Professional Documents
Culture Documents
قررت روما بعد انتصارىا يف احلرب البونية الثالثة ( 149ق.م 146 -ق.م) اليت انتهت بتخريب مدينة قرطاجة،
تأسيس أول مقاطعة رومانية يف ببلد ادلغرب " مقاطعة إفريقيا الرومانية" ،و بذلك أصبحت صبيع شلتلكات الدولة البونية اليت كانت
ال تزال ربت سيادة قرطاجة و ادلدن التابعة ذلا قبل احلرب ،ملكا للدولة الرومانية أي رللس الشيوخ و الشعب الروماين و صارت
رلاال مفتوحا لبلستعمار ،و قد مت تأجَت أغلب األراضي الزراعية اخلصبة إىل مواطنُت رومان من الطبقة األرستقراطية و خاصة
أعضاء رللس الشيوخ.
و عندما انتخب كايوس جاراكوس نقيبا شعبيا سنة 124ق.م ،أصدر قرارا بتأسيس مستعمرة رومانية يف نفس ادلكان
الذي كانت فيو قرطاجة البونية ،و الذي زرع بادللح بعد زبريبها و أعلن منطقة ملعونة حرم البناء فيها ،فوزع األراضي الزراعية على
ستة آالف ( )6.000مواطن روماين ،كانت حصة كل واحد منهم حوايل مائيت يوجَتا ( 50ىكتارا) ،لكن خطة إعادة بناء
ادلدينة مل تنجح و سبت تصفية إصبلحات كايوس جاراكوس الزراعية بعد معارضة رللس الشيوخ و قتل سنة 122ق.م ،و بعد
ذلك صدر قانون مسح للذين حصلوا على عقود ببيع أراضيهم ،فوجد الكثَت من األغنياء الرومان فرصة الستثمار أمواذلم يف شراء
األراضي الزراعية اإلفريقية اخلصبة.
كما يظهر أن روما أمهلت زراعة القمح يف أغلب أقاليم شبو اجلزيرة اإليطالية خبلل احلروب األىلية ،و أصبحت تعتمد
على استَتاده من ادلقاطعات خاصة من مقاطعيت مصر و إفريقيا ،و نظرا ألمهية ىذه األخَتة و شهرهتا باإلنتاج الزراعي و خاصة
القمح فقد أصبح التهافت على أراضيها كبَتا و أصبح االستعمار الروماين يسَت خبطى سريعة ،فبعد هناية حرب يوغرطة سنة
105ق.م ،و بعد انتصار ماريوس قام سنة 100ق .م بتوسيع أراضي زراعية واسعة يف مقاطعة إفريقيا على جنوده ادلسرحُت
الذين كان قد وعدىم هبا لتشجيعهم على الدخول يف جيشو(.)1
و ديكن اعتبار عهد يوليوس قيصر فاربة عهد جديد يف تاريخ مشال إفريقيا ،فبعد االنتصار الذي حققو على أعدائو
أنصار بوميب يف معركة تافيسوس (رأس ددياس) النهائية و اليت انتحر على إثرىا حليفهم يوبا األول ملك نوميديا سنة 46ق.م،
ازبذ قرارين ىامُت األول ،إلغاء شللكة نوميديا اليت كان حيكمها ادللك يوبا األول و تأسيس مقاطعة رومانية جديدة ،مقاطعة إفريقيا
الرومانية اجلديدة إىل جانب ادلقاطعة القددية اليت أصبحت ربمل اسم " مقاطعة إفريقيا الرومانية القددية" ،و القرار الثاين ىو تسليم
اجلزء الشمايل الغريب من شللكة نوميديا إىل مرتزقة القائد سيتيوس الذي ساعده خبلل احلرب فأقاموا فيو إمارة ضبلت إمسهم( ،إمارة
السيتيُت) ،مشلت مدنا مشهورة ىي قسنطينة ( ،)Cirtaميلة ( ،)Milevالقل ( ،)Chulluسكيكدة( ،)Rusicadeو
استولوا على األراضي الزراعية ذلذه ادلدن(.)2
و مع بداية العهد اإلمرباطوري ازداد التهافت على األراضي اإلفريقية خاصة يف عهدي اإلمرباطور أغسطس و اإلمرباطور
تيبَتيوس و ذلك لزيادة احلاجة إلنتاج احلبوب و ضمان سبويل مدينة روما و اجليوش ادلرابطة على حدود اإلمرباطورية ألنو أصبح من
يستطيع إطعام سكان ىذه ادلدينة حيكمهم ،و من يفشل يف ذلك ال يبقى يف احلكم يوما واحدا ،حيث مل يصبح ادلواطنون
الرومان ادلقيمون يف مدين روما -و كان عددىم كبَتا -مهتمُت باحلقوق السياسية ،لقد قبلوا ما طرأ من ربول تدرجيي يف مصَت
39
رللس العامة يف عهد أغسطس حىت أصبح رلرد صورة ال روح فيها و مل يعًتضوا عندما قرر خليفتو تيبَتيوس تعطيل ىذا اجمللس
الذي أصبح إجراء شكلي ،و لكنهم كانوا مصرين دائما على حقهم الذي حصلوا عليو قبل ذلك خبلل احلروب األىلية و ىو أن
تتكفل احلكومة بإطعامهم و الًتفيو عنهم ،و مل جيرأ أي أحد من األباطرة دبن فيهم أغسطس مس ىذا احلق ادلقدس لعامة الشعب
الروماين و كل ما فعلوه ىو زلاولة تقليص عدد ادلنتفعُت و ادلستحقُت وبذلوا كل جهودىم يف إجياد خَت الطرق و الوسائل و أدقها
حلسن توزيع الغبلل عليهم(.)3
و عندما انتصر أغسطس على صبيع معارضيو أصبحت قوتو ترتكز على دعامتُت السلطة الربوقنصلية و السلطة الًتبيونية
األوىل منحتو قيادة اجليوش ،و أصبح يتمتع بالسلطان العسكري األعلى ،و الثانية منحتو حق سبثيل الشعب الروماين مع التمتع
حبق االعًتاض " الفيتو " على قرارات رللس الشيوخ و احلكام مثل القناصلة ،و ىكذا أصبح يتعامل مع ىذه اذليئات من مركز
القوة ،و عندما استتب لو األمر خاصة بعدما صار سيدا على إفريقيا قام سنة 29ق.م بتأسيس مستعمرة جديدة يف قرطاجة
