You are on page 1of 12

‫محاضرات في اللسانيات العامة‬

‫لطلبة الليسانس (ل م د) ‪-‬السداسي الثالث‬


‫‪-‬شعبة الدراسات اللغوية‪-‬‬
‫عبد الغاني بوعمامة‬
‫‪Email: bouamama.abdelghani@univ-guelma.dz‬‬

‫السنة الجامعية‪2020/2021:‬‬
‫الس ـ ـ ـ ـ ـ ــداسي الثّـ ـ ـ ـ ــالث‬
‫ّ‬
‫‪-‬المادة أساسية‪ :‬اللسانيات‬ ‫العامة‬
‫‪-‬عنوان الليسانس‪ :‬اللسانيات ّ‬
‫العامة‬
‫ّ‬
‫‪-‬المعامل‪2:‬‬ ‫‪-‬الرصيد‪4:‬‬

‫العامة (محاضرة‪+‬تطبيق)‬
‫مفردات مقياس‪ :‬اللسانيات ّ‬
‫التطبيقات‬ ‫المحاضرات‬ ‫الرقم‬
‫عند الهنود واليونان‬ ‫مدخل‪ :‬تاريخ الفكر اللساني ‪1-‬‬ ‫‪01‬‬
‫عند العرب (النحو والبالغة واألصول)‬ ‫تاريخ الفكر اللساني‪2-‬‬ ‫‪02‬‬
‫ثنائية "دي سوسير" (النظام والشكل) ‪ ،‬اللغة‬ ‫اللسانيات الحديثة(مفهومها وموضوعها ومجاالتها)‪1‬‬ ‫‪03‬‬
‫والكالم‪ ،‬اآلنية والزمانية)‬
‫ال ّدليل اللغوي (ال ّدال والمدلول‪ ،‬التركيب‬ ‫اللسانيات الحديثة(مفهومها وموضوعها ومجاالتها)‪2‬‬ ‫‪04‬‬
‫واالستبدال‪)...‬‬
‫الخطية والتقطيع المزدوج‬ ‫خصائص اللسان البشري‬ ‫‪05‬‬

‫‪12‬‬
‫دورة التخاطب‬ ‫اللسانيات والتواصل اللغوي‬ ‫‪06‬‬
‫تطبيق الوظائف على النّصوص‬ ‫وظائف اللغة‬ ‫‪07‬‬
‫تطبيق على المستوى الصوتي‬ ‫مستويات التحليل اللساني‪1-‬‬ ‫‪08‬‬
‫تطبيق على المستوى الصرفي‬ ‫مستويات التحليل اللساني‪2-‬‬ ‫‪09‬‬
‫تطبيق على المستوى النحوي‬ ‫مستويات التحليل اللساني‪3-‬‬ ‫‪10‬‬
‫تطبيق على المستوى الداللي‬ ‫مستويات التحليل اللساني‪4-‬‬ ‫‪11‬‬
‫النصي(االنسجام‬
‫تطبيق على المستوى ّ‬ ‫مستويات التحليل اللساني‪5-‬‬ ‫‪12‬‬
‫واالتساق)‪.‬‬
‫عبد الرحمن حاج صالح أنموذجا‬ ‫ال ّدراسات اللسانية العربية الحديثة‪1-‬‬ ‫‪13‬‬
‫تمام حسان‪،‬وميشال زكريا‪،‬والفاسي الفهري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال ّدراسات اللسانية العربية الحديثة‪2-‬‬ ‫‪14‬‬
‫وأحمد حساني‬

‫*المراجع‪:‬‬
‫‪-‬تمام حسان‪،‬مناهج البحث في اللغة‪.‬‬
‫ّ‬
‫تمام حسان‪ ،‬اللغة العربية مبناها ومعناها‪.‬‬
‫‪ّ -‬‬
‫‪-‬أحمد مختار عمر‪ ،‬البحث اللغوي عند العرب‬
‫والتطور‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬أحمد مومن ‪ ،‬اللسانيات النشأة‬
‫‪-‬حسام البهنساوي‪،‬التراث اللغوي العربي وعلم اللغة الحديث‪.‬‬
‫‪-‬فاطمة الطبال بركة‪،‬النظرية اللسانية عند رومان جاكوبسن‪.‬‬
‫‪-‬خولة طالب اإلبراهيمي‪ ،‬مبادئ في اللسانيات العامة‪.‬‬
‫‪-‬جرهارد هلبش‪ ،‬ترجمة سيد حسن بحيري‪ ،‬تاريخ علم اللغة الحديث‪.‬‬
‫التواب‪،‬المدخل إلى علم اللغة ‪.‬‬
‫‪-‬رمضان عبد ّ‬
‫‪-‬ماريو باي‪ ،‬ترجمة أحمد محتار عمر‪،‬أسس علم اللغة‪.‬‬

‫مقدمة عامة‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫والسالم على نبيّه األمني وبع ٌد‪.‬‬
‫رب العاملني‪ ،‬والصالة ّ‬ ‫احلمد للّه ّ‬
‫اإلنس ان ه و املخل وق الوحي د ال ذي أهلم ه اهلل مبلك ة العق ل ال يت منحت ه ب دورها ملك ة‬
‫الرتميز‪ ،‬فكان منذ القدمي حائرا أمام ظواهر هلا عالقة حبياته اليومية ‪،‬ومن الظواهر اليت شغلته‬
‫يسمي ويرمز لألشياء املوجودة وغري املوجودة‪ ،‬فاهتدى‬ ‫كيف يف ّكر وكيف يتكلّم‪ ،‬وكيف ّ‬
‫إىل التّعيني كوسيلة ختتصر عليه الطريق؛ يستحضر هبا الغائب‪ ،‬وحي ّدد هبا األشياء‪ ،‬ويصنّفها‪،‬‬
‫ويعرّب من خالهلا عن رغبات ه ومكنونات ه‪ ،‬فتثبّتت الفك رة وم ا ك ان وس يلة أص بح ج وهرا يف‬
‫ح ّد ذاته‪.‬‬
‫تُع ّد اللّغة من أعظم ابتكارات اإلنسان وأبكرها منذ أقدم العصور؛ حيث دارت حوهلا‬
‫ت أمالت‪ ،‬ومورس ت يف حقه ا خراف ات وتفس ريات ع دة من ط رف األمم القدمية‪ ،‬فم ا ف تئ‬
‫اإلنس ان يعتربه ا ج زء من ه ت ارة‪ ،‬وت ارة أخ رى منفص لة عن ه ك الظواهر األخ رى الطبيعي ة‬
‫والثقافي ة وغريه ا‪ ،‬ف رتاكمت خربات ه فش ّكلت ب ذلك حمط ات للتفك ري اللغ وي؛ وانتظ رت‬
‫البش رية آالف الس نني ح ىت اتض حت الدراس ات اللغوي ة‪ ،‬وأخ ذت لنفس ها ص فة العلمي ة‬
‫وتدقّقت مواضيعها‪ ،‬وحت ّددت مناهجها وأدوات حبثها أكثر‪.‬‬

