You are on page 1of 8

105 -97 ‫الصفحة‬ 7102 ‫ السنة‬،01 ‫ العدد‬،‫أفكار وآفاق‬

‫م‬592 -582‫القنانة في العصر اإلمبراطوري املتأخر‬


‫ نورة مواس‬.‫د‬
‫ أبو القاسم سعد هللا‬7، ‫ جامعة الجزائر‬،‫قسم التاريخ‬

2018-03-14 :‫ تاريخ القبول‬- 2017-05-09 :‫تاريخ اإلرسال‬

‫ملخص‬
‫ إال انه وبعد‬،‫كان النظام االقتصادي في عهد اإلمبراطور ديوقليسيانوس يعتمد في املقام األول على إنتاج الفالحين وعالم الريف‬
‫ بدأ االعتماد شيئا فشيئا على‬،‫ ونظرا للتضخم وفقدان العملة لقيمتها‬،‫أن استعاد الشرق األقص ى السيطرة في عالم الحرف‬
"‫ مما أدى إلى وقوع الضغط على الفالحين في املجال الضريبي بسبب تطبيق الضريبة على األرض "اليوجوم‬،‫الضريبة العينية‬
‫ ملواجهة هده الوضعية‬.‫ مما دفع هؤالء الفالحين إلى هجر أراضيهم أو األراض ي املستأجرة والفرار‬،Caput ‫ ثم ضريبة الرأس‬JuGum
‫ و يربطهم باألرض وهوما كان‬،Origo "‫ م الذي يمنع على الفالحين مغادرة أراضيهم "املوطن األصلي‬782 ‫اصدر إلمبراطور قانون‬
‫ واستفحلت ظاهرته في وقت الحق في أوروبا‬،‫وراء ظهور نظام "القنانة" الذي عانى منه فالحوا العصر اإلمبراطوري املتأخر كثيرا‬
.‫العصور الوسطى‬
.‫ الضريبة‬،‫ القنانة‬،‫ العصر اإلمبراطوري الثاني‬:‫الكلمات الدالة‬
Abstract
The dominant economic system under the reign of Emperor Diocletian depended on the
production of farmers and on the rural world. Following the re-conquest of the industry by the
Far East, and faced with the high rate of inflation and the devaluation of money, the emperor
applied the royalties in kind thus imposing enormous pressures on the farmers. The latter were
forced to abandon their lands and flee their homes. To maintain the stability of the new fiscal
regime, Emperor Diocletian promulgated Law 287 "Originarium IUS" forbidding the
abandonment of land and decreeing perpetual attachment to the land by farmers and their
families. This is how the system of slavery was born and the farmers became serfs and slaves of
the land on which they lived in rather miserable conditions under the reign of Emperor
Diocletian before its appearance in Europe during the middle Ages.
Keyword: the second imperial era; serfdom; tax; slaves; free farmers; statistics.
Résumé
Le système économique dominant sous le règne de l’empereur Dioclétien reposait sur la
production des agriculteurs et du monde rural. Suite à la reconquête de l’industrie par
l’Extrême-Orient, face à l’ampleur de l’inflation et la dévaluation de la monnaie, l’empereur a
appliqué les redevances en nature imposant ainsi d’énormes pressions sur les agriculteurs. Ces
derniers furent contraints à abandonner leurs terres et fuir les lieux de leur résidence. Pour
maintenir la stabilité du nouveau régime fiscal, l’empereur Dioclétien a promulgué la loi 287
«Originarium IUS» interdisant l’abandon des terres et décrétant l’attachement perpétuel à la
‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري املتأخر) ‪592 -782‬م)‬

