You are on page 1of 30

‫مجلة اإلحياء‪ ،‬المجلد‪ ،00 :‬العدد‪ ،52 :‬جوان ‪ ،5050‬ص ‪ -‬ص‪67 – 76 :‬‬

‫الترقيم الدولي اإللكتروني‪2588-2406 :‬‬ ‫الترقيم الدولي‪1112-4350 :‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫قاعدة "كل مجتهد مصيب"‬


‫وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬
‫كتاب "األحكام السلطانية" للماوردي أنموذجا‬
‫‪the rule of "every mujtahid is right" and its applications‬‬
‫‪in constitutional legal policy‬‬
‫‪"The Royal Decrees" book by Mawardi as an example‬‬

‫د‪ /‬الطيب بن حرز هللا‬


‫كلية العلوم اإلسالمية ‪ -‬جامعة باتنة ‪1‬‬
‫‪t.benharza@gmail.com‬‬

‫تاريخ القبول‪5050/07/81 :‬‬ ‫تاريخ اإلرسال‪5050/02/00 :‬‬

‫الملخص‪:‬‬
‫يندرج هذا المقال في إطار اإلسهام في تجديد منهجية البحث في علم‬
‫السياسة الشرعية وربطه بأصوله الفقهية؛ حيث ينطلق الباحث من مسألة اإلصابة‬
‫والخطأ في االجتهاد وهي مسألة لها دون شك تأثيرات وتداعيات على مستوى‬
‫الفروع الفقهية‪ ،‬ومن هذه الفروع مباحث اإلمامة‪.‬‬
‫يحاول الباحث إزالة الغموض وااللتباس الذي ميز الخالف األصولي‬
‫فيها‪ ،‬وتقرير ما يراه صوابا ثم ينتقل بعد ذلك إلى مباحث السياسة الشرعية ومن‬
‫خالل كتاب األحكام السلطانية للماوردي يطبق القاعدة ‪-‬التي تبناها في الشق‬
‫األصولي‪ -‬إجماال وتفصيال‪ ،‬وهنا يكتشف انسجاما تاما بين ما تقرر في الشق‬
‫األصولي وما أفرزه تحليل آراء فقهاء السياسة في بعض مسائل اإلمامة‪ ،‬وفي‬
‫أثناء ذلك تبين للباحث أهمية اختالف الفقهاء في مسائل السياسة الدستورية بالنسبة‬
‫لولي األمر‪ ،‬وكذلك تمكن الباحث من تحديد أهم الضوابط التي يعتمد عليها ولي‬
‫األمر في اختياراته الفقهية عند تعدد اآلراء وتشابكها وتعدد المصالح وتعارضها‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ‪76‬‬
‫الطيب بن حرز هللا‬.‫د‬

‫ االجتهاد؛ المقاصد ؛ تعيين المناط ؛ تحقيق المناط؛ السياسة‬:‫الكلمات المفتاحية‬


.‫الشرعية الدستورية‬
Abstract:
This article is part of contributing to the renewal of the
research methodology in the science of Islamic politics and linking it
with its jurisprudential principles. Where the researcher starts from the
issue of injury and error in ijtihad, which is an issue that undoubtedly
has implications and repercussions at the level of jurisprudence
branches, and from these branches the Imamate’s investigations.
The researcher tries to remove the ambiguity and confusion that
characterized the fundamentalist disagreement in it, and to determine
what he deems right and then moves on to the research of legal policy
and through the Book of Royal Rulings of Mawardi applies the rule
that he adopted in the fundamentalist part in general and in detail, and
here he discovers a perfect harmony between what was decided in the
fundamentalist part and what It resulted in an analysis of the opinions
of political jurists on some issues of the Imamate, and in the meantime
the researcher showed the importance of the difference of jurists in
matters of constitutional policy for the guardian, as well as the
researcher was able to determine the most important controls that the
guardian relies on in his juristic choices when there are multiple
opinions, entanglement, multiple interests and opposing them.
key words: Alaijtihad; purposes; Determination and scertaining the
effective cause; Constitutional legal policy.
:‫مقدّمة‬
‫ال يخفىىى علىىى البىىاح ين فىىي العلىىوم اإلسىىالمية ارتبىىاط الفىىروع الفقهيىىة‬
‫ وكىىل بحىىث أو اجتهىىاد ال تنىىدرج جزئياتىىه تحىى أصىىول‬،‫بقواعىىدها األصىىولية‬
‫ وهىذه األصىول‬،‫محكمة تضبطها فهىو عرضىة إلتبىاع الهىوى وذريعىة للفوضىى‬
– ‫التي بدأ التأسيس لها منىذ عصىر النبىي ملسو هيلع هللا ىلص مىرورا بعصىر الصىحابة والتىابعين‬
‫ بقيى‬-‫ وانتهاء بىزمن األئمىة المجتهىدين – رحمىة هللا علىيهم‬-‫رضوان هللا عليهم‬

5050 ‫ جوان‬- 52 :‫العدد‬ 71


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫نبراسىا يستضىىاء بىىه فىىي طريىىق حىىل المشىىكالت والمعضىىالت التىىي تواجىىه األمىىة‬
‫واالستجابة لمتطلبات حياة المجتمع اإلسالمي‪ .‬ويم ل علم السياسة الشرعية أهىم‬
‫الفروع الفقهية التي تهىتم بمواكبىة التطىورات واألحىداث التىي يمىر بهىا المجتمىع‬
‫اإلسىىىالمي‪ ،‬ويحتىىىاج إلىىىى منهجيىىىة أصىىىيلة تربطىىىه بأصىىىوله االشىىىرعية‪ ،‬وفعالىىىة‬
‫تستجيب لسرعة دوران عجلة الىزمن‪ ،‬وأمىام ضىغط الواقىع ومتطلباتىه وحوادثىه‬
‫الجديىىدة دعى الحاجىىة بعىىض العلمىىاء المعاصىىرين إلىىى محاولىىة تجديىىد المنهجيىىة‬
‫اإلسالمية المتم لة في علىم أصىول الفقىه‪ ،‬وذلىك بىالتركيز علىى مقاصىد الشىريعة‬
‫التي بدت وكأنها المفتاح لما أغلىق مىن مشىكالت العصىر‪ ،‬وذلىك ألن النصىو‬
‫منتهية والوقائع غير منتهية‪ ،‬فكيف يمكن أن نواجه ما يتناهى بما ال يتنىاهى إن‬
‫لم يكن عن طريق النظر في مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫وسىىىبق اإلمىىىام الشىىىاطبي(ت ‪ 097‬هىىىـ) إلىىىى تأسىىىيس نظريىىىة للمقاصىىىد‬
‫الشرعية؛ حيث عمل على نقلها من مجرد إشارة في باب القياس األصولي ‪-‬عند‬
‫تقسىىيم العلىىة‪ -‬إلىىى نظريىىة متكاملىىة‪ ،‬ثىىم جىىاء الشىىيب ع الطىىاهر بىىن عاشىىور(ت‬
‫‪ 1191‬هـ) وأكد ضرورة هذا التحول عندما اعتبر معظم مسىائل أصىول الفقىه ال‬
‫ترجع إلى خدمة مقاصد الشريعة‪ ،‬وجزم بأن المقاصد لها أهمية كبرى في إغاثة‬
‫المسلمين بتشريع مصالحهم متى طرأت الحوادث واشىتبك النىوازل‪ ،‬بىل يمكىن‬
‫للمقاصد‪-‬بنظىره‪ -‬أن تقضىي حتىى علىى الخىالف الفقهىي الىذي تخىبط فىي أوحالىه‬
‫الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫وأسىىىاس هىىىذه النظريىىىة – عنىىىد أنصىىىارها‪ -‬يقىىىوم علىىىى اعتبىىىار النظىىىر‬
‫المصىىلحي أصىىال لنظريىىة المقاصىىد‪ ،‬وفىىي مقابىىل هىىذا يظسىىتبعد النظىىر الظىىاهري‬
‫والقياسي أمام النظر المصلحي عند تعارض األدلة في المسألة الواحدة‪ ،‬وبالتالي‬
‫فهي تتبنى قول المخطئة في أن المصيب واحد في الفروع الفقهية‪.‬‬
‫والباحىىث مىىن خىىالل تخصصىىه فىىي مجىىال السياسىىة الشىىرعية ‪-‬التىىي مىىن‬
‫خصائصىىها التغيىىر المسىىتمر ألحكامهىىا‪ ،‬ودورانهىىا مىىع المصىىالح‪ -‬الحىى عنىىد‬
‫دراسىىته لىىبعض العينىىات فىىي كتىىب التىىراث السياسىىي اإلسىىالمي ضىىمن مباحىىث‬
‫السياسة الشرعية بمختلف فروعهىا أنىه رغىم تعىارض آراء الفقهىاء فىي المسىألة‬
‫الواحدة فإن كل رأي منها يحمىل فىي طياتىه مصىالح شىرعية سىواء فهىرت فىي‬

‫‪76‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫استدالل المجتهد كما هو الحال في النظر المصلحي‪ ،‬أم خفي كما هو الشأن في‬
‫النظر الظاهري والنظر القياسىي؛ حيىث يىدلنا التأمىل فيهمىا علىى وجىود مصىالح‬
‫شىىرعية كامنىىة‪ .‬فىىإذا كىىان حضىىور المصىىلحة فىىي النظىىر واالجتهىىاد هىىو المعيىىار‬
‫الستيفاء المقاصىد الشىرعية فكيىف نصىوب أصىحاب النظىر المصىلحي الظىاهر‬
‫ونخطئ اآلخرين أصحاب النظر القياسي أو الظاهري بناء على رأي المخطئة‪،‬‬
‫وآراؤهم بالمصالح مشبعة‬
‫هذا اإلشكال الذي طفا على مستوى فروع السياسة باإلضافة إلى وجود‬
‫بعض المسلمات الشرعية كبع ة النبي ع ملسو هيلع هللا ىلص التي ما كان إال رحمىة للعىالمين‪،‬‬
‫وهىىذه الرحمىىة قطعىىا تتنىىاول دائىىرة التكليىىف وتشىىمل األحكىىام الشىىرعية‪ ،‬وكىىون‬
‫العلمىىىاء ورثىىىة ل‪،‬نبيىىىاء‪ ،‬فكيىىىف تكىىىون بع ىىىة النبىىىي ملسو هيلع هللا ىلص رحمىىىة ويكىىىون العلمىىىاء‬
‫المجتهىىدون الكمىىل ورثىىة للنبىىي ملسو هيلع هللا ىلص فىىي بيىىان األحكىىام الشىىرعية ثىىم ال يوفىىق إلىىى‬
‫الصواب إال أحدهم أو بعضهم ‪-‬في هذا البيان‪ -‬ويخطئ اآلخرون ثىم إن القىول‬
‫بأن "المصيب واحد" مسألة خالفية اختلف فيها النقل عن األئمة المجتهدين رغم‬
‫انتماء جمهىور العلمىاء إلىى المخطئىة‪ .‬كىل هىذا دفعنىي إلىى إعىادة النظىر فىي هىذا‬
‫الموضوع والتساؤل عن‪:‬‬
‫‪ -‬حقيقة مذهب المصوبة في اعتبارهم كل مجتهد مصيب في الفروع الفقهية‬
‫الظنية أو مذهب المخطئة في اعتبارهم أن المصيب واحد‬
‫‪ -‬اآلثار المترتبة ‪-‬عند الفصل في هذه المسألة‪ -‬على مستوى مباحث السياسة‬
‫الشرعية الدستورية‬
‫أهمية هذا البحث تكمن في تحديده للضوابط التي يمكن لىولي األمىر مىن‬
‫خاللهىىىا اعتبىىىار مصىىىلحة بعينهىىىا وترجيحهىىىا علىىىى غيرهىىىا مىىىن المصىىىالح‪ ،‬إذا‬
‫تعارضى األدلىىة وتشىىابك المصىىالح‪ ،‬وذلىىك عىىن طريىىق وضىىع معىىالم واضىىحة‬
‫للتمييىىز بىىين المقاصىىد والوسىىائل الشىىرعية انطالقىىا مىىن ربىىط مسىىائل السياسىىة‬
‫الشرعية الدستورية بأصولها الشرعية‪.‬‬
‫وحسىىب علمىىي فىىإن الموضىىوع لىىم يطىىره مىىن قبىىل بهىىذه الكيفيىىة التىىي‬
‫أتناولهىىا‪ ،‬عبىىر ربىىط األصىىول بىىالفروع‪ ،‬وتسىىجيل أثرهىىا اإليجىىابي فىىي مسىىائل‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪60‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫السياسىىىىة الشىىىىرعية الدسىىىىتورية‪ ،‬اعتمىىىىادا علىىىىى كتىىىىاب "األحكىىىىام السىىىىلطانية‬


