Professional Documents
Culture Documents
وجدة.
مقدمة عامة:
ومن هنا ظهرت عدة محاوالت لتقنين ميدان حماية المستهلك,من خالل وضع
مشروع قانون حماية المستهلك,والذي جاء بمقتضيات جد مهمة تخدم
المستهلك بالدرجة األولى,فبرز إلى الوجود قانون حماية األسعار
والمنافسة,هناك أيضا مشروع قانون حماية المستهلك الذي ينصب في اتجاه
مراعاة مصالح المستهلك من عدة جوانب,خاصة المرتبطة منها بالشروط
التعسفية التي تشكل خطراً حقيقيا عليه نظراً الختالل التوازن التعاقدي الذي
أصبح صارخا بشكل ال تستسيغه قواعد العدالة بفعل سيطرة المهنيين وخبرتهم
في مجال التعاقد,األمر الذي جعل المستهلك في وضعية صعبة تفرض عليه
اإلنقياد التام للشروط التي تملى عليه.
ونظراً ألن موضوع حماية المستهلك أصبح يطرح نفسه بحدة,خاصة في
بلدنا,وذلك بفعل تنامي عجلة االقتصاد,وظهور سلع ومنتجات جديدة
ومتنوعة.الشيء الذي صاحبه تعدد وسائل الخطر والخطأ على المستهلك.
ونظراً كذلك لقلة الحماية حالياً,ارتأينا في إطار هذا البحث المتواضع تناول
موضوع حماية رضا المستهلك كموضوع لفصلين,ولعل التركيز على رضا
المستهلك راجع في اعتقادي بأن عنصر الرضا هو العنصر الجوهري في تكوين
العقد لكي يخرج صحيحا ال تشوبه علة أو عيبا من العيوب,ولعل منح المستهلك
رضاء متبصراً ومتنوراً يعني تمكينه من حقه في اإلعالم,وحقه في
اإلختيار,وحقه في التفاهم وكذا حقه في إبرام العقد وهي أسس ومبادئ أساسية
ينبني عليها قانون االستهالك.
وعليه,لكي نخوض ونبدأ موضوعنا هذا كان ال بدا من أن نطرح على أنفسنا
السؤال التالي :ما الذي توفره القواعد العامة والخاصة من حماية لرضا
المستهلك؟ وماهي الطرق الواقعية أو الفعلية التي بواسطتها يمكن أن نتمكن
بالفعل من تحقيق أكبر قدر من الحماية للمستهلك خصوصا وأن تحقيق الحماية
الكاملة والكافية يعد في الوقت الراهن أمراً مستحيالً نظراً لما يعرفه جانب
اإلنتاج وكذا االستهالك من تطور مطرد.
لمعالجة هذه النقط ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى فصلين يعالجان Iما يلي:
إن المغرب وكدول أخرى يمر بعدة تحوالت في مجاالت متعددة,وهو مجبر على
مواجهتها,فإذا كان الواقع الوضعي هو الوسيلة الفعالة لتأطير وتحسين سلوكات
األفراد,وسلوك المجتمع المدني ككل,فإنه ال بد من أن نطرح على أنفسنا
التساؤل التالي:أي دور تلعبه الشريعة اإلسالمية في ضبط سلوكات المنتجين
وتحقيق الحماية الكاملة لمصلحة المستهلكين؟وهل Iتكفي القواعد العامة في
معالجة ظاهرة انتشار الشروط التعسفية في المجال االستهالكي خاصة؟ وما
مدى توفر قواعد خاصة في هذا المجال تساير التطور المطرد في مجال التقاعد؟
لدراسة ذلك ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث نتعرض لها كالتالي:
لقد تناولت الشريعة اإلسالمية موضوع حماية المستهلك من خالل تحريم بعض
التصرفات وأهمها تحريم الغش الذي اعتبر منذ القديم منافيا لألخالق,كما Iحددت
الشريعة اإلسالمية الضوابط والقواعد لتحقيق ذلك,فهذه مسألة ال تثير إشكاال
يذكر,لكن اإلشكال يتجلى باألساس في مدى فعالية األحكام الواردة في إطار
الشريعة اإلسالمية لتحقيق الحماية للمستهلك (المطلب األول).