‫‪terre des agriculteurs et de leurs familles. C’est ainsi que fut né le système de l’esclavage sous le‬‬
‫‪règne de l’empereur Dioclétien bien avant son apparition en Europe au cours du moyen âge.‬‬
‫‪Mots-clés: la deuxième impériale; le servage; la taxe; les esclaves; agriculteurs libres; les‬‬
‫‪statistiques.‬‬
‫مقدمة‬
‫أثناء إعدادنا رسالة الدكتوراه حول اإلمبراطورية املتأخرة‪ ،‬وعند دراسة "الوضع االجتماعي"‪ ،‬الحظنا تنامي ظاهرة "القنانة"‪ ،‬التي‬
‫تعرضنا لها في تكويننا على مستوى الليسانس‪ ،‬في وحدة "أوروبا عصور الوسطى" ‪ ،‬األمر الذي لفت انتباهنا إلى ضرورة البحث في‬
‫جذور ها في اإلمبراطورية السفلى ودواعيها قبل أن تستفحل فعال في أوروبا العصور الوسطى‪.‬‬
‫بالنسبة لجذور هذه الظاهرة ورغم اآلراء املختلفة حول تاريخ ظهورها‪ ،‬وتمكنها‪ ،‬يقترح عادة منتصف القرن الرابع امليالدي‬
‫كبدايتها‪ ،‬غير أن التعبير في حد ذاته ‪ ،Originarium, IUS‬يدعو إلى االعتقاد أن ظهور هذه الظاهرة ارتبط بإصالحات اإلمبراطور‬
‫ديوقليسيانوس سنة ‪782‬م‪ ،‬الذي ربط إلى "األصل" ‪ Origo‬مجموع سكان اإلمبراطورية واالعتراف باألمالك ‪ ،Praedium‬سواء‬
‫خاصة أم إمبراطورية كنوع ثالث من األصل ‪ Origo‬إلى جانب املدن والقرى )‪ ،(Remondon, 1973‬وبالتالي يمكننا اعتبار هذه السنة هي‬
‫البذرة األولى لظاهرة ارتباط "الفالح باألرض"‪ ،‬وميالد "القنانة"‪.‬‬
‫األمر يجعلنا نتساءل عن دواعي سن مثل تلك القوانين؟‬
‫كانت الدولة في هذه املرحلة تقوم على الفالحين‪ ،‬وعلى الريف كظاهرة جديدة‪ ،‬ولكنها لم تهتم بمصالح املالك بقدر اهتمامها‬
‫باالستقرار العام لاللتزامات الضريبية‪ ،‬اإلطار الذي يكون فيه استقرار الفالحين يشكل عنصرا ضمن عناصر أخرى لحق املعمرين‬
‫‪ ،Ius Colonatus‬الذين لم يكن لهم اثر حاسم ومحتوم على تطور العالقة الحقيقية بين "املالك" و"اليد العاملة الريفية"‪.‬‬
‫وهكذا نالحظ أن الحاجة الكبيرة إلى املداخيل الضريبية بعد الفوض ى العسكرية ‪782–752‬م التي عرفتها اإلمبراطورية واللجوء أكثر‬
‫فأكثر إلى الضريبة "العينية"‪ ،‬نظرا للتضخم وفقدان العملة لقيمتها‪ ،‬قد دفعت اإلمبراطور ديوقليسيانوس إلى االعتماد على "‬
‫ضريبة األرض " لكن " األرض" دون الفالح ال تنتج‪ ،‬فاليوقوم* ‪ ،Lugum‬يفترض وجود رأس ‪ ،Caput‬أي رجل يزرعها‪ ،‬ونظرا لكثرة‬
‫تنقل السكان بين مكان وآخر في القرن الثالث‪ ،‬وتناقص اليد العاملة الفالحية‪ ،‬التي أصبحت تشكل أزمة حادة‪ ،‬وهدا الن الفالحين‬
‫كانوا كلما اضطهدوا في مكان ما‪ ،‬بحثوا عن مكان آخر‪ ،‬حتى وان كان دلك بالفرار ‪ ،‬ونظرا لالعتقاد الراسخ السائد في العالم القديم‬
‫أن اإلنسان اكثر ارتباطا بموطنه االصلي ‪ ،Origo‬قرر اإلمبراطور ديوقليسيانوس ربط الفالح باألرض" ‪ ،Lugum‬التي يزرعها ‪،‬‬
‫فأصبحت وحدة الضريبة هي " الرأس"‪ ، Caput‬أكثر مما هي اليوقوم )‪ ،(Petit, 1974‬ومن هنا أصبحت "الوحدة" في الضرائب بعد زمن‬
‫ديوقليسيانوس خليطا من االثنين الرأس واليوقوم‪.‬‬
‫بناء على ذلك‪ ،‬كان على كل من يزرع قطعة األرض أن يذكر مساحتها وعدد الرؤوس التي تعمل عليها بما في ذلك عدد املاشية‬
‫‪(Carrie,‬‬

‫)‪ ،2011‬وقد جعل هذا اإلقرار الرجل مسؤوال عن أرضه وعماله ‪ ،Caput‬فكان عليه أن يدفع الضريبة املفروضة على أرضه‪ ،‬وملا كان "‬
‫الرجل وأرضه" وحدة واحدة‪ ،‬منع من مغادرتها وبالتالي فقد الحرية في الحركة واالنتقال‪.‬‬

‫‪98‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬


‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري المتأخر‪592 -582‬م)‬

‫‪ .1‬وضعية املعمراالجتماعية والقانونية‬


‫يبدو من مصادرنا أن وضع" املعمر" لم يكن مرغوبا فيه‪ ،‬الن كل الشهادات تؤكد ندرة اليد العاملة الزراعية في العصر اإلمبراطوري‬
‫األسفل‪ ،‬القنانة ‪ Colonat‬وطريقة استغالل األرض‪ ،‬التي بموجبها يرتبط املعمر وعائلته باألرض التي يزرعونها مدى الحياة‪ ،‬رغم أنهم‬
‫في وضع األحرار‪ ،‬فإن املعمرين أصبحوا بذلك عبيد األرض أقنان التي يعيشون عليها‪ ،‬ووضعهم يبدو أكثر بؤسا‪(Cosme, 1998) .‬‬

‫وفي العصر اإلمبراطوري األسفل‪ ،‬كلمة املعمر‪ Colonus‬مثل املؤجر ‪ Locator‬دون أن تختفيا‪ ،‬بدأت تأخذ معنى محدد نتيجة‬
‫دوافع مختلفة ومتضافرة ادن الى ان معنى معمر مرتبط ضريبيا باألرض‪ ،‬وعادة ما ألحق املشرعون عميلة اإلحصاء ‪l’Adscripticiat‬‬
‫بدائرة القانون الخاص حتى يضمنوا االستمرارية الشرعية مع عملية التأجير وعقد اإليجار ‪ ،locatio Condictio‬ويكون بالتالي‬
‫اإلجبار قد تولد عن عالقة تعاقدية‪ ،‬تمت بإرادة الطرفين‪ :‬يضمن املالك بموجبها للمستأجر دفع ضرائبه مقابل خدمات محددة‬
‫على أرضه‪.‬‬