ليس خارج ادلنطقة ادللعونة بل يف قلب ادلكان الذي كانت العاصمة البونية مشيدة فيو من قبل ،ذلك ألنو أصبح يشعر بأن لو من
القوة ما يستطيع بو ربدي العواطف الدينية اليت مل يستطع كايوس جاراكوس ذباوزىا من قبل ،و مل تقتصر جهوده على قرطاجة
يطانية.)4
(
فقط ألن ذلك كان بداية لسياسة استعمارية جديدة سلكها سواء يف ادلقاطعة الرومانية أو ادلملكة ادلور
بالفعل لقد قام بتوحيد أراضي ادلقاطعتُت الرومانيتُت القددية و اجلديدة باإلضافة إىل أراضي إمارة السيتيُت و أصبحت
صبيعها مقاطعة واحدة يف التقسيم اإلداري الذي أعده سنة 27ق.م و ىي "مقاطعة إفريقيا الرومانية الربوقنصلية السيناتورية"
عاصمتها قرطاجة(.)5
أما يف شللكة موريطانيا فبعد موت ادللك بوغود حليف أنطوان سنة 38ق.م ،أصبح بوكوس الثاين حليف أكتافيوس
ملكا على كامل أراضي شللكة موريطانيا ادلمتدة من احمليط األطلسي غربا إىل حدود ادلقاطعة الرومانية شرقا ( الواد الكبَت) ،و بعد
موتو سنة 33ق.م قام الرومان بضم أراضي شللكتو و بقيت طيلة شباين سنوات ( 33ق.م25 -ق.م) ربت اإلدارة العسكرية
التابعة ألكتافيوس الذي قرر سنة 25ق.م الًتاجع عن ىذه السياسة فنصب األمَت النوميدي يوبا الثاين( ،)6ملكا عليها كما جاء
يف كتابات ديون كاسيوس الذي يقول " :سلم أغسطس إىل يوبا (يوبا الثاين) شلتلكات بوكوس و شلتلكات بوغود و قسما من
أراضي اجليتول تعويضا لو عن شلتلكات آبائو اليت أصبح جزء كبَت منها ربت سلطة االمرباطورية (".)7
و قد اغتنم الفرصة قبل تعيُت ىذا األمَت تأسيس يف موريطانيا اليت كانت تابعة لبوكوس الثاين تسع مستعمرات ،ستة
،)Igilgiliجباية ( ،)Saldaeأزفون ( ،)Rusazusدلس ساحلية بالغرب من موانئ قددية و ىي جيجل (
( ،)Rusucuruقوراية ( ،)Cunuguو تنس ( ،)Cartenaeو ثبلثة يف الداخل ىي تيكبلت ( 90 ،)Tubusuctu
كلم جنوب غرب مدينة عنابة ،ضبام ريغة ( ،)Aquae Calidaeو مليانة ( ،)Zuccabarكما أسس غرب شللكة بوغود
Babba السابقة ثبلث مستعمرات ىي أرزيلة ( )ZILISعلى سواحل احمليط األطلسي بُت طنجة ،العرائش و بابا (
،)Campastrisقرب مدينة وزان و باناسا ( )Valentiaقرب مدينة القصر الكبَت(.)8
ىذه ادلستعمرات مل تكن لقدماء احملاربُت ادلسرحُت يف جيش أغسطس فقط ،بل كانت لكثَت من سكان شبو اجلزيرة
االيطالية الذين فقدوا أراضيهم خبلل احلروب األىلية باإلضافة بدون شك إىل عدد كبَت من األغنياء الذين أرادوا استثمار أمواذلم
يف األراضي الزراعية اإلفريقية ذات اخلصوبة و اللذين كانت الدولة دائما سريعة االستجابة و تقوم بتشجيعهم و مساعدهتم ،ألن
استثمار األموال يف األراضي الزراعية ،يعٍت كثرة اإلنتاج و ضمان كميات كبَتة من احلبوب خاصة القمح لتمويل سكان مدينة
روما و اجليوش احملاربة على حدود اإلمرباطورية.
40
ىذه االعتبارات ىي اليت دفعت اإلمرباطور أغسطس مث من بعده اإلمرباطور تيبَتيوس إىل بذل جهود حربية كبَتة لتوسيع
حدود شلتلكات الدولة الرومانية و إسكان الكثَتين من الذين شاركوا يف اذلجرة الزراعية الكربى من إيطاليا بعد هناية احلروب
األىلية ،و قد مت تأسيس ىذه ادلستعمرات يف مواقع طبيعية إسًتاتيجية ىامة أحسن اختيارىا لتكون مراكز إشعاع لبلستعمار
الروماين و ىذا ما كان ينبئ على ما يظهر بإحلاق الببلد باحلكم الروماين ادلباشر(.)9
لقد أصبحت ببلد ادلغرب منذ سنة 25ق .م مقسمة إىل وحدتُت سياسيتُت رئيسيتُت ،مقاطعة إلفريقيا الربوقنصلية
عاصمتها قرطاجة حيكمها حاكم روماين يعينو رللس الشيوخ بروقنصل بيده السلطة ادلدنية و السلطة العسكرية يساعده موظفون
كبار من بينو القائد العسكري ليغاتوس ( )Lugatusقائد كتيبة أغسطس الثالثة اليت أسسها أغسطس و مهمتها الدفاع على
ادلمتلكات الرومانية داخل ادلقاطعة تساعدىا فرق من اجلند ادلساعد ،و غرب حدود ىذه ادلقاطعة شللكة موريطانيا عاصمتها،
قيصرية ( شرشال احلالية) ،حيكمها ملك تابع و خاضع لسلطة اإلمرباطور يوفر عناء احلكم ادلباشر إلقليم عمت فيو الثورات منذ
ذبربة أكتافيوس و زلاولتو حكم ىذا اإلقليم عن طريق حكام عسكريُت (ما بُت 33ق.م و 25ق.م) و حىت بعد تعيُت يوبا
الثاين ملكا على ىذه ادلملكة مل تنقطع الثورات اليت كان أمهها دون شك ثورة اجليتول ( 03م 06 -م) و اليت يلخص أسباهبا
ديون كاسيوس فيم يلي " :بعد غضب اجليتول على سياسة ادللك يوبا و رفضهم اخلضوع لسلطة الرومان مثلو ،ثاروا ضده و