كما نصت الشريعة اإلسالمية من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية على
مؤسسة الحسبة كجهاز مكلف بمراقبة جودة السلع والخدمات(المطلب الثاني).
كما أن الشريعة اإلسالمية كان لها موقف واضح من خالل بعض التصرفات
كالغش بكافة أنواعه وصوره ,والذي يعتبر الشغل الشاغل بالنسبة للعديد من
الطبقات اإلجتماعية,وعلى الخصوص الطبقات الفقيرة التي كانت تذهب ضحية
االستغالل البشع للمضاربين والراغبين في االغتناء السريع على حساب عيش
وصحة المستهلكين,والغش بكافة أنواعه وصوره يعتبر آفةاجتماعية خطيرة له
أساليبه وطرقه المختلفة,وهو يقع في المعامالت المدنية والتجارية على
السواء,يضاف إلى ذلك أن الغش( الغش عند الشافعية واإلباضية تدليس يرجع
إلى ذات المبيع بإظهار حسن وإخفاء Iقبح أو تكثيره بما ليس منه,ونحو ذلك)
التجاري يضر بالحياة اإلقتصادية بصفة عامة داخل البالد وخارجها,بل Iقد يؤدي
إلى إهدار الثقة في بعض السلع والخدمات أو اإلحجام على التعامل فيها,أو الحد
من طلبها ,وفي هذا اإلطار يقول هللا تعالى":فأوفوا الكيل والميزان وال تبخسوا
الناس أشياءهم"(األعراف اآلية,)5:وقوله تعالى أيضا":ويل للمطففين Iالذين إذا
اكتالوا على الناس يستوفون,وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون("...المطففين
اآليتان .)2-1
كذلك لم تغفل السنة النبوية الشريفة موضوع حماية معامالت الناس حيث ورد
عن النبي صلى هللا عليه وسلم عدة أحاديث تخص ذلك,فقد قال عليه الصالة
والسالم ":من باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت هللا أو لم تزل المالئكة تلعنه".
من خالل القرآن الكريم ,وكذا السنة النبوية نستنتج أن الشريعة اإلسالمية لم
تغفل موضوع حماية المستهلك,وهذا Iأمر بديهي ألن هللا سبحانه وتعالى منزه
عن كل نقص أو تجاهل ,وهذا أمر ال يطرح أي جدال أو نقاش,لكن النقاش
يطرح باألساس عندالتطبيق ,ويتعلق أساسا بفعالية هذه األحكام الواردة في
القرآن الكريم وكذا السنة النبوية في تحقيق الحماية الفعالة للمستهلك.
إذا استقرأنا معظم األحكام الواردة في شريعتنا نالحظ أنها ال تكفي من الناحية
العملية لحماية المستهلك,خصوصا أنها أكثر ما تركز عليه هو الناحية األخالقية
من خالل التأثير على ضمائر الناس في عالقتهم بربهم وعالقتهم ببعضهم,وهنا
نسجل ضعف الوازع الديني عند الفرد,في حين أن نوع العقاب عند المخالفة هو
عقاب أخروي باألساس,وهذا ما يجعل بطبيعة الحال فعالية الحماية تقل.
لكن قولنا هذا ال يجب أن ينظر إليه على إطالقه,خصوصا وأن الشريعة
اإلسالمية قد نظمت مؤسسة الحسبة,وأعطت لها دورا كبيرا في مجال مراقبة
جودة السلع والخدمات.فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الحسبة كمؤسسة
منبثقة عن الشريعة اإلسالمية في هذا اإلطار؟
ففي ميدان زجر الغش,صدرت دورية لمندوب اإلقامة العامة للحماية لرؤساء
المصالح البلدية في ( 1913-09-19منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ -19
,1913-09عدد,)25حيث اعتمدت نصا نموذجيا يعتمد عليه في صياغة
القرارات البلدية المتعلقة بزجر الغش في المواد الغذائية والمخصصة
للمداواة,ولم يبق للمحتسب سوى دور المبلغ عن المخالفات,كما صدرت عدة
ظهائر وقرارات أخرى أثرت على دور المحتسب في مجال مراقبة جودة السلع
والخدمات وكذا األسعار.
