Professional Documents
Culture Documents
1
Prof. Dr. Samer J. Rudwan أ .د سامر جميل رضوان
اإليمان الشافي
كان علم الطب النفسي ،ولفترة طويلة ،يقلل من أهمية اإليمان باهلل ،أو بقوة عليا وتأثير ذلك على الصحة
النفسية .وكان ينظر إلى المتدينين على أنهم أقرب "للعصابيين" أو "المغتربين عن الواقع" ،وكان الدين بالنسبة
للعالج النفسي يحمل معنى (االعتقاد الخرافي) وأنه نكوص إلى مرحلة بدائية من الوعي ،وتهرباً من مواجهة واقع
الحياة .وغالباً ما كان ثمن العزاء بالدين هو الخوف ومشاعر الذنب .ولكن دراسات حديثة كثيرة تبرهن أن المؤمنين
يعيشون أكثر صحة وعافية نفسية.
وقد اعتبر "سيجموند فرويد" نفسه عالماً طبيعياً بالدرجة األولى ،ولم يهتم بالروحانيات .وبدالً من العزاء الذي كان
يبحث عنه الناس في "الشعور العظيم باإليمان" ،استخدم فرويد التحليل والتبصر والتنفيس .وطبقاً لذلك ،كانت
سطر ،mythologizeكارل غوستاف يونغ ،كبيرة .ولكن حتى لو تصرف التحليل النفسي م اررته "بالخائن" المؤ ِ
َ
بطريقة تنويرية وعلمية ،أليس هو نفسه أيضاً عبارة عن منظومة اعتقاد شبه دينية قائمة على األساطير ،تقتضي
األرثودوكسية واالستسالم األعمى؟
يرى ناقد الطب النفسي "توماس تساز "Thomas Szaszأن كل عالج نفسي يهتم بالكيفية التي على اإلنسان أن
يعيش من خاللها ،وينظم حياته األسرية والجنسية طبقاً لها -وهذه المواضيع الحياتية كلها هي في النهاية مواضيع
يعالجها الدين .ولم يكن فرويد نفسه إال حاخاماً ُمقََّن َعاً.
ولكن على ما يبدو فإن الدين الدنيوي البديل -علم النفس -ال يستطيع مع كل متغيراته إشباع بعض الحاجات.
فالبحث في الذات ال يسد ثغرة المعنى والفراغ الداخلي ،الذي يعذب بشر هذا العصر .ويجد المعالجون أنفسهم في
مواجهة إقبال متبدل ،وما كان مستبعداً في الماضي يعود اليوم بطرق كثيرة إلى علم النفس من جديد :فالوسائط
والروحانيات لم تعد منذ أمد مواضيع محرمة أبداً .ومن خالل دراسات جائحيه تتم دراسة تأثير الصلوات ،وقد
1
Prof. Dr. Samer J. Rudwan, Department of Education & Cultural Studies, College of Arts & Sciences, University of Nizwa,
Oman. Email: srudwan@hotmail.com
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
2
تغضب نجاحات الكحوليين المغفلين Anonymالكثير من معالجي اإلدمان العلميين ،ولكن ال يمكن تجاهلها .إنها
تقوم ضمن ما تقوم عليه على اإلقرار بوجود "قوة عليا".
للعصاب ،وربما يعود ذلك إلى أن المؤمنين
وتبدو بعض أشكال اإليمان أقرب إلى "مصدر شاف" منها إلى مسبب ُ
يشعرون بما أسماه باحث الصحة "هارون أنتونوفسكي "Aaron Antonovskyب "الشعور بالتماسك" أي ،إن من
يشعر بأن حياته غنية وذات معنى ،وبأنه جزء صغير من كل أكبر ،يكون أكثر صالبة ومقاومة من الناحية النفسية
والجسدية .وتؤيد دراسات حديثة الفرضية القائلة إن اإليمان غالباً ما يؤثر كدواء غير فعلي (بالسيبو .)Placebo
طور من التسامح قد بدأ في علم النفس حيال اإليمان :فمن أراد اإليمان ،فعليه أن يقوم بذلك
اً وعلى ما يبدو ،فإن
بشدة ،فهو مفيد .وما يعزي الملحدين والمؤمنين على السواء هو أن اإليمان ال يمكن وصفه أو تقديمه بوصفة طبية
عند الصيدالني.
