﻘﺎ إِﱠﻧِﻧﻲ ُﺣﱡر
َﻣْن َﺧَطَب اْﻟَﺣْﺳَﻧﺎَء ﻓِﻲ ِﺧْدِرَھﺎ ** ُﻣَﺗﱠﯾًﻣﺎ َﻟْم ُﯾْﻔﻠِْﺳُﮫ اْﻟَﻣْﮭُر
أَْﻋَطْﯾُﺗَﮭﺎ اْﻟَﻣْﮭَر َوأَﻧﻛْﺣُﺗَﮭﺎ ** ﻓِﻲ َﻟْﯾَﻠٍﺔ َﺣﱠﺗﻰ َﺑَدا اْﻟَﻔْﺟُر
َﻓَﻠْم أَِﺟْد َﻏْﯾِري َﻓَﻣْن َذا اﱠﻟِذي ** َﻧَﻛْﺣُﺗُﮫ َﻓْﻠُﯾْﻧَظِر اْﻷَْﻣُر
ﺳﺎِطُﻊ َواﻟَزْھُر ﺿْوِﺋَﮭﺎ ** اْﻟَﻘَﻣُر اﻟ ﱠ س َﻗْد أ ُْدِرَج ﻓِﻲ َ ﺷْﻣ ُ َﻓﺎﻟ ﱠ
ﺻﱠﻠﻰ َﻋَﻠْﯾِﮫ َرﱡﺑَك اﻟﱠدْھُر ﻛﺎﻟدھر ﻣذﻣوم َوَﻗْد َﻗﺎل َ َﻣْن ** َ
وإﻧـﻲ أرﯾـد أن أظﮭـر ﻟـك ﻣـن ھـذه اﻟـﻌﺟﺎﺋـب ﻣـﺎ ﺗﯾﺳـر ،وأﻣﮭـد ﻟـك ﻣـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ ﺗـوﻋـر .ﻓـوﷲ ﻟـو
رأﯾـت ﯾـﺎ أﺧـﻲ ﺣـﺎل اﻟـﻌﺎرﻓـﯾن إذا ﺧـرﺟـوا ﻣـن ﻧـﻔوﺳـﮭم ،ودرﺟـوا ﻋـن ﻣـﺣﺳوﺳـﮭم ،ﻓطﮭـرت
ﻗـﻠوب ،وأظﮭـرت ﻏـﯾوب ،ورﻓـﻌت أﺳـﺗﺎر ،ﻓـطﻠﻌت أﻧـوار ،وﻛـﺎﻧـت اﻟﺗﺟـﻠﯾﺎت ﻋـﻠﻰ ﻣـﻘدار،
ﺳﺎ ،وﻣـن ﺷـﺎھـد ﻋـظﻣًﺔ وﺟـﻼًﻻ ،وﻣـن ﺷـﺎھـد ﻣـﻼطـﻔﺔ ﺳـﺎ ،وﻣـن ﺷـﺎھـد أﻧـ ً ﻓـﻣن ﺷـﺎھـد ﻗـد ً
وﺟــﻣﺎًﻻ ،وﻣــن ﺑﮭــت ﻋــن أﯾــﻧﯾﺔ ،وﻣــن ﺧــطف ﻓــﻲ ھــوﯾــﺔ ،ﻓــﻠو اطــﻠﻌت ﻋــﻠﯾﮭم ﻏــﯾًﺑﺎ،
عT Tبًا﴾اﻟــﻛﮭف ،18:ﻻﻧــﻌداﻣــك ﻋــﻧد ﺗــﻠك ت ِمT Tنُْهْم ُر ْت ِمT Tنُْهْم ِفَT Tراًرا َوَمل ُT Tلِئ ْ َ وَّل ْT Tي َ
﴿ َل َ T T
اﻟـﻣﺷﺎھـدة وﺗـﻌذﯾـﺑك ،وﺳـﻘوط ﻗـواك وﺣـل ّ ﺗـرﻛـﯾﺑك ،ﻓـﺈن ﺳـﻠﻛت ﺑـﺎب اﻟـﻣﻧﺎﺻـﺣﺔ ،ﺷﮭـدت
اﻟﺣق ﻣﻧك ﻣﻛﺎﻓﺣﺔ ،ﻓﺗﻧﺷد ﻋﻧد ذﻟك ،ﻣﺎ ﯾﺷوق اﻟﺳﺎﻟك:
ﺿُﻊَوَﻟﱠﻣﺎ أََﺗﺎِﻧﻲ اْﻟَﺣﱡق َﻟْﯾًﻼ ُﻣَﻛﱢﻠًﻣﺎ ** ِﻛَﻔﺎًﺣﺎ َوأَْﺑَداهُ ﻟَﻌْﯾِﻧﻲ اﻟﱠﺗَوا ُ
ﺿُﻊ ﺿَﻌِﻧﻲ َﺛْدي اْﻟُوُﺟوِد َﺗَﺣﱡﻘًﻘﺎ ** َﻓَﻣﺎ أََﻧﺎ َﻣْﻔُطوٌم َوَﻣﺎ أََﻧﺎ َرا ِ َوأَْر َ
ﺿُﻊ ﺳْر َﻋَﻠﱠﻲ اْﻟَﻣَرا ِ َوَﻟْم أَْﻗُﺗِل اْﻟﻘِْﺑِطﱠﻲ َﻟِﻛْن َزَﺟْرُﺗُﮫ ** ِﺑِﻌْﻠِﻣﻲ َﻓَﻠْم َﺗْﻌ ُ
ﺳْطَوِﺗﻲ ** َوَﻻ َﺟﺎَء ﺷﱢرﯾٌر ِﺑَﺑْطِﺷَﻲ َراﻓُِﻊ َوَﻣﺎ ُذِﺑَﺢ اْﻷَْﺑَﻧﺎُء ِﻣْن أَْﺟِل َ
ﺿُﻊ ﺳﻰ َﻏْﯾَر أَﱢﻧﻲ َرْﺣَﻣٌﺔ ** ِﺑَﻘْوِﻣﻲ َوَﻟْم ُﺗْﺣَرْم َﻋَﻠﱠﻲ اْﻟَﻣَرا ِ ت َﻛُﻣو َ َﻓُﻛْﻧ ُ
ت أ ُُﻣوًرا إِْن َﺗَﺣﱠﻘْﻘَت ِﺳﱠرَھﺎ ** ِﺑَذﻟَِك ِﻋْﻠٌم ِﻋْﻧَد َرﱢﺑَك َﻧﺎﻓُِﻊ َﻟَﻐْز ُ
ﻓـﺈن ﻛـﺎن ھـذا اﻷﻣـر اﻟـﻌظﯾم ﻓـﻲ اﻟﻣﺳـﻠك اﻟـﻣوﺳـوي ،ﻓـﻣﺎ ظـﻧك ﻓـﻲ اﻟـﺻراط اﻟـﺳوي،
واﻟﻣﺳـﻠك اﻟﻣﺣـﻣدي! ﻓـﻔﻲ اﻟـﺻراط إﺷـﺎرة ،ﻓـﺗدﺑـر اﻟـﻌﺑﺎرة ،واﻧـظرھـﺎ آﯾـﺔ وأﻣـﺎرة ،واﺟـﻌﻠﮭﺎ
َزْﻧـًدا ﺗـﻘﺗﺑس ﻧـﺎره ،ﻓـﺈن ﺑـﺎﻟـﻣزج واﻻﻣـﺗزاج اﻟـﻌﻘﺎر ،واﻟـﺣك ﯾـرﯾـك اﻟـﻧﺎر .وھـﺎ أﻧـﺎ -إن ﺷـﺎء
ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ -أﺑـدي ﻟـك ﻣـن ﺳـراﺋـراﻟـﻣﻛﻧون واﻟـﻛون ،ﻣـﺎ ﺷـﺎھـده اﻟـﻣﻘﺎم واﻟـﻌﯾن ،وﻣـﺎ ﺳـﺑب
اﻟـﺑدء؟ وﻣـن ﻛـﺎن أول اﻟـﻧشء؟ وﻛـﯾف ﻛـﺎن ذﻟـك اﻷول َﻣﺷـرق اﻷﻧـوار ،وﯾـﻧﺑوع اﻷﻧـﮭﺎر؟
وﻋـﻧﮫ ﻛـﺎن اﻟـﻌرش ،واﻟـﻌﺎﻟـم اﻷوﺳـط واﻟـﻔرش ،واﻟﺟـﻣﺎد واﻟـﺣﯾوان ،وھـو أﺻـل اﻷﻛـوان.
وأرﯾـك ذﻟـك ﻛـﻠﮫ ﻗـد أودﻋـﮫ اﻟـرﺣـﻣن ﻓـﻲ ذاﺗـك ،وﺟـﻌﻠﮫ ﻣـن ﺟـﻣﻠﺔ ﺻـﻔﺎﺗـك ،ﻓـﺄﻧـت ذﻟـك اﻟـﻣﺛل
اﻟﻣﺷـﺑﮫ ،وذﻟـك اﻟـﻣﺛل اﻟـﻣﻧزه .ﻓـﺈن ﻗـﻠَت :وأﯾـن ﺣـظﻲ ﻣـن اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،وﺣـظﮫ ﻣـن اﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ؟
ﻓـﻌﻧد اﻟـﻣواﺟـﮭﺔ واﻟـﺗوﺟـﯾﮫ ،ﯾـﺗردد ﻛـل واﺣـد ﻣـﻧﻛﻣﺎ ﺑـﯾن اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ واﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ .ﻓـﺈﯾـﺎك أن ﺗـﻐﻔل،
ﻋن ﻓﺗﺢ ھذا اﻟﺑﺎب اﻟﻣﻘﻔل ،وﷲ ﯾﺣﺳن ﻋوﻧك ،وإذا ﻓﺗﺢ ﻟك أن ﯾدﯾم ﺻوﻧك.
وﺑـداﯾـﺗﻧﺎ – إن ﺷـﺎء ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ -ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب ﺑـﻣﻌرﻓـﺔ اﻟـﻣﻌﺑود ،وأﻧـﮫ ﻻ ُﯾـﻌرف ﻣـن ذاﺗـﮫ
ﺳـوى اﻟـوﺟـود .ﺛـم ﺑـﻌد ذﻟـك أﺗـﻛﻠم ﻓـﯾﻣﺎ ذﻛـرﺗـﮫ ،وأﺳـوﻗـﮫ ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ ﺷـرطـﺗﮫ .وﻣـﻧﮫ أﻣـﻠﻲ وﺑـﮫ
أﺳـﺗﻌﯾن ،وﻋـﻠﯾﮫ وأﺗـوﻛـل وﻋـﻧﮫ أﺑـﯾن ،ﻓـﺄﻧـﺎ ﻣـﻧﮫ إﻟـﯾﻛم ،وإﻟـﯾﮫ ﻣـﻧﻛم ،ﻣـن ﻏـﯾر "إﻟـﻲ"
و"ﻣـن" ،وأﻧـﺎ اﻷﻣـﯾن اﻟـﺣﺎﻓـظ اﻟـﻣؤﺗـﻣن ،وﺣﺳـﺑﻧﺎ ﷲ وﻧـﻌم اﻟـوﻛـﯾل .واﻟﺣـﻣد ‚ رب
اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن.
اﻟﻔﺻل اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻣن ﻛﺗﺎب "ﻋﻧﻘﺎء
ﻣﻐرب"
ﺑﺳم اﻟﻠـــــــــــــــــﮫ اﻟرﺣﻣــــــــن اﻟرﺣــــــﯾـــــــــــم
ﻓﺈن ﻗﻠت :ﻓﺄﯾن ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﯾﺎﻗوت اﻷﺣﻣر ،اﻟﻣﺻون ﻓﻲ اﻟﺻدف اﻷزھر؟ ﻓﺄﻗول:
إن ﻣـﻌرﻓـﺔ اﻟـﯾﺎﻗـوت اﻷﺣـﻣر :أﻻ ُﯾـﻌرف ،وﻻ ُﯾﺣـﱡد وﻻ ُﯾـوﺻـف ،ﻓـﺈذا ﻋـﻠﻣت أن ﺛـﱠم ﻣـوﺟـوًدا
ﻻ ُﯾـﻌرف ﻓـﻘد ﻋـرﻓـت ،وإذا أﻗـررَت ﺑـﺎﻟﻌﺟـز ﻋـن اﻟـوﺻـول إﻟـﻰ ُﻛـﻧِﮭِﮫ ﻓـﻘد وﺻـﻠت ،ﻓـﻘد
ﺻـﺣت اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟـدﯾـك ،واﺗـﺿﺣت اﻟـطرﯾـﻘﺔ ﺑـﯾن ﯾـدﯾـك ،ﻓـﺈﻧـﮫ ﻣـن ﻟـم ﯾـﻘف ﻋـﻠﻰ ھـذا اﻟـﻌﻠم،
وﻻ ﻗـﺎم ﺑـﮫ ھـذا اﻟـﺣﻛم ،ﯾـروم ﻣـﺎ ﻻ ﯾـﺣﺻل ﻟـﮫ ،وذﻟـك ﻟـﻣﺎ ذھـل ﻋـﻧﮫ وﺟﮭـﻠﮫ ،ﻓـﻛﻔﺎك أن
ﺗـﻌﻠم أن ﻻ ﯾـﻌﻠم ،وھـذا اﻟـﺣق ﻗـد اﻧـﺑﻠﺞ ﺻـﺑﺣﮫ ﻓـﺎﻟـزم ،واﻗـﺗِد ﺑـﺎﻟـﻧﺑّﻲ واﻟـﺻّدﯾـق؛ إذ ﻗـﺎل -
ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم) :-ﻻ أﺣـﺻﻲ ﺛـﻧﺎًء ﻋـﻠﯾك ،أﻧـت ﻛـﻣﺎ أﺛـﻧﯾَت ﻋـﻠﻰ ﻧـﻔﺳك( ،وھـذا ﻏـﺎﯾـﺔ
اﻟﻌﺟـز ،أو ﻣـﻌرﻓـﺔ ﻣـن وﻗـف ﻋـﻧد ﺣـﺟﺎب اﻟـﻌز .وﻗـﺎل اﻟـﺻّدﯾـق اﻷﻛـﺑر) :اﻟﻌﺟـز ﻋـن درك
اﻹدراك إدراك( ،ﻓـﻼ ﺳـﺑﯾل إﻟـﻰ اﻻﺷـﺗراك ،وﻟـﯾس ﺑـﻌد ﺣـﺟﺎب اﻟـﻌزة اﻹﻟﮭـﯾﺔ ،إﻻ اﻟـﻛﯾﻔﯾﺔ
واﻟـﻣﺎھـﯾﺔ ،ﻓﺳـﺑﺣﺎن ﻣـن ﺑـﻌد وﻗـرب ،وﺗـﻌﺎﻟـﻰ وﻧـزل ،وﻋـرﻓـﮫ اﻟـﻌﺎرﻓـون ﻋـﻠﻰ ﻗـدر ﻣـﺎ وھـب،
ب ﻛـل ﻋـﺎرف ﺑـﮫ ﻣـﺎ ﻛﺳـب ﻓﻛﺳـب ،وذﻟـك ﻣـن ﺻـﻔﺎت اﻟﺳـﻠب .ﻓـﻐﺎﯾـﺔ ﻣـﻌرﻓـﺗﻧﺎ أﻧـﮫ ﺳـ ُوَﺣ ْـ
ﻣـوﺟـود ،وأﻧـﮫ اﻟـﺧﺎﻟـق اﻟـﻣﻌﺑود ،وأﻧـﮫ اﻟﺳـﯾد اﻟـﺻﻣد ،اﻟـﻣﻧّزه ﻋـن اﻟـﺻﺎﺣـﺑﺔ واﻟـوﻟـد ،وھـذا
ﻛـﻠﮫ راﺟـﻊ إﻟـﻰ اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،وﺳـﻠب اﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ ،ﻓـﺗﻌﺎﻟـﻰ أن ﺗـﻌرف ﻣـﻧﮫ ﺻـﻔﺎت اﻹﺛـﺑﺎت ،وﺟـل ّ أن
ﺗـدرك ﻛـﻧَﮫ ﺟـﻼﻟـﮫ اﻟﻣﺣـدﺛـﺎت .وإذا ﻛـﺎﻧـت ﺻـﻔﺎت اﻟـﺟﻼل ﻻ ﯾـﺣﺎط ﺑـﮭﺎ ،ﻓـﻛﯾف ﻣـن ﻗـﺎﻣـت ﺑـﮫ
واﺗـﺻف ﺑـﮭﺎ؟ ﻓﺟـل ّ اﻟـﻛﺑﯾر اﻟـﻣﺗﻌﺎل ،اﻟـﻌزﯾـز اﻟـذي ﻻ ﯾـﻧﺎل ،ﻓﺑﺣـر اﻟـﯾﺎﻗـوت اﻷﺣـﻣر ھـو
ك َر ِّ
ب ن َرِّبَ T T
حا َ و ﴾ اﻟـﺷورى ،11:و ﴿ ُT
سT Tبْ َ يٌء َو ُ
هَ T T س َكِT Tمث ْلِِه َT
شْ T T اﻟـﻣﺳﻣﻰ ﺑـ ﴿َلْT Tي َ
ن )﴾(180اﻟـﺻﺎﻓـﺎت ،180:ﻓـﻘد أﺷـﺎر إﻟـﻰ ﺣـﺟﺎب اﻟـﻌزة اﻟـذي ذﻛـرﻧـﺎه، صفُو َ اْلِTعزَِّة َ
عَّTما َيِ T
واﻟﺳر اﻟذي وﺻﻔﻧﺎه.
اﻟﺻﻔﺎت:
ﻟـﻣﺣُﺔ ﺑـﺎرق ،وﺧـﯾﺎل ٌ طـﺎرق .ﻗُـلْ ﻟـﻠﺑﺎﺣـث ﻋـﻣﺎ ﻻ ﯾـﺻل إﻟـﯾﮫ ،واﻟـطﺎﻟـب ﻓـوق ﻣـﺎ ﯾـﻛﻔﯾﮫ،
ھـل ﻋـرف ﻣـن اﻟـﺣق ﻏـﯾر ﻣـﺎ أوﺟـده ﻓـﯾﮫ؟ وإﻻ ﻓﮭـل أﺛـﺑت ﻟـﮫ ﻣـﺎ ﻟـم ﯾـﺗﺻف ﺑـﮫ؟ وھـل زﻟـت
ﻓـﻲ ﻣـﻌرﻓـﺗﮫ ﻋـن اﻷﻣـر اﻟﻣﺷـﺗﺑﮫ إﻻ ﻣـن طـرﯾـق اﻟﺳـﻠب واﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،واﻟـﺗﻘدﯾـس وﻧـﻔﻲ
اﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ ،وإن ﻗـﻠت :ھـو اﻟـﺣﻲ ،اﻟـﻣﺗﻛﻠم ،اﻟـﻘدﯾـر ،اﻟـﻣرﯾـد ،اﻟـﻌﻠﯾم ،اﻟـﺳﻣﯾﻊ ،اﻟـﺑﺻﯾر ،ﻓـﺄﻧـت
ﻛذﻟك .وإن ﻗﻠت :اﻟرﺣﯾم ،اﻟﻘﺎھر ،ﺣﺗﻰ ﺗﺳﺗوﻓﻲ أﺳﻣﺎءه ،ﻓﺄﻧت ھﻧﺎﻟك.
ﻓـﻣﺎ وﺻـﻔﺗﮫ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﺑـوﺻـف إﻻ اﺗـﺻﻔْت ﺑـﮫ ذاُﺗـك ،وﻻ ﺗـﺳﻣﯾﮫ ﺑـﺎﺳـم إﻻ وﻗـد ﺣـﺻﻠْت ﻣـﻧﮫ
ﺗﺧـﻠًﻘﺎ وﺗـﺣﻘًﻘﺎ ﻣـﻘﺎﻣـﺎُﺗـك وﺻـﻔﺎُﺗـك .ﻓـﺄﯾـن ﻣـﺎ أﺛـﺑت ﻟـﮫ دوﻧـك ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻟـﻌﯾن؟ وﻏـﺎﯾـﺔ ﻣـﻌرﻓـﺗك
ﺑـﮫ أن ﺗﺳـﻠب ﻋـﻧﮫ ﻧـﻘﺎﺋـص اﻟـﻛون ،وﺳـﻠب اﻟـﻌﺑد ﻋـن رﺑـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻣـﺎ ﻻ ﯾـﺟوز ﻋـﻠﯾﮫ ،راﺟـﻊ
إﻟـﯾﮫ .وﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻣﻘﺎم ،ﻗـﺎل ﻣـن ﻗـﺎل" :ﺳـﺑﺣﺎﻧـﻲ ،ﻣـﺎ أﻋـظم ﺷـﺄﻧـﻲ" دون ﺷـؤوﻧـﻲ ھـﯾﮭﺎت،
وھـل ُﯾـﻌﱠرى ﻣـن ﺷـﻲء إﻻ ﻣـن ﻟـﺑﺳﮫ ،أو ﯾـؤﺧـذ ﺷـﻲء إﻻ ﻣـﻣن ﺣـﺑﺳﮫ ،وﻣـﺗﻰ ﻟـﺑس اﻟـﺣق
ﺻـﻔﺎت اﻟـﻧﻘص ﺣـﺗﻰ ﺗﺳـﻠﺑﮫ ﻋـﻧﮭﺎ أو ُﺗـﻌّرﯾـﮫ؟ ووﷲ ﻣـﺎ ھـذه ﺣـﺎﻟـﺔ اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،وإﻧـﻣﺎ اﻟﻣﻠﺣـد
اﻟـﺟﺎﺣـد ،ﺣـﻛم ﻋـﻠﻰ اﻟـﻐﺎﺋـب ﺑـﺎﻟـﺷﺎھـد ،وظـن أن ذﻟـك ﻧـص ،ﻓﻧﺳـب إﻟـﯾﮫ اﻟـﻧﻘص .ﻓـﺈﻧـﻣﺎ أﻧـّزه
ﻧﻔﺳـﻲ أن أﻟـﺑس ﻣـﺎ ﻟـﺑﺳﮫ ھـذا اﻟﻣﻠﺣـد ،وأﻋـّرﯾـﮭﺎ ﻣـﻧﮫ ﺣـﺗﻰ أﻛـون اﻟـﻣﺣﻘق اﻟـﻣوﺣـد ،ﻓﻧﻔﺳـﻲ
إًذا ﻧـﱠزھـت ،وذاﺗـﻲ ﻗـﱠدﺳـت ،واﻟـﺑﺎري ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﻣـﻧﱠزه ﻋـن اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،ﻓـﻛﯾف ﻋـن اﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ،
ﻓـﺎﻟـﺗﻧزﯾـﮫ راﺟـﻊ إﻟـﻰ ﺗطﮭـﯾر ﻣﺣـﻠك ﻻ إﻟـﻰ ذاِﺗـﮫ ،وھـو ﻣـن ﺟـﻣﻠﺔ ِﻣـَﻧِﺣﮫ ﻟـك وِھـَﺑﺎِﺗـﮫ ،ﻓـﺎﻟﺣـﻣد
‚ اﻟذي ﻗﱠدﺳك ،وﻋﻠﻰ ﺛوب اﻟﺗﻧزﯾﮫ اﻟذي أﻟﺑﺳك.
وﻟـوﻻ ﻣـﺎ ﻻح ﻟـﻌﯾﻧك ﻣـن ذﻟـك ﻟـﻣﺣﺔ ﺑـﺎرق ،وطـرﻗـك ﻋـﻧد ھـﺟﻌﺗك ﻣـﻧﮫ ﺧـﯾﺎل طـﺎرق ،ﻣـﺎ
ﺻـﺣت ﻟـك ھـذه اﻟـﻌﻧﺎﯾـﺔ ،وﻻ أﻟـﺑﺳك ﺛـوب اﻟـﺧﻼﻓـﺔ واﻟـوﻻﯾـﺔ ،وﺧـرﺟـت ﺑـﮭﺎ ﻓـﻲ وﺟـودك ﻛـﻣﺎ
ﻛﻧت ﻋﻠﯾﮭﺎ ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺔ اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،واﻟﻣﺷﯾﺋﺔ اﻻﺧﺗﯾﺎرﯾﺔ ،ﺳﺎﺑﻘﺔ ﻗدم ،ﻗﺑل ﺧط اﻟﻘﻠم.
ﻓـﺎﻋـﻠم أﻧـك ﻣـﺗﺻل ﺑـﮫ ﻓـﻲ اﻟـﺻﻔﺎت اﻟـﻣﻌﻧوﯾـﺔ ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻟـظﻼل ،ﻣـن ﻏـﯾر اﺗـﺻﺎل ،ﻣـﻧﻔﺻل
ﻋـﻧﮫ ﺑـﺎﻟـﺻﻔﺎت اﻟﻧﻔﺳـﯾﺔ اﻟـﻣﺟﮭوﻟـﺔ ﻓـﻲ ﻛـل ﺣـﺎل ،ﻣـن ﻏـﯾر اﻧـﻔﺻﺎل .ﻓـﻠوﻻ ﻣـﺎ وﺻـﻔك
ﺑـﺄوﺻـﺎﻓـﮫ ،واﻋـﺗﻧﻰ ﺑـك ﻓـﻲ ﺳـورة أﻋـراﻓـﮫ ،وأﻧـزﻟـك ﻓـﯾﮭﺎ ﻣـﻧزﻟـﺔ ﻓـﻲ وﻗـت اﻟـﻘﺑﺿﺗﯾن
واﻟـﺗﻌﺎﻟـﻲ ،وﻗـوﻟـﮫ) :ھـؤﻻء إﻟـﻰ اﻟـﺟﻧﺔ وﻻ أﺑـﺎﻟـﻲ ،وھـؤﻻء إﻟـﻰ اﻟـﻧﺎر وﻻ أﺑـﺎﻟـﻲ( ،ﻟـﻣﺎ ارﺗـﻔﻊ
جTا ٌ
ل عَTرا ِ
ف ِر َT عَTلى اْأل َ ْ
ﻋـﻧﮫ اﻟـﻧﻔﻊ واﻟـﺿرر ،وﺗـﻧزه ﻋـن ﺻـﻔﺎت اﻟﺑﺷـر ،ﻓـﻘﺎل ﺗـﻌﺎﻟـﻰَ﴿ :و َ
هْم ﴾ اﻷﻋراف ،46:وﻣﺎ ﻛﺎﻧوا ﻟﮫ وﻓﯾﮫ وﻣﺎ ھم)ﻋﻠﯾﮫ(. سيَما ُال ِب ِ
ن ُك ً ّ
َيْعِرفُو َ
ﺻﮫوذﻟــك ﻟــﻣﺎ ﺧــﻠق ﺳــﺑﺣﺎﻧــﮫ وﺗــﻌﺎﻟــﻰ ھــذا اﻟــﺷﺧص اﻹﻧــﺳﺎﻧــﻲ ﻋــﻠﻰ ﺻــورﺗــﮫ ،وﺧــ ﱠ
ﺑﺳـرﯾـرﺗـﮫ ،ﻓـﺻﻔﺎت اﻟـﺣق ﺻـﻔﺎت اﻟـﻌﺑد .ﻓـﻼ ﺗـﻌﻛس ،ﻓـﺗﻧﻛس .ﻓـﺎﻧـظر إﻟـﻰ ﻣـﺎ أﺷـرﻧـﺎ إﻟـﯾﮫ ﻓـﻲ
ھــذه اﻟﺷــذور ،وﺗــﺄﻣــل ﻣــﺎ وراء ھــذه اﻟﺳــﺗور ،وﺗــﺣﻘق ﻣــﺎ ﺣــﺻل ﻋــﻧدك ﻣــن ﻣــﻌرﻓــﺔ
اﻟـﺻﻔﺎت ،وإﯾـﺎك واﻻﻟـﺗﻔﺎت ،ﻓـﻣﺎ ﻋـرﻓـت ﻗـط ﺻـﻔﺔ ﻋـﻠﻰ اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣـن ﻣـﻌﺑودك ،وإﻧـﻣﺎ
ﻋـرﻓـت ﻣـﺎ ﺗـﺣﺻل ﻣـن اﻷوﺻـﺎف ﻓـﻲ أرﻛـﺎن وﺟـودك ،ﻓـﻣﺎ زاﻟـت ﻋـﻧك ،وﻣـﺎ ﺧـرﺟـت ﻣـﻧك.
واﻟـﺗﺣﻘت ﺻـﻔﺎﺗـﮫ ﺑـذاﺗـﮫ ﻓـﺗﻧزھـت ﻋـن ﺗـﻌﻠق ﻋـﻠﻣك ﺑـﻣﺎھـﯾﺗﮭﺎ ،واﺗـﺻﻠت ﻓـﻲ ذﻟـك ﻣـﻌرﻓـﺗك
ﺑـذاﺗـﮭﺎ ،ﻓـﺄﻧـت اﻟـﻌﺎﺟـز ﻋـﻧﮭﺎ ،واﻟـواﻗـف دوﻧـﮭﺎ ،ﻓـﻌﻠﻰ طـرﯾـق اﻟـﺗﺣﻘﯾق ،ﻣـﺎ ﻋـرﻓـت رﺑـك ﻣـن
ﺿﺎ ﺳواه ،وﻣﺎ ﻧّزھت إﻻ إﯾﺎه.ﻛل طرﯾق ،وﻣﺎ ﻋرﻓت أﯾ ً
ﻓـﺈن ﻗـﻠت :ﻋـرﻓـُﺗُﮫ ،ﻗـﻠَت اﻟـﺣق ،وأﻧـت اﻟـﻼﺣـق .وإن ﻗـﻠَت إﻧـك ﻟـم ﺗـﻌرﻓـﮫ ،ﻗـﻠت اﻟـﺻدق،
وأﻧـت اﻟـﺳﺎﺑـق .ﻓـﺎﺧـﺗر اﻟـﻧﻔﻲ ﻟـﻧﻔﺳك أو اﻹﺛـﺑﺎت ،ﻓـﻘد ﺗـﻧزھـت اﻟـﺻﻔﺎتِ ،ﻣـن ﺗـﻌﻠﱡق اﻟـﻌﻠم
اﻟﺣﺎدث ﺑﮭﺎ ﻛﻣﺎ ﺗﻧزھت اﻟذات.
اﻷﻓﻌﺎل:
ﻣـوج ﺿـرب ﻓـﻲ اﻟـﺳﺎﺣـل واﻧـﺻرف ،وﺗـرك ﺑـﮫ اﻟـﻠؤﻟـؤ واﻟـﺻدف ،ﻓـﻣﻧﮭم ﻣـن زھـد
وﻣـﻧﮭم ﻣـن اﻏـﺗرف .وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎﻧـت ﻧـﺟوم اﻟـﺳﻣﺎء اﻟﺳـﯾﺎرة ،ﺗـﺿﺎھـﻲ ﺑـﻌض اﻷﺳـﻣﺎء ﻣـن ﺑـﺎب
اﻹﺷـﺎرة ،وھـﻲ ﺑـﺎب ﻓـﻲ اﻷﺣـﻛﺎم ،ﻋـﻠﻰ ﺿـروب وأﻗـﺳﺎم؛ ﻣـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ ھـو ﻟﺳـﻠب اﻟـﻧﻘﺎﺋـص
واﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ ،وﻧـﻔﻲ اﻟـﻣﻣﺎﺛـﻠﺔ ﻟـﻠﺗﻧزﯾـﮫ ،وھـو ﺣـظﻧﺎ ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﺗرﻛـﯾب ﻣـن ﻋـﻠم اﻟـذات .وﻣـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ
ھـو ﺷـرط اﻷﻟـوھـﯾﺔ ،وﻣـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ ﻻ ﯾـﻧﻘص ﺑـﻌدﻣـﮫ ﻟـو ﺟـﺎز ﻋـﻠﻰ اﻟـﻣﺎھـﯾﺔ ،وھـو ﻋـﻠم اﻟـﺻﻔﺎت.
وﻣﻧﮭﺎ ﻣﺎ ھو ﻟﺗﻌﻠق إﯾﺟﺎد اﻟﻌﯾن ،واﻟﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﻛون ،وھو ﺻور اﻷﻓﻌﺎل.
ﻓﻧﻘول ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺻراط اﻟﺳوي:
ﻓﻲ اﺳﻣﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ :اﻟﻘدوس ،اﻟﻌزﯾز ،اﻟﻐﻧﻲ :ﺻﻔﺎت ﺟﻼل. •
وﻧﻘول ﻓﻲ اﺳﻣﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ :اﻟﻌﻠﯾم ،اﻟﺳﻣﯾﻊ ،اﻟﺑﺻﯾر :ﺻﻔﺎت ﻛﻣﺎل. •
وﻧﻘول ﻓﻲ اﺳﻣﮫ ﺗﻌﺎﻟﻰ :اﻟﺧﺎﻟق ،اﻟﺑﺎرئ ،اﻟﻣﺻور :ﺻﻔﺎت أﻓﻌﺎل. •
وﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ واﻟﺣﻣد ‚ ﺻﻔﺔ إﻻ وﻟﻧﺎ ﻓﯾﮭﺎ ﻗدم ،وﻟﻧﺎ إﻟﯾﮭﺎ طرﯾق أﻣم.
ﻓﮭذا اﻟﺑﺎب ﻟﺻﻔﺎت اﻟﻔﻌل ،وھو ﺑﺎب اﻟطول واﻟﻔﺿل ،واﻹﻧﻌﺎم واﻟﺑذل:
اﻣـﺗن ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ أوًﻻ ﺑـﺎﻹﯾـﺟﺎد ﻣـن ﻏـﯾر أن ﯾـﺟب ذﻟـك ﻋـﻠﯾﮫ ،أو ﯾـﺿطره أﻣـر
إﻟـﯾﮫ ،ﺑـل ﻛـﺎن ﻣـﺧﺗﺎًرا ﺑـﯾن اﻟـﻌدم واﻟـوﺟـود ،ﻓـﺎﺧـﺗﺎر أﺣـد اﻟـﺟﺎﺋـزﯾـن ﺗـرﺟـﯾًﺣﺎ وﺳـﻌﺎدة ﻟـﻠﻌﺑﯾد،
ﻓـﻌﻠق ﺑـﻧﺎ اﻟـﻘدرة ﺑـﯾن اﻟـﻌدم واﻟـوﺟـود وﻻ َﺑـْﯾِﻧﱠﯾﺔ ،ﻓـﺑرز ﻟـﻠﻌﯾن ﻋـن ﺗـﻌﻠﻘﮭﺎ دون ﻛـﯾﻔﯾﺔ ،إذ
ﺿﺎ ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻣﻔﻘود. ﻛﺎﻧت ﻏﯾر ﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﻣوﺟود ،وﻻ أﯾ ً
وھـذا ﺑﺣـر ،ﻟـﯾس ﻟـﮫ ﻗـﻌر ،ﻓـرددﻧـﺎه ﻟـﻠﻔﺿل اﻟـﻣﺗﻘدم ،وﻟـم أﻛـن ﻓـﯾﮫ ﺑـﺎﻟـﺟﺎﺋـر اﻟـﻣﺗﺣﻛم.
وذﻟـك ﻟـو ﻋـﻠﻣﻧﺎ ﺣـﻘﯾﻘﺔ اﻟـﻘدرة اﻷزﻟـﯾﺔ ،وﻣـﺎھـﯾﺗﮭﺎ ﻓـﻲ اﻟـﻌﺎﻟـﻣﯾﺔ ،ﻟـﻌرﻓـﻧﺎ ﻛـﯾف ﺗـﺣﻘﻘت،
وﻣـﺗﻰ ﺗـﻌﻠﻘت ،وﻟـم ﻧـﻘدر ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب ﻋـﻠﻰ ﻗـﯾﺎس اﻟـﻐﺎﺋـب ﻋـﻠﻰ اﻟـﺷﺎھـد ،ﻷﻧـﺎ ﻣـﺎ اﺟـﺗﻣﻌﻧﺎ
ﻋـﻠﻰ ﻣـﻌﻧﻰ واﺣـد ،إذ ﻟـﯾس ﻟـﻠﻘدرة اﻟـﺣﺎدﺛـﺔ ﺗـﻌﻠق ﺑـﺈﯾـﺟﺎد ﻛـون ،وإﻧـﻣﺎ ھـو ﺳـﺑب ﻋـﺎدي
ﻹﺑـراز اﻟـﻌﯾن ،وﺣـﺟﺎب ﻧـﺻﺑﮫ اﻟـﺣق ﻓـﻲ أول اﻹﻧـﺷﺎء ،ﻟـﯾﺿل ﺑـﮫ ﻣـن ﯾـﺷﺎء وﯾﮭـدي ﺑـﮫ ﻣـن
خْTل ُ
ق هTذَا َ ﯾـﺷﺎء.واﻟـﻔﻌل ﻗـد ﯾـﻛون ﻧـﻔس اﻟـﻣﻔﻌول ﺑـﺎﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ واﻻﺷـﺗﺑﺎه ،ﻛـﻘوﻟـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰَ ﴿:
هلل﴾ -ﻟﻘﻣﺎن ،-11:أي ﻣﺧﻠوق ﷲ ،اﻟذي أوﺟده ﺑﻘدرﺗﮫ. ا َِّ
وﻗـد ﯾـﻛون ﻋـﺑﺎرة ﻋـن اﻟـﺣﺎﻟـﺔ ﻋـﻧد ﺗـﻌﻠق اﻟـﻔﺎﻋـل ﺑـﺎﻟـﻣﻔﻌول ،وﻛـﯾﻔﯾﺔ ﺗـﻌﻠق اﻟـﻘدرة
اﻷزﻟـﯾﺔ ﺑـﺎﻹﯾـﺟﺎد اﻟـذي ﺣـﺎرت ﻓـﯾﮫ اﻟـﻣﺷﺎھـد واﻟـﻌﻘول .وﻛـل ﻣـن رام اﻟـوﻗـوف ﻋـﻠﯾﮫ ﻧـﻛص
سَماَوا ِ
ت خْTل َ
ق الَّ T شَهْTدتُُهْم َ
مTا أ َ ْ
ﻋـﻠﻰ ﻋـﻘﺑﮫ ،ورﺟـﻊ ﻋـن ﻣـذھـﺑﮫ ،وھـو ﻗـوﻟـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰَ ﴿ :
سِهْم ﴾-اﻟـﻛﮭف ،-51:وﻗـﺎل ﻓـﻲ ﺣـق أﻧـَﻔﺳﮭم وأﻗـدﺳـﮭم ،ﺣـﯾن ق أ َنْTفُ ِ
خْTل َ
ض َوَال َ َواْأل َْر ِ
وتَى﴾-اﻟـﺑﻘرة ،-260:ﻓـﺄراه آﺛـﺎر اﻟـﻘدرة ﻻ ﺗـﻌﻠﻘﮭﺎ، حِيي اْمل َ ْ
ف تُ ْب أ َِرِنTي َكْTي َﻗـﺎلَ ﴿ :ر ِّ
ﺻﺎ ﺳـوًﯾـﺎ ،وﻣـﺎ رأى ﺗـﻌﻠق ﻗـدرة ﻓـﻌرف ﻛـﯾﻔﯾﺔ اﻹﻧـﺷﺎء ،واﻟـﺗﺣﺎم اﻷﺟـزاء ،ﺣـﺗﻰ ﻗـﺎم ﺷـﺧ ً
حِTكيٌم﴾ -اﻟـﺑﻘرة ،-260:ﻟـﻣﺎ عِTزيTزٌ َ
هلل َ
ن ا ََّ عَTلْم أ َ َّ
وﻻ ﺗـﺣﻘﻘﮭﺎ ،ﻓـﻘﺎل ﻟـﮫ اﻟـﺧﺑﯾر اﻟـﻌﻠﯾم﴿ :ا ْ
ﺗـﻘدﻣـﮫ ﻣـن ﺻـورة اﻷطـﯾﺎر ،وﺗـﻔرﯾـﻘﮫ اﻷطـوار .وﻛـﻣﺎ ﻧـﻔﺦ اﻟﻣﺳـﯾﺢ ،ﻓـﻲ ﺻـورة اﻟـطﯾن
اﻟـروح ،واﻧـﺗﻔض طـﯾًرا ،وأظﮭـر ﻓـﻲ اﻟـوﺟـود ﺧـﯾًرا ،ﻓـﻛﺎن اﻟـﻧﻔﺦ ﻟـﮫ ﺣـﺟﺎًﺑـﺎ ،وﻣـﺎ ﻓـﺗﺢ ﻟـﮫ
ﻣـن ﺑـﺎب ﺗـﻌﻠق اﻟـﻘدرة ﺑـﺎًﺑـﺎ ،وﻛـذﻟـك ﯾـﻘول ﻣـن ﺳـﺄل ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ أن ﯾـﻘول ﻟﻠﺷـﻲء) :ﻛـن
ﻓـﯾﻛون( ،ذﻟـك ﻋـﻧد أﻣـره ،وﯾـﻧﻔرد اﻟـﺣق ﺑﺳـر ﻧﺷـﺋﮫ وﻧﺷـره .ﻓـﺎﻟـﺗﻔﺎﺿـل ﺑـﯾن اﻟﺧـﻠق ،إﻧـﻣﺎ
ھـو ﻓـﻲ اﻷﻣـر اﻟـﺣق ،ﻓـﺷﺧص ﯾـﻛون أﻣـًرا رﺑـﺎﻧـًﯾﺎ ﻟـﺗﺣﻘﻘﮫ ﻓـﯾﻛون ﻋـﻧﮫ ﻣـﺎ ﯾـﺷﺎء ،وآﺧـر ﻏـﯾر
ﻣـﺗﺣﻘق ﻟـﯾس ﻟـﮫ ذﻟـك وإن ﻛـﺎن ﻗـد ﺳـﺎواه ﻓـﻲ اﻹﻧـﺷﺎء ،ﻓﺳـﺑﺣﺎن ﻣـن اﻧـﻔرد ﺑـﺎﻻﺧـﺗراع
واﻟﺧـﻠق ،وﺗـﺳﻣﻰ ﺑـﺎﻟـواﺣـد اﻟـﺣقَ ،ﻻ إَِٰﻟَﮫ إِﱠﻻ ُھـَو اْﻟـَﻌِزﯾـُز اْﻟـَﺣِﻛﯾُم .أوﺟـد اﻟـﻌﺎﻟـم ﻛـﻠﮫ ﻣـن ﻏـﯾر
ﻣـﺛﺎل ﻓـﻲ ﻛـﺎﻓـﺔ ﻛـﺛﺎﻓـﺎﺗـﮫ وﻟـطﺎﻓـﺎﺗـﮫ ،ظـﺎھـًرا وﺑـﺎطـًﻧﺎ ،دﻧـﯾوًﯾـﺎ وﺑـرزﺧـًﯾﺎ وأﺧـروًﯾـﺎ ،ﻣـﻠًﻛﺎ وﻣـﻠﻛوًﺗـﺎ
وﻏﯾًﺑﺎ ،ﻓﺗﻌﺎﻟﻰ ﷲ ﻋﻠًوا ﻛﺑﯾًرا.
اﺟﺗـﻣﻌت اﻷﺳﻣـﺎء ﺑﺣـﺿرة اﻟﻣـﺳﻣﻰ اﺟﺗـﻣﺎًﻋﺎـ وﺗرـًﯾﺎـ ﻣﻧـزًھﺎـ ﻋنـ اﻟﻌـدد ،ﻓﻲـ ﻏﯾـر ﻣﺎـدة وﻻ
أﻣـد ،ﻛـﺎﻷﺳـﻣﺎء واﻟـﺻﻔﺎت اﻹﻟﮭـﯾﺔ ﺗـﺗﺧﺎطـب ﻛـﻠﮭﺎ دون اﻧـﻔﺻﺎل ﻋـﻠﻰ ﻣـﻘﺗﺿﯾﺎت اﻟـﺣﻛﻣﺔ
ﻟـﺗﺄﺧـذ ﻋـن اﻟـذات اﻹﻟﮭـﯾﺔ ﻣـﺎ أرادﺗـﮫ .ﻓـﻠﻣﺎ أﺧـذ ﻛـل اﺳـم ﻓـﯾﮭﺎ ﻣـرﺗـﺑﺗﮫ ،وﻟـم ﯾـﻌد ﻣـﻧزﻟـﺗﮫ،
ﻓﺗـﻧﺎزﻋوـا اﻟﺣدـﯾثـ دون ﻣﺣـﺎورة ،وأﺷﺎـر ﻛلـ اﺳمـ إﻟﻰـ اﻟذـي ﺑﺟـﺎﻧﺑـﮫ دون ﻣﻼﺻﻘﺔ وﻻ
ﻣـﺟﺎورة ،وﻗـﺎﻟـوا :ﯾـﺎ ﻟـﯾت ﺷـﻌرﻧـﺎ ،ھـل ﯾـﺗﺿﻣن اﻟـوﺟـود ﻏـﯾرﻧـﺎ ،ﻓـﻣﺎ ﻋـرف واﺣـد ﻣـﻧﮭم ﻣـﺎ
ﯾﻛون ،إﻻ اﺳﻣﺎن أﺣدھﻣﺎ اﻟﻌﻠم اﻟﻣﻛﻧون ،ﻓرﺟﻌت اﻷﺳﻣﺎء إﻟﻰ اﻻﺳم )اﻟﻌﻠﯾم( اﻟﻔﺎﺿل،
وﻗـﺎﻟـوا :أﻧـت ﻟـﻧﺎ اﻟـﺣﻛم اﻟـﻌﺎدل ،ﻓـﻘﺎل :ﻧـﻌم ﺑـﺳم ﷲ ،وأﺷـﺎر إﻟـﻰ اﻻﺳـم اﻟـﺟﺎﻣـﻊ)اﻟـرﺣـﻣن(،
وأﺷـﺎر إﻟـﻰ اﻻﺳـم اﻟـﺗﺎﺑـﻊ )اﻟـرﺣـﯾم( ،وأﺷـﺎر إﻟـﻰ اﻻﺳـم اﻷﻋـظم اﻟـﻌظﯾم .وﺻـﻠﻰ ﷲ ،ورﺟـﻊ
إﻟـﻰ اﻟـﺟﺎﻣـﻊ ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻟـرﺣـﻣﺔ ﻋـﻠﻰ اﻟـﻧﺑﻲ .وأﺷـﺎر إﻟـﻰ اﻻﺳـم اﻟـﺧﺑﯾر واﻟـﻌﻠﻲ ،ﻣﺣـﻣد
اﻟـﻛرﯾـم ،وأﺷـﺎر إﻟـﻰ اﻻﺳـم اﻟﺣـﻣﯾد ،ﺧـﺎﺗـم اﻷﻧـﺑﯾﺎء وأول اﻷﻣـﺔ ،وﺻـﺎﺣـب ﻟـواء اﻟﺣـﻣد
واﻟـﻧﻌﻣﺔ ،ﻓـﻧظر ﻣـن اﻷﺳـﻣﺎء ﻣـن ﻟـم ﯾـﻛن ﻟـﮫ ﻓـﯾﻣﺎ ُذﻛـر ﺣـظ ،وﻻ ﺟـرى ﻋـﻠﯾﮫ ﻣـن أﺳـﻣﺎء
اﻟﻛرﯾم ﻟﻔظ.
وﻗـﺎل اﻟـﻌﻠﯾم :ﻣـن ذا اﻟـذي ﺻـﻠﯾَت ﻋـﻠﯾﮫ ،وأﺷـرَت ﻓـﻲ ﻛـﻼﻣـك إﻟـﯾﮫ ،وﻗـرﻧـَﺗﮫ ﺑـﺣﺿرة ﺟـﻣﻌﻧﺎ،
وﻗـرﻋـَت ﺑـﮫ ﺑـﺎب ﺳـﻣﻌﻧﺎ ،ﺛـم ﺧـﺻﺻت ﺑـﻌﺿﻧﺎ ﺑـﺎﻹﺷـﺎرة واﻟـﺗﻘﯾﯾد ،إﻟـﻰ اﺳـﻣﮫ اﻟـرﺣـﯾم
واﻟﺣـﻣﯾد؟ ﻓـﻘﺎل ﻟـﮫ :ﻋـﺟًﺑﺎ وھـذا ھـو اﻟـذي ﺳـﺄﻟـﺗﻣوﻧـﻲ ﻋـﻧﮫ أن أﺑـﯾﻧﮫ ﻟـﻛم ﺗـﺣﻘﯾًﻘﺎ ،وأوﺿـﺢ
ﻟـﻛم إﻟـﻰ ﻣـﻌرﻓـﺗﮫ طـرﯾـًﻘﺎ ،ھـو ﻣـوﺟـود ﯾـﺿﺎھـﯾﻛم ﻓـﻲ ﺣـﺿرﺗـﻛم ،وظﮭـر ﻋـﻠﯾﮫ آﺛـﺎر ﻧـﻔﺣﺗﻛم،
ﻓـﻼ ﯾـﻛون ﻓـﻲ ھـذه اﻟـﺣﺿرة ﺷـﻲء إﻻ وﯾـﻛون ﻓـﯾﮫ ،وﯾـﺣﺻﻠﮫ وﯾﺳـﺗوﻓـﯾﮫ ،وﯾـﺷﺎرﻛـﻛم ﻓـﻲ
أﺳـﻣﺎﺋـﻛم ،وﯾـﻌﻠم ﺑـﻲ ﺣـﻘﺎﺋـق أﻧـﺑﺎﺋـﻛم ،وﻋـن ھـذا اﻟـﻣوﺟـود اﻟـﻣذﻛـور اﻟـﺻﺎدر ﻣـن ﺣـﺿرﺗـﻛم -
وأﺷـﺎر إﻟـﻰ ﺑـﻌض اﻷﺳـﻣﺎء ﻣـﻧﮭﺎ)اﻟـوﺟـود( و)اﻟـﻧور( -ﯾـﻛون ھـذا اﻟـﻛﻧﮫ واﻟـﻛﯾف واﻷﯾـن،
وﻓـﯾﮫ ﺗظﮭـر ﺑـﺎﻻﺳـم )اﻟـظﺎھـر( ﺣـﻘﺎﺋـﻘﻛم ،وإﻟـﯾﮫ ﺑـﺎﻻﺳـم )اﻟـﻣﱠﻧﺎن( وأﺻـﺣﺎﺑـﮫ ﺗـﻣﺗد رﻗـﺎﺋـﻘﻛم.