‫للماوردي"‪.‬‬
‫واألهداف المرجوة من هذه الدراسة عديدة لعل أهمها‪:‬‬
‫على المستوى األصولي‪:‬‬
‫‪ -‬إزاحىىة الغمىىوض الىىذي يلىىف هىىذه المسىىألة الخالفيىىة التىىي ك ىىر الخىىالف فيهىىا‪،‬‬
‫واختلف النقىل فيهىا عىن األئمىة المجتهىدين‪ ،‬وتضىارب األدلىة الظنيىة بشىأنها‬
‫وتشابك ‪.‬‬
‫‪ -‬الوصىىول إلىىى تحقيىىق االنسىىجام المطلىىوب بىىين األصىىول ومىىا ينبنىىي عليهىىا مىىن‬
‫فروع في مختلف مسائل الفقه السياسي اإلسالمي‪.‬‬
‫على المستوى الفروعي وفي إطار السياسة الشرعية‪:‬‬
‫‪ -‬اإلسهام في تجديد منهجية البحث في السياسىة الشرعية والدفع بالبحث العلمىي‬
‫إلى األمام وفق المعطيات الجديدة لهذا العصر‪.‬‬
‫‪ -‬إلغىىاء النظىىىرة السىىىلبية التىىىي يحملهىىىا بعىىض البىىىاح ين تجىىىاه التىىىراث السياسىىىي‬
‫اإلسالمي أو تجاه فقهاء السياسة الشرعية‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق قسم هذه الدراسة إلى مطلبين‪ ،‬تناولى فىي األول‪:‬‬
‫أهىىم األدلىىة التىىي تؤيىىد صىىحة مىىا ذهىىب إليىىه المصىىوبة‪ ،‬والتىىي تسىىمح لنىىا بتقريىىر‬
‫قاعىىدة‪" :‬كىىل مجتهىىد مصىىيب" فىىي فىىرع أول وفىىي الفىىرع ال ىىاني ذكىىرت بعىىض‬
‫اسىىت ناءات هىىذه القاعىىدة‪ .‬وفىىي المطلىىب ال ىىاني عرض ى لآلثىىار المترتبىىة علىىى‬
‫اخىىتالف فقهىىاء السياسىىة الشىىرعية فىىي بعىىض مسىىائل اإلمامىىة مىىن خىىالل كتىىاب‬
‫"األحكام السلطانية للماوردي"‪ ،‬وبدوره انقسم إلى مطلبين‪ :‬ركزت فىي المطلىب‬
‫األول على بيان أهمية تقسيم اجتهاد الفقهاء إلى نوعين‪ :‬تعيين المناط‪ ،‬وتحقيقىه‪،‬‬
‫وفي المطلب ال اني انتقلى إلىى الجانىب التطبيقىي؛ حيىث خرجى بعىض مسىائل‬
‫اإلمامة الواردة في الكتاب السابق الذكر على قاعدة "كل مجتهد مصيب"‪.‬‬

‫‪68‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫المطلب األول‪ :‬قاعدة كل مجتهد مصيب‬


‫الفرع األول‪ :‬مؤيدات صحة القاعدة‬
‫أولا‪ -‬ارتباط مسألة اإلصابة والخطأ في الجتهاد بمقاصد الشريعة‬
‫عالقة هذه المسألة الخالفية بالمقاصد الشرعية واضحة جلية؛ فاإلصابة‬
‫"إنما هي بموافقة قصىد الشىارع وإن الخطىأ بمخالفتىه"‪1‬؛ ذلىك أن الحكىم بإصىابة‬
‫كل مجتهىد للحىق تعنىي أن الجميىع أصىاب مقصىد الشىارع الحكىيم مباشىرة وهىذا‬
‫حكىم مسىىبق ال نحتىىاج معىىه إلىىى اسىتقراء فىىروع الشىىريعة أو إلىىى توفيىىف أدوات‬
‫النظر المقاصدي المعروفة حتى نحكم على مقاصدية االجتهاد‪.‬‬
‫هذا الرأي على غرابته يجد ك يرا من األدلة والمؤيىدات‪ ،‬لىيس فقىط عنىد‬
‫مؤيديه‪ ،‬بل إن كالم معارضيه أيضا ً يصب –بطريق غير مباشر ‪-‬في إطىار هىذا‬
‫االتجاه‪.‬‬
‫إن التعىىدد المىىذهبي‪ ،‬الىىذي يتميىىز بىىاختالف اآلراء الفقهيىىة فىىي المسىىألة‬
‫الواحىدة‪ ،‬كىىان وال يىزال يعتبىىر مسىألة مؤرقىىة لىبعض العلمىىاء الىذين تبنىىوا الىىرأي‬
‫القائل بأن المصيب واحد ال بعينه‪ ،‬ويدفعهم إلىى التسىاؤل عىن الحكمىة مىن وراء‬
‫هىىىذا االخىىىتالف‪ ،‬فالشهرسىىىتاني علىىىى سىىىبيل الم ىىىال يىىىرى أن "المسىىىألة مشىىىكلة‬
‫والقضية معضلة"‪.2‬‬
‫وهذا نظر منطقي معقول؛ إذ أن هللا عز وجل أرسل نبيىه عا صىلى هللا‬
‫عليىىه وسىىلم رحمىىة للعىىالمين ووعىىد بحف ى الشىىريعة المحمديىىة التىىي هىىي خاتمىىة‬
‫الشرائع‪ ،‬وكان هذا الحف من خالل مصدريها القرآن والسنة‪ ،‬ثم من خالل الفقه‬
‫المستنبط من هذين المصدرين‪ ،‬يقول الشاطبي مبينا ً هذا المعنى‪" :‬وبعث هللا مىن‬
‫هؤالء سادة فهموا عن هللا وعن رسىول هللا ملسو هيلع هللا ىلص فاسىتنبطوا أحكامىا ً فهمىوا معانيهىا‬
‫من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة؛ تارة من نفس القىول وتىارة مىن معنىاه‪،‬‬
‫وتارة من علة الحكم‪ ،‬حتى نزلوا الوقائع التي لم تذكر على ما ذكر‪ ،‬وسهلوا لمن‬
‫جاء بعدهم طريق ذلك‪ ،‬وهكذا جرى األمر في كل علم توقف فهم الشريعة عليىه‬
‫أو احتىي فىي إيضىاحها إليىىه‪ ،‬وهىو عىين الحفى الىىذي تضىمنته األدلىة العقليىىة"‪،3‬‬
‫فكيىىف تكىىون كىىل هىىذه العلىىوم المدونىىة مىىن علىىوم القىىرآن والسىىنة والعقيىىدة واللغىىة‬
‫والنحو‪ ...‬إلب وسائل يتوقىف فهىم الشىريعة عليهىا ثىم بعىد ذلىك ال تصىل ثمىار هىذا‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪65‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫الفهىىم فىىي صىىورته العمليىىة القابلىىة للتكليىىف ‪-‬فىىي شىىكل الفقىىه اإلسىىالمي‪ -‬إال إلىىى‬
‫بعض المكلفين دون غيرهم كأن يصيب الحق أتباع مذهب واحد فقط في جميىع‬
‫الفروع أو يصيب كل مذهب بعض الحق في بعض الفروع دون غيرها‬
‫هىىذا مىىا يتنىىافى وطبيعىىة التكليىىف التىىي تسىىتلزم القىىدرة علىىى فهىىم خطىىاب‬
‫التكليف من جميع المجتهدين باعتبارهم ورثىة األنبيىاء فىي تبليىر الرسىالة‪ ،‬يقىول‬
‫أبىىو حامىىد الغزالىىي‪":‬ومىىن نظىىر فىىي المسىىائل الفقهيىىة‪ ،‬التىىي ال ن ى فيهىىا‪ ،‬علىىم‬
‫ضرورة انتفاء دليل قاطع فيها‪ .‬وإذا انتفى الدليل فتكليف اإلصابة مىن غيىر دليىل‬
‫قاطع تكليف محال‪ ،‬فإذا انتفى التكليف انتفى الخطأ"‪.4‬‬
‫ورغم الحيرة التي يبديها بعض المخطئة عند وقوع اختالف بين العلماء‬
‫ورثىىة األنبيىىاء فىىي المسىىائل الفقهيىىة‪ ،‬فىىإن الىىبعض اآلخىىر كالشىىيب شىىلتوت م ى ال‬
‫يتجاهل هذا األمر ويجزم أنه "ال يمكن أن يقال إن الكل دين يجب اتباعىه‪ ،‬ألنهاا‬
‫آراء متناقضااة‪ ،‬وال أن الىىدين واحىىد معىىين منهىىا‪ ،‬ألنىىه ال أولويىىة لبعضىىها علىىى‬
‫بعض‪ ،‬وال أن الدين واحد منهىا ال بعينىه‪ ،‬ألنىه شىائع ال يعىرف علىى التحديىد"‪،5‬‬
‫ويرى أن هىذه اآلراء مىا هىي إال "آراء وأفهىام للحىاكم أن يختىار فىي العمىل أيهىا‬
‫شاء تبعا ً لما يراه من المصلحة"‪ .6‬ويصطدم هىذا الىرأي الوجيىه بوقىوع الخىالف‬
‫في فروع العبىادات‪ ،‬وك يىر مىن فىروع األحىوال الشخصىية التىي ال دخىل للحىاكم‬
‫فيها وال تتعلق بالمصلحة وبمسائل السياسة الشرعية‪ ،‬فهنا ال نملك تعليالً مقبىوال‬
‫لالختالف‪ ،‬وهذا ما يدفع إلى إعادة النظر في المقدمات ال الث التىي انطلىق منهىا‬
‫الشيب شلتوت‪.‬‬
‫ثم إن بعض مسائل السياسىة الشىرعية نفسىها منهىا مىا يتجاذبىه عىدة أدلىة‬
‫بعضىىها ينتمىىي إلىىى المصىىلحة الظىىاهرة وبعضىىها يكىىون قياسىىا‪ ،‬وبعضىىها اآلخىىر‬
‫يكون فاهر حديث أو آية‪ ،‬وقد دل االستقراء لفىروع السياسىة الشىرعية علىى أن‬
‫كل هذه األدلة في النهاية تتضمن مصالح شرعية قد تكون فىاهرة كمىا يبىدو فىي‬
‫المصىىالح المرسىىلة وقىىد تكىىون مصىىالح كامنىىة كمىىا يظهىىر فىىي القيىىاس والنظىىر‬
‫الظاهري‪ ،7‬وهذا االستدالل يكون بحسىب المدرسىة أو النزعىة التىي ينتمىي إليهىا‬
‫المجتهد؛ فعندنا المدرسة الظاهرية‪ ،‬والمدرسة التعليلية وداخل المدرسة التعليلية‬
‫نجد أيضا فروقا في درجة اعتبار المصالح‪ ،‬فكيف يصىح لىولي األمىر أن يختىار‬

