Professional Documents
Culture Documents
.1التفاعل اللغوي:
يكون من المفيد جدا التطرق إلى نص لـ روبير فيون ( )Robert Vionيحدد من خالله
مفهوم التفاعل اللغوي ،يقول":يمكن أن نحدد هذا المفهوم بالحديث مثل كربرات-أوركيوني
عن التفاعل اللغوي* ،ويبقى إذن هذا المفهوم في حقل التبليغ والنشاط اللغوي".
ومن خالل التمييز بين التفاعل والتفاعل اللغوي ،يمكن الوقوف عند مجال التفاعل
اللغوي والذي هو "أكثر تحديدا من التفاعل حتى وإن اشترط حضور كل القنوات شبه اللغوية
وغير اللغوية في التبليغ".
يبين هذا القول أن ما نسميه تفاعال لغويا ال يجب أن يخلو من أدوات التواصل
األخرى التي تكون شبه لغوية أو غر لغوية إطالقا ،التي يدرجها المتخاطبون في تخاطبهم
القتضاءات مقامية ألن مسألة االستعانة بهذه األدوات لها قمة إضافة هامة في التخاطب هذا
من جهة ،ومن جهة أخرى فإن هذه األدوات ليست هي لغة التخاطب وإنما هي أدوات
مساعدة ،وعليه فإنها ال تنفي صفة "اللغوي" عن التفاعل إذا وجدت فيه.
وإذا انتقلنا إلى مفهوم التفاعل اللغوي عند كربرات-أوركيوني ،فإننا نجد كالما أكثر
تحديدا فيما يخص هذا المفهوم ،وهي تحدد بذلك شرط كون التفاعل تفاعال لغويا إذ تقول:
"حتى يكون هناك تبادل تبليغي ال يكفي أن يتكلم متخاطبان (أو أكثر) بالتبادل ،بل يجب أيضا
على هذين المتكلمين أن يتخاطبا ،أي يجب على االثنين أن (يندمجا) في التبادل ،وأن ينتجا
إجراءات «اإلثباتات التخاطبية». أدلة لهذا االندما التبادل ،باالستعانة بمختل
1
انطالقا من هذا القول يمكن الوقوف عند ثالثة معايير ،متى وجدت ،يمكن الحديث عن
تفاعل لغوي وهذي المعايير هي:
وتجدر اإلشارة هنا إلى تحديد شهير لـ غوفمان 1973 Goffmanيعد أكثر حصرا
بقليل (ألنه يقصي التفاعالت عن بعد أو المؤجلة ،وهو" :نعني بمصطلح تفاعل (أي التفاعل
وجها لوجه) تقريبا التأثر المتبادل الذي مارسه المشاركون على أفعالهم الخاصة بكل منهم
عندما يلتقي بعضهم ببعض التقاء فيزيائيا مباشرا ،ونعني بتفاعل واحد مجموع التفاعل الذي
يحدث في مناسبة ما عندما يكون أفراد مجموعة معينة بعضهم بحضرة بعض بصفة
متواصلة ،ويمكن للفظ <التقاء> أن يصلح لذلك".
التفاعالت اللغوية بأنها تلك التي تحقق أساسا أخيرا بصورة أبسط وأدق يمكن وص
عن طريق أدوات لغوية مثل التخاطب.
" يعني تحليل الخطاب وتحليل المحادثة بالخطاب الشفوي أساسا ،وبتحليل
المحادثات الطبيعية على وجه الخصوص".
" تهتم المقاربتان ،أساسا بالنظام المفسر لتعاقب المحادثات ،وتهتمان على وجه
الخصوص بالمبادئ أو القواعد أو المعايير التي تحقق لها االنسجام ولهذا
السبب المهم ،يتبن أن قسما هاما من األعمال حول االنسجام النصي المنجزة
في نطاق اللسانيات النصية لم تؤخذ بعين االعتبار في تقليد تحليل المحادثات".
" تتمثل الخاصية الثالثة المشتركة بن تحليل المحادثة وتحليل الخطاب في
كونهما يحيالن ،بصفة صريحة أو ضمنية ،على منطق األعمال".
