Professional Documents
Culture Documents
يحتل موضوع االستثمار مكانة هامة في السياسات التنموية للحكومات .فهو أحد المكونات
األساسية للطلب الكلي ،و الكفيل بتوفير مناصب الشغل و إنتاج السلع و الخدمات التـ يحتاجها
ي المجتمع ألغراض االستهالك النهائي و الوسيط أو بهدف التصدير .و له آثار متنوعة
على االقتصاد الوطني ككل؛ لذلك استوجب على الحكومات إدارة النشاط االستثماري و
توفير الظروف المناسبة لـه و إزالة العراقيل التي تعيقه و توجيهه نحو تحقيق المنافع
االقتصادية و االجتماعية الكلية دون المساس بمصالح أولئك القائمين به المستثمرين) .أي
وضع سياسة استثمارية رشيدة.
و تسعى الحكومات إلى تحقيق االستقرار االقتصادي المتزامن مع نسب مرتفعة من التنمية
االقتصادية .هذه األخيرة تحتاج إلى تنشيط االستثمار وتحفيز المستثمرين على زيادة
استثماراتهم.
غير أن نواحي االستثمار متنوعة و متعددة و تستدعي تمويالت قد تفوق المتوفر منها محليا،
األمر الذي يدفع الحكومات إلى البحث عن مصادر خارجية لتمويل برامج استثماراتها و م ـنـ
بـيـن هـذه المصادر و األكثر تدفقا خالل العقدين األخيرين االستثمار األجنبي المباشر.
و في هذا الفصل سنتناول مفهوم االستثمار و تطوره التاريخي .من خالل مبحثين ،حيث
خصص األول للتعريف بمفهوم االستثمار من الناحيتين اللغوية و االقتصادية مع استعراض
مختلف أنواعـه و أدواته المادية و المالية.
االطار المفاهيمي لالستثمار الفصل األول
لكل لفظ معنا لغويا و آخر اصطالحيا ،واالستثمار ال يخرج عن هذه القاعدة .لذلك نتناول
هذه الدراسة.
االستثمار كلمة مشتقة من الثمر .و الثمر حمل الشجر و أنواع المال" ،1يطلق الثمر على عدة
2
معان ،منها:
حمل الشجر ،و هو ما ينتجه الشجر ،و يطلق مجازا على الولد ،و منه قولهم عن -1
الولد ثمرة الفؤاد .
المال ،و منه ما نسبه اإلمامان الطبري و النيسابوري إلى بعض المفسرين لقولـه -2
تعالى ﴿ :و كان له ثمر فقال لصاحبه و هو يحاوره أنا أكثر منك ماال و أعز نفرا﴾
[الكهف :اآلية ]34قالوا بأن المراد بالثمر في هذا المقام المال الكثير من صنوف
المال.
النماء و الزيادة ... ،و إنما سميت الزيادة ثمرا ألنها زائدة عن أصل المال. -3
1ابن منظور ،لسان العرب ،المجلد الرابع ،بيروت ،دار صادر ، 1955 ،ص 104نقال عن قطب مصطفى سانو ،االستثمار:
أحـكـامـــه و ضوابطه في الفقه اإلسالمي ،دار النفائس للنشر و التوزيع ،األردن ،2000 ،ص .15
2قطب مصطفى سانو ،مرجع سابق ،ص 16بتصرف.
االطار المفاهيمي لالستثمار الفصل األول
-يقال :ثمر الرجل ماله :نماه و كثره 3.و ثمر اهلل مالك أي كثّره 4و استثمر الشيء جعله
يثمر فيستعمل لفظ استثمار ،و هو مصدر استثمر للداللة على "5طلب الحصول على الثمر و
السعي للحصول عليه و االنتفاع به 6.كما يستخدم لفظ استثمار كمرادف لالنتفاع
7
واالستغالل.
8
مما سبق نقول أن االستثمار" لغة ،يراد به طلب ثمر المال الذي هو نماؤه و نتاجه".
