Professional Documents
Culture Documents
ملخص
إال انه وبعد،كان النظام االقتصادي في عهد اإلمبراطور ديوقليسيانوس يعتمد في املقام األول على إنتاج الفالحين وعالم الريف
بدأ االعتماد شيئا فشيئا على، ونظرا للتضخم وفقدان العملة لقيمتها،أن استعاد الشرق األقص ى السيطرة في عالم الحرف
" مما أدى إلى وقوع الضغط على الفالحين في املجال الضريبي بسبب تطبيق الضريبة على األرض "اليوجوم،الضريبة العينية
ملواجهة هده الوضعية. مما دفع هؤالء الفالحين إلى هجر أراضيهم أو األراض ي املستأجرة والفرار،Caput ثم ضريبة الرأسJuGum
و يربطهم باألرض وهوما كان،Origo " م الذي يمنع على الفالحين مغادرة أراضيهم "املوطن األصلي782 اصدر إلمبراطور قانون
واستفحلت ظاهرته في وقت الحق في أوروبا،وراء ظهور نظام "القنانة" الذي عانى منه فالحوا العصر اإلمبراطوري املتأخر كثيرا
.العصور الوسطى
. الضريبة، القنانة، العصر اإلمبراطوري الثاني:الكلمات الدالة
Abstract
The dominant economic system under the reign of Emperor Diocletian depended on the
production of farmers and on the rural world. Following the re-conquest of the industry by the
Far East, and faced with the high rate of inflation and the devaluation of money, the emperor
applied the royalties in kind thus imposing enormous pressures on the farmers. The latter were
forced to abandon their lands and flee their homes. To maintain the stability of the new fiscal
regime, Emperor Diocletian promulgated Law 287 "Originarium IUS" forbidding the
abandonment of land and decreeing perpetual attachment to the land by farmers and their
families. This is how the system of slavery was born and the farmers became serfs and slaves of
the land on which they lived in rather miserable conditions under the reign of Emperor
Diocletian before its appearance in Europe during the middle Ages.
Keyword: the second imperial era; serfdom; tax; slaves; free farmers; statistics.
Résumé
Le système économique dominant sous le règne de l’empereur Dioclétien reposait sur la
production des agriculteurs et du monde rural. Suite à la reconquête de l’industrie par
l’Extrême-Orient, face à l’ampleur de l’inflation et la dévaluation de la monnaie, l’empereur a
appliqué les redevances en nature imposant ainsi d’énormes pressions sur les agriculteurs. Ces
derniers furent contraints à abandonner leurs terres et fuir les lieux de leur résidence. Pour
maintenir la stabilité du nouveau régime fiscal, l’empereur Dioclétien a promulgué la loi 287
«Originarium IUS» interdisant l’abandon des terres et décrétant l’attachement perpétuel à la
د .نورة مواس القنانة في العصر اإلمبراطوري املتأخر) 592 -782م)
terre des agriculteurs et de leurs familles. C’est ainsi que fut né le système de l’esclavage sous le
règne de l’empereur Dioclétien bien avant son apparition en Europe au cours du moyen âge.
Mots-clés: la deuxième impériale; le servage; la taxe; les esclaves; agriculteurs libres; les
statistiques.
مقدمة
أثناء إعدادنا رسالة الدكتوراه حول اإلمبراطورية املتأخرة ،وعند دراسة "الوضع االجتماعي" ،الحظنا تنامي ظاهرة "القنانة" ،التي
تعرضنا لها في تكويننا على مستوى الليسانس ،في وحدة "أوروبا عصور الوسطى" ،األمر الذي لفت انتباهنا إلى ضرورة البحث في
جذور ها في اإلمبراطورية السفلى ودواعيها قبل أن تستفحل فعال في أوروبا العصور الوسطى.