فيها تحلل هذا م ن جهة ،ومن جهة أخرى فإنهما يثبتان أيضا المظاهر التي اختل
الخطاب عن تحليل المحادثة .وهذه المظاهر هي:
مجال اإلحالة" :فتحاليل الخطاب تستند إلى نسق اللسانيات الشكلية بينما مرجع
أصول تحاليل المحادثة إلى علم االجتماع التعاملي.
المنهج" :إن االختالف األساسي بين تحليل الخطاب وتحليل المحادثة هو
اختالف منهجي فتحاليل الخطاب تستعمل منهجية تقليدية خاصة بلسانيات
الجملة....أما تحليل المحادثة فقد اعتنى ،من جهته ،بمسألة تعاقب المقطوعات،
أساسا ،وال سيما بالقواعد أو المبادئ التي تمكن المشاركين في محادثة ما من
ترتيب أخذ أدوارهم في الكالم".
ثالث االختالفات بين تحليل الخطاب وتحليل المحادثة هو اختالف ذو طبيعة
إبستيمية ،فإستيمولوجيا تحليل الخطاب إنما هي إبستيمولوجيا المحاكاة أي
فرضية استنباطية الن غرض تحليل الخطاب منولة المحادثة .ومن جهتها فإن
إبستيمولوجيا تحليل المحادثة اختبارية واستقرائية ،إذ يخلص تحليل المحادثة،
انطالقا من عدد كبير من المعطيات المحادثية ،إلى تعميمات حذرة".
3
وهنا يجب أن نوضح أن مصطلح خطاب في "تحليل الخطاب" ومصطلح تخاطب في
"تحلي ل التخاطب" المذكورين في نقاط االشتراك ونقاط االختالف السابقة الذكر ال يدالن أبدا
على أن هناك اختالفا في طبيعة المدونة أي أن مصطلح "خطاب" ال يدل على نص من إنتا
شخص واحد ،وأن مصطلح "تخاطب" ال يدل على نص من إنتا شخصين أو أكثر.
ويمكن االستناد إلى رأي ٍ أثبته موشلر بعد عرض نقاط االشتراك واالختالف
في تحليل المحادثة ...مثاال نصه":من الممكن عد المنوال التراتبي الوظيفي (لمدرسة) جني
نموذجيا لمنوال تحليل الخطاب".
فالمنوال التراتيبي هو منوال في تحليل المحادثة ،والمنوال الجنيفي (نسبة إلى مدرسة
جني ) القائم على التناول التراتيبي مثال نموذجي لمنوال تحليل الخطاب ،هذا ال يستقيم إال
في ضوء ما ذكرنا سابقا.
ونجد أيضا معجم تحليل الخطاب يتبنى هذا" ،ويقابل س.ك ليفنسون ( )1983في
مجال التحادثي ،بين تيارين :تحليل الخطاب ( (discourse analysisالقائم على تحليل
النصوص التحادثية تحليال لسانيا تراتبيا والتحلل التحادثي ((conversation analysis
بالمعنى الدقي الذي يندر في حركة اإلثنية المنهجية ويمثل التيار األول األعمال األولى
لمدرسة جني ".
ونجد في معجم تحليل الخطاب ،حديثا عن هذه النقطة ،ال يدع مجاال للجدل،
نصه":وهاتان المقاربتان في دراسة الشيء الواحد تفترقان في نقاط مختلفة (قد نوقشت
بالتفصيل في لفنسون ."...)1983
ويدر كل من مانغينو وشارودو هذا الكالم لوعيهم أن هناك شيئا من األخذ والرد
يحيط بالمصطلح ،فقد ذكرا في المدخل :تحليل تحادثي أن "عبارة ( analyse
4
)conversationnelleالمستعملة في الفرنسية هي ترجمة لإلنكليزية ( conversation
،)analysisوهي عبارة تشير إلى تيار من تيارات اإلثنومنهجية ...ورغم هذا المعنى الدقيق
دقة متناهية فإن شيئا من األخذ والرد مكن أن يحيط بهذا المصطلح أحيانا وذلك ألسباب
مختلفة....ومن جهة أخرى أمكن استعمال التحليل التحادثي لإلشارة إلى أنماط من تحليل
المبادالت اللغوية األصلية التي ينتمي إلى سنن غير اإلثنومنهجية وخاصة منها ما يتصل
بتحليل الخطاب.