‫هذا االتفاق الخاص يرسم على مستوى مصلحة الضرائب‪ ،‬بتسجيل املستأجر على التسريح اإلحصائي للمالك‪ ،‬لكن لم نعرف مع‬
‫ذلك أي نموذج ملثل هذا " العقد " الخاص وقد جعل املؤرخون من القنانة ‪ colonat‬الزراعية للعصر اإلمبراطوري املتأخر‪ ،‬فصال‬
‫من التاريخ للتبعية في طريق قنانة القرون الوسطى )‪(Modéran, 2006‬‬

‫كان املالك ‪ Dominus‬ال حق له على املعمر‪ ، Coloni‬إن باع ضيعته‪ ،‬ال يمكنه نقل املعمرين املسجلين‪ ،‬فهو يعد كمنفذ الرتباط‬
‫املعمر باألرض الذي يعد من الحق العمومي )‪ ،(Modéran, 2006‬فالوضعية مليئة بالتناقضات‪ ،‬املشرع يأتي لسن قوانين السترقاق أفراد‬
‫يريد في الوقت نفسه أن يضمن لهم شرط الحرية‪ ،‬وقد حاول اغسطينوس أن بنظر في حيرة املعاصرين من التشريع املتأخر الذي‬
‫يخضع املعمر لسلطة املالك ال لتمثيله بالعبد‪.‬‬

‫النصوص التشريعية الخاصة بالقنانة ‪Colonat‬هي أساسا مرتبطة "بالذمة الضريبية" وليس بالعالقات السوسيو‪ -‬اقتصادية‬
‫لالستغالل الفالحي‪ ،‬هكذا فقد ميز قانون ‪520‬م )‪(code th. 11, 1, 14‬صنفين من املعمرين في معنى "املستأجر" الذي يسجل في اإلحصاء‪،‬‬
‫إما أن يكون في الوقت نفسه مالكا ومستأجرا أو مستأجرا فقط للضيعة‪ ،‬في الحالة األولى تدفع الضريبة الشخصية مباشرة للجباة‪،‬‬
‫وفي الحالة الثانية بواسطة صاحب األرض‪.‬‬

‫ونالحظ أن املشرع املهموم باملردود الجيد للضريبة العقارية‪" ،‬املدخول" الوحيد آنذاك‪ ،‬أكثر ارتباط باألرض بتأسيسه ليس على‬
‫الضريبة كدين ‪ Tributarius Nexus‬لكن على االسم الذي يطلق على املعمر‪ ،Nomen Titulus Colonorum‬هذا التعبير الذي‬
‫يريدون رؤية فيه عادة هو تحديد شرعي للمعمر‪.‬‬

‫جعلت إصالحات ديوقليسيانوس لنظام الضرائب‪ ،‬كما جعلت قرارات األباطرة في العصر اإلمبراطوري املتأخر من املستأجر "قنا"‬
‫مرتبط باألرض‪ ،‬رتبط بمكان إقامته وبسيده‪ ،‬وهو"فرد" في طائفة وال نقول في طبقة‪ ،‬وراثية مغلقة‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للمالك‬
‫الحر الصغير‪ ،‬الذي ينتمي إلى هيئة قروية‪ ،‬و يرتبط بدوره وبأرضه ومهنته وقريته‪ ،‬والفرق بينه وغيره هو أنه يمكن له أن يرتقي إلى‬
‫عضو املجلس البلدي ‪ ،Curialis‬وقد كان ذلك في نظر روستوفتنزف خطوة إلى الوراء )روستوفتزف ‪ (0922،‬نظرا ملا يترتب عن ذلك من‬
‫التزامات‪ ،‬جعل الكثير من هؤالء األعضاء يفرون من مناصبهم‪ ،‬مما ادى الى فرض عليهم الخضوع لنظام املوطن األصلي ‪،Origo‬‬

‫‪99‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬


‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري املتأخر) ‪592 -782‬م)‬

‫وكان عليهم أن يبقوا في موطنهم‪ ،‬وأال يحاولوا الفرار إلى مكان آخر‪ ،‬مع تطبيق تلك االلتزامات‪ ،‬بعد وفاتهم على أبنائهم ‪(Cosme,‬‬
‫)‪.1998‬‬

‫األمر يجعلنا نتساءل إن كان التشريع خص فقط هذه الطائفة من الفالحين أم كان عاما ؟‬
‫يبدو أن الوضع العام في العصر اإلمبراطوري املتأخر هو من فرض اللجوء إلى "نظام الطوائف" املغلق‪ ،‬سواء تعلق االمر‬
‫باالمتيازات املمنوحة لهذه الطائفة التي تريد الحفاظ عليها أو باألعباء واملتاعب املفروضة على الطائفة األخرى التي تريد التخلص‬
‫منها‪ ،‬والتي أصبحت عضويتها وراثية وإجبارية‪.‬‬

‫لم تكن هذه الوضعية خاصة بالفالحين سواء املالكين أو املستأجرين منها‪ ،‬بل مست ايضا طبقات اجتماعية أخرى منها أعضاء‬
‫املجالس البلدية ‪ ،Curials‬ومؤجري السفن‪ ،‬والجنود‪ ،‬والتجار والحرفيين وحتى مختلف الجمعيات العاملة في خدمة الدولة‪،‬‬
‫فالقيود التي وضعت لزواج املعمرين هي نفسها التي تفرض على بنات الخبازين التابعين للتموين‪ ،‬أو بعض املمنوعات املفروضة‬
‫على أعضاء املجالس البلدية‪ ،‬فهي تفسر فقط بالقياس إلى القانون العام‪ ،‬رغم ما يترتب عنها من النتائج الخاصة بالنسبة لألفراد‬
‫أو الطوائف )‪.(Cosme, 1998‬‬