‫‪60‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫رأي واحىىد مىىن بىىين اآلراء المختلفىىة فىىي المسىىألة الواحىىدة مىىن مسىىائل السياسىىة‬
‫الشرعية بناء على ما يىراه مىن مصىلحة ظهارت لىه‪ ،‬ويهمىل اآلراء األخىرى مىع‬
‫أنها كلهىا تتضىمن مقاصىد شىرعية أو بىاألحرى مصىالح كامناة فىي الىدليل الغيىر‬
‫مصلحي (فىاهر نى أو قيىاس مى ال) وفىي هىذه الحالىة أيضىا ال نملىك تعلىيالً‬
‫مقبوال لالختالف‪ ،‬مىا دامى اآلراء المختلفىة فىي مسىائل السياسىة الشىرعية كلهىا‬
‫تستند إلى المصالح سواء أكان فاهرة أم باطنة‪ ،‬وهذا ما يدفع أيضا إلى إعادة‬
‫النظر في المقدمات ال الث التي انطلق منها الشيب شلتوت‪.‬‬
‫وإذا كنا نوافق الشىيب شىلتوت ‪-‬والفريىق الىذي يم لىه‪-‬الىرأي فىي المقدمىة‬
‫ال انيىىة " وال أن الىىدين واحىىد معىىين منهىىا‪ ،‬ألنىىه ال أولويىىة لبعضىىها علىىى بعىىض"‪،‬‬
‫باعتبار الكىل يىدور فىي فلىك الظىن‪ ،‬وكىذلك نوافقىه علىى المقدمىة ال ال ىة "وال أن‬
‫الدين واحد منها ال بعينه‪ ،‬ألنه شائع ال يعىرف علىى التحديىد"‪ ،‬ألن عىدم التحديىد‬
‫يكرس الغموض الذي يكتنف هذا الىرأي‪ .‬ولكىن نخالفىه فىي المقدمىة األولىى‪" :‬ال‬
‫يمكن أن يقال إن الكل دين يجب اتباعه‪ ،‬ألنها آراء متناقضة"‪ .‬وهي فىي نظىري‬
‫خاطئة وتحتاج إلى مزيد من البحث والتمحي ‪.‬‬
‫ثانيا ا‪ -‬تصوير المسألة وتحرير محل النزاع‬
‫‪ -1‬إن أول مىىا يمكىىن أن ننطلىىق منىىه نحىىو إثبىىات خطىىأ هىىذه المقدمىىة وصىىحة‬
‫خالفهىىا‪ -‬أي أن الكىىل ديىىن يجىىب إتباعىىه وأن هىىذه اآلراء ال تعتبىىر متناقضىىة بىىل‬
‫مكملة لبعضها البعض‪ -‬هىو عبىارة عىن م ىال محسىوس أورده الشىيب أبىو زهىرة‬
‫ونسىىبه ألفالطىىون يقىىول فيىىه‪" :‬إن الحىىق لىىم يصىىبه النىىاس فىىي كىىل وجوهىىه وال‬
‫أخطأوه في كل وجوهه‪ ،‬بل أصاب كل إنسان جهىة‪ ،‬وم ىال ذلىك عميىان انطلقىوا‬
‫إلى فيل‪ ،‬وأخذ كل منهم جارحة منه فجسها بيده‪ ،‬وم لهىا فىي نفسىه‪ ،‬فىأخبر الىذي‬
‫مس الرجل أن خلقة الفيل طويلىة مسىتديرة شىبيهة بأصىل الشىجرة‪ ،‬وأخبىر الىذي‬
‫مس الظهر أن خلقته تشبه الهضبة العالية‪ ،‬والرابية المرتفعة‪ ،‬وأخبىر الىذي مىس‬
‫أذنه أنه منبسط دقيق يطويىه وينشىره‪ .‬فكىل واحىد مىنهم قىد أدى بعىض مىا أدر ‪،‬‬
‫وكىىل يكىىذب صىىاحبه ويىىدعي عليىىه الخطىىأ والجهىىل فيمىىا يصىىفه مىىن خلىىق الفيىىل‪،‬‬
‫فىانظر إلىى الصىده كيىف جمعهىم وانظىر إلىى الكىذب والخطىأ كيىف دخىل علىيهم‬
‫حتى فرقهم"‪ ،8‬فكذلك أهل االجتهاد يمكن اعتبارهم كهىؤالء العميىان باعتبىار أن‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪67‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫المولى عز وجل اقتض حكمته أن يعرف كل مجتهد طرفىا ً مىن الحقيقىة يناسىب‬
‫حال بعض المكلفين على أن يكون مجموع ما يعرفه المجتهىدون مىن أمىة سىيدنا‬
‫ع ملسو هيلع هللا ىلص هو عين الشريعة المحمدية التي جاءت لتناسب حال جميع المكلفين‪.‬‬
‫‪ -2‬والذي دفع المخطئة إلى رأيهم هذا هىو ذلىك التنىاقض العقلىي الىذي يظهىر‬
‫عند محاولة تصويب جميع المجتهدين‪ ،‬يقول الشوكاني‪" :‬وأك ىر الفقهىاء إلىى أن‬
‫الحق في أحد األقوال‪ ،‬ولىم يتعىين لنىا‪ ،‬وهىو عنىد هللا متعىين؛ السىتحالة أن يكىون‬
‫الشىيء الواحىىد فىىي الزمىىان الواحىىد فىىي الشىىخ الواحىىد‪ ،‬حىىالال وحرامىا ً"‪ .9‬هىىذا‬
‫التناقض يرجع بدوره إلى اختالف العلماء في مسألة أخرى لها صلة بالموضوع‬
‫أال وهىىي‪ :‬هىىل ت تعىىالى حكىىم فىىي كىىل حادثىىة أم ال فالىىذي ذهىىب إليىىه محققىىو‬
‫المصوبة أنه ليس فىي الواقعىة التىي ال نى فيهىا حكىم معىين يطلىب بىالظن‪ ،‬مىن‬
‫جىىواز وحظىىر وحىىالل وحىىرام بىىل الحكىىم يتبىىع الظىىن‪ ،‬وحكىىم هللا تعىىالى علىىى كىل‬
‫مجتهد ما غلب على فنىه‪ .10‬وذهىب قىوم مىن المخطئىة إلىى أن ت تعىالى فىي كىل‬
‫حادثة حكما بعينه‪ 11‬قبل االجتهاد من جواز وحظر‪ ،‬بل وفىي كىل حركىة يتحىر‬
‫بهىىا اإلنسىىان حكىىم تكليىىف مىىن تحليىىل وتحىىريم‪ ،‬وإنمىىا يرتىىاده المجتهىىد بالطلىىب‬
‫واالجتهاد‪ ،‬إذ الطلب ال بىد لىه مىن مطلىوب واالجتهىاد يجىب أن يكىون مىن شىيء‬
‫إلى شيء فالطلب المرسل ال يعقل‪ ،12‬ويلزم من هذا المىذهب أن المصىيب واحىد‬
‫من المجتهدين في الحكم المطلوب‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬نتيجة‬
‫وعند النظر والتحقيق في كالم المصوبة يجد المرء أن المصوبة ال‬
‫تناقض عندهم في المسألة؛ ذلك أن منشأ التناقض عند المخطئة يرجع إلى كون‬
‫الحق متعينا عند هللا قبل اجتهاد المجتهد‪ ،‬وما دام اآلراء متناقضة فال شك أن‬
‫المصيب أحدها‪ .‬لكن الذي فات بعض المخطئة أن عدم التعيين عند المصوبة ال‬
‫يعني إطالقا ً أن يكون الشيء الواحد في الزمان الواحد في الشخ الواحد‪،‬‬
‫حالال وحراماً؛ بل عدم التعيين يعني عندهم أن الشارع راعى اختالف األحوال‬
‫عند األشخا فما يصلح لزيد قد يضر عمر ٍو‪ ،‬وهكذا؛ أي أن هذا الشيء قد‬
‫آخر الختالف أحوال‬ ‫حراما ً في حق شخ‬ ‫يكون حالال في حق شخ‬
‫األشخا قوة وضعفا ً في الدين بحسب انقسام الشريعة إلى مراتب أو مقامات‬
‫ثالثة متدرجة معروفة وهي اإلسالم ثم اإليمان ثم اإلحسان‪ ،‬وكذلك قوة وضعفا‬
‫في البدن تتناسب وأحوال المكلفين‪ ،13‬وبنا ًء على فكرة مراعاة اختالف األحوال‬
‫‪62‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬
‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫يصبح مذهب المصوبة أك ر دقة من مذهب المخطئة‪ ،‬وعدم التعيين عند‬


‫المصوبة يصبح عين التعيين‪ ،‬وتعين الحق عند المخطئة يصبح بال تعيين‪ ،‬ألن‬
‫األشخا المكلفين يختلفون في األحوال فال يصح تعميم الحكم عليهم من خالل‬
‫القول بصواب رأي مجتهد واحد ثم تعميمه على مجموعة من األشخا غير‬
‫المتكافئين في األحوال‪ ،‬أما رأي المصوبة فيذهب إلى دراسة كل شخ أو‬
‫حالة بحسب قوتها وضعفها في الدين والبدن ثم بعد ذلك النظر في أقوال‬
‫المجتهدين المختلفة تشديدا ً وتخفيفا ً وإسقاط كل قول أو حكم على الحالة التي‬
‫تناسبها تشديدا ً وتخفيفاً‪ ،‬وهذه قمة التعيين‪ .‬وعليه ففكرة عدم التعيين عند‬
‫المصوبة في حقيقة األمر تتجاوز التناقض الظاهري في اآلراء وتهدف إلى‬
‫تحقيق مناط الحكم الشرعي‪.‬‬
‫وأصىىىل اخىىىتالف األحىىىوال معىىىروف عنىىىد علمىىىاء الشىىىريعة بىىىدليل أن‬
‫المصلحة المرسلة والسياسة الشرعية كالهما يرجىع إلىى هىذا األصىل‪ ،‬وقىد ذكىر‬
‫القرافي في "الذخيرة" كالما –عنىد حدي ىه عىن جىواز التوسىعة علىى الحكىام فىي‬
‫أحكام والية المظالم‪ -‬يدل على أن اعتبىار اخىتالف األحىوال فىي الشىرع مؤصىل‬
‫في الشريعة‪ ،‬يقول القرافىي‪" :‬الشىرع شىدد فىي الشىهادة أك ىر مىن الروايىة لتىوهم‬
‫العداوة‪ ،‬فاشىترط العىدد والحريىة‪ ،‬ووسىع فىي السىلم والقىراض والمسىاقاة وسىائر‬
‫العقود المست ناة لمزيد الضرورة‪ ،‬ولم يقبىل فىي الزنىا إال أربعىة‪ ،‬وقبىل فىي القتىل‬
‫اثنين والدماء أعظم‪ ،‬لكىن المقصىود السىتر‪...‬وهاه المبايناات كثيارة فاي الشارع‬
‫لختال ف األحوال‪ ،‬فكذلك ينبغي أن يراعي اختالف األحوال في األزمان‪ ،‬فتكون‬
‫المناسبة الواقعة في هىذه القىوانين ممىا شىهدت القواعىد لهىا باالعتبىار‪ ،‬فىال تكىون‬
‫مرسلة‪ ،‬بل أعلى رتبة فتلحق بالقواعد األصلية"‪.14‬‬
‫فما يمنع بعد هذا أن يكون اختالف المذاهب الفقهية مراعى من الشارع‬
‫الختالف أحوال المكلفين‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن الشارع أقر هذا االختالف بين‬
‫المجتهدين؛ بل أوجب على كل مجتهد العمل بموجب اجتهاده وكذا كل من قلده‪،‬‬
‫وهو ما يدفع في اتجاه قصد الشارع إلى مراعاة اختالف أحوال المكلفين من‬
‫خالل تشريع االجتهاد مع العلم المسبق بوقوع الخالف الفقهي‪ ،‬وكذلك الواقع‬
‫العملي يفرض نفسه‪.‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪67‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫الفرع الثاني‪ :‬استثناءات القاعدة‬


‫أول‪ -‬أنواع المسائل الظنية‬
‫بدايىة ال بىد مىىن التمييىز بىىين المسىائل الظنيىىة وتصىنيفها إلىىى نىوعين مىىن‬
‫المسائل؛ نوع من المسائل الظنية الحق فيها متعين عند هللا تعالى غيىر متعىدد‪،15‬‬
‫وفيها ن قطعي ولكن يقع الخالف فيها عند تحقيق المناط فىي بعىض المسىائل‪،‬‬
‫وهىىذا مىىا يجعلنىىا نلحقهىىا بالمسىىائل الظنيىىة‪ ،‬وقىىد ذكىىر الغزالىىي أم لىىة لهىىا كتحديىىد‬
‫مقادير النفقة الواجبة م الً‪ ،‬ومسألة تحديد اتجاه القبلة‪ ،‬ومسائل القضاء‪ ،‬ومسائل‬
‫أروش الجنايات‪ ،‬وهي عبارة عىن مسىائل فنيىة تتعلىق بظىروف الواقىع المتجىدد‪،‬‬
‫وال تنضبط تفاصيلها بالنصو ‪ ،‬ومادام الحق فيها متعينىا فهىو واحىد؛ وبالتىالي‬
‫ي بى فيهىىا الخطىىأ عنىىد بعىىض المجتهىىدين‪ ،‬يقىىول الغزالىىي‪" :‬وهىىذا ينقىىدح [الخطىىأ‬
‫والصىىواب]فىىي كىىل مسىىألة فيهىىا نى [= كالقبلىىة مى ال]‪ ،‬وفىىي كىىل اجتهىىاد يتعلىىق‬
‫بتحقيىىق منىىاط الحكىىم‪ ،‬كىىأروش الجنايىىات وقىىدر كفايىىة األقىىارب‪ ،‬فىىإن فيهىىا حقيقىىة‬
‫متعينة عند هللا تعالى وإن لم يكلف المجتهد طلبها‪ .16"...‬هذه المسائل الخطأ فيهىا‬
‫مجازي وليس خطأ حقيقيا‪ ،‬ووجود الخطأ المجازي ال يخرجها عىن قاعىدة "كىل‬
‫مجتهد مصيب"‪ ،‬ويبدو أنه خطأ مغتفىر ومىأجور عليىه‪ ،‬ذلىك أن الخطىأ فىي م ىل‬
‫هىىذه المسىىائل ال يتعلىىق بتقصىىير فىىي تحصىىيل شىىروط االجتهىىاد وال بتقصىىير فىىي‬
‫اإلحاطة بالىدليل القطعىي الواضىح؛ إنمىا يتعلىق بتحقيىق المنىاط فىي مسىائل فنيىة‬
‫الحق فيها واحد متعين عند هللا تعالى‪.‬‬
‫والمقصود بالخطأ المجازي؛ أن الخطأ قىد ي بى فىي حىق المجتهىد؛ لكىن‬
‫على سبيل اإلضافة إلى عدم وصوله إلىى مطلوبىه ‪-‬وهىو الحىق المتعىين عنىد هللا‬
‫تعىىالى وهىىو أمىىر خفىىي يتجىىاوز أدوات النظىىر االجتهىىادي المعروفىىة‪ -‬ال إلىىى مىىا‬
‫وجب عليه وهو اتباع ما غلب على فنه وعملىه كىل مىا فىي وسىعه مىن اكتشىاف‬
‫واتباع ل‪،‬مارات الظاهرة التي نصبها الشارع في حق كل مجتهد‪.‬‬
‫وإذا كان هذا النوع من المسائل ال يشذ عىن قاعىدة "كىل مجتهىد مصىيب‬
‫في الظنيات" ؛ باعتبار أن الخطأ مجىازي يتعلىق بمطلىوب المجتهىد ال بمىا وجىب‬
‫عليه؛ فإنه بالمقابل ال ينضبط تح قاعدة اختال ف األحاوال لتعىين الحىق وثبىوت‬
‫مخالفة بعض المجتهدين له‪.‬‬

