Professional Documents
Culture Documents
مذكرة فن المنطق
مذكرة فن المنطق
ws
مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة
[]1 /1
()1/1
[]3 /1
()3/1
[]4 /1
ومن أجل ذلك قررت يف منهج هذه الكلية تدريس مادة «آداب البحث واملناظرة» ألنه هو العلم
الذي يقدر به من تعلمه على بيان مواضع الغلط يف حجة خصمه ،وعلى تصحيح مذهبه إبقامة
الدليل املقنع على صحته أو صحة ملزومه أو بطالن نقيضه وحنو ذلك.
ومن املعلوم أن املقدمات اليت ترتكب منها األدلة اليت حيتج هبا كل واحد من املتناظرين إمنا توجه
احلجة هبا منتظمة على صورة القياس املنطقي .ومن أجل ذلك كان فن آداب البحث واملناظرة
يتوقف فهمه كما ينبغي على فهم ما البد منه من فن املنطق ،ألن توجيه السائل املنع على املقدمة
الصغرى أو الكربى مثالً أو القدح يف الدليل بعدم تكرار احل هد الوسط أو ابختالل شرط من شروط
ا ِإلنتاج وحنو ذلك ال يفهمه من ال إملام له بفن املنطق.
وكانت اجلامعة قد أسندت إلينا تدريس فن آداب البحث واملناظرة ،وكان البد من وضع مذكرة متكن
طالب الفن من مقصودهم فوضعنا هذه املذكرة وبدأانها إبيضاح القواعد اليت البد منها من فن
املنطق آلداب البحث واملناظرة واقتصران فيها على املهم الذي البد منه للمناظرة ،وجئنا بتلك
األصول املنطقية خالصة من شوائب الشبه الفلسفية فيها النفع الذي ال خيالطه ضرر البتة ألهنا من
الذي خلصه علماء ا ِإلسالم من شوائب الفلسفة كما قال العالمة شيخ مشاخينا وابن عمنا املختار
بن بونة شارح األلفية واجلامع معها ألفية أخرى من نظمه تكميالً للفائدة يف نظمه يف فن املنطق.
فإن تقل حرمه النواوي وابن ... ...الصالح والسيوطي الراوي
قلت نرى األقوال ذي املخالفة ... ...حملها ما صنف الفالسفة
أما الذي خلصه من أسلما ... ...البد أن يعلم عند العلما
وأما قول األخضري يف سلمه:
()4/1
[]5 /1
[]6 /1
ومن أجل غلطه يف ذلك خترج النتيجة خمالفة للوحي الصحيح لغلط املستدل .ولو كان استعماله
للقياس املنطقي على الوجه الصحيح لكانت نتيجته مطابقة للوحي بال شك ،ألن العقل الصحيح ال
خيالف النقل الصريح.
وإيضاحه ابختصار أن القياس املنطقي نوعان:
- 1األول :االقَرتاين ،وهو املعروف ابحلملي وقياس الشمول كما سيأيت إيضاحه إن شاء هللا ،وسائر
أشكاله راجعة إىل الشكل األول ،ووجه احلكم العقلي بصحة إنتاج الشكل األول هو أن احل هد
األصغر إذا اندرج يف احل هد األوسط واندرج األوسط يف األكرب لزم عقالً اندراج األصغر يف األكرب
وهذا أمر عقلي ال شك فيه ،وال يتغي بتغي الزمان ألنه حكم عقلي قطعي اثبت.
وأما القياس االستثنائي إن كان مركباً من متصلة لزومية واستثنائية فال ينتج منه إال ضرابن،
وحاصلهما ابلتقريب للذهن أن نفي الالزم يقتضي نفي امللزوم وثبوت امللزوم يقتضي ثبوت الالزم،
وكالمها حكم عقلي قطعي اثبت ال ميكن تغيه.
واملركب من شرطية منفصلة إن كانت حقيقة مانعة مجع وخلو أنتجت ضروبه األربعة ألن نفي كل
واحد من النقيضني يستلزم وجود اآلخر ،ووجود كل واحد منهما يستلزم نفي اآلخر ،وهذه أحكام
عقلية قطعية ال تتغي حبال.
واملركب من مانعة اجلمع اجملوزة للخلو يقطع العقل بصحة إنتاج ضربيه املنتجني ألن مانعة اجلمع
املذكورة ال ترتكب إال من قضية وأخص من نقيضها فكال طرفيها أخص من نقيض اآلخر ،ولذا كان
إثبات كل واحد من طرفيها يقتضي نفي اآلخر ،ألن إثبات ما هو أخص من النقيض يستلزم إثبات
النقيض ألن ثبوت األخص يستلزم ثبوت األعم بال عكس.
وإذا ثبت النقيض علم انتفاء نقيضه قطعاً الستحالة اجتماع النقيضني فتعني أن ثبوت كل واحد من
طرفيها يقتضي نفي اآلخر ،خبالف نفي أحد الطرفني
()6/1
[]7 /1
فال يقتضي نفي اآلخر ألن نفي ما هو أخص من النقيض ال يستلزم نفي النقيض ألن نفي األخص ال
يستلزم نفي األعم ،وكذلك املركب من مانعة اخللو اجملوزة للجمع ،فإن العقل الصحيح يقطع بصحة
إنتاج الضربني املنتجني منه ،ومها العقيمان يف الذي قبله ألن مانعة اخللو اجملوزة للجمع ال ترتكب إال
من قضية وأعم من نقيضها ،فكال طرفيها أعم من نقيض اآلخر ،ولذا كان نفي كل واحد منهما
يقتضي وجود اآلخر بال عكس ،ألن نفي ما هو أعم من النقيض يستلزم نفي النقيض ،ألن نفي
األعم يستلزم نفي األخص ،وإذا لزم من انتفائه انتفاء النقيض علم قطعاً ثبوت النقيض اآلخر
الستحالة عدم النقيضني معاً.
فتبني أن نفي كل واحد من طرفيها يستلزم ثبوت اآلخر بال عكس ،وكل ما ذكر حبكم العقل وأنه ال
يتغي بتغي الزمان.
وبعد االنتهاء مما البد منه من فن املنطق نذكر مجالً كافية من آداب البحث واملناظرة تعني من تعلمها
على تصحيح مذهبه وإبطال مذهب خصمه مع اآلداب الالزمة لذلك ،مث نطبق ذلك يف مسائل من
القوادح يف أصول الفقه ،ومسائل من مسائل الكالم اليت نفي فيها املعطلون بعض الصفات ،ونوضح
كيفية تصحيح احلق يف ذلك وإبطال الباطل ،ألن تطبيق ذلك عملياً يفيد الطالب إفادة أكرب.
وخنتتم الكالم ابملقارنة بني ما يسميه املتكلمون مذهب السلف ،ومذهب اخللف مع إحقاق احلق
وإبطال الباطل على الطرق املعهودة ،يف املناظرة ليفيد ذلك الطالب مترينا على رد الشبه وإبطال
الباطل بطريق املناظرة.
وهذا أوان الشروع يف ذكر ما البد منه من املسائل املنطقية.
املؤلف
()7/1
[]8 /1
()8/1
[]9 /1
له ،وال لنفيه عنه هو املسمى يف االصطالح بعلم التصور وهو تفعل من الصورة فكأن صورة الفرد
تنطبع يف الذهن ِإلدراك املتصور هلا معناها.
وا ِإلدراك يف االصطالح :هو وصول النفس إىل املعىن بتمامه فإن وصلت إليه ال بتمامه فهو املسمى
يف االصطالح ابلشعور.
وأما علم التصديق فهو إثبات أمر ألمر ابلفعل ،أو نفيه عنه ابلفعل ،وتقريبه للذهن أنه هو املسمى
يف اصطالح البالغيني اب ِإلسناد اخلربي ،ويف اصطالح النحويني ابجلملة االمسية اليت هي املبتدأ واخلرب،
أو الفعلية اليت هي الفعل والفاعل ،أو الفعل وانئب الفاعل .فلو قلت مثالً ،الكاتب إنسان،
فإدراكك معىن الكاتب فقط علم تصور وإدراكك معىن ا ِإلنسان فقط علم تصور ،وإدراكك كون
ا ِإلنسان كاتباً ابلفعل ،أو ليس كاتباً ابلفعل ،هو املسمى ابلتصديق .وإمنا مسي تصديقاً ألنه خرب،
واخلرب ابلنظر إىل جمرد ذاته حيتمل التصديق والتكذيب فسموه تصديقاً ،تسمية أبشرف االحتمالني.
وكون التصديق الذي هو إدراك وقوع نسبة ابلفعل أو عدم وقوعها ابلفعل من أنواع العلم هو قول
اجلمهور ،وهو احلق .وقد تركنا ذكر ما خالفه وإبطاله ألجل االختصار.
واعلم أنه ال ميكن إدراك نسبة وقوع األمر أو عدم وقوعها فعالً إال أبربعة تصورات هي:
األول :تصور احملكوم عليه الذي هو املوضوع.
الثاين :تصور احملكوم به الذي هو احملمول.
الثالث :تصور النسبة احلكمية اليت هي مورد ا ِإلجياب والسلب من غي حكم بوقوعها وال عدم
وقَوعها كما يقع من الشاك يف قيام زيد فإنه يتصور معىن زيد ،ويتصور معىن القيام .ويتصور معىن
نسبة القيام إىل زيد مع أنه شاك يف وقوعها ،فليس متصوراً لوقوعها وال لعدم وقوعها فإن تصور
وقوعها ابلفعل أو عدم وقوعها ابلفعل فهو التصديق.
()9/1
[]10 /1
ومجهورهم يقول :إن التصديق بسيط ،وهو التصور الرابع وحده والثالثة قبله شروط فيه.
وقال الرازي :التصديق مركب يعىن أنه مركب من أربعة تصورات فهو عنده جمموع التصورات األربعة.
والقوالن متفقان على أنه البد قبله من ثالثة تصورات إال أن من يقول هو بسيط يقول :توقفه على
التصوارت الثالثة من توقف املاهية على شرطها ومن يقول هو مركب يقول هو من توقف املاهية
على أركاهنا اليت هي أجزاؤها .فعلم أن كل تصديق تصور ،وليس كل تصور تصديقاً.
واعلم أن املوضوع يف اصطالح املنطقيني ،هو املعروف يف املعاين ابملسند إليه .ويف النحو ابملبتدأ أو
الفاعل والنائب عن الفاعل .واحملمول يف اصطالحهم هو املعروف يف املعاين ابملسند ،ويف النحو
ابخلرب ،أو الفعل ،وإمنا مسي املوضوع موضوعاً ألن احملمول صفة من صفات املوضوع ،أو فعل من
أفعاله ،والصفة البد هلا من موصوف ،والفعل البد له من فاعل فاألساس الذي وضع إلمكان إثبات
الصفات أو نفيها هو احملكوم عليه .ولذا مسي موضوعاً كاألساس للبنيان ،ومسي اآلخر حمموال ألنه
كسقف البنيان البد له من أساس يبىن عليه .فلو قلت زيد عامل ،أو زيد ضارب ،فالعلم صفة زيد،
والضرب فعله ،وال متكن صفة بدون موصوف ،وال فعل بدون فاعل ،فصار احملكوم عليه كأنه وضع
أساساً للحكم فسمي موضوعاً ومسي ما يسند إليه من صفات وأفعال حمموالً ألهنا ال تقوم بنفسها
فالبد هلا من أساس حتتمل عليه وإذا عرفت املراد ابلتصور ،والتصديق وأن كالً منهما يكون ضرورايً
ونظرايً.
()10/1
[]10 /1
فاعلم أن الضروري يف االصطالح هو ما ال حيتاج إدراكه إىل أتمل .والنظري يف االصطالح هو ما
حيتاج إدراكه إىل التأمل .فالتصور الضروري كتصور معىن الواحد ومعىن االثنني.
والتصديق الضروري كإدراك أن الواحد نصف االثنني ،وأن الكل أكرب من اجلزء.
والتصور النظري مثل له بتصور املالئكة ،واجلنة ،فإنه ضروري ومن أمثلته تشخيص الطبيب لعني
املريض فهو تصور له بعد حبث وأتمل ونظر .والتصديق النظري كقولك :الواحد نصف سدس االثين
عشر وربع عشر األربعني.
والنظر يف االصطالح :الفكر املؤدي إىل علم أو غلبة ظن.
والفكر يف االصطالح :حركة النفس يف املعقوالت ،أما حركتها يف احملسوسات فهو يف االصطالح
ختييل.
واعلم أن الطريق اليت يتوصل هبا إىل إدراك التصور النظري هي املعرفات أبنواعها فيدخل فيها احل هد،
اّلل.
والرسم ،واللفظي ،والقسمة ،واملثال ،وتسمى ابلقول الشارح كما سيأيت إيضاحه إن شاء ه
والطريق اليت يتوصل هبا إىل معرفة التصديق النظري هي احلجة وهو القياس املنطقي أبنواعه وسيأيت
اّلل .وما تركب من مقدمات يقينية فهو املسمى منها ابلربهان.
إيضاحه إن شاء ه
()11/1
[]11 /1
وقال بعضهم هي مشرتكة بني األمرين .ومناقشات التعريفني كلها ساقطة .وقد تركناها اختصاراً .وفهم
األمر من األمر واضح كفهم املسميات من فهم املراد أبمسائها .وكونه حبيث يفهم منه أمر أو مل يفهم
كعدم شق إخوة يوسف قميصه ملا جعلوا عليه دم السخلة ليكون الدم قرينة على صدقهم يف أنه
أكله الذئب .فنظر يعقوب إِىل القميص فِإذا هو ملطخ ابلدم وال شق فيه فعلم أن عدم شق القميص
فيه الداللة الواضحة على كذهبم .وإن مل يفهموا ابلفعل ذلك األمر الدال عليه .فقال يعقوب سبحان
اّلل مىت كان الذئب حليماً كيساً يقتل يوسف وال يشق قميصه .وكعدم فهم بعض الصحابة معىن
ه
الكاللة وأهنا الورثة الذين ليس فيهم ابن وال أب مع داللة آية الكاللة على ذلك ألنه تعاىل صرح
بنفي الولد بقوله {إن امرؤ هلك ليس له ولد} ،ودل على أنه ليس له أب التزاماً بقوله تعاىل{ :وله
أخت فلها نصف ما ترك}؛ ألن اٍرث األخت يلزمه عدم وجود األب ألنه حيجبها.
واعلم أن أنواع الداللة حمصورة يف ستة أقسام ال سابع هلا وإيضاحه أن الدال إما (لفظي) أو (غي
لفظي) وال اثلث هلما ،وقد دل االستقراء التام على أن داللته ثالثة أقسام ال رابع هلا وهي:
داللته وضعاً ،داللته عقالً ،وداللته طبعاً.
فتضرب حاليت الدال يف حاالت الداللة الثالث فاجملموع ستة من ضرب اثنني يف ثالثة.
األول -داللة اللفظ وضعاً كداللة (الرجل) على ا ِإلنسان الكبي الذكر ،و (املرأة) على اإلنسان
األنثى ،وهكذا يف داللة األلفاظ على معانيها املفردة واملركبة .والوضع يف االصطالح هو :تعيني أمر
للداللة على أمر.
الثاين -داللة اللفظ عقالً كداللته على الفظ به.
()12/1
[]12 /1
الثالث -داللة اللفظ طبعاً أي عادة كداللة الصراخ على مصيبة نزلت ابلصارخ وداللة لفظة (أح)
ابملهملة على أمل ابلصدر.
الرابع -داللة غي اللفظ وضعاً كداللة املفهمات األربعة وهي :اخلط و ا ِإلشارة ،والعقد ،والنصب.
فالنقوش اليت هي اخلط تدل على األلفاظ وضعاً ،وليست لفظاً .واملراد ابلعقد عقد األصابع لبيان
قدر العدد فهو يدل على قدر العدد وضعاً وليس ابللفظ .وا ِإلشارة تدل على املعىن املشار إليه
وضعاً وليست لفظاً.
واملراد ابلنصب :نصب احلدود بني األمالك ،ونصب أعالم الطريق ،وهو واضح مما تقدم.
اخلامس -داللة غي اللفظ عقالً كداللة املصنوعات على صانعها.
السادس -داللة غي اللفظ طبعاً أي عادة كداللة محرة الوجه على خجل صاحبه وداللة صفرة
الوجه على وجل صاحبه أي خوفه كما قال القائل:
تفاحة مجعت لونني خلتهما ... ...خدي حمب وحمبوب قد اعتنقا
تعانقا فرأاي ٍ
واش فراعهما ... ...فامحر ذا خجالً واصفر ذا فرقا
ومنه قول مسلم بن وليد األنصاري:
إذا شكوت إليها احلب خفرها ... ...شكواي فامحر خداها من اخلجل
إذا عرفت هذا فاعلم أن املقصود عند املنطقيني من هذه األقسام الستة هو واحد فقط وهو داللة
اللفظ وضعاً وهي تنقسم عندهم إىل ثالثة أقسام:
داللة املطابقة ،داللة التضمن ،داللة االلتزام.
أما داللة املطابقة :فهي داللة اللفظ على متام املعىن املوضوع له اللفظ ،كداللة الرجل على اإلنسان
الذكر ،واملرأة على اإلنسان األنثى .وهكذا كدالالت األمساء على مسمياهتا اليت وضعت هلا ،ومسيت
مطابقة لتطابق الوضع والفهم ،فاملفهوم من اللفظ هو عني املعىن املوضوع له اللفظ.
()13/1
[]13 /1
وأما داللة التضمن :فهي داللة اللفظ على جزء مسماه يف ضمن كله ،وال تكون إال يف املعاين املركبة
كداللة األربعة على الواحد ربعها ،وعلى االثنني نصفها ،وعلى الثالثة ثالثة أرابعها .فلو مسعت رجالً
قال :عندي أربعة دانني ،فقلت له :أقرضين ديناراً أو دينارين أو ثالثة فقال لك :ال شيء عندي من
ذلك .فقلت له مسعتك تقول إن عندك أربعة دانني فقال :نعم ولكن مل أقل واحداً أو اثنني أو ثالثة.
فإنك تقول له لفظ األربعة اليت ذكرت يدل على الواحد ربعها وعلى االثنني نصفها وعلى الثالثة
ثالثة أرابعها ،بداللة التضمن ألن اجلزء يفهم يف ضمن الكل.
وأما داللة االلتزام :فهي داللة اللفظ على خارج عن مسماه الزم له لزوماً ذهنياً حبيث يلزم من فهم
املعىن املطابقي فهم ذلك اخلارج الالزم كداللة (األربعة) على الزوجية .والزوجية يف االصطالح هي:
االنقسام إىل متساويني.
واعلم أن اللوازم ثالثة ال رابع هلا:
الزم يف الذهن واخلارج معاً .والزم يف الذهن فقط .والزم يف اخلارج فقط.
أما األوالن ومها :الالزم يف الذهن واخلارج معاً .والالزم يف الذهن فقط فتسمى هبما داللة التزام
اب ِإلمجاع .وأما الثالث :وهو الالزم يف اخلارج فقط فال تسمى به داللة التزام عند املنطقيني .وإمنا
تسمى بداللة التزام عند األصوليني والبيانيني.
مثال الالزم يف الذهن واخلارج معاً :داللة األربعة على الزوجية اليت هي االنقسام إىل متساويني فيلزم
من فهم معىن األربعة فهم أهنا زوج أي منقسمة إىل متساويني فهذا الزم يف الذهن كما ذكران .والزم
يف اخلارج أيضاً واملراد ابخلارج هنا :الواقع يف نفس األمر .فالزوجية الزمة لألربعة يف الذهن ،ويف
الواقع يف نفس األمر.
()14/1
[]14 /1
ومثال الالزم يف الذهن فقط :دون اخلارج لزوم البصر للعمى ألن معىن العمى بداللة املطابقة هو
سلب البصر فمعناه املطابقي مركب إضايف أي مركب من مضاف هو سلب ومضاف إليه وهو
البصر .وال يعقل سلب البصر حىت يعقل معىن البصر .فظهر أنه ال يفهم أحد معىن العمى حىت يفهم
معىن البصر ألن معىن البصر جزء من معىن العمى ،ألن معىن العمى مركب إضايف والبصر أحد
جزأيه ،وهذا الالزم إمنا هو يف الذهن فقط ال يف اخلارج ألن العني اليت اتصفت ابلعمى انتفى عنها
البصر ضرورة ملا بني العمى والبصر من التنايف املعرب عنه مبقابلة العدم وامللكة.
()15/1
[]15 /1
ومثال الالزم يف اخلارج فقط :داللة لفظ الغراب على السواد ألنه ال يوجد يف اخلارج غراب إال هو
متصف ابلسواد ولكن هذا ال يفهم من فهم معىن الغراب ألن من مل ير الغراب قط ،و مل خيربه أحد
بلونه قد يتصور أن الغراب طائر أبيض فالسواد إمنا يلزم الغراب يف اخلارج فقط .ال يف الذهن فداللته
عليه التزامية عند األصوليني ،والبيانيني وليست كذلك عند املنطقيني.
واعلم أن داللة املطابقة وضعية بال خالف وأما داللة التضمن ،وداللة االلتزام ففيهما ألهل العلم
ثالثة مذاهب:
األول :أهنما وضعيتان أيضاً ،وعلى هذا القول عامة املنطقيني ،ووجهه أن سبب السبب سبب ،ألن
فهم املعىن املطابقي هو سبب فهم جزئه يف ضمن كله وهو داللة التضمن ،وهو سبب فهم الالزم
اخلارج عن املسمى ،وهو داللة االلتزام .فلما كان وضع اللفظ سبباً لفهم املعىن املطابقي ،وفهم
املعىن املطابقي سبباً يف فهم اجلزء يف ضمن الكل ،وفهم اخلارج الالزم صارت كل من التضمن
وااللتزام وضعية ألن السبب األول يف فهمهما الوضع وسبب السبب سبب.
املذهب الثاين :أهنما عقليتان ،وعليه عامة البيانيني ،ووجهه أن اللفظ إمنا وضع للمعىن املطابقي،
ولكن العقل هو الذي فهم منه اجلزء يف ضمن الكل ،واخلارج الالزم.
()16/1
[]16 /1
املذهب الثالث :أن داللة التضمن وضعية وداللة االلتزام عقلية ،ووجهه أن املدلول عليه ابلتضمن
جزء املدلول املطابقي واملطابقة وضعية بال خالف ،وجزء الوضعي وضعي ألن اجلزء مندرج يف الكل،
أما داللة االلتزام فليست جزء الوضعي ،ولكن العقل فهم من املعىن املطابقي الزمه اخلارج عن
مسماه ،وعلى هذا مجاهي من األصوليني.
()17/1
[]17 /1
مباحث األلفاظ
املباحث مجع مبحث ،وهو اسم مكان مبعىن مكان البحث ،و هو الفحص والتفتيش عن األلفاظ من
حيث الرتكيب وا ِإلفراد ،وحنو ذلك كالكلية واجلزئية.
اعلم أوالً أن اللفظ املستعمل يف اللغة ال خيلو من أحد أمرين ،إما أن يكون مركباً ،وإما أن يكون
مفرداً ،وهذا على قول اجلمهور أبن القسمة ثنائية ،وضابط املركب عندهم :هو ما يدل جزؤه على
جزء معناه داللة مقصودة خالصة فخرج بقوهلم :ما دل جزؤه ما ال جزء له أصال كباء اجلر والمه وما
له جزء ال داللة له على شيء كبعض حروف (زيد) وخرج بقوهلم :على جزء معناه ،ما له جزء وله
داللة لكن ال على جزء معناه كأبكم ،فإن نصفه األول وهو (أب) يدل على ذات متصفة ابألبوة،
ونصفه األخي وهو (كم) يدل على سؤال عن عدد أو أخبار بعدد كثي ،ولكن ليس واحداً منهما
يدل على جزء املعىن املقصود ابألبكم.
وخرج بقوهلم( :مقصودة) العلَم ا ِإلضايف كعبد ه
اّلل ،فإن جزؤه األول يدل على العبد والثاين يدل على
اخلالق جل وعال ،ولكن هذه الداللة ليست مقصودة ألن املقصود جعل اللفظني علماً للشخص
معيناً له عن غيه من األشخاص .وخرج بقوهلم( :خالصة) ما لو قصد يف تسمية ا ِإلنسان بعبد هللا
مثالً أنه متصف ابلعبودية هّلل فإن داللة جزء اللفظ على جزء املعىن حينئذ مقصودة لكنها غي
خالصة من شائبة العلمية.
وهبذا تعلم أن املفرد هو ما ال ُجزء له أصالً كباء اجلر والمه ،أو له جزء ال داللة له على شيء ،أو له
جزء وله داللة لكن ال على جزء معناه ،أو له
()18/1
[]18 /1
جزء وله داللة على جزء معناه ولكنها داللة غي مقصودة ،أو له جزء وله داللة على جزء مسماه
داللة مقصودة لكنها غي خالصة من شائبة العلمية .وقد تركنا املناقشات هنا لعدم اجتاهه عندان.
وقد عرفت من هذا التعريف الذي ذكروا أن املركب هنا صادق ابملركب اإلسنادي حنو :زيد قائم،
واملركب اإلضايف كغالم زيد .واملركب التقييدي كاحليوان الناطق ،وأن املفرد هو االسم أو الفعل أو
احلرف ،ويدخل يف االسم ،العلم ا ِإلضايف كعبد هللا وعبد مشس وما تقدم يف حدهم للتصور
والتصديق ،يدل على أن املركب ا ِإلضايف واملركب التقييدي من أنواع املفرد ألن إدراكهما تصور ال
تصديق ،والتصور إدراك معىن املفرد ،خالفاً ملا يذكرون هنا .والظاهر أن بعض االصطالحات ختتلف
يف املفرد فهو يف التصور والتصديق ،كل ما ليس إبسناد خربي اتم ،ويف مبحث املركب واملفرد :يكون
له اصطالح آخر ،فيدخل فيه املركب ا ِإلضايف والتقييدي مثالً.
وإذا علمت هذا فاعلم أن املفرد ابالصطالح املذكور هنا ينقسم إىل قسمني ال اثلث هلما :ألنه إما
أن يكون كلياً وإما أن يكون جزئياً .وضابط الكلي يف االصطالح أنه هو ما ال مينع تعقل مدلوله من
وقوع الشركة فيه كا ِإلنسان واحليوان والرجل واملرأة واألسد وحنو ذلك .فإنك إذ تعقلت معىن
ا ِإلنسان مل مينعك تعقله من وقوع الشركة فيه ،فهو قدر مشرتك يشرتك فيه عمرو وزيد وخالد وهكذا
يف ابقي األمثلة .وإن شئت قلت يف ح هد الكلي هو املفرد الذي ال مينع تعقل مدلوله من محله محل
مواطأة على أفراد كثية واملراد حبمل املواطأة هو محله عليها بنفسه من غي احتياج إىل اشتقاق أو
إضافة ،فا ِإلنسان مثالً إذا تعقلت مدلوله مل مينعك ذلك من محله محل مواطأة على كثيين ،كأن تقول
زيد إنسان وعمرو إنسان ،وخالد إنسان ،وهكذا وكذلك احليوان ال مينعك تعقل مدلوله من محله
()19/1
[]19 /1
محل مواطأة على كثيين كقولك :ا ِإلنسان حيوان والفرس حيوان واجلمل حيوان وهكذا .أما إن كان
ال ميكن محله عليها محل مواطأة ،بل محل اشتقاق أو إضافة فليس كلياً هلا فليس العلم مثال كلياً
ابلنسبة إىل األشخاص العلماء ألنك ال تقول :مالك علم .والشافعي علم ،وإمنا يصح يف ذلك احلمل
ابالشتقاق كقولك :مالك عامل والشافعي عامل أو ا ِإلضافة كقولك :مالك ذو علم ،والشافعي ذو علم
فالعلم كلي ابلنسبة إىل الفنون ألنك تقول :النحو علم ،والفقه علم ،والتوحيد علم .وهكذا ألنه
حيمل عليها محل مواطأة وليس العلم كلياً ابلنسبة إىل األشخاص املتصفني به كما بينا.
وتقريب الكلي للذهن :أنه هو املشرتك بني اثنني فصاعداً ،واجلزء هو ما مينع تعقل مدلوله من وقوع
الشركة فيه وهنا واسطة وطرفان :طرف هو جزئي إمجاعاً مينع تعقل مدلوله من وقوع الشركة فيه وهو
العلم بنوعيه ،أعين علم الشخص وعلم اجلنس ،ألنك إذا تعقلت معىن زيد علماً لرجل معني منعك
تعقله من وقوع الشركة فيه ألنه وضع له خاصة ليعينه ومييزه عن غيه من األشخاص.
واعلم أن الفرق بني علم اجلنس واسم اجلنس يعسر فهمه على كثيين من طلبة العلم .فقولك أسامة،
علماً جلنس األسد معرفة ألنه علم فيجوز االبتداء به ،بدون احتياج إىل مسوغ وجيوز جميء احلال منه
متأخرة حنو هذا أسامة مقبالً ،وال جيوز دخول األلف والالم عليه ألنه علم خبالف لفظة (أسد) امساً
جلنس األسد فإهنا نكرة ال جيوز االبتداء هبا إال مبسوغ وال جييء احلال فيها متأخرة إال مبسوغ ،وجيوز
دخول األلف والالم عليها ألهنا نكرة .فيعسر الفرق بني أسامة ،علماً جلنس األسد .وأسد امساً جلنسه
وأوضح الفوارق اليت فرقوا هبا بينهما بل ال يكاد يعقل غيه ،هو أن علم اجلنس روعي فيه القدر
املشرتك ،بقطع النظر عن األفراد .واسم اجلنس روعي فيه القدر املشرتك ال
()20/1
[]20 /1
بقطع النظر عن وجوده يف بعض األفراد .وإيضاحه أن معىن األسد مثالً شيء واحد وهو جمموع
احليوانية واالفرتاسية مثالً ،فاملعىن الذهين الذي هو القدر املشرتك بني أفراده شيء واحد ال تعدد فيه
وإمنا التعدد يف األفراد اخلارجية املشرتكة فيه فوضعوا علم اجلنس لذلك املعىن الذهين وهو شيء
واحد فشخصوا العلم يف الذهن ال يف اخلارج ،كتشخيص املشخص بعلمه يف اخلارج ،فعلم اجلنس
يشخص مسماه يف الذهن ال يف اخلارج وعلم الشخص يشخص مسماه يف اخلارج.
وأما لفظة أسد فإهنم أرادوا به املعىن الذهين املشرتك بني األفراد بدون قطع النظر عن وجود بعض
أفراده اخلارجية فيه اليت هي حمل التعدد.
وعلى قول من قال :إن اسم اجلنس والنكرة شيء واحد أبن اسم اجلنس يراعى فيه وجود بعض
األفراد اخلارجية يف املعىن الذهين الذي هو القدر املشرتك وهو الفرد الشائع يف جنسه .فقطع النظر
مطلقاً عن األفراد اخلارجية اليت هي حمل التعدد .وقصد تشخيص املعىن الذهين الذي هو القدر
املشرتك بني األفراد ،وهو واحد ال تعدد فيه هو الذي يكون به االسم املشخص لذلك املعىن الواحد
يف الذهن علم اجلنس ،وما مل يقطع النظر فيه عن األفراد اخلارجية هو اسم اجلنس لتعدد األفراد
واحتاد املعىن الذهين املشرتك بينها.
واحلاصل أن علم الشخص وعلم اجلنس كالمها جزئي ابإلمجاع واسم اجلنس كأسد وإنسان ورجل
وفرس وحنو ذلك كلي إمجاعاً .وهذان مها الطرفان .طرف جزئي إمجاعاً وطرف كلي إمجاعاً.
وأما الواسطة :فقد اختلف فيها وهي أمساء ا ِإلشارة والضمائر واملوصوالت فبعضهم يقول :هي كلية
لصالحيتها لكل شيء وبعضهم يقول :هي جزئية ألهنا ال تستعمل ابلفعل إال يف شيء معني خاص.
وبعضهم يقول :هي كلية وضعاً جزئية استعماالً .وأكثر من تكلموا يف علم الوضع خيتارون أهنا جزئية،
وهللا جل وعال أعلم.
()21/1
[]21 /1
فإذا عرفت معىن الكلي واجلزئي اللذين مها قسما املفرد ،فاعلم أان نريد هنا أن نبني بعض تقسيمات
اجلزئي والكلي ونبني معىن الكل واجلزء .والكلية واجلزئية قبل الشروع يف مبادئ التصورات.
اجلزئي :اعلم أوالً أن اجلزئي ينقسم إىل جزئي حقيقي ،وجزئي إضايف .أما اجلزئي احلقيقي فهو العلم
بنوعيه ويلحق به ما جرى جمراه عند من يقول به ،وهو ا ِإلشارة والضمي .واملوصول على قول من
يقول إهنا جزئية.
وأما اجلزئي اإلضايف :فهو كل كلي مندرج يف كلي أعم منه فاإلنسان مثال كلي ابلنسبة إىل زيد،
وعمرو .وجزئي إضايف ابلنسبة إىل احليوان ،ألن احليوان ينقسم إىل إنسان وغي إنسان كالفرس مثالً.
فا ِإلنسان فرد من أفراد احليوان .فهو جزئي إبضافته إليه ،وهكذا احليوان فانه كلي ابلنسبة إىل
ا ِإلنسان والفرس مثالً ،وجزئي إضايف ابلنسبة إىل النامي .ألن النامي منه ما هو حيوان ،ومنه ما ليس
حبيوان كالنبات .والنامي هو الذي يكرب تدرجييا وقس على ذلك.
واعلم أن الكلي ينقسم تقسيمات خمتلفة ابعتبارات خمتلفة وسنذكر هنا بعض املهم منها.
اعلم أن الكلي ينقسم ابعتبار استواء معناه يف أفراده ،وتفاوته فيها إىل متواطئ ومشكك.
املتواطئ :فاملتواطئ هو الكلي الذي استوت أفراده يف معناه كا ِإلنسان والرجل واملرأة فإن حقيقة
ا ِإلنسانية والذكورة واألنوثة مستوية يف مجيع األفراد وإمنا التفاضل بينهم أبمور أخر زائدة على مطلق
املاهية.
املشكك :واملشكك هو الكلي الذي تتفاوت أفراده يف معناه ابلقوة
()22/1
[]22 /1
والضعف مثالً كالنور والبياض ،فالنور يف الشمس أقوى منه يف السراج ،والبياض يف الثلج أقوى منه
يف العاج وهكذا.
وينقسم الكلي :أيضاً ابعتبار تعدد مسماه وعدم تعدده إىل مشرتك ومنفرد.
املشرتك :فإن كان له مسميان فصاعداً يسمى بكل منهما بوضع خاص فهو املشرتك كالعني الباصرة،
واجلارية ،والقرء :للطهر واحليض .وهكذا.
املنفرد :وإن كان مسماه واحداً فهو املنفرد كا ِإلنسان واحليوان فإن احلقيقة الذهنية اليت هي مسمى
اللفظ واحدة وإمنا التعدد يف األفراد اخلارجية كما تقدم .وينقسم الكلي ابعتبار وجود أفراده يف
اخلارج ،وعدم وجودها فيه إىل ستة ألنه إما أَال يوجد منه يف اخلارج فرد أصالً أو يوجد منه فرد
واحد ،أو توجد منه أفراد كثية .وكل واحد من هذه الثالثة ينقسم إىل قسمني فاجملموع ستة:
األول -كلي مل يوجد من أفراده فرد واحد يف اخلارج ،مع أن وجود فرد منها مستحيل عقالً كجمع
الضدين.
الثاين -كلي مل يوجد من أفراده فرد يف اخلارج مع جواز وجوده عقالً كبحر من زئبق وجبل من
ايقوت ،والزئبق معدين سيال ال جيمد إال حتت الصفر يف درجة أربعني.
الثالث -كلي وجد منه فرد واحد مع استحالة وجود غيه من األفراد عقالً ،كإله ،فإنه كلي ،ولذا مل
اّلل عنهم يف قوله{ :أجعل اآلهلة إهلاً واحداً إن
مينع العرب تعقل مدلوله من قبول الشركة كما ذكر ه
هذا لشيء عجاب} .و من فوائد كون ا ِإلله كلياً حبسب الوضع أنه تدخل عليه (ال) النافية للجنس
اّلل) وهي ال تدخل إال على كلي من أمساء األجناس ،إال إن هذا الكلي الذي هو يف كلمة (ال إله إال ه
ا ِإلله دل العقل الصحيح ،والكتاب والسنة وا ِإلمجاع على أنه مل يوجد منه إال فرد واحد وهو خالق
السموات واألرض جل وعال ،إذ ال معبود ابحلق موجوداً
()23/1
[]23 /1
يستحق العبادة إال هو وحده جل وعال .فكل معبود سواه عبادته كفر ووابل على صاحبها خيلد
بسببها يف النار ،فهو ليس مبعبود حبق وال بشريك حقاً .كما قال تعاىل{ :وما يتبع الذين يدعون من
اّلل من أنواع
دون هللا شركاء إن يتبعون إال الظن وإن هم إال خيرصون} .فإن قيل :املعبودات من دون ه
الطواغيت قد وجدت بكثرة.
اّلل
فاجلواب أن املعدوم شرعاً كاملعدوم حساً فهي ليست مبعبودات ولكن الكفار افرتوا ذلك على ه
واختلقوه كذابً من تلقاء أنفسهم بغي علم وال هدى وال كتاب مني أهنم شركاء له سبحانه وتعاىل عن
ذلك علواً كبياً.
الرابع -كلي وجد منه فرد واحد مع جواز وجود غيه من األفراد عقالً ،كشمس فإن الشمس اليت
هي الكوكب النهاري ال مينع تعقل مدلوهلا من وقوع الشركة إال أن هذا الكلي مل يوجد منه إال فرد
اّلل من أفراد الشموس ،كما أكثر من أفراد
واحد ،وهو هذه الشمس املعروفة مع مكان أن يكثر ه
النجوم حىت تتشعشع الدنيا نوراً ،وحيرتق العامل من شدة حر تلك الشموس الكثية.
اخلامس -كلي وجدت منه أفراد كثية لكنها متناهية ،كا ِإلنسان واحليوان.
السادس -كلي وجدت منه أفراد كثية غي متناهية ،كنعيم اجلنة وكالعدد .وإذا عرفت معىن الكلي
واجلزئي وبعض تقسيماهتما فاعلم أان أردان هنا أن نبني معىن الكل واجلزء والكلية واجلزئية.
الكل :اعلم أن الكل يف االصطالح هو ما تركب من جزئني فصاعداً ،وضابطه أن احلكم عليه
ابحملمول إمنا يقع على جمموعه ال على مجيعه .وإيضاحه :أن احلكم يقع عليه يف حال كونه جمتمعاً،
فإذا فرضت تفرقة أجزائه مل يتبع احلكم كل واحد فيها ابنفراده وإمنا يقع عليها جمموعة .ومثاله :قوله
تعاىل{ :وحيمل عرش ربك فوقهم يومئذ مثانية} ،ألن احلكم على الثمانية حبمل العرش هو على
جمموعها ال على مجيعها إذ لو كان على مجيعها لكان كل واحد من الثمانية مستقالً حبمل العرش
وحده ،والواقع أن احلامل للعرش هو جمموع الثمانية،
()24/1
[]24 /1
فلو فرضت تفرقة الثمانية مل يتبع احلكم حبمل العرش كل واحد منهم.
الكلية :وأما الكلية فهي احلكم على كل فرد من أفراد املوضوع الداخلة حتت العنوان كقولك :كل
إنسان حيوان فإن كل فرد من أفراد ا ِإلنسان مستقل ابحلكم عليه أبنه حيوان ،فكل منهما يتبعه
احلكم ابنفراده.
وقد قرر علماء املعاين هنا قاعدة وهي :أن لفظة (كل) إذا اقرتنت حبرف سلب أعين حرف نفي .فإن
كان حرف النفي قبل لفظة (كل) فهو من الكل اجملموعي فال يقع احلكم على املوضوع إال جمموعاً.
وال يتبع كل فرد من أفراده كقوله:
ما كل ما يتمىن املرء يدركه ... ...جتري الرايح مبا ال تشتهي السفن
فإن املرء قد يتمىن شيئاً ويدركه وكم من منية أدركها صاحبها كما ال خيفى .وكقوهلم« :ما كل بيضاء
شحمة ،وما كل مدور كعكاً» ،فقد تكون البيضاء شحمة ،وقد يكون املدور كعكاً يف بعض األحوال
دون كلها.
وإن كان حرف النفي بعد لفظة (كل) فهو من الكلية ،فاحلكم ابحملمول على املوضوع شامل لكل
فرد كقول أىب النجم:
على ذنباً كلُّه مل أصنع
قد أصبحت أم اخليار تدعي َّ ... ...
برفع لفظة (كل) ألن مراده أنه مل يصنع شيئاً واحداً مما ادعت عليه ،ومن هذا املعىن قوله صلى هللا
عليه وسلم لذي اليدين ملا قال أقصرت الصالة أم نسيت (كل ذلك مل يكن) أي مل يكن شيء منه،
مل أنس و مل تقصر ،يعين يف ظين ،كما هو مقرر يف األصول يف مبحث داللة االقتضاء.
وهذه القاعدة أغلبية نورد آايت متعددة فيها حرف النفي قبل لفظة (كل) مع أهنا كلية ال كل
اّلل ال حيب كل خوان كفور}.
جمموعي كقوله تعاىل{ :إن ه
()25/1
[]25 /1
وقوله{ :إن هللا ال حيب كل خمتال فخور} ،وحنو ذلك من اآلايت ألن احلكم بنفي احملبة عام لكل فرد
من أفراد اخلوانني الكفورين واملختالني الفخورين كما ترى.
فقد عرفت أن الفرق بني الكل والكلية ،أن الكل ال يتبع احلكم فيه كل فرد من أفراده وإن الكلية
يتبع احلكم فيها كل فرد من أفرادها ،ومثاهلا:
أ -موجبة :كل إنسان حيوان.
ب -وسالبة :ال شيء من احلجر حبيوان ،ألن إثبات احليوانية ل ِإلنسان شامل لكل فرد من أفراده،
ونفي احليوان عن احلجر شامل لكل فرد من أفراده.
الفرق بني الكل والكلي
وأما الفرق بني الكل والكلي فمن جهتني:
اجلهة األوىل:
أان قدمنا أن الكلي ال مينع تعقل مدلوله من محله على كثيين محل مواطأة فيجوز محل الكلي على
كل فرد من أفراده ،محل مواطأة كقولك :عمرو إنسان ،وزيد إنسان ،وخالد إنسان اخل .فا ِإلنسان
كلي وقد صح محله على كل فرد من أفراده محل مواطأة كما تقدم إيضاحه.
أما الكل فال جيوز محله على جزء من أجزائه محل مواطأة بل محل إضافة أو اشتقاق ،فالكرسي مثالً
كل مركب من خشب ومسامي ،فال جيوز أن تقول الكرسي مسمار ،وال أن تقول الكرسي خشب،
ولكن يصح محله على أجزائه ابإلضافة واالشتقاق ،فا ِإلضافة كأن تقول الكرسي ذو مسامي.
واالشتقاق كقولك :الكرسي مسمر ،وكالشجرة فإهنا كل مركب من جذوع وأغصان فال يقال:
الشجرة جذوع وال الشجرة أغصان وإمنا يقال :الشجرة ذات جذوع وذات أغصان مثالً.
()26/1
[]26 /1
اجلهة الثانية:
أن الكلي جيور تقسيمه أبداة التقسيم إىل جزئياته كأن يقول :احليوان إما إنسان أو فرس وإما بغل
وإما محار اخل .خبالف الكل فال جيوز تقسيمه إىل أجزائه أبداة التقسيم .فال يصح أن يقال :الكرسي
إما خشب وإما مسامي -وال أن يقال :الشجرة إما جذوع وإما أغصان ،و إمنا جيوز محل الكل على
أجزائه محل مواطأة مع العطف خاصة أعين عطف بعض أجزائه على بعضها كقولك :الكرسي مسامي
وخشب ،والشجرة جذوع وأغصان.
اجلزء:
وأما اجلزء فهو ما تركب منه ومن غيه كل .كاملسامي ابلنسبة إىل الكرسي ،وكاخلشب ابلنسبة إليه،
وكاجلذع ابلنسبة إىل الشجرة ،واألغصان ابلنسبة إليها.
واجلزئية:
يف االصطالح هي القضية اليت حكم مبحموهلا على بعض أفراد موضوعها ال كلها سلباً أو إجياابً
اّلل يف
فمثاهلا موجبة :بعض احليوان إنسان .ومثاهلا سالبة :بعض احليوان ليس إبنسان .وسيأيت إن شاء ه
مبحث القضااي زايدة إيضاح للكلية واجلزئية.
النسب األربع
واعلم أن كل معقولني البد أن تكون بينهما إحدى نسب أربع ال خامسة هلا وهي :املساواة،
والتباين ،والعموم واخلصوص املطلق ،والعموم واخلصوص من وجه ،وبرهان احلصر يف األربع أن
املعقولني إما أال جيتمعا البتة أو ال يفرتقا البتة .أو جيتمعا اترة ويفرتقا أخرى ،فإن كاان ال جيتمعان البتة
فهما املتباينان كاإلنسان واحلجر فإن كل ذات ثبتت هلا اإلنسانية انتفت عنها احلجرية كعكسه
فالنسبة بني ا ِإلنسان واحلجر التباين.
()27/1
[]27 /1
وإن كاان ال يفرتقان البتة فهما املتساواين كا ِإلنسان والناطق ،فإن كل ذات هلا اإلنسانية ثبتت هلا
الناطقية كعكسه ،فالنسبة بني ا ِإلنسان ،والناطق املساواة .وإن كان جيتمعان اترة ويفرتقان أخرى
فلهما حالتان:
األوىل -أن يكون أحدمها يفارق صاحبه واآلخر ال ميكن أن يفارقه.
الثانية -أن يكون كل واحد منهما يفارق اآلخر يف بعض الصور مع أن املفروض االجتماع يف بعضها
فإن كان الذي يفارق ،واحد منهما فقط دون اآلخر فهما اللذان بينهما العموم واخلصوص املطلق،
والذي يفارق أعم مطلقاً والذي ال يفارق أخص مطلقاً كاحليوان وا ِإلنسان فإن احليوان يفارق ا ِإلنسان
لوجوده دونه يف الفرس والبغل مثالً ،وا ِإلنسان ال ميكن أن يفارق احليوان إذ ال إنسان إال وهو
حيوان ،فال يفارق ا ِإلنسان احليوان حبال ،فاحليوان أعم مطلقاً ،وا ِإلنسان أخص مطلقاً ،فالنسبة
بينهما العموم واخلصوص املطلق وإن كان كل منهما يفارق اآلخر فهما اللذان بينهما العموم
واخلصوص من وجه كا ِإلنسان األبيض ،فإهنما جيتمعان يف ا ِإلنسان األبيض كالعريب والرومي ،وينفرد
األبيض عن ا ِإلنسان يف الثلج والعاج مثالً ،وينفرد ا ِإلنسان عن األبيض يف الزجني مثالً فهو إنسان
أسود.
وإذا عرفت هذه النسب األربع فاعلم أهنا هي امليزان الذي يعرف به الصادق والكاذب من القضااي،
فكل قضية كانت النسبة بني طرفيها التباين فهي صادقة السلبني كاذبة ا ِإلجيابني أعين ابلسلبني
السلب الكلي واجلزئي ،واب ِإلجيابني اإلجياب الكلي واجلزئي فال تكذب سالبة مطلقاً ،وال تصدق
موجبة مطلقاً ،فلو ركبت قضية من اإلنسان واحلجر صدقت يف كل سلب كقولك :ال شيء من
احلجر إبنسان ،وال شيء من ا ِإلنسان حبجر ،وبعض احلجر ليس إبنسان ،وبعض ا ِإلنسان ليس حبجر
كل ذلك صادق.
()28/1
[]28 /1
وكذبت يف كل إجياب كقولك :كل إنسان حجر ،أو كل حجر إنسان ،أو بعض ا ِإلنسان حجر،
وبعض احلجر إنسان .كل ذلك كاذب .وإن كانت النسبة بني طرفيها املساواة .فهي صادقة ا ِإلجيابني
كاذبة السلبني .أعىن ا ِإلجياب الكلي وا ِإلجياب اجلزئي ،والسلب الكلي والسلب اجلزئي ،فال تكذب
يف إجياب مطلقاً وال تصدق يف سلب مطلقاً.
فلو ركبت قضية من ا ِإلنسان والناطق فإهنا تصدق يف كل إجياب كقولك :كل إنسان انطق ،وكل
انطق إنسان وبعض ا ِإلنسان انطق وبعض الناطق إنسان فكله صادق ،وتكذب يف كل سلب كقولك:
ال شيء من ا ِإلنسان بناطق وال شيء من الناطق إبنسان .وبعض اإلنسان ليس بناطق وبعض الناطق
ليس إبنسان ،فكل ذلك كاذب.
وإن كانت النسبة بني طرفيها العموم واخلصوص من وجه فهي صادقة اجلزئيتني أعين اجلزئية املوجبة،
واجلزئية السالبة .كاذبة الكليتني ،أعىن الكلية املوجبة والسالبة ،فال تكذب يف جزئية مطلقاً ،وال
تصدق يف كلية مطلقاً ،فلو ركبت قضية من ا ِإلنسان واألبيض فإهنا تصدق يف كل جزئية كقولك:
بعض األبيض إنسان وبعض ا ِإلنسان أبيض ،وبعض األبيض ليس إبنسان وبعض ا ِإلنسان ليس أببيض
فكل ذلك صادق وتكذب يف كلية كقولك كل إنسان أبيض وكل أبيض إنسان ،أو ال شيء من
ا ِإلنسان أببيض ،وال شيء من األبيض إبنسان فكل ذلك كاذب.
وإن كانت النسبة بني طرفيها العموم واخلصوص املطلق فلها حالتان:
األوىل -أن يكون املوضوع أخص واحملمول أعم.
الثانية -أن يكون املوضوع أعم واحملمول أخص.
فإن كان املوضوع أخص مطلقاً جرت على حكم املتساوين .فلو ركبت قضية من ا ِإلنسان واحليوان
وجعلت ا ِإلنسان هو املوضوع فإهنا تصدق يف كل إجياب وتكذب
()29/1
[]29 /1
يف كل سلب كاملتساوين فقولك :كل إنسان حيوان أو بعض ا ِإلنسان حيوان كله صادق .وقولك :ال
شيء من ا ِإلنسان حبيوان أو بعض ا ِإلنسان ليس حبيوان كله كاذب.
وإن كان املوضوع أعم واحملمول أخص ،كما لو ركبت قضية من ا ِإلنسان واحليوان وجعلت احليوان
موضوعاً وا ِإلنسان حمموالً فإهنا جتري على حكم األعمني من وجه فال تكذب يف جزئية وال تصدق يف
كلية .فلو قلت :بعض احليوان إنسان أو بعض احليوان ليس إبنسان فكل ذلك صادق ،خبالف
الكلية فإهنا كاذبة هنا مطلقة كما لو قلت :كل حيوان إنسان أو ال شيء من احليوان إبنسان فكله
كاذب.
واعلم أن التباين الذي هو إحدى النسب األربع ينقسم إىل قسمني ومها:
أ -تباين املخالفة.
ب -وتباين املقابلة.
وضابط تباين املخالفة :هو أن احلقيقتني متباينتان يف ذاتيهما ولكنهما ليس بينهما غاية املنافاة مبعىن
أنه ميكن اجتماعهما يف ذات واحدة ،فحقيقة الربودة مثالً تباين حقيقة البياض ألن كل معىن ثبت له
أنه الربودة انتفي أنه هو البياض كعكسه.
ولكن ال مانع من اجتماع الربودة والبياض يف ذات واحدة كالثلج فهو (أبيض ابرد) وكاحلالوة
والسواد وكالكالم والقعود فإن حقيقة احلالوة تباين حقيقة السواد ولكنهما ليس بينهما غاية املنافاة،
مبعىن أنه جيوز اجتماعهما يف حمل واحدة كالتمرة السوداء فهي جامعة بني احلالوة و السواد فالنسبة
اليت بني السواد واحلالوة هي تباين املخالفة ،وكذلك حقيقة القعود ،ولكن ال مانع من أن يكون
ا ِإلنسان الواحد قاعداً متكلماً يف وقت واحد.
وأما تباين املقابلة :فضابطه أن تكون احلقيقتان متباينتني يف ذاتيهما مع أن بينهما غاية املنافاة مبعىن
أنه ال ميكن اجتماعهما يف حمل واحد يف وقت واحد،
()30/1
[]30 /1
()31/1
[]31 /1
السبب الثاين :هو ارتفاع احملل ،فاجلرم الواحد املوجود يستحيل أن جيتمع فيه السكون واحلركة
فيكون متحركاً ساكناً يف وقت واحد ولكن احلركة والسكون قد يرتفعان عنه ابرتفاعه أي ابنعدامه
وزواله من الوجود .فإنه إذا عدم ال يقال فيه ساكن وال متحرك.
وأما املقابلة بني املتضائفني :فهي املقابلة بني أمرين وجوديني بينهما غاية املنافاة وال ميكن إدراك
أحدمها إال إبضافة اآلخر ،كاألبوة والبنوة ،والقبل والبعد والفوق والتحت فإن الذات الواحدة
يستحيل أن تكون جامعة بني كوهنا أابً وابناً لشخص واحد .فكون الشخص أابً لشخص مع أنه ابن
لذلك الشخص بعينه مستحيل كاستحالة اجتماع السواد والبياض يف نقطة بسيطة واحدة .إال أن
األبوة ال يدرك معناها إال إبضافة بنوة إليها كعكسه .واملكان الذي فوقك يستحيل أن يكون حتتك
يف الوقت الذي هو فوقك فيه إال أنه ال يعقل فوق إال إبضافة حتت إليه كعكسه .وكذلك الزمان
الذي قبل الوقت الذي أنت فيه يستحيل أن يكون بعده يف الوقت الذي هو قبله فيه مع أنه ال
يعقل قبل إال إبضافة بعد عليه كعكسه ،وهكذا فاملقابلة بني األبوة والبنوة ،والفوق والتحت ،والقبل
والبعد .مقابلة املتضائفني .وهي من أنواع تباين املقابلة وهي املسماة يف االصطالح ابلصفات
ا ِإلضافية.
واعلم أن عامة املنطقيني على أن الصفات ا ِإلضافية وجودية كما ذكران أن املقابلة بني املتضائفني هي
املقابلة بني أمرين وجوديني ...اخل.
وعامة املتكلمني على أن الصفات ا ِإلضافية أمور اعتبارية ال وجود هلا يف اخلارج .وقد سببوا هبذا
القول أنواعاً من ا ِإلشكال ،معروفة يف علم الكالم ليس هذا حمل بسطها.
وأما املقابلة بني العدم وامللكة :فهي املقابلة بني أمرين أحدمها وجودي واآلخر عدمي .والطرف
العدمي سلب للطرف الوجودي عن احملل الذي شأنه أن يتصف به كاملقابلة
()32/1
[]32 /1
بني البصر والعمى فهي مقابلة بني أمرين أحدمها وجودي وهو املعرب عنه ابمللكة كالبصر يف هذا
املثال .والثاين عدمي وهو املعرب عنه ابلعدمي وهو العمى وهذا الطرف العدمي الذي هو العمى
سلب للطرف الوجودي الذي هو البصر عن احملل الذي شأنه أن يتصف به كاحليوان الذي هو من
جنس ما يبصر .أما ما ليس من شأنه االتصاف ابمللكة فال ترد عليه عندهم مقابلة العدم وامللكة
كاحلائط ،والغصن فال يقول هذا احلائط أعمى وال بصي وال هذا الغصن أعمى وال بصي ألنه ليس
من شأنه االتصاف ابلبصر حىت يسلب عنه العمى .فتبني أن املقابلة بني النقيضني وبني العدم وامللكة
كلتامها مقابلة بني أمرين أحدمها وجودي واآلخر عدمي والفارق بينهما هو القيد الذي يف العدم
وامللكة الذي هو قوهلم عن احملل الذي شأنه أن يتصف به.
وأن املقابلة بني الضدين واملتضائفني كلتامها مقابلة بني أمرين وجوديني والفارق بينهما أن الضدين ال
يتوقف إدراك أحدمها على إضافة اآلخر إليه خبالف املتضائفني فال ميكن إدراك أحدمها إال إبضافة
اآلخر إليه كما تقدم إيضاحه.
()33/1
[]33 /1
()34/1
[]34 /1
وإن كان السؤال عن جزئي كزيد .ومثله الصنف والزجني والرومي أو عن أشياء متعددة متحدة
حقائقها كزيد وعمرو الزجني والرومي فجواب ذلك ابلنوع .فلو قلت مثالً ما هو زيد أو ما هو زيد
وعمرو أو ما هو الزجني وزيد وعمرو .فاجلواب ابلقدر املشرتك بينهما وهو النوع الذي هو ا ِإلنسان.
فح هد النوع :إذاً هو ما صدق يف جواب ما هو على كثيين متفقني ابحلقيقة وإمنا االختالف بينهم
ابلتشخيص الذايت فقولك ما هو زيد ،وما هو عمرو ،وما هو بكر ،وما هو خالد ،وما هي هند.
الكلمة اليت حتمل على اجلميع هي النوع فجواب ذلك أن تقول (ا ِإلنسان) ألنه القدر املشرتك بني
األفراد فا ِإلنسان نوع.
وإن شئت قلت يف تعريف النوع (هو الكلي) الذي هو متام ماهية أفراده.
وأما ح هد الفصل -فهو ما صدق يف جواب (أي ما هو صدقاً ذاتياً ال عرضياً) كأن يقول( :أي أنواع
احليوان هو ا ِإلنسان) فجواب هذا السؤال الصادق على املسئول عنه صدقاً ذاتياً هو الفصل .وهو
الناطق يف هذا املثال ألن الناطق هو نوع من احليوان الذي هو اإلنسان.
وإن شئت قلت يف تعريف الفصل (هو جزء املاهية املساويها يف املا صدق الختصاصه هبا).
وأما ح هد اخلاصة :فهو ما صدق يف جواب أي ما هو صدقاً عرضياه ال ذاتياه ،كأن تقول أي أنواع
احليوان هو ا ِإلنسان فجواب السؤال الصادق على املسئول عنه صدقاً عرضياً ال ذاتياً هو اخلاصة،
وهو يف هذا املثال الضاحك أو الكاتب مثالً ألن الضحك والكتابة خاصتان من خواص ا ِإلنسان
يتميز هبما من غيه من أفراد احليوان.
وإن شئت قلت يف تعريف اخلاصة هي :الكلي اخلارج عن املاهية املختص هبا دون غيها كالضاحك
ابلنسبة إىل ا ِإلنسان.
()35/1
[]35 /1
وأما العرض العام :فهو الكلي اخلارج عن املاهية الشامل هلا ولغيها كاملاشي واملتحرك ابلنسبة إىل
ا ِإلنسان وإيضاح انقسام الكليات إىل مخس أن الكلي إما يكون متام املاهية أو ليس بتمامها فإن كان
متام املاهية فهو النوع وإن كان غي متامها فهو إما داخل فيها وإما خارج عنها.
فإن كان داخالً فيها فال خيلو إما أن يكون أعم منها وإما أن يكون مساوايً هلا فاألول اجلنس والثَاين
الفصل ،وإن كان خارجاً عنها فال خيلو أيضاً من أن يكون أعم منها أو مساوايً هلا :فإن كان أعم منها
فهو العرض العام وإن كان مساوايً هلا فهو اخلاصة وقد عرفت حدودها وأمثلتها.
فإن قيل :بقى كلي سادس مل يذكر وهو:
الصنف :كالزجني ،والرومي .فقد أجاب بعضهم أبن الصنف خاصة غي شاملة ،وعليه فاخلاصة
تنقسم إىل:
شاملة ،وغي شاملة.
واعلم أن اجلنس والفصل عندهم ذاتيان بال خالف ،واخلاصة والعرض العام عرضيان عندهم بال
خالف والنوع فيه ثالثة مذاهب:
أحدها -أنه ذايت :بناء على أن كل ما ليس خبارج عن الذات فهو ذاتيي.
الثاين -أنه عرضي بناء على أن كل ما مل يدخل يف الذات فهو عرضي.
الثالث -وهو أقرهبا إىل الواقع ،أنه ليس بذايت وال عرضي ألنه متام املاهية ،فليس جزء منها حىت
يكون داخال ومعلوم أن متام املاهية ال ميكن خروجه عنها حىت يكون عرضياً.
واعلم أن الفصل إمنا مسي فصالً ألنه يفصل بني األنواع املشرتكة يف الصفات فا ِإلنسان والفرس مثال
يشرتكان يف اجلوهرية واجلسمية والنمائية واحلساسية ،فالناطق يفصل اإلنسان عن الفرس املشارك له
فيما ذكر والصاهل يفصل الفرس عن ا ِإلنسان كذلك.
()36/1
[]36 /1
تنبيه :ال خيفى أان ذكران يف األمثلة املاضية أن الناطق فصل وأنه مميز ذايت وأنه جزء املاهية الداخل
فيها الصاد َق عليها صدقاً ذاتياً وأان ذكران أن الضاحك والكاتب مثال خاصتان وأهنما عرضيان
خارجان عن املاهية وليس واحد منهما جزءاً منها وال داخال فيها فقد يقول السامع ،ما حقيقة الفرق
بني الناطق والضاحك حىت صار أحدمها جزءاً من املاهية عندهم والثاين خارجاً عنها.
واجلواب أن هلم أجوبة متعددة كثي منها ليس فيه مقنع ،وأقرهبا عند الذهن ثالثة:
األول :أن الذايت هو املعروف عند املتكلمني ابلصفة النفسية وضابطه أنه ال ميكن إدراك حقيقة
املاهية بدونه والعرضي ميكن إدراكها بدونه.
الثاين :أن الذايت ال يعلل والعرضي يعلل.
الثالث :أن الذايت هو الذي ال تبقى الذات مع توهم رفعه ،والعرضي خبالفه وإيضاح الفوارق الثالثة
ابألمثلة كما سيأيت:
كون الذات ال تعقل بدون الناطق ،ولكن تعقل بدون الضاحك والكاتب فقد قالوا لو فرضنا أن
عاقال من العقالء مل ير ا ِإلنسان و مل يتصوره حبال فسأل عنه من يعرفه فإن عرفه له أبنه جسم دخل
يف التعريف (احلجر) مثال فإن زاد يف التعريف أنه (انم) دخل النبات والشجر .فإن زاد أنه (حساس)
دخل الفرس مثال .فإن زاد أنه (انطق) مثال انفصل عن غيه ومتيز عن كل ما سواه.
والنطق :يف االصطالح عند املنطقيني (القوة العاقلة املفكرة اليت يقتدر هبا على إدراك العلوم واآلراء)
وليس املراد به عندهم الكالم.
وإن قال هو منتصب القامة ميشى على اثنتني دخل الطي فإن زاد (ال ريش له)
()37/1
[]37 /1
دخل منتوف الريش من الطيور وساقطه .فإن زاد أنه (انطق) حصل التمييز وا ِإلدراك.
فإن قيل كذلك حيصل التمييز وا ِإلدراك فيما لو قال( :أنه ضاحك) .أو كاتب ألنه ال يشاركه غيه يف
الضحك والكتابة.
فاجلواب :أن يقولون الضحك حالة تعرض عند التعجب من أمر بعد أن تتفكر فيه القوة الناطقة
والكتابة نقوش على هيئات ومقادير معلومة ال حتصل بتفكي القوة الناطقة ،فظهر أن الضحك
والكتابة فرعان عن النطق ال يوجدان إال تبعاً له .وال يعقالن إال تبعاً له فلم تعقل حقيقة ا ِإلنسان
دون النطق ،خبالف الضحك ،والكتابة ،فإن احلقيقة تعقل بدوهنما كذا قالوا.
وأما الفرق الثاين :الذي هو كون الذايت ال يعلل ،والعرضي يعلل ،فواضح فإنك ال تقول :مل كان
ا ِإلنسان ذا قوة مفكرة يقتدر هبا على إدراك العلوم واآلراء تعين النطق ولكن إذا رأيته يضحك أو
يكتب شيئاً فإنك قد تقول له ما هو السبب الذي أضحكك وما هو السبب الذي محلك على كتابة
هذا الذي كتبت.
وأما الفرق الثالث :الذي هو أن الذايت ال تبقى الذات مع توهم رفعه أي عدمه فواضح .ألنك لو
فرضت خلو حيوان من القوة العاقلة املفكرة اليت يقتدر هبا على إدراك العلوم واآلراء ال ميكن أن
يكون ذلك احليوان إنساانً .وال يرد على ذلك املعتوه الذي ال عقل له .واجملنون الفاقد العقل ابلكلية
ألن املراد بكونه انطقاً أن ذلك هو طبيعته وجبلته اليت جبل عليها .ولو زالت عن بعض األفراد
لسبب خاص.
فبهذه الفوارق الثالثة تعرف الفرق بني الذايت والعرضي.
وإذا عرفت ح هد اجلنس والنوع والفصل واخلاصة والعرض العام.
()38/1
[]38 /1
فاعلم أن اجلنس :ينقسم إىل جنس قريب وجنس متوسط ،وجنس بعيد.
وضابط اجلنس القريب :أنه هو متام القدر املشرتك بني األنواع كاحليوان ابلنسبة إىل ا ِإلنسان والفرس
فإن احليوان والفرس يشرتكان يف اجلوهرية واجلسمية والنمائية واحلساسية وكل هذه الصفات داخلة يف
احليوان .فهو متام القدر املشرتك بينهما وقد يتميز كل منهما عن اآلخر بفصله أو خاصته كتمييز
ا ِإلنسان أبنه الناطق إن كان املميز ذاتياً أو أبنه الضاحك أو الكاتب إن كان املميز عرضياً وكتمييز
الفرس ابلصاهل مثالً.
وضابط اجلنس املتوسط :أنه هو ما ليس متام القدر املشرتك مع اندراجه يف جنس فوقه .وهو
مرتبتان:
األوىل -كالنامي ابلنسبة إىل ا ِإلنسان والفرس مثالً فإنه جنس متوسط ابلنسبة إليهما ألهنما يشرتكان
يف النامي .وليس متام القدر املشرتك بينهما الشرتاكهما يف احلساسية أو التحرك اب ِإلرادة.
ومها خارجان عن النامي وهو الذي يكرب تدرجيياً مع أن النامي داخل يف جنس فوقه وهو اجلسم
مثالً.
املرتبة الثانية -من مرتبيت اجلنس املتوسط (كاجلسم) ابلنسبة إىل ا ِإلنسان والفرس فإهنما يشرتكا ن يف
اجلسمية وليست متام القدر املشرتك بينهما الشرتاكهما يف النمائية واحلساسية مثالً .وكلتامها خارجة
عن اجلسم ال يتحقق مشوله هلا .إذ ليس كل جسم انمياً وال كل جسم حساساً .فإن احلجر ليس بنام
وال حساس مع أنه جسم واجلسم داخل يف جنس فوقه وهو اجلوهر.
وأما ضابط اجلنس البعيد :فهو ما ليس متام القدر املشرتك بني األفراد مع أنه ليس فوقه جنس
كاجلوهر وهو ما يستحيل قبوله االنقسام لقلته فاجلوهر مثالً هو اجلنس األبعد ويسمى اجلنس العايل
وجنس األجناس .ومناقشات املتكلمني
()39/1
[]39 /1
يف إمكان وجوده وعدم إمكانه معروفة وليس هذا حمل بسطها.
وأما اجلواب عن السؤال (مبا) ابحل هد فهو يف السؤال عن كلى واحد .فقولك ما هو اإلنسان جوابه
حبده الذي هو احليوان الناطق وهكذا .وهذا هو حاصل ما البد منه من مبادئ التصورات ،فتحصل
أن احليوان مثالً جنس قريب لإلنسان والفرس مثالً ،وأن النامي واجلسم كالمها جنس متوسط ابلنسبة
هلما .وأن اجلوهر جنس أبعد.
()40/1
[]40 /1
()41/1
[]41 /1
احليوان الضاحك أو احليوان الكاتب.
والرسم الناقص :هو التعريف ابخلاصة مع اجلنس املتوسط أو البعيد ،أو اخلاصة وحدها كتعريف
ا ِإلنسان أبنه :النامي الضاحك أو الكاتب أو اجلسم الضاحك أو الكاتب أو اجلوهر الضاحك أو
الكاتب .أو تعريفه أبنه الضاحك فقط أو الكاتب فقط.
واللفظي :هو تعريف اللفظ بلفظ مرادف له أشهر منه كتعريف الغضنفر أبنه األسد وتعريف الزخيخ
أبنه النار .وكتعريف اخليتعور أبنه السراب وكل زائل مضمحل ومنه قوله:
كل أنثى وإن بدا لك منها ... ...آية احلب حبها خيتعور
أي زائل مضمحل غي دائم.
وأما القسمة :فكقولك يف تعريف العلم :االعتقاد إما جازم وإما غي جازم .واجلازم إما مطابق أو غي
مطابق .واملطابق إما اثبت ال يقبل التشكيك حبال ،وإما أال يكون كذلك .فخرج عن القسمة اعتقاد
جازم مطابق اثبت ال يقبل التشكيك حبال وهو العلم.
وخرج ابجلازم غي اجلازم ،كالظن والشك والوهم .وخرج ابملطابق غي املطابق وهو االعتقاد الفاسد
كاعتقاد الفالسفة قدم العامل .وخرج ابلثابت الذي ال يقبل التشكيك حبال اجتهاد اجملتهد املصيب
ألن االجتهاد قابل للتغيي والتشكيك.
وأما املثال :فكقولك يف تعريف العلم هو إدراك .كإدراك أن الواحد نصف االثنني وأن الكل أكرب من
اجلزء .وإدراك البصية الذي هو كإدراك الباصرة ...وكقولك (االسم كزيد والفعل كضرب).
واعلم أن احل هد :يف اللغة املنع ومنه قول انبغة ذبيان:
وال أرى فاعال يف الناس يشبه ... ...وال أحاشي من األقوام من أحد
إال سليمان إذ قال ا ِإلله له ... ...قم يف الربية فاحددها عن الفند
()42/1
[]42 /1
فقوله :فاحددها أي أمنعها ومسي احل هد حداً ألنه مينع أفراد احملدود من اخلروج ومينع غيها من
الدخول وهو عندهم متييز املاهية أبجزائها الذاتية ألهنا مرتكبة عندهم من جنس وفصل.
واجلنس عندهم جزؤها الذي هو أعم منها والفصل عندهم هو جزؤها املساويها كما تقدم .إن مل
يشتمل احل هد على مجيع الذاتيات كالتعريف ابلفصل وحده أو مع اجلنس املتوسط أو البعيد فهو
عندهم انقص لعدم اشتماله .على مجيع الذاتيات.
والرسم :أصله العالمة ومنه رسوم الدار أي عالماهتا كقوله:
وهل عند رسم دارس من معول
وإمنا مسوه رمساً ألن التعريف فيه ابخلاصة وهي من عالمات الذات املختصة هبا اخلارجة عن ماهيتها
-عندهم كما تقدم إيضاحه.
واعلم أن مجيع املعرفات يشرتط فيها شروط:
الشرط األول:
أن يكون املعرف ابسم الفاعل مطرداً .أي مانعاً من دخول غي املعرف ابسم املفعول.
الشرط الثاين:
أن يكون منعكساً أي جامعاً جلميع أفراده والتحقيق أن الطرد هو املنع والعكس هو اجلمع خالفاً ملن
عكس ذلك.
وإيضاح أن الطرد هو املنع والعكس هو اجلمع.
()43/1
[]43 /1
هو أن تعلم أوال أن الطرد يف االصطالح :هو املالزمة يف الثبوت .وقضيته كلما وجد احل هد وجد
احملدود والعكس يف االصطالح املالزمة يف االنتفاء وقضيته كلما انتفى احل هد انتفى احملدود فإذا
صدقت قضية كلما وجد احل هد وجد احملدود لزم منع غي احملدود من الدخول قطعاً كقولك :كلما وجد
احليوان الناطق وجد اإلنسان فهذا احل هد مطرد أي مانع من دخول غي ا ِإلنسان فإن اختلت قضية
املالزمة يف الثبوت اختل املنع .فلو قلت كلما وجد احليوان وجد ا ِإلنسان فهذا ليس بصحيح ألن
وجود ا ِإلنسان ال يلزم من وجود احليوان فلو عرفت ا ِإلنسان أبنه حيوان كان احل هد غي مانع من
دخول غي ا ِإلنسان كالفرس وإمنا كان غي مطرد أي غي مانع الختالل املالزمة يف الثبوت ،وكذلك
املالزمة يف االنتفاء إن اختلت لزم من ذلك اختالل مجع مجيع أفراد احملدود .فلو قلت مثالً كلما
انتفى الناطق انتفى احليوان فهذا ليس بصادق .ولذلك لو عرفت احليوان أبنه الناطق كان غي جامع
جلميع أفراد احليوان ألن فيها ما ليس انطقاً.
وحاصل إيضاح هذا أن النسبة بني احل هد واحملدود إن كانت املساواة كان جامعاً مانعاً.
وإن كان احل هد أعم من احملدود كان جامعاً غي مانع كتعريف ا ِإلنسان أبنه احليوان .وإن كان احل هد
أخص من احملدود كان مانعاً غي جامع كتعريف احليوان أبنه الناطق ،فإنه مانع من دخول غي احليوان
إذ ال انطق إال وهو حيوان ولكنه غي جامع ،ألن من أفراد احليوان ما ليس بناطق.
وإن كانت النسبة بينهما العموم واخلصوص من وجه أو التباين كان غي جامع وال مانع كتعريف
اإلنسان أبنه األبيض ،أو أبنه احلجر ،كما ال خيفى.
واملراد ابحل هد هنا مطلق التعريف ،فيدخل فيه مجيع املعرفات واحلاصل أن كل مانع من دخول غي
احملدود جامع جلميع أفراد احملدود فإنه هو املطرد
()44/1
[]44 /1
()45/1
[]45 /1
احلد فإن توقفت معرفة احل هد على معرفة احملدود كان دوراً سبقياً ألن معرفة كل منهما تتوقف على
سبق معرفة اآلخر فال ميكن ا ِإلدراك كتعريف العلم أبنه معرفة املعلوم على ما هو به ألن املعلوم
مشتق من العلم واملشتق ال يعرف إال بعد معرفة املشتق منه.
أما الدور املعي فال حمال فيه ككون ما يسمونه اجلرم متصفاً مبا يسمونه العرض إذ ال يعقل جرم خال
من مجيع األعراض كاحلركة والسكون واالجتماع واالفرتاق واللون وحنو ذلك كما ال يعقل عندهم
عرض قائم بنفسه دون جرم فمعرفة كل منهما تتوقف على معرفة اآلخر إال أنه ال يشرتط سبق
أحدمها لآلخر بل يعلمان معاً يف وقت واحد وذلك هو معىن كونه دوراً معياً.
واألربع األول اليت هي احلركة والسكون واالجتماع واالفرتاق هي املعروفة عند املتكلمني ابألكوان
ويدخل يف الدور املمنوع إدخال األحكام يف احلدود ألن احلكم على الشيء فرع تصوره.
الشرط السادس:
أن ال يكون املعرف مشرتكاً بني معنيني فصاعداً ألن االشرتاك مانع من فهم املراد ابلتعريف ما مل
توجد قرينة تعني املراد فإن وجدت جاز التعريف به.
فمثال التعريف ابملشرتك دون القرينة تعريف الشمس أبهنا عني .ومثال القرينة املعينة للمراد تعريف
الشمس أبهنا عني تضيء مجيع آفاق الدنيا .فهذه الشروط تشرتط يف كل تعريف من أنواع التعاريف
املذكورة.
فإن قيل :قد عرفتم لنا املعرف ابسم الفاعل أبنه اجلامع املانع أي املنعكس املطرد .مث ذكرمت لنا
اجلمع واملنع من شروط املعرفات ابسم الفاعل ومعلوم أن الشرط خارج عن املاهية.
فاجلواب أن ذلك التعريف رسم ألنه تعريف ابخلاصة وهي خارجة عن
()46/1
[]46 /1
املاهية ،والواحد ابلشخص له جهتان فاخلاصة من جهة تعريف املاهية هبا يف معرف ابسم الفاعل وقد
تكون شرطاً يف التعريف إذا عرف بشيء آخر غيها كالفصل .وحنن راعينا كليهما من جهة فعرفنا هبا
مث جعلناها شرطاً ابالعتبار اآلخر ومقصودان ابخلاصة هنا هو كل من اجلمع واملنع فمجموعهما خاصة
واّلل تعاىل أعلم.
للمعرف ابسم الفاعل ه
()47/1
[]47 /1
فصل
يف مبادئ التصديقات
اعلم أن مبادئ التصديقات هي القضااي وأحكامها.
والقضية يف االصطالح هي التصديق ،وقد تقدم إيضاحه وتسمى -القضية -واخلرب ،والتصديق،
وقد قدمنا أنه هو ما يعرب عنه يف املعاين اب ِإلسناد اخلربي ويف النحو ابجلملة االمسية أو الفعلية.
واعلم أن القضااي ابلتقسيم األول تنقسم إىل قسمني ال اثلث هلما ومها:
- 1القضية احلملية.
- 2والقضية الشرطية.
وضابط القضية احلملية أمران:
األول :أهنا ينحل طرفاها إىل مفردين أو ما يف قوة املفردين.
الثاين :أن احلكم فيها ليس معلقاً على شيء.
ومثاهلا :زيد قائم ،وعمرو جالس ،وا ِإلنسان حيوان ،وحنو ذلك .فإن كل واحد من هذه األمثلة ينحل
طرفاه إىل مفردين وليس احلكم فيها معلقاً.
وما يف قوة املفرد ثالثة أقسام:
األول :أن يكون املوضوع مفرداً أو احملمول مجلة يف قوة املفرد
اّلل .فإنه يف قوة
كقولك زيد قام أبوه ألن قام أبوه يف قوة قائم األب .وقولك خي الذكر ال إله إال ه
اّلل.
خي الذكر كلمة ال إله إال ه
الثاين :عكسه وهو أن يكون املوضوع مجلة يف قوة املفرد واحملمول مفرداً كقولك ال حول وال قوة إال
ابّلل كنز من كنوز اجلنة.
ه
الثالث :أن يكون كل من املوضوع واحملمول مجلة يف قوة املفرد،
()48/1
[]48 /1
كقولك زيد عامل نقيض زيد ليس بعامل ألنه يف قوة :قضية زيد عامل نقيض قضية زيد ليس بعامل.
فتحصل أن األقسام أربعة:
مفردان كزيد قائم ،وأقسام ما يف قوة املفرد الثالثة املذكورة أبمثلتها آنفا ومسيت محلية للحكم
مبحموهلا على أفراد موضوعها.
الشرطية:
وأما القضية الشرطية فضابطها أمران:
األول :أن ينحل طرفاها إىل مجلتني أعين أنه إن أزيلت أداة الربط يف املتصلة أو أداة العناد يف
املنفصلة بني طرفيها يصي كل من طرفيها أعين مقدمها واتليها مجلة مستقلة.
والثاين :أن احلكم فيها معلق .فقولك مثال :لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجوداً ،قضية
شرطية متصلة ،ألنك لو أزلت أداة الربط مقدمها وهو الطرف املقرتن بلو ،وبني اتليها ،وهو الطرف
املقرتن ابلالم يف املثال املذكور ،ونعين أبداة الربط لفظ (لو) والالم :صار املقدم كانت الشمس طالعة
وهي قضية محلية ألهنا مبتدأ وخرب دخل عليها فعل انسخ كان التايل النهار موجود وهو قضية محلية
ألنه مبتدأ وخرب مع أن احلكم لوجود النهار معلق على طلوع الشمس ،وكل قضية كان احلكم فيها
معلقاً كانت ينحل طرفاها إىل مجلتني
فهي القضية الشرطية .وكذلك لو قلت :العدد إما زوج وإما فرد فهذه شرطية منفصلة ،فلو زالت
أداة العناد بني طرفيها وهي لفظة (أما) صار الطرف األول العدد زوج والطرف الثاين العدد فرد.
وكالمها قضية محلية.
ووجه تعليق احلكم يف املنفصلة أن كون العدد مثال زوجاً معلقاً على نفي الفردية عنه كعكسه .واعلم
أن القضية الشرطية تنقسم ابلتقسيم األول إىل قسمني:
()49/1
[]49 /1
()50/1
[]50 /1
وكونه حيواانً الزم لكونه إنساانً وذلك اللزوم عقلي.
ومثال الشرعي :قولك كلما زالت الشمس وجبت صالة الظهر ،وكلما وجد شهر رمضان وجب
الصوم ألن كال من زوال الشمس ووجود رمضان سبب شرعي للعبادة املذكورة من صالة أو صيام.
ومثال العادي :قولك كلما مل يكن ماء مل يكن نبات ألن هللا أجرى العادة أبن وجود املاء سبب
لوجود النبات وعدمه سبب لعدمه.
وأما الشرطية املتصلة االتفاقية :فضابطها أهنا ال ربط بني مقدمها واتليها أي ال عالقة بينهما أصال ال
عقالً وال شرعاً وال عادة ولكن اتفق يف اخلارج أن صدق كل منهما مع صدق األخرى أي اجتمعا يف
الوجود مع أنه ال أثر لنفي أحدمها لو فرض ،يف نفي اآلخر .وال عدمه إذ ال عالقة بينهما أصال.
كقولك كلما كانت الشمس طالعة كان ا ِإلنسان انطقاً فال عالقة أصال بني طلوع الشمس وبني نطق
ا ِإلنسان .ومن أمثلتها يف القرآن قوله تعاىل{ :قل لو كنتم يف بيوتكم لربز الذين كتب عليهم القتل إىل
مضاجعهم} ،ألن كينونتهم يف بيوهتم .وبروزهم إىل مضاجعهم ال عالقة بينهما وال يستلزم أحدمها
اآلخر وال عدمه ..وكقوله تعاىل{ :قل لو كان البحر مداداً لكلمات ريب لنفد البحر قبل أن تنفد
كلمات ريب} ،ألن كون الرب مداداً هلا ال عالقة له بنفادها وال عدمه .وكقوله تعاىل{ :وإن تدعهم إىل
اهلدى فلن يهتدوا إذاً أبداً} ،ألن دعاءه إايهم إىل اهلدى ال عالقة بينه وبني عدم اهتدائهم ومن هذا
اّلل ال أثر له يف عدم عصيانه بل قد يكون
اّلل مل يعصه ألن عدم خوفه من ه
القبيل قوهلم لو مل خيف ه
سبباً لعصيانه فيما يظهر للناظر.
وقد نبهنا يف كتابنا «أضواء البيان» على غلط الزخمشري وأىب حيان يف آية {وإن تدعهم إىل اهلدى
فلن يهتدوا إذاً أبداً} ،فقد ظنا هذه الشرطية يف هذه اآلية لزومية حيث زعما أنه جعل فيها سبب
عدم اهتدائهم هو دعوته هلم
()51/1
[]51 /1
إىل اهلدى .واملعىن أن الكفار عندمها جعلوا ما يكون سبباً لالهتداء سبباً النتفائه وكل ذلك غلط،
ألن الشرطية املذكورة يف اآلية اتفاقية ال ربط أصال بني مقدمها واتليها.
واعلم أن الشرط احلقيقي يف االتفاقية ليس هو املذكور مع اجلزاء بل سبب اجلزاء شيء آخر غي
اّلل مل يعصه) فعدم العصيان الذي هو اجلزاء يف
مذكور معه يف الشرطية املذكورة كقوهلم( :لو مل خيف ه
مثل هذا املثل سببه غي مذكور معه ،فليس سببه عدم اخلوف الذي هو الشرط يف املثال املذكور
ولكنه شيء آخر مل يذكر وهو تعظيمه هّلل وحمبته له املانعة من معصيته له ،ولو مل يكن خائفاً وكذلك
قوله تعاىل{ :فلن يهتدوا إذاً أبداً} ،سببه احلقيقي غي مذكور معه فليس هو قوله{ :وإن تدعهم إىل
اّلل تعاىل عدم اهتدائهم على وفق
اهلدى} ،كما ظنه الزخمشري وأبو حيان وغيمها بل سببه هو إرادة ه
ما سبق يف علمه أزالً .وكذلك قوله تعاىل{ :قل لو كنتم يف بيوتكم لربز الذين كتب عليهم القتل إىل
مضاجعهم} ،ألن سبب بروزهم إىل مضاجعهم شيء آخر غي مذكور يف اآلية وهكذا.
ومن األسباب املستوجبة لكون الشرطية اتفاقية هو رفع ما حيصل يف الوهم من املنافاة بني قضيتني
فيبني ابملتصلة االتفاقية أهنما ال منافاة بينهما فالكفار مثالً كانوا يتومهون أن كينونتهم يف بيوهتم تنايف
بروزهم إىل مضاجعهم ويظنون أهنا تنجيهم من القتل كما ذكر تعاىل عنهم بقوله{ :يقولون لو كان لنا
من األمر شيء ما قتلنا هاهنا} .وقوله تعاىل{ :الذين قالوا ِإلخواهنم و قعدوا لو أطاعوان ما قتلوا}،
فبني تعاىل عدم املنافاة بني بقائهم يف بيوهتم وبني بروزهم إىل مضاجعهم اليت كتب عليهم أن يقتلوا
فيها وهكذا.
تنبيهات:
األول :اعلم أن التحقيق أن الصدق والكذب يف الشرطية املتصلة إمنا
()52/1
[]52 /1
يكون حبسب صحة الربط بني املقدم والتايل وعدم صحته ،فإن كان الربط صحيحاً كانت صادقة وإن
كان الربط غي صحيح كانت كاذبة ،ومن أجل أن الصدق والكذب إمنا يتواردان على الربط بني
املقدم والتايل يصح أن تكون صادقة مع كذب طرفيها لو أزيلت أداة الربط فقوله تعاىل{ :لو كان
اّلل لفسدات} ،شرطية متصلة لزومية يف غاية الصدق مع أنك لو أزلت أداة الربط بني
فيهما آهلة إال ه
طرفيها كان كل من الطرفني قضية كاذبة ،فيصي الطرف األول عند إزالة الربط :كان فيهما آهلة إال
اّلل :وهذه قضية كاذبة سبحانه وتعاىل .عن أن يكون معه إله علواً كبياً ويصي الطرف الثاين يف املثال
ه
املذكور {فسدات} أي السموات واألرض وهي أيضاً قضية كاذبة .وكقولك( :لو كان زيد حجراً) لكان
مجاداً .فهذه لزومية صادقة مع كذب الطرفني .ألن زيداً مل يكن حجراً و مل يكن مجاداً وقال بعض
أهل العلم :أن مورد الصدق والكذب يف الشرطية املتصلة هو التايل فقط الذي هو اجلزاء فهو
احملتمل للصدق والكذب عندهم .والشرط الذي هو املقدم قيد فيه .وزعموا أن هذا قول أهل العربية
والصواب فيما يظهر أن أهل اللغة موافقون للمنطقيني يف أن الصدق والكذب يف الشرطية املذكورة
إمنا يتواردان على الربط بني طرفيها لصدقها مع كذب الطرفني كما مثلنا .ولصدقها أيضا مع كذب
أحدمها وصدق اآلخر لو أزيل الربط كقوله لو كان زيد يف السماء ما جنا من املوت فهذه شرطية
صادقة واتليها الذي هو ما جنا من املوت صادق ،ومقدمها الذي هو كونه يف السماء كاذب.
التنبيه الثاين:
اعلم أن الطرف األول من طريف الشرطية يسمى مقدماً والثاين يسمى اتلياً .وهذا يف املتصلة ال
خالف فيه .وقيل يف املنفصلة أيضاً كذلك .وقيل ال يسمى جزآها مقدماً واتلياً ألهنا مل يكن أحد
طرفيها مرتبا على اآلخر فالتقدمي والتأخي فيها موكول إىل اختيار املتكلم .فلو قلت العدد إما زوج
وإما فرد فال فرق
()53/1
[]53 /1
بني ذلك وبني قولك العدد إما فرد وإما زوج .فلك أن تقدم من الطرفني ما شئت وتؤخره .خبالف
املتصلة فإنه لو أخر املقدم مل تصدق لزوماً .ولو صدقت يف بعض الصور خلصوص املادة .فقولك لو
كان هذا إنساانً لكان حيواانً صحيح لو عكست فقلت :لو كان هذا حيواان لكان إنساانً كان كاذابً.
فتبني أن كونه إنساانً مقدم وكونه حيواانً اتل على احلقيقة .خبالف املنفصلة كما مثلنا.
التنبيه الثالث:
اعلم أنه أتيت يف اللغة العربية قضااي على هيئة الشرطية املتصلة وهي مقبولة يف اللغة العربية بل
معدودة من بديعها املعنوي عند أهلها .مع أن الربط بني طرفيها كاذب .وذلك لسر آخر من أسرار
العربية ال جيري مثله يف فن املنطق.
فقول انبغة ذبيان:
ولو أهنا عرضت ألمشط راهب ... ...عبد ا ِإلله صرورة متعبد
لران لبهجتها وحسن حديثها ... ...وخلاله رشداً وإن مل يرشد
فيستبعد صدق الشرطية فيه فكون عروض املرأة لألمشط الراهب العابد يستوجب رنوه إليها وغيبوبته
عن رشده وعبادته مستبعد الوقوع ،وإن كان غي مستحيل عقالً وال عادة.
وقول قيس بن امللوح:
ولو تلتقي أصداؤان بعد موتنا ... ...ومن دون رمسينا من األرض سبب
لظل صدى صويت وإن كنت رمة ... ...لصوت صدى ليلى يهش ويطرب
يستحيل عادة صدق الشرطية فيه ،وإن أمكن عقالً.
وإمنا ساغ حنو هذا يف اللغة ألن نوع من أنواع البديع املعنوي يسمى املبالغة .وهي يف اصطالح
البالغيني أن يدعي لوصف بلوغه يف الشدة أو الضعف ح هداً
()54/1
[]54 /1
مستبعداً أو مستحيالً لئال يظن أنه غي متناه فيه ،وهي ثالثة أنواع:
األول :نوع مستبعد الوقوع ولكنه ال مينعه العقل وال العادة وال العادة كالشرطية .يف بييت انبغة ذبيان
املذكورين .وهذا النوع من أنواع املبالغة هو املعروف عندهم ابلتبليغ ،وإمنا ساغ مع عدم صدقه
للغرض املذكور يف قوهلم لئال يظن أنه غي متناه فيه.
النوع الثاين :هو املستحيل عادة وإن كان جيوز عقالً .ومن أمثلته الشرطية يف بييت قيس بن امللوح
املذكورين .ألن طرب صدى صوته .بعد املوت لصدى صوت ليلى حتيله العادة وإن أمكن عقالً.
وإمنا جاز مع عدم صدقه للغرض املذكور وهذا النوع من أنواع املبالغة هو املعروف عندهم -
اب ِإلغراق.
النوع الثالث :ما استحال عقالً وعادة وهو املعروف ابلغلو ،وأمثلته والتفصيل بني املقبول منه وغي
املقبول معروفة يف البديع من فن البالغة ولسنا نريد تفاصيل ذلك هنا .وقد فصلناها يف رسالتنا يف
منع اجملاز يف القرآن .وأما الشرطية املنفصلة فضابطها أهنا البد أن يكون بني طرفيها عناد يف اجلملة.
واعلم أن املراد ابلعناد هنا والتنافر شيء واحد وهو تنايف الطرفني واستحالة اجتماعهما والعناد
املذكور بني الطرفني هو معىن كوهنا منفصلة والتقسيم العقلي الصحيح حيصر العناد املذكور ثالثة
أقسام ال رابع هلا:
األول :أن يكون يف الوجود والعدم معاً.
الثاين :أن يكون يف الوجود فقط.
الثالث :أن يكون يف العدم فقط.
فإن كان العناد بني طرفيها يف الوجود والعدم معاً مبعىن أن طرفيها ال ميكن اجتماعهما يف الوجود وال
يف العدم فال يوجدان معاً وال يعدمان معاً بل البد من وجود أحدمها وعدم اآلخر فهي املعروفة
ابلشرطية املنفصلة احلقيقية وتسمى
()55/1
[]55 /1
مانعة اجلمع واخللو معاً وال ترتكب إال من النقيضني أو من الشيء ومساوي نقيضه ومثاهلما يف
النقيضني قولك العدد إما زوج أو ليس بزوج ومثاهلا يف الشيء ومساوي نقيضه :العدد إما زوج وإما
فرد ألن لفظة (فرد) مساوية لليس بزوج وهي نقيض العدد زوج.
وإن كان العناد بني طرفيها يف الوجود فقط فهي مانعة اجلمع اجملوزة للخلو ال ترتكب إال من قضية
وأخص من نقيضها كقولك :اجلسم إما أبيض وإما أسود فهذه شرطية منفصلة مانعة مجع ألنه
يستحيل اجتماع طرفيها يف الوجود أبن يكون اجلسم الواحد أبيض أسود يف وقت واحد من جهة
واحدة .ولكنها جتوز اخللو من الطرفني ألهنا ال عناد بني طرفيها يف العدم فيجوز أن يكون اجلسم غي
أبيض وغي أسود لكونه أمحر أو أصفر مثالً .وجواز عدم طرفيها معاً هو معىن كوهنما ال عناد بني
طرفيها يف العدم بل مها مصطحبان فيه النعدام كالمها.
وإن كان العناد بني طرفيها يف العدم فقط فهي مانعة اخللو اجملوزة للجمع .عكس اليت قبلها .وال
ترتكب إال من قضية وأعم من نقيضها كقولك :اجلسم إما غي أبيض وإما غي أسود فهذه شرطية
منفصلة مانعة خلو جموزة مجع فال ميكن اجتماع طرفيها يف العدم البتة ،ولكن ميكن اجتماعهما يف
الوجود إذ ال عناد بينهما يف الوجود وإمنا العناد بينها يف العدم فطرفا هذه املنفصلة اللذان مها غي
أبيض وغي أسود جيوز اجتماعهما يف الوجود فتقول :هذا اجلسم غي أبيض وغي أسود وأنت صادق
لكونه أمحر أو أصفر مثالً ولكن ال ميكن اجتماعهما يف العدم حبال بل إذا عدم أحدمها لزم وجود
اآلخر ضرورة ألنك لو حكمت بنفي غي األبيض فقد جزمت أبنه أبيض ألن نفي النفي إثبات وإذا
جزمت أبنه أبيض لزم ضرورة حصول الطرف الثاين الذي هو غي أسود ألن األبيض غي أسود قطعاً
كما هو ضرورة .وإذا علمت مما ذكران أن القضية تنقسم إىل محلية وشرطية ابلتقسيم األول وأن
الشرطية تنقسم إىل متصلة ومنفصلة وأن
()56/1
[]56 /1
املتصلة تنقسم إىل لزومية واتفاقية .وأن املنفصلة تنقسم إىل حقيقة مانعة مجع وخلو معاً .ومانعة مجع
جموزة خلو .ومانعة خلو جموزة مجع ،وعرفت أَان بينا كل قسم أبمثلته فاعلم أان أردان هنا أن نقتصر
على ما البد منه يف علم املناظرة فلم نذكر الرابطة لعدم االحتياج هلا يف اللغة العربية لالكتفاء عنها
ابالشتقاق وا ِإلضافة مثال .و مل نتعرض للجهة ،وال للقضااي املوجبة وال ملنحرفات السور وال
للحقيقيات واخلارجيات وال للمحصالت واملعدوالت إىل غي ذلك من أحكام القضااي ،ولكنا أردان
هنا أن نبني ما البد للمناظرة منه:
وهو ثالثة أشياء وهبا ينتهي حبثنا يف مبادئ التصديقات:
األول :تقسيم القضااي ابعتبار الكم والكيف خاصة.
الثاين :العكس.
الثالث :التناقض.
مث نذكر مقاصد التصديقات مث نشرع يف املقصود من آداب البحث واملناظرة.
اعلم أوالً أن الكم يف االصطالح هو :الكلية واجلزئية ،وقد أوضحنا فيما سبق أن الكلية هي احلكم
ابحملمول على كل فرد من أفراد املوضوع الداخلة .حتت العنوان .إجياابً أو سلباً .وأن اجلزئية هي
احلكم ابحملمول على بعض أفراد املوضوع ال كلها إجياابً أو سلباً .خالفاً للسنوسي يف خمتصره فقد
غلط يف هذا املوضع.
املراد ابلكيف يف االصطالح هو :ا ِإلجياب والسلب ومها ا ِإلثبات والنفي .واعلم أن السور يف
االصطالح هو اللفظ الدال على ا ِإلحاطة جبميع األفراد أو .بعضها إجياابً أو سلباً وأقسامه أربعة:
األول :سور كلي إجيايب حنو :كل وعامة وحنومها.
الثاين :سور كلي سليب حنو الشيء وال واحد ،وحنومها.
()57/1
[]58 /1
تنبيهات
التنبيه األول :اعلم أنه جرى عرف املنطقيني يف التقسيم املذكور أن القضااي ابعتبار الكم والكيف
مثانية ألهنم يزيدون على الستة اليت ذكران ،املهملة املوجبة حنو :ا ِإلنسان حيوان .واملهملة السالبة حنو
ليس احليوان إبنسان .وإمنا جعلناها ستة ال مثانية ألن املهملة يف قوة اجلزئية .ال قسم زائد عليها.
فصارت القضااي ابعتبار الكم والكيف ستا على التحقيق كما ذكران.
التنبيه الثاين :وهو مهم جداً وهو أن تعلم أن املراد ابملوضوع مناف للمراد ابحملصول يف القضية
احلملية ألن املراد ابملوضوع مجيع أفراده اخلارجة الداخلة حتت العنوان .سواء اعتربان الوجود اخلارجي
لكوهنا خارجية .أو اعتربان تقدير الوجود لكوهنا حقيقة .وال يراد ابملوضوع القدر املشرتك الذي هو
املعىن الذهين خبالف احملمول ،فإنه ال يقصد به األفراد اخلارجية وإمنا يراد به مطلق املاهية الذهنية.
اليت هي القدر املشرتك بني األفراد .فقولك :كل إنسان حيوان قضية محلية .موضوعها ا ِإلنسان.
وحمموهلا احليوان .فاملوضوع الذي ا ِإلنسان يراد به أفراده الداخلة يف لفظه فكل فرد من أفراد
ا ِإلنسان حمكوم عليه أبنه حيوان خبالف احملمول الذي هو احليوان يف هذا املثال .فإمنا يراد به معناه
الذهين الذي هو القدر املشرتك بني أفراده .وال جيوز أن تقصد أفراده ألنك لو قصدت أفراد احليوان
كالفرس والبغل كنت حاكما على ا ِإلنسان أبنه فرس أو بغل .وقد قدمنا أن احلكم على املباين مبباينه
إجيااب أنه كاذب .أو احلكم على السليب بنفسه وهو حتصيل احلاصل إن قصدت احليوان احملمول على
ا ِإلنسان (ا ِإلنسان).
وإن قصدت ابملوضوع القدر املشرتك الذي هو احلقيقة الذهنية مسيت القضية طبيعية كقولك :احليوان
جنس .وا ِإلنسان نوع .وهكذا.
()58/1
[]59 /1
التنبيه الثالث :اعلم أن السور الذي هو لفظة (كل) أو (بعض) وحنومها .ليس هو املوضوع .وإمنا هو
بيان للقدر احملكوم عليه من أفراد املوضوع .فقولك :كل إنسان حيوان أو بعض ا ِإلنسان حيوان،
املوضوع فيها املضاف إليه الذي هو اإلنسان .وأما السور الذي هو لفظة (كل و بعض) وإن أعربت
مبتدأ فليست هي السور وإمنا هي لفظ مبني للكمية احملكوم عليها من أفراد املوضوع هل هي مجيعها
أو بعضها.
التنبيه الرابع :اعلم أن السور أبقسامه األربعة يدخل على الشرطيات املتصلة واملنفصلة فمثال
الشرطية املتصلة املسورة بسور كلي إجيايب قولك :كلما كان هذا إنساانً كان حيواانً .ومهما كان
الشيء مفتقرا يف وجوده للفاعل فهو خملوق .ومن كان خملوقاً فالبد له من خالق( .فكلما ومهما)
ومىت وحنوها سور كلي إجيايب للشرطية املتصلة ومثال السور اإلجيايب الكلي للشرطية املنفصلة (دائما)
وما يف معناها كقولك :دائما إما أن يكون العدد زوجاً أو ليس بزوج .ودائما إما أن يكون الشيء
غنيا عن اخلالق وإما أن يكون خملوقاً.
ومثال السور الكلي السليب للمتصلة واملنفصلة معاً (ليس البتة).
ومثاله يف املتصلة (ليس البتة) إذا كان الشيء إنساانً كان حجراً.
ومثاله يف املنفصلة (ليس البتة) إما أن يكون الشيء أبيض .وإما أن يكون ابرداً .ألن الصدق فيها
حبسب صدق العناد وهو هنا كاذب .إذ ال عناد بني البياض والربودة ألن بينهما تباين خمالفة .فيجوز
اجتماعهما .كالواقع يف الثلج.
ومثال السور اجلزئي اإلجيايب للمتصلة واملنفصلة معاً .قد يكون كقولك يف املتصلة قد يكون إذا كان
الشيء حيواانً كان إنساانً .وكقولك يف املنفصلة قد
()59/1
[]60 /1
يكون إما أن يكون الشيء حيواانً وإما أن يكون فرساً ألنه يف حال كون احليوان غي الفرس يصح
العناد .وابعتبار صدق احليوان على الفرس يبطل العناد .فصح أن صدق العناد جزئي.
ومثال السور اجلزئي السليب هلما معاً قد ال يكون وللمتصلة فقط (ليس كلما) وللمنفصلة فقط (ليس
دائماً) فتقول يف املتصلة .قد ال يكون إذا كان هذا حيواانً كان إنساانً وتقول يف املنفصلة :قد ال
يكون إما أن يكون الشيء حيواانً وإما أن يكون إنساانً .ألنه يف بعض األحوال يكون جامعاً بني كونه
إنساانً وحيواانً فال عناد وتقول يف املتصلة :ليس كلما كان الشيء حيواانً كان فرساً ويف املنفصلة:
ليس دائماً إما أن يكون الشيء حيواانً وإما أن يكون فرساً.
والشرطية املهملة :هي اليت جترد ربطها أو عنادها عن مجيع األسوار .ومثاهلا متصلة :إن كان هذا
حيواانً كان إنساانً ومثاهلا منفصلة .إما أن يكون هذا حيواانً وإما يكون فرساً.
واملهملة يف قوة اجلزئية كما تقدم.
وأما الشرطية املخصوصة :فهي الشرطية اليت حكم فيها على وضع معني من األوضاع املمكنة أي
حال من األحوال املمكنة .ومثاهلا متصلة :إن جئتين اآلن أكرمتك .فتخصيص ربطها ابلوقت احلاضر
دون غيه من األزمنة صيها خمصوصة.
ومثاهلا منفصلة :زيد اآلن إما كاتب أو غي كاتب .فتبني مبا ذكران أن الشرطية كاحلملية تنقسم إىل
خمصوصة وكلية وجزئية ومهملة .وكل واحدة منها تكون موجبة أو سالبة فاألقسام مثانية وهي يف
احلقيقة ستة ألن املهملة السالبة واملهملة املوجبة راجعتان إىل اجلزئية ألهنا يف قوهتا فتصي األقسام يف
احلقيقة ستة كما تقدم .واعلم أن مشول الكلية احلملية إمنا هو لألفراد الداخلة.
()60/1
[]61 /1
حتت لفظ املوضوع .ومشول اجلزئية احلملية إمنا هو لبعض األفراد املذكورة .وأما الشرطية الكلية
فشموهلا حبسب األوضاع واألحوال ال األفراد وكذلك الشرطية اجلزئية فشموهلا لبعض األوضاع
واألحوال ال األفراد .وقد قدمنا أمثلة اجلميع.
()61/1
[]62 /1
فصل يف التناقض
وهو يف اللغة كون شيئني ينقض كل واحد منهما اآلخر ويف االصطالح :هو اختالف قضيتني يف
الكيف .أعين السلب وا ِإلجياب على وجه يلزم منه أن تكون إحدامها صادقة واألخرى كاذبة .فإن
كذبتا معاً أو صدقتا معاً فال تناقض وقد علمت مما مر أن القضااي أربع :شخصية .ومهملة .وكلية.
وجزئية :وأن املهملة يف قوة اجلزئية فهي يف احلقيقة ثالث.
أما تناقض الشخصية فال حيتاج إال إىل تبديل الكيف فقط .فنقيض الشخصية املوجبة شخصية سالبة
كعكسه فقولك زيد قائم نقيض زيد ليس بقائم .وزيد ليس بقائم نقيضه زيد قائم.
وإن كانت مسورة فإهنا يلزم تبديل كمها مع تبديل كيفها .فنقيض الكلية املوجبة حنو كل إنسان
حيوان جزئية سالبة وهي بعض ا ِإلنسان ليس حبيوان .كعكسه ونقيض الكلية السالبة حنو الشيء من
ا ِإلنسان حبجر ،جزئية موجبة وهي .بعض ا ِإلنسان حجر كعكسه.
واملهملة يف قوة اجلزئية فإن كانت مهملة موجبة فنقيضها سالبة كلية .وإن :كانت مهملة سالبة
فنقيضها كلية موجبة كما هو واضح.
فظهر أن االختالف يف الكيف بني القضيتني البد منه يف التناقض .وأن تبديل السور الكلي ابجلزئي
كعكسه أيضاً البد منه يف املسورات ألن السور الكلي إذا مل يبدل ابجلزئي .ومل يبدل اجلزئي ابلكلي
جاز صدقهما معاً وكذهبما معاً فيما إذا كان احملمول أخص من املوضوع.
فلو قلت كل حيوان إنسان .وال شيء من احليوان إبنسان فهما كليتان
()62/1
[]63 /1
كاذبتان لعدم تبديل الكم وكذلك لو قلت بعض احليوان إنسان وبعض احليوان ليس إبنسان فهما
جزئيتان صادقتان لعدم تبديل الكم وقد عرفت أن ال تناقض بني كاذبتني وال بني صادقتني.
****
واعلم أن املنطقيني يقولون إنه يشرتط لتحقيق التناقض بني القضيتني االحتاد يف تسعة أُمور:
األول :احتاد احملمول فلو اختلف جاز كذهبما وصدقهما كقولك زيد ضاحك زيد ليس بكاتب.
الثاين :احتاد املوضوع .فلو اختلف جاز صدقهما وكذهبما كقولك :زيد عامل وعمرو ليس بعامل.
اّلل عليه وسلم
الثالث :احتاد الزمان :فإن اختلف الزمان جاز صدقهما وكذهبما كقولك :النيب صلى ه
صلى إىل بيت املقدس النيب ص مل يصل إىل بيت املقدس فإن قصدت ابألول ما قبل النسخ وابلثاين
ما بعده صدقتا وإن عكست كذبتا.
الرابع :احتاد املكان :فإن اختلف جاز صدقهما وكذهبما كقولك :زيد صلى -تعين يف املسجد -
زيد مل يصل تعين يف الدار.
اخلامس :الفعل والقوة :فإن قصد إبحدى القضيتني الفعل وابألخرى القوة جاز صدقهما وكذهبما
كقولك اخلمر يف الدن مسكرة تعين ابلقوة واخلمر يف الدن ليست مبسكرة تعين ابلفعل فهما
صادقتان ولو عكست يف القصد لكانتا كاذبتني.
السادس :الكل والبعض :فإن اختلفا يف الكل والبعض جاز صدقهما وكذهبما كقولك :الزجني أبيض
تعين بعضه وهو أسنانه .وبياض عينيه .الزجني ليس أببيض تعين سائر بدنه.
السابع :ا ِإلضافة :فإن اختلفتا يف ا ِإلضافة جاز كذهبما وصدقهما كقولك زيد أب وزيد ليس أبب
تعين ابألول أنه أب لعمرو ..و ابلثاين لبكر .أنه ليس أابً لبكر.
()63/1
[]64 /1
الثامن :الشرط .فإن اختلفتا يف الشرط جاز كذهبما وصدقهما كقولك :زيد يدخل اجلنة وزيد ال
يدخل اجلنة تعين ابألول بشرط موته على ا ِإلميان وابلثاين بشرط موته على الكفر.
التاسع :احتادمها يف التحصيل والعدول فإن كانت إحدامها حمصلة واألخرى معدولة مل يتناقضا لصدق
السالبة احملصلة مع صدق املوجبة املعدولة كما هو معروف يف حمله .وكذلك تصدق احملصلة املوجبة
مع صدق السالبة املعدولة .هكذا يقولون.
والتحقيق أن التناقض بني القضيتني يتحقق ابلوحدة يف شيء واحد وهو النسبة احلكمية .أبن تكون
النسبة املثبتة هي بعينها النسبة املنفية.
تنبيهان مهمان- :
األول :اعلم أن ما ذكران هنا من أنه يشرتط يف التناقض بني النقيضني إجياد احتاد الزمان أمر حق
صحيح ال شك فيه وبه يظهر غلط مجاهي علماء األصول يف قوهلم :إن املتواترات ال تنسخ أبخبار
اآلحاد الثابت أتخرها عنها مع أن خرب الواحد املتأخر عن املتواتر ال يناقضه الختالف زمنيهما
وكالمها حق يف وقته .فقوله تعاىل{ :قل ال أجد يف فيما أوحي إيل حمرماً على طاعم يطعمه } ...
اآلية .إذ أنزل بعده أبكثر من سبع سنني حترمي احلمر األهلية خبيرب مثال فال يكون حترمي احلمر الطارئ
بعد اآلية بسنني مناقضاً هلا ألهنا وقت نزوهلا مل يكن حمرماً إال ما ذكر فيها من احملرمات األربعة .وحترمي
احلمر طارئ بعد ذلك.
فاآلية صادقة يف وقتها وأحاديث حترمي احلمر األهلية صادقة يف وقتها .فتبني أن التحقيق الذي ال
شك فيه هو جواز نسخ املتواتر أبخبار اآلحاد الثابت أتخرها عنه لعدم املنافاة مع اختالف الزمن.
وقد أوضحنا هذا يف كتابنا أضواء البيان يف سورة األنعام يف الكالم على قوله تعاىل{ :قل ال أجد يف
ما أوحي إيل حمرماً }. . .اآلية.
()64/1
[]65 /1
وقد غلط يف هذه املسألة مجاهي علماء األصول مع كثرهتم و جاللتهم يف العلم والفهم والعلم عند
هللا تعاىل.
التنبيه الثاين :قد علمت مما ذكران يف التناقض أن الكلية املوجبة يتحقق نقضها ابجلزئية السالبة .وهذا
يف فن املنطق أمر معروف مطرد ال نزاع فيه ولكن مثله ال يتحقق به التناقض يف فن األصول ألنه كم
من نص من كتاب أو سنة هو كلية موجبة مع وجود نص آخر من كتاب أو سنة يتضمن جزئية سالبة
مع أنه ال تناقض بني النصني اللذين أحدمها كلية موجبة واآلخر جزئية سالبة ووجه عدم التناقض
بينهما أن اجلزئية السالبة تكون خمصصة للكلية املوجبة والتخصيص يف االصطالح هو قصر العام
على بعض أفراده بدليل قوله .تعاىل{ :واملطلقات يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء} .األلف والالم يف
املطلقات سواء قلنا أهنا موصولة وصلتها اسم املفعول املقرتن هبا أو قلنا إهنا تعريفية نظراً إىل تناسي
الوصفية .أو على رأي من يرى أهنا تعريفية فهو يف قوة كلية موجبة
هي كل مطلقة ترتبص ثالثة قروء.
وقوله يف املطلقات احلوامل {وأوالت األمحال أجلهن أن يضعن محلهن} .يف قوة جزئية سالبة هي
قولك بعض املطلقات ال يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء .بل ينتظرن وضع محلهن فهذه اجلزئية السالبة
مل تناقض تلك الكلية املوجبة .بل هي خمصصة لعمومها.
وكذلك قوله تعاىل{ :اي أيها الذين آمنوا إذا نكحتم املؤمنات مث طلقتموهن من قبل أن متسوهن فما
لكم عليهن من عدة تعتدوهنا} .اآلية .فهو أيضاً يف قوة جزئية سالبة هي قولك :بعض املطلقات ال
يرتبصن أبنفسهن ثالثة قروء ألهنن ال عدة عليهن أصال وهن املطلقات قبل الدخول.
وكل املخصصات املنفصلة املعروفة يف فن األصول أمثلة ملا ذكران كقوله تعاىل{ :وأحل لكم ما وراء
ذلكم} ،فإنه كلية موجبة ألن لفظة (ما) يف
()65/1
[]66 /1
اآلية صيغة عموم .فهو يف قوة وأحل لكم كل امرأة سوى ما ذكر من احملرمات يف قوله{ :حرمت
عليكم أمهاتكم} إىل قوله{ :واحملصنات من النساء} اآلية.
وحترمي النيب ص لنكاح املرأة على عمتها أو خالتها يف قوة جزئية سالبة هي قولك بعض ما وراء ذلك
ليس حبالل لكم كجمع املرأة وعمتها وخالتها .فهو ختصيص ال تناقض ،وهكذا فافهمه فإنه مهم
واعلم أن التناقض ابعتبار اجلهة مل نذكره ألان مل نتعرض للجهة وال للقضااي املوجهة أصال كغيها من
أحكام القضااي اختصاراً كما أشران إليه سابقاً.
ونقيض الشرطية يعرف من نقيض احلملية ،ويشرتط لتناقضهما إجياد املقدم والتايل والزمان واملكان
واختالف الكيف مع اختالف الكم يف املسورات .فقولك مثال :كلما كان هذا إنساانً كان حيواانً.
نقيض قد ال يكون إذا كان هذا إنساانً كان حيواانً وقولك ليس البتة إذا كان هذا إنساانً كان حجراً.
نقيضه قد يكون إذا كان هذا إنساانً كان حجراً .وابلعكس فيهما وقس على ذلك ابقيها.
ومن فوائد معرفة التناقض أنك إذا أقمت الدليل على صحة نقيض قول :اخلصم فكأنك أقمته على
بطالن دليله ألن صحة النقيض يلزمها بطالن نقيضه .وإذا أقمت الدليل على بطالن نقيض قولك
فكأنك أقمته على صحته ألن بطالن النقيض يلزمه صحة نقيضه وهكذا.
()66/1
[]67 /1
فصل يف العكس
وهو يف اللغة قلب الشيء جبعل أوله آخره وأعاله أسفله مثالً وهو يف االصطالح ثالثة أقسام.
العكس املستوى وإليه ينصرف اسم العكس عند اإلطالق.
وعكس النقيض املوافق.
وعكس النقيض املخالف.
وهذا تعريف كل واحد منها مع إيضاحه ابألمثلة.
أما العكس املستوى :فضابطه هو تبديل كل واحد من طريف القضية ذات الرتتيب الطبيعي بعني
اآلخر مع بقاء الكيف والكم على وجه يلزم معه الصدق وال يلزم الصدق يف عكس املوجبة الكلية
إال مع تبديل السور الكلي بسور جزئي.
وإيضاحه أن احملمول يصي موضوعاً مقصوداً به أفراده واملوضوع يصي حمموال مقصوداً به املاهية
الذهنية اليت هي القدر املشرتك .فالسالبة الكلية تنعكس كنفسها فقولك ال شيء من ا ِإلنسان حبجر
عكسه ال شيء من احلجر إبنسان.
واملوجبة الكلية تنعكس إىل جزئية موجبة فقولك كل إنسان حيوان عكسه بعض احليوان إنسان.
واملوجبة اجلزئية تنعكس إىل موجبة جزئية فقولك بعض ا ِإلنسان حيوان عكسه بعض احليوان إنسان.
واملهملة يف قوة اجلزئية والشخصية ،إذا كان كل من موضوعها وحمموهلا شخصية انعكست إىل
شخصية :فقولك هذا زيد عكسه زيد هذا .وإذا كان حمموهلا كلياً انعكست إىل جزئية .فقولك زيد
كاتب عكسه بعض الكاتب
()67/1
[]68 /1
زيد وإن كان احملمول شخصياً واملوضوع كلياً انعكست شخصية ،فقولك :ا ِإلنسان زيد عكسه زيد
إنسان.
أما السالبة اجلزئية فال عكس هلا الجتماع اخلستني فيها ومها :اجلزئية والسلب فلو قلت :بعض
احليوان ليس إبنسان وأردت أن تعكس لكان عكسه بعض ا ِإلنسان ليس حبيوان وهو ابطل كما ترى.
ومن فوائد العكس .أنك إذا أقمت الدليل على صحة األصل املنعكس لزم من ذلك صحة عكسه
والعكس إمنا يكون يف القضااي ذات الرتتيب الطبيعي وهي احلمليات والشرطيات املتصلة وقد
تقدمت أمثلته يف احلمليات.
وأما يف الشرطيات فهو كاحلمليات فعكس املتصلة الكلية املوجبة جزئية موجبة فقولك :كلما كان
الشيء إنساانً كان حيواانً ،عكسه قد يكون إذا كان الشيء حيواانً كان إنساانً وقس على ذلك
ابقيها.
أما القضااي اليت ترتيبها ليس بطبيعي بل ابختيار املتكلم يف التقدمي والتأخي وهي الشرطيات املنفصلة
فال عكس فيها أصال :ألن التقدمي والتأخي فيها حبسب اختيار املتكلم فليس يف عكسها حكم الزم.
واملعروف عندهم أن صدق العكس إن كان على الوجه الذي ذكران تدل عليه ثالثة أدلة وهي
االفرتاض واخللف وطريق العكس .وسنكتفي منها هنا بواحد .وهو االفرتاض ألجل االختصار وهو
أن نفرض لفظاً مرادفاً ملوضوع القضية اليت هي األصل املنعكس مث حتمل عليه نفس حمموهلا يف قضية
وحتمل عليه نفس موضوعها يف قضية أخرى فإنه ينتج من الشكل الثالث عني العكس املستوى
املذكور يف املثال السابق فلو قلت مثال كل إنسان حيوان فهذا هو األصل املنعكس .وهو كلية
موجبة تنعكس إىل جزئية ،موجبة فإذا فرضت مرادف موضوعها كالناطق املرادف ل ِإلنسان ومحلت
عليه كال من طريف األصل املنعكس ابدائً ابحملمول فقلت كل انطق حيوان وكل انطق إنسان فإنه ينتج
من
()68/1
[]69 /1
الشكل الثالث بعض احليوان إنسان .وهو عني عكس األصل الذي هو كل إنسان حيوان فهذا دليل
واضح على صدق العكس.
واعلم أن ما يذكره بعض املنطقيني من أن ما جيري يف االفرتاض من القضااي تشرتط فيه كون القضااي
فعلية واملراد هبا ما عدى املمكنات من املوجهات فيصدق ابلضرورايت والدوائم واملطلقات .وكون
احملمول وجودايً تركنا إيضاحه ألنه يتعلق ببحث القضااي املوجهة .وقد تركناها رأساً ،والشروط
املذكورة ال تشرتط إال مع اجلهة فال وجه لذكرها مع تركنا الكالم على اجلهة واملوجهات.
وأما عكس النقيض املوافق فضابطه هو أن تبدل كل واحد من طريف القضية بنقيض اآلخر فتبدل
ع مع بقاء الكيف.
املوضوع بنقيض احملمول واحملمول بنقيض املوضو َ
فإن كانت كلية موجبة انعكست كلية موجبة كنفسها وإن كانت كلية سالبة فالبد من تبديل السور
الكلي بسور جزئي فتنعكس من الكلية السالبة إىل جزئية عكس الواقع يف العكس املستوى فإن
الكلية السالبة فيه تنعكس كنفسها والكلية املوجبة تنعكس فيه جزئية موجبة.
أما يف املستوى فقد تقدمت األمثلة قريباً.
وأما عكس النقيض املوافق فمثاله :أنك لو قلت مثال كل إنسان حيوان وأردت أن تعكسه بعكس
النقيض املوافق فإنك تقول كل ال حيوان ال إنسان فإن (ال حيوان) يف هذا املثال هو املوضوع وهو
نقيض احملمول يف األصل املنعكس ألنه فيه هو لفظة حيوان .ونقيض احليوان ال حيوان ملا قدمنا يف
أقسام التباين من أن النقيضني مها السلب واإلجياب ولفظة (ال إنسان) يف هذا املثال هي احملمول
وهو نقيض املوضوع يف األصل املنعكس ألن املوضوع فهي لفظة (إنسان) ونقيض ا ِإلنسان ال إنسان
وقد انعكست فيه املوجبة الكلية إىل موجبة كلية كنفسها.
()69/1
[]70 /1
أما الكلية السالبة فيه فال تنعكس إال جزئية سالبة .فلو قلت ال شيء من ا ِإلنسان حبجر وأردت أن
تعكسه بعكس النقيض املوافق فإنك تقول :بعض ال حجر ال إنسان وهو واضح مما تقدم .فلو
عكست فيه الكلية السالبة إىل كلية سالبة مل يلزم الصدق بل رمبا كذبت .فلو عكست املثال املذكور
الذي هو (ال شيء من ا ِإلنسان حبجر) إىل كلية فقلت :ال شيء من ال حجر ال إنسان فإنه يكون
كذابً ألن بعض ال حجر إنسان فانتفاء احلجرية عن شيء ال يلزم منه كونه غي إنسان فقد يكون
إنساانً وقد يكون غي إنسان كما ال خيفى.
وعكس املوجبة اجلزئية فيه موجبة جزئية .فلو قلت بعض احليوان إنسان فعكس نقيض املوافق بعض
ال إنسان ال حيوان وهو صادق .وال يصدق إال جزئياً ألن ما انتفت عنه ا ِإلنسانية قد تنتفي عنه
احليوانية كاحلجر .وقد تثبت له احليوانية كالفرس.
واعلم أن الشرطيات يف عكس النقيض كاحلمليات أيضاً .فقولك يف الشرطية املتصلة اللزومية اليت
هي كلية موجبة :كلما كان الشيء إنساانً كان حيواانً ينعكس لعكس النقيض املوافق إىل قولك :كلما
مل يكن الشيء حيواانً .مل يكن إنساانً .وكقولك يف الشرطية املتصلة اللزومية اليت هي كلية سالبة:
ليس البتة إذا كان الشيء إنساانً كان حجراً فعكس نقيض املوافق جزئية سالبة فيه ال تنعكس إال
جزئية وهو يف املثال املذكور قد ال يكون إذا مل يكن الشيء حجراً مل يكن إنساانً.
وأما عكس النقيض املخالف فهو أن تبدل الطرف األول من القضية ذات الرتتيب الطبيعي بنقيض
الطرف األخي ،وتبدل الطرف األخي بعني الطرف األول مع تبديل الكيف الذي هو السلب
واإلجياب فتبدل السلب اب ِإلجياب
()70/1
[]71 /1
وا ِإلجياب ابلسلب مع لزوم الصدق .فلو قلت كل إنسان حيوان وأردت عكسه بعكس النقيض
املخالف فإنك تقول ال شيء من ال حيوان إبنسان فقد أبدلت األول بنقيض األخي وأبدلت األخي
بعني األول ،وأبدلت ا ِإلجياب ابلسلب.
()71/1
[]72 /1
()72/1
[]73 /1
الثمانية لعدم صدق نصف النصف نصف .ومثال االستلزام خلصوص املادة قولك ال شيء من
ا ِإلنسان حبجر وال شيء من احلجر بصاهل فإنه ينتج :ال شيء من اإلنسان بصاهل .وهو صادق
خلصوص املادة ال لذات املقدمتني ،بدليل أنك لو جعلت :الناطق يف الكربى مكان الصاهل ملا كانت
صادقة ،كما لو قلت :ال شيء من ا ِإلنسان حبجر وال شيء من احلجر بناطق فإنه ينتج ال شيء من
اإلنسان بناطق وهو كاذب وهيأة تركيب املقدمتني هي هي .وصدقها يف الصاهل .وكذهبا يف الناطق
يدل على أن ذلك الصدق إمنا لزم املقدمتني خلصوص املادة ال لذات املقدمتني كما ترى.
وإذا علمت املراد ابلقياس عند املنطقيني .فاعلم أنه ابلتقسيم األول ينقسم إىل قسمني:
القسم األول :هو املسمى ابلقياس االقرتاين ويسمى القياس احلملي ،وقياس الشمول .وهو يكون يف
القضااي احلملية .والشرطيات املتصلة.
والقسم الثاين :هو املسمى ابلقياس االستثنائي ،ويسمى الشرطي .وال يكون إال يف القضااي الشرطية
خاصة ،وهو يكون يف الشرطيات املتصلة ،والشرطيات املنفصلة .وال يكون يف احلمليات البتة وإذا
علمت هذا فدونك تفاصيل مجيعه إبيضاح.
اعلم أوالً أن القياس احلملي إمنا مسي اقرتانياً القرتان حدوده الثالثة من غي أن يتخللها حرف استثناء
الذي هو (لكن) ومسي محلياً ألن احلمليات ختتص به ويسمى مشولياً ألن احل هد األصغر إذا اندرج يف
األوسط واندرج األوسط يف األكرب لزم اندماج األصغر يف األكرب ومشوله له كما أييت إيضاح ذلك كله
اّلل تعاىل.
قريباً إن شاء ه
وقد أردان هنا أن نبدأ إبيضاح االقرتاين وأقسامه يف القضااي احلملية ونبني أن ذلك يفهم منه حنوه يف
الشرطيات املتصلة مث نعقد فصال مستقال للقياس االستثنائي فنوضح فيه مجيع أقسامه.
()73/1
[]74 /1
اعلم أوال أان ذكران يف تعريف القياس أنه قول مؤلف من قضيتني . .إخل وقد علمت مما مضى أن
احلملية مركبة من موضوع وحممول فإذاً البد يف القياس االقرتاين من أربع كلمات.
- 1موضوع القضية األوىل.
- 2وحمموهلا.
- 3وموضوع األخية.
- 4وحمموهلا.
فهذه أربع كلمات هي موضوعان ،وحمموالن وهذه الكلمات األربع البد أن تكون واحدة منها مكررة
أبن تكون هي إحدى كلميت القضية األوىل وهي بعينها أيضاً إحدى كلميت القضية األخرى
فالكلمات يف احلقيقة ثالث ألن واحدة من األربع البد من تكرارها فالكلمة املتكررة اليت هي جزء
كل واحدة من القضيتني هي اليت تسمى ابحل هد الوسط والكلمة اليت ختتص هبا القضية األوىل هي اليت
تسمى ابحل هد األصغر .والكلمة اليت ختتص هبا القضية األخية هي اليت تسمى ابحل هد األكرب.
والقضية اجملعولة .جزء دليل كما هنا تسمى يف اصطالحهم مقدمة فاملقدمة املشتملة على احل هد
األصغر تسمى يف االصطالح مقدمة صغرى ،واملقدمة املشتملة على احل هد األكرب تسمى يف
االصطالح مقدمة كربى .واحلد األصغر هو موضوع النتيجة دائماً .واحلد األكرب هو حمموهلا .واحلد
الوسط يلغى عند اإلنتاج فيحذف وتكون النتيجة متألفة من األصغر واألكرب .فاألصغر موضوعها،
واألكرب حمموهلا.
فلو قلت مثال :كل إنسان حيوان ،وكل حيوان حساس .فهذا قياس اقرتاين يتألف من ثالث كلمات.
- 1األوىل :ا ِإلنسان وقد اختصت هبا املقدمة األوىل فلفظة اإلنسان يف هذا
()74/1
[]75 /1
املثال هو احل هد األصغر ،املقدمة املشتملة عليه اليت هي :كل إنسان حيوان هي املقدمة الصغرى.
- 2الثانية احليوان :وهي متكررة ألهنا يف هذا املثال حممول يف األوىل ،وموضوع يف األخرى فلفظة
احليوان يف هذا املثال هو املسمى ابحل هد الوسط.
- 3والثالثة احلساس :وقد اختصت هبا املقدمة األخية واحلساس يف هذا املثال هو احل هد األكرب
واملقدمة املشتملة عليه هو املقدمة الكربى اليت هي :كل حيوان حساس.
أما لفظة كل يف املقدمتني فإمنا هي سور جيء به لبيان كمية األفراد احملكوم عليها فليست موضوعاً
كما قدمنا إيضاحه ،وإن أعرهبا النحويون مبتدأ ،ولذا مل نعدها يف املثال املذكور من الكلمات ألهنا
ليست مبحمول وال موضوع .وإمنا هي لفظ جيء به لبيان الكمية احملكوم عليها من أفراد املوضوع
ابحملمول .وإذا نظران هذا املثال الذي ذكران للقياس االقرتاين الذي هو قولنا :كل إنسان حيوان وكل
حيوان حساس :وعرفت أن ا ِإلنسان حداً أصغر ،واحلساس حداً أكرب ،واحليوان حداً وسطاً.
فاعلم أن القياس املذكور ينتج كل إنسان حساس .فصار (ا ِإلنسان) الذي هو احل هد األصغر موضوع
هذه النتيجة واحلساس الذي هو احل هد األكرب حمموهلا واحليوان الذي هو احل هد الوسط ألغي وحذف
لدى ا ِإلنتاج ،واعلم أن الكلمات املذكورة إمنا مسيت حدودا ألهنا أطراف القياس ومنتهاه ،وحد
الشيء طرفه ومنتهاه.
واعلم أن ضابط القياس االقرتاين هو أنه يشتمل على النتيجة ابلقوة دون الفعل أبن يكون مشتمالً
على مادهتا دون صورهتا .فقولك كل إنسان حيوان .وكل حيوان حساس قياس اقرتاين ،ينتج كل
إنسان حساس ،وهذا اللفظ الذي
()75/1
[]76 /1
هو :كل إنسان حساس مل يكن مذكوراً يف هذا القياس بصورته بل مبادته ألن اإلنسان مذكور يف
املقدمة الصغرى .واحلساس مذكور يف الكربى ،والشيء يوجد مع مادته ابلقوة قبل حصول صورته.
وإذا عرفت هذا فاعلم أن القياس االقرتاين تنحصر أشكاله أي هيآته اليت أييت عليها يف أربعة أشكال
وذلك حبسب هيآت احل هد الوسط فإهنا حمصورة يف أربع حصراً قطعياً ألنه البد له من واحدة من أربع
حاالت ،ال خامسة هلا البتة-:
األوىل :أن يكون احل هد الوسط حمموالً يف الصغرى موضوعاً يف الكربى.
الثانية :أن يكون حمموال فيهما.
الثالثة :أن يكون موضوعاً فيهما.
الرابعة :أن يكون موضوعاً يف الصغرى حمموال يف الكربى .وال خامسة البتة كما ترى.
أ -فإن كان احل هد األوسط حمموال يف الصغرى موضوعاً يف الكربى فهو املسمى ابلشكل األول
ببني اإلنتاج .ومثاله :كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس ينتج من الشكل األول :كل
ويُعرف ه
إنسان حساس.
ب -وإن كان احل هد الوسط حمموال فيهما فهو املسمى ابلشكل الثاين :ومثاله :كل إنسان حيوان ،وال
شيء من احلجر حبيوان ينتج من الشكل الثاين ال شيء من اإلنسان حبجر.
ج -وإن كان احل هد الوسط موضوعاً فيهما فهو املسمى ابلشكل الثالث .ومثاله كل إنسان حيوان
وكل إنسان انطق ينتج من الشكل الثالث :بعض احليوان انطق.
د -وإن كان موضوعاً يف الصغرى حمموال يف الكربى فهو املسمى ابلشكل الرابع وهو أبعدها من
الشكل األول الذي هو هبني اإلنتاج .ومثاله :كل إنسان حيوان ،وكل انطق إنسان ينتج من الشكل
الرابع بعض احليوان انطق.
()76/1
[]77 /1
واعلم أن الصور الداخلة حتت األشكال األربعة ابعتبار الكم والكيف تسمى ضروابً ،فكل شكل
مشتمل على ستة عشر ضرابً .ألن صغرى مقدميت الشكل إما أن تكون كلية وإما أن تكون جزئية،
ويف كل منهما إما أن تكون سالبة وإما أن تكون موجبة .فصورها أربعة من ضرب حاليت الكم يف
حاليت الكيف ،وهذه الصور األربعة يف املقدمة الكربى أيضاً فتضرب حاالت الصغرى األربع يف
حاالت الكربى األربع فيكون اجملموع ستة عشر ضرابً .منها املتكرر ومنها العقيم .قصدان هنا أن نبني
شروط ا ِإلنتاج وعدد الضروب املنتجة يف كل شكل أبمثلتها .ونرتك ذكر الضروب العقيمة واملتكررة
اختصاراً .اعلم أن الشكل األول الذي هو أفضل األشكال وأظهرها نتيجة يشرتط ِإلنتاجه شرطان:
األول :حبسب الكيف وهو كون صغراه موجبة.
الثاين :حبسب الكم وهو كون كرباه كلية والشرطان املذكوران ال ينطبقان إال على أربع صور ،وبه تعلم
أن الشكل األول ال ينتج من ضروبه إال أربعة فقط وا ِإلثنا عشر الباقية ال إنتاج فيها.
- 1الضرب األول :كليتان موجبتان ينتجان كلية موجبة .مثاله :كل إنسان حيوان ،وكل حيوان
حساس ينتج :كل إنسان حساس .وال ينتج كلية موجبة من األشكال إال الشكل األول :ومثاله يف
العقليات قولك :كل العوامل كالسموات واألرض ومن فيهما خملوقة ،وكل خملوق البد له من خالق.
ينتج :كل العوامل البد هلا من خالق.
ومثاله يف الفقهيات قول احلنبلي واحلنفي :كل بُر مكيل ،وكل مكيل حيرم فيه الراب ينتج كل بُر حيرم
فيه الراب .وقول الشافعي كل بُر مطعوم ،وكل مطعوم حيرم فيه الراب ينتج كل بُر حيرم فيه الراب .وقول
املالكي :كل بُر مقتات مدخر،
()77/1
[]78 /1
وكل مقتات مدخر حيرم فيه الراب ينتج كل بُر حيرم فيه الراب .ومثاله يف النحوايت :كل فاعل مرفوع
وكل مرفوع عمدة ،ينتج كل فاعل عمدة.
- 2الضرب الثاين :كليتان صغرامها موجبة ،وكربامها سالبة .ينتج كلية سالبة ،كقولك :كل إنسان
حيوان وال شيء من احليوان حبجر ينتج ال شيء من ا ِإلنسان حبجر ومثاله يف العقليات :كل بشر
خملوق وال شيء من املخلوق بغين عن الفاعل ،ينتج ال شيء من البشر بغين عن الفاعل ومثاله يف
الفقهيات كل صوم شرعي عبادة ،وال شيء من العبادة يصح بال نية ينتج ال شيء من الصوم
الشرعي يصح بال نية.
ومثاله يف النحوايت :كل فاعل مرفوع وال شيء من املرفوع بفضلة ،ينتج :ال شيء من الفاعل
بفضلة.
- 3الضرب الثالث :موجبتان صغرامها جزئية ،وكربامها كلية ينتج :جزئية موجبة كقولك :بعض
احليوان إنسان ،وكل إنسان انطق ،ينتج :بعض احليوان انطق ،ومثاله يف العقليات ،بعض الصفات
خملوق تعين صفات اخللق ،وكل خملوق البد له من خالق ينتج بعض الصفات البد هلا من خالق.
ومثاله يف الفقهيات :بعض الطعام مكيل وكل مكيل حيرم فيه الراب ،ينتج :بعض الطعام حيرم فيه الراب،
وهذا على رأي من يعلل ابلكيل.
ومثاله يف النحوايت :بعض املرفوع فاعل ،وكل فاعل جيب أتخيه عن عامله ينتج :بعض املرفوع جيب
أتخيه عن عامله.
- 4الضرب الرابع :جزئية موجبة صغرى ،وكلية سالبة كربى ،ينتج جزئية سالبة كقولك :بعض
احليوان إنسان ،وال شيء من اإلنسان بفرس ينتج :بعض احليوان ليس بفرس.
ومثاله يف العقليات بعض الصفات أزيل أي ال أول لوجودها .تعين صفة
()78/1
[]79 /1
اخلالق .والشيء من األزيل مبخلوق ينتج بعض الفقهيات الصفات ليس مبخلوق.
ومثاله يف الفقهيات بعض العبادة صالة ،والشيء من الصالة بقابل للنيابة ينتج بعض العبادة ليس
بقابل للنيابة.
ومثاله يف النحوايت ،بعض املرفوع فاعل ،وال شيء من الفاعل جبائز التقدمي على عامله ينتج بعض
املرفوع ليس جبائز التقدمي على عامله.
فهذه الضروب األربعة املنتجة من الشكل األول وإيضاح كونه ال ينتج من ضروبه إال أربعة حبسب
الشرطني -املشرتطني إلنتاجه اللذين قدمنا أهنما إجياب صغراه وكلية كرباه .إن إجياب الصغرى
يستلزم أهنا ليس هلا إال حالتان ،ومها كوهنا كلية موجبة أو جزئية موجبة .وكلية الكربى تستلزم أهنا
ليس هلا إال حالتان ومها كوهنا كلية موجبة أو كلية سالبة فتضرب حاليت الصغرى يف حاليت الكربى
أبربع وهي :الضروب املنتجة اليت أوضحناها أبمثلتها.
واعلم أنه ال تنتج الكلية املوجبة من األشكال إال الشكل األول فهو ينتج مجيع املطالب األربعة أعين
الكليتني املوجبة والسالبة ،واجلزئيتني املوجبة والسالبة.
الشكل الثاين.
أما الشكل الثاين :فال ينتج من الكليات إال السالبة ،والثالث والرابع ال ينتجان إال اجلزئيات وقد
اّلل
يوجد ضرب من الرابع ينتج كلية كاملركب من كليتني صغرامها سالبة ،كما سرتى إيضاحه إن شاء ه
تعاىل.
تنبيه :اعلم أن النتيجة تتبع ما يف القياس من اخلستني .واخلستان مها السلب واجلزئية فكل قياس فيه
سالبة فنتيجته سالبة ،وكل قياس فيه جزئية فنتيجته جزئية ،وكل قياس فيه جزئية وسالبة ،فنتيجته
جزئية سالبة .فالنتيجة تتبع
()79/1
[]80 /1
()80/1
[]81 /1
العقل حيكم قطعياً أبن األصغر إذا اندرج يف األوسط واندرج األوسط يف األكرب أن األصغر مندرج
يف األكرب وهذا مما ال يشك فيه عاقل ،وسرتى أن مجيع األشكال راجعة إىل األول ابستعمال الزم
عقلي من لوازم القضااي وهو العكس املستوي أو بتبديل -إحدى املقدمتني ابألخرى كما سرتى
اّلل تعاىل.
إيضاحه إن شاء ه
وأما الشكل الثاين هو كون احل هد الوسط حمموال فيهما فيشرتط ِإلنتاجه أيضا شرطان:
األول حبسب الكيف وهو اختالف مقدمتيه يف الكيف فالبد من كون إحدامها موجبة واألخرى
سالبة .فال ينتج سالبتان وال موجبتان.
والشرط الثاين :حبسب الكم ،وهو كون كرباه كلية ،فال ينتج مع جزئية الكربى.
وضروبه املنتجة حبسب الشرطني أربعة أيضاً فلو فرضت أن الصغرى هي املوجبة لزم أن تكون
الكربى سالبة كلية فيدخل يف ذلك صوراتن أوالمها كلية موجبة صغرى :وكلية سالبة كربى.
واثنيهما جزئية موجبة صغرى ،وكلية سالبة كربى.
ولو فرضت أن الصغرى هي السالبة لزم أن تكون الكربى كلية موجبة :فيدخل يف ذلك صوراتن
أوالمها كلية سالبة صغرى ،وكلية موجبة كربى.
واثنيهما جزئية سالبة صغرى ،وكلية موجبة كربى .وهذه هي ضروبه األربعة املنتجة وسنذكر بعض
األمثلة ابختصار ألنه يفهم منه غيه يف العقليات والفقهيات ،والنحوايت.
- 1الضرب األول :كليتان صغرامها موجبة و كربامها سالبة .ينتج كلية سالبة ومثاله :كل ايقوت
حجر ،وال شيء من إنسان حبجر ،ينتج :ال شيء من الياقوت إبنسان.
()81/1
[]82 /1
- 2الضرب الثاين :كليتان صغرامها سالبة وكربامها موجبة ينتج كلية سالبة ومثاله :ال شيء من
اإلنسان حبجر ،وكل ايقوت حجر ،ينتج :ال شيء من ا ِإلنسان بياقوت.
- 3الضرب الثالث :جزئية موجبة صغرى ،وكلية سالبة كربى ومثاله :بعض احليوان إنسان وال شيء
من الفرس إبنسان ينتج :بعض احليوان ليس بفرس.
- 4الضرب الرابع :جزئية سالبة صغرى وموجبة كلية كربى ينتج جزئية سالبة .ومثاله :ليس بعض
احليوان بناطق وكل إنسان انطق ينتج ليس بعض احليوان إبنسان .وغي هذه األربعة عقيم.
تنبيهان :يتعلقان هبذا الشكل الذي هو الشكل الثاين.
- 1األول :اعلم أن وجه احلكم العقلي يف إنتاجه أن احملمول فيه مثبت ألحد موضوعني وهو أي
احملمول بعينه منفي عن املوضوع اآلخر ،فيلزم عقالً اختالف املوضوعني إذ لو مل خيتلفا ملا ثبت
ألحدمها شيء منتف عن اآلخر وذلك ألن احملمول يف الشكل الثاين واحد يف املقدمتني ،وأن
اختالفهما يف الكيف الذي هو أحد شرطي إنتاجه يلزمه ثبوته ألحدمها ونفيه عن اآلخر .وذلك يلزمه
اختالفهما أعىن موضوعي املقدمتني يف اجلملة ولذلك ال ينتج الشكل الثاين إال سالبة.
- 2التنبيه الثاين :اعلم أن هذا الشكل الثاين إذا عكست كرباه ابلعكس املستوى رجع إىل الشكل
األول بعينه .فاملثال األول الذي مثلنا به وهو :كل ايقوت حجر وال شيء من ا ِإلنسان حبجر لو
عكست كرباه ابلعكس املستوي فقلت كل ايقوت حجر وال شيء من احلجر إبنسان ،رجع إىل
الشكل األول كما ترى والنتيجة فيهما كلية سالبة إال أهنا يف األول :ال شيء من الياقوت
()82/1
[]83 /1
إبنسان ،ويف الثاين :ال شيء من ا ِإلنسان بياقوت .فانعكست النتيجة بعكس الكربى ولو اختل أحد
الشرطني املذكورين يف هذا الشكل الذي هو الثاين :مل تلزم نتيجة ،فمثال املوجبتني :كل إنسان حيوان
وكل فرس حيوان نتج كل إنسان فرس وهو كذب كما ترى ،ومثال السالبتني ال شيء من ا ِإلنسان
حبجر وال شيء من الناطق حبجر ينتج :ال شيء من ا ِإلنسان بناطق وهو كذب كما ترى ،وذلك لعدم
اختالف الكيف.
ولو اختل الشرط الثاين ،وهو كون كرباه كلية مل يلزم ا ِإلنتاج أيضاً كما لو قلت كل إنسان حيوان
وبعض اجلسم ليس حبيوان ينتج بعض اإلنسان ليس جبسم وهو كذب كما ترى .وذلك لعدم كلية
الكربى ،وقس على ذلك.
وأما الشكل الثالث :وهو ما كان احل هد الوسط فيه موضوعاً يف كلتا املقدمتني فيشرتط ِإلنتاجه أيضاً
شرطان األول حبسب الكيف وهو كون صغراه موجبة .و الثاين حبسب الكم وهو كون إحدى
مقدمتيه كلية .والصور الداخلة فيه حبسب الشرطان ستة فضروبه املنتجة ستة .وإيضاحه أن الصغرى
ال تكون إال موجبة وحينئذ إما كلية فتنتج مع الكربايت األربع ألن الصغرى إن كانت كلية موجبة
اجتمع فيها الشرطان فأنتجت مع صور الكربى األربع .وإما جزئية موجبة فيلزم كون الكربى كلية.
وهي إما موجبة وإما سالبة فتضم هاتني الصورتني إىل األربع اليت قبلها فيكون اجملموع ستة أضرب:
- 1الضرب األول :كليتان موجبتان .ينتج جزئية موجبة .كقولك :كل إنسان حيوان .وكل إنسان
انطق ،ينتج بعض احليوان انطق.
- 2الضرب الثاين :كليتان صغرامها موجبة ،وكربامها سالبة ،ينتج جزئية سالبة كقولك :كل إنسان
حيوان وال شيء من اإلنسان بفرس ينتج :ليس بعض احليوان بفرس.
- 3الضرب الثالث :موجبتان صغرامها جزئية ،وكربامها كلية ،ينتج
()83/1
[]84 /1
جزئية موجبة ،ومثاله :بعض احليوان إنسان وكل حيوان حساس ينتج :بعض ا ِإلنسان حساس.
- 4الضرب الرابع :موجبتان صغرامها كلية ،وكربامها جزئية ،ينتج جزئية موجبة مثاله :كل إنسان
حيوان ،وبعض ا ِإلنسان انطق ينتج :بعض احليوان انطق.
- 5الضرب اخلامس :موجبة جزئية صغري وسالبة كلية كربى ينتج :جزئية سالبة ،مثاله :بعض
احليوان انطق ،وال شيء من احليوان جبماد .ينتج :بعض الناطق ليس جبماد.
- 6الضرب السادس :موجبة كلية صغرى وجزئية سالبة كربى ينتج :جزئية سالبة .مثاله :كل إنسان
حيوان ،وبعض ا ِإلنسان ليس بفرس .ينتج :بعض احليوان ليس بفرس.
تنبيهات :تتعلق هبذا الشكل الثالث:
التنبيه األول :اعلم أن كون هذا الشكل ال ينتج إال جزئية سببه يف احلقيقة أن نتيجته مرتكبة من
حممول الصغرى ،وحممول الكربى ،وحممول الصغرى هو موضوع النتيجة ومن اجلائز عقالً أن يكون
حممول الصغرى أعم من حممول الكربى .وقد قدمنا أن احلكم على األعم ابألخص ال يصدق إال
جزئياً .وإذا كان حممول الصغرى الذي هو موضوع النتيجة أعم من حممول الكربى الذي هو حممول
النتيجة تبني من ذلك أن احلكم ابألخص على األعم ال يصدق إال جزئياً سلباً كان أو إجياابً كما
قدمنا إيضاحه يف الكالم على النسب األربع فقولك مثال :كل إنسان حيوان ،وكل إنسان انطق هو
الضرب األول من هذا الشكل الثالث ،واملوضوع يف كلتا املقدمتني الذي هو ا ِإلنسان هو احل هد
الوسط امللغى لدى ا ِإلنتاج ،والنتيجة مرتكبة من حممول الصغرى احليوان وهو يف هذا املثال وحممول
الكربى وهو الناطق يف هذا املثال وموضوعهما هو احليوان وحمموهلا هو الناطق .واحليوان أعم من
الناطق فال يصح احلكم عليه به إال جزئياً سلباً
()84/1
[]85 /1
كان أو إجياابً ولذا كانت نتائج هذا الشكل كلها جزئيات وال تنتج كلية كما تقدم.
التنبيه الثاين :اعلم أنك إذا عكست صغرى هذا الشكل الثالث يف العكس املستوي رجع إىل
الشكل األول بعينه يف غالب أحواله .فاملثال املذكور الذي هو قولنا كل إنسان حيوان وكل إنسان
انطق لو عكست صغراه فقط فقلت :بعض احليوان إنسان وكل إنسان انطق لكان راجعاً إىل الشكل
األول ونتيجته بعض احليوان انطق.
التنبيه الثالث :اعلم أن وجه احلكم العقلي يف إنتاج هذا الشكل يف اجلملة أن املوضوع الواحد إذا
ثبت له حمموالن يف حالة كون هذا الشكل مرتكباً من موجبتني لزم عقالً جواز احلكم أبحد احملمولني
على اآلخر يف اجلملة ألن جواز محلهما إجياابً على شيء واحد يدل على محل آخرمها على أوهلما يف
اجلملة وإن كانت إحدى مقدمتيه سالبة واألخرى موجبة لزم من نفي أحد احملمولني عن املوضوع يف
السالبة وإثباته له يف املوجبة حصول التغاير بني احملمولني ،وجواز احلكم بسلب إحدامها عن اآلخر
سلباً جزئياً لنفي أحدمها عن املوضوع الذي ثبت له اآلخر .وقد تقدمت أمثلة اجلميع.
وأما الشكل الرابع :فيشرتط ِإلنتاجه أال جيتمع فيه خستان سواء كانتا من جنسني أو من جنس واحد
ومها اجلزئية والسلب .إال صورة واحدة فيغتفر فيها اجتماع اخلستني وهي كون صغراه ،جزئية موجبة،
وكرباه كلية سالبة وضروبه املنتجة حبسب ما ذكر مخسة.
وإيضاحه بطريق التحصيل أن الصغرى ال تكون جزئية سالبة أبداً ،وإذاً إما أن تكون موجبة كلية
وهي تنتج من املوجبة الكلية واملوجبة اجلزئية ،والسالبة الكلية من الكربايت إذ ليس يف شيء من
تلك الصور اجتماع اخلستني.
وإما أن تكون الصغرى موجبة جزئية وهي تنتج مع السالبة الكلية الكربى فقط .وهي الصورة
املستثناة.
()85/1
[]86 /1
وإما أن تكون الصغرى كلية سالبة وهي تنتج مع الكلية املوجبة الكربى .فتبني أن الصغرى إن كانت
موجبة كلية أنتجت مع ثالث كربايت .وإن كانت جزئية موجبة أنتجت مع كربى واحدة.
وإن كانت كلية سالبة أنتجت مع كربى واحدة كما أوضحنا.
وهذه هي الضروب اخلمسة املنتجة من الشكل الرابع .الذي هو ما كان احل هد الوسط فيه موضوعاً يف
الصغرى حمموال يف الكربى.
- 1الضرب األول :موجبتان كليتان ينتج ،موجبة جزئية .ومثاله :كل إنسان حيوان وكل انطق
إنسان ينتج بعض احليوان انطق.
- 2الضرب الثاين :موجبتان صغرامها كلية وكربامها جزئية ،ينتج جزئية موجبة مثاله :كل إنسان
حيوان ،وبعض الناطق إنسان ينتج بعض احليوان انطق.
- 3الضرب الثالث :كليتان صغرامها سالبة وكربامها موجبة ينتج كلية سالبة .مثاله :ال شيء من
ا ِإلنسان بفرس وكل انطق إنسان ينتج :ال شيء من الفرس بناطق.
- 4الضرب الرابع :موجبة كلية صغرى ،وسالبة كلية كربى ينتج جزئية سالبة .مثاله :كل إنسان
حيوان ،وال شيء من الفرس إبنسان ينتج بعض احليوان ليس بفرس.
- 5الضرب اخلامس :موجبة جزئية صغرى ،وسالبة كلية كربى وهي الصورة املستثناة من اجتماع
اخلستني ينتج جزئية سالبة ،مثاله :بعض احليوان إنسان ،وال شيء من اجلماد حبيوان ينتج بعض
ا ِإلنسان ليس جبماد .واعلم أان تركنا خالف املتأخرين يف هذا الشكل وقول مجاعات منهم :إن شرط
إنتاج هذا الشكل الرابع هو إجياب مقدمتيه ،أو اختالفهما يف الكيف مع كلية إحدامها .وبنوا على
ذلك أن املنتج
()86/1
[]87 /1
من ضروبه مثانية تركنا ذلك كله اختصاراً ألن مقصودان هبذه املقدمة إيصال طالب العلم إىل إدراك فن
آداب البحث واملناظرة ولذلك تركنا كثياً من املناقشات يف تقدمي بعض الضروب على بعض يف
تعريف القياس وغيه .اختصاراً كما أشران إليه يف الرتمجة.
تنبيهات :تتعلق هبذا الشكل الرابع- :
- 1األول :أعلم أن بعض األقدمني حذفه لبعد إنتاجه عن الطبع وجعل األشكال ثالثة.
- 2الثاين :اعلم أن سبب كون هذا الشكل ال ينتج إال جزئية إال يف ضرب واحد من ضروبه هو أن
احل هد الوسط فيه هو موضوع الصغرى وحممول الكربى ،والنتيجة فيه مرتكبة من حممول الصغرى
وموضوع الكربى وموضوع نتيجته هو حممول الصغرى ،وحمموهلا هو موضوع الكربى .ومن اجلائز
عقالً أن يكون حممول الصغرى الذي هو موضوع النتيجة أعم من موضوع الكربى الذي هو حممول
النتيجة.
وإذا كان املوضوع أعم مل يصدق عليه احلكم ابحملمول إال جزئياً كما تقدم إيضاحه يف النسب األربع
ويف الكالم على الشكل الثالث .وإمنا كانت نتيجته كلية فيما إذا تركب من كليتني صغرامها سالبة
وكربامها موجبة كما تقول يف قولك :ال شيء من ا ِإلنسان بفرس وكل انطق إنسان فإنه ينتج كلية
سالبة هي .ال شيء من الفرس بناطق ألن املقدمة الصغرى السالبة سلبت الفرسية عن كل فرد من
أفراد ا ِإلنسان ،واملقدمة الكربى أثبتت ا ِإلنسانية لكل انطق فلزم سلب الناطقية عن كل فرس كما
ترى.
- 3الثالث :هذا الشكل الرابع يرجع يف الغالب إىل الشكل األول اترة تبديل مقدمته مع عكس
النتيجة كاملرتكب من كليتني موجبتني ،فلو قلت :كل إنسان حيوان وكل انطق إنسان فهذا هو
الضرب األول من الرابع ونتيجته
()87/1
[]88 /1
جزئية موجبة هي بعض احليوان انطق فلو جعلت صغراه هي الكربى ،وكرباه هي الصغرى وعكست
النتيجة ابلعكس املستوي رجع إىل األول .كما لو قلت كل انطق إنسان وكل إنسان حيوان ينتج من
الشكل األول كل انطق حيوان وهي عكس نتيجته قبل تبديل كل من املقدمتني ابألخرى ،واترة
ابستعمال العكس.
واحلاصل أن هذا الشكل ترجع ضروبه كلها للشكل األول ،إما بتبديل املقدمتني وعكس النتيجة وإما
ابستعمال العكس املستوي يف مقدمتيه كما يدركه من فهم ما سبق وليس قصدان إطالة الكالم يف
ذلك ألن املقصود من هذه العجالة املنطقية هو التوصل إىل معرفة آداب البحث واملناظرة ونظم
بعضهم وجه رد األشكال الثالثة إىل الشكل األول بقوله:
وغي أول من األشكال ... ...إليه مردود بال إشكال
فالثاين مردود بعكس الكربى ... ...والثالث أردده بعكس الصغرى
ورابع بعكس ترتيب يرد ... ...أو املقدمات هكذا ورد
وأول منها هو املعيار ... ...ألنه من بينها املدار
مسألة :اعلم أن القياس املذكور يكون بسيطاً ،ويكون مركبا ،فالبسيط هو ما أتلف من قضيتني فقط:
كقولك :كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس ،واملركب هو ما أتلف من أكثر من قضيتني .وضابطه
أن جتعل النتيجة مقدمة صغرى وتضم إليها كربى مث جتعل النتيجة أيضاً صغرى وتضم هلا كربى
وهكذا .ولذلك طريقان :إحدامها أن تذكر النتيجة بلفظها فتجعلها صغرى وتضم هلا كربى ،كما لو
قلت :كل إنسان حيوان ،وكل حيوان حساس فالنتيجة كل إنسان حساس ،فتضم هلا كربى فتقول كل
إنسان حساس وكل حساس انم ينتج كل إنسان انم فتضم هلا كربى بعد التلفظ هبا وهي كل انم
جسم ،ينتج كل إنسان جسم ،ويسمى هذا القسم متصل النتائج.
()88/1
[]89 /1
- 2والثاين :أن ال تذكر النتائج كأن تقول كل إنسان حيوان وكل حيوان حساس وكل حساس انم،
وكل انم جسم ينتج كل إنسان جسم ،ويسمى هذا النوع مفصول النتائج.
()89/1
[]90 /1
()90/1
[]91 /1
وإذا علمت ذلك فاعلم أن القياس االستثنائي املركب من الشرطية املتصلة اللزومية واالستثنائية
تنحصر ضروبه يف أربعة ال خامس هلا .اثنان منا منتجان واثنان عقيمان.
واعلم أن حرف االستثناء يف هذا الفن هو لفظة (لكن) خاصة وإطالق االستثناء عليه اصطالحاً
منطقي ،و وجه مناسبته للغة أن االستثناء استفعال من االنثناء و هو الرجوع .والشرطية مل حيكم فيها
بوجود مقدمها وال عدمه وال جود اتليها و ال عدمه فينثين املستدل إليها حبرف االستثناء الذي هو
لكن ويثبت مقدمها أو ينفيه ،أو يثبت اتليها أو ينفيه ،وال خامس البتة ،ومن هنا كانت ضروهبا أربعة
فقط:
- 1فنفي التايل يسمى استثناء نقيض التايل.
- 2وإثبات التايل يسمى استثناء عني التايل.
- 3و نفي املقدم يسمى استثناء نقيض املقدم.
- 4وإثبات املقدم يسمى استثناء عني املقدم.
فكل واحد من طرفيها أثبته فقد استثنيت عينه ،وكل واحد من طرفيها نفيته فقد استثنيت نقيضه.
وإذا علمت ذلك فاعلم أن الضربني املنتجني يف القياس الشرطي املتصل مها استثناء نقيض التايل،
واستثناء عني املقدم .أما الضرابن العقيمان منه فهما استثناء عني التايل ،واستثناء نقيض املقدم فلو
قلت مثال :لو كان هذا إنساانً لكان حيواانً لكنه غي حيوان فإنه ينتج (فهو غي إنسان) ألن استثناء
نقيض (التايل)! املقدم ينتج نقيض (املقدم)! التايل .وبعبارة أوضح نفي الالزم يقتضي نفي امللزوم،
ولو قلت يف املثال املذكور :لكنه إنسان أنتج فهو حيوان ألن استثناء عني املقدم ينتج عني التايل.
وبعبارة أوضح وجود امللزوم يقتضي وجود الالزم فهذان مها الضرابن
()91/1
[]92 /1
املنتجان منه وأما العقيمان فاألول فيهما هو استثناء عني التايل كما لو قلت يف املثال املذكور الذي
هو :لو كان هذا إنساانً لكان حيواانً لكنه حيوان فال ينتج كونه إنساانً جلواز أن يكون حيواانً آخر
غي ا ِإلنسان كالفرس مثالً ألن استثناء عني التايل ال ينتج عني املقدم وبعبارة أوضح وجود الالزم ال
يقتضي وجود امللزوم الحتمال كون الالزم أعم من امللزوم ووجود األعم ال يقتضي وجود األخص.
الضرب الثاين من العقيمني هو استثناء نقيض املقدم فإنه ال ينتج نقيض التايل كما لو قلت يف املثال
املذكور لكنه غي إنسان فال ينتج ذلك كونه غي حيوان الحتمال أن يكون حيواانً آخر غي اإلنسان
كالفرس أو البغل مثالً.
وبعبارة أوضح :نفي امللزوم ال يقتضي نفي الالزم ،فهذه الضروب األربعة اليت ذكرانها أبمثلتها وبيَّنا
املنتجني منها والعقيمني تنحصر فيها ضروب الشرطي املتصل املرتكب من شرطية متصلة لزومية
واستثنائية.
تنبيه يتعلق هذا القياس االستثنائي :قد علمت أن هذا النوع يرتكب قياسه من مقدمتني:
األوىل منهما تسمى الشرطية وهي قضية شرطية.
والثانية تسمى االستثنائية وهي قولك :لكنه غي حيوان مثالً أو لكنه إنسان مثال .والقضية اليت هي
االستثنائية محلية .ونقل ابن عرفة عن الفارايب .أن الشرطية فيه هي الكربى واالستثنائية هي الصغرى
عكس االقرتاين فإن أواله هي الصغرى وأخراه هي الكربى.
وأما القياس الشرطي املركب من الشرطيات املنفصلة واالستثنائية :فهو ثالثة أقسام ألن الشرطية
املنفصلة تنقسم إىل ثالثة أقسام كما تقدم إيضاحه.
فإن كان القياس مركبا من منفصلة حقيقية مانعة مجع وخلو معاً فإن ضروبه األربعة منتجة و ال عقيم
فيه البتة .فاستثناء نقيض كل واحد من طرفيها ينتج
()92/1
[]93 /1
عني اآلخر لعنادمها يف العدم ،واستثناء عني كل واحد من طرفيها ينتج نقيض اآلخر لعنادمها يف
الوجود.
فلو قلت :العدد إما زوج وإما فرد لكنه غي زوج أنتج فهو فرد .ولو قلت لكنه غي فرد أنتج فهو
زوج ،ولو قلت :لكنه زوج أنتج فهو غي فرد ولو قلت لكنه فرد أنتج فهو غي زوج وهكذا يف كل
قياس مركب من مانعة مجع وخلو معاً.
وأما القياس الشرطي املنفصل املركب من مانعة اجلمع اجملوزة للخلو فإنه ينتج من ضروبه األربعة
اثنان واآلخران عقيمان.
فاملنتجان منهما مها :استثناء عني املقدم ،فإنه ينتج نقيض التايل ،واستثناء عني التايل فإنه ينتج نقيض
املقدم للعناد بني طرفيها يف الوجود .والضرابن العقيمان مها استثناء نقيض التايل واستثناء نقيض
املقدم ،فال ينتجان لعدم العناد بني طرفيها يف العدم ،فلو قلت :اجلسم إما أبيض وإما أسود لكنه
أبيض أنتج فهو غي أسود .ولو قلت لكنه أسود أنتج فهو غي أبيض ولو قلت لكنه غي أبيض مل
ينتج شيئاً لصدق غي األبيض ابألسود وبغيه.
وأما القياس الشرطي املنفصل املركب من مانعة .اخللو اجملوزة للجمع فإنه ينتج فيه الضرابن العقيمان
يف الذي قبله ،والضرابن املنتجان يف الذي قبله عقيمان فيه فهو عكسه يف احلقيقة وا ِإلنتاج .فاستثناء
نقيض كل واحد من الطرفني فيه ينتج عني اآلخر.
واستثناء عني كل واحد من الطرفني ال ينتج شيئاً.
وقد علمت أن نقيض النفي ا ِإلثبات ،ونقيض ا ِإلثبات النفي .فلو قلت :اجلسم إما غي أبيض وإما
غي أسود ،واستثنيت نقيض املقدم فقلت لكنه أبيض أنتج عني التايل الذي هو غي أسود ألن
األبيض غي أسود ابلضرورة ،وكذلك لو استثنيت نقيض التايل فقلت لكنه أسود أنتج عني املقدم
الذي هو غي أبيض ألن األسود غي أبيض ضرورة.
()93/1
[]94 /1
أما لو استثنيت عني املقدم فقلت لكنه غي أبيض مل ينتج شيئاً ألن غي األبيض صادق ابألسود وغي
األسود.
وكذلك لو استثنيت .عني التايل فقلت لكنه غي أسود مل ينتج شيئاً ألن غي األسود صادق ابألبيض
وغي األبيض وهكذا.
وهذه العجالة هي اليت أردان أن نذكرها قبل الشروع يف أدب البحث واملناظرة ألن أدب البحث
ابّلل التوفيق).
واملناظرة ال يفهمه إال من له إملام مبا ذكران يف هذه العجالة (و ه
()94/1
[]95 /1
... 3الرتمجة.
-------------------------------------------
... 8أنواع العلم احلادث وأقسامه.
... 10املوضوع واحملمول .انظر يف االصطالح .الفكر يف االصطالح.
... 11أنواع الداللة الوضعية اللفظة.
... 12أقسام الدال اللفظي :عقالً ،طبعا ،وضعا.
... 13أقسام الدال غي اللفظي :عقالً ،طبعا ،وضعا.
... 13داللة اللفظي وضعا وأقسامها :مطابقة تضمن التزام.
... 14أقسام اللوازم :ذهين ،خارجي ،ذهين وخارجي معاً.
... 17مباحث األلفاظ.
... 17تقسيم اللفظي إىل مفرد ومركب.
... 18أقسام املفرد :كلي ،جزئي.
... 19مبحث الفرق بني اسم اجلنس وعلم اجلنس.
... 21تقسيم اجلزئي إىل حقيقي وإضايف.
... 21تقسيمات الكلي إىل:
ا -متواطئ ،ومشكك.
ب -وإىل مشرتك ومنفرد.
... 22ج -وجود أفراده وعدم وجودها.
... 23الكل واجلزء ،والكلية واجلزئية.
... 24اقرتان لفظة كل حبرف السلب.
... 25إيضاح الفوارق بني الكل والكلي وبني الكل والكلية.
()95/1
[]96 /1
()96/1
[]97 /1
()97/1
[]98 /1
98
الشنقيطي
()98/1