You are on page 1of 64

‫تعريف القرآن الكريم ‪:‬‬

‫تعريفه في اللغة‪:‬‬

‫"قرأ"‪ :‬تأتي بمعنى الجمع والضم‪ ،‬والقراءة‪ :‬ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل‪ ،‬والقرآن‬
‫في األصل كالقراءة‪ :‬مصدر قرأ قراءة وقرآنًا‪ .‬قال تعالى‪{ :‬إن َعلَْي نَا َج ْم َعه وقَ رآنَه‪ ،‬فَِإ َذا قَ َرأْنَاه فَاتبِ ْع ق ْرآنَه}‪.‬‬
‫أي قراءته‪ ،‬فهو مصدر على وزن "فعالن" بالضم‪ :‬كالغفران والشكران‪.‬‬

‫** ويطلق على الكل قرآن‪ ،‬ويطلق على كل آية من آياته قرآن‪ ،‬فإذا سمعت من يتلو آية من القرآن صح‬
‫ئ الْقرآن فَاستَ ِمعوا لَه وأَنْ ِ‬
‫صتوا}‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أن تقول إنه يقرأ القرآن‪َ { :‬وإِذَا ق ِر َ ْ‬

‫تعريفه في االصطالح‪:‬‬

‫القرآن الكريم يتعذر تحديده بالتعاريف المنطقية ذات األجناس والفصول والخواص‪ .‬بحيث يكون تعريفه‬
‫معهودا في الذهن أو مشاه ًدا بالحس كأن تشير إليه مكتوبًا‬ ‫ً‬ ‫حدا حقيقيًّا‪ ،‬والحد الحقيقي له هو استحضاره‬‫ًّ‬
‫مقروءا باللسان فتقول‪ :‬هو ما بين هاتين الدفتين‪ ،‬أو تقول‪ :‬هو من {بِ ْس ِم الل ِه الر ْح َم ِن‬ ‫ً‬ ‫في المصحف أو‬
‫ب العال َِمين}‪ ...‬إلى قوله‪ِ { :‬من ال ِ‬
‫ْجن ِة َوالن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس} ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الح ْمد لله َر ِ َ َ‬‫الرح ِيم‪َ ،‬‬

‫ويذكر العلماء تعري ًفا له ي َق ِرب معناه ويميزه عن غيره‪ ،‬في َع ِرفونَه بأنه‪:‬‬

‫"كالم الله تعالى‪ ،‬حقيقة‪ ،‬المنزل على محمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬المتعبد بتالوته"‪.‬‬

‫ف "الكالم" جنس في التعريف‪ ،‬يشمل كل كالم‪.‬‬

‫وإضافته إلى "الله" ي ْخرِج كالم غيره من اإلنس والجن والمالئكة‪.‬‬

‫و"حقيقة" بمعنى أنه كالم الله الذي نتكلم به على وجه الحقيقة‪ ،‬كما يليق به سبحانه وتعالى‪ ،‬ونثبت أن‬
‫متكلما سبحانه وتعالى كيف شاء ومتى شاء‪ ،‬وهذه‬ ‫ً‬ ‫الله سبحانه وتعالى متكلم‪ ،‬تكلم بهذا القرآن وال يزال‬
‫وسى تَ ْكلِيماً} [النساء‪.]461 :‬‬
‫صفة الكالم‪ ،‬نثبتها لله سبحانه وتعالى كما أثبتها لنفسه‪َ { ،‬وَكل َم الله م َ‬
‫ادا لِ َكلِم ِ‬
‫ات َربِي لَنَ ِف َد الْبَ ْحر قَ ْب َل‬ ‫ِ‬
‫و"المنزل" ي ْخرِج كالم الله الذي استأثر به سبحانه‪{ :‬ق ْل ل َْو َكا َن الْبَ ْحر م َد ً َ‬
‫أَ ْن تَ ْن َف َد َكلِ َمات َربِي َول َْو ِج ْئ نَا بِ ِمثْلِ ِه َم َد ًدا} ‪.‬‬

‫وتقييد المنزل بكونه "على محمد صلى الله عليه وسلم" يخرج ما أنْ ِز َل على األنبياء قبله كالتوراة واإلنجيل‬
‫وغيرهما‪.‬‬

‫و"المتعبد بتالوته" يخرج ما نسخ تالوة وحكماً من القرآن‪ ،‬ويخرج قراءات اآلحاد‪ ،‬واألحاديث القدسية ‪-‬‬
‫عند من يقول إنها منزلة من عند الله بألفاظها ومعناها ‪ -‬ألن التعبد بتالوته معناه األمر بقراءته في الصالة‬
‫وغيرها على وجه العبادة‪ ،‬وليست قراءة اآلحاد واألحاديث القدسية كذلك‪.‬‬

‫_ الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي ‪:‬‬

‫الحديث النبوي ‪:‬‬

‫الحديث في اللغة‪ :‬ضد القديم ‪.‬‬

‫يف إلى النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة‪.‬‬
‫ض َ‬‫والحديث في االصطالح‪ :‬ما أ ِ‬

‫فالقول‪ :‬كقوله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪" :‬إنما األعمال بالنيات ‪."..‬‬

‫صلِي" ‪.‬‬
‫صلُّوا كما رأيتموني أ َ‬
‫والفعل‪ :‬كقوله‪َ " :‬‬

‫أمرا َعلِ َمه عن أحد الصحابة من قول أو فعل‪ ،‬ومن أمثلته‪" :‬أكل الضب على مائدته‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلقرار‪ :‬كأن يقر ً‬
‫صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬

‫ي‪" :‬من أنه ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كان دائم البِشر‪ ،‬سهل الخلق‪ ،‬لَيِ َن الجانب‪ ،‬ليس‬
‫والصفة‪ :‬كما ر ِو َ‬
‫بفظ وال غليظ وال صخاب وال فحاش وال عياب‪."...‬‬
‫الحديث القدسي‪:‬‬

‫عرفنا معنى الحديث لغة‪ ،‬والقدسي‪ :‬نسبة إلى القدس‪ ،‬وهي نسبة تدل على التعظيم‪ ،‬ألن مادة الكلمة دالة‬
‫على التنزيه والتطهير في اللغة‪ ،‬فالتقديس‪ :‬تنزيه الله تعالى‪ ،‬والتقديس‪ :‬التطهير‪ ،‬وتقدس‪ :‬تطهر‪ ،‬قال الله‬
‫سبِح بِ َح ْم ِد َك َون َق ِدس ل َ‬
‫َك}‪ ،‬أي نطَ ِهر أنفسنا لك‪.‬‬ ‫تعالى على لسان مالئكته‪َ { :‬ونَ ْحن ن َ‬
‫والحديث القدسي في االصطالح‪:‬‬

‫هو ما يضيفه النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬إلى الله تعالى‪.‬‬

‫أي إن النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬يرويه على أنه من كالم الله‪ ،‬فالرسول راو لكالم الله بلفظ من عنده‪،‬‬
‫وإذا رواه أحد رواه عن رسول الله م ْسنَ ًدا إلى الله عز وجل‪ ،‬فيقول‪" :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ -‬فيما يرويه عن ربه عز وجل‪ ."....‬أو يقول‪" :‬قال رسول الله‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‪ :‬قال الله تعالى‬
‫‪ -‬أو يقول الله تعالى‪."...‬‬

‫ومثال األول‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فيما يرويه عن ربه عز‬
‫وجل‪" :‬يد الله مألى ال يغيضها نفقة‪ ،‬سحاء الليل والنهار‪."...‬‬

‫ومثال الثاني‪ :‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪ :‬يقول الله تعالى "أنا‬
‫عند ظن عبدي بي‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرني‪ ،‬فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي‪ ،‬وإن ذكرني في مأل ذكرته‬
‫في مأل خير منه‪."...‬‬

‫_ الفرق بين القرآن الكريم والحديث القدسي‪:‬‬

‫هناك عدة فروق بين القرآن الكريم والحديث القدسي من أهمها‪:‬‬

‫ومعنى‪ ،‬والحديث القدسي معناه من الله‪ ،‬واللفظ مختلف به‬


‫ً‬ ‫‪ -4‬أن القرآن الكريم من عند الله لفظاً‬
‫والراجح أنه من عند الرسول صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ -2‬القرآن الكريم وقع به التحدي واإلعجاز‪ ،‬تحدى الله به العرب‪ ،‬فعجزوا عن أن يأتوا بمثله‪ ،‬أو بعشر‬
‫قائما‪ ،‬فهو معجزة خالدة إلى يوم الدين‪ .‬والحديث‬
‫سور مثله‪ ،‬أو بسورة من مثله‪ ،‬وال يزال التحدي به ً‬
‫القدسي لم يقع به التحدي واإلعجاز‪.‬‬

‫‪ -3‬القرآن تحرم روايته بالمعنى‪ ،‬والحديث القدسي تجوز روايته بالمعنى عند جمهور المحدثين‪.‬‬

‫‪ -1‬أن القرآن الكريم ال ينسب إال إلى الله تعالى‪ ،‬أما الحديث القدسي فينسب إلى الله تعالى نسبة إنشاء‬
‫فيقال‪ :‬قال الله تعالى‪ :‬ويروى مضافًا إلى الرسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬نسبة إخبار فيقال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬فيما يرويه عن ربه‪.‬‬

‫‪ -5‬أن القرآن الكريم منقول بطريق التواتر فهو قطعي الثبوت كله سوره وآياته وجمله ومفرداته وحروفه‬
‫وحركاته وسكناته‪ ،‬أما الحديث القدسي فأغلبه أحاديث آحاد ظني الثبوت‪ ،‬وقد يكون الحديث القدسي‬
‫صحيحا‪ ،‬وقد يكون حسنًا‪ ،‬وقد يكون ضعي ًفا‬
‫ً‬

‫‪ -6‬القرآن الكريم متَ َعبد بتالوته من وجهين‪:‬‬

‫‪ -‬أن الصالة ال تصح إال بتالوة القرآن دون الحديث القدسي‪{ :‬فَاقْرأوا ما تَيسر ِمن الْقر ِ‬
‫آن}‪.‬‬ ‫َ َ َ َ َ ْ‬

‫‪ -‬أن قراءته عبادة يثيب الله عليها بما جاء في الحديث‪" :‬من قرأ حرفًا من كتاب الله تعالى فله حسنة‪،‬‬
‫والحسنة بعشر أمثالها‪ ،‬ال أقول "ألم" حرف‪ ،‬ولكن ألف حرف‪ ،‬والم حرف‪ ،‬وميم حرف"‪.‬‬

‫عاما‪ ،‬فال يصدق فيه الثواب الذي ورد‬


‫والحديث القدسي ال يجزئ في الصالة‪ ،‬ويثيب الله على قراءته ثوابًا ًّ‬
‫ذكره في الحديث على قراءة القرآن‪ ،‬بكل حرف عشر حسنات‪.‬‬

‫‪ -7‬القرآن الكريم اشترط له الطهارة‪ ،‬أما األحاديث القدسية فلم تشترط له الطهارة‪.‬‬
‫_من أسماء القرآن الكريم‪:‬‬

‫‪ -‬القرآن‪ :‬كقوله تعالى‪{ :‬إِنه لَق ْرآن َك ِريم}‪.‬‬

‫ب فِ ِيه }‪.‬‬ ‫‪ -‬الكتاب‪ :‬كقوله تعالى‪{ :‬الم‪ ،‬ذَلِ َ ِ‬


‫ك الْكتَاب ال َريْ َ‬

‫‪ -‬الفرقان‪ :‬كقوله تعالى‪{ :‬تَبَ َار َك ال ِذي نَز َل الْف ْرقَا َن َعلَى َع ْب ِدهِ}‪.‬‬

‫َحافِظو َن}‪.‬‬ ‫ِ‬


‫‪ -‬الذكر‪ :‬كقوله تعالى‪{ :‬إِنا نَ ْحن نَزلْنَا الذ ْك َر َوإِنا لَه ل َ‬

‫ين}‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫{وإِنه لَتَ ْن ِزيل َر ِ‬


‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫‪ -‬التنزيل‪ :‬كقوله تعالى‪َ :‬‬

‫_من صفات القرآن الكريم ‪:‬‬

‫‪_4‬مبارك‪ :‬في قوله تعالى‪{ :‬وه َذا كِتَاب أَنزلْنَاه مبارك}‪_2 ..‬عزيز‪ :‬قال تعالى‪{ :‬إِنه ل ِ‬
‫َكتَاب َع ِزيز} ‪.‬‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ‬
‫ْك آيات ال ِ‬ ‫ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫اب‬ ‫‪_3‬كريم‪ :‬في قوله تعالى‪{ :‬إِنه لَق ْرآن َك ِريم}‪_1 ..‬الحكيم‪ :‬في قوله تعالى‪{ :‬الر تل َ َ‬
‫ْح ِك ِيم}‪.‬‬
‫ال َ‬

‫** فائدة** ‪:‬‬

‫وقد غلب من أسمائه‪" :‬القرآن" و"الكتاب"‪ ،‬حيث ورد باسم القرآن في ثالثة وأربعين موضعاً ‪ ،‬وورد اسم‬
‫الكتاب للقرآن في ثالثمائة وتسعة عشر موضعاً في سياقات مختلفة‪ ،‬قال الدكتور محمد عبد الله دراز‪:‬‬
‫متلوا باأللسن‪ ،‬كما ر ِ‬
‫وع َي في تسميته "كتابًا" كونه مدونًا باألقالم‪ ،‬فكلتا‬ ‫"ر ِ‬
‫وع َي في تسميته "قرآنًا" كونه ًّ‬
‫التسميتين من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه"‪ .‬وفي تسميته بهذين االسمين إشارة إلى أن من حقه العناية‬
‫جميعا‪ ،‬أن تضل‬
‫ً‬ ‫بحفظه في موضعين ال في موضع واحد‪ ،‬أعني أنه يجب حفظه في الصدور والسطور‬
‫إحداهما فتذكر إحداهما األخرى‪ ،‬فال ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من األصحاب‪،‬‬
‫جيال بعد جيل على هيئته التي و ِ‬
‫ض َع عليها أول مرة‪ ،‬وال ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو‬ ‫المنقول إلينا ً‬
‫عند الحفاظ باإلسناد الصحيح المتواتر‪ .‬وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس األمة المحمدية‬
‫إنجازا لوعد الله الذي تكفل بحفظه حيث يقول‪{ :‬إِنا‬
‫ً‬ ‫اقتداء بنبيها‪ .‬بقي القرآن محفوظًا في حرز حريز‪،‬‬
‫َحافِظو َن} ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع‬ ‫ِ‬
‫نَ ْحن نَزلْنَا الذ ْك َر َوإِنا لَه ل َ‬
‫السند"‪.‬‬

‫_ حكمة تعدد أسماء القرآن الكريم‪:‬‬

‫وقد بين العلماء ‪-‬رحمهم الله تعالى‪ -‬حكمة تعدد األسماء للقرآن الكريم فقال الفيروزآبادي ‪-‬رحمه الله‬
‫تعالى‪" :‬اعلم أن كثرة األسماء تدل على شرف المسمى أو كماله في أمر من األمور‪ ،‬أما ترى أن كثرة‬
‫أسماء األسد دلت على كمال قوته‪ ،‬وكثرة أسماء القيامة دلت على كمال شدته وصعوبته وكثرة أسماء‬
‫الداهية دلت على شدة نكايتها‪ ،‬وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلت على كمال جالل عظمته‪ ،‬وكثرة أسماء‬
‫النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬دلت على علو رتبته وسمو درجته وكذلك كثرة أسماء القرآن دلت على‬
‫شرفه وفضيلته" ‪.‬‬

‫تنبيه‪:‬‬

‫وبين أسماء القرآن الكريم الكثيرة اشتراك وامتياز‪ ،‬فهي تشترك في داللتها على ذات واحدة هي القرآن‬
‫الكريم نفسه ويمتاز كل واحد منها عن اآلخر بداللته على معنى خاص‪ ،‬فكل اسم للقرآن يدل على حصول‬
‫معناه فيه‪ ،‬فتسميته مثال بالهدى يدل على الهداية فيه‪ ،‬وتسميته بالتذكرة يدل على أن فيه ذكرى‪.‬‬

‫_مصدر أسماء القرآن الكريم‪:‬‬

‫وأسماء القرآن الكريم وصفاته توقيفية ال نسميه وال نصفه إال بما جاء في الكتاب أو في السنة النبوية‬
‫الشريفة‪.‬‬

‫_تسمية القرآن بالمصحف هل وردت في الكتاب أو في السنة ؟‬

‫إن المصحف ليس اسما للقرآن ذاته‪ ،‬وإنما هو اسم للصحف التي كتب عليها القرآن ‪ ،‬ولم يطلق عليه (‬
‫المصحف ) إال بعد جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ضم بعضها إلى‬
‫بعض فسميت مصحفا ‪ .‬ولهذا أيضا ال يصح أن يجمع لفظ القرآن ألن القرآن واحد ال يختلف في كل‬
‫المصاحف ‪ ،‬أما المصحف فيصح جمعه فيقال " مصاحف " ألن كل واحد منها أو مجموعة تختلف عن‬
‫األخرى ‪.‬‬

‫_خصائص القرآن الكريم‬


‫‪ -4‬أن القرآن معجز‪ :‬وهي من أبرز خصائص القرآن الكريم‪ ،‬وقد تحدى الله الخلق أن يأتوا بمثله‬
‫آن ال يَأْتُو َن بِ ِمثْلِه)‪ .‬فالقرآن معجز في ألفاظه‬
‫ت اإلنْس والْ ِج ُّن علَى أَ ْن يأْتُوا بِ ِمثْ ِل ه َذا الْ ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫(قُل لَئِ ِن اجتَمع ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫ْ‬
‫وأسلوبه‪ ،‬ومعجز في بيانه ونظمه‪ ،‬ومعجز بعلومه ومعارفه‪ ،‬ومعجز في تشريعه وصيانته لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫فهو معجز بكل ما يتحمله هذا اللفظ من معنى‪.‬‬
‫‪ -2‬التعبد بتالوته‪ :‬من خصائص القرآن التي ال تكون لسواه أن الله تعبَّد الخلق بتالوته‪ ،‬وعبادة الله‬
‫بتالوة القرآن‪ ،‬منها ما يكون واجباً كما في الصالة‪ ،‬فإن الصالة ال تتم إال بتالوته‪ ،‬ومنها ما يكون قربة‬
‫يثاب عليها‪ ،‬وذلك في تالوته آناء الليل وأطراف النهار‪.‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين}‪ .‬وتدبر‬ ‫‪ -3‬إن القرآن شفاء للناس‪ :‬قال تعالى‪َ { :‬ونُنَ ِزُل م َن الْ ُق ْرآن َما ُه َو ش َفاء َوَر ْح َمة ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫وصف الله للقرآن بأنه شفاء ولم يصفه بأنه دواء؛ ألن الشفاء هو ثمرة الدواء والهدف منه‪ ،‬أما الدواء فقد‬
‫يفيد وقد يضر فكان وصف القرآن بأنه شفاء تأكيد وأي تأكيد لثمرة التداوي به‪.‬‬
‫‪ -1‬حفظه في الصدور‪ :‬من أشرف خصائص القرآن الكريم أن الله تعالى كلف األمة بحفظه كله؛‬
‫وإال أثمت األمة كلها‪ .‬وذلك ال يكون إال عن طريق التلقي على أهل القرآن وال يكتفون بتعلمه من‬
‫المصاحف وحدها‪ ،‬بحيث كل مسلم يأخذ القرآن على يد مقرئ إلى أن يصل السند إلى التابعين ثم‬
‫متصال برسول الله ‪--‬‬ ‫الصحابة ثم الرسول ‪ .‬وبهذا يكون سند القرآن في كل عصر وفي كل حين ً‬
‫وليس هذا لكتاب غير القرآن الكريم‪ ،‬فقد شرف الله هذه األمة باتصال سندها برسولها ‪.‬‬
‫الذ ْكَر َوإِنَّا لَهُ لَ َحافِظُو َن} وقد مرت‬
‫‪ -5‬أن الله تعهد بحفظ القرآن‪ :‬قال تعالى‪{ :‬إِنَّا نَحن نََّزلْنا ِ‬
‫ُْ َ‬
‫بالقرآن أحداث عظيمة وتكالب عليه األعداء وتداعت عليه األمم ولو مر بعض ذلك على غير القرآن‬
‫ألصابه ما أصاب الكتب السابقة من التحريف والتغيير والتبديل‪ .‬أما القرآن وصل إلينا كما أنزله الله لم‬
‫يتبدل ولم يتغير‪ .‬ليتم الله نوره ولو كره الكافرون‪.‬‬
‫وقد كانت هذه اآلية بالنسبة للصحابة خبرا‪ ،‬ولكنها اآلن خبر ومعجزة‪ ،‬معجزة أن مر خمسة عشر‬
‫قرنًا ولم يقع ما يخالفها‪ ،‬وخبر بأن الحفظ مستمر إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫اب بِالْ َح ِق‬ ‫‪ -6‬أن القرآن خاتم الكتب السماوية والمهيمن عليها ‪ :‬قال تعالى ‪( :‬وأَنزلْنَا إِلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ََ ْ‬
‫اب َوُم َهْي ِمناً َعلَْي ِه)‪ ،‬والمعنى أنه شامل لما فيها وزائد عليها وشاهد وحاكم‬ ‫مص ِدقاً لِما ب ْين ي َديْ ِه ِمن الْ ِكتَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َُ َ ََ َ‬
‫عليها ‪ ،‬فما وافقه فهو حق ‪ ،‬وما خالفه فهو إما منسوخ أو باطل باعتباره محرفاً ‪ ،‬وهو حافظ لما فيها من‬
‫وعال عليها وغالب ‪ ،‬وناسخ لغير المحكم فيها ‪ ،‬فهو أكمل الكتب السماوية وخاتمها ‪.‬‬ ‫أصول الشرائع ‪ٍ ،‬‬
‫‪ -7‬شمولية خطاب القرآن‪ :‬فمن أبرز خصائص القرآن أن الله خاطب به اإلنس والجن‪ ( ،‬وأ ِ‬
‫ُوح َي‬ ‫َ‬
‫َّاس إِنِي‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫إلَ َّي َه َذا الْ ُق ْرآ ُن ألُنْذ َرُك ْم به َوَم ْن بَلَغ)‪ ،‬فهو رسالة الله إلى الناس جميعاً قال تعالى‪( :‬قُ ْل يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ول اللَّ ِه إِلَْي ُك ْم َج ِميعا)‪ ،‬وكذلك خاطب الله به الجن ودعاهم لإليمان بالله تعالى فقال عن حال الجن‬ ‫َر ُس ُ‬
‫آمنَّا بِِه‬ ‫ُوحي إِلَي أَنَّه استمع نَ َفر ِمن الْ ِج ِن فَ َقالُوا إِنَّا س ِمعنا قُرآناً عجباً ي ه ِدي إِلَى ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْشد فَ َ‬ ‫َ َْ ْ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫مع القرآن‪( :‬قُ ْل أ َ َّ ُ ْ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫َحد ) وهذا يدل على عالمية اإلسالم‪ ،‬فالله تعالى أرسل نبيه محمداً ‪ ‬بدين اإلسالم‬ ‫َولَن نُّ ْش ِرَك بَربِنَا أ َ‬
‫وجعل رسالته هي الخاتمة والناسخة لما قبلها‪ ،‬عامة للعالمين الجن واإلنس في كل زمان وفي كل مكان‪،‬‬
‫وفي حديث جابر‪" :‬وكان النبي ‪ ‬يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة"‪.‬‬
‫‪ -8‬شفاعة القرآن ألصحابه يوم القيامة‪ :‬ومن خصائص القرآن الكريم أنه يشفع ألهله يوم القيامة‬
‫شفيعا ألصحابه"‪.‬‬
‫قال رسول الله ‪" :‬اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة ً‬
‫‪ -9‬تعدد فضائل القرآن‪ :‬ال يخفى فضل القرآن على كل مسلم‪ ،‬ذلكم أن القرآن الكريم هو كتاب‬
‫الله الخالد‪ ،‬وأنزله هداية ورحمة للعالمين‪ ،‬وضمنه منهاجا كامال وشريعة تامة لحياة المسلمين‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫َجراً َكبِيراً}‪،‬‬ ‫الصالِح ِ‬
‫ات أ َّ‬ ‫{إِ َّن ه َذا الْ ُقرآ َن ي ه ِدي لِلَّتِي ِهي أَقْ وم وي ب ِشر الْمؤِمنِ َّ ِ‬
‫َن لَ ُه ْم أ ْ‬ ‫ين يَ ْع َملُو َن َّ‬
‫ين الذ َ‬‫َ َ ُ َ َُ ُ ُ ْ َ‬ ‫ْ َْ‬
‫فلقراءته فضل‪ ،‬والستماعه فضل‪ ،‬ولالجتماع على مدارسته فضل‪ ،‬ولتالوته آداب ليست لغيره‪ ،‬ولبعض سوره‬
‫وآياته فضل خاص‪ ،‬وتعدد أسمائه وأوصافه يدل على عظيم فضله‪ ،‬وألهل القرآن منزلة ليست لغيرهم‪ ،‬وله‬
‫أحكام تختص به دون غيره‪ ،‬وجعل على هجره عقوبة من الله مما يدل على مزيد فضله ‪.‬‬
‫تعريف علوم القرآن‬