عاثوا يف ادلناطق اجملاورة إلقليمهم فسادا ،و قتلوا كثَتا من القادة العسكريُت الرومان اللذين قادوا ادلعارك ضدىم ،و باختصار
زادت قوهتم و عظم شأهنم إىل غاية رليء كورنيليوس كوسوس الذي ىزمهم و أخضعهم فحصل على شرف النصر و لقب
باجليتويل ، )10(".و قد شاركت قوات ادللك يوبا الثاين يف القضاء على ىذه الثورة و ردبا كانت القوة الرئيسية يف ربقيق النصر،
يظهر ذلك من خبلل النقود اليت صكها ىذا ادللك و عليها صورة إذلة النصر خبلل السنوات 06م07 ،م و 08م(.)11
أسباب بداية حرب اجليتول واضحة و ىي غضبهم على سياسة ادللك يوبا الثاين اليت مل تكن زبتلف عن سياسة
الرومان ،و عدم قبوذلم ذلذه السياسة و نتائجها ىو الذي دفعهم إىل القيام هبذه الثورة و قد التحق هبم جَتاهنم ادلزادلة و ألول مرة
يذكر مقتل قادة رومان يف ىذه احلروب و كثرة عددىم يدل على وجود عدد كبَت من الفرق العسكرية اليت شاركت يف قمع ىذه
الثورات ،لكن من ىم ىؤالء القادة الذين قتلوا حسب ديون كاسيوس؟ تبقى ظروف قتلهم غامضة و غَت واضحة نظرا لعدم وجود
أجوبة عنها يف ادلصادر القددية(.)12
و مع انتشار النشاط االستعماري الذي ميز عهد أغسطس و من بعده عهد تيبَتيوس بدأ األفارقة يشعرون هبذه
التغَتات اجلديدة ،فالوجود الروماين مل يبق رلرد ظاىرة بعيدة خارجية ال هتم إال فئة قليلة من األفارقة بل أصبح بالعكس حقيقة ال
ديكن ذباىلها ،كثرة ادلستعمرات اليت أسسها أغسطس و اختيار مواقعها و زيادة عدد ادلعمرين و نشاطهم سواء كانوا ذبارا أو
فبلحُت كل ىذا أصبح يوحي أن خطة الرومان تستهدف االستيبلء على كامل الببلد ،و عاجبل أو آجبل سيضطر السكان الذين
أصبحوا يشعرون باخلطر إىل ربديد مواقفهم ذباه الرومان ،إما اخلضوع و إما زلاولة االندماج و إما ادلقاومة ،و ما ديكن مبلحظتو
ىو أن هناية عهد أغسطس فتحت مرحلة جديدة يف إفريقيا من جهة الرومان أصبحوا يوسعون نطاق استعمارىم يف كل مرة و من
جهة أخرى ىذا التحدي أدى إىل تضامن شعوب ادلنطقة للوقوف يف وجو ىذا الزحف االستعماري ،لقد ازبذ أغسطس قرارين
ىامُت األول ىو إقامة معسكر كتيبة أغسطس الثالثة يف حيدرة ( )Ammaedaraاليت تقع يف اجلنوب الشرقي إلقليم شعب
ادلزادلة و لو أن تاريخ إقامة ىذا ادلعسكر غَت معروف بالضبط لكنو يكون بالتأكيد بعد هناية حرب اجليتول سنة 06م ،و القرار
الثاين ىو شق طريق يربط بُت ىذا ادلعسكر و مدينة قابس ( )Tacapéمرورا دبدينة قفصة ( ،)Capsaكان ذلك سنة 14م
و ىذا ما أدى إىل وضع يد السلطة الرومانية الفعلية على جزء كبَت من إقليم ادلزادلة اللذين كانوا قد رأوا جزء كبَتا من أراضيهم قد
أخذ منهم يف السابق و وجدوا أنفسهم اآلن زلرومُت من جزء آخر ،و أجربوا على ضبل السبلح للدفاع عن أراضيهم ،بدأت
41
احلرب سنة 17م ،و سيطرت عليها شخصية تاكفاريناس الذي عُت قائدا لشعب ادلزادلة ،و يظهر منذ البداية أن اإلعبلن عن
احلرب مل يكن صدفة بل سبقتو ربضَتات سياسية و تنظيمات عسكرية زلكمة ،فادلزادلة ( )13مل يدخلوا احلرب دبفردىم ،بل ربالفوا
مع جَتاهنم يف الغرب ادلوريُت بقيادة مازيبا ( ،)Mazippaو جَتاهنم يف الشرق الكينيثيُت ( ،)Cinithiiفتكونت جبهة سبتد
من حدود جنوب شللكة يوبا الثاين إىل منطقة سرت الصغرى ،و ألول مرة حاول األفارقة استعمال خطط عسكرية تتماشى و
ظروف ادلعارك و أسلحة و تنظيم وحدات عسكرية متنوعة ،و ىذا ما أعطى إىل ىذه احلرب اليت دامت سبع سنوات ( 17م-
24م) أمهية خاصة يف تاريخ ادلقاومة ضد االستعمار الروماين و ىذا ما دفع بدون شك ادلؤرخ الروماين تاسيت إىل إعطاء عروض
بانتظام عن سَت ادلعارك يف حولياتو ( ،)14()Annalesىذه احملاولة للوقوف يف وجو التوسع الروماين فشلت و ذلك دبقتل
تنقطع.)15
(
تاكفاريناس لكن ىذا مل حيل ادلشكل ألن استعمار إقليم ادلزادلة مل يتم إال بعد قرن كامل مليء بالثورات اليت مل
من ادلعروف أن اإلمرباطور أغسطس بعدما استبد لو األمر ،عرض على رللس الشيوخ – بعد تطهَته من صبيع ادلعارضُت
طبعا -يف 13يناير عام 27ق .م التنازل عن صبيع السلطات و الصبلحيات للمجلس و الشعب الروماين لكن قراره ىذا رفض
ألنو حرك اخلوف يف النفوس بدال من الفرح ،و سبت التسوية فقسمت واليات اإلمرباطورية إىل واليات سيناتورية حيكمها رللس
الشيوخ بتعيُت حكام عليها إما برتبة بروقنصل أو برتبة بروبريتور و واليات إمرباطورية حيكمها اإلمرباطور عن طريق وكبلئو ،و يظهر
أن أغسطس وضع ربت سلطة اإلمرباطور الواليات اليت كانت ترابط هبا الكتائب العسكرية و اليت كانت سبثل جبهات احلرب