2
اإليمان والصحة
اكتشف علماء النفس أن الدين عامل مساعد للصحة النفسية والجسدية بعد أن تجاهلوا كثي اًر وقللوا من قيمة هذا
العامل لفترة طويلة .فقد أدركوا كارهين ،وبحذر إلى حد ما ،كيف َّ
تبدى من خالل عدد متزايد من الدراسات وجود
تأثير وثيق وايجابي بين اإليمان والحالة الصحية ،وأن من يؤمن بإله أو قوة إلهية عليا ،يمكن أن يتصف بالصفات
التالية:
يتغلب بسهولة أكبر على أزمات الحياة والمشقة (الضغط) والصراعات النفسية واالجتماعية.
3
Coping-Strategiesفعالة ،ولذلك فهو أقل تعرضاً لألمراض النفسية لديه "استراتيجيات تأقل"
والجسدية ،فاإليمان هو دواء وقائي لديه.
يبدي المؤمن إذا ما أصيب بمرض ما ثقة أكبر بعملية الشفاء ،وينمي هذه العملية مع المرض مما يسهل
حصول الشفاء.
يستهلك المؤمنون من الكحول والسجائر والعقاقير األخرى أقل بكثير من غير المؤمنين ،ولذلك فهم أقل
تعرضاً لخطر اإلدمان أو العواقب السلبية لهذا االستهالك .أي أن اإليمان يؤثر على أسلوب الحياة إيجابياً
ويكرس عادات حياتية صحية.
المرحل األخيرة من حياتهم أقل خوفاً وشكاً.
يتقبل المؤمنون الموت بشكل أسهل ويعيشون ا
وقد أمكن إثبات أنه حتى غير المؤمنين يستطيعون االستفادة من طاقة الممارسات الدينية الروحية من خالل
استعانتهم -على شكل إعارة إن صح التعبير -بالتقنيات المختلفة للصالة واالستغراق والتأمل .ويصف "هيربيرت
2العنوان األصلي للمقال لرئيس تحرير مجلة "علم النفس اليوم" األلمانية ? Macht Glauben Gesundفي )Psychologie Heute, Juni, 1997( 20-21
3
استراتيجيات التأقلم :آليات استعرافية شعورية يسخرها الفرد في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة ،خاصة المواقف المرهقة أو مواقف المتطلبات( .المترجم).
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
3
بينسون "Herbert Bensonالمتخصص بالقلب ومكتشف "منعكس االسترخاء" في كتابه "الشفاء باإليمان" الكيفية
التي يمكن أن ينشأ فيها "الشعور الروحي" بالطاقة واألمان واالرتباط مع قوة أو طاقة "عليا" حتى لدى غير
المركز لصالة ما يؤدي إلى استرخاء جسدي عميق ،وفراغ داخلي منعش وتحرر النفس من
المؤمنين .إن التكرار ُ
زخم األفكار والمخاوف والمشاغل اليومية.
وتتجلى العالقة بين القناعات الدينية والصحة الجسدية والنفسية باطراد وبشكل أكثر تفصيالً .وعليه فقد قيم النفساني
"ديفيد الرسون "David Larsonمن المعهد القومي ألبحاث رعاية الصحة National Institute for
( Healthcare Researchماريالند ،روكفيل ،الواليات المتحدة األمريكية )Maryland ،Rockvilleبصورة
منهجية كل الدراسات التي نشرت في أكبر مجلتين متخصصتين في الطب النفسي بين عامي 1978و 1989فيما
يتعلق بالعالقات بين اإليمان والصحة النفسية ،وتوصل إلى النتيجة التالية :يؤثر التدين في %84من الحاالت
بشكل إيجابي وفي %13بشكل حيادي وفي %3فقط بشكل سلبي .كما وجد أن استهالك المؤمنين للعقاقير
والكحول أقل بكثير من غير المؤمنين ،وأن نسبة االنتحار والطالق لديهم أقل -واألمر الذي قد يفاجئ البعض-
أنهم يعيشون حياة جنسية أفضل ،أيضاً.
وقد أجرى الرسون نفسه دراسة في والية جورجيا األمريكية ،ووجد أن المدخنين الذين ال يذهبون إلى الكنيسة يعانون
من ارتفاع ضغط الدم بمعدل أربع أضعاف ما يعانيه المدخنون الذين يصلون بانتظام ،بل وأن ضغط دم المدخنين
المؤمنين كان في مستوى ضغط دم غير المدخنين من غير المؤمنين.
