Professional Documents
Culture Documents
التحليل التوافيقي والميتافيزيقا
التحليل التوافيقي والميتافيزيقا
ابن سينا والطوسي والحلبي
رشدي راشد
نُ ِشر هذا المقال في كتاب" :تاريخ العلوم العر ّبية – التفاعل العلمي بين الثقافات"،
إعداد وترجمة فريق الدراسة والبحث في التراث العلمي العربي الملحق بالمجلس
اللبنانية لألونيسكو ،باالشتراك
ّ الوطنية
ّ العلمية .منشورات اللجنة
ّ الوطني للبحوث
اللبنانية لتاريخ العلوم العر ّبية ،بيروت.7002 ،
ّ الجمعية
ّ مع األلسكو و
مصنقم مصن ف صل "الرياضصيات :ابصن سصينا والطوسصي والحلبصي" ،وقصد هرصر ترجمة بدوي مبسوط ،وهذه المقالة هي نص
هذا الف ل في كتاب:
R. Rashed et J. Biard (éds), Les Doctrines de la science de l’antiquité à l’âge classique,
Leuven, éd. Peeters, 1999, pp. 61-86.
مؤسصصس مركصط تصاريخ العلصصوم والفلسصفات العر ّبيصصة
مصدير ببحصاث فصصي المركصط الصوطني للبحصصث العلمصي فصصي فرنسصا ،بصاريسّ .
0
التحليل التوافيقي والميتافيزيقا:
ابن سينا والطوسي والحلبي
رشدي راشد
I
شردت الصمراكط الصمدنية اإلسالمية على مدى سبعة قرون ببحاثا متقدمة في
الرياضيات باللغة العربية .ولنا بن نتساءل :هل استوحى الفالسفة من هذه البحوث
اضيع لدراساترم؟ وهل دفعترم هذه البحوث إلى انتقاء نماذج رياضية لبناء بنهمترممو َ
الفلسفية؟ بم ّبنرم لم يتجاوطوا حدود ما درج المؤرخون على تسميته بص"الفلسفة العربية"؟
بي تلك التي ال ترتم إال بمذهب الوجود ومذهب النفس دون المباالة بالمعارف األخرى
بي حتمية إال تلك النابعة من الدين ،بي تلك الفلسفة التي هي باخت ار
ودون اعتبار ّ
إرث قديم في ثوب إسالمي.
هذه المسألة ال بد وبن ترم مؤرخي الفلسفة كما يجب بن ترم مؤرخي العلوم.
بن الفالسفة هلوا غير مبالين لهرور الفروع العديدة والنتائج
فكيف يمكن بن نتخيل ّ
الكثيرة في الرياضيات ومنرا الجبر والرندسة والرندسة الجبرية والتحليل الديوفنطي
ونهرية المتواطيات والطرائق اإلسقاطية ...بلخ؟ بل من ال عب بن يت ور المرء بن
ال ت در عنرم بية ردة فعل بينما كانت تهرر بمام بعينرم المسائل المعرفية
(االبيستيمولوجية) الجديدة المطروحة من قبل الرياضيات حديثة العرد .إحدى هذه
المسائل هي قابلية الرياضيات للتطبيق :فقد تطايدت في تلك الحقبة بشكل غير مسبوق
تطبيقات فروع الرياضيات بعضرا على البعض اآلخر .كما تَ ّبينت ،بشكل لم يحدث
مصنقم مصن ف صل "الرياضصيات :ابصن سصينا والطوسصي والحلبصي" ،وقصد هرصر ترجمة بدوي مبسوط ،وهذه المقالة هي نص
هذا الف ل في كتاب:
R. Rashed et J. Biard (éds), Les Doctrines de la science de l’antiquité à l’âge classique,
Leuven, éd. Peeters, 1999, pp. 61-86.
مؤسصصس مركصط تصاريخ العلصصوم والفلسصفات العر ّبيصصة
مصدير ببحصاث فصصي المركصط الصوطني للبحصصث العلمصي فصصي فرنسصا ،بصاريسّ .
1
من قبل ،ضرورة تطبيق الرياضيات على الفيطياء كشرط للبرهنة على النهريات
الفيطيائية (ابن الريثم) .وكذلك نضجت فكرة استنباط فرع جديد قادر على التعبير عن
نتائج الرندسة المترية والموضعية على السواء ،بي ما يشبه فرع الطوبولوجيا.
ولم تكن المكتسبات المعرفية هي وحدها التي طرحرا التطور الرياضي آنذاك.
سيما
وا ّن ما يثير الدهشة هو بن تغيب هذه المسصائل عن ذهن فالسفة تلك الحقبة ،ال ّ
بن بعضرم كان رياضيًا وغالبيترم كانت على معرفة بالعلوم الرياضية.
وّ
ليس هناك ,بال شك ،ضرورةٌ لكي تكون لفرع ما ،بو لنشاط علمي ،الفلسفةُ التي
يستحقرا وال ضرورة ألن يكون للفيلسوف دور ما في تطور الرياضيات والعلوم .وهذا
يعني بن ليس هناك بي تحديد مسبق للعالقات بين الرياضيات وبين الفلسفة النهرية.
رياضيي تلك الحقبة وهذا ما يعطينا سبباً إضافياً إلثارة المسألة وللرجوع إلى ن و
بن هناك نتيج ًة ًً قد انترينا
وفالسفترا ،بغية كشف حقيقة تلك العالقات .ويبدو لي ّ
غنى غير ملحوه إليرا :فبعد بن قمت برذه المرمة مرة بعد مرة ،بعتقد بنني قد بهررت ً
لفلسفة الرياضيات في التراث الفلسفي اإلسالمي الكالسيكي ،وذلك لدى الرياضيين مثل
السجطي وابن سنان وابن الريثم ...إلخ ،..ولدى الفالسفة مثل الكندي والفارابي وابن
سينا...
ولنتوقف هرنا عند عالقات من نوع آخر بين الرياضيات والفلسفة في الع ر
اإلسالمي الكالسيكي ،وهي الروابط التي تنشأ عندما يستعير الفيلسوف من الرياضيات
بداة بغية حل مسألة منطقية-ميتافيطيقية .والحالة التي تثيصر بالتحديد اهتمامنا هنا ،لرا
بن استعارة األداة الرياضية قد عادت بالمنفعة على تطور ميدان
سمة خا ة وهي ّ
إن بفضل مثل يُوضِّم هذه الحركة
الرياضيات الذي استعيرت منه تلك األداةّ .