‫المحاضرة رقم(‪ :)01‬تاريخ الفكر اللساني القديم(الجزءـ‪.)1‬‬

‫‪12‬‬
‫يطلق التفكري اللغوي مبعناه العام على النظر يف أي جانب من جوانب اللغة بأي صورة من الصور‪،‬‬ ‫تمهيــد‪:‬‬
‫وجوانب اللغة –كما هو معروف‪ -‬كثرية ومتعددة ‪ ،‬وقد ختتلف اآلراء أو تتعارض فيها أو يف طبيعتها‪.‬هذا ما‬
‫حناول أن نتتبعه من خالل التطرق يف حماضرتينا األوىل والثانية إىل مظاهر التفكري اللغوي عند األمم القدمية‪.‬‬
‫إ ّن احلديث عن اللغ ة ب دأ يف عص ور ض اربة ج ذورها يف الق دم ‪ ،‬لكن الق دماء مل يعتم دوا بص فة عام ة على‬
‫املالحظة والتجربة يف دراسة املظاهر اللغوية ‪،‬حيث كانت دراساهتم يف شكل تأمالت فلسفية حول‪ :‬نشأة اللغة‬
‫وأسبقية اللغة أو الفكر يف النشأة ‪ ،‬ويف العالقة بني الدال واملدلول ‪ ،‬ويف أقسام الكالم ‪...‬اخل‬
‫‪ -1‬عند المصريين القدماء‬
‫ميكن اس تثناء بعض احملاوالت يف العص ور القدمية (الق رن اخلامس ق‪-‬م) حيث س رد لن ا املؤرخ اإلغ ريقي‬
‫هريودوث قصة عن امللك املصري بساميتيشوس الذي حاول معرفة أقدم لغة على هذه البسيطة ‪ ،‬فما كان إال أن‬
‫ق رر ع زل ص بيني عن اجملتم ع من ذ والدهتم ا ح ىت ال وقت ال ذي يب دآن في ه الكالم ‪ ،‬وك ان افرتاض ه أن ي ؤدي ع دم‬
‫وجود أي منوذج حيتذى به يف النطق إىل استعمال أول لغة بشرية يف العامل ‪.‬لكن مع مرور الزمن مُس ع الطفالن ومها‬
‫يرددان كلمة بيكوس‪ 1‬وعلم امللك ومس اعديه أن الكلم ة تنتمي إىل اللغة الفرجيية ‪ ،‬ومن هنا استخلص أن هذه‬
‫اللغة هي اللغة األوىل اليت عرفتها اإلنسانية‪.‬‬
‫وم ا ميكن قول ه أ ّن ك ل الدراس ات الفيلولوجي ة واحلفري ة ال يت دارت ح ول اآلث ار الفرعوني ة على تنوعه ا‬
‫وتع ددها مل تثبت دراس ات لغوي ة للغ ة الفرعوني ة من أهله ا ‪ ،‬فيم ا ع دا دراس ات يف عل وم الرياض يات واحلق وق‬
‫واإلدارة والفل ك واالقتص اد واجلغرافي ا ‪ ،‬وأم ا الكتاب ة اهلريوغليفي ة ال يت ك انت ت رتجم حي اهتم ف إ ّن ذل ك ال ميث ل‬
‫أصوات اللغة بقدر ما ميثل كتابة تصويرية ألحداث ووصايا وطقوس يتم تفسريها من تلك الرسومات التصويرية ‪،‬‬
‫وأما لغتهم فهي قبطية قدمية حيتمل أهنا من أسرة اللغات األفرو‪-‬آسيوية ‪ ،‬وال تُستخدم حاليا إال يف بعض الطقوس‬
‫الدينية عند القبطيني يف مصر ويف احلبشة‪.‬‬
‫أما الدراسات اللغوية عند املصريني فغالب الظن أهنا منعدمة ‪ ،‬وحىت الوثائق الضرورية تبدو غري متوفرة يف‬
‫هذا امليدان وباخلصوص على حد قول "جورج مونان"‪ :‬إنه عند اطالعنا على األثريات املصرية فإننا مل جند شيئا‬
‫حتت عنوان مدرسة أو تعليم ‪ ،‬أو عما كان املصريون يعرفون عن لغتهم ‪ ،‬أو عما كانوا يدرسون‪ .‬وهذا ما أكده‬
‫"مارسل كوهن" يف قوله ‪ :‬إ ّن وفرة آلداب املصرية احملفوظة مل تكشف لنا عن وجود مؤلفات حنوية ‪ ،‬ومل نعثر إىل‬
‫حد اآلن إال على منوذج واحد‪ .‬ولكن رغم هذا القحط اللغوي إال أنه ال ميكننا أن ننكر فضل هؤالء الفراعنة يف‬
‫شىت العلوم األخرى‪.‬‬
‫السومريون واألكاديون‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫عمروا جنوب أرض الرافدين(العراق) قبل جميء الوافدين األكاديني‬
‫السومريون هم أبناء سومر الذين ّ‬