بالنسبة لجذور هذه الظاهرة ورغم اآلراء املختلفة حول تاريخ ظهورها ،وتمكنها ،يقترح عادة منتصف القرن الرابع امليالدي
كبدايتها ،غير أن التعبير في حد ذاته ،Originarium, IUSيدعو إلى االعتقاد أن ظهور هذه الظاهرة ارتبط بإصالحات اإلمبراطور
ديوقليسيانوس سنة 782م ،الذي ربط إلى "األصل" Origoمجموع سكان اإلمبراطورية واالعتراف باألمالك ،Praediumسواء
خاصة أم إمبراطورية كنوع ثالث من األصل Origoإلى جانب املدن والقرى ) ،(Remondon, 1973وبالتالي يمكننا اعتبار هذه السنة هي
البذرة األولى لظاهرة ارتباط "الفالح باألرض" ،وميالد "القنانة".
األمر يجعلنا نتساءل عن دواعي سن مثل تلك القوانين؟
كانت الدولة في هذه املرحلة تقوم على الفالحين ،وعلى الريف كظاهرة جديدة ،ولكنها لم تهتم بمصالح املالك بقدر اهتمامها
باالستقرار العام لاللتزامات الضريبية ،اإلطار الذي يكون فيه استقرار الفالحين يشكل عنصرا ضمن عناصر أخرى لحق املعمرين
،Ius Colonatusالذين لم يكن لهم اثر حاسم ومحتوم على تطور العالقة الحقيقية بين "املالك" و"اليد العاملة الريفية".
وهكذا نالحظ أن الحاجة الكبيرة إلى املداخيل الضريبية بعد الفوض ى العسكرية 782–752م التي عرفتها اإلمبراطورية واللجوء أكثر
فأكثر إلى الضريبة "العينية" ،نظرا للتضخم وفقدان العملة لقيمتها ،قد دفعت اإلمبراطور ديوقليسيانوس إلى االعتماد على "
ضريبة األرض " لكن " األرض" دون الفالح ال تنتج ،فاليوقوم* ،Lugumيفترض وجود رأس ،Caputأي رجل يزرعها ،ونظرا لكثرة
تنقل السكان بين مكان وآخر في القرن الثالث ،وتناقص اليد العاملة الفالحية ،التي أصبحت تشكل أزمة حادة ،وهدا الن الفالحين
كانوا كلما اضطهدوا في مكان ما ،بحثوا عن مكان آخر ،حتى وان كان دلك بالفرار ،ونظرا لالعتقاد الراسخ السائد في العالم القديم
أن اإلنسان اكثر ارتباطا بموطنه االصلي ،Origoقرر اإلمبراطور ديوقليسيانوس ربط الفالح باألرض" ،Lugumالتي يزرعها ،
فأصبحت وحدة الضريبة هي " الرأس" ، Caputأكثر مما هي اليوقوم ) ،(Petit, 1974ومن هنا أصبحت "الوحدة" في الضرائب بعد زمن
ديوقليسيانوس خليطا من االثنين الرأس واليوقوم.
بناء على ذلك ،كان على كل من يزرع قطعة األرض أن يذكر مساحتها وعدد الرؤوس التي تعمل عليها بما في ذلك عدد املاشية
(Carrie,
) ،2011وقد جعل هذا اإلقرار الرجل مسؤوال عن أرضه وعماله ،Caputفكان عليه أن يدفع الضريبة املفروضة على أرضه ،وملا كان "
الرجل وأرضه" وحدة واحدة ،منع من مغادرتها وبالتالي فقد الحرية في الحركة واالنتقال.
وفي العصر اإلمبراطوري األسفل ،كلمة املعمر Colonusمثل املؤجر Locatorدون أن تختفيا ،بدأت تأخذ معنى محدد نتيجة
دوافع مختلفة ومتضافرة ادن الى ان معنى معمر مرتبط ضريبيا باألرض ،وعادة ما ألحق املشرعون عميلة اإلحصاء l’Adscripticiat
بدائرة القانون الخاص حتى يضمنوا االستمرارية الشرعية مع عملية التأجير وعقد اإليجار ،locatio Condictioويكون بالتالي
اإلجبار قد تولد عن عالقة تعاقدية ،تمت بإرادة الطرفين :يضمن املالك بموجبها للمستأجر دفع ضرائبه مقابل خدمات محددة
على أرضه.