الرئيسية لئلمرباطورية ،و هبذا ركز يف يد اإلمرباطور السلطة العسكرية و قد عوملت مقاطعة إفريقيا معاملة خاصة يف ىذا التقسيم،
حيث أصبحت مقاطعة سيناتورية قنصلية و خبلفا للمقاطعات السيناتورية األخرى كانت ترابط هبا كتيبة عسكرية ىي كتيبة
أغسطس الثالثة ،باإلضافة إىل فرق من اجلند اإلضايف ،و كل ىذه القوات أصبحت ربت سلطة الربوقنصل حاكم ادلقاطعة الذي
كان تابعا لسلطة رللس الشيوخ ،و ىذا سلالف لبلعتقاد السائد بأن أغسطس قرر إسناد حكم ادلقاطعات اآلمنة اليت ترابط هبا
كتائب عسكرية إىل رللس الشيوخ ،و لكن ىذه الوضعية اخلاصة بإفريقيا كان ذلا مربرىا ،يف نفس السنة اليت مت فيها التقسيم -و
ردبا قبلو و لكن بقليل -قرر أغسطس توحيد أراضي ادلقاطعتُت (إفريقيا القددية و إفريقيا اجلديدة) ،و أراضي إمارة السيتيُت ،و هبذا
حقق ىدفُت أوذلما إرضاء رللس الشيوخ الذي كان ال ديكنو التخلي عن مقاطعة إفريقيا القددية ،حيث كان لكثَت من أعضائو
شلتلكات واسعة قددية و ثانيهما ترك لنفسو صبلحية التدخل يف حالة الضرورة العسكرية الختيار الربوقنصل ،و ىذا ما حدث
بالفعل يف عهد اإلمرباطور تيربيوس خبلل حرب تاكفاريناس(.)16
بقي نظام مقاطعة إفريقيا على ىذه احلالة طيلة عهدي اإلمرباطور أغسطس ( 27ق.م 14 -م) و اإلمرباطور تيربيوس
(14م37-م) ،و عندما توىل كاليقوال عرش اإلمرباطورية سنة 37م قرر ضم أراضي شللكة موريطانيا إىل شلتلكات الدولة الرومانية
و الشعب الروماين ،ألن تسوية اإلمرباطور أغسطس مل توضع لتستمر طويبل ،شللكة تابعة رغم خضوع ملوكها مل تكن إال حبل
مؤقتا ديكن وضع حد لو حُت تصبح األمور أقل خطرا و عندما تصبح احلاجة االقتصادية ضرورية إىل ذلك ،و قد أصبح يف نظر
الرومان أن مداخل شللكة موريطانيا يف حالة االستيبلء عليها ديكن أن تساىم يف حل الكثَت من ادلشاكل االقتصادية و أعباء عن
حدود اإلمرباطورية ذلذا رأى ىذا اإلمرباطور أن الوقت أصبح مناسبا إللغاء العرش ادلوريطاين الصوري و تعويضو بإدارة رومانية
تسهر على خدمة مصاحل الدولة الرومانية و الشعب الروماين خاصة و أن ادللك بطليموس الذي كان حيكم شللكة موريطانيا مل
يكن لو وريث و بعد التخلص منو يصبح من حق اإلمرباطور إرث صبيع ثرواتو فأراد كاليقوال الذي كان يبحث عن الثروة بأي
وسيلة أن يكون ىذا اإلمرباطور ،و ربضَتا ذلذا القرار ازبذ قرارا آخر قبلو و ىو نزع السلطة العسكرية من يد حاكم مقاطعة إفريقيا
الربوقنصلية الذي كان يعُت من طرف رللس الشيوخ ،و أسندىا إىل قائد عسكري خبَت بالشؤون احلربية ( )Legatusيعينو
اإلمرباطور و يكون مسؤوال أمامو فقط.
42
و ىناك مصدران ىامان عن ىذا القرار األول ،ىو ما جاء يف كتابات ادلؤرخ تاسيت ( " : )17الكتيبة ادلقيمة يف إفريقيا و
فرق اجلند اإلضايف ادلكلفة حبراسة حدود اإلمرباطورية كانت يف عهد اإلمرباطور أغسطس و اإلمرباطو تيبَتيوس ،ربت سلطة
الربوقنصل ،و عندما جاء كايوس قيصر (كاليقوال) انتزع قيادة الكتيبة من يد الربوقنصل فسلمها إىل حاكم عسكري
( )LEGATUSعينو ذلذا الغرض ،ذلك ألنو كان قلقا و متخوفا من ماركوس سيبلنوس الذي عُت حلكم إفريقيا و وزعت
الصبلحيات بُت احلاكمُت بالتساوي ،و لكن مهام كل واحد مل ربدد بالتدقيق و ىذا ما أدى إىل حدوث خبلفات دائمة ،كان
يغذيها التنافس الشديد ،لكن سلطة احلاكم العسكري كانت دائما أعلى و ىذا راجع إىل طول مدة حكم ىؤالء كما أن قوة
التنافس تكون دائما كبَتة عند ادلأمورين أما الربوقنصليون البلمعون ،فأغلبهم كان يهتم براحتو أكثر من اىتمامو بالسلطة".
أما الثاين فهو نص للمؤرخ ديون كاسيوس ( " :)18يف الوقت الذي أسند فيو حكم مقاطعة إفريقيا إىل لكيوس بيزون ابن
ببلنكينا و كايوس بيزون ،خاف (كاليقوال) من أن يدفع الغرور بيزون إىل القيام حبركة انفصالية خاصة و أنو أصبح يقود قوة
عسكرية كبَتة تتكون من مواطنُت رومان و أجانب فقام بتقسيم الوالية إىل قسمُت و أسند السلطة العسكرية و حكم النوميديُت
ادلقيمُت دبنطقة ادلراكز العسكرية إىل حاكم آخر".
إن أىم شيء ديكن استنتاجو من ىاذين النصُت ،ىو اتفاق كل من تاسيت و ديون كاسيوس على السبب الذي دفع
بكاليقوال إىل نزع السلطة العسكرية من يد الربوقنصل – سيبلنوس حسب تاسيت ،إيزون حسب ديون كاسيوس -و ذلك خوفا
من اكتسابو لواء اجليش لشخصو حبكم سلطتو اليت كانت زبول لو القيادة العسكرية ،فيثور ضد اإلمرباطور و يستقل بوالية غنية
اقتصاديا فيحرم روما من مصدر ىام للقمح ،ىذا ما يؤدي إىل عواقب خطَتة.
