You are on page 1of 11

‫‪1‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫اإليمان والصحة النفسية‬


‫‪Faith and well-being‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Prof. Dr. Samer J. Rudwan‬‬ ‫أ‪ .‬د سامر جميل رضوان‬

‫اإليمان الشافي‬

‫كان علم الطب النفسي‪ ،‬ولفترة طويلة‪ ،‬يقلل من أهمية اإليمان باهلل‪ ،‬أو بقوة عليا وتأثير ذلك على الصحة‬
‫النفسية‪ .‬وكان ينظر إلى المتدينين على أنهم أقرب "للعصابيين" أو "المغتربين عن الواقع"‪ ،‬وكان الدين بالنسبة‬
‫للعالج النفسي يحمل معنى (االعتقاد الخرافي) وأنه نكوص إلى مرحلة بدائية من الوعي‪ ،‬وتهرباً من مواجهة واقع‬
‫الحياة‪ .‬وغالباً ما كان ثمن العزاء بالدين هو الخوف ومشاعر الذنب‪ .‬ولكن دراسات حديثة كثيرة تبرهن أن المؤمنين‬
‫يعيشون أكثر صحة وعافية نفسية‪.‬‬
‫وقد اعتبر "سيجموند فرويد" نفسه عالماً طبيعياً بالدرجة األولى‪ ،‬ولم يهتم بالروحانيات‪ .‬وبدالً من العزاء الذي كان‬
‫يبحث عنه الناس في "الشعور العظيم باإليمان"‪ ،‬استخدم فرويد التحليل والتبصر والتنفيس‪ .‬وطبقاً لذلك‪ ،‬كانت‬
‫سطر‪ ،mythologize‬كارل غوستاف يونغ‪ ،‬كبيرة‪ .‬ولكن حتى لو تصرف التحليل النفسي‬ ‫م اررته "بالخائن" المؤ ِ‬
‫َ‬
‫بطريقة تنويرية وعلمية‪ ،‬أليس هو نفسه أيضاً عبارة عن منظومة اعتقاد شبه دينية قائمة على األساطير‪ ،‬تقتضي‬
‫األرثودوكسية واالستسالم األعمى؟‬
‫يرى ناقد الطب النفسي "توماس تساز ‪ "Thomas Szasz‬أن كل عالج نفسي يهتم بالكيفية التي على اإلنسان أن‬
‫يعيش من خاللها‪ ،‬وينظم حياته األسرية والجنسية طبقاً لها ‪ -‬وهذه المواضيع الحياتية كلها هي في النهاية مواضيع‬
‫يعالجها الدين‪ .‬ولم يكن فرويد نفسه إال حاخاماً ُمقََّن َعاً‪.‬‬
‫ولكن على ما يبدو فإن الدين الدنيوي البديل ‪-‬علم النفس‪ -‬ال يستطيع مع كل متغيراته إشباع بعض الحاجات‪.‬‬
‫فالبحث في الذات ال يسد ثغرة المعنى والفراغ الداخلي‪ ،‬الذي يعذب بشر هذا العصر‪ .‬ويجد المعالجون أنفسهم في‬
‫مواجهة إقبال متبدل‪ ،‬وما كان مستبعداً في الماضي يعود اليوم بطرق كثيرة إلى علم النفس من جديد‪ :‬فالوسائط‬
‫والروحانيات لم تعد منذ أمد مواضيع محرمة أبداً‪ .‬ومن خالل دراسات جائحيه تتم دراسة تأثير الصلوات‪ ،‬وقد‬

‫‪1‬‬
‫‪Prof. Dr. Samer J. Rudwan, Department of Education & Cultural Studies, College of Arts & Sciences, University of Nizwa,‬‬
‫‪Oman. Email: srudwan@hotmail.com‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪2‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫تغضب نجاحات الكحوليين المغفلين ‪ Anonym‬الكثير من معالجي اإلدمان العلميين‪ ،‬ولكن ال يمكن تجاهلها‪ .‬إنها‬
‫تقوم ضمن ما تقوم عليه على اإلقرار بوجود "قوة عليا"‪.‬‬
‫للعصاب‪ ،‬وربما يعود ذلك إلى أن المؤمنين‬
‫وتبدو بعض أشكال اإليمان أقرب إلى "مصدر شاف" منها إلى مسبب ُ‬
‫يشعرون بما أسماه باحث الصحة "هارون أنتونوفسكي ‪ "Aaron Antonovsky‬ب "الشعور بالتماسك" أي‪ ،‬إن من‬
‫يشعر بأن حياته غنية وذات معنى‪ ،‬وبأنه جزء صغير من كل أكبر‪ ،‬يكون أكثر صالبة ومقاومة من الناحية النفسية‬
‫والجسدية‪ .‬وتؤيد دراسات حديثة الفرضية القائلة إن اإليمان غالباً ما يؤثر كدواء غير فعلي (بالسيبو ‪.)Placebo‬‬
‫طور من التسامح قد بدأ في علم النفس حيال اإليمان‪ :‬فمن أراد اإليمان‪ ،‬فعليه أن يقوم بذلك‬
‫اً‬ ‫وعلى ما يبدو‪ ،‬فإن‬
‫بشدة‪ ،‬فهو مفيد‪ .‬وما يعزي الملحدين والمؤمنين على السواء هو أن اإليمان ال يمكن وصفه أو تقديمه بوصفة طبية‬
‫عند الصيدالني‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اإليمان والصحة‬