‫‪-‬تعني اللغة التي كان تتكلم بها شعوب آسيا الصغرى (ما بين الفرس وأرض المغول شماال)‬ ‫‪1‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬والس ومريون عرف وا بالكتاب ة املس مارية أو م ا يع رف باخلط املس مارية أو الرس م ذي الزواي ا ‪ ،‬وي رجح أ ّن اللغ ة‬
‫السومرية ذات أصل آسيوي بائد استعملت قبل حنو ‪ 4000‬سنة ق‪-‬م وحىت ‪ 2000‬ق‪-‬م‪ ،‬واللغة السومرية هي‬
‫من أوائل اللغات يف العامل اليت مت تدوينها‪.‬‬
‫أما اخلط املسماري فهو عبارة عن تصوير أو ترميز معنوي (‪ ، )idéographies‬متثل أشياء وأفكارا ال‬
‫مفردات ‪ ،‬وهو خيتلف عن اخلط اهلريوغليفي الذي يعتمد على الصور األقرب إىل التمثيل احلقيقي‪ ،‬وال لنهج اخلط‬
‫الكنع اين ال ذي يعتم د على احلروف ‪ ،‬فه و خ ط ليس بالص وري اخلالص ‪ ،‬وليس ب احلرف اخلالص إمنا رس ومات‬
‫ختطيطية ألفكار وأشياء‪.‬وتطور هذا اخلط حىت صارا ال عالقة له بالتصويري‪ ،‬وهذا بعد أن تطورت أدوات الكتابة‬
‫املصنوعة من اخلشب وعجني الطني‪ ،‬بعد أن حُت رق ليُحتفظ هبا كمدونات‪.‬هذا وقد انتشر هذا اخلط قدميا انتشارا‬
‫واسعا(بقبائل عيلم والفرس وأرمينيا وفلسطني) انتشارا مل جياريه انتشار إال اخلطني العريب والالتيين‪.‬‬
‫أم ا األك اديون ال ذين اس توطنوا الع راق ح وايل ‪ 3600‬س نة ق‪-‬م فينس بون إىل مدين ة (أك د) أو إقليم‬
‫(كل دة) ‪ ،‬فك ان أن ح دث اختالط بني الس ومريني واألك اديني فح دث ازدواج لغ وي دام أك ثر من ‪ 600‬س نة‬
‫ولكن سرعان ما طغت اللغة األكادية على حساب السومرية ‪ ،‬ويرجح علماء اللغة (حممد علي اخلويل) أن تعود‬
‫أصول اللغة األكادية إىل العائلة السامية احلامية ‪ ،‬وعرف فيما بعد تسمية األكاديني بالبابليني نسبة إىل مدينة بابل‬
‫اليت اختذوها عاصمة هلم بالعراق‪.‬‬
‫ولق د أخ ذت ت أمالت األك اديني يف لغتهم مس ار الت أمالت اخلرافي ة واألس طورية ‪،‬كانتس اهبا إىل الرج ل‬
‫السمكة أوانس الذي جاء ليعلم الناس العلوم والفنون والتقنيات ‪ ،‬وتشري بعض الكتابات التارخيية إىل عدم وجود‬
‫حبوث حقيقية عند الشعبني ظ‪ ،‬بينما (جورج مونان) عكس ذلك ‪.‬‬
‫لق د ال تزم الس ومريون بتص نيف العالم ات البس يطة ال يت تن وب عن املف ردات األحادي ة ‪ ،‬كم ا ق اموا بتع داد‬
‫العالم ات املتع ددة املع اين ال يت يرم ز فيه ا بالرس م الواح د عن ع دة أش ياء ‪ ،‬كم ا ع ثر على فه ارس ألمساء املهن‬
‫واألدوات ‪ ،‬مما يشري إىل أهنم اهتموا بصناعة املعاجم أحادية اللغة‪ ،‬كما كانت يف مرحلة االزدواج اللغوي معاجم‬
‫ثنائي ة اللغ ة(س ومرية‪-‬أكادي ة) ‪ ،‬ونش ري هن ا إىل أ ّن عن د تط ور اخلط الس ومري من التص ويري إىل احلريف ب دأ‬
‫السومريون يف تقسيم الكلمة إىل مقاطع ليعربوا عن كل مقطع برمز خاص ‪ ،‬واخلط األكادي ارتقى عن السومري‬
‫دون اخلط املسماري بإضافة احلركات إىل الرموز‪.‬‬ ‫كونه ّ‬
‫التفكير اللغوي عند الصينيين‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫ازدهرت دراساهتم خالل احلقبة ما بني ‪ 2500‬و‪ 1400‬ق‪-‬م ‪ ،‬وأهم ما ميّز تفكريهم هو انقسامهم حول‬
‫نش أة اللغ ة إىل تي ارين ‪ :‬فمنهم رأى إىل نس بتها إىل الطبيع ة ‪ ،‬ومنهم من رأى أهنا من قبي ل االص طالح ‪ ،‬أم ا عن‬
‫عالقة الدال باملدلول فرأى معظمهم أهنا ال تتم إال باملوافقة‪ ،‬مث ما تلبث أن تصبح عادية ومناسبة ‪ ،‬وأن األمساء ال‬
‫حتتوي على حقائق صوتية مالزمة هلا ‪ ،‬كما أن الكتابة الصينية عبارة عن رموز فكرية (‪ )ideogrames‬متثل‬