ﻓـﻘﺎﻟـوا :ﻧﺑﮭـﺗﻧﺎ ﻋـن أﻣـر ﻟـم ﻧـﻛن ﺑـﮫ ﻋـﻠﯾًﻣﺎ ،وﻛـﺎن ھـذا اﻻﺳـم إﺷـﺎرﺗـﮫ إﻟـﻰ )اﻟـﻣﻔﺿل( ﻋـﻠﯾﻧﺎ
ﻋظﯾًﻣﺎ ،ﻓﻣﺗﻰ ﯾﻛون ھذا اﻷﻣر ،وﯾﻠوح ھذا اﻟﺳر؟
ﻓـﻘﺎل :ﺳـﺄﻟـﺗم اﻟـﺧﺑﯾر ،واھـﺗدﯾـﺗم ﺑـﺎﻟـﺑﺻﯾر ،وﻟـﺳﻧﺎ ﻓـﻲ زﻣـﺎن ،ﻓـﯾﻛون ﺑـﯾﻧﻧﺎ وﺑـﯾن وﺟـود ھـذا
اﻟـﻛون ﻣـدة وأوان ،ﻓـﻐﺎﯾـﺔ اﻟـزﻣـﺎن ﻓـﻲ ﺣـﻘﻧﺎ ﻣـﻼﺣـظﺔ اﻟﻣﺷـﯾﺋﺔ ،ﺣـﺿرة اﻟـﻘدﯾـم واﻟﻧﺳـﯾﺋﺔ،
ﻓـﺗﻌﺎﻟـوا ﻧـﺳﺄل ھـذا اﻻﺳـم اﻹﺣـﺎطـﻲ ﻓـﻲ ﺟـﻧﺳﮫ ،اﻟـﻣﻧزه ﻓـﻲ ﻧـﻔﺳﮫ ،وأﺷـﺎر إﻟـﻰ )اﻟـﻣرﯾـد(،
ﻓـﻘﯾل ﻟـﮫ :ﻣـﺗﻰ ﯾـﻛون ﻋـﺎﻟـم اﻟـﺗﻘﯾﯾد ،ﻓـﻲ اﻟـوﺟـود اﻟـذي ﯾـﻛون ﻟـﻧﺎ ﻓـﯾﮫ اﻟـﺣﻛم واﻟـﺻوﻟـﺔ،
وﺗﺟول ﺑظﮭور آﺛﺎرﻧﺎ ﻋﻠﯾﮫ ﻓﻲ اﻟﻛون -ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻛره اﻻﺳم اﻟﻌﻠﯾم -ﺣوﻟﮫ؟
ﻓـﻘﺎل اﻟـﻣرﯾـد :وﻛـﺄن ﺑـﮫ ﻗـد ﻛـﺎن ،وﯾـوﺟـد ﻓـﻲ اﻷﻋـﯾﺎن .وﻗـﺎل اﻻﺳـم اﻟـﻌﻠﯾم :وﯾـﺳﻣﻰ
اﻹﻧـﺳﺎن ،وﯾـﺻطﻔﯾﮫ اﻻﺳـم اﻟـرﺣـﻣن ،وﯾـﻘﺑض ﻋـﻠﯾﮫ اﻻﺳـم اﻟـﻣﺣﺳن وأﺻـﺣﺎﺑـﮫ ﺳـواﺑـﻎ
اﻹﺣـﺳﺎن ،ﻓـﺄطـﻠق اﺳـم اﻟـرﺣـﻣن ﻣـﺣّﯾﺎه ،وﺣـّﯾﺎ اﻟـﻣﺣﺳن وﺑـّﯾﺎه ،وﻗـﺎلِ :ﻧـﻌم اﻷخ وﻧـﻌم
اﻟـﺻﺎﺣـب ،وﻛـذا اﻻﺳـم اﻟـواھـب .ﻓـﻘﺎم اﺳـم اﻟـوھـﺎب ،ﻓـﻘﺎل :أﻧـﺎ اﻟـﻣﻌطﻲ ﺑـﺣﺳﺎب وﻏـﯾر
ﺣـﺳﺎب ،ﻓـﻘﺎل اﻻﺳـم اﻟـﺣﺑﯾب :أﻗـﯾد ﻋـﻠﯾﻛم ﻣـﺎ ﺗﮭـﺑوﻧـﮫ ،وأﺣﺳـب ﻋـﻠﯾﻛم ﻣـﺎ ﺗـﻌطوﻧـﮫ ،ﺑـﺷﮭﺎدة
اﻻﺳـم اﻟﺷﮭـﯾد ،ﻓـﺈﻧـﻲ ﺻـﺎﺣـب اﻟـﺿﺑط واﻟـﺗﻘﯾﯾد ،ﻏـﯾر أن اﻻﺳـم اﻟـﻌﻠﯾم ﻗـد ﯾـﻌرف اﻟـﻣﻌطﻰ ﻟـﮫ
ﻣـﺎ ﯾـﺣﺻل ﻟـﮫ ﻓـﻲ وﻗـت ،وﯾـﺑﮭم ﻋـﻠﯾﮫ اﻻﺳـم اﻟـﻣرﯾـد ﻓـﻲ وﻗـت ،إﺑـﮭﺎًﻣـﺎ ﯾـﻌﻠﻣﮫ وﻻ ﯾـﻣﺿﯾﮫ،
وﯾـرﯾـد اﻟﺷـﻲء وﯾـرﯾـد ﺿـده ﻓـﻼ ﯾـﻘﺿﯾﮫ ،ﻓـﻼ زوال ﻟـﻲ ﻋـﻧﻛﻣﺎ ،وﻻ ﻓـراق ﻟـﻲ ﻣـﻧﻛﻣﺎ ،ﻓـﺄﻧـﺎ
ﻟﻛم ﻟزﯾم ،وﻧﻌم اﻟﺟﺎر واﻟﺣﻣﯾم.
ﻓـوزﻋـت اﻷﺳـﻣﺎء ﻛـﻠﮭﺎ ﻣـﻣﻠﻛﺔ اﻟـﻌﺑد اﻹﻧـﺳﺎﻧـﻲ ،ﻋـﻠﻰ ھـذا اﻟﺣـد اﻟـرﺑـﺎﻧـﻲ ،وﺗـﻔﺎﺧـرت ﻓـﻲ
اﻟـﺣﺿرة اﻹﻟﮭـﯾﺔ اﻟـذاﺗـﯾﺔ ﺑـﺣﻘﺎﺋـﻘﮭﺎ ،وﺑـﯾﻧت ﺣـﻛم ﻣـﺳﺎﻟـﻛﮭﺎ وطـراﺋـﻘﮭﺎ ،وﻋﺟـﻠوا ﻓـﻲ وﺟـود
ھـذا اﻟـﻛون ،رﻏـﺑﺔ ﻓـﻲ أن ﯾظﮭـر ﻟـﮭم ﻋـﯾن ،ﻓـﻠﺟؤوا إﻟـﻰ اﻻﺳـم اﻟـﻣرﯾـد ،اﻟـﻣوﻗـوف ﻋـﻠﯾﮫ
ﺗـﺧﺻﯾص اﻟـوﺟـود .وﻗـﺎﻟـوا :ﺳـﺄﻟـﻧﺎك ﺑﮭـذه اﻟـﺣﺿرة اﻟـﺗﻲ ﺟـﻣﻌﺗﻧﺎ ،وﺗـﺣﻘﯾق اﻟـذات اﻟـﺗﻲ
ﺷﻣـﻠﺗﻧﺎ ،إﻻ ﻣﺎـ ﻋﻠـﻘت ﻧﻔـﺳك ﺑﮭذـا اﻟوـﺟوـد اﻟﻣـﻧﺗظر ﻓﺄـردَﺗﮫـ ،ﻓﺄـﻧتـ ﯾﺎـ ﻗﺎـدر ﺳﺄـﻟﻧـﺎك ﺑذـﻟكـ إﻻ
ﻣـﺎ أوﺟـدَﺗـﮫ ،وأﻧـت ﯾـﺎ ﺣـﻛﯾم ﺳـﺄﻟـﻧﺎك ﺑـذﻟـك إﻻ ﻣـﺎ أﺣـﻛﻣَﺗﮫ ،وأﻧـت ﯾـﺎ رﺣـﻣن ﺳـﺄﻟـﻧﺎك إﻻ ﻣـﺎ
رﺣﻣَﺗﮫ ،وﻟم ﺗزل ﺗﺳﺄل ﻛﻠﮭﺎ واﺣًدا واﺣًدا ،ﻗﺎﺋًﻣﺎ ﻗﺎﻋًدا.
ﻓـﻘﺎل ﻟـﮫ اﻟـﻘﺎدر :ﯾـﺎ إﺧـواﻧـﻧﺎ ،ﻋـﻠﻰ اﻟـﻣرﯾـد ﺑـﺎﻟـﺗﻌﻠق ،وﻋـﻠﱠﻲ ﺑـﺎﻹﯾـﺟﺎد .وﻗـﺎل اﻟـﺣﻛﯾم :ﻋـﻠﻰ
اﻟـﻘﺎدر ﺑـﺎﻟـوﺟـود ،وﻋـﻠﱢﻲ ﺑـﺎﻹﺣـﻛﺎم .ﻓـﻘﺎم اﻟـرﺣـﻣن وﻗـﺎل :ﻋـﻠّﻲ ﺑـﺻﻠﺔ اﻷرﺣـﺎم ،ﻓـﺈﻧـﮭﺎ ﺷـﺟﻧﺔ
ﻣﻧـﻲ ،ﻓﻼ ﺻﺑـر ﻟﮭـﺎ ﻋﻧـﻲ .ﻓﻘـﺎل ﻟﮫـ اﻟﻘـﺎدر :ﻛلـ ذﻟكـ ﺗﺣـت ﺣﻛـﻣﻲ وﻗﮭرـي .ﻓﻘـﺎل اﻟﻘـﺎھرـ :ﻻ
ﺗـﻔﻌل ،إن ذﻟـك ﻟـﻲ وأﻧـت ﺧـدﯾـﻣﻲ ،وإن ﻛـﻧت ﺻـﺎﺣـﺑﻲ وﺣـﻣﯾﻣﻲ .ﻓـﻘﺎل اﻟـﻌﻠﯾم :أﻣـﺎ اﻟـذي ﻗـﺎل
ﺗـﺣت ﺣـﻛﻣﻲ ،ﻓـﻠﯾﻘدم ﻋـﻠﻣﻲ .ﻓـﺗوﻗـف اﻷﻣـر ﻋـﻠﻰ ﺟـﻣﯾﻊ اﻷﺳـﻣﺎء ،وأن ﺑﺟـﻣﻠﺗﮭﺎ وﺟـود
ﻋـﺎﻟـم اﻷرض واﻟـﺳﻣﺎء ،وﻣـﺎ ﺑـﯾﻧﮭﻣﺎ إﻻ ﻣـﻘﺎم اﻻﺳـﺗواء .وﻟـو ﻓـﺗﺣﻧﺎ ﻋـﻠﯾك ﺑـﺎب ﺗـوﻗـﻔﮭﺎ
واﻟـﺗﺟﺎﺋـﮭﺎ ﺑـﻌﺿﮭﺎ إﻟـﻰ ﺑـﻌض ،ﻟـرأﯾـت أﻣـًرا ﯾـﮭوﻟـك ﻣـﻧظره ،وﯾـطﯾب ﻟـك ﺧـﺑره ،وﻟـﻛن ﻓـﯾﻣﺎ
ذﻛرﻧﺎه ،ﺗﻧﺑﯾﮫ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺳﻛﺗﻧﺎ ﻋﻧﮫ وﺗرﻛﻧﺎه.
سِT Tبيَل ﴾ -اﻷﺣـزاب:-4: و َيْهِT Tدي ال َّT ق َو ُ
هَ T T ح َّهلل َي ُTقوُل اْل َ
ﻓـﻠﻧرﺟـﻊ وﻧـﻘول – ﴿َوا َُّ
ﻓـﻌﻧدﻣـﺎ وﻗـﻊ ھـذا اﻟـﻛﻼم اﻷﻧـﻔس ،ﻓـﻲ ھـذا اﻟﺟـﻣﻊ اﻟـﻛرﯾـم اﻷﻗـدس ،ﺗﻌطﺷـت اﻷﺳـﻣﺎء إﻟـﻰ
ظـﮭور آﺛـﺎرھـﺎ ﻓـﻲ اﻟـوﺟـود ،وﻻ ﺳـﯾﻣﺎ اﻻﺳـم)اﻟـﻣﻌﺑود( ،وﻟـذﻟـك ﺧـﻠﻘﮭم ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ
س إِ َّ
ال جَّن َوا ْ ِ
إلنَْ T ت اْلِ T
خَTلْق ُ
مTا َﻟـﯾﻌرﻓـوه ﺑـﻣﺎ ﻋـرﻓـﮭم ،وﯾـﺻﻔوه ﺑـﻣﺎ وﺻـﻔﮭم ،ﻓـﻘﺎلَ ﴿ :و َ
ن )-﴾ (57اﻟـذرﯾـﺎت: ن ُيTطِْعُمو ِ مTا أ ُِريُTد أ َ ْق َو َ مTا أ ُِريُTد ِمTنُْهْم ِمْTن ِرزْ ٍ لَِTيْعبُُدو ِ
ن )َ (56
.-56
ﻓـﻠﺟﺄت اﻷﺳـﻣﺎء ﻛـﻠﮭﺎ إﻟـﻰ اﺳـم )ﷲ( اﻷﻋـّم ،واﻟـرﻛـن اﻟـﻘوي اﻷﻋـظم ،ﻓـﻘﺎل :ﻣـﺎ ھـذا
اﻟﻠﺟﺄ ،وﻷي ﺷﻲء ھذا اﻻﻟﺗﺟﺎء؟
ﻓـﻘﺎﻟـت :أﯾـﮭﺎ اﻹﻣـﺎم اﻟـﺟﺎﻣـﻊ ،ﻟـﻣﺎ ﻧـﺣن ﻋـﻠﯾﮫ ﻣـن اﻟـﺣﻘﺎﺋـق واﻟـﻣﻧﺎﻓـﻊ ،أﻟﺳـَت اﻟـﻌﺎﻟـم أن ﻛـل
ﺳـﱠﻧﺔ وطـرﯾـﻘﺔ ،وﻗـد ﻋـﻠﻣت ﯾـﻘﯾًﻧﺎ أن اﻟـﻣﺎﻧـﻊ ﻣـنواﺣـد ﻣـﻧﺎ ﻓـﻲ ﻧـﻔﺳﮫ ﻋـﻠﻰ ﺣـﻘﯾﻘﺔ ،وﻋـﻠﻰ ُ
إدراك اﻟﺷـﻲء ﻣـﻊ وﺟـود اﻟـﻧظر ،ﻛـوﻧـك ﻓـﯾﮫ ﻻ أﻛـﺛر ،ﻓـﻠو ﺗﺟـرد ﻋـﻧك ﺑـﻣﻌزل ﻟـرأﯾـﺗﮫ،
وﺗـﻧزھـت ﺑـظﮭوره وﻋـرﻓـﺗﮫ ،وﻧـﺣن ﺑـﺣﻘﺎﺋـﻘﻧﺎ ﻣﺗﺣـدون ﻻ ﻧـﺳﻣﻊ ﻟـﮭﺎ ﺧـﺑًرا ،وﻻ ﻧـرى ﻟـﮭﺎ
أﺛـًرا .ﻓـﻠو ﺑـرز ھـذا اﻟـوﺟـود اﻟـﻛوﻧـﻲ ،وظﮭـر ھـذا اﻟـﻌﺎﻟـم اﻟـذي ﯾـﻘﺎل ﻟـﮫ اﻟـﻌﻠوي واﻟـﺳﻔﻠﻲ،
ﻻﻣـﺗدت إﻟـﯾﮫ رﻗـﺎﺋـﻘﻧﺎ ،وظﮭـرت ﻓـﯾﮫ ﺣـﻘﺎﺋـﻘﻧﺎ ،ﻓـﻛﻧﺎ ﻧـراه ﻣـﺷﺎھـدة ﻋـﯾن ،ﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن ﻣـﻧﺎ ﻓـﻲ
أﯾـن ،وﻓـﻲ ﺣـﺎل ﻓـﺻل وﺑـﯾن ،وﻧـﺣن ﺑـﺎﻗـون ﻋـﻠﻰ ﺗـﻘدﯾـﺳﻧﺎ ﻣـن اﻷﯾـﻧﯾﺔ ،وﺗـﻧزﯾـﮭﻧﺎ ﻋـن
إﺣـﺎطـﺗﮭم ﺑـﻧﺎ ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻟـﻣﺎھـﯾﺔ واﻟـﻛﯾﻔﯾﺔ ،ﻓـﻐﺎﯾـﺗﮭم أن ﯾﺳـﺗدﻟـوا ﺑـرﻗـﺎﺋـﻘﻧﺎ ﻋـﻠﻰ ﺣـﻘﺎﺋـﻘﻧﺎ
اﺳﺗدﻻل ﻣﺛﺎل ،وطروق ﺑﺑﺎل ،وﻗد ﻟﺟﺄﻧﺎ إﻟﯾك ﻣﺿطرﯾن ،ووﺻﻠﻧﺎ إﻟﯾك ﻗﺎﺻدﯾن.
ﻓـﻠﺟﺄ اﻻﺳـم اﻷﻋـظم إﻟـﻰ اﻟـذات ،ﻛـﻣﺎ ﻟـﺟﺄت اﻷﺳـﻣﺎء واﻟـﺻﻔﺎت ،وذﻛـر اﻷﻣـر ،وأﺧـﺑر اﻟﺳـر،
ﻓـﺄﺟـﺎب ﻧـﻔﺳﮫ اﻟـﻣﺗﻛﻠم ﺑـﻧﻔﺳﮫ اﻟـﻌﻠﯾم ،إن ذﻟـك ﻗـد ﻛـﺎن ﺑـﺎﻟـرﺣـﻣن ،ﻓـﻘل ﻟـﻼﺳـم اﻟـﻣرﯾـد ﯾـﻘول
ﻟـﻠﻘﺎﺋـل ﯾـﺄﻣـرﺑـ)ﻛـن( ﯾـﻛن ،واﻟـﻘﺎدر ﯾـﺗﻌﻠق ﺑـﺈﯾـﺟﺎد اﻷﻋـﯾﺎن ،ﻓﯾظﮭـر ﻣـﺎ ﺗـﻣﻧﯾﺗم ،وﯾـﺑرز ﻟـﻌﯾﺎﻧـﻛم
ﻣـﺎ اﺷـﺗﮭﯾﺗم ،ﻓـﺗﻌﻠﻘت ﺑـﺎﻹرادة واﻟـﻌﻠم واﻟـﻘول واﻟـﻘدرة ،ﻓظﮭـر أﺻـل اﻟـﻌدد واﻟـﻛﺛرة ،وذﻟـك
ﻣـن ﺣـﺿرة اﻟـرﺣـﻣﺔ ،وﻓـﯾض اﻟـﻧﻌﻣﺔ ،أﺻـل اﻟـﺑدء ،وأول اﻟـﻧشء ،ﻧـشء ﺳـﯾدﻧـﺎ ﻣﺣـﻣد –
ﻋﻠﯾﮫ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ،-ﻋﻠﻰ أﻛﻣل وﺟﮫ وأﺑدع ﻧظﺎم.
وﻟـﻣﺎ ﺗـﻌﻠﻘت إرادة اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﺑـﺈﯾـﺟﺎد ﺧـﻠﻘﮫ ،وﺗـﻘدﯾـر رزﻗـﮫ ،ﺑـرزت اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ،
ﻣـن اﻷﻧـوار اﻟـﺻﻣدﯾـﺔ ،ﻓـﻲ اﻟـﺣﺿرة اﻷﺣـدﯾـﺔ ،وذﻟـك ﻋـﻧدﻣـﺎ ﺗﺟـﻠﻰ ﻟـﻧﻔﺳﮫ ﺑـﻧﻔﺳﮫ ﻣـن ﺳـﻣﺎء
اﻷوﺻﺎف ،وﺳﺄل ذاﺗﮫ ﺑذاﺗﮫ ﻣوارد اﻷﻟطﺎف ،ﻓﻲ إﯾﺟﺎد اﻟﺟﮭﺎت واﻷﻛﻧﺎف.
ﻓـﺗﻠﻘﻰ ذﻟـك اﻟـﺳؤال ﻣـﻧﮫ إﻟـﯾﮫ ﺑـﺎﻟـﻘﺑول واﻹﺳـﻌﺎف ،ﻓـﻛﺎن اﻟﻣﺳـﺋول واﻟـﺳﺎﺋـل ،واﻟـداﻋـﻲ
واﻟـﻣﺟﯾب ،واﻟـﻣﻧﯾل واﻟـﻧﺎﺋـل ،ﻓـﻛﻣن ﻓـﯾﮫ ﻛـﻣون ﺗـﻧزﯾـﮫ ،ودﺧـل ﺟـوده ﻓـﻲ ﺣـﺿرة ﻋـﻠﻣﮫ،
ﻓـوﺟـد اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ ﻋـﻠﻰ ﺻـورة ﺣـﻛﻣﮫ ،ﻓﺳـﻠﺧﮭﺎ ﻣـن ﻟـﯾل ذاﺗـﮫ ﻓـﻛﺎﻧـت ﻧـﮭﺎًرا،
ﺟـرھـﺎ ﻋـﯾوًﻧـﺎ وأﻧـﮭﺎًرا ،ﺛـم ﺳـﻠﺦ اﻟـﻌﺎﻟـم ﻣـﻧﮭﺎ ﻓـﻛﺎﻧـت ﺳـﻣﺎًء ﻋـﻠﯾﮭم ﻣـدراًرا ،وذﻟـك أﻧـﮫ وﻓ ّـ
ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ اﻗﺗطﻊ ﻣن ﻧور ذاﺗﮫ ﻗطﻌﺔ ﻟم ﺗﻛن ﻣﺗﺻﻠﺔ ،ﻓﺗﻛون ﻋﻧﮫ ﻋﻧد اﻟﺗﻘﺎطﻊ ﻣﻧﻔﺻﻠﺔ.
ﺳﺎ ﯾﺟـﻣﻌﮭﺎ ﺿـرورة، وﻟـﻛن ﻟـﻣﺎ ﻓـطره ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻋـﻠﻰ اﻟـﺻورة ،ﻓـﺻﺎر ﻛـﺄن ﺛـم ﺟـﻧ ً
ﻓـﻛﺎن ﻗـطﻊ ھـذا اﻟـﻧور اﻟـﻣﻧزل واﻟـﻣﻣﺛل ،ﻣـن ذﻟـك اﻟـﺟﻧس اﻟـﻣﺗﺧﯾل ،واﻟـﺑﺎرئ ﻣـﻧزه ﻓـﻲ
ﻧـﻔﺳﮫ ،ﻋـن ﻗـﯾﺎم اﻟـﻔﺻل ﺑـﮫ ،واﻟـوﺻـل واﻹﺿـﺎﻓـﺔ ﺑـﺎﻹﻧـﺳﺎن إﻟـﻰ ﺟـﻧﺳﮫ ،ﻓـﮭو ﻗـطﻊ ﻣـﺛﻠﻲ
أﺑدي أﺣدي ،ﻋن ﻣﻌﻧﻰ أزﻟﻲ ،ﻓﻛﺎن ﻟﺣﺿرة ذﻟك اﻟﻣﻌﻧﻰ ﺑﺎب ،وﻋﻠﻰ وﺟﮭﮭﺎ ﺣﺟﺎب.
ﺛـم إن اﻟـﺣق ﺻـّﯾره ﺣـﺟﺎًﺑــﺎ ﻻ ُﯾـرﻓـﻊ ،وﺑـﺎًﺑــﺎ ﻻ ُﯾـﻘرع ،وﻣـن ﺧـﻠف ذﻟـك اﻟـﺣﺟﺎب ﯾـﻛون
اﻟﺗﺟـﻠﻲ ،وﻣـن وراء ذﻟـك اﻟـﺑﺎب ﯾـﻛون اﻟـﺗدﻟـﻲ ،ﻛـﻣﺎ إﻟـﯾﮫ ﯾﻧﺗﮭـﻲ اﻟـﺗداﻧـﻲ واﻟـﺗوﻟـﻲ ،وﻋـﻠﻰ
ﺑـﺎطـن ذﻟـك اﻟـﺣﺟﺎب ﯾـﻛون اﻟﺗﺟـﻠﻲ ﻓـﻲ اﻟـدﻧـﯾﺎ ﻟـﻠﻌﺎرﻓـﯾن ،وﻟـو ﺑـﻠﻐوا أﻋـﻠﻰ ﻣـﻘﺎﻣـﺎت اﻟـﺗﻣﻛﯾن،
وﻟـﯾس ﺑـﯾن اﻟـدﻧـﯾﺎ واﻵﺧـرة ﻓـروق اﻟـﻌﺎرﻓـﯾن ﻓـﻲ اﻟﺗﺟـﻠﻲ ،ﻋـن ﻏـﯾر اﻹﺣـﺎطـﺔ ﺑـﺎﻟـﺣﺟﺎب
اﻟـﻛﻠﻲ ،وھـو ﻓـﻲ ﺣـﻘﻧﺎ ﺣـﺟﺎب اﻟـﻌزة ،وإن ﺷـﺋت رداء اﻟـﻛﺑرﯾـﺎء ،ﻛـﻣﺎ أن ذﻟـك اﻟـﺣﺟﺎب
ﯾـﻛون ﺗﺟـﻠﻲ اﻟـﺣق ﻟـﮫ ﺧـﻠف ﺣـﺟﺎب اﻟـﺑﮭﺎء ،وإن ﺷـﺋت ﻗـﻠت رد اﻟـﺛﻧﺎء ،وﻣـﺎ ذﻛـرﻧـﺎه زﺑـدة
اﻟﺣق اﻟﯾﻘﯾن ،وﺗﺣﻔﺔ اﻟواﺻﻠﯾن.
ﻓـﻠﻧرﺟـﻊ إﻟـﻰ ﻣـﺎ ﻛـﻧﺎ ﺑﺳـﺑﯾﻠﮫ ،ﻣـن ﺣـﺳن اﻟـﻧشء وﻗـﺑﯾﻠﮫ ،ﻓـﻧﻘول ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ ﻗـدﻣـﻧﺎ ﻓـﻲ
ﺣـق اﻟـﺣق ﻣـن اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،وﻧـﻔﻲ اﻟـﻣﻣﺎﺛـﻠﺔ واﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ :إﻧـﮫ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ ﻟـّﻣﺎ اﻗـﺗطﻊ اﻟـﻘطﻌﺔ
اﻟـﻣذﻛـورة ،ﻣـﺿﺎھـﯾﺔ ﻟـﻠﺻورة ،أﻧـﺷﺄ ﻣـﻧﮭﺎ ﻣﺣـﻣدا -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻋـﻠﻰ اﻟـﻧﺷﺄة
اﻟﺗـﻲ ﻻ ﺗﻧﺟﻠـﻲ أﻋﻼﻣﮭﺎ ،وﻻ ﯾظﮭرـ ﻣنـ ﺻﻔـﺎﺗﮫـ إﻻ أﺣﻛـﺎﻣﮭـﺎ .ﺛمـ اﻗﺗـطﻊ اﻟﻌـﺎﻟمـ ﻛﻠـﮫ ﺗﻔﺻﯾ ً
ﻼ
ﻋـﻠﻰ ﺗـﻠك اﻟـﺻورة ،وأﻗـﺎﻣـﮫ ﻣـﺗﻔرًﻗـﺎ ﻋـﻠﻰ ﻏـﯾر ﺗـﻠك اﻟـﻧﺷﺄة اﻟـﻣذﻛـورة ،إﻻ اﻟـﺻورة اﻵدﻣـﯾﺔ
اﻹﻧـﺳﺎﻧـﯾﺔ ،ﻓـﺈﻧـﮭﺎ ﻛـﺎﻧـت ﺛـوًﺑـﺎ ﻋـﻠﻰ ﺗـﻠك اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ اﻟـﻧوراﻧـﯾﺔ ،ﺛـوًﺑـﺎ ﯾﺷـﺑﮫ اﻟـﻣﺎء
واﻟـﮭواء ،ﻓـﻲ ﺣـﻛم اﻟـدﻗـﺔ واﻟـﺻﻔﺎء ،ﻓـﺗﺷﻛل ﺑـﺷﻛﻠﮫ ،ﻓـﻠذﻟـك ﻟـم ﯾﺧـرج ﻓـﻲ اﻟـﻌﺎﻟـم ﻏـﯾره ﻋـﻠﻰ
ﻣـﺛﻠﮫ ،ﻓـﺻﺎر ﺣـﺿرة اﻷﺟـﻧﺎس ،إﻟـﯾﮫ ﯾـرﺟـﻊ اﻟﺟـﻣﺎد واﻟـﻧﺎطـق واﻟـﺣﺳﺎس ،وﻛـﺎن ﻣﺣـﻣد -
ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻧـﺳﺧﺔ ﻣـن اﻟـﺣق ﺑـﺎﻹﻋـﻼم ،وﻛـﺎن آدم ﻧـﺳﺧﺔ ﻣـﻧﮫ ﻋـﻠﻰ اﻟـﺗﻣﺎم،
وﻛـّﻧﺎ ﻧـﺣن ﻧـﺳﺧﺔ ﻣـﻧﮭﻣﺎ ﻋـﻠﯾﮭﻣﺎ اﻟﺳـﻼم ،وﻛـﺎن اﻟـﻌﺎﻟـم أﺳـﻔﻠﮫ وأﻋـﻼه ﻧـﺳﺧﺔ ﻣـّﻧﺎ واﻧﺗﮭـت
اﻷﻗﻼم ،ﻏﯾر أن ﻓﻲ ﻧﺳﺧﺗﻧﺎ ﻣن ﻛﺗﺎﺑﻲ آدم وﻣﺣﻣد ﺳًرا ﺷرﯾًﻔﺎ ،وﻣﻌﻧﻰ ﻟطﯾًﻔﺎ.
أﻣـﺎ اﻟـﻧﺑﯾون ،اﻟـﻣرﺳـﻠون وﻏـﯾر اﻟـﻣرﺳـﻠﯾن ،واﻟـﻌﺎرﻓـون واﻟـوارﺛـون ﻣـﻧﺎ ،ﻓـﻧﺳًﺧﺎ ﻣـﻧﮭﻣﺎ
ﻋـﻠﻰ اﻟـﻛﻣﺎل .وأﻣـﺎ اﻟـﻌﺎرﻓـون واﻟـوارﺛـون ﻣـن ﺳـﺎﺋـر اﻷﻣـم واﻟـﻣؤﻣـﻧون ﻣـﻧﺎ ،ﻓـﻧﺳﺧﺔ ﻣـن آدم
وواﺳـط ﻣﺣـﻣد -ﻋـﻠﯾﮭﻣﺎ اﻟﺳـﻼم -ﻓـﻲ ﺣـﺿرة اﻟـﺟﻼل .وأﻣـﺎ أھـل اﻟـﺷﻘﺎوة واﻟـﺷﻣﺎل ﻓـﻧﺳﺧﺔ
ﻣـن طـﯾن آدم ﻻ ﻏـﯾر ،ﻓـﻼ ﺳـﺑﯾل ﻟـﮭم إﻟـﻰ ﺧـﯾر .ﻓـﺗﺣﻘق أﯾـﮭﺎ اﻟـطﺎﻟـب ھـذه اﻟـﻧﺳﺧﺔ ﺗـﻌش
ﺳﻌﯾًدا ،وﺗﻛن ﻓﻲ زﻣﺎﻧك ﻓرًدا وﺣﯾًدا.
ﺷـْﻲٌء﴾ ،وﻣـﺎ ﻧـزل ﻋـﻠﯾﮭﺎ ﻣـن اﻟـﻧﺳﺦ س َﻛـِﻣْﺛﻠِِﮫ َ ﻓـﺎﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ اﻟـﻣﻧّﺑﮫ ﻋـﻠﯾﮭﺎ ﺑـَ ﴿:ﻟـْﯾ َ
ﻓـﻌدم وﻟـﯾل وظـل ،وﻓـﻲ أرﺑـﻌﺔ اﻷرﺑـﻌﺔ ،واﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣـﻧزھـﺔ ﻣـرﺗـﻔﻌﺔ .ﺛـم ﺧـﻠق اﻟﺧـﻠق ،وﻓـﺗق
اﻟـرﺗـق ،وﻗـدر اﻟـرزق ،وﻣﮭـد اﻷرض ،وأﻧـزل اﻟـرﻓـﻊ واﻟـﺧﻔض ،وأﻗـﺎم اﻟـﻧﺷﺄة اﻵدﻣـﯾﺔ،
واﻟـﺻورة اﻹﺑـﮭﺎﻣـﯾﺔ ،وﺟـﻌﻠﮭﺎ ﺗـﺗﻧﺎﺳـل وﺗـﺗﻔﺎﺿـل ،وﺗـﺗراﻓـﻊ وﺗـﺗﻧﺎزل ،إﻟـﻰ أن وﺻـل أواﻧـﮫ،
وﺟـﺎء زﻣـﺎﻧـﮫ ،ﻓـﺻﯾر اﻟـﻌﺎﻟـم ﻛـﻠﮫ ﻓـﻲ ﻗـﺑﺿﺗﮫ وﻣـﺧﺿﺗﮫ ،ﻓـﻛﺎن ﺟـﺳم ﻣﺣـﻣد -ﺻـﻠﻰ ﷲ
ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -زﺑـدة ﻣـﺧﺿﺗﮫ ،ﻛـﻣﺎ ﻛـﺎﻧـت ﺣـﻘﯾﻘﺔ أﺻـل ﻧـﺷﺄﺗـﮫ ،ﻓـﻠﮫ اﻟـﻔﺿل ﺑـﺎﻹﺣـﺎطـﺔ ،وھـو
اﻟﻣﺗﺑوع ﺑﺎﻟوﺳﺎطﺔ ،إذ ﻛﺎن اﻟﺑداﯾﺔ واﻟﺧﺗم ،وﻣﺣل اﻹﻓﺷﺎء واﻟﻛﺗم.
ﻓﮭـذا ھـو ﺑﺣـر اﻟـﻶﻟـﺊ ،دﻟـﯾل اﻟـﻧواﺷـﺊ ،وﻗـد ﺗﻣﮭـد ﻓـﺎﺳـﺗره ،وﺗﺟﺳـد ﻓـﺎﺧـﺑره ،ﻓـﻘد ﺣـﺻل ﻓـﻲ
ﻋـﻠﻣك ﻧـشء أول ﻣـوﺟـود ،وأﯾـن ﻣـرﺗـﺑﺗﮫ ﻣـن اﻟـوﺟـود ،وﻣـﻧزﻟـﺗﮫ ﻣـن اﻟـوﺟـود ،ﺛـم ﻋـﻠق
اﻟـﻌﺎﻟـم ﺑـﮫ ﺗـﻌﻠق اﺧـﺗﯾﺎراﻟـﺣق ،ﻻ أﻧـﮫ اﺳـﺗوﺟـﺑﮫ ﺑـﺣق ،ﺣـﺗﻰ ﯾـﺻﺢ أﻧـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ اﻟـﻣﻧﻌم
اﻟﻣﺗﻔﺿل اﺑﺗداء ﻋﻠﻰ ﻣن ﺷﺎء ﺑﻣﺎ ﺷﺎء ﻻ ﺑﺣﻘﮫ.
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن اﻟـﻌﺎﻟـم دورًﯾــﺎ ،وﻧـﺷؤه ﻓـﻠﻛًﯾﺎ ،رﺟـﻊ اﻟـﻌود ﻋـﻠﻰ اﻟـﺑدء ،واﺳـﺗوى اﻟـﻛل ﻓـﻲ
ﺳـﺎ .ﻓـوﺟـود أﺳـرار اﻟـﻛون اﻷﻛـﺑر ﻓـﻲ ﺳـﺎ ،واﻟـﻣﻌﻘول ﻣـﺣﺳو ً اﻟـﻧشء ،وﺻـﺎر اﻟـﻼﺑـس ﻣـﻠﺑو ً
ُ َ
ﺷﺄَة اْﻷوَﻟـ ٰ
ﻰ َ َ
اﻟـﻌﺎﻟـم اﻷﺻـﻐر إﻋـﺎدة ،وھـو ﻟـﮭﺎ إﺷـﺎرةَ ﴿ .ﻛـَﻣﺎ َﺑـَدأُﻛـْم َﺗـُﻌوُدوَن َوَﻟـﻘْد َﻋـﻠِْﻣُﺗُم اﻟـﱠﻧ ْ
َﻓـَﻠْوَﻻ َﺗـَذﱠﻛـُروَن﴾-اﻷﻋـراف ،-29:وﻟﮭـذا ﺟـﻌﻠﮭﺎ اﻟـﻣﺣﺟوﺑـون ﺑـﻌﻘوﻟـﮭم َﻛـﱠرة ﺧـﺎﺳـرة ،ﻓـﻘﺎﻟـوا:
﴿ أإِﱠﻧـﺎ َﻟـَﻣْرُدوُدوَن ﻓِـﻲ اْﻟـَﺣﺎﻓِـَرِة ﴾-اﻟـﻧﺎزﻋـﺎت ،-10:ﻓـﻠﯾس ھـﻧﺎك ﻓـﻲ اﻟـﻧﺷﺄة ﺣـﻘﯾﻘﺔ زاﺋـدة،
ﺳوى أﻋراض واردة.
إﺷﺎرة
)اﻹﻧﺳﺎن ﻧﺳﺧﺔ ﺣﺿرة اﻟﺣق ﺗﻌﺎﻟﻰ ،واﻟﻌﺎﻟم ﻧﺳﺧﺔ ﻟﻺﻧﺳﺎن ،واﻹﻧﺳﺎن روﺣﮫ(
وإن ﻛـﺎن ﻗـد ﺗـﺑﯾن ﻓـﯾﻣﺎ ﺗـﻘدم ﻣـﻌﻧﺎھـﺎ ،وﻟـﻛن ھـﻧﺎ ﻣـﻧﺗﮭﺎھـﺎ ،ھـل اﻹﻧـﺳﺎن ﻣـﻌدود ﻓـﻲ
ﺳﺎ ،وأول ﻣـوﺟـود اﻟـﻌﺎﻟـم اﻷﻛـﺑر ،وھـو ﻣـﻧﻔﺻل ﻋـﻧﮫ ﺑـﻣﻘﺎﻣـﮫ اﻷزھـر؟ ﻓـﺈﻧـﮫ آﺧـر ﻣـوﺟـود ﺣـ ً
ﺳﺎ .ﻓـﺈن ﻛـﺎن ﻣـن ﺟـﻣﻠﺔ اﻟـﻌﺎﻟـم اﻷﻛـﺑر ﻓـﺄﯾـن ﻧـﺳﺧﺗﮫ ﻣـﻧﮫ؟ و إن ﻟـم ﯾـﻛن ﻣـن ﺟـﻣﻠﺗﮫ ،ﻓـﻌﻠﻰ
ﻧـﻔ ً
أي ﻧﺳـﺑﺔ ﯾـﺧﺑر ﺑـﮫ ﻋـﻧﮫ؟ ﻓـﻣّد اﻟـﺑﺻر ،وردد اﻟـﻧظر ،وﺧـّﻠص اﻟـذﻛـر واﻟـﻣﻘﺎﺑـﻠﺔ ،واﺳـﺗﻌن
ﺑـﺎﻟـﻔﻛر واﻟـﻣراﻗـﺑﺔ ،وﺗﮭـﯾﺄ ﻟـﻠﻘﺑول ،ﺑـﻣﺎ ﯾـرد ﻋـﻠﯾك ﺑـﮫ اﻟـرﺳـول ،ﻓﺳـﺗﻘف ﻣـن ذﻟـك ﻋـﻠﻰ
ﺟـﻼء ،وﺳـﯾﻛﺷف ﻋـن ﻋـﯾﻧك ﻏـطﺎء اﻟـﻌﻣﻰ .وھـذه ﻧـﻛﺗﺔ ﻓـﺎﻋـرف ﻗـدرھـﺎ ،وﺣـﻘق أﻣـرھـﺎ،
ﻓﮭﻲ زﺑدة اﻷﻣر ،وﺧﻔﻲ اﻟﺳر.
ﺻل ﻣـﺎ أﺷـﯾر ﺑـﮫ إﻟـﯾك واﺟـﻣﻊ :اﻟـﻌﺎﻟـم ﻓـﻲ اﻷﯾـن، وإن ﺷـﺋت أن أﻧـﺑﺋك ﻓـﺎﺳـﻣﻊ ،وﺣـ ّ
واﻹﻧـﺳﺎن ﻓـﻲ اﻟـﻌﯾن .ﻓـﺈن ﻛـﻧَت ﻓـﻲ اﻷﯾـن ﻓـﺄﻧـت ﻣـﻧﮫ ،وإن ﻛـﻧَت ﻓـﻲ اﻟـﻌﯾن ﻓـﻼ ُﯾـﺧَﺑر ﺑـك
ﻋـﻧﮫ .وﻟﺳـَت ﺑـﺣﱟق ﻓـﻲ ﻋـدم اﻷﯾـن ،وﻟـﻛﻧك ﺑـرزخ اﻷﻣـرﯾـن ،ﺻـﺎﺣـب ﻟـﻘﺎء وإﻟـﻘﺎء ،وﺳـﯾد
ﻧـزول وارﺗـﻘﺎء ،ﻓـﺎﻧـظر أﯾـﻧك ،وﺣـﻘق ﻋـﯾﻧك ،وأﻧـﺎ اﻟـﻣﺑرأ ﻣـن ﺗـﺄوﯾـﻠك ،واﻟـﻣﻘدس ﻋـن
ﺗـﻔﺿﯾﻠك ،إﻻ إن واﻓـﻘت أواﻣـر اﻟـﺣق ،وأﻟـﺣﻘﺗﻧﻲ ﺑـﺎﻟﺧـﻠق.وھـذا ﻟـب ،ﻟـﻣن ﻛـﺎن ﻟـﮫ ﻗـﻠب،
ﻗﺷـر ﻋـﻠﯾﮫ ،ﻟـﺋﻼ ﯾـﺗوﺻـل ﻣـن ﻟـﯾس ﻣـن أھـﻠﮫ إﻟـﯾﮫ ،وذﻟـك أن اﻟـﻌﺎﻟـم ﺑـﻣﺎ ﻓـﯾﮫ ،ﻣـن ﺟـﻣﯾﻊ
أﺟـﻧﺎﺳـﮫ ﻋـﻠﻰ اﺧـﺗﻼف ﺻـوره وﻣـﺑﺎﻧـﯾﮫ ،وأﺳـﺎﻓـﻠﮫ وأﻋـﺎﻟـﯾﮫ ،ﻟـﯾس اﻹﻧـﺳﺎن ﺑﺷـﻲء زاﺋـد
ﻋـﻠﻰ ﺟـﻣﯾﻊ ﺗـﻠك اﻟـﻣﻌﺎﻧـﻲ ﻋـﻧد اﻓـﺗراﻗـﮭﺎ ،وﯾـﺷﻣل اﻹﻧـﺳﺎن ﺗـﻠك اﻷﺟـﻧﺎس واﻟـﻌﯾون ﻋـﻧد
اﺗﻔﺎﻗﮭﺎ ،ﻓﻌﻠﻰ ھذا اﻟوﺟﮫ ،ﺻﺢ ﻟﻠﻌﺎرف ﺳﻠﺧﮫ ،ﻓﻛﺎن ﻟﮫ أﻛﻣل ﻧﺳﺧﺔ.
ﻓـﺎﻋـﻠم أن اﻹﻧـﺳﺎن ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ اﻗـﺗﺿﺎه اﻟـﻛﺷف واﻟـﻌﻠم :روح اﻟـﻌﺎﻟـم ،واﻟـﻌﺎﻟـم
اﻟـﺟﺳم .ﻓـﮭو اﻵن روح ﻟـﻠﻌﺎﻟـم اﻟـدﻧـﯾﺎوي ،وﺑـﮫ ﺑـﻘﺎؤه ،وﺑـﮫ ﻓـﺗق أرﺿـﮫ وﺳـﻣﺎؤه .وأﻣـﺎ
اﻟـﻌﺎﻟـم اﻷﺧـروي ،ﻓـﺈﻟـﻰ أن ﯾـﻧﻔﺦ ﻓـﯾﮫ اﻷﻣـر اﻟـرﺑـﺎﻧـﻲ ھـذا اﻟـروح اﻹﻧـﺳﺎﻧـﻲ .ﻓـﮭو اﻵن
ﻛـﺻورة آدم ﻗـﺑل ﻧـﻔﺦ اﻟـروح ،واﻷرض ﻗـﺑل إﺷـراق ﯾـوح) أي اﻟـﺷﻣس( .ﻓـﺈذا أ ُﺧـذ ھـذا
اﻟـﻧشء اﻹﻧـﺳﺎﻧـﻲ ،ﻣـن ھـذا اﻟـﻌﺎﻟـم اﻟـدﻧـﯾﺎوي ،ﺗﮭـدﻣـت ﺑـﻧﯾﺗﮫ ،وﺗﺧـرﺑـت أﻓـﻧﯾﺗﮫ ،وﻧـﻔﺦ ﻓـﻲ
اﻟـﻌﺎﻟـم اﻷﺧـروي ،ﻓـَﺣَﯾْت ﺑـﮫ اﻟـَﺟﱠﻧﺔ ،وﻛـﺎﻧـت ﻟـﮫ ﻛـﺎﻟـدﻧـﯾﺎ ﺳـﺗًرا وُﺟـﱠﻧﺔ .واﻟـروح اﻟـﻣﺿﺎف إﻟـﻰ
اﻟـﺣق ،اﻟـذي ﻧـﻔﺦ ﻓـﯾﮫ ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم اﻟﺧـﻠق ،ھـﻲ اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ ،اﻟـﻘﺎﺋـﻣﺔ ﺑـﺎﻷﺣـدﯾـﺔ ،ﻓـﻌﻠﻰ
ھذا اﻟﺣد ھو اﻹﻧﺳﺎن ﻓﻲ اﻟدارﯾن ،وظﮭوره ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻣﯾن.
ﻛـﺎن اﻟـﻐرض أن أﺟـﻌل إﻟـﻰ ﺟـﺎﻧـب ﻛـل ﻟـؤﻟـؤة ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﺑﺎب ﻣـرﺟـﺎﻧـﺗﮭﺎ ،وﻣـﻊ ﻛـل ﺑـداﯾـﺔ
ﻧـﮭﺎﯾـﺗﮭﺎ ،ﻏـﯾر أن ھـذا اﻟـﻔﺻل ﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن ﻟـﺑﯾﺎن ﻣـﺎ ﺗـﻌدد ﻋـن ذات واﺣـدة ،ﻓظﮭـر ﻋـﻧﮭﺎ ﻣـن
أﺟـﻧﺎس ﻣـﺗﺑﺎﻋـدة ،أردت أن أﻛـﻣل ﻵﻟـﺋﮫ ﻋـﻠﻰ ﻧـﺳق ،وأﺟـﻌﻠﮭﺎ طـﺑًﻘﺎ ﺗـﺣت طـﺑق ،ﺣـﺗﻰ ﺗـﺄﺗـﻲ
ﻋـﻠﻰ آﺧـر اﻟـﻛون ،رﻏـﺑﺔ أﻻ ﯾـﺗﺣﯾر اﻟـﻧﺎظـر ﻓـﯾﮫ ،ﻓـﺗذھـب ﻋـﻧﮫ أﻛـﺛر ﻣـﻌﺎﻧـﯾﮫ .ﻓـﺈن اﺳـﺗوﻓـﯾت-
إن ﺷـﺎء ﷲ -ﻵﻟـَﺋُﮫ ،ورﺗـﺑت ﻧـواﺷـَﺋُﮫ ،وﻋـرف اﻟـطﺎﻟـب ﻣـﻐزاه ،وﺗـﺑﯾن ﻣـﻌﻧﺎه ،أﺧـذﻧـﺎ ﻓـﻲ
ﺳﯾﺎق ﻣرﺟﺎﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﺗرﺗﯾب ﻵﻟﺋﮫ.