أي أن هذه المعرفة المشتركة هي الوسط الحيوي لعملية التفاعل ،ولذلك "فإن أي
تفاعل يمثل إشارة قوية إلى الترابط الحاصل بين األدوار الكالمية التي ينجزها كل مشارك،
فيتحول المتكلم من دور إلى آخر وفي ذهنه مجموعة من المقاييس المشتركة مع غيره ،فهو
ينتج كالمه وفق ا لها ويوزعه متقيدا بمسألة الترابط الذي يمكنه من بناء أدوار كالمية سليمة
ومفهومة".
وتمكن المعارف المشتركة من التفاعل في المحادثة دون فصل مظاهرها الداخلية عن
مظاهرها الخارجية" ،إذ إن عملية التفاعل تأتي كتلة واحدة يعبر فيها المتكلم عن فهمه
للمحادثة وفك رموزه ا من خالل ما يملك من قدرات لسانية وغير لسانية تتفاعل فيما بينها
لتشكل مفتاحا للفهم وآليات للتأويل".
ولهذه المعارف المشتركة رافدان أساسيان هما :البنية اللغوية والبنية االجتماعية،
ولذلك "فإن المتكلم وهو ينجز كالمه يعود إلى مرجعين أساسيين في اآلن نفسه :مرجع يتعلق
بما حصله من رصيد لساني يختار منه ما يناسبه لحظة إنجاز الكالم ومرجع يتعلق بالبنية
5
االجتماعية التي أنتجت بنى لسانية استقرت في الذاكرة الجماعية وباتت من إحدى
خصوصيتها.
إن هذه المتغيرات الثالثة :النفسية والمعرفية واالجتماعية تنضاف إلى المرجعين
السابقين :البنية اللسانية والبنية االجتماعية .ويمثالن معا ظروف التلفظ ،باإلضافة إلى طبيعة
البنى الخطابية التي على أساسها يحدد المتكلمون شكال تخاطبيا معينا.لذلك "يضع كل متكلم،
وهو ينجز كالمه ،في حسبانه مجموعة من االعتبارات تجعله يتقيد بها في أثناء عملية التلفظ،
أهمها من يتكلم وإلى من يتكلم؟ ولذلك فاألشخاص كثيرا ما يتطلبون أكثر من شكل واحد
للكالم وبالطبع فهم قادرون على طلب معرفة أكثر من مجموعة ضوابط في عملية التلفظ".
إن كل ما أتينا على ذكره فيما يتعلق بالمعرفة المشتركة وما يحيط بها من مفاهيم
يصب في تحديد الداللة .فالداللة ليست في ذهن المتكلمين وليست في العالم وإنما هي في
المعرفة المشتركة.
.4تحليل التخاطب:
إن أول مسألة ينبغي أن تذكر هنا هي "التأكيد على إزالة الفصل بين النص والمحادثة
وإفساح مكان جوهري لتحليل المحادثات ...وعلى الرغم من أن ثمة تسويغا لدمج مشكالت
تحليل المحادثة في مدخل لغوي نصي فإنه يبدو من المفيد أن تبرز هنا مرة أخرى حجتان
لمعالجة تكاملية للنصوص والمحادثات".
تقوم الحجة األولى على وجوب التأكيد على أن المحادثة تصور شكل التفاعل اللغوي
تصويرا رائعا ،شكال يتفاعل من خالله المشاركون في الفعل في سياق يحدد تفاعال مباشرا،
ُجرون نشاطا منظما تعاونيا .أما الحجة الثانية فإنه يعزى للمحادثة لذلك أيضا مكان
ومن ثم ي ُ
خاص في أفكار تحليل النص إذ إن المحادثات هي الشكل األصلي للنشاط اللغوي.
6
وعلى أساس هاتين الحجتين التي مفادهما أن التخاطب هو الشكل األصلي للنشاط
اللغوي أوال ،وأنه قادرا على تصوير التفاعل اللغوي تصويرا رائعا ثانيا فإنه "تنبغي
المطالبة بتجاوز الفصل بين المجالين العلميين الذي لم يعد يتمسك به ،الذي أدى لتجاوزها
لعقد من الزمان إلى تعاضد بناء بين تحليل النص وتحليل المحادثة".