‫أفكارا أو أشياء‪ ،‬ال كلمات خاصة هبذه األفكار واألشياء (ال تسميات)‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وي رى العدي د من املؤرخني أن البحث اللغ وي عن د الص ينيني نش أ اس تجابة لدراس ة األدب الكالس يكي‬
‫والنص وص القدمية ‪ ،‬ورغب ة منهم ت دوين كت ابتهم التص ويرية ‪ ،‬أم ا يف اجلانب الص ويت فق د توص لوا إىل أن الرم ز‬
‫الفكري هو كتلة صوتية تتطلب الوصف الدقيق والتحليل إىل مقاطع على غرار التحليل املقطعي للغات األخرى‬
‫مع تغذيتها ببعض النربات الصوتية‪.‬وهذا التطور يف النظر إىل مكونات لغتهم أشار إليه روبينز ‪ ،‬يف إشارته إىل النغم‬
‫اخلت امي يف الكلم ات الص ينية‪.‬ومما س اهم ك ذلك يف انتع اش الدراس ات الفونولوجي ة اهلن ود وم ا هلم من أث ر واض ح‬
‫عليهم فيما خيص التعليم اللغوي للرهبان البوذيني الذين كانوا يتكلمون السنسكريتية ‪.‬‬
‫أما يف الشق النحوي‪ ،‬فتقر الدراسات الفيلولوجية إىل وجود بعض الدراسات الرتكيبية واملورفولوجية حيث‬
‫م يزوا بني كلم ات احملت وى(عالم ات معجمي ة) وكلم ات الوظ ائف(عالم ات حنوي ة) ‪ ،‬لكنه ا مل ت رق إىل مس توى‬
‫الدراسات اللغوية لبعض األمم األخرى‪.‬‬
‫وباإلض افة إىل اجلانب النح و والص ريف والص ويت اهتم الص ينيون بص ناعة املع اجم م ع بداي ة الق رن الث اين قب ل‬
‫امليالد‪ ،‬حيث يذكر مونان أن هناك معجم ضخم ظهر يف القرن األول قبل امليالد مدون يضم ‪9000‬عالمة يسمى‬
‫‪ ERHYA‬ومعجم آخ ر يف الق رن الس ادس امليالدي اش تمل على ‪24000‬عالم ة ‪ ،SHWO WANG‬كم ا‬
‫صنف معجم ثالث ‪ YU PIEN‬يف القرن العاشر امليالدي ضم أكثر ‪50000‬عالمة‪.‬‬
‫ومن املهم أن نشري إىل أ ّن املعاجم الصينية رتبت املادة اللغوية ترتيبا صوتيا تبعا لنطقها ‪ ،‬فالكلمات اليت تبدأ‬
‫بالصوت الواحد تعاجل معا يف باب واحد ‪.‬‬
‫‪-4‬التفكير اللغوي عند الفينيقيين‪:‬‬
‫فيم ا خيص أص ل الفينيق يني فهم قوم من فينيقية س كنوا بالد الش ام‪ ،‬وأسسوا هبا حضارة عريقة امت دت من‬
‫الق رن اخلامس ق‪-‬م ح ىت األول امليالدي ‪ ،‬وك انوا اك ثر انش غاال بالتج ارة البحري ة ‪ ،‬فك ان ان أق اموا العدي د من‬
‫النقاط التجارية البحرية على طول البحر األبيض املتوسط على ضفتيه الشمالية واجلنوبية ‪ ،‬ومنها جمموعة من املدن‬
‫‪ ،‬وتُع ّد الفينيقية لغة بائدة تنتمي إىل اللغ ات الكنعانية اليت متثل الفرع الشمايل للمجموعة السامية العربية ضمن‬
‫العائلة الكبرية السامية احلامية‪ ،‬وكانت مستخدمة على طول سواحل بالد الشام‪.‬‬
‫أما الكتابة الفينيقية فهي أوىل اللغات اليت طورت الكتابة األجبدية يف تلك احلقبة ‪ ،‬غري أن البعض يرى أهنم‬
‫تأثروا باألجبدية األوجرييتية اليت تنتمي إىل الفرع الكنعاين الشمايل ‪ ،‬والفينيقية كان هلا األثر الواضح يف اليونانية ‪،‬‬
‫حيث أم دوهم بنظ ام الكتاب ة األجبدي ة يف ن واحي الق رن ‪ 9‬ق‪-‬م‪ ،‬كم ا انتش ر ه ذا النظ ام األجبدي ح ىت إىل ص عيد‬
‫مصر وتونس ‪ ،‬ويرى جورج مونان أ ّن لغات الشام القدمية واليونانية ولغات جنوب الشام تشرتك يف كون أنظمتها‬
‫األجبدية تتقارب يف عدد أصواهتا ( ‪25-22‬صوتا)‪.‬‬
‫والكتابة الفينيقية كتابة متطورة باملقارنة مع أشكال الكتابة اليت عرفناها سابقا ‪ ،‬فأحدثت ثورة يف طريقة‬
‫الكتابة خاصة واهنا كتابة صوتية حمضة ختتلف اختالفا جذريا عن اهلريوغليفية املصرية والصينية واملسمارية ‪ ،‬فكل‬