ﻓـﺄﻗـول :إن ﺳـﯾدﻧـﺎ ﻣﺣـﻣدا -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻟـﻣﺎ أﺑـدﻋـﮫ اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ
ﺣـﻘﯾﻘﺔ ﻣـﺛﻠﯾﺔ ،وﺟـﻌﻠﮫ ﻧـﺷﺄة ﻛـﻠﯾﺔ ،ﺣـﯾث ﻻ أﯾـن وﻻ ﺑـﯾن ،وﻗـﺎل ﻟـﮫ أﻧـﺎ اﻟـَﻣﻠِك وأﻧـَت اﻟـَﻣَﻠك،
وأﻧـﺎ اﻟـﻣدﺑـر وأﻧـت اﻟـﻔﻠك ،وﺳـﺄﻗـﯾﻣك ﻓـﯾﻣﺎ ﯾـﺗﻛون ﻋـﻧك ﻣـن ﻣـﻣﻠﻛﺔ ﻋـظﻣﻰ ،وطـﺎﻣـﺔ ﻛـﺑرى،
ﺳﺎ وﻣـدﺑـًرا ،وﻧـﺎھـًﯾﺎ وآﻣـًرا ،ﺗـﻌطﯾﮭﺎ ﻋـﻠﻰ ﺣـّد ﻣـﺎ أﻋـطﯾﺗك ،وﺗـﻛون ﻓـﯾﮭم ﻛـﻣﺎ أﻧـﺎ ﻓـﯾك،
ﺳـﺎﯾـ ً
ﻓـﻠﯾس ﺳـواك ﻛـﻣﺎ ﻟـﯾس ﺳـواي ،ﻓـﺄﻧـت ﺻـﻔﺎﺗـﻲ ﻓـﯾﮭم وأﺳـﻣﺎﺋـﻲ ،ﻓﺣـد اﻟﺣـد ،وأﻧـزل اﻟﻌﮭـد،
ﺻد ﻟﮭـذا اﻟﺧـطﺎب ﻋـرًﻗـﺎ ﺣـﯾﺎء،
وﺳـﺄﺳـﺄﻟُك ﺑـﻌد اﻟـﺗﻧزﯾـل واﻟـﺗدﺑـﯾر ،ﻋـن اﻟـﻧﻘﯾر واﻟـﻘطﻣﯾر .ﻓـﺗﻔ ﱠ
ﻓـﻛﺎن ذﻟـك اﻟـﻌرق اﻟـطﺎھـر ﻣـﺎء ،وھـو اﻟـﻣﺎء اﻟـذي ﻧـﺑﺄ ﺑـﮫ اﻟـﺣق ﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻓـﻲ ﺻـﺣﯾﺢ اﻹﻧـﺑﺎء،
عَTلى اْمل َTاِء ﴾-ھـود ،-7:وھـو ﻣﻧﺗﮭـﻰ اﻟـﺧﻼء ،إﻻ ﻣـﺎ عْTر ُ T
شُTه َ ﻓـﻘﺎل ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫَ ﴿ :وَكTا َ
ن َ
ﻛـﺎن ھـﻧﺎﻟـك ﻣـن زﻋـزع ﻣﺳـﯾطر ،ﺣـﺎﻣـل ﻟـﮭواء ﻣﺳـﺗﻘر ،وﻟـﯾس وراء ذﻟـك وراء ،ﯾـﻛون ﻓـﯾﮫ
ﺧﻼء أو ﻣﻼء.
ﺛـم اﻧﺑﺟﺳـت ﻣـﻧﮫ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻋـﯾون اﻷرواح ،ﻓظﮭـر اﻟـﻣﻸ اﻷﻋـﻠﻰ ،وھـو
ﺑـﺎﻟـﻧظر اﻷﺟـﻠﻰ ،ﻓـﻛﺎن ﻟـﮫ اﻟـﻣورد اﻷﺣـﻠﻰ ،ﻓـﻛﺎن -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -اﻟـﺟﻧس اﻟـﻌﺎﻟـﻲ
إﻟـﻰ ﺟـﻣﯾﻊ اﻷﺟـﻧﺎس ،واﻷب اﻷﻛـﺑر إﻟـﻰ ﺟـﻣﯾﻊ اﻟـﻣوﺟـودات واﻟـﻧﺎس ،وإن ﺗـﺄﺧـرت طـﯾﻧﺗﮫ،
ﻓـﻘد ﻋـرﻓـت ﻗـﯾﻣﺗﮫ ،ﻓـﻠﻣﺎ وﻗـﻊ اﻻﺷـﺗراك ﻣـﻊ اﻷﻣـﻼك ﻓـﻲ ﻋـدم اﻷﯾـن ،ﺣـﺗﻰ ﻛـﺄﻧـﮭم ﻓـﻲ اﻟـﻌﯾن،
أراد -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم -اﻟﺗﻔرد ﺑﺎﻟﻌﯾن ،وﺗﺣﺻﯾل اﻟﻣﻸ اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ اﻷﯾن.
ﻓـﻠﻣﺎ ﻋـﻠم اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ إرادﺗـﮫ ،وأﺟـرى ﻓـﻲ إﻣـﺿﺎﺋـﮭﺎ ﻋـﺎدﺗـﮫ ،ﻧـظر إﻟـﻰ ﻣـﺎ
أوﺟـده ﻓـﻲ ﻗـﻠﺑﮫ ﻣـن ﻣـﻛﻧون اﻷﻧـوار ،ﻓـﺣﯾﻧﺋٍذ رﻓـﻊ ﻋـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ اﻛـﺗﻧﻔﮭﺎ ﻣـن اﻷﺳـﺗﺎر ،ﻓﺗﺟـّﻠﻰ ﻟـﮫ
ﻣـن ﺟـﮭﺔ اﻟـﻘﻠب واﻟـﻌﯾن ،ﺣـﺗﻰ ﺗـﻛﺎﺛـف اﻟـﻧور ﻣـن اﻟﺟﮭـﺗﯾن ،ﻓﺧـﻠق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻣـن ذﻟـك
اﻟﻧــور اﻟﻣــﻧﻔﮭق ﻋﻧــﮫ -ﺻﻠــﻰ ﷲ ﻋﻠــﯾﮫ وﺳﻠــم -اﻟﻌــرش وﺟﻌــﻠﮫ ﻣﺳﺗــواه ،وﺟﻌــل اﻟﻣﻸ
اﻷﻋـﻠﻰ وﻏـﯾره ﻣـﻣﺎ ذﻛـره ﻣـﺎ اﺣـﺗواه ،ﻟـﻛﻧﮭم ﻣـﻧﮫ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﺑـﺎﻟـﻣوﺿـﻊ
اﻷدﻧـﻰ ،وﻣـن ﻣﺳـﺗواه ﺑـﺎﻟﻣﺣـل اﻷﺳـﻧﻰ ،ﺗـﺣﺻﻠوا ﻓـﻲ أْﯾـِﻧﱠﯾﺔ اﻟـﺣﺻر ،وﺗـﻣﻛﻧوا ﻣـن ﻗـﺑﺿﺔ
اﻷﺳـر ،واﻧـﻔرد -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻓـﻲ ﻣﺳـﺗواه ،ﺑـﻣن اﺟـﺗﺑﺎه واﺻـطﻔﺎه ،وﺻـﯾره
اﻟﺣـق ﺗﻌـﺎﻟﻰـ ﺧزـاﻧﺔـ ﺳرـه ،وﻣوـﺿﻊـ ﻧﻔـوذ أﻣرـه ،ﻓﮭـو اﻟﻣـﻌﺑر ﻋﻧـﮫ ﺑـ)ُﻛْن( ،ﻟَﻣﺎ ﻟمـ ﯾﻛـن ،ﻓﻼ
ﯾـﻧﻔذ أﻣـر إﻻ ﻣـﻧﮫ ،وﻻ ﯾـﻧﻘل ﺧـﺑر إﻻ ﻋـﻧﮫ ،وھـو ﺣـﺟﺎب ﺗﺟـﻠﯾﮫ ،وﺻـﯾﺎﻏـﺔ ﺗﺣـﻠﯾﮫ ،وﺗـرﻗـﻲ
ﺗداﻧﯾﮫ ،وﺗﻠﻘﻲ ﺗدﻟﯾﮫ .ﺳﺑﺣﺎن ﻣن ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ دﻧوه ،وﺗداﻧﻰ ﻓﻲ ﻋﻠوه.
ﺛـم ﻧـظر طـﺎﻟـًﺑﺎ أﯾـن ﯾـﺿﻊ ﻗـدﻣـﯾﮫ ،وأﯾـن ﻣـوﺿـﻊ ﻧـﻌﻠﯾﮫ ،ﻓـﺎﻧـﺑﻌث ﻣـن ﺗـﻠك اﻟـطرﻗـﺔ أﺷـﻌﺔ ﻓـﻲ
اﻟـﺧﻼء ،اﺳـﺗدارت أﻧـوارھـﺎ ﻛـﺎﺳـﺗدارة اﻟـﻣرآة ،ﻟـطﯾﻔﺔ اﻟـﻛﯾف ،ﻓـﺎرﻏـﺔ اﻟـﺟوف ،ﻣـﻌﻠوﻣـﺔ
اﻟﻣﻧﺎزل ،ﻋﻧد اﻟﺳﺎﻟك واﻟراﺣل.
ﻓـﺟﻌل ذﻟـك اﻟـﻛور ،وأﻧـﺷﺄ ذﻟـك اﻟـدور ،ﻛـرﺳـًّﯾﺎ ﻟـﻘدﻣـﯾﮫ ،وﺣـﺿرة ﻟـﻧﻔوذ ﻣـﺎ ﯾـﺻدر ﻣـن
اﻷﻣـر ﺑـﯾن ﯾـدﯾـﮫ ،ﻓﯾﺧـرج اﻷﻣـر ﻣـﻧﮫ ﻣﺗﺣـد اﻟـﻌﯾن ،ﺣـﺗﻰ إذا وﺻـل اﻟـﻛرﺳـﻲ اﻧـﻘﺳم ﻗـﺳﻣﯾن،
إذ ﻛـﺎن اﻟـﻣﺧﺎطـب ﻣـن ذﻟـك اﻟـﻣوﺿـﻊ إﻟـﻰ أﻗـﺻﻰ اﻷﺳـﻔل ﻣـوﺟـود ﺑـﯾن اﺛـﻧﯾن ،وإن ﻛـﺎن
واﺣـًدا ﻓـﻣن ﺟـﮭﺔ أﺧـرى ،وﻋـﻠﻰ ذﻟـك اﻟـواﺣـد ﺗـﺗﺎﺑـﻊ اﻟـرﺳـل ﺗـﺗرى ،ﻓـﺈن اﻟـﻣﺧﺎطـب ﺑﺟـﻣﯾﻊ
اﻷﺷـﯾﺎء إﻧـﻣﺎ ھـو اﻹﻧـﺳﺎن ،ﻟـﯾس ﻣـﻠك وﻻ ﺟـﺎن ،ﻓـﺈن اﻟـﻣﻠك واﻟـﺟﺎن ﺟـزء ﻣـﻧﮫ ،وأﻧـﻣوذج
ﺧـرج ﻋـﻧﮫ ،ﻓـﻠﮫ ﺑـﻌض اﻟﺧـطﺎب ،واﻹﻧـﺳﺎن ﻛـّﻠّﻲ اﻟـﻛﺗﺎب ،اﻟـﻣﻧّﺑﮫ ﻋـﻠﯾﮫ ﺑـﻘوﻟـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰَ ﴿ :
مTا
يٍء ﴾-اﻷﻧـﻌﺎم ،-38 :ﺛـم ﻋـﻣم ﺑـﻘوﻟـﮫ﴿ :ث َُّTم إَِلTى َرِّبِTهْم شْ T ب ِمْTن َ T
فََّTرطْTنَا ِفTي اْلِTكتَا ِ
ن﴾-اﻷﻧـﻌﺎم .-38 :ﻛـﻣﺎ ﻧـّﺑﮫ ﻋـﻠﻰ اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ اﻟـﺗﻲ ھـﻲ أﺻـل اﻹﻧـﺷﺎء، شُTرو َح َTُي ْ
ب ﴾-اﻟـرﻋـد ،-39:ﻓـﻧﺣن اﻟـﻛﺗﺎب اﻷﺟـﻠﻰ ،وھـو وأول اﻻﺑـﺗداء ،ﻓـﻘﺎلَ﴿ :وِعTنَْدُه أ ُُّم اْلِTكتَا ِ
اﻷّم اﻷﻋﻠﻰ.
ﻓـﺎﻹﻧـﺳﺎن اﻟـﻛﺗﺎب اﻟـﺟﺎﻣـﻊ ،واﻟـﻠﯾل اﻟـﻣظﻠم واﻟـﻧﮭﺎر اﻟﻣﺷـرق اﻟـﺳﺎطـﻊ .ﻓـﻣن ﻋـﻠو ﻣـرﺗـﺑﺗﮫ،
وﺳـﻣو ﻣـﻧزﻟـﺗﮫ :أﻧـﮫ واﺣـد ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ ﻣـﻌﻧﺎه ،واﺛـﻧﺎن ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ ﺣـﺎﻟـﮫ ،وﺛـﻼﺛـﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ
ﻋـﺎﻟـﻣﮫ ،وأرﺑـﻌﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ ﻗـواﻋـده ،وﺧـﻣﺳﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ ﻣـﻣﻠﻛﺗﮫ ،وﺳـﺗﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ
ﺟـﮭﺎﺗـﮫ ،وﺳـﺑﻌﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ ﺻـﻔﺎﺗـﮫ ،وﺛـﻣﺎﻧـﯾﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ ﻧـﺳﺧﺗﮫ ،وﺗـﺳﻌﺔ ﺑـﺎﻟـﻧظر إﻟـﻰ
ﻣراﺗﺑﮫ ،وﻋﺷرة ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ إﺣﺎطﺗﮫ ،وأﺣد ﻋﺷر ﺑﺎﻟﻧظر إﻟﻰ وﻻﯾﺗﮫ ،وھو روح اﻟﻘدس.
ﻓـﺈن أﻣـده ھـذا اﻟـروح ﻣـن ﻏـﯾر ﻛـﺷف ﻣـﻠﻛﻲ وھـو ﺗـﺎﺑـﻊ ﻟـﻐﯾره ،ﻓـﮭو ﺻـّدﯾـق ،وھـﻲ اﻟـﻣﻧزﻟـﺔ
ﺿﺎ ﺗـﺎﺑـﻊ أو ﻻ ﺗـﺎﺑـﻊ اﻟـﺣﺎدﯾـﺔ ﻋﺷـرة ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن .وإن أﻣـده ﻋـﻠﻰ اﻟـﻛﺷف اﻟـﻣﻠﻛﻲ وھـو أﯾـ ً
وﻻ ﻣـﺗﺑوع ،ﻓـﮭو ﻧـﺑّﻲ ،وھـﻲ اﻟـﻣﻧزﻟـﺔ اﻟـﺛﺎﻧـﯾﺔ ﻋﺷـرة ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن .وإن أﻣـده ﻋـﻠﻰ اﻟـﻛﺷف
اﻟـﻣﻠﻛﻲ وھـو ﻣـﺗﺑوع ﻻ ﺗـﺎﺑـﻊ ،ﻓـﮭو اﻟـرﺳـول ،وﺗـﻠك اﻟـرﺳـﺎﻟـﺔ ،وھـﻲ اﻟـﻣﻧزﻟـﺔ اﻟـﺛﺎﻟـﺛﺔ ﻋﺷـرة
ﻓـﻲ اﻹﻧـﺳﺎن ،ﺑـﺗﻣﺎم وﺟـود اﻹﻧـﺳﺎن ،وﺑـﮫ ﺗـم اﻟـوﺟـود ﻓـﻲ اﻟﻌﺷـرة ،ﺛـم ﺟـﺎء اﻟـﺣﺎدي ﻋﺷـر
ﻧـظﯾر اﻷول -إن ﺗـﺄﻣـﻠت -وﻣـﻧﻌطف ﻋـﻠﯾﮫ.وﻧـظﯾر اﻟـﺛﺎﻧـﻲ ﻋﺷـر واﻟـﺛﺎﻟـث ﻋﺷـر ﻧـظﯾر اﻟـﺛﺎﻧـﻲ
واﻟﺛﺎﻟث ﻣن اﻟﺑﺳﺎﺋط ،وﺗﺑﯾن ذﻟك ﻓﻲ اﻟوﺳﺎﺋط.
ﻓﺎﻋﺗﻛﻔت ﻣﻼﺋﻛﺔ اﻟﺗﻘﯾﯾد ﻋﻠﻰ ﻗدﻣﯾﮫ ﻻﺣظﺔ ،وﻟﻣﺎ ﯾﺻدر ﻋﻧﮫ ﻣن اﻟﻌﻠوم ﻓﯾﮭﺎ ﺣﺎﻓظﺔ.
ﻓـﺈن ﻗـﯾل :ھـذا اﻟـﻛرﺳـّﻲ اﻷﺟـﻠﻰ ،ﻓـﺄﯾـن اﻟـﻠوح اﻟـﻣﺣﻔوظ واﻟـﻘﻠم اﻷﻋـﻠﻰ؟ وأﯾـن اﻟـّدواة
واﻟـﯾﻣﯾن؟ وﻛـﯾﻔﯾﺔ ﻛـﺗﺎب اﻟـﺗﻌﯾﯾن؟ ﻓـﻧﻘول :ﺗـرﻛـﻧﺎ ﺗـﻌﯾﯾن ﻣـﺎ ذﻛـرﺗـﮫ ﻣـوﻗـوًﻓـﺎ ﻋـﻠﻰ ﻧـﻔﺳك،
ﺣـﺗﻰ ﺗـطﻠﻊ ﻋـﻠﻰ ذﻟـك ﺑـﺑﺻرك ،ﻋـﻧد ﺷـروق ﺷـﻣﺳك ،وﻗـد ﻧـّﺑﮭﻧﺎ ﻋـﻠﯾﮭﺎ ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب
ﺑـﺎﻟـﺗﺿﻣﯾن ﻻ ﺑـﺎﻟـﺗﻌﯾﯾن ،ﻓـﺎﺷﺣـذ ﻓـؤادك ،وﻗـﱢو اﺟـﺗﮭﺎدك ،ﻋﺳـﻰ ﷲ أن ﯾـﻔﺗﺢ ﻟـك ﺑـﺎًﺑـﺎ ﻣـن
ﻋﻧده ،ﻋﻧد ﻣواظﺑﺗك ﻋﻠﻰ اﻟوﻓﺎء ﺑﻌﮭده ،واﻟﺗﺻدﯾق ﺑوﻋﯾده ووﻋده.
ﻟؤﻟؤة اﻷﻓﻼك).(5
وھﻲ أرواح اﻟﺳﻣﺎوات ،وﻣﻧﺷﺄ اﻟﺳﺑﻊ اﻟطراﺋق واﻟﻛواﻛب ﻣﻧﮫ -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم-
ﻓـﻠﻣﺎ ﻛـﻣل ھـذا اﻟـﻛرﺳـﻲ ،واﺳـﺗﻘر ﻓـﯾﮫ اﻟـﻣﻸ اﻷﻣـري ،أﺣـﺎل أﻧـوار اﻟﺳـﺑﻌﺔ اﻷﻋـﻼم ،ﻓـﻛﺎن
ﻋـﻧﮭﺎ اﻟﺳـﺑﻊ اﻟـطراﺋـق ﻣـﺗﻣﺎﺳـﺔ اﻷﺟـرام ،ﺟـﻌﻠﮭﺎ ﺳـﻘًﻔﺎ ﻣـرﻓـوًﻋـﺎ ﻟـﻣﮭﺎد ﺳـﯾﻛون ،إذا ﺗـوﺟـﮫ
ﻋـﻠﯾﮫ اﻷﻣـر ﺑـﻘوﻟـﮫ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ )ُﻛــْن َﻓــَﯾُﻛوُن( ،وﻛـواﻛـﺑﮭﺎ ﻣﻧﺗﮭـﻰ اﻷﺷـﻌﺔ ﻓـﻲ اﻟـﺧﻼء ﻋـﻠﻰ
اﻻﺳــﺗﯾﻔﺎء .ﻓــﺳﻘطت اﻷﻧــوار وﺗــﺟﺎرت ،واﻧــﺗﺷﺄت اﻷﻓــﻼك واﺳــﺗدارت ،وھــﻲ ﻣﻧﺗﮭــﻰ
اﻷﺷـﻌﺔ ،وﺑـﻘﻲ ﻣﻧﺗﮭـﻰ اﻷﺷـﻌﺔ ﻋـﻠﻰ أﺻـﻠﮫ ،ﻧـّﯾًرا ﻓـﻲ ﻣﺣـّﻠﮫ .ﻓـﺎﻷﻓـﻼك اﺗـﺻﺎل أﺷـﻌﺔ اﻷﻧـوار
اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ ،واﻟـﻣﻘﺎﻣـﺎت اﻷﺣـدﯾـﺔ .وﯾـرﺟـﻊ ﺻـﻐر ﺣﺟـم اﻟـﻛواﻛـب وﻛـﺑرھـﺎ ﻟـﻣﺳﺎم ذاﺗـﮫ
اﻟﻣﺷـرﻗـﺔ ،وﯾـﻧﺎﺑـﯾﻌﮫ اﻟـﻣﻧﻔﮭﻘﺔ .وﻋـﻠﺔ دور اﻷﻓـﻼك اﻹﺣـﺎطـﺔ ،اﻟـﺗﻲ اﺗـﺻﻔت ﺑـﮭﺎ اﻟـوﺳـﺎطـﺔ،
وﺗﺣـرﯾـﻛﮭﺎ ﺑـﺎﻟـﺗﻣﺎس ﻣﺷـروط ،ﻋـﻠﻰ ﻋـﻘد ﻣـرﺑـوط .واﺧـﺗﺻت ﻛـواﻛـب اﻟـﻣﻧﺎزل ﺑـﺎﻟـﻛرﺳـﻲ
اﻟـﻛرﯾـم ،ﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن اﻟـﻣﻘﺎم اﻟـذي ُﯾـْﻔَرُق ﻓـﯾﮫ ﻛـل أﻣـر ﺣـﻛﯾم .ﻓـﺗﻧّﺑﮫ ﯾـﺎ ﻏـﺎﻓـل ،وﺗـدﺑـر ﯾـﺎ ﻋـﺎﻗـل،
ﺳﮫ إﻻ اﻟﻣطﮭرون. ﻟﮭذا اﻟﻧﺷﺄ اﻟﻣﺻون ،واﻟﻛﺗﺎب اﻟﻣﻛﻧون ،اﻟذي ﻻ ﯾﻣ ﱡ
وﻟـﻣﺎ اﺳـﺗدارت ھـذه اﻷﻓـﻼك ﻣـﺗﺟوﻓـﺔ ،واﺳـﺗﻘّرت ﺑـﺳﺎﺣـﺎﺗـﮭﺎ ﻋـواﻟـم اﻷﻣـﻼك ﻣـﺗﺧوﻓـﺔ،
وﻛـﻣﻠت اﻟـﺑﻧﯾﺔ ﻓـﻲ اﻟـﻧﺷﺄة اﻟـﻌﻠوﯾـﺔ ،واﺳـﺗﻣرت اﻟﺟـرﯾـﺔ ،وطـﻠب اﻟـﺗﺄﺛـﯾر ﯾـﺄﺗـﯾﮫ ﻓـﻠم ﯾﺟـد،
ﻓـرﺟـﻊ ﻓـﻘﯾًرا إﻟـﻰ ﺣـﺟﺎب اﻷﺣـدﯾـﺔ ،ﻓـﺟﺛﺎ ﻋـﻧد ﻗـدﻣـﯾﮭﺎ راﻏـًﺑﺎ ،وﻟـﻣﻣﻠﻛﺗﮫ ﻣـﻧﮭﺎ طـﺎﻟـًﺑﺎ،
وﺿـﺟت ﻣـﻼﺋـﻛﺔ اﻟـﺳﻣﺎء ،وﻣـﺎ ﺑـﻘﻲ ھـﻧﺎﻟـك ﻣـن اﻷﺳـﻣﺎء ،ﻟـوﺟـود اﻷرض واﻟـﻣﺎء واﻟـﻧﺎر
واﻟﮭواء.
وﻟـﻣﺎ ﺧـﻠق ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ ھـذه اﻟـﻌﻧﺎﺻـر اﻷ َُول ،ﻋـﻠﻰ اﻟﺧـﻠق اﻟـذي ﻗـدره ﻓـﻲ اﻷزل ،ﺟـﻌﻠﮭﺎ ﺳـﺑًﻌﺎ
ﺳــتطـﺑﺎًﻗـﺎ ،وأﺳـﻛﻧﮭﺎ أﻗـواًﺗـﺎ وأرزاًﻗـﺎ ،ﻛـﻣﺎ أﺳـﻛن اﻟـطﺑﺎق اﻟـُﻌﻠﻰ ﻣـﻌﺎرف وأﺧـﻼًﻗـﺎ ،ﻓـﺗﻣﺎ ّ
طـﺑﺎق اﻷرض ،وﺣـّك ﺑـﻌﺿﮭﻣﺎ ﻓـﻲ ﺑـﻌض ،ﻓـﺗوﻟـد ﺑـﯾﻧﮭن ﻟﮭـب ،ذو ﺳـﺑﻊ ﺷـﻌب ،ﻛـل ﺷـﻌﺑﺔ
ﻣـن ﺟـﻧس أھـﻠﮭﺎ ،وﻛـذﻟـك ﺗـﻣﯾز ﺑـﻌﺿﮭﺎ ﻣـن ﺑـﻌﺿﮭﺎ ،ﻓـﻌﻼ ﻣـن ﻛـل ﻟﮭـﯾب دﺧـﺎن ﻣـﺧﺗﻠط،
ﺷﻌب، ﻓـﻔﺗق ﻓـﻠك اﻟـﻣﺎء واﻟـﮭواء واﻟـﻧﺎر ،وﻣـﺎزج أﻓـﻼك اﻟـدراري واﻷﻧـوار ،ﻣـرﺗـوق اﻟـ ﱡ
ﻣـﻧزوع اﻟﻠﮭـب ،ﻓـﻔرﻗـﺗﮫ اﻷﻓـﻼك واﻟـﻧﯾرات ﺑـﺣﻘﺎﺋـﻘﮭﺎ ،ﻓـﻛﺎن ﻓـﺗًﻘﺎ ،وﺻـﻌد ھـﯾوﻻﻧـًﯾﺎ ،ﻓـﺻﯾر
اﻟـﺣق ﻋـﻧﮫ ھـذه اﻷﺳـﺑﺎب ﺻـوًرا وﺧـﻠًﻘﺎ ،ﻓـﺄداره ﺳـﺑﻊ طـراﺋـق ،وﺟـﻌل اﻷﻓـﻼك أرواًﺣـﺎ ﻟـﮭن
ن ﴾-ﻓـﺻﻠت،-11: ي ُد َ
خT Tا ٌ سَماِء َو ِ
هَ T T وى إَِل Tى ال َّ Tس Tت َ َوﺣـﻘﺎﺋـق ،ﻓـﻘﺎل ﺗـﻌﺎﻟـﻰ﴿ :ث َُّTم ا ْ T
مْTنيِ ﴾-ﻓـﺻﻠت ،-12:ﺑـﻌدﻣـﺎ ﺧـﻠق اﻷرض ت ِفTي َيْ T
و َ وا ٍ سَTم َع َT هَّTن َ T
سTبْ َ وﻗـﺎل﴿ :فََTق َ
ضا ُ
وﻗـّدر ﻓـﯾﮭﺎ اﻟـﻘوت ﻓـﻲ أرﺑـﻌﺔ أﯾـﺎم ،وذﻟـك ﻟـﻛﺛﺎﻓـﺔ اﻷﺟـرام ،ﻓـﺈﻧـﮭﺎ أرﺑـﻌﺔ ﻋـﻧﺎﺻـر ،ﻣـﺧﺗﻠﻔﺔ
اﻷواﺻر.
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن اﻟـدﺧـﺎن ﻣـن ﻧـﺎر اﻟﺳـﺑﻊ اﻟـطﺑﺎق اﻟـﺗراﺑـﯾﺔ ،ﻓـﻛﺎﻧـت ﻣـﺧﺗﻠﻔﺔ ﻓـﻲ اﻟـﻠوﻧـﯾﺔ ،ﻛـذﻟـك
ﺟـﺎءت اﻟـطﺑﺎق اﻟـﺳﻣﺎوﯾـﺔ ﻣـﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟـﻠوﻧـﯾﺔ ،ﻓـزرﻗـﺔ وﺻـﻔرة وﺣـﻣرة وﺑـﯾﺎض وﺧـﺿرة ،ﻛـل
ﺳـﻣﺎء ﻣـن ﺟـﻧس أرﺿـﮭﺎ ،إذ ھـﻲ ﻣـن ﺑـﻌﺿﮭﺎ ،وﻟـذﻟـك ﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن أﺻـل اﻟـﺳﻣﺎوات أرﺿـًﯾﺎ
ﻋـﻧﺻرًﯾـﺎ زاﻟـت ﺑـزواﻟـﮭﺎ ﻓـﻲ اﻵﺧـرة ،وﺑـﻘﯾت اﻷﻓـﻼك اﻟـﻌﻠوﯾـﺔ ﻓـﻲ أوﺟـﮭﺎ داﺋـرة ،ﻣـن ﻏـﯾر
ﺟـرم ﻣـﺣﺳوس ،وﻻ ﺟـﺳم ﻣـﻠﻣوس ،وﻟـذﻟـك ﻻ ﺗظﮭـر ﻓـﯾﮭﺎ اﻟـﻧﺟوم ،ﻓـﺈن اﻟـﻔﻠك ﯾـﺑرز ﺑـذاﺗـﮫ
ﻋـﻠﻰ اﻟـﻌﻣوم ،إذ اﻟﻧﺟـم ﻋـﺑﺎرة ﻋـﻣﺎ ظﮭـر ﻓـﻲ اﻟـﻔﻠك .ﻓـﺗﺄﻣـل ﯾـﺎ أﺧـﻲ ھـذا اﻟـﺧﯾر اﻟـذي ﺷـﻣﻠك،
ﻓﺎﻷﻓﻼك ﺑﺎﻗﯾﺔ ﺑﺑﻘﺎء اﻟﺟﻧﺎن ،واﻹﻧﺳﺎن واﻟﺳﻣﺎوات ﻓﺎﻧﯾﺔ ﺑﻔﻧﺎء اﻷرض واﻟﺣدﺛﺎن،
ﻓـﺗﺄﻣـل ﻟـوﻻ اﻟـﺣﻘﺎﺋـق اﻟـﻣرﺗـﺑطﺔ ،واﻷﻓـﻼك اﻟـروﺣـﺎﻧـﯾﺔ اﻟـﻣﺗوﺳـطﺔ ،ﻣـﺎ ﺑـدﻟـت اﻷرض ﻏـﯾر
اﻷرض ،وﺻـﺎرت َدْرَﻣـَﻛﺔ ﺑـﯾﺿﺎء ﺗـﺣت ﻗـدم اﻟـﺧﻔض ،ﻓـظﮭور اﻷﻓـﻼك اﻟـﻧﯾرات ،ﻋـﺑﺎرة ﻋـن
ﺗـﺑدل اﻟـﺳﻣﺎوات ،ﻓـﺗﺄﻣـل ھـذه اﻹﺷـﺎرات ،واﺑـﺣث ﻋـﻣﺎ ﺗـﺿﻣﻧﺗﮫ ھـذه اﻟـﻌﺑﺎرات ،ﻓـﻼ ﯾـﻌرف
اﻟﺳر ،إﻻ ﻣن ﻏﻣس ﻓﻲ ﺑﺣر اﻟﺑر.
وﺗﺟـﻠﻰ اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻟـﻠﻧﺎطـق ﻣـن اﻟـﺣﯾوان ،ﻛﺗﺟـﻠﻲ اﻟﺳـراب ﻟـﻠظﻣﺂن،
وﻟـﯾس ﻓـﻲ اﻟـﻛون ﻛـﻠﮫ ﺷـﻲء ﯾﺷـﺑﮫ ﺗﺟـﻠﻲ اﻟـﺣق إﻟـﻰ ﻗـﻠوب اﻟـﻌﺑﺎد ﻣـن ﺳـﻣﺎء اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ،
ﺳـوى ھـذه اﻟـﺻﻔﺔ ،أﻻ ﺗـرى اﻟﺗﺟـﻠﻲ ﻻ ﯾـﻛون إﻻ ﻣـن أﻋـﻠﻰ ﻋـﻠﻰ أدﻧـﻰ ،وﺟـﻌل اﻟـﻘﯾﻌﺎن
دون اﻟـﺟﺑﺎل ﻣـﺣﻼ ﻟﻠﺳـراب اﻷﺳـﻧﻰ ،ﻓـﺎﻧـظرھـﺎ ﺣـﻛﻣﺔ ﻣـﺎ أﺟـﻼھـﺎ ،وﻗـطرة ُﻣـْزٍن ﻣـﺎ أﻋـذﺑـﮭﺎ
وأﺣﻼھﺎ.
ﺛـم ﺣـﺟب ﺣـﻘﯾﻘﺔ ھـذا اﻟﺳـر إذ ﻧـﺻﺑﮫ ﺗﺷـﺑﯾًﮭﺎ ﺑـﻌﻣل أھـل اﻟـﻛﻔر ،ﺛـم ﻧـﺑﮫ أھـل اﻹﺷـﺎرة ﻋـﻠﻰ
حTتَّى إَِذا َ
جTاَءُه ﻋـظﻣﺗﮫ ﻋـﻧده ﻓـﻲ آﺧـر اﻷﻣـر ،ﻓـﻘﺎل ﺣـﯾن أﻧـزل ﻋﮭـده ،وﺧـﺎطـب ﻋـﺑدهَ ﴿ :
هلل﴾ -اﻟـﻧور ،- 39:ﻓﺳـﺗره أوﻻ ﺑـﻌﻣل اﻟـﻛﻔر وﺑـﺗوﻓـﯾﮫ اﻟـﺣﺳﺎب شْTيئ ًا َوَو َ
جَTد ا ََّ جْTدُه َTَلْTم َي ِ
صيُر﴾ -اﻟــﺷورى ،- 11:وﻻ سِمي ُ
ع اْلT Tبَ ِ و الَّ T T يٌء َو ُ
هَ T T س َكِT Tمث ْلِِه َ T
شْ T T ﺑــﻌده ،إذ ﴿َلْT Tي َ
ف اْﻟـَﺧِﺑﯾُر .ﻓـﺎرﻓـﻊ ھـذه اﻟـطﻧب ،واﺧـﺗرق ھـذه اﻟـﺣﺟب ،ﺗـﺑﺻر ﯾـدرك وﺻـﻔﮫَ ،وُھـَو اﻟـﱠﻠِطﯾ ُ
اﻟﻌﺟب اﻟﻌﺟﺎب ،وﺗﺷﻛر اﻟﻘﺷر اﻟذي ﺻﺎن ھذا اﻟﻠﺑﺎب.
وﻟـﻣﺎ ﺗﻣﮭـدت اﻟﺧـﻠﯾﻘﺔ ،واﻣـﺗدت اﻟـرﻗـﯾﻘﺔ إﻟـﻰ اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ ،وﺗﺟﺳـد ﻓـﻲ أول اﻟـﻧشء
اﻟـﺗراﺑـﻲ ،اﻟـﺷﺧص اﻹﻧـﺳﺎﻧـﻲ اﻵدﻣـﻲ ،اﻟﻣﺧـﻠوق ﺑـﯾد اﻟـﺗﻧزﯾـﮫ ،واﻟـﻣﻛﺳو ُﺣــّﻠﺔ اﻟﺗﺷـرﯾـف
واﻟـﺗﻧوﯾـﮫ ،وﺗـردد اﻟﺟﺳـد طـوًرا ﺑـﻌد طـور ،وﻛـوًرا ﺑـﻌد ﻛـور ،ﻓـﻲ ﻗـواﻟـب ﯾـﻛﺛر ﻋـددھـﺎ،
وﯾـﻛﺑر أﻣـدھـﺎ ،ﺣـﺗﻰ ﻛـﺎﻧـت ﺗـﻠك اﻷطـوار ،ﻓـﻲ ﺗـﻠك اﻷدوار ،ﻧـﺷﺎة ﻣﺗﺣـدة ،وھـﯾﺄة ﻓـردﯾـﺔ
ﻣﺗﺟﺳــدة ،ﻓــﻠﻣﺎ ﻛــﻣﻠت ﺑــﻧﯾﺗﮭﺎ ،وﺗﺧــﻠﺻت ﺗــﺻﻔﯾﺗﮭﺎ ،ﻧــﻔﺦ ﻓــﯾﮭﺎ اﻟــﺷﺧص اﻟــروﺣــﺎﻧــﻲ،
واﻟـﻛﻠﻣﺔ اﻹﻟﮭـﯾﺔ واﻷﻣـر اﻟـرﺑـﺎﻧـﻲ ،ﻓـﻘﺎﻣـت اﻟـﻧﺷﺄة ﻋـﻠﻰ ﺳـﺎﻗـﮭﺎ ﺗـﻌﺗﻣد ،وﺑـﺄﻣـرھـﺎ ﺗﺳـﺗﻧد،
وﺗـواﻟـﻰ اﻟـدور ﺑـﺎﻟـﻧﺷﺄ ،ﻋـﻠﻰ أﺻـل اﻟـﺑدء ،إﻟـﻰ أن ﺳـﻠﺦ ذﻟـك اﻟـﻧﮭﺎر ﻣـن ﻟـﯾل أرﺿـﮫ،
واﻟـﺗﺣق ﺑـﻌﻧﺻره اﻷﻋـﻠﻰ واﺧـﺗﻠط ﺑـﻌﺿﮫ ﺑـﺑﻌﺿﮫ ،وﺑـﻘﻲ ﻓـﻲ أوﺟـﮫ اﻷﻋـﻠﻰ رﻗـﯾًﺑﺎ ،وﻋـﻠﻰ
ﺗـﻌﺎﻗـب اﻷدوار ﺣﺳـﯾًﺑﺎ ،وﻟـﺗﺑﺻرﻧـﮫ ﻋـﻠﻰ اﻟـﺗﻌﯾﯾن ،ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎم اﻟـﺗﻣﻛﯾنَ﴿ ،وَلTتَْعَلُمَّن نَTبَأ َُه
ني ) –﴾(88ص ،-88:وھو إذ ذاك أﺣﻛم اﻟﺣﺎﻛﻣﯾن. ح ٍ َبْعَد ِ
ﻓـﻠﻣﺎ ارﺗـﻔﻊ ﻛـﻣﺎ ذﻛـرﻧـﺎه ،ﻓـﻲ اﻟـرداء اﻟـذي ﺑـﮫ ﺳـﺗرﻧـﺎه ،ﻟـﺣﻘت اﻟـﻣﻣﻠﻛﺔ ﺑـﺎﻟـﻔﺳﺎد ،وﻋـم
اﻟﮭـﻼك ﺟـﻣﯾﻊ اﻟـﻌﺑﺎد ،إﻟـﻰ أن ﺣـﺻﻠت اﻟـﺷﻣس ﻓـﻲ ﺣـﻣﻠﮭﺎ ،وﺛـﺑت ﺷـرﻓـﮭﺎ وﺟـذﻟـﮭﺎ ،وﺳـطﻊ
اﻟـدْور ،وﺗـﻧزل اﻷْﻣـر ،ﻓـﻠم ﯾـﺑق ﻣـﻸ أﻋـﻠﻰ إﻻ ﺻـﻌق ﻟـذﻟـك اﻟﺗﺟـﻠﻲ ،وﻻ ﺑـﻘﻲ رﻓـرف أﺳـﻧﻰ
يٌء ﴾– اﻟـﺷورى ،-11:ﻓـﻲ شْ Tس َكِTمث ْلِِه َT
إﻻ ﻛـﺎن ﻣـﺣًﻼ ﻟـذﻟـك اﻟـﺗدﻟـﻲ ،ﻓـﺗﻧزل ﻧـور ﴿ َلْTي َ
أﻧـﺑوب ﻣـﺎ ﻟـﮫ َﻓـْﻲء ،ﻣـﻛﺗﻧﻔﺎ ﺑـﺄردﯾـﺔ اﻟـﺻون ،ﺣـﺗﻰ وﺻـل إﻟـﻰ ﻋـﺎﻟـم اﻟـﻛون .ﻓﺣـل اﻟـدر ّ
ي
اﻟﻣﺷـرق ﻓـﻲ ﺑـرﺟـﮫ ،وﺣـﺻل اﻟـرﻗـم اﻟـﻣودع ﻓـﻲ درﺟـﮫ ،ﻓـﻛﺎن ﯾـﺎﻗـوﺗـﺔ ﺣـﻣراء ،ﺗـﺟوﻓـت ﻟـﮭﺎ
عَTة
سا َ ن الَّ Tﯾـﺎﻗـوﺗـﺔ ﺻـﻔراء ،ﻓـﺄودﻋـﮭﺎ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﻓـﯾﮭﺎ ،وﺧـﺗم ﻋـﻠﯾﮭﺎ ﺑـﺧﺎﺗـم ﴿ :إِ َّ
خِTفيَها ﴾-طـﮫ .-15:ﻓـﻠﻣﺎ اﻟﺗﺣـﻣت اﻟـﺣﻘﯾﻘﺗﺎن ،واﻟـﺗﻘت اﻟـرﻗـﯾﻘﺗﺎن ،زھـرت آ َِتَTيٌة أ ََكTاُد أ ُ ْ
اﻷﻓـﻼك ،واﻋـﺗﺻﻣت اﻷﻣـﻼك ،وظﮭـرت اﻟـرﺟـوم ،ﻟـﻣن أراد اﻟـﮭﺟوم ،وﺗـﻧزل اﻟـﻧوراﻟـﺣق،
واﻟـﻛﻠم اﻟـﺻدق ،ﺛـم اﻏﺗﻣﺳـت اﻟـﯾﺎﻗـوﺗـﺗﺎن ﻓـﻲ اﻟـظﻠﻣﺎت ،ﻟـﺗﻌﺎﯾـن اﻟـﺻﻔراء ﻣـﻧﮭﻣﺎ ﻣـﺎ ﻏـﺎب
ﻋـﻧﮭﺎ ﻣـن اﻵﯾـﺎت ،ﻓـﻌﻧدﻣـﺎ اﺟـﺗﻣﻌت اﻟـﺻﻔراء ﺑـﺄﺧـﺗﮭﺎ ﻛـﺎﻧـت ﻟـﮭﺎ ﺑـﻧًﺗﺎ ،ﺛـم ارﺗـﻘت إﻟـﻰ ﻣـن
ﻛـﺎﻧـت ﻟـﮫ ﺑـﯾًﺗﺎ ،ﻓـﺄﻛـرﻣـت اﻷم ﻣـﺛواھـﺎ ،وﺣـﻣدت ﻣﺳـﺗواھـﺎ ،ﻓـطﻠﻌت اﻟﺣـﻣﯾراء ﻣـن ﺧـﻠف
ﺣـﺟﺎب اﻟـﻛﺗم ،ﻓـﺈذا ھـﻲ ﺑـﻧور اﻟـﺧﺗم ،ﻓـﺧﺎطـﺑﮫ ﺑـﻠﺳﺎن اﻻﺳـﺗﻧﺑﺎء :أﻧـﺎ ﺧـﺎﺗـم اﻷوﻟـﯾﺎء ،وﻣـﻘدم
ﺟـﻣﺎﻋـﺔ اﻷﺻـﻔﯾﺎء ،أﻧـﺎ ﻣـﻛﻧون ﺣـﻛﻣﺗك ،وﺧـﺎﺗـم أﻣـﺗك ،ﻓـﻘﺎل ﻟـﮫ :ھـل ﻟـك أن ﺗـﻛون ﻣـﻌﻲ
وزﯾـًرا ﺻـدﯾـًﻘﺎ؟ ﻓـﻘﺎل :ﻗـد اﺳـﺗﺧﻠﻔت ﻋـﺗﯾًﻘﺎ ،وﺷـﺎل رداءه ،ﻓـﺈذا ﺑـﺎﻟـﺻدﯾـق إزاءه ،وﺷـﻣس
اﻟﻣﻐرب وراءه ،ﺛم ﻓﺎرﻗﮫ ،وﻗد ﺷﺎﻗﮫ.
ﻓـﻠﻣﺎ ﻋـدﻣـت اﻷﻏـﯾﺎر ،وﺗـﻘطﻌت اﻷﻧـوار ،واﺗـﺻﻠت اﻟـرﻗـﯾﻘﺔ اﻟـﻣﺛﻠﯾﺔ ،ﺑـﺎﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟـﻛﻠﯾﺔ ،ﻓـﻲ
أﻧـﺑوب اﻟـزﻣـردة اﻟـطﯾﻧﯾﺔ ،ﺳـﻣﻊ ﺻـوت وزﯾـره ،وﺻـﺎﺣـب ﺳـره وﺗـدﺑـﯾره ،اﻟـذي اﺳـﺗﺧﻠﻔﮫ
ﺧـﺎﺗـم أوﻟـﯾﺎﺋـﮫ ،ﻓـﻲ اﻟﺟـري ﻋـﻠﻰ أﻧـﺣﺎﺋـﮫ .ﺛـم ﻛـﺎﻧـت أﻣـور ﻓـﻲ ھـذا اﻟﺗﺟـﻠﻲ ﻻ ﯾـﺳﻊ اﻟـوﻗـت إﻟـﻲ
إﻓـﺷﺎﺋـﮭﺎ ،وﻻ ﯾـﻌطﻲ اﻟـﺣﺎل أﯾـﺿﺎ إذاﻋـﺔ أﻧـﺑﺎﺋـﮭﺎ ،ﻓـﺈن اﻟـﻘﺻد ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻛﺗﺎب إﻧـﻣﺎ ھـو
ﻣﻌرﻓﺔ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ واﻟﺧﺗم ،وﺗﻧزل اﻷﻣر اﻟﺣﺗم.
ﻓـﻧﻘول :ﻓـرﺟـﻊ ﻋـوده ﻋـﻠﻰ ﺑـدﺋـﮫ ﻓـﻲ ﻟـﯾﻠﮫ ،وأدرك ﺻـﻼة اﻟـﺻﺑﺢ ﻣـﻊ أھـﻠﮫ ،ﻓـﺗﺳود ذﻟـك
اﻟﺟﺳـد ﻋـﻠﻰ أﻣـﺛﺎﻟـﮫ ،ﻣـﻣن ﺗـﻘدم أو ﺗـﺄﺧـر ﻣـن أﺷـﻛﺎﻟـﮫ ،ﻟـﻣﺎ ﻛـﺎﻧـت ﻣـﺎدة اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﺻـﻠﯾﺔ،
واﻟﻧﺷﺄة اﻟﺑدﻧﯾﺔ ،إﻟﯾﮫ ﻣن ذاﺗﮭﺎ ،وإﻟﻰ ﻏﯾره ﻣن ﺻﻔﺎﺗﮭﺎ.
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن ھـذا اﻟـﻧشء اﻟﻣﺣـﻣدي ﺑﮭـذه اﻟـﻣﻧزﻟـﺔ اﻟـﻌﻠﯾﺔ ،وﻛـﺎن اﻷﺻـل اﻟـﺟﺎﻣـﻊ ﻟﺟـﻣﯾﻊ
اﻟـﺑرﯾـﺔ ،وﺻـﺢ ﻟـﮫ اﻟﻣﺟـد اﻟـذي ﻻ ﯾـﻧﺑﻐﻲ ﻟـﻐﯾره ،وأﻗـﺎﻣـﮫ اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ ﺻـورة ﻧـﻔﻌﮫ
ﺳﺎ ،ﻛـﻣﺎ أﺗـﻣﮭﺎوﺿـﯾره ،ﻋـدﻻ وﻓـﺿﻼ ،وﺟـﻣًﻌﺎ وﻓـﺻًﻼ ،وأراد اﻟـﺣق أن ﯾـﺗم ﺗـﻛرﻣـﺗﮫ ﺣـ ًّ
ﺳﺎ ،ﻓـﺄﻧـﺷﺄ ﻟـﮭﺎ ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم اﻟـﺣس ﺻـورة ﻣـﺟﺳﻣﺔ ،ﺑـﻌد اﻧـﻘﺿﺎء اﻟـدورة اﻟـﺗﻲ اﻧـﻌطف ﻧـﻔ ً
آﺧـرھـﺎ ﻋـﻠﻰ أوﻟـﮭﺎ ،وﻛـﺎﻧـت ﻓـﻲ أوﺳـطﮭﺎ ﻣـﻛﻣﻠﺔ ،وﺳـﻣﻰ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ وﺗـﻌﺎﻟـﻰ ذﻟـك اﻟـﺟﺳم
اﻟـﻣﻛرم اﻟﻣطﮭـر ﻣﺣـﻣًدا ،وﺟـﻌﻠﮫ إﻣـﺎًﻣـﺎ ﻟـﻠﻧﺎس ﻛـﺎﻓـﺔ وﻟـﻠﻌﺎﻟـم ﺳـﯾًدا ،وﻧـطق ﻋـﻠﻰ ظـﺎھـر ذﻟـك
اﻟﺟﺳـد ﻟـﺳﺎن اﻷﻣـر ،ﻓـﻘﺎل) :أﻧـﺎ ﺳـﯾد وﻟـد آدم وﻻ ﻓﺧـر( ،ﺛـم ﻧـزل ﻟـﮭم ﺗـﻌظﯾًﻣﺎ ﻓـﺎﻓـﺗﻘر ،وردد
ﻓـﯾﮭم اﻟـﺑﺻر وﻧـظر ،وﻗـﺎل) :إِﱠﻧـَﻣﺎ أََﻧـﺎ َﺑ َ
ﺷـٌر( ،وذﻟـك ﻟـﻣﺎ ﻛـﻧﺎ ﻟـﮫ ﻣـﺛﺎًﻻ ،وﻛـﺎن ﻟـﻧﺎ ﺗـﻣﺛﺎﻻ،
ﻓـطوًرا ﺗـﻘّدس ،وطـوًرا ﺗـﺟﻧس ،ﻓـﮭو اﻟـﺳﺎﺑـق وﻧـﺣن اﻟـﻼﺣـﻘون ،وھـو اﻟـﺻﺎدق وﻧـﺣن
اﻟﻣﺻدﻗون.
