Professional Documents
Culture Documents
Untitled
Untitled
بالنسبة إلى معظم تاريخ البشرية ،كان التواصل وجها لوجه هو جوهر تفاعلنا وتواصلنا اإلنساني ،لكن اليوم مع وجود
اإلنترنت وتطبيقاته FaceTime :و Skypeو WhatsAppو Snapchatبتنا نرسل الرسائل النصية والصوتية ،ونتواصل عبر
شبكات التواصل االجتماعي ،حيث إن تطبيقات التواصل االجتماعي تتيح لنا التحدث مع بعضنا بسرعة وسهولة ،وتمكننا من
التغلب على بعد املسافات ،واختالف األماكن الجغر افية .
إضافة إلى ذلك ،ال يقتصر تواصلنا اليوم عبراآلالت ،بل أصبحنا نتحدث
إلى اآلالت نفسها ،عندما نلجأ إلى مساعدين افتراضيين ،مثل Alexa :أو
، Siriونطلب منهم مثال :تشغيل األفالم املفضلة لدينا ،أو إخبارنا بتوقعات
الطقس ،لكن هذا النوع من التواصل الذي بات منتشرا بقوة ،والسيما
بين األجيال الشابة التي لم تعد تعرف الحياة من دون إنترنت ؛ أدى إلى
خسارة مهارات حياتية مهمة قد يكون أهمها :فن املحادثة ،والتفاعالت
الحسية في الحياة الو اقعية .
وأشارت دراسة حديثة قام بها مجموعة من الباحثين في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس األميركية إلى أن القدرات
االجتماعية لألطفال تتدهوربشكل كبيرعندما يعطون األولوية للتواصل الرقمي على حساب التفاعل وجها لوجه؛ وذلك ألن
الدماغ البشري يطورمع الوقت مهارات التفاعل مع التغييرات في تعابيرالوجه ،ولغة الجسد ،ونبرة الصوت ،وعندما يتم إبعاد
األطفال عن التفاعل البشري ،والقيام باملحادثات املباشرة يفقدون الكثيرمن هذه املهارات مع الوقت .
وفي تفصيل هذه الدراسة أبعد الباحثون مجموعة من األطفال تتراوح أعمارهم ما بين ( 11إلى ) 12عاما عن أي تواصل عبر
الشاشات الرقمية ،ووجدوا أنه بعد خمسة أيام فقط كان هؤالء األطفال أفضل بكثيرفي قراءة املشاعرالبشرية من أولئك
الذين يقضون ساعات طويلة في اليوم وهم ملتصقون بأجهزتهم اإللكترونية .
كما أن أبحاثا أخرى أجراها معهد ما ساتشوستس للتكنولوجيا ( ) MITوجدت أن املحادثات املطولة بين البالغين واألطفال
الذين تتراوح أعمارهم ما بين ( 4إلى ) 6أعوام تغيرطريقة تكوين الدماغ مما يزيد من مهارات التعبيراللغوي والتفاعل العاطفي
عند األطفال ،وهو أمر بالغ األهمية في تكوينهم النفس ي .
وهكذا يمكننا القول إن أبرزضحايا هذا العالم " املتصل " الذي نعيش فيه هو فن املحادثة ؛ فاليوم بتنا نرى الناس من
حولنا يمشون ورؤوسهم منحنية إلى أسفل وهم يحدقون في شاشاتهم املحمولة ،وحتى عندما يكونون بصحبة األهل أو األصدقاء
يكون الجميع ملتصقا بجهازه الخاص ،إلى درجة أنه يمكننا القول إن هذه الشاشات الرقمية على مختلف أنواعها قد استولت
على حياتنا .
لكن ماهي األسباب الفعلية لهذه الجاذبية القوية للتواصل عبرالشاشات على حساب التواصل وجها لوجه ؟ تقول األستاذة
بمعهد ما ساتشوستس للتكنولوجيا شيري توركل " :إن التواصل عبرالرسائل النصية يعطينا الوقت للتفكيرفي ردات أفعالنا
والقدرة على تعديل الرسائل وإعادة تحريرها ،وتنقيحها ،وتقديم ذاتنا بالطريقة التي نريدها مجردة من أي أخطاء ،كما أن
الشاشات تسمح لنا باالختباء وراءها ؛لتجنب املو اقف املحرجة ،حيث تكون بمنزلة جدار فاصل يحمينا من املواجهة املباشرة
في املو اقف التي تتطلب منا التعامل مع أي مشكلة من املشاكل العملية أو الشخصية أو العاطفية " .
ولقد ساد التواصل الرقمي في حياتنا لفترة طويلة إلى درجة أننا بتنا نخلط بين املحادثة و التواصل ،لكن هناك فرقا كبيرا بين
االثنين ،إن ما يقدمه لنا هذا التواصل هو بمنزلة جرعات صغيرة من املحادثات ال يمكنها أن تتراكم لتصل إلى مرتبة املحادثة
الحقيقية ،ألنها تفتقرإلى عناصر أساسية ال يمكن أن يوفرها التواصل الرقمي مهما تطورت أساليبه .
وهكذا عند التواصل في املساحات الرقمية نكون أقل تعاطفا وأكثرتشتتا ،وإذا انفصلنا عن اآلخرين ولم نتمكن من التواصل
معهم بطريقة تعاطفية فماذا يبقى من عملية التواصل الفعلية من دون املحادثات و التفاعل املباشر ؟ فمن سنصبح ؟ ومن
سيشاركنا حياتنا ؟
إن هذه أسئلة حقيقية علينا طرحها اليوم في الوقت الذي علينا أن ننظر حولنا ،وندرك أنه مع كل جاذبية التواصل عبر
الوسائط الرقمية يبقى الفضاء الرقمي عقيما من النواحي العاطفية ،وتبقى املحادثات الفعلية هي التي توجد النسيج املتين
الذي يربطنا باآلخرين ،ويحافظ على عالقاتنا اإلنسانية الفعلية .