‫‪12‬‬
‫حرف من أصواهتا ال ميثل إال صوتا ‪ ،‬لكن ما يعاب عنهم هو اكتفاؤهم بتمثيل الصوامت دون الصوائت ‪ ،‬فكان‬
‫على القارئ أن يعتمد على السياق كي مييز بني حركات الكلمة وبالتايل معرفة اجلملة‪.‬‬
‫واألجبديات احلالية والالحقة للفينيقية تفرعت عنها مع بعض التطوير‪ ،‬وهذه شهادة لعلي عبد الواحد وايف ‪:‬‬
‫فمن الفينيقية اشتق الرسم التدمري والنبطي ‪ ،‬ومن التدمري اشتقت احلروف السريانية اليت ُأخذ منها اخلط املغويل‪،‬‬
‫ومن اخلطني النبطي والس رياين اش تقت ح روف اهلج اء العربي ة‪ ،‬ومن اخلط الفي نيقي اش تق ك ذلك اخلط األرامي ‪،‬‬
‫وعن اخلط األرامي أخذت احلروف اهلندية القدمية ‪ ،‬واليت منها أخذت كل لغات اهلند وكامبودج وماليزيا ‪ ،‬ومن‬
‫الرسم الفينيقي اشتق الرسم السبئي أو اليمين الذي اشتقت منه كل اخلطوط احلبشية والسامية ‪ ،‬ومن الفينيقية أشتق‬
‫اخلط اليوناين الذي بدوره تفرعت منه مجيع أنواع اخلطوط املستخدمة يف خمتلف اللغات الالتينية اليت نعرفها اآلن‬
‫باألوربية‪.‬‬
‫‪-5‬التفكير اللغوي عند الهنود‪:‬‬
‫س بق اهلن ود يف التفك ري يف املس ائل اللغوي ة قب ل اإلغري ق مبدة طويل ة ‪ ،‬حيث اتس مت أعم اهلم بالدق ة‬
‫واملوضوعية ‪ ،‬وتوصلوا إىل نتائج غاية يف األمهية العلمية ‪ ،‬خاصة يف اجملال الصويت‪.‬‬
‫وب العودة إىل لغتهم نلح ظ أهنا ك انت مص بوغة باملواض يع الديني ة وب اجلوانب امليتافيزيقي ة ‪ ،‬حيث ك ان أث ر‬
‫الديان ة اهلندوس ية ظ اهرا ‪ ،‬فهم ي رون أن اللغ ة اهلندي ة من ص نع إهلهم (ان درا) ال ذي م د ك ل األش ياء واحليوان ات‬
‫أمساء ‪ .‬وي رى الب احثون واملؤرخ ون أن اللغ ة اهلندي ة القدمية م رت مبرحل تني ‪ :‬مرحل ة اللغ ة اهلندي ة الفيدي ة ومرحل ة‬
‫السنس كريتية الكالس يكية‪ ،‬حيث أن األوىل مل ت دون إال ح وايل ‪ 800‬ق‪-‬م‪ ،‬وحيث أن ال دافع لدراس ة لغتهم‬
‫السنس كريتية هي أن لغتهم القدمية مل يع ثروا على مناذج الس تعماهلا من ط رف الكهن ة ‪ ،‬ف تيقنوا من هن اك ض رورة‬
‫ملحة لتفسري كيفية قراءة نصوصهم صوتيا‪ ،‬وال يكفي االعتماد على النصوص املكتوبة‪.‬‬
‫ومنه فإن الدراسات اللغوية عند اهلنود انطلقت من الفكرة السابقة املتعلقة بقراءة النصوص الدينية املكتوبة‬
‫ممثلة يف كتب الفيدا املقدسة ‪ ،‬كما كان الدافع الثاين هو محاية اللغة السنسكريتية من التحريف ‪ ،‬حيث كانت قد‬
‫ظه رت هلج ات عدي دة ختتل ف عن اللغ ة األص لية ‪ ،‬مما دف ع النح اة اهلن ود إىل دراس ة اللغ ة بش كل ع ام واألص وات‬
‫بشكل خاص للسماح ألهل العقيدة اهلندوسية خصوصا من نطق وفهم الكتب املقدسة أثناء أداء الطقوس الدينية ‪،‬‬
‫حيث أب دعوا خصوص ا يف التحلي ل والوص ف الص ويت‪ ،‬ولن ا ش هادة هن ا من لس اين وم ؤرخ ش هري (لي ونز) ‪ :‬إ ّن‬
‫التص نيف اهلن دي لألص وات الكالمي ة ك ان مفص ال ودقيق ا مبني ا على املالحظ ة والتجرب ة ‪ ،‬ومل يبل غ اح د م ا بلغ ه‬
‫هؤالء سواء يف أوربا أو غريها قبل وبعد أواخر القرن التاسع عشر امليالدي‪ ،‬بل غن كثريا من الدراسات تؤكد أ ّن‬
‫أوربا هي اليت تأثرت بالبحوث الصوتية اهلندية القدمية اليت قام برتمجتها بعض الباحثني الغربيني‪.‬‬
‫وتتمتع حبوث اهلنود اليوم بقيمة علمية كبرية لكوهنا انتظمت يف فروع مستقلة لكل منها أهداف ومناهج‬
‫خاص ة كاللس انيات العام ة والنح و الوص في والفونتي ك والفونولوجي ا واملورفولوجي ا والدالل ة ‪ ،‬أم ا تف وقهم فك ان‬
‫بالضبط يف الصوتيات والصرف‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وها هو مبحث النحو اهلندي يعين التحليل والوصف عندهم من خالل كلمة‪ ، vyakarana‬فهو يرمي‬
‫مبنهجه هذا إىل استنباط القواعد الفونولوجية واملورفولوجية للغة السنسكريتية القدميةاليت كانت يف طريق الزوال ‪،‬‬
‫كما أهنم كانوا يهتمون بالنحو باعتباره الوسيلة الوحيدة اليت تقوم ألسنتهم وحتفظ كتبهم املقدسة من االحنراف ‪،‬‬
‫وتعكس أمهية النحو عندهم مقولتهم الشهرية اليت مفادها‪ :‬إ ّن املاء هو أقدس شيء على األرض ‪ ،‬والكتب املقدسة‬
‫أكثر قداسة من املاء‪ ،‬ولكن النحو أكثر قداسة من الكتب املقدسة‪.‬‬
‫وتتمركز أعمال اهلنود ودراساهتم اللغوية يف أعمال العامل الشهري (بانيين) ‪ ،‬الذي قام بتحليل كل مظاهر‬
‫اللغة السنسكريتية وتقنينها‪ ،‬ويعد النحو الذي كتبه (بانيين) عمال تقنيا عظيما ال يشبه أي حنو تقليدي ‪ ،‬بل يشبه‬
‫قواع د احلس اب وق وانني اجلرب الرياض ي ‪ ،‬وق د عل ق روبي نز على ه ذا العم ل بقوله‪ :‬إنه ج اء تتوجيا خلط طويل من‬
‫العمل السابق الذي ليس لنا معرفة به‪ ،‬ومل يُعرف حىت اآلن إذا كان مؤلفه قد كتبه أو ألقاه شفويا ‪ ،‬كما ال يُعرف‬
‫بعد التاريخ احلقيقي لظهوره ‪ ،‬حيث يرجعه بعض الباحثني إىل ‪ 600‬ق‪-‬مو‪ 300‬ق‪-‬م‪.‬‬
‫إ ّن عمل بانيين عمل شديد التعقيد ال يستطيع أن يفهمه إال من كان ملما باللغة السنسكريتية ‪ ،‬وال ميكن‬
‫أن يشرح إال باالستعانة بشروح تابعيه‪ ، ،‬كما حيتوي هذا العمل على ‪4000‬قاعدة حنوية ‪ ،‬أدرجت كل قاعدة‬