المطدوجة هو التبادل الذي ح ل بين التحليل والميتافيطيقا .فلقد سبق البن سينا بن
اغ مذهب الفيض انطالقا من الواحد مرتك اط في ذلك على مفاهيمه الخا ة بنهرية
الوجود ،بي األنطولوجيا ،وبعلم نشأة الكون .ولقد فطن ن ير الدين الطوسي إلى
إمكانية إغناء مذهب ابن سينا هذا ببنية توافيقية مقتبسة حينئذ من الجبريين؛ وذلك
وجب
ألجل اشتقاق الكثرة من الواحد .ولكن ،لكي ت بم عملية الطوسي ممكنة ،تَ ّ
7
لتكون مادة
تفسير قواعد الجبرية بطريقة توافيقية .وقد ش ّكل هذا التفسير منطلقا ّ
التحليل التوافيقي التي استخدمرا الرياضيون الذين بتوا بعد الطوسي ،ومنرم عماد الدين
الفارسي وابن البناء .ولقد حاول الحلبي ،وهو فيلسوف هرر في حقبة متأخرة ,تنهيم
مكرسًا بذلك استقالليترا.
عنا ر هذه المادة الجديدة وبعطاها تسمية خا ة ِّ
يجدر بنا قبل البدء بدراسة هذه الحركة بن نميطها عن مسار آخر مثل مسار
ريموند لول ( )Raymond Lulleالذي قام وفقا لقواعد آلية بربط المفاهيم بعضرا
بن نتائج ذلك الربط هي ترتيبات وتوافيقات ،ولكن ببعض .وقد تََبّين في وقت الحق ّ
بن لنرجه عالقة بالرياضيات .بما
لول لم يقتبس شيئا عن الرياضيين ولم َيعتبر ببداً ّ
ما قام به الطوسي فرو ،على عكس ذلك تماما ،بي ّبنه بقرب كثي ار إلى منرج ليبنتط
( )Leibnizرغم التفاوت بين مشروعي الرجلين ،فاألول قد براد بن يح ّل رياضيا مسألة
فيض الكثرة انطالقا من الواحد ،وهذا ما مكنه بن يضفي على مذهب ابن سينا في
بن الثاني قد رمى إلى بن يبني على تحليل التوافيقالخلق بنيةً توافيقيةً ،في حين ّ
ناعة لتسريل استخراج المعاني الرياضية بو لتسريل االكتشاف.
II
تمثل نهرية فيض العقول واألفالك السماوية وكذلك فيض العوالم األخرى ،بي
عالم الطبيعة وعالم األشياء الجسمانية ،انطالقًا من الواحد ،بحد المذاهب األساسية في
ميتافيطيقا ابن سينا .ويطرح المذهب المذكور مسأل ًة بنطولوجية ومعرفية في ٍ
آن واحد:
سيما و ّبنرا ستتعقد
كيف تستطيع كثرةٌ بن تفيض انطالقاً من كائن بوحد وبسيط ،ال ّ
إن
لتشمل في نراية األمر مادة األشياء إضافة إلى بشكال األجسام والنفوس البشرية؟ ّ
هذه الثنائية األنطولوجية-المعرفية تقف عقبة بمام هذه المسألة المطروحة؛ فرناك
عوبة منطقية وميتافيطيقية يجب تخطيرا .ومن هنا يتبين لنا ,ولو جطئيا ،سبب رجوع
ابن سينا ودون كلل في كتاباته المتعددة إلى هذا المذهب ،وبشكل ضمني إلى هذه
المسألة بالذات.
وقد تُهرر لنا دراسة التطور التاريخي لفكر ابن سينا ،في كتاباته المختلفة حول
عدل ياغته األولية تبعاً لرذه ال عوبة آنفة الذكر .فإذا رجعناهذه المسألة ،كيف ّ
3
كتاب ّي ابن سينا "الشفاء" و"اإلشارات والتنبيرات" ،نجده يعرض مبادئ هذا
فقط إلى َ
المذهب إضافة إلى قواعد فيض الكثرة انطالقاً من وحدة بسيطة .يت ف هذا العرض
بن ابن سينا ،في
بالترابط واالنتهام ،لكنه ال يرقى إلى مستوى البرهان الدقيق .وذلك ّ
يقدم قواعد التركيب المنطقي المالئمة للداللة على الفيض .وهنا بالضبط
الواقع ،ال ّ
تكمن ال عوبة في حل مسألة اشتقاق الكثرة انطالقاً من الواحد .ولكن قضية اإلشتقاق
ودرست منذ طمن كمشكلة بحاجة إلى حل .لم يدرك ن ير الدين هررت ُ
هذه كانت قد َ
الطوسي ( ،)1723-1701الرياضي والفيلسوف وشارح ابن سينا ،هذه المشكلة فقط،
بل براد تقديم قواعد التركيب المنطقي التي كانت تفتقر إليرا هذه المسألة .فقد بدخل
الطوسي ،في شرحه لكتاب "اإلشارات والتنبيرات" ،لغة وطرائق التوافيق لمتابعة الفيض
حتى المرتبة الثالثة من الموجودات .ويتوقف الطوسي ،عند هذا الحد ،عن تطبيق هذه
الطرائق مستنتجًا ما يلي" :واذا تجاوطنا هذه الرتب الثالث يمكن وجود كثرة ال ُيح ى
عددها( .")1تبدو إذن نية الطوسي واضحة ،فالطريقة المطبقة على المرتبات الثالث
بأن الطوسي يدرك تماما ضرورة تقديم البرهان واألدوات
األول ال تترك بي مجال للشك ّ
َ
التي كان ابن سينا بحاجة إليرا .ولكن الطوسي في هذه المرحلة كان لم يطل بعيداً عن
بن تطبيق التوافيق على عدد من األشياء فحسب ال يسمم بإدخال لغةالردف؛ إذ ّ
بن الطوسي جرُد إلدخال ودراسة هذه اللغة في رسالة
تركيبية مع قواعدها .والحال ّ
()7
دور األشياء الغير المتناهية عن المبدب تحت عنوان" :في بيان كيفية مستقلّة
األول الواحد".