صحيح أن حاكم إفريقيا كان من فئة الربوقنصليُت أي من القناصل السابقُت و ىي الفئة األرقى و األكثر أمهية من
الناحية السياسية و األكثر خطورة من الناحية العسكرية ،خاصة و أن اجليوش اليت كانت ترابط بإفريقيا كانت مدربة على القتال
نظرا للحروب اليت كانت زبوضها باستمرار ضد السكان األصليُت ،و ذلذا كان من احليطة لئلمرباطور أن يأخذ زمام األمور بيده
حىت يتجنب كل ما ديكن أن حيدث ،و لكننا نعرف أنو منذ بداية العهد اإلمرباطوري كان لؤلباطرة يف الواليات التابعة جمللس
الشيوخ مندوبون عنهم ،أو وكبلء شخصيون يشرفون على إدارة أمبلكهم اخلاصة و كان ىؤالء ادلندوبون دبثابة العيون و اآلذان
لئلمرباطور يف ىذه الواليات ،حيث كانوا يطلعون على كل ما كان جيري ىناك ،و كلما ازداد عدد ىؤالء ادلندوبُت نتيجة لزيادة
األمبلك اإلمرباطورية و جباية الضرائب غَت ادلباشرة اليت أصبحت من بُت مهامهم ،كلما أصبح إشراف األباطرة على احلكام من
طبقة أعضاء رللس الشيوخ فعاال ،ىذا من جهة ،و من جهة أخرى كلما زاد نصيب األباطرة لتعيُت أعضاء رللس الشيوخ اجلدد
و االستغناء عن القدامى منهم – و ذلك عن طريق تقدمي التزكية للمرشحُت و مراجعة ثبت األعضاء بُت احلُت و اآلخر -كلما
كان رأي األباطرة حامسا يف موضوع اختيار أعضاء رللس الشيوخ لتويل حكم الواليات ،و احلقيقة أن حكام الواليات كانوا صبيعا
منذ بداية القرن األول ميبلدي معينُت فعبل من طرف اإلمرباطور ،إما بطريقة مباشرة على الواليات اإلمرباطورية و إما بطريقة غَت
مباشرة على الواليات السناتورية ،و على ىذا فما فائدة اخلبلفات بينهما؟ السيما إذا كانت اخلبلفات تؤدي حتما إىل خبلفات
بُت اإلمرباطور و رللس الشيوخ(.)19
إن األسباب اليت أدت بكاليقوال إىل إعادة النظر يف نظام ادلقاطعة الرومانية ،ىي أسباب إسًتاتيجية ،لقد قرر ىذا
اإلمرباطور تعيُت قائد عسكري خبَت بالشؤون احلربية على رأس القوات الرومانية ادلوجودة بادلنطقة و ىذا استعدادا و ربضَتا لبسط
نفوذ االستعمار الروماين ادلباشر على كامل ببلد ادلغرب ،حيث قام باغتيال ادللك بطليموس سنة 40م ،و أحلق شللكتو دبمتلكات
اإلمرباطورية و هبذا وضع حدا لنظام احلماية الرومانية على شللكة موريطانيا.
43
وىكذا أصبحت قيادة اجليوش الرومانية كلها بيد اإلمرباطور دون استثناء ،و يف سنة 40م قرر قتل ادللك بطليموس إبن
يوبا الثاين الذي كان أبوه قد أشركو يف السلطة ردبا منذ سنة 21م حسبما يظهر من خبلل قطع نقدية تشَت إىل السنة األوىل من
حكمو( ،)20مث أصبح ادللك الوحيد بعد موت أبيو سنة 23م أو بداية سنة 24م ،فأرسل قوات عسكرية كبَتة لتدعيم قوات
حاكم مقاطعة إفريقيا الربوقنصلية سنة 24م كورنيليوس دوالبيبل ( )Cornelius Dolabellaو بفضل ىذه ادلساعدات
استطاع ربقيق النصر يف معركة هنائية على تاكفاريناس و خلص الرومان من حرب كلفتهم الكثَت و ىذا ىو سبب إرسال رللس
الشيوخ يف روما وفد إىل ادللك بطليموس حسب عادة قددية ،كما يقول ادلؤرخ تاسيت و قدم لو ىدايا تتمثل يف عصا العاج و
العباءة ادلزركشة ( رمز ادللكية) و ناداه بادللك احلليف و الصديق للشعب الروماين(.)21
لقد تابع بطليموس سياسة والده يوبا الثاين طيلة فًتة حكمو ( 23م40 -م) و بذل جهدا كبَتا لتمهيد الببلد و
ربضَتىا لبلستيطان الروماين حيث قام بتجديد الوجو احلضاري دلدن ادلملكة و توفَت األمن للجاليات الرومانية سواء كانوا ذبارا أو
موظفُت و ضباية ادلستعمرات اليت أقيمت من قبل سواء الساحلية أو الداخلية و تقدمي ادلساعدات العسكرية إىل الرومان كلما
اقتضى األمر لذلك ،و رغم كل ىذه اخلدمات اليت قدمها للدولة الرومانية فإن اإلمرباطور كاليقوال قام بقتلو سنة 40م يف مدينة
ليون عندما دعاه إىل حفل أقامو على شرف ادللوك احللفاء و األصدقاء و كان بطليموس من بينهم ،و بعد استقبالو استقباال الئقا
دبر لو مؤامرة و قتلو ال لشيء سوى ألنو دخل إىل مكان احلفل يرتدي عباءة براقة فجلب أنظار احلضور كما جاء يف كتابات
سويتون ( )Suetoneو ديون كاسيوس(.)22
قد تكون الغَتة ىي السبب ادلباشر يف ىذا االغتيال لكن الدوافع احلقيقية تكمن يف أسباب أخرى حاول ادلؤرخون
البحث عنها و لقد اختلفت آراءىم و افًتاضاهتم ،فحسب رأي م روستوفتزاف ( )M.Rostoftzeffفإن الرومان أصبحوا يف
حاجة ماسة إىل أراضي جديدة حيلون هبا مشاكل اجلنود ادلسرحُت و كذلك سبويل اجليوش احملاربة و إطعام سكان مدينة روما(،)23
و يرى بييت ( )P.Petitأن اخلبلف كان خبلفا دينيا حول رئاسة كهانوت اإلذلة إيزيس ،و ىي مهمة ورثها بطليموس و كان
كاليقوال يريد أخذىا منو ،فبٌت ذلذه اإلذلة معبدا يف ساحة مارس بروما و أدرج أيام االحتفاالت بعبادهتا يف جدول أيام
االحتفاالت الدينية الرومانية(.)24
و ىناك من يرى أن السبب ىو التخلص من منافس يف الشهرة و الثروة و كان اإلمرباطور كاليقوال بارعا يف التخلص من
ادلنافسُت و أخذ ثرواهتم جبميع الوسائل ( ،)25أما ادلؤرخ كوتوال ( )T.Kotulaفَتى أن اخلبلف الديٍت مل يكن إال سببا من بُت
أسباب اخلبلفات و يفًتض سببا آخر ال يقل أمهية عن األسباب السابقة و ىو اخلبلف حول احملررين(.)26
أما فور ( )G.C.Faurفينتقد ىذه الفرضية و يأيت بأسباب أخرى أمهها زلاولة ادللك بطليموس االستقبلل عن
اإلمرباطورية و ذلك عندما صك نقودا ذىبية خبلل سنيت 39-38م أو ردبا خوفا من رؤيتو يتزعم مؤامرة ضد اإلمرباطور و يتوىل
العرش مكانو أي أن السبب ىو التنافس داخل األسرة بُت حفيدين للقائد أنطوان ألن كاليقوال ىو ابن جَتمانيكوس
( )Germanicusابن دروسوس ( )Drussusو أنطونيا بنت أنطوان و أكتافيا أخت أغسطس ،أما بطليموس فهو ابن يوبا
الثاين و كليوباترا سيليٍت بنت أنطوان و كليوباترا ملكة مصر ( ،)27و ىذا ما يبُت أن بطليموس ىو كذلك كان ينتسب إىل فئة
الطبقة األرستقراطية الرومانية و مصَته كان ال خيتلف عن مصَت النببلء الرومان اآلخرين الذين أعدموا بسبب شهرهتم و ثرواهتم و
ظهورىم( ،)28و كما قال تاسيت " :الذي كان يظهر بثروتو و مسكنو و طريقة عيشو كان معظما و مشهورا ،لكن بعد أحداث
القتل الفضيعة و االغتياالت الناصبة عن الشهرة ،الناجون رجعوا إىل التعقل و احلكمة"(.)29
و من خبلل ىذه اآلراء ادلختلفة نستخلص أن ىذه العوامل كلها سواء كانت الشهرة ،أو اخلبلف الديٍت أو الصراع
داخل األسرة الواحدة أو زلاولة اإلمرباطور كاليقوال التخلص من ادللك بطليموس لبلستيبلء على ثروتو ،كل ىذه األسباب دفعت
44
الرومان خاصة أنصار السياسة التوسعية الذين كانوا ينادون دائما بإهناء العرش ادلوريطاين حىت و إن كان صوريا ،فوجد اإلمرباطور
كاليقوال السبب ادلباشر عندما اعترب دخول ادللك بطليموس إىل احلفل ،يرتدي العباءة الفاخرة إىانة لو فأمر بقتلو و حقق رغبة
الرومان االستعمارية التوسعية ،و قد يكون ىذا احلفل الذي نظم على شرف ادللوك احللفاء و األصدقاء غرضو تنفيذ خطة كان
اإلمرباطور قد رمسها من قبل ،وقتل ملك أمام أصحاب العظمة و الشهرة ليكون عربة للذين يريدون الظهور بالعظمة و الشهرة
أكثر من اإلمرباطور نفسو.