‫علوم القرآن مركب إضافي‪ ،‬مكون من كلمتين‪ ،‬كلمة علوم وقرآن ‪.‬‬
‫وعلوم هي جمع علم ‪ ،‬والعلم في اللغة نقيض الجهل ‪ ،‬وهو مصدر مرادف للفهم والمعرفة‬
‫واإلدراك‪ ،‬ويراد به إدراك الشيء على حقيقته‪ ،‬ثم نُقل بمعنى المسائل المختلفة المضبوطة‬
‫ضبطاً علمياً والمتعلقة بعلم ما‪ ،‬ومن أحسن ما قيل في كلمة العلم أنها أشهر من أن تعرف‪.‬‬
‫ولعلوم القرآن معنيان ‪:‬‬
‫أ‪ -‬معنى عام ‪ .‬ب‪ -‬ومعنى خاص باعتباره ( فناً مدوناً )‪:‬‬

‫أ‪ -‬تعريف علوم القرآن في المعنى العام أو المعنى اإلضافي هو‪:‬‬


‫(( أنوواا المعووارف والعلوووم المتصوولة بووالقرآن الكوريم ‪ ،‬سوواء كانوود خادمووة لووه ‪ ،‬أو د القوورآن‬
‫على مسائلها وأحكامها )) ‪.‬‬
‫فعلوووم خادمووة للقوورآن كعلووم التجويوود ‪ ،‬وعلووم التفسووير ‪ ،‬وعلوووم اللغووة العربيووة ‪ ،‬وعلووم الناس و‬
‫والمنسوخ ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫وعلوووم د القوورآن علووى مسووائلها وأحكامهووا ‪ ،‬كعلووم الفقووه ‪ ،‬وعلووم التوحيوود ‪ ،‬وعلووم الفورائض ‪،‬‬
‫وعلم التاري ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وق وود توس ووع بع ووض العلم وواء ف ووي ذل ووك حت ووى أدخلو ووا عل ووم الط ووب ‪ ،‬وعل ووم الفل ووك‪ ،‬والجب وور ‪،‬‬
‫والهندسة ‪ ،‬وغيرها‪ .‬ولكون لويه هنالوك شوك أن كول العلووم الدينيوة والعربيوة داخلوة فوي معنوى‬
‫علوم القرآن في معناه العام ‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعريف علوم القرآن باعتباره علماً مدوناً أو المعنى االصطالحي لـ علوم القرآن‪:‬‬
‫علوم القرآن باعتباره فناً مدوناً عبارة عن مباحو أساسوية ينبغوي اإللموام بهوا لكول مقبول علوى‬
‫فهم ودراسة القرآن الكريم وإال ضل عن سواء السبيل ‪ ،‬لذا يمكن تعريفه بأنه ‪:‬‬
‫(( أنواع المعارف والعلوم والمباحث المتعلقة بـالقرآن الكـري مـ ناحيـة ن ولـ‪ ،‬وممعـ‪،‬‬
‫وقراءت‪ ،‬وناسخ‪ ،‬ومنسوخ‪ ،‬وتفسيره ومكي‪ ،‬ومدني‪ ،‬ونحو ذلك))‪.‬‬

‫‪-1-‬‬
‫ثمرة وفائدة وأهمية علوم القرآن‪:‬‬
‫علوم القرآن من أهم العلوم‪ ،‬وأعالها‪ ،‬وأنفعها‪ ،‬إذ هو السبيل لفهم كتاب الله‪ ،‬ومعرفة‬
‫أحكامه ‪ ،‬وحكمه ‪ ،‬ولذا تظهر علوم القرآن الكريم من جوانب عديدة أبرزها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬يساعد على فه وتدبر القرآن الكري ‪ ،‬واستنباط أحكامه ‪ ،‬ومعرفة حكمه ‪ ،‬وحل‬
‫مشكله ‪ ،‬وفهم متشابهه‪ ،‬بصورة صحيحة دقيقة ‪ ،‬ألنه ال يمكن أن يفهم القرآن ويفسره من‬
‫ال يعرف نطقه‪ ،‬ورسمه‪ ،‬وأوجه قراءته‪ ،‬وأسباب نزوله ‪ ،‬وناسخه ومنسوخه‪ ،‬ومحكمه‬
‫ومتشابهه‪ ،‬ونحو ذلك ‪ ،‬فهو األساس‪ ،‬والمفتاح لفهم القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -2‬زيــااة ال ق ــة واليق ــي به ــعا الق ــرآن الع ــي ‪ ،‬خاصووة لموون يتعمووة فووي معرفووة إعجووازه‪،‬‬
‫وأحكامه‪ ،‬وحكمه‪ ،‬ويقف على دقية أسراره‪ ،‬إذ الجهل بمثل هذه العلوم يجعل المسلم عرضة‬
‫للشبهات التي يقصد من ورائها زعزعة اليقين‪.‬‬
‫‪ -3‬معرفــة الوهــوا الع يمــة و الممتوودة عبوور التوواري وفووي كوول القوورون و التــي بــعلها العلمــاء‬
‫لخدمة هذا الكتاب ‪ ،‬ودور هذه الجهود في حفظه من التغيير والتبديل‪ ،‬وفي تيسير فهمه ‪.‬‬
‫‪ -4‬التسلح بعلوم قيمة تمك م الدفاع ع هعا الكتاب الع ي ضد مون يتعورل لووه مون‬
‫أعووداء اإلسووالم‪ ،‬ويبو الشووكوك والشوبهات فووي عقائووده وأحكامووه‪ ،‬وتعاليمووه‪ ،‬وهووو موون أعظووم‬
‫الواجبات ‪.‬‬
‫‪ -5‬نيل األمر وال واب ‪ ،‬إذ تعلم مثل هذه العلوم من أوسع أبواب العبودية لله ‪. ‬‬
‫‪ -6‬زيااة ال قافة العالية في القرآن الكريم ‪.‬‬

‫فضل علوم القرآن ومكانت‪ ،‬وشرف‪:،‬‬


‫موون أش وورف العل وووم وأفضوولها وأس ووماها‪ ،‬ألن ووه متعلق وة ب ووالقرآن الك وريم والكتوواب العزي ووز أش وورف‬
‫العلوم‪ ،‬ألن شرف العلم بشرف المعلوم‪.‬‬
‫موضوع علوم القرآن ‪ :‬هو القرآن الكريم‬

‫‪-2-‬‬
‫تاريخ ونشأة وتطور علوم القرآن‬

‫أوالً ‪ :‬في عهد الرسول صلى الل‪ ،‬علي‪ ،‬وسل ‪:‬‬


‫بداية ظهور علوم القرآن مرتبطة ببداية نزوله‪ ،‬فلما نز جبريل عليه السالم على رسو الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في غار حراء‪ ،‬وتال عليه قوله تعالى‪{:‬اقرأ باسم ربك الذي خلة‪.‬‬
‫خلة اإلنسان من علة‪ .‬اقرأ وربّك األكرم‪ .‬الذي علّم بالقلم‪ .‬علّم اإلنسان ما لم يعلم‪}.‬‬
‫[العلة‪ ]5-1‬بدأت العلوم المرتبطة بالقرآن بالظهور شيئاً فشيئاً‪ .‬ويمكن أن يُستنبط من‬
‫نزوله على الرسو صلى الله عليه وسلم في غار حراء جملة من أنواا علوم القرآن‪ ،‬ففيه من‬
‫العلوم‪ :‬علم نزوله‪ ،‬خصوصا ّأو ما نز ‪ .‬علم قراءته‪ .‬علم الوحي‪ .‬ثم ما لب القرآن ينز مرًة‬
‫ويحدث من علومه غير هذه الثالثة على حسب موضوعات اآليات وما يتعلة‬ ‫ُ‬ ‫بعد مرة‪،‬‬
‫بها‪.‬‬
‫وبهذا ندرك أن علوم القرآن نشأت منذ وقد مبكر في اإلسالم بل منذ أشرقد شمه‬
‫اإلسالم؛ ذلكم أن حفظ القرآن وتالوته وتدبره وتفسيره من أهم علوم القرآن الكريم‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬في عهد الصحابة رضي الل‪ ،‬عنه ‪:‬‬


‫الصحابة هم أعلم الناس بالقرآن وأسراره وعلومه بعد نبينا محمد ‪ ، ‬وأدركوا من علومه ما‬
‫ال نستطيع إدراكه نحن اليوم على الرغم من تقدم العلم وكثرتها وتنوعها وتعدد المدارس‬
‫والجامعات ومراكز البحوث وتقنيات التعليم لعدة أمور منها ‪:‬‬
‫‪ _1‬ألنهم تعلموا على أفضل وأبرك وأحسن معلم وهو نبينا محمد ‪ ، ‬فسمعوا منه ما لم‬
‫د‪(:‬‬ ‫يسمعه غيرهم‪ ،‬وفصل لهم ما أجمل فيه‪ ،‬ووضح لهم ما خفي عليهم‪ .‬م ال‪ :‬لَ َّما نَوَزلَ ْ‬
‫ين فَو َقالُوا ‪ :‬يَا َر ُسوَ اللَّ ِه فَأَيوُّنَا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يمانَو ُه ْم بِظُْل ٍم ) َش َّة َذل َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك َعلَى الْ ُم ْسلم َ‬ ‫ين َآمنُوا َولَ ْم يَو ْلب ُسوا إ َ‬
‫الذ َ‬
‫الش ْرُك ‪ ،‬أَلَ ْم تَ ْس َمعُوا إِلَى َما قَا َ لُْق َما ُن ِالبْنِ ِه‬
‫ك ‪ ،‬إِن ََّما ُه َو ِّ‬ ‫َال يظْلِم نَو ْفسه؟ فَو َقا َ ‪ :‬لَي ِ‬
‫ه َذل َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُ َُ‬
‫الش ْرَك لَظُْل ٌم َع ِظ ٌيم " البخاري‪.‬‬‫َوُه َو يَعِظُهُ ‪ " :‬يَا بوُنَ َّي َال تُ ْش ِرْك بِاللَّ ِه إِ َّن ِّ‬
‫‪_2‬أن الصحابة كانوا أهل لغة ‪ ،‬ونز القرآن بلغتهم فهم أعرف الناس بأسراره وبيانه‪.‬‬
‫‪_3‬تمتعهم بقوة الحافظة وصفاء العقو وذلك لما خصهم الله ووفقهم إليه ليحفظ الله بهم‬

‫‪-3-‬‬
‫دينه ونشره ‪.‬‬
‫‪ _4‬لمعايشتهم التنزيل ومعاصرتهم الوحي ‪ ،‬ومعرفتهم لزمان النزو ومكانه ومالبسته‪ ،‬يقو‬
‫اب اللَّ ِه إَِّال أَنَا‬
‫د سورةٌ ِمن كِتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ابن مسعود رضي الله عنه‪َ " :‬واللَّه الَّذي َال إلَهَ َغْيو ُرهُ َما أُنْ ِزلَ ْ ُ َ ْ‬
‫َح ًدا أ َْعلَ َم ِمنِّي‬ ‫ِ‬ ‫أ َْعلَم أَين أُنْ ِزلَد وَال أُنْ ِزلَد آيةٌ ِمن كِتَ ِ ِ‬
‫اب اللَّه إَِّال أَنَا أ َْعلَ ُم ف َيم أُنْ ِزلَ ْ‬
‫د َولَ ْو أ َْعلَ ُم أ َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ َْ ْ َ‬
‫د إِلَْي ِه " صحيح البخاري ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بِ ِكت ِ ِ ِ‬
‫اب اللَّه تُوبَولّغُهُ ا ِإلبِ ُل لََركْب ُ‬‫َ‬
‫‪ _5‬تميزوا بمنهج خاص وهمة عالية في تعلم القرآن وحفظه وفهمه والعمل به كما قا عبد‬
‫الرحمن السلمي‪" " :‬حدثنا الذين كانوا يقرئوننا –كابن مسعود وعثمان‪ :-‬أنهم كانوا‬
‫يستقرئون من النبي ‪ --‬فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعلموا بما فيها‬
‫جميعا" أحمد والطبري ‪.‬‬ ‫من العمل فتعلمنا القرآن والعمل ً‬

‫واشتهر ك ير م الصحابة بتفسير القرآن منه ‪ :‬الخلفاء األربعة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وابن‬
‫الزبير‪ ،‬وأبي بن كعب وزيد بن ثابد‪ ،‬وعبد الله بن مسعود‪ ،‬وأبو موسى األشعري‬
‫وعائشة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫وكثرت الرواية في التفسير عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن مسعود وأبي بن‬
‫كعب رضي الله عنهم‪.‬‬
‫ولم يتكلف الصحابة رضوان الله عليهم التفسير ولم يخوضوا فيما ال فائدة كبيرة في‬
‫تحصيله‪ ،‬ولم يكن تفسيرهم يشمل القرآن كله فبعض اآليات من الوضوح لديهم بحي‬
‫ال تحتاج إلى بيان لمعرفتهم للغة وأحوا المجتمع وأسباب النزو وغير ذلك‪ ،‬وقد‬
‫كانوا يهتمون بنشر علوم القرآن بالرواية والتلقي ال بالكتابة والتدوي ‪.‬‬
‫وإذا ن رنا إلى حال الصحابة رضوان الل‪ ،‬عليه ومدناه يتعلمون علوم القرآن‬
‫مشافهة ول يعرف عنده تدوي لعلوم القرآن لعدة أسباب أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن أغلب الصحابة كان أميا ال يعرف القراءة وال الكتابة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن أدوات الكتابة لم تكن متوافرة عندهم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الرسو ‪ --‬نهاهم عن كتابة شيء غير القرآن بقوله ‪" :‬ال تكتبوا عني‬
‫ومن كتب عني غير القرآن فليمحه"‪ .‬صحيح مسلم‬
‫‪ -4‬أن العلم كان متوافرا بينهم مشاعا عند الكثيرين منهم فاآلية يفهمها الجميع‬

‫‪-4-‬‬
‫والحدي يحفظه غالبهم‪ ،‬ولذا لما استحر القتل بالصحابة يوم اليمامة أمر الصدية رضي‬
‫الله عنه بجمع القرآن‪ ،‬ولما ظهر الوضع في الحدي وقل الحفاظ جمعد السنة‪.‬‬

‫ثال اً ‪ :‬في عهد التابعي رحمه الل‪ ،‬تعالى‪:‬‬


‫وحين اتسعد الفتوحات اإلسالمية انتشر الصحابة رضوان الله عليهم في البلدان‬
‫المفتوحة يعلمون أهلها القرآن ويفسرون لهم معانيه‪ ،‬وينشرون لهم علومه ومعارفه فبذله لهم‬
‫الصحابة وفتحوا لهم صدورهم وأفسحوا لهم مجالسهم؛ فنشأت ما يصح أن نطلة عليها‬
‫المعنى الحدي "مدارس التفسير" وهي كثيرة وأشهرها ثالث مدارس‪:‬‬
‫‪ _1‬مدرسة اب عباس رضي الل‪ ،‬عنهما في مكة‪:‬‬
‫وهو حبر هذه األمة وترجمان القرآن وهو الذي دعا له الرسو ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪-‬‬
‫بقوله‪" :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"‪ .‬مسند أحمد‬
‫ومن أشهر تالميذه سعيد بن جبير‪ ،‬ومجاهد بن جبر‪ ،‬وعكرمة مولى ابن عباس‪،‬‬
‫وطاوس‪ ،‬وعطاء بن أبي رباح‪.‬‬
‫‪ _2‬مدرسة أبي ب كعب رضي الل‪ ،‬عن‪ ،‬بالمدينة‪:‬‬
‫وقد كان رضي الله عنه أحد كتاب الوحي‪ ،‬وإمام القراء‪ ،‬شهد له الرسو ‪-‬صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ -‬بقوله‪" :‬أقرؤهم أبّي بن كعب"‪ ،‬وقوله‪" :‬استقرئوا القرآن من أربعة ‪ ،‬من ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬وسالم مولى حذيفة ‪ ،‬وأُبّي بن كعب ‪ ،‬ومعاذ بن جبل" رضي الله تعالى عنهم ‪.‬‬
‫ومن أشهر تالميذه زيد بن أسلم‪ ،‬وأبو العالية الرياحي‪ ،‬ومحمد بن كعب القرظي‪.‬‬
‫‪_3‬مدرسة عبد الل‪ ،‬ب مسعوا رضي الل‪ ،‬عن‪ ،‬في الكوفة‪:‬‬
‫يشا بعد الرسو ‪ --‬قا عنه الرسو عليه‬ ‫وهو أو من جهر بالقرآن وأسمعه قر ً‬
‫الصالة والسالم‪" :‬من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنز فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"‬
‫بضعا‬
‫يعني ابن مسعود وأخبر هو عن نفسه فقا ‪" :‬والله لقد أخذت من في رسو الله ‪ً ‬‬
‫وسبعين سورة"‪.‬‬
‫ومن أشهر تالميذه علقمة بن قيه‪ ،‬ومسروق بن األجدا‪ ،‬وقتادة بن دعامة‪ ،‬وعمرو‬
‫بن شرحبيل‪ ،‬وأبو عبد الرحمن السلمي‪ ،‬واسمه عبد الله بن حبيب مقرئ أهل الكوفة بال‬

‫‪-5-‬‬
‫منازا‪.‬‬
‫وتمي ت هعه المرحلة ال اهرة‪ :‬بأن أغلب العلوم في هذه المرحلة عن طرية المشافهة‬
‫والتلقين‪ ،‬ال الكتابة والتدوين‪.‬‬

‫_ عهد تدوي علوم القرآن‪:‬‬


‫وفي هذا العهد دوند بعض علوم القرآن الكريم كالقراءات وغريب القرآن والناس‬
‫والمنسوخ‪.‬‬
‫وأما التفسير فكان تدوينه حين بدأ تدوين الحدي النبوي‪ ،‬ومر بمراحل قبل أن يكون‬
‫على ما هو عليه اآلن‪.‬‬
‫فبدأ أوالً‪ :‬تدوينه أو ما بدأ على أنه باب من أبواب الحدي ‪ ،‬وممن دونه في هذه‬
‫المرحلة‪ :‬يزيد بن هارون السلمي "ت‪111‬هو"‪ ،‬وشعبة بن الحجاج "ت‪161‬هو" ووكيع بن‬
‫جمعا‬
‫الجراح "ت‪191‬هو"‪ ،‬وسفيان بن عيينة "ت‪191‬هو"‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وكان جمعهم للتفسير ً‬
‫جمعا للتفسير على استقال وانفراد‪ .‬وجميع ما نقلوه‬‫لباب من أبواب الحدي ‪ ،‬ولم يكن ً‬
‫فيها كان باإلسناد ولم يصل إلينا شيء منها‪.‬‬
‫قائما بنفسه وأشهر من دونه على هذا النحو‬ ‫علما ً‬
‫مستقال وأصبح ً‬‫ً‬ ‫ثم دون التفسير‬
‫يحيى بن سالم البصري‪" 2‬ت‪211‬هو"‪ ،‬وابن ماجه "ت‪213‬هو"‪ ،‬وابن جرير الطبري‬
‫"ت‪311‬هو"‪ ،‬وأبو بكر بن المنذر النيسابوري "ت‪311‬هو"‪ ،‬وابن أبي حاتم "ت‪321‬هو"‪،‬‬
‫وابن حبان "ت‪369‬هو"‪ ،‬والحاكم "ت‪415‬هو"‪ ،‬وابن مردويه "ت‪411‬هو"‪ ،‬وغيرهم وكل ما‬
‫في هذه التفاسير كان باإلسناد‪.‬‬
‫كامال‬
‫ويعد تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى أقدم تفسير شامل وصل إلينا ً‬
‫عرل فيه صاحبه لألقوا والروايات المختلفة في التفسير ورجح بعضها على بعض‪ ،‬كما‬
‫عرل لإلعراب واالستنباط واللغة وله في ذلك السبة‪.‬‬
‫والتفسير ‪-‬كما نعلم‪ -‬أحد علوم القرآن الكريم‪ ،‬بل هو نواة علوم القرآن الكريم وبهذا‬
‫يكون التفسير أو علم من علوم القرآن بدأت الكتابة فيه‪.‬‬
‫وقد ألف العلماء في العلوم األخرى م علوم القرآن كتبًا مستقلة‪:‬‬

‫‪-6-‬‬
‫في الناس والمنسوخ‪ :‬ألّف قتادة السدوسي ت ‪111‬هو ‪ ،‬وأبو عبيد القاسم بن سالم ت‬
‫‪224‬هو‪.‬‬
‫وفي أسباب النزو ‪ :‬ألّف ابن المديني شي البخاري ت ‪234‬هو‪ ،‬وأبو الحسن‬
‫الواحدي ت ‪461‬هو ‪.‬‬
‫وفي علم القراءات ‪ :‬أألّف أبو الحسن البصري ت ‪111‬هون وأبو بكر بن مجاهد ت‬
‫‪324‬هو‪.‬‬
‫وفي مشكل القرآن ‪ :‬ألّف مقاتل بن سليمان ت ‪151‬هو‪ ،‬والكسائي ت ‪112‬هو‪.‬‬
‫وفي غريب القرآن ‪ :‬ألّف عطاء بن أبي رباح ت ‪112‬هو‪ ،‬وابن قتيبة ت ‪216‬هو‪.‬‬
‫وفي إعراب القرآن ‪ :‬ألّف أبو إسحاق الزجاج ت ‪311‬هو‪ ،‬والنحاس ت ‪331‬هو‪.‬‬
‫إلى غيرها من الفنون من علوم القرآن التي خدمد القرآن ‪ ،‬وتميزت تلك الكتابات‬
‫باالستيعاب والتتبع لكل كتاب في ذلك العلم‪.‬‬
‫أه المؤلفات في علوم القرآن "كف مدون"‪:‬‬
‫اصطالح "علوم القرآن" لم يظهر في عناوين مؤلفاتهم إال في فترة متأخرة‪ .‬حي ظهر‬
‫هذا االصطالح أو ما ظهر في أواخر القرن الثال وأوائل القرن الرابع الهجري حين ألف‬
‫محمد بن خلف بن المرزبان "ت‪319‬هو" كتابه "الحاوي في علوم القرآن"‪.‬‬
‫ظهرت بعد ذلك مؤلفات كثيرة بعد ذلك في علوم القرآن كفن مدون منها على سبيل‬
‫المثا ال الحصر لها ‪:‬‬
‫ألف أبو الحسن األشعري "ت‪324‬هو" كتابه "المختزن في علوم القرآن"‬
‫وألف عبيد الله بن جرو األسدي "ت‪311‬هو" كتابه "األمد في علوم القرآن"‬
‫وألف ابن الجوزي "ت‪591‬هو" كتابه "فنون األفنان في عجائب علوم‬
‫القرآن"و"المجتبى في علوم القرآن"‪ ،‬و"المجتنى من المجتبى"‪.‬‬
‫وألف القزويني "ت‪625‬هو" كتابه "الجامع الحريز الحاوي لعلوم كتاب الله العزيز"‪،‬‬
‫وألف أبو شامة المقدسي"ت‪665‬هو" كتابه "المرشد الوجيز إلى علوم تتعلة بالكتاب‬
‫العزيز"‪.‬‬
‫وألف بدر الدين الزركشي "ت‪194‬هو" كتابه "البرهان في علوم القرآن"‪ ،‬وهو من أفضل‬

‫‪-7-‬‬
‫المؤلفات في علوم القرآن الكريم ومن أحسنها تنظيما وتبويبا وأسلوبا‪ ،‬ذكر فيها سبعة‬
‫وأربعين نوعا من أنواا علوم القرآن‪.‬‬
‫وألف ابن تيمية "ت‪121‬هو" كتابه "مقدمة في أصو التفسير" وهي مع إيجازها قيمة‬
‫جدا وطبعد مر ًارا‪.‬‬
‫وألف جال الدين عبد الرحمن بن عمر البلقيني ت ‪124‬هو‪ ،‬مواقع العلوم في مواقع‬
‫النجوم‪ ،‬ذكر فيها خمسين نوعا من أنواا علوم القرآن‪.‬‬
‫وألّف جال الدين السيوطي "ت‪911‬هو" كتابه القيم "اإلتقان في علوم القرآن" ذكر‬
‫نوعا من أنواا علوم القرآن على سبيل اإلجما والدمج ‪.‬‬ ‫فيه ثمانين ً‬
‫وفترت همة التأليف بعد ذلك‪ ،‬بل قا بعض العلماء‪ :‬إن التأليف في تلك الفترة‬
‫توقف‪.‬‬
‫أه المؤلفات في علوم القرآن كف مدون في العصر الحديث‪:‬‬
‫فصدرت مؤلفات كثيرة وأبحاث عديدة ليه‬ ‫وقد نشط التأليف في العصر الحدي‬
‫المقام إيرادها وال حصرها ولعل من أشهرها‪:‬‬
‫‪ -1‬التبيان لبعض المباح المتعلقة بالقرآن للشي طاهر الجزائري‪.‬‬
‫‪ -2‬منهج الفرقان في علوم القرآن للشي محمد سالمة‪.‬‬
‫‪ -3‬مناهل العرفان في علوم القرآن للشي محمد عبد العظيم الزرقاني‪.‬‬
‫‪ -4‬المدخل لدراسة القرآن الكريم‪ :‬للدكتور‪ /‬محمد بن محمد أبو شهبة‪.‬‬
‫‪ -5‬مباح في علوم القرآن للشي مناا القطان ‪.‬‬
‫‪ -6‬مباح في علوم القرآن د‪.‬صبحي الصالح‪.‬‬
‫‪-1‬دراسات في علوم القرآن د‪.‬فهد الرومي‬
‫‪-1‬المقدمات األساسية في علوم القرآن للشي عبد الله الجديع‪.‬‬
‫وهذه المؤلفات يالحظ عليها أن أغلبها قد ألفها أصحابها لطالبهم‪ ،‬مما يؤدي إلى‬
‫اإلجما في الحدي وتيسير المادة وعدم الخول في دقائة المسائل ووعر المسالك‪،‬‬
‫واختيار السبيل األسهل واأليسر‬
‫أه المؤلفات في علوم القرآن كعل واحد في العصر الحديث‪:‬‬