لكن في مرحلة االستقالل قام المشرع بإعادة التأكيد على أهمية االحتساب على
امتداد التاريخ اإلسالمي للدولة المغربية,وذلك بصدور ظهير 02-82المتعلق
باختصاصات المحتسب وأمناء الحرف,نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 7يوليوز
.1982
كما يترتب عن هذه الكالسيكية -الحرية والعدالة -أن مهمة القاضي تقتصر عند
النظر في العقد المتنازع فيه على اإلجابة على سؤال واحد وهو هل العقد حر؟
أي هل العقد قد أبرم بتوافق إرادتي المتعاقدين على جل بنوده؟ فإذا ما تبين
للقاضي أن األمر كذلك فإنه يمنع عليه أن يعدل من شروط العقد,بل يجب أن
يرضخ إلرادة المتعاقدين حتى ولو كان هناك عدم التكافؤ بين طرفي العالقة
التعاقدية طالما أن التكافؤ بين الحريات قد تم.
ونظرا لما يثيره تطبيق من تضحية ببعض المصالح فإن أغلب التشريعات سعت
إلى الحد من تطبيق المبدأ على إطالقيته ووضعه في حدود معينة ال يجوز
تخطيها ,وقد جاء التحديد كما يلي:
-1االتجاه إلى جعل العديد من العقود شكلية,حيث يشترط تسجيلها وكتابتها,لكي
تتم منتجة ألثارها على نحو يحفظ الصالح العام,ومصالح أطرافها,وهذا التحديد
من شأنه أن يؤدي إلى التقليص من مبدأ سلطان اإلرادة ,وهناك الكثير من
النصوص في قانون االلتزامات والعقود المغربي ,التي تحت الكتابة ,نذكر مثال
الفصل 489الذي ينص على أنه "إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو
شيئا أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت
التاريخ وال يكون له أثر في مواجهة الغير إال إذا سجل في الشكل المحدد
بمقتضى القانون.
-2االتجاه إلى تنظيم العقود ومحتوياتها تنظيما رسميا مباشرا على نحو ال يترك
لألطراف المتعاقدة خيارا كبيرا في تحديد شروطها كما هو الحال مثال بالنسبة
لعقد الكراء والتأمين.
وهذا التراجع الكبيرلمبدأ سلطان اإلرادة فرضته بالضرورة مسألة حماية
المستهلك,وبروز الحاجة إلى ضرورة مسألة حماية المستهلك,وبروز الحاجة
إلى ضرورة تنظيم العقود التي يبرمها هؤالء تنظيما قانونيا,خصوصا وأن
ميزان القوى هو مختل أصال,وبالتالي فمن غير الممكن أن يترك مجال واسع
لتطبيق مبدأ سلطان اإلرادة ألن المستهلك ال يمكنه أن يقف وقفة الند للند في
عالقته مع البائع أو المنتج المحترف ...ولذلك من الضروري أن نعيد النظر في
النظام القانوني الذي يحكم العقود وفي النظام العام الذي يسيطر على التعاقد منذ
مرحلة التفاوض حتى تمام التنفيذ.
هكذا نصل إلى استنتاج عام مفاده أن الظروف االجتماعية واالقتصادية
والسياسية جعلت من غير الممكن قبول مبدأ سلطان اإلرادة,خصوصا وأن
التجربة قد بينت أن هذا المبدأ ال يصلح بسبب سوء تطبيقه,وبالتالي فهو يبقى
عاجزا عن تحقيق توازن العقد والعدالة التعاقدية باعتباره جاء ليحافظ على قوة
المصالح االقتصادية الرأسمالية التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية.
المطلب الثاني:مدى كفاية عيوب الرضا لحماية المستهلك:
في البداية يجب القول أن هناك عالقة وطيدة بين القانون واألخالق,حيث تعتبر
الكثير من القواعد القانونية ترجمة لواجبات أخالقية,والعالقة بين القانونI
واألخالق تتطور باستمرار,ويعتبر مبدأ حسن النية في تنفيذ االلتزامات أسمى ما
في القواعد األخالقية من مضمون.
وبذلك فإن كل التزام يجب تنفيذه بحسن نية,أي يجب أن يتجنب المتعاقد
اإلضرار بمصلحة المتعاقد اآلخر سواء عن طريق إيقاعه في غلط,أو
استغالله,أو التدليس عليه,أو ممارسة سلطة اإلكراه عليه,وبالتالي فإن حسن
النية في مجال التعاقد يستوجب توفر شروط أساسية وهي :انتفاء الخطأ العمد-,
انتفاء التعسف في استعمال الحق-,انتفاء الخطأ الجسيم.