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎﻧـت أﯾـﺿﺎ ﺻـورﺗـﮫ اﻟﺟﺳـدﯾـﺔ ﺧـﺗًﻣﺎ ﻟـﻣﻘﺎم اﻷﻧـﺑﯾﺎء ،ﻻ ﻟـﺻورة اﻹﻧـﺷﺎء ،ﻛـﻣﺎ ﻛـﺎن
ﺑـدًءا ﻟـوﺟـود اﻟـﻛون ،وظـﮭور اﻟـﻌﯾن ،ﻓـﻛﺎﻧـت دورة ﻓـﻠﻛﮫ دورة ﻣـﻠك) ﺑـﻔﺗﺢ اﻟـﻌﯾن وﺧـﻔض
اﻟـﻼم( ،واﻟـدورة اﻟـﻣﺗﻘدﻣـﺔ اﻟـﻣذﻛـورة دورة ﻣـﻠك) ﺑـرﻓـﻊ اﻟـﻌﯾن وﺳـﻛون اﻟـﻼم( ،ﻟـﻌﻠك ﺗـﻘول:
ﻛـﯾف ﯾـﺗﺄﺧـر وﺟـود اﻟـﻣﻠك ﻋـن وﺟـود اﻟـﻣﻣﻠﻛﺔ ،وھـﻲ ﻗـد ﺣـﺻﻠت ﻓـﻲ ﻣـﯾدان اﻟﮭـﻠﻛﺔ؟ ﻓـﺈﻟـﻰ
ﻣن ﻛﺎن ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت اﺳﺗﻧﺎدھﺎ ،وﻋﻠﻰ ﻣن ﻗﺎم أﻣرھﺎ وﻋﻣﺎدھﺎ ؟
ﻓﮭﺎ أﻧﺎ أﺷﻔﻲ اﻟﻐﻠﯾل ،وأوﺿﺢ اﻟﺳﺑﯾل ،وأﻋرﻓك ﺑﺎﻣﺗداد اﻟرﻗﺎﺋق ،وﺗﻧﺎﺳب اﻟﺣﻘﺎﺋق.
وﻟـﻣﺎ أوﺟـد اﻟـﺣق ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ -ﻛـﻣﺎ ﻗـدﻣـﻧﺎ -اﻷﻓـﻼك ﺳـﻘًﻔﺎ ﻣـرﻓـوًﻋـﺎ ﻷھـل اﻟـﺳﻔل ،وﻧـﺻب
اﻷرض ﻣـﮭﺎًدا ﻣـوﺿـوًﻋــﺎ ﻟـﺣﺛﺎﻟـﺔ اﻟـﺛﻘل ،واﻧﺗﺷـرت ﻋـﻧﮫ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻣـن
ﻣﺳـﺗواه ﻓـﻲ اﻟـﻣﻸ اﻷﻋـﻠﻰ ﺣـﻘﺎﺋـﻘﮫ ،وﺗـﻛوﻧـت ﻣـن أﻧـوار أﺷـﻌﺔ ﻧـوره طـراﺋـﻘﮫ ،واﺗـﺻﻠت
ﺑــﻌﺎﻟــم اﻷرض اﻟــﻣوﺿــوع رﻗــﺎﺋــﻘﮫ ،وظﮭــرت ﻓــﯾﮭم ﺷــﻣﺎﺋــﻠﮫ -ﺻــﻠﻰ ﷲ ﻋــﻠﯾﮫ وﺳــﻠم-
وﺧـﻼﺋـﻘﮫ ،ﻟـﻛل ﺣـﻘﯾﻘﺔ ﺷـرب ﻣـﻌﻠوم ،وﻣـﻊ ﻛـل رﻗـﯾﻘﺔ رزق ﻣـﻘﺳوم ،وﻟﺣـظﻧﺎ ﺗـﻔﺎﺿـل
اﻟـرﻗـﺎﺋـق ،ﻓـوﺟـدﻧـﺎھـﺎ راﺟـﻌﺔ إﻟـﻰ ﺗـﻔﺎوت اﻟـﺧﻼﺋـق ﻓـﻲ اﻟـﺧﻼﺋـق؛ ﻓـﻛﺷﻔﻧﺎ ﻣـن ﻣـﻘﺎم اﻟـﻣﺷﺎھـدة
واﻟـﺗﻌﯾﯾن ،ﻋـﻠﻰ رﻗـﺎﺋـق اﻷﻧـﺑﯾﺎء واﻟـﻣرﺳـﻠﯾن ،ﻓـرأﯾـﻧﺎھـﺎ ﺗـﻧزل ﻋـﻠﯾﮭم -ﺻـﻠوات ﷲ ﻋـﻠﯾﮭم-
ﻋـﻠﻰ ﻗـﺳﻣﯾن :ﻣـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ ﯾـﻧزل ﺑـﮭﺎ ﻣـﻼﺋـﻛﺔ اﻟـﻘدﻣـﯾن ،وﻣـﻧﮭﺎ ﻣـﺎ ﯾـﻧزل ﻋـﻠﯾﮭم ﻣـن ﻣﺳـﺗواه
ﻣﻛـﺎﺷﻔـﺔ ﻋﯾـن ،ورأﯾﻧـﺎ ﻣﺷـﺎرﻛﺔـ أﺗﺑـﺎﻋﮭـم ﻟﮭـم ﻓﻲـ ھذـﯾنـ اﻟﺗـﻧزﯾﻠـﯾن ،وﻟﻛـن ﺑوـﺳﺎـطﺗـﮭم ﻻ
س﴾-آل ﻋـﻣران: ﺑـﺎﻟـﻌﯾن ،إﻻ ھـذه اﻷﻣـﺔ اﻟـﺗﻲ ﻗـﯾل ﻓـﯾﮭﺎ إﻧـﮭﺎ ﴿َﺧــْﯾَر أ ُﱠﻣــٍﺔ أ ُْﺧــِرَﺟــْت ﻟِـﻠﱠﻧﺎ ِ
،-110ﻓـﺈﻧـﮭﺎ ﺗـﺄﺧـذ ﻋـﻧﮫ ﻣـن ﻏـﯾر واﺳـطﺔ وﻻ اﻟـﺗﺑﺎس ،ﻛـﻣﺎ أﺧـذ ﻋـﻧﮫ ﻣـن ﺗـﻘدم ﻣـن رﺳـول
ﻣـرﺳـل ،أو ﻧـﺑﻲ ﻣـﻧزل ،ﻏـﯾر أن ﺗـﻧزل اﻟـﻣﻠك ﻗـد ﯾـﻔﺎﺟـﺋﮭم وﻗـًﺗﺎ ﻣـﺎ ،ﻛـﻣﺎ ﯾـﻌﻣﮭم ﺑـﺎﻹﻟـﻘﺎء ﻓـﻲ
اﻷﺟل اﻟﻣﺳّﻣﻰ.
وأﻣـﺎ ﻣـن ﺧـﻠق ﺟـﺎﺣـًدا ،وُطـﺑﻊ ُﻣﻠﺣـًدا ،ﻓـﺈن اﻟـﻧور اﻟﻣﺣـﻣدي ﻟـﻣﺎ ﺿـرب ﻓـﻲ اﻷرض ﺷـﻌﺎﻋـﮫ،
وﺣـﻣﯾت ﻗـﯾﻌﺎﻧـﮫ وﺑـﻘﺎﻋـﮫ ،ﺗـوﻟـدت ﺑـﯾﻧﮭﻣﺎ ﺣـرارة ،وﺗﺟﺳـدت ﺑـﺎﻟـﻧﺑﺎت ﻓـﺗﻛّون ﻣـﻧﮭﺎ ﺷـرارة،
ﻓـﻔﺗق ﻓـﻲ ﺗـﻠك اﻟﺷـرارة اﻟـﺟن ﻋـﻠﻰ ﻗـﺳﻣﯾن :رﻓـﻊ وﺧـﻔض ،ﻟـﻣﺎ ﻛـﺎﻧـت ﺗـﻠك اﻟﺣـرارة ﻧـﺗﺎًﺟـﺎ
﴾-ج ِمْTن نَTاٍر ٍ ن ِمْTن َ
مTاِر ٍ ق اْلَ T
جا َّ خَTل َ ﺑـﯾن اﻟـﻧور واﻷرض ،وﻟـذﻟـك ﻗـﺎل ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰَ﴿ :و َ
اﻟـرﺣـﻣن ،-15:إﺷـﺎرة إﻟـﻰ اﺧـﺗﻼط اﻷرض ﺑـﺎﻷﻧـوار ،ﻓـﻣن ﻏـﻠب ﻋـﻠﯾﮫ اﻟـﻧور ﻓـﻲ ذﻟـك
اﻟـﻧﺗﺎج ﻛـﺎن ﻣـن اﻟـﺟن اﻟـﻼﺣـق ﺑـﺎﻷﻧـوار ،وﻣـن ﻏـﻠب ﻋـﻠﯾﮫ اﻷرض ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟـﻧﺗﺎج ﻛـﺎن ﻣـن
اﻟـﺟن اﻟـﻼﺣـق ﺑـﺎﻟـﺑوار ،ﻓـﺗﻧزل اﻟـرﻗـﺎﺋـق ﻋـﻠﻰ ﻣـن طـﺑﻊ ﻛـﺎﻓـًرا ﻓـﻲ أﻧـﺎﺑـﯾب ذﻟـك اﻟـﻧﺎر
اﻟﺷﯾطﺎﻧﻲ ،وإن ﻛﺎن أﺻﻠﮫ ﻣن اﻟﻧور اﻟﺳﻠطﺎﻧﻲ.
وأﻣـﺎ اﻟـﻌﺻﺎة ﻓـﺗﻧزل رﻗـﺎﺋـﻘﮭم ﺑـواﺳـطﺔ ﻣـﺎ ﻗـدﻣـﻧﺎه ﻣـن اﻟﺣـرارة ،ﻻ ﺑـواﺳـطﺔ اﻟﺷـرارة،
ﻓـﻛﺎﻧـت رﻗـﯾﻘﺗﮫ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻓـﻲ دورة اﻟـﻣﻠك اﻟـﻣﺎﻟـك إﻟـﻰ ھـﻠم ﺟـّرا ،إﻟـﻰ اﻷﺑـد،
أﺻـًﻼ ﻟﺟـﻣﯾﻊ اﻟـرﻗـﺎﺋـق ،وﺣـﻘﯾﻘﺗﮫ ﻣـﻣﺗدة ﻓـﻲ ﻛـل زﻣـﺎن وأوان إﻟـﻰ ﺟـﻣﯾﻊ اﻟـﺣﻘﺎﺋـق ،ﻓـﮭو
اﻟـُﻣِﻣﱡد -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـﻠم -ﻟﺟـﻣﯾﻊ اﻟـﻌواﻟـم ﻣـن أول ﻣﻧﺷـﺋﮫ إﻟـﻰ أﺑـد ﻻ ﯾـﺗﻧﺎھـﻰ ،ﻣـﺎدة
ﺷرﯾﻔﺔ ﻣﻛﻣﻠﺔ ﻻ ُﺗﺿﺎھﻰ.
ﺣـظ اﻹﻧـﺳﺎن ﻣـﻧﮭﺎ اﻧﺳـﻼﺧـﮫ ﻋـن ﺣـﻘﯾﻘﺗﮫ اﻟﻣﺟـردة ،ﺑـﻣﺷﺎھـدة ﺣـﻘﯾﻘﺔ ﻣـن ﻛـﺎن أوﺟـده،
ﻓـﻔﻧﻲ ﻋـن ﻧـﻔﺳﮫ ،ﺣـﯾن أﺣـﺎط ﺑـﮫ ﻧـور ﺷـﻣﺳﮫ ،ﻓـﻲ ﺣـﺿرة ﻗـدﺳـﮫ ،ﻓـﺣﺻل ﻟـﮫ اﻹﺣـﺎطـﺔ
ﺑﺎﻟﻌﻠم اﻟﻛﻠﻲ ﺗﻘدﯾًرا ،وﺑﻘﻲ ﻟﮫ ﺗﺄﺛﯾر اﻟﺣﻛم ﺗﻛوﯾًرا.
ﻓـﺻﺎﺣـب ھـذا اﻟـﻣﻘﺎم ﻻ ﯾﻌﺟـز ﻋـﻣﺎ ﯾـﺳﺄﻟـﮫ ﻋـﻧﮫ ﺳـﺎﺋـل ،وﻛـﯾف ﯾﻌﺟـز ﻣـن أﺣـﺎط ﺑـﺎﻟـﻌﻠم
اﻟـﻛﺎﻣـل! وﺗـﺣﺻﯾل اﻟـﻌﻠم ﻋـﻧده ﻋـﻧد اﻟـﺳؤال ،وھـو اﻟـﻔرق ﺑـﯾﻧﮫ وﺑـﯾن اﻟـﻣﺗﻌﺎل ،ﻛـﻣﺎ أن
اﻟـﻔرق ﺑـﯾﻧﮫ وﺑـﯾن ﻋـﺎﻟـم اﻟـذل واﻟـﻌز ،ﻋـدم اﻟـﺣﺻر واﻟﻌﺟـز .وﻗـد ﯾـﺳﺄل ﻧـﻔﺳﮫ أو ﯾـرى،
ﻓـﯾﻌرف ﻣـﺎ ﺳـﻛن ﻓـﻲ اﻟـﻠﯾل واﻟـﻧﮭﺎر أو ﺗﺣـرك ﻓـﻲ اﻟـورى .ﻓﮭـذا ﻧـﻌت ﻣـن ﺣـﺻل ﻓـﻲ ھـذا
اﻟـﻛﺷف اﻷﺟـﻠﻰ ،واﻟـﻣﻘﺎم اﻟـﺳﻧﻲ اﻷﻋـﻠﻰ ،ﻓـﻼ ﺗﺧـدع ﻧـﻔﺳك ﺑـﻧﻔﺳك ،وﻻ ﺗـﺗرك اﻟـﻐﻣﺎﺋـم ﻋـﻠﻰ
ﺷـﻣﺳك ،إﻻ إن اﺳـﺗﺳﻘﺎك ﻣـن ﺟـدﺑـت أرﺿـﮫ ،وﺗـﻌطل ﻋـﻠﯾﮫ ﻓـرﺿـﮫ ،وھـﻠك ﺑـﻌﺿﮫ ،ﻓـﺎروه
خ اﻟـﻌﻧﺎن ،وأطـﻠقﻣـن ُﻣـزﻧـك ﺣـﺗﻰ ﯾﺳـﺗﺻﺣﺑك ،ﻓـﯾﻌﻠم أن ﺟـﻣﯾﻊ ﻣـطﺎﻟـﺑﮫ ﻓـﯾك ،ﻓـﻌﻧد ذﻟـك أر ِ
ﺳـﺑﯾل اﻟـﻌﯾﺎن ،وﻗـل ﻟـﻠرﯾـﺢ َﺗـْذُروھـﺎ َذْرًوا ﺣـﺗﻰ ﺗـﺑدو اﻟـﺷﻣس ﻟـﻠﻌﯾﺎن ،ﻓـﺈذا أﺣـﺎط اﻹﻧـﺳﺎن
ﺑﮭـذا اﻟـوﺻـف ،وﺗـﺣﻘق ﺑﮭـذا اﻟـﻛﺷف ،ﻓـﻠﯾس وراءه ﻋـدم وﻻ وﺟـود ،وﻻ ﻋـﺎﺑـد وﻻ ﻣـﻌﺑود،
إذ ﻻ وراء وﻻ إزاء ،ﻗـد ﺣـﺻل اﻟـوﺟـودﯾـن ،وﺗـﺣﻘق ﺑـﺎﻟـﻌدﻣـﯾن ،وﻓـﺻل اﻟـﻌدم اﻟـﺛﺎﻟـث
ﻓـﺻﻠﯾن ،وﻟـم ﯾـﺑق ﻟـﮫ ﻣـن اﻟـﻌﻠم ﺳـوى ﺣـرف اﻟـﻌﯾن ،واﻧـﻔردت اﻟـﻣﺎدة ﺑـﺎﻟـﻣﯾم ،واﻟـﻼم ﺑـﻠطف
اﻟﻘدﯾم ،ﻓﻠﯾس ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻣﻘﺎم ﺳوى ﻋﻠم ﻣﺟرد ،وﺗﺣﻘﯾق ﻗدﯾم وﻣﺟدد .
ﻛذـﻟكـ ﺑﻌـض اﻟﺧـواطرـ اﻷ ُول ،اﻟﻼﺣﻘﺔ ﺑﺎـﻷزل ،ﻻ ﺗﺗـﺻف ﺑﺎـﻟوـﺟوـد وﻻ ﺑﺎـﻟﻌـدم ،وﻻ
ﯾـﺗﺿﻣﻧﮭﺎ ﻟـوح وﻻ ﺧـطﮭﺎ ﻗـﻠم ،وﻻ ﻛـﺎﻧـت ﻣﺟـﻣﻠﺔ ﻓـﻲ اﻟـدواة ،ﻛـﺎﻟـﺗﻣر ﻓـﻲ اﻟـﻧواة ،ﻟـم ﺗـﺗﺻف
ﺑـﺎﻷﯾـن ،وﻻ زاﻟـت ﺗـﻛر ﻣـن اﻟـﻌﯾن إﻟـﻰ اﻟـﻌﯾن ،ﻓـﻣن ھـﻧﺎ وﻗـﻊ اﻟﺷـﺑﮫ واﻻﺷـﺗراك ،ﺑـﯾن ھـذه
اﻟـﺧواطـر وﻋـﯾون اﻷﻣـﻼك ،وذﻟـك ﻗـﺑل ﺧـﻠق اﻟـﻌرش ،وﻓـﺗق اﻟـﻔرش ،ﻓـﻘد ﺻـﺣت اﻟـﻣﻘﺎﺑـﻠﺔ،
وﻋﯾﻧت اﻟﻣﻣﺎﺛﻠﺔ.
ﻛـذﻟـك إذا ﺧـﻠﻊ اﻹﻧـﺳﺎن ﻧـﻌﻠﯾﮫ ،وﺗﺟـرد ﻋـن ﺛـوﺑـﯾﮫ ،وزھـد ﻓـﻲ ﻛـوﻧـﯾﮫ ،ﺣـل ھـذا اﻟﻣﺣـل
اﻷﺳـﻧﻰ ،وﻛـﺎن ﻣـﻧﮫ ﻛـﻘﺎب ﻗـوﺳـﯾن أو أدﻧـﻰ ،ورًﺛـﺎ ﻧـﺑوًﯾـﺎ ﻣـﻣن دﻧـﺎ .ﻛـل ﻗـوس ﻋـﻠﻰ ﺣﺳـب
راﻣـﯾﮭﺎ ،وﻋـﻠﻰ ﺣﺳـب اﺧـﺗﻼﻓـﮭﺎ ﻓـﻲ ﻣـراﻣـﯾﮭﺎ .ھـذا ھـو ﻣـﻘﺎم اﻻﺳـﺗواء ،وﺣـﺿرة وﺗـر
اﻷﻧـﺑﯾﺎء ،ﻓـﯾﮫ ﺗـرد ﻋـﻠﯾﮫ ﻣـﺧﺎطـﺑﺎت اﻟـﺗﺄﻧـﯾس ،وﻗـواﻋـد اﻟـﺗﺄﺳـﯾﯾس ،ﺑـﻌﯾن اﻻﺗـﺣﺎد ،ﻣـن ﻏـﯾر
إﻟـﺣﺎد ،ﻓـﺗﻣﺎﯾـل ذاﺗـﮫ ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟـﻧور ﺗـﻣﺎﯾـل اﻟﺳـراج ،ﻣـن وارد اﻟﺳـرور واﻻﺑـﺗﮭﺎج ،ﻓـﻛﺄﻧـﮫ
ﻧـﺷوان أﺧـذ ﻣـﻧﮫ اﻟـراح ،ﻓـرام اﻻرﺗـﯾﺎح ،وﻟـم ﯾﺟـد اﻟﺳـراح ،ﻓـﺳﻣﻊ ﻣـﻧﮫ إﻟـﯾﮫ ،ﻓـﺗواﺟـد
ﺑـﻌﺿﮫ ﻋـﻠﯾﮫ ،ﻓـﻛﺎن ﻋـﺷﺎًﻗـﺎ ﻟـﻧﻔﺳﮫ ،ﺗـواًﻗـﺎ ﻟـﺷﻣﺳﮫ ،ﻓـطﻠﻌت ﻋـﻠﯾﮫ ﻣـن ﻓـؤاده ،وأﺷـرﻗـت
أرض ﺑﻼده ،ﻓﺗﻧﻌم ﺑﻌﺿﮫ ﻓﻲ ﺑﻌﺿﮫ ،ﻟﻣﺎ ﺟﺎدت ﺳﻣﺎؤه ﻋﻠﻰ أرﺿﮫ.
ﻛـذﻟـك إذا ﺣـﺻل اﻹﻧـﺳﺎن ﻣـن ذاﺗـﮫ ﻓـﻲ ﺑـرزخ اﻟـﺑرازخ ،ﻣـﻘﺎم اﻟﻣﺟـد اﻟـﺷﺎﻣـﺦ ،واﻟـﻌز
اﻟـﺑﺎذخ ،ﻓـﯾﮫ ﺗـﻛون ﻟـﯾﻠﺔ ﻗـدره ،وﻛـﻣﺎل ﺑـدره ،ﯾـﻣﯾز ﻓـﯾﮫ ﺑـﯾن اﻷﺷـﯾﺎء ،وﯾـﻔﺻل ﺑـﯾن اﻷﻣـوات
واﻷﺣـﯾﺎء ،وﯾـطﻠﻊ ﻋـﻠﻰ أھـل اﻟـﺑﻼء واﻟـﻧﻌﻣﺎء ،ﻓـﯾﮫ ﯾـﺑرز ﻋـﻠﻰ ﺻـﺣﺎﺑـﺗﮫ ﺑـﺎﻟـﻛﺗﺎﺑـﯾن ﺑـﺎﻟـﺷﻣﺎل
واﻟـﯾﻣﯾن ،وھـؤﻻء ﺑـﺄﺳـﻣﺎﺋـﮭم وأﻧـﺳﺎﺑـﮭم ﻓـﻲ ﻋـﻠﯾﯾن ،وھـؤﻻء ﻛـذﻟـك ﻓـﻲ ﺳـﺟﯾن ،ﺑـﻌد ﻣـﺎ
ﯾـﺣﺻل ﻟـﮫ ﻓـﯾﮫ اﻟﺗﺟـﻠﻲ اﻟـﻌﺎﻟـﻲ ،ﻣـن ﺣـﺿرة اﻟـﻣﺗﻌﺎﻟـﻲ ،ﻓـﮭؤﻻء ﻟـﻠﺟﻧﺔ وﻻ أﺑـﺎﻟـﻲ ،وھـؤﻻء
ﻟـﻠﻧﺎر وﻻ أﺑـﺎﻟـﻲ ،ﻣـﻧﮫ أﻧـزل اﻟـﻔرﻗـﺎن ،وإﻟـﯾﮫ أﻧـزل اﻟـﻘرآن ،وﻓـﯾﮫ ﯾـﻌﻠق اﻟـﻣﯾزان ،وﺗـﺗطﺎﯾـر
ﺻـﺣف اﻟـﺷﻣﺎﺋـل واﻷﯾـﻣﺎن ،ﻓـﻲ ھـذا اﻟـﻣﻘﺎم ﺗـﻘوم ﻗـﯾﺎﻣـﺗﮫ اﻟـﺧﺎﺻـﺔ ﺑـذاﺗـﮫ ،وﺗـﻘﻊ ﻣـﺳﺎﺋـل
اﻟـﻌدل ﻓـﻲ أﺳـﻣﺎﺋـﮫ وﺻـﻔﺎﺗـﮫ ،ﻓـﺗﻧطق اﻟـﺟوارح ﻟـﺑﻌض اﻟـﻌﺎرﻓـﯾن ،وﺗـﺑدو اﻟـﻔﺿﺎﺋـﺢ ﻷھـل
اﻟـﺗﻠوﯾـن ،واﻟـﻣﺻﺎﻟـﺢ ﻷھـل اﻟـﺗﻣﻛﯾن ،ﻓـﯾﮫ ﺗـﺑدل ﺳـﯾﺋﺎﺗـﮭم ﺣـﺳﻧﺎت ،وﻛـراﻣـﺎﺗـﮭم آﯾـﺎت ،ﻓـﯾﮫ
ﯾـﺣﺻل ﻟـﮫ ﺑـﻌد ﻗـﯾﺎﻣـﺗﮫ ،واﺳـﺗواء إﻗـﺎﻣـﺗﮫ ،اﻟـورث اﻷﻧـﺑﺎﺋـﻲ ،واﻟـﻣﻘﺎم اﻻﺧـﺗﺻﺎﺻـﻲ ،ﻓـﻧﺎدى
ص﴾- ﻓـﻲ ذﻟـك اﻷﻧـﺑﺎء اﻟـﺧﺎص :أﻻ ﻓـﺎﻧـزل إﻟـﻰ اﻟـﻘﺻﺎص ،وﻋﺟـل ﺑـﺎﻷوﺑـﺔ ﴿َوَﻻَت ِﺣـﯾَن َﻣـَﻧﺎ ٍ
ص ،-3:ﻓـﻣﺑﺎدر وﻣـﺗﻠﻛك ،ﻓـﻣﺗﻣﱠﻠك ﻣـن ﺗـﻣﱢﻠك ،ﻣـن ھـذه اﻟـﺣﺿرة ﯾـﻧﻘﻠب اﻟـوﻟـّﻲ ﻧـﺑًﯾﺎ ،واﻟـﻧﺑ ّ
ﻲ
وﻟـًﯾﺎ ،ﻓﮭـﻲ ﺣـﺿرة اﻟﺧـﻠﯾﻔﺔ واﻟـﺧﺗم ،وﻣﺣـل اﻹﻓـﺷﺎء واﻟـﻛﺗم ،وإن رﻏـم أﻧـف اﻟـﻣﻧﻛر ،ﻓـﺈﻧـﮫ
اﻟـﻌﺎﺋـل اﻟﻣﺳـﺗﻛﺑر ،أﺧـذ ﺑـﻘﺿﺎء ﷲ ،إﻻ إن ﺣـﺻل ﻓـﻲ ﻣـﺿﻣﺎر اﻻﻧـﺗﺑﺎه ،ﻓـﯾﻧﻘﻠب ﻋـﯾﻧﮫ،
وﯾﺗﺻل ﺑﯾﻧﮫ .ﻓﯾﺎ ﺣﺿرة ﻓرق ،وﯾﺎ ﻣﻘﻌد ﺻدق ،ﻣﺎ أﻋطﺎه ﺑﺣق.
ﻛـذﻟـك إذا طـﻠﻌت ﻧـﺟوم اﻟـﻌﻠوم ،ﻣـن ﺳـﻣﺎوات اﻟـﻔﮭوم ،اﻓـﺗﻘر إﻟـﯾﮫ ﻛـل ﺷـﻲء ،وﻟـم
ﯾـﻔﺗﻘر ھـو إﻟـﻰ ﺷـﻲء ،وﺳـﺑﺣت دراري ﺻـﻔﺎﺗـﮫ ،ﻓـﻲ أﻓـﻼك ذواﺗـﮫ ،ﻋـﻠﻰ ﺑـرج ﻣـﻘﺎﻣـﺎﺗـﮫ،
وﻣـﻧﺎزل ﻛـراﻣـﺎﺗـﮫ ،ﻓﺗﺧـﻠق اﻷﯾـﺎم ﺑـدورﺗـﮭﺎ ،وﺗـﺛﺑت اﻷﺣـﻛﺎم ﺑـﻛرﺗـﮭﺎ .ﻓﺳـﺑﻌﺔ ﺳـﺎﺑـﺣﺔ ﻓـﻲ
ﺳـﺑﻌﺔ ﻟـﮭﺎ إﻗـﺑﺎل ﻓـﻲ ﺛـﻣﺎﻧـﯾﺔ وﻋﺷـرﯾـن ،ورﺟـﻌﺔ ﻣـﻘﺳﻣﺔ ﻋـﻠﻰ اﺛـﻧﻲ ﻋﺷـرﻣـﺣًّﻼ ،ﻟـﺗﺻﺑﺢ
اﺛـﻧﻲ ﻋﺷـر ﺷﮭـًرا ﺣـراًﻣـﺎ وﺣـًّﻼ .ﻓـﻠﯾس إﻻ أرﺑـﻌﺔ أﻋـﻼم :أﯾـﺎم ،وﺟـﻣﻊ وﺷـﮭور وأﻋـوام؛
ﻓـﺎﻷﯾـﺎم داﺧـﻠﺔ ﻓـﻲ اﻟُﺟـَﻣﻊ ،واﻟﺟـﻣﻊ واﻷﯾـﺎم داﺧـﻠﺔ ﻓـﻲ اﻟـﺷﮭور ،واﻷﯾـﺎم واﻟﺟـﻣﻊ واﻟـﺷﮭور
داﺧـﻠﺔ ﻓـﻲ اﻷﻋـوام ،ﺛـم ﯾـرﺟـﻊ اﻟـﻛور ،وﯾـﺗواﻟـﻰ اﻟـﱠدور ،ﻓـﺎﻟـدراري ﺟـﻣﻌﺔ ﺗـﻣﺎم ،واﻟـﻣﻧﺎزل
ﺷﮭر واﻟﺑروج ﻋﺎم.
ﻓﺈن ﻛﺎن ﯾوﻣك اﻷﺣد ،ﻓﺈدرﯾس ﺟﻠﯾﺳك ﻓﻼ ﺗﻠو ﻋﻠﻰ أﺣد،
وإن ﻛﺎن ﯾوﻣك اﻻﺛﻧﯾن ،ﻓﺂدم ﺟﻠﯾﺳك ﻓﻲ ﺑرزخ اﻟﻧﺷﺄﺗﯾن،
وإن ﻛـﺎن ﯾـوﻣـك اﻟـﺛﻼﺛـﺎء ،ﻓـﮭﺎرون ﺟـﻠﯾﺳك ﻓـﺎﻟـزم اﻻھـﺗداء ،وﯾـﺣﯾﻰ أﻧـﯾﺳك ﻓـﺎﻟـزم اﻟـﻌﻔﺎف
واﻻﻛﺗﻔﺎء،
وإن ﻛﺎن ﯾوﻣك اﻷرﺑﻌﺎء ،ﻓﻌﯾﺳﻰ ﺟﻠﯾﺳك ﻓﺎﻟزم اﻟﺣﯾﺎة اﻟﻘدﺳﯾﺔ واﻟﺑﯾداء،
وإن ﻛﺎـن ﯾوـﻣكـ اﻟﺧﻣـﯾس ،ﻓﻣـوﺳﻰـ ﺟﻠـﯾﺳك ﻓﻘـد ارﺗﻔـﻊ اﻟﺗـﻠﺑﯾس ،وﻛﻣـﻠت ﻋﻠـﻰ ﻛﺷـف وﻻ
أﻧﯾس ،وﻗد اﺳﺗﺑﺷر اﻟﻣﻠك وﺧﻧس إﺑﻠﯾس،
وإن ﻛﺎن ﯾوﻣك اﻟﻌروﺑﺔ ،ﻓﯾوﺳف ﺟﻠﯾﺳك ﺻﺎﺣب اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﻌﺷوﻗﺔ اﻟﻣﺣﺑوﺑﺔ،
وإن ﻛﺎن ﯾوﻣك اﻟﺳﺑت ،ﻓﺈﺑراھﯾم ﺟﻠﯾﺳك ﻓﺑﺎدر ﺑﻛراﻣﺔ ﺿﯾﻔك ﻗﺑل اﻟﻔوت.
ﻓﮭذه أﯾﺎم اﻟﻌﺎرﻓﯾن ،وھؤﻻء دراري أﻓﻼك اﻟﺳﺎﺋرﯾن.
وأﻣـﺎ ﺷـﮭورھـم ﻓـﺄرﺑـﻊ ﺟـﻣﻊ ،ﻓـﺎﺳـﺗﻣﻊ أﯾـﮭﺎ اﻟـﺳﺎﻟـك واﺗـﺑﻊ ،ﻓـﻛﺷف ﺟـﻣﻌﺗﮭم اﻷوﻟـﻰ ﻟـوﺣـﯾﺔ،
واﻟﺛﺎﻧﯾﺔ ﻗﻠﻣﯾﺔ ،واﻟﺛﺎﻟﺛﺔ ﯾﻣﯾﻧﯾﺔ ،واﻟراﺑﻌﺔ ﻋﻠﻣﯾﺔ.
ض ﴾– سَماَوا ِ
ت َواْأل َْر َ خَTلقَ الَّ T
وَم َ
هلل َيْ T شْهًTرا ِفTي ِكTتَا ِ
ب ا َِّ شَTر َ
ع َT
وﻋـﺎﻣـﮭم ﴿:اث ْTنَا َ
اﻟـﺗوﺑـﺔ ،-36:ﻓـﻌﻠﯾك ﺑـﺎﻻﻧـﺗﺑﺎه ،ﻓﻣﺣـرم :اﻟﺗﺣـرﯾـم واﻟـﺗﺑري ،وﺻـﻔر :اﻟﺗﺟـﻠﻲ واﻟـﺗﻌري،
ورﺑـﯾﻊ)اﻷول( :اﻟـﻌرف ،ورﺑـﯾﻊ) اﻟـﺛﺎﻧـﻲ( :اﻟـﻛﺷف ،وﺟـﻣﺎدى اﻷوﻟـﻰ ،وﺟـﻣﺎدى اﻵﺧـرة،
ورﺟـب :اﻟﻣﺷﮭـد اﻷﺷـﻣﺦ ،وﺷـﻌﺑﺎن :اﻟـﺑرزخ ،ورﻣـﺿﺎن :اﻟـﺻﻣداﻧـﯾﺔ ،وﺷـوال :ﻋـﯾن
اﻟﻣﺎھﯾﺔ ،وذو اﻟﻘﻌدة :اﻟﺑﺳﺎط ،وذو اﻟﺣﺟﺔ :اﻻﻧﺑﺳﺎط ،ﻓﮭذه ﺷﮭورھم ،وھﻛذا دھورھم.
ﻓـﺷﻣﺳﮭم :ﺣـﯾﺎﺗـﮭم ،وزھـرﺗـﮭم :ﺑـﺻرھـم ،وﻛـﺎﺗـﺑﮭم :ﻛـﻼﻣـﮭم ،وﻗـﻣرھـم :ﻋـﻠﻣﮭم ،واﻟـﻣﻘﺎﺗـل:
ﻗدرﺗﮭم ،واﻟﻣﺷﺗرى :إرادﺗﮭم ،واﻟﻣرﯾﺦ :ﺳﻣﻌﮭم،
ﻓـﺷﻣﺳﮭم :روﺣـﮭم ،وﻗـﻣرھـم :ﻧـﻔﺳﮭم ،واﻟـﺧﻧس :ﺣـواﺳـﮭم ،وﺗـرﺣـﯾﻠﮭم :ﺳـﯾرھـم ﻓـﻲ
اﻟـﻣﻘﺎﻣـﺎت ،وﺗـﺄﺛـﯾرھـم :ﻣـﺎ ظﮭـر ﻋـﻧﮭم ﻣـن اﻟـﻛراﻣـﺎت ،ورﺟـوع دوراﻧـﮭم :ﻧـزوﻟـﮭم إﻟـﻰ
اﻟـﺑداﯾـﺎت ﺑـﻌد اﻟـﻧﮭﺎﯾـﺎت .ﻟـﻛن ﻧـﺷﺄة أﺧـرى ،ﻓـﻲ ﯾـوم طـﺎﻣـﺔ ﻛـﺑرى ،ﻓـﯾﻣﺎﻧـﯾﺔ وﺷـﻣﺎﻟـﯾﺔ ﻓـﻲ
اﻟـﺗرﺣـﯾل ،ﻓـﺎﻟـﺗرﻗـﻲ ﺑـﺄﺳـﻣﺎء ﺧـﻠق ﻟـﺣق ،وأﺳـﻣﺎء ﺣـق ﻟﺧـﻠق ،ﻋـﻠﻰ اﻟﺗﺣـرﯾـم واﻟﺗﺣـﻠﯾل.
وﻛـﺳوف ﯾـﻌﺗري ،ﻟـﻛّﻣل ﻗـد ﯾـري ،وأدﻧـﻰ ﯾـﻛﺷف أﻋـﻠﻰ ،ﻟـﻐﻠب اﻟـﺷﮭﺎدة ﻋـﻠﻰ ﻣـﺎ ﺧـﻔﻰ،
وزﯾـﺎدة ﻓـﻲ ﻗـﻣر اﻟـﻧﻔس ،وﻧـﻘص وذﻟـك ﻟـﺗﻌوﯾـﺞ اﻟـﻘوس ،ﻓﺧـروج ﻣـن ﺣـﺿرة اﻟـﺣق
ودﺧـول ،وﻣـﺣﺎق وأﻓـول ،وﻻ ﯾـﻛﺳف إﻻ اﻟـﺗراب ،وﯾـﺗوب ﷲ ﻋـﻠﻰ ﻣـن ﺗـﺎب .وﯾـﻛﺳف
اﻟـﻘﻣر اﻟـﺷﻣس ﻓـﻲ أوﺟـﮭﺎ ،إذا دﺧـل ﺑـرﺟـﮭﺎ ،وﻟـوﻻ طـﻠب اﻻﺧـﺗﺻﺎر ،ﻷوﺿـﺣﻧﺎ ھـﻧﺎ ﻣـن
اﻷﺳـرار ،ﻣـﺎ ﻓـﯾﮫ ﻋـﺑرة ﻷوﻟـﻲ اﻷﺑـﺻﺎر ،ﻓـﺎﻧـظر ﻋـﻠﻰ ھـذا اﻷﻧـﻣوذج ﻓـﻲ ﻧـﻔﺳك ،واﺟﺗﮭـد
ﻓﻲ ﺗرﺣﯾل ﻗﻣرك ﻓﻲ ﺷﻣﺳك ،وﷲ ﯾﮭدي إﻟﻰ اﻟطرﯾق اﻷﻗوم ،واﻟﺳﺑﯾل اﻷﻗدم.
ﻛـذﻟـك إذا ﻛـﺎن اﻹﻧـﺳﺎن ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎم اﻟـﻣﺟﺎھـدة وﻋـدم اﻟـﻘرار ،ﻓـﻌﻧﺻره اﻟـﻧﺎر .ﻓـﺈن ﺗـﻠطﻔت
ذاﺗـﮫ ﺑـﻛﺷف اﻹﯾـﻣﺎء ،وﻓـﻧﻲ ﻋـن ﺗـﺄﺛـﯾر اﻹرادات وﺳـﻠطﺎن اﻷھـواء ،ﻓـﻌﻧﺻره اﻟـﮭواء .ﻓـﺈن
ﻛـﺎن ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎم اﻟـﺗﺣﻘق ﺑـﺎﻷﺳـﻣﺎء ،ﺑـﻌد اﻷﺳـرار واﻟـﻧزول ﻣـن اﻟـﺳﻣﺎء ،ﻓـﻌﻧﺻره اﻟـﻣﺎء .ﻓـﺈن
ﺻـﻣت وھـو ﻣـﺗﻛﻠم ،وﺗـﺑرأ ﻣـن اﻟـﻌﻠم وھـو ﻣـﻌﻠم ،وﺳـﺎوى ﺑـﯾن اﻷﻗـﺎرب واﻷﺗـراب ،وﻋـم
ﺑﺧطﺎب اﻟﮭداﯾﺔ اﻷﻋداء واﻷﺣﺑﺎب ،ﻓﻌﻧﺻره اﻟﺗراب.
ﺳُﺑُﮫ اﻟﱠظْﻣﺂُن
ﻛذﻟك إذا ﻋﻠم اﻹﻧﺳﺎن أن وﺟوده ﺳراب ،إﻟﻰ ﺟﺎﻧب وﺟود اﻟوھﺎبَ ﴿،ﯾْﺣ َ
َﻣـﺎًء َﺣـﱠﺗٰﻰ إَِذا َﺟـﺎَءهُ َﻟـْم َﯾِﺟـْدهُ َ
ﺷـْﯾًﺋﺎ﴾– اﻟـﻧور ، -39:ﻓـﻠوﻻ ﻧـﻔﺧﺔ اﻟـدﻋـوى ﻣـﺎ ﺗﺷـﺑﮫ ﺑـﺎﻟـﻣﺎء.
ﻓـﺈن ارﺗـﻘﻰ ﻋـن ھـذا اﻟـﺷﻛل ،ﻓﺳـراﺑـﮫ ﻋـﺑﺎرة ﻋـن اﻟـﻣﺛل ،وذﻟـك إذا ﺗﺟـﻠﻰ اﻟـﺣق إﻟـﻰ ﻗـﻠﺑﮫ،
ﻓـﻲ ﻣـﻛﻧون ﻏـﯾﺑﮫ ،ﻓﺳـطﻌت أﻧـواره ﻋـﻧد اﻟﺗﺟـﻠﻲ ،ﻓـﺗﺧﯾل اﻟـظﻔر ﺑـﮫ ﻓـﻲ ذﻟـك اﻟـﺗدﻟـﻲ ،ﻓـوﺟـد
اﻷﯾـن ﯾـﺣﺻره ،واﻟـﻌﯾن ﺗـﺑﺻره ،واﻟـﻛﯾف ﯾـﻧﻌﺗﮫ ،واﻟـﻌﻘل ﻓـﻲ اﻟﺗﺷـﺑﯾﮫ ﯾـﻣﻘﺗﮫ ،ﻓـﯾرﺟـﻊ ﺑـﻌد
اﻟـﻔﻧﺎ إﻟـﻰ اﻟﻌﺟـز ،وﯾـﻌرف أﻧـﮫ ﺧـﻠف ﺣـﺟﺎب اﻟـﻌز ،ﻓـﺣﯾﻧﺋذ ﯾﺟـد ﷲ ﻋـﻧده ،ﻓـﯾوﻓـﯾﮫ ﻋﮭـده.
ﻓﺗﺣﱠﻘْق رﺷده.
ﻛـذﻟـك ﻣـن وﺳـﻊ اﻟـﺣق ﻗـﻠﺑﮫ ،ﻓـﻘد اﺳـﺗوى ﺷـﮭﺎدﺗـﮫ وﻏـﯾﺑﮫ ،واﻟﺗﺣـﻣت ﯾـواﻗـﯾﺗﮫ،
واﻧـﻌدﻣـت ﻣـواﻗـﯾﺗﮫ ،وﻛـﺎن اﻟـﺣق ھـﻧﺎ اﻟـﺳﺎري ﻟـﻌﺑده ،رﺣـﻣﺔ ﻣـن ﻋـﻧده .وھـذا اﻟـﻔرق ﺑـﯾن
اﻟـﻧﺑﻲ واﻟـوﻟـﻲ ،واﻟـﺗﮭﺎﻣـﻲ واﻟﻧﺟـدي ،ﻓـﺈن اﻟـﻧﺑﻲ ﯾﺳـري إﻟـﻰ اﻟـﺧﻼق اﻟـﻌﻠﻲ ،واﻟـﺣق ﯾﺳـري
إﻟـﻰ اﻟـوﻟـﻲ ،إذ ﻻ طـﺎﻗـﺔ ﻟـﮫ ﻋـﻠﻰ اﻟﺳـرى ،ﻟـﻘوة اﻣـﺗزاﺟـﮫ ﺑـﺎﻟـورى ،وﺗـﺛﺑﺗﮫ ﻓـﻲ اﻟـﺛرى.ﻓـﻣن
ﻏـﻠﺑت ﻋـﻠﯾﮫ روﺣـﺎﻧـﯾﺗﮫ ،واﺳـﺗوﻟـت ﻋـﻠﯾﮫ رﺑـﺎﻧـﯾﺗﮫ ،ﺳـرى إﻟـﯾﮫ ﺳـﯾر اﻟـﻧﺑﻲ ،ﻋـﻠﻰ اﻟـﺑراق
صالُِ T
ح َيْTرَفُTعُه ﴾– ﻓـﺎطـر،-10: ب َواْلَTعَمُل الَّ T
طِّي ُ اﻟـﻌﻣﻠﻲ﴿ ،إَِلْTيِه َيْ T
صَعُد اْلَTكلُِم الَّ T
واﻟـﺣق ﯾـﻔرﻗـﮫ وﯾﺟـﻣﻌﮫ ،ﻓـﻣن أراد ﺑﺳـط ھـذه اﻟـﻣرﺟـﺎﻧـﺔ وﻟـؤﻟـؤﺗـﮭﺎ ﻋـﻠﻰ اﻻﺳـﺗﯾﻔﺎء ،ﻓـﻠﯾطﺎﻟـﻊ
ﻣن ﻛﺗﺑﻧﺎ ﻛﺗﺎب )اﻹﺳراء( ،ھﻧﺎﻟك ﯾﻌرف ﻣﻧزﻟﺗﮫ ،وﯾﻛﺷف ﻣرﺗﺑﺗﮫ.
ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ
) وھﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺣﺎم اﻟﯾواﻗﯾت واﻧﺗظﺎم اﻟﻣواﻗﯾت(
ﻛـذﻟـك ﻋـﺎﻟـم اﻟـﺷﮭﺎدة ﺗـﻣﺎم اﻟـﻌواﻟـم ،وﻧـﻛﺗﺔ اﻟـﻌﺎﻟـم ،ھـو ﻣـﺟﺗﻣﻊ اﻷﺳـرار ،وﻣـطﺎﻟـﻊ
اﻷﻧـوار ،ﺑـﮫ ﯾـﺻﺢ اﻟﻣﺟـد ،وﻟـﮫ ﯾـﺣﺻل اﻟﺟـد ،ﻓـﺈن ﻗـﺎل :أﻧـﺎ ﺳـﯾد اﻟـﻌﺎﻟـم ﻓـﻠﮫ أن ﯾـﻘول ،ﻷن
اﻟـﻌﻘل ﻟـم ﯾـﺻﺢ ﻟـﮫ ﻋـﻠم إﻻ ﺑـﻌد اﻟـﻣﻐﯾب ﻓـﻲ ھـذا اﻟﺟﺳـد واﻷﻓـول ،وإن ﻗـﺎل ﴿ :إِﱠﻧـَﻣﺎ أََﻧـﺎ َﺑ َ
ﺷـٌر
ِﻣــْﺛﻠُُﻛْم﴾– اﻟــﻛﮭف -110:دون زﯾــﺎدة ،ﻓــﺎﻻﺷــﺗراك ﻓــﻲ اﻟــﻌﺑﺎدة .و اﻹﻧــﺳﺎن ﻓــﻲ ﻧــﻔﺳﮫ
ﻧـﺳﺧﺗﺎن ،وﻟـذﻟـك ﻟـﮫ إذا ﺻـﺎم ﻓـرﺣـﺗﺎن ،ﻓـﻧﺳﺧﺔ إﺣـﺳﺎﺳـﮫ ﺗـﻔرح ﺑـﻔطرھـﺎ ،وﻧـﺳﺧﺔ ﻋـﻘﻠﮫ
ﺗـﻔرح ﺑـﻠﻘﺎء رﺑـﮭﺎ ،ﻓـﻛﺎن اﻟـواﺣـد ﻣـﺛﺎًﻻ ،واﻵﺧـر ﺗـﻣﺛﺎًﻻ .وﻗـد ﻛـﺎن ﻣـﻠك اﻟـروح ﻣـوﺟـوًدا،
وﻋـﺎﻟـم اﻟـﻣﻠك ﻣـﻔﻘوًدا ،وﻟـﻛن ﯾـﻼﺣـظﮫ ﻓـﻲ أطـوار ﺗـﻧﻘﻠﮫ ﻣـن اﻷﺻـﻼب ،إﻟـﻰ أوان اﻻﻧﺳـﻼخ
ﻣـﻧﮭﺎ واﻻﻧﺳـﻼب .ﻓـﻣن اﻧﺳـﻠﺦ ﻋـن ﺻـﻠﺑﮫ ،ﻓـﻘد ﻓـﺎز ﺑـﻠذة ﻗـرﺑـﮫ .وﻣـن ﺗـﻘدم روﺣـﮫ ﻋـﻠﻰ
ﺣـﺳﮫ ،ﻓـﻘد ﺣـﺎز ﺣـﺿرة ﻗـدﺳـﮫ .وﻣـن دﺑـر ﻣـﻠﻛﮫ ﻓـﻲ ﻋـﺎﻟـم اﻟـﻐﯾب ،ﺑـرأه ﷲ ﻋـﻧد وﺟـوده ﻣـن
اﻟـﻌﯾب واﻟـرﯾـب .وﻣـن ﻛـﺎن آدﻣـﻲ اﻟـوﺿـﻊ ﻣﺣـﻣدي اﻟﺳـر ،ﻓـﻘد ﺣـﺻل اﻟـﻣﻘﺎﻣـﺎت ﻋـﻠﻰ
اﻻﺳـﺗﯾﻔﺎء ،وﻛـﻠﻣﮫ اﻟـﺟﺑﺎر ﺑـوﺳـﺎطـﺔ اﻻﻓـﺗﻘﺎر ،إﻟـﻰ اﻟـﻧﺎر ﻓـﻲ ﺣـق اﻷﻏـﯾﺎر .ﻛـذﻟـك ﻣـن ﻣﺷـﻰ
ﻓـﻲ ﺣـق ﻏـﯾره ،ﻓـﻘد ﺑـﺎء ﺑﺟـﻣﯾﻊ ﺧـﯾره ،ﻓـﺈن ﻣﺷـﻰ ﻓـﻲ ﺣـق اﻟـﺣق ،ﻓـﮭو ﻓـﻲ ﻣـﻘﻌد اﻟـﺻدق.