‫‪-8-‬‬
‫‪-1‬القواعد الحسان في تفسير القرآن للشي عبد الرحمن السعدي‪.‬‬
‫‪-2‬التفسير والمفسرون للشي محمد بن حسين الذهبي‪.‬‬
‫‪-3‬خصائص القرآن للدكتور فهد الرومي‪.‬‬
‫‪-4‬نزو القرآن على سبعة أحرف للشي مناا القطان‪.‬‬
‫‪-5‬مباح في التفسير الموضوعي للدكتور مصطفى مسلم‪.‬‬

‫‪-9-‬‬
‫‪-1-‬‬

‫نزول القرآن الكريم‬


‫هذا مبحث مهم في علوم القرآن بل هو أهم مباحثه جميعا ألن العلم بنزول القرآن أساس لإليمان بالقرآن وأنه كالم الله‬
‫وأساس للتصديق بنبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن اإلسالم حق‪ .‬ثم هو أصل لسائر المباحث اآلتية بعد في علوم القرآن‪.‬‬
‫فال جرم أن يت صدرها جمعاء ليكون من تقريره وتحقيقه سبيل إلى تقريرها وتحقيقها‪ .‬وإال فكيف يقوم البناء على غير أساس‬
‫ودعام؟‪.‬‬

‫تنزالت القرآن الكريم ‪:‬‬


‫الذي عليه جمهور العلماء ـ رحمهم الله ـ أن القرآن الكريم تميز بنوعين من أنواع النزول ‪:‬‬
‫النزول األول ‪ :‬نزول القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في السماء السابعة إلى بيت العزة في السماء الدنيا ‪،‬‬
‫وعلى هذا النزول تحمل اآليات التي تدل على نزوله جملة واحدة ‪:‬‬
‫َنزلْنَاهُ فِي لَْيـلَ ِة‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ضا َن الَّ ِذي أُن ِزَل فِ ِيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِلن ِ‬
‫َّاس َوبَيِِّنَات م َن الْ ُه َدى َوالْ ُف ْرقَان ) وقوله تعالى‪( :‬إِنَّا أ َ‬ ‫قال تعالى‪َ ( :‬ش ْه ُر َرَم َ‬
‫كة ) ‪ ،‬ومن المعلوم أن القرآن لم ينزل على النبي‪ ‬في شهر واحد وهو شهر‬ ‫الْ َق ْد ِر) ‪ ،‬وقال تعالى (إِنَّا أَنزلنَاه فِي لَيـلَ ٍة مبار ٍ‬
‫َ ُ ْ‬
‫وإنما نزل في عدد من الليالي واأليام‪ ،‬وبالليل‬ ‫وإنما نزل فيه وفي غيره من الشهور‪ ،‬كما أنَّه لم ينزل في ليلة واحدة َّ‬ ‫رمضان؛ َّ‬
‫والنهار‪ ،‬والصيف والشتاء‪.‬‬
‫النزول الثاني‪:‬نزول القرآن منجماً على قلب النبي ‪: ‬‬
‫وهذا النوع من النزول قد تضافرت عليه األدلة الكثيرة في القرآن والسنة من خالل أدلة تثبت تنجيم نزول القرآن عليه قوله‬
‫ين َك َف ُروا لَ ْوال نـُِِّزَل َعلَْي ِه الْ ُق ْرآ ُن ُج ْملَةً‬ ‫ْث ونـََّزلْناه تَن ِز ًيال )‪ ،‬وقال تعالى‪( :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ٍ‬ ‫تعالى‪َ ( :‬وقُـ ْرآنًا فَـَرقْـنَاهُ لِتَـ ْقَرأَهُ َعلَى الن ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َّاس َعلَى ُمك َ َ ُ‬
‫ت بِِه فُـ َؤ َاد َك َوَرتـَّ ْلنَاهُ تَـ ْرتِيال)‪ .‬كما أن األدلة الكثيرة المتضافرة في السنة النبوية التي توضح كيفية نزول جبريل‬ ‫احد ًة َك َذلِ ِ‬
‫ك لنُـثَـبِِّ َ‬
‫َ‬ ‫َو ِ َ‬
‫بالقرآن الكريم آلياته وسوره تقطع الشك في نزوله منجماً على قلبه ‪ ،‬وأن النبي ‪ ‬سمعه من جبريل بأذنيه ‪ ،‬ووعاه بقلبه ‪،‬‬
‫وبلغه للناس كما سمعه ‪.‬‬
‫الحكمة والفوائد من نزول القرآن منجماً على النبي ‪: ‬‬
‫‪ 1‬ـ تثبيت فؤاد النبي ‪: ‬‬
‫احد ًة َك َذلِ ِ‬ ‫هذه الحكمة قد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى‪( :‬وقَ َ َّ ِ‬
‫ت‬‫ك لنُـثَـبِِّ َ‬
‫َ‬ ‫ين َك َف ُروا لَ ْوال نـُِِّزَل َعلَْي ِه الْ ُق ْرآ ُن ُج ْملَةً َو ِ َ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫بِِه فُـ َؤ َاد َك َوَرتـَّ ْلنَاهُ تَـ ْرتِيال)‬
‫فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب ‪ ،‬وأشد عناية بالمرسل إليه ‪ ،‬ويستلزم ذلك‬ ‫يعني لنقوي به قلبك ‪َّ ،‬‬
‫كثرة نزول الملك عليه ‪ ،‬وتجديد العهد به ‪ ،‬وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز ‪ ،‬فيحدث له من السرور ما‬
‫تقصر عنه العبارة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ رد ُشبَه الكفار‪:‬‬
‫َح َسن تَـ ْف ِس ًيرا) أي ال يأتونك بحجة أو شبهة‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫وقد هذا قد جاء في قوله تعالى‪َ ( :‬وَال يَأْتُونَك بِ َمثَ ٍل إَِّال جْئـنَاك بِالْ َح ِِّق َوأ ْ‬
‫يقولون قوالً يعارضون به الحق إال جئناهم بما هو الحق في نفس األمر وأبين وأوضح وأفصح من مقالتهم‪ ،‬فأخبره الله أن‬
‫‪-2-‬‬

‫يجيبهم بأن أحكام الله ال تتبع أهواء البشر‪ ،‬وأنه ال يملك من األمر شيئاً ‪ ،‬وإنَّما هو مبلغ ما يُوحى إليه ‪ ،‬فعليكم أن تفهموا‬
‫مهمتي‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ فضح مكائد األعداء في حينها ‪:‬‬
‫كان القرآن الكريم ينزل على رسوله الكريم بكشف عورات أعدائه بصورة تهز كيان الباطل وتعلي بنيان الحق ‪ ،‬وتؤكد صدق‬
‫ين َآمنُواْ قَالُواْ َآمنَّا َوإِ َذا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الرسول ‪ ، ‬وأن هذا القرآن منزل من الله ‪ ‬وهذا كثير ‪ ،‬كقوله تعالى عن المنافقين ( َوإ َذا لَ ُقواْ الذ َ‬
‫ي أُن ِزَل‬ ‫ِ ِ ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬ ‫اطينِ ِهم قَالُواْ إِنَّا م َعك ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْم إن ََّما نَ ْح ُن ُم ْستَـ ْه ِزئُو َن)‪ ،‬وعن اليهود كقوله‪َ ( :‬وقَالَت طائ َفةٌ ِّم ْن أ َْه ِل الْكتَاب آمنُواْ بالذ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َخلَ ْواْ إلَى َشيَ ْ‬
‫آخَرهُ لَ َعلَّ ُه ْم يـَ ْرِجعُو َن)‪.‬‬
‫علَى الَّ ِذين آمنُواْ وجه النـَّها ِر وا ْك ُفرواْ ِ‬
‫َ َ َ َْ َ َ ُ‬ ‫َ‬

‫‪ 4‬ـ اإلجابة عن أسئلة السائلين‪:‬‬


‫األسئلة التي ترد على النبي ‪ ‬من الكفار وأعدائه فيحتاج إلى إجابة الوحي إليها على أعدائه (ويسألونك عن الروح ‪،‬‬
‫ويسألونك عن ذي القرنين )‪ ،‬وقد تكون األسئلة من أتباعه وأصحابه كسؤالهم (يسألونك عن الخمر والميسر‪ ،‬ويسألونك عن‬
‫اليتامى ‪ ،‬ويسألونك عن المحيض)‪.‬‬
‫‪ -5‬سهولة الحفظ أللفاظ القرآن‪ ،‬والتدبر والفهم لمعانيه‪.‬‬
‫‪ _6‬التدرج مع النفوس في تطبيق أحكام هذا الدين ‪.‬‬
‫‪ _7‬تحقيق اليقين على أن القرآن الكريم كالم رب العالمين ‪:‬‬
‫‪ -8‬التحدي واإلعجاز بهذا القرآن‪.‬‬
‫‪-3-‬‬

‫أول ما نزل وآخر ما نزل ‪:‬‬


‫اعتنى العلماء عناية خاصة بأول القرآن نزوالً‪ ،‬وآخر ما نزل منه‪،‬كما اعتنوا بأول ما نزل في مكة‪ ،‬وآخر ما نزل فيها‪،‬‬
‫كل حكم‪ ،‬وآخر ما نزل فيه‪.‬‬ ‫وأول ما نزل في المدينة وآخر ما نزل فيها‪ ،‬وأول ما نزل في ِّ‬
‫ومعرفة ذلك علم توقيفي يعتمد على النقل عن الصحابة أو التابعين ‪ ،‬وال مجال لالجتهاد فيه إال للترجيح بين األدلة‬
‫والنقول ‪.‬‬
‫وفي هذا المبحث ال نتحدث عن أول ما نزل وآخر ما نزل في كل تعليم من تعاليم اإلسالم فتلك غاية بعيدة المدى‬
‫ومجهود طويل جدير أن يفرد بالتأليف ‪ ،‬ولكن نتحدث عن أمرين‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أول ما نزل من القرآن على اإلطالق وآخر ما نزل منه على اإلطالق وهذا هو المقصود المهم‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬نماذج من أول ما نزل في بعض األحكام التشريعية وآخر ما نزل منها أي أوائل وأواخر إضافية مخصوصة‬
‫ومقيدة ببعض األحكام‪.‬‬
‫_ أول ما نزل من القرآن ‪:‬‬
‫اختلف العلماء في تحديد أول ما نزل من القرآن الكريم إلى عدة أقوال أشهرها قوالن‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن أول ما نزل من القرآن صدر سورة اقرأ ‪ ،‬وهذا القول رجحه جمهور العلماء من السلف والخلف‪ ،‬وتسنده‬
‫الصالِ َحةُ‬
‫ول اللَّ ِه ‪ِ ‬م ْن الْ َو ْح ِي الرْؤيَا َّ‬ ‫ئ بِِه َر ُس ُ‬ ‫األدلة الواضحة من ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ ( :‬أ ََّو ُل َما بُ ِد َ‬
‫َّث فِ ِيه ـ َوُه َو‬ ‫ٍ‬
‫ب إِلَْي ِه الْ َخالءُ ‪َ ،‬وَكا َن يَ ْخلُو بِغَا ِر ِحَراء فَـيَـتَ َحن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فِي النـَّوِم فَ َكا َن ال يـرى رْؤيا إِال جاء ِ‬
‫ت مثْ َل فَـلَق الصْب ِح ‪ ،‬ثَُّم ُحبِّ َ‬ ‫ََْ‬ ‫ََ ُ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يجةَ فَـيَـتَـَزَّو ُد لمثْل َها‪َ ،‬حتَّى َجاءَهُ الْ َحق َوُه َو‬ ‫ك ‪ ،‬ثَُّم يـَ ْرج ُع إلَى َخد َ‬ ‫ع إِلَى أ َْهله َويـَتَـَزَّو ُد ل َذل َ‬‫َّعب ُد ـ اللَّيَال َي ذَ َوات الْ َع َدد قَـْب َل أَ ْن يـَْن ِز َ‬
‫التـ َ‬
‫َخ َذنِي فَـغَطَّنِي َحتَّى بـَلَ َغ ِمنِِّي الْ َج ْه َد ‪ ،‬ثَُّم أ َْر َسلَنِي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪ :‬فَأ َ‬ ‫ال‪َ :‬ما أَنَا بَِقا ِر ٍئ ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪ :‬اقْـَرأْ ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك فَـ َق َ‬ ‫في َغا ِر ِحَراء ‪ ،‬فَ َجاءَهُ الْ َملَ ُ‬
‫ت َما أَنَا بَِقا ِر ٍئ ‪،‬‬ ‫ال‪ :‬اقْـَرأْ ‪ ،‬فَـ ُق ْل ُ‬‫َخ َذنِي فَـغَطَّنِي الثَّانِيَةَ َحتَّى بـَلَ َغ ِمنِِّي الْ َج ْه َد ثَُّم أ َْر َسلَنِي فَـ َق َ‬ ‫ت‪َ :‬ما أَنَا بَِقا ِر ٍئ ‪ ،‬فَأ َ‬ ‫ال‪ :‬اقْـَرأْ ‪ ،‬قُـ ْل ُ‬
‫فَـ َق َ‬
‫ك األَ ْكَرُم‪ .‬الَّ ِذي َعلَّ َم‬ ‫نسا َن ِم ْن َعلَ ٍق‪ .‬اقْـَرأْ َوَرب َ‬ ‫ِ‬
‫ك الذي َخلَ َق‪َ .‬خلَ َق اإل َ‬
‫ال‪( :‬اقْـرأْ بِاس ِم ربِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذنِي فَـغَطَّنِي الثَّالثَةَ ثَُّم أ َْر َسلَنِي فَـ َق َ َ ْ َِّ َ‬ ‫فَأ َ‬
‫بِالْ َقلَ ِم‪ .‬علَّم ا ِإلنسا َن ما لَم يـعلَم)‪ ،‬فَـرجع بِها رس ُ ِ‬
‫ف فُـ َؤ ُادهُ ‪ ....‬الحديث‬ ‫ول اللَّه ‪ ‬يـَ ْر ُج ُ‬ ‫َ َ َ َ ْ َْ ْ َ َ َ َ َ ُ‬
‫القول الثاني‪ :‬وذهب طائفة من العلماء إلى أن أول ما نزل من القرآن سورة المدثر‪ ،‬فقد روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد‬
‫الرحمن قال‪" :‬سألت جابر بن عبد الله ‪ ،‬أي القرآن أنزل قبل؟! قال ‪ :‬يا أيها المدثر"‪.‬‬
‫والراجح‪ :‬القول األول هو الراجح ألمور‪ ،‬ومنها‪ :‬ما ثبت في الصحيحين عن جابر قال ‪ :‬سمعت رسول الله ‪ ‬وهو‬
‫يحدث عن فترة الوحي فقال‪ :‬بينما أنا امشي سمعت صوتاً من السماء‪ ،‬فرفعت رأسي‪ ،‬فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس‬
‫على كرسي بين السماء واألرض ‪ ...‬فأنزل الله يا أيها المدثر الحديث ‪ .)...‬فالمدثر أول نزل بعد فتور الوحي ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن مراد جابر بن عبد الله رضي الله عنهما – إنِّما هو فيما نزل سورة كاملة‪ ،‬ذلك أن المدثر اكتمل نزولها قبل سورة اقرأ‪،‬‬
‫التي نزل منها صدر السورة فقط‪.‬‬
‫‪-4-‬‬

‫ثالثا‪ :‬أن مراد جابر يتعلِّق بأوليِّة اإلنذار‪ ،‬ال مطلق اإلنباء‪ ،‬فمن المعلوم أن سورة المدثر‪ :‬نزلت آمرة النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أن ينطلق داعية إلى الله منذراً أهل الشرك والضاللة مغبة ما هم فيه من عبادة األوثان وتقديس األصنام‪ .‬أما سورة العلق فلم‬
‫يكن فيها شيء من ذلك‪ ،‬بل هو مجرد اإلنباء والتهيئة لتلقي رسالة السماء‪.‬‬

‫آخر ما نزل من القرآن ‪:‬‬


‫ليس في موضوع آخر ما نزل من القرآن أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وإنما هي آثار مروية عن بعض‬
‫الصحابة‪ ،‬والتابعين‪ ،‬استنتجوها مما شاهدوه من نزول الوحي‪ ،‬ومالبسات األحوال‪ ،‬وقد يسمع أحدهم ما ال يسمعه اآلخر‬
‫ويرى ما ال يرى اآلخر‪ ،‬فمن ثم كثر االختالف بين السلف والعلماء‪ ،‬في آخر ما نزل وتعددت األقوال وتشعبت اآلراء ‪.‬‬
‫وعلى ذلك اختلف العلماء إلى أقوال عديدة أشهرها قوالن ‪:‬‬
‫ين )‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫القول األول‪ :‬آخر ما نزل هو قوله تعالى ( يا أَيـ َها الَّ ِذين آمنُواْ اتَّـ ُقواْ اللِّهَ و َذرواْ ما ب ِقي ِمن ِ ِ‬
‫الربَا إن ُكنتُم م ْؤمن َ‬ ‫َ ُ َ َ َ َ ِّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ت َوُه ْم الَ‬ ‫س ِّما َك َسبَ ْ‬ ‫القول الثاني‪ :‬أن آخر آية نزلت من القرآن قوله تعالى‪َ ( :‬واتِّـ ُقواْ يـَ ْوماً تـُ ْر َجعُو َن فِ ِيه إِلَى اللِّ ِه ثُِّم تـُ َوفِّى ُك ِّل نـَ ْف ٍ‬
‫َ‬
‫يُظْلَ ُمو َن)‪.‬‬
‫والقول الصواب هو القول الثاني أن آخر ما أنزل من القرآن قوله تعالى‪َ ( :‬واتِّـ ُقواْ يـَ ْوماً تـُ ْر َجعُو َن فِ ِيه إِلَى اللِّ ِه ثُِّم تـُ َوفِّ َى‬
‫ت َوُه ْم الَ يُظْلَ ُمو َن)‪.‬‬
‫س ِّما َك َسبَ ْ‬‫ُك ِّل نـَ ْف ٍ‬
‫أ‪ -‬لم يحظ قول من األقوال التي سنذكرها بجملة من اآلثار‪ ،‬وأقوال أئمة التفسير مثل ما حظي به هذا القول‪.‬‬
‫ب‪ -‬ما تشير إليه هذه اآلية في ثناياها من التذكير باليوم اآلخر‪ ،‬والرجوع إلى الله ليوفِّي كال جزاء عمله‪ ،‬وهو أنسب بالختام‪.‬‬
‫ج‪ -‬ما ظفر به هذا القول من تحديد الوقت بين نزولها‪ ،‬وبين وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يظفر قول غيره بمثل هذا‬
‫التحديد‪ ،‬حيث قيل أن بينها وبين وفاة الرسول ‪ ‬تسع ليال فقط‪.‬‬
‫د‪ -‬وكذلك أن آية الربا آخر ما نزل في القرآن لها تأويل مقبول منها‪ :‬أنها آخر آية نزوالً في شأن الربا كما قال ابن حجر ‪،‬‬
‫وليس من القرآن‪.‬‬

‫** فوائد معرفة أول وآخر ما نزل‪:‬‬


‫‪ -1‬معرفة الناسخ والمنسوخ من األحكام والتشريعات‪.‬‬
‫‪ -2‬الوقوف على السياسة الحكيمة للقرآن في التدرج القرآن في النزول‪.‬‬
‫‪ -3‬يساعد على تدبر وفهم القرآن الكريم بصورة سليمة‪ ،‬واستنباط األحكام بدقة‪.‬‬
‫‪ -4‬معرفة منهج اإلسالم في ترتيب األولويات‪.‬‬
‫‪ -5‬معرفة مد ى عناية علماء اإلسالم بهذا القرآن مما يؤكد صيانته عن الخطأ والتحريف باعتنائهم بهذا العلم في معرفة أول‬
‫وآخر ما أنزل من القرآن ‪.‬‬
‫‪-5-‬‬

‫الوحي‬
‫في اللغة ‪ :‬اإلعالم في خفاء بأي صورة كانت ‪ .‬ورد الوحي في أكثر من (‪ 77‬موضع)‬
‫في االصطالح ‪ :‬هو إعالم الله لنبي من أنبيائه بنبوته ‪ -‬بكيفية مخصوصة ‪ -‬وما يتبعها‪ ،‬من أوامر ونواهٍ وأخبار‪.‬‬
‫وقد يطلق ويراد به اسم المفعول منه ‪ ،‬أي الموحى به وهو ‪ :‬كالم الله المنزل على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫–‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((وَما يَنط ُق َع ِن الْ َه َوى * إ ْن ُه َو إَّال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫وحى))‪.‬‬ ‫قال تعالى ‪َ :‬‬
‫من استعماالت الوحي في القرآن وهي‪:‬‬
‫وقد ورد الوحي في القرآن الكريم بمعان كثيرة ال تخرج عن المعنى اللغوي‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪_1‬اإليحاء بمعنى إيقاع المعنى في القلب بطريقة خفية‪ ،‬كاإلفهام باإلشارة السريعة بجارحة من الجوارح ‪،‬‬
‫اب فَأ َْو َحى إِلَْي ِه ْم أَن َسبِِّ ُحوا بُ ْكَرةً‬ ‫وم ِه ِمن المحر ِ‬ ‫كإيحاء زكريا عليه السالم إلى قومه ‪،‬كما قال تعالى ‪(( :‬فَخرج علَى قَ ِ‬
‫ََ َ َ‬
‫ْ‬
‫َو َع ِشيِّاً))‪.‬‬
‫‪ _2‬ويأتي بمعنى اإللهام الفطري لإلنسان ‪ ،‬وهو ما يلقيه الله في قلب روع اإلنسان السليم الفطرة الطاهر الروح ‪،‬‬
‫(وإِذ‬ ‫ِِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وسى أَ ْن أ َْرضعيه ))‪ ،‬ومنه الوحي للحواريين قال تعالى ‪َ :‬‬ ‫كالوحي إلى أم موسى قال تعالى ‪َ (( :‬وأَْو َحْيـنَا إلَى أ ُِّم ُم َ‬
‫لى قاَلُوا ءَ َامنِّا َوأشه ْد بِأَنـِّنَا ُم ْسلِ ُمون)‬ ‫ين أَ ْن ءَ ِامنُوا بِي َوبَِر ُسو ِ‬ ‫ت إلى َ ِِ‬
‫الح ِواري َ‬ ‫أ َْو َحْي ُ َ‬
‫َّخ ِذي ِم َن الْ ِجبَ ِال‬ ‫ك إِلَى النَّح ِل أ َِن ات ِ‬
‫ْ‬ ‫((وأ َْو َحى َرب َ‬
‫‪ _3‬أو اإللهام الغريزي للحيوان‪ ،‬كالوحي للنحل ‪ ،‬قال تعالى ‪َ :‬‬
‫َّج ِر))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بـُيُوتاً َوم َن الش َ‬
‫وحو َن إِلَى أ َْولِيَآئِ ِه ْم لِيُ َج ِادلُوُك ْم))‪ ،‬وكذلك‬ ‫ين لَيُ ُ‬
‫ِ‬ ‫‪ _4‬ويأتي الوحي بمعنى الوسوسة كما في قوله تعالى‪ِ :‬‬
‫((وإ َّن الشَّيَاط َ‬ ‫َ‬
‫ض ُه ْم إِلَى بَـ ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ا ِإل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ض))‪.‬‬ ‫نس َوالْج ِِّن يُوحي بَـ ْع ُ‬ ‫ك َج َع ْلنَا ل ُك ِِّل نب ٍِّي َع ُد ِّواً َشيَاط َ‬‫((وَك َذل َ‬ ‫في قوله تعالى ‪َ :‬‬
‫ك إِلَى الْ َمآلئِ َك ِة أَنِِّي َم َع ُك ْم فَـثَـبِِّتُواْ‬‫وحي َرب َ‬ ‫‪ _5‬وكذلك ما يلقيه الله إلى مالئكته من أمر ليفعلوه قال تعالى ‪(( :‬إِ ْذ ي ِ‬
‫ُ‬
‫ين َآمنُواْ ))‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ا لذ َ‬
‫ض أَثْـ َقالَ َها (‪َ )2‬وقَ َ‬
‫ال‬ ‫ت ْاألَرض ِزلْزالَها (‪ )1‬وأ ِ‬ ‫‪ _6‬األمر الكوني للجمادات‪ ،‬قال تعالى ‪( :‬إِ َذا ُزلْ ِزلَ ِ‬
‫َخَر َجت ْاأل َْر ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ ََ‬
‫ك أ َْو َحى لَ َها) ‪ ،‬وقال تعالى ‪َ ( :‬وأ َْو َحى فِي ُك ِِّل َس َم ٍاء أ َْمَرَها) ‪.‬‬ ‫َخبَ َارَها (‪ )4‬بِأ َّ‬
‫َن َربَّ َ‬ ‫ثأْ‬ ‫اإلنْ َسا ُن َما لَ َها (‪ )3‬يـَ ْوَمئِ ٍذ تُ َح ِِّد ُ‬‫ِْ‬