‫اكتشف علماء النفس أن الدين عامل مساعد للصحة النفسية والجسدية بعد أن تجاهلوا كثي اًر وقللوا من قيمة هذا‬
‫العامل لفترة طويلة‪ .‬فقد أدركوا كارهين‪ ،‬وبحذر إلى حد ما‪ ،‬كيف َّ‬
‫تبدى من خالل عدد متزايد من الدراسات وجود‬
‫تأثير وثيق وايجابي بين اإليمان والحالة الصحية‪ ،‬وأن من يؤمن بإله أو قوة إلهية عليا‪ ،‬يمكن أن يتصف بالصفات‬
‫التالية‪:‬‬
‫­ يتغلب بسهولة أكبر على أزمات الحياة والمشقة (الضغط) والصراعات النفسية واالجتماعية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ Coping-Strategies‬فعالة‪ ،‬ولذلك فهو أقل تعرضاً لألمراض النفسية‬ ‫­ لديه "استراتيجيات تأقل"‬
‫والجسدية‪ ،‬فاإليمان هو دواء وقائي لديه‪.‬‬
‫­ يبدي المؤمن إذا ما أصيب بمرض ما ثقة أكبر بعملية الشفاء‪ ،‬وينمي هذه العملية مع المرض مما يسهل‬
‫حصول الشفاء‪.‬‬
‫­ يستهلك المؤمنون من الكحول والسجائر والعقاقير األخرى أقل بكثير من غير المؤمنين‪ ،‬ولذلك فهم أقل‬
‫تعرضاً لخطر اإلدمان أو العواقب السلبية لهذا االستهالك‪ .‬أي أن اإليمان يؤثر على أسلوب الحياة إيجابياً‬
‫ويكرس عادات حياتية صحية‪.‬‬
‫المرحل األخيرة من حياتهم أقل خوفاً وشكاً‪.‬‬
‫­ يتقبل المؤمنون الموت بشكل أسهل ويعيشون ا‬
‫وقد أمكن إثبات أنه حتى غير المؤمنين يستطيعون االستفادة من طاقة الممارسات الدينية الروحية من خالل‬
‫استعانتهم ‪-‬على شكل إعارة إن صح التعبير‪ -‬بالتقنيات المختلفة للصالة واالستغراق والتأمل‪ .‬ويصف "هيربيرت‬

‫‪ 2‬العنوان األصلي للمقال لرئيس تحرير مجلة "علم النفس اليوم" األلمانية ?‪ Macht Glauben Gesund‬في )‪Psychologie Heute, Juni, 1997( 20-21‬‬
‫‪3‬‬
‫استراتيجيات التأقلم‪ :‬آليات استعرافية شعورية يسخرها الفرد في مواجهة المواقف الحياتية المختلفة‪ ،‬خاصة المواقف المرهقة أو مواقف المتطلبات‪( .‬المترجم)‪.‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪3‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫بينسون ‪ "Herbert Benson‬المتخصص بالقلب ومكتشف "منعكس االسترخاء" في كتابه "الشفاء باإليمان" الكيفية‬
‫التي يمكن أن ينشأ فيها "الشعور الروحي" بالطاقة واألمان واالرتباط مع قوة أو طاقة "عليا" حتى لدى غير‬
‫المركز لصالة ما يؤدي إلى استرخاء جسدي عميق‪ ،‬وفراغ داخلي منعش وتحرر النفس من‬
‫المؤمنين‪ .‬إن التكرار ُ‬
‫زخم األفكار والمخاوف والمشاغل اليومية‪.‬‬
‫وتتجلى العالقة بين القناعات الدينية والصحة الجسدية والنفسية باطراد وبشكل أكثر تفصيالً‪ .‬وعليه فقد قيم النفساني‬
‫"ديفيد الرسون ‪ "David Larson‬من المعهد القومي ألبحاث رعاية الصحة ‪National Institute for‬‬
‫‪( Healthcare Research‬ماريالند‪ ،‬روكفيل‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية ‪ )Maryland ،Rockville‬بصورة‬
‫منهجية كل الدراسات التي نشرت في أكبر مجلتين متخصصتين في الطب النفسي بين عامي ‪ 1978‬و‪ 1989‬فيما‬
‫يتعلق بالعالقات بين اإليمان والصحة النفسية‪ ،‬وتوصل إلى النتيجة التالية‪ :‬يؤثر التدين في ‪ %84‬من الحاالت‬
‫بشكل إيجابي وفي ‪ %13‬بشكل حيادي وفي ‪ %3‬فقط بشكل سلبي‪ .‬كما وجد أن استهالك المؤمنين للعقاقير‬
‫والكحول أقل بكثير من غير المؤمنين‪ ،‬وأن نسبة االنتحار والطالق لديهم أقل ‪ -‬واألمر الذي قد يفاجئ البعض‪-‬‬
‫أنهم يعيشون حياة جنسية أفضل‪ ،‬أيضاً‪.‬‬
‫وقد أجرى الرسون نفسه دراسة في والية جورجيا األمريكية‪ ،‬ووجد أن المدخنين الذين ال يذهبون إلى الكنيسة يعانون‬
‫من ارتفاع ضغط الدم بمعدل أربع أضعاف ما يعانيه المدخنون الذين يصلون بانتظام‪ ،‬بل وأن ضغط دم المدخنين‬
‫المؤمنين كان في مستوى ضغط دم غير المدخنين من غير المؤمنين‪.‬‬
‫كما ودرس "كينث بارغامينت ‪ ،"Kenneth Pargament‬أستاذ علم النفس في جامعة "بولينغ"‪ ،‬أوهايو ‪Bowling‬‬
‫‪ Green State University‬اآلثار الصحية لإليمان لدى مئات المؤمنين من مختلف االعتقادات‪ ،‬واستنتج أنه‬
‫البد من التمييز بدقة بأن التأثير اإليجابي أو التأثير األقرب للسلبي للتدين يتعلق بشكل قاطع بنوع اإليمان‪ .‬فالناس‬
‫الذين يعيشون على رعب معاقبتهم من "إله صارم" على خطاياهم والذين يعيشون هذه الصرامة على نحو "جو‬
‫انفعالي" يميلون لالكتئاب والقلق واالضطرابات النفسية الجسدية بشكل أشد من غير المؤمنين‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬ينمي‬
‫اإليمان بإله خيَّر ورحيم‪ِّ ،‬‬
‫يقدر الضعف اإلنساني بتسامح ويرتبط مع االطمئنان االنفعالي ضمن مجموعة أو طائفة‬
‫دينية‪ ،‬ينمي الصحة النفسية والجسدية‪.‬‬
‫للمتلقي السلبي‪ ،‬والثاني‬
‫وأخي اًر‪ُ ،‬يميز "هيربيرت بينسون" بين شكلين مختلفين من أشكال اإليمان‪ .‬األول‪ ،‬إيمان أقرب ُ‬
‫المحفز الفاعل‪ .‬إن من يستطيع أن "يستسلم ويضع قدره بكل ثقة بين يدي اهلل (أو قوة عليا) يستفيد من طاقة‬ ‫ُ‬
‫اإليمان" ‪ .‬وتعبر دعوات من نوع " مشيئتك يا رب" عن هذا النوع من المواقف‪ .‬بالمقابل ال يبدي اإليمان "الغرضي"‬
‫الظاهري أية آثار إيجابية على الصحة‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص نتائج األبحاث الحديثة حول التدين والصحة على الشكل التالي‪:‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪4‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫من المحتمل جداً أن يقوم التأثير الطيب لإليمان على التوليف بين الدعم االجتماعي‪ ،‬ومعنى الحياة والشعور‬
‫باالرتباط بقوة عليا وممارسات الصالة والتأمل المخفضة لإلرهاق‪ .‬والسؤال المطروح في هذا السياق هو‪ :‬هل وصل‬
‫علم النفس بهذا إلى نقطة تحول؟‬
‫لقد كان علم النفس دائماً فخو اًر بتقاليده الدنيوية وغير الدينية‪ .‬وكما يصف "بيرنارد غروم" في مساهمته التالية‪ ،‬فقد‬
‫‪4‬‬
‫كان على الدوام من ضمن هذه التقاليد وجود شك واضح بصورة خاصة بكل أشكال التدين‪ ،‬هذا إذا لم تتم مرضنة‬
‫التدين (أي وصمه بالمرض)‪ .‬فقد اعتبر الدين لوفترة طويلة على أنه هروب واضح من الواقع وضيق األفق‪ ،‬غير‬
‫أنه من الصعوبة بمكان استمرار مثل هذه االفتراضات النفسية‪ ،‬ألن هناك ارتباطات إيجابية كثيرة ال تُنكر بين‬
‫أشكال محددة من التدين والصحة النفسية والجسدية‪.‬‬