والطوسي ،في هذا البحث ،يستخدم التحليل التوافيقي بشكل عام في دراسته.
ولقد انتشر هذا الن مع النتائج التي تضمنرا من بعد الطوسي ،إذ ُعثر عليه في
فإن حل الطوسي ال يتميط فقط
مكرس بكامله للتحليل التوافيقي .وهكذا ّ
مؤلف الحق ّ
()1
.712-712 نشرة دنيا ،القاهرة ،1721 ،مجلد ،III
()7
. در في "انتشارات دانشكا طرران" ،772 ف ي البداية حقق البحث محمد دنش باجوه وقد
المح ل" مع ببحاث بخرى للطوسي ،طرران، ،70-13وحققه بعد ذلك عبد اهلل نوراني وب دره بعد نشره لص "تلخي
في .919-907 .وهذان اإل داران بتيا بعد مخطوطة دانشكا .17/1027وقد حققنا هذا الن ،1720
.22-22 ""Combinatoire et métaphysique
4
في البحث في الفلسفة ،بل يمثل كذلك إسرامًا مرمًا في تاريخ بأسلوب خا
الرياضيات نفسرا.
بد لنا من العودة إلى ابن سينا للتذكير بعنا ر
ولكي نقدر هذا اإلسرام ،ال ّ
مذهبه الضرورية لعرضنا وال بد بيضًا من ٍ
فرم ،ولو كان بسيطًا ،للمبدب ال وري الذي
فسم له المجال ،في عرضه التركيبي والمنرجي ،إلدخال قواعد التحليل التوافقي .فقد
سمم هذا المبدب البن سينا ببناء عرضه بطريقة استنباطية .فكان عليه بن يراعي وحدة
واجب الوجود من جرة ،وبن يضمن من جرة بخرى اختالفاً غير قابل لالختطال بين
المبدب األول ومخلوقاته .ولقد بعد ابن سينا لواجب الوجود مفروماً عاماً " ،ورياً" نوعاً
ما :فواجب الوجود باعتباره كائناً ال يجوط بن يكون موضوعاً ألي تحديد ،بما فيه
تحديد الجرات (نسبة الموضوع إلى المحمول من حيث الضرورة بو اإلمكان بو
ال" لكل ما هو ،ويمكن إدراكه
فإنه ليس إال كائناً .واّنه ليس جنسًا ،بل "حا ً
االمتناع) ّ
تضاده مع العدم دون بن يكون العدم متقدماً عليه في الطمن؛ ويكون هذاّ فقط عبر
بن المبدب األول
التضاد على المستوى العقلي فقط .ويضاف إلى ذلك ،من جرة بخرىّ ،
ّ
()3
فإنه يمثّل الوجود الضروري الوحيد،
هو وحده الذي يستقي وجوده من نفسه .وبذلك ّ
وتكون هذه هي الحالة الوحيدة التي يتطابق فيرا الوجود مع الذات .بما الموجودات
األخرى فكلرا تستقي وجودها من المبدب األول بواسطة الفيض .تُ ِّ
قدم هذه األنطولوجيا،
مع مذهب نشأة الكون الذي يالطمرا ،وجرات النهر الثالث التالية عن الكائن :بوالً
()4
عن المبدب األول ،وثالثا ب فته وجودا لماهيته. ب فته وجودًا وثانيا ب فته فيضًا
( )3يميط ابن سينا بين الوجود والذات بالنسبة إلى جميع الكائنات .حول هذه النقطة ،بنهر:
;A.M. Goichon, "La distinction entre existence et essence", Paris, 1957 et M.E. Marmura
«Quiddity and Universilaty in Avicenna» dans P. Morewedge (ed), Neoplatonism and
Islamic Thought, State University of New York Press, Albany, 1992, pp. 77-87.
بنهر بيضاً:
Djémil Saliba, Sur la métaphysique d’Avicenne, Pau, 1926; G. Verbeke, "le statut de la
métaphysique"; introduction à Avicenna Latinus, Liber de Philosaphia Prima, S.Van Riet,
Louvain-Leiden, 1977.
( )4حول مذهب الفيض ،راجع:
L. Gardet "En l’honneur du millénaire d’Avicenne", Revue thomiste, LIXe année, t. LI,
no 2, (1951), pp. 333-345; N. Hee, "al-Râzi and al-Tûsi on Ibn Sina theory
9
إن ضرورة وجود هذا الكائن تفرض نفسرا من وجرتي النهر األولى والثانية ،في حين
(ّ
بن حدوثه يهرر من وجرة النهر الثالثة) .فلنستعرض باقتضاب المفاهيم التي يبنيّ
عليرا ابن سينا م ادراته:
-1يوجد مبدب بول ،وهو واجب الوجود ضروري بذاته ،واحد ،غير قابل لالنقسام بأي
ٍ
بجسم ،وال في جسم. وجه من الوجوه ،وهو ليس
-2يفيض كل الوجود من المبدب األول.
-3ال يح ل الفيض "على سبيل الق د" وال للو ول إلى غاية ،بل بضرورة من
المبدب األول ،بي بتعقله لنفسه.
-4من الواحد ال يفيض إال الواحد.
تدرج في الفيض ،من الموجودات التي هي "بكمل وجوداً" إلى تلك التي هي
-5هناك ّ
"بخس وجودًا".
تناقضات بين بعض هذه الم ادرات ،على سبيل المثال بين الثانية
ٌ قد تُرى
بأن بعضرا قد يقود إلى نتائج متناقضة .وبغية تالفي هذا
والرابعة ،بو قد يشك المرء ّ
االنطباع األول ،يعمد ابن سينا إلى إدخال تحديدات إضافية خالل استنباطه .وهكذا
بن كل الوجود ،إضافة إلى
ينتج ،من الم ادرات األولى والثانية والرابعة والخامسةّ ،
مطودة بعالقة ترتيب منطقية ومعيارية في ٍ
آن واحد ،وهي المبدب األول ،يشكل مجموعة ّ
عالقة المتقدم-المتأخر ،وذلك مراعاة للعالقة بين بقدمية الوجود وكماله .وبالفعل ،إذا
فإن كل كائن ال يمكن بن يكون له إال متقدم واحد عليه (إضافة
استثنينا المبدب األولّ ،
إن كل كائن ،بما فيه
إلى المتقدم على المتقدم عليه وهكذا دواليك) .من جرة بخرى ّ
2
المبدب األول ،ال يمكن بن يكون له إال متأخر واحد عنه (على التوالي متأخر عنه،
بن نهام الترتيب
بن الفيلسوف وشارحه كانا يعلمان ّ
متأخر عن المتأخر عنه .)...إال ّ
هذا ،إذا بُخذ كما هو عليه ،سيمنع وجود موجودات متعددة ،بي سيمنع تواجدها معاً
بشكل مستقل دون بن تكون لبعض هذه الموجودات بسبقية منطقية على موجودات
بخرى بو دون بن يكون بعضرا بكثر كماالً من بعضرا اآلخر .وهذا ما يجعل هذا
الترتيب مغلوطًا بشكل واضم ،كما يقول الطوسي( .)9فال بد والحالة هذه من إدخال
تحديدات إضافية وموجودات متوسطة بيضاً.