‫أنواع الوحي ‪:‬‬


‫– ملك الوحي ‪.‬‬ ‫‪ -‬النوع األول ‪ :‬الوحي بواسطة جبريل – عليه السالم‬
‫وال تخلو كيفيته من إحدى ثالث حاالت ‪:‬‬
‫أشده على الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫‪ -‬الحالة األولى ‪ :‬أن يأتيه الملك خفية فال يرى‪ ،‬مثل صلصلة الجرس ‪ ،‬وهي ِّ‬
‫‪-6-‬‬

‫عليه وسلم ‪. -‬‬


‫‪ -‬الحالة الثانية ‪ :‬أن يتمثل له الملك رجالً سويًّا ‪ ،‬ويأتيه في صورة بشر ‪ ،‬وهذه الحالة أخف من سابقتها ‪.‬‬
‫‪ -‬دليلهما ‪ :‬ما روته عائشة – أم المؤمنين ‪ ،‬ورضي الله عنها – أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬كيف الوحي ؟ فقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم – " أحيانا يأتيني‬
‫مثل صلصلة الجرس ‪ -‬وهو أشده عليِّ – فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال ‪ .‬وأحيانا يتمثل لي الملك رجال‬
‫فيكلمني فأعي ما يقول " ‪.‬‬
‫قال الخطابي ‪" :‬يريد أنه صوت متدارك يسمعه وال يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بل هو صوت‬
‫حفيف أجنحة الملك ‪ 0‬والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فال يبقى فيه مكان لغيره ‪ ،‬ولما كان الجرس ال‬
‫تحصل صلصلته إال متداركة وقع التشبيه به دون غيره من اآلالت "‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬وهي حالة نادرة الوقوع ‪.‬‬
‫أن يأتيه جبريل في صورته التي خلقه الله عليها‪ :‬ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته‬
‫الحقيقية مرتين‪ :‬األولى كانت في األرض في مكة جهة أجياد في كرسي بين السماء واألرض‪ ،‬له ستمائة جناح وقد‬
‫سد األفق‪ .،‬والثانية في السماء عند سدرة المنتهى ليلة اإلسراء والمعراج ‪.‬‬
‫ِّ‬

‫‪ -‬النوع الثاني ‪ :‬الوحي بغير واسطة ‪ .‬وله ثالث صور ‪:‬‬


‫‪ -‬األولى ‪ :‬الرؤيا الصالحة في المنام ‪:‬‬
‫فعن عائشة –رضي الله عنها – قالت ‪ " :‬أول ما بدئ به ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الرؤيا الصالحة في النوم ‪.‬‬
‫فكان ال يرى رؤيا إال وجاءت مثل فلق الصبح "‪.‬‬
‫‪ -‬الثانية ‪ :‬الكالم اإللهي من وراء حجاب يقظة كما قال تعالى عن نبيه موسى (( وكلم الله موسى تكليما))‪،‬‬
‫وكما حدث لنبينا عليه الصالة والسالم ليلة اإلسراء والمعراج‪.‬‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬
‫الموحى إليه مما أراد الله تعالى ‪ ،‬قال النبي َ‬ ‫‪ -‬الثالثة ‪ :‬النفث في الروع وهو ما يقذفه الله في قلب َ‬
‫َج ِملُوا في الطَّلَ ِ‬ ‫ِ‬
‫س َحتَّى تَ ْست ْكم َل ِرْزقَـ َها فَاتَّـ ُقوا اللهَ َوأ ْ‬ ‫ِ‬
‫ب ‪)....‬‬ ‫ث في ُروعي أَنِّه لَ ْن تَ ُم َ‬
‫وت نَـ ْف ٌ‬ ‫َو َسلَّ َم ‪ ( :‬إ َّن ُر َ‬
‫وح ال ُق ُد ِس نَـ َف َ‬
‫‪.‬‬
‫دليل أنواع الوحي من القرآن ‪ :‬كيفية تلقي النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للوحي ؟‬
‫‪ -‬ودليل هذه األنواع مع ما تضمنته من حاالت وأنواع قوله تعالى ‪:‬‬
‫(( َوَما َكا َن لِبَ َش ٍر أَن يُ َكلِِّ َمهُ اللَّه ))‬
‫[ ‪ ] 1‬إَِّال َو ْحياً‬
‫[ ‪ ] 2‬أَو ِمن وراء ِحج ٍ‬
‫اب‬ ‫ْ ََ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫[ ‪ ] 3‬أ َْو يـُْرس َل َر ُسوالً فَـيُوح َي بإ ْذنه َما يَ َشاءُ إنَّهُ َعل ٌّي َحك ٌ‬
‫يم ))[ الشورى ‪. ]51 :‬‬
‫‪-7-‬‬

‫بيَّنت هذه اآلية ثالث طرق‪ ،‬وهي‪:‬‬


‫الروع أو الرؤيا في المنام‪.‬‬
‫الطريقة األولى ‪ :‬الوحي المباشر ‪ ،‬إما باإللقاء في ُ‬
‫الطريقة الثانية ‪ :‬الكالم من وراء حجاب‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة ‪ :‬إرسال الرسول بالوحي‪.‬‬

‫_ كيفية نزول الوحي على النبي ‪: ‬‬


‫هناك أربع زوايا سيتم الحديث عنها في أمر الوحي‪:‬‬
‫‪-1‬من خالل وصف النبي ‪ -2 .‬وصف الصحابة لنزول الوحي على النبي ‪.‬‬
‫‪-3‬حقيقة الوحي ‪ -4 .‬وصف األعداء للوحي‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬من خالل وصف النبي ‪ ‬بما يحس به أثناء تلقي الوحي‪ :‬هذه الزاوية كان مما سأل عنه الصحابة حيث‬
‫سأل الحارث ابن هشام النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يا رسول الله كيف يأتيك الوحي ؟ فقال ‪( :‬أحيانا يأتيني) وهذا كالم النبي‬
‫‪ ‬عن نفسه قال‪( :‬أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال)‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬من خالل وصف الصحابة ‪ ‬لما يشاهدون حال نزول الوحي على النبي ‪ ‬من آثار نزول الوحي أو‬
‫اآلثار على دابته التي يركبها وقد وردت في هذا نصوص كثيرة عن الصحابة منها‪ :‬قول عائشة ‪( :‬ولقد رأيته ينزل‬
‫عليه الوحي في اليوم شديد البرد فيفصم "من الشدة يقلع وينجلي عني " عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا) أخرجه اإلمام‬
‫مالك واإلمام البخاري واإلمام مسلم‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬حقيقة الوحي نفسه وكيفية انتقاله من جبريل للنبي ‪ :‬وهذا من أمر الغيب الذي ال يمكن للعقل أن‬
‫يدركه بمفرده ومن ثم فأن القول في حقيقته يتوقف على ما ورد عنه في القرآن أو السنة ولم يرد في حقيقة الوحي وكيفية‬
‫انتقاله من جبريل عليه السالم للنبي ‪ ‬آية أو حديث‪ ،‬والموقف الصحيح هو التوقف عن الخوض في هذه المسألة‬
‫تماما‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬من خالل وصف األعداء المعادين للوحي‪ :‬كيف كانوا يصفون الوحي المكذبون المشركون ‪،‬‬
‫والمعاصرون اآلن من المستشرقين المخالفين لنا في الدين والرؤية‪.‬‬
‫بعض األعداء المعارضين للوحي ربما كان يشاهد النبي ‪ ‬أثناء نزول الوحي وبعضهم وأكثرهم لم يشاهده ولكن‬
‫ال إِ ْن َه َذا إَِّال ِس ْحٌر يـُ ْؤثـَ ُر))‪ ،‬وقال‬
‫كان يتهمه بتهم وهو بعيد عن حالة نزول الوحي مباشرة‪ ،‬كما في قوله تعالى‪(( :‬فَـ َق َ‬
‫ِ‬ ‫نذر ِمْنـهم وقَ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال الْ َكاف ُرو َن َه َذا َساحٌر َك َّذ ٌ‬
‫اب) ‪.‬‬ ‫اءهم م ٌ ِّ ُ ْ َ‬
‫((و َعجبُوا أَن َج ُ‬
‫تعالى‪َ :‬‬

‫_ شبهات مثارة حول الوحي ‪:‬‬


‫‪-8-‬‬

‫وقد حرص المشككون حديثا وقديما على إثارة بعض الشبه حول الوحي عتوا واستكبارا وهي شبه واهية ومردودة‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬زعموا أن القرآن الكريم من عند محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ابتكر معانيه ‪ ،‬وصاغ أسلوبه ‪ ،‬وليس وحياً‬
‫يوحى ‪.‬‬
‫وهذا زعم باطل ‪ ،‬فإنه عليه الصالة والسالم إذا كان يدعي لنفسه الزعامة ويتحدى الناس بالمعجزات لتأييد زعامته‬
‫فال مصلحة له في أن ينسب ما يتحدى به الناس إلى غيره ‪ ،‬وكان في استطاعته أن ينسب القرآن لنفسه ‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫كافياً لرفعة شأنه ‪ ،‬والتسليم بزعامته ‪ ،‬ما دام العرب جميعاً على فصاحتهم قد عجزوا عن معارضته ‪ ،‬بل ربما كان هذا‬
‫أدعى للتسليم المطلق بزعامته ألنه واحد منهم أتى بما لم يستطيعوه ‪.‬‬
‫موقف يرد عليهم‪ :‬لقد اتهم المنافقون زوجته عائشة بحديث اإلفك ‪ ،‬وهى أحب زوجاته إليه ‪ ،‬واتهامها يمس‬
‫كرامته وشرفه ‪ ،‬وأبطأ الوحي ‪ ،‬وتحرج الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وتحرج صحابته معه حتى بلغت القلوب‬
‫الحناجر ‪ ،‬وبذل جهده في التحري واالستشارة ‪ ،‬مضى شهر بأكمله ‪ ،‬ولم يزد على ان قال لها آخر األمر (( أما إنه‬
‫بلغني كذا وكذا ‪ ،‬فإن كنت برئية فسيبرئك الله ‪ ،‬وإن كنت ألممت بذنب فأستغفري الله )) وظل هكذا إلى أن نزل‬
‫الوحي ببراءتها ‪.‬‬
‫فماذا كان يمنعه لو أن القرآن كالمه من أن يقول كالما يقطع به ألسنة المتخرصين ‪ ،‬ويحمي عرضه ؟‪.‬‬

‫‪ -2‬زعم الجاهليون قديماً وحديثاً أنه عليه الصالة والسالم كان له صفات ليست لغيره من حدة الذكاء ‪ ،‬ونفاذ‬
‫البصيرة ‪ ،‬وقوة الفراسة ‪ ،‬وشدة الفطنة ‪ ،‬وصفاء النفس ‪ ،‬وصدق التأمل ‪ ،‬ما يجعله يدرك مقاييس الخير والشر ‪،‬‬
‫ويتعرف على خبايا األمور بالكشف والوحي النفسي ‪ ،‬وال يخرج القرآن عن أن يكون له أثراً لالستنباط العقلي ‪،‬‬
‫واإلدراك الوجداني عبر عنه محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بأسلوبه وبيانه ‪.‬‬
‫تقدم العلم صحتها‬ ‫الجواب‪ :‬احتوى القرآن كذلك على حقائق علمية‪ ،‬ونظريات طبيعية وفلكية تثبت األيام بعد ِّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫{سنُ ِريه ْم آياتنا في ْاآلفاق َوفي أَنْـ ُفسه ْم َحتَّى يَـتَـبَـيَّ َن لَ ُه ْم أَنَّهُ الْ َحق} [فصلت‪ِّ .]53 :‬‬
‫وتضمن‬ ‫وأسبقيتها‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬‬
‫القرآن في بيان العقائد أمورا تفصيلية عن بدء الخلق ونهايته وعن الحياة اآلخرة وما فيها من الموقف والحساب والجنة‬
‫تضمنه القرآن من أحكام قاطعة عن أخبار المستقبل‪ ،‬وما يجري من أحداث تقع وفق‬ ‫والنار‪ ،‬ويضاف إلى ذلك كله ما ِّ‬
‫أمي لم يعرف الكتابة ولم يقرأ في كتاب‪،‬‬ ‫سنن الله االجتماعية في القوة والضعف والعزة والذلة‪ .‬والذي ينطق بهذا رجل ِّ‬
‫يتحدى بما جاء به جميع الناس في كل أرض وفي كل زمان‪ .‬إن التفسير المنصف لما جاء به هو اإليمان‬ ‫ومع ذلك ِّ‬
‫{وما يَـْن ِط ُق َع ِن الْ َهوى‬
‫بهذا االتصال الذي حدث بين األرض والسماء عن طريق الوحي لتبليغ هداية الله؛ قال تعالى‪َ :‬‬
‫(‪ )3‬إِ ْن ُه َو إَِّال َو ْح ٌي يُوحى} ‪.‬‬

‫‪ -3‬زعم الجاهليون قديما وحديثا أن محمدا قد تلقى العلوم القرآنية على يد معلم ‪.‬‬
‫‪-9-‬‬

‫وهذا حق ! إال أن المعلم الذي تلقي عنه القرآن هو ملك الوحي ‪ ،‬أما أن يكون له معلم من قومه أو من غير قومه‬
‫فال ‪ .‬إنه عليه الصالة والسالم قد نشأ أميا وعاش أميا ‪ ،‬في أمة أمية لم يُعرف فيها احد يحمل وسام العلم والتعليم ‪،‬‬
‫وهذا واقع يشهد به التاريخ ‪ ،‬وال مرية أو شك فيه ‪.‬‬
‫أما أن يكون له معلم من غير قومه فإن الباحث ال يستطيع أن يقع في التاريخ على كلمة واحدة تشهد بأنه لقي‬
‫أحدا من العلماء حدثه عن الدين قبل إعالن نبوته ‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن القرآن الكريم ال يوجد له مصدر إنساني ‪ ،‬ال في نفس صاحبه ‪ ،‬وال عند أحد من البشر ‪ ،‬فهو‬
‫تنزيل الحكيم الحميد ‪.‬‬
‫ونشأة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيئة أمية جاهلية ‪ ،‬وسيرته بين قومه ‪ ،‬من أقوى الدالئل على أن الله قد‬
‫ت تَ ْد ِري َما‬ ‫كر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحا م ْن أ َْم ِرنَا َما ُكْن َ‬
‫ك أ َْو َحْيـنَا إلَْي َ ُ ً‬
‫(وَك َذل َ‬
‫أعده لحمل رسالته ‪ ،‬وأوحى إليه بهذا القرآن هداية ألمته َ‬
‫اط ُم ْستَ ِقي ٍم)‪53 - 52 .‬‬ ‫ك لَتَـه ِدي إِلَى ِصر ٍ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما ُن َولَك ْن َج َع ْلنَاهُ نُ ًورا نـَ ْهدي بِه َم ْن نَ َشاءُ م ْن عبَادنَا َوإِنَّ َ ْ‬ ‫ِ‬
‫اب َوال اإل َ‬
‫ِ‬
‫الْكتَ ُ‬
‫الشورى ) ‪.‬‬

‫_فوائد معرفة الوحي واإليمان به ‪:‬‬


‫‪-1‬معرفة الوحي واإليمان به هو األساس لإليمان بما جاء به النبي ‪ ‬من تشريعات وأخبار‪.‬‬
‫‪-2‬معرفة عظمة هذا الوحي المنزل من عند الله تعالى إذ هو مادة الحياة كما أن الغيث مادة الحياة‪.‬‬
‫‪-3‬معرفة منزلة النبي ‪ ‬واالعتراف بفضله واالطمئنان إلى صحة نبوته‪.‬‬
‫‪ -4‬االطمئنان على أن وحي الله لنبيه وصل إلينا دون زيادة وال نقصان وال تغيير أو تبديل‪.‬‬
‫‪-5‬معرفة فضل الله تعالى على الناس إذ لم يتركهم سدى وقد جاءهم الوحي في وقت تحتاجه األمة ‪.‬‬
‫أسباب النزول‬

‫القرآن الكريم كله نزل لهداية الناس‪ ،‬هذا السبب العام لنزول القرآن كله ‪ ،‬ودليل ذلك قوله‬
‫ات أ َّ‬
‫َن‬ ‫الصالِح ِ‬ ‫تعالى‪ ( :‬إِ َّن َٰه َذا الْ ُقرآ َن ي ه ِدي لِلَّتِي ِهي أَقْ وم وي ب ِِّشر الْمؤِمنِ َّ ِ‬
‫ين يَ ْع َملُو َن َّ َ‬
‫ين الذ َ‬
‫َ َ ُ َ َُ ُ ُ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫َجًرا َكبِ ًيرا ) فهذه آية واضحة في أن آيات القرآن كلها نزلت ابتداءً لهداية البشر‪.‬‬ ‫لَ ُه ْم أ ْ‬
‫هناك أسباب نزول خاصة لبعض اآليات‪ ،‬ومثال ذلك ‪ :‬لما اتهمت أم المؤمنين عائشة ‪-‬‬
‫ِ َّ ِ‬
‫رضي الله عنها‪ -‬في عرضها ‪ ،‬نزلت آيات سورة النور في قوله تعالى‪ ( :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َج ُاؤوا‬
‫صبَةٌ ِِّمن ُك ْم ال تَ ْح َسبُوهُ َشًّرا لَّ ُكم ) نقول ‪ :‬سبب نزولها قصة أو حادثة اإلفك التي‬ ‫ِ‬
‫بِا ِإلفْك عُ ْ‬
‫وقعت لعائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – ‪ .‬إذا هذا سبب خاص‪.‬‬
‫وعندما نتكلم عن أسباب النزول في كتب علوم القرآن نقصد بها هذا النوع الخاص وهي‬
‫قليلة ومحدودة‪ ،‬يعني أن اآليات التي نزلت ألسباب خاصة قليلة ‪ ،‬مقارنة وموازنة بما نزل‬
‫ابتداءً لهداية الناس‪.‬‬

‫تعريف سبب النزول‪:‬‬


‫هو ما أنزل الله بشأنه قرآناً ؛ وقت وقوعه ‪ ،‬كحادثة أو سؤال‪.‬‬

‫عناية العلماء بأسباب النزول وأشهر المؤلفات فيها ‪:‬‬


‫اعتنى العلماء عناية فائقة بدراسة أسباب النزول‪ ،‬وألفوا مؤلفات كثيرة‪ ،‬وأول من أفرده‬
‫بالتأليف هو علي بن المديني (ت‪432‬ه )‪ ،‬وممن ألف فيه عبدالرحمن بن محمد المعروف‬
‫بمطرف األندلسي (ت‪204‬ه )‪ ،‬ومنه أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي(‪264‬ه ) وكتابه‬
‫(أسباب النزول) ‪ ،‬وقد اختصر الجعبري هذا الكتاب بحذف أسانيده‪ ،‬ومنهم ابن الجوزي‬
‫(ت‪795‬ه )وكتابه أسباب نزول القرآن‪ ،‬ومنهم ابن حجر العسقالني (‪474‬ه ) وكتابه العُجاب‬
‫في بيان األسباب‪ ،‬والسيوطي (ت‪999‬ه ) ألف كتاب (لباب النقول في أساب النزول) ‪.‬‬
‫األلفاظ الدالة على سبب النزول (صيغة سبب النزول) (كيف يعبر‬
‫عن سبب النزول)‪:‬‬
‫استقرأ العلماء األلفاظ التي جاءت في الروايات المختلفة عن أسباب النزول فقسموها إلى‬
‫قسمين ‪:‬‬
‫القسم األول ‪ :‬ألفاظ صريحة في السببية ‪ ،‬وهي األلفاظ التي تنص على السببية وال تحمل‬
‫غيره‪ ،‬وهي التي صرح فيها الراوي بسبب النزول كأن يقول‪ (( :‬سبب نزول هذه اآلية كذا ))‬
‫أو يقول‪ (( :‬حدث كذا فأنزل الله كذا))‪ ،‬بأن يأتي بفاء تعقيبية داخلة على سبب النزول بعد‬
‫يح في السببية‪.‬‬
‫نص صر ٌ‬
‫ذكر سببها ‪ ،‬فهذه األلفاظ ٌ‬
‫القسم الثاني ‪ :‬ألفاظ محتملة للسببية‪ ،‬ولما تضمنته اآلية من أحكام‪ ،‬فهي ليست نصاً في السببية؛كأن يقول‬
‫الراوي‪ (( :‬نزلت هذه اآلية فيكذا ))‪.‬‬

‫طريقة معرفة سبب النزول‪:‬‬


‫إن الطريقة الوحيدة لمعرفة أسباب النزول مقصورة على النقل الصحيح ‪:‬‬
‫أ‪ -‬فإن رويت أسباب النزول عن صحابي‪:‬‬
‫فهي مقبولة بشرطين ‪ :‬صحة السند‪ ،‬وأن تكون عبارته صريحة في السبب غير محتملة‪.‬‬
‫ألن الصحابة ممن شاهدوا التنزيل وعاصروا الوحي؛ وألن أقوالهم فيما ال مجال لالجتهاد فيه‬
‫النبي صلِّى الله عليه وسلِّم‪ ،‬ومن البعيد كل البعد أن يكون الصحابي‬
‫حكمها حكم المرفوع إلى ِّ‬
‫قد قال ذلك من تلقاء نفسه‬
‫ب‪ -‬وإن رويت أسباب النزول عن تابعي‪:‬‬
‫صحة سند الرواية‪ ،‬وأن تكون عبارته صريحة في‬
‫فحكمه أنه ال تقبل روايته إال بأربعة شروط‪ِّ :‬‬
‫السبب غير محتملة‪ .‬وأن تعضد برواية تابعي آخر‪ ،‬وأن يكون التابعي من أئمة التفسير‬
‫اآلخذين من الصحابة؛ كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير‪.‬‬
‫فوائد معرفة سبب النزول ‪:‬‬
‫‪-9‬بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من األحكام ‪ ،‬مراعاة الشرع للمصالح العامة‬
‫في عالج الحوادث رحمة باألمة‪.‬‬
‫‪ -4‬معرفة سبب النزول خير سبيل لفهم معاني القرآن ألن بعض اآليات يتوقف معناها على‬
‫معرفته‪ ،‬وهي عظيمة القدر‪.‬‬
‫‪ _3‬ومن فوائده معرفة أن سبب النزول غير خارج عن حكم اآلية إذا ورد مخصص لها‪ ،‬وبيان‬
‫ذلك أن اللفظ قد يكون عاماً‪ ،‬ويقوم دليل على تخصيصه‪ ،‬فال يجوز إخراج السبب من حكم‬
‫اآلية باالجتهاد واإلجماع‪ ،‬ألن دخول السبب قطعي ‪ .‬وإخراجه بدليل التخصيص اجتهادي‬
‫ات الََْافِ َال ِت‬ ‫ظني‪ ،‬وال يجوز إخراج القطعي بالظني ‪ .‬كقوله تعالى (إِ َّن الَّ ِذين ي رمو َن الْمحصنَ ِ‬
‫َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫اب َع ِظ ٌيم( ‪ ،‬وسبب نزول هذه اآلية حادثة اإلفك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬
‫الْ ُم ْؤمنَات لُعنُوا في الدُّنْيَا َو ْاآلخَرةِ َولَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫ولفظ اآلية عام بالوعيد يشمل التائب وغير التائب ‪ .‬لكن اآلية األخرى استثنت من تاب‬
‫ين َج ْل َدةً‬ ‫ِ‬ ‫ات ثَُّم لَم يأْتُوا بِأَرب ع ِة شه َداء فَ ِ‬
‫فقال تعالى ‪( :‬والَّ ِذين ي رمو َن الْمحصنَ ِ‬
‫وه ْم ثَ َمان َ‬
‫اجل ُد ُ‬‫ْ َ َْ َ ُ َ َ ْ‬ ‫َ َ َْ ُ ُ ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫َصلَ ُحوا فَِإ َّن‬
‫ك َوأ ْ‬ ‫ين تَابُوا ِمن بَ ْعد ََٰذل َ‬
‫ك ُه ُم الْ َفاس ُقو َن إَّال الذ َ‬ ‫َوَال تَ ْقبَ لُوا لَ ُه ْم َش َه َاد ًة أَبَ ًدا ۚ َوأُوَٰلَئِ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ك) ‪.‬‬ ‫ين تَابُوا ِمن بَ ْعد َٰذَل َ‬
‫ور َّرح ٌيم ) فلفظ اآلية عام ثم خصص بقوله ‪( :‬إَّال الذ َ‬
‫اللَّه َغ ُف ِ‬
‫َ ٌ‬
‫‪ -3‬يوضح من نزلت فيه اآلية فينزل منزلته ‪ ،‬فال يتهم البريء ‪ ،‬وال يبرأ المتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬معرفة سبب النزول يساعد على حفظ كالم الله تعالى وضبطه جيِّدا ‪.‬‬
‫‪ _7‬ومن فوائد معرفة سببب النزول ‪ :‬كشف وجه من وجوه بالغة القرآن الكريم حيث مراعاة‬
‫الكالم لمقتضى الحال‪ ،‬وذلك بالمطابقة والمقارنة بين الحادثة والنص القرآني الذي نزل فيها‬
‫‪.‬‬
‫__ تعدد األسباب والنازل واحد ‪:‬‬
‫إذا جاءت روايتان في نازل واحد من القرآن وذكرت كل من الروايتين سببا صريحا غير ما‬
‫تذكره األخرى‪ ،‬نظر فيهما‪ .‬فإما أن تكون إحداهما صحيحة واألخرى غير صحيحة‪ .‬وإما أن‬
‫تكون كلتاهما صحيحة ولكن إلحداهما مرجح دون األخرى‪ .‬وإما أن تكون كلتاهما صحيحة‬
‫وال مرجح إلحداهما على األخرى ولكن يمكن األخذ بهما معا‪ .‬وإما أن تكون كلتاهما‬
‫صحيحة وال مرجح وال يمكن األخذ بهما معا‪ ،‬وإليك الصور مع األمثلة ‪:‬‬
‫األولى ‪ :‬أن تكون إحدى الروايات صحيحة واألخرى غير صحيحة ‪ ،‬فحكمها االعتماد‬
‫على الصحيحة في بيان السبب‪ .‬ورد األخرى غير الصحيحة‪ ،‬ومثال ذلك ‪ :‬ما أخرجه‬
‫الشيخان وغيرهما عن جندب قال‪ :‬اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين‬
‫ُّحى َواللَّْي ِل إِذَا‬
‫{والض َ‬
‫فأتته امرأة فقالت‪ :‬يا محمد ما أرى شيطانك إال قد تركك فأنزل الله‪َ :‬‬
‫ك َوَما قَلَى} ‪ ،‬وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن‬ ‫ك َربُّ َ‬
‫َس َجى َما َوَّد َع َ‬
‫أمه عن أمها وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ :‬أن جروا دخل بيت النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام ال‬
‫ينزل عليه الوحي فقال‪" :‬يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ جبريل‬
‫ال يأتيني" فقلت في نفسي‪ :‬لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير‬
‫فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد‪ 9‬لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته‬
‫ضى} ‪ .‬هكذا جاءت الرويات فالحكم نقدم‬ ‫ُّحى} إلى قوله {فَتَ ْر َ‬
‫{والض َ‬
‫الرعدة فأنزل الله‪َ :‬‬
‫الرواية األولى في بيان السبب لصحتها دون الثانية ألن في إسنادها من ال يعرف ‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬أن تكون كل الروايتين صحيحة وإلحداهما مرجح‪ -‬فحكمها أن نأخذ في بيان‬
‫السبب بالراجحة دون المرجوحة‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬مثال ذلك‪ :‬ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود قال‪ :‬كنت أمشي مع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالمدينة‪ .‬وهو يتوكأ على عسيب‪ .‬فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم‪ :‬لو‬
‫سألتموه‪ .‬فقالوا‪ :‬حدثنا عن الروح‪ .‬فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد‬
‫وح ِم ْن أ َْم ِر َربِِّي َوَما أُوتِيتُ ْم ِم َن الْعِْل ِم إَِّال قَلِيالً} ‪ .‬وما أخرجه الترمذي‬‫الوحي ثم قال‪{ :‬قُ ِل ُّ‬
‫الر ُ‬
‫وصححه عن ابن عباس قال‪ :‬قالت قريش لليهود أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل‪ .‬فقالوا‪ :‬اسألوه‬
‫وح} ‪.‬‬ ‫ك َع ِن ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫{ويَ ْسأَلونَ َ‬ ‫عن الروح فسألوه فأنزل الله‪َ :‬‬
‫فهذا الخبر الثاني يدل على أنها بمكة وأن سبب نزولها سؤال قريش إياه ‪ .‬أما األول فصريح‬
‫في أنها نزلت بالمدينة بسبب سؤال اليهود إياه وهو أرجح من وجهين‪ :‬أحدهما أنه رواية‬
‫البخاري أما الثاني فإنه رواية الترمذي ومن المقرر أن ما رواه البخاري أصح مما رواه غيره‪.‬‬
‫ثانيهما أن راوي الخبر األول وهو ابن مسعود كان مشاهد القصة من أولها إلى آخرها كما‬
‫تدل على ذلك الرواية األولى بخالف الخبر الثاني فإن رواية ابن عباس ال تدل الرواية على‬
‫أنه كان حاضر القصة وال ريب أن للمشاهدة قوة في التحمل وفي األداء وفي االستيثاق‬
‫ليست لَير المشاهدة ومن هنا أعملنا الرواية األولى وأهملنا الثانية‪.‬‬

