You are on page 1of 6

‫االطار المفاهيمي لالستثمار‬ ‫الفصل األول‬

‫يحتل موضوع االستثمار مكانة هامة في السياسات التنموية للحكومات‪ .‬فهو أحد المكونات‬
‫األساسية للطلب الكلي‪ ،‬و الكفيل بتوفير مناصب الشغل و إنتاج السلع و الخدمات التـ يحتاجها‬
‫ي المجتمع ألغراض االستهالك النهائي و الوسيط أو بهدف التصدير‪ .‬و له آثار متنوعة‬
‫على االقتصاد الوطني ككل؛ لذلك استوجب على الحكومات إدارة النشاط االستثماري و‬
‫توفير الظروف المناسبة لـه و إزالة العراقيل التي تعيقه و توجيهه نحو تحقيق المنافع‬
‫االقتصادية و االجتماعية الكلية دون المساس بمصالح أولئك القائمين به المستثمرين)‪ .‬أي‬
‫وضع سياسة استثمارية رشيدة‪.‬‬

‫و تسعى الحكومات إلى تحقيق االستقرار االقتصادي المتزامن مع نسب مرتفعة من التنمية‬
‫االقتصادية‪ .‬هذه األخيرة تحتاج إلى تنشيط االستثمار وتحفيز المستثمرين على زيادة‬
‫استثماراتهم‪.‬‬

‫غير أن نواحي االستثمار متنوعة و متعددة و تستدعي تمويالت قد تفوق المتوفر منها محليا‪،‬‬
‫األمر الذي يدفع الحكومات إلى البحث عن مصادر خارجية لتمويل برامج استثماراتها و م ـنـ‬
‫بـيـن هـذه المصادر و األكثر تدفقا خالل العقدين األخيرين االستثمار األجنبي المباشر‪.‬‬

‫و في هذا الفصل سنتناول مفهوم االستثمار و تطوره التاريخي‪ .‬من خالل مبحثين‪ ،‬حيث‬
‫خصص األول للتعريف بمفهوم االستثمار من الناحيتين اللغوية و االقتصادية مع استعراض‬
‫مختلف أنواعـه و أدواته المادية و المالية‪.‬‬
‫االطار المفاهيمي لالستثمار‬ ‫الفصل األول‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم االستثمار‪.‬‬

‫نستعرض في هذا المبحث مفهوم االستثمار و أنواعه و أدواته‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم االستثمار‪.‬‬

‫لكل لفظ معنا لغويا و آخر اصطالحيا‪ ،‬واالستثمار ال يخرج عن هذه القاعدة‪ .‬لذلك نتناول‬

‫تعريفه لغة و في االصطالح االقتصادي ثم في االتفاقيات الدولية معقبين بتعريف المشرع‬


‫الجزائري له (االستثمار) ‪ .‬و أخيرا نحاول اقتراح ملخص لهذه التعاريف وفق ما يناسب‬
‫طبيع ــة‬

‫هذه الدراسة‪.‬‬

‫أوال االستثمار لغة‪.‬‬

‫االستثمار كلمة مشتقة من الثمر‪ .‬و الثمر حمل الشجر و أنواع المال"‪ ،1‬يطلق الثمر على عدة‬
‫‪2‬‬
‫معان‪ ،‬منها‪:‬‬