‫(تسمم اإلله أم عالجه)‪5‬؟‬


‫ازدادت مؤخ اًر الدالئل على أن المؤمنين يجنون من إيمانهم باهلل‪ ،‬أو بقوة عليا‪ ،‬فائدة فيما يتعلق بصحتهم النفسية‬
‫"سماً" يمكنه أن يحول الناس إلى معاقين‬
‫والجسدية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬يعتبر الدين من قبل البعض منذ زمن بعيد ُ‬
‫ُعصابياً‪ .‬فهل هذا صحيح؟ وهل اإليمان خسارة نفسية أم مكسب؟ وهل يضر التدين بالصحة النفسية لإلنسان أم‬
‫ينميها؟‬
‫في المحيط الناطق باأللمانية‪ ،‬مازال التفكير بهذه المسألة يتحرك حتى اآلن في سكة التحليل النفسي بشكل خاص‪.‬‬
‫"عصاب قهر عالمي"‪ ،‬وعن رغبة نكوصية نحو‬ ‫فمع "سيجموند فرويد" ينطلق الكثير من فكرة أن التدين عبارة عن ُ‬
‫حماية أب جبار‪ ،‬ويبحثون عن الجذور الرئيسية لمثل هذا التشكل‪ ،‬وعدم النضج في التربية الطفولية الباكرة‪.‬‬
‫فإذا كان فرويد قد صاغ مقولته هذه بعقالنية باردة‪ ،‬دون ذكر ولو مثال واحد‪ ،‬فإن المحلل النفسي "تيلمان موسر‬
‫‪ "Tillman Moser‬قد نشر عام ‪ 1976‬في مذكراته التي أسماها "تسمم اهلل" كتاباً احتوى على كل ما ينقص ذاك‪:‬‬
‫الذهول والوضوح‪ .‬وعلى الرغم من االنتقاد الموجه لكتابه على أنه مبالغة في التبسيط‪ ،‬فإنه أعاد بقوة نمط التفسير‬
‫الفرويدي وافر العمومية إلى حيز النظر وركزه ووسعه بقوة‪.‬‬
‫"العصاب الديني ‪Ecclesiogenic‬‬
‫وما يميز تفكير التحليل النفسي أيضاً التمسك األلماني بشكل خاص بمفهوم ُ‬
‫‪ "neuroses‬الذي صاغه المحلل النفسي "إيبيرهارد شيتزونغ ‪ "Eberhard Schaetzung‬عام ‪ ،1955‬وكان‬
‫يتبع قصداً محقاً في ذلك الوقت يتمثل في التحذير من عواقب الجنسية المتطرفة في االحتشام‪ ،‬غير أنه مارس‬
‫العصابي النظري عندما ادعى أن الجنسية المثلية "تُربى مباشرة في حلقات دينية تسمى ‪ 6Pietistic‬من‬
‫الفجور ُ‬
‫المرضنة‪ :‬جعل الشيء مرضياً‪ ،‬أو إلحاق صفة المرض بالشيء‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫العنوان األصلي للمقال ‪ Gottesvergiftung oder Gottestherapie‬في (‪ Psychologie Heute , Juni 1997 (22-24‬للمؤلف بيرنهارد غروم‪،‬‬
‫أستاذ في علم نفس الدين والتربية الدينية في المعهد العالي للفلسفة في ميونخ‪ .‬من منشوراته "علم النفس التربوي الديني في سن الطفولة والمدرسة واليفوع" الطبعة‬
‫الرابعة ‪ 1992‬و "علم نفس الدين"‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1996‬ومن أجل أن تنجح الحياة ‪.1997‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ :Pietism‬حركة دينية نشأت في ألمانيا في القرن السابع عشر قامت على دراسة الكتاب المقدس والخبرة الدينية (المترجم)‪.‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪5‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫خالل تحريم وتذنيب الجنس‪ .‬كما وأن البرودة الجنسية والعجز الجنسي يقومان على أساس تربية معادية للدافع‬
‫ومتزمتة‪.‬‬
‫كالوس توماس‪ ،‬طبيب وعالم الهوت ومحلل نفسي في برلين‪ ،‬تبنى التعبير وأطلقه كذلك على اضطرابات معينة‪،‬‬
‫العصابات القهرية‪ ،‬بل وحتى على معاناة القساوسة من تضيق النظم الكنسية والرؤساء‪.‬‬
‫مثل المازوخية والسادية و ُ‬
‫صاب الديني" لدى ‪ % 75‬من أصل أكثر من ‪ 100‬دار من بيوت القساوسة الذين تعرف عليهم‬ ‫"للع َ‬
‫وكان تشخيصه ُ‬
‫في جولته الثقافية سخياً بمثل هذا التفسير أيضاً‪ .‬إنه لرقم قياسي‪ .‬ذلك أنه على ما يبدو لم يقم وال مؤلف قبالً‬
‫باعتبار مجموعة مهنية كاملة بالجملة ‪-‬وبما يتناقض مع كل الدراسات التجريبية التي أجريت الحقاً ‪-‬على أنها‬
‫عصابية‪ .‬وبالطبع فإن توماس يقصد أيضاً بأن "التدين الحقيقي" يمكنه أن يقي من العصابات وأن يشفي‬
‫االضطرابات الخفيفة‪.‬‬
‫حتى وان كان من غير المنكر أن كثير من الناس‪ ،‬وليس في الدوائر الكنسية فقط‪ ،‬كانوا قد عانوا من تزمت كان‬
‫منتش اًر في الساب ق‪ ،‬فلن يخطر اليوم ببال أي شخص اعتبار االضطرابات الجنسية والجنسية المثلية "ذات منشأ‬
‫ديني"‪ .‬وماذا عن اضطرابات القسر المترافقة بمخاوف دينية؟ فإذا ما كان على أحدهم أن يعيد صلواته م ار اًر وتك ار اًر‬
‫أفكار سيئة قد أزعجته أثناء العبادة‪ ،‬أال يكمن السبب عندئذ بوضوح‬
‫اً‬ ‫ألنه يخشى بأنه لم يكن مستغرقاً كفاية‪ ،‬أو ألن‬
‫في التربية الدينية المتزمتة أو فهم خاطئ لها؟‬