بن الم ادرتين األولى والثانية تمنعان بدورهما نشوء الكثرة من
والحال هو ّ
ألنه إذا افترضنا فيه نطوعات َوجرات ،فرذا
"نطوعات" ومن "جرات" المبدب األولّ ،
يعني إنكار وحدانيته وبساطته .وبخي اًر ،ينتج عن الم ادرات الثالثة والرابعة والخامسة
ألن فاعله
بن الفيضَ ،كفعل للمبدب األول ،ال يمكن بن يكون على ورة فعل بشريّ ،
ّ
ال يعرف ال الق د وال الغاية .فعلى كل الت اريف ،من الواضم ضرورة إدخال
موجودات "متوسطة" ،متدرجة بدون شك ،على بن تُعبِّر عن ثنائية الكثرة-التعقيد.
لنبدب كما ينبغي مع المبدب األول ولنشر إليه كما فعل ابن سينا في رسالته "النيروطية"
فإنه
بالحرف األول من األبجدية .aيتعقل المبدب األول نفسه بالذات وفي تعقله لنفسهّ ،
يتعقل كل الوجود ألنه المبدب الخا ( )2لكل الوجود ،دون بن يكون فيه حائل بمام
إن المبدب األول هو
فيض هذا الكل بو رفض من هذا الكل .وبرذا المعنى فقط ،يُقال ّ
"فاعل" لكل الوجود.
فإذا تم القبول برذه الفرضية ،سيبقى علينا بن نفسر كيفية ح ول هذا الفيض
الضروري لكل الوجود ،دون االضطرار إلى طيادة بي شيء قد يناقض وحدانية المبدب
األول .فوفق الم ادرات األولى والرابعة والخامسة يفيض كائن واحد من المبدب األول،
()9
فحة .712 كتاب الطوسي "اإلشارات والتنبيرات"،
()2
اإللري صات" ,نش صرة م .ي .موسصصى ,س .دنيصصا و س .اطيصصد ,محققصصة ومقدمصصة مصصن إ .مصصدكور ,القصصاهرة,
ّ ابصصن سصصينا "الشصصفاء,
.12 . فحة ،407ومجلّد ،1 ،1720مجلد ،7
2
وهو بالضرورة من الدرجة الثانية في الوجود والكمال .وبما ّبنه يفيض من كائن بوحد
آن واحد حقيقة محضة ،قوة محضة ،طيبة محضة ،... ،دون محض وبسيط ،وهو في ٍ
فة من هذه ال فات موجودة فيه بشكل مستقل ,وذلك بغية ضمان بن تكون بية
إن هذا
ال محضًاّ .
فإن هذا الكائن الالحق ال يمكن بن يكون إال عق ً
وحدة المبدب األولّ ،
التضمين متوافق مع الم ادرة ال اربعة ،فلو لم يكن هذا العقل محضًا ،لوجب علينا بن
بن من الواحد يفيض بكثر من واحد .ويتعلق األمر هنا بالعقل األول المنف ل، نستدل ّ
بي "بالمعلول" األول للمبدب األول .ولنشر إليه كما فعل ابن سينا بالحرف .b
إن هذا العقل بذاته هو
كل شيء اآلن جاهط لتفسير الثنائية الكثرة-التعقيدّ .
ألنه تعقل منه.
معلول ،فرو إذاً حادث .لكنه ضروري ،ب فته فيضاً من المبدب األول ،و ّ
وتتطابق على هذه الثنائية األنطولوجية كثرةٌ معرفية؛ فرذا العقل المحض يعقل نفسه
بن ذاته تختلف عن ذات المبدب األول الذي
ويعقل وجوده الخا كوجود حادث ،بي ّ
هو ضروري؛ لكنه من جرة بخرى يعقل المبدب األول بو فه واجب الوجود؛ وبخيرا،
فإنه يعقل ضرورة وجوده الخا كفيض من المبدب األول .ما ذكرتُه اآلن هو شرح لماّ
()2
بن
يرد مسبقاً على بي ناقد محتمل مبيناً ّكتبه ابن سينا نفسه في "الشفاء" .وهو ّ
ورثية :فالعقل المحض ال يح ل
فة ا م التعبير، فة الكثرة–التعقيد ليست ،إذا
إن حدوث وجوده يعود إلى ذاته الخا ة،
الّ ،
عليرا من المبدب األول ،وذلك لسببين .بو ً
فإن ما له من
وليس إلى المبدب األول الذي بعطاه وجوب وجوده .من جرة بخرىّ ،
تعقل لنفسه ،وكذلك من معرفة بالمبدب األول ،هو كثرة تنتج عن ضرورة وجوده انطالقاً
يرد االترام القائل بنسبة
من المبدب األول .وهكذا يستطيع ابن سينا ،في هذه الحالة ،بن ّ
هذه الكثرة إلى المبدب األول.