إلى جانب مصطلح (تخاطب) هناك مصطلحات أخرى تتقارب مع هذا المصطلح
وتتداخل معه أحيانا مثل :الحوار والتحادث والتواصل والتبادل .وال سبيل إلى التمييز بين هذه
المفاهيم إلى ضمن نموذ نظري محدد" .وهكذا فإنه يوجد في المراجع إلى جوار المقولة
هذه األساس «محادثة» الحوار والتحادث أيضا حيث تستخدم بعض مقترحات النماذ
التصورات مترادفة".
بعد الحديث عن المصطلح ،يجب ههنا الحديث عن كنه التخاطب ،عن طبيعته
ومكوناته ،عن هذا الشيئ الذي يسمى "تخاطبا" .يمكن تحديد المحادثة عن طريق أفعال يتم
من خاللها افتتاح عملية التخاطب "أي أن إنجاز هذه األفعال يفضي ضرورة إلى وسط
المحادثة وتفترض أفعال مماثلة إلنهاء المحادثة ويقع ما يسمى بوسط المحادثة بين افتتاح
المحادثة وإنهائها الذي يحدد شكليا بأنه يتأخر عن االفتتاح ويتقدم على اإلنهاء ،ومع ذلك ال
خالف في أن ذلك ليس كافيا بأية حال لتحديد المكونات المفردة للمحادثة .ومع ذلك فما يزال
من غير الممكن عمل حدود موضوعية بين هذه األجزاء الثالثة للمحادثة وتكمن الصعوبة
الرئيسية كما كانت الحال من قبل في تحديد ما يسمى وسط المحادثة أو مرحلة تحقيق الهدف
عن المبادئ البنوية لتنظيمها والخواص الوظيفية المرتبطة بها". تحديدا دقيقا والكش
هذه األفعال :أفعال االفتتاح التي تفضي إلى الوسط ،وأفعال اإلنهاء تسمى وحدات
التخاطب "ويمكن أن يقرر فيما يتعلق بتحديد وحدات المحادثة وبخاصة بوحدات البنية
الكبرى لما يسمى بوسط المحادثة أن متكلما ما يحاول أن يجعل مضامين الوعي في محادثة
ما غير مباشرة ،يبنى هذه المضامين ويصورها في وحدات داللية (أساسية) .وتتبع عملية
البناء الداللي للوحدات فيما يبدو أوجه االطراد والقيود ذاتها ،التي تعد مميزة لنصوص
الحوار الذاتي (الداخلي) ،أي أن الوحدات الداللية األساسية ال يمكن أن تدمج في وحدات
7
أكثر تعقيدا إال حين توجد بين القضايا عالقات ربط قضوية داخلية ،وحين توجد بين األحوال
التي تعكسها صالت أو يمكن إقامتها ،وبذلك يمكن أن تحد وحدات الموضوع في المحادثات
على أساس قيود الربط هذه ،أو حتى يمكن أن تدرك هذه العمليات الخاصة ببناء داللي
للوحدات إدراكا كافيا من خالل نظرية ،فإنه يبدو من الضروري أن يحل محل المفهوم
االستاتيكي للمعنى الذي يعد أساسا تصور البنية الكبرى وتصور الموضوع أيضا تصور
دينامي للمعنى ،يقيم عالقة متبادلة بين عمليات البناء الداللي للوحدات وعمليات إنتا
المحادثة وتفسيرها ويعد وحدات البنية الكبرى هذه شرطا ضروريا لمعالجة النص .ولعله
بذلك ل م يعد ينظر إلى المعنى على أنه ظاهرة خاصة بباطن النص أو المحادثة ،بل بوصفه
نتيجة ألنشطة أساسية ،يؤديها شركاء التفاعل في المحادثة".
وبإشراك المكون الداللي في تحديد وحدات التخاطب سواء الوحدات الكبرى منها أو
الصغرى ،فإن األمر يتجه أكثر نحو الصعوبة "ويسلك كل من أهليش ،ريهباين (،)1972
وفريتش ،هونزنور شر ( )1975ومارتنز( )1974وبتن( )1976وشونتال()1989
وفوندرليش( )1973و( )1976طريقا بديلة في تحديد وحدات البنية الكبرى في المحادثة
تتابعات المحادثة ينتقلون فيها مقوالت التحليل الخاصة بنظرية الفعل الكالمي إلى وص
االتهام_التبرير ،أن متكلما ما والمحادثا ت بأكملها .وهكذا يبين فريتش بمساعدة نموذ
يستطيع أن يعتذر في حركة مضادة لالتهام أو يدافع عن نفسه أيضا ،بأن يرد عن نفسه التهمة
في حال الدفاع ،وينكر مسؤوليته أو يقدم تبريرا ،يمكن أن يسحب فيه التهمة في حركة
مضادة أخرى ويوضح حجته".