كما ودرس "كينث بارغامينت ،"Kenneth Pargamentأستاذ علم النفس في جامعة "بولينغ" ،أوهايو Bowling
Green State Universityاآلثار الصحية لإليمان لدى مئات المؤمنين من مختلف االعتقادات ،واستنتج أنه
البد من التمييز بدقة بأن التأثير اإليجابي أو التأثير األقرب للسلبي للتدين يتعلق بشكل قاطع بنوع اإليمان .فالناس
الذين يعيشون على رعب معاقبتهم من "إله صارم" على خطاياهم والذين يعيشون هذه الصرامة على نحو "جو
انفعالي" يميلون لالكتئاب والقلق واالضطرابات النفسية الجسدية بشكل أشد من غير المؤمنين .وعلى العكس ،ينمي
اإليمان بإله خيَّر ورحيمِّ ،
يقدر الضعف اإلنساني بتسامح ويرتبط مع االطمئنان االنفعالي ضمن مجموعة أو طائفة
دينية ،ينمي الصحة النفسية والجسدية.
للمتلقي السلبي ،والثاني
وأخي اًرُ ،يميز "هيربيرت بينسون" بين شكلين مختلفين من أشكال اإليمان .األول ،إيمان أقرب ُ
المحفز الفاعل .إن من يستطيع أن "يستسلم ويضع قدره بكل ثقة بين يدي اهلل (أو قوة عليا) يستفيد من طاقة ُ
اإليمان" .وتعبر دعوات من نوع " مشيئتك يا رب" عن هذا النوع من المواقف .بالمقابل ال يبدي اإليمان "الغرضي"
الظاهري أية آثار إيجابية على الصحة.
ويمكن تلخيص نتائج األبحاث الحديثة حول التدين والصحة على الشكل التالي:
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
4
من المحتمل جداً أن يقوم التأثير الطيب لإليمان على التوليف بين الدعم االجتماعي ،ومعنى الحياة والشعور
باالرتباط بقوة عليا وممارسات الصالة والتأمل المخفضة لإلرهاق .والسؤال المطروح في هذا السياق هو :هل وصل
علم النفس بهذا إلى نقطة تحول؟
لقد كان علم النفس دائماً فخو اًر بتقاليده الدنيوية وغير الدينية .وكما يصف "بيرنارد غروم" في مساهمته التالية ،فقد
4
كان على الدوام من ضمن هذه التقاليد وجود شك واضح بصورة خاصة بكل أشكال التدين ،هذا إذا لم تتم مرضنة
التدين (أي وصمه بالمرض) .فقد اعتبر الدين لوفترة طويلة على أنه هروب واضح من الواقع وضيق األفق ،غير
أنه من الصعوبة بمكان استمرار مثل هذه االفتراضات النفسية ،ألن هناك ارتباطات إيجابية كثيرة ال تُنكر بين
أشكال محددة من التدين والصحة النفسية والجسدية.
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
5
خالل تحريم وتذنيب الجنس .كما وأن البرودة الجنسية والعجز الجنسي يقومان على أساس تربية معادية للدافع
ومتزمتة.
كالوس توماس ،طبيب وعالم الهوت ومحلل نفسي في برلين ،تبنى التعبير وأطلقه كذلك على اضطرابات معينة،
العصابات القهرية ،بل وحتى على معاناة القساوسة من تضيق النظم الكنسية والرؤساء.
مثل المازوخية والسادية و ُ
صاب الديني" لدى % 75من أصل أكثر من 100دار من بيوت القساوسة الذين تعرف عليهم "للع َ
وكان تشخيصه ُ
في جولته الثقافية سخياً بمثل هذا التفسير أيضاً .إنه لرقم قياسي .ذلك أنه على ما يبدو لم يقم وال مؤلف قبالً
باعتبار مجموعة مهنية كاملة بالجملة -وبما يتناقض مع كل الدراسات التجريبية التي أجريت الحقاً -على أنها
عصابية .وبالطبع فإن توماس يقصد أيضاً بأن "التدين الحقيقي" يمكنه أن يقي من العصابات وأن يشفي
االضطرابات الخفيفة.