ي ف ابن سينا بعد ذلك كيف تفيض ،انطالقاً من هذا العقل المحض ،العقو ُل
بنفس تسمم لرذه العقول بالفعل .فمن العقل ك السماوية و ٌاألخرى المنف لة واألفال ُ
المحض bيفيض ،بواسطة تعقله لص ,aعقل ٍ
ثانُ ،لنشر إليه بالحرف c؛ وبواسطة تعقله
()2
.402-409 . المرجع المذكور،
2
لذاته ،تفيض نفس الفلك السماوي التاسع؛ وبواسطة تعقله لوجوده ب فته وجوداً حادثا،
يفيض جسم هذا الفلك التاسعُ .لنشر إلى نفس هذا الفلك وجسمه بالحرف .d
وهكذا يتابع ابن سينا و ف فيض عقول ،وبفالك سماوية ذات بنفس ،وبجسامرا
الخا ة برا .وتفيض من اآلن ف اعدًا من كل عقل ،مادة األشياء األرضية وبشكال
بن شرح ابن سينا ،وان كانت له ميطة عدم ف ل مسألةاألجسام واألنفس البشرية .غير ّ
فإنه
الكثرة انطالقاً من الواحد عن مسألة التعقيد ،بي عن المحتوى األنطولوجي للكثرةّ ،
بن ابن سينا ال يقدم بية قاعدة
رغم ذلك ال يسمم بمعرفة دقيقة لمسألة الكثرة طالما ّ
عامة .فكل ما يقوم به هو تتبع العنا ر و والً إلى العقل الفاعل.
هنا بالتحديد يتدخل الطوسي الذي سيبرهن ّبنه ،بالفعل وانطالقاً من المبدب
بن
األول ،تفيض كثرة وفق قواعد ابن سينا وعبر عدد مخت ر من الوسائط ،بحيث ّ
بن هذا التقدم
كل معلول لن يكون له سوى علة واحدة موجودة بشكل مستقل .وسنرى ّ
األكيد في معرفة الكثرة سيجري على حساب المحتوى الفلسفي األنطولوجي وسيؤدي
إلى إضعافه؛ ففي الواقع لن يبقى تقريبا من الثنائي الرياضي-الفلسفي ،بي الكثرة–
التعقيد ،سوى الكثرة.
ترمي فكرة الطوسي إلى إخضاع هذه المسألة لدراسة توافيقية .لكن ،ولكي يكون
بن متغير "الطمن" قد تم تحييده ،وهذا يُعبَّر عنه في
اإلدخال ممكنًا ،ينبغي التثبت من ّ
حالة مذهب الفيض إما باستبعاد الحدوث ،واما على األقل بتأويله تأويال منطقيا
بن
محضا .وكان ابن سينا نفسه ،كما ربينا ،قد وضع هذا الشرط .وقد الحهنا بحق ّ
()2
بن مفروما التقدم والتأخر ينبغي بن ُيفرما كأمرين ذاتيين
الفيض ال يتم في الطمن و ّ
()2
إن العمليصصة التصصي ي صصفرا ابصصن سصصينا ال تح صصل فصصيبنهصصر Hasnawi :و"فصصيض" و ،Gardetالصصذي يكتصصب مصصا يلصصيّ " :
بن بقدميصصة المبصصدب األول بالنسصصبة إلصصى العقصصول ،وبشصصكل بعصصم بالنسصصبة إلصصى الكصصل ،هصصي بقدميصصة ذاتيصصة وليسصصت
الصصطمن .ذلصصك ّ
طمنية" .الشفاء ،مجلد ،7 ، VIفحة .722حول هذه المسائل ،راجع بيضاً:
H.A. Davidson, Proofs for Eternity Creation and the Existence of God in Medieval Islamic
and Jewish Philosophy, New York / Oxford, 1987; Th.-A. Druart, "Al-Farabi and
Emanationism", dans J.F.Wippell (ed.), Studies in Medieval Philosophy; Washington, The
Catholic University of America Press, 1987, pp. 23-43 et P. Morewedge "The Logic of
Emanationism and Sufism in the Philosophy of Ibn Sina (Avicenna); Part II", Journal of
the American Oriental Society 92 (1972), pp. 1-18.
7
دون تأويل طمني .إ ّن هذه النهرة األساسية على ما نهن في نهام ابن سينا ،ترجع إلى
ت وره الخا للمفاهيم الثالثة :الضروري والممكن والمحال .نذ ّكر ،وبكلمة مخت رة،
()7
يعود إلى هذه المسألة القديمة ليرفض منذ البداية كل
بن ابن سينا في كتاب "الشفاء"
ّ
المذاهب القديمة التي تدور في حلقة مفرغة حسب ربيه :فري تستند ،عند تعريفرا لكل
من هذه الم طلحات الثالث ،على احد االثنين الباقيين .وهكذا فكر ابن سينا بكسر
هذه الحلقة ،قا ًار تعريف كل من الم طلحات المذكورة على مفروم الوجود .فرو
عما يُعتبر ،كذلك بنفسه ،ذا وجود ممكن بو ذا
يميط ما يُعتبر بنفسه ذا وجود ضروري ّ
وجود غير ممكن .يعتبر ابن سينا بن الضرورة والحدوث مالطمان للكائنات نفسرا؛ بما
الكائن الممكن الوجود ،فإن وجوده وعدمه يتعلقان بعلة خارجية مستقلة عنه .ولذلك
فإن الحدوث ال يهرر كضرورة ساقطة بل كشكل آخر للوجود .وقد يحدث كذلك بن
يكون الكائن ذو الوجود الممكن ،مع بقائه وجودا ممكنًا بنفسه ،ذا وجود ضروري بفعل
وجود آخر .لن نتابع هنا التفا يل الدقيقة في عرض ابن سينا ،بل سنكتفي باإلشارة
للضروري والممكن ،يجعل ابن سينا ،انطالقاً ًً من هذا التعريف الخا بن
إلى ّ
الفيض ضمن طبيعة الموجوداتُ ،محيِّداً منذ البدء كما بشرنا سابقاً ،متغير عنا َر
الخلف.
ُثبت معهمرا بواسطة برهان ُ من هذه التعاريف قضايا ب َ "الطمن" .ويستخل
بن الضروري ال يمكنه إال بن يكون موجودًا ،وال يمكن بن يكون له بذاته
يبين ّ
وهو ّ
علّة ،وب ّن ضرورته تشمل كل ب َْو ُجره ،وهو واحد وال يمكنه بأي وجه من الوجوه تَقَبل
يتضاد في جميع هذه النقاط مع
ّ الكثرة ،وهو بسيط دون بي تركيب ...كما ّبنه
الممكن .وهكذا تكون بقدمية المبدب األول وعالقاته بالعقول مثبت ًة دائماً من خالل
تعريفي الضروري والممكن ومن خالل الجدلية القائمة بينرما.