‫‪66‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫وهىذا النىوع مىن المسىائل يظهىر كمىا قلى سىابقا ً أنىه ال يتعلىق باالجتهىاد‬
‫النظىىري التقعيىىدي األصىىولي المقاصىىدي الفقهىىي الىىذي يتىىواله علمىىاء الشىىريعة؛‬
‫وإنمىىا يتعلىىق بتحقيىىق منىىاط النصىىو أو القواعىىد الشىىرعية وهىىي جوانىىب فنيىىة‬
‫علمية تقديرية تتعلق بخبىرات علمىاء متخصصىين فىي مختلىف الميىادين كالطىب‬
‫والقضاء واالقتصاد والسياسة وغيرها‪ .17‬وإذا فهم األمر علىى هىذا األسىاس فىإن‬
‫قاعدة اختالف األحوال مطردة في المجال الذي نحن بصدد البرهنة عليه‪.‬‬
‫ونوع آخر من المسائل الظنية ال ن قطعىي فيهىا‪ ،‬وبالتىالي الحىق فيهىا‬
‫غير متعين (متعدد)‪ ،‬وهنا ال خطأ فيها عنىد االجتهىاد؛ أي ينتفىي الخطىأ الحقيقىي‬
‫وكذلك المجازي‪.18‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تأويل اختال ف فقهاء السياسة الشرعية في مباحث اإلمامة من‬
‫خالل كتاب "األحكام السلطانية للماوردي"‬
‫الفرع األول‪ :‬أهمية تقساي اجتهااد ولاي األمار إلاى تعياين المنااط وتحقيقا فاي‬
‫مسائل السياسة الشرعية الدستورية‬
‫ال شك أن ولي األمر في مسائل السياسة عليه أن يحسىم األمىر ويختىار‪،‬‬
‫وال شك أن تصىرفه علىى الرعيىة منىوط بالمصىلحة كمىا ذكىر العلمىاء ولكىن هىذا‬
‫االختيار ال يعنىي أن اآلراء األخىرى التىي تركهىا ليسى صىوابا أو أنهىا أخطىأت‬
‫مقصد الشارع الحكيم؛ بل كلها تدور في فلك المقاصد الشرعية‪ ،‬ولكن هىذا علىى‬
‫المسىىتوى النظىىري؛ أي علىىى مسىىتوى تعيىىين منىىاط الحكىىم الشىىرعي؛ أمىىا علىىى‬
‫مستوى تحقيق مناط الحكم الشرعي وهو أمر يتعلق بالتطبيق على أرض الواقىع‬
‫وهنىىا يكىىون ولىىي األمىىر معرضىىا للخطىىأ والصىىواب عنىىد تحقيىىق منىىاط الحكىىم‬
‫الشىىرعي كمىىا سىىبق تقريىىره فىىي المطلىىب األول‪ ،‬ويمكىىن القىىول إن اإلمىىام حينمىىا‬
‫يختار رأيا واحدا مىن هىذه اآلراء بنىاء علىى دليىل شىرعي معىين فىإن هىذا الىرأي‬
‫بدليلىه متضىمن فىي حقيقىة األمىر اجتهىىادين اثنىين فىي نفىس الوقى ؛ األول تعيىىين‬
‫مناط (المقصد) الحكم الشرعي للواقعة المدروسة ونحكم بصواب اجتهىاده مهمىا‬
‫تخير من اآلراء التي قررها علماء مجتهدون قبله‪ ،‬واالجتهاد ال اني تحقيق مناط‬
‫( اختيار وسىيلة تحقيىق المقصىد) الحكىم الشىرعي‪ ،‬وهىذا االجتهىاد ال ىاني يىرتبط‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪61‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫بىىالواقع وهىىو عمىىل تقنىىي فنىىي كمىىا سىىبق ذكىىره‪ ،‬وهىىذا االجتهىىاد هىىو الىىذي يكىىون‬
‫صىىوابا ً إذا اسىىتند فيىىه ولىىي األمىىر إلىىى المصىىلحة الظىىاهرة‪ ،‬وهىىو الىىذي قىىال فيىىه‬
‫العلماء "تصرف اإلمىام علىى الرعيىة منىوط بالمصىلحة"‪ .19‬والفىره بىين الىرأي‬
‫الصواب تعيينا وتحقيقا للمناط وغيره من اآلراء األخىرى التىي وافقى الصىواب‬
‫في تعيين المناط وجانبته في تحقيىق المنىاط هىو فكىرة أو دليىل اخىتالف األحىوال‬
‫الذي أشرت إليه في المطلب األول استنادا إلى كالم الغزالي والقرافي وغيرهمىا‬
‫من العلماء المحققين؛ وولي األمر إذا أصاب تحقيق مناط الحكم الشرعي فمعنىاه‬
‫أنه اسىتطاع بنظىره المصىلحي ‪-‬مىن موقعىه كىولي ل‪،‬مىر‪ -‬أن ينىزل منىاط الحكىم‬
‫الشرعي على النازلة التي يعالجها‪ ،‬أي أن الحكم الشرعي الذي تبناه ولىي األمىر‬
‫وهو حكم يتضمن وسائل شرعية وافق حال المجتمع في تلك الحادثىة؛ أي وافقىه‬
‫من حيث القوة والضعف فىي الىدين (مراعىاة مراتىب الشىريعة الى الث اإلسىالم ‪،‬‬
‫اإليمان واإلحسان) والقوة والضعف في الجسم (إمكانيىات المجتمىع اإلسىالمي)‪،‬‬
‫فيكىىون الحكىىم الشىىرعي محققىىا للمقاصىىد المرجىىوة منىىه (منىىاط الحكىىم) بالوسىىائل‬
‫المتضىمنة فيىىه‪ .‬بينمىىا إذا أخطىأ تحقيىىق منىاط الحكىم الشىىرعي فمعنىىاه أن الوسىىائل‬
‫التي اختارها ولي األمر والمتضمنة في الحكم الشرعي الذي رجحىه لىم تتناسىب‬
‫وأحوال المجتمع في النازلىة المدروسىة مىن حيىث كمىا قلى القىوة والضىعف فىي‬
‫الدين والجسم‪ ،‬والخطأ هنا كما سبق ذكره خطأ مجىازي؛ أي أن الخطىأ قىد ي بى‬
‫في حق المجتهد؛ لكن على سىبيل اإلضىافة إلىى عىدم وصىوله إلىى مطلوبىه وهىو‬
‫الحىىق المتعىىين عنىىد هللا تعىىالى وهىىو أمىىر خفىىي يتجىىاوز أدوات النظىىر االجتهىىادي‬
‫المعروفىىة‪ ،‬وإنمىىا يتعلىىق بتحقيىىق منىىاط النصىىو أو القواعىىد الشىىرعية وهىىي‬
‫جوانىىب فنيىىة علميىىة تقديريىىة تتعلىىق بخبىىرات علمىىاء متخصصىىين فىىي مختلىىف‬
‫الميىىادين كالطىىب والقضىىاء واالقتصىىاد والسياسىىة وغيرهىىا كلهىىا تتبىىع مهىىام ولىىي‬
‫األمر‪.‬‬
‫وربما يتساءل البعض ما جدوى كل هذا الكالم وتقسيم الرأي الواحد في‬
‫المسىىألة إلىىى اجتهىىادين‪ -‬األول تعيىىين للمنىىاط يصىىيبه جميىىع المجتهىىدين وال ىىاني‬
‫تحقيىق لىه يصىيبه أحىىدهم‪ -‬مىا دامى النتيجىىة فىي النهايىة واحىىدة وهىي كىون ولىىي‬

‫‪66‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫األمر في كلتا الحالتين سيختار الرأي الراجح بناء على المصلحة (الوسيلة) التي‬
‫يراها محققة للمقصد الشرعي من الحكم والجواب‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الغرض من ذلك أوال بيان وإثبات الحق في الفروع الفقهية والسياسية كما‬
‫ثب في األصول عندما ذكرنا مؤيدات صحة قاعدة "كل مجتهد مصيب"‪.‬‬
‫‪ -2‬إن في الذهاب إلى تخطئة العلماء المجتهدين في قضايا تعيين المناط أي‬
‫التي تتعلق باالجتهاد في الشرعيات فلم لهم‪ ،‬خاصة في المسائل السياسية التي‬
‫يتحامل الناس فيها على العلماء وهذا عند الفتن فيظتهموا في دينهم وعدالتهم‬
‫بتأويل ما وقعوا فيه من أخطاء بأنهم يحرفون الكلم عن موضعه وبالتالي‬
‫يظصنفون بأنهم علماء السلطان‪ ،‬وهذا بخالف ما إذا حملنا أخطاءهم على الخطأ‬
‫في تحقيق المناط وهو أمر تختلف فيه األنظار وال يسلم منه النظار‪ ،‬واختالف‬
‫الصحابة ‪ -‬رضوان هللا عليهم‪ -‬في شؤون السياسة بعد وفاة النبي ملسو هيلع هللا ىلص من هذا‬
‫النوع‪.‬‬
‫‪ -1‬كذلك تحامل بعض الباح ين المعاصرين المتأثرين بالنظرية الغربية في‬
‫السياسة على العلماء القدامى‪ ،‬وربما السخرية من آرائهم غير مميزين بين‬
‫اجتهادهم في الشرعيات عند تعيين مناط األحكام الشرعية وهذا يستند إلى‬
‫مصادر التشريع اإلسالمي وهذا ال يمكن أن يخطئ فيه أهل االجتهاد بناء على‬
‫قاعدة "كل مجتهد مصيب"‪ ،‬واجتهادهم في تحقيق المناط وهذا يستند إلى‬
‫أزمانهم وأماكنهم التي عاشوا فيها‪ ،‬وكذلك فروف‬ ‫مصالح (وسائل) تخ‬
‫وأحوال مجتمعاتهم من حيث القوة والضعف في الدين والجسم‪ ،‬وهذا متوقع أن‬
‫يخطئوا فيه في أزمنتهم فضال عن األزمنة الالحقة‪ ،‬وال يخفى على اللبيب أن‬
‫م ل هذا التحامل بغير وجه حق يزعزع ثقة الناس في "العلماء ورثة األنبياء"‪،‬‬
‫وربما تعدى ذلك إلى مصادر تشريعهم‪ ،‬فماذا ننتظر إذا وصلنا إلى مرحلة "‬
‫آخر هذه األمة يلعن أولها" !! وهذا الجهد يأتي إذا في إطار إحسان الظن‬
‫بالعلماء المجتهدين‪ ،‬واالرتقاء بالبحث العلمي الشرعي إلى خلق اإلحسان‪.‬‬
‫‪ -4‬على عكس الفريق من الباح ين الذي ذكرناه في النقطة ال ال ة هنا فريق‬
‫آخر ينتمي إلى مدرسة تقديس التراث السياسي اإلسالمي‪ ،‬وهذا الفريق يكاد‬
‫يعتبر كل ما أنتجه السلف في السياسة ال يزال صالحا إلى يوم الناس هذا‪ ،‬فربما‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪10‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫اختلط عندهم المقاصد بالوسائل وال واب بالتاريب؛ ويظهر الدين والمنظومة‬
‫التشريعية بمظهر القصور عن مواكبة مقتضيات العصر‪ ،‬وهذا إن حدث يرجع‬
‫إلى عدم التمييز بين االجتهادين‪ :‬تعيين المناط المرتبط بتعيين المقاصد الشرعية‬
‫ال ابتة وتحقيق المناط المتغير المرتبط بتنزيل هذه المقاصد على أرض الواقع‪.‬‬
‫‪ -5‬إن تقسيم اجتهاد العالم في المسألة الواحدة إلى اجتهادين في نفس الوق‬
‫هما تعيين المناط وتحقيقه يساهم بدرجة كبيرة في ضبط المصلحة المطلوب من‬
‫ولي األمر أن يستقصيها ويتبناها؛ ألن هذه المصلحة يصبح لها إحداثيات تتعين‬
‫بها من زمان ومكان وأحوال تختلف قوة وضعفا في الدين والجسم فتكون‬
‫الوسيلة (المصلحة) الراجحة عند ولي األمر تتناسب شدتها وضعفها بحسب هذه‬
‫األحوال شدة وضعفا‪ ،‬اتساعا وضيقا‪.‬‬
‫‪ -6‬هذا التقسيم يتناسب والزمن الذي نعيش فيه؛ حيث تفتق مختلف العلوم‬
‫عن معلومات ومعارف ال يكاد يحصيها العد‪ ،‬ولم يعد بإمكان العالم في الشريعة‬
‫اإلحاطة بها‪ ،‬وبالتالي لم يعد بإمكانه االستقالل بتحقيق مناط الحكم الشرعي‪ ،‬أي‬
‫لم يعد له الحق في االنفراد بسلطة التشريع فضال عن سلطة التنفيذ‪ ،‬وهذا يناسب‬
‫حال المجتمع اإلسالمي في هذا الزمن حيث تفاقم االستبداد وع َّم‪ ،‬واحتي فيه‬
‫إلى الفصل بين السلطات‪ ،‬وبذلك يتخل رجل الدين ‪-‬كما يسميه مناوئيه‪ -‬من‬
‫مسؤولية وتبعات األحكام التي تصدر عنه في الجزء المتعلق بتحقيق مناط ك ير‬
‫من القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫مىن أجىل هىذه األسىباب يحىاول الباحىث فىي هىذا المطلىب عىرض بعىىض‬
‫مسىىائل السياسىىة الشىىرعية الدسىىتورية المتعلقىىة بمبحىىث اإلمامىىة مىىن خىىالل كتىىاب‬
‫"األحكىىىام السىىىلطانية للمىىىاوردي"‪ ،‬وبيىىىان صىىىحة واطىىىراد قاعىىىدة "كىىىل مجتهىىىد‬
‫مصيب" في فروع السياسة الدستورية‪ ،‬وفي أثناء ذلك الوقوف على بعض ثمار‬
‫اخىىتالف فقهىىاء السياسىىة فىىي مسىىائلها‪ ،‬مىىن حيىىث المقاصىىد الشىىرعية والمصىىالح‬
‫(الوسائل) المحققة لها‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫الفاارع الثاااني‪ :‬تخااريب بعااض مسااائل اإلمامااة‪ 20‬الااواردة فااي كتاااب األحكااام‬
‫السلطانية للماوردي على قاعدة "كل مجتهد مصيب"‬
‫يحاول الباحث في هذا الفرع‪:‬‬
‫‪ -‬ذكر أقوال الفقهاء اعتمادا على كتاب "األحكام السلطانية للماوردي‪.‬‬
‫‪ -‬تعيين المناط‪ ،‬وسنرى أنه واحد غير مختلف فيه عند جميع الفقهاء في أي‬
‫مسألة سنذكرها‪.‬‬
‫‪ -‬وتحقيق المناط مع بيان المصيب من المخطئ‪.‬‬
‫‪ -‬واإلصابة تكون بتبني الفقيه للنظر المصلحي عند استدالله على المسألة في‬
‫إطار ما يجب أن يكون في زمنه (الحالة العادية للمجتمع= قوة) إذا كان‬
‫المسألة بطبيعتها قابلة للتغير‪.‬‬
‫‪ -‬والخطأ يكون بتبني الفقيه للنظر الظاهري أو القياسي عند استدالله على‬
‫المسألة في إطار ما يجب أن يكون في زمنه إذا كان المسألة بطبيعتها قابلة‬
‫للتغير‪.‬‬
‫‪ -‬ثم نذكر الحالة التي يمكن أن يصبح فيها الخطأ صوابا؛ أي نبين ال مرة‬
‫المرجوة من اختالف الفقهاء في الرأي‪ ،‬ألن خطأ الفقيه في تحقيق مناط مسألة‬
‫معينة يعني أنه فشل في تنزيلها على زمنه (واقعه) في إطار ما يجب أن‬
‫يكون‪ ،‬ولكن اجتهاده هذا يمكن أن يكون صوابا عند تنزيله على زمن آخر ألن‬
‫رأيه في هذه الحالة يكون است ناء من الرأي الذي ظوفق إلى الصواب بداية‪،‬‬
‫وهذا االست ناء يناسب أزمنة وأحوال للمجتمع ربما تتكرر في المستقبل بحسب‬
‫طبيعة المسألة‪ ،‬وفي هذا إثراء للفقه السياسي الشرعي‪.‬‬
‫أول‪ -‬مسألة أقل عدد تنعقد ب اإلمامة من جماعة أهل الحل والعقد‬
‫ذكىىر المىىاوردي اخىىتالف العلمىىاء فىىي عىىدد مىىن تنعقىىد بىىه اإلمامىىة وعىىدد‬
‫آراءهم وأدلتهم كاآلتي ‪:21‬‬
‫‪ -1‬قال ى طائفىىة ال تنعقىىد إال بجمهىىور أهىىل العقىىد والحىىل فىىي كىىل بلىىد ليكىىون‬
‫الرضاء بىه عامىا والتسىليم إلمامتىه إجماعىا‪ .‬وعلىق المىاوردي بىأن هىذا المىذهب‬
‫مىدفوع ببيعىة أبىي بكىر رضىي هللا عنىه علىى الخالفىة باختيىار مىن حضىرها ولىىم‬
‫ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها‪.‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪15‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫‪ -2‬وقال طائفة أخرى أقل من تعقد به اإلمامة خمسة يجتمعون علىى عقىدها‬
‫أو يعقدها أحدهم برضا األربعىة اسىتدالال بىأمرين‪ :‬األول بيعىة الصىديق انعقىدت‬
‫بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس‪ ،‬وال اني‪ :‬عمر ‪ ‬جعل الشىورى فىي سىتة‬
‫ليظعقد ألحدهم برضى الخمسة‪ ،‬وهو قول أك ر الفقهاء والمتكلمين من البصرة‪.‬‬
‫‪ -1‬وذهب آخرون من فقهاء الكوفىة إلىى انعقادهىا ب الثىة يتوالهىا أحىدهم برضىى‬
‫االثنين ليكونوا حاكما وشاهدين كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين‪.‬‬
‫‪ -4‬وقال طائفة أخرى تنعقد بواحد ألن العباس قال لعلي –رضوان هللا عليهما‪-‬‬
‫امدد يد أبايعك فيقول الناس عم رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص بايع ابىن عمىه فىال يختلىف عليىك‬
‫اثنان‪ ،‬وألنه حكم‪ ،‬وحكم الواحد نافذ‪.‬‬
‫ويمكىن القىىول بعىىد عىرض مختلىىف آراء الفقهىىاء فىي المسىىألة‪ :‬إن المنىىاط‬
‫واحد وكل اآلراء تحوم حوله وهو أهمية تحصيل رضا األمة مان خاالل جماعاة‬
‫أهاال الحاال والعقااد ألجاال اسااتقرار منصااب اإلمامااة‪ ،‬وانتظىىام األمىىة تحى سىىلطة‬
‫شرعية تنظم شؤونها وتحرس بيضتها‪ ،‬ولكىن اختلىف الفقهىاء فىي وسىيلة تحقيىق‬
‫هذا المناط تبعا ً الخىتالفهم فىي تقىدير فىروف وأحىوال المجتمىع الىذي هىم بصىدد‬
‫التنظير له‪:‬‬
‫‪ -1‬فالرأي األول يرى أصحابه أن تحقيق االستقرار ال يكون إال برضا األمة‬
‫والرضا ال يحصل إال بموافقة جمهور أهل الحل والعقد في كل بلىد‪ ،‬وهىذا يعتبىر‬
‫عمل فيه النظر‬ ‫تحقيقا للمناط ويمكن القول إنه تحقيق يوصف بالصواب؛ ألنه است ظ ِ‬
‫ظنظىرون فىي إطىار مىا يجىب أن يكىون فىي‬ ‫المصلحي؛ والفقهاء فىي هىذه المسىألة ي ِ و‬
‫اللحالة العادية أي مجتمع راشد وفروف وأحوال عادية‪ .‬وفي فل هذه الظروف‬
‫فإن مصلحة األمة واستقرارها يقتضي توسيع دائرة التشاور والرضا بين مم لي‬
‫األمة ألجل تحقيق إجماع حول اإلمام المرشح خاصة في هذا الزمن الذي يسمح‬
‫بهذا النوع من االستشارة في وق وجيز‪.‬‬
‫‪ - 2‬بينمىىا الىىرأي ال ىىاني الىىذي يىىرى أن أقىىل عىىدد تنعقىىد بىىه اإلمامىىة خمسىىة؛‬
‫فتحقيقه للمناط اعتمد فيه على القياس وهو خطأ –في نظر الباحث‪-‬؛ حيىث قىاس‬
‫ما جرى في زمن الصحابة علىى مىا يجىب أن يكىون فىي زمنىه‪ ،‬ويىرى أصىحاب‬
‫هىىذا الىىرأي أن منىىاط الرضىىا واسىىتقرار منصىىب اإلمامىىة يمكىىن تحقيقىىه بخمسىىة‬