‫حمل الشجر‪ ،‬و هو ما ينتجه الشجر‪ ،‬و يطلق مجازا على الولد‪ ،‬و منه قولهم عن‬ ‫‪-1‬‬
‫الولد ثمرة الفؤاد ‪.‬‬
‫المال‪ ،‬و منه ما نسبه اإلمامان الطبري و النيسابوري إلى بعض المفسرين لقولـه‬ ‫‪-2‬‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬و كان له ثمر فقال لصاحبه و هو يحاوره أنا أكثر منك ماال و أعز نفرا﴾‬
‫[الكهف‪ :‬اآلية ‪ ]34‬قالوا بأن المراد بالثمر في هذا المقام المال الكثير من صنوف‬
‫المال‪.‬‬
‫النماء و الزيادة‪ ... ،‬و إنما سميت الزيادة ثمرا ألنها زائدة عن أصل المال‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫‪ 1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬المجلد الرابع‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ، 1955 ،‬ص ‪ 104‬نقال عن قطب مصطفى سانو ‪ ،‬االستثمار‪:‬‬
‫أحـكـامـــه و ضوابطه في الفقه اإلسالمي‪ ،‬دار النفائس للنشر و التوزيع‪ ،‬األردن‪ ،2000 ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ 2‬قطب مصطفى سانو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 16‬بتصرف‪.‬‬
‫االطار المفاهيمي لالستثمار‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -‬يقال‪ :‬ثمر الرجل ماله‪ :‬نماه و كثره‪ 3.‬و ثمر اهلل مالك أي كثّره‪ 4‬و استثمر الشيء جعله‬
‫يثمر فيستعمل لفظ استثمار‪ ،‬و هو مصدر استثمر للداللة على ‪"5‬طلب الحصول على الثمر و‬
‫السعي للحصول عليه و االنتفاع به‪ 6.‬كما يستخدم لفظ استثمار كمرادف لالنتفاع‬
‫‪7‬‬
‫واالستغالل‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫مما سبق نقول أن االستثمار" لغة‪ ،‬يراد به طلب ثمر المال الذي هو نماؤه و نتاجه‪".‬‬

‫و الجدير بالذكر هنا‪ ،‬أن فقهاء و علماء اللغة العربية‪ ،‬يقولون بأن األلف و السين و إذا‬
‫زيدت في أول الفعل أفادت الطلب فإذا قيل‪ :‬استثمر ماله استثمارا‪ ،‬فمعناه طلب ثمرة المال‪،‬‬
‫‪9‬‬
‫أي طلب الزيادة والنماء و التكثير لماله‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬االستثمار& في االصطالح االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -1‬أما في االصطالح االقتصادي نورد التعاريف التالية لالستثمار‪ ،‬على سيبل الذكر ال‬
‫الحصر‪ :‬االستثمار هو‪ :‬تخصيص رأسمال للحصول على وسائل إنتاجية جديدة أو لتطوير‬
‫الوسائل الموجودة لغاية زيادة الطاقة اإلنتاجية‪ .‬و هو أيضا " تكوين رأس المال العيني الجديد‬
‫‪10‬‬
‫الذي يتمثل في زيادة الطاقة االنتاجية"‬

‫‪ -2‬كما يعرف االستثمار بأنه " كل تضحية بالموارد حاليا بهدف الحصول منها في المستقبل‬
‫على مداخيل خالل فترة زمنية ممتدة يكون مبلغها اإلجمالي أكبر من اإلنفاق األولي‪ 11".‬أي‬
‫هو " تضحية بقيم (مبالغ) مالية مؤكدة في سبيل الحصول على قيم أكبر غير مؤكدة المستقبل‬
‫‪12‬‬
‫‪ .‬و يشير هذا التعريف األخير إلى ثالثة عناصر أساسية تصاحب عملية االستثمار و هي‪:‬‬

‫الفيروز آبادي القاموس المحيط‪ ،‬بيت األفكار الدولية ‪ ،‬لبنان‪ ،2004 ،‬ص ‪.232‬‬ ‫‪3‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ص ‪106‬‬ ‫‪4‬‬

‫المنجد في اللغة و األعالم ‪ ،‬ط ‪ ،30‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص ‪.74‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 6‬هناء عبد الغفار‪ ،‬االستثمار األجنبي المباشر و التجارة الدولية ‪ :‬الصين أنموذجا‪ ،‬بيت الحكمة ‪ ،‬بغداد‪ ،2002 ،‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 7‬المنجد األبجدي‪ ،‬ط ‪ ، 5،‬دار المشرق‪ ،‬بيروت‪ ،1986 ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ 8‬قطب م حسين بني هاني‪ ،‬حوافز االستثمار في النظام االقتصادي اإلسالمي‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار الكندي‪ ،‬األردن‪ ،2004 ،‬ص ‪ .40‬صطفى سانو‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫‪ 9‬محمد بشير علية‪ ،‬القاموس االقتصادي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بدون سنة نشر‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 10‬علي لطفي دراسات اقتصادية‪ ،‬ط‪ ،1999/1998 ،2‬ص ‪216‬‬
‫‪ 11‬سعيد توفيق عبيد االستثمار في األوراق المالية‪ ،‬مكتبة عين شمس‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص ‪. 23‬‬
‫‪ 12‬المرجع السابق‪ ،‬ص ص ‪24-23‬‬
‫االطار المفاهيمي لالستثمار‬ ‫الفصل األول‬