هذا االتفاق الخاص يرسم على مستوى مصلحة الضرائب ،بتسجيل املستأجر على التسريح اإلحصائي للمالك ،لكن لم نعرف مع
ذلك أي نموذج ملثل هذا " العقد " الخاص وقد جعل املؤرخون من القنانة colonatالزراعية للعصر اإلمبراطوري املتأخر ،فصال
من التاريخ للتبعية في طريق قنانة القرون الوسطى )(Modéran, 2006
كان املالك Dominusال حق له على املعمر ، Coloniإن باع ضيعته ،ال يمكنه نقل املعمرين املسجلين ،فهو يعد كمنفذ الرتباط
املعمر باألرض الذي يعد من الحق العمومي ) ،(Modéran, 2006فالوضعية مليئة بالتناقضات ،املشرع يأتي لسن قوانين السترقاق أفراد
يريد في الوقت نفسه أن يضمن لهم شرط الحرية ،وقد حاول اغسطينوس أن بنظر في حيرة املعاصرين من التشريع املتأخر الذي
يخضع املعمر لسلطة املالك ال لتمثيله بالعبد.
النصوص التشريعية الخاصة بالقنانة Colonatهي أساسا مرتبطة "بالذمة الضريبية" وليس بالعالقات السوسيو -اقتصادية
لالستغالل الفالحي ،هكذا فقد ميز قانون 520م )(code th. 11, 1, 14صنفين من املعمرين في معنى "املستأجر" الذي يسجل في اإلحصاء،
إما أن يكون في الوقت نفسه مالكا ومستأجرا أو مستأجرا فقط للضيعة ،في الحالة األولى تدفع الضريبة الشخصية مباشرة للجباة،
وفي الحالة الثانية بواسطة صاحب األرض.
ونالحظ أن املشرع املهموم باملردود الجيد للضريبة العقارية" ،املدخول" الوحيد آنذاك ،أكثر ارتباط باألرض بتأسيسه ليس على
الضريبة كدين Tributarius Nexusلكن على االسم الذي يطلق على املعمر ،Nomen Titulus Colonorumهذا التعبير الذي
يريدون رؤية فيه عادة هو تحديد شرعي للمعمر.
جعلت إصالحات ديوقليسيانوس لنظام الضرائب ،كما جعلت قرارات األباطرة في العصر اإلمبراطوري املتأخر من املستأجر "قنا"
مرتبط باألرض ،رتبط بمكان إقامته وبسيده ،وهو"فرد" في طائفة وال نقول في طبقة ،وراثية مغلقة ،كما هو الحال بالنسبة للمالك
الحر الصغير ،الذي ينتمي إلى هيئة قروية ،و يرتبط بدوره وبأرضه ومهنته وقريته ،والفرق بينه وغيره هو أنه يمكن له أن يرتقي إلى
عضو املجلس البلدي ،Curialisوقد كان ذلك في نظر روستوفتنزف خطوة إلى الوراء )روستوفتزف (0922،نظرا ملا يترتب عن ذلك من
التزامات ،جعل الكثير من هؤالء األعضاء يفرون من مناصبهم ،مما ادى الى فرض عليهم الخضوع لنظام املوطن األصلي ،Origo
وكان عليهم أن يبقوا في موطنهم ،وأال يحاولوا الفرار إلى مكان آخر ،مع تطبيق تلك االلتزامات ،بعد وفاتهم على أبنائهم (Cosme,
).1998
األمر يجعلنا نتساءل إن كان التشريع خص فقط هذه الطائفة من الفالحين أم كان عاما ؟
يبدو أن الوضع العام في العصر اإلمبراطوري املتأخر هو من فرض اللجوء إلى "نظام الطوائف" املغلق ،سواء تعلق االمر
باالمتيازات املمنوحة لهذه الطائفة التي تريد الحفاظ عليها أو باألعباء واملتاعب املفروضة على الطائفة األخرى التي تريد التخلص
منها ،والتي أصبحت عضويتها وراثية وإجبارية.