سكان ببلد ادلغرب مل ينتظروا طويبل ،لقد قام أحد ادلعتقُت الذين كانوا بدون شك غَت راضُت على ما قام بو اإلمرباطور
و صبع حولو الكثَتين من الذين غضبوا و استاءوا من ىذا العمل ،و حاول االنتقام لسيده ادلغتال ،ىذا حسب ما ورد يف كتابات
بلُت ( .)30))Plineىذا ادلعتق ىو أيدديون الذي كان يعيش يف ببلط ادللك و ينعم حبياة البذخ و الطرف ،و قد يكون من أصل
إغريقي كما يظهر من امسو ،أو ردبا كان إفريقي األصل و ىذا االسم ىو اسم الشهر ضبلو بعد عتقو ،حيث توجد أمثلة كثَتة
ألمساء إغريقية ضبلها عبيد أو معتقون غَتوا أمساءىم بعد عتقهم ( ،)31و يرى لوقبلي ( )M.Leglayأن أيدديون تزعم ىذه
الثورة ضد روما ألنو كان يريد السيطرة على شللكة موريطانيا اليت كان على يقُت أنو سوف حيرم من نعيمها ،فجمع حولو كل الذين
أصبحت مصاحلهم مهددة و شعروا خبطر اإلدارة الرومانية اجلديدة(.)32
أما بن عبو ( )M.Benabouفيذىب إىل أبعد من ذلك و يرى أنو من الواجب البحث عن عوامل و أسباب أخرى
ال تتوقف عند حد ادلصاحل الشخصية و يقول " :إن أيدديون مل يكن يف استطاعتو القيام حبرب طويلة و مكلفة ضد أكرب قوة
عسكرية يف ذلك الوقت ،لو مل يكن على يقُت من مساعدات القبائل ادلوريطانية ،و أن ىذه احلرب كانت تعرب عن انشغاالت كل
الذين أصبحوا يتطلعون لآلفاق ادلستقبلية ،فرأوا يف اإلدارة الرومانية اجلديدة اليت سوف تعوض اإلدارة ادللكية السابقة اليت كانوا قد
تعودوا عليها إدارة أكثر حدة تتدخل يف شؤوهنم اخلاصة و تفرض عليهم أنظمة جديدة ،مل يتعودوا عليها مثل التدخل يف النظام
الضرييب و حرية التنقل و نظام األفارقة االقتصادي بصفة عامة ( .)33أما لوفو ( )Ph.Levauفَتى أنو جيب األخذ دبا جاء يف
كتابات ادلؤرخ الروماين بلُت باحلرف الواحد أي أن دافع أيدديون إىل ىذه الثورة ىو االنتقام لسيده ادللك بطليموس و حالتو ىذه
ال زبتلف عن حاالت الكثَت من ادلعتقُت ادلخلصُت لسادهتم ،ذلذا جيب الفصل بُت ثورتو و زلاولتو االنتقامية و ادلقاومة اليت قامت
هبا القبائل ادلوريطانية احملبة للحرية و الدفاع عن أراضيها(.)34
هناية الثورة اليت قام هبا أيدديون كانت سريعة ،وردبا يكون كل شيء قد انتهى قبل اغتيال اإلمرباطور كاليقوال و تعيُت
اإلمرباطور كلود أي قبل 24يناير سنة 41ميبلدي ،وذلذا جيب فصل ثورة أيدديون و سبييزىا بوضوح عن العمليات و احلمبلت
العسكرية اليت قام هبا القائد الروماين سيتونيوس بولينوس ضد القائد ادلوريطاين ساالبوس ألن نطاق ثروة أيدديون كان بدون شك
زلدودا ،ألن من غَت ادلعقول أن يتزعم أحد ادلعتقُت الذين كانوا يعيشون يف ببلط ادللك بطليموس الذي كان يعيش ربت احلماية
الرومانية ،ثورة مسلحة للدفاع عن حرية و أراضي شللكة موريطانيا( ،)35و الدليل على ذلك ،فإنو مل جيد أنصارا حللفاء كثَتين حىت
يف أوساط ادلعتقُت ادللكيُت الطبقة األرستقراطية اليت كانت تعيش يف ادلدن ألن بعض ىؤالء ساعد السلطة الرومانية اجلديدة و
حارب ضد أيدديون كما يظهر يف نقيشة وجدت يف مدينة وليلي ( )Volubilisاليت جاء فيها أن فالَتيوس سيفَتوس ابن
بوستار ( )M.Valerius Severus fils de Bostarقاد فرقة عسكرية موريطانية من اجلند ادلساعد يف احلرب ضد
أيدديون( .)36و قد حاول كوتوال تفسَت وجود موريطانيُت مقيمُت يف ادلدن إىل جانب الرومان ضد أيدديون ألن أنصاره كانوا ديثلون
احلضارة و العادات اإلغريقية الشرقية ،أما سكان مدن موريطانيا الغربية فكانوا متأثرين باحلضارة البونية ( ،)37لكن ىذا التفسَت
الغريب حيتاج إىل توضيحات أكثر ألنو غَت مقنع.