‫"العصاب ذو المنشأ الديني" ‪ -‬مفهوم يريح‬


‫في كتابه "خرافة تسمم اهلل" الصادر عام ‪ 1993‬يذكر الطبيب النفسي "صامويل بفايفر"‪ ،‬أن علم النفس العيادي‬
‫ينظر إلى كل االضطرابات النفسية الجدية بصورة متعددة العوامل‪ .‬وطبقاً لذلك‪ ،‬تتفاعل تأثيرات غير مالئمة في‬
‫الطفولة واليفوع والنقص في التكافل االجتماعي‪ ،‬إضافة إلى استعداد عصبي حيوي موروث أيضاً‪ ،‬بعضها مع‬
‫بعض لتؤثر على التغلب على الضغوط والصعوبات الراهنة بنجاح‪ .‬ويتجلى عامل االستعداد العصبي الحيوي‬
‫الموروث في أن اضطرابات القهر مثالً ال تظهر في الغالب إال لدى واحد من عدة أطفال تلقوا التربية نفسها ألسرة‬
‫واحدة‪ ،‬وأن هذه االضطرابات تترافق مع آالم أخرى‪ ،‬يمكن تخفيفها من خالل األدوية النفسية‪ .‬وحسب دراسات‬
‫أخرى‪ ،‬فإن اضطرابات القسر لدى المتدينين ليست أكثر تك ار اًر منها لدى األقل تديناً أو غير المتدينين‪ ،‬وكذلك يمكن‬
‫للقسر عند المتدينين أن يدور حول مخاوف دنيوية بالمقدار نفسه الذي يدور فيه حول مخاوف دينية‪.‬‬
‫وطبعاً يمكن لتربية أن تحافظ على المطالب الصارمة من خالل التنبيه إلى العقوبة اإللهية وأن تقوي القلقية العامة‬
‫الموجودة عند مفرطي الحساسية من األطفال وامكانات التعبير الدينية تساعد على ذلك‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪،‬‬
‫وحتى في الحالة غير المالئمة أيضاً‪ ،‬يظل مثل هذا المحيط سبباً ضمن أسباب أخرى‪ .‬ولكن من الذي يقر ببساطة‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪6‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫الم َش ِّوهة وفق نموذج‬


‫بأنه حساس؟ فلماذا إذاً ال ُيعزى كل الذنب أو على األقل الذنب الرئيسي إلى التربية الدينية ُ‬
‫التحليل النفسي وتخفيف العبء؟‬
‫وهذا ما يدعو إليه مفهوم "العصاب الديني" بالتحديد‪ .‬غير أنه يضيق النظرة التشخيصية والعالجية ‪-‬ولهذا السبب‬
‫أيضاً لم يتم إدخاله في أية منظومة تصنيف علمية لالضطرابات النفسية‪ .‬بل أن طالب علم النفس العيادي يتعلم‬
‫العصابات‪ ،‬إذا ما أراد تجنب الوقوع في خطأ النظرة أحادية الجانب‪ ،‬الذي‬‫بأنه ال بد من مراعاة عوامل متعددة في ُ‬
‫قاد إلى تسميات مثل ُعصابات أخرى اجتماعية المنشأ أو طبية المنشأ‪ ،‬أو دينية المنشأ‪ ،‬كما يقول "راينير توله‬
‫‪ "Reiner Toelle‬في كتابه التعليمي "الطب النفسي" الصادر عام ‪ .1988‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬ما يزال علماء‬
‫العصابات الدينية‪ ،‬حتى عندما يجدون أنفسهم مضطرين إلى تضييق المفهوم من خالل‬ ‫النفس األلمان يتحدثون عن ُ‬
‫وضعه بين قوسين‪ ،‬أو من خالل إضافة أنه البد من عدم فهم المصطلح بصورة سببية‪ ،‬وانما بصورة ارتباطية‪.‬‬
‫وهل يسبب اإليمان المرض؟ على الرغم من أن باحثين متفرقين في علم النفس األمريكي كالملحد المشهور "ألبيرت‬
‫إيليز‪ "Albert Ellis‬قد اتخذوا من ذلك موقفاً نقدياً خاصاً‪ ،‬من حيث المبدأ‪ ،‬فقد تطور في الثالثين سنة األخيرة بحث‬
‫تطرق نظرياً للمسألة بصورة أكثر صراحة‪ ،‬وبشكل خاص بصورة أكثر توجهاً نحو المالحظة مما هو األمر في‬
‫ألمانيا‪ .‬وقد ميزت الدراسات التي تمخض عنها هذا البحث‪ ،‬والتي تبلغ أكثر من ‪ 200‬وفق نمط عام‪ ،‬ولكنه موثوق‬
‫بين تدين حقيقي‪ ،‬أي نابع عن قناعة وغير حقيقي ظاهري (يسير مع التيار) ومتجهاً لتحقيق مكاسب معينة‪،‬‬
‫واستنتجت وجود قيم نفسية وقائية عند الفئة األولى (لدى أصحاب التدين الحقيقي) أفضل من الثانية (تدين‬
‫ظاهري)‪ .‬وغالباً ما يطرح السؤال عن األهمية التي يعطيها اإلنسان لإليمان من جهة‪ ،‬ووجود سمات معينة من‬
‫الصحة النفسية قابلة للقياس‪ ،‬من جهة أخرى‪.‬‬