‫الثالثة ‪ :‬أن تكون الروايات كلها صحيحة وال مرجح لها؛ لكن يمكن الجمع بينهما بأن‬
‫كال من السببين حصل ونزلت اآلية عقب حصولهما معا لتقارب زمنيهما فحكم هذه الصورة‬
‫أن نحمل األمر على تعدد السبب ألنه الظاهر وال مانع يمنعه ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬مثال ذلك‪ :‬ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس أن هالل بن‬
‫أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء‪ .‬فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪" :‬البينة أو حد في ظهرك" ‪ .‬فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجال‬
‫ينطلق يلتمس البينة‪ .‬وفي رواية أنه قال‪ :‬والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله تعالى‬
‫اج ُه ْم َولَ ْم‬ ‫ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السالم وأنزل عليه‪ِ َّ :‬‬
‫ين يَ ْرُمو َن أ َْزَو َ‬
‫{والذ َ‬‫َ‬
‫ين} ‪.‬‬ ‫ي ُكن لَهم شه َداء إَِّال أَنْ ُفسهم} حتى بلغ {إِ ْن َكا َن ِمن َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫َ‬ ‫ُُْ‬ ‫َ ْ ُْ َُ ُ‬
‫وأخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن سهل بن سعد أن عويمرا أتى عاصم بن عدي وكان‬
‫سيد بني عجالن فقال‪ :‬كيف تقولون في رجل وجد مع امرأته رجال أيقتله فتقتلونه أم كيف‬
‫يصنع؟ سل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأتى عاصم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقال يا رسول الله وفي رواية مسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها‪ .‬فقال عويمر والله ال أنتهي حتى أسأل رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فجاءه عويمر فقال يا رسول الله رجل وجد مع امرأته رجال‬
‫أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬قد أنزل الله القرآن‬
‫فيك وفي صاحبك" ‪ .‬فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمالعنة بما سمى الله في‬
‫كتابه فالعنها ‪.‬‬
‫فهاتان الروايتان صحيحتان وال مرجح إلحداهما على األخرى ومن السهل أن نأخذ بكلتيهما‬
‫لقرب زمانيهما على اعتبار أن أول من سأل هو هالل بن أمية ثم قفاه عويمر قبل إجابته‬
‫فسأل بواسطة عاصم مرة وبنفسه مرة أخرى فأنزل الله اآلية إجابة للحادثين معا‪ .‬وال ريب أن‬
‫إعمال الروايتين بهذا الجمع أولى من إعمال إحداهما وإهمال األخرى إذ ال مانع يمنع األخذ‬
‫بهما على ذلك الوجه ‪ .‬ثم ال جائز أن نردهما معا ألنهما صحيحتان وال تعارض بينهما‪ .‬وال‬
‫جائز أيضا أن نأخذ بواحدة ونرد األخرى ألن ذلك ترجيح بال مرجح‪ .‬فتعين المصير إلى أن‬
‫نأخذ بهما معا‪ .‬وإليه جنح النووي وسبقه إليه الخطيب فقال‪ :‬لعلهما اتفق لهما ذلك في‬
‫وقت واحد ا ه ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬استواء الروايتين في الصحة دون مرجح إلحداهما ودون إمكان لألخذ بهما‬
‫معا لبعد الزمان بين األسباب فحكمها أن تحمل األمر على تكرار نزول اآلية بعدد أسباب‬
‫النزول التي تحدثت عنها هاتان الروايتان ‪ .‬قال الزركشي في البرهان‪ :‬وقد ينزل الشيء‬
‫تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه ا ه ‪.‬‬
‫مثال ذلك ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على‬
‫حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال‪" :‬ألمثلن بسبعين منهم مكانك" فنزل جبريل والنبي‬
‫{وإِ ْن َعاقَ ْب تُ ْم فَ َعاقِبُوا بِ ِمثْ ِل َما عُوقِْب تُ ْم بِِه}‬
‫صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل َ‬
‫إلى آخر السورة وهن ثالث آيات‪.‬‬
‫وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال" لما كان يوم أحد أصيب من األنصار أربعة‬
‫وستون ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا به فقالت األنصار‪ :‬لئن أصبنا منهم يوما مثل‬
‫{وإِ ْن َعاقَ ْب تُ ْم} ‪.‬‬
‫هذا لنربين أي لنزيدن عليهم ‪ ،‬فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله َ‬
‫فالرواية األولى تفيد أن اآلية نزلت في غزوة أحد والثانية تفيد أنها نزلت يوم فتح مكة على‬
‫حين أن بين غزوة أحد وغزوة الفتح األعظم بضع سنين فبعد أن يكون نزول اآلية كان مرة‬
‫عقيبهما معا‪ .‬وإذن ال مناص لنا من القول بتعدد نزولها مرة في أحد ومرة يوم الفتح‪ .‬وقد‬
‫ذهب البعض إلى أن سورة النحل كلها مكية‪.‬‬
‫وعليه فتكون خواتيمها المذكورة نزلت مرة بمكة قبل هاتين المرتين اللتين في المدينة وتكون‬
‫عدة مرات نزولها ثالثا‪ .‬وبعضهم يقول إن سورة النحل مكية ما عدا خواتيمها تلك فإنها‬
‫مدنية وعليه فعدة مرات نزولها اثنتان فقط‪.‬‬
‫وإذا استشكل على تكرار النزول بأنه عبث ما دامت اآلية قد نزلت قبل ذلك السبب‬
‫الجديد وحفظها الرسول صلى الله عليه وسلم واستظهرها الحفاظ من الصحابة ويمكن‬
‫الرجوع إليها من غير حاجة إلى نزولها مرة أخرى‪.‬‬
‫فالجواب أن هناك حكمة عالية في هذا التكرار وهي تنبيه الله لعباده ولفت نظرهم إلى ما‬
‫في طي تلك اآليات المكررة من الوصايا النافعة والفوائد الجمة التي هم في أشد الحاجة‬
‫إليها‪ .‬فخواتيم سورة النحل التي معنا مثال نالحظ أن الحكمة في تكرارها هي تنبيه الله‬
‫لعباده أن يحرصوا على العمل بما احتوته من اإلرشادات السامية في تحري العدالة وضبط‬
‫النفس عند الَضب ومراقبة الخالق حتى في القصاص من الخلق والتدرع بالصبر والثبات‪.‬‬
‫واالعتماد على الله والثقة بتأييده ونصره لكل من اتقاه وأحسن في عمله جعلنا الله منهم‬
‫أجمعين آمين‪.‬‬
‫أضف إلى هذه الحكمة ما ذكره الزركشي آنفا من أن تكرار النزول تعظيم لشأن المكرر‬
‫وتذكير به خوف نسيانه‪.‬‬

‫_ تعدد النازل والسبب واحد ‪:‬‬


‫قد يكون أمر واحد سببا لنزول آيتين أو آيات متعددة على عكس ما سبق وال مانع من ذلك‬
‫ألنه ال ينافي الحكمة في إقناع الناس وهداية الخلق وبيان الحق عند الحاجة بل إنه قد يكون‬
‫أبلغ في اإلقناع وأظهر في البيان‪.‬‬
‫مثال السبب الواحد تنزل فيه آيتان ما أخرجه ابن جرير الطبري والطبراني وابن مردويه عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال‪" :‬إنه سيأتيكم‬
‫إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاء فال تكلموه" ‪ .‬فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق العينين‬
‫فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪" :‬عالم تشتمني أنت وأصحابك؟" فانطلق الرجل‬
‫فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم‪ .‬فأنزل الله‪{ :‬يَ ْحلِ ُفو َن بِاللَّ ِه َما قَالُوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُم اللَّهُ‬ ‫َولََق ْد قَالُوا َكل َمةَ الْ ُك ْف ِر َوَك َف ُروا بَ ْع َد إِ ْسالم ِه ْم َوَه ُّموا بِ َما لَ ْم يَنَالُوا َوَما نَ َق ُموا إِِّال أَ ْن أَ ْغنَ ُ‬
‫ك َخْيراً لَ ُه ْم وإِ ْن يَتَ ولَّْوا يُ َع ِِّذبْ ُهم اللَّهُ َع َذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا و ْاآل ِخرةِ‬ ‫ضل ِه فَِإ ْن يَتُوبُوا يَ ُ‬
‫ورسولُه ِمن فَ ْ ِ‬
‫ََ ُ ُ ْ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ص ٍّير} من سورة التوبة‪.‬‬ ‫ض ِمن ولِ ٍّي وال نَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوَما لَ ُه ْم في ْاأل َْر ِ ْ َ ِّ َ‬
‫ومثال السبب الواحد ينزل فيه أكثر من آيتين ما أخرجه الحاكم والترمذي عن أم سلمة أنها‬
‫اب لَ ُه ْم‬‫استَ َج َ‬ ‫قالت‪ :‬يا رسول الله ال أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله‪{ :‬فَ ْ‬
‫ُضيع عمل ع ِام ٍّل ِمْن ُكم ِمن ذَ َك ٍّر أَو أُنْثى ب عض ُكم ِمن ب ع ٍّ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اج ُروا‬‫ين َه َ‬ ‫ض فَالذ َ‬ ‫ْ َ َْ ُ ْ ْ َْ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َربُّ ُه ْم أَنِّي ال أ ُ َ َ َ َ‬
‫وأُخ ِرجوا ِمن ِديا ِرِهم وأُوذُوا فِي سبِيلِي وقَاتَلُوا وقُتِلُوا َألُ َك ِِّفر َّن عْن هم سيِئاتِ ِهم وَأل ُْد ِخلَنَّهم جن ٍّ‬
‫َّات‬ ‫ُْ َ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َِّ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َْ‬
‫اب} من سورة آل عمران ا‬ ‫تَ ْج ِري ِمن تَ ْحتِها ْاألَنْهار ثَواباً ِمن ِعْن ِد اللَّ ِه واللَّهُ ِعْن َده حسن الثَّو ِ‬
‫ُ ُُْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َُ َ ْ‬
‫ه‪.‬‬
‫وأخرج الحاكم أيضا عنها أنها قالت‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ :‬تذكر الرجال وال تذكر النساء‬
‫يع َع َم َل َع ِام ٍّل ِمْن ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍّر أ َْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين َوالْ ُم ْسل َمات‪ }9‬وأنزلت {أَنِّي ال أُض ُ‬ ‫فأنزلت‪{ :‬إ َّن الْ ُم ْسلم َ‬
‫أُنْثَى}‪.‬‬

‫_ عموم اللفظ وخصوص السبب ‪:‬‬


‫ومعناه أن يأتي الجواب أعم من السبب ويكون السبب أخص من لفظ الجواب‪ .‬وذلك جائز‬
‫عقال وواقع فعال ألنه ال محظور فيه وال قصور بل إن عمومه مع خصوص سببه موف بالَاية‬
‫ومؤد للمقصود وزيادة‪.‬‬
‫اختلف العلماء في حكمه أعموم اللفظ هو المعتبر أم خصوص السبب؟‬
‫ذهب الجمهور إلى أن الحكم يتناول كل أفراد اللفظ سواء منها أفراد السبب وغير أفراد‬
‫السبب‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬حادثة قذف هالل بن أمية لزوجته وقد نزل فيها قول الله تعالى‪:‬‬
‫اج ُه ْم} نجد فيها أن السبب خاص وهو قذف هالل ؛ لكن جاءت اآلية‬ ‫َّ ِ‬
‫ين يَ ْرُمو َن أ َْزَو َ‬
‫{والذ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫النازلة فيه بلفظ عام ‪-‬كما ترى‪ -‬وهو لفظ َّ‬
‫اج ُه ْم} ‪ .‬وهو اسم موصول‬ ‫ين يَ ْرُمو َن أَْزَو َ‬
‫{والذ َ‬‫َ‬
‫والموصول من صيغ العموم وقد جاء الحكم بالمالعنة في اآلية محموال عليه من غير‬
‫تخصيص‪ .‬فيتناول بعمومه أفراد القاذفين في أزواجهم ولم يجدوا شهداء إال أنفسهم سواء‬
‫منهم هالل بن أمية صاحب السبب وغيره وال نحتاج في سحب هذا الحكم على غير هالل‬
‫إلى دليل من قياس أو سواه بل هو ثابت بعموم هذا النص‪ .‬ومعلوم أنه ال قياس وال اجتهاد‬
‫مع النص‪ .‬ذلك مذهب الجمهور‪.‬‬
‫وقال غير الجمهور‪ :‬إن العبرة بخصوص السبب‪ .‬ومعنى هذا أن لفظ اآلية يكون مقصورا على‬
‫الحادثة التي نزل هو ألجلها أما أشباهها فال يعلم حكمها من نص اآلية إنما يعلم بدليل‬
‫مستأنف آخر هو القياس إذا استوفى شروطه أو قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬حكمي على‬
‫الواحد حكمي على الجماعة" فآية القذف السابقة النازلة بسبب حادثة هالل مع زوجه‬
‫خاصة بهذه الحادثة وحدها على هذا الرأي‪ .‬أما حكم غيرها مما يشبهها فإنما يعرف قياسا‬
‫عليها أو عمال بالحديث المذكور‪.‬‬
‫ويجب أن نالحظ أن هذا الخالف القائم بين الجمهور وغيرهم محله إذا لم تقم قرينة على‬
‫تخصيص لفظ اآلية العام بسبب نزوله أما إذا قامت تلك القرينة فإن الحكم يكون مقصورا‬
‫على سببه ال محالة بإجماع العلماء‪.‬‬
‫وإلى هذا المعنى يشير ابن تيمية بقوله‪ :‬قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم‪ :‬هذه اآلية نزلت‬
‫في كذا ال سيما إن كان المذكور شخصا كقولهم‪ :‬إن اآلية الظهار نزلت في امرأة قيس بن‬
‫اح ُك ْم بَْي نَ ُه ْم بِ َما أَنْ َزَل‬ ‫ثابت وإن آية الكاللة نزلت في جابر بن عبد الله وإن آية قوله‪ِ :‬‬
‫{وأَن ْ‬
‫َ‬
‫اللَّهُ} نزلت في بني قريظة والنضير ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين‬
‫بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين‪ .‬فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا‬
‫أن حكم اآلية يختص بأولئك األعيان دون غيرهم فإن هذا ال يقوله مسلم وال عاقل على‬
‫اإلطالق‪ .‬والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب‪ :‬هل يختص بسببه؟ لم يقل‬
‫أحد إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين‪ .‬وإنما غاية ما يقال‪ :‬إنها تختص‬
‫بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه وال يكون العموم فيها بحسب اللفظ‪ .‬واآلية التي لها‬
‫سبب معين إن كانت أمرا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولَيره ممن كان بمنزلته ا ه ‪.‬‬
‫ولعل ثمرة هذا الخالف ترجع إلى أمرين‪ :‬أحدهما أن الحكم على أفراد غير السبب مدلول‬
‫عليه بالنص النازل فيه عند الجمهور‪ .‬وذلك النص قطعي المتن اتفاقا وقد يكون مع ذلك‬
‫قطعي الداللة‪ .‬أما غير الجمهور فالحكم عندهم على غير أفراد السبب ليس مدلال عليه‬
‫بذلك النص بل القياس أو الحديث المعروف وكالهما غير قطعي‪.‬‬
‫الثاني أن أفراد غير السبب كلها يتناولها الحكم عند الجمهور ما دام اللفظ قد تناولها‪ .‬أما‬
‫غير الجمهور فال يسحبون الحكم إال على ما استوفى شروط القياس منها دون سواه إن أخذوا‬
‫فيه بالقياس‪.‬‬
‫‪-1-‬‬

‫المكي والمدني من القرآن الكريم‬

‫القرآن عندما نزل‪ ،‬نزل في مدة طويلة تبلغ ثالثة وعشرون عاما‪ ،‬منها ثالثة عشر عاما في مكة ‪ ،‬وعشرة‬
‫أعوام في المدينة‪ .‬وألجل ذلك ذكر العلماء مواقع نزول القرآن ‪ ،‬فالصحابة قد اهتموا بهذا الباب اهتماما‬
‫شديدا ‪ ،‬وضبطوا لهذه األمة مواقع نزوله‪.‬‬
‫فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه روى البخاري بسنده عنه أنه قال‪ :‬والله الذي ال إله غيره ما‬
‫نزلت سورة من كتاب الله إال وأنا أعلم أين نزلت وال نزلت آية من كتاب الله إال وأنا أعلم فيما أنزلت ولو‬
‫أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه اإلبل لركبت إليه‪.‬‬

‫عدد السور المكية والسور المدنية والسور المختلف فيها‪:‬‬


‫‪-1‬السور المكية‪ :‬اثنان وثمانون‪-2.‬السور المدنية‪ :‬عشرون‪-3.‬السور المختلفة فيها‪ :‬اثنا عشر‪.‬‬
‫السور المدنية المتفق عليها‪ :‬عشرون سورة (‪.)02‬‬
‫وهي‪ :‬البقرة‪ ،‬آل عمران‪ ،‬النساء‪ ،‬المائدة‪ ،‬األنفال‪ ،‬التوبة‪ ،‬النور‪ ،‬األحزاب‪ ،‬محمد‪ ،‬الفتح‪،‬‬
‫الحجرات‪ ،‬الحديد‪ ،‬المجادلة‪ ،‬الحشر‪ ،‬الممتحنة‪ ،‬الجمعة‪ ،‬المنافقون‪ ،‬الطالق‪ ،‬التحريم‪ ،‬والنصر‪.‬‬
‫وأما السور المختلف فيها هل هي مكية أو مدنية على‪ :‬اثنا عشر سورة (‪.)20‬‬
‫وهي ‪ :‬الفاتحة‪ ،‬الرعد‪ ،‬الرحمن‪ ،‬الصف‪ ،‬التغابن‪ ،‬المطففين‪ ،‬القدر‪ ،‬البينة‪ ،‬الزلزلة‪ ،‬اإلخالص‪،‬‬
‫الفلق‪ ،‬والناس‪.‬‬
‫وما تبقى تكون من السور المكية ‪ :‬وعددها اثنان وثمانون سورة (‪. )22‬‬

‫تعريف المكي والمدني أو الفرق بين المكي والمدني ‪:‬‬


‫للعلماء في معنى المكي والمدني ثالثة اصطالحات‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬من ّ‬
‫عرفه باعتبار مكان النزول‪ :‬فما نزل في مكة وما حولها ولو بعد الهجرة‪ ،‬فهو‬
‫مكي‪ ،‬وما نزل في المدنية وما حولها‪ ،‬فهو مدني‪.‬‬
‫القول الثاني ‪ :‬أن المكي ما وقع خطابا ألهل مكة والمدني ما وقع خطابا ألهل المدينة‪.‬‬
‫َّاس} فهو مكي وما صدر فيه بلفظ‬ ‫وعليه يحمل قول من قال‪ :‬إن ما صدر في القرآن بلفظ {يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ين َآمنُوا} فهو مدني ألن الكفر كان غالبا على أهل مكة فخوطبوا بيا أيها الناس وإن كان‬ ‫َّ ِ‬
‫{يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫غيرهم داخال فيهم ‪.‬‬

‫والقول الثالث‪ :‬من ّ‬


‫عرفه باعتبار زمان النزول‪ ،‬وذلك بجعل الهجرة حداً فاصالً‪ (( :‬فالمكي‬
‫ما نزل قبل الهجرة؛ وإن كان بغير مكة ‪ ,‬والمدني ما نزل بعد الهجرة؛ وإن كان بمكة‪ ,‬وما نزل في‬
‫‪-2-‬‬

‫المكي والمدني من القرآن الكريم‬

‫أثناء الهجرة قبل أن يصل النبي ‪ ‬إلى المدينة ؛ فهو مكي )) ‪.‬‬
‫وهذا التعريف الذي رجحه العلماء ألنه حاصر وضابط ‪ ،‬وال تخرج عنه آية من آيات القرآن‪،‬‬
‫خالفاً للقول اآلخر ‪ ،‬ألن من عرفه باعتبار مكان النزول قالوا ‪ ( :‬المكي ما نزل بمكة وما جاورها ك‬
‫(منى ‪ ،‬وعرفات ‪ ،‬والحديبية ) والمدني ما نزل بالمدينة وما جاورها ك (أحد ‪ ،‬وقباء ‪ ،‬وبدر) ‪ ،‬فإنه غير‬
‫حاصر وال ض ابط ‪ ،‬ألن ليس كل القرآن اختصر نزول ه على هذه األمكنة؛ بل هناك آيات قرآنية نزلت في‬
‫تبوك‪ ،‬والطائف‪ ،‬وبيت المقدس وغيرها‪.‬‬