ومن هنا فإن نظرية عيوب الرضا تتصل اتصاال وثيقا بنظرية سلطان
اإلرادة,وتتصل كذلك بمبدأ حسن النية الذي نصت عليه معظم الدول في
تشريعاتها,بل األكثر من هذا أن عيوب الرضا ترتكز في أساسها على نظرية
سلطان اإلرادة ومبدأ حسن النية من خالل القول أن الرضا إذا لم يكن حرا يقع
باطال.
وإذا كانت النظرة األولى إلى نظريات عيوب الرضا توحي بإمكانية عالج
مشكالت اختالل التزامات العقد,إال أن النظرة المتفحصة لعيوب اإلرادة يستنتج
منها عدم جدواها في توفير مناخ مالئم لتأكيد صحة رضا الطرف األقل كفاءة
من إمكانية وقوعه في غلط أو تدليس أو إكراه أو غبن أو استغالل أو ما شابه
ذلك.وهذا القول كذلك يزكيه عدم أخذ المشرع بنظرية حديثة دخلت مجال
القانون تحت تأثير اعتبارات أخالقية واجتماعية ,وعلى هذا األساس يعتبر الغبن
مثال,مظهرا من مظاهر الضعف في إرادة المتعاقد المغبون تستوجب حماية هذا
األخير من استغالل اآلخر ,وكذلك مسألة الشروط التعسفية التي تفرض على
المستهلكين ,والتي يقعون ضحية لها تحت تأثير حاجتهم إلى التعاقد.
الخالصة أنه يجب التوسع مهما أمكن في عيوب الرضا التقليدية ألنها تظل غير
كافية لحماية المستهلك ,خصوصاوأن مجال العالقات االقتصادية في توسع
مستمر,وهو األمر الذي يدعونا للقول بضرورة فتح الباب أمام قوانين
خاصة,وكذلك أمام االجتهاد القضائي لمسايرة التطور الذي حدث في هذا
المجال,خصوصا وأن التجربة قد بينت من خالل ما جاء في عيوب اإلرادة التي
يتضمنها قانون االلتزامات والعقود المغربي عدم فعاليتها في توفير مناخ مالئم
لتأكيد صحة إرادة المستهلك ,فالمؤثرات الحقيقية التي تدفع بالمستهلك نحو
التعاقد في وضع يميل فيه ميزان االلتزامات التعاقدية إلى ما يحقق مصلحة
المهني ال تعتبر عيوبا لإلرادة,وهي على الخصوص احتياج المستهلك إلى
التعاقد للحصول على السلع والخدمات من جهة ,وضعف قدراته وعدم خبرته
من جهة ثانية.
المبحث الثالث:
سبل مواجهة الشروط التعسفية:
إن مواجهة الشروط التعسفية تمثل حماية للمستهلك,والختياراته ,ورغباته,وهي
في نفس اآلن حماية للحياة التجارية واالقتصاد برمته,على اعتبار ان المستهلك
طرفا رئيسيا في العالقة التعاقدية ,وتتم مواجهة الشروط التعسفية في مجال
االستهالك عبر مستويات عديدة نذكر منها مثال:
-إعطاء Iالمستهلك صورة واضحة عن العقد المراد إبرامه,وإبراز ما يحتويه
العقد من شروط تقع على عاتق المستهلك إبرازا دقيقيا.
-إغالق المجال أمام المنتج المحترف الستغالل ما يتمتع به من قدرات ,وذلك
بفرض شروط تعسفية يكون المستهلك ضحية لها.
وانطالقا من ذلك سنعرض في المطلب األول من هذا المبحث السبل لمواجهة
الشروط التعسفية في إطار ما تنص عليه القواعد العامة على أن نخصص
المطلب الثاني لما تتضمنه القواعد الخاصة بهذا الشأن.