كما يجب التنبيه إلى جذور الــ C Aالتي تعود إلى التحليل العرقي ،إذ "نشأ تحليل
المحادثة إثر نشأة علم اإلتنوميتودولوجيا وتمييز بسمات خاصة به ويهتم بدراسة نظام
المحادثة اللساني واالجتماعي باالعتماد على تسجيل المحادثات وفحصها فحصا دقيقا .ويهتم
أيضا بدراسة ال نظام الداخلي لألدوار الكالمية كما يساعد على معالجة تفاصيل الحياة
اليومية".
8
ورغم أن التوجهات في تحليل المحادثة عديدة ،إال انه يمكن تصنيفها إلى تيارين
أساسيين هما:
"ويمكن أن نفهم تحلل المحادثة على أنه بعد خاص في التحليل الذي يمكن أن يستعمل
لبلوغ نوع خاص من بعد نظري وتنظيمي يتعلق بطرق التفاعل بين أفراد المجتمع .وقد ذهب
القدرات "هرتا )1984( Heritageإلى تحليل المحادثة له هدف مركزي يتمثل في وص
التي يستعملها المتكلم وتفسيرها قصد المشاركة.
9
االنتظام ،إذ "تهدف بناء على ذلك فإن الهدف األساسي لتحليل التخاطب هو توصي
طرق تحليل المحادثة إلى البحث في كيفية انتظام عملية التلفظ وتخضع هذه التفاصيل الختيار
قائم على منهج في التحليل يساعد على فهم المحادثة وتنظيمها".
.5التخاطب:
أما فيما يخص التخاطب فإنه عد أكثر تحديدا من مصطلح التفاعل ،بل أكثر من ذلك،
إذ "يستعمل* في حقل تحليل الخطاب في معنى ضيق يشير إلى نمط مخصوص من
التفاعالت اللغوية".
وعليه فالتخاطب بحسب ما يذهب إليه المعجم هو "فن الحديث المتحضر" ،كما يعد
أيضا نمطا من أنماط التفاعل ،ويؤسس كل هذا انطالقا من أعمال كل من (شغلوف ،1968
.
ولفنسن ")1983
وإذا كان التخاطب نمط من أنماط تفاعلية أخرى ،فالبد له من شيء يميزه عن باق
األنماط ،هذا الشيء هو كون التخاطب "نشاط مجاني".
هذا النوع من التفاعل الخالي من الفائدة المباشرة واآلنية ويمكن حينئذ "أن نص
وحيث نتكلم خاصة لمجرد الكالم من باب المتعة أو اللعب أو اآلداب".
يقصي كل عمليات التخاطب ذات المنفعة أو الهادفة إلى ونالحظ أن هذا التعري
شيء معين ،أو تلك التي تتوخى تحصيل منفعة مستقبلية" .وكثير من الباحثين خاصة في
البلدان األنغلوسكونية ،يرون أن الخطاب نشاط تفاعلي أساسا ،يماهون قليال أو كثيرا تحليل
الخطاب بالتحليل التحادثي".
إذا انتقلنا إلى مصطلح آخر يعد لصيقا بالتخاطب والذي هو التحليل التخاطبي الذي
تتجاذبه مقاربتان األولى "تستعمل كلمة المحادثة في معنى أجناسي ،والثانية تستعمل التحليل
التحادثي لإلشارة إلى أنماط من تحليل المبادالت اللغوية األصلية التي تنتمي إلى سنن أخرى
غير اإلثنومنهجية وخاصة منها ما يتصل بتحليل الخطاب".