‫األمر الذي يجعلنا نقول أن نقص عدد السكان في اإلمبراطورية وال سيما نقص عدد الفالحين الذين يزرعون األرض‪ ،‬واعتبار‬
‫االقتصاد الريفي هو األساس الذي قامت عليه الدولة‪ ،‬دفع على تثبيت اليد العاملة في الحقول لضمان تموين مدينة روما‬
‫بالحبوب‪ ،‬من ناحية وضمان تمويل الخزينة العمومية‪ ،‬بالضريبة العقارية ‪ Lugum‬باعتبارها مرتبطة بضريبة "الرأس" ‪ Caput‬من‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬

‫حول املعمرون إلى "أقنان"‪ Serfs‬من طرف املالك الكبار‪ ،‬وأصبحوا يشكلون طائفة اجتماعية جديدة‪ ،‬هي طائفة املعمرين‬ ‫هكذا َ‬
‫‪ ،Coloni‬والذين احتفظوا بكامل حقوقهم كرجال أحرار‪ ،‬لكن ظلوا تابعين لألرض‪ ،‬يمنع عليهم مغادرتها ولو ليوم واحد‪ ،‬كما يمنع‬
‫عليهم الزواج خارج الضيعة ملا يترتب عن ذلك من خسارة اليد العاملة لصاحب األرض‪(Carrié, 2011) .‬‬

‫وقد زاد تثبيت كل شخص في وضعه واألبناء في وضعية اآلباء في خطورة وضع املعمرين‪ ،‬الذين اصبحوا مع تراجع عدد العبيد أكثر‬
‫صلبا وقسوة‪ ،‬األمر الذي يدفعنا إلى إجراء مقاربة بين "العبد" والقن في هذه املرحلة من العصر اإلمبراطوري الثاني‪.‬‬

‫‪ .5‬مقاربة بين وضع املعمرين والعبيد في املجتمع‬


‫كلمة املعمر ‪ Colon‬اتخذت عدة معاني مختلفة باختالف العهود‪ ،‬ففي البداية كانت تشير إلى الرجل الذي يزرع أو يهتم باألرض‬
‫لحسابه‪ ،‬ثم إلى الذي يزرعها بصفة فالح لحساب شخص آخر صاحب األرض‪ ،‬وملا تطور نظام الفالحة باتساع املزارع‪ ،‬التي لم تكن‬
‫تسمح ألصحابها بمراقبتها مباشرة‪ ،‬كان عليهم تقسيمها إلى عدة قطع الستغاللها‪ .‬ولعل أسبابا كثيرة‪ ،‬أدت إلى تزايد عدد العبيد منها‬
‫فترات الحروب‪ ،‬التي أدت إلى تراجع عدد الفالحين في عهد الجمهورية‪ ،‬والتي كانت تغرق األسواق بالعبيد‪ ،‬وفي هده الظروف نجد‬
‫التشريعات‪ ،‬التي لم تكن تسمح بسهولة في استرقاق الناس وبالتالي ارتفاع عدد الفالحين األحرار‪ ،‬الذين اعتبر عملهم أكثر‬
‫إنتاجية وأقل تكلفة من العمال العبيد‪(Chastagnol, 1992).‬‬

‫وهكذا أصبح العبد أغلى بسبب ندرته‪ ،‬ورغم املستجدات الكثيرة التي حدثت اثناء هذه الفترة فلم يتم االستغناء عن العبيد كليا‪،‬‬
‫وتم ادخال تقارب في وضعية الفئتين ‪ ،‬من حيث منح االقتطاعات التي كانت تتم تقريبا في نفس الشروط‪ ،‬العبد أصبح محسوبا في‬

‫‪100‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬


‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري المتأخر‪592 -582‬م)‬

‫امللكية باعتباره عتادا حيا ‪ ، Instrumentum vocale‬ولم يكن ليباع خارج امللكية‪ ،‬فإذا بيعت هذه األخيرة كليا بعتادها كان يباع‬
‫العبد معها بما في ذلك الزوجة واألوالد والشك أنه كان بإمكان صاحب امللكية بيعه "فرديا"‪ ،‬لكن التسيير الحسن كان يلزمه بإبقائه‪،‬‬
‫فينتقل من األب إلى االبن‪ ،‬املكلف بتسيير اإلقطاعية أو امللكية التي اكتسب فيها خبرة كبيرة بالقامة بها طويال‪(Bloch G., 1922).‬‬
‫وكان الش يء نفسه بالنسبة للفالح الحر املعمر‪ ،‬الذي لم يجد أي فائدة في الهجرة‪ ،‬وبالتالي أصبح هناك نوع من التشابه بينه وبين‬
‫العبد الذي سمي كازاتوس ‪ Casatus‬أو املستقر‪ ، casé‬فهو الذي يكون اقتياده من طرف زمرة من الجند ‪ Escouade‬على رأسهم‬
‫حراس السجون الخاصة ‪ Ergastutum‬الخاص بالعبيد‪ ،‬إلى جانب العبيد املستقرين‪ ،‬يجب ذكر املحررين املوضوعين في عدة قطع‬
‫أراض ي كمزارعين‪(Picard, 1959) .‬‬