و الجدير بالذكر هنا ،أن فقهاء و علماء اللغة العربية ،يقولون بأن األلف و السين و إذا
زيدت في أول الفعل أفادت الطلب فإذا قيل :استثمر ماله استثمارا ،فمعناه طلب ثمرة المال،
9
أي طلب الزيادة والنماء و التكثير لماله.
-1أما في االصطالح االقتصادي نورد التعاريف التالية لالستثمار ،على سيبل الذكر ال
الحصر :االستثمار هو :تخصيص رأسمال للحصول على وسائل إنتاجية جديدة أو لتطوير
الوسائل الموجودة لغاية زيادة الطاقة اإلنتاجية .و هو أيضا " تكوين رأس المال العيني الجديد
10
الذي يتمثل في زيادة الطاقة االنتاجية"
-2كما يعرف االستثمار بأنه " كل تضحية بالموارد حاليا بهدف الحصول منها في المستقبل
على مداخيل خالل فترة زمنية ممتدة يكون مبلغها اإلجمالي أكبر من اإلنفاق األولي 11".أي
هو " تضحية بقيم (مبالغ) مالية مؤكدة في سبيل الحصول على قيم أكبر غير مؤكدة المستقبل
12
.و يشير هذا التعريف األخير إلى ثالثة عناصر أساسية تصاحب عملية االستثمار و هي:
الفيروز آبادي القاموس المحيط ،بيت األفكار الدولية ،لبنان ،2004 ،ص .232 3
المنجد في اللغة و األعالم ،ط ،30دار المشرق ،بيروت ،1988 ،ص .74 5
6هناء عبد الغفار ،االستثمار األجنبي المباشر و التجارة الدولية :الصين أنموذجا ،بيت الحكمة ،بغداد ،2002 ،ص .13
7المنجد األبجدي ،ط ، 5،دار المشرق ،بيروت ،1986 ،ص .58
8قطب م حسين بني هاني ،حوافز االستثمار في النظام االقتصادي اإلسالمي ،ط ، 1دار الكندي ،األردن ،2004 ،ص .40صطفى سانو ،مرجع
سابق ،ص 17
9محمد بشير علية ،القاموس االقتصادي ،بيروت ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بدون سنة نشر ،ص .32
10علي لطفي دراسات اقتصادية ،ط ،1999/1998 ،2ص 216
11سعيد توفيق عبيد االستثمار في األوراق المالية ،مكتبة عين شمس ،القاهرة ،1998 ،ص . 23
12المرجع السابق ،ص ص 24-23
االطار المفاهيمي لالستثمار الفصل األول
و يعتبر عنصر عدم التأكد أساس التفرقة بين االستثمار و االدخار ،إذ أن هذا األخـير
(االدخار) عائد مؤكد.
3 -و هناك من يعرف االستثمار بأنه" :نشاط اقتصادي يتخلي عن جزء من االستهالك
اليوم ،و يتطلع إلى زيادة المخرجات في المستقبل .و هو يتضمن رأس مال مادي ملموس
(أبنية و معدات و بضائع مخزونة) و استثمارات غير ملموسة (التعليم أو «رأس المال
13
البشـري» ،البحــوث و التطوير ،و الصحة").
4 -االستثمار هو كل ما ينفق من أجل الحصول على مردود أكبر في المستقبل( )2هذا من
خالل و امتالك أصل من األصول على أمل أن يتحقق من ورائه عائدا في المستقبل 14.و
االستثمار قد يكون في أصل حقيقي أو في أصل مالي ".و هو ما اعتمده طاهر حيدر حردان،
15
إذ ميز بين معنيين لالستثمار هما:
أ -االستثمار بالمعنى االقتصادي :في االقتصاد غالبا ما يقصد باالستثمار معنى اكتساب
الموجودات المادية و ذلك ألن االقتصاديين ينظرون إلى التوظيف أو التثمير لألموال على
أنه مساهمة في اإلنتاج .و اإلنتاج هو ما يضيف منفعة أو يخلق منفعة تكون على شكل سلع
و خدمات هذا اإلنتاج ل ــه عدة عناصر مادية و بشرية و مالية و بالتالي فإذا كان المال
عنصر إنتاج فالبـ ـدـ أن يكون على شكل خلق طاقة إنتاجية جديدة أو توسيع طاقة إنتاجية
16
موجودة.