‫يف مك ان مناس ب أي ب اب مناس ب هلا‪ ،‬حيث ال ميكن فهم أي ة قاع دة إال بفهم س ابقاهتا‪ ،‬ام ا م ا ظه ر بع د ب انيين‬
‫فك ان جمرد ش روح وافي ة تعكس بدق ة مب ادئ ب انيين ‪ ،‬فمن أش هر الش روح ش رح باتنج ايل املوس وم بـ‪ :‬أعظم‬
‫الشروح ‪.‬‬
‫ويتميز حنو بانيين مبميزات ثالثة هي يف احلقيقة مقاييس موضوعية يف الدراسة اللغوية‪:‬‬
‫‪-‬الشمولية ‪ :‬حيث تكون أي دراسة شاملة لكل اجلوانب املتعلقة باللغة‪.‬‬
‫‪-‬االنسجام‪ :‬وهو عدم التناقض الكلي واملستمر يف دراسة الظاهرة اللغوية‪.‬‬
‫‪-‬االقتصاد‪ :‬االقتصاد يف استخدام الكلمات واإلجياز يف التعبري عن النتائج ‪ ،‬وهذا معناه استعمال األسلوب‬
‫العلمي الذي تستخدم فيه الرموز اجلربية ‪.‬‬
‫ويف قضية وفرة الدراسات اللغوية عند اهلنود واهتمامهم هبا ‪ ،‬تض هر بعض املصادر على وجود حوايل‪:‬‬
‫‪ 12‬مدرس ة لغوي ة وأك ثر من أل ف عم ل حنوي خمتل ف ‪ ،‬ويع ود س بب جناحهم يف وص ف ال واهر اللغوي ة للغتهم‬
‫السنسكريتية هو اعتمادهم منهجا موضوعيا ‪ ،‬وإىل بنية اللغة اهلندية يف حد ذاهتا حيث تعكس األفباء السنسكريتية‬
‫الكتابة الصوتية ‪ ،‬أي تعكس النطق املرغوب فيه بطريقة دقيقة للغاية ‪.‬‬
‫ويف األخ ري يرج ع جناحهم ه ذا يف التقعي د لنح و لغتهم إىل اهلدف ال ذي ك انوا يص بون إلي ه وال ذي انبنت‬
‫علي ه دراس اهتم وه و اهلدف التعليمي ال ذي ب ين على أس س ص وتية واض حة ودقيق ة ‪ ،‬فك ان للنظري ة النحوي ة ال يت‬
‫وضعها بانيين األثر الكبري يف بروز اللسانيات احلديثة‪.‬‬
‫‪-6‬التفكير اللغوي عند اإلغريق‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫يف الق رن الس ادس قب ل امليالد توس ع الفك ر اليون اين ليش مل مجي ع املي ادين ‪ ،‬حيث لعب وا دورا مهم ا يف بن اء‬
‫احلضارة اإلنسانية احلديثة ‪ ،‬ويعود هذا إىل درجة الوعي وحرية الفكر خاصة وأن التفكري اللغوي نشأ يف أحضان‬
‫الفلسفة ‪ ،‬وبقي ردحا من الزمن جزءا منها‪ ،‬فدارت تساؤالهتم حول أصل اللغة ونشأهتا وطبيعتها ‪ ،‬حيث تشكل‬
‫فريقان خيتلفان جذريا يف نظرتيهما ‪ :‬حيث يرى الفريق األول بزعامة أفالطون أن اللغة من صنع الطبيعة‪ ،‬مبعىن أ ّن‬
‫أصلها حتكمه قوانني خالدة ال ميكن تغيريها ‪ ،‬أما الرأي الثاين فيزعمه أرسطو ‪ ،‬ورأيهم أ ّن أصل اللغة يعود إىل‬
‫االصطالح ‪ ،‬مبعىن وليدة العرف والتقليد ‪ .‬ومثة قضية أخرى شغلت تفكريهم فيها وهي عالقة الدال باملدلول أي‬
‫العالقة بني أشكال الكلمات ومعانيها ‪ .‬وبقيت هذه القضية حمل نقاش لقرون عديدة حىت عصر أفالطون وأرسطو‬
‫‪.‬‬
‫فتجلى هذا اجلدل يف نقد بارميني دس حوايل (‪ 500‬ق‪-‬م) حيث وض ع حدا فاص ال بني احلقيقة من جهة‬
‫واإلدراك واللغة من جهة أخرى‪ ،‬حيث يرى الطبيعيون (أفالطون) أن هناك تطابق بني كل دال ومدلول وأن عامة‬
‫الناس ال يدركون طبيعة هذه العالقة البديهية ‪ ،‬عكس الفالسفة الذين يتمتعون بقدرات عالية متكنهم من تفسري‬
‫احلقائق الكامنة‪ ،‬ومن هذا الطرح انبثق علم أصول الكلمات ‪.‬‬
‫إن اخلالف بني الطبيع يني واالص طالحيني حتول يف الق رن الث اين ق‪-‬م إىل ت وجهني فك ريني أص يلني ‪ :‬فك ر‬
‫يعتمد على القياس يف اللغة مسي بالقياسيني ‪ ،‬وآخر يدعى بالشذوذيني ‪ ،‬وحبسب ليونز فإن اجلدال بينهما مل يكن‬
‫جداال تافها ناجتا عن رفض كل طرف االعرتاف بفكرة اآلخر ‪ ،‬بل أن اجلدال متحور حول نسبة حضور القياس‬
‫يف اللغة ونسبة الشذوذ الظاهر الذي ميكن توضيحه من خالل التحليل والوصف يف إطار النماذج املتوفرة يف لغة‬
‫توجه القياسيون إىل تتبع املظاهر الشاذة يف اللغة وحماولة تصحيحها وإجياد أقيسة هلا ‪ ،‬حىت ال‬ ‫ما‪ .‬فما كان إال أن ّ‬
‫يضطروا إىل مراجعة آرائهم‪.‬‬
‫ومن مظاهر التفكري اللغوي عند اإلغريق اهتمامهم بتلقني املتعلم فنون الكالم والكتابة ‪ ،‬حيث ع ّد حناهتم‬
‫النح و ج زءا من الفلس فة خيض ع إىل النظ ر العقلي واملنطقي ‪ ،‬وبالت ايل فه و موج ود يف طبيع ة الع امل احملي ط هبم ويف‬
‫نواميسهم االجتماعية ‪ .‬ولقد قام العديد علماء اإلغريق بدراسة مظاهر النحو والصرف ‪ ،‬وكان من أشهرها‪:‬‬
‫‪-‬متييز األجناس الثالثة يف اللغة اإلغريقية‪ :‬املذكر واملؤنث والوسط ‪.‬‬
‫‪-‬تقس يم اجلم ل إىل أن واع حس ب الوظ ائف الداللي ة العام ة لل رتاكيب النحوي ة اخلاص ة كاإلثب ات واألم ر‬
‫والسؤال والتمين والتعجب ‪...‬‬
‫‪-‬دراس ة االق رتاض اللغ وي والت داخل اللغ وي ‪ ،‬حيث بنّي أفالط ون وج ود أص ل أجن يب لع دد كب ري من‬
‫املفردات اليونانية‪.‬‬
‫‪-‬قسم أفالطون اجلمل إىل فعلية وامسية ‪ ،‬وميّز بني األفعال واألمساء ‪ ،‬حيث ربط األمساء مبن يقوم بالفعل يف‬ ‫ّ‬
‫اجلمل ة ‪ ،‬وأ ّن األفع ال ت دل على ح دث أو ص فة يف اجلمل ة ‪ ،‬ومعن اه أن ه ع د األفع ال والص فات يف قس م واح د ‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫ومنهج أفالطون هذا يُعرف مبنهج التعريف عن طريق التقسيم بالتفريع (أو التدرج يف التفريع)‪ ،‬لغرض الوصول إىل‬
‫تعريف موضوعي للشيء‪.‬‬