‫لم تكون الفئات الثالثة السابقة الذكر ‪ :‬املعمرون‪ ،‬العبيد‪ ،‬العتقاء في الوضع نفسه‪ ،‬اد كانت تميزهم خاصية واحدة وهي‬
‫ارتباطهم باألرض‪ ،‬لكن الشروط املطبقة عليهم لم تكن واحدة‪ ،‬فالعبد لم يكن له أي حق يطالب به‪ ،‬فمنع بيع امللكية دونه‪ ،‬ولم‬
‫بكن دلك في صالحه‪ ،‬واملحرر كان مرتبطا برب عمله عن طريق الطاعة ‪ ،Obsequium‬والواجبات‪ ،‬التي كانت خاضعة إلى رب‬
‫العمل في تحديد طبيعتها واتساعها‪ ،‬وبعدها يتم العقد بضمان القانون‪ ،‬وكان مجبر على الخضوع فيما يخص"الحق امليراثي‪ ,‬اما‬
‫املحرر" ‪ ،Junianus‬فكان بإمكانه التملك خارج منطقة عمله‪.(Bloch , 1922) ،‬‬
‫و يمكن له أن يترك أمالكه إلى أوالده‪ ،‬لكن رب عمله كان له نفس حصة كل واحد منهم‪ ،‬وفي حالة غياب األوالد‪ ،‬فإنه يرث كل ش يء‪،‬‬
‫وهذا كان حق الوقف ‪ Mainmorte‬قبل زمن املالك اإلقطاعيين‪ ،Feodaux‬أما الفالح املولود حرا‪ ،‬فكان يقبل الرضوخ طوعا‪،‬‬
‫وبالتالي يصبح معمرا‪.Colon‬‬
‫يبدو أن للمعمر حقوق مدنية‪ ،‬لم تكن للعبد‪ ،‬ولكن بعضها كانت للمحرر املعتق‪ ،‬فكان يمكنه الزواج وتأسيس عائلة‪ ،‬كما كان‬
‫يرث من أبيه وأوالده يرثون منه‪ ،‬وإن لم يكن مالكا للقطعة األرضية التي يكون عامال فيها‪ ،‬وبالتالي إن وضعنا القطعة األرضية‬
‫جانبا‪ ،‬يبدو لنا أن له حقوقا كثيرة‪ ،‬كإمكانيته مقاضاة مالك األرض‪ ،‬رغم ارتباطه الوثيق واألبدي باألرض‪ ،‬فليس بإمكانه فك هذا‬
‫االرتباط ال هو وال أوالده‪ ،‬والخدمة التي كان يؤديها هي شرط لتمتعه كشخص حر‪ ،‬وكانت عالقته بمالك األرض‪ ،‬عالقة وطيدة‬
‫كعالقة اإلنسان باألرض‪ ،‬وهو مرتبط بعقد التزام املعمر‪ ،Nexus Coloniarus‬ولم يكن هو الذي له سيد فقط‪،‬بل األرض كان لها‬
‫سيدها أيضا‪ ،‬كما أن لألرض عبد وهو املعمر‪ ، colon‬وبذلك القيد كانت تتقلص حريته يوما بعد يوم‪ ،‬فهو وعائلته مقيدون‬
‫باألرض إلى األبد‪ ،‬ولم يكن في استطاعته االبتعاد عنها ولوليوم واحد‪(Modéran, 2006) .‬‬

‫وإذا تزوج من نفس طبقته طبعا‪ ،‬هذه الزوجة تصبح تابعة لنفس امللكية‪ ،‬وهذا يعتبر خسارة لصاحب امللكية املجاورة‪ ،‬وذلك‬
‫لعدد األوالد الذين كان يمكن أن يكونوا قوى عاملة في ملكيته‪ ،‬ومن هنا نرى ظهور منع زواج املولى خارج إقطاع سيده‬
‫‪ ،Formariage‬فحتى املالك للملكية أيضا مقيد بالتزامات تمنعه من طرد املعمرين‪ ،‬وكذا بيع امللكية دونهم‪ ،‬وفي حالة البيع‪ ،‬ليس‬
‫من حق املالك الجديد جلب مستوطنين جدد‪(Bloch, 1922) .‬‬

‫كانت القنانة ‪ Colonat‬نمون من عدة موارد‪ ،‬إلى جانب الفالحين املستقرين منذ عدة أجيال‪ ،‬كان العمال الباحثون عن عمل‪ ،‬او‬
‫عن أراض الستصالحها‪ ،‬فكانوا يعرضون على املالك ما يستطيعون عرضه‪ ،‬مثل ذراعهم كأدوات للعمل ولكن دون ضمان رواتبهم‬
‫مستقبال‪ ،‬واقتصر حقهم على أن يستقروا في األرض التي يريدونها‪ ،‬وعند تأدية أعمالهم بصورة جيدة‪ ،‬ال يستطيع صاحب العمل‬
‫التفكير في ترحيلهم إال إذا أرادوا الرحيل بأنفسهم )‪(Modéran, 2006‬‬

