You are on page 1of 37

‫جامعة محمد األول‪.

‬‬

‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫وجدة‪.‬‬

‫بحث لنيل اإلجازة في القانون‪:‬‬

‫شعبة القانون الخاص‬

‫حماية رضا المستهلك‬

‫مقدمة عامة‪:‬‬

‫لعل فكرة المستهلك في الوقت الحاضرهي مهد مشكالت القانون المعاصر‪,‬التي‬


‫أصبح الخالف حولها يتسع‪,‬والتي فتحت تبعا لذلك مجاال واسعا لالجتهاد بغية‬
‫فض النزاع للوصول إلى حلول مرضية‪,‬فحجم التطورات التي شهدها العالم من‬
‫الناحية االقتصادية أدت إلى إمكانية وصف المجتمعات الحديثة بالمجتمعات‬
‫االستهالكية‪.‬ومن بينها المجتمع المغربي الذي لم يخرج عن حظيرة هذه‬
‫المجتمعات‪,‬وال شك أن حجم هذه التطورات صاحبه بالضرورة زيادة نسبة‬
‫األخطار واألضرار التي يمكن أن يقع المستهلك ضحية لها‪,‬مما أدى إلى ضرورة‬
‫اتباع طرق واقعية وفعلية من أجل تحقيق الحماية والعدل ألولئك الذين يقعون‬
‫في حبائل الغش والدعاية الكاذبة والمضللة‪,‬والتحريض على االستهالك لحاجيات‬
‫مصطنعة‪.‬‬
‫وما من شك في أن حماية المستهلك ورعايته أصبحت تأتي في مقدمة الواجبات‬
‫األساسية للدولة المعاصرة بمختلف أجهزتها‪,‬والتي يقع على عاتقها مسؤوليات‬
‫ضمان المستوى المناسب‪,‬إن المادي على األقل من الحماية الهادئة‬
‫والكريمة‪,‬والحصول على السلع والخدمات الكفيلة والكافية لتحقيق ميوالت كل‬
‫فرد من أفراد المجتمع‪,‬فضال عن ذلك فإن حماية المستهلك كان موضع اهتمام‬
‫الباحثين في كثير من فروع القانون‪.‬بل‪ I‬كان موضع اهتمام المشرع المغربي‬
‫الذي اهتم بإصدار أنظمة وقواعد خاصة بغض النظر عن القواعد العامة‪,‬تهدف‬
‫إلى حماية المستهلك من كل خطر أو تالعب قد يحدق به نظرا لكثرة هذه‬
‫األخطار والتالعبات‪,‬وتعدد وسائلها أيضا‪,‬ونظرا النتباه المشرع لضرورة حماية‬
‫المستهلك حماية خاصة ألن الوسائل الفنية لقانون االلتزامات والعقود المغربي‬
‫ال تفي بالحماية الكافية للمستهلك‪,‬حيث دعت الحاجة إلى صدور نصوص خاصة‬
‫تتصف بمرونة أكثر وبجزاء أشد من القواعد القانونية التقليدية‪.‬‬

‫ومن هنا ظهرت عدة محاوالت لتقنين ميدان حماية المستهلك‪,‬من خالل وضع‬
‫مشروع قانون حماية المستهلك‪,‬والذي جاء بمقتضيات جد مهمة تخدم‬
‫المستهلك بالدرجة األولى‪,‬فبرز إلى الوجود قانون حماية األسعار‬
‫والمنافسة‪,‬هناك أيضا مشروع قانون حماية المستهلك الذي ينصب في اتجاه‬
‫مراعاة مصالح المستهلك من عدة جوانب‪,‬خاصة المرتبطة منها بالشروط‬
‫التعسفية التي تشكل خطراً حقيقيا عليه نظراً الختالل التوازن التعاقدي الذي‬
‫أصبح صارخا بشكل ال تستسيغه قواعد العدالة بفعل سيطرة المهنيين وخبرتهم‬
‫في مجال التعاقد‪,‬األمر الذي جعل المستهلك في وضعية صعبة تفرض عليه‬
‫اإلنقياد التام للشروط التي تملى عليه‪.‬‬

‫ونظراً ألن موضوع حماية المستهلك أصبح يطرح نفسه بحدة‪,‬خاصة في‬
‫بلدنا‪,‬وذلك بفعل تنامي عجلة االقتصاد‪,‬وظهور سلع ومنتجات جديدة‬
‫ومتنوعة‪.‬الشيء الذي صاحبه تعدد وسائل الخطر والخطأ على المستهلك‪.‬‬
‫ونظراً كذلك لقلة الحماية حالياً‪,‬ارتأينا في إطار هذا البحث المتواضع تناول‬
‫موضوع حماية رضا المستهلك كموضوع لفصلين‪,‬ولعل التركيز على رضا‬
‫المستهلك راجع في اعتقادي بأن عنصر الرضا هو العنصر الجوهري في تكوين‬
‫العقد لكي يخرج صحيحا ال تشوبه علة أو عيبا من العيوب‪,‬ولعل منح المستهلك‬
‫رضاء متبصراً ومتنوراً يعني تمكينه من حقه في اإلعالم‪,‬وحقه في‬
‫اإلختيار‪,‬وحقه في التفاهم وكذا حقه في إبرام العقد وهي أسس ومبادئ أساسية‬
‫ينبني عليها قانون االستهالك‪.‬‬

‫وعليه‪,‬لكي نخوض ونبدأ موضوعنا هذا كان ال بدا من أن نطرح على أنفسنا‬
‫السؤال التالي‪ :‬ما الذي توفره القواعد العامة والخاصة من حماية لرضا‬
‫المستهلك؟ وماهي الطرق الواقعية أو الفعلية التي بواسطتها يمكن أن نتمكن‬
‫بالفعل من تحقيق أكبر قدر من الحماية للمستهلك خصوصا وأن تحقيق الحماية‬
‫الكاملة والكافية يعد في الوقت الراهن أمراً مستحيالً نظراً لما يعرفه جانب‬
‫اإلنتاج وكذا االستهالك من تطور مطرد‪.‬‬

‫لمعالجة هذه النقط ارتأينا تقسيم موضوعنا إلى فصلين يعالجان‪ I‬ما يلي‪:‬‬

‫‪-‬الفصل األول‪ :‬حماية رضا المستهلك وفق القواعد العامة والخاصة‪.‬‬

‫‪-‬الفصل الثاني‪ :‬الطرق الواقعية والفعلية لحماية رضا المستهلك‪.‬‬


‫الفصل األول‪:‬‬

‫حماية رضا المستهلك وفق القواعد العامة والخاصة‪:‬‬

‫إن المغرب وكدول أخرى يمر بعدة تحوالت في مجاالت متعددة‪,‬وهو مجبر على‬
‫مواجهتها‪,‬فإذا كان الواقع الوضعي هو الوسيلة الفعالة لتأطير وتحسين سلوكات‬
‫األفراد‪,‬وسلوك المجتمع المدني ككل‪,‬فإنه ال بد من أن نطرح على أنفسنا‬
‫التساؤل التالي‪:‬أي دور تلعبه الشريعة اإلسالمية في ضبط سلوكات المنتجين‬
‫وتحقيق الحماية الكاملة لمصلحة المستهلكين؟وهل‪ I‬تكفي القواعد العامة في‬
‫معالجة ظاهرة انتشار الشروط التعسفية في المجال االستهالكي خاصة؟ وما‬
‫مدى توفر قواعد خاصة في هذا المجال تساير التطور المطرد في مجال التقاعد؟‬

‫لدراسة ذلك ارتأينا تقسيم هذا الفصل إلى ثالثة مباحث نتعرض لها كالتالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬حماية رضا المستهلك وفق أحكام الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مدى كفاية القواعد العامة في توفير الحماية للمستهلك‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬سبل مواجهة الشروط التعسفية في عقود االستهالك‪.‬‬


‫المبحث األول‪:‬‬

‫حماية رضا المستهلك وفق أحكام الشريعة اإلسالمية‪:‬‬

‫لقد تناولت الشريعة اإلسالمية موضوع حماية المستهلك من خالل تحريم بعض‬
‫التصرفات وأهمها تحريم الغش الذي اعتبر منذ القديم منافيا لألخالق‪,‬كما‪ I‬حددت‬
‫الشريعة اإلسالمية الضوابط والقواعد لتحقيق ذلك‪,‬فهذه مسألة ال تثير إشكاال‬
‫يذكر‪,‬لكن اإلشكال يتجلى باألساس في مدى فعالية األحكام الواردة في إطار‬
‫الشريعة اإلسالمية لتحقيق الحماية للمستهلك (المطلب األول)‪.‬‬

‫كما نصت الشريعة اإلسالمية من خالل القرآن الكريم والسنة النبوية على‬
‫مؤسسة الحسبة كجهاز مكلف بمراقبة جودة السلع والخدمات(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬فعالية أحكام الشريعة اإلسالمية في توفير الحماية للمستهلك‪:‬‬


‫من المؤكد أن الشريعة اإلسالمية قد حددت الضوابط والقواعد من أجل تحقيق‬
‫حماية فعالة للمستهلك‪,‬كما عالجت الشريعة اإلسالمية موضوع المعامالت‬
‫المالية واألخالقية من الناحية اإلسالمية‪ ,‬وهو ما يسمى اليوم بالمصطلح‬
‫القانوني" موضوع حماية المستهلك"‪.‬وذلك‪ I‬من خالل قوله تعالى" وأقيموا‬
‫الوزن بالقسط وال تخسروا الميزان"(الرحمان اآلية‪,)9:‬وكذلك قوله تعالى‪ ":‬إن‬
‫هللا ال يحب من كان خوانا أثيما"(النساء اآلية‪.)107:‬‬

‫كما أن الشريعة اإلسالمية كان لها موقف واضح من خالل بعض التصرفات‬
‫كالغش بكافة أنواعه وصوره‪ ,‬والذي يعتبر الشغل الشاغل بالنسبة للعديد من‬
‫الطبقات اإلجتماعية‪,‬وعلى الخصوص الطبقات الفقيرة التي كانت تذهب ضحية‬
‫االستغالل البشع للمضاربين والراغبين في االغتناء السريع على حساب عيش‬
‫وصحة المستهلكين‪,‬والغش بكافة أنواعه وصوره يعتبر آفةاجتماعية خطيرة له‬
‫أساليبه وطرقه المختلفة‪,‬وهو يقع في المعامالت المدنية والتجارية على‬
‫السواء‪,‬يضاف إلى ذلك أن الغش( الغش عند الشافعية واإلباضية تدليس يرجع‬
‫إلى ذات المبيع بإظهار حسن وإخفاء‪ I‬قبح أو تكثيره بما ليس منه‪,‬ونحو ذلك)‬
‫التجاري يضر بالحياة اإلقتصادية بصفة عامة داخل البالد وخارجها‪,‬بل‪ I‬قد يؤدي‬
‫إلى إهدار الثقة في بعض السلع والخدمات أو اإلحجام على التعامل فيها‪,‬أو الحد‬
‫من طلبها ‪ ,‬وفي هذا اإلطار يقول هللا تعالى‪":‬فأوفوا الكيل والميزان وال تبخسوا‬
‫الناس أشياءهم"(األعراف اآلية‪,)5:‬وقوله تعالى أيضا‪":‬ويل للمطففين‪ I‬الذين إذا‬
‫اكتالوا على الناس يستوفون‪,‬وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون‪("...‬المطففين‬
‫اآليتان ‪.)2-1‬‬

‫كذلك لم تغفل السنة النبوية الشريفة موضوع حماية معامالت الناس حيث ورد‬
‫عن النبي صلى هللا عليه وسلم عدة أحاديث تخص ذلك‪,‬فقد قال عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ":‬من باع عيبا لم يبينه لم يزل في مقت هللا أو لم تزل المالئكة تلعنه"‪.‬‬
‫من خالل القرآن الكريم ‪,‬وكذا السنة النبوية نستنتج أن الشريعة اإلسالمية لم‬
‫تغفل موضوع حماية المستهلك‪,‬وهذا‪ I‬أمر بديهي ألن هللا سبحانه وتعالى منزه‬
‫عن كل نقص أو تجاهل‪ ,‬وهذا أمر ال يطرح أي جدال أو نقاش‪,‬لكن النقاش‬
‫يطرح باألساس عندالتطبيق ‪,‬ويتعلق أساسا بفعالية هذه األحكام الواردة في‬
‫القرآن الكريم وكذا السنة النبوية في تحقيق الحماية الفعالة للمستهلك‪.‬‬

‫إذا استقرأنا معظم األحكام الواردة في شريعتنا نالحظ أنها ال تكفي من الناحية‬
‫العملية لحماية المستهلك‪,‬خصوصا أنها أكثر ما تركز عليه هو الناحية األخالقية‬
‫من خالل التأثير على ضمائر الناس في عالقتهم بربهم وعالقتهم ببعضهم‪,‬وهنا‬
‫نسجل ضعف الوازع الديني عند الفرد‪,‬في حين أن نوع العقاب عند المخالفة هو‬
‫عقاب أخروي باألساس‪,‬وهذا ما يجعل بطبيعة الحال فعالية الحماية تقل‪.‬‬

‫لكن قولنا هذا ال يجب أن ينظر إليه على إطالقه‪,‬خصوصا وأن الشريعة‬
‫اإلسالمية قد نظمت مؤسسة الحسبة‪,‬وأعطت لها دورا كبيرا في مجال مراقبة‬
‫جودة السلع والخدمات‪.‬فما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الحسبة كمؤسسة‬
‫منبثقة عن الشريعة اإلسالمية في هذا اإلطار؟‬

‫المطلب الثاني‪ :‬دور مؤسسة الحسبة في مراقبة جودة السلع والخدمات‪:‬‬

‫بنيت الحسبة في صدر اإلسالم على األمر بالمعروف‪,‬والنهي عن المنكر‪,‬ترمي‬


‫إلى التقوى في المعامالت بين الناس في عالقاتهم االجتماعية والتجارية‪,‬ومن‬
‫الواضح أن اإلسالم تميز عن غيره من الديانات األخرى باهتمامه المزدوج‬
‫ألمور الدين والدنيا‪,‬فلم تكن تعاليمه مقصودة على العبادات من صالة وصيام‬
‫وحج‪,‬وال على التهذيب الخلقي للفرد والمجتمع‪,‬هذا التهذيب القائم على قاعدة‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬ولكن هذه التعاليم إلى جانب كل ذلك أولت‬
‫عناية كبيرة ألمور الدنيوية من نظم وقواعد قادرة على ضمان مجتمع صالح‬
‫تسوده العدالة والمساواة‪.‬‬

‫لكن قبل أن نخوض حديثنا في الحسبة كمؤسسة منبثقة عن الشريعة اإلسالمية‬


‫ال بد أن نطرح سؤاال وجيها وهو‪:‬هل توجد فعال مؤسسة الحسبة تراقب جودة‬
‫السلع والخدمات؟‬

‫تدخلت الشريعة اإلسالمية ‪-‬عن طريق رجال الحسبة أو االحتساب ‪ -‬لقمع‬


‫األساليب الملتوية التي يلجأ إليها بعض البائعين والتجار ترويجها‬
‫لبضائعهم‪,‬وذلك بهدف االغتناء واإلثراء على حساب المستهلكين عندما يختل‬
‫التوازن بين العرض والطلب‪,‬وقد مر تطور مؤسسة الحسبة في المغرب بعدة‬
‫محطات تاريخية كان لها تأثير بالغ في مجال حماية المستهلك‪,‬فقد تميزت‬
‫مرحلة الحماية بدخول المستعمر الفرنسي حامال معه أنظمة وقوانين‪,‬وإدارات‬
‫جديدة‪ ,‬حيث عمل منذ البداية على استبدال الهياكل التي كانت قائمة بأخرى‬
‫عصرية‪,‬حيث بدأ دور المحتسب يتقلص شيئا فشيئا في هذه المرحلة‪.‬‬