ﻓﺗﺣﻘق ﺗرﺷد.
ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﻌﺎﺷرة
)وھﻲ اﻣﺗداد اﻟرﻗﺎﺋق ﻣن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣﻘﺎﺋق(
وإذا ﻛـﺎن اﻟـﻌﺎرف أﻣـره ﻣـﺗﺑوًﻋــﺎ ،وﻛـﻼﻣـﮫ ﻣـﺳﻣوًﻋــﺎ ،وﺣـﺻل اﻟـﻣﺷﺎھـدة اﻟـﻐﯾﺑﯾﺔ ،وﺣـﺎز
اﻟـﻣرﺗـﺑﺔ اﻟـﻘطﺑﯾﺔ ،وﺗـﺎﻗـت إﻟـﯾﮫ اﻷﺳـرار ،ﻓـﺄطـﻠﻊ اﻷﻧـوار ،ﻣـن ﺧـﻠف اﻷﺳـﺗﺎر ،وﻛـﺎﻧـت ﻣـﺎدﺗـﮫ
ﻛـﺎﻟـﺷﻣس ﻓـﻲ ﻣـﺎدﺗـﮭﺎ ،وﻗـﺑﻠت ﻛـل ذات ﻋـﻠﻰ ﺣﺳـب ﺣـﻘﯾﻘﺗﮭﺎ ،ﻓـﺈذا ﺣـﺻل ﻓـﻲ اﻟـﻧور ﺗـﻐﯾﯾر،
ﻓـذﻟـك راﺟـﻊ إﻟـﻰ ﻣﺣـل اﻟـﺗﻛوﯾـر .ﻓـﻛﻣﺎ ﻻ ﯾـﺳﺎوي ﻗـﺑول اﻟـﺟﺳم اﻟـﺻﻘﯾل ﻗـﺑول اﻟـدرن ﻟـﻠﻧور
واﻟـﻔﯾض واﺣـد ،ﻛـذﻟـك ﻣـﻧﺎزل اﻟـﻘﻠوب ﻋـﻧد ﻓـﯾض اﻟـﺷﺎھـد .ﻓـﺎﻟـﻘطب ﯾـرﺳـل ﻧـوره ،واﻟـﻛون
ﻣـﻧﮫ ﻣـﺎ ﯾـﻛﺷف ﺣـﺟﺎﺑـﮫ وﻣـﻧﮫ ﻣـﺎ ﯾـرﺧـﻰ ﺳـﺗوره .ﻓـﺎﻟـﻐﯾب ﻣـن ﻛـون اﻟـﻧﻔس ،ﻻ ﻣـن ﻋـﯾن
اﻟﺷﻣس .ﻓﺎﻹﻣداد وﺗري ،واﻟﻘﺑول وﺗري وﺷﻔﻌﻲ .ﻓﻧور اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻛﺎﻟﺳراج ﻓﻲ اﻟﺻﻔﺔ:
ﻓـﻛﻣﺎ أن ﻧـور اﻟﺳـراج ﻣـﺎ ﻗـرب ﻣـﻧﮫ إﻟـﻰ اﻟـﻔﺗﯾل ظـﻠم وﻏـﺑﺎر ،وﻣـﺎ ﺑـﻌد ﻋـﻧﮫ وارﺗـﻔﻊ •
ﺳـطﻊ وأﻧـﺎر .ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻣـﺎ اﻣـﺗزج ﻣـﻧﮫ ﺑـﻌﺎﻟـم اﻟـﺷﮭﺎدة ﻗـل ﺿـوؤه ،وﺗـراﻛـم
ﻏـﻣﺎﻣـﮫ وﻧـوؤه ،ﻓـﺈن اﻟﻣﺣـل ﻛـﺛﯾف ،وﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻟـطﯾف ،وﻣـﺎ ﺗـﻌﻠق ﻣـﻧﮫ ﺑـﺎﻟـﻌﻘل
واﻟروح ،أﻧﺎر ﻛذات ﯾوح ،وﺑﻘﻲ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﮫ ﻣن اﻟﺟﻼء ،ﻟﻣﺎ اﻧﺳﻠﺦ ﻣن اﻟﻌﻣﺎء.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟـﻔﺗﯾﻠﺔ إذا ﻛـﺎن ﻓـﻲ رأﺳـﮭﺎ دﺧـﺎن ﻣـﺳﺎﻣـت ﻟـﻧور اﻟﺳـراج ﻻﺻـق ﺑـﮫ ،ﺟـرى •
ﻧـور اﻟﺳـراج ﻓـﻲ أﻧـﺑوب اﻟـدﺧـﺎن ﺣـﺗﻰ ﯾﺳـﺗﻘر ﺑـرأس اﻟـﻔﺗﯾﻠﺔ ،ﻓـﺗﺗﻘد ﻋـﻠﻰ ُﺑـﻌد ،ﻓـﻣﺎ
ظـﻧك ﺑـﻧور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻣـن ﺑـﻌد .ﻛـذﻟـك اﻟـﻌﺎرف إذا اﺣـﺗرق ﻗـﻠﺑﮫ ﺑـﺎﻟـﺷوق ،وﺻـﻌدت
ھـﻣﺗﮫ إﻟـﻰ ﻓـوق ،واﺗـﺻﻠت ﺑـﻧور ﻣـﻌرﻓـﺔ اﻟـﻣﻌروف ،ردھـﺎ إﻟـﻰ ﻗـﻠب اﻟـﻌﺎرف ﺑـﺄﺳـﻧﻰ
ﻣﻌروف ،ﻓﻌﺎش ﺑﮭﺎ زﻣﺎًﻧﺎ ،وأﻧﺎر ﺑﮭﺎ أﻛواًﻧﺎ.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج إذا طـﻠﻌت اﻟـﺷﻣس ﻟـم ﯾـﺗﻐﯾر ﺿـوء ﻧـﻔﺳﮫ ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ •
ﻓـﻲ اﻟـﻌﺎرف إذا ﺗﺟـﻠﻰ اﻟـﺣق ﻟـﻸﻋـﯾﺎن وأظﮭـر ﻗـدﺳـﮫ ،أﻧـﺎر اﻟـوﺟـود ﺑﺗﺟـﻠﯾﮫ ،وأﻧـﺎر
اﻟـﻌﺎرف ﺑـذﻟـك اﻟﺗﺟـﻠﻲ وزاد ﻋـﻠﻰ اﻟـﻐﯾر ﺑـﻣﺎ أودﻋـﮫ ﻓـﯾﮫ ،ﻓـﮭو ﯾـﺿﻲء ﺑـﻧورﯾـن،
وﯾﺷﮭد اﻟﺣق ﻣن ﺟﮭﺗﯾن.
وﻛـﻣﺎ أن ﻧـور اﻟﺳـراج أﺑـدا إﻟـﻰ ﺟـﮭﺔ ﻓـوق ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻣـﺗﻌﻠق ﺑـﺎﻟـﺣق ،ﻓـﺈن •
ﻣـّر ﻋـﻠﻰ اﻟﺳـراج ھـواء ﺗـﻣﺎﯾـل ﺗـﻣﺎﯾـل اﻟـﻧﺷوان ،ﻓـﺈن اﺷـﺗد ﻋـﻠﯾﮫ اﻟـﮭواء ﻋـدم ﻣـن
اﻟـﻌﯾﺎن .و ﻛـذﻟـك ﻧـور ﻣـﻌرﻓـﺔ اﻟـﻌﺎرف إن داﺧـﻠﮫ ﺗـﻌﻠق ﺑـﺎﻷﻛـوان ،ﺗـﻣﺎﯾـل ﻣـن اﻟـﺷﻣﺎﺋـل
واﻷﯾﻣﺎن ،ﻓﺈن ﺗﻌﻠق ﺑﮭﺎ ﺗﻌﺷًﻘﺎ ،ﻋدم ﻣن اﻟﻣﺷﺎھدة ﺗﺣﻘًﻘﺎ.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج ﯾـطﻔﺊ ﻣـﻧﮫ اﻟـﮭواء ﻣـﺎ ﻟـﺣق ،وﯾـﺑﻘﻰ ﻣـﻧﮫ ﻧـﯾًرا ﻣـﺎ ﻟـم ﯾـﻠﺣق ،ﻛـذﻟـك •
ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻟـﯾس ﯾـذھـب ذھـﺎًﺑـﺎ ﻛـﻠًﯾﺎ وﻟـﻛن ﯾـذھـب ﻣـﻧﮫ ﻣـﺎ ﺗـﻌﻠق ﺑـﺎﻟﺧـﻠق ،وﯾـﺑﻘﻰ
ﻣﻧﮫ ﻣﺎ ﺗﻌﻠق ﺑﺎﻟﺣق.
وﻛـﻣﺎ ﯾـﻔﺟﺄ اﻟـﻧﻔﺦ اﻟﺳـراج ﺑـﻐﺗﺔ ﻓـﯾطﻔﺋﮫ ،ﻛـذﻟـك اﻟﺧـطرة اﻟﻣﺳـﺗﻔرﻗـﺔ ﺗـطﻔﺊ ﻧـور •
اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ وﻻ ﺗـﻛﻠؤه ،ﻓـﺈن ﺑـﻘﻲ ﻣـﻧﮫ دﺧـﺎن ﻓـﺗﻠك اﻟـﮭﻣﺔ ﻓﺳـﯾﻌود إﻟـﯾﮫ ﻧـوره وھـو
ﺟﺎﻟس ،وإن ﻟم ﯾﺑق ﻟﮫ دﺧﺎن ﻓﺳﯾﻛون اﻟﻔراﻧق اﻟﻔﺎرس.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج إذا ﻟـم ﯾـﻣده اﻟـدھـن ُطـﻔﺊ ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ إذا ﻟـم ﺗـﻣده اﻟـﺗﻘوى •
ُﻋدم.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج إذا ﻟـم ﯾـﺗﻌﻠق ﺑـﺟﺳم ﻟـم ﯾـوﺟـد ﻟـﮫ ﻋـﯾن ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻣـﻊ •
اﻟﻛون.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج ﻻ ﯾـﻛون ﺿـوؤه ﻛـﺎﺷـﻔﺎ إﻻ ﺣـﯾث اﻟـظﻼم ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻓـﻲ •
اﻷﺟﺳﺎم.
وﻛﻣـﺎ أن اﻟﺳرـاج ﻻ ﯾﺳﺗـﺿﻲء ﺑﮫـ إﻻ ﻣنـ ﯾﻠـﯾﮫ ،ﻛذـﻟكـ ﻧوـر ﻣﻌـرﻓﺔـ اﻟﻌـﺎرف ﻻ •
ﯾﺳﺗﺿﻲء ﺑﮫ إﻻ ﻣن ﯾﺻطﻔﯾﮫ وﯾدﻧﯾﮫ.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج ﻻ ﯾﺳـﺗﺿﻲء ﺑـﮫ ﻣـن ﺑـﻌد ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﻻ ﯾﺳـﺗﺿﻲء ﺑـﮫ •
ﻣن ﺟﺣد.
وﻛـﻣﺎ أن ﻧـور اﻟﺳـراج ﯾـﻛﺷﻔﮫ اﻟـﺑﻌﯾد واﻟـﻘرﯾـب ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ ﯾﺷﮭـد ﻟـﮫ اﻟـﺑﻌﯾد •
ﻓﻲ اﻷﻓﻌﺎل واﻟﻘرﯾب ،ﻓﻲ وﺻﻔﮫ اﻟﻌﺟﯾب.
وﻛـﻣﺎ أن ﻣـن ﺣـﺻل ﻓـﻲ ﺿـوء اﻟﺳـراج ﻻ ﯾـﻛﺷف ﻣـﺎ ﺑـﻌد ﻋـﻧﮫ ﺑـرؤﯾـﺎه ،ﻛـذﻟـك ﻧـور •
اﻟﻣﻌرﻓﺔ ﻣن ﻗرب ﻣﻧﮫ ﻻ ﯾﻌرف ﺳواه،
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج ﯾـوﻗـد ﻣـﻧﮫ أھـل اﻷرض وﻻ ﯾـﻧﻘص ذاﺗـﮫ ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ إذا •
ﺣﻘﻘت ﺻﻔﺎﺗﮫ.
وﻛـﻣﺎ أن اﻟﺳـراج ﻣـﺎ اﺗـﺻل ﻣـﻧﮫ ﺑـﺎﻟـﻔﺗﯾﻠﺔ اﺗـﺳﻊ ،وﻣـﺎ ﺑـﻌد ﻋـﻧﮭﺎ ﺧـرج ﻣﺧـروط •
اﻟـﺷﻛل وﺳـطﻊ ،ﻛـذﻟـك ﻧـور اﻟـﻣﻌرﻓـﺔ إذا ﺗـﻌﻠق ﺑـﺎﻷﻓـﻌﺎل اﺗـﺳﻊ ﺑـﺎﺗـﺳﺎﻋـﮭﺎ ،وإذا ﺗـﻌﻠق
ﺑﺎﻟﺣق ﺿﺎق ورّق ﻟﻌﺟزه ﺑﻣﻛﺎﻧﮭﺎ.
وﻓـﻲ اﻟﺳـراج ﻣـن اﻻﻋـﺗﺑﺎر ﻣـﺎ ﯾـﺿﯾق اﻟـدﯾـوان ﻋـﻧﮫ ،وﻻ ﯾـﺑﻠﻎ ﻟـﮫ ﻛـﻧﮫ .ﻓـﻛﯾف ﻟـو أﺧـذﻧـﺎ ﻓـﻲ
اﻋــﺗﺑﺎر اﻟــﺷﻣس ﻓــﻲ ھــذا اﻟــﻣﻘﺎم ،واﻟــﻘﻣر ﻓــﻲ ﺣــﺎل ﻧــﻘﺻﮫ واﻟــﺗﻣﺎم ،أو ﻓــﻲ ﻛــون ﻣــن
اﻷﻛـوان ،ﻟـﺿﺎق اﻟـزﻣـﺎن ﻋـن إﺑـراز ﺳـراﺋـره ﻟـﻠﻌﯾﺎن ،ﻓـﻠﯾﻛن ﻣـن ذﻟـك ﻣـﺎ ذﻛـرﻧـﺎه ،وﻟﯾﺳـﺗدل
ﺑﮭذا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗرﻛﻧﺎه،
وھذا ھو ﺣظ اﻹﻧﺳﺎن ﻣن اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﻌﺎﺷرة ﻗد ذﻛر ﺑﻌﺿﮫ ،وأﺟﻣل ﻣﻌﻧﺎه ﻟﻣﺎ ﻗﺻر
ﻋﻧﮫ ﻟﻔظﮫ ،وﷲ ﯾﮭدي إﻟﻰ اﻟﺣق وإﻟﻰ ﺻراط ﻣﺳﺗﻘﯾم.
اﻟﻔﺻل اﻟراﺑﻊ ﻣن ﻛﺗﺎب " ﻋﻧﻘﺎء ﻣﻐرب"
اﻋﻠم أن اﻹﻣﺎﻣﺔ ھﻲ اﻟﻣﻧزﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻛون اﻟﻧﺎزل ﻓﯾﮭﺎ ﻣﺗﺑوﻋﺎ ،وﻛﻼﻣﮫ ﻣﺳﻣوﻋﺎ،
وﻋﻘده ﻻ ﯾﺣل ،وﺿرب ﻣﮭﻧد ﻻ ﯾﻔل .ﻓﺈذا ھم أﻣﺿﻰ .وﻻ راد ﻟﻣﺎ ﺑﮫ ﻗﺿﻰ .ﺣﺳﺎﻣﮫ
ﻣﺻﻠت ،وﻛﻼﻣﮫ ﻣﺻﻣت .ﻻ ﯾﺟد اﻟﻐرض ﻣدﺧﻼ إﻟﯾﮫ ،وإن رام اﻋﺗراﺿﺎ ﻋوﻗب ﻋﻠﯾﮫ.
وﻗد أﺛﺑﺗﮭﺎ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ وﺗﻌﺎﻟﻰ :ﻛﺑرى وأﻛﺑر ،وﺻﻐرى وأﺻﻐر .ﻓﺄي ﻣﻧزﻟﺔ ﻛﺎﻧت ﺻﻐرت
أم ﻛﺑرت ،ﺟﻠت أم ﻗﻠت ،ﻓﺈن اﻟطﺎﻋﺔ ﻓﯾﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﺄﻣوم واﺣدة ،واﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻟﮭﺎ ﻓﺎﺳدة،
إذ ﻗد وﻗﻊ اﻟﺗﺳﺎوي ﻓﻲ اﻟطرﯾﻘﺔ ،واﻻﺷﺗراك ﻓﻲ اﻟﺣد واﻟﺣﻘﯾﻘﺔ.
وﺣﻛم اﻹﻣﺎم ﻋﻠﻰ ﻗﺳﻣﯾن :ﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻹﻣﺎم إﻣﺎﻣﯾن :ﻧﺎطق وﻣﺿﻣن ﻧطﻘﺎ ،وﺻﺎدق
وﻣودع ﺻدﻗﺎ .ﻛﺎﻹﻣﺎم اﻟذي ھو اﻟﻛﺗﺎب اﻟﺻﺣﯾﺢ ،اﻟذي ﯾﺷﮭد ﻋﻠﯾﮫ ﺑﺎﻟﺗﺻرﯾﺢ ،ﻓﯾﺣﻛم
ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻛﺗﺎب ﺑﻣﺎ ﺷﺎء ﻛﯾف ﺷﺎء .وﻟذﻟك ﻗﺎل اﻟﺻﺎدق اﻟﻣﺧﺗﺎر ]:ﻓﯾﺳﺑق ﻋﻠﯾﮫ اﻟﻛﺗﺎب
ﻓﯾدﺧل اﻟﻧﺎر[ .وﻛل ﻣﻠك ﻻ ﯾﻛون ﻓﯾﮫ إﻣﺎم ﻣﺗﺑﻊ ،ﻓﻌن ﻣﺎ ﻗرﯾب ﯾﻧﺧرب ذﻟك اﻟﻣﻠك
وﯾﺗﺻدع .وﻟﮭذا ﺗوﻓرت دواﻋﻲ ﻛل أﻣﺔ ،إﻟﻰ اﺗﺧﺎذ اﻷﯾﻣﺔ .وھﻛذا ﺟرت اﻟﺣﻛﻣﺔ
خَال ِفيَها ن ِمْن أ ُ َّ
مٍة إَِّال َ اﻹﻟﮭﯾﺔ ،واﻟﻧﺷﺄة اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﻘﺎل اﻟﺣﻛﯾم اﻟﺧﺑﯾر َ﴿ :و إِ ْ
نَِذيٌر ﴾– ﻓﺎطر ،- 24 :ﻛل أﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺳب ﻣﺎ ﺗﻌطﻰ ﺣﻘﯾﻘﺗﮭﺎ ،وﺗﻘﺑل رﻗﯾﻘﺗﮭﺎ ،ﻓﺈن ﷲ
مث َاُلُكْم﴾ –اﻷﻧﻌﺎم.- 38 : مٌم أ َ ْحْيِه إَِّال أ ُ َ
جنَا َ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻘولَ﴿ :وَال طَاِئٍر َي ِ
طيُر ِب َ
ﻓﺄﻟﺣق اﻟﺑﮭﺎﺋم ﺑﺎﻷﻣم ،وﺣﻛم ﺑذﻟك وﻋم .وﻛل أﻣﺔ ﻓﻲ أﻓﻘﮭﺎ ﻧﺎطﻘﺔ ،وﻓﻲ أوﺟﮭﺎ ﻋﺎﺷﻘﺔ.
ﻓﻠﯾس ﻓﻲ اﻟوﺟود ﺟﻣﺎد وﻻ ﺣﯾوان ،إﻻ ﻧﺎطق ﺑﻠﺳﺎن ،ﻟﺳﺎن ذات ﻻ ﻟﺳﺎن ﺣﺎل ،واﻟﻘﺎﺋل
ﺑﺧﻼف ھذا ﻗﺎﺋل ﻣﺣﺎل .ﻓﺎﻟﺣﺟب ﻛﺛﯾﻔﺔ ،واﻟﻣﻌﺎﻧﻲ ﻟطﯾﻔﺔ .ﻓﻠو ﻛﺷف اﻟﻐطﺎء ،وزال
يٍءش ْ ن ِمْن َ اﻻﺳﺗﺑطﺎء ﻟرأﯾت ﻛل ذات ﻣﺳﺑﺣﺔ ﻓﻲ ﺟﻧﺳﮭﺎ ،ﻧﺎطﻘﺔ ﻓﻲ ﻧﻔﺳﮭﺎ َ﴿ :و إِ ْ
حْمِدِه ﴾– اﻹﺳراء ، - 44:ﻣوف ﺑﻌﮭده .أﻻ ﺗرى أن اﻟﻣؤذن ﯾﺷﮭد ﻟﮫ ح ِب َ سبِّ ُإَِّال ُي َ
ﻣدى ﺻوﺗﮫ ،ﻓﮭذا ﻗد ﻋرﻓﻧﺎ ﺑﺣﻘﯾﻘﺔ ﻟﻐﺗﮫ .وﻛﻼم اﻟﻣﯾت ﯾﺳﻣﻌﮫ ﻛل ﺣﯾوان ،ﻣﺎ ﻋدا
اﻹﻧس واﻟﺟﺎن .وﻓﻲ ﻛل أﻣﺔ ﻣن ھذه اﻷﻣم ﻧذﯾر ﻣن ﺟﻧﺳﮭﺎ ،ﻋﻠﻰ ﺣﺳب ﻧﻔﺳﮭﺎ .
وﻻﺑد ﻣن اﺗﺧﺎذ اﻹﻣﺎم اﻟﻣﺗﺑﻊ ،ﻓﻲ اﻟﺷﻲء اﻟذي ﻗدم ﻟﮫ واﺗﺑﻊ .ﻓﺈن ﻧﺎزﻋﮫ آﺧر
ھﻠك ،وﺑﻘﻰ اﻷول ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻣﻠك ،إﻻ إن ظﮭر ﻣﻧﮫ ﻧﻘص ﻓﻲ ﺷروط اﻹﻣﺎﻣﺔ ،وﻟم ﺗﺛﺑت
ﻓﯾﮫ اﻟﻌﻼﻣﺔ ،ﻓﻠﯾﻌذر ﻣن وﻗﺗﮫ ﻗﺑل ﻣﻘﺗﮫ .وﻟﯾﻘدم ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻣﻧزﻟﺔ ﻣن ﻛﺎﻧت ﻓﯾﮫ
ِ
ن فيِهَما و َكا َاﻟﺷروط ،ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻘد اﻟﻣرﺑوط ،ﻓﺈﻣﺎم اﻷﺋﻣﺔ ﻛﻠﮭﺎ ،ھﺎدﯾﮭﺎ وﻣﺿﻠﮭﺎَ﴿ :ل ْ
سَدتَا ﴾ – اﻷﻧﺑﯾﺎء - 22:ﻓﻘد ﻗرن اﻟﻔﺳﺎد ﺑﺎﻻﺷﺗراك ،وﻗﺎل إن ﺑﮭﺎ آ َلَِهٌة إَِّال ا َُّ
هلل َلفَ َ
ﯾﻘﻊ اﻟﮭﻼك ،ﻓﻼﺑد ﻣن اﺗﺣﺎده ،ﻓﻲ ﺣﻛم ﺑﻼده ،ﻓﻼ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﻣﻧﺎزﻋﺗﮫ ،وﻻ ﻣدﺧل إﻟﻰ
ﻣطﺎﻟﺑﺗﮫ ،إﻻ ﻛﻣﺎ ذﻛرت ﻟك ﻣن ﻛﻣﺎل اﻟﺷروط واﺳﺗﯾﻔﺎﺋﮭﺎ ،واﻟوﻓﺎ ﺑﺣﻘوﻗﮭﺎ وآداﺋﮭﺎ.
وإﻣﺎم اﻟﺻﻼة إﻣﺎم ﻓﯾﮭﺎ ،ﻋﻠﻰ أرﻛﺎﻧﮭﺎ وﻣﺑﺎﻧﯾﮭﺎ ،ﻓﺈذا رﻛﻊ ﻓﺎرﻛﻌوا ،ﻓﺈذا ﺳﺟد
ﻓﺎﺳﺟدوا ،وﻣن رﻓﻊ ﻗﺑل اﻹﻣﺎم ،ﻓﻧﺎﺻﯾﺗﮫ ﺑﯾد اﻟﺷﯾطﺎن .وﻛذﻟك اﻟﻘﺎﺿﻲ إﻣﺎم ﻓﯾﻣﺎ
ﻧﺻب إﻟﯾﮫ ،واﻟﻘﺎﺋم إﻣﺎم ﻓﯾﻣﺎ ﻗدم ﻋﻠﯾﮫ ]،وﻛﻠﻛم راع وﻛﻠﻛم ﻣﺳﺋول ﻋن رﻋﯾﺗﮫ[ ،ﻓﻛل
إﻧﺳﺎن إﻣﺎم ﻓﻲ ﺑﯾﺗﮫ وﺑﻧﯾﺗﮫ.
واﻹﻣﺎم اﻷﻛﺑر اﻟﻣﺗﺑﻊ ،اﻟذي اﻟذي إﻟﯾﮫ اﻟﻧﮭﺎﯾﺔ واﻟﻣرﺟﻊ ،وﺗﻧﻌﻘد ﻋﻠﯾﮫ أﻣور اﻷﻣﺔ
أﺟﻣﻊ .ﻓﻛل إﻣﺎم ﻻ ﯾﺧﺎﻟف ﻓﻲ إﻣﺎﻣﺗﮫ ،إذا ظﮭر ﺑﻌﻼﻣﺗﮫ .وﻛل إﻣﺎم ﺗﺣت أﻣر ھذا اﻹﻣﺎم
اﻟﻛﺑﯾر ،ﻛﻣﺎ أﻧﮫ ﺗﺣت ﻗﮭر اﻟﻘﺎﺑض اﻟﻘدﯾر ،ﻓﮭو اﻵﺧذ ﻋن اﻟﺣق ،واﻟﻣﻌطﻲ ﺑﺣق ﻓﻲ
ﺣق .ﻓﻼ ﺗﺧرﺑوه واﻧﺻروه ،ووﻗروه وﻋزروه ،ﻓﺈﻧﮫ إﻟﻰ ھذه اﻟﻣﻧزﻟﺔ اﻟﺷرﯾﻔﺔ اﻹﺷﺎرة
خلِيفًَة ﴾ – اﻟﺑﻘرة . - 30 :وﻟﻣﺎ وﻗﻊ ض َ جاِعٌل ِفي اْأل َْر ِ
ﺑﻘوﻟﮫ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﴿ :إِنِّي َ
اﻻﻋﺗراض ﻋﻠﯾﮫ ،ﺟﻌل اﻟﻣﻌﺗرﺿﯾن ﺳﺟدا ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ ،ﻓﺎﺧﺗص ﺑﺧزي اﻷﺑد ،ﻣن أﺑﻰ ﻋن
اﻟﺳﺟود ﺣﯾن ﺑﺎدرﻣن اﻣﺗﺛل اﻷﻣر وﺳﺟد .وﻛﻔﻰ ﺑﮭذا ﻟﻺﻧﺳﺎن .ﻓﻛﯾف إذا اﻧﺿﺎف إﻟﻰ
ھذا ﻛوﻧﮫ ﻋﻠﻰ ﺻورة اﻟرﺣﻣن .ﻓﻠﮫ اﻟﻔﺿل ﻋﻠﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟوﺟود ﺑﺎﻟﺻورة واﻟﺳﺟود.
ﻓﺑﺎﻟﺻورة ﺻﺣت ﻟﮫ اﻹﻣﺎﻣﺔ ،وﺑﺎﻟﺳﺟود ﺻﺣت ﻟﮫ اﻟﻌﻼﻣﺔ ،ﺣﯾن ﯾﺷﮭد اﻟﺣق ﻟﮫ إﻧﮫ
ﻋﻼﻣﺔ .
وﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻷﻣر ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺗرﺗﯾب ،وأﻋطت اﻟﺣﻛﻣﺔ ﻋﻠﻰ ھذا اﻟﺗﻘرﯾب ،ﻛذﻟك ھذه
اﻟﻧﺷﺄة اﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ،واﻟﻧﻛﺗﺔ اﻟرﺑﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﯾﮭﺎ أﺋﻣﺔ ،ﻛﻣﺎ ﻓﯾﮭﺎ أﻣم :أﻣﺔ ﻓوق أﻣﺔ .إذ ﻛﺎن أ ُﱡم
اﻟﻛﺗﺎب وﺣﺿرة اﻟﻠﺑﺎب .واﻟروح اﻟﻔﻛري إﻣﺎم ،واﻟروح اﻟﻌﻘﻠﻲ إﻣﺎم ،واﻟروح اﻟﻣﺻور،
واﻟروح اﻟﺧﯾﺎﻟﻲ ،واﻟروح اﻟوھﻣﻲ إﻣﺎم ،واﻟﺣواس أﺋﻣﺔ .وﻟﻛل إﻣﺎم ﻣن ھذه اﻷﺋﻣﺔ
أﻣﺔ .واﻹﻣﺎم اﻷﻛﺑر ،واﻟﻧور اﻷزھر :اﻟﻘﻠب اﻟﻣﻘدم ﻋﻠﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﺷﮭﺎدة واﻟﻐﯾب ،وھو
اﻟروح اﻟﻘدﺳﻲ ،واﻹﻣﺎم اﻟﻧدﺳﻲ ،وإﻟﯾﮫ أﺷﺎر -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم – ﺑﻘوﻟﮫ ]:إن ﻓﻲ
اﻟﺟﺳد ﻣﺿﻐﺔ إذا ﺻﻠﺣت ﺻﻠﺢ اﻟﺟﺳد ،وإن ﻓﺳدت ﻓﺳد اﻟﺟﺳد ،أﻻ وھﻲ اﻟﻘﻠب[ ،ﻓﺈن
ﻛﺎن ﺻﺎﻟﺣﺎ ً ﻓروح ﻗدﺳﻲ ،وإن ﻛﺎن ﻏﯾر ذﻟك ﻓﺷﯾطﺎن ﻏوي .
ﻓﺎﻟرﻏﺑﺔ ﻋﻠﻰ دﯾن اﻹﻣﺎم ،ﺳواء ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﺑﺳﺎﺋط أو ﻋﺎﻟم اﻷﺟﺳﺎم .ﻓﺈﻣﺎم اﻹﻧﺳﺎن
ھو اﻟذي ﻗﺎل ﻓﯾﮫ اﻟرﺣﻣن ]:ﻣﺎ وﺳﻌﻧﻲ أرﺿﻲ وﻻ ﺳﻣﺎﺋﻲ ،ووﺳﻌﻧﻲ ﻗﻠب ﻋﺑدي[،
ﺣﯾن ﺿﺎق ﻋن ﺣﻣل ﺗﺟﻠﯾﮫ اﻷرض واﻟﺳﻣﺎء ،واﺳﺗﺣﺎل ﻋﻠﯾﮭﻣﺎ اﻻﺗﺻﺎف ﺑﺎﻷﺳﻣﺎء.
ﻓﺻﺎر ﻗﻠب اﻟﻌﺎرف ﺑﯾت اﻟﺣق ،وﻣﻘﻌد ﺻدق .ﻓﻘد ﺛﺑت اﻹﻣﺎم ﺟﻣﻌﺎ ً ،وأﺗﻰ اﻟﻧﺎس إﻟﯾﮭﻣﺎ
ﻛرھﺎ وطوﻋﺎ ً.
واﻋﻠﻣوا أن اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ ﻻ ﺗﻘﻊ إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺷرط اﻟﻣﺷروط ،واﻟﻌﻘد اﻟوﺛﯾق اﻟﻣرﺑوط .
ﻛل ﻣﺑﺎﯾﻊ ﻋﻠﻰ ﻗدر ﻋزﻣﮫ ،وﻣﺑﻠﻎ ﻋﻠﻣﮫ .ﻓﻘد ﯾﺑﺎﯾﻊ ﺷﺧص ﻋﻠﻰ اﻹﻣﺎﻣﺔ ،وﻓﻲ ﻏﯾره
ﺗﻛون اﻟﻌﻼﻣﺔ .ﻓﺗﺻﺢ اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻔﺎت اﻟﻣﻌﻘوﻟﺔ ،ﻻ ﻋﻠﻰ ھذه اﻟﻧﺷﺄة اﻟﻣﺟﮭوﻟﺔ .
ﻓﯾﻣد ﻋﻧد ﺗﻠك اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻧﺎﻗص ﻓﻲ ظﺎھر اﻟﺟﻧس ،إﻟﻰ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﻣطﻠوب ﯾده
ﻣن ﺣﺿرة اﻟﻘدس .ﻓﺗﻘﻊ اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ ﻋﻠﯾﮭﺎ ،ﻣن ﻏﯾر أن ﯾﻧظر ﺑﺑﺻره إﻟﯾﮭﺎ .وﻟذﻟك ﯾﻘﻊ
اﻻﺧﺗﻼف ﻓﻲ اﻹﻣﺎم اﻟﻣﻌﯾن ،ﻻ ﻓﻲ اﻟوﺻف اﻟﻣﺗﺑﯾن .ﻓﻛل ﺧﻠﯾﻔﺔ ﺗﺟﻣﻊ اﻟﻘﻠوب ﻋﻠﯾﮫ ،
وﻻ ﺳﯾﻣﺎ إن اﺧﺗل ﻣﺎ ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ .ﻓﻘد ﺻﺣت اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ ﻟﻠﺧﻠﯾﻔﺔ ،وﻓﺎز ﺑﺎﻟرﺗﺑﺔ اﻟﺷرﯾﻔﺔ.
وإن ﺗوﺟﮫ اﻋﺗراض ،ﻓﻼ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ اﻟﻘﻠوب اﻟﻣﻧﻌوﺗﺔ ﺑﺎﻟﻣراض.
ن اَّلِذيَن
وﻟﻣﺎ ﻛﺎن اﻟﺣق ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻹﻣﺎم اﻷﻋﻠﻰ ،واﻟﻣﺗﺑﻊ اﻷوﻟﻰ ،ﻗﺎل ﴿ :إِ َّ
ق أ َْيِديِهْم ﴾– اﻟﻔﺗﺢ . - 10 :وﻻ ﯾﻧﺎل هلل فَ ْ
و َ هلل َيُد ا َِّ ك إِنََّما ُيبَاِيُعو َ
ن ا ََّ ُيبَاِيُعونَ َ
ھذا اﻟﻣﻘﺎم اﻷﺟﺳم ،ﺑﻌد اﻟﻧﺑﻲ اﻟﻣﺻطﻔﻰ اﻷﻋظم ،إﻻ ﺧﺗم اﻷوﻟﯾﺎء اﻷطول اﻷﻛرم .وإن
ﻟم ﯾﻛن ﻣن ﺑﯾت اﻟﻧﺑﻲ ،ﻓﻘد ﺷﺎرﻛﮫ ﻓﻲ اﻟﻧﺳب اﻟﻌﻠوي ،ﻓﮭو راﺟﻊ إﻟﻰ ﺑﯾﺗﮫ اﻷﻋﻠﻰ ،ﻻ
إﻟﻰ ﺑﯾﺗﮫ اﻷدﻧﻰ .
ك ِمث ُْل َ
خِبيٍر ﴾ – ﻓﺎطر،- 14: وﺳﯾﺑدوا ﻟك أﻣره ،وﯾﺗﺿﺢ ﻟك ﺳرهَ﴿،وَال ُينَبِّئ ُ َ
ﻓﺗﻠﺣق ﺑﺎﻟﺳﻣﯾﻊ اﻟﺑﺻﯾر ،وﺗﺗﺣﻘق ﺑﺎﻟﻌﺟز واﻟﺗﻘﺻﯾر.
ﻓﻠﻧذﻛر اﻵن ،ﻧﺳﺧﺗك ﻣن ھذا اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ اﻟﺑﯾﺗﻲ اﻹﻣﺎم ،ﺛم اﺧﺗم ﻧﺳﺧﺗك ﻣن ﺧﺗم
اﻷوﻟﯾﺎء اﻟﻛرام ،واﻟﺧﺗم ﯾﻛون اﻟﺗﻣﺎم.
)ا( -ﻓﺻل:
وﻟﻣﺎ ﺗﻛﻠﻣﻧﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺷرف اﻟﻧﺑوي اﻷﺟﻠﻰ ،ﻣن طرﯾق اﻟﺑﯾت اﻷﻋﻠﻰ ،ﺣﺗﻰ ﻧﺳﺗوﻓﯾﮫ ﻓﻲ
آﺧر اﻟﻛﺗﺎب ﻣن ﻏﯾر اﺧﺗﺻﺎر وﻻ إﺳﮭﺎب ،وﻟﻛن ﺑﯾﺳﯾر أﻟﻔﺎظ ﺟزﺋﯾﺔ ،ﺗدل ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻧﻲ
ﻛﻠﯾﺔ.
وﺻل :ﻛذﻟك ﻟﻺﻧﺳﺎن ﻧﺳﺑﺗﺎن ،وﻟﮫ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣﻧﺻﺑﺎن :ﻓﺄﺷرف ﻧﺳﺑﮫ ،وأﻋﻠﻰ
ﻣﻧﺻﺑﮫ ،أن ﯾﻧﺗﺳب ﻟﻠﺣق ﻻ ﻟواﻟدﯾﮫ ،وأن ﯾﻘﯾم ﺳره أﺑدا ﺧدﯾﻣﺎ ﺑﯾن ﯾدﯾﮫ .ﻓﺈذا ﺻﺣت
ﻟﮫ ھذه اﻟرﺗﺑﺔ ،وﻓﺎز ﺑﺄﻋﻠﻰ درﺟﺔ اﻟﻘرﺑﺔ ،وﺗﺻرف ﻋن ﺳﻣﺎع اﻹذن اﻟﻣﺗﻌﺎل ،ﺻﺢ ﻟﮫ
اﻟﻣﻧﺻب اﻟﻌﺎﻟﻲ ،ﻓﻛﺎن إذ ذاك ﻋﺑد ﷲ ﺑن ﻓﻼن ،وإﻣﺎﻣﺎ ﯾﻘﺗدي ﺑﮫ اﻟﺛﻘﻼن .
)ي( -ﻓﺻل:
وﻟـﻣﺎ ﻗـﺎل :وﻗـﺎم ﺳـﻣّﻲ اﻟـﻧﺑﻲ ،وﻋـن ﯾـﻣﯾﻧﮫ ﺳـّﻣﺎه اﻟـوﻟـﻲ .وذﻟـك ﻋـﻧدﻣـﺎ ﯾـﻧﻌدم اﻟـﺧﺎء ،وﯾﺧـط
اﻷﻟـف ﻓـﻲ اﻟـﺳﻣﺎء ،وﯾﺟـري وادي ﻣـﻧﻰ ،وﯾظﮭـر اﻹﻧـﺳﺎن ﻓـﻲ اﻟـﻣﺎء .وﺗـﻛون اﻟـﺷﻣس ﻓـﻲ
ني ﴾– ھـود: وم ِ الTظَّاِِملَ T
اﻟـﺟوزاء .ﻓـﺈذا اﺳـﺗوى اﻟـﻔﻠك ﻋـﻠﻰ اﻟـﺟودي ،وﻗـﯾلُ ﴿ :بْTعًدا لِْTلَق ْ
س ِمْ T
ن .-44وﻗُـﺗل اﻟـﺳﻔﯾﺎﻧـﻲ وﺻـﺎر ﻣـن اﻟـﻔﺎﺳـﻘﯾن ،وﻧـﺎدى اﻷب اﺑـﻧﮫ وﻗـﯾل ﻟـﮫ﴿ :إِنَُّه َلْTي َ
ني ﴾ -ھود.-46 : جا ِ
هلِ َ ن ِمَن اْل َ
ن تَُكو َ ك ﴾ ﴿ إِنِّي أ َِع ُ
ظ َ
ك أَ ْ هلِ َ
أَ ْ
وﺻل :أﺷﺎر ﺑذﻟك إﻟﻰ اﻟورث اﻟﻧﺑوي ،واﻟﻣﻘﺎم اﻟﺑرزﺧﻲ ،ورﻓﻊ اﻟﺣﺟﺎب اﻹﻟﮭﻲ ﻓﻲ ﻗﺗل
اﻟﺳﻔﯾﺎﻧﻲ ،وﺗﺣﺻﯾل اﻟﻣرﻛب اﻹﺣﺳﺎﻧﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺟودي اﻷﻧﺑﺎﺋﻲ.
)ك( -ﻓﺻل:
وﻟﻣﺎ ﻗﺎل :وﻛﺎﻧت ﻋﻼﻣﺔ أﯾﻣن اﻟﺧّد ،وﻛوﻧﮫ ﯾﻣﯾن اﻟواﺣد اﻟﻣﺎﻟك ،ﻓﻣن ﺛﺑﺗت ﻟﮫ ﺗﻠك
اﻟﻌﻼﻣﺔ ،ﻓﻘد ﺻّﺣت ﻟﮫ اﻹﻣﺎﻣﺔ.
)ل( -ﻓﺻل:
وﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت اﻟﻣﺑﺎﯾﻌﺔ ﻟﮭذا اﻹﻣﺎم ،ﺑﯾن اﻟرﻛن واﻟﻣﻘﺎم ،وﻟﯾس ﻟﮫ وراءھﺎ ﻣرﻣﻰ ﻟرام.
وﺻـل :ﻛـذﻟـك إذا ﻛـﺎن واﻗـﻔﺎ ﺑـﯾن ﻣـﻘﺎم اﻟُﺧـﻠﺔ ،ورﻛـن ﻣـن رام ﺑـﺄﺿـﯾﺎﻓـﮫ ﺳـد اﻟِﺧـﻠﺔ ،اﻟـذي
ﻗـﺎل ﻓـﯾﮫ اﻟـﻧﺑﻲ -ﺻـّﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ وﺳـّﻠم -ﻓـﻲ ﺻـﺣﯾﺢ اﻟـﺧﺑر] :رﺣـم ﷲ أﺧـﻲ ﻟـوطـﺎ ﻟـﻘد ﻛـﺎن
ﯾـﺄوي إﻟـﻰ رﻛـن ﺷـدﯾـد[ ﺧـطﺎﺑـﺎ ﻟﺟـﻣﯾﻊ اﻟﺑﺷـر .ھـﻧﺎﻟـك ﯾـوﺻـف ﺑـTِ ﴿ :
عTنَْد ِذي اْلَTعْر ِ
ش
ع ث ََّTم أ َِمTنيٍ ) –﴾(21اﻟـﺗﻛوﯾـر ،-20/21 :وﺗـﻌﻘد ﻟـﮫ ﻣـﺑﺎﯾـﻌﺔ اﻟـﺗﻌﯾﯾن ﻓـﻲ مِTكنيٍ )ُ (20
مTطَا ٍ َ
اﻟﺣرم اﻟﻣﻧﯾﻊ ،واﻟﺑﯾت اﻟرﻓﯾﻊ.
)م( -ﻓﺻل:
وﻟـﻣﺎ ﻛـﺎن ﻓـﺗﺢ اﻟـﻣدﯾـﻧﺔ اﻟـﺗﻲ ھـﯾﺄﺗـﮭﺎ ھـﻛذا ﺑـﺎﻟـﺗﻛﺑﯾر واﻟﺗﮭـﻠﯾل ،وﻓـﻲ ﻣـﻘدم اﻟـﻌﺳﻛر ﺟـﺑرﯾـل،
وﻗـد ﻋـطف اﻟـﻠواء اﻟﻣﺷـرق ﻧـﺣو ﺑـﻼد اﻟﻣﺷـرق ،ورﯾـﺎح اﻟـﻣﻐرب ﺗـزﻋـﺟﮫ ،وﺑـﺷﺎﺋـر اﻟـﻔﺗﺢ
ﺗﻠﮭﺟﮫ ،واﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ﺑﮫ ﺣﺎّﻓون ،وﻋﻠﯾﮫ ﻣﻠﺗﻔون ،وأﻣﺎﻣﮫ ﻣﺻطﻔون.
وﺻـل :إذا ﻓـﺗﺢ اﻟـﻌﺎرف ﻣـدﯾـﻧﺗﮫ اﻟـﻛﺑرى ﺑـﺎﻟـﻣﺟﺎھـدة ،واﻟـﻣﻌﺎﻧـﺎة واﻟـﻣﻛﺎﺑـدة ،وارﺗـﻘﻰ إﻟـﻰ
ﻓـﺗﺢ ﻣـدﯾـﻧﺔ اﻟـرﺳـول ،ﻓـﻔﺗﺣﮭﺎ ﺑـﺎﻟﺗﮭـﻠﯾل ،وذﻟـك ﺑـﺗﻧزل اﻟـروح اﻷﻣـﯾن ﻣـن رﺑـﮫ ﻋـﻠﻰ ﻗـﻠﺑﮫ،
ﺑﺳـراﺋـر ﻏـﯾﺑﮫ ،واﻟـﻣﻼﺋـﻛﺔ ﻣـن ﺑـﯾن ﯾـدﯾـﮫ وﻣـن ﺧـﻠﻔﮫ رﺻـدا ،ﻓـﺣﯾﻧﺋذ ﯾـرﺟـﻊ ﻣـن ﺣـﯾث ﺟـﺎء
ﻣﺳرورا ،وﻗد ﺗرك اﻟﺑﻼد دﺑورا ،ﻓﺗﺣﻘق وﺗﺧﻠق ،وﷲ اﻟﻣوﻓق.
)ن( -ﻓﺻل:
وﻟـﻣﺎ ﻗـﺎل :ﻓـﺈذا أﺧـذت ﻓـﻲ ھـذا اﻟـرﺣـﯾل ،ﻓـﺎطـو ﺑـﺳﺎطـك أﯾـﮭﺎ اﻟﺧـﻠﯾل ،وﺳـر ﻣـﻌﮫ ﺑـﻣﺎ ﻣـﻌك
ﻣـن ﻛـﺛﯾر أو ﻗـﻠﯾل .ﻓـﺈن ﻟـم ﯾـﻛن ﻋـﻧدك ﻗـوة ﻣـﺎل ،وﻻ طـﺎﻗـﺔ ﻟـك ﺑﺣـﻣل اﻟـﻌﯾﺎل ،ﻓﺳـر إﻟـﻰ
ﻣـﻌدن اﻹﻣـﺎم ،ﻟـﯾﺣﺛو ﻟـك ﻣـن اﻟـﻣﺎل إن اﺳـﺗطﻌت أن ﺗﺣـﻣﻠﮫ ،وذﻟـك أﯾـﺿﺎ ﻟـﮫ ﻋـﻼﻣـﺔ ﻣـﻊ
ﺟـﻠﻲ اﻟـﺟﺑﮭﺔ وﻗـﻧﻲ اﻷﻧـف ،وﺳـﯾرﺗـﮫ ﻓـﻲ اﻟـﻣﻠك ﺑـﯾن اﻟـﻠﯾن واﻟـﻌﻧف .ﻓـﺎﺻـﺣب ذﻟـك اﻟـرﻛـب
اﻟﻣﺣﻔوظ ،اﻟﻣﺻﺎن اﻟﻣﻠﺣوظ ،ﻓﺈّﻧﮫ ﻻ ﺧﯾر ﻓﯾﻣﺎ ﺗﺑﻘﻰ ﺑﻌده ،وﻟﻛن اﻟﺧﯾر أﻣﺎﻣﮫ وﻋﻧده.