حتى وان كان من غير المنكر أن كثير من الناس ،وليس في الدوائر الكنسية فقط ،كانوا قد عانوا من تزمت كان
منتش اًر في الساب ق ،فلن يخطر اليوم ببال أي شخص اعتبار االضطرابات الجنسية والجنسية المثلية "ذات منشأ
ديني" .وماذا عن اضطرابات القسر المترافقة بمخاوف دينية؟ فإذا ما كان على أحدهم أن يعيد صلواته م ار اًر وتك ار اًر
أفكار سيئة قد أزعجته أثناء العبادة ،أال يكمن السبب عندئذ بوضوح
اً ألنه يخشى بأنه لم يكن مستغرقاً كفاية ،أو ألن
في التربية الدينية المتزمتة أو فهم خاطئ لها؟
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
6
7
العالقة اإلحصائية السلبية تعني وجود عالقة عكسية بين الطرفين ،أي كلما ارتفع أحدهما قل اآلخر (المترجم).
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
7
وهكذا تتكاثر الدالئل -على الرغم من أن أشياء كثيرة مازالت غير واضحة بعد -على أن التدين الشخصي في
جملته أقرب للمساهمة بالوقاية من االضطرابات النفسية الخفيفة ،أو حتى التغلب عليها بصورة مالئمة ،ولكن ضمن
حدود معينة .والسؤال هنا :أال يؤيد ذلك مطلباً عالجياً يقر بتيار نفسي وقائي لتدين بناء غير تيار التحليل النفسي؟
منذ بدايات هذا القرن ،مجد علماء النفس األمريكان اإليمان باعتباره مصد اًر "للطاقات اإللهية Trans mundane
وقوة شفاء روحية.
8
،Esotericبعد ومن جذور مشابهة ،نمى مع االزدهار النفسي وحركة التأمل Mediationوموجة "اإليسوتيريك
1970في كثير من البلدان ،تجمع كبير مكون من األمل العالجي -الروحاني .ففي حين طور "أدريان فان كام
9
Transcendence therapy "Adrian van Kaamفي الواليات المتحدة األمريكية "العالج الماورائي
والنفساني الطبي "بالتازار ستيلين" Balthasar Staehlinعالجاً أساسياً نفسياً-جسدياً "ضد نقص الثقة األصلية -
لديه خلفية مثل فان كام في الروحانيات المسيحية -مع توليف من الدعوات الحارة وحركات إيقاعية ودعوات قلبية
كنسية شرقية.
كما طور "كارلفريد غراف دوركهايم "Karlfried Graf Duerckheimمن ال اززان Zazanالياباني البوذي "العالج
الشعائري" Intiatical Therapyالذي يهدف إلى تحقيق عملية الفردانية الشافية من خالل وسيط التنفس وخبرة
التوحيد ،حسبما يرى "كارل غوستاف يونغ" .وحفزت الطقوس الصوفية اإلسالمية الباكستاني "سيدا جاهانغيير
"Syeda Jahangirإلى تطوير طريقة "عالج القوة األخرى" ،التي تشجع المتعالج على إحياء عالقته باهلل ،لشفاء
حتى االكتئابات الشديدة ،كما يقول .وأخي اًر يستند الطبيب النفسي "ستانيسالف غراف "Stanislav Grafإلى
الخبرات الشامانية ،بطريقته التي يهدف من ورائها إلى تحقيق خبرات "ما وراء شخصية transpersonalشافية من
خالل التنفس المتسارع والموسيقى وحركة الجسد وعالمة المانداال .Mandala
فهل إذاً هو "عالج اهلل" بدالً من "تسمم اهلل"؟ على الرغم من أن المبادئ المذكورة ال تتطلع إلى الحلول محل العالج
النفسي الراسخ ،غير أنها ال توضح كذلك فيما إذا كانت تدعمه ،وتعد بتأثير قاعدي غير مقصور على اضطرابات
اء لكل داء .وهذا ال يستبعد أن مساعدة المعالجين الروحانيين والدوافع الدينية تخفف
محددة ،ولذلك يمكن اعتبارها دو ً
من اآلالم البسيطة -غير أن هذه التأثيرات لم يتم إثباتها إال من خالل تقارير عن حاالت فردية فقط.