‫هل يستطيع اإليمان التعويض عن العالج النفسي؟‬


‫كانت نتائج الدراسة السابقة واضحة‪ :‬كلما زدادت أهمية الدين لدى المشمولين بالدراسة‪ ،‬وكلما كانت صلواتهم أكثر‬
‫العصابية‪،‬‬
‫انتظاماً‪ ،‬قل احتمال إدمانهم للعقاقير والكحول‪ .‬كما قدمت دراسات أخرى إجابات واضحة حول موضوع ُ‬
‫أي عدم االستقرار االنفعالي‪ ،‬وال ُذهانية‪ ،‬التي يفهم تحتها فقر المشاعر والخجل أو الحياء من االتصال‪ -‬وهما‬
‫سمتان اعتبرهما "هانس يورغن آيزينك" ملفتتان للنظر بدرجات مختلفة بالنسبة لشكاوى مركبة‪ .‬وحول هذا األمر‪،‬‬
‫العصابية والتدين‪ .‬غير أنه‬
‫ُيلخص "ليسلي ج‪ .‬فرانسيس ‪ ،"Leslie J. Francis‬بأنه ليس هناك من عالقة بين ُ‬
‫توجد عالقة سلبية دالة بين الذهانية (الحياء) والتدين‪.7‬‬
‫وطبقاً لهذه المقاييس ال يوجد أي سبب لإلقرار بأن المؤمنين هم على درجة أدنى من الصحة النفسية‪ ،‬بل العكس‪،‬‬
‫هناك دالئل واضحة على تمتعهم بدرجة عالية من الصحة النفسية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫العالقة اإلحصائية السلبية تعني وجود عالقة عكسية بين الطرفين‪ ،‬أي كلما ارتفع أحدهما قل اآلخر (المترجم)‪.‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪7‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫وهكذا تتكاثر الدالئل ‪-‬على الرغم من أن أشياء كثيرة مازالت غير واضحة بعد ‪-‬على أن التدين الشخصي في‬
‫جملته أقرب للمساهمة بالوقاية من االضطرابات النفسية الخفيفة‪ ،‬أو حتى التغلب عليها بصورة مالئمة‪ ،‬ولكن ضمن‬
‫حدود معينة‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬أال يؤيد ذلك مطلباً عالجياً يقر بتيار نفسي وقائي لتدين بناء غير تيار التحليل النفسي؟‬
‫منذ بدايات هذا القرن‪ ،‬مجد علماء النفس األمريكان اإليمان باعتباره مصد اًر "للطاقات اإللهية ‪Trans mundane‬‬
‫وقوة شفاء روحية‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪ ،Esoteric‬بعد‬ ‫ومن جذور مشابهة‪ ،‬نمى مع االزدهار النفسي وحركة التأمل ‪ Mediation‬وموجة "اإليسوتيريك‬
‫‪ 1970‬في كثير من البلدان‪ ،‬تجمع كبير مكون من األمل العالجي ‪ -‬الروحاني‪ .‬ففي حين طور "أدريان فان كام‬
‫‪9‬‬
‫‪Transcendence therapy‬‬ ‫‪ "Adrian van Kaam‬في الواليات المتحدة األمريكية "العالج الماورائي‬
‫والنفساني الطبي "بالتازار ستيلين" ‪ Balthasar Staehlin‬عالجاً أساسياً نفسياً‪-‬جسدياً "ضد نقص الثقة األصلية ‪-‬‬
‫لديه خلفية مثل فان كام في الروحانيات المسيحية ‪-‬مع توليف من الدعوات الحارة وحركات إيقاعية ودعوات قلبية‬
‫كنسية شرقية‪.‬‬
‫كما طور "كارلفريد غراف دوركهايم ‪ "Karlfried Graf Duerckheim‬من ال اززان ‪ Zazan‬الياباني البوذي "العالج‬
‫الشعائري" ‪ Intiatical Therapy‬الذي يهدف إلى تحقيق عملية الفردانية الشافية من خالل وسيط التنفس وخبرة‬
‫التوحيد‪ ،‬حسبما يرى "كارل غوستاف يونغ"‪ .‬وحفزت الطقوس الصوفية اإلسالمية الباكستاني "سيدا جاهانغيير‬
‫‪ "Syeda Jahangir‬إلى تطوير طريقة "عالج القوة األخرى"‪ ،‬التي تشجع المتعالج على إحياء عالقته باهلل‪ ،‬لشفاء‬
‫حتى االكتئابات الشديدة‪ ،‬كما يقول‪ .‬وأخي اًر يستند الطبيب النفسي "ستانيسالف غراف ‪ "Stanislav Graf‬إلى‬
‫الخبرات الشامانية‪ ،‬بطريقته التي يهدف من ورائها إلى تحقيق خبرات "ما وراء شخصية ‪ transpersonal‬شافية من‬
‫خالل التنفس المتسارع والموسيقى وحركة الجسد وعالمة المانداال ‪.Mandala‬‬
‫فهل إذاً هو "عالج اهلل" بدالً من "تسمم اهلل"؟ على الرغم من أن المبادئ المذكورة ال تتطلع إلى الحلول محل العالج‬
‫النفسي الراسخ‪ ،‬غير أنها ال توضح كذلك فيما إذا كانت تدعمه‪ ،‬وتعد بتأثير قاعدي غير مقصور على اضطرابات‬
‫اء لكل داء‪ .‬وهذا ال يستبعد أن مساعدة المعالجين الروحانيين والدوافع الدينية تخفف‬
‫محددة‪ ،‬ولذلك يمكن اعتبارها دو ً‬
‫من اآلالم البسيطة ‪-‬غير أن هذه التأثيرات لم يتم إثباتها إال من خالل تقارير عن حاالت فردية فقط‪.‬‬
‫وقد اقترح بعض علماء النفس األمريكان طريقة أكثر موثوقية استخدموا فيها "العالج العقالني االنفعالي ‪Rational‬‬
‫"‪ emotive therapy‬أللبيرت إيليز أو "العالج االستعرافي أو اإلدراكي" ‪ Cognitive Therapy‬وفق طريقة "أرون‬
‫بيك" مع متعالجين مسيحيين‪ ،‬وأدخلوا قناعات دينية في هذين األسلوبين‪ .‬وقد اشترك في مثل هذه التجربة أشخاص‬
‫يعانون من اكتئاب طفيف‪ .‬وبعد أن تم إرشادهم إلى جعل األفكار السلبية التي تحصل لديهم بشكل آلي تقريباً‬