‫‪10‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫أشىىخا ي عقىىدون اإلمامىىة نيابىىة عىىن األمىىة طبعىىا بىىدليل حىىدوث ذلىىك عنىىد بيعىىة‬
‫الصديق‪ ،‬وكذلك لما اختار عمر سىتة للشىورى يعقىدونها ألحىدهم‪ ،‬وهىذا صىحيح‬
‫فقد حصل الرضا واستقرار منصب اإلمامة بهذا العدد في زمن الصحابة؛ ولكىن‬
‫كما قل هذا األمر ليس مطردا في كل زمىان نسىتقبله؛ بىل هنىا فىروف معينىة‬
‫حصل في زمن الصحابة جعل اختيار الخليفة يكون بهذه الطريقة وهذا العدد‪،‬‬
‫والمهىىم أن المقصىىد الشىىرعي تحقىىق فىىي زمىىن الصىىحابة بالوسىىيلة التىىي اختارهىىا‬
‫الصىىحابة فىىي ذلىىك الوق ى ‪ ،‬ولكىىن هىىذه الظىىروف يسىىتعبد أن تتكىىرر فىىي الىىزمن‬
‫المستقبل؛ ألن ك يرا من مسائل السياسة كما هو معىروف متغيىرة بطبيعتهىا‪ ،‬وال‬
‫يمكن أن نستوعبها بالقياس فهىو يجعىل المسىائل تميىل إلىى ال بىات عكىس النظىر‬
‫المصىلحي‪ ،‬وإن حىدث وتكىىررت نفىس الظىروف فىىي الىزمن المسىتقبل وتطابقى‬
‫أحواله مع أحوال زمن الصحابة ففي هذه الحالة يكون هذا الرأي أصىاب تحقيىق‬
‫المناط‪.‬‬
‫‪ -1‬كذلك الرأي ال الث الذي يرى أن أقل عدد تنعقد به اإلمامة ثالثة "يتوالها‬
‫أحىىدهم برضىىى االثنىىين"‪ ،‬اعتمىىد فىىي تحقيقىىه للمنىىاط علىىى القيىىاس؛ حيىىث قىىاس‬
‫اإلمامة على عقد النكاح‪ ،‬ويرى أصحاب هىذا الىرأي أن منىاط الرضىا واسىتقرار‬
‫منصب اإلمامىة يمكىن تحقيقىه ب الثىة أشىخا يعقىدون اإلمامىة نيابىة عىن األمىة‬
‫وهذا يستند إلى عقد النكاح؛ حيث يشىرف عليىه ثالثىة أشىخا ‪ :‬حىاكم وشىاهدي‬
‫عدل للداللة على وجود الرضا بين طرفي العقد الزوج والزوجة‪ ،‬والحق أن هذا‬
‫قياس مع الفاره؛ ألن عقد الزواج يتعلق بأفراد واإلمامة تتعلق بأمىة‪ ،‬والزوجىة‬
‫لهىىا ولىىي واحىىد يم لهىىا ونتبىىين مىىن خاللىىه رضىىاها‪ ،‬فكيىىف نتبىىين رضىىا أمىىة تعىىد‬
‫بىىالماليين مىىن خىىالل ثالثىىة أشىىخا ‪ ،‬فمىىن يكىىون هىىؤالء األشىىخا ومىىا هىىي‬
‫مواصفاتهم حتىى ترضىى األمىة بتم ىيلهم صىحيح حىدث ذلىك فىي الماضىي فىي‬
‫زمن الصىحابة المبىار ‪ ،‬ويمكىن أن يحىدث فىي المسىتقبل وهىذا بحسىب فىروف‬
‫وأحوال المجتمع اإلسىالمي‪ ،‬لكىن اسىت ناء‪ 22‬ولىيس فىي إطىار مىا يجىب أن يكىون‬
‫وليس في فل فروف وأحوال عادية‪ ،‬وهذا هو السبب في خطأ هىذا الفريىق فىي‬
‫تحقيىىق المنىىاط؛ إذ اعتمىىد علىىى القيىىاس والقيىىاس فىىي م ىىل هىىذا النىىوع مىىن مسىىائل‬
‫السياسة يعطي نتائ ثابتة ال تتناسب مع تغيرات المجتمع وأحواله التي يمر بها‪.‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪17‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫‪ -4‬والرأي الرابىع يشىبه الىرأي ال ىاني وال الىث فىي اعتمىاده علىى القيىاس فىي‬
‫تحقيق مناط رضا األمة‪ ،‬إال أنه اكتفى في عقد اإلمامة بشخ واحد ينىوب عىن‬
‫األمة بدليل حصول ذلك في زمن علي رضي هللا عنه‪ ،‬ومن الفقهاء من يرى أن‬
‫بيعة الصديق أيضا إنما صح ببيعة واحد هو عمر ‪ ‬عنه‪ ،‬وما قيل في الرأي‬
‫ال اني يقال في هذا الموضع‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬مسألة حس جماعة الحل والعقد للنزاع الواقع بين مرشحين لإلمامة‬
‫يقول الماوردي‪ " :‬فإن وقىف االختيىار[= اإلمىام] علىى واحىد مىن اثنىين‬
‫فتنازعاها فقد قال بعض الفقهاء يكون قدحا لمنعهما ويعدل إلىى غيرهمىا‪ .‬والىذي‬
‫عليه جمهور العلماء والفقهاء أن التنازع فيها ال يكىون قىدحا مانعىا‪ .‬ولىيس طلىب‬
‫اإلمامة مكروها‪ ،‬فقد تنازع فيها أهل الشورى فما رد عنهىا طالىب وال منىع منهىا‬
‫راغب"‪.23‬‬
‫لم يذكر الماوردي دليل الفريق الىذي اعتبىر التنىازع مانعىا مىن اإلمامىة‪،‬‬
‫ولكن ربما استند هذا الفريق إلى نهي النبي ملسو هيلع هللا ىلص بعض أصحابه طلىب اإلمىارة‪،24‬‬
‫وذكر دليىل ا لفريىق ال ىاني الىذي ذهىب إلىى أن طلىب اإلمامىة والتنىازع حولهىا ال‬
‫يعتبر مانعا من اإلمامة‪ .‬ودليلهم القياس فكما أن أهل الشورى الذين عيىنهم عمىر‬
‫‪ ‬على أن يكون اإلمام واحدا من بينهم تنازعوا اإلمامة‪ .‬فىيمكن القىول‪ :‬إن منااط‬
‫الحك الشرعي في هذه المسىألة يتعلىق بكىون منصىب اإلمامىة مسىؤولية عظيمىة‬
‫تتطلب الحذر وعدم اإلقدام عليها رغم توفر الشروط الظاهرة في المرشح التي‬
‫أقرهىىا الشىىارع‪ ،‬وجميىىع الفقهىىاء مىىدركون لهىىذا المنىىاط‪ ،‬واجتهىىادهم علىىى هىىذا‬
‫المستوى صحيح نظرا الختيار كىل فريىق منهمىا رأيىا يسىعى مىن خاللىه لتحقيىق‬
‫هذا المناط؛ فالفريق األول وعلى فرض أن دليلىه مىا ذكرتىه فإنىه فهىم مىن النهىي‬
‫الىىوارد فىىي األحاديىىث الشىىريفة أن طلىىب الخالفىىة والتنىىازع عليهىىا أمىىارة علىىى‬
‫الحر مع أنها مسؤولية ثقيلة تنوء بحملها الجبىال‪ ،‬وال يحىر عليهىا إال مىن‬
‫كان غير مقدر لما ينتظره وتسرعه هىذا يرجىع لضىعفه وهىذا مىؤثر فيهىا؛ لىذلك‬
‫التزمىىوا الىىن الىىوارد فىىي الحىىديث الشىىريف‪ ،‬وهىىذا التحقيىىق فىىي حقيقىىة األمىىر‬
‫يناسىب حىىال بعىض األفىىراد أو األزمنىة التىىي تضىعف فيهىىا األمىة وتبتلىىى بوجىىود‬
‫تكالىىب علىىى السىىلطة واعتبارهىىا مغنمىىا ال مغرمىىا كحىىال زماننىىا هىىذا‪ .‬أمىىا الفريىىق‬