لم تكن هذه الوضعية خاصة بالفالحين سواء املالكين أو املستأجرين منها ،بل مست ايضا طبقات اجتماعية أخرى منها أعضاء
املجالس البلدية ،Curialsومؤجري السفن ،والجنود ،والتجار والحرفيين وحتى مختلف الجمعيات العاملة في خدمة الدولة،
فالقيود التي وضعت لزواج املعمرين هي نفسها التي تفرض على بنات الخبازين التابعين للتموين ،أو بعض املمنوعات املفروضة
على أعضاء املجالس البلدية ،فهي تفسر فقط بالقياس إلى القانون العام ،رغم ما يترتب عنها من النتائج الخاصة بالنسبة لألفراد
أو الطوائف ).(Cosme, 1998
األمر الذي يجعلنا نقول أن نقص عدد السكان في اإلمبراطورية وال سيما نقص عدد الفالحين الذين يزرعون األرض ،واعتبار
االقتصاد الريفي هو األساس الذي قامت عليه الدولة ،دفع على تثبيت اليد العاملة في الحقول لضمان تموين مدينة روما
بالحبوب ،من ناحية وضمان تمويل الخزينة العمومية ،بالضريبة العقارية Lugumباعتبارها مرتبطة بضريبة "الرأس" Caputمن
ناحية أخرى.
حول املعمرون إلى "أقنان" Serfsمن طرف املالك الكبار ،وأصبحوا يشكلون طائفة اجتماعية جديدة ،هي طائفة املعمرين هكذا َ
،Coloniوالذين احتفظوا بكامل حقوقهم كرجال أحرار ،لكن ظلوا تابعين لألرض ،يمنع عليهم مغادرتها ولو ليوم واحد ،كما يمنع
عليهم الزواج خارج الضيعة ملا يترتب عن ذلك من خسارة اليد العاملة لصاحب األرض(Carrié, 2011) .
وقد زاد تثبيت كل شخص في وضعه واألبناء في وضعية اآلباء في خطورة وضع املعمرين ،الذين اصبحوا مع تراجع عدد العبيد أكثر
صلبا وقسوة ،األمر الذي يدفعنا إلى إجراء مقاربة بين "العبد" والقن في هذه املرحلة من العصر اإلمبراطوري الثاني.
وهكذا أصبح العبد أغلى بسبب ندرته ،ورغم املستجدات الكثيرة التي حدثت اثناء هذه الفترة فلم يتم االستغناء عن العبيد كليا،
وتم ادخال تقارب في وضعية الفئتين ،من حيث منح االقتطاعات التي كانت تتم تقريبا في نفس الشروط ،العبد أصبح محسوبا في
امللكية باعتباره عتادا حيا ، Instrumentum vocaleولم يكن ليباع خارج امللكية ،فإذا بيعت هذه األخيرة كليا بعتادها كان يباع
العبد معها بما في ذلك الزوجة واألوالد والشك أنه كان بإمكان صاحب امللكية بيعه "فرديا" ،لكن التسيير الحسن كان يلزمه بإبقائه،
فينتقل من األب إلى االبن ،املكلف بتسيير اإلقطاعية أو امللكية التي اكتسب فيها خبرة كبيرة بالقامة بها طويال(Bloch G., 1922).
وكان الش يء نفسه بالنسبة للفالح الحر املعمر ،الذي لم يجد أي فائدة في الهجرة ،وبالتالي أصبح هناك نوع من التشابه بينه وبين
العبد الذي سمي كازاتوس Casatusأو املستقر ، caséفهو الذي يكون اقتياده من طرف زمرة من الجند Escouadeعلى رأسهم
حراس السجون الخاصة Ergastutumالخاص بالعبيد ،إلى جانب العبيد املستقرين ،يجب ذكر املحررين املوضوعين في عدة قطع
أراض ي كمزارعين(Picard, 1959) .