‫‪8‬‬
‫أسرار يسمح اإلطالع عليها من قبل أشخاص معينين فقط ( المترجم)‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫كل ما يقع وراء الخبرة اإلنسانية‪ ،‬أو ما ال يمكن إدراكه بالخبرة اإلنسانية (المترجم)‪.‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪8‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫مدركة‪ ،‬وجب عليهم أن يحاولوا صياغة مواقف أكثر مالئمة‪ ،‬والتمرن عليها في مجاالت محددة من مشكالتهم‬
‫اليومية‪.‬‬
‫المعالج على مجموعة دنيوية من خالل التصور التالي‪" :‬إني أرى الكيفية التي‬
‫وكرؤيا مستقبلية تفاؤلية‪ ،‬فقد أثر ُ‬
‫سأتغلب فيها على هذا الموقف الخاص في المستقبل" في حين ُحفزت مجموعة ُمتدينة على القول "أستطيع أن‬
‫أتصور كيف سيكون المسيح معي في هذا الموقف الذي أحاول التغلب عليه"‪ .‬وقد ظهر أن متغيرات العالج الدينية‬
‫كانت فاعلة على الدوام في االختبارات الالحقة‪ ،‬بل وأحياناً أكثر قليالً من الشكل الدنيوي‪ ،‬إال أن التحسن في كال‬
‫األسلوبين لم يستمر طويالً‪.‬‬
‫وليس من المفاجئ أال تحقق المتغيرة الدينية أعجوبة الشفاء‪ .‬ذلك أنه سواء نشوء االضطرابات النفسية أم عالجها‬
‫يتعلق بعوامل متنوعة‪ .‬وال يشكل اإليمان الديني إال واحداً منها‪ ،‬فحسب‪ .‬ويمكن لإليمان من خالل مغزاه أن ُي َعِّزز‬
‫وي َؤ ِكد االستعدادات للخبرة والتقييم التي تتحول بالتدريج نحو اإليجابية‪ ،‬وذلك عندما يتم وصف عالج دوائي ضروري‬
‫ُ‬
‫أو إثارة عمليات التعلم الملحة على سبيل المثال‪ .‬وبهذا فقد يعيق اإليمان االستسالم ‪-‬طالما أن االكتئاب غير‬
‫عميق‪-‬وحتى االنتحار أيضاً‪ .‬ولكن اإليمان ال يمكن أن يحل في العادة محل العمل العالجي النفسي وانما يمكن أن‬
‫يدعمه‪.‬‬