المطلب األول :مواجهة الشروط التعسفية في إطار القواعد العامة:
سبقت اإلشارة إلى القول بأن القواعد العامة للقانون Iالمدني تهيمن عليها فلسفة
مبدأ سلطان اإلرادة,أي أن االلتزامات الناشئة عن العقد هي شريعة
المتعاقدين,ويترتب عن ذلك أن االلتزامات الناشئة عن المتعاقدين تعد
قانونا ,وبالتالي ال يمكن للفرد أن يتحلل من التزام كان طرفا فيه مادام أن هذا
االلتزام يعد في حد ذاته قانونا,كما يترتب عن ذلك أنه يمتنع على القاضي أن
يتدخل في تعديل العقد طالما كانت عباراته وشروطه واضحة وصريحة وال
يعتريها أي غموض,وطالما كذلك أن شروط العقد غير مخالفة للنظام العام في
المجتمع ,ولكن هذا القول ال يمنعنا من طرح تساؤل جوهري,وهو إذا كان
القاضي يمنع عليه التدخل في مضمون العقد,فهل يعني ذلك عدم التدخل في
تفسير هذا المضمون خاصة عندما تكون إرادة األطراف غير واضحة؟ وهل
تدخلت التشريعات المقارنة في تفسير هذا المضمون حتى يخلق نوعا من
التوازن في العقد؟
لإلجابة سنتطرق للحديث عما يحتويه القانون الفرنسي ,و كذا قانون االلتزامات
والعقود المغربي,وذلك في الفقرتين اآلتيتين:
الفقرة األولى:الوضع في القانون المدني الفرنسي:
من النصوص التي وردت في القانون المدني الفرنسي,والتي اعتمد فيها القضاء
الفرنسي من أجل إقرار العدالة التعاقدية في إبرام العقود عامة,وعقود
االستهالك بصفة خاصة,نجد المادة ,1162والتي تسمح للقضاء بتفسير الشك
في عبارات العقد لمصلحة المدين,والشك هنا يعني عدم إمكانية تحديد النية
المشتركة ألطراف العقد ,فالشروط التعسفية غالبا ما تكون في العقد غامضة
وغير واضحة يلجأ إليها فيها المهني المحترف إلى استعمال مفردات تجعل من
الصعب على المستهلك أن يدرك مقصدها ألنها غير محددة المعاني بشكل
دقيق...
وينبني مبدأ-تفسير الشك لمصلحة المدني-على أساس قاعدة-األصل في اإلنسان
البراءة-أي أن األصل في اإلنسان هي براءة الذمة,فإذا وجد من يدعي خالفا
لهذا األصل أن يثبت ذلك,وهذا ما يفتح للقاضي إمكانية تفسير العقد.
وإذا كان األصل في تفسير العقود بوجه عام ,يتم بالحث عن القصد المشترك
للمتعاقدين,فإنه من الالزم عند تفسير عقود اإلذعان احترام هذا األصل
العام,وباعتبار أن عقود االستهالك أضحت نموذجا لعقود اإلذعان فإن مثل هذه
العقود تستغل فيها الثقة,أي ثقة المذعن في المشترط الذي ينفرد وحده بوضع
بنود المشارطة,فيخون هذه الثقة إما بطريقة عمدية أو غير عمدية,وحتى ال يقع
المستهلك في غلط يدفعه إلى التعاقد ,رتب القضاء الفرنسي التزاما على عاتق
الموجب,ذلك عندما تكون عبارات النص غير دقيقة,فألزمه بتقديم المعلومات
الكافية إلعالم الطرف اآلخر أي المذعن.
وعندما يكون عقد اإلذعان معقدا وصعبا على القراءة فإن الطرف المذعن
(المستهلك),الذي ال يكون لديه بوجه عام ,ال الوقت وال المقدرة الالزمين
لقراءته يعول على حسن نية المشترك وعلى تأكيداته,ولذلك يجب على المشترط
أن يزود الطرف المذعن باإليضاحات الالزمة,وبإزالة كل غموض محتمل في
العقد وهذا ما أكدته محكمة ,Renneعندما ألغت قرارا صادرا عن محكمة
.Vitre
ورغم هذه الحلول التي توصل إليها القضاء الفرنسي,والتي تهدف إلى خلق نوع
من التوازن في العالقات التعاقدية اعتمادا على العامة الواردة في القانون
المدني,نالحظ أن هذه القواعد جاءت في غياب نصوص خاصة بحماية
المستهلك باعتباره الطرف الضعيف لذلك حاول القضاء االجتهاد في إطار هذه
القواعد حيث صدرت العديد من القوانين الخاصة,ابتداءا من سنة 1972تهتم
بالمستهلك وبحمايته من الشروط التعسفية.