ألن عنا ر الفيض الخا ة
وهكذا بمكن و ف الفيض دون استخدام الطمنّ ،
معطاة في إطار منطق الضروري والممكن .لسنا هنا ب دد دراسة عوائق نهرية
()7
راجع بالتحديد الكتاب ،3الف ل الرابع من المؤلّف " Syllogisme" ،مجلصد ،IVنشصرة سصعيد اطيصد ،تقصديم ومراجعصة
مدكور ،القاهرة.1724 ،
10
مؤمنة من
بن الشروط المالئمة إلدخال التوافيق قد ب بحت ّ
الفيض هذه ،ولكننا نعرف ّ
قبل ابن سينا نفسه.
بن bهو في بول مرتبة من المعلوالت. لقد قلنا إ ّن bيفيض من a؛ وهذا يعني ّ
ومن aو bمعًا يفيض cالعقل الثاني؛ من bلوحده يفيض dالفلك السماوي .لدينا إذًا
في المرتبة الثانية عن ران هما cو dوكل واحد منرما ليس بعلة لآلخر .لكن لدينا
بالمجموع حتى اآلن بربعة عنا ر هي :العلة األولى aوثالث معلوالت هي bو cو d
.يُطلق الطوسي على هذه العنا ر األربعة اسم المبادئ .لنجمع اآلن هذه العنا ر
األربعة كل اثنين منرا معاً ،ثم كل ثالثة معاً ،وبخي اًر األربعة سوياً .بذلك نح ل ،على
التوالي وتبعا لعدد العنا ر ،على ستة توافيق ثنائية -ab , ac , ad, bc, bd, cd-
وبربعة توافيق ثالثية , abc, abd, acd bcd,وعلى توافق رباعي واحد .abcdواذا
ش ّكلنا من هذه العنا ر األربعة توافيق آحادية ،يكون لدينا ما مجموعه 15عن ًار
ينتمي 12منرا إلى المرتبة الثالثة من المعلوالت ،دون بن يكون بعضرا موجودات
متوسطة تشتق منرا موجودات بخرى .هذا ما يعرضه الطوسي في شرحه لكتاب
"اإلشارات والتنبيرات" ،وكذلك في مؤلَّفه الذي بوردنا ذكره بعاله .لكن األمور ال تلبث
بن تتعقد فور تجاوطنا للمرتبة الثالثة؛ وهذا ما جعل الطوسي يدرج القضية التمريدية
التالية في مؤلَّفه:
n
n
k إن عدد التوافيق لعدد nمن العنا ر يساوي:
ّ
k 1
وهو يطابق .2n –1
n
]1 k n [ للتذكير:
!n
,
!) k k !(n k
ولحساب هذا العدد ،يستخدم الطوسي المساواة التالية :
n n
k nk
بن الطوسي ،يستنتج هذه
ويح ل في حالة n=12على 4095عن اًر .ونشير إلى ّ
األعداد ،بعد حساب عبارات المجموع من توافيق األحرف األبجدية.
11
يعود الطوسي بعد ذلك إلى حساب عدد عنا ر المرتبة الرابعة .فيأخذ المبادئ
األربعة مع موجودات الدرجة الثالثة والتي عددها اثنا عشر ،وبذلك يح ل على 16
عن اًر ،ومنرا يح ل على 65520معلولة .ولي ل إلى هذا العدد يستخدم الطوسي
عبارة معادلة لل يغة التالية:
m
m n
1 p 16, m = 4, n=12 مع k )*(
k 0 pk
m n
. الح َّديني التالي :
التي تعادل قيمترا المعامل َ
p
ال يشكل بي واحد من هذه العنا ر ،باستثناء العنا ر ،ab, b, aمتوسطاً
للعنا ر األخرى .وا ّن جواب الطوسي عام ،وال يغة (*) تعطي قاعدة تسمم بمعرفة
الكثرة في كل مرتبة.
بعد بن وضع هذه القواعد وبعطى مثال المرتبة الرابعة مع عنا رها البالغ
ب بم الطوسي بالتأكيد قاد اًر على اإلجابة على السؤال عددها 65520عن ًار،
"بإمكانية فيض كثرة ال يح ى عددها من المبدب األول ،بشرط بن ال يفيض الخا
من المبدب األول إال واحد وبن ال تكون المعلوالت متتابعة ،وهذا ما وجب بيانه".
لقد ش ّكل نجاح الطوسي في إدخال التحليل التوافيقي على بنطولوجيا ابن سينا
دافعاً لتطور مذهب ابن سينا والتحليل التوافيقي في آن واحد .ومن الواضم هذه المرة
بن الطوسي ال يرتم
بن مسألة الكثرة قد بقيت منف لة عن مسألة تعقيد الوجود .وذلك ّ
ّ
مطلقا بالوضع األنطولوجي لكل واحد من آالف هذه الموجودات التي تؤلِّف ،على
بن الخطابسبيل المثال ،المرتبة الرابعة .لكن هناك ما هو ببعد من ذلك ،إذ ّ
الميتافيطيقي سيسمم لنا اآلن بالكالم عن كائن دون بن يجعلنا قادرين على تمثله
م القول ،والذي َيبرط إن هذا التطور لألنطولوجيا ،الذي هو " وري" ،إذا
بالضبطّ .
بوضوح هنا ،ما هو إال تضخيم لنطعة سابقة عند ابن سينا ،كنا قد بشرنا إليرا ،تخ
اعتباراته حول "الشيء"( .)10ولقد اشتدت هذه الحركة ال ورية مع هرور إمكانية
()10
بنهر:
17
اإلشارة إلى الكائنات باألحرف األبجدية؛ وال يشذ المبدب األول نفسه عن هذه القاعدة،
بن الطوسي يُضخم تطبيقاً عائداً إلى ابن سينا،
إذ يشار إليه بالحرف .aوالحقيقة هي ّ
ولكنه ُيجري تعديال عليه .فقد كان ابن سينا قد استخدم هذه الرمطية في رسالته
بن متتالي َة األحرف األبجدية،
"النيروطية" مع اختالفين اثنين :فرو من جرة قد اعتبرّ ،
حسب الترتيب :ببجد هوط ،مطودةٌ بعالقة ترتيب وفق األولوية واألقدمية المنطقية ،ومن
جرة بخرى استخدم القيم العددية لألحرف ( .)... ،… ،b=2 ،a=1بما الطوسي ،وان
حافه ضمنياً على نهام األولوية ،بإشارته إلى المبدب األول بالحرف aوالى العقل
بالحرف ،bكما فعل ابن سينا ،فإّنه تخلى عن هذا التدرج ل الم القيمة اال طالحية
بد من ذلك لكي ت بم األحرف
للرمط .بما القيمة العددية فقد اختفت عنده .وكان ال ّ
عنده بداةً للتوافيق.