‫قلما توجد عالقة بين اإليمان والحظ‬


‫وهكذا‪ ،‬فقد تقدم الرأي القائل بأنه البد من احترام القيم الدينية والثقافية للمتعالجين‪ ،‬وفي مقتضى الحال أيضاً‪ ،‬البد‬
‫من التعرض لها كوحدة مترابطة‪ .‬لقد أجاب ‪ %53‬من النفسانيين العياديين في الجمعية األمريكية لعلم النفس‪ ،‬بأنهم‬
‫يعتبرون أن القناعات الدينية لدى متعالجيهم مرغوبة‪ ،‬في حين أن ‪ % 14‬وصفوها بأنها غير مرغوبة و‪ %33‬لم‬
‫يكونوا مع أو ضد‪.‬‬
‫نعم ‪-‬للدعم العالجي من خالل الدين؛ ولكن ليس كبديل للعالج النفسي‪ :‬وقد أثبت هذا المبدأ األساسي صالحيته‬
‫في مجموعات مختلفة للمساعدة الذاتية‪ ،‬وبشكل مثير في مجموعات الكحوليين المغفلين ‪ Antonym‬أكبر حركة من‬
‫هذا النوع في العالم ككل‪.‬‬
‫فمنذ بدايتهم عام ‪ 1935‬فإن الكحوليين المغفلين مقتنعون بأن االتجاه الروحاني يمكن أن يدعم التحرر من اإلدمان‬
‫بشكل أكيد‪ ،‬على الرغم من أنهم يتقبلون أعضاء غير متدينين بينهم‪ .‬وفي ما يسمى بالخطوات ‪ 12‬تقول إحداها‪:‬‬
‫"لقد توصلنا إلى االعتقاد بأن قوة أكبر منا يمكنها أن تعيد لنا صحتنا العقلية‪ .‬لقد قررنا أن نضع إرادتنا وحياتنا بين‬
‫يدي اهلل ‪-‬بالشكل الذي نفهمه به"‪.‬‬
‫كما وظهرت من جانب العصاب والشفاء‪ ،‬وفي المجال السوي للخبرة الطبيعية صورة شبيهة لتأثير اإليمان الديني‪.‬‬
‫ففي الواليات المتحدة األمريكية وكندا وألمانيا أظهرت ما ال يقل ثالث مجموعات من األبحاث بوضوح بأنه يوجد‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪9‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫ارتباط إيجابي‪ ،‬ولكن غير شديد‪ ،‬بين اإليمان الذي يمتلك أهمية شخصية من جهة والرضا عن الحياة والسعادة‬
‫والمزاج اإليجابي من جهة أخرى‪.‬‬
‫ويتضح هذا االرتباط في التدين الناشئ من الداخل أكثر منه في التدين الظاهري‪ .‬وهذا الزائد في اإلحساس بالصحة‬
‫ال يتعلق باالنتماء إلى طائفة دينية داعمة من الناحية االجتماعية فحسب‪ ،‬وانما أيضاً بالصلوات الشخصية‬
‫وبقناعات دينية راسخة‪ .‬واستناداً إلى األلمان الغربيين على سبيل المثال‪ ،‬ظهر في استطالع أجراه "إيمنيد ‪"Emnid‬‬
‫بعنوان "بماذا يفكر األلمان" بتكليف من مجلة "دير شبيغل" األلمانية عام ‪ ،1992‬أن الناس الذين يزورون الكنيسة‬
‫للصالة بانتظام أكثر سعادة في حياتهم بنسبة ‪ % 16‬أكثر ‪-‬إذا كانوا من البروتستانت ‪-‬وبنسبة ‪ %10‬أكثر ‪-‬إذا‬
‫كانوا من الكاثوليك ‪ -‬من الذين ال يذهبون إلى الكنيسة‪.‬‬
‫وال ينكر أحد أن الحظ والسعادة تتطلبان طيفاً واسعاً من القيم الدنيوية واستراتيجيات إشباع وأنماط تغلب عامة‪ ،‬أي‬
‫باختصار "تقنيات حياتية"‪ ،‬كما يسميها "هانس تومي ‪ Hans Thomae‬ولكن نتائج األبحاث المذكورة تشير إلى‬
‫نتيجة مفادها أن التدين الحار يمكن أن يحفز وينمي بعض التقنيات الحياتية المهمة‪ .‬واال لماذا يقر ‪ %37‬من‬
‫سكان غرب ألمانيا بأنهم ينهلون من اإليمان "المواساة والقوة"؟‬
‫ولهذا السبب ما من شك اليوم‪ ،‬ليس بالنسبة لكثير من المعالجين النفسيين فحسب‪ ،‬وانما بالنسبة لباحثي نوعية‬
‫الحياة‪ ،‬بأن التدين يشكل مورداً مهماً للصحة النفسية‪ .‬أما الكيفية التي ينبغي فيها تفسير هذا التأثير المبارك‬
‫بالتحديد ‪-‬كدافع الحترام الذات‪ ،‬كدعم عمليات الحزن‪ ،‬كتحقيق للمعنى في االلتزام االجتماعي‪ ،‬ومدخل للتفكير‬
‫اإليجابي في الشكر والحمد‪ -‬فقد تمت دراستها في علم النفسي بشكل جزئي‪.‬‬
‫غير أن السؤال المطروح هو‪ :‬على الرغم من المحصلة اإليجابية‪ ،‬فلماذا مساهمة اإليمان بالسعادة والرضا عن‬
‫الحياة محدودة؟‬
‫يكمن السبب من جهة بأن اإليمان اليوم لدى كثيرين قد تحول إلى فكرة قليلة الممارسة على شكل ‪-‬لقد ‪-‬سمعت ‪-‬‬
‫مرة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬ألن القناعات الدينية ‪-‬منظور إليها من جهتها بصورة متعددة العوامل ‪-‬ال تحسن بشكل‬
‫مباشر مثل األدوية النفسية‪ ،‬األسس العصبية لمزاجنا وقابليتنا لإلرهاق‪ ،‬وال تحشد كذلك كل مساحة تقنيات الحياة‬
‫التي تضمن الصحة والسعادة‪ ،‬وانما تعتمد دائماً على نمو مالئم وعام للشخصية‪.‬‬
‫إن التدين بكل معانيه ورموزه وطقوسه ال يمكنه إال أن يؤكد ويحفز ويدعم االستعداد المتوفر نحو التقييم اإليجابي‬
‫لذات الشخص وللمحيطين به وللحياة‪ .‬وهذا كثير ولكن ليس كل شىء‪ .‬وحتى في هذا اإلطار قد ينمي الصحة‬
‫الجسدية أيضاً‪ ،‬كما ترى دراسات أمريكية أنها تستطيع إثبات ذلك في عوامل خطر صحية متعددة‪.‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪10‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫ولكن‪ ،‬هذا لن يحدث بالطبع إلى درجة تبرير (عالوة تديُّن) على المبالغ المساهم بها لصندوق التأمين المرضي‪.‬‬
‫ومع هذه التقييدات‪ ،‬يمكن أن يتمسك حكم "مارتين بوبيرز ‪ "Martin Bubers‬بمنصة اختبار علم النفس التجريبي‪:‬‬
‫من حيث المبدأ تنتهي كل الديانات الكبرى والحركات الدينية بخلقها لحياة بنشاط"‪.‬‬

‫الدين‪ :‬إكسير الشباب لكبار السن؟ ‪ -‬تثبت الدراسات‪ ،‬كيفية تأثير اإليمان على نوعية حياة المسنين‬