لم تكون الفئات الثالثة السابقة الذكر :املعمرون ،العبيد ،العتقاء في الوضع نفسه ،اد كانت تميزهم خاصية واحدة وهي
ارتباطهم باألرض ،لكن الشروط املطبقة عليهم لم تكن واحدة ،فالعبد لم يكن له أي حق يطالب به ،فمنع بيع امللكية دونه ،ولم
بكن دلك في صالحه ،واملحرر كان مرتبطا برب عمله عن طريق الطاعة ،Obsequiumوالواجبات ،التي كانت خاضعة إلى رب
العمل في تحديد طبيعتها واتساعها ،وبعدها يتم العقد بضمان القانون ،وكان مجبر على الخضوع فيما يخص"الحق امليراثي ,اما
املحرر" ،Junianusفكان بإمكانه التملك خارج منطقة عمله.(Bloch , 1922) ،
و يمكن له أن يترك أمالكه إلى أوالده ،لكن رب عمله كان له نفس حصة كل واحد منهم ،وفي حالة غياب األوالد ،فإنه يرث كل ش يء،
وهذا كان حق الوقف Mainmorteقبل زمن املالك اإلقطاعيين ،Feodauxأما الفالح املولود حرا ،فكان يقبل الرضوخ طوعا،
وبالتالي يصبح معمرا.Colon
يبدو أن للمعمر حقوق مدنية ،لم تكن للعبد ،ولكن بعضها كانت للمحرر املعتق ،فكان يمكنه الزواج وتأسيس عائلة ،كما كان
يرث من أبيه وأوالده يرثون منه ،وإن لم يكن مالكا للقطعة األرضية التي يكون عامال فيها ،وبالتالي إن وضعنا القطعة األرضية
جانبا ،يبدو لنا أن له حقوقا كثيرة ،كإمكانيته مقاضاة مالك األرض ،رغم ارتباطه الوثيق واألبدي باألرض ،فليس بإمكانه فك هذا
االرتباط ال هو وال أوالده ،والخدمة التي كان يؤديها هي شرط لتمتعه كشخص حر ،وكانت عالقته بمالك األرض ،عالقة وطيدة
كعالقة اإلنسان باألرض ،وهو مرتبط بعقد التزام املعمر ،Nexus Coloniarusولم يكن هو الذي له سيد فقط،بل األرض كان لها
سيدها أيضا ،كما أن لألرض عبد وهو املعمر ، colonوبذلك القيد كانت تتقلص حريته يوما بعد يوم ،فهو وعائلته مقيدون
باألرض إلى األبد ،ولم يكن في استطاعته االبتعاد عنها ولوليوم واحد(Modéran, 2006) .
وإذا تزوج من نفس طبقته طبعا ،هذه الزوجة تصبح تابعة لنفس امللكية ،وهذا يعتبر خسارة لصاحب امللكية املجاورة ،وذلك
لعدد األوالد الذين كان يمكن أن يكونوا قوى عاملة في ملكيته ،ومن هنا نرى ظهور منع زواج املولى خارج إقطاع سيده
،Formariageفحتى املالك للملكية أيضا مقيد بالتزامات تمنعه من طرد املعمرين ،وكذا بيع امللكية دونهم ،وفي حالة البيع ،ليس
من حق املالك الجديد جلب مستوطنين جدد(Bloch, 1922) .
كانت القنانة Colonatنمون من عدة موارد ،إلى جانب الفالحين املستقرين منذ عدة أجيال ،كان العمال الباحثون عن عمل ،او
عن أراض الستصالحها ،فكانوا يعرضون على املالك ما يستطيعون عرضه ،مثل ذراعهم كأدوات للعمل ولكن دون ضمان رواتبهم
مستقبال ،واقتصر حقهم على أن يستقروا في األرض التي يريدونها ،وعند تأدية أعمالهم بصورة جيدة ،ال يستطيع صاحب العمل
التفكير في ترحيلهم إال إذا أرادوا الرحيل بأنفسهم )(Modéran, 2006
كان الضعفاء تحت حماية رب العمل ،Patrociniumو كان العمل بهذا املنهج منذ القدم عند الرومان ،و توسع في بداية القرن
الثالث امليالدي ،بحجة الحفاظ على األمن العام ..ليشمل في غالب األحيان حماية اإلنسان لألرض ،وذلك أنه لم يكن يكفي حماية
اإلنسان بل كان يجب حماية األرض أيضا ،و كان ل لهذه الحماية ثمن ،فاملحمي كان يبيع أرضه عن طريق بيع صوري أو مصطنع،