‫طريق معرفة المكي والمدني‪:‬‬

‫يعرف المكي والمدني بأحد طريقين‪:‬‬


‫الطريق (المنهج) األول‪ :‬النقلي السماعي‪ :‬وهي اآليات والسور التي عرفنا أنها مكية أو مدنية بطريق‬
‫الرواية عن أحد الصحابة الذين عاشوا فترة الوحي وشاهدوا التنزيل‪ ،‬أو عن أحد التابعين الذين سمعوا‬
‫ذلك من الصحابة‪.‬‬
‫الطريق (المنهج) الثاني‪ :‬القياسي االجتهادي‪ :‬نظر العلماء رحمهم الله تعالى في اآليات والسور‬
‫التي عرفوا أنها مكية أو مدنية بالطريق األول "السماعي النقلي" واستنبطوا خصائص وضوابط للسور‬
‫المكية وخصائص وضوابط للسور المدنية‪ ،‬ثم نظروا في السور التي لم يرد نصوص في بيان مكان نزولها‪،‬‬
‫فإن وجدوا فيها خصائص السور المكية قالوا إنها مكية‪ ،‬وإن وجدوا فيها خصائص السورة المدنية قالوا‪:‬‬
‫إنها مدنية‪ ،‬وهذا يكون باالجتهاد والقياس فسمي هذا الطريق بالقياسي االجتهادي‪.‬‬

‫والذي اشتهر بمعرفة المكي والمدني من الصحابة رضوان الله‬


‫عليهم هو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه روى البخاري بسنده عنه أنه قال‪ :‬والله الذي ال‬
‫إ له غيره ما نزلت سورة من كتاب الله إال وأنا أعلم أين نزلت وال نزلت آية من كتاب الله إال وأنا أعلم فيما‬
‫أنزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه اإلبل لركبت إليه‪.‬‬
‫‪-3-‬‬

‫المكي والمدني من القرآن الكريم‬

‫مميزات وخصائص السور المكية ‪:‬‬


‫‪-1‬الدعوة إلى التوحيد وإبطال الشرك والكالم عن اليوم اآلخر وإثبات البعث‪.‬‬
‫‪-3‬قوة األلفاظ مع قصر الفواصل واإليجاز‪.‬‬ ‫‪-2‬فضح أعمال المشركين ‪.‬‬
‫‪-5‬االهتمام باألخالق والتشريع من حيث العموم ‪.‬‬ ‫‪-4‬اإلكثار من قصص األنبياء ‪.‬‬

‫ضوابط السور المكية ‪:‬‬


‫‪ -1‬كل سورة فيها سجدة فهي مكية وهي (‪ )14‬سجدة ‪.‬‬
‫‪ -2‬كل سورة فيها لفظ "كال" فهي مكية ‪ ،‬وذكرت ثالثة وثالثين مرة‪ ،‬في خمسة عشرة سورة ‪ ،‬في‬
‫النصف األخير من القرآن ‪ ،‬ألنها كلمة رد وزجر تناسب عناد المشركين وكبريائهم‪.‬‬
‫‪-3‬كل سورة مبدوءة بقسم فهي مكية‪ ،‬وهي خمس عشرة سورة هي "الصافات‪ ،‬الذاريات‪ ،‬الطور‪،‬‬
‫النجم‪ ،‬المرسالت‪ ،‬النازعات‪ ،‬البروج‪ ،‬الطارق‪ ،‬القمر‪ ،‬الشمس‪ ،‬الليل‪ ،‬الضحى‪ ،‬التين‪ ،‬العاديات‪،‬‬
‫العصر"‪.‬‬
‫‪-4‬كل سورة مفتتحة بأحرف التهجي فهي مكية‪ ،‬ما عدا البقرة وآل عمران فإنهما مدنيتان‬
‫باإلجماع‪ ،‬فيكون الباقي سبعة وعشرين سورة مكية‪.‬‬
‫‪ -5‬كل سورة مفتتحة بالحمد فهي مكية ‪.‬‬
‫‪ -6‬كل سورة فيها (يا أيها الناس)‪ ،‬وليس فيها (يا أيها الذين آمنوا)‪ ،‬فهي مكية كيونس‪ ،‬وفاطر‪.‬‬
‫‪-7‬كل سورة فيها قصص األنبياء‪ ،‬واألمم الغابرة؛ فهي مكية سوى البقرة وآل عمران‪.‬‬
‫مميزات وخصائص السور المدنية ‪:‬‬
‫‪-1‬بيان تفاصيل أحكام الشريعة ‪ ،‬من عبادات ‪ ،‬ومعامالت ‪ ،‬وحدود ‪ ،‬ونظام أسرة‪ ،‬والجهاد‪.‬‬
‫‪-2‬مخاطبة أهل الكتاب ودعوتهم إلى اإلسالم ‪.‬‬
‫‪-3‬الكشف عن حقيقة المنافقين ‪ ،‬وبيان خطرهم وصفاتهم الذميمة‪.‬‬
‫‪-4‬طول المقاطع واآليات والسور في الغالب‪.‬‬
‫ضوابط السور المدنية ‪:‬‬
‫‪ -2‬كل سورة فيها ذكر الفرائض والحدود فهي مدنية ‪.‬‬
‫‪ -0‬كل سورة فيها ذكر أهل الكتاب ومجادلتهم فهي مدنية‪.‬‬
‫‪ -3‬كل سورة فيها ذكر الجهاد ‪ ,‬أو الحث عليه ‪ ,‬أو توضيح أحكامه فهي مدنية ‪.‬‬
‫‪-4‬كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ‪.‬‬
‫‪ -5‬كل سورة فيها (يا أيها الذين آمنوا)‪ ،‬وليس فيها (يا أيها الناس) ‪ ،‬فهي مدنية ‪.‬‬
‫‪-4-‬‬

‫المكي والمدني من القرآن الكريم‬

‫(تنبيه‪ :‬أن ضوابط المكي والمدني قياسية أغلبية ال حتمية ) ‪.‬‬

‫_ أنواع السور المكية والمدنية ‪:‬‬


‫قد تكون السورة كلها مكية وقد تكون كلها مدنية وقد تكون السورة مكية ما عدا آيات منها وقد تكون‬
‫مدنية ما عدا آيات منها فتلك أربعة أنواع‪:‬‬
‫_ النوع األول سورة المدثر فإنها كلها مكية‪.‬‬
‫_ النوع الثاني ‪ :‬مثاله سورة آل عمران فإنها كلها مدنية ‪.‬‬
‫اضَرَة الْبَ ْح ِر} قاله‬ ‫_النوع الثالث سورة األعراف فإنها مكية‪ .‬ما عدا آية {واسأَلْهم ع ِن الْ َقري ِة الَّتِي َكانَت ح ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ َْ‬
‫ك ِم ْن بَنِي‬ ‫َخ َذ َربُّ َ‬ ‫{وإِ ْذ أ َ‬
‫قتادة‪ .‬واستثنى غيره هذه اآلية المذكورة وما بعدها من اآليات إلى قوله سبحانه‪َ :‬‬
‫آد َم} وقال‪ :‬إن تلك اآليات مدنية‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫{وَما أ َْر َس ْلنَا ِم ْن قَ ْبل َ‬
‫ك‬ ‫_ النوع الرابع سورة الحج فإنها مدنية ما عدا أربع آيات منها تبتدئ بقوله سبحانه َ‬
‫اب يَ ْوٍم َع ِقي ٍم} ‪.‬‬ ‫ِمن رس ٍ‬
‫ول َوال نَبِ ٍّي إَِّال إِذَا تَ َمنَّى} إلى قوله َ‬
‫{ع َذ ُ‬ ‫ْ َُ‬

‫من فوائد العلم بالمكي والمدني ‪:‬‬


‫أوالً ‪ :‬يساعد على فهم وتدبر القرآن بصورة دقيقة وسليمة ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬االستعانة به في ربط معاني القرآن بواقع الحياة ووقائعها وأحداثها ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬تمييز الناسخ من المنسوخ ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬الوقوف على سيرة النبي ‪ ‬وذلك ألن نزول القرآن على النبي ‪ ‬ساير تاريخ الدعوة بمراحلها‬
‫المختلفة ‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬ومن فوائده أيضا معرفة تاريخ التشريع وتدرجه الحكيم بوجه عام ‪.‬‬
‫‪-1-‬‬

‫جمع القرآن الكريم‬

‫تضافرت األدلة الكثيرة التي توضح حفظ الله ‪ ‬لكتابه العزيز ‪ ,‬قال تعالى‪ ( :‬إِنَّا نَحن نََّزلْنا ِِّ‬
‫الذ ْكر َوإِنَّا لَهُ‬ ‫ُْ َ‬
‫اطل ِمن ب ي ِن ي َدي ِه وال ِمن خ ْل ِف ِه تَن ِزيل ِمن ح ِكي ٍم ح ِم ٍ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد)‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ٌ ِّ ْ َ‬ ‫اب َع ِزيز ال يَأْتيه الْبَ ُ َْ َ ْ َ ْ َ‬ ‫لَ َحافظُون)‪ ,‬وقال تعالى‪َ ( :‬وإِنَّهُ لَكتَ ٌ‬
‫فهذه األدلة وغيرها تدل بصورة قاطعة على حفظ الله ‪ ‬لكتابه من التغيير والتبديل على امتداد الزمان‪ ,‬وأن‬
‫الخلق ال يستطيعون أن يفعلوا ذلك‪ ,‬وقد هيأ الله األسباب العظيمة التي من خاللها تحقق هذا الحفظ العظيم‬
‫استمرا إلى يومنا هذا؛ بل وزادت‬ ‫تما في عهد النبي ‪ ‬و َّ‬ ‫لكتابه العزيز‪ ,‬وذلك من خالل نوعين من أنواع الجمع َّ‬
‫وسائل أخرى تعين على الحفظ له في عصرنا الحديث‪.‬‬
‫وجمع القرآن الكريم عند إطالقه كمصطلح يراد به واحد من معنيين وهما ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬جمعه بمعنى حفظه في الصدور كما قال تعالى‪( :‬إِ َّن َعلَْي نَا َج ْم َعهُ َوقُ ْرآنَهُ )‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬جمعه بمعنى كتابته وتدوينه في السطور ‪.‬‬
‫جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور ‪:‬‬
‫حفظ النبي ‪ ‬للقررآن ‪ :‬م ن أب رز خص ائل الق رآن الك ريم أن يس ره الل ه ‪ ‬للحف ظ‪ ,‬والفه م‪ ,‬والعم ل‬
‫ق ال تع الى‪َ ( :‬ولََق ْد يَ َّس ْرنَا الْ ُق ْرآن لِل ِِّذ ْك ِر فَ َه ْل ِم ْن ُم َّدكِر) وق د تكف ل الل ه ‪ ‬لرس وله ‪ ‬من ذ بداي ة ال وحي ‪َ{ :‬ال‬
‫ك لِتَ ْع َج َل بِِه إِ َّن َعلَْي نَا َج ْم َعهُ َوقُ ْرآنَهُ فَِإ َذا قَ َرأْنَاهُ فَاتَّبِ ْع قُ ْرآنَهُ ثَُّم إِ َّن َعلَْي نَا بَيَانَهُ }‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تُ َحِِّرْك بِِه ل َسانَ َ‬
‫حفظ الصحابة ومن بعدهم للقرآن الكريم ‪:‬‬
‫أقبل أصحاب النبي ‪ ‬على تعلم القرآن الكريم حفظاً‪ ,‬وفهماً‪ ,‬وعمالً‪ ,‬بص ورة ين در له ا مثي ل‪ ,‬ومم ا دفعه م عل ى‬
‫حفظه‪ ,‬واإلقبال عليه بصورة خاصة؛ تشجيع النبي ‪ ‬لهم على ذلك‪.‬‬
‫وم ن خ الل س نته العملي ة الت ي تش ير بص ورة واض حة إل ى منزل ة ومكان ة أه ل الق رآن العالي ة عن د الل ه ‪ ‬؛ إذ ك ان‬
‫النبي ‪ ‬يفاضل بين الصحابة أحياءً وأمواتاً بما معهم من قرآن‪ ,‬كما فعل بشهداء أحد‪ ,‬وبتقدم ه إلمام ة الص الة‬
‫التي هي من أعظم العبادات داللة على فضله ومكانته‪ ,‬وقد زوج النبي ‪ ‬الرجل ال ذ ل يع عن ده مه ر بم ا مع ه‬
‫التوصل إلى التعليم‪.‬‬
‫فدل على فضل القراءة عن ظهر قلب ألنَّها أمكن في ُّ‬ ‫من قرآن تشجيعاً لهم على الحفظ‪َّ ,‬‬
‫وقد َّ‬
‫تلقى التاابعنن الق رآن ع ن أص حاب النب ي ‪ ‬حفظ اً وفهم اً ‪ ,‬خاص ة م ن أولل ك ال ذين تفرغ وا لتدريس ه ك ابن‬
‫عباس ‪ ,‬وابن مسعود ‪ ,‬وزيد بن ثابت ‪ ,‬وأبي بن كعب ‪ ,‬وغيرهم‪.‬‬
‫لذا استمر حفظ القرآن وجمعه في الصدور في هذه األمة من ذ تل ك الق رون المفض لة إل ى يومن ا ه ذا بس ند متص ل‬
‫جيالً عن ٍ‬
‫جيل لم ينقطع في فترة من تاريخها الطويل ‪.‬‬
‫‪-2-‬‬

‫وللجمع بمعنى حفظه بالصدور مزايا وخصائص منها‪:‬‬


‫‪ -1‬أن جمع القرآن بمعنى حفظه هو أوائل علوم القرآن الكريم ظهورا ونشأة‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه دائم ال ينقطع إن شاء الله تعالى‪ ,‬إلى أن يأذن الله برفعه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الحفظ في الصدور خاص بالقرآن وليع هناك كتاب يحفظه أهله غير القرآن‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يجب على كل مسلم أن يحفظ من القرآن ما يؤد به الصلوات‪.‬‬
‫‪ -5‬الوعيد لمن حفظ شيلًا من القرآن ثم نسيه‪.‬‬

‫جمع القرآن بمعنى كتابته وحفظه في السطور ‪:‬‬


‫كم ا اه تم النب ي ‪ ‬بتش جيع الص حابة عل ى حف ظ الق رآن ف ي الص دور اه تم ك ذلك بحفظ ه ف ي الس طور‪ ,‬وق د م َّر‬
‫جمع القرآن في السطور بثالث مراحل مهمة في تاريخه وهي ‪:‬‬
‫المرحلة األولى ‪ :‬في عهد النبي ‪. ‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬في عهد أبي بكر الصديق ‪. ‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬في عهد عثمان ‪. ‬‬
‫كيف يجمع الشيء الواحد ث الث م رات ف إذا ك ان ُج ِم َع ف ي عه د الرس ول ‪ ,‬فكي ف يجم ع ف ي عه د أب ي بك ر‬
‫رضي الله عنه ‪ ,‬وإذا جمع في عهد أبي بكر ثانية فكيف يجمع ثالثة في عهد عثمان رضي الله عنه ‪.‬‬
‫والج اانا ‪ :‬أن ه ال ي راد ب الجمع معن اه الحقيق ي ف ي جمي ع المراح ل‪ .‬ف المراد بجم ع الق رآن ف ي عه د الرس ول‬
‫‪"‬كتابته وتدوينه" والم راد بجم ع الق رآن ف ي عه د أب ي بك ر رض ي الل ه عن ه "جم ع ف ي مص حف واح د"‪.‬‬
‫والم راد بجم ع الق رآن ف ي عه د عثم ان رض ي الل ه عنه"نس خه" ف ي مص احف متع ددة‪ ,‬ويظه ر به ذا أن‬
‫الجمع بمعناه الحقيقي كان في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‪.‬‬

‫المرحلة األولى ‪ :‬جمع القرآن بمعنى كتابته في عهد النبي ‪: ‬‬


‫ُ َّ‬
‫أ‪ /‬كتاب الوحي ‪:‬‬
‫اهتم النبي ‪ ‬منذ بداية الوحي على الرغم من قلة الكتِّاب‪ ,‬وع دم ت وفر وس ائل الكتاب ة بكتاب ة الق رآن الك ريم‬
‫وذلك من خالل اتخاذه عدداً من ُكتَّاب الوحي م ع اإلذن للمس لمين بكتابت ه ألنفس هم ‪ ,‬كم ا ق ال ‪ ‬ألص حابه‪:‬‬
‫( ال تَكْتُبوا عنِِّي ومن َكتَب عنِِّي َغي ر الْ ُقر ِ‬
‫آن فَ ْليَ ْم ُحهُ )‪.‬‬‫ُ َ َ َُ ْ َ َ ْ َ ْ‬
‫ومن أبرز كتاب الوحي للنبي ‪ , ‬الخلفاء األربعة‪ ,‬وعبد الل ه ب ن س عد ب ن أب ي الس رش القرش ي‪ ,‬وه و‬
‫أول م ن كت ب ل ه ال وحي بمك ة‪ ,‬وأُب ي ب ن كع ب األنص ار الخزرج ي‪ ,‬وه و أول م ن كت ب للنب ي ‪ ‬عن د قدوم ه‬
‫‪-3-‬‬

‫المدين ة‪ ,‬وزي د ب ن ثاب ت األنص ار الخزرج ي‪ ,‬وه و أكث ر الكت اب مالزم ة للنب ي ‪ , ‬ومعاوي ة ب ن أب ي س فيان‬
‫القرشي‪ ,‬طلب أبوه من النبي ‪ ‬في فتح مكة أن يجعله كاتباً بين يديه فكان بعد ذل ك مالزم اً للكتاب ة ب ين ي د‬
‫النبي ‪ ‬رضي الله عنهم أجمعين‪.‬‬
‫ب‪ /‬وسائل الكتابرة ‪ :‬ل م تك ن وس ائل الكتاب ة مي َّس رة ‪ ,‬ب ل ك انوا يكتب ون عل ى وس ائل بدائي ة ت وفرت ل ديهم‬
‫على حسب الحال ؛ والتي منها ‪:‬‬
‫الرقاع ‪ :‬جمع رقعة ‪ ,‬وهي القطعة التي تكون من جلد أو قماش أو ورق ‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫سب ‪ :‬جمع عسيب‪ ,‬وهو طرف الجريد العريض بعد أن يكشطون الخوص‪.‬‬ ‫والعُ ُ‬
‫واللِّخاف ‪ :‬جمع لَ ْخ َفة ‪ ,‬بفتح فسكون ‪ ,‬وهي الحجارة الرقيقة ‪.‬‬
‫واألقتا ‪ :‬جمع قتب ‪ ,‬وهو قطع الخشب الذ يوضع على ظهر البعير ليركب عليه ‪.‬‬
‫واألكتاف ‪ :‬جمع كتف ‪ ,‬وهي العظام العريضة من أكتاف الحيوان كاإلبل والبقر ‪.‬‬
‫ج‪ /‬مميزات جمع القرآن في عهد النبي ‪ : ‬تميز بمميزات أبرزها ما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬كانت كتابته باألحرف السبعة التي نزل عليها القرآن‪ ,‬كما قال النبي ‪ ( :‬إِ َّن ه َذا الْ ُقرآ َن أُنْ ِزَل علَى س بع ِة أَح ر ٍ‬
‫ف‪,‬‬ ‫َ َْ َ ْ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫فَ ْاق َرءُوا َما تَيَ َّسَر ِمْنهُ ) ؛ ألنه كتب كما أنزل ‪.‬‬
‫‪ -2‬كتب وجمع تحت رعاية إلهية ‪ ,‬إذ لو كان فيها أدنى مالحظة ‪ ,‬ألُخبر النبي ‪. ‬‬
‫‪ -3‬كان مشتمال على بعض اآليات التي نسخت تالوة‪ ,‬ألنها ظلت مكتوبة ولم تخرج من المكتوب حت ى ت وفي‬
‫ت‪َ (( :‬ك ا َن فِيم ا أُنْ ِزَل ِم ن الْ ُق ر ِ‬
‫آن‬ ‫النبي ‪ , ‬ولكن الصحابة ك انوا يعلم ون بنس خها قطع اً ‪ ,‬فع ن عائش ة أَن ََّه ا قَالَ ْ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ات )) ‪ ,‬فَتُ وفِِّي رس ُ ِ‬ ‫ع معلُوم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات معلُ ٍ‬‫ع ْشر ر ٍ‬
‫ول اللَّه ‪َ ‬وُه َّن ف َ‬
‫يم ا يُ ْق َرأُ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫وم ات يُ َح ِِّرْم َن )) ‪ ,‬ثُ َّم نُس ْخ َن (( ب َخ ْم ٍ َ ْ َ‬
‫ض َع َ ْ َ‬‫َ ََُ‬
‫ِمن الْ ُقر ِ‬
‫آن ))‪.‬‬‫ْ ْ‬
‫‪ -4‬أجمع العلماء على أنه مرتب اآليات ‪ ,‬واختلفوا في ترتيب السور ‪.‬‬
‫‪ -5‬لم يكن القرآن الكريم قد جمع في مصحف واحد ‪ ,‬وإنم ا ك ان مكتوب اً لك ن مفرق اً عل ى الرق اع ‪ ,‬والعس ب ‪,‬‬
‫ت‬
‫واألقت اب ‪ ,‬ونحوه ا ‪ ,‬وله ذا ق ال زي د ب ن ثاب ت ع ن الجم ع ال ذ ت م ف ي عه د أب ي بك ر الص ديق ‪ (( :‬فَتَ تَ بَّ ْع ُ‬
‫ص ُدوِر ِِّ‬
‫الر َجال ))‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َمعُهُ م ْن الْعُ ُسب َواللِّ َخاف ‪َ ,‬و ُ‬
‫الْ ُق ْرآ َن أ ْ‬
‫د‪ /‬أسباب عدم جمع القرآن في مصحف واحد في عهد النبي‪: ‬‬
‫‪ -1‬األمن من ذهاب شيء من القرآن الكريم‪ ,‬والنبي ‪ ‬موجود‪ ,‬والصحابة كانوا إذا اختلفوا في شيء رجعوا إلى‬
‫نس ى‪,‬‬ ‫النبي ‪ ‬ال إلى المكتوب‪ .‬والله تعالى قد ِّأمن نبيه ‪ ‬من النسيان بقوله سبحانه وتع الى‪َ { :‬س نُ ْق ِرئُ َ‬
‫ك فَال تَ َ‬
‫إِالَّ َما َشاءَ اللَّهُ}‬
‫‪ -2‬ما كان يترقبه النبي ‪ ‬من ورود ناسخ لبعض اآليات‪ ,‬إذ التشريع لم يكن قد اكتمل‪.‬‬
‫‪-4-‬‬

‫‪ -3‬كلما نزل شيء جديد اضطروا إلى تغييره‪.‬‬


‫‪ -4‬قصر الفترة بين اكتمال نزول القرآن ووفاة النب ي ‪ , ‬وه ي ل م تتج اوز تس ع لي ٍال فق ‪ ,‬وه ي م دة ال تكف ي‬
‫لجمع القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ -5‬توفر عدد كبير من حملة القرآن وكتِّابه‪ ,‬بصورة ال يخشى معها ذهاب شيء من القرآن الكريم ‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق ‪: ‬‬


‫أ‪ /‬أسبا الجمع ‪:‬‬
‫ت ولَّى أم ر َّ‬
‫األم ة بع د وف اة النب ي ‪ ‬أب و بك ر الص ديق ‪ , ‬وق د واجهت ه فتن ة عظيم ة ‪ ,‬م ن أبرزه ا ارت داد بع ض‬
‫القبائ ل العربي ة ع ن اإلس الم ‪ ,‬وامتن اع بعض ها ع ن أداء الزك اة ‪ ,‬مم ا دع ا الص ديق ‪ ‬إل ى أن يح زم أم ره ‪ ,‬ويج رد‬
‫جيوشه لمقاتلة المرتدين ‪,‬والمانعين‪.‬‬
‫وكان قوام هذه الجيوش أصحاب النبي ‪ , ‬ومن أبرزهم حملة القرآن الكريم ‪ ,‬وقد اشتد القتل بالمسلمين في‬
‫معركة اليمامة‪ ,‬وقتل الكثير من الصحابة‪ ,‬ومن حملة القرآن؛ وذلك لشراسة المعركة‪ ,‬وكثرة المرتدين حتى قيل أن‬
‫بالقراء في المواضع‬
‫الذين قتلوا خمسمائة‪ ,‬وقيل سبعمائة‪ ,‬وقيل أكثر‪ ,‬فخشي الفاروق عمر‪ ‬أن يشتد القتل َّ‬
‫األخرى فيضيع شيء من القرآن بمقتل حملته في المعارك‪ ,‬إذ العلم يقبض بقبض أهله‪ ,‬ولذا جاء إلى الصديق‬
‫‪ ‬وحثَّه على جمع القرآن في مكان واحد‪ ,‬على مصحف إمام‪ ,‬بدالً من العسب‪ ,‬والرقاع‪ ,‬واللخاف‪ ,‬ونحوها‪.‬‬
‫َّ‬
‫ومن هنا يظهر لنا أن من أسباب الجمع األساسية الذي تم فري عهرد أبري بكرر‬
‫الصديق ‪ ‬هو ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الخوف من ذهاب شيء من القرآن الكريم بموت حملته ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أنَّهم كانوا يريدون جمعاً للقرآن الكريم؛ يتم بحضور أكابر الصحابة ‪ ,‬وينعقد اإلجماع عليه ‪ ,‬على أنَّه ه و‬
‫القرآن الذ أنزل على محمد ‪ ‬دون زيادة أو نقصان ‪ .‬وذلك َّ‬
‫سداً لباب الفتنة؛ التي ربَّما كانت تقع فيما بعد؛‬
‫لو لم يقدَّر الله هذا العمل العظيم؛ الذ َّتم بعد معركة اليمامة في السنة الثانية عشر للهجرة ‪.‬‬
‫ثم اختير زيد بن ثابت رضي الله عنه لهذا المهمة وذلك ألسبا عامة‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬كونه من كتاب الوحي ومن حفاظ القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه شهد العرضة األخيرة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه قرأ القرآن مرتين على النبي ‪ ‬بعد العرضة األخيرة ‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه كان أكتب القوم وأحسنهم خطا ‪.‬‬
‫‪-5-‬‬