وقد اقترح بعض علماء النفس األمريكان طريقة أكثر موثوقية استخدموا فيها "العالج العقالني االنفعالي Rational
" emotive therapyأللبيرت إيليز أو "العالج االستعرافي أو اإلدراكي" Cognitive Therapyوفق طريقة "أرون
بيك" مع متعالجين مسيحيين ،وأدخلوا قناعات دينية في هذين األسلوبين .وقد اشترك في مثل هذه التجربة أشخاص
يعانون من اكتئاب طفيف .وبعد أن تم إرشادهم إلى جعل األفكار السلبية التي تحصل لديهم بشكل آلي تقريباً
8
أسرار يسمح اإلطالع عليها من قبل أشخاص معينين فقط ( المترجم).
9
كل ما يقع وراء الخبرة اإلنسانية ،أو ما ال يمكن إدراكه بالخبرة اإلنسانية (المترجم).
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
8
مدركة ،وجب عليهم أن يحاولوا صياغة مواقف أكثر مالئمة ،والتمرن عليها في مجاالت محددة من مشكالتهم
اليومية.
المعالج على مجموعة دنيوية من خالل التصور التالي" :إني أرى الكيفية التي
وكرؤيا مستقبلية تفاؤلية ،فقد أثر ُ
سأتغلب فيها على هذا الموقف الخاص في المستقبل" في حين ُحفزت مجموعة ُمتدينة على القول "أستطيع أن
أتصور كيف سيكون المسيح معي في هذا الموقف الذي أحاول التغلب عليه" .وقد ظهر أن متغيرات العالج الدينية
كانت فاعلة على الدوام في االختبارات الالحقة ،بل وأحياناً أكثر قليالً من الشكل الدنيوي ،إال أن التحسن في كال
األسلوبين لم يستمر طويالً.
وليس من المفاجئ أال تحقق المتغيرة الدينية أعجوبة الشفاء .ذلك أنه سواء نشوء االضطرابات النفسية أم عالجها
يتعلق بعوامل متنوعة .وال يشكل اإليمان الديني إال واحداً منها ،فحسب .ويمكن لإليمان من خالل مغزاه أن ُي َعِّزز
وي َؤ ِكد االستعدادات للخبرة والتقييم التي تتحول بالتدريج نحو اإليجابية ،وذلك عندما يتم وصف عالج دوائي ضروري
ُ
أو إثارة عمليات التعلم الملحة على سبيل المثال .وبهذا فقد يعيق اإليمان االستسالم -طالما أن االكتئاب غير
عميق-وحتى االنتحار أيضاً .ولكن اإليمان ال يمكن أن يحل في العادة محل العمل العالجي النفسي وانما يمكن أن
يدعمه.
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
9
ارتباط إيجابي ،ولكن غير شديد ،بين اإليمان الذي يمتلك أهمية شخصية من جهة والرضا عن الحياة والسعادة
والمزاج اإليجابي من جهة أخرى.
ويتضح هذا االرتباط في التدين الناشئ من الداخل أكثر منه في التدين الظاهري .وهذا الزائد في اإلحساس بالصحة
ال يتعلق باالنتماء إلى طائفة دينية داعمة من الناحية االجتماعية فحسب ،وانما أيضاً بالصلوات الشخصية
وبقناعات دينية راسخة .واستناداً إلى األلمان الغربيين على سبيل المثال ،ظهر في استطالع أجراه "إيمنيد "Emnid
بعنوان "بماذا يفكر األلمان" بتكليف من مجلة "دير شبيغل" األلمانية عام ،1992أن الناس الذين يزورون الكنيسة
للصالة بانتظام أكثر سعادة في حياتهم بنسبة % 16أكثر -إذا كانوا من البروتستانت -وبنسبة %10أكثر -إذا
كانوا من الكاثوليك -من الذين ال يذهبون إلى الكنيسة.