ويصبح هو نفسه عابرا Precaristeعند الحامي.Protecteur
كان املالك يلزم العابر أو املؤقت Precaristeبدفع إتاوات ،كشرط للتمتع بحق في البقاء في األرض وتوريثها ألوالده ،وال يختلف حال
املالك الصغير الذي هو أيضا معرض أن يصبح عابرا أو مؤقتاPrecaristeعن طريق االقتراض أو الرهن إلى الدائن وقد الكثير من
املالك الصغار أنفسهم مضطرين لبيع ملكهم مقابل أسعار كانت تحدد عادة باملبلغ املقترض ،والبيع كان بيعا ائتمانيا ،Fiducie
ومعناه أنه يمكن له إعادة شرائه بعد تسديد رأس املال وفوائده ،وإذا لم يسدد ،وهو ما كان يحدث في العادة ،كان يبقى املالك
الصغير عابرا أو مؤقتا Precaristeإلى موته ،ويبقى أوالده كذلك بعده ،وهكذا نالحظ تالش ي الفرق بين إقطاعة tenureممنوحة
للمعار أو املؤقت Precaristeو تلك التي منحت للمعمر ،colonأما فالفرق بين املعمر colonوالعبد املستقر Caséفلم يكون كبيرا
بل كان في طريق االختفاء ،فهذا األخير يبقى عبدا ،لكن الفالح ،والعابر أو املؤقت Precaristeواملعمر Colonكانوا يشتركون
فينفس الحالة حسب ما تحدده القوانين ).(Bloch, 1922
ومن القوانين التي لها عالقة باملعمرين Colonsتلك التي تخص ملكيات إمبراطورية خارج روما مثل إفريقيا ،وتقر هده القوانين
انه عندما يحدث جلب معمرين Colonsمن البرابرة ،لم يكن للدولة إلزامية االهتمام بمؤسسة أخذت صفة عمومية ،لكن إصالح
النظام الجبائي من طرف ديوقليسيانوس ،سمح بإدخال املعمرين في تقييم الثروة اإلقليمية وبالتالي أدت باملشرع إلى تقوية أودع
اقتطاعاتهم Tenureاملمنوحة ،وذلك لضمان ضريبة منتظمة ،وهي الهدف الوحيد للقوانين التي توالت بعد اإلمبراطور
قنسطنطينوس ،والتي تركت حصصا واسعة الختالف االستعماالت املحلية ،ويالحظ أنه ال يوجد في أي تشريع االهتمام بتحديد
كيفية ملختلف الضيع(Modéran, 2006) .
كان تحت تصرف املالك أو نائب املالك الكبير عدد من العبيد ،يزرعون قطعا صغيرة من األراض ي مقابل راتب معين ،لكن عليهم
دفع ضريبة الرأس ،بينما كان املالك يدفع الضريبة العقارية ،وهذا النظام قديم كان ساري املفعول ،لكن تطور الحقا حسب
األقاليم وامتد عل طول القرن الرابع امليالدي وذلك بداية من عهد اإلمبراطور ديوقليسيانوس وقسطنطسنوس وأوالده وعدم
تغيره ،كان الهدف من ورائه جمع مقدار أكبر من الضرائب.
لم تمس اإلصالحات ،التي تمت أثناء الحكم الرباعي سجل األراض ي وبالتالي ملكية املعمرين مادام هدف اإلصالح هو"التحصيل"،
فكان على الدولة ضمان املداخيل بضمان استقرار املساهمين ،حيث كان "املعمرون" أول املساهمين ألنهم كانوا يدفعون الضريبة
الشخصية ،وأيضا ألنهم كانوا السبب في دفع املالك للضريبة العقارية ،ومن نتائج إصدار مراسيم تطبيق هده اإلصالحات العمل
بنظام الوراثة للمعمرين ،Colonsوربطهم بامللكيات التي يعملون فيها ،من بينها قانون 51أكتوبر 557م الذي تضمن ما يلي" :يعامل
املعمرون Colonsالذين يريدون الهروب من امللكية وشروطها مثل العبد الهارب" ومعناه إعادته بقوة إلى الشروط السابقة ،لكن
دون أن تنزع عنه صفة الحر ،وتبع هذا القانون قوانين أخرى تمنع كل محاوالت الهروب،حتى وإن كان عن طريق الزواج(Modéran, .