الفقرة الثانية:الوضع في قانون
االلتزامات والعقود المغربي:
إن اإلتجاه التقليدي لمبدأ سلطان اإلرادة كما هو معروف ال يخول للقاضي أي
دور في تعديل العقود ,بل هو ملزم باحترام الرابطة التعاقدية ,وبالتالي ال يجوز
للقاضي تصحيح شروط العقد ,بل إن مهمته تتجلى في السهر على تنفيذه,وذلك
ما ينص عليه الفصل 230من ق.ل.ع.
إال أنه بالرغم من موقف سلطان اإلرادة بشأن دور القاضي في هذا
المجال,واستنادا على اعتبارات اقتصادية ,وتحقيقا لروح العدالة في إبرام العقود
بوجه عام,سمح المشرع للقاضي في حاالت معينة بالتدخل في العالقات التعاقدية
,حيث نجد مجموعة من النصوص في ق.ل.ع تدعم ذلك نذكر مثال:
الفصالن 54و 878من ق.ل.ع ,اللذان يعالجان حالة من حاالت الغبن
االستغاللي,حيث يستغل فيها أحد المتعاقدين مرض أو ضعف أو طيش المتعاقد
اآلخر ويدفعه إلى التعاقد على نحو يختل معه ميزان ما يحصل عليه أحد
المتعاقدين مقابل ما يعطيه لآلخر ,فالعقد هنا يكون صحيحا من الناحية
الشكلية ,ومن حيث التكوين ,لكن الفرق يكمن في اختالل التوازن في
المقابل ,ولذلك فقد خول المشرع للقاضي الحق في إيطال العقد حسب سلطته
وتقديره,وهذا ما يستفاد من صريح الفصل 54الذي ينص على أن "أسباب
اإلبطال المبنية على حاالت المرض والحاالت األخرى المشابهة المتروكة لتقدير
القاضي"
وبموجب الفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهير 25دجنبر 1980المتعلق
بالكراء السكني والمهني,أصبح للقاضي حق التدخل لمراجعة الوجيبة
الكرائية,وهذه الفقرة تنص على أنه "لكل مكتر الحق في المطالبة بمراجعة
الوجيبة الكرائية أمام القضاء داخل أجل ثالثة أشهر من تاريخ إبرام العقد,إذا
اعتبر أن وجيبة الكراء ال تتناسب بشكل واضح مع المردودية المشروعة لرأس
المال.
ومن المقتضيات القانونية التي يمكن اتخاذها سبيال لمواجهة الشروط التعسفية
نجد الفصل 112من ق.ل.ع.الذي يبطل االلتزام إذا كان وجوده معلقا على
أرض إرادة الملتزم,أو ما يعرف بالشرط اإلرادي,وكذلك الفصل 487من
ق.ل.ع الذي يشترط أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا وال يسوغ أن
يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير ,كما أنه ال يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي
اشترى به الغير ما لم يكن هذا الثمن معروفا من المتعاقدين.
وإذا كان المشرع لم ينظم عقد اإلذعان ,وبالتالي لم يوفر الحماية الالزمة
للطرف المذعن من الشروط التعسفية ,فإن هذا ال يمنع القضاء في انتظار إقرار
قانون االستهالك من القيام بدور إيجابي لحماية المستهلك.
إال أن أفضل عالج لمقاومة الشروط التعسفية هو ما قاله األستاذ عبد الرزاق
السنهوري تقوية الجانب الضعيف حتى ال يستغله الجانب القوي,ويكون Iذلك
بإحدى وسيلتين أو بهما معا:
الوسيلة األولى :وسيلة اقتصادية,أي أن يجمع المستهلكون ويتعاونون على
مقاومة التعسف الصادر من جانب المحتكر.
الوسيلة الثانية :وسيلة تشريعية ,أي أن يتدخل المشرع ال القاضي لتنظيم عقود
اإلذعان.