وال ينكر أحد أن الحظ والسعادة تتطلبان طيفاً واسعاً من القيم الدنيوية واستراتيجيات إشباع وأنماط تغلب عامة ،أي
باختصار "تقنيات حياتية" ،كما يسميها "هانس تومي Hans Thomaeولكن نتائج األبحاث المذكورة تشير إلى
نتيجة مفادها أن التدين الحار يمكن أن يحفز وينمي بعض التقنيات الحياتية المهمة .واال لماذا يقر %37من
سكان غرب ألمانيا بأنهم ينهلون من اإليمان "المواساة والقوة"؟
ولهذا السبب ما من شك اليوم ،ليس بالنسبة لكثير من المعالجين النفسيين فحسب ،وانما بالنسبة لباحثي نوعية
الحياة ،بأن التدين يشكل مورداً مهماً للصحة النفسية .أما الكيفية التي ينبغي فيها تفسير هذا التأثير المبارك
بالتحديد -كدافع الحترام الذات ،كدعم عمليات الحزن ،كتحقيق للمعنى في االلتزام االجتماعي ،ومدخل للتفكير
اإليجابي في الشكر والحمد -فقد تمت دراستها في علم النفسي بشكل جزئي.
غير أن السؤال المطروح هو :على الرغم من المحصلة اإليجابية ،فلماذا مساهمة اإليمان بالسعادة والرضا عن
الحياة محدودة؟
يكمن السبب من جهة بأن اإليمان اليوم لدى كثيرين قد تحول إلى فكرة قليلة الممارسة على شكل -لقد -سمعت -
مرة ،ومن جهة أخرى ،ألن القناعات الدينية -منظور إليها من جهتها بصورة متعددة العوامل -ال تحسن بشكل
مباشر مثل األدوية النفسية ،األسس العصبية لمزاجنا وقابليتنا لإلرهاق ،وال تحشد كذلك كل مساحة تقنيات الحياة
التي تضمن الصحة والسعادة ،وانما تعتمد دائماً على نمو مالئم وعام للشخصية.
إن التدين بكل معانيه ورموزه وطقوسه ال يمكنه إال أن يؤكد ويحفز ويدعم االستعداد المتوفر نحو التقييم اإليجابي
لذات الشخص وللمحيطين به وللحياة .وهذا كثير ولكن ليس كل شىء .وحتى في هذا اإلطار قد ينمي الصحة
الجسدية أيضاً ،كما ترى دراسات أمريكية أنها تستطيع إثبات ذلك في عوامل خطر صحية متعددة.
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
10
ولكن ،هذا لن يحدث بالطبع إلى درجة تبرير (عالوة تديُّن) على المبالغ المساهم بها لصندوق التأمين المرضي.
ومع هذه التقييدات ،يمكن أن يتمسك حكم "مارتين بوبيرز "Martin Bubersبمنصة اختبار علم النفس التجريبي:
من حيث المبدأ تنتهي كل الديانات الكبرى والحركات الدينية بخلقها لحياة بنشاط".
الدين :إكسير الشباب لكبار السن؟ -تثبت الدراسات ،كيفية تأثير اإليمان على نوعية حياة المسنين
نجم المسنين ساطع -حتى في العلم .وكما يقول باحث الشيخوخة األمريكي "تيموتي جونسون "Timothy Johnson
إ نه على الرغم من أن علماء الشيخوخة قد اهتموا في السنوات األخيرة بصورة مكثفة بمشكالت الصحة والذكاء في
الكبر ،إال أنهم لم يهتموا كثي اًر فيما إذا كان إيمان المسنين يؤثر على حياتهم ،والكيفية التي يؤثر بها اإليمان.
وتظهر دراسات أمريكية حديثة ،بأن التدين يمكن أن يؤثر على كل مجاالت الحياة بصورة إيجابية ،فهو يمتلك
أهمية وجودية بالنسبة لكبار السن أيضاً.
وحتى اآلن اكتفى كثير من الباحثين باالستنتاج البسيط القائل بأن كبار السن متدينون ،واقتصروا غالباً على ما
يسمى ب "البعد الذاتي" من خالل أسئلة أقرب للسطحية ،مثل :كم مرة يصلي الكبار في السن ومدى تكرار قراءة
الكتب المقدسة -فمن الدراسات األمريكية نعرف على سبيل المثال أن ثالثة من أصل أربعة من كبار السن
األمريكيين تقريباً يصلون يومياً والثلث يق أر اإلنجيل.