‫‪12‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫ال ىاني فهىىو يعىىرف منىىاط النهىي عىىن طلىىب اإلمىىارة‪ ،‬ويعتبىر هىىذا النهىىي فىىي حىىق‬
‫الضىىعفاء بىىدليل مىىا حىىدث مىىع أهىىل الشىىورى بمىىرأى ومسىىمع جماعىىة أهىىل الحىىل‬
‫والعقد في ذلك الوق ؛ ألن القوي في الدين والجسم (اإلمكانيات) كعلىي وع مىان‬
‫‪-‬رضىىي هللا عنهمىىا‪ -‬ال يخشىىى عليىىه مىىن طلىىب اإلمىىارة بىىل طلبهىىا فىىي حقىىه ربمىىا‬
‫واجب‪ ،‬إذا شعر أنه أقدر وأكفأ من أي شخ آخر‪ ،‬وهذا ما سعى الفريق ال اني‬
‫إلى تقريره‪ .‬وهنا يمكن أن نصف االجتهاد األول بالصواب؛ ألنىه يناسىب األمىة‬
‫فىىي حىىال الضىىعف دينىىا وجسىىما؛ حيىىث تصىىبح المسىىؤولية تشىىريفا ولىىيس تكليفىىا‬
‫ومغنمىىا ال مغرمىىا وهىىذا الحىىال هىىو الغالىىب علىىى األمىىة منىىذ نهايىىة زمىىن الخالفىىة‬
‫الراشدة إلى يومنا هذا‪ ،‬فيكون النهي من باب التحذير والوعيد‪ .‬أمىا تحقيىق منىاط‬
‫الفريىق ال ىىاني فهىو خطىىأ؛ ألنىه يناسىىب األمىىة فىي حىىال قىوة أفرادهىىا المتصىىدرين‬
‫للمسؤولية إذا أحسوا أنهم أقدر من غيرهم على تسيير شؤون الدولة‪ ،‬وهىو علىى‬
‫ما يبدو حال است نائي حدث في زمن الصحابة‪ ،‬وقد يتكرر في المستقبل‪.‬‬
‫ثالثا‪ -‬مسألة قطع التنازع بين مرشحين لإلمامة مع تكافؤ أحوالهما‬
‫يقىىول المىىاوردي‪" :‬واختلىىف الفقهىىاء فيمىىا يقطىىع بىىه تنازعهمىىا مىىع تكىىافؤ‬
‫أحوالهما‪ ،‬فقال طائفة‪ :‬يقىرع بينهمىا ويقىدم مىن قىرع منهمىا‪ .‬وقىال آخىرون‪ :‬بىل‬
‫يكون أهل االختيار بالخيار في بيعة أيهما شاءوا من غيرة قرعة"‪.25‬‬
‫عرض الماوردي لمسألة قطع التنازع بين مرشىحين لممامىة مىع تكىافؤ‬
‫أحوالهما‪ ،‬فذهب الفريق األول إلى إجراء القرعة بينهمىا‪ ،‬وهىذا قياسىا علىى رأي‬
‫اإلمام أحمد في األذان عنىد التنىازع فيىه‪ ،‬فقىد قىال فىي مسىجد فيىه رجىالن تىداعيا‬
‫األذان فيه "يقرع بينهما" واحت بقول سعد‪ ، 26‬والفريق ال اني ذهب إلى إعطىاء‬
‫الحرية ألهل الحل والعقد في اختيار أيهما شاؤوا‪ ،،‬ولم يىذكر المىاوردي دلىيلهم‪،‬‬
‫والظن أنه نظر مصلحي‪ ،‬ومناط هذه المسألة واحد وهو وجوب الب في نصىب‬
‫اإلمام عند تكافؤ المرشحين حفافا على مقاصد الشرع‪ ،‬والقرعة كوسيلة لتحقيق‬
‫مناط اختيار اإلمام ‪ -‬عند تكافؤ المرشحين‪ -‬يصعب تحقيقها في كل األزمنة ألن‬
‫التكافؤ الحقيقي بين مرشحي اإلمامة غيىر ممكىن‪ ،‬لكىن هنىا جانىب إيجىابي فىي‬
‫هىىىذا الىىىرأي يتعلىىىق بالتضىىىييق مىىىن صىىىالحيات جماعىىىة الحىىىل والعقىىىد وإلزامهىىىا‬
‫بالقرعة‪ ،‬وهذا ما نحتاجىه فىي حىاالت ضىعف هىذه الجماعىة وعىدم جىود انسىجام‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪17‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫بين أفرادها فيكون الحسىم عىن طريىق القرعىة أنسىب‪ .‬وهىذا التحقيىق للمنىاط هىو‬
‫خطىىأ مىىن حيىىث أنىىه يناسىىب حالىىة عرضىىية تتم ىىل فىىي تكىىافؤ المرشىىحين وكىىذلك‬
‫ضعف جماعة الحل والعقد‪.‬‬
‫أمىىا الفريىىق ال ىىاني فيىىرى أن تحقيىىق منىىاط وجىىوب اختيىىار اإلمىىام –عنىىد‬
‫التكافؤ‪ -‬يكىون بإعطىاء الحريىة لجماعىة الحىل والعقىد والتوسىيع مىن صىالحياتها‬
‫حتىىى تختىىار اإلمىىام بنىىاء علىىى تىىوازن القىىوى داخىىل المجتمىىع‪ ،‬وهىىذا الىىرأي هىىو‬
‫األنسب في حال كان هذه الجماعة قوية‪ ،‬و هنا تنسيق وتفاهم بىين أعضىائها‪،‬‬
‫وهذا ما يجب أن يكون‪ ،‬ولذلك يوصف هذا التحقيق للمناط بالصواب‪.‬‬
‫رابعا ا‪ -‬مسألة عقد البيعة للمفضول مع وجود األفضل بغير عهر‬
‫يقىىول المىىاوردي‪" :‬وإن بويىىع لغيىىر عىىذر فقىىد اخت ظ ِل ىف فىىي انعقىىاد بيعتىىه‬
‫وصحة إمامته‪ ،‬فذهب طائفة منهم الجىاح إلىى أن بيعتىه ال تنعقىد ألن االختيىار‬
‫إذا دعىىي إلىىى أولىىى األمىىرين لىىم يجىىز العىىدول عنىىه إلىىى غيىىره ممىىا لىىيس بىىأولى‬
‫كاالجتهىىاد فىىي األحكىىام الشىىرعية‪ .‬وقىىال األك ىىر مىىن الفقهىىاء والمتكلمىىين تجىىوز‬
‫إمامته وصح بيعته‪ ،‬وال يكون وجود األفضل مانعا من إمامة المفضول إذا لىم‬
‫يكن مقصرا عن شروط اإلمامة كما يجوز في والية القضاء تقليد المفضىول مىع‬
‫وجود األفضل‪ ،‬ألن زيادة الفضل مبالغة في االختيار وليس معتبرة في شىروط‬
‫االستحقاه"‪.27‬‬
‫هىىذه الواقعىىة تتعلىىق بوجىىود مرشىىحين فاضىىل ومفضىىول وانتفىىاء عىىذر‬
‫شىىرعي يىىدعو إلىىى تقىىديم المفضىىول "مىىن كىىون األول غائبىىا أو مريضىىا أو كىىون‬
‫المفضىىول أطىىوع فىىي النىىاس وأقىىرب فىىي القلىىوب"‪ ،28‬والمقصىىود باألفضىىل هنىىا‬
‫التفاضىىل فىىي الىىدين والعلىىم‪ ،‬ومنىىاط هىىذه المسىىألة واحىىد وهىىو يتعل ىق بصىىالحيات‬
‫جماعة الحل والعقد في اختيار اإلمام‪ ،‬ولىذلك نجىد طائفىة مىن الفقهىاء سىع إلىى‬
‫تحقيق هذا المناط بمنع بيعة المفضول مع وجود األفضل بغير عذر‪ ،‬وهي بىذلك‬
‫قلص من صالحيات جماعة الحل والعقد وضيق عليها‪ ،‬واسىتدل علىى تقىديم‬
‫اإلمام الفاضل على المفضول بالقياس على تقديم الرأي الراجح علىى المرجىوح‪.‬‬
‫أما الجمهور فاختار التوسىعة علىى جماعىة الحىل والعقىد وإعطاءهىا مجىاال أكبىر‬

‫‪16‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫للتحىىر فىىي اختيىىار اإلمىىام‪ ،‬وأجىىاز تقىىديم المفضىىول علىىى الفاضىىل لغيىىر عىىذر‬
‫مستدال بقياس ذلك على جواز تقديم المفضول على الفاضل في القضاء‪.‬‬
‫وزاد دليال آخر ونظرا مصىلحيا عنىدما علىل الجىواز بقولىه‪" :‬ألن زيىادة‬
‫الفضىىل مبالغىىة فىىي االختيىىار وليس ى معتبىىرة فىىي شىىروط االسىىتحقاه"‪ ،‬وهكىىذا‬
‫يصبح لدينا نظر قياسي في مقابل نظر مصلحي‪ ،‬وبهىذا يمكىن أن نحكىم بإصىابة‬
‫الجمهور للصواب حينما وسعوا من صالحيات جماعة الحل والعقد لتتخذ القرار‬
‫المناسب حتى من غير عىذر؛ ألنهىا ‪ -‬فىي إطىار مىا يجىب أن يكىون‪ -‬تم ىل األمىة‬
‫ومىىا تختىىاره يكىىون نيابىىة عىىن األمىىة‪ ،‬وإن كانى السىىيادة للشىىرع فالسىىلطة ل‪،‬مىىة‪،‬‬
‫وهذا يناسب الحالة العادية حينما تكون هىذه الجماعىة قويىة بىدينها وبرضىا األمىة‬
‫عنهىا وباالنسىجام بىين أعضىائها؛ بينمىا نحكىم بتخطئىة أصىحاب النظىر القياسىي‪،‬‬
‫الذي ضيقوا من صالحيات هذه الجماعة وألزموها بعقد اإلمامىة للفاضىل‪ ،‬وهىذا‬
‫التحقيق للمناط ال يناسب التنظيىر فىي إطىار مىا يجىب أن يكىون‪ ،‬ويناسىب بعىض‬
‫الحاالت ربما االست نائية حينمىا تكىون هىذه الجماعىة ضىعيفة غيىر منسىجمة فيمىا‬
‫بينها‪ ،‬فيكون األفضل سىد ذريعىة الخىالف‪ ،‬وهىو أمىر يمكىن أن يحىدث رغىم أنىه‬
‫است ناء من الحالة األصلية (ما يجب أن يكون)‪ ،‬بل ربما هىو الغالىب علىى األمىة‬
‫في األزمنة والعصور‪.‬‬
‫والمسىىألة مظنونىىة فقىىد يكىىون العكىىس هىىو الصىىحيح؛ ألننىىا بصىىدد مسىىائل‬
‫شرعية دستورية تدور مع النظىر المصىلحي‪ ،‬صىحيح إن الفريىق الىذي منىع مىن‬
‫عقىىد بيعىىة المفضىىول اسىىتدل بالقيىىاس‪ ،‬ولكىىن يمكىىن أن نضىىيف النظىىر المصىىلحي‬
‫السىىتدالله؛ ألن تقىىديم الفاضىىل علىىى المفضىىول فىىي حقيقىىة األمىىر هىىو تىىدرج فىىي‬
‫االستصالح فكلنا يعلم مراتب مقاصد الشريعة ال الث وهي قائمىة علىى تحصىيل‬
‫الضروري ثم الحىاجي ثىم التحسىيني‪ ،‬فيكىون تقىديم الفاضىل علىى المفضىول فىي‬
‫الىىدين والعلىىم مىىن ب ىاب التحسىىيني الىىذي هىىو مطلىىوب مىىن جهىىة الشىىرع‪ ،‬وعنىىدها‬
‫يصىىبح هىىذا الىىرأي هىىو األليىىق واألنسىىب للتنظيىىر فىىي إطىىار مىىا يجىىب أن يكىىون‪،‬‬
‫ويكىىون الىىرأي اآلخىىر اسىىت ناء يلجىىأ إليىىه عنىىد وجىىود عىىذر يمنىىع مىىن ذلىىك يتعلىىق‬
‫بجماعىىة الحىىل والعقىىد وال يتعلىىق باإلمىىام الفاضىىل ألن المسىىألة مقيىىدة منىىذ البدايىىة‬
‫بعدم وجود عذر يخ اإلمام الفاضل‪.‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪11‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫خامسا ا‪ -‬مسألة انفراد شخص واحد بشروط اإلمامة‪:‬‬