‫‪-‬خ الف ارس طو أس تاذه أفالط ون يف النظ رة الفلس فية للك ون ‪ ،‬حيث ي رى أن ك ل ش يء يف ه ذا الع امل‬
‫يتكون من شكل ومادة وأ ّن الشكل أهم من املادة ‪ ،‬فانعكست نظرته هذه على النحو فكان أن أضاف إىل تقسيم‬
‫أفالطون الكالم إىل اسم وفعل بأن أضاف ما يسمى بالرابطة (األدوات الوظيفية)‪.‬‬
‫‪-‬اكتشف أرسطو صيغ الفعل املختلفة وأكد أن التغيريات املنتظمة يف أشكال الفعل ترتبط ارتباطا وثيقا‬
‫مبفهوم زمن حدوثه(املاضي واحلاضر واملستقبل )‪.‬كما اصطبغ عنده النحو باملنطق الفلسفي حىت ارتبط املزج بني‬
‫جلي ا بني الق وانني النحوي ة وم ا يقابله ا من املص طلحات الفلس فية ‪ ،‬كم ا ص ار التقس يم املنطقي إىل تص ورات‬
‫وتصديقات مبا يناظره يف التقسيم النحوي إىل مفردات ومجل ‪ ،‬وأصبح للمقوالت األرسطية الشهرية ما يقابلها يف‬
‫التقسيم النحوي والصريف ‪ ،‬فاجلوهر يقابل اإلسم ‪ ،‬والكيف يقابل الصفة ‪ ،‬والكم يقابل العدد ‪ ،‬واإلضافة تقابل‬
‫أفع ل التفض يل ‪ ،‬واألين يقابل املك ان ‪ ،‬واملىت يقابل الزم ان‪...‬اخل ‪ ،‬فاعتم د منطق ه على التعري ف والتعلي ل ‪ :‬فك ان‬
‫اهلدف منهما على التوايل تعريف ماهية األشياء ومعانيها وإقامة الرباهني والكشف عن العلل املؤثرة يف األشياء‪.‬‬
‫عاجل الرواقيون الذين جاؤوا بعد أرسطو قضايا لغوية عديدة تدور جماالهتا يف النحو والبالغة و األسلوبية‬
‫والصوتيات والداللة ‪ ،‬فأعطوا امهية بالغة لثنائية الشكل واملعىن‪ ،‬فميزوا بني اربعة اقسام للكالم ‪ :‬االسم والفعل‬
‫واحلرف والرابط ‪ ،‬وقسموا اإلسم إىل اسم جنس اسم علم ‪ ،‬وأدرجوا الصفة ضمن األمساء وقوالبها ‪ ،‬وطوروا‬
‫ظاهرة التصريف‪.‬‬
‫‪-‬جاؤوا مبصطلح احلالة اإلعرابية ‪ ،‬وأدركوا عامال آخر يؤثر يف شكل األفعال أال وهو الفعل التام وغري‬
‫التام‬
‫‪-‬ميزوا بني صيغيت املعلوم واجملهول ‪ ،‬ومنه األفعال الالزمة واملتعدية ‪.‬‬
‫‪-‬يف جمال احلروف ميز الرواقيون بني الصوت وقيمه الصوتية وشكل كتابته وتسميته‪.‬‬
‫لقد كان علم اللغة عند اليونان وصفيا معياريا ‪ ،‬وصفيا ألن لغويي هذا العصر وصفوا الواقع اللغوي كما‬
‫هو يف املناطق اليت تتحدث اليونانية ‪ ،‬ومعياريا ألهنم اختذوا النماذج األدبية الكالسيكية أمثلة ينبغي أن حيتذى هبا‬
‫يف خصائصها اللغوية وتراكيبها النحوية ‪ ،‬فكانت املعيار لكل تعلم لغوي ‪.‬‬
‫وال ننسى أن نعرج على أهم مدرستني فكريتني لغويتني عرفهما التاريخ اليوناين ومها املدرسة اإلسكندرية‬
‫تشع على العامل ‪ ،‬فاألوىل ترى‬‫مبصر إبان االحتالل ‪ ،‬ومدرسة آسيا الصغرى ‪ ،‬ولقد ظلت أعمال هاتني املدرستني ّ‬
‫أن الطبيعة حتكمها قوانني مطردة ‪ ،‬بينما الثانية يرى أصحاهبا أن كل ما يف الطبيعة من قبيل الصدفة وال حتكمه‬
‫قوانني متسقة منتظمة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ومن هذا التناقض بني املدرستني برز اسم العامل تراكس الذي متسك بالقياس ‪ ،‬حيث ألف كتابا يف النحو‬
‫اإلغريقي بعنوان ‪ ، Téchné Grammatiké‬ويُعد هذا العمل األحسن يف العامل الغريب ‪ ،‬حيث يتألف من‬
‫‪ 400‬مائة سطر ‪ ،‬وكان حمتواه تقسيم الكالم إىل ما يلي‪:‬‬
‫االسم‬ ‫‪‬‬
‫الفعل‬ ‫‪‬‬
‫اسم الفاعل واملفعول‬ ‫‪‬‬
‫أداة التعريف والتنكري‬ ‫‪‬‬
‫الضمري‬ ‫‪‬‬
‫حرف اجلر‬ ‫‪‬‬
‫الظرف‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬الرابط‬
‫مث برزت موجة بعد فرتة التأسيس أخذت على عاتقها حماربة تفشي ظاهرة حتريف املخطوطات العتيقة ‪،‬‬
‫ومن بينها أشعار هومريوس ‪ ،‬كما اهتمت بوضع الشروح والتعاليق ملختلف النصوص األدبية والبحوث النحوية‬
‫وذلك ألن لغة النصوص القدمية أصبحت غريبة عن مجهور القراء يف اجملتمع األسكندري املعاصر‪ ،‬فكان من أشهر‬
‫علماء األسكندرية ‪ :‬أريسرتاخوس وديسكولوس وهريود‪.‬‬
‫وميكن أن نستخلص أن اليونان نظروا إىل العامل مبنظار فلسفي ميتافيزيقي ‪ ،‬واهتموا بوصف لغة أجدادهم‬
‫‪ ،‬وأسس وا لقواع د هام ة حتكم لغتهم ‪ ،‬فكتب لعلمهم عام ة ولنح وهم خاص ة أن يس تقطب اهتم ام األجي ال ال يت‬
‫حلقتهم ‪ ،‬وم ا زال النح و التقلي دي يس تعمل يف الت دريس يف ك ل لغ ات الع امل ‪ .‬وعلي ه ف النحو اليون اين تقعي دي‬
‫وتعليمي ‪.‬‬
‫‪-7‬التفكير اللغوي عند الرومان‪:‬‬