10
هاتان المقاربتان تفترقان في نقاط كثيرة يتجاوزها أ.رولي .Roulet.في كتابه
" :"L’articulation du discours en français contemporainتمفصل الخطاب في الفرنسية
الحديثة "إذ هو ال يميز المحادثات عن بقية أشكال الخطاب ،يقول" :إني أستعمل لفظ خطاب
بكيفية أجناسية ألشير إلى كل إنتا يحصل عن تفاعل تغلب عليه اللغة سواء أكان حواريا أم
حواريا أحاديا ،شفويا أم مكتوبا تلقائيا أم بالصنعة في أبعاده اللسانية والنصية و المقامية".
نالحظ غالبا في مجرى تفاعل معين ،انزالق جنس إلى جنس آخر مثال من ثرثرة غير
لطيفة إلى الئحة احترافية في تفاوض تجاري أو استشارة طبية" .بينما تعتبر استعارات
أخرى المحادثة تقاطعا مروريا يشتمل على حركة متعاقبة كثيفة دون أية حوادث اصطدام".
وعليه يمكن القول أن التخاطب شكل من أشكال الحياة ،على أساس أن استعمال اللغة
البد له من تشارك .ألن "الخطاب ال يكون إال في مخاطبة وهذا اللفظ نفسه مصدر خاطب فال
يتصور خطاب إال في حال خطابية مع مخاطب معين" .فمعنى المشاركة في الصيغة بُدأة،
"فالتخاطب كتبادل هو الذي يكون الموضوع للتحليل اللغوي واالهتمام بصفة خاصة بجزء
منه وال يعني أبدا التخلي عن النظر في المجموعة التي ينتمي إليها كخطاب متبادل".
ويُذ َكر التخاطب في المراجع كثيرا بوصفه معيارا جوهريا للتفريق بين النصوص
بصفتها وحدات منطوق خاصة بحديث انفرادي ومحادثات" ،ذلك المعيار الذي مفاده أن
11
المحادثات ينشئها شركا تفاعل على األقل ،بينما يفترض أنه ليس للنص إال منتج واحد،
ويمكن أن ينتج النص بوجه عام على نحو جماعي ،ويستنتج أيضا من هذا التفريق كيرا أن
المحادثات بناء على ذلك تفهم على أنها في حد ذاتها وحدات تفاعلية ،بينما تنكر هذه التفاعلية
على النصوص".
يقول كولثارد" :إننا في البداية نشعر بالحاجة إلى مستويين فقط من التلفظ والتخاطب،
فالتلفظ والتخاطب ،فالتلفظ يعرف بأنه كل ما يقال من قبل المتكلم قبل أن يتكلم شخص آخر
أما التخاطب فإنه تلفظان أو أكثر".
"تتطلب المحادثة بوصفها تفاعال كالميا وجود كقابلة بين شخصن أو عدة أشخاص
من مجموعة لسانية تتمتع بسجل تواصلي موحد وبخصوصيات اجتماعية ونفسية تتعلق
بالمكانة االجتماعية وبالوضعية التي يدور فيها التفاعل".
12
ويمكن أن نحدد التخاطب بصفة أكثر بساطة من خالل قو ٍل لطه عبد الرحمان" :وأن
«التخاطب» هو إجماال عبارة عن إلقاء جانبين ألقوال بغرض إفهام كل منهما اآلخر مقصودا
معينا".
ثم ال يجد طه عبد الرحمن بدا من الربط بين التخاطب من جهة والقواعد التي تنضبط
بها عملية التخاطب على مستويين:
يقول" :ولما كان التخاطب يقتضي إشراك جانبين عاقلين في إلقاء األقوال وإتيان
األفعال ،لزم أن تنضبط هذه األقوال بقواعد تحدد وجوه فائدتها اإلخبارية أو قل «فائدتها
التواصلية» ،نسميها بــــ«قواعد التبليغ» ،علما بأن مصطلح «التبليغ» موضوع للداللة على
التواصل الخاص باإلنسان ،كما لزم أن تنضبط هذه األفعال بقواعد تحدد وجوه استقامتها
األخالقية أو قل «التعاملية» ،نسميها بــــ «قواعد التهذيب» مع العلم بأن مصطلح «التهذيب»
موضوع للداللة على التعامل األخالقي .ومعروف أن التخاطب في كال وجهيه ،التواصلي أو
اآلفاق العلمية من منطقيين التبليغ والتعاملي أو التهذيبي ،أخذ يشغل الباحثين من مختل
ولسانيين وفالسفة واجتماعيين ونفسانيين.
13