‫ففي ميدان زجر الغش‪,‬صدرت دورية لمندوب اإلقامة العامة للحماية لرؤساء‬
‫المصالح البلدية في ‪( 1913-09-19‬منشور بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪-19‬‬
‫‪,1913-09‬عدد‪,)25‬حيث اعتمدت نصا نموذجيا يعتمد عليه في صياغة‬
‫القرارات البلدية المتعلقة بزجر الغش في المواد الغذائية والمخصصة‬
‫للمداواة‪,‬ولم يبق للمحتسب سوى دور المبلغ عن المخالفات‪,‬كما صدرت عدة‬
‫ظهائر وقرارات أخرى أثرت على دور المحتسب في مجال مراقبة جودة السلع‬
‫والخدمات وكذا األسعار‪.‬‬

‫لكن في مرحلة االستقالل قام المشرع بإعادة التأكيد على أهمية االحتساب على‬
‫امتداد التاريخ اإلسالمي للدولة المغربية‪,‬وذلك بصدور ظهير‪ 02-82‬المتعلق‬
‫باختصاصات المحتسب وأمناء الحرف‪,‬نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 7‬يوليوز‬
‫‪.1982‬‬

‫عموما‪,‬فإن اختصاصات المحتسب ‪,‬وإن كانت في ظل الشريعة اإلسالمية ذات‬


‫فعالية مهمة‪,‬نظرا لما تتيحه له من اتصال مباشر ومستمر بالتجار وأنشطتهم‬
‫التجارية كشخص مسلم له نفوذ‪,‬وله سلطة كبيرة في الرقابة‬
‫واإلشراف‪,‬خصوصا في مجال مراقبة جودة السلع والخدمات‪,‬وقمع الغش من‬
‫خالل قاعدة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪,‬فإنه مع األسف يالحظ في ظل‬
‫القوانين الحالية فقدان المحتسب لسلطته من الناحية العملية‪,‬بل أكثر من هذا‬
‫فإن وضعية شخص المحتسب القانونية‪,‬لم يتم تحديدها بدقة منذ أن تم األخذ‬
‫بالحسبة في المغرب مع دخول اإلسالم‪,‬األمر الذي جعلها تثير الكثير من الجدل‬
‫هل هو سلطة إدارية أم سلطة قضائية‪.‬‬
‫إن القوانين الحالية‪,‬كما سبق أن قلنا لم تعط للمحتسب إال اختصاصات ذات جوانب‪ I‬محدودة‪,‬تفتقد للمنظور الشمولي لمفهوم المستهلك‪ ,‬بل زادت من شساعة الهوة بين‬
‫المستهلكين في عالقتهم مع المهنيين حيث تقوت سلطة الفئة الثانية على حساب الفئة األولى‪.‬‬
‫وانطالقا من البحث الذي أجريته في أوساط التجار‪,‬والمتضررين بمدينة "تارجيست"‪,‬أقول‪ I‬إنه ال توجد مؤسسة اسمها الحسبة من الناحية العملية‪,‬وحتى لو كان لها‬
‫وجود فهو وجود فوضوي غير منظم‪,‬بل أكثر من ذلك‪,‬يكاد يكون شخص المحتسب في هذه المدينة شخصا غير معروف لقلة تدخالته في ميدان مراقبة جودة السلع‬
‫والخدمات‪,‬فكيف يمكن أن نتحدث عن مؤسسة الحسبة إذا كنا نعرف أنها غير منظمة أصال؟ وكيف لنا أن نتحدث عن مهمة االحتساب إذا كنا على علم أن هذه الوظيفة قد‬
‫أسندت ألشخاص ليس لهم إلمام كامل بأحكام الشريعة اإلسالمية الغراء؟ وكيف لنا أن نتحدث عن شخص المحتسب‪,‬إذا كنا نعرف أن اختصاصاته تتحكم فيها‬
‫األهواء‪,‬ويؤثر فيها المال الرخيص؟وهذا هو الواقع في مدينة "تارجيست" وهو واقع الحظته عن طريق المعايشة ومن خالل أخذ ارتسامات التجار وبعض المواطنين في‬
‫هذا البلد‪,‬وقد سجلت من ذلك أن تدخالت المحتسب‪ I‬الميدانية‪ I‬تكون شبه منعدمة‪.‬‬
‫يمكن القول كخالصة إن الحسبة حاليا جاءت كإنجاز عظيم في نص الظهير الشريف المتعلق باختصاصات المحتسب وأمناء الحرف‪,‬في ظل والية الملك الحسن الثاني‬
‫طيب هللا ثراه‪,‬الذي أعاد لهذه الوالية‪ I‬مكانتها التي فقدتها‪,‬وجعل منها الوالية‪ I‬التي كان يعرفها المغاربة في فترة ازدهارها بما ال يتعارض أو يتداخل‪ I‬مع اختصاصات‬
‫المصالح واإلدارات‪ I‬األخرى‪,‬خاصة في ميدان زجر الغش في البضائع‪,‬حيث أثبت اختصاصها في ميدان البحث والمراقبة في إطار دولة منظمة‪,‬وتماشيا‪ I‬مع األصالة‬
‫المغربية الثابتة‪.‬‬
‫المبحث‪ I‬الثاني‪:‬‬
‫مدى كفالة القواعد العامة في توفير الحماية للمستهلك‪:‬‬
‫ما من شك في أن قانون االلتزامات‪ I‬والعقود المغربي‪,‬تطرق لموضوع حماية المستهلك‪,‬ووضع الضوابط‪ I‬والقواعد الكفيلة بتحقيق ذلك‪,‬وهذه مسألة ال يجادل فيها‬
‫اثنان‪,‬غير أن اإلشكال يبرز أساسا في مدى كفاية القواعد الواردة في القانون المدني باعتبار الشريعة العامة في توفير حماية فعالة للمستهلكين في إطار عالقتهم مع‬
‫المهنيين ‪,‬والمنتجين ‪,‬وكبار التجار المحترفين‪.‬‬
‫لمعالجة هذا اإلشكال ‪,‬عملنا على تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين‪,‬نتطرق في المطلب األول‪ I‬للحديث عن مبدأ سلطان اإلرادة‪ I‬وما يفرزه من ضرورة التدخل‪ I‬إلقرار توازن‬
‫العقد وتحقيق العدالة التعاقدية ‪,‬على أن نخصص المطلب‪ I‬الثاني للحديث عن مدى كفاية عيوب الرضا لحماية المستهلك‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة وضرورة إقرار توازن العقد‪:‬‬
‫وفقا لهذا المبدأ فإن إرادة اإلنسان حرة بطبيعتها‪,‬وال يمكن أن تتجه إال لما فيه مصلحته‪,‬وبذلك فإن جل اإللتزامات المنشاة بين المتعاقدين على وجه صحيح‪ ,‬تقوم مقام‬
‫القانون بالنسبة لمنشئيها‪,‬ألنها تكون معبرا عن اتحاد إرادتي المتعاقدين‪,‬وبالتالي فما دامت إرادة اإلنسان حرة ‪,‬فإن االلتزامات‪ I‬بدورها عادلة‪ ,‬وال يمكن للقاضي تعديلها‬
‫أو إلغاؤها إال بإرادة المتعاقدين أو في الحاالت التي ينص عليها القانون‪,‬وبالتالي فإن المشرع يمنع عليه التدخل في العقود التي يشوبها عيب الغبن‪ ,‬عندما تكون هذه‬
‫العقود سليمة من العيوب األخرى‪.‬‬