‫‪101‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬


‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري املتأخر) ‪592 -782‬م)‬

‫كان الضعفاء تحت حماية رب العمل‪ ،Patrocinium‬و كان العمل بهذا املنهج منذ القدم عند الرومان‪ ،‬و توسع في بداية القرن‬
‫الثالث امليالدي‪ ،‬بحجة الحفاظ على األمن العام‪ ..‬ليشمل في غالب األحيان حماية اإلنسان لألرض‪ ،‬وذلك أنه لم يكن يكفي حماية‬
‫اإلنسان بل كان يجب حماية األرض أيضا‪ ،‬و كان ل لهذه الحماية ثمن‪ ،‬فاملحمي كان يبيع أرضه عن طريق بيع صوري أو مصطنع‪،‬‬
‫ويصبح هو نفسه عابرا ‪Precariste‬عند الحامي‪.Protecteur‬‬
‫كان املالك يلزم العابر أو املؤقت ‪ Precariste‬بدفع إتاوات‪ ،‬كشرط للتمتع بحق في البقاء في األرض وتوريثها ألوالده‪ ،‬وال يختلف حال‬
‫املالك الصغير الذي هو أيضا معرض أن يصبح عابرا أو مؤقتا‪Precariste‬عن طريق االقتراض أو الرهن إلى الدائن وقد الكثير من‬
‫املالك الصغار أنفسهم مضطرين لبيع ملكهم مقابل أسعار كانت تحدد عادة باملبلغ املقترض ‪ ،‬والبيع كان بيعا ائتمانيا ‪،Fiducie‬‬
‫ومعناه أنه يمكن له إعادة شرائه بعد تسديد رأس املال وفوائده‪ ،‬وإذا لم يسدد‪ ،‬وهو ما كان يحدث في العادة‪ ،‬كان يبقى املالك‬
‫الصغير عابرا أو مؤقتا ‪ Precariste‬إلى موته‪ ،‬ويبقى أوالده كذلك بعده ‪ ،‬وهكذا نالحظ تالش ي الفرق بين إقطاعة ‪ tenure‬ممنوحة‬
‫للمعار أو املؤقت ‪ Precariste‬و تلك التي منحت للمعمر ‪ ،colon‬أما فالفرق بين املعمر‪ colon‬والعبد املستقر ‪ Casé‬فلم يكون كبيرا‬
‫بل كان في طريق االختفاء ‪ ،‬فهذا األخير يبقى عبدا‪ ،‬لكن الفالح‪ ،‬والعابر أو املؤقت ‪ Precariste‬واملعمر ‪ Colon‬كانوا يشتركون‬
‫فينفس الحالة حسب ما تحدده القوانين )‪.(Bloch, 1922‬‬
‫ومن القوانين التي لها عالقة باملعمرين ‪ Colons‬تلك التي تخص ملكيات إمبراطورية خارج روما مثل إفريقيا ‪ ،‬وتقر هده القوانين‬
‫انه عندما يحدث جلب معمرين ‪ Colons‬من البرابرة‪ ،‬لم يكن للدولة إلزامية االهتمام بمؤسسة أخذت صفة عمومية‪ ،‬لكن إصالح‬
‫النظام الجبائي من طرف ديوقليسيانوس‪ ،‬سمح بإدخال املعمرين في تقييم الثروة اإلقليمية وبالتالي أدت باملشرع إلى تقوية أودع‬
‫اقتطاعاتهم ‪ Tenure‬املمنوحة‪ ،‬وذلك لضمان ضريبة منتظمة‪ ،‬وهي الهدف الوحيد للقوانين التي توالت بعد اإلمبراطور‬
‫قنسطنطينوس‪ ،‬والتي تركت حصصا واسعة الختالف االستعماالت املحلية‪ ،‬ويالحظ أنه ال يوجد في أي تشريع االهتمام بتحديد‬
‫كيفية ملختلف الضيع‪(Modéran, 2006) .‬‬

‫كان تحت تصرف املالك أو نائب املالك الكبير عدد من العبيد‪ ،‬يزرعون قطعا صغيرة من األراض ي مقابل راتب معين‪ ،‬لكن عليهم‬
‫دفع ضريبة الرأس‪ ،‬بينما كان املالك يدفع الضريبة العقارية‪ ،‬وهذا النظام قديم كان ساري املفعول‪ ،‬لكن تطور الحقا حسب‬
‫األقاليم وامتد عل طول القرن الرابع امليالدي وذلك بداية من عهد اإلمبراطور ديوقليسيانوس وقسطنطسنوس وأوالده وعدم‬
‫تغيره‪ ،‬كان الهدف من ورائه جمع مقدار أكبر من الضرائب‪.‬‬
‫لم تمس اإلصالحات‪ ،‬التي تمت أثناء الحكم الرباعي سجل األراض ي وبالتالي ملكية املعمرين مادام هدف اإلصالح هو"التحصيل"‪،‬‬
‫فكان على الدولة ضمان املداخيل بضمان استقرار املساهمين‪ ،‬حيث كان "املعمرون" أول املساهمين ألنهم كانوا يدفعون الضريبة‬
‫الشخصية‪ ،‬وأيضا ألنهم كانوا السبب في دفع املالك للضريبة العقارية‪ ،‬ومن نتائج إصدار مراسيم تطبيق هده اإلصالحات العمل‬
‫بنظام الوراثة للمعمرين‪ ،Colons‬وربطهم بامللكيات التي يعملون فيها‪ ،‬من بينها قانون ‪ 51‬أكتوبر ‪ 557‬م الذي تضمن ما يلي‪" :‬يعامل‬
‫املعمرون ‪ Colons‬الذين يريدون الهروب من امللكية وشروطها مثل العبد الهارب" ومعناه إعادته بقوة إلى الشروط السابقة‪ ،‬لكن‬
‫دون أن تنزع عنه صفة الحر‪ ،‬وتبع هذا القانون قوانين أخرى تمنع كل محاوالت الهروب‪،‬حتى وإن كان عن طريق الزواج‪(Modéran, .‬‬
‫)‪2006‬‬