وﺻل :ﻛذﻟك اﻟﻌﺎرف إذا ﻧزل روح ﻗدﺳﮫ ،إﻟﻰ ﻓﺗﺢ ﻣداﺋن ﻧﻔﺳﮫ ،ورﺟﻊ إﻟﻰ
ﺣﺿرة أﻧﺳﮫ ،ﻟزم اﻟﺟوارح أن ﯾرﺟﻌوا وراءه ،وﯾﻼزﻣون ﺗﻠﻘﺎءه ،ﻓﺈن اﻓﺗﻘروا
اﺳﺗﻣّدوه ،وإن ﻏﯾر ﻋﻠﯾﮭم اﺳﺗﻌدوه.
)س( -ﻓﺻل:
وﺑﻌد اﻧﻘﺿﺎء ھذه اﻟدول ،ﯾﺧرج اﻷﻋور وﻓﻲ ﺗدﺟﯾﻠﮫ ﻧزل ،ﻓﯾﻣﯾت ﺑﺈذن ﷲ ﻓﺗﻧﺔ
وﯾﺣﯾﻲ ﻣﺎ أﻣﺎت ،وﯾﻧزل ﷲ اﻟﻐﯾث وﯾﺧرج اﻟﻧﺑﺎت ،وﺗﺄﺗﻲ إﻟﯾﮫ اﻷﻣوال ،وﺗﻧﻌﻘد ﻋﻠﯾﮫ
ﺻﺑر ،وأﻛل ﻣن اﻟﺣﺷﯾش اﻟﺣرث ،ﺣﺗﻰ ﯾﺄﺗﻲ اﻷﻣر اﻵﻛد، ﺻن و ﺗ ّ
اﻵﻣﺎل ،إﻻ ﻣن ﺗﺣ ّ
ﻓﯾﻘﺗﻠﮫ ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻧد ﺑﺎب ﻟد ،وﯾظﮭر دﻣﮫ ﻓﻲ اﻟﺣرﺑﺔ ،وﯾﺳرع إﻟﻰ اﻟﺣﺻﺎر ﺑﺎﻷوﺑﺔ،
وﯾﺧرج ﻣن وراء اﻟﺳّد ﺑﺄﻛﺛر ﻋدد وأﻗوى ﻣدد ،ﻓﯾدﻋوا ﻋﯾﺳﻰ ﺑن ﻣرﯾم -ﺻّﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ
وﺳّﻠم -ﻋﻠﻰ أوﻟﺋك اﻷﻣم ،ﺑﻌد ﻣﺎ ﻟم ﯾﺗرﻛوا ﺑﺎﻷرض دّﯾﺎرا ،وأرﺳﻠوا اﻟ ّ
ﺳﮭﺎم ﻓﻲ اﻟﺟّو
ﺳﻣﺎء ،ﻓﯾردھﺎ ﺳﺑﺣﺎﻧﮫ ﻋﻠﯾﮭم ﻣﺧﺿوﺑﺔ ﺑﺎﻟّدﻣﺎء ،ﻓﯾﺳّﻠط ﷲ ﻓﻲ ﻟﯾﻠﮫ ذا ﻟﯾﻘﺗﻠوا ﻣن ﻓﻲ اﻟ ّ
اﻟﻧﻐف ﻓﻲ أﻋﻧﺎﻗﮭم ،ﻓﯾﻣوﺗون ﻓﻲ ﻟﯾﻠﺔ إﻟﻰ آﺧرھم .ﺛّم ﺗﺧﺻب اﻷرض ،وﯾﻛﺛر اﻟزرع،
وﺗﻌظم اﻟﺛﻣرة ،وﺗظل اﻟرھط اﻟﻛﺛﯾر اﻟﺷﺟرة ،وﺗﺣﯾﻲ اﻟﺷرﯾﻌﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ ،وﺗظﮭر
اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻷﺣدﯾﺔ ،إﻟﻰ أﻣد ﻣﻌﻠوم ،وﻗدر ﻣﺣﺗوم .وﺗﻧﻔﺦ داﺑﺔ ،وﺗطﻠﻊ ﺷﻣس ،وﻻ ﯾﻘﺑل
ﻋﻧد ذﻟك إﯾﻣﺎن ﻧﻔس .وﷲ ﯾﻌﺻﻣﻧﺎ ﻣن ﻏواﺋل اﻟﻔﺗن ،وﯾﺻرف ﻋﻧﺎ وﺟود اﻟﻣﺣن.
تعليقات وشروح
على كتاب "عنقاء مغرب في ختم الوالية وشمس املغرب"
الفصل األول
في مقدمة الكتاب ذكرنا أن عنوان هذه القصيدة يصح وضعه للكتاب
كله ،فموضوعه هو الوعاء املختوم ،أي الذي ال يزاد فيه وال ينقص.
والسر املكتوم هو ما وضح الشيخ فيه من حقائق كانت مكتومة عند
أكثر الناس ،فأبرزها بني تصريح وتلويح ،وعبارة ورمز و إشارة ،ونثر
ونظم.
وتشتمل هذه القصيدة على 35بيتا .والعدد 35هو مجموع العددين
28و .7ولكل منهما عند الشيخ دالالته العديدة التي تكلمنا عن طرف
منها في كتاب ) الحقائق القرآنية والوجودية لفصوص الحكم ( .فالعدد
28هو عدد الحروف املناسبة للمنازل الفلكية ،وملراتب الوجود واألسماء
الحسنى املتوجهة على إيجادها ،كما فصلها الشيخ تفصيال وافيا في
الباب 198من الفتوحات .والعدد 7هو عدد الكواكب السيارة في تلك
املنازل الفلكية ،وهو عدد أيام األسبوع ،وعدد األسماء الحسنى األئمة،
أي :الحي العليم املريد القدير السميع البصير املتكلم ،ومنها ظهرت
كل السباعيات الوجودية.
ثم ذيل الشيخ القصيدة بخمسة أبيات منفصلة عنها .والعدد خمسة
عنده ،كما نص عليه الحكماء ،هو العدد الحافظ لنفسه ولغيره ،كما
يظهر بمتتاليات رفعها إلى أسها ) .(...../5/25/625وقد جاء اعتباره في
عدة مسائل شرعية ،كقواعد اإلسالم ،والصلوات اليومية ،والحواس
الخمس الظاهرة ،والقوى الباطنة ،وهي :السر والروح والقلب والعقل
والنفس .وهو أيضا عدد األركان الطبيعية والعناصر الكونية ،أي
الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ومركزها الخامس املنبثقة منه
وهو الطبيعة .والعناصر هي الهواء والنار واملاء والتراب ،وأصلها
املركزي :األثير .والجسم مع أخالطه األربعة :الصفراء والدم والبلغم
والسوداء.
ومجموع العددين ،أي األربعون ،له أيضا مظاهره الوجودية والكونية
واإلنسانية والسلوكية الكثيرة ،التي يطول تعدادها وتفصيلها .ومن
أهم دالالته أنه يدل على تمام وخاتمة كل نشأة ،كما يدل على الرجوع
إلى املبدإ األصلي.
ـ األبيات الستة األولى:
*املعنى:
بدأ بحمد اهلل تعالى على كشفه له املقام العظيم الذي سيوضحه
في هذا الكتاب ،والبشرى بنيله تؤثر في القلب سرورا بفضل اهلل الذي
خصه به ،كما تؤثر خوفا ومهابة وتعظيما لجاللة املقام وما يستلزمه
من قيام بآدابه وتكاليفه ووظائفه ،إذ ما من تشريف في الدنيا إال
ويصحبه تكليف مناسب ملرتبته .فأصبح القلب مجمع أضداد من
الشعور بالفرح وثقل العظمة وتوهج الشوق إلى مزيد دائم من التحقق
والثبات.
وفي البيت الثالث استدرك ،ليقول أن حقائق بحر الوجود الحق ،وهي
األسماء الحسنى ،هي الطالبة لظهورآثارها في وجودي جسما وروحا،
وفي العوالم كلها ،فما تبريحي وسروري وخوفي إال من آثارها في
قلبي ،فكأنه يقول أنها هي املتعطشة لظهور أفعالها أكثر من تعطشي،
ألنها هي األصل .وقد وضح الشيخ هذا املعنى في مواضع من
الفتوحات ،منها قوله في الباب 463من الفتوحات خالل كالمه عن
القطب الذي هو على قدم موسى عليه السالم):(IV:81
] ...فمن علوم هذا القطب علم االفتقار إلى اهلل باهلل .وهو علم شريف ،ما رأيت
له ذائقا ً ملا ذقته .و معنى هذا وسّره :أن اهلل أطلعه على أن حاجة األسماء إلى
التأثير في أعيان املمكنات أعظم من حاجة املمكنات إلى ظهور األثر فيها .وذلك
أن األسماء لها في ظهورآثارها السلطان والعزة ،واملمكنات قد يحصل فيها أثر
تتضرر به ،وقد تنتفع به ،وهي على خطر .فبقاؤها على حالة العدم أحب إليها لو
خيرت .فإنها في مشاهدة ثبوتية حالية ،ملتذة بالتذاذ ثبوتي ،منعزلة كل حالة
عن الحالة األخرى .ال تجمع األحوال عني واحدة في حال الثبوت .فإنها تظهر في
ال الصحيح في وقت ،هو بعينه العليل شيئية الوجود في عني واحدة .فزيد مث ً
في وقت آخر ،واملعافى في وقت هو املبتلي في وقته ذلك بعينه .وفي الثبوت
ليس كذلك .فإن األلم في الثبوت ما هو في عني املتألم ،و إنما هو في عينه .فهو
ملتذ بثبوته كماهو ملتذ بوجوده في املتألم .واملحل متألم به .وسبب ذلك أن
الثبوت بسيط مفرد ،غير قائم شيء بشيء .وفي الوجود ليس إال التركيب ،فحامل
ومحمول .فاملحمول أبدا ً منزلته في الوجود مثل منزلته في الثبوت ،في نعيم
دائم .والحامل ليس كذلك ،فإنه إن كان املحمول يوجب لذة التذ الحامل ،و إن
أوجب أملا ً تألم الحامل ،ولم يكن له ذلك في حال الثبوت .بل العني الحاملة في
ثبوتها تظهر فيما تكون عليه في وجودها ،إلى ما ال يتناهى .فكل حال تكون
عليها هو إلى جانبها ناظر إليها ،ال محمول فيها .فالعني ملتذة بذاتها ،والحال
ملتذ بذاته .فحال األحوال ال يتغير ذوقه بالوجود ،وحال الحامل يتغير بالوجود.
وهو علم عزيز .وما تعلم األعيان ذلك في الثبوت إال بنظر الحال إليها .ولكن ال
تعلم أنه إذا حملته تتألم به ،ألنها في حضرة ال تعرف فيها طعم اآلالم ،بل تتخذه
صاحبا ً .فلو علمت العني أنها تتألم بذلك الحال إذا اتصف به لتأملت في حال
ثبوتها بنظره إياها ،لعلمها أنها تتلبس به وتحمله في حال وجودها .فتألفها به
في الثبوت تنعم لها .وهذا الفن من أكبر أسرار علم اهلل في األشياء .شاهدته ذوقا ً
إلهيا ً .ألن من عباد اهلل من يطلعه اهلل كشفا ً على األعيان الثبوتية ،فيراها على
ال وال مح ً
ال: صورة ما ذكرناها من املجاورة والنظر ،ما يرى فيها حا ً
بل كال ذات على انفراد من غير شوب وال اتحاد
وال حلول وال انتـقـال وال اتفـاق وال عـنـاد
فإذا فهمت الفرق بني الوجود والثبوت ،وما لألعيان في الوجود ،وما لها في
الثبوت من األحكام ،علمت أن بعض األعيان ال تريد ظهور األثر فيها بالحال ،ما
لها في ذلك ذوق .فهي بالحال لو عرض عليها ذوق األلم في حال الثبوت لضجت.
فإن أمرها في حال الوجود إذا حملت األلم قد تحمل الصبر ،وقد ال تحمله.
وفرضناها في حال الثبوت حاملة فاقدة للصبر ،فما لها بلسان الحال ذلك
االفتقار إلى طلب الوجود ،و إن طلبته بالقول الثبوتي من اهلل .فإذا وجدت تقول-
كما قد نقل عن بعضهم ) :-ليتني لم أخلق( ) ،ليت عمر لم تلده أمه ليتها كانت
عاقرا ً( ،وأمثال هذا .فتكون األعيان أقل افتقارا ً من األسماء ،واألسماء أشد افتقارا ً
ملا لها في ذلك من النعيم .وال سيما وهي تشاهد من الحق االبتهاج الذاتي
بالكمال ،من حيث استصحاب املمكنات في ثبوتها لذاته ،وأنه منزه عن أثرها
والتأثر بسببها .فهو من حيث ذاته في كمال عن التأثر في حال ثبوت األعيان
وحال وجودها ،ألنه ما زاد في نفسه علما ً بما لم تكن عليه فيها .فإنها أعطته
ال .وبتلك الصورة توجد .فاملجاورة في الثبوت :حلول في العلم بشأنها أز ً
الوجود ،ففي الثبوت إلى جانبها ،وفي الوجود حال فيها[ انتهى.
وفي هذا الكتاب ،تحت عنوان ):محاضرة أزلية على نشأة أبدية (،
سيفصل الشيخ موضوع عالقات األسماء الحسنى في طلبها لوجود
آثارها الكونية.
بعد أن تفطنت إلى علة وجود العالم ،وأنه نتيجة طلب األسماء
الحسنى إلظهار آثارها ،فاستر هذا العلم عن غير أهله ،ملا قد يسببه
من عدم الفهم الصحيح ،املؤدي إلى ما يردي من الغفلة عن العبودية
واالفتقار الالزمني للمخلوق ،سواء في ثبوته في علم اهلل القديم ،أو في
وجوده العيني الحادث .والدليل الواضح لهذا االفتقار الذاتي لكل
مخلوق هو عجزه املطلق األبدي عن معرفة ذات خالقه ،مهما بلغ علمه
بما سواها .وكثيرا ما ردد الشيخ هذه القاعدة ،أي التنبيه على وجوب
االلتزام بما أمر به الشرع من عدم جوالن الفكر وطلبه معرفة الذات
اإللهية ،إال من حيث وجودها وغناها عن العاملني وتجليات األسماء
الحسنى وآثارها.
فTأخTطر خTطإ وقTع فTيه كTثير مTن عTلماء الTكالم ،فTي رأي الTشيخ ،هTو
ال Tتكلم ف Tي ذات اهلل ت Tعال Tى ب Tطريق ال Tفكر ال ب Tطريق ال Tوح Tي ،ف Tيقول ف Tي
ال Tفتوح Tات )ال Tباب ] :(III:467 /364ن Tهى رس Tول اهلل – ص Tلى اهلل ع Tليه وس Tلم -
عT Tن الT Tتفكر فT Tي ذات اهلل .وقT Tد غT Tفل الT Tناس عT Tن هT Tذا الT Tقدر .فT Tما مT Tنهم مT Tن سT Tلم مT Tن
الTتفكير فTيها والTحكم عTليها مTن حTيث الTفكر .ولTيس ألبTي حTامTد الTغزالTي عTندنTا زلTة
بح T Tمد اهلل أك T Tبر م T Tن ه T Tذه ،ف T TإنّT Tه ت T Tكلم ف T Tي ذات اهلل م T Tن ح T Tيث ال T Tنظر ال T Tفكري ف T Tي
ضنون بTه عTلى غTير أهTله( وفTي غTيره ،ولTذلTك أخTطأ فTي كTل مTا قTالTه ومTا أصTاب، )املْ T
وجTاء أبTو حTامTد وأمTثالTه فTي ذلTك بTأقTصى غTايTات الجهTل وأبTلغ مTناقTضة ملTا أعTلمنا
اهلل مTن ذلTك .واحTتاجTوا -ملTا أعTطاهTم الTفكر -خTالف مTا وقTع بTه اإلعTالم اإللTهي إلTى
تTأويTل بTعيد ،لTينصروا جTانTب الTفكر عTلى جTانTب إعTالم اهلل عTن نTفسه مTا يTنبغي أن
ينسTب إلTيه ،وكTيف يTنبغي أن ينسTب إلTيه تTعالTى .فTما رأيTت أحTدا وقTف مTوقTف أدب
ف Tي ذل Tك إال خ Tاض ف Tيه ع Tلى ع Tماي Tة ،إال ق Tليل م Tن أه Tل اهلل مل Tا س Tمعوا م Tا ج Tاءت ب Tه
رسTله صTلوات اهلل عTليهم فTيما وصTف بTه نTفسه ،و ّTكTلوا عTلم ذلTك إلTيه ،ولTم يTتأّولTوا،
ح Tتى أع Tطاه Tم اهلل ال Tفهم ف Tيه ب Tإع Tالم آخ Tر أن Tزل Tه ف Tي ق Tلوب Tهم .ف Tكان Tت امل Tسأل Tة م Tنه
تعالى ،وشرحها منه تعالى ،فعرفوه به ال بنظرهم [.
فTالTشيخ يTرفTض الTتأويTل الTنظري لTلنصوص الشTرعTية الTثابTتة ،ويؤكTد
ع Tلى أنّ Tه ال ي Tنبغي أن ي Tسّمى الحق ت Tعال Tى إال ب Tما س ّTمى ب Tه ن Tفسه ب Tال
زيTادة وال تTأويTل ،جTمعا بTني الTتنزيTه و التشTبيه فTي قTولTه تTعــالTى َ :لْTي َ
س
صيُر .ون Tقد ال Tشيخ ل Tلغزال Tي )ت505:هـ(- سِمي ُ
ع اْل Tبَ ِ و ال َّ T يٌء َو ُ
هَ T T َTك ِTمث ْلِِه َT T
شْ T
رحTمه اهلل تTعالTى -ال يTعني أنّTه ال يجّTله ،بTل يTذكTره فTي كTثير مTن األحTيان
بTاحTترام كTبير ،وكTان يTدرس مTع مTريTديTه كـTتابTه )إحTياء عTلوم الّTديTن( .وملTا
ُف ِTتح ع Tلى ال Tغزال Tي ف Tي آخ Tر ع Tمره ال Tقصير ب Tعد ص Tحبته أله Tل اهلل ،رج Tع
عّTما أنTكره عTليه الTشيخ ،ونTدم عTلى صTدوره مTنه ].يTنظر مTا ذكTره الTشيخ
عن الغزالي في الصفحات التالية من الفتوحات:
I:4-45-160-259-552-643-681/ II:
[...3-19-103-262-289-321-345-496-569-622-645-/ IV:89-106-260
سبق القول أن عدد الخمسة عند الشيخ يدل على الحفظ ،ألنه العدد
الوحيد الحافظ لنفسه ولغيره .ومقام الختمية هو الحافظ ملقامات
الوالية كما سبق بيانه .فمظاهر هذا املقام الختمي الحافظ ثالثة ،
فكأنها ثالثة أخماس ،مجموعها خمسة عشر .و العدد 15هو عدد كلمة
) خاتم ( بالحساب الصغير .وهي ختمية الوالية العامة وصاحبها
عيسى بن مريم ،وختمية الوالية املحمدية الخاصة وصاحبها الشيخ
األكبر ،وختمية الخالفة وصاحبها املهدي .وقد أشرنا أعاله إلى بعض
الخماسيات التي عليها مدار بعض النشآت الشرعية والكونية
واإلنسانية.
من جانب آخر ،يمكن القول أن الوجود الكوني يقوم على األربعني،
ألن هذا العدد يدل على كمال كل نشأة كونية و إنسانية .واألربعينيات
لها كالخمسة مظاهر وجودية كثيرة ،كأيام املراحل التي يمر عليها
الجنني الواردة في الحديث النبوي ،وكعدد أيام تخميرة آدم عليه
السالم ،وكعدد السنني بني بناء إبراهيم عليه السالم للكعبة ولبناء
املسجد األقصى ،وكعدد سنني التيه التي قضاها بنو إسرائيل قبل
دخولهم األرض املقدسة ،وكعدد ليالي خلوة موسى عليه السالم في
الطور قبل املكاملة ،واألنبياء ال ينبؤون إال عند بلوغ األربعني سنة،
والخلوة األربعينية املعروفة عند الصوفية ،إلى غيرذلك.
من أصحاب الدوائر العليا للوالية التي عليها مدار الكون ،دائرة
األشخاص السبعة .فأعالها :القطب واإلمامان واألوتاد السبعة.
وبعدهم طبقة األبدال السبعة .وبعدهم دائرة النجباء الثمانية .قال
الشيخ عنهم في الباب :73
] ومنهم -رضى اهلل عنهم -سبعة على قلب الخليل ابراهيم عليه السالم ،ال
يزيدون وال ينقصون في كل زمان .ورد به الخبر املروي عن رسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم ".-ودعاؤهم دعاء الخليل ) :رب هب لي حكما ً وألحقني
بالصالحني"( .ومقامهم السالمة من جميع الريب والشكوك .وقد نزع اهلل الغل من
صدورهم في هذه الدنيا ،وسلم الناس من سوء ظنهم إذ ليس لهم سوء ظن .بل ما
لهم ظن ،فإنهم أهل علم صحيح ،فإن الظن إنما يقع ممن ال علم له فيما ال علم له به
بضرب من الترجيح .فال يعلمون من الناس إال ما هم عليه الناس من الخير .وقد
أرسل اهلل بينهم وبني الشرور التي هم عليها الناس حجابا ً .وأطلعهم على النسب
التي بني اهلل وبني عباده ،ونظر الحق إلى عباده بالرحمة التي أوجدهم بها .فكل
خير في الخلق من تلك الرحمة .فذلك هو املشهود لهم من عباد اهلل .ولقد لقيتهم
يوما ً ،وما رأيت أحسن سمتا منهم علما ً وحلما ً ،إخوان صدق على سرر متقابلني.
قد عجلت لهم جناتهم املعنوية الروحانية في قلوبهم .مشهودهم من الخلق
تصريف الحق من حيث هو وجود ،ال من حيث تعلق حكم به[.
وقد ذكر الترمذي في كتابه " خاتم األولياء" الحديث النبوي املتعلق
ببالل الحبشي – رضي اهلل عنه ،-فقال عنه... ]:فوصفه رسول اهلل بما
وصف ،أن قلبه معلق بالعرش ،وأنه من األبدال السبعة الذين بهم تقوم األرض ،بل
هو خيرهم[.
في هذا البيت طرح الشيخ لغزا بالحروف وأعدادها ،يتعلق حله
بتوقيت نزول الختم العام عيسى عليه السالم في آخر الزمان .فقوله:
) يقوم ( يعود إليه .ويمكن أيضا أن يعود إلى املهدي .وقد حاول كثير
من القراء والشراح حل هذا اللغز بالظن والتخمني ،وتبعا ملواقف
مسبقة أو لتصورات وهمية أو لألهواء ،فجاءت نتائجهم خاطئة .وهذا
ال يعني بتاتا أني أعلم الحل الصحيح ،فال علم لي به .و إنما قلت أن
نتائجهم خاطئة ألني أعلم يقينا أن كل هذه املسائل الغيبية ال يمكن
أصال إدراكها إال بالكشف الصريح ،أو اإللهام الصريح .ويحرم على
أهل هذا الكشف واإللهام إفشاء ما أطلعهم الحق تعالى عليه حتى
ألصحابهم ،ناهيك عن التصريح به في كتاب يقرأه كل الناس.
وفي مواقع أخرى ،رمز الشيخ إلى هذا التوقيت ،فأشار إليه في
األبيات الفاتحة لفص عيسى من كتابه "فصوص الحكم" ،حيث
يقول:
ومن اإلشارت الدقيقة األخرى ملثل هذه املسائل ،ما ذكره الشيخ خالل
معراجه الروحي في حواره مع إدريس عليه السالم ،فقال في الباب
املتعلق بسورة اإلسراء) الباب :(III: 348 /367
هْم ِفي
ساُبُهْم َو ُ س ِ
ح َ ب لِلنَّا ِ
] فقلت له :فما بقي لظهور الساعة؟ فقال ﴿ :اْقتََر َ
ضو َ
ن ﴾ -األنبياء.[-1: غفَْلٍة ُ
مْعِر ُ َ
ونفس هذه اإلشارة النفيسة نجدها في الباب املتعلق بمنزل سورة
األنبياء ملا ابتدأ بذكر علومها ،فأشار إلى آيتها األولى السابقة التي
أجابه بها إدريس عليه السالم حيث قال) الباب ] :(III:312/393وفي هذا
املنزل من العلوم علم ما بقي من الزمان لقيام الساعة[.
في هذه األبيات أوصاف لعيسى خالل حكمه بعد نزوله ،فهو
املختص حينئذ بتدبير األمور .وهوغيور على الحق ،ومن زعامته قتله
الدجال و إزهاقه للباطل .وعهده عهد خير وبركات وعدل عميم .ومن
حلمه اإلعراض من كل جاهل كثير الدعاوي ،وعن كل زنيم ،أي لئيم
يكيد الشر .ويمكن أن يكون املعني به في هذه األبيات املهدي ،قبل
تسليمه الحكم لعيسى.
وفي البيت الثاني والثالثني لغز آخر ،حله يشير إلى مدة بقاء
عيسى بعد نزوله ،ثم انصرام الزمان بانتهاء دورة األمة املحمدية عند
قيام الساعة .وحيث أن كلمة) صريم( تعني في اللغة الليل أو الصبح،
فيمكن فهم هذا البيت في سياق األبيات الالحقة .أي أنه بنزول عيسى
يحل صبح الحياة والنور على العالم ،بعد ليل طويل من الظلمات
والجهل.
لكن يمكن أيضا القول أن الضمير في قوله ) :إذا ما بقى من يومه نصف
ساعة إلى ساعة األخرى (...يعود إلى املهدي .وبافتراض أن معنى كلمة
) يومه ( تعني مدة حكمه التي قال الشيخ عنها في الباب 366من
الفتوحات أنها تسع سنوات ،فنصف ساعة منها تناسب تقريبا ما بني
شهرين وثلث شهر.أي بعد نزول عيسى في عهد املهدي ،ومكثهما معا
هذه املدة ،يتوفى املهدي ،وينفرد عيسى بالحكم ،ليعم العدل والرحمة
العالم.
واهلل أعلم بمراد الشيخ.
تعقيب أول:
] الفصل السادس عشر في االسم اإللهي الحكيم ،وتوجهه على إيجاد الشكل
) .(...يقول اهلل ) :كل يعمل على شاكلته( .أي :ما يعمل إال ما يشاكله ،و إلى هذا
يرجع معناه .يقول :ذلك الذي ظهر منه يدل على أنه في نفسه عليه .والعالم كله
عمل اهلل ،فعمله على شاكلته .فما في العالم شيء ال يكون في اهلل .والعالم
محصور في عشر لكمال صورته ،إذ كان موجودا ً على صورة موجده.
فجوهرالعالم لذات املوجد ،وعرض العالم لصفاته ،وزمانه ألزله ،ومكانه ألستواته،
وكمه ألسمائه ،وكيفه لرضاه وغضبه ،ووضعه لكالمه ،و إضافته لربوبيته ،وأن
يفعل إليجاده ،وأن ينفعل إلجابته من سأله .فعمل العالم على شاكلته[ انتهى.
ـ البيت الثامن:
)جمع( اسم ملزدلفة ،ألن الحجاج يجمعون فيها املغرب والعشاء
والوتر جمع تأخير .فيحصل فيها جمع وتر النهار الذي هو املغرب
ووتر الليل بعد العشاء .وهذا الجمع يرمز إلى مقام الجمع في السلوك
العرفاني ،حيث يفنى من لم يكن وهو فان ،ويبقى من لم يزل وهو باق.
ظا ِ
هُر و اْأل ََّوُل َواْآلَ ِ
خُر َوال َّ أي يتحقق فيه صاحبه باآلية السابقةُ ﴿ :
ه َ
طُن﴾ ،وبقول رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم >>: -كان اهلل وال َواْلبَا ِ
شيء غيره<<.
] رمي الجمار إحدى وعشرين حصاة ،وهي ثالث جمرات .وكذلك الحضرة
اإللهية تنطلق بإزاء ثالثة معان :الذات ،والصفات ،واألفعال .ورمي الجمرات مثل
األدلة والبراهني على سلب كحضرة الذات ،أو إثبات كحضرة الصفات املعنوية،
أو نسب أو إضافة كحضرة األفعال .فدالئل الجمرة األولى ملعرفة الذات ،ولهذا
نقف عندها لغموضها ،إشارة إلى الثبات فيها ،وهي ما يتعلق بها من السلوب،
إذ ال يصح أن يعرف بطريق إثبات صفة معينة ،وال يصح أن يكون لها صفات
نفسية متعّددة ،بل صفة نفسه عينه ال أمر آخر .فال بد أن تكون صفته النفسية
الثبوتية واحدة وهي عينه ال غير .فهو مجهول العني ،معلوم باالفتقار إلى
املرجح ،وهو واجب الوجود لنفسه .ويأتي بصورة الدليل على ما يعطيه نظمه
في موازين العقول .فهذه حصاة واحدة من الجمرة األولى ،فإذا رماه بها مكبرا ً،
أي يكبر عن هذه النسبة اإلمكانية إليه .فيأتيه في الثانية بأنه جوهر ،فيرميه
بالحصاة الثانية ،وهو دليل االفتقار إلى التحيز أو إلى الوجود بالغير .فيأتيه
بالجسمية ،فيرميه بحصاة االفتقار إلى األداة والتركيب واألبعاد .فيأتيه
بالعرضية ،فيرميه بحصاة االفتقار إلى املحل والحدوث بعد أن لم يكن .فيأتيه
بالعلية ،فيرميه بالحصاة الخامسة وهي دليل مساوقة املعلول له في الوجود،
وهو كان وال شيء معه .فيأتيه في الطبيعة ،فيرميه بالحصاة السادسة وهي
دليل نسبة الكثرة إليه ،وافتقار كل واحد من آحاد الطبيعة إلى األمر اآلخر في
االجتماع به إلى إيجاد األجسام الطبيعية؛ فإن الطبيعة مجموع فاعلني
ومنفعلني :حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ،وال يصح اجتماعها لذاتها ،وال
افتراقها لذاتها ،وال وجود لها إال في عني الحاّر والبارد والرطب واليابس .فيأتيه
في العدم ،وهو أن يقول له :إذا لم يكن هذا وال هذا ،ويعدد ما تقدم ،فما ثم شيء،
فيرميه بالحصاة السابعة وهي دليل آثاره في املمكن ،والعدم ال أثر له ،وقد ثبت
بدليل افتقار املمكن في وجوده إلى مرجح ،ووجود موجود واجب الوجود لنفسه،
وهو هذا الذي أثبتناه مرجحا ً .وانقضت الجمرة األولى.
ثم أتينا إلى الثانية وهي حضرة الصفات املعنوية .وقال لك :سلمنا أن ثم
ذاتا ً مرجحة للممكن ،فمن قال إن هذه الذات عاملة بما ظهر عنها؟ فرميناه
ي،بالحصاة األولى إن كان هذا هو الخاطر األول الذي خطر لهذا الحاج املعنو ّ
ال ،فيرميه بحسب ما يخطر له إلى تمام وقد يخطر له الطعن في صفة أخرى أّو ً
سبع الصفات ،وهي الحياة والقدرة واإلرادة والعلم والسمع والبصر والكالم.
وبعض أصحابنا ال يشترط هذه الثالثة :أعني السمع والبصر والكالم في األدلة
العقلية ،ويتلقاها من السمع إذا ثبت .ويجعل مكانها ثالثة أخرى وهي علم ما
يجب له ،وما يجوز ،وما يستحيل عليه ،مع األربعة التي هي القدرة واإلرادة
ي بشبهة لكل علم منها، والعلم والحياة ،فهذه سبعة علوم .فورد الخاطر الشيطان ّ
ي ،على امليزان الصحيح في نظم األدلة فيرميه هذا الحاج بحصاة كل دليل عقل ّ
بحسب ما يقتضيه .ويطيل التثبت في ذلك ،وهو الوقوف عند الجمرة الوسطى
والدعاء عندها.
ثم يأتي الجمرة الثالثة وهي حضرة األفعال ،وهي سبع أيضا ً .فيقوم في
ال املولدات ،وأنها قامت بأنفسها ،فيرميه بحصاة افتقارها من الوجه خاطره أو ً
ي أنه ال يرجع عن علمه الخاص إلى الحق عز وجل .فإذا علم الخاطر الشيطان ّ
باالفتقار ،أظهر له أن افتقاره إلى سبب آخر غير الحق وهو العناصر ،وقد رأينا
ما أن يتمكن منه بأن ينفي أثر الحق من كان يعبدها باملوصل .و إذا خطر له ذلك فإ ّ
تعالى عنه فيها ،فإن لم يقدر فقصاراه أن يثبتها شركا ً ،فيرميه بالحصاة الثانية،
فيريه في داللتها أن العناصر مثل املولدات في االفتقار إلى غيرها وهو اهلل
تعالى .ألن العارف أبدا ً إنما ينظر في كل ممكن ممكن الوجه الخاص الذي من اهلل
إليه ،ما ينظر إلى السبب الذي أوقف اهلل وجوده عليه ،أو ربطه به على جهة
العلية أو الشرط .هذا هو نظر أهل طريق اهلل من أصحابنا ،وما رأيت أحدا ً من
املتقدمني قبلنا وال من أهل زماننا في علمي نبه على إثبات هذا الوجه الخاص
في كل ممكن ،مع كونهم ال يجهلونه .ولكن صدق اهلل في قوله) :ونحن أقرب إليه
منكم( -يعني األسباب) -ولكن ال تبصرون( ،يعني نسبته إلينا ال إلى السبب.
فالحمد هلل الذي فتح أبصارنا إلى إدراك هذا الوجه في كل ممكن .فإذا رماه
بالحصاة الثانية كما ذكرناه ،أخطر له السبب الذي يتوقف وجود األركان عليه
وهو الفلك ،فقال :إن موجد هذه األركان الفلك ،وصدقت فيما قلته ،فيرميه
بالحصاة الثالثة وهي افتقار الفلك ،وهو الشكل ،إلى اهلل من الوجه الخاص كما
ذكرنا .فيصّدقه في االفتقار ،ويقول له :أنت غالط ،إنما كان افتقار الشكل إلى
الجسم الذي لواله ما ظهر الشكل ،فيرميه بالحصاة الرابعة ،وهو افتقار الجسم
إلى اهلل من الوجه الخاص .فيصدقه ويقول له :صحيح ما قلت من االفتقار القائم،
ولكن إلى جوهر الهباء الذي تسميه أهل النظر الهيولى الكل الذي لم تظهر
صورة الجسم إال فيه ،فيرميه بالحصاة الخامسة ،وهو دليل افتقار الهباء إلى اهلل
كما ذكرنا قبله .فيقول :بل افتقارها إلى النفس الكلية املعبر عنها في الشرع
باللوح املحفوظ ،فيرميه بالحصاة السادسة ،وهو دليل افتقار النفس الكلية إلى
اهلل من الوجه الخاص أيضا ً .فيصّدقه في االفتقار ،ولكن يقول له :بل افتقارها إلى
العقل األول وهو القلم األعلى الذي عنه انبعثت هذه النفس ،فيرميه بالحصاة
السابعة ،وهو دليل افتقار العقل األول إلى اهلل .وليس وراء اهلل مرمى .فما يجد ما
يقول له بعد اهلل .فلذلك ما يقف عند جمرة العقبة ،وهي آخر الجمرات .ألنه كما
قلنا :ليس وراء اهلل مرمى.
فهذا تحرير رمي جمرات العارفني بمنى ،موضع التمني وبلوغ األمنية .فإنها
أيام أكل وشرب وتمتع ونعيم ،فهي جنة معجلة .وفيه إلقاء التفث والوسخ و إزالة
الشعث من الحاج .ومن قوة التمني الذي سمى به منى ،أنه يبلغ بصاحبه الذي
هو معدوم مما تمناه مبلغ من عنده ما تمناه هذا املتمني بالفعل ،على أتم
الوجوه .مثل رب املال ،يفعل به أنواع الخير وينفقه في سبل البّر ابتغاء فضل
اهلل ،فيتمنى العديم أن لو كان له مثله ليفعل فعله ،فهما في األجر سواء ،بل هو
أتم ،فإنه يحصل له األجر التاّم على أكمل وجوهه من غير سؤال .فإن صاحب
الفعل يسأل عنه من أين جمعه؟ وهل أخلص في إخراجه؟ وبعد هذا التعب
واملشقة يحصل على أجره .واملتمني يحصل على ذلك من غير سؤال وال مشقة[.
] مTن الTسنة عTلينا فTي ذلTك الTيوم أن نTأتTي إلTى املسجTد )أي مسجTد عTرفTة (
م Tع اإلم Tام ل Tلصالة .وي Tعتبر ف Tي ذل Tك امل Tشي ب Tاهلل م Tع اهلل إل Tى اهلل ف Tي ب Tيت
امل Tعرف Tة ،ألن Tه مسج Tد ف Tي ع Tرف Tة .وه Tو مسج Tد ع Tبودي Tة ،وال ي Tصح أن ي Tكون
املسجTد إال مTوطTن عTبوديTة ،ألن الTسجود هTو الTتطاطTي ،وهTو نTزول مTن أعTلى
إلTى أسTفل ،وبTه سTمي الTساجTد سTاجTدا ً لTنزولTه مTن قTيامTه .فTيعطيه مسجTد
عTرفTة املTعرفTة بTنفسه ،لTيكون لTه ذلTك سTلما ً إلTى مTعرفTة ربTه ،فTإنTه مTن عTرف
نTفسه عTرف ربTه الTذي سجTد لTه .واملTعرفTة تTطلب فTي الTتعدي أمTرا ً واحTدا ً ،فTهو
تTعلقه ،أي تعلق عTلم الTعبد ومTعرفTته بTأحTديTة اهلل خTاصTة .فTلو لTم يTقل' :عTرفTة'،
وقTال مTا يTدل عTلى الTعلم ،كTما دل عTرفTة عTلى الTعلم ،لTم نTجعل تTعلقه بTاألحTديTه،
وكTنا نTجعله بTأمTر آخTر .فTعلمنا أن اإلنTسان يTطلب فTي مTعرفTة نTفسه شTفيعها
مTن حTيث أحTديTتها الTتى تTمتاز بTها مTعرفTه أحTديTة الحق .إذ اليTعرف الTواحTد
إال مTن هTو واحTد .فTبأحTديTتك فTى شTفعيتك عTرفTت أحTديTته تTعالTى .فTجاء فTى
املTعرفTه بTاسTم )عTرفTة( ألجTل الTقصد بTمعرفTة أحTديTة الTخالق ،ألنTه ال أحTديTه لTه
ف Tى غ Tير ال Tذات م Tن امل Tناس Tبات ،إال أح Tدي Tة ال Tخالق ب Tمعنى امل Tوج Tد .ول Tذل Tك
ت Tمّدح ب Tها .وج Tعلها ف Tرق Tان Tا ب Tني م Tن اّدع Tى األل Tوه Tية أو ادع Tيت ف Tيه ،ف Tقال :
﴿أفTمن يخTلق كTمن ال يخTلق أفTال تTذكTرون﴾ .فTلو وقTعت املTشاركTة فTى الخTلق ملTا
ال مTع اإلشTتراك فTي الTداللTة ،هTذا ال يTصح. صTح أن يتخTذهTا تّTمدحTا وال دلTي ً
فTيعلم قTطعا ً أن الTخالق صTفة أحTديTة هلل ،ال تTصح ألحTد غTير اهلل .فلهTذا كTانTت
مTعرفTة اهلل فTي عTرفTة مTعرفTة أحTديTة ،إذ املTعرفTة هTذا نTعتها فTي الTلسان الTذي
خوطبنا به من اهلل .فإذا عرفت هذا فقد عرفت[.
] وأما الحج فإشارة إلى استمرار القصد في طلب اهلل تعالى .واإلحرام إشارة
إلى ترك شهود املخلوقات ،ثم ترك املخيط إشارة إلى تجّرده عن صفاته املذمومة
بالصفات املحمودة ،ثم ترك حلق الرأس إشارة إلى ترك الرياسة البشرية ،ثم ترك
تقليم األظافر إشارة إلى شهود فعل اهلل في األفعال الصادرة منه ،ثم ترك الطيب
إشارة إلى التجّرد عن األسماء والصفات لتحققه بحقيقة الذات ،ثم ترك النكاح
ف عن إشارة إلى التعفف عن التصّرف في الوجود ،ثم ترك الكحل إشارة إلى الك ّ
طلب الكشف باالسترسال في هوية األحدية .ثم امليقات عبارة عن القلب .ثم مكة
عبارة عن املرتبة اإللهية .ثم الكعبة عبارة عن الذات .ثم الحجر األسود عبارة عن
اللطيفة اإلنسانية ،واسوداده عبارة عن تلونه باملقتضيات الطبيعية ،و إليه
اإلشارة بقوله عليه الصالة والسالم >> :نزل الحجر األسود أشّد بياضا من اللنب
ودته خطايا بني آدم<< ،فهذا الحديث عبارة عن اللطيفة اإلنسانية ،ألنه فس ّ
خَلْقنَامفطور باألصالة على الحقيقة اإللهية ،وهي معنى قوله تعالىَ ﴿ :لَقْد َ
ويم ٍ ﴾ -التني ، -4:ورجوعه إلى الطبائع والعادة والعالئق ن تَْق ِ
س ِ ن ِفي أ َ ْ
ح َ سا َ ا ِْ
إلنْ َ
والقواطع هو اسوداده ،وكل ذلك خطايا بني آدم ،وهذا معنى قوله ﴿ :ث َُّم َرَدْدنَاهُ
ني ﴾ – التني-5: ساِفلِ َسَفَل َ
أَ ْ
فإذا فهمت فاعلم أن الطواف عبارة عما ينبغي له أن تدرك هويته ومحتده
ومنشؤه ومشهده .وكونه سبعة إشارة إلى األوصاف السبعة التي بها تمت
ذاته ،وهي الحياة والعلم واإلرادة والقدرة والسمع والبصر والكالم .وثم نكتة
باقتران هذا العدد بالطواف ،وهي ليرجع من هذه الصفات إلى صفات اهلل
تعالى :فينسب حياته إلى اهلل ،وعلمه إلى اهلل ،و إرادته إلى اهلل ،وقدرته إلى اهلل،
وسمعه إلى اهلل ،وبصره إلى اهلل ،وكالمه إلى اهلل ،فيكون كما قال عليه الصالة
والسالم >> :أكون سمعه الذي يسمع به ،وبصره الذي يبصر به << الحديث .ثم
الصالة مطلقا بعد الطواف إشارة إلى بروز األحدية وقيام ناموسها فيمن تم له
ذلك ،وكونها يستحب أن تكون خلف مقام إبراهيم إشارة إلى مقام الخّلة ،فهو
عبارة عن ظهور اآلثار في جسده ،فإن مسح بيده أبرأ األكمه واألبرص ،و إن
مشى برجله طويت له األرض ،وكذلك باقي أعضائه لتخلل األنوار اإللهية فيها
من غير حلول .ثم الصفا إشارة إلى التصفي من الصفات الخلقية ،ثم املروة
إشارة إلى االرتواء من الشرب بكاسات األسماء والصفات اإللهية .ثم الحلق
حينئذ إشارة إلى تحقق الرياسة اإللهية في ذلك املقام ،ثم التقصير إشارة ملن
قصر فنزل عن درجة التحقيق التي هي مرتبة أهل القربة ،فهو في درجة العيان ،
وذلك حظ كافة الصّديقني .ثم الخروج عن الحرم عبارة عن التوسع للخلق
والنزول إليهم بعدم العندية في مقعد الصدق .ثم عرفات عبارة عن مقام املعرفة
باهلل ،والعلمني عبارة عن الجمال والجالل اللذين عليهما سبيل املعرفة باهلل ،
ألنهما األدالء على اهلل تعالى .ثم املزدلفة عبارة عن شيوع املقام وتعاليه .ثم
املشعر الحرام عبارة عن تعظيم الحرمات اإللهية بالوقوف مع األمور الشرعية .ثم
منى عبارة عن بلوغ املنى ألهل مقام القربة .ثم الجمار الثالث عبارة عن النفس
والطبع والعادة ،فيحصب كل منها بسبع حصيات ،يعني يفنيها ويذهبها
ويدحضها بقوة آثار السبع الصفات اإللهية .ثم طواف اإلفاضة عبارة عن داوم
الترقي لدوام الفيض اإللهي ،فإنه ال ينقطع بعد الكمال اإلنساني ،إذ ال نهاية هلل
تعالى .ثم طواف الوداع إشارة إلى الهداية إلى اهلل تعالى بطريق الحال ،ألنه
ي ملن
إيداع سّر اهلل تعالى في مستحقه ،فأسرار اهلل تعالى وديعة عند الول ّ
واَلُهْم ﴾ –
م َ ستُْم ِمنُْهْم ُر ْ
شًدا َفاْدَفُعوا إَِليِْهْم أ َ ْ ن آ َنَ ْ
يستحقها لقوله تعالىَ﴿ :فِإ ْ
وة في جميع تلك املناسك ، النساء. -6:وهنا أسرار كثيرة في ذكر األدعية املتل ّ
وتحت كل دعاء سّر من أسرار اهلل تعالى ،أضربنا عن ذكرها قصدا لالختصار ،
واهلل أعلم[.
قTال اهلل عTز وجTل ﴿ :ال تTدركTه األبTصار﴾ ،وقTال عTز وجTل ملTوسTى عTليه السTالم ﴿ :لTن
تTرانTي﴾ .وكTل مTرئTيّ ال يTرى الTرائTي إذا رآه مTنه إال قTدر مTنزلTته ورتTبته .فTما رآه ،ومTا
رأى إال نTفسه .ولTوال ذلTك مTا تTفاضTلت الTرؤيTة فTي الTرائTني .إذ لTو كTان هTو املTرئTي ،مTا
اخTتلفوا .لTكن ملTا كTان هTو مجTلى رؤيTتهم أنTفسهم ،لTذلTك وصTفوه بTأنTه يتجTلى ،وأنTه
ي Tرى .ول Tكن ش Tغل ال Tرائ Tي ب Tرؤي Tته ن Tفسه ف Tي مج Tلى الحق ح Tجبه ع Tن رؤي Tة الحق.
فTلذلTك لTو لTم تTبُد لTلرائTي صTورتTه ،أو صTورة كTون مTن األكTوان ،ربTما كTان يTراه .فTما
حTجبنا عTنه إال أنTفسنا .فTلو زلTنا عTنا مTا رأيTناه ،ألنTه مTا كTان يTبقى ثTم بTزوالTنا مTن
يTراه .و إن نTحن لTم نTزل ،فTما نTرى إال أنTفسنا فTيه ،وصTورنTا وقTدرنTا ومTنزلTتنا .فTعلى
كTل حTال مTا رأيTناه .وقTد تTتوسTع فTنقول :قTد رأيTناه ،ونTصدق .كTما أنTه لTو قTلنا :رأيTنا
اإلنTسان ،صTدقTنا فTي أن نTقول رأيTنا مTن مTضى مTن الTناس ومTن بTقي ومTن فTي زمTانTنا
مTن كTونTهم إنTسانTا ً ،ال مTن حTيث شTخصية كTل إنTسان .وملTا كTان الTعالTم أجTمعه وآحTاده
عTلى صTورة حق ،ورأيTنا الحق ،فTقد رأيTنا وصTدقTنا .و إن نTظرنTا إلTى عTني الTتمييز ،فTي
عTني عTني ،لTم نTصدق .وأمTا قTولTه -صTلى اهلل عTليه وسTلم -فTي حTديTث الTدجTال ،ودعTواه
أن Tه إل Tه ،فعه Tد إل Tينا رس Tول اهلل -ص Tلى اهلل ع Tليه وس Tلم -أن أح Tدن Tا ال ي Tرى رب Tه ح Tتى
يTموت .ألن الTغطاء ال يTنكشف عTن الTبصر إال بTاملTوت .والTبصر مTن الTعبد هTويTة الحق.
فT Tعينك غT Tطاء عT Tلى بT Tصر الحق .فT Tبصر الحق أدرك الحق ورآه ،ال أنT Tت .فT Tإن اهلل ﴿ال
تTدركTه األبTصار وهTو يTدرك األبTصار وهTو الTلطيف الTخبير﴾ .وال ألTطف مTن هTويTة تTكون
عT T Tني بT T Tصر الT T Tعبد .وبT T Tصر الT T Tعبد ال يT T Tدرك اهلل .ولT T Tيس فT T Tي الT T Tقوة أن يT T Tفصل بT T Tني
الTبصريTن ،والTخبيرعTلم الTذوق ،فTهو الTعليم خTبرة أنTه بTصر الTعبد فTي بTصر الTعبد.