‫ذكر الماوردي اخىتالف الفقهىاء فىي ثبىوت إمامىة شىخ واحىد وانعقىاد‬
‫واليته إذا تفرد بشروط اإلمامة إلى قولين‪:29‬‬
‫األول‪" :‬ذهب بعىض فقهىاء العىراه إلىى ثبىوت واليتىه وانعقىاد إمامتىه وحمىل‬
‫األمىىة علىىى طاعتىىه وإن لىىم يعقىىدها أهىىل االختيىىار‪ ،‬ألن مقصىىود االختيىىار تمييىىز‬
‫المولى وقد تميز هذا بصفته"‪.‬‬
‫الثااااني‪ " :‬وذهىىىب جمهىىىور الفقهىىىاء والمتكلمىىىين إلىىىى أن إمامتىىىه ال تنعقىىىد إال‬
‫بالرضى واالختيار لكن يلزم أهل االختيار عقد اإلمامة له فإن توقفىوا أثمىوا ألن‬
‫اإلمامىىة عقىىد ال يىىتم إال بعاقىىد‪ ،‬وكالقضىىاء إذا لىىم يكىىن مىىن يصىىلح لىىه إال واحىىد لىىم‬
‫يصر قاضيا حتى يواله"‪.‬‬
‫وانقسىىم أصىىحاب القىىول األول فىىي ردهىىم علىىى أصىىحاب القىىول ال ىىاني إلىىى‬
‫فريقين‪ " :‬فركب بعض من قال بذلك المذهب [ األول ] هذا الباب‪ ،‬وقىال يصىير‬
‫قاضيا إذا تفرد بصفته كما يصير المنفرد بصفته إماما ‪ .‬وقىال بعضىهم ال يصىير‬
‫المنفرد قاضيا وإن صار المنفرد إماما‪ ،‬وفىره بينهمىا بىأن القضىاء نيابىة خاصىة‬
‫يجوز صرفه عنه مع بقائىه علىى صىفته فلىم تنعقىد واليتىه إال بتقليىد مسىتنيب لىه‪،‬‬
‫واإلمامىة مىىن الحقىىوه المشىتركة بىىين حىىق هللا تعىالى وحقىىوه اآلدميىىين ال يجىىوز‬
‫صرف من استقرت فيه إذا كان على صفة‪ ،‬فلىم يفتقىر تقليىد مسىتحقها مىع تميىزه‬
‫إلى عقد مست ب له"‪.30‬‬
‫ومناط هذه المسألة يدور حول اتفىاه الفقهىاء علىى أهميىة وجىود جماعىة‬
‫للحل والعقد تنىوب عىن األمىة فىي اختيىار اإلمىام وعقىد البيعىة لىه‪ ،‬وأنىه إذا تفىرد‬
‫بشىىروط اإلمامىىة شىىخ واحىىد تعينى فيىىه اإلمامىىة‪ ،‬ولىىم يجىىز العىىدول عنىىه إلىىى‬
‫غيره؛ لكنهم اختلفوا في تحقيق هذا المناط‪:‬‬
‫فمىىنهم مىىن ذهىىب إلىىى انعقىىاد إمامتىىه وحمىىل األمىىة علىىى طاعتىىه وإن لىىم‬
‫يعقىىدها أهىىل الحىىل والعقىىد‪ ،‬واسىىتدلوا بىىالنظر المصىىلحي؛ حيىىث أن الغىىرض مىىن‬
‫اختيار أهىل الحىل والعقىد لممىام تمييىز المىولى‪ ،‬وهىو قىد تميىز بىانفراده بشىروط‬
‫اإلمامة؛ إال أن الغىرض مىن اختيىار جماعىة الحىل والعقىد لممىام ال يقتصىر فقىط‬
‫على تمييز المولى وإنما على مبايعته ‪ -‬في مرحلة أولى بيعة خاصىة قبىل البيعىة‬

‫‪16‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫العامىىة‪ -‬نيابىىة عىىن األمىىة‪ ،‬وهىىذا مىىا لىىم يىىذكره الفريىىق األول؛ ولىىذلك ال يمكىىن أن‬
‫نصف تحقيقهم للمناط بالصواب؛ ألن استدالالهم المصلحي لم يكتمىل‪ ،‬لكىن هىذا‬
‫التحقيق يصلح في بعض الحاالت االست نائية التي يمكن أن تمر بهىا األمىة‪ ،‬عنىد‬
‫ضعف جماعة الحل والعقد في دينها ولم يعد لها أي تم يل ل‪،‬مة‪ ،‬أو تضعف فىي‬
‫جسمها وال تتمكن مىن القىدرة الفعليىة علىى الحىل والعقىد وهىذا يتصىور فىي حالىة‬
‫التغلب واالستيالء على السلطة‪ ،‬ففي هذه الحالىة إن فهىر شىخ تفىرد بشىروط‬
‫اإلمامىة وزكىىاه العلمىاء‪ ،31‬ففىىي هىىذه الحالىة يمكىىن أن يسىىتولي علىى السىىلطة بنىىاء‬
‫على أصل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون حاجة إلى عقد اإلمامىة مىن‬
‫طرف هذه الجماعة؛ لكن مع مالحظة أيضا أن هذا الرأي فيه جانب سلبي كونىه‬
‫يفىتح الذريعىة للمتغلبىين المىدعين ممىن ال تتىوفر فىيهم شىروط اإلمامىة لالسىتيالء‬
‫على السلطة‪.‬‬
‫ومنهم من ذهب إلى أن إمامة المتفىرد ال تنعقىد إال بالرضىى واالختيىار‪،‬‬
‫لكىىن يلىىزم أهىىل الحىىل والعقىىد عقىىد اإلمامىىة لىىه‪ ،‬واسىىتدلوا بىىالنظر القياسىىي‪ ،‬كىىون‬
‫اإلمامة عقد كغيرها من العقود ال تتم إال بعاقد‪ ،‬وكذلك قياسا على القضىاء إذا لىم‬
‫يكىىن مىىن يصىىلح لىىه إال واحىىد لىىم يصىىر قاضىىيا حتىىى يىىواله‪ ،‬والنظىىر القياسىىي فىىي‬
‫تحقيق المناط وافق النظر المصلحي في جزء من هذه المسألة في إطار ما يجىب‬
‫أن يكون؛ لذلك فهو صواب‪ ،‬ولكنه أخطأ في الحاالت االست نائية ألن قياس تفرد‬
‫اإلمىىام بصىىفته علىىى تفىىرد القاضىىي بصىىفته فىىي عىىدم توليىىه المنصىىب إال بتوليىىة‪،‬‬
‫قيىاس مىع الفىاره؛ ألن القاضىي المتفىرد بصىفته يخضىع لسىلطة أعلىى منىه وهىىو‬
‫الخليفة المسؤول عن تعيين القضاة؛ بينما اإلمىام المتفىرد بصىفته ال توجىد سىلطة‬
‫أعلىىى مىىن المنصىىب المرشىىح لتوليىىه‪ ،‬صىىحيح يمكىىن أن يغطىىي النظىىر القياسىىي‬
‫الحاالت العادية (قوة الجماعة دينا وجسىما) فىي إطىار مىا يجىب أن يكىون وتقىوم‬
‫جماعىىة الحىىل والعقىىد بتعيىىين اإلمىىام نيابىىة عىىن األمىىة‪ ،‬ولكىىن النظىىر القياسىىي ال‬
‫يغطىىي الحالىىة االسىىت نائية التىىي تضىىعف فيهىىا هىىذه الجماعىىة‪ ،‬بحيىىث يىىزول عنهىىا‬
‫تم يل األمة عند ضىعفها دينىا‪ ،‬وكىذلك قىد تعجىز عىن وفيفتهىا فىي خلىع إمىام فقىد‬
‫شروط اإلمامة (مستبد قوي) واستبداله بهذا المتفرد‪ .‬وهذه الحالىة تعتبىر اسىت ناء‬
‫مىىن االسىىت ناء؛ أي تنتمىىي إلىىى التنظيىىر فىىي إطىىار مىىا يجىىب أن يكىىون؛ ألنىىه عنىىد‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪60‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫القدرة يجب تغيير المنكر وخلع اإلمام المستبد الظالم المتسلط واستبداله بشخ‬
‫تفرد بشروط اإلمامة والخروج من حالىة الضىعف‪ .‬ولىذلك نصىفه بأنىه أخطىأ فىي‬
‫هذا الجزء ال اني من تحقيق هذه المسألة في إطار ما يجب أن يكون‪.‬‬
‫ونخرج من هذه المسألة بنتيجة وهىي أن الىرأي األول يشىدد علىى األمىة‬
‫من خالل التضييق على جماعة الحل والعقد في ممارسة صىالحياتها فىي توليىة‬
‫اإلمىىام إذا لىىم تعىىد األمىىة تملىىك القىىدرة بمؤسسىىاتها الدسىىتورية علىىى ذلىىك‪ ،‬والىىرأي‬
‫ال اني فيه تخفيف على األمة مىن خىالل توسىيع صىالحيات جماعىة الحىل والعقىد‬
‫في تولية اإلمام إذا كان تملك القدرة على ذلك‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫في نهاية هذه الدراسة يمكن أن أسجل بعض النتائ المهمة في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -8‬يمكن تقرير قاعدة في مسألة الخطأ والصواب في االجتهاد والقول بأن‬
‫كل مجتهد مصيب في الفروع الفقهية الظنية؛ ألن مجال االجتهاد يكون في‬
‫الظنيات؛ حيث ال ن قطعي في المسألة‪ ،‬وبالتالي ال يوجد حكم متعين من هللا‬
‫تعالى فيها‪ ،‬وما يسميه البعض أدلة إنما هو مجرد أمارات نصبها الشارع الحكيم‬
‫لموافقة طباع المجتهدين‪ .‬وما يظهر من تعارض بين آراء المجتهدين في‬
‫المسألة الواحدة ال يعد تناقضا بقدر ما هو مراعاة من الشارع الختالف أحوال‬
‫المكلفين‪.‬‬
‫‪ -2‬هذه القاعدة لها بعض المست نيات‪ ،‬وهي المسائل التي ترجع إلى تحقيق‬
‫مناط النصوص والقواعد الشرعية‪ ،‬فيكون الخطأ فيها مجازيا؛ بمعنى أن‬
‫الخطأ ي ب في حق المجتهد لكن على سبيل اإلضافة إلى عدم وصوله إلى‬
‫مطلوبه؛ ال إلى ما وجب عليه وهو اتباع ما غلب على فنه‪ ،‬ألن الحق في هذا‬
‫النوع م ن المسائل واحد متعين عند هللا‪ ،‬وهي مسائل ال تتعلق باالجتهاد النظري‬
‫الذي ينفرد بممارسته علماء الشريعة‪ ،‬بل تتعلق باالجتهاد التطبيقي وهي جوانب‬
‫فنية علمية تقديرية تسند إلى خبراء وعلماء متخصصين في ميادين مختلفة‬
‫كالقضاء والطب واالقتصاد وغيرها‪ .‬وعليه فالقاعدة مطردة في مجالها‪.‬‬
‫‪ -0‬عند تطبيق هذه القاعدة بقيودها ومست نياتها على بعض مسائل السياسة‬
‫الشرعية الواردة في كتاب األحكام السلطانية للماوردي‪ ،‬فهر للباحث انسجام‬

‫‪68‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫تام بين القاعدة وهذه الفروع التابعة لها؛ حيث تبين صواب جميع اآلراء الواردة‬
‫في كل مسألة من المسائل المدروسة على مستوى تعيين المناط‪ .‬أما على‬
‫مستوى تحقيق المناط فقد تبين صواب الرأي الهي تبنى أصحاب نظرا مصلحيا‪،‬‬
‫وخطأ اآلراء التي تبنى أصحابها نظرا ً فاهريا أو قياسيا‪ .‬ومع ذلك فيمكن أن‬
‫نصف اآلراء األخرى باإلصابة على مستوى تحقيق المناط أيضا ألن خطأها‬
‫حاالت است نائية للمجتمع‬ ‫يتعل ق بإطار ما يجب أن يكون‪ ،‬وصوابها يخ‬
‫اإلسالمي في الزمان والمكان‪.‬‬
‫‪ -4‬يمكن لولي األمر أن يتبنى من اآلراء الفقهية المختلفة التي تصدر عن‬
‫مجلس الشورى في المسألة النازلة ما يكون مستندا إلى المصلحة‪ ،‬وهذه‬
‫المصلحة تبين أنها وسيلة شرعية لكي تحقق المقصد الشرعي ‪-‬الذي يتفق عليه‬
‫عادة جميع الفقهاء المجتهدين‪ -‬ينبغي أن تتناسب مع قوة وضعف المجتمع‬
‫اإلسالمي دينا وجسما في الزمان والمكان المحددين‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬


‫‪ -1‬إبراهيم بن موسى الشاطبي(ت‪097‬هـ)‪ :‬الموافقات‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهوربن‬
‫حسن آل سلمان‪ ،‬دار ع مان ابن عفان للنشر والتوزيع‪ :‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ط‪ 1410 ،1‬هـ ‪1990-‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬إبراهيم بن موسى الشاطبي(ت‪097‬هـ)‪ :‬االعتصام‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد الشافي‪ ،‬دار‬
‫اشريفة‪ :‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -1‬أحمد بن الحسين البيهقي(ت‪454‬هـ)‪ :‬سنن البيهقي الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع عبد القادر‬
‫عطا‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ :‬مكة المكرمة‪ 1414 ،‬هـ‪1994-‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ( ت‪024‬هـ)‪ :‬مجموع فتاوي ابن تيمية‪ ،‬مجمع الملك‬
‫فهد‪ :‬المدينة المنورة‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬شهاب الدين أحمد بن أبي العالء القرافي(‪644‬هـ)‪ :‬الذخيرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع حجي‪،‬‬
‫دار الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪ 1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬عبد الوهاب الشعراني (ت ‪901‬هـ)‪ :‬الميزان الكبرى‪ ،‬مكتبة ال قافة الدينية‪:‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪2774 ،1‬م‪.‬‬
‫‪-0‬عبد الرحيم بن الحسن األسنوي(ت ‪002‬هـ)‪ ،‬نهاية السول شرح منهاج الوصول‪،‬‬
‫عالم الكتب‪ :‬الرياض‪.‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪65‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫‪ -4‬عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني(ت‪ 544‬هـ)‪ :‬الملل والنحل‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬أمير علي مهنا‪ ،‬علي حسن قاعود‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬علي بن ع الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن‬
‫عميرة‪ ،‬دار االعتصام‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -17‬ع بن ع أبو حامد الغزالي (ت ‪575‬هـ)‪ :‬المستصفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمزة بن زهير‬
‫حاف ‪ ،‬شركة المدينة المنورة للطباعة‪ :‬المدينة المنورة‪.‬‬
‫‪ -11‬ع أبو زهرة‪ :‬تاريب المذاهب اإلسالمية في السياسة والعقائد وتاريب المذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬دار الفكر العربي‪ :‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -12‬ع بن إسحاه ابن خزيمة (ت‪111‬هـ)‪ :‬صحيح ابن خزيمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع مصطفى‬
‫األعظمي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪1197 ،‬هـ‪1907-‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬ع بن إسماعيل البخاري(ت ‪256‬هـ)‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬دمشق‪ :‬دار ابن ك ير‪،‬‬
‫ط‪1421 ،1‬هـ‪2772-‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬ع بن الحسين أبو يعلى الفراء (ت‪454‬هـ)‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع حامد‬
‫الفقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪2777 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬ع بن علي الشوكاني(ت ‪1257‬هـ)‪ :‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم‬
‫األصول‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبي حف سامي بن العربي األشري‪ ،‬دار الفضيلة‪ :‬الرياض‪،‬‬
‫ط‪2777 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬ع بن عيسى الترمذي(ت‪209‬هـ)‪ :‬الجامع الصحيح سنن الترمذي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬
‫ع شاكر وآخرون‪ ،‬بيروت‪ :‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ -10‬ع مصطفى الزحيلي‪ :‬القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب األربعة‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ :‬دمشق‪1420 ،‬هـ‪2776-‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬ع بن يزيد ابن ماجه(ت‪ 201‬هـ)‪ :‬سنن ابن ماجه‪ ،‬دار الفكر‪ :‬بيروت‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫ع فؤاد عبد الباقي‪.‬‬
‫‪ -19‬محمود شلتوت‪ :‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروه‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط‪1945 ،11‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬مسلم بن الحجاج بن مسلم (ت‪261‬هـ)‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع فؤاد عبد‬
‫الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ :‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -21‬منصور بن ع‪ ،‬أبو المظفر السمعاني(ت‪449‬هـ)‪ :‬قواطع األدلة‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع‬
‫حسن إسماعيل الشافعي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪ ،‬ط‪1990 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬وهبة الزحيلي‪ :‬أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر‪ :‬دمشق‪ ،‬ط‪1946 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬يعقوب بن إبراهيم‪ ،‬أبو يوسف(ت‪142‬هـ)‪ :‬الخراج‪ ،‬دار المعرفة للطباعة‬
‫والنشر‪ :‬بيروت‪ 1909 ،‬م‪.‬‬

‫‪60‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬


‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ -1‬إبراهيم بن موسى الشاطبي(ت ‪ 097‬هـ)‪ :‬الموافقات‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن‬
‫آل سلمان‪ ،‬دار ع مان ابن عفان للنشر والتوزيع‪ :‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪ 1410 ،1‬هـ‬
‫‪ 1990-‬م‪ ،‬ج‪.01 ،5‬‬
‫‪ -2‬عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني(ت ‪ 544‬هـ)‪ :‬الملل والنحل‪ ،‬دار المعرفة‪:‬‬
‫‪.242‬‬ ‫بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬أمير علي مهنا‪ ،‬علي حسن فاعود‪ ،‬ط‪1991 ،1‬م‪ .‬ج‪،1‬‬
‫‪ - 3‬إبراهيم بن موسى الشاطبي(ت ‪ 097‬هـ)‪ :‬الموافقات‪ ،‬ج‪.92 ،2‬‬
‫‪ -4‬ع بن ع أبو حامد الغزالي (ت ‪575‬هـ)‪ :‬المستصفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمزة بن زهير حاف ‪،‬‬
‫شركة المدينة المنورة للطباعة‪ :‬المدينة المنورة‪ ،‬ج‪.51 ،4‬‬
‫‪ -5‬محمود شلتوت‪ :‬اإلسالم عقيدة وشريعة‪ ،‬دار الشروه‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط‪1945 ،1‬م‪-445 .‬‬
‫‪.446‬‬
‫‪ -6‬محمود شلتوت‪ :‬م‪ .‬س‪.446-445 ،‬‬
‫‪ -7‬تأويل هذا الكالم يظهر في الفرع ال اني من المطلب ال اني‪.‬‬
‫‪ -8‬ع أبوزهرة‪ :‬تاريب المذاهب اإلسالمية في السياسة والعقائد وتاريب المذاهب الفقهية‪ ،‬دار‬
‫الفكر العربي‪ :‬القاهرة‪.0 ،‬‬
‫‪ -9‬ع بن علي الشوكاني (ت ‪1257‬هـ)‪ :‬إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم األصول‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬أبي حف سامي بن العربي األشري‪ ،‬دار الفضيلة‪ :‬الرياض‪ ،‬ط‪2777 ،1‬م ج‪،1‬‬
‫‪.1760‬‬
‫‪ -10‬أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية( ت‪024‬هـ)‪ :‬مجموع فتاوى ابن تيمية‪ ،‬مجمع الملك فهد‪:‬‬
‫المدينة المنورة‪1995 ،‬م‪ .‬ج‪.277 ،27‬‬
‫‪ -11‬ع بن ع أبو حامد الغزالي (ت ‪575‬هـ)‪ :‬المستصفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬حمزة بن زهير حاف ‪،‬‬
‫شركة المدينة المنورة للطباعة‪ :‬المدينة المنورة ‪ ،‬ج‪.49-44 ،4‬‬
‫‪.241‬‬ ‫‪ - ،49-44‬الشهرستاني‪ :‬م‪ .‬س‪ ،‬ج‪،1‬‬ ‫‪ -12‬الغزالي (ت ‪575‬هـ)‪ :‬م‪.‬ن‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫‪ -13‬يقول الشاطبي عن انقسام الدين إلى ثالث مراتب‪" :‬فإن حف الدين حاصله في ثالث‬
‫معان اإلسالم واإليمان واإلحسان فأصلها في الكتاب وبيانها في السنة"‪ ،‬الموافقات‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫‪ ،140‬ويقول ابن تيمية‪" :‬الدين هو اإلسالم واإليمان واإلحسان‪ ،‬فتبين أن ديننا يجمع‬
‫ال الثة لكن هو درجات ثالث‪ :‬مسلم ثم مؤمن ثم محسن"‪ ،‬مجموع الفتاوى‪ ،‬ج‪،17 ،0‬‬
‫أما عن قوة وضعف البدن فيستند إلى قول هللا عز وجل‪ :‬فاتقوا هللا ما استطعتم‪( ‬التغابن‪:‬‬
‫‪.)16‬‬
‫‪ -14‬شهاب الدين أحمد بن أبي العالء القرافي(‪644‬هـ)‪ :‬الذخيرة‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع حجي‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪ 1994 ،‬م‪ ،‬ج‪.46-45 ،17‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪67‬‬


‫قاعدة "كل مجتهد مصيب" وتطبيقاتها في السياسة الشرعية الدستورية‬

‫‪ -15‬نقول هذا الكالم ألنه حتى المسائل التي توصف بأن الحق فيها غير متعين عند هللا تعالى‬
‫ليس المقصود منها عدم التحديد بل المقصود تعدد الحق وإنما عدم التعيين المقصود به عدم‬
‫انفراد الحق في جهة واحدة‪.‬‬
‫‪ -16‬الغزالي (ت ‪575‬هـ)‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.00 ،4‬‬
‫‪ -17‬ورد في "نهاية السول في شرح منهاج الوصول" ما يؤيد هذا الكالم واعتبار هذا النوع‬
‫ليس اجتهادا ً بالمعنى الشرعي وإنما هو اجتهاد بالمعنى الخا ‪" :‬وهذا الحد فاسد الشتماله‬
‫على التكرار‪ ،‬وألنه يدخل فيه ما ليس باجتهاد في عرف الفقهاء كاالجتهاد في العلوم‬
‫اللغوية والعقلية والحسية‪ ،‬وفي األمور العرفية‪ ,‬وفي االجتهاد في قيم المتلفات وأروش‬
‫الجنايات‪ ،‬وجهة القبلة‪ ،‬وطهارة األواني وال ياب "‪( .‬عبد الرحيم بن الحسن األسنوي (ت‬
‫‪).524‬‬ ‫‪002‬هـ)‪ ،‬نهاية السول شرح منهاج الوصول‪ ،‬عالم الكتب‪ :‬الرياض‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫‪ -18‬الغزالي (ت ‪575‬هـ)‪ :‬الغزالي‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.174 ،4‬‬
‫‪ -19‬لمزيد االطالع على أهمية هذه القاعدة انظر‪ :‬ع مصطفى الزحيلي‪ :‬القواعد الفقهية‬
‫وتطبيقاتها في المذاهب األربعة‪ ،‬دار الفكر‪ :‬دمشق‪1420 ،‬هـ‪2776-‬م‪ ،‬ج‪.492 ،1‬‬
‫‪ -20‬اكتفي ببعض المسائل ألن المجال ال يتسع لذكر جميعها‪ ،‬وحرص على ذكرها مرتبة‬
‫كما وردت في كتاب "األحكام السلطانية" حتى ال أتهم بتخير المسائل التي تتفق مع توجه‬
‫الباحث‪.‬‬
‫‪ -21‬الماوردي‪،‬علي بن ع (ت ‪457‬هـ)‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن عميرة‪،‬‬
‫دار االعتصام‪ :‬القاهرة‪ ،‬ج‪ 64-61 ،1‬بتصرف‪.‬‬
‫‪ -22‬في هذه الحالة يكون هذا أصحاب هذا الرأي أصابوا تحقيق المناط‪.‬‬
‫‪ -23‬الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.65 ،1‬‬
‫‪ - 24‬عن عبد الرحمن بن سمرة‪ ،‬قال‪ :‬قال لي النبي ملسو هيلع هللا ىلص‪ ( :‬يا عبد الرحمن بن سمرة‪ ،‬ال تسأل‬
‫اإلمارة ‪ ،‬فإنك إن أعطيتها عن مسألة‪ ،‬وكل إليها‪ ،‬وإن أعطيتها عن غير مسألة‪ ،‬أعن‬
‫عليها‪ ،)...‬صحيح البخاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع زهير بن ناصر الناصر‪ ،‬دار طوه النجاة‪:‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ‪ ،‬ج‪.61 ،9‬‬
‫‪ -‬وعن أبي ذر قال‪ :‬قل ‪ :‬أال تستعملني يا رسول هللا فضرب بيده على منكبي ثم قال‪( :‬إنك‬
‫ضعيف‪ ،‬وإنها أمانة‪ ،‬وإنها يوم القيامة خزي وندامة‪ ،‬إال من أخذها بحقها‪ ،‬وأدى الذي عليه‬
‫فيها)‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ :‬بيروت‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪.450‬‬
‫‪ -‬وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن رسول هللا ملسو هيلع هللا ىلص قال‪( :‬إنكم ستحرصون على اإلمارة‪،‬‬
‫وستكون ندامة يوم القيامة‪ ،)...‬البخاري‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.61 ،9‬‬
‫‪.65‬‬ ‫‪ -25‬الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫‪62‬‬ ‫مجلة اإلحياء‬
‫د‪.‬الطيب بن حرز هللا‬

‫‪ -26‬لم يذكر الماوردي دليل هذا الفريق‪ ،‬وذكره الفراء (أبو يعلى ع بن الحسين) في‬
‫كتابه"األحكام السلطانية"ـ تحقيق‪ :‬ع حامد الفقي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت‪2777 ،‬م‪،‬‬
‫العكبري بإسناده عن ابن شبرمة أن الناس‬ ‫‪ .21‬ولف الحديث‪ :‬ما رواه أبو حف‬
‫تشاحوا في األذان يوم القادسية‪ ،‬فأقرع بينهم سعد"‪ ،‬سنن البيهقي الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬ع عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬مكتبة دار الباز‪ :‬مكة المكرمة‪ 1414 ،‬هـ‪1994-‬م‪ ،‬رقم‪ ،1461 :‬ج‪،1‬‬
‫‪.424‬‬
‫‪ -27‬الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.66-65 ،1‬‬
‫‪ -28‬الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.65 ،1‬‬
‫‪ -29‬الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.65 ،1‬‬
‫‪ -30‬الماوردي (ت ‪457‬هـ)‪ :‬م‪.‬س‪ ،‬ج‪.66 ،1‬‬
‫‪ -31‬العلماء في هذه الحال يم لون األمة بعلمهم‪ ،‬ولكن ال قوة لهم‪.‬‬

‫العدد‪ - 52 :‬جوان ‪5050‬‬ ‫‪67‬‬

You might also like