)2006
وانتهى األمر بمنع املالك من بيع أو منح ملكيته للغير دون املعمرين Colonsالذين يعملون فيها وهو ما يتبين لنا من قانون
قونسطونس الثاني في عام 522م الذي يشير إلى أن هدف األباطرة ليس جعل املعمرين مثل الخدم للمالك ،لكن كان هدفه
أساسا هو ضمان الضريبة ،هكذا وجد املعمرون أنفسهم في وضع قانوني يجعلهم تابعون لصاحب األرض التي يعيشون فيها.
من خالل ما سبق يتبين لنا أن قطع األراض ي ،غالبا ما كانت مستغلة من طرف املعمرين ،Colonsمن طرف عبيد "شازي"،Chasés
الذين ال نعرف الكثير عن وضعهم في اإلمبراطورية السفلى،وذلك باستعمال عمال من األقنان في الحقول ،مثل ما كان عليه سابقا،
وهو ما لم يكن منتشرا بشكل عادل من منطقة إلى أخرى ،فلم يكن كثير االنتشار في مصر وإفريقيا ،في حين كانوا كثيرين أي العبيد
في أسيا الصغرى وفي جزر بالد اإلغريق ،وفي ايطاليا ،لكن دون أن نعرف إذا كانوا عماال مزارعين أو مقتطعين Tenanciersلألخيرين،
الذين أشار له القانون الصادر في 569م.
وهكذا كانت الدولة تميز بين عدة أصناف من املعمرين colonsمنهم" :املحص ى" Adscripticiiو"األصل" Originarii
و"املؤجر" Inquiliniالذين يصعب التفريق بينهم ،واملؤشر األهم في التميز هو إن كانت األرض ملك املعمر أو هي أرض غيره ويعمل
فيها ،وهناك عدة حاالت نعثر عليها في افريقيا كون هؤالء املعمرين ،استصلحوا أراض ي قاحلة على حدود امللكيات ،أصبحت أراض ي
منتجة ،وفي نفس الوقت ،كان يعمل في ملكية أخرى .
إن هدف السلطة اإلمبراطورية من وراء تلك السياسة ،ضمان دخل مستقر للعقار ،وضمان ضريبة على األرض ،وذلك الن "الفالح
الحكري" كان يمكنه االستثمار في املزارع ،Fundusوهذا يعني زيادة اإلنتاج ،وفي ذلك زيادة مداخيل الضرائب ،التي تعوض ثقل
املصاريف الخاصة Res Privataفنجاح هذا النوع من العقود يبدو أنه كان كبير منذ القرن الرابع امليالدي خاصة في إفريقيا ،حيث
كان بعض املعمرين يعقدون مثل هذه العقود " املالك الصغار "وباألخص" أعضاء املجلس البلدي" و"الشيوخ" ،الذين كانت لهم
إمكانيات ضخمة لالستثمار وتوسيع ثرواتهم.
وبما أن القوانين ترجع باستمرار إلى حاالت املعمرين Colonsالفارين أو الهاربين ،واستقبلوا بطريقة غير شرعية من أحد املالك،
البد أن نبرز نجاعتها من حيث الصعوبات،فالحذر كان مطلوبا عند كل تقيم للنسبة الكلية لالقتطاعات من طرف املعمرينColons
،والكراء العقاري املدفوع إلى املالك كان يمكن أن يكون عن طريق الضريبة العينية أكثر الحاالت أو يكون نقدا ،أو باالثنين معا،
لكن نسبتها لم نستطع تحديديها في القرن الرابع امليالدي(Modéran, 2006).