وكTذا هTو األمTر فTي نTفسه ،و إن كTان حTيا ً ،فTقد اسTتوى املTيت والTحيّ فTي كTون ألحق
تTعالTى بTصرهTما ،ومTا عTندهTما هTما شTيء .فTإن اهلل ال يحTل فTي شTيء ،وال يحTل فTيه
شيء ،إذ﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾[ انتهى.
في هذه الفقرة أوضح الشيخ أن السالك املالك لألحوال بعد رقيه
إلى أعلى قوس املعارج بروحه ،يعود عودا اعتباريا على قوس النزول
إلى عالم شهادته وحسه ومخالطة جنسه ،ليكمل التحقق بالدائرة
ه َ
و الوجودية ،جامعا للمراتب كلها ،مشاهدا لحقيقة قوله تعالىَ﴿:و ُ
حِكيُم اْلَعلِيُم ﴾ – الزخرف: و اْل َ
ه َ سَماِء إَِلٌه َوِفي اْأل َْر ِ
ض إَِلٌه َو ُ اَّلِذي ِفي ال َّ
ض﴾- ث ِفي اْأل َْر ِ
س َفَيْمُك ُ ما َينَْف ُ
ع النَّا َ ما َ ،-84و إلى قوله عز وجلَ ﴿ :وأ َ َّ
الرعد. -17:
وقد تكلم الشيخ عن هذا الرجوع بعد العروج في كتابه ) رسالة
األنوار( الذي خصصه لبيان العلوم التي ينالها السالك في معراجه
الروحي العرفاني ،وبعد وصوله إلى منتهى معراجه ،يقول له مخاطبا
ما خالصته ... ] :حتى ترد إلى عالم حسك املقيد األرضي ،أو تمسك حيث
غيبت) (...ومنهم من يرد إلى الخلق بلسان اإلرشاد والهداية ،وهو العالم الوارث،
فمنهم من يدعو من باب الفناء في حقيقة العبودية ،ومنهم من يدعوهم من باب
مالحظة العبودية وهوالذلة واالفتقار ،ومنهم من يدعوهم من باب مالحظة
األخالق الرحمانية ،ومنهم من يدعوهم من باب مالحظة األخالق القهرية ،ومنهم
من يدعوهم من باب األخالق اإللهية وهو أرفع باب وأجله[.
وأشار الشيخ في آخر هذه الفقرة إلى إحدى الفتوحات الكبرى التي
نالها ،وذلك في قوله ] :عرفت من الحادثات اآلنية واآلتية ما شهدته ،وعلمت
من الكائنات العلوية والسفلية ما وجدته[ .فقد تكلم الشيخ في فص شيث
من كتابه ) فصوص الحكم( عن هذه العلوم فقال:
] ...ومن هؤالء من يعلم أن علم اهلل به في جميع أحواله هو ما كان عليه في
حال ثبوت عينه قبل وجودها ،ويعلم أن الحق ال يعطيه إال ما أعطاه عينه من
العلم به ،وهو ما كان عليه في حال ثبوته .فيعلم علم اهلل به من أين حصل .وماثم
صنف من أهل اهلل أعلى وأكشف من هذا الصنف ،فهم الواقفون على سر القدر.
وهم على قسمني :منهم من يعلم ذلك مجمال ،ومنهم من يعلمه مفصال .والذي
يعلمه مفصال أعلى وأتم من الذي يعلمه مجمال ،فإنه يعلم ما في علم اهلل فيه أن
علم اهلل به وبأحواله الظاهرة والباطنة بخسبه فيه ،ولكن علمه جملي ال تفصيلي،
وكلي ال تعيني ،فال يعلم تفاصيل أحوالهالوجودية قبل وقوعها على التفصيل[.
وفي شرحه للفصوص يعقب مؤيد الدين الجندي على هذه الفقرة
فيقول:
] والتفصيل على هذا الصنف ملن يعلم تفاصيل أحواله الوجودية ظاهرها
وباطنها ،كما رويت عن سيدي وسندي وقدوتي إلى اهلل ،الشيخ الكامل املكمل،
أكمل ورثة املحمديني ،صدر الحق والدين،محيي اإلسالم واملسلمني ،أبي املعالي،
محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف – رضي اهلل عنه ،-وكان يتكلم معي في
هذا املقام من سر القدر ،أن شيخنا األكمل ،خاتم الوالية الخاصة املحمدية ،قال له:
) ملا وصلت إلى بحرالروم من بالد أندلس ،عزمت على نفسي أن ال أركب البحر إال
بعد أن أشهد تفاصيل أحوالي الظاهرة والباطنة الوجودية مما قدر اهلل علي ولي
ومني إلى آخر عمري( .قال – رضي اهلل عنه ) : -فتوجهت إلى اهلل في ذلك
بحضور تام وشهود عام ومراقبة كاملة ،فأشهدني اهلل جميع أحوالي مما يجري
ظاهرا وباطنا إلى آخر عمري ،حتى صحبة أبيك ' إسحاق بن محمد' وصحبتك
وأحوالك وعلومك وأذواقك ومقاماتك وتجلياتك ومكاشفاتك وجميع حظوظك من
اهلل .ثم ركبت البحر على بصيرة ويقني ،فكان ماكان ويكون من غير إخالل وال
اختالل[.
) -(8ومن ذلك :هدهد أمني جاء بنبإ يقني:
*شرح لغوي لبعض األلفاظ:
ألقه :ملعانه /بازغا :طالعا /السدف :الظلمات /الكلف :لون معيب
يظهرعلى الوجه /املعمى :الذي ال يدرك/األشراك :املصايد /األضوى:
األنور/معرى :عاريا /مقيلها :سكونها /حقه – برفع الحاء وخفض
القاف :-وعائه.
*املعنى:
الهدهد ،رمز لروح هداية النفس ،وتحققها بعلم اليقني ،حيث كان
سبب هداية امللكة بلقيس في قصتها مع سليمان عليه السالم ،كما
وردت في سورة النمل .فتبرأت من عبادة الشمس ،وأسلمت .قال تعالى
ت ِبَما َلْم حط ُ غْيَر َبِعيٍد فََقاَل أ َ َ ث َ عن الهدهد وخطابه لسليمان﴿ :فََمَك َ
سبٍَإ ِبنَبٍَإ َيِقنيٍ﴾ -النمل.-22: ك ِمْن َ ط ِبِه َو ِ
جئ ْتُ َ ح ْ تُ ِ
واملالحظ في هذه الفقرة تنبيه الشيخ على وجود تناسب بني بعض
ما جاء في قصة بلقيس وما حدث إلبراهيم عليه السالم ،رغم التباين
الشاسع بينهما .فهذا النبأ اليقني الذي ذكره الهدهد نجده في قول اهلل
ض ت َواْأل َْر ِ سَماَوا ِ ت ال َّ مَلُكو َ هيَم َ ك نُِري إِْبَرا ِ تعالى عن إبراهيم َ﴿ :وَكذَلِ َ
سلِْمني﴾-األنعام.- 75:وقال أيضا عنه ﴿ :إِْذ َقاَل َلُه َرُّبُه أ َ ْ ن ِمَن اْمل ُوِقِن َ َوِلَيُكو َ
ني ﴾– البقرة-131: ب اْلَعاَملِ َ ت لَِر ِّ سَلْم ُ َقاَل أ َ ْ
بهلل َر ِّ ن َِِّ سَلْيَما َع ُ م َ
ت َ سَلْم ُسي َوأ َ ْ ت نَْف ِ ب إِنِّي ظََلْم ُ ت َر ِّ وبلقيسَ ﴿ :قاَل ْ
ني﴾ -النمل .-44:أي كانت ظاملة لنفسها بعبادة الشمس .وقوم اْلَعاَملِ َ
إبراهيم كانوا أيضا يعبدونها ،ولهذا حاجهم إبراهيم بأفولها ،قال
ت َقاَل هَذا أ َْكبَُر فََلَّما أ َفََل ْ هَذا َرِّبي َ غًة َقاَل َ س َباِز َ شْم َ تعالى ﴿ :فََلَّما َرأ َى ال َّ
ي لَِّلِذي فَطََر جِه َ ت َو ْ جْه ُ ن ) (78إِنِّي َو َّ شِرُكو َ وم ِ إِنِّي َبِريٌء ِمَّما تُ ْ َيا َق ْ
ني ) – ﴾ (79األنعام.- 78/79 : شِرِك َ ما أ َنَا ِمَن اْمل ُ ْ حِنيًفا َو َ ض َ ت َواْأل َْر َ سَماَوا ِ ال َّ
من هذا املنزل قيدت جزأ سميته ) :الفناء في املشاهدة( .فلنذكر اآلن ما يتضمنه
هذا املنزل على ما يحوي عليه من األصول ،فإن البسط فيه يطول .فاعلم أن مظهر
هذا املنزل اسمه )النور( .ولكن األنوار على قسمني :نور ما له شعاع ،ونور
شعشعاني .فالنور الشعشعاني إن وقع فيه التجلي ذهب باألبصار ،وهو الذي
أشار إليه رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -حني قيل له' :يا رسول اهلل هل رأيت
ربك؟' فقال -صلى اهلل عليه وسلم ' :-نور أني أراه' .يقول :نور كيف أراه؟ يريد
النور الشعشعاني .فإن تلك األشعة تذهب باألبصار ،وتمنع من إدراك من تنشق
منه تلك األشعة ،وهو أيضا ً الذي أشار إليه -صلى اهلل عليه وسلم -بقوله ):إن هلل
سبعني حجابا ً من نور وظلمة لو كشفها ألحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره
من خلقه( .والسبحات هنا هي أنوار حقيقته ،فإن وجه الشيء حقيقته .وأما
النور الذي ال شعاع له فهو النور الذي يكون فيه التجلي وال شعاع له ،وال يتعدى
ضوؤه نفسه ،ويدركه املبصر في غاية الجالء والوضوح بال شك .وتبقى الحضرة
التي يكون فيها هذا الذي كشفت له في غاية من الوضوح ال يغيب عنه منها
شيء في غاية الصفاء وفي هذا التجلي يقول النبي -صلى اهلل عليه وسلم:-
) ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر( .فمن بعض ما يريد بهذا التشبيه الذي
وقع بالرؤية إدراك ذات القمر ،لضعف أشعة القمر ،أن يمنع البصر من إدراك ذاته.
والصحيح في ذلك أنه يريد إذا كسف ليلة بدره ،فإنه عند ذلك يدرك البصر ذات
القمر التي ال تقبل الزيادة وال النقصان .فهو إدراك محقق لذات القمر .ثم قال في
نفس الحديث ) :أو كما ترون الشمس بالظهيرة ليس دونها سحاب( ،وفي ذلك
الوقت يكون نورها أقوى ،فتظهر األشياء كلها بها ،فيدرك البصر كلما وقع عليه
من األشياء إدراكه حني كشفت له هذه الشمس .و إذا أراد أن يحقق النظر إلى ذات
الشمس في هذه الحالة ال يقدر فأوقع التشبيه أن هذا التجلي ليس يمنع أن يرى
الناس بعضهم بعضا ً ،أي ال يفني .فلهذا أوقع التشبيه برؤية القمر ليلة البدر،
وبرؤية الشمس ،وما اقتصر على واحد منهما .وأكد البقاء في هذا املشهد بقوله':
ال تضارون' و'ال تضامون' ،من الضيم والضم الذي هو املزاحمة ،ومن الضير
واإلضرار .وملا دخلت هذا املنزل وقع لي فيه التجلي في النور الذي ال شعاع له،
فرأيته علما ً ورأيت نفسي به ،ورأيت جميع األشياء بنفسي ،وبما تحمله األشياء
في ذواتها من األنوار التي تعطيها حقائقهم ،ال من نور زائد على ذلك .فرأيت
مشهدا ً عظيما ً حسيا ً ال عقليا ً ،وصورة حقية ال معنى .ظهر في هذا التجلي
اتساع الصغير لدخول الكبير فيه مع بقاء الصغير على صغره والكبير على
كبره ،كالجمل يلج في سم الخياط ،يشاهد ذلك حسا ً ال خياال ً،وقد وسعه وال تدري
كيف ،وال تنكر ما تراه .فسبحان من تعالى عن إدراك ما تكيفه العقول ،وفضل
أدراك البصر عليها ،ال إله إال هو العزيز الحكيم .فأظهر عجز العقول بهذا التجلي
الذي أظهر به قوة األبصار وفضلها على العقول .وأظهر في تجليه في النور
الشعشعاني عجز األبصار وقوة العقول وفضلها على األبصار ،ليتصف الكل
بالعجز ،وينفرد الحق بالكمال الذاتي .فمن عاين هذا املنزل يرى من العجائب
واآليات ما ال يمكن أن يحويه غيره .وأول هذا املنزل عند دخولك فيه ترى نفسك
مظهرا للحق ،فإذا رأيته تتحقق من نفسك أنه ليس هو ،وهو آخر هذا املنزل.
فيتضمن أوله هو مشاهدة .ويخاطبك في هذا التجلي بأنه ليس هو .فإنه من
التجليات التي ال تفنى عني املشاهدة ،فتجمع بني الرؤية والخطاب .وآخر هذا
املنزل يتضمن' الهو' ،وهو في الغيب من غير رؤية ،وهو متعلق نظر العقل .فأول
هذا املنزل بصرى ،وآخره عقلي وما بينهما .وهذا منزل يتضمن أيضا ً ما نذكره:
فاعلم أن األسرار التي يمنحها الحق عبده من أهل هذه الطريقة على قسمني:
منها أسرار تعطيك بذاتها أن تظهرها في األكوان من غير حرج في ذلك عليك ،وال
تحتاج في إظهارها إلى إذن إلهي ،فإن أظهرته عن غير إذن قوبلت ووقع الحرج
والجناح عليك في اظهار.ه وقد وقع لي مثل هذا ،ولكن بحمد اهلل قوبلت بالعتاب
ال بالعقاب رحمة من اهلل بي وعناية .وأسرار أخر ال يعطيها الحق ألحد بواسطة.
فلو طلبت األذن فيها ،إذا أطلعك الحق عليها ،أن توصلها ،ما أذن لك ،فإنها أذواق
ال تعرفها من غيرك بمجرد العبارة عنه،ا فإنها مما ينفرد الحق بأيصالها من الحق
إلى العبد ،كما يفعل باألحوال ،فلو رام أحد أن يعبر عن الشوق الذي يجده إلى
من اشتاق إليه ما أطاق ذلك[.
وفي آخر هذه الفقرة لوح الشيخ إلى نيله مقام الختام املحمدي
الخاص عند تمكنه في النور الشمسي ،فقال ]:وقد أوضح اهلل لنا العالمة،
بأنه خاتم اإلمامة ،أعني اإلمامة الجزئية املحمدية ،ال اإلمامة املطلقة الكلية[.
يعني بهذه األخيرة ختمية الوالية العامة املخصوصة بعيسى عليه
السالم .وهو ما سيفصله في الفقرة التالية.
) -(14ومن ذلك موج مجرد مجون ،تجرد عنه لؤلؤ مكنون:
شرح لغوي لبعض األلفاظ:
مجون :ماء غليظ ثقيل /القراح :ماء خالص /الريح الغربي :واردات األسرار
املتزاحمة /فلك البحر :سفنه /فلك الجو :مسابح النجوم /سيف البحر:
ساحله /طوارق :العوارض واملفاجئات /الثبور والويل :العذاب والهالك.
*املعنى:
االغتسال باملاء القراح عبارة عن التهيؤ الباطني لتلقي التجليات
واملعارف .والبحر املهلك باملوج املجون والسحاب املركوم عبارة عن التجلي
الذاتي املاحق لكل غيرية ،واملفني كل صفة في األحدية ،أو هو أيضا
عالم امللكوت األعلى املاحقة أنواره .ولطف املغيث وسكون اشتداد الريح
عبارة عن التجليات الصفاتية ،أو أيضا عالم الجبروت األوسط بأنواره
اللطيفة .وساحل بحرها عالم الشهادة وامللك واملزج ،املختلط فيه
الصالح والطالح ،والسعيد والشقي ،والعارف والجاهل ،والوضيع
والشريف .واللؤلؤ املكنون عبارة عن الحقائق العالية واألسرار النفيسة
املصونة التي ال يفوز بها إال الغواصون في بحار حقيقة املعرفة.
وفي ختام الفقرة إشارة إلى أن زمان الشيخ ،بصفته خاتما للوالية
املحمدية الخاصة ،من أشرف األزمنة ،فهو ملحق بقرن املصطفى األول،
لبلوغ الوالية املحمدية فيه أوجها من حيث ما أظهره الشيخ من املعارف
التي لم يسبقه فيها سابق وال الحق بعد رسول اهلل – صلى اهلل عليه
وسلم ،-وكتبه أوضح شاهد على هذا عند كل منصف .وأقطاب األمة
وكبار وعرفاؤها اعترفوا له بهذا .ولهذا نصح من يعي من سامعيه
اغتنام وجوده لينهلوا مما خصه اهلل به من العلم اللدني .وفد عبرعن
هذه النصيحة في مواقع أخرى عديدة من تصانيفه .منها ما ذكره إثر
مبشرة وقعت له في مقام إبراهيم عند الكعبة ،يقول عنها في الباب 72
من الفتوحات )ج:(723 : 1
] وفي هذه الواقعة أيضا ً قيل لي ]:قل ألصحابك استغنموا وجودي من قبل
رحلتي[ فنظمت ذلك ،وضمنته هذا اللفظ فقلت بعد ما استيقظت:
من عند بغيتي قد جاءني خطاب ألهل ملـتـي بأن أقول قو ً
ال
استغنموا وجودي من قبل رحلتي من كان قبلتي لكي أرى بعيني
وفي وجودي أيضا ً من كان علتي لسد حاجـتـي فإنني فقير
والحال خلتي محبتي مقامي والعلـم حـلـتـي فعينه وجودي
ملا تولت دعوت عني نفسي وما استـقـلـت عن ذكر ما أتاها
إلى مع األهلة فعند ما تجلى من خلف كلـتـي شهود عيني
من أجل قبلتي ومّد لي يمينا ً إذ كان جملتـي فما رأيت غيري
ورأيت في هذه الواقعة أنواعا ً كثيرة من مبشرات إلهية ،بالتقريب اإللهي وما
يدل على العناية واالعتناء .فأرجوا من اهلل أن يحقق ذلك في الشاهد ،فإن األدب
يعطي أن أقول في مثل هذا ما قال رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم) :-إن يكن من
عند اهلل يمضيه( ،مع علمه بأنه من عند اهلل .فما قلت مثل هذا قط في واقعة إال
وخرجت مثل فلق الصبح .فإني في هذا القول متأس ومقتد برسول اهلل -صلى اهلل
عليه وسلم -ملا رأى في املنام أن جبريل عليه السالم أتاه بعائشة في سرقة حرير
حمراء ،وقال له ':هذه زوجتك' .فلما قصها على أصحابه قال ) :إن يكن من عند اهلل
يمضه( .فجاء بالشرط لسلطان اإلحتمال الذي يعطيه مقام النوم وحضرة الخيال.
فكان كما رأى وكما قيل له ،فتزوجها بعد ذلك .فاتخذت ذلك في كل مبشرة أراها،
وانتفعت باالتباع فيه .وما قلت هذا كله إال امتثاال ألمر اهلل في قوله"]:وأما بنعمة
ربك فحدث[ ،وأية نعمة أعظم من هذه النعم اإللهية املوافقة للكتاب والسنة[.
الفصل الثالث:
بعد أن خلق اهلل تعالى القلم بتوجه اسمه ) البديع( ،وبعث منه اللوح
بتوجه اسمه )الباعث( ،توجه باسمه )املحيط( إليجاد العرش املحيط
الذي استوى عليه الرحمان .وترتبت بني اللوح والعرش أربع مراتب
تقديرية ال عني لها ،وهي أوال الطبيعة بتوجه اسمه تعالى ) الباطن(،
ثم الهباء بتوجه اسمه ) اآلخر( ،ثم الجسم الكلي بتوجه اسمه
) الظاهر( ،ثم الشكل الكلي بتوجه اسمه )الحكيم(.
فالعرش أعلى األجرام النورانية ،حتى أن الشيخ عبد الكريم الجيلي
جعله أعلى املراتب الكونية قاطبة ،فيقول في الباب 45من كتابه
اإلنسان الكامل :
] و الذي أعطانا الكشف في العرش مطلقا ،إذا أنزلناه في حكم العبارة قلنا :بأنه
فلك محيط بجميع األفـالك املعنوية والصورية .سطح ذلك الفلك هي املكانة
الرحمانية .ونفس هوية ذلك الفلك هو مطلق الوجود عينيا كان أو حكميا .و
لهذا الفلك ظاهر وباطن فباطنه عالم القدس ،و هو عالم أسماء الحق سبحانه و
تعــــالى و صفاته ،و عـالم القدس و مجاله هو املعبر عنه بالكثيب الذي يخرج
إليه أهل الجنة يوم سوقهم ملشاهدة الحق .و ظاهره عالم األنس ،و هو محل
التشبيه و التجسيم والتصوير ،و لهذا كان سقف الجنة [.
] العرش أعظم األجسام من حيث اإلحاطة ،فهو العظيم جرما و قدرا .و بحركته
أعطى ما في قوته ملن هو تحت قبضته ،فهو الكريم لذلك ،و بنزاهته أن يحيط به
غيره من األجسام هو مجيد .و باستواء الرحمن عليه أعطاه النفس الرحماني
روحا من أمره ،فكان مجموع كل موجود في العالم صورته وروحه املدبر لــه .و
الكلمة العرشية من النَفَس الرحماني واحدة ،وهو األمر اإللهي إليجاد الكائنات .
و ملقعره ظل فيه من الراحة ماال يقدر قدرها ،و ذلك الظل يحجب نور الرحمن .و
تحته كنوز كثيرة ،منها الكنز الذي خرجت منه لفظة " الحول و ال قوة إال باهلل
العلي العظيم " ،و هذا الكنز هو آدم صلوات اهلل عليه و سالمه ،و له قوائم
نورانية على املاء الجامد الذي مقره على الهواء البارد .و ذلك الهواء نفس
الظلمة التي هي الغيب ،و فيها يكون الناس على الجسر إذا بدلت األرض غير
األرض تبديل صفة ال تبديل عني .و قد خلق اهلل تعالى مالئكة من أنوار العرش
يحفون به .و له اليوم أربع حملة من األمالك لقوائمه األربع ،و كل قائمة مشتركة
بني كل وجهني إلى حد كل نصف وجه .و جعل أركانه متفاضلة فأفضلها قائمة
الرحمانية الكبرى الجامعة ،وعلى يمينها قائمة الرحمة التي ال شدة فيها ،
وعلى يسارها قائمة الشدة و القهر ،و تقابلها الرابعة و هي على صورتها فهي
نور وظلمة ،و فيها رحمة وشدة .و في نصف كل وجه قائمة ،فهي ثمانية
يحملها يوم القيامة ثمانية ،وهم في الدنيا أربعة .واملالئكة اآلخرون
املخصوصون بالعرش اسمهم : الواهبات ،ومقدمهم :إسرافيل.
و يراد بالعرش أيضا :امللك .و حملته هم القائمون بتدبيره ،و هو محصور في
جسم و روح وغـذاء و مرتبة .فآدم و إسرافيل للصور ،و جبريل و محمد
لألرواح ،وميكائيل و إبراهيم لألرزاق أي الغذاء ،و مالك للوعيد ،و رضوان
للوعد ،و تمت الثمانية .فالظاهر منها في الدنيا أربعة :الصورة و الغذاء و
املرتبتان .و يوم القيامة تظهر الثمانية بجميعها للعيان .و هذه الثمانية لنسب
الحق الثمانية و هي :الحياة و العلم و القدرة و اإلرادة و الكالم و السمـع و
البصر و إدراك األذواق بالصفة الالئقة به عز وجـل .و صور حملته األربعة هي
أن ألو لهم صورة إنسان و هو الذي علم بقية الحملة ذكر “ الحول و ال قوة إال باهلل
العلي العظيم “ فاستطاعوا بذكره حمله ،و الثاني له صورة األسد ،و الثالث
على صورة النسر ،و الرابع على صورة الثور ،وهو الذي رآه السامري فتخيل أنه
تجل إلله موسى فصنع لقومه العجل ،إلى آخر قصته[.
] االسم) الغني( هو املتوجه على إيجاد فلك البروح ،و جعل هذا الفلك أطلس ال
كوكب فيه متماثل األجزاء ،مستدير الشكل ،ال تعرف لحركته بدايــة وال نهاية.
يقطع بحركته في الكرسي ،كما يقطعه من دونه من األفالك ،و ماله طرف .
بوجوده حدثت األيـام و الشهور و السنون ،و لكن ما تعينت هذه األزمنة فيه إال
بعدما خلق اهلل في جوفه من العالمات التي ميزت هذه األزمنة .و ما عني منها
هذا الفلك سوى يوم واحد ،و هي دورة واحدة ،عينها مكان القدم من الكرسي،
فتعينت من أعلى ،فذلك القدر يسمى يوما .وما عرف هذا اليوم إال اهلل تعالى
لتماثل أجزاء هذا الفلك .وكان ابتداء حركته بأول درجة من برج الجوزاء املقابلة
لقدم الكرسي.
فظهر أول يوم ،وهو يوم األحد ،بانتهاء دورة واحدة ،ظهر عن صفة السمع،
فلهذا ما في العالم إال من يسمع األمر اإللهي في حال عدمه بقوله ):كن( .و من
دورته الثانية ظهر يوم االثنني من صفة الحياة ،فما في العالم جزء إال و هو حي .
و من دورته الثالثة ظهر يوم الثالثاء من صفة البصر ،فما في العالم جزء إال وهو
يشاهد خالقه من حيث عينه ال من حيث عني خالقه .و من دورته الرابعة ظهر يوم
األربعاء و حركته عن صفة اإلرادة ،فما في العالم جزء إال وهو يقصد تعظيم
خالقـه .و من دورته الخامسة ظهر يوم الخميس و حركته عن صفة القدرة ،فما
في الوجود جزء إال و هو متمكن من الثناء على موجده .و من دورته السادسة
ظهر يوم الجمعة و حركته عن صفة العلم ،فما في العالم جزء إال و هو يعلم
موجده من حيث ذاته ،ال من حيث ذات موجده .ومن دورته السابعة ظهر يوم
السبت و حركته عن صفة الكالم ،فما في الوجود جزء إال و هو يسبح بحمد
خالقه .و لم يتمكن الدهر أن يزيد على سبعة أيام ألن الصفات اإللهية األمهات
سبعة.
و من حركة هذا الفلك ظهرت األحياز ،و ثبت وجود الجوهر الفرد املتحيز الذي
ال يقبل القسمة و ملا انقسمت الكلمة العرشية الواحدة في الكرسي إلى اثنني
بتدلي القدمني ،و هما خبر و حكـم و الحكم خمسة أقسام :وجوب و حظر
و إباحة و ندب وكراهة .و الخبر قسم واحد .فإذا ضربت اثنني في ستة كان
املجموع اثني عشر :ستة إلهية و ستة كونية ألنها على الصورة .فانقسم هذا
الفلك األطلس على اثني عشر قسما ،لكل قسم حكم في العالم ينتهي إلى غاية،
ثم تدور كما دارت األيام سواء إلى غير نهاية .فأعطى للحمل 12000سنة ،ثم
تمشي على كل برج بإسقاط ألف حتى تنتهي إلى آخرها وهو الحوت فله 1000
سنة ،فجملة الدور 78000سنة .و تعود الحركة الدورية متجددة مع ثبات عني
املتحرك ،و الحركة ال تعود عينها أبدا لكن مثلها .وهذا الفلك – رغم أن مرتبته من
حيث الحس دون الكرسي -هو سقف الجنة ألنه املظهر الخارجي للعرش .و عن
حركته يتكون فيها ما يتكون ،و هوال ينخرم نظامه فالجنة ال تفنى لذاتها أبدا ،و
ال يتخلل نعيمها ألم و ال تنغيص.
و لحكم الطبيعة على هذا الفلك ظهرت فيه ثالثة بروج نارية ،و مثلها ترابية ،و
مثلها هوائية ،و مثلها مائية .و لكل برج ثالثة وجوه فمجموعها 36وجها .و
الحاكم فيه ملك عظيم بيده تنفيذ ما أوحى اهلل فيه من أمره فلملك الحمل
) واسمه :الحامد ( مفتاح خلق الصفات واألعراض .وللثور ) واسم ملكه:
الثابت ( مفتاح خلق الجنة و النار ،و بحركته وجدت جهنم و ما يتكون فيها .و
للجوزاء ) واسم ملكه :الجايز ( مفتاح خلق املعـادن؛ و في أول الحادية إحدى
عشرة درجة منه ينتهي يوم القيامة فيستقر أهل الجنة فيها و أهل النار فيها الى
األبد .و للسرطان ) واسم ملكه :السائق( مفتاح خلق الدنيا .و لألسد ) واسم
ملكه :االقليد ( مفتاح خلق اآلخرة و بطالعه خلقت الجنة .و لبرج السنبلة
) واسم ملكه :السادن ( تدبير األجسام البشرية ،و بطالعه خلق اإلنسان و
البرزخ .و للميزان ) واسم ملكه :املانح ( مفتاح خلق الزمان و األحوال و
االستحاالت .و للعقرب ) واسم ملكه :العادل ( مفتاح خلق النباتات .و للقوس
) واسم ملكه :القائم ( تدبير األجسام النورية والظلمانية و النار ،و بطالعه
خلق الجان .و للجدي ) واسم ملكه :الجابر ( مفتاح خلق الليل و النـــهار .و
للدلو ) واسم ملكه :الدائم ( مفتاح خلق األرواح .و للحوت ) واسم ملكه:
الحائر( تدبير األجسام الحيوانية .و املتولي عذاب أهل النار من هؤالء مالئكة
البروج النارية والترابية ،أي :القائم و االقليد و الحامد و الثابت و السادن و
الجابر ومالك هو الخازن .و هؤالء مع الستة الباقني – أي مالئكة البروج
الهوائية واملائية ،وهم :الجائز و السائق و املانح و العادل و الدائم و
الحافظ – فإن جميعهم يكون مع أهل الجنان و رضوان الخازن .واسم مالئكة
فلك البروج هذا :املقسمات ،ومقدمهم :جبرائيل[ .وفي الباب 361من
الفتوحات املتعلق بسورة املؤمنون فصل الشيخ بإسهاب آثار البروج
في اإلنسان الكامل واإلنسان الحيوان .
) -(5لؤلؤة األفالك :فلك املنازل املكوكب:
] خلق اهلل فلك املنازل بتوجه اسمه ) املقدر(.فاملنازل مقادير التقاسيم التي
في فلك البروج ،عينها الحق تعالى لنا إذ لم يميزه البصر إال بهذه املنـــازل .و
جعلها 28منزلة من أجل حروف النفس الرحماني .و إنما قلنا ذلك ألن الناس
يتخيلون أن الحروف الثمانية و العشرين من املنازل حكم هذا العدد لها ،و عندنا
بالعكس :عن هذه الحروف كان حكم عدد املنازل .و جعلت 28مقسمة على 12
برجا ليكون لكل برج في العدد الصحيح قدم و في العدد املكسور قدم ،ليعم حكم
ذلك البرج في العالم بحكم الزيادة و النقص و الكمال و عدم الكمال .ألن االعتدال
ال سبيل إليه ،ألن العالم مبناه على التكوين ،و التكوين باالعتدال ال يصح .فكان
لكل برج منزلتان و ثلث صحيحتان أو مكسورتان .واسم مالئكة هذا الفلك:
التاليات ،واسم مقدمهم :رضوان خازن الجنة.
و ملا خلق اهلل هذا الفلك كون في سطحه الجنة .فسطحه مسك ،و هو أرض
الجنة .و قسم الجنات على ثالثة أقسام للثالثة وجوه التي لكل برج :جنات
االختصاص و امليراث و األعمال .ثم جعل في كل قسم أربعة أنهار مضروبة في
ثالثة يكون منها 12نهر،ا و منها ظهر في حجر موسى 12عينا الثني عشر
سبطا :نهر املاء املناسب لعلم الحياة ،و نهر الخمر املناسب لعلم األحوال ،و نهر
العسل املناسب لعلم الوحي ،و نهر اللنب املناسب لعلم األسرار و اللب الذي
تنتجه الرياضات و التقوى.
و أما مقعر هذا الفلك فجعله اهلل محال للكواكب الثابتة القاطعة في فلك البروج.
و لها من الصور فيه 1021صورة و صور كواكب السماوات السبعة ،فبلغ الجميع
1028صورة تجري في 1028فلك ...و يبقى في اآلخرة في جهنم حكم أيام هذه
الكواكب ،ألن هذا الفلك سقف جهنم ،و الجواري السبعة مع انكدارهـــا و طمسها
و إنتثارها ،فتحدث في جهنم حوادث غير حوادث إنارتها و سير أفالكها بها،
فتبقى السباحة للكواكب بذاتها مطموسة األنوار .و يبقى في الجنة في اآلخرة
حكم البروج ،و حكم مقادير العقل عنها ،ألن فلك البروج العرشي سقف الجنة .و
أما كثيب املسك األبيض الذي في جنة عدن،وهو الذي تجتمع فيه الناس للرؤية
يوم الزور األعظم ،وهو يوم الجمعة ،فأيامه من أيام أسماء اهلل ،وال علم لي و ال
ألحد بها ،استأثراهلل بها في علم غيبــه.
وعدن بني الجنات كالكعبة بيت اهلل بني بيوت الناس .و تزور الحق على قدر
صالتك ،و تراه على قدر حضورك .فهنا مناجاة وهناك مشاهدة .وهنا حركات
وهناك سكون[ .
و أوجد اهلل في هذه السماء البيت املعمور و هو على سمت الكعبة له
بابان :مشرقي يدخل فيه كل يوم سبعون ألف ملك ثم يخرجون من
مقابله املغربي و ال يعودون فيه أبدا يخلقهم اهلل في كل يوم من نهر
الحياة من القطرات التي تقطر من انتقاض جبريل عندما ينغمس فيه
في كل يوم غمسة .و بعدد هؤالء املالئكة في كل يوم تكون خواطر بني
آدم :في قلوبهم .و هؤالء املالئكة الذين يدخلون البيت املعمور
يجتمعون عند خروجهم منه مع املالئكة الذين خلقهم اهلل من خواطر
القلوب فإذا اجتمعوا بهم كان ذكرهم االستغفار إلى يوم القيامة .
فالقلوب كلها من هذا البيت خلقت ،فال تزال معمورة دائما ،و كل ملك
يتكون من الخواطر يكون على صورة ما خطر سواء .و هذا الفلك
معدن الراحة و سرعة الحركة في ثبات .وفيه عني املـوت ،ألن طبعه طبع
التراب اليابس البارد ،و هو طبع املوت ،واسم مالئكته :النازعات،
ومقدمهم :عزرائيل.
في هذه الفقرة أشار الشيخ إلى خلق اإلنسان األول آدم عليه
السالم ،ثم توالي الخلفاء بعده في دورة امل ُلك – برفع امليم ،-إلى أن جاء
املليك اإلنسان الكامل خاتم املرسلني – صلى اهلل عليه وسلم -متوجا
ن َوَلٌد فَأ َنَا أ ََّوُل ن لِلَّر ْ
حَم ِ ن َكا َ
للوجود بأسره ،فقال له الحقُ ﴿ :قْل إِ ْ
اْلَعاِبِديَن ﴾ – الزخرف .-81:فالتحمت حقيقته القديمة في مقام ]:كنت
نبيا وآدم بني املاء والطني[ ،مع حقيقته الحسية بجسده الشريف في
مركز األرض ،التي هي مركز الكون ألنها محل الخالفة الجامعة،
ومنصة اإلنسان الكامل ،املجلى األتم للحق تعالى .بالتحام هاتني
الياقوتتني ،الحمراء والصفراء ،انتضمت املواقيت ،واستدار الزمان
كهيئته يوم خلقه اهلل تعالى .وقد أوضح الشيخ كل هذه األمور في
الكثير من كتبه ورسائله وأبواب الفتوحات .وتنظر خالصة ملا يتعلق
بخلق اإلنسان وخصائصه في كتابنا ) :الحقائق الوجودية الكبرى في
رؤية ابن العربي(.
ون كتفي ه نا ب ما ذك ره ال شيخ ح ول ) ان تظام امل واق يت( ،وذل ك ف ي ال باب ال ثان ي
عش ر م ن ال فتوح ات ،وه و ف ي م عرف ة دورة ف لك س يدن ا مح مد -ص لى اهلل ع ليه
وس لم ، -وه ي دورة ال سيادة ،وأن ال زم ان ق د اس تدار ك هيئته ي وم خ لقه اهلل ت عال ى.
فقال ما خالصته:
]ألى بأبي من كـان وآدم بني املـاء والـطـني
مـلـكـا ً وسـيدا ً واقـف
فذاك الرسول األبطحى له في العلى مجد تلـيد
مـحـمـد وطـارف
أتى بزمان السعد في وكانت له في كل عصر
آخر الـمـدى مـواقـف
أتى النكسار الدهر يجبر فأثنت علـيه ألـسـن
صـدعـه وعـوارف
إذا رام أمـرا ً ال يكـون وليس لذاك األمر في
خـالفـه الكون صارف
اعلم -أيدك اهلل -أنه ملا خلق اهلل األرواح املحصورة املدبرة لألجسام بالزمان
عند وجود حركة الفلك ،لتعيني املدة املعلومة عند اهلل ،وكان عند أول خلق الزمان
بحركته خلق الروح املدبرة :روح محمد -صلى اهلل عليه وسلم .-ثم صدرت األرواح
عند الحركات .فكان لها وجود في عالم الغيب دون عالم الشهادة .واعلمه اهلل
بنبوّته وبشره بها وآدم لم يكن إال كما قال ) :بني املاء والطني ( .وانتهى الزمان
باالسم )الباطن( في حق محمد -صلى اهلل عليه وسلم -إلى وجود جسمه ،وارتباط
الروح به ،انتقل حكم الزمان في جريانه إلى االسم )الظاهر( .فظهر محمد -صلى
اهلل عليه وسلم -بذاته جسما ً وروحا ً .فكان الحكم له باطنا ً أو ال في جميع ما ظهر
من الشرائع على أيدي األنبياء والرسل سالم اهلل عليهم أجمعني .ثم صار الحكم له
ظاهرا ً ،فنسخ كل شرع أبرزه االسم الباطن بحكم االسم الظاهر لبيان اختالف
حكم االسمني ،و إن كان املشرع واحدا ً وهو صاحب الشرع ،فإنه قال ':كنت نبيا ً'،
وما قال' :كنت إنسانا ً' و' :ال كنت موجودا ً' .وليست النبوة إال بالشرع املقرر عليه
من عند اهلل .فأخبر أنه صاحب النبوة قبل وجود األنبياء الذين هم نوابه في هذه
الدنيا ،كما قررناه فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب .فكانت استدراته انتهاء دورته
باالسم )الباطن( وابتداء دورة أخرى باالسم )الظاهر( .فقال ]:استدار كهيئته يوم
خلقه اهلل[ في نسبة الحكم لنا ظاهرا ً ،كما كان في الدورة األولى منسوبا ً إلينا
باطنا ً ،أي إلى محمد .وفي الظاهر منسوبا ً إلى من نسب إليه من شرع إبراهيم
وموسى وعيسى وجميع األنبياء والرسل .وفي األنبياء من الزمان أربعة حرم:
هود وصالح وشعيب سالم اهلل عليهم ومحمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-وعينها من
الزمان :ذو القعدة وذو الحجة واملحرم ورجب مضر .وملا كانت العرب تنسأ فى
الشهور ،فترد املحرم منها حالال والحالل منها حراما ً ،وجاء محمد -صلى اهلل عليه
وسلم -فرد الزمان إلى أصله الذي حكم اهلل به عند خلقه ،فعني الحرم من الشهور
على حد ما خلقها اهلل عليه ،فلهذا قال في اللسان الظاهر ):أن الزمان قد استدار
كهيئته يوم خلقه اهلل( .كذلك استدار الزمان ،فأظهر محمدا ً -صلى اهلل عليه وسلم -
كما ذكرناه جسما ً وروحا ً باالسم الظاهر حسا ً .فنسخ من شرعه املتقدم ما أراد اهلل
أن ينسخ منه ،وأبقى ما أراد اهلل أن يبقى منه ،وذلك من األحكام خاصة ال من
األصول .وملا كان ظهوره بامليزان ) أي برج امليزان ( وهو العدل في الكون ،وهو
معتدل ألن طبعه الحرارة والرطوبة ،كان من حكم اآلخرة ،فإن حركة امليزان متصلة
باآلخرة إلى دخول الجنة والنار .وأعطى محمد -صلى اهلل عليه وسلم -علم األولني
واآلخرين .فقد ثبتت له -صلى اهلل عليه وسلم -السيادة في العلم في الدنيا،
وثبتت له أيضا ً السيادة في الحكم حيث قال ]:لو كان موسى حيا ً ما وسعه إال أن
يتبعني[ .ويبني ذلك عند نزول عيسى عليه السالم وحكمه فينا بالقرآن .فصحت
له السيادة في الدنيا بكل وجه ومعنى .ثم أثبت السيادة له على سائر الناس يوم
القيامة بفتحه باب الشفاعة .وال يكون ذلك لنبي يوم القيامة إال له -صلى اهلل عليه
وسلم . -فهو -صلى اهلل عليه وسلم -أول شافع بإذن اهلل ،وأرحم الراحمني آخر
شافع يوم القيامة ،فيشفع الرحيم عند املنتقم أن يخرج من النار من لم يعمل خيراً
قط ،فيخرجهم املنعم املتفضل .وأي شرف أعظم من دائرة تدار يكون آخرها أرحم
الراحمني ،وآخر الدائرة متصل بأولها ،فأي شرف أعظم من شرف محمد -صلى اهلل
عليه وسلم -حيث كان ابتداء هذه الدائرة ،حيث اتصل بها آخرها لكمالها .فال فلك
أوسع من فلك محمد -صلى اهلل عليه وسلم -فإن له اإلحاطة ،وهي ملن خصه اهلل
بها من أمته بحكم التبعية .فلنا اإلحاطة بسائر األمم ،ولذلك كنا شهداء على
الناس.
وعن برج امليزان ظهرت بقية البروج حسب تتابعها إلى أن انتهت الدورة
الزمانية إليه لتكرار الدور .فظهر محمد -صلى اهلل عليه وسلم ،-وكان له في كل
جزء من أجزاء الزمان حكم اجتمع فيه بظهوره -صلى اهلل عليه وسلم .-فما زالت
روحانيته تكتسب صفاتها قبل جود تركيبها الحسي ،إلى أن ظهرت صورة
جسمه في عالم الدنيا بما جبله اهلل عليه من األخالق املحمودة :فقيل فيه) :و إنك
لعلى خلق عظيم( – القلم - 4:فكان ذا خلق ،لم يكن ذا تخلق .فخص برتبة الكمال
في جميع أموره ،ومنها الكمال في العبودية ،فكان عبدا ً صرفاً ،لم يقم بذاته
ربانية على أحد ،وهي التي أوجبت له السيادة ،وهي الدليل على شرفه على
الدوام .وقد قالت عائشة) :كان رسول اهلل -صلى اهلل عليه وسلم -يذكر اهلل على كل
أحيانه( .ولنا منه ميراث وافر وهو أمر يختص بباطن اإلنسان .واهلل يقول الحق
وهو يهدي السبيل[.
في الباب السابع وثلثمائة من الفتوحات املتعلق بسورة )املرسالت( ،وهو في
م عرف ة م نزل ت نزل امل الئ كة ع لى امل وق ف املح مدي ،ف صل ال شيخ ك يفية ت نزل ال رق ائ ق
املحمدية وعروجها عبر وراتب الوجود فقال:
هلل جعل من السماء إلى األرض معارج على عدد ] اعلم أيها الولي الحميم أن ا ّ
هلل ويذكر بما
الخالئق .وما في السموات موضع قدم إال وهو معمور بملك يسبح ا ّ
قد حد له من الذكر .وهلل تعالى في األرض من املالئكة مثل ذلك ال يصعدون إلى
السماء أبدا ً ،وأهل السموات ال ينزلون إلى األرض أبدا ً ،كل قد علم صالته
وتسبيحه .و إن هلل تعالى أرواحا ً من املالئكة الكرام مسخرة ،قد والهم ا ّ
هلل تعالى
هلل في السموات من األمور ،التي قد شاء سبحانه أن وجعل بأيديهم ما أوحى ا ّ
يجريها في عالم العناصر .وجعل سبحانه معارج املالئكة من الكرسي إلى
السموات ،ينزلون باألوامر اإللهية املخصوصة بأهل السموات ،وهي أمور
فرقانية .وجعل من العرش إلى الكرسي معارج ملالئكة ينزلون إلى الكرسي
بالكلمة الواحدة غير منقسمة إلى الكرسي .فإذا وصلت الكلمة واحدة العني إلى
الكرسي انفرقت فرقا ً قدر ما أراد الرحمن أن يجري منها في عالم الخلق واألمر.
ومن النفس) يعني الشيخ النفس الكلية( رقائق ممتدة إلى العرش منقسمة
إلى فرقتني ،للقوتني اللتني النفس عليهما) يعني القوة العلمبة والقوة
العملية( وهو اللوح املحفوظ ،وهو ذو وجهني .وتلك الرقائق التي بني اللوح
والعرش بمنزلة املعارج للمالئكة ،واملعاني النازلة في تلك الرقائق كاملالئكة .ومن
النفس التي هي اللوح إلى العقل) يعني العقل األول الذي هو القلم األعلى(
الذي هو القلم توجهات استفادة .ومن العقل إليها توجهات إفادة ذاتية ال اختيار
له فيها ،يحصل عن تلك التوجهات من العلوم للنفس بما يكون في الكون ما ال
هلل إلى العقل امداد ذاتي عن هلل افتقار ذاتي ،ومن ا ّ
يحصى كثرة .ومن العقل إلى ا ّ
تجلي إرادي .فيعلم من علوم التفصيل في ذلك التجلي اإلجمالي ما يزيد فقرا
إلى فقره ،وعجزا إلى عجزه ،ال ينفك وال يبرح على هذه الحالة.
فينزل األمر اإللهي في ذلك التجلي اإلرادي باإلمداد الذاتي إلى العقل،
فيظهر في التوجهات العقلية إلى التوجهات النفسية ذلك األمر اإللهي بصورة
عقلية ،بعدما كان في صورة أسمائية .فاختلفت على ذلك األمر اإللهي الصور
بحسب املوطن الذي تنزل إليه ،فينصبغ في كل منزل صبغة .ثم ينزل ذلك األمر
اإللهي في الرقائق النفسية بصورة نفسية لها ظاهر ،وغيب وشهادة ،فتتلقاه
الرقائق الشوقية العرشية ،فتأخذه منها فينصبغ في العرش صورة عرشية،
فينزل في املعارج إلى الكرسي على أيدي املالئكة وهو واحد العني غير منقسم
في عالم الخلق ،وقد كان نزل من النفس إلى العرش منقسما ً انقسام عالم األمر.
فلما انصبغ بأول عالم الخلق وهو العرش ،ظهر في وحدانيته الخلق ،وهو أول
وحدانية الخلق .فهو من حيث األمر منقسم ،ومن حيث الخلق واحد العني،
كالصوت الخارج من الصدر إلى خارج الفم عني واحدة ،ال يظهر فيه كمية أص ً
ال،
فتقسمه املخارج إلى حروف متعددة تزيد على السبعني ،وهو عني ذلك الصوت
الواحد.
فينصبغ ذلك األمر اإللهي في الكرسي بصورة غير الصورة التي كان عليها.
وما من صورة ينصبغ فيها ويظهر بها إال واألخرى التي كان عليها مبطونة فيه ال
تزول عنه .واألولى أبدا ً من كل صورة روح للصورة التي تظهر فيها ،من أول األمر
إلى آخر منزل ،تلك الروح تمد هذه الصورة الظاهرة .فينزل األمر اإللهي من
الكرسي على معراجه إلى السدرة إن كان لعالم السموات القصد ،و إن كان لعالم
الجنان لم ينزل من ذلك املوضع وظهر سلطانه في الجنان بحسب ما نزل إليه،إما
في حورها ،أوفى أشجارها ،أوفى ولدانها ،أو حيث عني له من الجنان.
فإذا نزل إلى السموات على معراجه ،نزلت معه مالئكة ذلك املقام النازل منه
ومعه قوى أنوار الكواكب ال تفارقه ،فتتلقاه مالئكة السدرة فتأخذه من املالئكة
النازلة به ،وترجع تلك املالئكة بما تعطيها مالئكة السدرة من األمور الصاعدة من
األرض ،فتأخذها وترجع ،وتبقى أرواح الكواكب معه .فإن كان فيه ما تحتاج
الجنة إليه من جهة ما فيها من النبات ،أخذته من السدرة العلية وفروعها في كل
دار في الجنة ،وهي شجرة النو،ر و إليها تنتهي حقائق األشجار العلوية
الجنانية والسفلية األرضية .وأصولها شجرة الزقوم ،وفروع أصلها كل شجر مر
وسموم في عالم العناصر .كما أن كل نبات طيب حلو املذاق فمن ظاهر السدرة
في الدنيا والجنة .فهذه السدرة عمرت الدنيا واآلخرة ،فهي أصل النبات والنمو
في جميع األجسام في الدنيا والجنة والنار ،وعليها من النور والبهاء بحيث أن
يعجز عن وصفها كل لسان من كل عالم.