‫التضحية بقيم مالية أو مبالغ في الوقت الحالي‪.‬‬ ‫‪‬‬


‫توقع الحصول على قيم أكبر مستقبال مما يعني انتظار عائد من االستثمار‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫أن هذا العائد المنتظر الحصول عليه ليس مؤكدا أي تصاحبه درجة ما من عدم‬ ‫‪‬‬
‫التأكد‪.‬‬

‫و يعتبر عنصر عدم التأكد أساس التفرقة بين االستثمار و االدخار‪ ،‬إذ أن هذا األخـير‬
‫(االدخار) عائد مؤكد‪.‬‬

‫‪ 3 -‬و هناك من يعرف االستثمار بأنه‪" :‬نشاط اقتصادي يتخلي عن جزء من االستهالك‬
‫اليوم‪ ،‬و يتطلع إلى زيادة المخرجات في المستقبل‪ .‬و هو يتضمن رأس مال مادي ملموس‬
‫(أبنية و معدات و بضائع مخزونة) و استثمارات غير ملموسة (التعليم أو «رأس المال‬
‫‪13‬‬
‫البشـري»‪ ،‬البحــوث و التطوير‪ ،‬و الصحة")‪.‬‬

‫‪ 4 -‬االستثمار هو كل ما ينفق من أجل الحصول على مردود أكبر في المستقبل(‪ )2‬هذا من‬
‫خالل و امتالك أصل من األصول على أمل أن يتحقق من ورائه عائدا في المستقبل‪ 14.‬و‬
‫االستثمار قد يكون في أصل حقيقي أو في أصل مالي‪ ".‬و هو ما اعتمده طاهر حيدر حردان‪،‬‬
‫‪15‬‬
‫إذ ميز بين معنيين لالستثمار هما‪:‬‬

‫أ‪ -‬االستثمار بالمعنى االقتصادي‪ :‬في االقتصاد غالبا ما يقصد باالستثمار معنى اكتساب‬
‫الموجودات المادية و ذلك ألن االقتصاديين ينظرون إلى التوظيف أو التثمير لألموال على‬
‫أنه مساهمة في اإلنتاج‪ .‬و اإلنتاج هو ما يضيف منفعة أو يخلق منفعة تكون على شكل سلع‬
‫و خدمات هذا اإلنتاج ل ــه عدة عناصر مادية و بشرية و مالية و بالتالي فإذا كان المال‬
‫عنصر إنتاج فالبـ ـدـ أن يكون على شكل خلق طاقة إنتاجية جديدة أو توسيع طاقة إنتاجية‬
‫‪16‬‬
‫موجودة‪.‬‬

‫‪ 13‬بول آ‪ .‬سامویلسون‪ ،‬و ويليام د‪ .‬نوردهاوس‪ ،‬ترجمة الطبعة الخامسة عشر ‪ :‬هشام عبد هللا االقتصاد‪ ،‬ط ‪ ، 2‬األهلية للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان‬
‫(األردن)‪ ،2006،‬ص ‪.779‬‬
‫‪ 14‬بشير عباس العالق‪ ،‬المعجم الشامل لمصطلحات العلوم اإلدارية المحاسبية‪ ،‬التمويل و المصارف‪ ،‬ط ‪ ، 1‬الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع و‬
‫اإلعالن‪ ،‬بنغازي‪ ،‬الجاهيرية الليبية ‪ ،1996‬ص ‪.269‬‬
‫‪ 15‬منير ابراهيم هندى‪ ،‬أساسيات االستثمار في األوراق المالية‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬االسكندرية‪ ،1999 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ 16‬طاهر حيدر حردان مبادئ االستثمار‪ ،‬دار المستقبل للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ، 1997 ،‬ص ص ‪.14-13‬‬
‫االطار المفاهيمي لالستثمار‬ ‫الفصل األول‬