وبالنسبة "لجونسون" ينبغي أن ُي نظر لإليمان أو للخبرة الدينية أو الروحية "كحدث متعدد األبعاد" يتضمن بشكل
بالحسبان حتى اآلن إلى مدى كبير -وال
خاص ،إلى جانب بعد داخلي "خاص" مستوى سلوكياً خارجياً غير مأخوذ ُ
يقتصر على السؤال عن تكرار الذهاب إلى الكنيسة .وتظهر النتائج المفاجئة ألبحاث الشيخوخة أنه كلما كان كبار
السن أكثر تديناً ،انخرطوا بشكل أكثر فعالية بالحياة االجتماعية ،واهتموا بعالقاتهم اإلنسانية ،سواء الزوجية منها أو
الصداقة أو الجيران ،واهتموا بمن يحتاج إلى مساعدة أو بقاطني دور العجزة .ويبدو أن التدين بالنسبة للمسنين هو
قوة إيجابية للتعبير عن "التضامن مع الكون واآلخرين".
وال يؤثر كل من اإليمان الشخصي باهلل والصالة داخلياً فحسب ،وانما يؤثران بشدة على الحياة االجتماعية للمسنين.
وبالنسبة لباحثي الشيخوخة "مارتين هولت ومورتون ديلمان-جينكينز" تُمثل "الحياة الروحية" الغنية وجوهاً اجتماعية
جوهرية تصون الكثير من المسنين من مشكلة جبارة للمجتمعات الحديثة وهي "العشوائية" كفقدان للمعنى ،وتداعي
القيم .فاإليمان يساعد المسنين بالمقابل على تنمية نوعية حياتهم بعمق ،ومنح حياتهم معنى ،والتغلب على التفكير
بالموت أو التعامل مع الخسائر واألحزان بشكل أفضل.
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018
11
ويحقق التدين في الكبر تكامالً وجودياً واسعاً ،بحيث أنه يبدو بالنسبة لكثير من المسنين نوعاً من اإلكسير الجسمي
والروحي .وقد وجد علماء الشيخوخة أن المسنين المتدينين أكثر أمالً وتفاؤالً من أترابهم المسنين غير المتدينين،
ويمتلكون قيمة ذاتية أكبر ويتحكمون بالحياة بشكل أفضل ،وال يشعرون بالوحدة أو التعاسة ،ويعانون بشكل أقل من
كثير من األمراض االكتئابية ،ويتغلبون على المشقة بشكل أفضل .ويمكن القول باختصار :إن من يؤمن باهلل
والحب اإللهي يعيش في شيخوخته أكثر صحة وسعادة.
والمعطيات واضحة جداً -للتدين تأثير أكبر من الدخل أو التأهيل أو عدد سنوات العمر –ولن يظل علماء النفس
واالجتماع يفسرون التدين لفترة طويلة على أنه هروب من الواقع أو يضعونه في خانة الميول السلوكية العصابية.
على أية حال ،يؤكد "تيموني جونسون" أنه البد من التأكد من النتائج الحالية من خالل أبحاث أخرى وتعميقها
تجريبياً ونظرياً .وبما أنه ال تتوفر دراسات مقارنة عبر ثقافية والدراسات تستند بال استثناء على الطوائف اليهودية
والكاثوليكية والبروتستانتية ،فال نعرف فيما إذا كانت النتائج غير متعلقة بالثقافة ،وفيما إذا كان كل شكل من أشكال
التدين أو الروحانية -في المذاهب أو في الطوائف األخرى مثالً يؤثر بصورة إيجابية.
باإلضافة إلى ذلك ،ينصح باحث الشيخوخة كل الذين يتعاملون مهنياً أو أسرياً مع مسنين مراعاة أكبر لبعد الكينونة
والخبرة الدينية لدى المسنين -و" إغنائهما " بالقدر نفسه :ويضيف باحث الشيخوخة األمريكي" :البد من تشجيع
المسنين بإلحاح على الحديث عن إيمانهم من أجل جعل أهمية اإليمان بالنسبة لحياتهم أكثر إدراكاً ،والبحث عن
القرب من اآلخرين .والبد من إتاحة الفرصة للمسنين ،خصوصاً في دور المسنين ،لتثقيف حياتهم الدينية سواء
شخصياً أم ضمن طائفة المؤمنين.
مراجع:
المقالة أعاله عبارة عن سلسلة مقاالت مترجمة بتصرف عن األلمانية منشورة في مجلة "علم النفس اليوم" األلمانية ،عدد حزيران
.)Psychologie Heute, Juni, 1997( 1997
DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46 ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ 2018