‫َّ‬
‫ب‪ /‬منهج الجمع الذي تم في عهد أبي بكرر الصرديق ‪ : ‬وقاد قااه هاذا الجماع الاذ‬
‫اعتمد فيه على المكتن ‪ ،‬والمحفنظ ‪ ،‬على ثالثة أسس ثابتة ‪ ،‬تدل على متانته ‪ ،‬ودقته ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال يأخذون شيلاً من المحفوظ في الصدور ؛ إال إذا تلقَّاه الصحابي من فم النبي ‪ ‬مباشرة ‪ ,‬دون واسطة ‪.‬‬
‫ب بين يد ِِّ النبي ‪. ‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -2‬ال يعتمدون على شيء من المكتوب من القرآن الكريم ؛ إال إذا كان قد ُكت َ‬
‫‪ -3‬البد لمن تلقَّى شيلاً كتابةً‪ ,‬أو حفظاً من رسول الله ‪ ‬أن يشهد له شاهدان ‪ ,‬كما قال أبو بكر لزي د وعم ر‬
‫اه َديْ ِن َعلَى َشي ٍء ِمن كِتَ ِ‬
‫اب اللَّ ِه فَا ْكتُبَاهُ ))‪.‬‬ ‫اب الْمس ِج ِد ‪ ,‬فَمن جاء ُكما بِش ِ‬
‫َْ َ َ َ َ‬ ‫‪ (( :‬اُقْ ع َدا َعلَى ب ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ج‪ /‬مميزات جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق ‪: ‬‬
‫‪ -1‬اقتصر في هذا الجمع على ما لم تنسخ تالوته من اآليات ‪.‬‬
‫‪ -2‬كان على األحرف السبعة التي نزل عليها القرآن؛ َّ‬
‫ألن مهمة الصديق كانت منحصرة في التحقق م ن ع ين م ا‬
‫كتب بين يد ِّ رسول الله‪ ,‬وجمعه في مكان واحد خشية الضياع ‪.‬‬
‫‪ -3‬كان مرتَّب اآليات باإلجماع وفي ترتيب السور خالف ‪.‬‬
‫‪ -4‬ظ فر ه ذا الجم ع بإجم اع األم ة علي ه ألنَّه ق ام على َّ‬
‫أدق المعايير في‬
‫التثبُّت والتوثيق ‪ ,‬وهذا يدل على مكانة هذا الجمع ‪.‬‬
‫‪ -5‬جمع في نسخة واحدة حفظت عند أبي بكر الصديق ‪. ‬‬
‫فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ‪ ,‬ثم عند عمر حياته‪ ,‬ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنه ‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬جمع القرآن بمعنى نسخه في عهد عثمان ‪: ‬‬


‫أ‪ /‬أسباب الجمع ‪:‬‬
‫فكان السبب لهذا الجمع هن قطع دابر الخالف ‪ ,‬وحسم مادة النزاع في قراءة القرآن الكريم ‪ ,‬بسبب اختالف‬
‫األحرف السبعة ؛ وذلك بجمع الناس على حرف واحد ‪ ,‬ورس م واح د ‪ ,‬يجم ع ف ي مص ٍ‬
‫حف إم ام ‪ ,‬يق رأ‬
‫منه أهل كل مصر ‪ ,‬ويحرق ماعداه من مصاحف وصحف ‪.‬‬
‫المكلفون بالجمع ‪ :‬زيد بن ثابت‪ ,‬وعبد الله بن الزبي ر‪ ,‬وس عيد ب ن الع اص‪ ,‬وعب د ال رحمن ب ن الح ارث ب ن‬
‫هشام‪ ,‬وهؤالء الثالثة من قريش‪.‬‬
‫ب‪ /‬مميزات جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه ‪:‬‬
‫‪ -1‬جمع القرآن على حرف واحد من األحرف السبعة ‪ ,‬قال ابن الق يِِّم رحم ه الل ه ‪ (( :‬جم ع عثم ان الن اس عل ى‬
‫حرف واحد من األحرف السبعة ؛ التي أطلق لهم الرسول ‪ ‬القراءة بها لما كان ذلك مصلحة ))‪.‬‬
‫‪-6-‬‬

‫‪-2‬كتب بلغة قريش ‪ ,‬ورسم برسم يحتمل ألوجه القراءات الصحيحة الثابتة عن النبي ‪.‬‬
‫‪-3‬كان مرتب اآليات والسور على الوجه المعروف اليوم في المصاحف دون خالف ‪.‬‬
‫‪ -4‬نسخ القرآن في عدد من المصاحف ‪.‬‬
‫‪ -5‬جمع بهدف حمل الناس على القراءة من هذا النسخ ‪ ,‬وتحريق ما سواه من صحيفة‪ ,‬ومص حف ؛ كم ا ج اء‬
‫ص ِحي َف ٍة ‪ ,‬أ َْو‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫في رواية البخار ‪ (( :‬وأَرسل إِلَى ُك ِل أُفُ ٍق بِم ٍ ِ‬
‫ص َحف م َّما نَ َس ُخوا‪َ ,‬وأ ََمَر بِ َما س َواهُ م ْن الْ ُق ْرآن في ُك ِِّل َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َََْ‬
‫صح ٍ‬
‫ف أَ ْن يُ ْحَر َق )) ‪.‬‬ ‫ُم ْ َ‬
‫ج‪ /‬الفرق بين جمع أبي بكر الصديق وجمع عثمان رضي الله عنهما‪:‬‬
‫تم ا ف ي عه د أب ي بك ر وعثم ان رض ي الل ه عنهم ا‪ ,‬وذل ك‬
‫اعتنى العلماء بالحديث عن الفرق بين الجمعين الل ذين َّ‬
‫إلزالة اللبع الذ قد يقع‪ ,‬ولتوضيح مميزات كل جمع‪ ,‬ولذا يمكن تلخيل أهم هذه الفروق فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن الباع ث لجم ع الق رآن ف ي عه د أب ي بك ر رض ي الل ه عن ه خش ية أن ي ذهب ش يء م ن الق رآن ب ذهاب‬
‫حفظته‪ ,‬أما جمعه في عهد عثمان رضي الله عنه فلكثرة االختالف في وجوه القراءة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن جمع أبي بكر رضي الله عنه على األحرف السبعة‪ ,‬أما جمعه في عهد عثمان رضي الل ه عن ه فق د ك ان‬
‫على حرف واحد من األحرف السبعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن جمع أبي بكر رضي الله عنه كان مرتب اآليات وفي ترتيب السور خالف‪ ,‬أم ا جم ع عثم ان رض ي الل ه‬
‫عنه فقد كان مرتب اآليات والسور باتفاق‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه بمعن ى الجم ع ف ي مص حف واح د وأم ا الجم ع ف ي عه د عثم ان‬
‫رضي الله عنه ‪ ,‬فبمعنى نسخه في مصاحف متعددة‪.‬‬

‫الشبه المثارة حول جمع القرآن الكريم‬


‫أثار أعداء اإلسالم قديما وحديثا بعض الش بهات ح ول اإلس الم ‪ ,‬ورس وله ‪ ,‬وكتاب ه ‪ ,‬والزال خلفه م يعي د ص ياغة‬
‫هذه الشبهات ‪ ,‬ويطرحها بأسلوب العصر الذ هم فيه ‪ ,‬وربما اغتر بها بعض من ينتسب إل ى اإلس الم ‪ ,‬وظنه ا‬
‫حقائق علمية‪ ,‬وحججاً منطقية ‪ ,‬لشدة ما يعتني بتزيينها وبهرجتها ‪ .‬فمن هذه الشبه ‪:‬‬
‫الشبهة األولى ‪:‬‬
‫قالوا ‪ :‬إن في القرآن ما ليع منه ‪.‬‬
‫واس تدلوا عل ى ذل ك بم ا رو م ن أن اب ن مس عود أنك ر أن المع وذتين م ن الق رآن ‪ .‬وأن مص حف اب ن مس عود ق د‬
‫أسقطت منه الفاتحة ‪.‬‬
‫الجنا ‪:‬‬
‫‪-7-‬‬

‫‪ -1‬ما نقل عن ابن مسعود رضي الله عنه لم يصح ‪ .‬وهو مخالف إلجماع األمة ‪.‬‬
‫‪ -2‬وعلى فرض صحته ‪ ,‬فالذ يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي ‪ ‬فتوقف في أمرهما ‪.‬‬
‫الشبهة الثانية ‪:‬‬
‫يزعم بعض الناس أن أبا بك ر وعم ر وعثم ان ‪ ‬حرف وا الق رآن ‪ ,‬وأس قطوا بع ض آيات ه وس وره ‪ .‬فحرف وا لف ظ‪ { .‬أ َُّم ةٌ‬
‫ِه َي أ َْربَى ِم ْن أ َُّم ٍة } ‪ ,‬واألص ل " أئم ة ه ي أزك ى م ن أئم تكم " ‪ .‬وأس قطوا م ن س ورة األح زاب آي ات فض ائل أه ل‬
‫البيت ‪ ,‬وقد كانت في طولها مثل سورة األنعام ‪ .‬وأسقطوا سورة الوالية بتمامها من القرآن ‪.‬‬
‫الجنا ‪ :‬ويجاب عن هذه الشبهة بما يلي ‪:‬‬
‫‪-1‬أن هذه األقوال أباطيل ال سند لها‪ ,‬ودعاو ال بينة عليها ‪.‬‬
‫‪-2‬تبرأ بعض علمائهم من هذا االفتراء ونفوه ‪.‬‬
‫‪-3‬انعقد اإلجماع بتواتر القرآن الذ بين دفتي المصحف ‪.‬‬
‫قال على بن أبي طالب رضي الله عنه ‪ " :‬أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر ‪ ,‬رحمة الل ه عل ى أب ي بك ر‪,‬‬
‫هو أول من جمع بين اللوحين " ‪ .‬وقال في جمع عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ " :‬يا معش ر الن اس ‪ ,‬اتق وا الل ه‬
‫‪ ,‬وإي اكم والغل و ف ي عثم ان ‪ ,‬وق ولكم ‪َ :‬ح ِّراق مص احف ‪ ,‬فوالل ه م ا حرقه ا إال ع ن م أ من ا أص حاب رس ول الل ه‬
‫‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة ‪:‬‬


‫زع م بع ض الن اس أن كثي راً م ن آي ات الق رآن ل م يك ن له ا قي د س وى حف ظ الص حابة ‪ ,‬وق د قت ل بعض هم‪ ,‬وذه ب‬
‫معهم ما كانوا يحفظونه ‪.‬‬
‫الجنا ‪:‬‬
‫ويجاب عليهم بأن ما كان يحفظه الشهداء من القرآن ‪ ,‬كان يحفظه كثير غيرهم من األحياء ‪.‬‬
‫بدليل قول عم ر ب ن الخط اب رض ي الل ه عن ه‪ " :‬وأخش ى أن يم وت الق راء م ن س ائر الم واطن " ‪ .‬ومعن ى ه ذا أن‬
‫القراء لم يموتوا جميع اً ‪ .‬ومعل وم أن أب ا بك ر ‪ ,‬وعم ر ‪ ,‬وعثم ان ‪ ,‬وعل ي ‪ ,‬وزي د ب ن ثاب ت ‪  ,‬وغي رهم ق د حفظ وا‬
‫الق رآن كل ه ‪ ,‬وه ؤالء عاش وا وق ت جم ع الق رآن ‪ .‬وق د تق دم أن الق رآن كت ب ب ين ي د النب ي ‪ ‬وكتاب ه معروف ون‬
‫مشهورون ‪.‬‬
‫‪-1-‬‬

‫السور في القرآن الكرايم‬ ‫ترتيب اآلايت‬

‫معنى اآلية في اللغة‪ :‬تطلق على المعجزة ‪ ،‬والعالمة ‪ ،‬البرهان والدليل ‪.‬‬
‫وفي االصطالح‪:‬‬
‫طائفة من الحروف والكلمات ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن ‪.‬‬

‫طريقة معرفة اآلية ‪:‬‬


‫ال سبيل إلى معرفة آيات القرآن إال بتوقيف من الشارع ألنه ليس للقياس والرأي مجال فيها‬
‫آية ولم يعدوا نظيرها }المص{إنما هو محض تعليم وإرشاد بدليل أن العلماء عدوا‬
‫حم {آية وعدوا }طس{آية ولم يعدوا نظيرها وهو }يس{آية وعدوا }المر{وهو‬
‫آيتين بل آية واحدة فلو كان األمر مبنيا على }كهيعص{آيتين ولم يعدوا نظيرها وهو }عسق‬
‫القياس لكان حكم المثلين واحدا فيما ذكر ولم يجيء هكذا مختلفا ‪.‬‬
‫وبعض العلماء يذهب إلى أن معرفة اآليات منه ما هو سماعي توقيفي ومنها ما هو قياسي ‪.‬‬

‫إطالقات اآلية عند العلماء‪:‬‬


‫أ‪ -‬جزء من آية‪ .‬ب‪ -‬اآلية في المعنى االصطالحي‪ .‬ج‪ -‬على ما هو أكثر من ذلك ‪.‬‬

‫عدد آيات القرآن‪ :‬أجمع العلماء على أنها ( ‪ 0066‬آية )‪ ،‬واختلفوا فيما زاد على‬
‫ذلك‪ .‬فقيل ‪ ،0066‬وقيل ‪ ،0066‬وقيل‪ ،0066 :‬وقيل‪ ،0002 :‬وقيل‪0060 :‬آية‪.‬‬
‫سبب االختالف في عدد آيات القرآن‪ :‬أن النبي ‪ ‬كان يقف على رؤوس اآليات‬
‫ليعلم أصحابه أنها رأس آية‪ ،‬حتى إذا علم ذلك صار يصل اآلية بما بعدها لتمام المعنى‪،‬‬
‫فيحسب من لم يسمع النبي ‪ ‬أنها ليست فاصلة فيعد اآليتين آية واحدة‪ ،‬ولذا اختلف‬
‫العدد‪ ..‬وليس لهذا أثر يذكر ما دام القرآن سالماً من الزيادة أو النقصان‪.‬‬
‫‪-2-‬‬

‫‪ -‬ترتيب اآليات في سور القرآن ‪ :‬انعقد اإلجماع على أن ترتيب اآليات في القرآن‬
‫توقيفي ‪ ،‬فلقد كان جبريل ينزل باآليات على الرسول ‪ --‬ويرشده إلى موضع كل آية من‬
‫سورتها ‪ ،‬ثم يقرؤها النبي ‪ - -‬على أصحابه ‪ ،‬ويأمر كتاب الوحي بكتابتها معينا لهم‬
‫السورة وموضع اآلية منها ‪.‬‬
‫ين يُتَ َوفَّ ْو َن ِمن ُك ْم َويَ َذ ُرو َن أ َْزَواجاً} [‬ ‫َّ ِ‬
‫فعن عبد الله بن الزبير قال ‪ " :‬قلت لعثمان ‪َ { :‬والذ َ‬
‫البقرة ‪ ] 066 :‬قد نسختها اآلية األخرى ‪ ،‬فلِ َم تكتبها أو تدعها ؟ قال ‪ " :‬يا ابن أخي ‪ ،‬ال‬
‫أغير شيئا من مكانه " رواه البخاري‪.‬‬
‫وجاءت األحاديث الصحيحة بفضل آيات من سور بعينها ‪ ،‬وثبتت قراءة رسول الله ‪-‬‬
‫‪ -‬لسور عديدة بترتيب آياتها في الصالة أو الخطب ‪.‬‬
‫حكم االلتزام بترتيب اآليات في السور‪ :‬واجب وتحرم مخالفته ‪.‬‬

‫ترتيب سور القرآن الكرايم‬


‫‪ -‬معنى السورة في اللغة‪ :‬يراد بها ‪ :‬المنزلة و الشرف والرفعة‬
‫‪ -‬في االصطالح ‪ :‬طائفة من آيات القرآن ذات بداية ونهاية‪ ،‬مرتبة بترتيب النبي ‪، ‬‬
‫مسماة باسم خاص‪.‬‬
‫مسألة ترتيب السور‪:‬‬
‫اختلف العلماء في ترتيب سور القرآن على ثالثة أقوال ‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬ذهب عدد من العلماء إلى أن ترتيب السور توقيفي من النبي ‪ ‬أخذه‬
‫عن جبريل عليه السالم عن رب العالمين‪ ،‬ليس لالجتهاد فيه أي مجال‪ ،‬وأنه لم توضع السور‬
‫في موضعها إال وفق ما نزل به جبريل على النبي ‪ ،‬وأن ترتيب السور كترتيب اآليات سواء‬
‫بسواء‪.‬‬
‫ودليلهم قول النبي ‪ - -‬لوفد ثقيف ‪ " :‬طرأ على حزب من القرآن فأردت أال أخرج‬
‫حتى أقضيَه"‪ .‬قال أوس ‪ :‬فسألنا أصحاب رسول الله ‪ - -‬قلنا ‪ :‬كيف تحزبون القرآن ؟‬
‫قالوا‪ :‬نحزبه ثالث سور ‪ ،‬وخمس سور وسبع سور‪ ،‬وتسع سور ‪ ،‬وإحدى عشرة سورة ‪،‬‬
‫‪-3-‬‬

‫وثالث عشرة ‪ ،‬وحزب المفصل من ( ق) حتى نختم "‪.‬‬


‫وأجمع الصحابة على المصحف الذي كتب في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن ترتيب السور بعضه توفيقي من النبي ‪ ، ‬وبعضه اآلخر كان اجتهادياً‬
‫الصحابة ‪ .‬فما ورد فيه دليل على ترتيبه يكون توقيفي ‪ ،‬وما لم يرد فيه دليل يتركه النبي ‪‬‬
‫الجتهاد الصحابة ‪ ،‬ومعيار تحديد السور المرتبة توقي ًفا هو ما اشتهر من قراءة النبي ‪ ‬فما‬
‫وردت قراءته مرتبًا حكم بتوقيف ترتيبه‪ ،‬وما لم يرد مرتبًا حكم باجتهاد الصحابة في ترتيبه‬
‫‪.‬وهو الراجح في ذلك ‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬أن ترتيب السور كان باجتهاد من الصحابة ‪.‬‬

‫‪ -‬خالصة الخالف ‪:‬‬


‫سواء كان الترتيب توقيفياً أو اجتهادياً فإنه ينبغي احترامه‪ ،‬وال سيما في كتابة المصحف‪،‬‬
‫ألن الصحابة أجمعوا على ذلك بعد جمع مصحف عثمان‪ ،‬واإلجماع حجة‪ ،‬وألن الخالف‬
‫يجرنا إلى فتنه ‪ ،‬ودرء الفتن وسد الذرائع واجب ‪.‬‬

‫حكم ترتيب القرآن في التالوة ‪ :‬كان أغلب فعل النبي ‪ - -‬ترتيب السور في‬
‫التالوة والصالة ‪ ،‬وربما قرأ في الركعة الواحدة بما يخالف الترتيب المأثور ‪ ،‬كقراءته البقرة ثم‬
‫النساء ثم آل عمران في قيام الليل ‪ ،‬فهو مستحب وليس بواجب ‪.‬‬
‫عدد السور‪ :‬مائة وأربع عشرة سورة ‪.‬‬
‫أقستم السور بتعتبتر الطول القصر‪ :‬قسم العلماء السور إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪ -6‬الطوال‪ :‬وهي سبع‪ :‬البقرة‪ ،‬وآل عمران‪ ،‬والنساء‪ ،‬والمائدة‪ ،‬واألنعام واألعراف‪،‬‬
‫والسابعة قيل‪ :‬األنفال وبراءة لعدم الفصل بينهما بالبسملة‪ ،‬وقيل يونس‪.‬‬
‫‪ -0‬المئون‪ :‬التي تلي الطوال وهي ما تزيد آياتها عن مائة أو تقاربها‪.‬‬
‫‪ -6‬المثاني‪ :‬التي تلي المئين؛ وهي السور التي آياتها أقل من مائة‪ ،‬وسميت مثاني ألنها‬
‫‪-4-‬‬

‫تثنى أكثر مما يثنى الطوال والمئون‪.‬‬


‫‪ -6‬المفصل‪ :‬التي تلي المثاني من قصار السور سمي بذلك لكثرة الفواصل التي بين‬
‫السور بالبسملة‪ ،‬وقيل لقلة المنسوخ فيه‪.‬‬
‫وقد اختلف في أوله على أقوال‪ ،‬فقيل‪ :‬أوله (ق)‪ ،‬وقيل الحجرات‪.‬‬
‫وللمفصل طوال وأوساط وقصار‪ ،‬فالطوال من أوله إلى سورة النبأ ‪ ،‬وأوسطه من سورة النبأ‬
‫إلى سورة الضحى ‪ ،‬وقصاره من سورة الضحى إلى آخر القرآن‪.‬‬

‫فوائد معرفة اآليات والسور‪:‬‬


‫لتجزئة القرآن الكريم إلى آيات وسور فوائد وحكم ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫‪-6‬العلم بأن إعجاز القرآن وقع في قصاره ولم يقع في طواله كسورة الكوثر ‪.‬‬
‫‪-0‬الوقوف على سنة النبي ‪ ‬في القراءة ‪ ،‬إذ الوقوف على رؤوس اآليات سنة ‪.‬‬
‫‪-6‬التيسير على الناس في فهم القرآن‪ ،‬ألن كل سورة من القرآن تحوي محاور رئيسية‬
‫وفرعية تتحدث عنها ‪.‬‬
‫‪-6‬التيسير على الناس في حفظ القرآن ‪ ،‬فكلما أتم القارئ حفظ سورة منه كان ذلك‬
‫أنشط وأبسط لحفظ السورة التي تليها ‪.‬‬
‫رسم المصحف وكتابته وشكله‬
‫كتابة القرآن الكريم‬
‫كتب القرآن جميعه بين يدي النبي ‪ ،‬غير أنه كان مفرقا في العسب‪،‬‬
‫واللخاف‪ ،‬واألكتاف‪ ،‬والرقاع‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وكان النبي ‪ ‬إذا نزل عليه شيء من‬
‫القرآن دعا بعض كتاب الوحي‪ ،‬فيأمره بكتابة ما نزل‪ ،‬ويرشده إلى موضعه من‬
‫سورته‪ ،‬ولم يجاور الرسول ‪ ‬الرفيق األعلى إال والقرآن كله مكتوب مسطور‪.‬‬
‫ثم كتب في عهد الصديق رضي الله عنه في مصحف‪ ،‬وكانت كتابته من‬
‫عين ما كتب بين يدي النبي ‪.‬‬
‫ثم كتب في عهد عثمان رضي الله عنه في المصاحف على ما هو عليه‪،‬‬
‫وكانت كتابته من عين ما كتب في عهد الصديق رضي الله تعالى عنه‪.‬‬

‫رسم المصحف أو الرسم العثماني يراد به‪ :‬الوضع الذي ارتضاه الصحابة في‬
‫عهد عثمان ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬في كتابة كلمات القرآن الكريم وحروفه‪.‬‬
‫قواعد رسم المصحف‪:‬‬
‫األصل في المكتوب أن يكون موافقا للمنطوق‪ ،‬من غير زيادة وال نقص‪،‬‬
‫وال تغيير وال تبديل‪ ،‬مع مراعاة االبتداء به والوقف عليه‪ ،‬والفصل والوصل‪ ،‬ولم‬
‫مرسوما للصحابة يلتزمون عند كتابة المصحف‪،‬‬
‫ً‬ ‫معلوما‬
‫منهجا ً‬
‫تكن هذه القواعد ً‬
‫وإنما هي قواعد استنبطها العلماء بعد ذلك عن طريق االستقراء والتتبع‪.‬‬
‫كما أن هذه القواعد غير الزمة أو مطردة في كل كلمة قرآنية إذ يخرج عن‬
‫كل قاعدة عدد من الكلمات أحيانًا‪ ،‬وقد يلتزم في كلمة واحدة كتابتها وفق‬
‫القاعدة في موضع وبخالفها في موضع آخر‪ ،‬فطريق الكتابة للمصحف هو‬
‫النقل وحده‪.‬‬