‫‪102‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬


‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري المتأخر‪592 -582‬م)‬

‫وانتهى األمر بمنع املالك من بيع أو منح ملكيته للغير دون املعمرين‪ Colons‬الذين يعملون فيها وهو ما يتبين لنا من قانون‬
‫قونسطونس الثاني في عام ‪522‬م الذي يشير إلى أن هدف األباطرة ليس جعل املعمرين مثل الخدم للمالك‪ ،‬لكن كان هدفه‬
‫أساسا هو ضمان الضريبة‪ ،‬هكذا وجد املعمرون أنفسهم في وضع قانوني يجعلهم تابعون لصاحب األرض التي يعيشون فيها‪.‬‬
‫من خالل ما سبق يتبين لنا أن قطع األراض ي‪ ،‬غالبا ما كانت مستغلة من طرف املعمرين ‪ ،Colons‬من طرف عبيد "شازي"‪،Chasés‬‬
‫الذين ال نعرف الكثير عن وضعهم في اإلمبراطورية السفلى‪،‬وذلك باستعمال عمال من األقنان في الحقول‪ ،‬مثل ما كان عليه سابقا‪،‬‬
‫وهو ما لم يكن منتشرا بشكل عادل من منطقة إلى أخرى‪ ،‬فلم يكن كثير االنتشار في مصر وإفريقيا‪ ،‬في حين كانوا كثيرين أي العبيد‬
‫في أسيا الصغرى وفي جزر بالد اإلغريق‪ ،‬وفي ايطاليا‪ ،‬لكن دون أن نعرف إذا كانوا عماال مزارعين أو مقتطعين ‪ Tenanciers‬لألخيرين‪،‬‬
‫الذين أشار له القانون الصادر في ‪569‬م‪.‬‬
‫وهكذا كانت الدولة تميز بين عدة أصناف من املعمرين ‪ colons‬منهم‪" :‬املحص ى" ‪ Adscripticii‬و"األصل" ‪Originarii‬‬
‫و"املؤجر" ‪ Inquilini‬الذين يصعب التفريق بينهم‪ ،‬واملؤشر األهم في التميز هو إن كانت األرض ملك املعمر أو هي أرض غيره ويعمل‬
‫فيها‪ ،‬وهناك عدة حاالت نعثر عليها في افريقيا كون هؤالء املعمرين‪ ،‬استصلحوا أراض ي قاحلة على حدود امللكيات‪ ،‬أصبحت أراض ي‬
‫منتجة‪ ،‬وفي نفس الوقت‪ ،‬كان يعمل في ملكية أخرى ‪.‬‬
‫إن هدف السلطة اإلمبراطورية من وراء تلك السياسة‪ ،‬ضمان دخل مستقر للعقار‪ ،‬وضمان ضريبة على األرض‪ ،‬وذلك الن "الفالح‬
‫الحكري" كان يمكنه االستثمار في املزارع ‪ ،Fundus‬وهذا يعني زيادة اإلنتاج‪ ،‬وفي ذلك زيادة مداخيل الضرائب‪ ،‬التي تعوض ثقل‬
‫املصاريف الخاصة ‪ Res Privata‬فنجاح هذا النوع من العقود يبدو أنه كان كبير منذ القرن الرابع امليالدي خاصة في إفريقيا‪ ،‬حيث‬
‫كان بعض املعمرين يعقدون مثل هذه العقود " املالك الصغار "وباألخص" أعضاء املجلس البلدي" و"الشيوخ"‪ ،‬الذين كانت لهم‬
‫إمكانيات ضخمة لالستثمار وتوسيع ثرواتهم‪.‬‬
‫وبما أن القوانين ترجع باستمرار إلى حاالت املعمرين ‪ Colons‬الفارين أو الهاربين‪ ،‬واستقبلوا بطريقة غير شرعية من أحد املالك‪،‬‬
‫البد أن نبرز نجاعتها من حيث الصعوبات‪،‬فالحذر كان مطلوبا عند كل تقيم للنسبة الكلية لالقتطاعات من طرف املعمرين‪Colons‬‬
‫‪ ،‬والكراء العقاري املدفوع إلى املالك كان يمكن أن يكون عن طريق الضريبة العينية أكثر الحاالت أو يكون نقدا‪ ،‬أو باالثنين معا‪،‬‬
‫لكن نسبتها لم نستطع تحديديها في القرن الرابع امليالدي‪(Modéran, 2006).‬‬

‫‪ .5‬تراجع حالة املزارعين األحرار‬


‫برزت أهمية املزارعين األحرار بداية من منتصف القرن الثالث امليالدي‪ ،‬في العمل الفالحي باملزارع الكبرى‪ ،‬والتي جسدتها القوانين‬
‫الفالحية‪ ،‬التي لم تعمل على إنهاء حالة الرق في الزراعة بدليل تواصل الوثائق األثرية املتعلقة بعبيد الريف طيلة الفترة الالحقة‪،‬‬
‫كما أن القوانين قد َبينت حرص اإلمبراطورية على تكريس ظاهرة الرق في امليدان الفالحي‪ ،‬ومن ذلك ما نص عليه مرسوم ‪521‬م‬
‫الذي يمنع بيع األمالك الزراعية منفصلة عن العبيد الذين يعدون جزء من تجهيزات األرض في نظر القانون‪(Picard, 1959).‬‬