المطلب الثاني :مواجهة الشروط التعسفية في إطار القواعد الخاصة:
نسلط الضوء في إطار هذا المطلب على سبل مواجهة الشروط التعسفية في
إطار قانون االستهالك الفرنسي (الفقرة األولى),ثم بعد ذلك نتطرق إلى ما جاء
به مشرعنا المغربي في مجال الشروط التعسفية (الفقرة الثانية).
الفقرة األولى:مقاومة الشروط التعسفية في قانون االستهالك الفرنسي:
تتنوع أساليب مقاومة الشروط التعسفية,وعموما يمكن الحديث عن ثالث
أساليب قانونية مختلفة وهي:
األسلوب األول :يعطي للقاضي سلطة إبطال العقد إذا قدر الشروط التي يتضمنها
هذا العقد تعد تعسفية في حق المستهلك.
األسلوب الثاني :يتمثل هذا األسلوب في ضرورة إعداد قائمة من الشروط التي
تعد تعسفية ,والتي يتم تحديدها مسبقا من طرف القانون على سبيل
الحصر,ويكون الجزاء المترتب عنها هو البطالن المطلق.
األسلوب الثالث :يقوم على أساس الجمع بين األسلوبين األولين,أي أنه يتيح
للقاضي سلطة تقدير الشروط التي تعد تعسفية,وفي نفس الوقت يشير إلى
ضرورة تحديد قائمة مسبقة للشروط التعسفية.
من خالل هذه األساليب الثالثة نالحظ أن األسلوب األول رغم كونه يتسم
بالبساطة والسهولة ,إال أن العيب فيه يكمن في إساءة استعمال القضاء
لسلتطهم التقديرية,أما األسلوب الثاني فإنه يتسم بالجمود ألنه ال يساير ما يمكن
أن يحصل من تطور على المستوى االقتصادي واالجتماعي ,أما األسلوب الثالث
واألخير فإنه قد يحقق فعالية أكثر ألنه يجمع بين مزايا األسلوبين األولين فبماذا
أخذ المشرع الفرنسي؟
أخد المشرع الفرنسي باألسلوب الثاني,وذلك حسب مقتضيات المادة 132من
قانون االستهالك الفرنسي التي تنص على أن تحديد الشروط التعسفية يتم
بمرسوم يصدر عن مجلس الدولة بعد استشارة لجنة الشروط التعسفية.
إن المراسيم التي تصدر عن مجلس الدولة الفرنسي تفرض على األطراف
والقضاة,فهي نوع من اللوائح,لكن يالحظ أنه منذ إقرار هذا النظام لم يصدر إال
مرسوم واحد بتاريخ 24مارس ,1978ويهم هذا المرسوم ثالثة أنواع من
الشروط وهي:
-الشروط المعفية او المحددة لمسؤولية المهني في عقود البيع مع إبعاد عقود
أداء الخدمات.
-الشروط التي تعطي للمهني الحق في أن يعدل من جانبه فقط خصائص السلعة
أو الخدمة المطلوبة( مثال ذلك عقود السيارات ,وعقود بيع أثاث المنازل.)...
-شروط الضمان التعاقدي التي ال تنص على وجود الضمان القانوني للعيوب
الخفية.
وقد أضيف إلى قانون االستهالك الفرنسي سنة 1955ملحق يتعلق بقائمة
بيانية ,وليست حصرية تتضمن الشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية كما
يتضمن الملحق جزءا ثانيا يتعلق باستبعاد بعض الشروط من دائرة الشروط
التعسفية.
وإلى جانب مجلس الدولة الفرنسي أنشأ قانون 10يناير 1978لجنة الشروط
التعسفية في نماذج العقود المقترحة من طرف المهنيين على جمهور
المستهلكين.
لكن في إطار كل ما قلناه البد من أن نطرح السؤال التالي :ما هي المكانة التي
يحتلها القضاء في هذا النظام؟
شهدت المناقشات التي سبقت التصويت على قانون ,1978رفض المشرع
الفرنسي منح القضاة سلطة تحديد األوصاف التعسفية للشرط,لكن أمام إلحاح
السلطة التنفيذية تقرر للقضاة هذا الحق ,إلى أن استقر األمر على اعتراف
محكمة النقض الفرنسية للقضاة بعد تردد كبير سنة 1991بحقهم في التصريح
بالشروط التعسفية,هذا الحل تم األخذ به في تعديل .1995