‫‪-1-‬‬
‫من أهم قواعد رسم المصحف‬
‫‪ /1‬قاعدة الحذف‪ :‬حذف األلف تحذف في ثالثة مواضع‬
‫أ_اإلشارة "يأيها" ب‪ /‬االختصار (العالمين) ج ‪ /‬االقتصار (الميعاد)‪ ،‬و‬
‫الياء في " يا ِع ِ‬
‫باد فَاتَّق ِ‬
‫ون " ‪ ،‬والواو في "فأوا إلى الكهف" ‪ ،‬والالم في (الليل‪،‬‬
‫شاء)‬‫والالئي‪ ،‬والتي‪ ،‬والالتي‪ ،‬والذي) ‪ ،‬والنون في موضعين (فَ ن ِج َي َمن نَّ َ‬
‫ين )‬‫ِِ‬ ‫و(وَك ََٰذلِ َ ِ‬
‫ك ننجي الْم ْؤمن َ‬ ‫َ‬
‫‪ /2‬قاعدة الزيادة‪ :‬وذلك كزيادة األلف في "تفتؤا ‪ ،‬مالقوا َربِ ِه ْم " ‪ ،‬و الياء‬
‫في "بأييد" ‪ ،‬والواو في " أولوا ْاألَل ِ‬
‫ْباب"‪.‬‬
‫‪ /3‬قاعدة الهمز‪ :‬وذلك كأن تكتب حال سكونها بحرف حركة ما قبلها‬
‫"ائذن ‪ ،‬اؤتمن"‪.‬‬
‫‪ /4‬قاعدة البدل‪ :‬وذلك ككتابة األلف واواً للتفخيم في "الصلوة" ‪ ،‬وكتابة‬
‫النون ألفاً في نون التوكيد المخففة "لنسفعاً" ‪ ،‬و هاء التأنيث تاء مفتوحة في‬
‫نحو "رحمت"‪.‬‬
‫‪ /5‬قاعدة الوصل والفصل‪ :‬وذلك كوصل"أن" ِ‬
‫ب "ال" {أ ََّال تَ ِزر َوا ِزَرة }‪.‬‬
‫‪ /6‬قاعدة ما فيه قراءتان‪ :‬فإنه يكتب برسم إحداهما ‪ ،‬نحو مالك"‪.‬‬
‫هذه القواعد هي أهم الفوارق بين الرسم العثماني واإلمالئي‪.‬‬
‫** رسم المصحف توقيفي أم اصطالحي‪ :‬في المسألة عدة أقوال‬
‫لكن القول الراجح منها ما ذهب جمهور العلماء إلى أن رسم المصحف‬
‫العثماني توقيفي ال تجوز مخالفته واستدلوا‪:‬‬
‫بأن القرآن الكريم كتب كله بين يدي رسول الله ‪ ،‬وكان يملي على‬
‫كتاب الوحي‪ ،‬ويرشدهم في كتابته بوحي من جبريل عليه السالم‪.‬‬
‫وكذلك لما توفي الرسول ‪ ،‬وجمع القرآن‪ ،‬أجمع الصحابة على رسمه وال‬
‫‪-2-‬‬
‫سيما الخلفاء الراشدون ولم يخالف في ذلك أحد وإجماعهم حجة‪.‬‬
‫أهم المؤلفات في رسم المصحف ‪:‬‬
‫‪ _1‬المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل األمصار ألبي عمرو الداني ‪.‬‬
‫‪ _2‬الجامع لما يحتاج إليه من رسم المصحف ابن وثيق األندلسي ‪.‬‬

‫‪ _3‬البديع في معرفة ما رسم في مصحف عثمان بن عفان ‪ .‬محمد بن‬


‫يوسف الجهني ‪.‬‬
‫‪ _4‬عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل ألبي العباس أحمد بن البناء ‪.‬‬
‫‪ _5‬رسم المصحف د غانم غندور ‪.‬‬
‫‪ _6‬جامع البيان في معرفة رسم القرآن علي إسماعيل السيد ‪.‬‬

‫شكل القرآن‪:‬‬
‫الشكل‪ :‬هو ما يدل على عوارض الحرف؛ من حركة وسكون‪ ،‬سواء أكان‬
‫ذلك في أول الكلمة أو وسطها أو آخرها‪.‬‬
‫فالعرب في عهدهم األول لم يكونوا يعرفون الشكل بمعناه االصطالحي بل‬
‫كانوا ينطقون باأللفاظ مضبوطة مشكولة بحسب سليقتهم وفطرتهم العربية من‬
‫‪-3-‬‬
‫غير لحن‪ ،‬وال غلط‪ ،‬فلما اتسعت رقعة اإلسالم واختلط العرب بالعجم فسدت‬
‫الفطرة العربية‪ ،‬ودخل اللحن في الكالم‪ ،‬وحدثت حوادث نبهت المسلمين إلى‬
‫القيام بحفظ القرآن الذي هو أصل الدين ومنبع الصراط المستقيم من أن يتطرق‬
‫إليه اللحن والخطأ‪.‬‬
‫أبو األسود الدؤلي بطلب من والي البصرة‪ ،‬هو من وضع عالمات‬
‫اإلعراب‪ ،‬لكي تبين إعراب الكلمات ومنع اللحن فيها‪ ،‬فجعل للفتحة نقطة‬
‫فوق الحرف‪ ،‬وللكسرة نقطة أسفله‪ ،‬وللضمة نقطة بين الحرف‪ ،‬وللتنوين‬
‫نقطتين‪ ،‬وسار الناس على هذا النهج مدة‪ ،‬ثم بدءوا يزيدون ويبتكرون فجعلوا‬
‫عالمة للحرف المشدد كالقوس وأللف الوصل جرة فوقها أو تحتها أو وسطها‬
‫على حسب ما قبلها من فتحة‪ ،‬أو كسرة‪ ،‬أو ضمة ‪.‬‬
‫ثم وبعد أن أمن الناس من اللحن ‪ ،‬ظهر نوع آخر من الخطأ وهو التمييز‬
‫بين الحروف التي تتحد صورتها بدون نقط كالباء والتاء والثاء‪ ،‬وكالجيم والحاء‪،‬‬
‫وكالدال والذال‪ ،‬ونحوها وشق على السواد منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين‬
‫حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة‪.‬‬
‫مما دعا الخليفة عبد الملك بن مروان إلى أن يأمر الحجاج بن يوسف الثقفي‬
‫واليه في العراق أن يختار من العلماء من يقوم بهذا العمل‪.‬‬
‫واختار الحجاج بن يوسف لهذا العمل عالمين هما‪:‬‬
‫‪ -1‬يحيى بن يعمر العدواني‪.‬‬
‫‪ -2‬نصر بن عاصم الليثي‪.‬‬
‫فقاما بإعجام الحروف بوضع النقاط المعروفة إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫‪-4-‬‬
‫ثم لئال يقع خلط بين نقط اإلعجام ونقط اإلعراب قام الخليل بن أحمد‪ ،‬بتغيير‬
‫نقط اإلعراب إلى عالمات اإلعراب المعروفة اآلن حتى ال يقع خلط بين نقط‬
‫اإلعراب ونقط اإلعجام على النحو التالي‪:‬‬
‫‪ "َ" -1‬فوق الحرف للفتح‪.‬‬
‫‪ "ِ" -2‬تحت الحرف للكسر‪.‬‬
‫‪ " " -3‬فوق الحرف للضم‪.‬‬
‫‪ " " -4‬فوق الحرف للتشديد وهي رأس ش من شديد‪.‬‬
‫‪" -5‬ح " فوق الحرف للسكون وهي رأس خ من "خفيف"‪.‬‬

‫موقف العلماء من نقط المصحف وشكله والتحسينات على الرسم العثماني‪:‬‬


‫كان العلماء في الصدر األول يكرهون نقط المصحف وشكله ونحوهما‬
‫مبالغة منهم في المحافظة على القرآن ‪ ،‬وكتابته في المصاحف على هيئة ما‬
‫كتب بين يدي النبي ‪.‬‬
‫ولكن الحال قد تغيرت عما كان في العهد األول‪ :‬فاضطر المسلمون إلى نقطه‬
‫وشكله للمحافظة على القرآن من اللحن والتغيير والتصحيف‪ ،‬وللتيسير على‬
‫الحفاظ والقارئين‪ ،‬وللحاجة الماسة لسالمة القرآن من اللحن وفساد اللسان‬
‫العربي‪ ،‬انتهى األمر في حكمه أنه لالستحباب واإلباحة ‪.‬‬

‫‪-5-‬‬
‫_ نزول القرآن على سبعة أحرف ‪:‬‬
‫المراد باألحرف السبعة ‪:‬‬

‫أما األحرف فجمع حرف ‪ ،‬وله في اللغة على عدة معان ‪:‬‬

‫‪ _1‬يطلق على الحرف من حروف الهجاء المعروفة أ‪ .‬ب ‪ .‬ت ‪.‬‬

‫‪ _2‬يطلق على اللغة فيقال ‪ :‬حرف قريش‪ ،‬وحرف ثقيف‪ ،‬أي ‪ :‬لغة قريش ولغة ثقيف ‪.‬‬

‫‪ _3‬يطلق على طرف الشيء‪ ،‬وشفيره‪ ،‬وح ّده‪ ،‬وجانبه ‪.‬‬

‫‪ _4‬يطلق على وجه القراءة‪ ،‬فيقال ‪ :‬حرف ابن مسعود أي ‪ :‬قراءته ‪.‬‬

‫أما المراد باألحرف السبعة ‪:‬‬

‫اختلف العلماء كثيراً في المراد باألحرف السبعة ‪ .‬قال ابن حبان ‪( :‬اختلف أهل العلم في‬
‫معنى األحرف السبعة على خمسة وثالثين قوالً)‪ ،‬وقال السيوطي‪( :‬اختلف في معنى هذا‬
‫الحديث على نحو أربعين قوالً) ‪.‬‬

‫والقول األشهر وهو ما ذهب إليه أكثر العلماء كـ ـ سفيان‪ ،‬وابن وهب‪ ،‬وابن جرير الطبري‪،‬‬
‫والطحاوي ‪ ،‬وهو‪ :‬أن المراد باألحرف السبعة سبع لغات من لغات العرب في المعنى الواحد‪،‬‬
‫على معنى أنه إذا اختلفت لغة العرب في كلمة جاء القرآن بسبع لغات منها‪ ،‬واختلفوا في‬
‫تحديد هذه اللغات السبع فقيل ‪:‬‬

‫‪(_1‬قريش‪ ،‬هذيل‪ ،‬تميم‪ ،‬هوزان‪ ،‬كنانة‪ ،‬تقيف‪ ،‬اليمن) ‪.‬‬

‫‪( _2‬قريش‪ ،‬هذيل‪ ،‬تميم‪ ،‬هوزان‪ ،‬األزد‪ ،‬ربيعة‪ ،‬سعد بن بكر) ‪ ،‬وقيل غير ذلك ‪.‬‬
‫_ األدلة على نزول القرآن على سبعة أحرف ‪:‬‬
‫ذكر العلماء تواتر نزول القرآن على سبعة أحرف‪،‬وتواترت األحاديث كلها في األحرف السبعة‪،‬‬
‫وقد ذكر السيوطي أنه رويت عن واحد وعشرين صحابياً‪،‬وسوف نذكر بعض منها ‪:‬‬

‫‪-1‬روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أقرأني جبريل على حرف فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى‬
‫انتهى إلى سبعة أحرف" ‪.‬‬
‫‪ -2‬وروى البخاري ومسلم أيضا واللفظ للبخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول‪:‬‬
‫سمعت هشام ابن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت‬
‫لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت‬
‫أساوره في الصالة فانتظرته حتى سلم ثم لببته بردائه أو بردائي فقلت‪ :‬من أقرأك هذه السورة؟‬
‫قال‪ :‬أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ .‬قلت له‪ :‬كذبت فوالله إن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرؤها فانطلقت أقوده إلى رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم فقلت‪ :‬يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها‬
‫وأنت أقرأتني سورة الفرقان‪ .‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬أرسله يا عمر" ‪ :‬اقرأ يا‬
‫هشام فقرأ هذه القراءة التي سمعته يقرؤها‪ .‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬هكذا‬
‫أنزلت" ‪ .‬ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف‬
‫فاقرأوا ما تيسر منه" ‪.‬‬
‫‪ -3‬روى مسلم بسنده عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أضاة بني‬
‫غفار‪ .‬قال‪ :‬فأتاه جبريل عليه السالم فقال‪ :‬إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف‪.‬‬
‫فقال‪" :‬أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي ال تطيق ذلك" ‪ .‬ثم أتاه الثانية فقال‪ :‬إن الله‬
‫يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرفين فقال‪" :‬أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي ال تطيق‬
‫ذلك" ثم جاءه الثالثة فقال‪ :‬إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على ثالثة أحرف فقال‪:‬‬
‫"أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي ال تطيق ذلك" ثم جاءه الرابعة فقال‪ :‬إن الله يأمرك أن‬
‫تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف‪ .‬فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا ‪.‬‬
‫أهم المؤلفات ‪:‬‬
‫‪ _1‬شرح حديث (أنزل القرآن على سبعة أحرف) البن تيمية ‪.‬‬
‫‪ _2‬الكواكب الدرية فيما ورد في إنزال القرآن على سبعة أحرف من األحاديث النبوية ‪.‬‬
‫تأليف محمد بن علي الحسيني المعروف بـ الحداد ‪.‬‬
‫‪ _3‬الكلمات الحسان في الحروف السبعة وجمع القرآن‪ .‬محمد بخيت ‪.‬‬
‫‪ _4‬األحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ‪ .‬د حسن ضياء الدين ‪.‬‬
‫‪ _5‬األحرف السبعة ‪ .‬مناع القطان ‪.‬‬

‫الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف ‪:‬‬


‫_ التيسير على األمة والرحمة بهم ‪.‬‬
‫_ تحقيق انتشار الدعوة اإلسالمية ‪.‬‬
‫_ اإليجاز واإلعجاز‪ ،‬وبيان ذلك أن في تعدد األحرف كمال اإلعجاز مع غاية اإليجاز ‪.‬‬
‫_ الداللة على مصدر القرآن وأنه وحي من الله ‪.‬‬
‫_ توحيد لغات العرب ووحدة األمة اإلسالمية ‪.‬‬

‫_ أن األحرف السبعة من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫_ أن األحرف السبعة من خصائص القرآن الكريم ‪.‬‬


‫األمثال في القرآن‬

‫الشْبه والشبيه لفظاً ومعنى ‪.‬‬ ‫المثِيل ّ‬


‫كالشبَه و ّ‬ ‫ِ‬
‫المثل في اللغة ‪ :‬المثَل والمثل و َ‬
‫المصور على مثال غيره‬
‫الممثّل ُ‬
‫قال الراغب األصفهاني ‪( ":‬مثل) أصل المثول االنتصاب‪ ،‬و ُ‬
‫يقال‪ :‬مثل الشيء‪ ،‬أي انتصب وتصور‪ ،‬ومنه قوله صلى الله عليه وسلم(من أحب أن يمثل‬
‫له الرجال فليتبوأ مقعده من النار)‪ ،‬والتمثال‪ :‬الشيء المصور‪ ،‬تمثل كذا أي تصور ومنه قوله‬
‫وحنَا فَتَ َمثَّل لها بَ َشراً َس ِويّاً) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تعالى ‪( :‬فَأ َْر َس ْلنَا إلَْيها ُر َ‬
‫والمثل في القرآن ‪ :‬فهو إبراز المعنى في صورة حسية موجزة تكسبه روعة وجماالً‪ ،‬ولها‬
‫وقعها في النفس سواء كانت تشبيهاً أو قوالً مرسالً ‪.‬‬

‫أنواع األمثال في القرآن ‪:‬‬

‫‪ /1‬األمثال المصرحة ‪ :‬وهي التي يصرح فيها بلفظ المثل أو بما يدل عليه من تشبيه أو‬
‫نظير أو سياق أو آية وهذا كثير في القرآن ‪ .‬ومن األمثلة قوله تعالى ‪َ ( :‬مثَلُ ُه ْم َك َمثَ ِل الَّ ِذي‬
‫ص ُرو َن ) ‪.‬‬ ‫ات َّال ي ب ِ‬‫استَ وقَ َد نَارا فَلَ َّما أَضاءت ما حولَه ذَهب اللَّه بِنُوِرِهم وتَرَكهم فِي ظُلُم ٍ‬
‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ ُْ‬ ‫َ َ ْ َ َْ ُ َ َ ُ‬ ‫ْْ ً‬
‫‪ /2‬األمثال الكامنة ‪ :‬وهي التي لم يصرح فيها المثل ولكنها دلت على معان رائعة موجزة ‪،‬‬
‫ِ‬
‫ك) ‪.‬‬‫ض َوَال بِكٌْر َع َوا ٌن بَْي َن َٰذَل َ‬
‫قال تعالى ‪َّ( :‬ال فَا ِر ٌ‬

‫‪ /3‬األمثال المرسلة ‪ :‬وهي ضرب المثل باآليات القرآنية في بعض األحوال ‪ .‬ومنه قوله‬
‫تعالى ‪( :‬لَ ُكمِ دينُ ُكمَ ولِي ِدي ِن ) ‪.‬‬

‫أشهر المؤلفات ‪:‬‬

‫_ األمثال القرآنية ‪ :‬على محمد الماوردي ‪.‬‬

‫_ األمثال في القرآن البن القيم ‪.‬‬


‫_ أمثال القرآن ‪ .‬الجنيد القواريري ‪.‬‬

‫_ أمثال القرآن ‪ .‬محمد حسين السلمي ‪.‬‬

‫_ أمثال القرآن ‪ .‬نفطويه ‪.‬‬

‫فوائد األمثال في القرآن ‪:‬‬

‫‪ _1‬إظهار المعنى المعقول المجرد في صورة حية ملموسة متحركة ‪ .‬كالمثل الذي يضرب‬
‫ص َدقَاتِ ُكم‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا َال تُْبطلُوا َ‬ ‫الله تعالى لمن ينفق ما له رئاء الناس بقوله تعالى (يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫ص ْف َو ٍان‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِالْ َم ِّن َو ْاألَذَ َٰى َكالَّ ِذي يُ ِنف ُق َمالَهُ ِرئَاءَ الن ِ‬
‫َّاس َوَال يُ ْؤم ُن بِاللَّه َوالْيَ ْوم ْاآلخ ِر ۖ فَ َمثَلُهُ َك َمثَ ِل َ‬
‫ص ْل ًدا ۖ َّال يَ ْق ِد ُرو َن َعلَ َٰى َش ْي ٍء ِّم َّما َك َسبُوا َواللَّهُ َال يَ ْه ِدي الْ َق ْوَم‬
‫َصابَهُ َوابِ ٌل فَتَ َرَكهُ َ‬
‫اب فَأ َ‬
‫ِ‬
‫َعلَْيه تَُر ٌ‬
‫ِ‬
‫الْ َكاف ِر َ‬
‫ين ) ‪.‬‬

‫ب اللَّهُ َمثَ ًال َّر ُج ًال فِ ِيه ُشَرَكاءُ ُمتَ َشاكِ ُسو َن‬
‫ضَر َ‬
‫‪ _2‬قوة اإلقناع والحجة ‪ ،‬ففي قوله تعالى ‪َ ( :‬‬
‫ان َمثَ ًال ۚ الْ َح ْم ُد لِلَّ ِه ۚ بَ ْل أَ ْكثَ ُرُه ْم َال يَ ْعلَ ُمو َن) ‪ .‬فالحجة في هذا‬
‫ورج ًال سلَما لِّرج ٍل هل يستَ ِوي ِ‬
‫ََ ُ َ ً َ ُ َ ْ َ ْ َ‬
‫المثل تثبت أن انفراد المالك الذي تجب طاعته أفضل وأكرم للمملوك من تعدد المالكين‪،‬‬
‫فاألمران ليسا بمتساويين (هل يستَ ِوي ِ‬
‫ان َمثَ ًال) ‪.‬‬‫َ ْ َْ َ‬
‫ت َسْب ََ َسنَابِ َل فِي ُك ِّل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ _3‬الترغيب ‪َّ (.‬مثل الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُنف ُقو َن أ َْم َوالَ ُه ْم في َسبِ ِيل اللَّه َك َمثَ ِل َحبَّة أَنبَ تَ ْ‬
‫َُ َ‬
‫ف لِ َمن يَ َشاءُ َواللَّهُ َو ِاس ٌَ َعلِ ٌيم ) ‪.‬‬ ‫سنب لَ ٍة ِمائَةُ حبَّ ٍة واللَّه ي ِ‬
‫ضاع ُ‬ ‫ُُ ّ َ َ َُُ‬
‫ت ِآمنَةً ُّمطْمئِنَّةً يأْتِيها ِرْزقُها ر َغ ًدا ِمن ُك ِل م َك ٍ‬
‫ان‬ ‫ب اللَّهُ َمثَ ًال قَ ْريَةً َكانَ ْ‬
‫َ َ َ َ َ ّ َّ‬ ‫ضَر َ‬
‫‪ _4‬الترهيب ‪َ ( .‬و َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫فَ َك َفر ْ ِ ِ َّ ِ‬
‫وع َوالْ َخ ْوف بِ َما َكانُوا يَ ْ‬
‫صنَ عُو َن) ‪.‬‬ ‫اس الْ ُج ِ‬ ‫ت بأَنْعُم الله فَأَ َذاقَ َها اللهُ لبَ َ‬‫َ‬
‫ت َوفَ ْرعُ َها فِي‬ ‫َصلُ َها ثَابِ ٌ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب اللَّهُ َمثَ ًال َكل َمةً طَيِّبَةً َك َش َجَرةٍ طَيِّبَة أ ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ف َ‬ ‫‪ _5‬المدح ‪( .‬أَلَ ْم تَ َر َكْي َ‬
‫ب اللَّهُ ْاأل َْمثَ َال لِلن ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس لَ َعلَّ ُه ْم يَتَ َذ َّك ُرو َن)‬ ‫الس َماء * تُ ْؤتِي أُ ُكلَ َها ُك َّل ِحي ٍن بِِإ ْذ ِن َربِّ َها َويَ ْ‬
‫ض ِر ُ‬
‫َخ ِيه َمْي تًا فَ َك ِرْهتُ ُموهُ)‬
‫ب أَح ُد ُكم أَن يأْ ُكل لَحم أ ِ‬
‫ضا ۚ أَيُح ُّ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ِ‬
‫ض ُكم بَ ْع ً‬
‫‪ _6‬التنفير ( َوَال يَ ْغتَب بَّ ْع ُ‬

‫أقسام القرآن ‪.‬‬

‫القسم في اللغة ‪ :‬الحلف واليمين والقسم بمعنى واحد ‪.‬‬

‫اصطالحاً ‪ :‬ربط النفس باالمتناع عن شيء أو اإلقدام عليه أو على صحته أو بطالنه‪ ،‬بمعنى‬
‫معظم عند الحالف حقيقة أو اعتقاداً ‪.‬‬

‫صيغته ‪ :‬صيغة القسم األصلية أن يؤتى بالفعل (أقسم) أو (أحلف) متعدياً بالباء إلى المقسم‬
‫به ثم يأتي المقسم عليه وهو جواب القسم ‪.‬ومثال ذلك ( َوأَقْ َس ُموا بِاللَّ ِه َج ْه َد أَيْ َمانِ ِه ْم ۙ َال‬

‫ث اللَّهُ َمن يَ ُم ُ‬
‫وت) ‪.‬‬ ‫يَْب َع ُ‬

‫_ أشهر المؤلفات ‪:‬‬

‫‪ /1‬التبيان في أقسام القرآن البن القيم ‪.‬‬

‫‪ /2‬اإلمعان في أقسام القرآن ‪ .‬عبد الحميد الفراهي ‪.‬‬

‫‪ /3‬آيات القسم في القرآن ‪ .‬أحمد كمال المهدي ‪.‬‬

‫أركان القسم ‪:‬‬

‫‪ /1‬فعل القسم (أقسم) أو (أحلف) ‪.‬‬

‫‪ /2‬أداة القسم ‪ ،‬أو حروف القسم (الباء‪ ،‬الواو‪ ،‬التاء‪ ،‬الالم‪ ،‬ومن) ‪ ،‬ولم يرد في القرآن إال‬
‫باألحرف الثالثة األولى ‪.‬‬

‫‪ -3‬المقسم به‪ ،‬وهو الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وال يجوز القسم بغير الله ولله سبحانه أن يقسم‬
‫بما شاء من مخلوقاته ‪.‬‬
‫‪ -4‬المقسم عليه أو جواب القسم ‪.‬‬

‫أنواع القسم في القرآن ‪ :‬وهو نوعان ‪:‬‬

‫النوع األول ‪ :‬قسم ظاهر ‪ :‬وهو ماتوا فرت فيه أركان القسم األربعة ‪ ،‬أو حذف منه أولها‬
‫ض إِنَّه لَح ٌّق ِمثْل ما أَنَّ ُكم تَ ِ‬ ‫ب َّ ِ‬
‫نط ُقو َن) ‪ .‬أو‬ ‫الس َماء َو ْاأل َْر ِ ُ َ ّ َ َ ْ‬ ‫وهو فعل القسم كقوله تعالى ‪( :‬فَ َوَر ِّ‬
‫حذف منه جواب القسم إذا كان في نفس المقسم به ما يدل على المقسم عليه ‪ ،‬وهي طريقة‬
‫القرآن ‪.‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬قسم مضمر ‪ :‬وهو ما حذف منه فعل القسم وأداته والمقسم به‪ ،‬وتدل عليه‬
‫الالم المؤكدة للقسم‪ ،‬والتي تدخل على جواب القسم ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ ۞( :‬لَتُ ْب لَ ُو َّن فِي أ َْم َوالِ ُك ْم‬
‫َوأَن ُف ِس ُك ْم ) ‪ ،‬أي ‪ :‬والله ‪.‬‬

‫فوائد القسم ‪:‬‬

‫‪ /1‬تأكيد المقسم عليه ‪.‬‬

‫‪ /2‬لفت األنظار إلى ما يحويه الكون من أسرار عجيبة‪ ،‬وآيات عظيمة‪ ،‬وما فيه من نظام‬
‫بديَ محكم‪ ،‬والداللة على عظمت خالقها ‪.‬‬

‫‪ /3‬إقامة الحجة على المشركين وإثبات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫‪ /4‬إظهار فضل المقسم به وعظمته ‪.‬‬

‫‪ /5‬امتناع إنكار الخصم في القسم ‪.‬‬

‫‪ /6‬بالغة اإليجاز في القسم ‪.‬‬

You might also like