ثم إن األمر اإللهي يتفرع في السدرة كما تتفرع أغصان الشجرة ويظهر فيه
صور الثمرات بحسب ما يمده من العالم الذي ينزل إليه ،وقد انصبغ بصورة
السدرة .فينزل على املعراج إلى السماء األولى) أي األولى نزوال من فوق،
وهي سماء الكوكب زحل ،ويسمى كيوان( ،فيتلقاه أهلها بالترحيب وحسن
القبول والفرح ،ويتلقاه من أرواح األنبياء والخلق الذين قبضت أرواحهم باملوت
وكان مقرها هنالك ،وتتلقاهم املالئكة املخلوقة من همم العارفني في األرض .وتجد
هنالك نهر الحياة يمشي إلى الجنة ،فإن كان له عنده أمانة -وال بد منها في كل
أمر إلهي فإن األمر اإللهي يعم جميع املوجودات -فيلقيه في ذلك النهر مثل ما
أعطى السدرة .فيجري به النهر إلى الجنان ،وفي كل نهر يجده هنالك مما يمشي
هلل عنده من األمانة
إلى الجنة .وهنالك يجد النيل والفرات ،فيلقي إليهما ما أودع ا ّ
التي ينبغي أن تكون لهما ،فتنزل تلك البركة في النهرين إلى األرض فإنهما من
أنهار األرض .ويأخذ أرواح األنبياء ومالئكة الهمم وعمار السماء األولى منه ما
بيده مما نزل به إليهم .ويدخل البيت املعمور فيبتهج به ،وتسطع األنوار في
جوانبه .وتأتي املالئكة السبعون ألفا ً الذين يدخلونه كل يوم وال يعودون إليه
هلل من قطرات ماء نهر الحياة .فإن جبريل عليه السالم أبدا ً ،وهم الذين يخلقهم ا ّ
ينغمس في نهر الحياة كل يوم غمسة ،فيخرج فينتفض كما ينتفض الطائر،
هلل من كل قطرة ملكا.
فيقطر منه في ذلك االنتفاض سبعون ألف قطرة ،يخلق ا ّ
ثم ينصب املعراج من السماء األولى التي قطبها إبراهيم عليه السالم إلى
السماء الثانية التي قطبها موسى عليه السالم .فينزل فيه األمر اإللهي وهو
على صورة السماء األولى ،فينصبغ بصورة املعراج الذي ينزل فيه ،ومعه املالئكة
املوكلون به من السماء األولى ،ومعه أرواح البروج والكواكب الثابتة كلها .وينزل
معه ملك من قوة كيوان ال بد من ذلك .فإذا وصل إلى السماء الثانية تلقته
مالئكتها -وهم امللقيات ،ومقدمهم اسمه املقرب -وما فيها من أرواح الخالئق
املتوفني ،ومالئكة الهمم ،وقوة بهرام) أي كوكب املشتري( الذي في السماء
الثانية ،فيعطيهم ما بيده لهم .وينزل إلى الثالثة ،التي قطبها هارون عليه
السالم ،وكوكبا األحمر ،فتتلقاه مالئكتها -وهم الفارقات ،ومقدمهم الخاشع ،-وهو
على صورة الثانية ،فينصبغ بصورة السلم الذي ينزل فيه ،والحال الحال .مثل ما
ذكرنا إلى أن ينتهي إلى السماء السابعة ،وهي السماء الدنيا .فإذا أدى إليهم ما
بيده لهم ،ومعه قوة صاحب كل سماء ،فتحت أبواب السماء لنزوله .ونزلت معه
قوى جميع الكواكب الثوابت والسيارة ،وقوى األفالك ،وقوى الحركات الفلكية
كلها .وكل صورة انتقل عنها مبطونة فيه.
فمالئكة السماء الرابعة -حيث فلك الشمس وقطبها إدريس عليه السالم ،-هم
الصافات ومقدمهم الرفيع .وتحتها سماء الزهرة التي قطبها ييوسف عليه
السالم ،ومالئكتها الفاتقات ،ومقدمهم الجميل .وتحتها سماء الكاتب – وهو
عطارد -وفطبها عيسى ومعه يحيى عليهما السالم ،ومالئكتها الناشطات
ومقدمهم الروح .وتحتها سماء القمر -او اإلنسان املفرد -وقطبها األب األول
سيدنا آدم عليه السالم ،ومالئكتهاالسابحات ومقدمهم املحيي .ومنها ينزل األمر
إلى كرة األثيرأو النار ،فتتلقاه مالئكتها السابقات ،وتسلمه إلى مالءكة كرة
الهواء وهم الزاجرات ومقدمهم امللك املسمى بالرعد ،وبدورهم يسلمونه إلى
مالئكة كرة املاء وهم الساريات ومقدمهم الزاجر ،لينتهي أخيرا عتد مالئكة األرض
وهم الناشرات واسم مقدمهم) :قــاف(.
فكل أمر إلهي ينزل فهو :اسم إلهي ،عقلي ،نفسي ،عرشي ،كرسي .فهو
مجموع صور كل ما مر عليه في طريقه ،فيخترق الكور ،ويؤثر في كل كرة بحسب
ما تقبله طبيعته ،إلى أن ينتهي إلى األرض ،فيتجلى لقلوب الخلق ،فتقبله
بحسب استعداداتها وقبولها متنوع .وذلك هو الخواطر الذي تجدها الناس في
قلوبهم ،فبها يسعون وبها يشتهون وبها يتحركون ،طاعة كانت تلك الحركة أو
معصية أو مباحة .فجميع حركات العالم من معدن ونبات وحيوان و إنسان وملك
أرضي وسماوي ،فمن ذلك التجلي الذي يكون من هذا األمر اإللهي النازل إلى
األرض .فيجد الناس في قلوبهم خواطر ال يعرفون أصله،ا وهذا هو أصلها.
ورسله إلى جميع ما في العالم الذي نزل إليه :ما نزل معه من قوى الكواكب
وحركات األفالك ،فهؤالء هم رسل هذا األمر اإللهي إلى حقائق هؤالء العالم.
فتنمو به الناميات ،وتحيى به أمور ،وتموت به أمور ،وتظهر التأثيرات العلوية
والسفلية في كل عالم بتلك الرسل التي يرسلها في العالم هذا األمر اإللهي ،فإنه
كامللك فيهم .وال يزال يعقبه أمر آخر ،ويعقب اآلخر آخر في كل نفس بتقدير العزيز
العليم.
فإذا نفذ فيهم أمره ،وأراد الرجوع ،جاءته رسله من كل موجود بما ظهر من كل من
بعثوا إليه صورا ً قائمة ،فيلبسها ذلك األمر اإللهي من قبيح وحسن ،ويرجع على
معراجه من حيث جاء ،إلى أن يقف بني يدي ربه اسما ً إلهيا ً ظاهرا ً بكل صورة،
فيقبل منها الحق ما شاء ،ويرد منها ما شاء ،على صاحبها في صور تناسبها،
فجعل مقر تلك الصور حيث شاء من علمه .فال يزال تتابع الرسل إلى األرض على
هذه املعارج كما ذكرنا.
هلل مع هذا األمر اإللهي إذا نزل إليهم .وذلك أن املحققفلنذكر من ذلك حال أهل ا ّ
هلل يعاين نزوله وتخلفه في الجو في الكور إذا فارق السماء الدنيا ناز ً
ال من أهل ا ّ
ثالث سنني ،وحينئذ يظهر في األرض .فكل شيء يظهر في كل شيء في األرض
فعند انقضاء ثالث سنني من نزوله من السماء في كل زمان فرد .ومن هنا ينطق
أكثر أهل الكشف بالغيوب التي تظهر عنهم .فإنهم يرونها قبل نزولها ويخبرون
بما يكون منها في السنني املستقبلة ،وما تعطيهم أرواح الكواكب وحركات األفالك
النازلة في خدمة األمر اإللهي .فإذا عرف املنجم كيف يأخذ من هذه الحركات ما
فيها من اآلثار أصاب الحكم .وكذلك الكاهن والعرافون إذا صدقوا وعرفوا ما يكون
قبل كونه ،أي قبل ظهور أثر عينه في األرض .و إال فمن أين يكون في قوة اإلنسان
أن يعلم ما يحدث من حركات األفالك في مجاريها؟ ولكن التناسب الروحاني الذي
بيننا وبني أرواح األفالك العاملني بما تجري به في الخلق ينزل بصورتها التي
اكتسبته من تلك الحركات واألنوار الكوكبية على أوزانها .فإن لها مقادير ما
تخط¦ .وهمة هذا املنجم التعاليمي ،وهمة هذا الكاهن ،قد انصبغت روحانيته
بما توجهت إليه همته فوقعت املناسبة بينه وبني مطلوبه ،فأفاضت عليه
روحانية املطلوب بما فيها في وقت نظره ،فحكم بالكوائن الطارئة في املستقبل.
وأما العارفون فإنهم عرفوا أن هلل وجها ً خاصا ً في كل موجود ،فهم ال ينظرون أبدا ً
إلى كل شيء من حيث أسبابه ،و إنما ينظرون فيه من الوجه الذي لهم من الحق،
فينظر بعني حق فال يخط¦ أبدا ً .فإذا نزل األمر اإللهي على قلب هذا العارف وقد
لبس من الصور بحسب ما مر عليه من املنازل كما قررناه ،فأول صورة كان ظهر
بها للعقل األول صورة إلهية أسمائية ،وهي خلف هذه الصور كله.ا وهذا العارف
همه أبدا ً مصروف إلى الوجه الخاص اإللهي الذي في كل موجود بعني الوجه
الخاص اإللهي الذي لهذا العارف املحقق ،فينظر في ذلك األمر من حيث الصورة
األولى اإللهية ،ويترك الوسائط ،وينزل من تلك الصورة على جميع الصور من
أعلى إلى أسفل ،وفي كل صورة ما ينظر إليها إال من حيث ذلك الوجه الخاص
بها بوجهه الخاص به ،إلى أن ينتهي على جميع الصور ،فيعرف من ذلك األمر
اإللهي جميع ما في العالم ،من العقل األول إلى األرض ،من األسرار اإللهية ،حيث
يعلم الكاهن أو العراف وأمثال هؤالء ما يكون في العالم العنصري خاصة من
الحوادث .ثم أن العارف يكسو ذلك األمر اإللهي من حلل األدب والحضور اإللهي
في أخذه منه والنور والبهاء ما إذا صعد به األمر اإللهي على معراجه تتعجب
هلل به مالئكته ويقول ):هذا عبد جعل في منه مالئكة السموات العلى ،فيباهي ا ّ
الحضيض وفي أسفل سافلني بالنسبة إليكم ،فما أثر فيه منزله ،وال حكم عليه
موطنه ،وال حجبته عني كثرة حجبه ،وخرق الكل ونظر إلي وأخذ عني .فكيف به
لو كان مثلكم بال حجب ظلمانية كثيفة عنصرية؟( .فيقول السامعون املخاطبون:
) سبحانك ذلك فضلك تختص به من تشاء من عبادك منة منك ورحمة وأنت ذو
هلل إال العقل األول واملالئكة
الفضل العظيم( .فال يضاهي هذا العبد أحد من خلق ا ّ
املقربون املهيمون .وما ثم قلب بهذه املثابة من هذا العالم إال قلوب األفراد من
هلل عليه وسلم .-فهذا قد
هلل ،كالخضر وأمثاله ،وهم على قدم محمد -صلى ا ّ رجال ا ّ
ذكرنا يسيرا ً من صورة تنزل املالئكة على قلب املحمدي الواقف[.
الفصل الرابع:
" -ﻓـﻣوﺿـﻊ ﻧـﺑﮫ ﻋـﻠﯾﮫ ﺳـﺑﺣﺎﻧـﮫ أﻧـﮫ ﺳـﯾظﮭر ﻋـﻠﻰ أوﻟـﯾﺎﺋـﮫ وﯾـﻧﺗﺻر ﻋـﻠﻰ أﻋـداﺋـﮫ" :ﯾـﻌﻧﻲ اﻟﺷـﯾﺦ
إﺣدى ھﺎﺗﯾن اﻵﯾﺗﯾن:
ﺳﻰ إِﱢﻧﻲ ُﻣَﺗَوﱢﻓﯾَك َوَراﻓُِﻌَك إَِﻟﱠﻲ َوُﻣَطﱢﮭُرَك ِﻣَن اﱠﻟِذﯾَن َﻛَﻔُروْا َوَﺟﺎِﻋل ُ اﱠﻟِذﯾَن اﱠﺗَﺑُﻌوَك َﻓْوَق اﱠﻟِذﯾَن َﻛَﻔُروْا
ﷲُ َﯾﺎ ِﻋﯾ َ ﴿ إِْذ َﻗﺎل َ ّ
إَِﻟﻰ َﯾْوِم اْﻟﻘَِﯾﺎَﻣِﺔ ﴾ -آل ﻋﻣران. - 55:
ﺷﱢﺑَﮫ َﻟُﮭْم ﴾-اﻟﻧﺳﺎء.-157 : ٰ
ﺻَﻠُﺑوهُ َوَﻟِﻛْن ُ ﷲ َوَﻣﺎ َﻗَﺗﻠُوهُ َوَﻣﺎ َ ﱠ
ﺳول َ ِ ﺳﻰ اْﺑَن َﻣْرَﯾَم َر ُ ﴿ َوَﻗْوﻟِِﮭْم إِﱠﻧﺎ َﻗَﺗْﻠَﻧﺎ اْﻟَﻣِﺳﯾَﺢ ِﻋﯾ َ
" (*)-ﻓـﺄﻣـﺎ اﻟـﻘرآن ﻓـﺗﺿﻣن ذﻛـره وذﻛـر أﺧـﯾﮫ" :ﻗـد ﯾـﻌﻧﻲ ﺑـﺄﺧـﯾﮫ آدم ﻋـﻠﯾﮫ اﻟﺳـﻼم ،ﻣـن ﺣـﯾث
ب ِﺛـﱠم َﻗـﺎل َ َﻟـُﮫ ُﻛـن َﻓـَﯾُﻛو ُ
ن ﺳـﻰ ـِﻋ ﻧَد ّ ِ
ﷲ َﻛـَﻣَﺛِل آَدَم َﺧـَﻠَﻘُﮫ ِﻣـن ُﺗـَرا ٍ ﻗـول ﷲ ﺗـﻌﺎﻟـﻰ ):إِﱠن َﻣـَﺛل َ ِﻋﯾ َ
59 -آل ﻋـﻣران .﴾-وﻗـد ﯾـﻌﻧﻲ ﺑـﮫ اﺑـن ﺧـﺎﻟـﺗﮫ ﯾـﺣﯾﻰ ﻋـﻠﯾﮫ اﻟﺳـﻼم اﻟـذي ﺑﺷـر ﺑـﮫ ،وذﻛـرا
ﻣـﻌﺎ ﻓـﻲ ﺳـورة ﻣـرﯾـم وﺳـورة آل ﻋـﻣران ،وﯾـﻘﯾﻣﺎن ﻣـﻌﺎ ﻓـﻲ اﻟـﺳﻣﺎء اﻟـﺛﺎﻧـﯾﺔ .وﻗـد ﯾـرﯾـد ﺑـﮫ
ﻛـل ﻧـﺑﻲ ﻷن ﻛـل اﻷﻧـﺑﯾﺎء إﺧـوة ﻓـﻲ ﻣـﻘﺎم اﻟـﻧﺑوة ،وﻗـد ﺟـﺎء ﻓـﻲ اﻟـﻘرآن ذﻛـره ﻣـﻌﮭم ﻓـﻲ
ﺳﯾﺎق واﺣد ﻓﻲ ﻋدة آﯾﺎت.
" (*)-ﻓﻣﻧﮭﺎ ﻓﻲ ﺳورة اﻟﺑﻘرة ﻣوﺿﻌﺎن ﻓﯾﮭﺎ ﻋﻼﻣﺎﺗﮫ وﻣﻛﺎﻧﺗﮫ وآﯾﺎﺗﮫ"َ ﴿:وَلَقْد آ َتَْينَا
سح اْلُقُد ِ مْرَيَم اْلبَِّينَا ِ
ت َوأ ََّيْدنَاُه ِبُرو ِ سى اْبَن َ سِل َوآ َتَْينَا ِعي َ ب َوَقَّفْينَا ِمْن َبْعِدِه ِبالُّر ُ سى اْلِكتَا َ مو َ ُ
ن﴾ البقرة.87 : ستَْكبَْرتُْم فَفَِريًقا َكذَّْبتُْم َوفَِريًقا تَْقتُُلو َ
سُكُم ا ْ وى أ َنْفُ ُ سوٌل ِبَما َال تَْه َ جاَءُكْم َر ُأ َفَُكَّلَما َ
ت َوآتَْينَا ِعي َ
سى جا ٍ ضُهْم َدَر َ هلل َوَرفَ َ
ع َبْع َ مْن َكَّلَم ا َُّ ض ِمنُْهْم َ عَلى َبْع ٍ ضُهْم َ ضْلنَا َبْع َ سُل فَ َّ ك الُّر ُِ ﴿ -تْل َ
هْم ِمْن بَْعِد َ
ما ما اْقتَتََل اَّلِذيَن ِمْن بَْعِد ِ هلل َ
شاَء ا َُّو َ س َوَل ْ ح اْلُقُد ِ
ت َوأ َيَّْدنَاهُ ِبُرو ِ مْريََم اْلبَيِّنَا ِابَْن َ
ما اْقتَتَُلوا َوَلِكَّن ا ََّ
هلل هلل َ
شاَء ا َُّو َ مْن َكفََر َوَل ْمَن َوِمنُْهْم َ مْن آ َ ختََلفُوا فَِمنُْهْم َ
نا ْ ت َوَلِك ِ جاَءتُْهُم اْلبَِّينَا َُ
ما ُيِريد﴾ البقرة .253 : َيْفَعُل َ
وفي البقرة آية أخرى فيها ذكر عيسى مع نبيني آخرين ،وبدون نعت
معني يميزه عنهم ،وهي:
ق َوَيْT Tعُقوبَ
حا َ سَT TماِعT Tيَل َو إِ ْT
سَ T T مT Tا أ ُنِْT Tزَل إَِلT Tى إِْبَT Tرا ِ
هT Tيَم َو إِ ْT مT Tا أ ُنِْT Tزَل إَِلْT Tينَا َو َ
هلل َو َ ُ ﴿ -قT TوُلT Tوا آ َ
مT Tنَّا ِبT Tا َِّ
حٍTد ِمTنُْهْم َونَ ْ
حُن َلTهُ ني أ َ َ ن ِمْTن َرِّبِTهْم ال نَُفِّر ُ
ق َبَ ْ T مTا أ ُوِتَ T
ي الTنَِّبُّيو َ سى َو َ سTى َوِعTي َ مTو َT مTا أ ُوِتَ T
ي ُ سTبَا ِ
ط َو َ َواأل َ ْT
ُمْسلُِموَن ﴾ البقرة .136 :
" (*)-وﻓﻲ آل ﻋﻣران أرﺑﻊ ﻣواﺿﻊ":
جيًهاِ في ال
مْرَيَمَ و ِ حِ عي َ
سى اْبُنَ سي ُ شُرِكِ بَكلَِمٍةِ منُْه ا ْ
سُمُه اْمل َ ِ هللُ يبَ ِّ ت اْمل ََالِئَكُةَ ياَ
مْرَيُم إِ َّ
ن ا ََّ ﴿ إِْذَ قاَل ِ
ني﴾ ﴿ آل عمران.﴾45: خَرِةَ وِمَن اْمل َُقَّرِب َُّدنَْيا َواْآل ِ
منَّا
هلل آ َ
صاُر ا ِّ ن نَ ْ
حُن أ َن َ واِرُّيو َ هلل َقاَل اْل َ
ح َ صاِري إَِلى ا ِّ سى ِمنُْهُم اْلُكْفَر َقاَل َ
مْن أ َن َ س ِعي َ ح ََّ ﴿ -فَلَّما أ َ َ
ن﴾ )آل عمران.﴾52: سلُِمو َ
م ْشَهْد ِبأ َنَّا ُ هلل َوا ِْبا ِّ
جاِعُل اَّلِذيَن
مطَِّهُرَك ِمَن اَّلِذيَن َكفَُروا ْ َو َ
ي َو ُ ك َوَراِفُع َ
ك إَِل َّ وفِّي َ هلل َيا ِعي َ
سى إِنِّي ُ
مت َ َ ﴿ -إِذْ َقاَل ا ُّ
حُكُم َبْينَُكْم ِفيَما ُكنتُْم ِفيِه
جُعُكْم َفأ َ ْ
مْر ِ وم ِ اْلِقَيا َ
مِة ث َُّم إَِل َّ
ي َ ق اَّلِذيَن َكَفُروا ْ إَِلى َي ْ اتَّبَُعوَك َف ْ
و َ
ن﴾ ﴿ آل عمران .﴾55: ختَلِفُو َ
تَ ْ
ن﴾ ﴿ آل عمران.﴾59: خَلَقُه ِمن تَُرا ٍ
ب ِثَّم َقاَل َلُه ُكن فََيُكو ُ سى ِعنَد ا ِّ
هلل َكَمث َِل آَدَم َ مث ََل ِعي َ ﴿-إِ َّ
ن َ
" (*)-وﻓﻲ اﻟﻧﺳﺎء أرﺑﻌﺔ ﻣواﺿﻊ":
صَلبُوُهَ وَٰلِكْنُ
شبَِّهَ لُهْم ۚ ماَ ماَ قتَُلوُهَ و َ
هللَ و َ سوَل ا َِّ سى اْبَنَ
مْرَيَمَ ر ُ حِ عي َسي َ وِلِهْم إِنَّاَ قتَْلنَا اْمل َ ِ
﴿ َوَق ْ
ما َلُهْم ِبِه ِمْنِ عْلم ٍ إَِّال اتِّبَا َ
ع الظَِّّن كِ منُْه ۚ َ ختََلفُواِ فيِه َلِفيَ
ش ٍّ ن اَّلِذيَن ا ْ َو إِ َّ
ماَ قتَُلوُهَ يِقينًا﴾﴿ النساء .﴾157: َو َ
نيِ مْن َبْعِدِه حَ والنَِّبِّي َ ى نُو ٍ حْينَا إَِل ٰ ما أ َْو َ حْينَا إَِلْي َ
كَ َ ﴿ -إِنَّا أ َْو َ
حا َ
ق س َ سَماِعيَلَ و إِ ْ هيَمَ و إِ ْ ى إِبَْرا ِحيْنَا إَِل ٰ َۚ وأ َْو َ
نَ وآتَْينَاَ داُووَدَ زُبوًرا﴾ ﴿ النساء16 سَلْيَما َ نَ و ُهاُرو َ سَ و َ بَ وُيونُ َ ىَ وأ َُّيو َ
س ٰ طَ وِعي َ سبَا ِ بَ واْأل َ ْ وَيْعُقو َ
.﴾3
ح َّ
ق هلل إَِّال اْل َ
عَلى ا َِّ غُلواِ فيِ ديِنُكْمَ وَال تَُقوُلواَ بَ ال تَ ْ هَل اْلِكتَا ِ َ ﴿-يا أ َ ْ
سلِِه حِ منُْه َۖ فآِمنُواِ با َِّ
هللَ وُر ُ مْرَيَمَ وُرو ٌ ىَ ها إَِل ٰ هللَ وَكلَِمتُُه أ َْلَقا َ سول ا َِّ مْرَيَمَ ر ُ سى اْبُنَ حِ عي َ سي ُ إِنََّما اْمل َ ِ
نَ لُهَ وَلٌد َلُه َ
ما نَ يُكو َحانَُه أ َ ْ سب ْ َ حٌدُ هلل إَِٰلٌهَ وا ِ
خْيًراَ لُكْم ۚ إِنََّما ا َُّ َوَال تَُقوُلوا ث ََالث ٌَة انْتَُهواَ
هللَ وِكيًال ﴾ ﴿ النساء.﴾ 171: ىِ با َِّ ض َ وَكَف ٰ ما ِفي اْأل َْر ِ تَ و َسَماَوا ِ ِفي ال َّ
عْنِ عبَاَدِتِه ستَنِْك ْ
فَ مْنَ ي ْ هللَ وَال اْمل ََالِئَكُة اْمل َُقَّرُبو َ
ن َو َ عبًْداَِِّ نَ يُكو َ
نَ ح أ َ ْ
سي ُ ستَنِْك َ
ف اْمل َ ِ ﴿ َلْنَ ي ْ
َوَيْستَْكِبْر فََسَيْحُشُرُهْم إَِلْيِه َجِميًعا﴾ النساء.(172:
" (*)-وﻓﻲ اﻟﻣﺎﺋدة ﻓﻲ ﺛﻣﺎﻧﯾﺔ ﻣواﺿﻊ":
نُ يْهلِ َ
ك شْيئ ًا إِ ْ
ن أ ََراَد أ َ ْ كِ مَن ا َِّ
هللَ مْرَيَمُ قْل فََمْنَ يْملِ ُ ح اْبُنَ
سي ُ و اْمل َ ِ
ه َهللُ َ ﴿ -لَقْدَ كفََر اَّلِذيَنَ قاُلوا إِ َّ
ن ا ََّ
ما َبْينَُهَما ضَ و َتَ واْأل َْر ِ
سَماَوا ِ مْل ُ
ك ال َّ جِميًعاَ و َِِّ
هللُ ضَ مْن ِفي اْأل َْر ِ مْرَيَمَ وأ ُ َّ
مُهَ و َ ح اْبَنَ
سي َ اْمل َ ِ
يٍءَ قِديٌر﴾:﴿ املائدة(17: ش ْ ى ُكِّلَ عَل ٰ هللَ
شاُء َوا َُّ ماَ ي َ خُل ُ
قَ َۚ ي ْ
مْرَيَم ۖ ى َوِعي َ
سى اْب ِ
ن َ س ٰ
مو َ ح َو إِْبَرا ِ
هيَم َو ُ ك َوِمن نُّو ٍني ِميث َاَقُهْم َوِمن َ
خْذنَا ِمَن النَِّبِّي َ
َ ﴿ -و إِْذ أ َ َ
ظا﴾ ) األحزاب)((7 غلِي ً خْذنَا ِمنُْهم ِّ
ميث َاًقا َ َوأ َ َ
سى مو َهيَم َو ُ صْينَا ِبِه إِْبَرا ِ ما َو َّ ك َو َ حْينَا إَِلْي َ صى ِبِه نُو ً
حا َواَّلِذي أ َْو َ ما َو َّن َ ع َلُكْم ِمَن الِّدي ِشَر َ ﴿ َ
جتَِبي إَِليِْه َ
مْن هْم إَِلْيِه ا َُّ
هلل َي ْ عو ُ ما تَْد ُ ني َشِرِك َ عَلى اْمل ُ ْ ن أ َِقيُموا الِّديَن َوَال تَتََفَّرُقوا ِفيِه َكبَُر َ سى أ َ ْ َوِعي َ
ب) ﴾ الشورى(13: مْن ُيِني ُ شاُء َوَيْهِدي إَِلْيِه َ َي َ
ن ِفيِه ۖختَلِفُو َض اَّلِذي تَ ْ ني َلُكم َبْع َ حْكَمِة َوِأل َُب ِّ َ جئ ْتُُكم ِباْل ِت َقاَل َقْد ِ ى ِباْلبَِّينَا ِس ٰ جاَء ِعي َ َ ﴿ -وَمل َّا َ
ن﴾ الزخرف63: طيُعو ِ هلل َوأ َ ِ
فَاتَُّقوا ا ََّ
ب اَّلِذي
جَعْلنَاِ فيُ قُلو ِ جيَلَ و َ مْرَيَمَ وآتَْينَاُه ا ْ ِ
إلنْ ِ نَ سى اْب ِ سلِنَاَ وَقفَّْينَاِ بِعي َ ى آث َاِر ِ
هْمِ بُر ُ عَل ٰ ﴿ ث َُّمَ قفَّْينَاَ
عَلْيِهْم ماَ كتَبْنَا َ
ه اَ عو َ
ه اَ هبَاِنَّيًة اْبتََد ُحَمًةَ وَر ْ َن اتَّبَُعوُهَ رأ َْفًة َوَر ْ
هْم َوَكِثيٌرِ منُْهْم منُواِ منُْهْم أ َ ْ
جَر ُ عاَيِتَها َۖ فآتَْينَا اَّلِذيَن آ َقِ ر َح َّ
ه اَ و َ هللَ فَماَ ر َ
ع ْ ن ا َِّ وا ِض َ غاَءِ ر ْ إَِّال اْبِت َ
ن ﴾ الحديد27: سُقو َ َفا ِ
صِّدًقاِ مل َا هلل إَِلْيُكْمُ
م َ سوُل ا َِّ مْرَيَمَ ياَ بِني إِ ْ
سَراِئيَل إِنِّيَ ر ُ َ﴿ -و إِْذَ قاَلِ عي َ
سى اْبُنَ
سوٍلَ يأ ِْتيِ مْنَ بْعِدي ا ْ
سُمُه أ َ ْ
حَمُد شًرا ِبَر ُ وَراِةَ و ُ
مبَ ِّ يِ مَن التَّ ْ َب ْ َ
نيَ يَد َّ
ني﴾ الصف06: مِب ٌ
حٌرُ هَذاِ
س ْ تَ قاُلواَ ٰ هْمِ باْلبَِّينَا ِ
جاَء ُ فََلَّماَ
َ ﴿ -يا أ َُّيَها
هلل َقال
صاِري إَِلى ا َِّ
مْن أ َنْ َ واِرِّي َ
نيَ مْرَيَم لِْل َ
ح َ سى اْبُنَ هللَ كَماَ قاَلِ عي َصاَر ا َِّ منُواُ كونُوا أ َنْ َ اَّلِذيَن آ َ
ت طَاِئفٌَة سَراِئيَلَ وَكفََر ْ ت طَاِئفٌَةِ مْنَ بِني إِ ْ من َ ْهلل فَآ َصاُر ا َِّ حُن أ َنْ َن ن َ ْ
واِرُّيو َ اْل َ
ح َ
هِريَن﴾ الصف14: حوا ظَا ِ صب َ ُهْمَ فأ َ ْ عَلٰىَعُدِّو ِ
منُواَ َ فأ ََّيْدنَا اَّلِذيَن آ َ
" (*)-وﻓﻲ اﻷﻧﻌﺎم ﻣوﺿﻊ":
ح َ
ني ) :85األنعام( صالِ ِ س ۖ ُكٌّل ِّ
مَن ال َّ ى َو إِْلَيا َ ى َوِعي َ
س ٰ َ ﴿ -وَزَكِرَّيا َوَي ْ
حَي ٰ
" (*)-وﻓﻲ ﺑراءة ﻣوﺿﻊ:
ضا ِ
هTئ ُو َ
ن وا ِ
هِTهْم ۖ ُيَ T وُلُTهْم ِبTأ َْفَ T هلل َٰذِلَ T
ك َقْ T ح اْبُTن ا َِّ صاَرى اْمل َ ِ
سي ُ ت الTنَّ َ هلل َوَقTاَلِ T ت اْلَTيُهوُد ُ
عَTزْيٌTر اْبُTن ا َِّ ﴿ -وَقTاَلِ T
ن ﴾ ﴿ التوبة.(30: ؤَفُكو َ
ى ُي ْ وَل اَّلِذيَن َكَفُروا ِمْن َقبُْل ۚ َقاتََلُهُم ا َُّ
هلل ۚ أ َنَّ ٰ َق ْ
هT T T T T Tبَ T T Tانَ ُT T T T TهْT T T Tم أ َْرَب T T T T Tاًب T T T T Tا ِ م T T T T Tنْ
هْT T T T T Tم َ وُر ْ خُT T T T T Tذوا أ َ ْ
حT T T T T Tبَ T T Tاَر ُ اتَّ َ T T T ﴿ -
حانَ ُT Tهَ
عَّT T Tما سT T Tبْ َ
و ۚTُ
هَ T T T م T Tا أ ُِمُT T Tروا إَِّال لِ َT Tيْعبُُدوا إَِٰل ًT Tهاَ وا ِ
حًT T Tدا َالإَِٰل َT Tه إَِّال ُ ح اْب َT Tنَ
م ْT Tرَي َT Tمَ و َ هللَ واْمل َ ِ T T
سي َ ُدو ِ
ن ا َِّ
ن﴾ ﴿ التوبةك.(31 شِرُكو َ ُي ْ
ــ إذا ركع فاركعوا و إذا سجد فاسجدوا ..وطرفه ]:إنما جعل اإلمام ليأتم به[........
الحديث رواه البخاري في صحيحه ،و مسلم في صحيحه كتاب الصالة ،وأبو داود في
سننه ،والنسائي في سننه ،وابن ماجة في سننه ،واإلمام مالك في املوطأ.
ــ أنا سيد ولد آدم وال فخر ..................... ..رواه ابن ماجه في سننه ،وأحمد في مسنده.
ــ إن اهلل تعالى يقبل توبة عبده ما لم يغرغر ........الحديث رواه الترمذي في سننه
وأحمد في مسنده ،والحاكم في املستدرك ،وأبو نعيم األصبهاني في حلية األولياء ،وابن
حبان في صحيحه .
ــ إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد ...رواه البخاري في صحيحه ومسلم
في صحيحه املساقاة.
ــ ما ينقضى زمان إال ويأتي شر منه ............رواه البخاري في صحيحه وغيره.
الفهرس
مدخل05-02.......................................................................:
مقدمة15-06...........................................................................:
الغرض من كتاب "عنقاء مغرب"06.............................................. •
تنبيه هام08....................................................................... •
عناوين الكتاب09................................................................. •
مراجع كالم الشيخ حول الختمية15...........................................: •
األول168-16...............................................................: الجزء
القسم األول90-17..................................................................:
أوال :ملحات عن مراحل تحقق الشيخ بالختمية17...............................
انطالقة الشيخ األولى من قلب القرآن سورة "يس"17.......................... •
الجذب األول الذي وقع للشيخ وهو صبي17................................... •
خلوة الشيخ األولى18......................................................... •
بداية صحبة الشيخ للشيوخ26................................................. •
امليراث األنبيائي للشيخ33..................................................... •
امليراث املحمدي للشيخ األكبر في مدينة تونس41............................. •
ذوق الشيخ للمقام القطبي في فاس44.......................................... •
مدارج الشيخ في التحقق بمقام املحمدي الخاص49............................ •
البشرى األولى في إشبيلية50.............................................. •
تحققه في فاس بالختمية املحمدية51..................................... •
-09تحققه بمقام القربة في طريقه إلى مراكش55...................................
-10نيله في بجاية أعلى املراتب في العلوم العلوية و األسرار الفلكية والحرفية....
57
– 11تحققه في مكة بأعلى درجات الخالفة املحمدية58..............................
-12منازالته مع الكعبة61............................................................
-13من فتوحاته في مقام إبراهيم عليه السالم63....................................
-14كتابة الشيخ لـ" الفتوحات املكية"65............................................
-15كتابة الشيخ لـ"فصوص الحكم"68..............................................
-16التوقيع اإللهي للشيخ بالختمية73...............................................
-17شفاعة الشيخ يوم القيامة75....................................................
ثانيا :الشيخ والشعر81-76........................................................
ثالثا :موقف الشيخ من الحكام والخالفة90-82..................................
الثاني133-91...............................................................: القسم
أوال :اإلمام املهدي عليه السالم91............................................:
-01اإلمام املهدي عليه السالم من املقربني اختصاصا إلهيا91......................
-02مميزات املهدي ووزراؤه92....................................................
أوصاف املهدي93.............................................................. •
وزراء املهدي95............................................................... •
حديث الدجال98................................................................. •
مدة إقامة املهدي مناسبة لعدد وزرائه100...................................... •
املهدي خاتم األقطاب االثني عشر116.......................................... •
-03إشكال مهدي الشيعة ومهدي أهل السنة121.....................................
-04املهدي ومفاتيح كنوز املعارف من فاتحة الكتاب123............................
-05املهدي يخرج كنز الكعبة126....................................................
ثانيا :تناسب األقطاب االثني عشر مع اثني عشر نبيا127.......................
ثالثا :مكانة آل البيت عند الشيخ األكبر129........................................
رابعا :الشيخ األكبر سني وليس بشيعي131.......................................
القسم الثالث:
خاتم الوالية العامة عيسى بن مريم عليه السالم وخاتم الوالية
الخاصة الشيخ األكبر محيي الدين محمد ابن العربي....................
168-134
-01الحكيم الترميذي أول من تكلم عن الختم135.........................................
-02تداخل خصوصيات الختمني137.....................................................
-03خصوصيات الختمني عند الشيخ األكبر141..........................................
-04الصاحبان اللذان كشف الشيخ لهما عن مقامه الختمي143..........................
-05الصفات املميزة لخاتمي الوالية145................................................
-06الختمية العيسوية للوالية العامة مندرجة ضمن الختمية املحمدية
الخاصة147.......
-07عالقة الختم املحمدي الخاص في نفسه148.........................................
-08العالقة بني خاتم الرسل عليه الصالة والسالم والختم املحمدي الخاص
رضي اهلل عنه148...................................................................................
-09خاتم األوالد الولي الشيثي املولود بالصني154......................................
-10التوسع في مفهوم الختمية بعد الشيخ األكبر155......................................
-11موقف الشيعة اإلمامية من مقام الختمية158.........................................
-12الشعرة املحمدية158................................................................
-13املركز األعلى لألختام األربعة161...................................................
-14مواقف الناس من الشيخ163........................................................
الجزء الثاني:
النص الكامل لكتاب >> عنقاء مغرب في ختم األولياء وشمس
املغرب<<242-169...................................................
األول192-170..............................................: الفصل
* قصيدة الوعاء املختوم على السر املكتوم171........................................
* تبيني الغرض من هذا الكتاب173......................................................
* بحر طامس ،وبحر غاطس فيه آلل¦ إشارات في أصداف عبارات،
جة175........................................... ح َّم َفمن ذلك :مفتاح حجة ،و إيضاح َ
* ومن ذلك :تنزل روح أمني بإشراق صبح مبني177...................................
حٍّل وترحال178....................................................... * وصف حال بعد ِ
* حكمة تعليم من عالم حكيم .القصيدة النونية179......................................
* ومن ذلك :هدهد أمني ،جاء بنبأ ٍ يقني182.............................................
سِنيم ٍ183......................................
جُه ِمْن تَ ْ
* ومن ذلك :رحيق مختومَ ،وِمَزا ُ
* ومن ذلك :البحر املتقدم املذكور ،و إرخاء الستور على البدور184..................
ستر ،ومجاهدة ِفكر185................................................ * ومن ذلك :رفع ِ
* ومن ذلك رهن إغالق ،وأخذ ميثاق186................................................
* ومن ذلك :موقف اختصاص ،ونتيجة إخالص187.....................................
* ومن ذلك موج مجرد مجون ،تجرد عنه لؤلؤ مكنون188.............................
شِهد.القصيدة الرائية189.............................. س ُ عِقد ،وعر ٌ
* ومن ذلك :نكاحٌ ُ
الثاني201-193................................................: الفصل
*البحر املحيط ،الذي ال يسمع ملوجه غطيط،في معرفة الذات والصفات واألفعال...
193
*ﺑﻛر ﺻﮭﺑﺎء ،ﻓﻲ ﻟﺟﺔ ﻋﻣﯾﺎء ،وھﻲ :ﻣﻌرﻓﺔ ذاﺗﮫ193..........................................
*ﻣـﺣﺎﺿـرة أزﻟـﯾﺔ ﻋـﻠﻰ ﻧـﺷﺄة أﺑـدﯾـﺔ :ﻋـﻼﻗـﺎت اﻷﺳـﻣﺎء اﻟـﺣﺳﻧﻰ ﻓـﯾﻣﺎ ﺑـﯾﻧﮭﺎ ﻣـﺗوﺟـﮭﺔ ﻋـﻠﻰ إﯾـﺟﺎد
اﻟﻌﺎﻟم198............................................................................................
الفصل الثالث244-202.........................................
*بحر اللؤلؤ واملرجان،املودع في العالم األكبر واإلنسان202............................
:بروز الحقيقة املحمدية كأصل للوجود الخلقي
*إشTارة :اإلنTسان نTسخة حTضرة الحق تTعالTى ،والTعالTم نTسخة لTإلنTسان ،واإلنTسان
روحه204...
*حظ اإلنسان من العالم205................................................................
*نTشأ الTعالTم مTن الTحقيقة املحTمديTة،ونTشأ املTاء الTذي عTليه الTعرش مTنها...................
205
*املرجانة األولى للؤلؤة األولى من هذا الفصل،
على أحسن نظم وأبدع صنع وأحكم وصل206...............................................
*ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄة اﻟﻣﻸ اﻷﻋﻠﻰ ﻣﻧﮫ -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم206........................................-
*ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄة اﻟﻌرش ﻣﻧﮫ -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم –207............................................
*ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄة اﻟﻛرﺳﻲ ﻣﻧﮫ -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم207.............................................-
*ﻟـؤﻟـؤة اﻷﻓـﻼك وھـﻲ أرواح اﻟـﺳﻣﺎوات ،وﻣـﻧﺷﺄ اﻟﺳـﺑﻊ اﻟـطراﺋـق واﻟـﻛواﻛـب ﻣـﻧﮫ -ﺻـﻠﻰ ﷲ ﻋـﻠﯾﮫ
وﺳﻠم209..............................................................................................-
*ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄة اﻟﻌﻧﺎﺻر اﻷ َُوِل ﻣﻧﮫ -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم209.......................................-
*ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄة اﻟﱡدَﺧﺎن اﻟذي ﻓُِﺗَﻘْت ﻓﯾﮫ اﻟﺳَﻣوات اﻟُﻌَﻠﻰ210............................................
*ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄ ﻣﻧﮭﺎ ﻣﺛﺎل رؤﯾﺔ اﻟﺣق ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﺧﻠق211...............................................
*ﻟؤﻟؤة اﻟﺗﺣﺎم اﻟﯾواﻗﯾت واﻧﺗظﺎم اﻟﻣواﻗﯾت212........................................................
*ﻟؤﻟؤة اﻋﺗراض ،ﻟﻣن أﺻﺎب اﻟﺻﯾد ﺑﺎﻟﻣﻌراض213..................................................
*ﻟؤﻟؤة اﻣﺗداد اﻟرﻗﺎﺋق ،ﻣن اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣﻣدﯾﺔ إﻟﻰ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣﻘﺎﺋق214..............................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻷوﻟﻰ215............................................................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ،وھﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﻣﻸ اﻷﻋﻠﻰ216.................................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺛﺎﻟﺛﺔ،وھﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﻌرش اﻟﻣﺣﯾط216...............................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟراﺑﻌﺔ ،وھﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﻛرﺳﻲ217...................................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺧﺎﻣﺳﺔ،وھﻲ ﻧﺷﺄة اﻷﻓﻼك218.....................................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺳﺎدﺳﺔ ،وھﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﻌﻧﺎﺻر219.................................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺳﺎﺑﻌﺔ،وھﻲ ﻓﻲ ﻧﺷﺄة اﻟﺳﻣﺎوات220...........................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺛﺎﻣﻧﺔ ،وھﻲ ِرﯾﺔ اﻟﺣق ﻓﻲ ﻋﺎﻟم اﻟﺧﻠق220....................................
*ﻣرﺟﺎﻧﺔ اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﺗﺎﺳﻌﺔ،وھﻲ ﻓﻲ اﻟﺗﺣﺎم اﻟﯾواﻗﯾت واﻧﺗظﺎم اﻟﻣواﻗﯾت221.......................
*ﻣـرﺟـﺎﻧـﺔ اﻟـﻠؤﻟـؤة اﻟـﻌﺎﺷـرة،وھـﻲ اﻣـﺗداد اﻟـرﻗـﺎﺋـق ﻣـن اﻟـﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻣﺣـﻣدﯾـﺔ إﻟـﻰ ﺟـﻣﯾﻊ اﻟـﺣﻘﺎﺋـق .ﻣـﻘﺎرﻧـﺎت
ﺑﯾن ﻧور اﻟﻣﻌرﻓﺔ وﻧور اﻟﺳراج221.................................................................
الفصل الرابع242-225............................................:
*إﺛﺑﺎت اﻹﻣﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻹطﻼق ﻣن ﻏﯾر اﺧﺗﻼف225..................................................
*ﻧﻛﺗﺔ اﻟﺷرف ﻓﻲ ﻏرف ﻓوﻗﮭﺎ ﻏرف .اﻟﻘﺻﯾدة اﻟداﻟﯾﺔ227.........................................
*اﻟﻧﻛﺗﺔ اﻟﻣؤﺧرة ﻓﻲ اﻟدرة اﻟﻣدﺧرة.اﻟﻘﺻﯾدة اﻟﻣﯾﻣﯾﺔ229............................................
*ﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ﻓﺻﻼ – ﻣن 'ا' إﻟﻰ 'س' ،ﻣﻊ ﻛل ﻓﺻل وﺻل230...................................
* ﻧﻛﺗﺔ ﺗﻣﺎم اﻹﻧﺑﺎء ﻓﻲ ﺗﻌﯾﯾن ﺧﺗم اﻷوﻟﯾﺎء235.......................................................
*إﻓﺻﺎح اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌزﯾز ﺑﻣﻘﺎﻣﺎت ﺧﺗم اﻟوﻻﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﯾﺳﻰ ،واﻹﻋﻼم ﺑﺄﺣواﻟﮫ وآﯾﺎﺗﮫ236.........
*اﻟﻠؤﻟؤة اﻟﻼﺣﻘﺔ ﺑﺎﻟﯾﺎﻗوﺗﺔ اﻟﺳﺎﺑﻘﺔ240................................................................
الجزء الثالث:
تعليقات وشروح على كتاب:
املغرب"........... "عنقاء مغرب في ختم الوالية وشمس
336-243
الفصل األول:
) -(1شرح قصيدة ):الوعاء املختوم على السر املكتوم(244.............................
) -(2تبيني الغرض من هذا الكتاب258.......................................................
) -(3بحر طامس وبحر غاطس259...........................................................
) -(4فمن ذلك مفتاح حجة ،و إيضاح محجة259..............................................
ـ الحج في اعتبار الشبلي271...........................................................
ـ الحج في رؤية الشيخ عبد الكريم الجيلي272........................................
) -(5ومن ذلك تنزل روح أمني بإشراق صبح مبني275...................................
حٍّل وترحال276....................................................... ) -(6وصف حال بعد ِ
) -(7حكمة تعليم من عالم حكيم277.........................................................
) -(8ومن ذلك :هدهد أمني ،جاء بنبأ ٍ يقني282.............................................
سِنيم ٍ286......................................
جُه ِمْن تَ ْ) -(9ومن ذلك :رحيق مختومَ ،وِمَزا ُ
) -(10ومن ذلك :البحر املتقدم املذكور ،و إرخاء الستور على البدور288................
ستر ،ومجاهدة ِفكر289.............................................. ) -(11ومن ذلك :رفع ِ
) -(12ومن ذلك رهن إغالق ،وأخذ ميثاق291..............................................
) -(13ومن ذلك :موقف اختصاص ،ونتيجة إخالص291...................................
) -(14ومن ذلك موج مجرد مجون ،تجرد عنه لؤلؤ مكنون292............................
شِهد294.............................................. س ُ عِقد ،وعر ٌ ) -(15ومن ذلك :نكاحٌ ُ
الفصل الثاني:
الفصل الثالث:
) -(1بحر اللؤلؤ واملرجان،املودع في العالم األكبر واإلنسان302..........................
) -(2القلم األعلى واللوح املحفوظ307......................................................
) -(3ﻟؤﻟؤة ﻧﺷﺄة اﻟﻌرش ﻣﻧﮫ -ﺻﻠﻰ ﷲ ﻋﻠﯾﮫ وﺳﻠم............................................
312
) -(4لؤلؤة نشأة الكرسي313................................................................
) -(5لؤلؤة األفالك:فلك املنازل املكوكب315................................................
) -(6لؤلؤة نشأة العناصر317................................................................
) -(7لؤلؤة الدخان الذي فتقت فيه السماوات العلى317.....................................
) -(8لؤلؤة التحام اليواقيت وانتظام املواقيت319...........................................
) -(9لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقيقة املحمدية على جميع الحقائق..................
322
الفصل الرابع:
) -(1نكتة الشرف في غرف من فوقها غرف325........................................
) -(2النكتة املؤخرة في الدرة املدخرة328..............................................
) -(3الفصول من "أ" إلى "س"329........................................................
) -(4إﻓﺻﺎح اﻟﻛﺗﺎب اﻟﻌزﯾز ﺑﻣﻘﺎﻣﺎت ﺧﺗم اﻟوﻻﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﯾﺳﻰ ،واﻹﻋﻼم ﺑﺄﺣواﻟﮫ
وآﯾﺎﺗﮫ331..............................................................................
) -(5اللؤلؤة الالحقة بالياقوتة السابقة336..............................................