لقد وجه الطوسي ،الرياضي والفيلسوف ،مذهب الفيض السينوي في اتجاه
وري ،وقد شجع بذلك ميالً كان موجوداً في بنطولوجيا ابن سينا.
ال يستطيع مؤرخ الرياضيات ،هذه المرة ،بن يبقى غير مكترث بالتطور الثاني،
بي تطور التحليل التوافيقي نفسه .ولمعرفة مدى بهميتهُ ،نذ ّكر باخت ار بحدثين من
التاريخ .يعود األول منرما إلى نراية القرن العاشر الميالدي ،عندما ابتكر الكرجي
المثلث الحسابي وقانون تشكله و يغة البسط الحداني .لقد بثبت الكرجي هذه ال يغ
يغ جبرية تحتمل دون شك ،ولو بشكل ضمني فقط، بواسطة برهان تراجعي .وهي
اهتم خلفاء الكرجي بيضًا برذا الجانب التوافيقي ،لكنرم لم يطيدوا في
جانبًا توافيقيًا .وقد ّ
برطه .ويعرض الطوسي نفسه في كتابه "جوامع الحساب" هذه القواعد التي ح ل إ ا
عليرا الكرجي ،دون بن يتوقف عند معناها الضمني.
بن المؤلّفين المعجميين واللغويين كانوا
ونحن نعرف ،من جرة بخرىّ ،
يستخدمون طرائق توافيقية منذ القرن الثامن ،بي من بيام الخليل بن بحمد ،لكن دون
لحون على الطبيعة التوافيقية
بن يرتموا بإثباترا .غير بنّرم ،خالفاً للرياضيين ،كانوا ُي ّ
Études sur Avicenne, dirigées par Jean Jolivet et Roshdi Rashed, "Collection sciences et
philosophie arabe. Études et reprises", Paris, Les Belles Lettres, 1984.
13
لرذه الطرائق .وقد التقى هذان التياران في ن ّ الطوسي ،ليؤسسا بذلك التحليل
التوافيقي ،مع إعطائه فة ف ل في الرياضيات مستقل تماماً .فأ بحت ال يغ
ريم ،وب بحت مو َّ
ضحة بواسطة حساب باألحرف .كل الجبرية ذات معنى توافيقي
شيء يجري إذاً ،وكأن تطبيق هذا الحساب على ميادين مثل الميدان الذي يثير
اهتمامنا هنا ،قد شكل عامالً كاشفاً دفع الرياضي على إهرار المعنى التوافيقي
الضمني وعلى دمج تيارين كانا مستقلين حتى ذلك الحين .قد يعود الفضل في هذا
العمل التوحيدي إلى الطوسي ،بو قد يكون قد استوحى هذا العمل من رياضي
وفيلسوف آخر من بسالفه غير معروف لدينا؛ ولكن هذا الجانب التاريخي ال يرمنا
بن هذا العمل قد سمم للغة التوافيق بالتطاوج مع لغة مذهب ابن سينا،
كثي اًر هنا .غير ّ
مما ّبدى إلى تطويدها بقواعد التركيب المنطقي التي كانت تفتقر إليرا في البدء .ولم
بن التقدم قد جرى على حساب
يخرج المذهب ،كما ربينا ،من هذا الفعل سالماً ،طالما ّ
الغنى الحدسي.
III
حة تحليالتنا ،وذلك إذا تسمم لنا العودة إلى تاريخ الرياضيات بالتحقق من
الطوسي .لقد ساعدنا الحه هذه المرة بيضاً تتبعنا ،جطئيًا على األقل ،م ير ن
لنتعرف على رياضي فيلسوف لم ُيدرس سابقاً ،فوضع بين بيدينا مؤلفاً له بقي مجروالً
حتى اآلن .وهو رياضي فيلسوف من الدرجة الثانية ،متأخر العرد ،اسمه إبراهيم
الحلبي( ،)11ومؤلفه هو العمل األول المعروف لدينا ،المكرس بكامله للتحليل التوافيقي.
في الواقع ،إن قواعد هذا التحليل في المؤلف ال تهرر فقط عند تطبيقرا الجبري بو
اللغوي بو الفلسفي ،بل تهرر لذاترا في ف ل رئيسي عنوانه "االحتماالت التركيبية".
إن هذا العنوان هو تسمية شاملة تشير إلى التبديالت والترتيبات والتوافيق ...بي إلى
ّ
()11
"رسالة في اسصتخراج ع ّصدة االحتمصاالت التركيبيصة مصن بي عصدد كصان" ،مخطوطصة اسصطنبول ،سصليمانية ،حميديصة 223
27 .و 22ه. ،
14
الطوسي المنقم والموسع مكانًا ممي ًاط في جميع التوافيق المدروسة حينذاك .يحتل ن
هذا المؤلف ،فرو يتضمن طريقة لتحديد وتوضيم التوافيق.
لحل مسألة إذا تناولنا بسرعة مؤلف الحلبي ،نتحقق من بهمية القسم المخ
ميتافيطيقية في كتاب عن التحليل التوافيقي .يبدب الحلبي بالتساؤل عن مختلف الطرق
الممكنة لدراسة "االحتماالت التركيبية" وهدفه واضم( ،)17وهو تحديد عدد االحتماالت
التركيبية من بي عدد كانت .ويستبعد الحلبي الطريقة التجريبية في التعداد ،التي ال
تقدم بية قاعدة عامة ،بالرغم من فعاليترا في الحاالت البسيطة .وتتمثل هذه الطريقة،
إذا بخذنا مجموعةً من ثالثة عنا ر { ،{c, b, aعلى سبيل المثال ،في تعداد
"االحتماالت التركيبية" السبعة:
} {abc, bc, ac, ab, c, b, a
تهرر ال عوبة عندما نتناول مجموعة عدد عنا رها .)13( nبما الطريقة الثانية فري
()14
عامة ،يفتخر برا الحلبي .ويتعلق األمر بعبارة معادلة للعالقة التالية: تقدم قاعدة
un = 2 un-1 + 1,
عبر عن هذا
وي ّ
حيث يرمط unإلى مجموع "االحتماالت التركيبية" لعدد nمن العنا رُ .