13بول آ .سامویلسون ،و ويليام د .نوردهاوس ،ترجمة الطبعة الخامسة عشر :هشام عبد هللا االقتصاد ،ط ، 2األهلية للنشر و التوزيع ،عمان
(األردن) ،2006،ص .779
14بشير عباس العالق ،المعجم الشامل لمصطلحات العلوم اإلدارية المحاسبية ،التمويل و المصارف ،ط ، 1الدار الجماهيرية للنشر و التوزيع و
اإلعالن ،بنغازي ،الجاهيرية الليبية ،1996ص .269
15منير ابراهيم هندى ،أساسيات االستثمار في األوراق المالية ،منشأة المعارف ،االسكندرية ،1999 ،ص .5
16طاهر حيدر حردان مبادئ االستثمار ،دار المستقبل للنشر و التوزيع ،عمان ،األردن ، 1997 ،ص ص .14-13
االطار المفاهيمي لالستثمار الفصل األول
ب -االستثمار في اإلدارة المالية عادة ينظر إلى االستثمار (من قبل رجال اإلدارة) على أنه
اكتساب الموجودات المالية و حسب و يصبح االستثمار في هذا المعنى هو التوظيف المالي
في األوراق و األدوات المختلفة من أسهم و سندات و ودائع ...الخ 17.أي من وجهة النظر
الـ ـم ــالية،ـ يتكون االستثمار من " كل إنفاق يحدث مداخيل – أو اقتصاد – في فترة طويلة و
بالتالي يسترجع خالل عدة سنوات ".أي حبس أرصدة حاضرة بغرض الحصول على عائد
18
مستقبل في صورة دخل أو على هيئة زيادة في قيمة رأس المال.
وفق هذا المفهوم " ،فإن عملية االستثمار تقتضي أن تكون القيمة المتوقع الحصول عليها
كمداخيل مستقبلية على األقل تساوي الدخل الحالي المخصص النجاز هذه العملية
(االستثمار)"
أصدر المشرع الجزائري منذ االستقالل إلى سنة 2000مجموعة من القوانين تخص
االستثمارات ،و لم يتعرض في أي منها إلى تعريف االستثمار .لكنه في األمر رقم 03-01
الصادر سنة 2001و المتعلق بتطوير االستثمار تناول هذا المصطلح في مادته الثانية
19
كالتالي:
اقتناء أصول تندرج في إطار استحداث نشاطات جديدة ،أو توسيع قدرات اإلنتاج ،أو -1
إعادة التأهيل ،أو إعادة الهيكلة،
المساهمة في رأسمال مؤسسة في شكل مساهمات نقدية أو عينية، -2
استعادة النشاطات في إطار خوصصة جزئية أو كلية. -3
طاهر حيدر حردان مبادئ االستثمار ،دار المستقبل للنشر و التوزيع ،عمان ،األردن ، 1997 ،ص .14 17
عبد الفتاح مراد ،موسوعة مصطلحات الجات ومنظمة التجارة العالمية الناشر) و بلد و سنة النشر مجهولين) ،ص .407 18
الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية ،العدد ،47الصادر بتاريخ ،2001.08.22ص .5 19
االطار المفاهيمي لالستثمار الفصل األول
20
من جملة التعاريف السابقة لالستثمار يالحظ ما يلي:
-أن االستثمار عملية مقرونة بإضافة أو تطوير أو تحديث األصل من األصول بهدف زيادة
أو إحالل أو تجديد لطاقة قائمة ،و أن هذه العملية تدر دخال يستخدم إلشباع حاجات حالية أو
مستقبلية.
20محمد سعيد بسيوني الجرواني ،محددات االستثمار Rفي مصر في الفترة 1997-1975رسالة دكتوراه ،كلية التجارة ،جامعة قناة السويس،2002 ،
ص ص 4-3