مع بداية القرن الثالث امليالدي تغير مفهوم الضرائب وتم تعديل نظام الجباية التي أسفرت عن تردي أوضاع املزارعين األحرار ثم
سقوطهم في األخير إلى صورة أقنان ،وهي إحدى فئات العبودية التي بدت جلية في عهد اإلمبراطور قنسطنطينوس الذي أصدر
قوانين ،كرست ارتباط الفالحين باألرض ،أولها مرسوم 557م ثم تلتها قوانين أخرى تضمنت حرس اإلمبراطورية على ربط املزارع
باألرض وأخيرا مرسوم اإلمبراطور فالينتيانوس عام 520م الذي نص فيه بوضوح عل إجبارية ارتباط املزارعين املعمرين باألرض.
استهدفت هذه اإلجراءات اإلمبراطورية الجديدة الحفاظ على املصلحة العليا لإلمبراطورية ،مما أدى إلى إنزال املزارعين املتعاقدين
،وكذلك الفالحين الصغار األحرار منزلة مشابهة لحال العبيد القدامى املرتبطين باألرض في كثير من األوجه كما جاء تلك اإلجراءات
القانونية التي سمحت للسيد بإرغام إتباعه على مالزمة األرض التي يعملون فيها(Codex Jus. XII, 48, 7.) ..
وهكذا أدت األوضاع االقتصادية املتردية في القرن الرابع امليالدي إلى تبلور ثالث فئات اجتماعية على رأسها األسياد ،وهم مالك
األراض ي الذين تحالفوا مع السلطة اإلمبراطورية التي وضعت ثقتها فيهم ،ودعمت مركزهم بقوانين عبرت عن ارتباط مصلحة الدولة
بنفوذهم،والثانية هي الفئة املتوسطة التي كان لها ثقل أكبر في العهد اإلمبراطوري األول ،ولكن في العهد اإلمبراطوري الثاني ومع
التغيرات الجارية أفلست ،وتراجعت مكانتها وفعاليتها السياسية ولم يعد لها حظوة كبيرة لدى السلطة اإلمبراطورية ،وثالث فئة هي
اليد العاملة بأنواعها بما فيهم األحرار والعبيد الذين جعلتهم التركيبية االجتماعية في منزلة متماثلة )،( Codex. Th.5,17,1 ;13,10,3 ;5 ,19,1
هكذا كان دعم الدولة للفئة األولى وتراجع دور الثانية وحرمان الفئة الثالثة من أية حقوق أن خلق جوا مشحونا باألحقاد
والضغائن ،أدى إلى الفرار من املزارع والحرفيين من الورشات وواجهوا تلك الوضعية في حركات مقاومة خلقت مناخا مالئما
النتشار الدين الجديد "املسيحية" الذي كان يدعو إلى املساواة االجتماعية.
خاتمة
وهكذا نالحظ أن "القنانة" التي ميزت تاريخ أوروبا العصور الوسطى ،تمد جذورها إلى أواخر العصر اإلمبراطوري الثاني الذي
مهدت لألزمات التي عرفتها دخول أوروبا إلى العصور املظلمة.
املراجع
1. Bloch G., 1922. L’empire romain, évolution et décadence, éd. Ernest Flammarion, Paris.
2. Carrié J.-M., 2011. Colonat Romain, dans Dictionnaire de l’antiquité, éd. sous la direction
de 2 JEAN Leclant éd Quadrige /P.U.F
3. Chastagnol A., 1992. Le Sénat romain à l’époque impériale, recherches sur la composition
de l’assemblée et la composition de ses membres, Paris.
4. Cosme P., 1998. L’empire romain de 192 à 325 : L’état Romain entre éclatement et
Continuité, 4 éd. Seli Arsalan, Paris.
5. Gagé J., 1964. Les classes sociales dans l’empire Romane, Paris.
6. Modéran Yves, 2006. L’Empire romain tardif 235-395 ap. J.C, Ellipses 2éd. Marketeting,
Paris.
7. Petit P., 1974. Histoire générale de l’empire romain, Le Bas Empire 284-395, T.3 éd. de
seuil, Paris.
8. Picard G.Ch., 1959. La Civilisation de l’Afrique romaine, Paris.
9. Remondon R., 1973. La crise de l’empire roman de Marc Aurèle Anastase, éd. Presse
universitaires de France, Paris.
.01روستوفتزف .0922،تاريخ اإلمبراطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي ،ترجمة زكي على ومحمد سالم ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة.