You are on page 1of 38

‫أحكام الصوم‬

‫أحكام الصوم في علم فروع الفقه اإلسالمي هي‬


‫دراسة شرعية ألحكام الصوم مستفادة من أدلة الشرع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقد اهتم علماء الفقه بموضوع الصيام‪،‬‬
‫وجعلوه قسما من أقسام فقه العبادات يعرف بـ«كتاب‬
‫الصوم»‪ ،‬ويشمل أبوابا وفصوال ومسائل وغيرها من‬
‫التفريعات‪ ،‬ويتضمن‪ :‬تعريف الصوم‪ ،‬وحكمه‪ ،‬واألصل‬
‫في مشروعيته‪ ،‬وأركان الصوم وشروطه ومبطالته‬
‫ومستحبات الصوم ومكروهاته‪ ،‬وصوم شهر رمضان‬
‫وأنواع الصوم وأقسامه وأحكام نية الصوم وتبييت‬
‫النية[؟]‪ ،‬وأحكام اإلفطار في رمضان والقضاء والفدية‬
‫والصوم في السفر وصوم المريض وصوم الحائض وما‬
‫يذكر ضمن ذلك من آيات أحكام الصيام‪ ،‬وأحكام‬
‫مواقيت الصوم وأحكام ليلة الصيام ورؤية هالل‬
‫رمضان ويوم الشك ويوم الغيم ومطلع الفجر وليلة‬
‫القدر في ليالي شهر رمضان وقيام ليالي رمضان‬
‫بالعمل الصالح فيها‪ ،‬وصالة قيام رمضان‪ ،‬واستكمال‬
‫عدة شهر رمضان ثالثين يوما عند عدم رؤية هالل‬
‫شوال‪ ،‬واستكمال شهر شعبان ثالثين يوما عند عدم‬
‫رؤية هالل رمضان‪ .‬وصوم التطوع مثل‪ :‬صوم‬
‫عاشوراء‪ ،‬والصوم في شهر المحرم‪ ،‬وصوم ست من‬
‫شوال وهو العاشر من المحرم‪ ،‬وصوم اإلثنين‬
‫والخميس‪ ،‬صوم ثالثة أيام من كل شهر‪ ،‬وصوم يوم‬
‫عرفة لغير الحاج‪ ،‬وصوم يوم وفطر يوم‪ ،‬والصوم‬
‫المنهي عنه مثل‪ :‬صوم يوم الشك‪ ،‬وصوم يوم الغيم‪،‬‬
‫والصوم الحرام وهو صوم يومي العيد‪ ،‬وصوم أيام‬
‫التشريق‪ ،‬ومن األبواب الملحقة بالصيام‪ :‬االعتكاف‬
‫واألحكام المتعلقة به‪.‬‬

‫أنواع الصوم‬
‫أنواع الصوم من حيث الحكم الشرعي المتعلق به‬
‫يشمل أنواعا متعددة‪ ،‬وقد ذكر الفقهاء تقسيمات‬
‫متعددة‪ ،‬ومهما اختلفت هذه النقسيمات فهي ال تخرج‬
‫عن قسمين بحسب تقسيم الحكم الشرعي أي‪ :‬باعتبار‬
‫أن الصيام من حيث هو عبادة مشروعة يطلب في‬
‫الشرع فعلها على وجه اإللزام أو بغير إلزام‪ ،‬وقد‬
‫يقتضي الشرع تركها على وجه اإللزام أو بغير إلزام‪،‬‬
‫فالصوم إما أن يكون مما يطلب فعله أو تركه‪ ،‬فهذان‬
‫قسمان وكل منهما إما على جهة اإللزام أو بغير إلزام‪،‬‬
‫فهذه أربعة أقسام بحسب الحكم الشرعي‪ ،‬أما القسم‬
‫الخامس وهو المباح فال يدخل في الصوم؛ ألنه عبادة‬
‫والعبادة ال توصف باإلباحة‪ .‬وعلى هذا التقسيم فالصوم‬
‫إما أن يكون مما يطلب في الشرع فعله على وجه‬
‫اإللزام وهو أنواع أولها‪ :‬الصوم المفروض وهو صيام‬
‫شهر رمضان أداًء وقضاًء ‪ ،‬وصيام الكفارات‪ ،‬والصيام‬
‫المنذور‪ .‬وال فرق بين الفرض والواجب والالزم‬
‫والحتمي عند جمهور الفقهاء‪ ،‬فهي كلها ألفاظ مترادفة‬
‫بمعنى واحد‪ ،‬خالفا للحنفية حيث أنهم فرقوا بين‬
‫الفرض والواجب‪ ،‬وعلى كل األحوال فهذه األنواع من‬
‫الصيام الذي يطلب فعله على وجه اإللزام‪ .‬وإن كان‬
‫الصيام مما يطلب في الشرع فعله ال على وجه اإللزام؛‬
‫فهذا قسم ثان من أقسام الصوم‪ ،‬وهو الصوم المسنون‬
‫ويشمل جميع أنواع صوم التطوع وأنواعه كثيرة‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫صوم يوم عاشوراء وهو العاشر من شهر المحرم‪،‬‬
‫ويتأكد معه صيام يوم قبله أو بعده‪ ،‬والصوم في شهر‬
‫المحرم وصوم ست من شوال‪ ،‬وصوم ثالثة أيام من كل‬
‫شهر وغير ذلك من أنواع صوم التطوع‪ ،‬ويتضمن أيضا‬
‫صوم النفل المطلق‪ .‬والقسم الثاني من أقسام الصيام‬
‫هو‪ :‬ما اقتضى الشرع تركه وهو الصوم المنهي عنه إما‬
‫على وجه اإللزام وهو‪ :‬الصيام المحرم بمعنى‪ :‬المنهي‬
‫عنه في الشرع لذاته‪ ،‬نهيا يقتضي إثم فاعله‪ .‬وهو‬
‫صيام يومي عيد الفطر وعيد األضحى‪ ،‬وأيام التشريق‬
‫الثالثة‪ .‬ويدخل في هذا القسم كل ما يترتب عليه إثم‬
‫فاعله مثل صوم الحائض عمدا بقصد الصوم‪ ،‬ويشمل‬
‫أيضا الصوم المكروه كراهة تحريم مثل صوم يوم‬
‫الشك‪ .‬وإما أن يكون مما اقتضى الشرع تركه ال على‬
‫جهة اإللزام وهو المكروه تنزيها مثل‪ :‬صوم يوم عرفة‬
‫للحاج‪ ،‬وإفراد صوم يوم الجمعة‪.‬‬

‫أركان الصوم‬
‫أركان الصوم أي‪ :‬أجزاء ماهية الصوم التي ال يصح إال‬
‫بها»‪ .‬هي‪ :‬اإلمساك فالصوم في حقيقته هو‪« :‬اإلمساك‬
‫عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس»‬
‫ونية الصوم ركن من أركان الصيام عند المالكية‬
‫والشافعية ورجح بعض الفقهاء أن النية[؟] شرط من‬
‫شروط الصوم وفي الحالين‪ :‬فإن نية[؟] الصوم الزمة‬
‫شرعًا باتفاق جمهور الفقهاء‪ ،‬سواء على القول بأنها ركن‬
‫أو شرط‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن الصوم ال يصح إال بالنية‪ .‬وأضاف‬
‫بعض الفقهاء ركنا ثالثا من أركان الصوم وهو‪ :‬الصائم‬
‫أي‪ :‬الشخص باعتبار أنه ال يعقل الصوم الشرعي إال‬
‫بفاعل وهو الصائم‪.‬‬

‫شروط الصوم‬
‫شروط الصوم هي‪ :‬شروط وجوب الصوم‪ ،‬وشروط‬
‫صحته‪ ،‬ومنها‪ :‬شروط للوجوب والصحة معا‪ ،‬وشروط‬
‫صحة األداء‪ .‬وشروط الصيام عموما هي‪ :‬البلوغ‪،‬‬
‫والعقل‪ ،‬واإلسالم‪ ،‬والقدرة أي‪( :‬إطاقة الصوم)‪،‬‬
‫والصحة‪ ،‬واإلقامة‪ .‬فال يجب صوم المريض وال الصوم‬
‫في السفر‪ ،‬بل يجوز للمسافر اإلفطار في رمضان‪ ،‬وال‬
‫يجب الصوم على من ال يقدر عليه‪ .‬وال يصح الصوم إال‬
‫من مسلم عاقل مميز‪ ،‬ويشترط النقاء من الحيض‬
‫والنفاس‪ ،‬والعلم بالوقت القابل للصوم فيه‪ ،‬كما أن النية‬
‫الزمة للصوم فال يصح إال بها‪ .‬وهناك تفاصيل أوفى في‬
‫كتب علم فروع الفقه‪.‬‬
‫شروط الصوم عند المذاهب االربعة‬

‫المالكية‬ ‫الشافعية‬
‫المالكية قالوا‪ :‬شروط الصيام ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫الشافعية قالوا‪ :‬تنقسم شروط الصيام إلى قسمين‪:‬‬

‫‪ .1‬شروط وجوبه وهي‪:‬‬ ‫‪ .1‬شروط وجوبه وهي‪:‬‬


‫‪ .1‬البلوغ‪.‬‬ ‫‪ .1‬البلوغ‬

‫‪ .2‬القدرة على الصوم‪.‬‬ ‫‪ .2‬اإلسالم‬

‫‪ .2‬شروط صحتة وهي‪:‬‬ ‫‪ .3‬العقل‬


‫‪ .1‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلطاقة حسا وشرعا‬
‫‪ .2‬الزمان القابل للصوم‪.‬‬
‫‪ .5‬الصحة‬
‫‪ .3‬النية[؟] على الراجح من اآلراء‪.‬‬
‫‪ .6‬اإلقامة‬
‫‪ .3‬شروط وجوبه وصحتة معا وهي‪:‬‬
‫‪ .2‬شروط صحته وهي‪:‬‬
‫‪ .1‬العقل‬
‫‪ .1‬اإلسالم حال الصيام‪.‬‬
‫‪ .2‬النقاء من دم الحيض والنفاس‪.‬‬
‫‪ .2‬التمييز‪.‬‬
‫‪ .3‬دخول شهر رمضان فال يجب صوم‬
‫‪ .3‬خلو الصائم من الحيض والنفاس والوالدة وقت‬
‫رمضان قبل ثبوت الشهر‪.‬‬
‫الصوم وإن لم تر الوالدة دمًا‪.‬‬

‫الحنابلة‬
‫‪ .4‬أن يكون الوقت قابًال للصوم‪.‬‬

‫الحنابلة قالوا‪ :‬شروط الصيام ثالثة أنواع‪:‬‬


‫الحنفية‬
‫‪ .1‬شروط وجوبه وهي‪:‬‬ ‫الحنفية قالوا‪ :‬شروط الصيام ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .1‬شروط وجوبه وهي‪:‬‬
‫‪ .2‬البلوغ‪.‬‬
‫‪ .1‬اإلسالم‪.‬‬
‫‪ .3‬القدرة على الصوم‪.‬‬
‫‪ .2‬العقل‪.‬‬
‫‪ .2‬شروط صحتة وهي‪:‬‬
‫‪ .3‬البلوغ‪.‬‬
‫‪ .1‬النية[؟]‪.‬‬
‫‪ .2‬شروط وجوب األداء وهي‪:‬‬
‫‪ .2‬انقطاع دم الحيض‪.‬‬
‫‪ .1‬الصحة‪.‬‬
‫‪ .3‬انقطاع دم النفاس‪.‬‬ ‫‪ .2‬اإلقامة‪.‬‬

‫‪ .3‬شروط وجوبه وصحتة معا وهي‪:‬‬ ‫‪ .3‬شروط صحة األداء وهي‪:‬‬


‫‪ .1‬اإلسالم‪.‬‬ ‫‪ .1‬الطهارة من الحيض والنفاس‪.‬‬

‫‪ .2‬العقل‬ ‫‪ .2‬النية[؟] ؛ فال يصح أداء الصوم إال بالنية تمييزًا‬


‫للعبادات عن العادات‪.‬‬
‫‪ .3‬التمييز‬

‫عند اإلمامية‬
‫‪ .1‬البلوغ‬

‫‪ .2‬العقل‬

‫‪ .3‬عدم اإلغماء‬

‫‪ .4‬الطهارة من الحيض والنفاس‬

‫‪ .5‬عدم الضرر‬

‫مبطالت الصوم‬

‫مبطالت الصوم أو‪ :‬مفسدات الصوم‪ ،‬والفاسد والباطل‬


‫في العبادات بمعنى واحد‪ ،‬ضد الصحيح‪ ،‬والذي يبطل‬
‫به الصوم بمعنى‪ :‬ما يكون به الصوم غير صحيح‪ ،‬وإذا‬
‫بطل الصيام في يوم من صوم شهر رمضان خاصة لمن‬
‫ال رخصة في اإلفطار؛ لزمه بعد بطالن صومه؛ اإلمساك‬
‫بقية اليوم لحرمة الوقت‪ ،‬والقضاء بعد ذلك‪ .‬وأما‬
‫المعذور الذي يباح له الفطر كالمريض؛ فال يلزمه‬
‫بنية[؟]‬ ‫اإلمساك‪ .‬ويحرم تعمد االستمرار في اإلمساك‬
‫الصيام على من يحرم عليه الصيام كما في صوم‬
‫الحائض‪ .‬ومبطالت الصوم أي‪ :‬المفطرات هي‪:‬‬

‫ما وصل عمدا إلى الجوف مثل‪ :‬األكل والشرب‪ ،‬وما‬


‫هو بمعنى األكل والشرب‪ ،‬حال العمد والعلم‬
‫واالختيار‪ ،‬فيبطل الصوم بما وصل عمدا إلى مسمى‬
‫جوف‪ ،‬كالحلق[؟] والبطن والدماغ‪ ،‬فيفطر بكل ما‬
‫أدخله الصائم باختياره عمدا إلى جوفه‪ ،‬أو مجوف‬
‫في جسده كدماغه وحلقه‪ ،‬ونحو ذلك مما ينفذ إلى‬
‫معدته‪ ،‬إذا وصل باختياره‪ ،‬وكان مما يمكن التحرز‬
‫منه‪ ،‬سواء وصل من الفم على العادة‪ ،‬أو غير العادة‬
‫كالوجور واللدود‪ ،‬أو من األنف كالسعوط وهو إدخال‬
‫الدواء عن طريق األنف‪ ،‬أو ما يدخل من األذن إلى‬
‫الدماغ‪ ،‬أو ما يدخل إلى الجوف من طريق القبل أو‬
‫الدبر كالحقنة‪ ،‬أو ما يصل من مداواة الجائفة إلى‬
‫جوفه‪ ،‬أو من دواء المأمومة إلى دماغه‪ ،‬فهذا كله‬
‫يفطره؛ ألنه واصل إلى جوفه باختياره‪ ،‬فأشبه األكل‪،‬‬
‫وكذلك لو جرح نفسه‪ ،‬أو جرحه غيره باختياره‬
‫فوصل إلى جوفه‪ ،‬سواء استقر في جوفه‪ ،‬أو عاد‬
‫فخرج منه‪ ،‬وبهذا كله قال الشافعي‪ .‬وقال مالك‪ :‬ال‬
‫يفطر بالسعوط‪ ،‬إال أن ينزل إلى حلقه‪ ،‬وال يفطر إذا‬
‫داوى المأمومة والجائفة‪ .‬واختلف عنه في الحقنة‪،‬‬
‫واحتج له بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء‪ ،‬أشبه‬
‫ما لم يصل إلى الدماغ وال الجوف‪ .‬وذكر ابن قدامة‬
‫أنه واصل إلى جوف الصائم باختياره‪ ،‬فيفطره‬
‫كالواصل إلى الحلق‪ ،‬والدماغ جوف‪ ،‬والواصل إليه‬
‫يغذيه‪ ،‬فيفطره كجوف البدن‪ ]1[.‬ويشترط فيما‬
‫يصل إلى الجوف أن يكون عمدا‪ ،‬أما لو أدخله ناسيا‬
‫فال يبطل صومه؛ لحديث‪ :‬من أكل أو شرب ناسيا‬
‫فليتم صومه‪..‬‬
‫وبلع الريق غير مبطل للصوم وإن تجمع في الفم‪ ،‬وال‬
‫يلزم ألجل الصوم إخراج الريق كما قد يتوهم البعض‪،‬‬
‫وأما بلع النخامة عمدا فهو مبطل للصوم‪ ،‬وهي تختلف‬
‫عن الريق‪ ،‬ويجب على الصائم قطعها ومجها‪ ،‬فهي‬
‫مستقذر ويبطل الصوم ببلعها عمدا‪ ،‬أما إذا وصلت بغير‬
‫تعمد وال تقصير فال يبطل بها الصوم‪.‬‬

‫االستقاءة فيبطل الصوم باالستقاءة بمعنى‪ :‬أن‬


‫يتعمد الصائم إخراج القيئ من جوفه‪ ،‬فلو تعمد‬
‫إخراج القيئ؛ بطل صومه‪ ،‬ومثل ذلك فيما إذا غلبه‬
‫القيئ وخرج كرها وأعاده عمدا إلى جوفه بطل‬
‫صومه؛ ألنه في حال إعادته يعد إيصال عين إلى‬
‫الجوف وهو مبطل للصوم‪ .‬فإن ذرعه القيئ أي‪ :‬غلبه‬
‫وخرج بغير تعمد إخراجه؛ فال يبطل صومه وهو‬
‫حينئذ غير مكلف بما هو خارج عن إرادته‪ ،‬إال إذا‬
‫أعاده إلى جوفه عمدا‪ .‬ولو استقاء ناسيا للصوم فال‬
‫يبطل صومه‪ ،‬وأما استخراج النخامة من الجوف‬
‫عمدا؛ فال يبطل بها صومه‪ .‬ويدل على هذا حديث‪:‬‬
‫«من ذرعه القيئ‪ ،‬فليس عليه قضاء‪ ،‬ومن استقاء‬
‫فليقض»‪]2[.‬‬ ‫عمدا‬
‫الجماع بالتقاء الختانين وتغيب الحشفة في أحد‬
‫السبيلين‪ ،‬سواء أنزل أم لم ينزل‪ ،‬حال العلم والعمد‬
‫واالختيار‪ ،‬فإذا جامع الصائم في نهار رمضان عامدا‬
‫مختارا؛ بطل صومه مع اإلثم ألجل الصوم‪ ،‬ووجب‬
‫عليه قضاء صوم ذلك اليوم الذي أفسده‪ ،‬ويجب‬
‫عليه مع القضاء للصوم الكفارة وهي عتق رقبة‪ ،‬فإن‬
‫لم يجد فصيام شهرين متتابعين‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫صيام شهرين متتاليين؛ أطعم ستين مسكينا‪ .‬هذا‬
‫إن أفسد صومه في نهار رمضان‪ ،‬فيجب عليه مع‬
‫القضاء الكفارة واإلمساك بقية اليوم مراعاة لحرمة‬
‫الوقت في نهار رمضان‪.‬‬
‫إنزال المني عمدا بمباشرة‪ ،‬بمعنى‪ :‬خروج المني‬
‫بطريق المباشرة بشهوة‪ ،‬وذلك أن الصوم من حيث‬
‫ترك المفطرات التي تتضمن معنى اإلمساك عن‬
‫شهوتي البطن والفرج‪ .‬أما خروج المني بطريق‬
‫االحتالم أي‪ :‬حال النوم؛ فال يبطل به الصوم‪.‬‬
‫خروج دم الحيض والنفاس‪ ،‬فيبطل صوم المرأة‬
‫بخروج دم الحيض أو النفاس في نهار الصوم ولو‬
‫بلحظة قبل غروب الشمس وهذا بإجماع أهل العلم‪.‬‬
‫يدل على هذا حديث أبي سعيد الخدري أن النبي‬

‫ﷺ قال‪ :‬أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم‬


‫تصم؟ أخرجه البخاري ومسلم‪ ،‬وحديث معاذة لما‬
‫سألت عائشة عن قضاء الحائض الصوم دون الصالة‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬كان يصيبنا‪..‬‬

‫وقد ذكر النووي في صوم الحائض أنه‪ :‬أجمع أهل العلم‬


‫على أن الصوم ال يصح من الحائض‪ ،‬ومثلها النفساء‪.‬‬
‫الوالدة وهي خروج الولد ولو بغير بلل‪.‬‬
‫الجنون إذا طرأ على الصائم ولو لحظة‪.‬‬
‫اإلغماء إن عم جميع النهار‪ ،‬من طلوع الفجر إلى‬
‫غروب الشمس‪ ،‬ويلزم قضاء الصوم‪ .‬وإذا أفاق في‬
‫أي جزء من النهار صح صومه‪.‬‬
‫السكر عمدا إن عم جميع النهار‪ ،‬أما النوم فال يبطل‬
‫به الصوم‪.‬‬
‫الردة وهي الرجوع عن اإلسالم إلى الكفر باختيار‬
‫بكفر صريح‪ .‬وهناك تفاصيل أوفى‪ ،‬في كتب‪ :‬فروع‬
‫الفقه‪.‬‬

‫سنن الصوم‬

‫مستحبات الصوم أو‪ :‬مسنونات الصوم هي المندوبات‬


‫التي يستحب للصائم أن يأتي بها‪ .‬ومشروعيتها إما؛‬
‫بنص يدل على استحبابها‪ ،‬أو‪ :‬من مفهوم النص‬
‫ومقتضاه‪ ،‬وتشمل‪ :‬المستحبات المتعلقة بـصوم شهر‬
‫رمضان‪ ،‬وغيره من أنواع الصوم‪ ،‬ومنها‪ :‬تعجيل اإلفطار‬
‫أول الوقت‪ ،‬وأن يفطر على رطب وإن لم يجد أفطر‬
‫على تمر وإال فبشربة ماء‪ ،‬وتأخير السحور إلى قريب‬
‫مطلع الفجر الثاني‪ ،‬وحفظ اللسان من اللغو والرفث‪،‬‬
‫والدعاء عند اإلفطار‪ ،‬وغير ذلك‪ ]1 °[.‬ومن مستحبات‬
‫الصوم التسحر وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على‬
‫استحبابه والترغيب فيه‪ ،‬وأن يتسحر مريد الصوم‬
‫حتى ولو بجرعة من ماء‪ ،‬تشبها باآلكلين‪ .‬وفي‬

‫الصحيحين‪« :‬عن أنس قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬


‫"تسحروا فإن في السحور بركة"»‪ ]3[.‬والسحور ‪-‬بفتح‬
‫السين‪ -‬بمعنى‪ :‬المأكول كالخبز وغيره‪ ،‬أو بمعنى‪:‬‬
‫الوجبة التي يتناولها الصائم فيما قبل طلوع الفجر‬
‫الثاني‪ ،‬أو ‪-‬بضم السين‪ -‬هو الفعل والمصدر‪ ،‬وهو من‬
‫مستحبات الصوم‪ ،‬وسبب البركة فيه تقويته الصائم‬
‫على الصوم وتنشيطه له وفرحه به وتهوينه عليه‪ ،‬وذلك‬
‫سبب لكثرة الصوم‪ ]4[.‬وفي صحيح مسلم‪« :‬عن عمرو‬

‫بن العاص رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪":‬إن‬
‫فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة‬
‫السحر"»‪ ]5[.‬و«عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫ﷺ‪" :‬السحور أكله بركة‪ ،‬فال تدعوه‪ ،‬ولو أن أحدكم‬


‫يجرع جرعة من ماء‪ ،‬فإن اهلل ومالئكته يصلون على‬
‫المتسحرين"»‪]6[.‬‬

‫قال النووي‪ :‬فاتفق أصحابنا وغيرهم من العلماء على أن‬


‫السحور سنة‪ ،‬وأن تأخيره أفضل‪ ،‬وعلى أن تعجيل‬
‫الفطر سنة بعد تحقق غروب الشمس‪ ،‬ودليل ذلك كله‬
‫األحاديث الصحيحة‪ .‬وألن فيهما إعانة على الصوم‪،‬‬
‫وألن فيهما مخالفة للكفار‪ ،‬ففي صحيح مسلم‪ :‬عن‬

‫عمرو بن العاص‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬فصل ما‬


‫بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» رواه‬
‫مسلم‪ .‬أكلة السحر بفتح الهمزة هي السحور‪ .‬وألن‬
‫محل الصوم هو النهار فال معنى لتأخير الفطر‬
‫واالمتناع من السحور في آخر الليل؛ وألن بغروب‬
‫الشمس صار مفطرا فال فائدة في تأخير الفطر‪ .‬ووقت‬
‫السحور بين نصف الليل وطلوع الفجر‪ ،‬ويحصل‬
‫السحور بكثير المأكول وقليله‪ ،‬ويحصل بالماء أيضا‪،‬‬
‫ففي مسند أحمد‪« :‬عن أبي سعيد قال‪ :‬قال رسول اهلل‬

‫ﷺ‪" :‬السحور أكله بركة‪ ،‬فال تدعوه‪ ،‬ولو أن أحدكم‬


‫يجرع جرعة من ماء‪ ،‬فإن اهلل ومالئكته يصلون على‬
‫المتسحرين"»‪ ]4[.‬ويستحب تأخير السحور إلى قريب‬
‫طلوع الفجر الثاني‪ .‬ويستحب للصائم أن يفطر على‬
‫تمر‪ ،‬واألفضل منه الرطب‪ ،‬فإن لم يجد فعلى الماء‪،‬‬
‫وذلك لما روى سلمان بن عامر قال‪« :‬قال رسول اهلل‬

‫ﷺ‪« :‬إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر‪ ،‬فإن لم يجد‬


‫فليفطر على ماء فإنه طهور»»‪« ]7[.‬عن أنس قال‪:‬‬

‫«كان رسول اهلل ﷺ يفطر قبل أن يصلي على‬


‫رطبات فإن لم يكن رطبات فتميرات‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫تميرات حسا حسوات من ماء»‪ ]8[.‬ويستحب للصائم‬
‫الدعاء عند اإلفطار‪ ،‬ويقول عند إفطاره‪« :‬اللهم لك‬
‫صمت وعلى رزقك أفطرت»؛ لما روى أبو هريرة قال‪:‬‬

‫«كان رسول اهلل ﷺ إذا صام ثم أفطر قال‪" :‬اللهم لك‬


‫صمت وعلى رزقك أفطرت"»‪ ]9[.‬و«عن ابن عمر‪ :‬كان‬

‫النبي ﷺ إذا أفطر قال‪ :‬ذهب الظمأ وابتلت‬


‫العروق وثبت األجر إن شاء اهلل تعالى‪ ]10[».‬وعن‬
‫مروان يعني ابن سالم المقفع قال رأيت ابن عمر يقبض‬
‫على لحيته فيقطع ما زاد على الكف وقال‪« :‬كان‬
‫رسول اهلل ﷺ إذا أفطر قال‪" :‬ذهب الظمأ‬
‫اهلل"»‪]11[.‬‬ ‫وابتلت العروق‪ ،‬وثبت األجر إن شاء‬

‫ويستحب أن يدعو الصائم عند فطره‪ ،‬قال النووي‪:‬‬


‫وهذا ال خالف في استحبابه للحديث‪ ،‬وفي كتاب ابن‬

‫ماجه‪« :‬عن ابن عمرو بن العاص أن النبي ﷺ قال‪:‬‬


‫«إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد» كان ابن عمرو إذا‬
‫أفطر يقول‪« :‬اللهم برحمتك التي وسعت كل شيء‬
‫لي»»‪]9[.‬‬ ‫اغفر‬

‫ويستحب للصائم الدعاء عند اإلفطار وأن يقول عند‬


‫إفطاره‪« :‬اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت»؛ لما‬

‫روى أبو هريرة قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا صام‬


‫ثم أفطر قال‪" :‬اللهم لك صمت وعلى رزقك‬
‫أفطرت"»‪ ]9[.‬و«عن ابن عمر‪ :‬كان النبي ﷺ إذا‬
‫أفطر قال‪ :‬ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت األجر‬
‫إن شاء اهلل تعالى‪ ]12[».‬وعن مروان يعني ابن سالم‬
‫المقفع قال رأيت ابن عمر يقبض على لحيته فيقطع ما‬

‫زاد على الكف وقال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ إذا أفطر‬


‫قال‪" :‬ذهب الظمأ وابتلت العروق‪ ،‬وثبت األجر إن‬
‫اهلل"»‪]11[.‬‬ ‫شاء‬

‫ويستحب أن يفطر الصائم في وقت اإلفطار؛ لما روى‬

‫زيد بن خالد الجهني‪« :‬أن النبي ﷺ قال‪" :‬من فطر‬


‫صائما فله مثل أجره وال ينقص من أجر الصائم‬
‫شيء"»‪ ]13[.‬ويحصل بما يفطر به الصائم ولو على‬
‫تمرة أو شربة ماء أو لبن إن لم يقدر على عشائه‪ .‬قال‬
‫الماوردي‪" :‬إن بعض الصحابة قال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬ليس‬
‫كلنا يجد ما يفطر الصائم‪ ،‬فقال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ :‬يعطي اهلل تعالى هذا الثواب من فطر‬
‫لبن‪]9[.‬‬ ‫صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة‬

‫تأخير السحور‬

‫يستحب تأخير السحور إلى قريب انفجار الفجر‬


‫الثاني‪ ،‬وذلك هو األفضل‪ ،‬وفي الحديث‪« :‬عن أبي ذر‬

‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬ال تزال أمتي بخير ما‬
‫عجلوا اإلفطار وأخروا السحور"»‪ ]14[]4[.‬يدل الحديث‬
‫على أنه يستحب للصائم التسحر‪ ،‬أي‪ :‬أن يتناول أكلة‬
‫السحر‪ ،‬وتسمى‪ :‬الغداء المبارك‪ ،‬وينتهي وقته بدخول‬
‫وقت صالة الفجر‪ ،‬ويستحب تأخير السحور إلى ما قبل‬
‫وقت صالة الفجر؛ ألن ذلك هو األبلغ في حصول‬
‫المقصود منه‪ .‬وفي الصحيحين‪« :‬عن أنس عن زيد بن‬
‫ثابت رضي اهلل عنه قال‪ :‬تسحرنا مع النبي ﷺ ثم قام‬
‫إلى الصالة»‪ ]4[.‬كما أن وقت السحور يمتد إلى ما قبل‬
‫بداية وقت اإلمساك‪ ،‬بدخول وقت صالة الفجر‪ ،‬لكن‬
‫الفصل بين التسحر وبين الصالة بفاصل يسير‪ ،‬هو‬
‫األفضل ليتسنى للصائم االستعداد للصالة‪ ،‬وليكون له‬
‫من ذلك الوقت تناول الشراب‪ ،‬والذكر واالستغفار‬
‫وقراءة القرآن‪ .‬وقد سئل أنس‪ :‬زيد ابن ثابت عن مقدار‬
‫الوقت الذي كان ما بين انتهاء أكل السحور‪ ،‬وبين‬
‫ابتداء أول وقت الشروع في الصالة‪ ،‬فقال له زيد بن‬
‫ثابت‪« :‬قدر خمسين آية» كما جاء ذلك في الحديث‪:‬‬
‫«عن أنس عن زيد بن ثابت رضي اهلل عنه قال‪ :‬تسحرنا‬

‫مع النبي ﷺ ثم قام إلى الصالة قلت‪ :‬كم كان بين‬


‫األذان والسحور؟ قال‪ :‬قدر خمسين آية»‪ ]15[.‬فقول‬
‫زيد ابن ثابت‪« :‬قدر خمسين آية» أي‪ :‬متوسطة ال‬
‫طويلة وال قصيرة ال سريعة وال بطيئة‪ ،‬وهو تقدير‬
‫الوقت في تلك الحال‪ ،‬وذلك لتقريب مقدار الوقت‪ ،‬قال‬
‫المهلب وغيره‪ :‬فيه تقدير األوقات بأعمال البدن‪ ،‬وكانت‬
‫العرب تقدر األوقات باألعمال كقوله‪ :‬قدر حلب شاة‪،‬‬
‫وقدر نحر جزور‪ ،‬فعدل زيد بن ثابت عن ذلك إلى‬
‫التقدير بالقراءة؛ إشارة إلى أن ذلك الوقت كان وقت‬
‫العبادة بالتالوة‪ .‬وقال ابن أبي جمرة‪ :‬فيه إشارة إلى أن‬
‫أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة‪ .‬قال ابن حجر‪« :‬قال‬

‫ابن أبي جمرة‪ :‬كان ﷺ ينظر ما هو األرفق بأمته‬


‫فيفعله؛ ألنه لو لم يتسحر التبعوه فيشق على‬
‫بعضهم‪ ،‬ولو تسحر في جوف الليل لشق أيضا على‬
‫بعضهم ممن يغلب عليه النوم فقد يفضي إلى ترك‬
‫الصبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر‪ .‬وقال فيه‬
‫أيضا تقوية على الصيام لعموم االحتياج إلى‬
‫الطعام ولو ترك لشق على بعضهم وال سيما من كان‬
‫صفراويا فقد يغشى عليه فيفضي إلى اإلفطار في‬
‫رمضان‪ .‬قال‪ :‬وفي الحديث تأنيس الفاضل‬
‫أصحابه بالمؤاكلة‪ ،‬وجواز المشي بالليل للحاجة؛‬

‫ألن زيد بن ثابت ما كان يبيت مع النبي ﷺ‪.‬‬


‫وفيه االجتماع على السحور‪ ،‬وفيه حسن األدب‬

‫في العبارة لقوله‪" :‬تسحرنا مع رسول اهلل ﷺ"‬

‫ولم يقل نحن ورسول اهلل ﷺ لما يشعر لفظ‬


‫بالتبعية»‪]16[.‬‬ ‫المعية‬

‫آخر وقت السحور يمتد الوقت الذي تحل فيه‬


‫المفطرات ليلة الصيام إلى طلوع الفجر الثاني‪ .‬ويدل‬
‫على ذلك حديث‪« :‬إن بالال يؤذن بليل‪ ،‬فكلوا واشربوا‬
‫حتى يؤذن ابن أم مكتوم»‪ ]3[.‬حديث‪« :‬ال يمنعكم‬
‫سحوركم أذان بالل»‪ .‬وقد ورد في الصحيحين من‬
‫حديث القاسم‪« :‬عن عائشة‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫"ال يمنعكم أذان بالل عن سحوركم‪ ،‬فإنه ينادي بليل‪،‬‬
‫فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم‪ ،‬فإنه ال‬
‫يؤذن حتى يطلع الفجر"»‪ .‬لفظ البخاري وعن حماد‪،‬‬
‫بليل»‪]17[.‬‬ ‫عن إبراهيم‪ ،‬قال‪« :‬السحور بليل‪ ،‬والوتر‬
‫وماورد في آخر وقت السحور‪« :‬عن سهل بن سعد‬
‫رضي اهلل عنه قال‪ :‬كنت أتسحر في أهلي ثم‬
‫تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول اهلل‬

‫ﷺ»‪ ]18[.‬وعن بالل قال‪« :‬أتيت النبي ﷺ أؤذنه‬


‫بالصالة وهو يريد الصوم‪ ،‬فدعا بإناء فشرب‪ ،‬ثم ناولني‬
‫فشربت‪ ،‬ثم خرج إلى الصالة»‪ .‬وعن عامر بن مطر‪،‬‬
‫قال‪« :‬أتيت عبد اهلل بن مسعود في داره‪ ،‬فأخرج فضال‬
‫من سحوره‪ ،‬فأكلنا معه‪ ،‬ثم أقيمت الصالة فخرجنا‬
‫فصلينا»‪ .‬وعن سالم مولى أبي حذيفة قال‪« :‬كنت أنا‬
‫وأبو بكر الصديق فوق سطح واحد في رمضان‪ ،‬فأتيت‬
‫ذات ليلة فقلت‪ :‬أال تأكل يا خليفة رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم؟ فأومأ بيده أن كف‪ ،‬ثم أتيته مرة أخرى‪،‬‬
‫فقلت له‪ :‬أال تأكل يا خليفة رسول اهلل؟ فأومأ بيده أن‬
‫كف‪ .‬ثم أتيته مرة أخرى‪ ،‬فقلت‪ :‬أال تأكل يا خليفة‬
‫رسول اهلل؟ فنظر إلى الفجر ثم أومأ بيده أن كف‪ .‬ثم‬
‫أتيته فقلت‪ :‬أال تأكل يا خليفة رسول اهلل؟ قال‪ :‬هات‬
‫غداءك‪ ،‬قال‪ :‬فأتيته به فأكل ثم صلى ركعتين‪ ،‬ثم قام‬
‫إلى الصالة»‪.‬‬

‫الفصل بين السحور وبين صالة الفجر هو األفضل‪.‬‬


‫ويدل على ذلك ما رواه أنس عن معاذ ابن جبل في‬
‫الصحيحين أنه‪« :‬قدر خمسين آية»‪ .‬لكن وردت‬
‫روايات أخرى تدل على جواز تمديد وقت السحور إلى‬
‫آخر وقته‪ ،‬قال ابن حجر في رواية أنس عن معاذ‪:‬‬
‫«وقال الطبري‪ :‬فيه داللة على أن الفراغ من السحور‬
‫كان قبل طلوع الفجر‪ ،‬فهو معارض لقول حذيفة «هو‬
‫النهار إال أن الشمس لم تطلع»‪ .‬انتهى‪ .‬والجواب‪ :‬أن ال‬
‫معارضة بل تحمل على اختالف الحال‪ ،‬فليس في‬
‫رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة‪ ،‬فتكون قصة‬
‫حذيفة سابقة‪ ،‬وكونه من مسند زيد بن ثابت أو من‬
‫مسند أنس»‪« ]16[.‬عن عاصم عن زر عن حذيفة قال‪:‬‬
‫كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يتسحر وما أرى مواقع‬
‫النبل‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬أبعد الصبح؟ قال‪ :‬هو الصبح إال أنه لم‬
‫تطلع الشمس»‪.‬‬

‫قال ابن كثير‪« :‬وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي‬


‫النجود‪ ،‬قاله النسائي‪ ،‬وحمله على أن المراد قرب النهار‪،‬‬
‫كما قال تعالى‪« :‬فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف‬
‫أو فارقوهن بمعروف»‪ .‬سورة الطالق آية‪ )2( :‬أي‪:‬‬
‫قاربن انقضاء العدة‪ ،‬فإما إمساك أو ترك للفراق‪ .‬وهذا‬
‫الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه‪ :‬أنهم‬
‫تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر‪ ،‬حتى أن بعضهم ظن‬
‫طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك»‪ .‬وحكى أبو جعفر بن‬
‫جرير في تفسيره‪ ،‬عن بعضهم‪ :‬أنه إنما يجب اإلمساك‬
‫من طلوع الشمس كما يجوز اإلفطار بغروبها‪ .‬قلت‪:‬‬
‫«وهذا القول ما أظن أحدا من أهل العلم يستقر له قدم‬
‫عليه‪ ،‬لمخالفته نص القرآن في قوله‪« :‬وكلوا واشربوا‬
‫حتى يتبين لكم الخيط األبيض من الخيط األسود من‬
‫الليل»»[‪]19‬‬ ‫الفجر ثم أتموا الصيام إلى‬

‫تعجيل اإلفطار‬
‫تمر لإلفطار‬

‫من مستحبات الصوم تعجيل الفطر عند بداية دخول‬


‫وقت صالة المغرب‪ ،‬أي‪ :‬أنه يستحب للصائم المبادرة‬
‫باإلفطار في أول الوقت وال يؤخره‪ ،‬ويدل عليه من‬

‫السنة حديث‪« :‬عن سهل بن سعد أن رسول اهلل ﷺ‬


‫قال‪« :‬ال يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر»»‪ ]20[.‬قال‬
‫ابن حجر‪ :‬قال ابن عبد البر‪ :‬أحاديث تعجيل اإلفطار‬
‫وتأخير السحور صحاح متواترة‪ .‬وعند عبد الرزاق‬
‫وغيره بإسناد صحيح عن عمرو بن ميمون األودي قال‪:‬‬

‫"كان أصحاب محمد ﷺ أسرع الناس إفطارا وأبطأهم‬


‫سحورا"»‪ ]21[.‬ويكون ذلك بغروب الشمس‪ ،‬ومن كان‬
‫وراء أبنية الجبال ولم يشاهد الغروب؛ فيدخل الوقت‬
‫بغروب شمس أقرب األمكنة إليه ويكون بإقبال ظلمة‬
‫الليل وذهاب ضوء النهار‪،‬‬
‫عن «عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه رضي اهلل‬

‫عنه قال قال رسول اهلل ﷺ‪" :‬إذا أقبل الليل من‬
‫ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد‬
‫الفطر‪]22[.‬‬ ‫أفطر الصائم"»‪ .‬أي‪ :‬دخل وقت‬

‫«عبد اهلل بن أبي أوفى رضي اهلل عنه قال سرنا‬

‫مع رسول اهلل ﷺ وهو صائم فلما غربت الشمس‬


‫قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول اهلل لو أمسيت‬
‫قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول اهلل إن عليك‬
‫نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح ثم قال إذا‬
‫رأيتم الليل أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم‬
‫المشرق»‪]23[.‬‬ ‫وأشار بإصبعه قبل‬
‫يدخل وقت صالة المغرب بغروب الشمس؛ لحديث‪:‬‬

‫«عن سلمة بن األكوع‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ كان يصلي‬


‫المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب»‪ ]2 °[.‬وقد‬
‫اتفق العلماء على أن أول وقت صالة المغرب‪ :‬غروب‬
‫الشمس‪ ،‬ووقع الخالف في العالمة التي يعرف بها‬
‫الغروب‪]3 °[.‬‬

‫ويستحب تعجيل صالة المغرب ألول وقتها؛ لحديث‪:‬‬

‫«وعن عقبة بن عامر أن النبي ﷺ قال‪" :‬ال تزال أمتي‬


‫بخير‪ ،‬أو‪ :‬على الفطرة‪ ،‬ما لم يؤخروا المغرب حتى‬
‫تشتبك النجوم"»‪ ]24[.‬وعند ابن ماجه والحاكم وابن‬
‫خزيمة في صحيحه بلفظ‪« :‬ال تزال أمتي على الفطرة‬
‫ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم»‪ .‬قال‬
‫الشوكاني‪« :‬والحديث يدل على استحباب المبادرة‬
‫بصالة المغرب وكراهة تأخيرها إلى اشتباك النجوم‪.‬‬
‫وقد عكست الروافض القضية فجعلت تأخير صالة‬
‫المغرب إلى اشتباك النجوم‪ ،‬مستحبا والحديث يرده»‪.‬‬
‫وقال أيضا‪« :‬قال النووي في شرح مسلم‪ :‬إن‬
‫تعجيل المغرب عقيب غروب الشمس مجمع عليه‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقد حكي عن الشيعة فيه شيء ال التفات‬
‫إليه وال أصل له‪ ،‬وأما األحاديث الواردة في تأخير‬
‫المغرب إلى قرب سقوط الشفق فكانت لبيان جواز‬
‫التأخير‪ ،‬وقد سبق إيضاح ذلك؛ ألنها كانت جوابا‬
‫للسائل عن الوقت‪ ،‬وأحاديث التعجيل المذكورة‬
‫في هذا الباب وغيره إخبار عن عادة رسول اهلل‬

‫ﷺ المتكررة التي واظب عليها إال لعذر فاالعتماد‬


‫عليها»‪]25[.‬‬
‫انظر أيضا‬
‫الصوم في اإلسالم‬
‫صوم شهر رمضان‬

‫مالحظات‬
‫‪5 .1‬‬
‫‪ .2‬رواه الجماعة إال النسائي‪ .‬قال الشوكاني‪:‬‬
‫«والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل‬
‫عند غروب الشمس‪ ،‬وهو مجمع عليه‪ ،‬وأن‬
‫المسارعة بالصالة في أول وقتها مشروعة»‪.‬‬
‫‪ .3‬ذكر الشوكاني أن وقت صالة المغرب يدخل‬
‫بغروب الشمس باإلجماع‪ ،‬وإنما وقع الخالف في‬
‫العالمة الدالة على ذلك على ثالثة أقول فقيل‪:‬‬
‫بسقوط قرص الشمس بكماله‪ ،‬وهذا إنما يتم في‬
‫الصحراء‪ ،‬وأما في العمران فال‪ .‬وقيل‪ :‬برؤية‬
‫الكوكب الليلي‪ ،‬وبه قالت القاسمية‪ ،‬واحتجوا‬
‫بقوله‪" :‬حتى يطلع الشاهد" النجم‪ .‬أخرجه مسلم‬
‫والنسائي من حديث أبي بصرة‪ .‬وقيل‪ :‬بل‬
‫باإلظالم‪ ،‬وإليه ذهب زيد بن علي وأبو حنيفة‬
‫والشافعي وأحمد بن عيسى وعبد اهلل بن موسى‬
‫واإلمام يحيى‪ .‬واستدلوا بحديث‪« :‬إذا أقبل الليل‬
‫من ههنا وأدبر النهار من ههنا فقد أفطر الصائم»‪.‬‬
‫متفق عليه من حديث ابن عمر وعبد اهلل بن أبي‬
‫أوفى‪ .‬ولما في حديث جبريل من رواية ابن‬
‫عباس بلفظ‪« :‬فصلى بي حين وجبت الشمس‬
‫وأفطر الصائم»‪ .‬ولحديث الباب وغير ذلك‪.‬‬
‫وأجاب صاحب البحر عن هذه األدلة بأنها مطلقة‪،‬‬
‫وحديث "حتى يطلع الشاهد" مقيد‪ ،‬ورد بأنه‬
‫ليس من المطلق والمقيد أن يكون طلوع الشاهد‬
‫أحد أمارات غروب الشمس‪ ،‬على أنه قد قيل‪ :‬إن‬
‫قوله والشاهد النجم مدرج فإن صح ذلك لم يبعد‬
‫أن يكون المراد بالشاهد ظلمة الليل ويؤيد ذلك‬
‫حديث السائب بن يزيد عند أحمد والطبراني‬
‫مرفوعا بلفظ‪« :‬ال تزال أمتي على الفطرة ما‬
‫صلوا المغرب قبل طلوع النجم»‪ .‬وحديث أبي‬
‫أيوب مرفوعا‪« :‬بادروا بصالة المغرب قبل طلوع‬
‫النجم»‪ .‬وحديث أنس ورافع بن خديج قال‪« :‬كنا‬

‫نصلي مع النبي ﷺ ثم نرمي فيرى أحدنا موقع‬


‫نبله»‪.‬انتهى ملخصا من نيل األوطار للشوكاني‪،‬‬
‫الجزء الثاني‪ ،‬كتاب الصالة‪ :‬أبواب المواقيت‪ :‬باب‬
‫وقت صالة المغرب‪ ،‬صفحة رقم‪.)6( :‬‬

‫المراجع‬
‫‪ .1‬موفق الدين عبد اهلل بن أحمد بن قدامة‪ .‬المغني البن‬
‫قدامة‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬مبطالت الصيام‪،‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو‬
‫مجوف في جسده (ط‪ .‬األولى)‪ .‬دار إحياء التراث‬
‫ص (‪)2020‬‬ ‫العرب‬
‫بوابة الفقه اإلسالمي‬
‫بوابة اإلسالم‬
‫بوابة محمد‬
‫بوابة رمضان‬
‫بوابة علوم إسالمية‬
‫بوابة القرآن‬
‫بوابة الحديث النبوي‬

‫مجلوبة من «?‪https://ar.wikipedia.org/w/index.php‬‬
‫‪&oldid=60231842‬أحكام_الصوم=‪»title‬‬
‫آخر تعديل لهذه الصفحة كان يوم ‪ 20‬ديسمبر ‪ ،2022‬الساعة‬
‫‪• .04:52‬‬
‫المحتوى متاح وفق ‪ CC BY-SA 3.0‬إن لم يرد خالف ذلك‪.‬‬

You might also like