‫ب‪ -‬االستثمار في اإلدارة المالية عادة ينظر إلى االستثمار (من قبل رجال اإلدارة) على أنه‬
‫اكتساب الموجودات المالية و حسب و يصبح االستثمار في هذا المعنى هو التوظيف المالي‬
‫في األوراق و األدوات المختلفة من أسهم و سندات و ودائع‪ ...‬الخ‪ 17.‬أي من وجهة النظر‬
‫الـ ـم ــالية‪،‬ـ يتكون االستثمار من " كل إنفاق يحدث مداخيل – أو اقتصاد – في فترة طويلة و‬
‫بالتالي يسترجع خالل عدة سنوات‪ ".‬أي حبس أرصدة حاضرة بغرض الحصول على عائد‬
‫‪18‬‬
‫مستقبل في صورة دخل أو على هيئة زيادة في قيمة رأس المال‪.‬‬

‫وفق هذا المفهوم‪ " ،‬فإن عملية االستثمار تقتضي أن تكون القيمة المتوقع الحصول عليها‬

‫كمداخيل مستقبلية على األقل تساوي الدخل الحالي المخصص النجاز هذه العملية‬
‫(االستثمار)"‬

‫ثالثا ‪ -‬تعريف االستثمار في التشريع الجزائري‪.‬‬

‫أصدر المشرع الجزائري منذ االستقالل إلى سنة ‪ 2000‬مجموعة من القوانين تخص‬
‫االستثمارات‪ ،‬و لم يتعرض في أي منها إلى تعريف االستثمار‪ .‬لكنه في األمر رقم ‪03-01‬‬
‫الصادر سنة ‪ 2001‬و المتعلق بتطوير االستثمار تناول هذا المصطلح في مادته الثانية‬
‫‪19‬‬
‫كالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬يقصد باالستثمار في مفهوم هذا األمر ما يأتي‪:‬‬

‫اقتناء أصول تندرج في إطار استحداث نشاطات جديدة‪ ،‬أو توسيع قدرات اإلنتاج‪ ،‬أو‬ ‫‪-1‬‬
‫إعادة التأهيل‪ ،‬أو إعادة الهيكلة‪،‬‬
‫المساهمة في رأسمال مؤسسة في شكل مساهمات نقدية أو عينية‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫استعادة النشاطات في إطار خوصصة جزئية أو كلية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫رابعا ‪ -‬حوصلة حول تعريف االستثمار‪.‬‬

‫طاهر حيدر حردان مبادئ االستثمار‪ ،‬دار المستقبل للنشر و التوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ، 1997 ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪17‬‬

‫عبد الفتاح مراد ‪ ،‬موسوعة مصطلحات الجات ومنظمة التجارة العالمية الناشر) و بلد و سنة النشر مجهولين)‪ ،‬ص ‪.407‬‬ ‫‪18‬‬

‫الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية‪ ،‬العدد ‪ ،47‬الصادر بتاريخ ‪ ،2001.08.22‬ص ‪.5‬‬ ‫‪19‬‬
‫االطار المفاهيمي لالستثمار‬ ‫الفصل األول‬

‫‪20‬‬
‫من جملة التعاريف السابقة لالستثمار يالحظ ما يلي‪:‬‬

‫‪ -‬أن االستثمار عملية مقرونة بإضافة أو تطوير أو تحديث األصل من األصول بهدف زيادة‬
‫أو إحالل أو تجديد لطاقة قائمة‪ ،‬و أن هذه العملية تدر دخال يستخدم إلشباع حاجات حالية أو‬
‫مستقبلية‪.‬‬

‫‪ 20‬محمد سعيد بسيوني الجرواني‪ ،‬محددات االستثمار‪ R‬في مصر في الفترة ‪ 1997-1975‬رسالة دكتوراه‪ ،‬كلية التجارة‪ ،‬جامعة قناة السويس‪،2002 ،‬‬
‫ص ص ‪4-3‬‬

You might also like