‫مع بداية القرن الثالث امليالدي تغير مفهوم الضرائب وتم تعديل نظام الجباية التي أسفرت عن تردي أوضاع املزارعين األحرار ثم‬
‫سقوطهم في األخير إلى صورة أقنان ‪ ،‬وهي إحدى فئات العبودية التي بدت جلية في عهد اإلمبراطور قنسطنطينوس الذي أصدر‬
‫قوانين‪ ،‬كرست ارتباط الفالحين باألرض‪ ،‬أولها مرسوم ‪557‬م ثم تلتها قوانين أخرى تضمنت حرس اإلمبراطورية على ربط املزارع‬
‫باألرض وأخيرا مرسوم اإلمبراطور فالينتيانوس عام ‪520‬م الذي نص فيه بوضوح عل إجبارية ارتباط املزارعين املعمرين باألرض‪.‬‬

‫‪103‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬


‫د‪ .‬نورة مواس‬ ‫القنانة في العصر اإلمبراطوري املتأخر) ‪592 -782‬م)‬

‫استهدفت هذه اإلجراءات اإلمبراطورية الجديدة الحفاظ على املصلحة العليا لإلمبراطورية‪ ،‬مما أدى إلى إنزال املزارعين املتعاقدين‬
‫‪ ،‬وكذلك الفالحين الصغار األحرار منزلة مشابهة لحال العبيد القدامى املرتبطين باألرض في كثير من األوجه كما جاء تلك اإلجراءات‬
‫القانونية التي سمحت للسيد بإرغام إتباعه على مالزمة األرض التي يعملون فيها‪(Codex Jus. XII, 48, 7.) ..‬‬

‫وهكذا أدت األوضاع االقتصادية املتردية في القرن الرابع امليالدي إلى تبلور ثالث فئات اجتماعية على رأسها األسياد‪ ،‬وهم مالك‬
‫األراض ي الذين تحالفوا مع السلطة اإلمبراطورية التي وضعت ثقتها فيهم‪ ،‬ودعمت مركزهم بقوانين عبرت عن ارتباط مصلحة الدولة‬
‫بنفوذهم‪،‬والثانية هي الفئة املتوسطة التي كان لها ثقل أكبر في العهد اإلمبراطوري األول‪ ،‬ولكن في العهد اإلمبراطوري الثاني ومع‬
‫التغيرات الجارية أفلست‪ ،‬وتراجعت مكانتها وفعاليتها السياسية ولم يعد لها حظوة كبيرة لدى السلطة اإلمبراطورية‪ ،‬وثالث فئة هي‬
‫اليد العاملة بأنواعها بما فيهم األحرار والعبيد الذين جعلتهم التركيبية االجتماعية في منزلة متماثلة )‪،( Codex. Th.5,17,1 ;13,10,3 ;5 ,19,1‬‬
‫هكذا كان دعم الدولة للفئة األولى وتراجع دور الثانية وحرمان الفئة الثالثة من أية حقوق أن خلق جوا مشحونا باألحقاد‬
‫والضغائن ‪ ،‬أدى إلى الفرار من املزارع والحرفيين من الورشات وواجهوا تلك الوضعية في حركات مقاومة خلقت مناخا مالئما‬
‫النتشار الدين الجديد "املسيحية" الذي كان يدعو إلى املساواة االجتماعية‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫وهكذا نالحظ أن "القنانة" التي ميزت تاريخ أوروبا العصور الوسطى‪ ،‬تمد جذورها إلى أواخر العصر اإلمبراطوري الثاني الذي‬
‫مهدت لألزمات التي عرفتها دخول أوروبا إلى العصور املظلمة‪.‬‬
‫املراجع‬
‫‪1.‬‬ ‫‪Bloch G., 1922. L’empire romain, évolution et décadence, éd. Ernest Flammarion, Paris.‬‬
‫‪2.‬‬ ‫‪Carrié J.-M., 2011. Colonat Romain, dans Dictionnaire de l’antiquité, éd. sous la direction‬‬
‫‪de 2 JEAN Leclant éd Quadrige /P.U.F‬‬
‫‪3.‬‬ ‫‪Chastagnol A., 1992. Le Sénat romain à l’époque impériale, recherches sur la composition‬‬
‫‪de l’assemblée et la composition de ses membres, Paris.‬‬
‫‪4.‬‬ ‫‪Cosme P., 1998. L’empire romain de 192 à 325 : L’état Romain entre éclatement et‬‬
‫‪Continuité, 4 éd. Seli Arsalan, Paris.‬‬
‫‪5.‬‬ ‫‪Gagé J., 1964. Les classes sociales dans l’empire Romane, Paris.‬‬
‫‪6.‬‬ ‫‪Modéran Yves, 2006. L’Empire romain tardif 235-395 ap. J.C, Ellipses 2éd. Marketeting,‬‬
‫‪Paris.‬‬
‫‪7.‬‬ ‫‪Petit P., 1974. Histoire générale de l’empire romain, Le Bas Empire 284-395, T.3 éd. de‬‬
‫‪seuil, Paris.‬‬
‫‪8.‬‬ ‫‪Picard G.Ch., 1959. La Civilisation de l’Afrique romaine, Paris.‬‬
‫‪9.‬‬ ‫‪Remondon R., 1973. La crise de l’empire roman de Marc Aurèle Anastase, éd. Presse‬‬
‫‪universitaires de France, Paris.‬‬
‫‪ .01‬روستوفتزف‪ .0922،‬تاريخ اإلمبراطورية الرومانية االجتماعي واالقتصادي‪ ،‬ترجمة زكي على ومحمد سالم‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪104‬‬ ‫أفكار وآفاق‪ ،‬العدد ‪ ،01‬السنة ‪7102‬‬

You might also like