‫كما يترتب عن هذه الكالسيكية ‪-‬الحرية والعدالة ‪-‬أن مهمة القاضي تقتصر عند‬
‫النظر في العقد المتنازع فيه على اإلجابة على سؤال واحد وهو هل العقد حر؟‬
‫أي هل العقد قد أبرم بتوافق إرادتي المتعاقدين على جل بنوده؟ فإذا ما تبين‬
‫للقاضي أن األمر كذلك فإنه يمنع عليه أن يعدل من شروط العقد‪,‬بل يجب أن‬
‫يرضخ إلرادة المتعاقدين حتى ولو كان هناك عدم التكافؤ بين طرفي العالقة‬
‫التعاقدية طالما أن التكافؤ بين الحريات قد تم‪.‬‬
‫ونظرا لما يثيره تطبيق من تضحية ببعض المصالح فإن أغلب التشريعات سعت‬
‫إلى الحد من تطبيق المبدأ على إطالقيته ووضعه في حدود معينة ال يجوز‬
‫تخطيها ‪,‬وقد جاء التحديد كما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬االتجاه إلى جعل العديد من العقود شكلية‪,‬حيث يشترط تسجيلها وكتابتها‪,‬لكي‬
‫تتم منتجة ألثارها على نحو يحفظ الصالح العام‪,‬ومصالح أطرافها‪,‬وهذا التحديد‬
‫من شأنه أن يؤدي إلى التقليص من مبدأ سلطان اإلرادة ‪,‬وهناك الكثير من‬
‫النصوص في قانون االلتزامات والعقود المغربي ‪,‬التي تحت الكتابة ‪,‬نذكر مثال‬
‫الفصل ‪ 489‬الذي ينص على أنه "إذا كان المبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو‬
‫شيئا أخرى يمكن رهنها رهنا رسميا وجب أن يجري البيع كتابة في محرر ثابت‬
‫التاريخ وال يكون له أثر في مواجهة الغير إال إذا سجل في الشكل المحدد‬
‫بمقتضى القانون‪.‬‬
‫‪-2‬االتجاه إلى تنظيم العقود ومحتوياتها تنظيما رسميا مباشرا على نحو ال يترك‬
‫لألطراف المتعاقدة خيارا كبيرا في تحديد شروطها كما هو الحال مثال بالنسبة‬
‫لعقد الكراء والتأمين‪.‬‬
‫وهذا التراجع الكبيرلمبدأ سلطان اإلرادة فرضته بالضرورة مسألة حماية‬
‫المستهلك‪,‬وبروز الحاجة إلى ضرورة مسألة حماية المستهلك‪,‬وبروز الحاجة‬
‫إلى ضرورة تنظيم العقود التي يبرمها هؤالء تنظيما قانونيا‪,‬خصوصا وأن‬
‫ميزان القوى هو مختل أصال‪,‬وبالتالي فمن غير الممكن أن يترك مجال واسع‬
‫لتطبيق مبدأ سلطان اإلرادة ألن المستهلك ال يمكنه أن يقف وقفة الند للند في‬
‫عالقته مع البائع أو المنتج المحترف ‪...‬ولذلك من الضروري أن نعيد النظر في‬
‫النظام القانوني الذي يحكم العقود وفي النظام العام الذي يسيطر على التعاقد منذ‬
‫مرحلة التفاوض حتى تمام التنفيذ‪.‬‬
‫هكذا نصل إلى استنتاج عام مفاده أن الظروف االجتماعية واالقتصادية‬
‫والسياسية جعلت من غير الممكن قبول مبدأ سلطان اإلرادة‪,‬خصوصا وأن‬
‫التجربة قد بينت أن هذا المبدأ ال يصلح بسبب سوء تطبيقه‪,‬وبالتالي فهو يبقى‬
‫عاجزا عن تحقيق توازن العقد والعدالة التعاقدية باعتباره جاء ليحافظ على قوة‬
‫المصالح االقتصادية الرأسمالية التي كانت سائدة في المجتمعات الغربية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪:‬مدى كفاية عيوب الرضا لحماية المستهلك‪:‬‬
‫في البداية يجب القول أن هناك عالقة وطيدة بين القانون واألخالق‪,‬حيث تعتبر‬
‫الكثير من القواعد القانونية ترجمة لواجبات أخالقية‪,‬والعالقة بين القانون‪I‬‬
‫واألخالق تتطور باستمرار‪,‬ويعتبر مبدأ حسن النية في تنفيذ االلتزامات أسمى ما‬
‫في القواعد األخالقية من مضمون‪.‬‬
‫وبذلك فإن كل التزام يجب تنفيذه بحسن نية‪,‬أي يجب أن يتجنب المتعاقد‬
‫اإلضرار بمصلحة المتعاقد اآلخر سواء عن طريق إيقاعه في غلط‪,‬أو‬
‫استغالله‪,‬أو التدليس عليه‪,‬أو ممارسة سلطة اإلكراه عليه‪,‬وبالتالي فإن حسن‬
‫النية في مجال التعاقد يستوجب توفر شروط أساسية وهي‪ :‬انتفاء الخطأ العمد‪-,‬‬
‫انتفاء التعسف في استعمال الحق‪-,‬انتفاء الخطأ الجسيم‪.‬‬
‫ومن هنا فإن نظرية عيوب الرضا تتصل اتصاال وثيقا بنظرية سلطان‬
‫اإلرادة‪,‬وتتصل كذلك بمبدأ حسن النية الذي نصت عليه معظم الدول في‬
‫تشريعاتها‪,‬بل األكثر من هذا أن عيوب الرضا ترتكز في أساسها على نظرية‬
‫سلطان اإلرادة ومبدأ حسن النية من خالل القول أن الرضا إذا لم يكن حرا يقع‬
‫باطال‪.‬‬
‫وإذا كانت النظرة األولى إلى نظريات عيوب الرضا توحي بإمكانية عالج‬
‫مشكالت اختالل التزامات العقد‪,‬إال أن النظرة المتفحصة لعيوب اإلرادة يستنتج‬
‫منها عدم جدواها في توفير مناخ مالئم لتأكيد صحة رضا الطرف األقل كفاءة‬
‫من إمكانية وقوعه في غلط أو تدليس أو إكراه أو غبن أو استغالل أو ما شابه‬
‫ذلك‪.‬وهذا القول كذلك يزكيه عدم أخذ المشرع بنظرية حديثة دخلت مجال‬
‫القانون تحت تأثير اعتبارات أخالقية واجتماعية ‪,‬وعلى هذا األساس يعتبر الغبن‬
‫مثال‪,‬مظهرا من مظاهر الضعف في إرادة المتعاقد المغبون تستوجب حماية هذا‬
‫األخير من استغالل اآلخر ‪,‬وكذلك مسألة الشروط التعسفية التي تفرض على‬
‫المستهلكين ‪ ,‬والتي يقعون ضحية لها تحت تأثير حاجتهم إلى التعاقد‪.‬‬
‫الخالصة أنه يجب التوسع مهما أمكن في عيوب الرضا التقليدية ألنها تظل غير‬
‫كافية لحماية المستهلك ‪,‬خصوصاوأن مجال العالقات االقتصادية في توسع‬
‫مستمر‪,‬وهو األمر الذي يدعونا للقول بضرورة فتح الباب أمام قوانين‬
‫خاصة‪,‬وكذلك أمام االجتهاد القضائي لمسايرة التطور الذي حدث في هذا‬
‫المجال‪,‬خصوصا وأن التجربة قد بينت من خالل ما جاء في عيوب اإلرادة التي‬
‫يتضمنها قانون االلتزامات والعقود المغربي عدم فعاليتها في توفير مناخ مالئم‬
‫لتأكيد صحة إرادة المستهلك ‪,‬فالمؤثرات الحقيقية التي تدفع بالمستهلك نحو‬
‫التعاقد في وضع يميل فيه ميزان االلتزامات التعاقدية إلى ما يحقق مصلحة‬
‫المهني ال تعتبر عيوبا لإلرادة‪,‬وهي على الخصوص احتياج المستهلك إلى‬
‫التعاقد للحصول على السلع والخدمات من جهة ‪,‬وضعف قدراته وعدم خبرته‬
‫من جهة ثانية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫سبل مواجهة الشروط التعسفية‪:‬‬
‫إن مواجهة الشروط التعسفية تمثل حماية للمستهلك‪,‬والختياراته ‪,‬ورغباته‪,‬وهي‬
‫في نفس اآلن حماية للحياة التجارية واالقتصاد برمته‪,‬على اعتبار ان المستهلك‬
‫طرفا رئيسيا في العالقة التعاقدية ‪,‬وتتم مواجهة الشروط التعسفية في مجال‬
‫االستهالك عبر مستويات عديدة نذكر منها مثال‪:‬‬
‫‪-‬إعطاء‪ I‬المستهلك صورة واضحة عن العقد المراد إبرامه‪,‬وإبراز ما يحتويه‬
‫العقد من شروط تقع على عاتق المستهلك إبرازا دقيقيا‪.‬‬
‫‪-‬إغالق المجال أمام المنتج المحترف الستغالل ما يتمتع به من قدرات ‪,‬وذلك‬
‫بفرض شروط تعسفية يكون المستهلك ضحية لها‪.‬‬
‫وانطالقا من ذلك سنعرض في المطلب األول من هذا المبحث السبل لمواجهة‬
‫الشروط التعسفية في إطار ما تنص عليه القواعد العامة على أن نخصص‬
‫المطلب الثاني لما تتضمنه القواعد الخاصة بهذا الشأن‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مواجهة الشروط التعسفية في إطار القواعد العامة‪:‬‬
‫سبقت اإلشارة إلى القول بأن القواعد العامة للقانون‪ I‬المدني تهيمن عليها فلسفة‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة‪,‬أي أن االلتزامات الناشئة عن العقد هي شريعة‬
‫المتعاقدين‪,‬ويترتب عن ذلك أن االلتزامات الناشئة عن المتعاقدين تعد‬
‫قانونا ‪,‬وبالتالي ال يمكن للفرد أن يتحلل من التزام كان طرفا فيه مادام أن هذا‬
‫االلتزام يعد في حد ذاته قانونا‪,‬كما يترتب عن ذلك أنه يمتنع على القاضي أن‬
‫يتدخل في تعديل العقد طالما كانت عباراته وشروطه واضحة وصريحة وال‬
‫يعتريها أي غموض‪,‬وطالما كذلك أن شروط العقد غير مخالفة للنظام العام في‬
‫المجتمع ‪,‬ولكن هذا القول ال يمنعنا من طرح تساؤل جوهري‪,‬وهو إذا كان‬
‫القاضي يمنع عليه التدخل في مضمون العقد‪,‬فهل يعني ذلك عدم التدخل في‬
‫تفسير هذا المضمون خاصة عندما تكون إرادة األطراف غير واضحة؟ وهل‬
‫تدخلت التشريعات المقارنة في تفسير هذا المضمون حتى يخلق نوعا من‬
‫التوازن في العقد؟‬
‫لإلجابة سنتطرق للحديث عما يحتويه القانون الفرنسي ‪,‬و كذا قانون االلتزامات‬
‫والعقود المغربي‪,‬وذلك في الفقرتين اآلتيتين‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪:‬الوضع في القانون المدني الفرنسي‪:‬‬
‫من النصوص التي وردت في القانون المدني الفرنسي‪,‬والتي اعتمد فيها القضاء‬
‫الفرنسي من أجل إقرار العدالة التعاقدية في إبرام العقود عامة‪,‬وعقود‬
‫االستهالك بصفة خاصة‪,‬نجد المادة ‪,1162‬والتي تسمح للقضاء بتفسير الشك‬
‫في عبارات العقد لمصلحة المدين‪,‬والشك هنا يعني عدم إمكانية تحديد النية‬
‫المشتركة ألطراف العقد ‪,‬فالشروط التعسفية غالبا ما تكون في العقد غامضة‬
‫وغير واضحة يلجأ إليها فيها المهني المحترف إلى استعمال مفردات تجعل من‬
‫الصعب على المستهلك أن يدرك مقصدها ألنها غير محددة المعاني بشكل‬
‫دقيق‪...‬‬
‫وينبني مبدأ‪-‬تفسير الشك لمصلحة المدني‪-‬على أساس قاعدة‪-‬األصل في اإلنسان‬
‫البراءة‪-‬أي أن األصل في اإلنسان هي براءة الذمة‪,‬فإذا وجد من يدعي خالفا‬
‫لهذا األصل أن يثبت ذلك‪,‬وهذا ما يفتح للقاضي إمكانية تفسير العقد‪.‬‬
‫وإذا كان األصل في تفسير العقود بوجه عام ‪,‬يتم بالحث عن القصد المشترك‬
‫للمتعاقدين‪,‬فإنه من الالزم عند تفسير عقود اإلذعان احترام هذا األصل‬
‫العام‪,‬وباعتبار أن عقود االستهالك أضحت نموذجا لعقود اإلذعان فإن مثل هذه‬
‫العقود تستغل فيها الثقة‪,‬أي ثقة المذعن في المشترط الذي ينفرد وحده بوضع‬
‫بنود المشارطة‪,‬فيخون هذه الثقة إما بطريقة عمدية أو غير عمدية‪,‬وحتى ال يقع‬
‫المستهلك في غلط يدفعه إلى التعاقد‪ ,‬رتب القضاء الفرنسي التزاما على عاتق‬
‫الموجب‪,‬ذلك عندما تكون عبارات النص غير دقيقة‪,‬فألزمه بتقديم المعلومات‬
‫الكافية إلعالم الطرف اآلخر أي المذعن‪.‬‬
‫وعندما يكون عقد اإلذعان معقدا وصعبا على القراءة فإن الطرف المذعن‬
‫(المستهلك)‪,‬الذي ال يكون لديه بوجه عام ‪,‬ال الوقت وال المقدرة الالزمين‬
‫لقراءته يعول على حسن نية المشترك وعلى تأكيداته‪,‬ولذلك يجب على المشترط‬
‫أن يزود الطرف المذعن باإليضاحات الالزمة‪,‬وبإزالة كل غموض محتمل في‬
‫العقد وهذا ما أكدته محكمة ‪ ,Renne‬عندما ألغت قرارا صادرا عن محكمة‬
‫‪.Vitre‬‬
‫ورغم هذه الحلول التي توصل إليها القضاء الفرنسي‪,‬والتي تهدف إلى خلق نوع‬
‫من التوازن في العالقات التعاقدية اعتمادا على العامة الواردة في القانون‬
‫المدني‪,‬نالحظ أن هذه القواعد جاءت في غياب نصوص خاصة بحماية‬
‫المستهلك باعتباره الطرف الضعيف لذلك حاول القضاء االجتهاد في إطار هذه‬
‫القواعد حيث صدرت العديد من القوانين الخاصة‪,‬ابتداءا من سنة ‪ 1972‬تهتم‬
‫بالمستهلك وبحمايته من الشروط التعسفية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪:‬الوضع في قانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي‪:‬‬
‫إن اإلتجاه التقليدي لمبدأ سلطان اإلرادة كما هو معروف ال يخول للقاضي أي‬
‫دور في تعديل العقود ‪ ,‬بل هو ملزم باحترام الرابطة التعاقدية ‪,‬وبالتالي ال يجوز‬
‫للقاضي تصحيح شروط العقد ‪,‬بل إن مهمته تتجلى في السهر على تنفيذه‪,‬وذلك‬
‫ما ينص عليه الفصل ‪ 230‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬‬
‫إال أنه بالرغم من موقف سلطان اإلرادة بشأن دور القاضي في هذا‬
‫المجال‪,‬واستنادا على اعتبارات اقتصادية ‪,‬وتحقيقا لروح العدالة في إبرام العقود‬
‫بوجه عام‪,‬سمح المشرع للقاضي في حاالت معينة بالتدخل في العالقات التعاقدية‬
‫‪,‬حيث نجد مجموعة من النصوص في ق‪.‬ل‪.‬ع تدعم ذلك نذكر مثال‪:‬‬
‫الفصالن ‪ 54‬و‪ 878‬من ق‪.‬ل‪.‬ع ‪,‬اللذان يعالجان حالة من حاالت الغبن‬
‫االستغاللي‪,‬حيث يستغل فيها أحد المتعاقدين مرض أو ضعف أو طيش المتعاقد‬
‫اآلخر ويدفعه إلى التعاقد على نحو يختل معه ميزان ما يحصل عليه أحد‬
‫المتعاقدين مقابل ما يعطيه لآلخر ‪,‬فالعقد هنا يكون صحيحا من الناحية‬
‫الشكلية ‪,‬ومن حيث التكوين ‪,‬لكن الفرق يكمن في اختالل التوازن في‬
‫المقابل ‪ ,‬ولذلك فقد خول المشرع للقاضي الحق في إيطال العقد حسب سلطته‬
‫وتقديره‪,‬وهذا ما يستفاد من صريح الفصل ‪ 54‬الذي ينص على أن "أسباب‬
‫اإلبطال المبنية على حاالت المرض والحاالت األخرى المشابهة المتروكة لتقدير‬
‫القاضي"‬
‫وبموجب الفقرة الثانية من الفصل الثاني من ظهير ‪ 25‬دجنبر ‪ 1980‬المتعلق‬
‫بالكراء السكني والمهني‪,‬أصبح للقاضي حق التدخل لمراجعة الوجيبة‬
‫الكرائية‪,‬وهذه الفقرة تنص على أنه "لكل مكتر الحق في المطالبة بمراجعة‬
‫الوجيبة الكرائية أمام القضاء داخل أجل ثالثة أشهر من تاريخ إبرام العقد‪,‬إذا‬
‫اعتبر أن وجيبة الكراء ال تتناسب بشكل واضح مع المردودية المشروعة لرأس‬
‫المال‪.‬‬
‫ومن المقتضيات القانونية التي يمكن اتخاذها سبيال لمواجهة الشروط التعسفية‬
‫نجد الفصل ‪ 112‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪.‬الذي يبطل االلتزام إذا كان وجوده معلقا على‬
‫أرض إرادة الملتزم‪,‬أو ما يعرف بالشرط اإلرادي‪,‬وكذلك الفصل ‪ 487‬من‬
‫ق‪.‬ل‪.‬ع الذي يشترط أن يكون الثمن الذي ينعقد عليه البيع معينا وال يسوغ أن‬
‫يعهد بتعيينه إلى أحد من الغير ‪,‬كما أنه ال يسوغ أن يقع الشراء بالثمن الذي‬
‫اشترى به الغير ما لم يكن هذا الثمن معروفا من المتعاقدين‪.‬‬
‫وإذا كان المشرع لم ينظم عقد اإلذعان ‪,‬وبالتالي لم يوفر الحماية الالزمة‬
‫للطرف المذعن من الشروط التعسفية ‪,‬فإن هذا ال يمنع القضاء في انتظار إقرار‬
‫قانون االستهالك من القيام بدور إيجابي لحماية المستهلك‪.‬‬
‫إال أن أفضل عالج لمقاومة الشروط التعسفية هو ما قاله األستاذ عبد الرزاق‬
‫السنهوري تقوية الجانب الضعيف حتى ال يستغله الجانب القوي‪,‬ويكون‪ I‬ذلك‬
‫بإحدى وسيلتين أو بهما معا‪:‬‬
‫الوسيلة األولى‪ :‬وسيلة اقتصادية‪,‬أي أن يجمع المستهلكون ويتعاونون على‬
‫مقاومة التعسف الصادر من جانب المحتكر‪.‬‬
‫الوسيلة الثانية‪ :‬وسيلة تشريعية ‪,‬أي أن يتدخل المشرع ال القاضي لتنظيم عقود‬
‫اإلذعان‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مواجهة الشروط التعسفية في إطار القواعد الخاصة‪:‬‬
‫نسلط الضوء في إطار هذا المطلب على سبل مواجهة الشروط التعسفية في‬
‫إطار قانون االستهالك الفرنسي (الفقرة األولى)‪,‬ثم بعد ذلك نتطرق إلى ما جاء‬
‫به مشرعنا المغربي في مجال الشروط التعسفية (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪:‬مقاومة الشروط التعسفية في قانون االستهالك الفرنسي‪:‬‬
‫تتنوع أساليب مقاومة الشروط التعسفية‪,‬وعموما يمكن الحديث عن ثالث‬
‫أساليب قانونية مختلفة وهي‪:‬‬
‫األسلوب األول‪ :‬يعطي للقاضي سلطة إبطال العقد إذا قدر الشروط التي يتضمنها‬
‫هذا العقد تعد تعسفية في حق المستهلك‪.‬‬
‫األسلوب الثاني‪ :‬يتمثل هذا األسلوب في ضرورة إعداد قائمة من الشروط التي‬
‫تعد تعسفية ‪,‬والتي يتم تحديدها مسبقا من طرف القانون على سبيل‬
‫الحصر‪,‬ويكون الجزاء المترتب عنها هو البطالن المطلق‪.‬‬
‫األسلوب الثالث‪ :‬يقوم على أساس الجمع بين األسلوبين األولين‪,‬أي أنه يتيح‬
‫للقاضي سلطة تقدير الشروط التي تعد تعسفية‪,‬وفي نفس الوقت يشير إلى‬
‫ضرورة تحديد قائمة مسبقة للشروط التعسفية‪.‬‬
‫من خالل هذه األساليب الثالثة نالحظ أن األسلوب األول رغم كونه يتسم‬
‫بالبساطة والسهولة ‪,‬إال أن العيب فيه يكمن في إساءة استعمال القضاء‬
‫لسلتطهم التقديرية‪,‬أما األسلوب الثاني فإنه يتسم بالجمود ألنه ال يساير ما يمكن‬
‫أن يحصل من تطور على المستوى االقتصادي واالجتماعي ‪,‬أما األسلوب الثالث‬
‫واألخير فإنه قد يحقق فعالية أكثر ألنه يجمع بين مزايا األسلوبين األولين فبماذا‬
‫أخذ المشرع الفرنسي؟‬
‫أخد المشرع الفرنسي باألسلوب الثاني‪,‬وذلك حسب مقتضيات المادة ‪ 132‬من‬
‫قانون االستهالك الفرنسي التي تنص على أن تحديد الشروط التعسفية يتم‬
‫بمرسوم يصدر عن مجلس الدولة بعد استشارة لجنة الشروط التعسفية‪.‬‬
‫إن المراسيم التي تصدر عن مجلس الدولة الفرنسي تفرض على األطراف‬
‫والقضاة‪,‬فهي نوع من اللوائح‪,‬لكن يالحظ أنه منذ إقرار هذا النظام لم يصدر إال‬
‫مرسوم واحد بتاريخ ‪ 24‬مارس ‪,1978‬ويهم هذا المرسوم ثالثة أنواع من‬
‫الشروط وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الشروط المعفية او المحددة لمسؤولية المهني في عقود البيع مع إبعاد عقود‬
‫أداء الخدمات‪.‬‬
‫‪ -‬الشروط التي تعطي للمهني الحق في أن يعدل من جانبه فقط خصائص السلعة‬
‫أو الخدمة المطلوبة( مثال ذلك عقود السيارات ‪,‬وعقود بيع أثاث المنازل‪.)...‬‬
‫‪ -‬شروط الضمان التعاقدي التي ال تنص على وجود الضمان القانوني للعيوب‬
‫الخفية‪.‬‬
‫وقد أضيف إلى قانون االستهالك الفرنسي سنة ‪ 1955‬ملحق يتعلق بقائمة‬
‫بيانية ‪,‬وليست حصرية تتضمن الشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية كما‬
‫يتضمن الملحق جزءا ثانيا يتعلق باستبعاد بعض الشروط من دائرة الشروط‬
‫التعسفية‪.‬‬
‫وإلى جانب مجلس الدولة الفرنسي أنشأ قانون ‪ 10‬يناير ‪ 1978‬لجنة الشروط‬
‫التعسفية في نماذج العقود المقترحة من طرف المهنيين على جمهور‬
‫المستهلكين‪.‬‬
‫لكن في إطار كل ما قلناه البد من أن نطرح السؤال التالي‪ :‬ما هي المكانة التي‬
‫يحتلها القضاء في هذا النظام؟‬
‫شهدت المناقشات التي سبقت التصويت على قانون ‪,1978‬رفض المشرع‬
‫الفرنسي منح القضاة سلطة تحديد األوصاف التعسفية للشرط‪,‬لكن أمام إلحاح‬
‫السلطة التنفيذية تقرر للقضاة هذا الحق ‪,‬إلى أن استقر األمر على اعتراف‬
‫محكمة النقض الفرنسية للقضاة بعد تردد كبير سنة ‪ 1991‬بحقهم في التصريح‬
‫بالشروط التعسفية‪,‬هذا الحل تم األخذ به في تعديل ‪.1995‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مقاومة الشروط التعسفية في إطار مشروع قانون االستهالك‬


‫المغربي‪:‬‬
‫هذا القانون يمكن اعتباره نسخة طبق األصل لقانون االستهالك الفرنسي‪,‬ألنه‬
‫يستمد منه أغلب مقتضياته‪,‬وقد أخذ فيه مشرعنا المغربي لما توصل إليه‬
‫المشرع الفرنسي‪,‬فعلى غرار مجلس الدولة الفرنسي هناك في القانون المغربي‬
‫ما يعرف بالمجلس الوطني لالستهالك تتجلى‬
‫مهمته األساسية بإصدار الئحة بيانية للشروط التي يمكن اعتبارها تعسفية‪,‬كما‬
‫اقترحت المادة ‪ 100‬من مشروع قانون االستهالك إحداث لجنة متخصصة في‬
‫الشروط التعسفية على شاكلة لجنة الشروط التعسفية الفرنسية‪,‬وهذه اللجنة‬
‫المتخصصة لها وظيفة استشارية باألساس ‪,‬حيث يتم استشارها من طرف‬
‫المجلس الوطني لالستهالك‪.‬‬
‫لكن هناك اختالف جوهري فيما يخص القوة الملزمة للمراسيم التي تصدر عن‬
‫المجلسين (أي مجلس الدولة الفرنسي‪,‬والمجلس الوطني لالستهالك)‪,‬فإذا كانت‬
‫المراسيم التي تصدر عن مجلس الدولة الفرنسي‪,‬والتي تضم الشروط التي يمكن‬
‫أن تعد تعسفية تعتبر ملزمة بالنسبة للقاضي وأطراف العقد‪,‬فإن اللوائح البيانية‬
‫التي تصدر عن المجلس الوطني لالستهالك لم يوضح فيها المشرع مدى تمتعها‬
‫بالقوة اإللزامية ‪,‬وهي مسألة تثير جدال كبيرا‪.‬‬
‫وتجنبا للوقوع في سلبيات قانون االستهالك الفرنسي قبل تعديل فاتح فبراير‬
‫‪ 1995‬أعطى المشرع المغربي السلطة التقديرية للقضاء في تحديد الطابع‬
‫التعسفي لكل شرط‪,‬وتكييف الشروط التي يمكن أن تكون تعسفية توقع المستهلك‬
‫ضحية لها‪,‬وبالتالي الحكم بإبطالها‪,‬أي إبطال الشرط التعسفي مع اإلبقاء على‬
‫العقد قائما ومنتبها آلثاره‪,‬ولكن مع ذلك فرغم هذه االختصاصات الممنوحة‬
‫للقضاء في مسألة تكييف الشرط التعسفي‪,‬فإنها مع ذلك مقيدة بالتعريف الذي‬
‫وضعه المشرع للشرط التعسفي الذي جاء به مشروع قانون االستهالك‬
‫الفرنسي‪.‬‬
‫من خالل ما سبق يمكن القول إن العقود النموذجية التي يتم تحريرها من قبل‬
‫المهني غالبا ما تتضمن شروطا تعسفية‪,‬والشك أن أحسن حماية يمكن توفيرها‬
‫على المستوى القانوني للمستهلك هي وقايته من الوقوع ضحية هذه‬
‫الشروط‪,‬وفي غياب تام لهذا المنطق من الحماية في القانون المدني فإنه على‬
‫األقل يجب تمكين المستهلك من الوسائل التي تساعده على معرفة فحوى‬
‫الشروط التي يتضمنها العقد الذي يوقع عليه‪,‬خاصة وأن عقود االستهالك‪ I‬تزداد‬
‫أهمية اليوم مع السرعة التي يشهدها تطور مجال السلع والخدمات‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬
‫الطرق الواقعية أو الفعلية لحماية رضا المستهلك‪:‬‬
‫بعدما تطرقنا في الفصل األول لما تنص عليه القواعد العامة والخاصة‪,‬حول‬
‫مسألة حماية رضا المستهلك‪,‬ارتأينا في إطار هذا الفصل التطرق لمسألة ال تقل‬
‫أهمية‪,‬وتتعلق بإبراز الطرق الواقعية أو الفعلية التي من شأنها حماية رضا‬
‫المستهلك‪,‬وقد كان هذا االختيار في نظري نتيجة لتزايد نسب األخطار واألضرار‬
‫التي يمكن أن يقع ضحية لها في كل وقت وحين‪,‬نظرا لما تعرفه السلع‬
‫والخدمات من تطور ونمو في مختلف المجاالت االقتصادية واإلنتاجية‪.‬‬
‫وقد ارتأينا تفصيل هذا الفصل إلى ثالثة مباحث نتعرض لها كاآلتي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬إجراءات حماية رضا المستهلك‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مسؤولية المنتج اتجاه المستهلك والطبيب اتجاه المريض عن‬
‫األضرار التي تلحقهما‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬دور هيئات الرقابة في حماية المستهلك‪.‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫إجراءات حماية رضا المستهلك‪:‬‬
‫ما من شك في أن ضمان حماية فعالة‪,‬يجب أن ينطلق بوضع إجراءات من‬
‫شأنها أن تكفل وتحقق هذا الهدف‪,‬وأن حماية رضا المستهلك يقتضي بالضرورة‬
‫منحه فرصة للتفكير والتروي‪,‬ومنحه أجال للتدارك من كل ما يمكن أن يقع فيه‬
‫من استدراك (المطلب األول)‪,‬وكذلك زجر كل غش وخداع ومعاقبة الخطاب‬
‫االشهاري المضلل (المطلب الثاني )‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬منح المستهلك فرصة للتفكير وأجال للتدارك‪:‬‬
‫تنبه المشروع إلى وجود ممارسات تعتمد باألساس أسلوب استدراج المستهلك‬
‫وإلزامه بإبرام عقد ما كان ليبرمه لو كان رضاءه سليما‪,‬وبالتالي عمل المشرع‬
‫على منحه فرصة للتروي والتفكير من أجل إبرام العقد‪,‬حيث نص على مجموعة‬
‫من األحكام خاصة بعقود محددة‪,‬وذلك من أجل مساعدة المستهلك‪,‬ومن‪ I‬هذه‬
‫العقود التي خصها المشرع بهذه األحكام نذكر أساسا‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬البيع في محل اإلقامة أو البيع المصفقي‪:‬‬
‫البيع في محل اإلقامة أو البيع المصفقي هو تقنية تجارية تقتضي سعي المهني‬
‫إلى محل إقامة المستهلك أو مقر عمله أو بصفة أعم إلى أي مكان آخر غير‬
‫مخصص بطبيعته لممارسة التجارة‪,‬ليعرض عليه اكتساب أموال أو تقديم خدمة‬
‫بمقابل‪.‬‬
‫من هذا التعريف نستنتج أنه في البيع المصفقي‪,‬يستغل المهني ما يمكن أن يقع‬
‫فيه المستهلك من تسرع ‪ ,‬فيقوم هذا األخير تحت تأثير إغراءات المهني بإبرام‬
‫العقد‪,‬وبالنظر إلى وجود خشية أن يكون المستهلك قد وافق على الصفقة تحت‬
‫تأثير هذه اإلغراءات‪,‬وأن يكون المهني قد دفعه إلى التسرع في إبرام العقد‪,‬فإن‬
‫الفصل ‪ 46‬من مشروع قانون حماية المستهلك يشترط في العمليات ان تتم عن‬
‫طريق السعي المصفقي أن ترد في عقد مكتوب‪,‬وأن يمكن المستهلك بنسخة منه‬
‫حال إبرامه‪.‬وأضاف إلى ذلك أن من حق المستهلك وفقا لمقتضيات الفصل ‪47‬‬
‫أن يعدل عن اتفاقه ‪,‬ويتراجع عن إبرام العقد خالل ‪ 7‬أيام من تاريخ الطلبية أو‬
‫االلتزام بالشراء‪,‬وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع اإلشعار بالتوصل‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬القرض االستهالكي‪:‬‬
‫ازدادت أهمية االهتمام بهذا النوع من القروض نتيجة التوسع الملحوظ‬
‫للشركات المقرضة‪,‬وبالتالي تضرر مصلحة المتعاملين مع هذه الشركات‪,‬وتعالي‬
‫األصوات المنددة بأنشطتها‪,‬وتسري األحكام الخاصة بهذا النوع من القروض‬
‫على جميع القروض التي يقدها المهني للمستهلك‪,‬ماعدا القروض العقارية التي‬
‫تخرج عن هذا اإلطار بمقتضى الفصل ‪ 61‬من المشروع‪.‬‬
‫وحتى يكون قبول المستهلك لبنود القرض االستهالكي صحيحا يجب ان يتم ذلك‬
‫عن بينة وتفكير منه ‪,‬لذلك اتجه الفصل ‪ 65‬من المشروع إلى النص على ما‬
‫يلي‪ :‬يستلزم في العرض األولي للقرض ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬أن يكون مصاغا بطريقة واضحة ال لبس فيها وال غموض‪.‬‬
‫‪-‬أن يتضمن تعريفا وافيا بأطراف العقد‪.‬‬
‫‪-‬أن يحدد بالوضوح الالزم مبلغ القرض‪,‬وكيفية تمكين المقترض منه وأشطره‬
‫وقيمة القرض‪...‬‬
‫وألن نسبة اإلغراء في هذا النوع من القروض تكون كبيرة‪,‬ونظرا لحاجة‬
‫المستهلكين في قبول هذه اإلغراءات ‪,‬كان البد من المشروع أن يحتاط لحاالت‬
‫التسرع في توقيع وقبول العقود االستهالكية عموما‪,‬وعقود القرض بصفة‬
‫خاصة‪,‬حيث أقر ونص على مجموعة من اإلجراءات من أجل سالمة رضا‬
‫المستهلك‪,‬وهي‪ I‬إجراءات ثنائية الطابع‪,‬تتلخص‪ I‬في‪:‬‬
‫أ‪ -‬إجراءات ذات طابع وقائي‪:‬‬
‫وهي المهلة التي يخولها القانون للمستهلك من أجل التروي والتفكير في‬
‫اإليجاب قبل إعالنه القبول خالفا لألصل العام المقرر في قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪,‬والتي تقتضي بسقوط اإليجاب إذا لم يرتبط به قبول فورا‪,‬وقبل‬
‫انفضاض مجلس العقد‪.‬‬
‫ب‪-‬إجراءات ذات طابع عالجي‪:‬‬
‫وهي تمكين المستهلك من العدول عن قبوله بعد تمام اقترانه باإليجاب‪,‬خالل أجل‬
‫معين يعبر عنه بمهلة التدارك أو االستدراك‪,‬وذلك خالفا للنظرية العامة في العقد‬
‫والتي تقول بأن العقد شريعة المتعاقدين‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬زجر الغش والخداع ومعاقبة اإلشهار المضلل‪:‬‬
‫الخداع هو الوسائل االحتيالية التي يستعملها الشخص ليوقع غيره في‬
‫الغلط‪,‬وهو كطريقة الرتكاب الغش‪,‬كل ما يؤدي إلى اعتقاد المشتري بأن التعاقد‬
‫وقع على الشيء المصرح به‪,‬بمعنى أن البائع يمارس أسالية احتيالية تدعو إلى‬
‫االعتقاد بأن الشيء موضوع التعاقد بالرغم من مخالفته لحقيقته مطابقا لتلك‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫وقد جاء في الفصل األول من الفقرة األولى من قانون الزجر عن الغش في‬
‫البضائع ما يلي‪ ":‬يعد مرتكبا للغش عن طريق الخداع أو التزييف كل من غالط‬
‫المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الشيء المصرح به‪,‬وقام خرقا ألحكام هذا‬
‫القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه او خالفا لألعراف‪ I‬المهنية‬
‫والتجارية‪,‬بعملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغييرها"‪.‬‬
‫ويعتبر من الغش أيضا كل من خادع المتعاقد أو حاول خداعه في ‪:‬‬
‫‪-‬ماهية البضاعة‪.‬‬
‫‪-‬نوع لبضاعة‪.‬‬
‫‪-‬كمية األشياء المصنوعة‪.‬‬
‫‪-‬هوية البضاعة‪.‬‬
‫وقد سلك الفصل العاشر من مسودة مشروع قانون حماية المستهلك نفس‬
‫المسلك‪.‬‬
‫وإذا كان ما قلناه يتعلق بالغش والخداع وضرورة التصدي له بكافة أنواعه‬
‫وصوره لتفعيل حماية أكثر للمستهلك فما موقع الخطاب اإلشهاري في هذا‬
‫المجال؟‬
‫أال يمكن أن يستغل الخطاب اإلشهاري في تضليل المستهلك‪,‬فيصبح بالتالي‬
‫وسيلة للتمويه ال وسيلة للتبصير؟‬
‫الواقع أن اإلشهار باعتباره تقنية تجارية كان على الدوام محل أخذ ورد‪,‬فقد‬
‫ينظر إليه على أنه وسيلة معتبرة إلعالم المستهلك وتبصيره‪,‬إذ يقتصر دوره‬
‫األساسي على تقريب المستهلك امام تعدد المنتوجات ليمارس خياراته بشكل‬
‫أفضل وعن سابق علم ومعرفة‪,‬لكن الواقع يكشف عدم جدوى الخطاب‬
‫اإلشهاري ألنه وسيلة للتمويه ال للتبصير‪.‬حيث تختلط فيه الحقيقة والمبالغة‬
‫والكذب في بعض األحيان‪,‬وبالتالي تتأثر تبعا لذلك اختيارات المستهلك ‪,‬فيصبح‬
‫رضاءه في اإلقبال على التعاقد معيبا وغير سليم لذلك ينبغي التعامل معه بكثير‬
‫من الحذر‪,‬وهو ما حدا بالتشريعات المتعلقة بحماية المستهلك إلى أن تولي‬
‫لإلشهار أهمية خاصة باعتباره وسيلة فعالة للتعريف بالمنتوج‪,‬وتقريب وجهة‬
‫نظر المستهلكين في عالقتهم بالمنتجين وكبار التجار المحترفين‪.‬حيث اعتبرت‬
‫أغلب التشريعات اإلشهار الكاذب‪,‬بل مجرد الخاطئ جريمة معاقب عليها‪,‬وهو‪I‬‬
‫نفس االتجاه الذي تبناه الفصل ‪ 30‬من مسودة المشروع المتعلق بحماية‬
‫المستهلك الذي يصنف اإلشهار الكاذب في كل إعالن تجاري يمكن مباشرة أو‬
‫صفة غير مباشرة‪,‬صراحة أو ضمنا من إيقاع المستهلك في غلط أو عدم الفهم‬
‫أو الخلط بشأن السلعة أو الخدمة‪,‬وسواء تم ذلك عن حسن نية أو سوء نية‪.‬‬
‫وهذه اإلجراءات السالفة الذكر ال تكتمل إال إذا كان رضا المستهلك سليما من‬
‫الشروط التعسفية التي تفرض من المهني على المستهلك‪,‬حيث يستغل فيها هذا‬
‫األخير بسبب ما يتمتع به الطرف اآلخر من تفوق في اإلمكانيات‪,‬وذلك كله من‬
‫أجل أن ال يكون هناك اختالل مبالغ فيه بين حقوق والتزامات أطراف العقد على‬
‫حساب الطرف المستهلك‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫مسؤولية المنتج اتجاه المستهلك والطبيب اتجاه المريض عن األضرار التي‬
‫تلحقهما‪:‬‬
‫عندما تكون المنتجات خطيرة‪,‬يكون المنتج ملزما بأن يتخذ كل ما يمكن من‬
‫االحتياطات التي من شأنها الحيلونة دون تحقق الخطر وحصول الضرر من‬
‫بعده‪.‬فإذا ما ثبت على المنتج تقصير في هذه الناحية كان مسؤوال عن تعويض‬
‫كل ما يحدث للمستهلك او المستعمل من أضرار‪,‬كذلك الشأن يمكن أن يقال عما‬
‫يمكن أن يصاب به المريض من ضرر جراء خطأ الطبيب ‪,‬ومن ثم ما قد ينشأ‬
‫عن ذلك من مسؤولية في كلتا الحالتين‪,‬سواء تعلق األمر بمسؤولية الطبيب أو‬
‫مسؤولية المنتج‪.‬‬
‫وباعتبار أن جريمة الغش في البضائع تعد أخطر الجرائم الماسة بصحة وسالمة‬
‫المستهلك‪,‬ارتأينا أن نتعرض لها من حيث تكييفها القانوني ومن خالل فعالية‬
‫الجزاء الجنائي بهذا الخصوص (المطلب الثاني) بعد أن ندرس في المطلب‬
‫األول مسألة ال تقل أهمية وتتعلق بإبراز مسؤولية المنتج في المجال‬
‫االستهالكي‪,‬والطبيب في المجال الطبي وفق ما تنص عليه القواعد العامة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مسؤولية المنتج في المجال االستهالكي والطبيب في المجال‬
‫الطبي‪:‬‬
‫سيكون من الصعب أن نتحدث عن مسؤولية المنتج أو الطبيب‪,‬إذا لم نتمكن من‬
‫إثبات خطئهما‪,‬فنحن نعرف أن قواعد المسؤولية تنبني على ثالثة أركان وركائز‬
‫أساسية ال يمكن تجاهلها‪,‬وهو وجود الخطأ‪,‬وتحقق‪ I‬الضرر‪,‬ووجود عالقة سببية‬
‫بين الخطأ والضرر‪,‬وإذا كانت هذه األركان واضحة وال تثير أي غموض‪,‬فإننا‬
‫اخترنا في إطار هذا المطلب أن نشرح مظاهر الخطأ التي يمكن أن تصدر عن‬
‫المنتج أو الطبيب‪,‬جراء إخالل األول بالتزامه باإلخبار أو اإلعالم (الفقرة‬
‫األولى)‪,‬وإخالل‪ I‬الطرف الثاني بواجبه بتبصير المريض (الفقرة الثانية) وما‬
‫يمكن أن يترتب عن ذلك من مسؤولية‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مسؤولية المنتج بسبب اإلخالل بواجب اإلخبار واإلعالم‪:‬‬
‫إن ما يجب أن يكون نصب عيني المنتج هو الحيلولة بكل السبل الممكنة‪,‬دون‬
‫تحقق ما يمكن ان تحتوي عليه المنتجات من أخطار يمكن أن تضر‬
‫بالمستهلك‪,‬فبموجب الفقرة األولى من المادة ‪ 11‬من قانون االستهالك الفرنسي‬
‫لسنة ‪ 1993‬فإن كل مهني يباشر بيع أموال أو تقديم خدمات‪,‬يلتزم بإعالم‬
‫المستهلك قبل إبرام العقد بالخصائص الجوهرية للبضاعة او الخدمة‪,‬وقد صدرت‬
‫عدة مراسيم تحدد آليات هذا اإلعالم وتوضيح كيفية تمامه سواء من حيث‬
‫تكوين المنتوج أو وزنه وتاريخ صالحيته وكيفية استعماله‪.‬‬
‫وكان قد ورد في الفصل الرابع من مسودة المشروع المغربي لقانون حماية‬
‫المستهلك أنه "يلتزم كل مهني يعرض أمواال للبيع‪,‬أو تقديم خدمات أن يبصر‬
‫المستهلك قبل تمام إبرام العقد بحيث تتاح له إمكانية العلم بالخصائص‬
‫الجوهرية للمال أو الخدمة‪,‬وذلك عن طريق جميع الوسائل المالئمة"‪.‬‬
‫أما المادة ‪ 47‬من قانون المنافسة فقد نصت على أنه "يجب على من يبيع‬
‫منتوجات أو يقدم خدمات أن يعلم المستهلك عن طريق وضع عالمة‪,‬أو‬
‫ملصق‪,‬أو إعالن وبأي طريقة مناسبة أخرى باألسعار‪,‬والشروط الخاصة للبيع‬
‫أو إلنجاز الخدمة‪.‬‬
‫تحدد إجراءات إعالم المستهلك بنص تنظيمي"‪.‬‬
‫وال شك أن المنتجات تتنوع وتختلف مما يجعل مسؤولية المنتج كذلك تختلف‬
‫حسب هذا المنتوج‪,‬فهناك منتجات خطيرة بحسب طبيعتها وهناك منتجات تكون‬
‫خطيرة بسبب عيب فيها‪.‬‬
‫أ‪ -‬بالنسبة للمنتجات الخطيرة حسب طبيعتها‪:‬‬
‫فإنه يقع على عاتق المنتج واجبا أساسيا يتعلق بضرورة إخبار المستعمل أو‬
‫المستهلك بطريقة االستعمال‪.‬حتى يمكن لهذا األخير أن ينتفع بها على أكمل وجه‬
‫ممكن‪,‬وحتى يتوخى من ناحية أخرى مخاطر استعمال خاطئ يمكن أن يؤدي إلى‬
‫اإلضرار به‪,‬كما يقع على عاتق المنتج بطبيعة الحال عبء إثبات قيامه بهذا‬
‫الواجب‪,‬وإال كان مسؤوال عما يمكن أن يقع للمستعمل من أضرار نتيجة‬
‫االستعمال الخاطئ‪.‬‬
‫وإذا قلنا من واجب المنتج أن يخبر المستعمل بطريقة االستعمال حسب هذا‬
‫النوع من المنتجات وفق الغرض المخصصة له‪,‬فإن المنتج يتحلل من‬
‫المسؤولية إذا ما تجاهل المستعمل الغرض المبين في طريقة‬
‫االستعمال‪,‬واستعمل السلعة في غرض آخر أدى إلى اإلضرار به‪.‬‬
‫غير أن هذا الوجه من وجوه اإلعالم أو اإلخبار ما يعاب عليه أنه ال يقدم حماية‬
‫لمستهلكي هذه المنتجات‪,‬لذلك يجب على المنتج من ناحية ثانية أن يبرز‬
‫للمستعمل اإلحتياطات التي يجب عليه أن يتخذها في استعماله لهذه‬
‫المنتجات‪,‬وتحذير إياه من خطورة االستعمال الخاطئ لها‪,‬أو من مخاطر عدم‬
‫اتخاذ هذه االحتياطات‪,‬ويبقى أن نشير أن االلتزام باإلخبار في هذا اإلطار هو‬
‫مجرد التزام بوسيلة‪,‬ألن المنتج ال يضمن بداهة للمستهلك عدم تحقق‬
‫الخطر‪,‬فالمنتجات حسب طبيعتها تختلف فهناك منتجات تستخدم خالل مدة معينة‬
‫وإال فقدت صالحيتها‪,‬فهنا يلقى على عاتق المنتج عبء بيان مدة الصالحية‬
‫وحدود االستعمال (مثل األدوية) وهناك كذلك منتجات تأتي معبأة في عبوات‬
‫مغلقة‪...‬‬
‫ب‪ -‬بالنسبة للمنتجات الخطيرة بسبب عيب فيها‪:‬‬
‫وهي منتجات ليست خطيرة بطبيعتها إنما مكمن الخطورة هو ما يشوبها من‬
‫عيب فني‪,‬أي أن هذا النوع من المنتجات يخرج معيبا‪,‬وهذا العيب هو الذي يزيد‬
‫من خطورتها على المستهلك ‪,‬حيث أن هذا األخير كما هو معلوم‪,‬يقبل على‬
‫شراء مثل هذا النوع من المنتجات مفترضا سالمتها من الناحية الفنية‪,‬وهو‬
‫افتراض مبرر ألن المستهلك ليس في إمكانه أن يعرف مكمن العيب في‬
‫المنتوج‪,‬وبالتالي فهو ال يسأل هنا إلهماله أو عدم تبصره‪,‬فالمسؤولية هنا تقع‬
‫على عاتق المنتج كشخص متخصص مفروض فيه فضال عن إلمامه بأصول‬
‫الفن الصناعي وقواعده أنه لديه مهارة قصوى في سبيل إخراج منتجاته على‬
‫أكمل وجه‪,‬سليما من الناحية الفنية وذلك حتى ال يتضرر المستهلك من جراء‬
‫ذلك‪.‬‬
‫كما يدخل في هذا اإلطار كذلك مايكون من المنتجات خطيرا بطبيعته لكنه يصبح‬
‫أكثر خطورة بفعل ما ينطوي عليه من عيب‪,‬وبالتالي يصبح التزام المنتج‬
‫بواجبه في اإلخبار أو اإلعالم أو التحذير من الخطر غير معف بالضرورة من‬
‫المسؤولية إزاء ما يمكن أن يصيب المستهلك من أضرار‪,‬ومن ثم فإن اتباع‬
‫المستهلك لتحذير المنتج لن يقيه مع ذلك من احتمال تحقق الخطر‪,‬وبالتالي من‬
‫مسؤوليته إزاء هذه العيوب‪,‬فالضرر الذي نتحدث عنه هو الضرر الناتج عن‬
‫عيب فني والذي يصيب المستهلك باعتباره شخصا عاديا وغير متخصص‬
‫بمعرفة العيب الفني‪.‬‬
‫إن من واجب المنتج باعتباره شخصا متخصصا حتى يتدارك طرح منتجاته‬
‫معيبة في األسواق مما يمكن معه أن يضر بمصلحة المستهلكين أن يلتزم‬
‫الضوابط الفنية في اإلنتاج الذي يزاوله‪,‬وأن تخضع منتجاته للفحص الفني‬
‫الدقيق‪,‬وأن يجربها ما أمكن قبل أن تصل إلى أيدي المستهلكين‪,‬وأي تقصير من‬
‫جانبه في هذه الواجبات يمكن أن يعرضه للمسؤولية‪.‬‬
‫إجماال ال يمكن القول إن االلتزام باإلخبار واإلعالم أصبح اليوم من الحقوق‪I‬‬
‫األساسية للمستهلكين وأحد عوامل المنافسة الشريفة والمشروعة وذلك من‬
‫خالل ثالث ثوابت أساسية وهي‪:‬‬
‫‪-1‬ضعف المستهلكين اتجاه المحترفين‪.‬‬
‫‪-2‬حماية الطرف الضعيف كوظيفة رئيسية للقانون‪.‬‬
‫‪-3‬عجز القانون المدني الكالسيكي عن ضمان حماية فعالة للمستهلكين‪.‬‬
‫ويعد االلتزام باإلعالم إجراء حمائي لمصلحة المستهلكين ألنه ال يتعلق فقط‬
‫بالنسبة للمحترفين بالكشف عن خصائص السلعة أو الخدمة كشرط ضروري‬
‫لكي يمنح المستهلك أيضا فرصة إبرام عقد يستجيب لمتطلباته ورغباته من‬
‫جهة وإمكانيته المادية من جهة أخرى ‪,‬ألن إعالم المستهلكين يعني جعلهم‬
‫قادرين على حماية مصالحهم بأنفسهم‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مسؤولية الطبيب بسبب إخالله بواجبه بتبصير المريض‪:‬‬
‫التعبير عن الطب والطبيب‪,‬وصف لما يقوم به إنسان يفترض فيه العلم نحو‬
‫مريض يحتاج إلى هذا العلم‪,‬وسواء كان هذا العمل بأجر أو بدونه‪,‬فإنه ينشئ‬
‫بين الطبيب والمريض عالقة توجب طبيعتها التزام الطبيب بذل عناية في عمله‬
‫واستغالل علمه في سبيل عالج المريض بعد إذنه بذلك له مع حسن نيته في‬
‫العمل‪,‬كما توجب التزاما على المريض بقبول علم الطبيب وعالجه‪,‬ودفع أجره‬
‫إن كان عمله بأجر كما هو الغالب‪.‬‬
‫ال تتوقف العالقة على مجرد هذا االلتزام‪,‬بل كثيرا ما ينشأ عنها عالقة أخرى‬
‫هي ادعاء المريض بأن الطبيب قد أصابه بضرر من جراء طبه‪,‬ومن ثم ينشأ‬
‫عن ذلك بحث حول مدى مسؤولية الطبيب‪,‬وهل كان فعله يستند على علم أو أنه‬
‫يجهل الطب وأصوله‪.‬‬
‫إن موضوع مسؤولية الطبيب حسم فيها الفقه والقضاء المغربي‪,‬إال أن األمر‬
‫يختلف بالنسبة لاللتزام بالتبصر‪,‬حيث ال يوجد في المغرب أي اجتهاد قضائي في‬
‫الموضوع وبهذا أتساءل عن كيفية تعامل الفقه‪,‬وكذا القضاء المغربي مع‬
‫مسؤولية الطبيب جراء إخالله بالتزامه بتبصير المريض؟‬
‫إن قراءة في التشريع المغربي توضح اإلهمال الذي يلقاه موضوع المسؤولية‬
‫الطبية‪,‬حيث غيب تماما في ظهير ‪ 18‬يوليوز ‪ 1995‬بشأن التحاقن‪,‬وفي قانون‬
‫‪ 10i94‬بشأن ممارسة مهنة الطب وفي القانون الحالي المتعلق بأخذ وزرع‬
‫األعضاء‪,‬بينما ظهر ق‪.‬ل‪.‬ع في فصول ‪,83-82‬وقد تناول المسألة في سياق‬
‫عام لكن بأساليب جد مقيدة بحيث إذا أخذ بهذه النصوص فإن مزاولي المهن‬
‫الحرة ال يعتبرون مسؤولين إال في حالة سوء النية‪,‬الخطأ الجسيم أو في حالة‬
‫ضمان النتيجة‪.‬‬
‫في الميدان القضائي يذهب القضاء المغربي إلى أن التزامات الطبيب تجد لها‬
‫مصدرا خارج العقد‪,‬وحتى في الحالة التي أقر فيها الصفة التعاقدية للعالقة بين‬
‫الطبيب والمريض فإنه لم يكيفها على أساس الفصل ‪ 724‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪,‬وإنما‬
‫على أساس من طبيعة خاصة‪.‬‬
‫وقد عبر الدكاترة المغاربة المشاركون في أحد األيام الدراسية بفاس عن الفراغ‬
‫الذي يعانيه التشريع المغربي في مجال المسؤولية الطبية‪,‬حيث تناول الدكتور‬
‫شكيب النجاري أستاذ الطب االجتماعي وعلم األوبئة بكلية الطب بالدار البيضاء‬
‫موضوع المسؤولية من جهة نظر اجتماعية شمولية استنادا إلى مؤشرات‬
‫الصحة العمومية وتفاعلها مع المسؤولية الطبية‪,‬وكيف لهذه المسؤولية أن‬
‫ترقى بهذه المؤشرات أو تحط منها‪,‬وشدد على ضرورة الربط بين المؤشرات‬
‫االجتماعية للمرض داخل المجتمع والمسؤولية الناتجة عن ذلك‪,‬فمثال إذا يسجل‬
‫في المغرب ‪ 30‬ألف حالة جديدة من داء السل كما هو الحال خالل السنوات‬
‫األخيرة فإن هناك مسؤولية مهنية لألطباء في عدم التنبيه من أجل الوقاية‬
‫وتوجيه المرضى لالستشفاء من هذا الداء الفتاك‪...‬وفي األخير شدد األستاذ‬
‫شكيب النجاري على أهمية التكوين المستمر لألطباء‪ I‬في ميدان تخصصهم‬
‫ومجاالت مسؤوليتهم‪.‬‬
‫وأوضح األستاذ عبد هللا العزوزي‪ ,‬وفيصل العموم أنه ال يوجد في التشريع‬
‫المغربي نص قانوني صريح يتعرض لمسؤولية األطباء المدنية‪,‬كما أن القوانين‬
‫الخاصة بالمهنة لم تهتم هي الخرى بالموضوع‪ ,‬وإنما تعرضت للجزاءات‬
‫التأديبية التي ينبغي اتخادها من طرف الهيئة لكل من لم يحترم واجباته‬
‫ومسؤولياته‪.‬‬
‫ومن جهة أكد الطبيب عبد اللطيف الداودي ‪,‬رئيس هيئة األطباء للجهة الوسطى‬
‫الشمالية‪ ,‬أن دليل أخالقيات مهنة الطب في المغرب‪,‬يلزم األطباء بمختلف‬
‫تخصصاتهم‪ ,‬موضحا أن العالقات بين الطبيب والمريض إذا كان يحكمها في‬
‫السابق بند ضمير الطبيب وثقة المريض‪ ,‬فإن المريض في الوقت الحالي يطالب‬
‫بجودة الخدمات المقدمة له ‪.‬وأكد أنه في كل الحاالت يتحلل الطبيب من‬
‫المسؤولية‪,‬عندما يتضح أن ليس له نية إحداث الضرر‪,‬وأنه بذل عناية فنية‬
‫تقتضيها مهنته‪.‬‬
‫وقد رتب الفقهاء‪ I‬على ذلك أن الطبيب الجاهل إذا أوهم المريض بعلمه فأذن لهم‬
‫في عالجه لما ظن في علمه ومعرفته‪,‬فمات المريض أو أصابه تلف من جراء‬
‫العالج فإنه يلزم بدية النفس أو بتعويض التلف حسب األحوال‪.‬‬
‫ويذهب بعض الفقه اإلسالمي‪,‬إلى أنه متى تدخل الطبيب الجراح بدون إذن‬
‫المريض أو وليه وبدون ضرورة تستلزم العالج فإنه يصبح مسؤوال عن الضرر‬
‫الذي يمكن أن يترتب عن ذلك‪,‬فيكون بذلك قد خرج في عمله من دائرة اإلباحة‬
‫إلى دائرة التعدي وذلك حتى ال يضيع دم مسلم هذرا‪.‬‬
‫لكن على من يقع عبء اإلثبات في االلتزام بالتبصير؟‬
‫استقر القضاء على أنه يقع على عاتق المريض عبء إثبات إخالل طبيبه‬
‫بتبصيره‪,‬وهو ذات الرأي الذي ذهب إليه الفقه الفرنسي‪ ,‬إال أن المريض‬
‫بالضرورة سيلقى صعوبة في إثبات ذلك لسببين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬صمت الطبيب ومعاونيه‪.‬‬
‫‪-2‬صعوبة االستعانة بالخبراء الذين يواجهونه بصمت الطبيب حفاظا على السر‬
‫المهني‪.‬‬
‫لذلك نرى أنه يمكن للمريض أن يثبت ادعاءه بكافة وسائل اإلثبات وللقاضي‬
‫سلطة تقديرية في خلق التوازن بين المؤشرات والشواهد والقرائن‪.‬‬
‫يبقى أن نشير في األخير إلى أن الطبيب في كل األحوال ملزم بتبصير المريض‬
‫الذي ليس له أن يتنازل عن حقه في التبصير لمخالفة المر للنظام العام‪ ,‬بل إن‬
‫الطبيب إذا رفض مريضه سماع ما يتعلق بالعالج من مخاطر عليه أن ينسحب‬
‫من عالجه طالما أن هذا االنسحاب لن يعرض حياة المريض للخطر‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬جريمة الغش في البضائع وتكييفها القانوني من حيث الجزاء‪:‬‬
‫إن قانون الزجر عن الغش يعتمد على المبادئ العامة للقانون‪ I‬الجنائي‪,‬شأنه في‬
‫ذلك شأن جميع القوانين الجنائية الخاصة‪ ,‬ومن ثم فإن جريمة الغش البد‬
‫لقيامها من توافر أركان الجريمة المعروفة ‪ :‬وهي الركن القانوني والركن‬
‫المادي ‪,‬والركن المعنوي‪.‬‬
‫فما هي أركان جريمة الغش ؟ وكيف يتم تكييفها قانونيا ؟ وما فعالية الجزاء‬
‫الجنائي في وضع حدودها لها ؟‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أركان جريمة الغش‪:‬‬
‫البد لقيام جريمة الغش من توافر ثالثة أركان وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الركن القانوني‪:‬‬
‫يعبر عن هذا الركن بمبدأ " ال جريمة إال بنص" كما يعبر عنه كذلك بشرعية أو‬
‫قانونية التجريم‪,‬وهذا المبدأ هو مبدأ دستوري استقر في القوانين الزجرية‬
‫لجميع األنظمة الديموقراطية ‪,‬فالقانون هو الذي يحدد أفعال اإلنسان التي تعد‬
‫جرائم بسبب ما تحدثه من اضطراب اجتماعي‪ ,‬ويوجب زجر مرتكبيها بعقوبات‬
‫أو تدابير وقائية‪,‬فال يجوز مؤاخذة شخص على فعل ال يعد جريمة بصريح‬
‫القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون ضمانا ألي تعسف قد يتعرض له‬
‫الفرد من قبل السلطة باعتبارها الساهرة على تطبيق القانون وتنفيذه‪.‬‬
‫وإن قانون زجر الغش في البضائع الحالي المنظم بظهير ‪ 5‬أكتوبر‪ 1984‬ينص‬
‫في فصله األول على انه " يعتبر مرتكبا الغش عن طريق الخداع والتزييف كل‬
‫من غالط المتعاقد بوسيلة ما في جوهر أو كمية الشيء المصرح به‪,‬أو قام خرقا‬
‫ألحكام هذا القانون أو النصوص المتخذة لتطبيقه أو خالفا لألعراف المهنية او‬
‫التجارية بعملية تهدف عن طريق التدليس إلى تغييرهما "‪.‬‬
‫إذن الركن القانوني لجريمة الغش يتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬نص قانون الزجر عن الغش في البضائع‪ :‬وهو القانون‪ I‬الذي يتضمن تحديد‬
‫جرائم الغش ويضع لها عقوبتها ‪,‬وتدابير وقاية عينية وشخصية‪,‬سواء ضمن‬
‫نصه أو عن طريق اإلحالة على القانون الجنائي‪.‬‬
‫‪ -2‬النصوص المتخذة لتطبيق قانون الزجر عن الغش في البضائع ‪:‬وهي في‬
‫األصل النصوص التي صدرت لتطبيق ظهير ‪ 14‬أكتوبر ‪ 1914‬التي تبناها‬
‫ظهير ‪ 5‬أكتوبر ‪.1984‬‬
‫وقد بلغ العدد اإلجمالي لكل القوانين والنصوص التنظيمية المتعلقة بالزجر عن‬
‫الغش في البضائع ‪ 22‬ظهيرا أو قانونا وما يناهز ‪ 150‬نصا تنظيميا ‪,‬تضاف‬
‫إليه قرابة ‪ 22‬مذكرة تقنية‪.‬‬
‫‪ -3‬كمصدر تكميلي‪ :‬يتلخص في األعراف التجارية او المهنية التي تعتبر شكال‬
‫جديدا لم يكن معروفا في ظهير ‪ 14‬أكتوبر ‪.1914‬‬
‫ب‪ -‬الركن المادي لجريمة الغش‪:‬‬
‫انطالقا من نص المادة األولى من قانون الزجر عن الغش فإن الركن المادي‬
‫يتحقق كلما وقع إنجاز الفعل الممنوع قانونا بشكل تتحقق معه عناصر‪,‬مما‬
‫يستوجب تحديد تلك العناصر بالنسبة لكل جريمة بشكل واضح حتى يمكن‬
‫تطبيقها بشكل مناسب على األفعال المرتكبة للقول بالوجود المادي للجريمة من‬
‫عدمه دون قياس أو توسع في التفسير‪.‬‬
‫إن الركن المادي يتمثل في النشاط الذي يأتيه الفاعل إيجابيا كان أو‬
‫سلبيا‪,‬والنتيجة اإلجرامية التي تترتب عليه ثم عالقة السببية بين الفعل‬
‫والنتيجة‪ ,‬وإذا كان الركن القانوني يرتكز على مبدأ "ال جريمة إال بنص" فإن‬
‫الركن المادي يرتكز على الفصل األول من القانون‪ I‬الجنائي "يحدد التشريع‬
‫الجنائي أفعال اإلنسان التي تعد جرائم بسبب ما يحدثه من اضطراب اجتماعي‬
‫"‪.‬‬
‫واعتبارا لذلك فإنه يتعين الرجوع إلى قانون زجر الغش والنصوص التنظيمية‬
‫المتخذة لتطبيقه‪,‬واألعراف المهنية والتجارية‪ ,‬للقول بأن الفعل المرتكب يشكل‬
‫جريمة غش معاقبا عليها‪,‬وإعطائها‪ I‬الوصف المناسب مع إبراز العناصر بكل‬
‫وضوح دون االكتفاء بالقول بأن الفعل هو جريمة غش دون وصف محدد‪.‬‬
‫ج‪ -‬الركن المعنوي لجريمة الغش‪:‬‬
‫هذه الجريمة هي جريمة عمدية‪,‬يشترط لقيامها ثبوت القصد الجنائي الذي‬
‫يتحقق بعلم الجاني بأن ما يعرضه أو يطرحه للبيع يعد فاسدا أو مغشوشا‪,‬وأن‬
‫يعلم بكنه وطبيعة المواد التي تستعمل في الغش‪,‬وإن من شأن ذلك خداع‬
‫المشتري وإدخال الغش عليه وعلى السلعة‪,‬وكذا اتجاه إرادته نحو أفعال من‬
‫شأنها أن تغير من طبيعة وخواص المواد التي أدخلت عليها‪.‬‬
‫ومن ثم فإن العنصر أو المكون المعنوي لجريمة الغش البد لتأسيسه من توافر‬
‫العلم بالفعل اإلجرامي‪ ,‬والوعي بالركن المادي للجريمة المعاقب عليها من طرف‬
‫القانون الجنائي وهو ما اكده الفصل ‪ 133‬من ق‪.‬ج ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬التكييف القانوني لجريمة الغش من خالل الجزاء‪:‬‬
‫إن عملية تحديد أركان جريمة الغش تستوجب بالضرورة عملية القيام بتكييف‬
‫قانوني لها‪,‬وذلك من أجل تحديد المحكمة المختصة بالبث في الجريمة‪,‬والتكييف‬
‫القانوني للجريمة يختلف بحسب ما إذا اعتبرت جناية أو جنحة أو مخالفة‪.‬‬
‫أ‪ -‬جريمة الغش كجناية‪:‬‬
‫يكيف الغش كجناية متى ارتكب الخداع أو التزييف بواسطة منتجات أو معلجات‬
‫فيها خطر على صحة اإلنسان أو الحيوان‪ ,‬أو باع الفاعل أو عرض للبيع لحما‬
‫لحيوانات يعلم أنها ماتت بأمراض معدية أو أمراض تنتقل إلى اإلنسان‪ .‬ويحكم‬
‫بالعقوبات التالية مع مراعاة العقوبة األكثر شدة المنصوص عليها في نصوص‬
‫خاصة‪,‬وال سيما في الظهير الشريف الصادر في ‪ 29‬أكتوبر ‪ ,1954‬الخاص‬
‫بزجر الجنايات على صحة األمة‪:‬‬
‫‪ -1‬السجن من ‪ 5‬إلى ‪ 10‬سنوات إذا سبب ابتالع المواد المذكورة إصابة الغير‬
‫بمرض عضال أو بفقدان عضو أو بعاهة دائمة‪.‬‬
‫‪ -2‬السجن من ‪ 10‬إلى ‪ 20‬سنة إذا سبب ابتالع المواد المذكورة الموت دون‬
‫نية القتل‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلعدام وهي العقوبة التي يحيل فيها الفصل الثاني من قانون زجرالغش‬
‫على ظهير ‪ 29‬أكتوبر ‪ 1959‬المتعلق بزجر الجنايات على صحة األمة‪.‬‬
‫وقد صدر هذا النص عقب كارثة الزيوت المسمومة التي عرفها المغرب في‬
‫نهاية الخمسينات والتي ذهب ضحيتها آالف المواطنين‪.‬‬
‫ب‪ -‬الغش كجنحة‪:‬‬
‫تتخذ الجنحة في مادة الغش في البضائع صورتين‪:‬‬
‫إما جنحة عادية تأديبية ‪ :‬والوجه القانوني لها محدد في الفقرة الثانية من‬
‫الفصل األول من ظهير زجر الغش التي تنص على أن ‪":‬مرتكب الغش عن‬
‫طريق الخداع أو التزييف يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس‬
‫سنوات‪,‬وبغرامة مالية تتراوح ما بين ‪ 1200‬درهم و ‪ 24000‬درهم‪,‬أو بإحدى‬
‫هاتين العقوبتين"‪.‬‬
‫أما الفصول ‪ 4‬و‪ 5‬و‪ 6‬فتنص على خصوصيات معينة تتعلق بالركن المادي‬
‫للجريمة‪ ,‬تحيل على الفصل األول في ما يخص العقوبة‪,‬والخصوصية الوحيدة‬
‫هي‪ :‬أن يحكم وجوبا بعقوبة الحبس إذا ارتكبت الجنحة أو وقعت محاولة‬
‫ارتكابها بواسطة بيانات مدلس فيها‪,‬تحمل على االعتقاد أن األمر يتعلق بعملية‬
‫صادقة‪,‬صحيحة أو بمراقبة رسمية ال أصل لها أو بواسطة موازين ومقاييس‬
‫مزيفة غير صحيحة‪...‬‬
‫وقد تكون جنحة عادية ضبطية‪ :‬ويتعلق األمر بجريمتين أقل أهمية من الغش‬
‫بمفهومه المتعارف عليه‪ ,‬فالفصل الخامس من قانون زجر الغش يعاقب على‬
‫اإلشهار الكاذب بغرامة تتراوح ما بين ‪ 200‬درهم و ‪ 7200‬درهم‪,‬في حين‬
‫ينص الفصل التاسع على أنه يعاقب بالحبس من ثالثة أشهر إلى ستة‪ ,‬أو‬
‫بغرامة مالية من ‪ 200‬درهم إلى ‪ 60‬ألف درهم‪,‬أو بإحدى هاتين العقوبتين كل‬
‫من عمل بوسيلة ما على عرقلة تطبيق هذا القانون أو النصوص الصادرة‬
‫لتنفيذه‪.‬‬
‫هذا باإلضافة إلى الغش كجنحة مشددة عند توافر ظروف التشديد شخصية كانت‬
‫أو مرتبطة بالنتيجة أو في حالة العود‪.‬‬
‫ج‪ -‬الغش كمخالفة‪:‬‬
‫المخالفات في الغش نوعان‪ :‬األولى متعلقة باالسم أو بالبطاقة أو التعبئة أو‬
‫التقديم أو المعالجات أو المناوالت‪,‬وهي مفاهيم عامة يمكن أن تنطبق على كل‬
‫النصوص التطبيقية ‪,‬وعموما فإن هذا النوع من المخالفات يخضع على مستوى‬
‫االختصاص لمحاكم الجماعات والمقاطعات‪,‬وهو ما أكده الفصل السابع من ظهير‬
‫‪ 5‬أكتوبر ‪.1984‬‬
‫أما النوع الثاني من المخالفات فتتعلق بمخالفات لم ينص عليها وعلى عقوبتها‬
‫الفصل األول وما يليه من الفصول أو في نص خاص‪,‬الشيء الذي قد يثيرإشكاال‬
‫كبيرا في الميدان الجنائي‪,‬والذي يتعلق بشرعية العقوبة المنصوص عليها في‬
‫الفصل الثالث من القانون الجنائي والمتمثل في أنه‪" :‬ال يسوغ مؤاخذة أحد على‬
‫فعل ال يعد جريمة بصريح القانون وال معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون‪."I‬‬
‫والبد أن المشرع كان هاجسه الوحيد من وراء إقراره لهذه المخالفات دون نص‬
‫قانوني يعاقب عليها هو حماية المستهلك من كل ما يمكن أن يستجد من‬
‫المخالفات في الحياة اليومية والتي لم يأت في شأنها نص قانوني‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫دور هيئات الرقابة في حماية المستهلك‪:‬‬
‫إن ظاهرة التفاوت بين األطراف النتعاقدة ليس أمرا جديدا وإنما هو معروف منذ‬
‫نشأة المجتمع اإلنساني‪,‬لكن هذا التفاوت كان طبيعيا‪,‬والتفاوت في العصر‬
‫الحاضر‪,‬خاصة في العالقة بين المهنيين والمستهلكين قد اتخذ صورا جديدة لم‬
‫تكن معروفة من قبل‪.‬وهذا ما يجعلنا نطرح سؤاال وجيها وهو ‪:‬ما هو الدور‬
‫الذي يمكن أن تلعبه هيئات الرقابة في حماية المستهلك؟‬
‫للجواب على ذلك ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين‪:‬نتعرض في المطلب‬
‫األول إلى دور الرقابة القضائية ثم بعد ذلك نتطرق لما يمكن أن تمارسه اللجنة‬
‫المكلفة بمراقبة األسعار في توفير الحماية للمستهلك‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الرقابة القضائية ‪:‬‬
‫مهما بلغت اإلجراءات والوسائل الهادفة إلى قمع الغش و االستغالل ‪ ،‬فإنها مع‬
‫ذلك تظل دون جدوى إذا لم يواكبها زجر قضائي يضرب بشدة على يد كل من‬
‫تسول له نفسه التالعب بصحة المواطن و اإلضرار بمصالحه اإلقتصادية‪.‬‬
‫قبل الخوض في ما يمكن أن تلعبه الرقابة القضائية في مجال حماية المستهلك‬
‫(الفقرة الثانية ) البد أن نوضح في الفقرة األولى أنواع هيئات الرقابة بصفة‬
‫عامة‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أنواع الرقابة بصفة عامة‪:‬‬
‫يمكن الحديث عن نوعين للرقابة‪ :‬إجبارية وأخرى اختيارية‪.‬‬
‫أ‪ -‬الرقابة اإلجبارية‪:‬‬
‫في بعض مجاالت اإلنتاج يكون المنتج ملزما بإخضاع منتجاته لرقابة إجبارية‬
‫تقوم بها هيئة متخصصة قبل تسويقها لتصل إلى أيدي المستهلكين‪,‬وهذا الدور‬
‫يكون بصفة أكبر في مجال صناعة األدوية أو المستحضرات الطبية التي تخضع‬
‫إلشراف ورقابة وزارة الصحة‪,‬فإذا ما ثبت صالحية هذه المنتجات أعطيت‬
‫للمنتج شهادة بذلك‪,‬ومن ثم إذن بتسويقها‪.‬‬
‫والمنتج مفروض فيه أن يحرص على أن تكون منتجاته ضامنة لسالمة‬
‫المستهلك‪,‬وهو‪ I‬في هذا الحرص ليس يمثل فحسب لتعليمات جهات الرقابة‪ ,‬وإنما‬
‫ينطلق أيضا من اعتبارات تجارية‪,‬إذ من شأن التقدير الرسمي بصالحية‬
‫المنتجات أن تبعث اطمئنانا أكثر في نفسية المستهلك‪.‬‬
‫وفي بعض البالد المتقدمة نجد نقابات أو اتحادات لحماية مصالح المستهلكين ‪,‬‬
‫تقوم هذه النقابات في إطار اهتمامها بهذه المصالح ‪,‬وعن طريق معاهد علمية‬
‫تابعة لها وبصرف النظر عن رغبة أو عدم رغبة المنتجين بفحص المنتجات‬
‫الصناعية الجديدة بهدف لفت نظر المستهلك لمزايا وعيوب هذه المنتجات‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرقابة االختيارية‪:‬‬
‫إن الغالب أن المنتج ال يكون ملزما بإخضاع منتجاته ألي نوع من الرقابة‪ ,‬وإنما‬
‫يعمد إليها بعض المنتجين باختيار منهم‪,‬وذلك حتى يصبغوا على منتجاتهم ما‬
‫يسمى بالثقة الرسمية‪,‬وهدفهم في هذا ليس إال هدفا تجاريا بحتا‪ ,‬ذلك أن تميز‬
‫منتجاتهم بهذه الضمانة يزيد من نسبة اإلقبال عليها من لدن جمهور‬
‫المستهلكين‪.‬‬
‫وعمال يتم تعرف العمالء على ما حازته هذه المنتجات من ثقة جهة الرقابة عن‬
‫طريق ختمها بعالمة معينة‪ ,‬مثاله في المغرب ما تمنحه وزارة الصناعة لبعض‬
‫المنتجات مما تسميه بعالمة الجودة‪.‬‬
‫وسواء كانت الرقابة إجبارية أو إختيارية ال تقوم جهة الرقابة بداهة بفحص‬
‫جميع المنتجات‪ ,‬وال تباشر في هذا الشأن رقابتها على نحو متواصل‪ .‬فصحيح‬
‫أن بإمكان هذه الهيئات أن تجعل المنتجين في حالة حذر دائم عن طريق قيامها‬
‫بتفتيش مفاجئ على المشروعات الصناعية إال أن دورها هذا يكاد يكون شبه‬
‫منعدم من الناحية العملية‪ ,‬حيث يحصل بصفة مؤقتة بل ونتيجة تضرر مصلحة‬
‫المستهلكين تضررا خطيرا‪,‬ولهذا كان من الضروري دعم الرقابة القضائية وكذا‬
‫تفعيل دور المحاكم لزجر كل تالعب بمصلحة المستهلك‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬دور الرقابة القضائية‪:‬‬


‫تعتبر الرقابة القضائية الركيزة والدعامة األساسية لحماية المستهلك‪,‬لما يمكن‬
‫أن يقع فيه من استدراج وتعسف‪ ,‬ولكي نضمن لمؤسسة القضاء هذا الدور‬
‫يجب أن نفتح المجال أمام القاضي في تفسير العقود‪,‬ويجب كذلك أن نفعل دور‬
‫المحاكم في مجال قضايا االستهالك‪.‬‬
‫أ‪ -‬مجال تدخل القاضي في تفسير وتأويل العقود‪:‬‬
‫في إطار القواعد العامة نسجل عدم فعالية قواعد القانون المدني في مجال‬
‫تفسير وتأويل العقود‪,‬والسبب طبعا كما سبق القول هو تشبثه بمبدأ سلطان‬
‫اإلرادة التعاقدي‪ ,‬ولذلك فإن مجال تدخل القاضي لن يكون إال في إطار ما تسمح‬
‫به هذه القواعد‪,‬وهذه القواعد العامة ال تمنح للقاضي سلطة تذكر‪,‬بل تلزمه‬
‫باحترام مبدأ سلطان اإلرادة وحرية األطراف في إبرام العقد‪.‬وبالتالي تلزمه‬
‫باإلجابة على سؤال واحد وهو هل العقد حر؟ أي هل العقد ال يعتريه عيب من‬
‫عيوب اإلرادة‪,‬فإذا كان العقد كذلك فما على القاضي إال الرضوخ إلرادة األطراف‬
‫رغم ما يمكن أن يشوب تكوينه من اختالل‪,‬فالمادة ‪ 462‬من ق‪.‬ل‪.‬ع (‪1162‬‬
‫مدني فرنسي )تقضي بأنه‪":‬عندما يكون للتأويل موجب يلزم البحث عن قصد‬
‫المتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي لأللفاظ‪ I‬وال على تركيب الجمل"‪.‬‬
‫ويظهر الدور السلبي للقاضي في تأويل العقد‪,‬في حالة ما إذا كانت عبارات هذا‬
‫األخير واضحة وال يعتريها غموض‪,‬غير أن الدور اإليجابي للقاضي يمكن أن‬
‫يفهم حسب بعض الفقه من الفصل ‪ 461‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‪ ,‬ذلك أن بعض الفقه يقول‬
‫إن المقصود الحقيقي بألفاظ العقد ليس معناها الحرفي وإنما دالالتها المنبثقة‬
‫عن اإلرادة المشتركة لألطراف‪.‬‬
‫يتضح الدور اإليجابي للقاضي كذلك من خالل سلطته في تفسير الشروط‬
‫الغامضة‪ ,‬ذلك أن غموض عبارات العقد هو اإلطار الذي ال يبخل نظرية سلطان‬
‫اإلرادة من الترخيص للقاضي باالضطالع بدوره األكثر إيجابية في ميدان‬
‫التأويل‪.‬‬
‫ويعترف الفقه مع ذلك بصعوبة هذا التوجه عندما تكون ألفاظ العقد صريحة‬
‫وواضحة ال تحتمل التأويل‪,‬ومن هنا تأتي أهمية المقتضيات الجديدة في قوانين‬
‫االستهالك‪,‬ومن‪ I‬ذلك أن الفصلين ‪ 26‬و ‪ 27‬من مسودة المشروع المغربي‬
‫لحماية المستهلك يقرر أن التعرف على الشروط التعسفية يقتضي من القاضي‬
‫مراعاة وقت إبرام العقد والظروف المحيطة به‪,‬واعتبار كل بنود العقد في‬
‫شموليتها‪ .‬فالمستهلك يفترض فيه عدم العلم بشروط العقد ‪,‬وعلى المهني إذا‬
‫ادعى العكس أن يثبته انسجاما مع القواعد القانونية التي تقضي بأن الشك‬
‫يفسر لمصلحة المستهلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬تفعيل دور المحاكم‪:‬‬
‫مهما بلغت الحماية التي تقررها قواعد القانون المدني كشريعة عامة‪ ,‬وحرص‬
‫مؤسسة القضاء على حماية المستهلك‪,‬فإن ذلك سيبقى حبرا على ورق إذا لم‬
‫يواكبها زجر قضائي على مستوى تفعيل المحاكم‪,‬غير أن التجربة أبانت عن‬
‫هشاشة الحماية القضائية التي توفرها محاكمنا للمستهلك المغربي وذلك ألسباب‬
‫نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬نقص تكوين القضاة في مادة قمع الغش نتيجة خلو دراسة القاضي بقضايا‬
‫اقتصادية‪.‬‬
‫‪-‬استعمال القضاة لعبارات فضفاضة وغامضة ال تفيد في معرفة طبيعة الجريمة‬
‫المقصودة بالدقة اللالزمة‪.‬‬
‫‪-‬أمام تراكم القضايا المعروضة على أنظار القضاء‪,‬أصبح ينظر إلى القضايا‬
‫االستهالكية على أنها قضايا بسيطة‪,‬فيكتفي القاضي بتطبيق الغرامات بشأنها‪.‬‬
‫فالجرائم الماسة بالصحة العامة الصادر بشأنها ظهير ‪,1959‬لم تتجاوز‬
‫الغرامات بخصوصها ‪ 2000‬درهم‪,‬دون أن ترفقها أي عقوبة حبسية (استئنافية‬
‫وجدة في حكم رقم ‪ 2477‬صادر في ‪,1988-10-20‬في قضية صباغة‬
‫الزيتون بمادة سوداء سامة)‪.‬‬
‫من خالل ذلك يمكن القول إن الحماية القضائية التي توفرها محاكمنا تبقى دون‬
‫المستوى‪,‬مما يستوجب تفعيلها عبر عدة إصالحات منها‪:‬‬
‫‪ -‬النطق بأحكام رادعة في مادة قمع الغش‪.‬‬
‫‪ -‬تكوين قضاة متخصصين في قضايا الغش‪.‬‬
‫‪-‬إحداث محاكم مختصة بقمع الجرائم االقتصادية تتوزع على كامل التراب‬
‫الوطني‪.‬‬
‫وجدير بالتنويه إلى أنه أيا كانت نجاعة النصوص‪ ,‬ومهما بلغ حرص القضاء‬
‫على حماية المستهلك‪,‬فإن ذلك يظل محدودا على الدوام إذا لم يعضد ويدعم‬
‫بيقظة حقيقة لتنظيمات المجتمع المدني‪,‬وفي مقدمتها جمعيات حماية‬
‫المستهلكين‪ ,‬ال سيما إذا استحضرنا انتشار األمية في أوساط عموم المستهلكين‬
‫وضعف الرقابة القضائية‪,‬وذلك كله من أجل التصدي لمظاهر التعسف التعاقدي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دور اللجنة المكلفة بمراقبة األسعار في توفير الحماية‬
‫للمستهلك‪:‬‬
‫قام المشرع بتنظيم أثمان البضائع والمنتوجات والخدمات وذلك من أجل حماية‬
‫المستهلك من أي زيادة غير مشروعة لألثمان‪,‬حيث أوكل المشرع مهمة مراقبة‬
‫األسعار إلى األعوان المكلفين بذلك‪ ,‬وخول لهم صالحيات لضبط المخالفات‪,‬كما‬
‫حدد جزاءات عند المخالفة وهي إما إدارية أو قضائية‪,‬لهذا سوف نتولى في‬
‫إطار هذا المطلب دراسة اللجنة المكلفة بمراقبة األسعار (الفقرة األولى )‬
‫ونخصص (الفقرة الثانية) للجزاءات المقررة عند المخالفة‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اللجنة المكلفة بمراقبة األسعار‪:‬‬
‫يعهد إلى أعوان هيئة مراقبة األسعار بمراقبة مدى احترام تطبيق القانون‬
‫المتعلق بالمواد المقننة أسعارها‪,‬وتخول‪ I‬لهم صالحيات لممارسة اختصاصهم‬
‫وإثبات المخالفات‪.‬‬
‫وأوال‪ :‬تكوين اللجنة واختصاصاتها‪:‬‬
‫بدأ تكوين األطر المؤلهة لمراقبة األسعار منذ بداية الثمانينات‪,‬ومن شروط‬
‫تعيين المراقب أن يؤدي اليمين‪ ,‬وأن يحمل بطاقة مهنية تسلمها اإلدارة‪,‬وفق‬
‫اإلجراءات المحددة بنص تنظيمي‪,‬ويلتزم بكتمان السر المهني تحت طائلة‬
‫الجزاء حسب المادة ‪ 61‬من ق‪.‬ج‪.‬‬
‫ويقوم المحتسب بمراقبة أثمان المنتوجات والبضائع والخدمات تحت أو مهامه‬
‫بعدة مصالح توضع رهن إشارته لتسهيل ممارسة هذه المهام‪,‬ومن هذه‬
‫المصالح نذكر ‪ :‬السلطة والمركز الصحي البلدي ‪ -‬مركز قمع الغش ‪-‬مصلحة‬
‫البيطرة‪...‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك يستشار المحتسب فيما يتعلق بتحديد أثمان المنتجات‬
‫والخدمات التي يراقبها‪,‬ويشارك لهذا الغرض في اجتماعات لجنة األثمان‬
‫المحلية‪,‬ولجنة األثمان لإلقليم او العمالة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إثبات المخالفات‪:‬‬
‫إذا قام المحتسب بضبط أي زيادة غير مشروعة لألثمان يحرر محضرا بذلك‬
‫خالل الثماني واألربعين ساعة إلثبات المخالفة‪,‬يتضمن معلومات عن المخالفة‬
‫تتعلق بنوع وتاريخ ومكان المخالفة‪ ,‬أو إجراء المراقبة ‪,‬باإلضافة إلى رقم‬
‫المعاملة األسبوعية ورقم البتانتا‪,‬ويقرأ هذا المحضر على المخالف من طرف‬
‫محرره‪ ,‬ثم يوقعه بعد االستماع إلى قراءة المحضر‪,‬وفي حالة رفضه التوقيع‬
‫يشير محرري المحضر إلى ذلك‪.‬‬
‫وتحرر المحاضر في ثالث نسخ تعفى من إجراءات و واجبات التنبر‬
‫والتسجيل‪,‬وتوجه إلى عامل اإلقليم أو العمالة الذي أثبتت فيه المخالفة داخل من‬
‫أجل ال يتعدى عشرة أيام‪ ,‬ثم تحال مندوبية التجارة أو الصناعة قصد تقرير مبلغ‬
‫الذعيرة‪ ,‬ويوجه العامل إلى القابض إعالنا عن العقوبة يعين فيه اسم المدين‬
‫ومبلغ العقوبة‪ ,‬ويتم أداء الغرامة خالل الشهر الموالي لتاريخ تقريرها‪,‬وفي‬
‫حالة العجز يتابع االستخالص كما هو الشأن في ميدان األداءات المباشرة‬
‫(الفصل ‪ 25‬من مرسوم دجنبر ‪.)1971‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬الجزاءات المقررة عند المخالفة‪:‬‬
‫إن كل تنظيم قانوني يضعه المشرع إال ويسطر بجانبه مجموعة عقوبات توقع‬
‫على مخالفي أحكامه‪,‬وألجل حماية المستهلك وضع المشرع مجموعة من‬
‫العقوبات تتراوح بين عقوبات إدارية وجنائية‪.‬‬
‫‪ -1‬العقوبات اإلدارية‪:‬‬
‫إن المخالفات ألحكام قانون تنظيم األثمان يمكن أن تكون محل المصالحة بعد‬
‫استطالع رأي رئيس المصلحة الخارجية لإلدارة الراجع إليها أمر البضاعة أو‬
‫المنتوج أو الخدمة‪,‬وفي حالة عدم التوصل إلى المصالحة يصدر العامل‬
‫العقوبات اإلدارية بقرار يتخذه بعد استشارة رئيس المصلحة الخارجية لمديرية‬
‫التجارة الداخلية التابعة للوزارة المكلفة بالتجارة‪ ,‬وعند االقتضاء رئيس‬
‫المصلحة الخارجية بالوزارة الراجع إليها أمر البضاعة أو المنتوج أو الخدمة‪.‬‬
‫وتندرج هذه العقوبات حسب الخطورة كما يلي‪:‬‬
‫‪-‬إنذار في رسالة مضمونة الوصول مع اإلعالن بالتسلم‪.‬‬
‫‪ -‬أداء غرامة يعادل مبلغها ‪ 20‬مرة مبلغ متوسط رقم أعمال المخالف‬
‫األسبوعي‪ ,‬وتحسب على أساس السنة المالية األخيرة على أال يتجاوز مبلغها‬
‫‪ 20‬ألف درهم‪ ,‬غير أنه إذا كان األمر يتعلق بمجرد عدم تعليق األثمان أو‬
‫بالمخالفة لمقتضيات النصوص الصادرة بتطبيق الفصل السابع من قانون‬
‫‪ , 1971‬حدد المبلغ األدنى للغرامة في عشرة دراهم والمبلغ األقصى في مائة‬
‫درهم‪,‬أما قانون ‪ 06-99‬فقد حدد الغرامة حسب المادة ‪ 91‬منه ما بين ألف‬
‫وخمسة آالف درهم في حالة المخالفة دون ان تتجاوز مائة ألف درهم‪.‬‬
‫‪ -‬إغالق متاجر المخالف وجميع أماكنه المهنية لمدة ثمانية أيام على األكثر‪.‬‬
‫وتعتبر العقوبة اإلدارية سندا قابال للتنفيذ‪ ,‬إال أنه من حق المخالف الطعن في‬
‫هذه العقوبة أمام اللجنة المركزية التي تتألف من ممثلين لإلدارة‪ ,‬ويمارس حق‬
‫المخالف داخل أجل ثالثين يوما من تاريخ التبليغ بدفع الغرامة‪.‬‬
‫وبعد استماع اللجنة المركزية إلى المخالف أو وكيله تقوم إما بتأكيد مبلغ‬
‫الغرامة او تغييره‪,‬وتصدر قرارها داخل ثالثة أشهر التالية لتاريخ إحالة األمر‬
‫إليها‪,‬ويبلغ القرار إلى المخالف والجهة المختصة‪.‬‬
‫‪ -2‬العقوبات الجنائية‪:‬‬
‫في حالة عدم التوصل إلى المصالحة أو عدم صدور عقوبة إدارية يوجه العامل‬
‫الملف إلى وكيل جاللة الملك المختص إلجراء المتابعة‪ ,‬وهو ما يسمى بالمتابعة‬
‫القضائية وتتم بواسطة االستدعاء المباشر للمخالف وتبت المحكمة في القضية‬
‫خالل أقرب جلسة‪ ,‬أما طلبات االستئناف فيبت فيها بصفة استعجالية‪.‬‬
‫ويعاقب على الزيادات الغير المشروعة في األثمان إما بالسجن لمدة تتراوح بين‬
‫شهرين وسنتين‪,‬وبغرامة تتراوح بين ‪ 500‬و‪ 100000‬درهم‪ ,‬أو بإحدى هاتين‬
‫العقوبتين‪ ,‬ويمكن كذلك الحكم بمصادرة البضائع التي ارتكبت المخالفة بشأنها‬
‫وبمصادرة وسائل النقل‪.‬‬
‫وإذا صدر حكم بالغرامة وتم إثبات العودة إلى المخالفة في ظرف سنة واحدة‬
‫أمكن مضاعفة الغرامة‪,‬كما طبق المشرع العقوبات في الفصلين ‪ 263‬و‪267‬‬
‫من القانون‪ I‬الجنائي على الحيلولة دون ممارسة مهام األعوان المحلفين في‬
‫ميدان مراقبة األثمان‪ ,‬وكذلك على سبهم واالعتداء عليهم‪.‬‬
‫ونالحظ مما سبق أن المشرع المغربي قام بتحقيق حماية فعالة للمستهلك من‬
‫أي زيادة غير مشروعة في األثمان‪ ,‬لكن إلى أي حد بلغت فعالية هذه الحماية ؟‬
‫ويبقى في األخير أن نشير إلى أنه مهما تعددت أساليب الرقابة على نشاط الفرد‬
‫في المجال االستهالكي‪ ,‬ومهما تنوعت أساليب الردع والتخويف‪ ,‬فإنها لن تصل‬
‫إلى تحقيق حماية كاملة للمستهلك‪ ,‬وتبقى في نظري الرقابة الذاتية‪ ,‬والتي تعني‬
‫في مفهومها المباشر رقابة الشخص لنفسه‪ ,‬خير نوع يمكن أن يساهم في‬
‫حماية المستهلك‪ ,‬أي أن يكون المراقب والمراقب فيها شخصا واحدا‪ ,‬ويعتمد‬
‫هذا النوع من الرقابة على العناية باإلنسان وتربيته تربية سليمة والحرص على‬
‫أن نزرع فيه الدوافع الذاتية التي تحفزه على ممارسة النشاط االقتصادي‬
‫واالجتماعي بما يتفق مع مصلحة الناس‪ ,‬ويحقق الخير للمجتمع‪ ,‬فالمسلم يعلم‬
‫علم اليقين أن هللا معه في كل زمان ومكان‪ ,‬وانه مطلع على حركاته وسكناته‬
‫وال يخفى عليه شيء سبحانه‪,‬يقول تعالى‪":‬وهو‪ I‬معكم أينما كنتم"( الحديد‪ ,‬اآلية‬
‫‪ , )4‬وقوله تعالى‪ " :‬إن هللا ال يخفى عليه شيء في األرض وال في السماء‬
‫"(آل عمران‪,‬اآلية ‪.)5‬‬
‫وهكذا يربي اإلسالم في نفس المؤمن من الضمير الحي ‪ ,‬ويبعث فيه الرقابة‬
‫الذاتية التي تضبط سلوكه وتصرفاته حتى ولو كان بعيدا عن السلطة‪ ,‬ألنه يعلم‬
‫أن عين هللا ال تغيب عنه‪ ,‬وأن رقابته تعالى ال تتركه لحظة واحدة‪ ,‬يقول سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ":‬إن هللا كان عليكم رقيبا " (النساء‪ ,‬اآلية ‪ ,)6‬وحين يحس المسلم‬
‫بأنه إذا تمكن من اإلفالت من رقابة السلطة‪ ,‬فإنه لن يستطيع اإلفالت من رقابة‬
‫هللا‪ ,‬وهذا في حد ذاته أكبر ضمان لسالمة السلوك االجتماعي وعدم انحراف‬
‫النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫وفي نظرنا تبقى للرقابة الذاتية فعالية أقوى‪ ,‬وأكثر تحقيقا للخير لجمهور‬
‫المستهلكين‪ ,‬وللمجتمع ككل‪ ,‬وخصوصا وأن أنواع الرقابة التي أشرنا إليها‬
‫تبقى عاجزة رغم درجة فعاليتها عن ردع أصحاب الضمير الميت‪ ,‬أما صاحب‬
‫الضمير الحي فال يحتاج إلى رقابة من الغير‪,‬ألنه يخشى من أشد رقابة‬
‫خارجية ‪ ,‬وهي رقابة الخالق عز وجل أينما وجد وكيفما تصرف‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫إذا كانت حماية المستهلك موضع اهتمام وعناية كل األمم المتحضرة‪ ,‬بما فيها‬
‫من المنظمات الدولية‪ ,‬فإن ذلك يرجع ألهمية الموضوع وضرورته‪ ,‬فعدم‬
‫التوازن بين المنتجين والمهنيين‪ ,‬والموردين‪ ,‬والتجار والمحترفين من ناحية‪,‬‬
‫والمستهلكين من ناحية أخرى يتعمق ويتسع كل يوم‪ ,‬الشيء الذي دفع المشرع‬
‫إلى التدخل لتحقيق وإعادة التوازن مرة أخرى‪.‬‬
‫ولذا نتساءل هل نجحت محاوالت المشرع ؟ وبأي ثمن ؟‬
‫ال نستطيع أن نؤكد أن الهدف المنشود قد أصيب‪ ,‬فصناعة النصوص قد خولت‬
‫للمستهلك بما ال يقبل الجدل الحق في الحماية‪,‬التي لم يكن يتمتع بها من قبل‪,‬‬
‫ولكن ال يجب أن يغيب عنا أن هذه الحماية تثير مقاومات لم تتحطم بعد‪:‬‬
‫فالشروط التعسفية على سبيل المثال بالرغم من تحريمها إال أنها ما زالت تطفو‬
‫بشكل كبير في التعاقد‪ ,‬بفعل سيطرة المهنيين بفضل قدرتهم وخبرتهم ومعرفتهم‬
‫بأمور التعاقد‪,‬وكذا المكونات الفنية للسلع والخدمات محل العقد ‪ ,‬الشيء الذي‬
‫يجعل المستهلك مقحما في عالقات تعاقدية ليست تماما في صالحه‪ ,‬بيد ان ذلك‬
‫ال ينفي تقدما حدث بالفعل في حقل حماية المستهلك ‪ ,‬وإن كنا نأمل المزيد عن‬
‫طريق اإلعداد الجيد لوضع نظام كامل لحماية المستهلكين يسمى بقانون‬
‫االستهالك يجمع شتات النصوص المتفرقة الموجودة حاليا‪.‬‬
‫ولكن ما الثمن الذي وجب دفعه لهذا التقدم؟ غني عن الذكر أننا ال نقصد بالثمن‬
‫السعر أو الثمن وفقا لمفهومه االقتصادي‪ ,‬ولكن نقصد به الثمن القانوني‬
‫للعملية ‪ ,‬ويتمثل في ما تحمله النظرية العامة للعقود‪ ,‬فمن المؤكد أن أضرارا‬
‫كبيرة قد دخلت على سلطان اإلرادة ومبدأ الرضائية‪ ,‬ومبدأ القوة الملزمة للعقد‪.‬‬
‫كما ال يغيب عنا أن نؤكد ما وضح في هذا البحث المتواضع من أن الوسائل‬
‫الفنية لقانون االلتزامات والعقود المغربي عادت ال تفي بالحماية الكافية‬
‫للمستهلك مما استدعت الحاجة إلى صدور نصوص خاصة تتصف بمرونة أكثر‬
‫وبجزاء أشد من القواعد القانونية التقليدية‪.‬‬
‫وجدير بالتنويه أنه أيا كانت نجاعة النصوص ‪ ,‬ومهما بلغ حرص القضاء على‬
‫حماية المستهلك‪ ,‬فإن ذلك يظل محدودا على الدوام ‪ ,‬ما لم يدعم بيقظة حقيقية‬
‫لتنظيمات المجتمع المدني‪ ,‬وفي مقدماتها جمعيات حماية المستهلكين‪ ,‬السيما‬
‫إذا استحضرنا انتشار األمية في أوساط عموم المستهلكين‪ ,‬وضعف الرقابة‬
‫القضائية وكذا اإلدارية ‪ ,‬وتكمن فاعلية هذه الجمعيات أساسا في قدرتها‬
‫التفاوضية بحكم تآلف أعضائها في مواجهة المهنيين التي تتيح لها إمكانية‬
‫التصدي لمظاهر التعسف التعاقدي في منبعها‪.‬‬
‫{ تم هذا البحث المتواضع بحمد هللا وتوفيقه‪ ,‬وأسأل هللا أن يوفقنا جميعا‪,‬‬
‫ويسدد خطى صاحب الجاللة الملك محمد السادس نصره هللا لما فيه خير‬
‫المغرب والمغاربة }‪.‬‬
‫إعداد الطالب ‪ :‬عز الدين أمنخفاذ‬
‫تحت إشراف األستاذ‪ :‬عبد الواحد حمداوي‬
‫الموسم الجامعي‪2004 /2003 :‬‬

You might also like