‫الرومان بشبه جزيرة ايطاليا ‪ ،‬كانت عاصمتهم روما ابان القرن الثامن قبل امليالد‪ ،‬مث اختذ القائد قسطنطني‬
‫األك رب بيزنط ة(القس طنطينية برتكي ا) عاص مة ش رقية ألمرباطوريت ه ‪ ،‬وم ع هناي ة الق رن الراب ع امليالدي انقس مت‬
‫األمبراطوري ة رمسيا إىل ش رقية وغربي ة بقي ادة روم ا عاص مة للحض ارة الغربي ة ‪ ،‬مث اص بحت القس طنطينية عاص مة‬
‫للخالفة العثمانية سنة ‪1453‬م‪.‬‬
‫واليونان أصحاب فكر مادي وواقعي عكس أسالفهم اليونان أصحاب املثل‪ ،‬لكن الرومان انبهروا بالرتاث‬
‫اليوناين فجعلهم هذا مقلدين أكثر ‪.‬‬
‫يف الق رن الث اين قب ل امليالد ظه رت حرك ة حثيث ة محلت على عاتقه ا ترمجة ك ل األعم ال النحوي ة واألدبي ة‬
‫والفلسفية والثقافية من اللغة اإلغريقية إىل اللغة الالتينية ‪ ،‬وقد شجع حكام الرومان كل من يقوم برتمجة أي مظهر‬
‫من مظاهر الرتاث اإلغريقي ‪ .‬كما اعتمدوا املسيحية كدين رمسي للدولة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫أما يف جمال الدراسات اللغوية فقد استمرت الفلسفة يف توجيه األعمال النحوية ‪ ،‬كما استمر اخلالف حول‬
‫نشأة اللغة بني الطبيعيني واالصطالحيني ‪ ،‬واشتد اجلدال بني دعاة القياس والشذوذ ‪ ،‬مما دفع القيصر جوليوس إىل‬
‫تأليف كتاب يف النحو أمساه القياس ‪ ،‬ومن أشهر حناة الرومان‪:‬‬
‫‪-‬فــارون(‪ 116‬ق‪-‬م‪-27-‬ق‪-‬م) ‪ ،‬ومؤلفه اللغة الالتينية ‪ ،‬تناول فيه كل القضايا النحوية وقسمها إىل‬
‫ثالثة مواضيع رئيسية هي‪ :‬علم الرتكيب وعلم الصرف وعلم أصول الكلمات ‪ ،‬هذا باإلضافة إىل أعمال أخرى‬
‫مرتبطة بتفسري الدراسات اليونانية كظاهرة التوليد واالشتقاق ‪.‬‬
‫‪-‬كونتيلين(‪35‬م‪90-‬م)‪ ،‬أجنز عدة مؤلفات مست نواحي عديدة منها النحو واألدب والرتبية والبالغة ‪،‬‬
‫واعت رب النح و علم ا متهي ديا للت ذوق الكلي واحلقيقي لألدب‪.‬وق د كتب بإجياز عن املس ائل النحوي ة واللغوي ة ويف‬
‫املقوالت املنطقية والكالمية ‪ ،‬ويف أقسام الكالم ويف النظام الفعلي للغة الالتينية ‪.‬‬
‫‪-‬إيلي ــوس دون ــاطوس( خالل الق ــرن الراب ــع الميالدي)‪ ،‬ك ان مدرس ا يف العاص مة روم ا تتلم ذ على ي ده‬
‫القديس جريوم الذي ترجم الكتاب املقدس ترمجة مثالية اعتمدهتا فيما بعد الكنيسة الكاثوليكية ‪ ،‬واشتهر بكتابه‬
‫األكادميي ‪ Ars Minor‬الذي مل ينقطع استعماله يف املدارس حىت القرن السابع عشر امليالدي ‪ ،‬وفيه قال جورج‬
‫مونان ‪ :‬إنه غذى كل القواعد األوربية لعدة قرون ‪ ،‬و ُكتب له أن يكون أول كتاب يطبع يف فرنسا لعدة مئات‬
‫من الطبعات‪.‬‬
‫وهناك العديد من املفكرين الرومان ممن اتبعوا هنج دوناطوس وسابقيه من امثال ‪ :‬مكروبيوس و بريسيان‬
‫وغريهم ‪ ،‬لكنهم كانوا كلهم متشبثني بالفكر اإلغريقي ‪ ،‬وكان تركيزهم على اللغة الكالسيكية ‪ ،‬فكانت هناك‬
‫بعض الدراسات املقارنة بني األفعال بني اللغتني اإلغريقية والالتينية ‪ ،‬مث ما لبث أن بدأت األمرباطورية الغربية يف‬
‫االحنط اط فانتق ل علماؤه ا إىل ش قيقتها يف الش رق ‪ ،‬فأق ام املغ رتبون وعلى رأس هم بريس يان العدي د من البح وث‬
‫اللغوي ة يف الالتيني ة على رأس ها املق والت النحوي ة وهي جمموع ة كتب (‪ )18‬يف أل ف ص فحة ‪ ،‬حيث بقي ه ذا‬
‫املرجع يستعمل للغة الالتينية إىل يومنا هذا ‪ ،‬فكانت هذه خوامت أعمال الرومان يف اجلانب الفكري ‪.‬‬
‫وعلي ه ف النحو الالتي ين ه و امت داد للنح و اليون اين ‪ ،‬حيث إن الكث ري من النح اة ال ذين ينتم ون إىل الفك ر‬
‫اليوناين هم من مؤسسي النحو الالتيين ‪ ،‬وظل منهج الدراسة اللغوية هو الرتكيز على استخراج ما يقصده املتكلم‬
‫من خالل شكل الكالم ‪ ،‬واالهتمام بالنصوص القدمية والكالسيكية ‪.‬‬
‫و من ناحية أخرى فإن العلماء الالتينيون مل يقدموا دراسات دياكرونية يف حبوثهم إضافة للوصف ‪ ،‬حيث‬
‫ال جند دراسات تأصيلية ‪ ،‬فيما عدا بعض الدراسات املقارنة بني اللغتني اإلغريقية والالتينية‪.‬‬
‫وخالصة القول فإن النظرية اللغوية اليت أتى هبا علماء اإلغريق جندها هي هي يف العهد الروماين والقرون‬
‫الوسطى وحىت عصر النهضة باستثناء بعض اإلضافات الطفيفة أو الشروح الوافية ‪ ،‬واستمرت الدراسات على هذه‬
‫احلال حىت مطلع القرن التاسع عشر امليالدي مع بداية اللسانيات التارخيية واملقارنة‪.‬‬

‫‪12‬‬

You might also like