المجموع بلغة ع رية بال يغة التالية:
n
n
= un k
k 1
التي تساوي ( )2n –1مرما كانت قيمة . n
وهذا ما يعطي
n
un = 2 - 1
un-1 = 2n-1-1
2 un-1+1 = 2(2n-1-1)+1= 2n - 1= un
un = 2 un-1 + 1 بن:
بي ّ
()17
27ه. المرجع نفسه،
()13
20و. المرجع المذكور،
()14
20و 21 -ه. المرجع نفسه،
19
يبتعد الحلبي بيضًا عن هذه الطريقة التي تتطلب حسابًا معقدًا ،بي حساب القيم
uiحيث 1 i n-1ولكي يبني الحلبي طريقة بفضل ،ينطلق بوالً من العبارة:
n n
k nk
حيث:
n n n
و 0 1
n r n 0
ويحدد بعد ذلك عدة "احتماالت تركيبية" ،مع قواعد الحساب الموافقة لرا .وهكذا يكون
لدينا:
()19
لالحتماالت من النوع ، kبي التوافيق دون تكرار ،والمعطاة بال يغة " -1المادة"
n
السابقة، :
k
()12
لالحتماالت من النوع ، kبي الترتيبات دون تكرار " -7مجموع المادة وال ورة"
n
، Ank k !
!n
!) k (n k
()12
لالحتماالت من النوع kيكفي بن نطرح من المادة والشكل ،7المادة1 " -3ال ورة"
:
n n n
)، k ! (k ! 1
k
k k
ورة االحتماالت ،بشكل مستقل عن النوع بي التبديالت لعدد nمن العنا ر -4
، n! = n(n-1)….1
()12
kبي الترتيبات مع تكرار لص n -9المادة وال ورة وتكرار االحتماالت من النوع
عنا ر مأخوذ منرا عدد kمن العنا ر. nk :
()19
21 .ه. المرجع المذكور،
()12
27و. المرجع المذكور،
()12
27ه 23 -و. المرجع المذكور،
()12
23ه – 24و. المرجع المذكور،
12
بن المفردات التقنية للغة التحليل التوافيقي ،التي يستخدمرا الحلبي
ونشير إلى ّ
في هذا المؤلف ،هي مطيج من م طلحات سبق واستعملرا الطوسي مثل
"تركيبات" ،وم طلحات خا ة به مثل "االحتماالت"" ،التكرار" ،واستعارات من اللغة
األرسطية مثل "المادة" و"ال ورة" .وهذان الم طلحان األخيران يفرضان عليه إدخال
مسائل غريبة عن موضوعه ،بل غير ضرورية في هذا السياق ،فري في مختلف
األحوال تؤثر على وضوح عرضه :فرو ،على سبيل المثال ،يتساءل إن كان من
المستطاع ف ل المادة عن ال ورة.
وبعد بن يضع الحلبي هذه القواعد ،يكتب" :لتحديد االحتماالت المادية ،بي
االحتماالت دون تكرار ,هناك طريقة بخرى بشير إليرا لتحديد العقول العرضية" ،يدرج
الطوسي تارة حرفياً ،وطو اًر مع تطوير الحساب .وهكذا يرسم الحلبي حينذاك ن
المثلث الحسابي حتى الدرجة .12ويجمع عنا ر الخط القطري ،التي يسميرا
"االحتماالت البسيطة" ليح ل على العدد 4095الذي بشار إليه الطوسي .ويطلق إسم
()17
على ال يغة: التوافيق المركبة بو "االحتماالت المركبة"
m m n n
)**(
k 1 k j 1 j
حيث ،m=4, n=12
()70
هي مجموع التوافيق البسيطة والتوافيق المركبة ،بي ّبنه يكون بن العبارة (*)
ويبين ّ
لدينا:
()17
21و. المرجع المذكور،
()70
بنهر الفقرة السابقة ( المترجم).
12
m n m m n
p 1 k 0 k p k
m m n n m m n n
)***(
k 1 k j 1 j k 1 k j 1 j
m m m m n n
k 1 k k
k j 1 j
0
12
إن عمل الطوسي ،الموحد لتيارين منف لين في البحثبردف خدمة هذه األنطولوجياّ .
مؤسس لرذه الحركة التي تكلمنا عنرا؛ وهو
ٌ -تيار اللغويين وتيار الرياضيين -عم ٌل
بذلك مؤسس للتحليل التوافيقي .بما الحلبي ،وبالرغم من ّبنه رياضي من الدرجة
مكرساً له مؤلفاً رياضياً
الِّ ،
بمن لف ل التحليل التوافيقي وجوداً مستق ً
الثانية ،فقد ّ
ومطلقًا عليه تسمي ًة خا ة .لكن ،بين الطوسي والحلبي ،هناك آخرون عملوا بيضا،
ُ
كما يبدو ،في إطار تيار الطوسي؛ ومن بينرم تجدر اإلشارة بشكل خا ،إلى
البناء(.)71
الفارسي وابن ّ
يشرد هذا المثل ،كبعض األمثلة األخرى ،على المكانة التي اخت ت فيرا فلسفة
بن الرياضيات قد لعبت دو ار فعاالً
الرياضيات في ع ر اإلسالم الكالسيكي ،كما يبين ّ
في الفلسفة -وهذا األمر ال يدهشنا -ولكن دور الفلسفة ،من جرة بخرى ،في تطور
هذا الفرع الرياضي لم يكن بق ّل فعالية.
تجاهل دور
َ مؤرخين للعلوم ،ال نستطيع بن نتجاهل تاريخ الفلسفة ،لكن نحن ك ّ
المعارف الجديدة كارثةٌ بالنسبة إلينا كمؤرخين للفلسفة اإلسالمية.
( )21بنهر:
R.Rashed, "Nombres amiables, parties aliquotes et nombres figurés", dans Entre
arithmétique et algèbre. Recherches sur l’histoire des mathématiques arabes, Paris, Les
Belles Lettres, 1984, pp. 259-299.
17