45
Civitas بدون شك مدينة وليلي كانت تربطها عبلقات شليزة بالدولة الرومانية ردبا كانت مدينة حليفة (
)Foederataو يظهر ىذا من خبلل حصول الكثَت من سكاهنا على ادلواطنة الرومانية بصفة فردية ،ردبا منذ عهد أغسطس و
الرومان أعطوا أمهية كبَتة للعبلقات اليت كانت تربطهم هبذه ادلدينة ادلوريطانية ألسباب عسكرية و إسًتاتيجية ألن ادلدينة تقع على
مقربة من جبال األطلس( )38و ادلساعدات العسكرية اليت قدمها سكان مدينة وليلي و قائدىم كانت نتيجتها حصول ىذه ادلدينة
على امتيازات كثَتة يف عهد اإلمرباطور كلود كما يظهر يف كتابات ديون كاسيوس ( ،)39و يفًتض دوزانج ( )J.Desangesأن
مقاومة أيدديون كانت بُت سنة 40م و 25يناير سنة 41ميبلدي و ال نعرف إن كانت القوات الرومانية اليت شاركت يف
مقاومة ىذه الثورة انطلقت من مقاطعة نوميديا أو جاءت من مقاطعة بيتيكا أو ردبا من ادلقاطعتُت معا كما أن القائد العسكري
الذي قاد العمليات غَت معروف ردبا يكون ليكينيوس كاسوس (.)40()M.Licinius Crassus Frugi
و بعد عودة اذلدوء ردبا بعد القضاء على أيدديون ،قرر الرومان تنظيم الببلد اجلديدة ،و ىذا ما قام بو كلود بدون شك
منذ سنة 42م ،حيث قسم أراضي شللكة موريطانيا إىل مقاطعتُت يفصل بينهما هنر ادللوبة ( ،)41و ىذا على غرار التقسيم القدمي
:شللكة بوغود يف الغرب أصبحت أراضيها تشكل مقاطعة عاصمتها القيصرية – عاصمة ادلملكة سابقا -حيكم كل مقاطعة
حاكم من طبقة الفرسان برتبة وكيل اإلمرباطور ( ،)Prorurateur eguestreو ىذا النظام مل يكن جديدا حيث كان
سلصصا للمقاطعات اجلديدة اليت تكثر فيها الثروات و االضطرابات ،و كان اإلمرباطور يشرف على إدارهتا مباشرة ،و من حقو
Procurateur تعيُت حاكم واحد على ادلقاطعتُت يف آن واحد أو يسلم السلطة العسكرية إىل حاكم ادلقاطعة فيسمى
prolegatoو احلاكم هبذه الرتبة يقود جيشا من فيالق الكتائب العسكرية.
و ىذا ما يدل على أن احلرب مل تتوقف بل امتد نطاقها و زادت حدهتا ،ىذا ما دفع اإلمرباطور كلود حسب ما يقول
كانيا ( )R.Cagnatإىل االستعانة بفيالق عسكرية من جند الكتائب جاءت من اسبانيا ( ،)42و قد عاقب حاكم مقاطعة
بيتيكا ( )Silo Umboniusالذي هتاون يف إيصال اإلمدادات إىل ىذه اجليوش و خاصة احلبوب البلزمة ( ،)43و قد اضطر
القائد العسكري الروماين سويتونيوس باولينوس ( )C.Suetonius Paulinusالذي كلف بقيادة العمليات العسكرية سنة
42م إىل مبلحقة اجليوش ادلوريطانية إىل غاية جبال األطلس و يف مرة أخرى إىل غاية هنر يسمى " هنر غار" ( )44حسب ديون
كاسيوس فإن القائد ىوزيدوس جيتا ( )Gn.Hosidius Getaىو الذي توىل القيادة سنة 42م ،و كانت مهمتو قيادة
احلرب ضد قائد موريطاين جديد ىو صاالبوس ( )Salabusو اضطر إىل مبلحقتو حىت الصحراء ردبا كذلك جبال
األطلس( ،)45ىذه اإلشارات رغم عدم وضوحها كلها جدا ألهنا تدل على اتساع نطاق ادلقاومة و رفض ادلقاومة و رفض كل
القبائل ادلوريطانية سواء يف الشمال أو اجلنوب الدخول ربت السلطة الرومانية و قامت تدافع عن أراضيها بكل ما أتيت من قوة.و
ىذه احلمبلت العسكرية كانت خبلل سنوات 41م و 42م و ردبا كذلك سنة 43م و 44م ،ادلهم إنو يف 25يناير سنة 45
M.Fadius م كان حاكم مقاطعة موريطانيا الطنجية مقيما يف مدينة وليلي ىو الربروكَتاطور فاديوس سيلَت فبلفيانوس(
،)46()Celer Flavianus Maxmus Prolégatusو الرتبة العسكرية اخلاصة » « Prolegatاليت ضبلها
ىذا احلاكم و الذي يكون ردبا أول حاكم دلقاطعة موريطانيا الطنجية قد تدل على وجود عدد من فيالق جيوش الكتائب ال تزال
تقيم يف ادلقاطعة ربت قيادتو ،كما تدل على أن الثروات و ادلقاومة ال تزال قائمة.
ىذا بالنسبة دلوريطانيا اليت أصبحت فيها الثروات مستمرة و بدون توقف منذ اغتيال بطليموس سنة 40م ،و قد زادت
حدهتا عندما قرر الرومان التوسع على حساب السكان احملليُت و تقسيم أراضيهم إىل مقاطعتُت رومانيتُت سنة 42م ،أما بالنسبة
لباقي أراضي ببلد ادلغرب فلم يبق سكاهنا على احلياد حيث ظهرت ادلقاومة يف مناطق احلدود بُت نوميديا و موريطانيا و كذلك يف
إقليم ادلزادلة( ، )47و ىكذا ظهر بوضوح أن األقاليم اليت كانت ال تزال خارج حدود السلطة الرومانية و اليت حاول الرومان التوسع
46
فيها أو االستيبلء على أجزاء منها ،قام سكاهنا للدفاع عنها قبل أن يستويل عليها الرومان و نظرا خلطورة الوضع ،صبع اإلمرباطور
كلود السلطتُت ادلدنية و العسكرية يف يد حاكم مقاطعة إفريقيا الربوقنصلية الربوقنصل قالبا ( 46-44( )Galbaم أو -45
47م) ،و ردبا أصبح حاكما على كامل ببلد ادلغرب و أسندت لو مهمة إعادة األمن و القضاء على ثورات الرببر كما جاء يف
كتابات كل من تاسيت و سويتون ( ، )48و يظهر أن الرومان غَتوا سياستهم يف ادلنطقة بعد عجزىم عن إخضاع السكان بالقوة
رجعوا إىل سياسة اللُت و ادلهادنة و أكرب دليل على ذلك ىو قيام الربوقنصل " قالبا" بتشييد سبثالُت يف مدينة القيصرية للملكُت
يوبا الثاين و ابنو بطليموس إىل جانب سبثال لئلذلة فينوس ( ،)49()Venusىذا ما يدل على أن الرومان كانوا يف حاجة إىل
التذكَت دبا قدمو ىذان ادللكان من خدمات و مساعدات للدولة الرومانية للقضاء على ثورة تاكفاريناس ،كما يوضح لنا ىذا
سياسة احلكام الرومان االستعمارية ،فكلما عجزوا عن ربقيق أغراضهم بأساليب القوة كانوا يلجأون إىل أسلوب اللُت و ادلهادنة
لكسب ثقة السكان احملليُت على األقل سكان ادلدن و خاصة الطبقة األرستقراطية اليت كانت تستفيد دائما و ال يهمها سوى
مصاحلها اخلاصة و قد حصل سكان الكثَت من ادلدن على امتيازات كثَتة يف عهد اإلمرباطور كلود من بينها ادلواطنة الرومانية
الفردية و كذلك نالت بعض ادلدن اليت ركز عليها الرومان اىتمامهم اخلاص ترقية يف السلم اذلرمي للمدن ،حيث أصبحت مدينة
طنجة مستعمرة رومانية و كذلك مدينة ليكسوس و القيصرية و أصبحت مدينة وليلي بلدة ردبا بلدة رومانية كما حصلت كل من
روزو كورو ( )Rusuccuruو تيبازة على حقوق البلدة البلتينية ( ،)50و بنهاية عهد اإلمرباطور كلود سنة 54تنتهي زلاولة من
زلاوالت الرومان التوسعية بالفشل و يعودون إىل تركيز مشروعهم االستعماري يف ادلناطق الساحلية.
47
الـهوامـش
1- M.Benabou, La résistance africaine à la romanisation, Paris, 1976, P.33- 36.
-165 . ص،1969 الدار التونسية للنشر، تعريب زلمد مزايل و البشَت بن سبلمة، تاريخ افريقيا الشمالية، شارل اندري جوليان- 2
.168
. ص،1957 القاىرة، ترصبة زكي علي و زلمد سليم سامل، االجتماعي و االقتصادي، تاريخ اإلمرباطورية الرومانية،روستوفتزاف. م- 3
.128-127
.171-170 . ص، نفس ادلرجع، شارل اندري جوليان- 4
5- P.Petit, La paix romaine, Paris 1967,P.209et suiv.
6- St.Gsell, Juba II, Savant et écrivain, R.Afr., 1927, P. 168-197.
7- Dion Cassius, Histoire romaine, I, 53-26.
8- M.Benabou.op.cit, P. 55-56.
.389-387 . ص، نفس ادلرجع، روستفزاف. م- 9
10- Dion Cassius, LV, 28, 3-4.
11- J.Mazard, Corpus Nummorum Numidiae Maurétaniaeque, Paris 1955, N 194-
198.(P.88-89) et N 282 (P.108).
12- J.Desanges, Un drame africain sous Auguste, Le meurtre du Proconsul L.
Cornelius Lemtulus par les Nasamons, ommage à Marcel Reneard, II Bruxelles,
1968.P.197-213.
13- J.Desange, Catalogue des tribus africaine de l’antiquité classique à l’ouest du Nil,
Dakar 1962, P. 117-121.
14- Tacite, Annales II, 52 ; 3, 20,21,32,35,73,74 ;VI, 23-26.
15- M.Benabou. op.cit., P. 83.
16- Tacite, Annales, III, 35,17 .
17- Tacite Histoire VI, 48, 3-6.
18- Dion Cassius, LIX, 20,7.
19- M.Benabou, Proconsul et Legat en afrique, Le témoignage de Tacite, Ant.
Afri.T.6,1972, P.129-136.
20- J.Mazar, op.cit, P.121, N 375-378.
21- Tacite, Annales, IV, 26.
22- Suetone, Caligula, XXXVI; Dion Cassius, LIX, 25.
.128-127 . ص، نفس ادلرجع،روستوفزاف.- م23
48
24-P.Petit, Histoire générale de l’empire romain, Paris 1974, P. 83.
25-Suietone Caligula,XXVIII et XXXIX.
26- T.Kotula, Encore sur la mort de Ptolémée, Roi de Maurétanie, Archéologia, 15,
Pologne, 1964, P. 64-71.
27-J.C.Faur, Caligula et La Mauritanie, La fin de Ptolémée, dans Klio, 55, 1973,P.249,
271.
28- Ph.Leveau, Caesarea de Mauritanie, une ville romainne, et ses compagnes,
Collection de l’école française de Rome 1984,P.14.
29-Tacite, Annales, III, 55.
30- Pline, H.N, V, 1,11, Texte établis, traduit et commenté par J.Desange, Les belles
lettres, Paris 1980.
31- J.Boliver, Domestique et fonctionnaire sous le Haute- empire Romain, Paris
1974,P. 251.
32- M.Leglay, Saturne africain, Histoire, I Paris 1966, P. 482.
33- M.Benabou, La résistance africaine à la romanisation, op.cit., P.90.
34- Ph.Leveau, La fin du royaume maure et les origines de la province romaine de
Mauritanie césarienne, B.A.C.T.H.S. Paris 1984, P. 312-321.
35- J. Gascou, (M.Ticinius Crassus Frugi, Légat de Claude en Mauritanie) dans
mélange P.Boyaucée, Rome, 1974, P299-310.
36- I.L.Afri.634= ILM.116.
37-T.Kotula, op.cit., P. 64-71.
38- M.Christol et J.Gascou ( Volubilis, Cité Fédérée ?) M.E.F.R.A. 92, 1981, P. 331.
39- Dion Cassius, LX,8,6.
40- J. Desanges, op.cit, P.121-122.
41- Dion Cassius, LX, 9,5.
42- R .Cagnat, L’armée d’Afrique et l’occupation militaire de l’Afrique sous les
empereurs, Paris 2 édition, P.26.
43- Dion Cassius, LX, 24.
44- Pline, H.N,V, I, 14-16 et Dion Cassius, LX,9,1.
45-Dion Cassius, LX, 9,1-5.
46- J. Desanges, op.cit., P. 122.
47- Dion Cassius, LX,9.
48-Tacite, Histoire, I, 49. Suietone, Vie de Galba, 7-8.
49- M.Leglay, « Une dédicace à Vénus offerte à Caesaréa (Cherchal) par le future
empereur Galba ». Mélanges J. Carcopino, 1966, P. 629-639.
50- M.benabou, La résistance africaine à la romanisation, op.cit., P.94-95.
49