‫نجم المسنين ساطع ‪ -‬حتى في العلم‪ .‬وكما يقول باحث الشيخوخة األمريكي "تيموتي جونسون ‪"Timothy Johnson‬‬
‫إ نه على الرغم من أن علماء الشيخوخة قد اهتموا في السنوات األخيرة بصورة مكثفة بمشكالت الصحة والذكاء في‬
‫الكبر‪ ،‬إال أنهم لم يهتموا كثي اًر فيما إذا كان إيمان المسنين يؤثر على حياتهم‪ ،‬والكيفية التي يؤثر بها اإليمان‪.‬‬
‫وتظهر دراسات أمريكية حديثة‪ ،‬بأن التدين يمكن أن يؤثر على كل مجاالت الحياة بصورة إيجابية‪ ،‬فهو يمتلك‬
‫أهمية وجودية بالنسبة لكبار السن أيضاً‪.‬‬
‫وحتى اآلن اكتفى كثير من الباحثين باالستنتاج البسيط القائل بأن كبار السن متدينون‪ ،‬واقتصروا غالباً على ما‬
‫يسمى ب "البعد الذاتي" من خالل أسئلة أقرب للسطحية‪ ،‬مثل‪ :‬كم مرة يصلي الكبار في السن ومدى تكرار قراءة‬
‫الكتب المقدسة‪ -‬فمن الدراسات األمريكية نعرف على سبيل المثال أن ثالثة من أصل أربعة من كبار السن‬
‫األمريكيين تقريباً يصلون يومياً والثلث يق أر اإلنجيل‪.‬‬
‫وبالنسبة "لجونسون" ينبغي أن ُي نظر لإليمان أو للخبرة الدينية أو الروحية "كحدث متعدد األبعاد" يتضمن بشكل‬
‫بالحسبان حتى اآلن إلى مدى كبير‪ -‬وال‬
‫خاص‪ ،‬إلى جانب بعد داخلي "خاص" مستوى سلوكياً خارجياً غير مأخوذ ُ‬
‫يقتصر على السؤال عن تكرار الذهاب إلى الكنيسة‪ .‬وتظهر النتائج المفاجئة ألبحاث الشيخوخة أنه كلما كان كبار‬
‫السن أكثر تديناً‪ ،‬انخرطوا بشكل أكثر فعالية بالحياة االجتماعية‪ ،‬واهتموا بعالقاتهم اإلنسانية‪ ،‬سواء الزوجية منها أو‬
‫الصداقة أو الجيران‪ ،‬واهتموا بمن يحتاج إلى مساعدة أو بقاطني دور العجزة‪ .‬ويبدو أن التدين بالنسبة للمسنين هو‬
‫قوة إيجابية للتعبير عن "التضامن مع الكون واآلخرين"‪.‬‬
‫وال يؤثر كل من اإليمان الشخصي باهلل والصالة داخلياً فحسب‪ ،‬وانما يؤثران بشدة على الحياة االجتماعية للمسنين‪.‬‬
‫وبالنسبة لباحثي الشيخوخة "مارتين هولت ومورتون ديلمان‪-‬جينكينز" تُمثل "الحياة الروحية" الغنية وجوهاً اجتماعية‬
‫جوهرية تصون الكثير من المسنين من مشكلة جبارة للمجتمعات الحديثة وهي "العشوائية" كفقدان للمعنى‪ ،‬وتداعي‬
‫القيم‪ .‬فاإليمان يساعد المسنين بالمقابل على تنمية نوعية حياتهم بعمق‪ ،‬ومنح حياتهم معنى‪ ،‬والتغلب على التفكير‬
‫بالموت أو التعامل مع الخسائر واألحزان بشكل أفضل‪.‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬
‫‪11‬‬

‫‪Arabic Science Archive (arabixiv.org) 2018‬‬

‫ويحقق التدين في الكبر تكامالً وجودياً واسعاً‪ ،‬بحيث أنه يبدو بالنسبة لكثير من المسنين نوعاً من اإلكسير الجسمي‬
‫والروحي‪ .‬وقد وجد علماء الشيخوخة أن المسنين المتدينين أكثر أمالً وتفاؤالً من أترابهم المسنين غير المتدينين‪،‬‬
‫ويمتلكون قيمة ذاتية أكبر ويتحكمون بالحياة بشكل أفضل‪ ،‬وال يشعرون بالوحدة أو التعاسة‪ ،‬ويعانون بشكل أقل من‬
‫كثير من األمراض االكتئابية‪ ،‬ويتغلبون على المشقة بشكل أفضل‪ .‬ويمكن القول باختصار‪ :‬إن من يؤمن باهلل‬
‫والحب اإللهي يعيش في شيخوخته أكثر صحة وسعادة‪.‬‬
‫والمعطيات واضحة جداً ‪-‬للتدين تأثير أكبر من الدخل أو التأهيل أو عدد سنوات العمر –ولن يظل علماء النفس‬
‫واالجتماع يفسرون التدين لفترة طويلة على أنه هروب من الواقع أو يضعونه في خانة الميول السلوكية العصابية‪.‬‬
‫على أية حال‪ ،‬يؤكد "تيموني جونسون" أنه البد من التأكد من النتائج الحالية من خالل أبحاث أخرى وتعميقها‬
‫تجريبياً ونظرياً‪ .‬وبما أنه ال تتوفر دراسات مقارنة عبر ثقافية والدراسات تستند بال استثناء على الطوائف اليهودية‬
‫والكاثوليكية والبروتستانتية‪ ،‬فال نعرف فيما إذا كانت النتائج غير متعلقة بالثقافة‪ ،‬وفيما إذا كان كل شكل من أشكال‬
‫التدين أو الروحانية ‪-‬في المذاهب أو في الطوائف األخرى مثالً يؤثر بصورة إيجابية‪.‬‬
‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬ينصح باحث الشيخوخة كل الذين يتعاملون مهنياً أو أسرياً مع مسنين مراعاة أكبر لبعد الكينونة‬
‫والخبرة الدينية لدى المسنين ‪ -‬و" إغنائهما " بالقدر نفسه‪ :‬ويضيف باحث الشيخوخة األمريكي‪" :‬البد من تشجيع‬
‫المسنين بإلحاح على الحديث عن إيمانهم من أجل جعل أهمية اإليمان بالنسبة لحياتهم أكثر إدراكاً‪ ،‬والبحث عن‬
‫القرب من اآلخرين‪ .‬والبد من إتاحة الفرصة للمسنين‪ ،‬خصوصاً في دور المسنين‪ ،‬لتثقيف حياتهم الدينية سواء‬
‫شخصياً أم ضمن طائفة المؤمنين‪.‬‬

‫‪Conflict of Interest: None‬‬ ‫تضارب مصالح‪ :‬ال يوجد‬

‫مراجع‪:‬‬

‫المقالة أعاله عبارة عن سلسلة مقاالت مترجمة بتصرف عن األلمانية منشورة في مجلة "علم النفس اليوم" األلمانية‪ ،‬عدد حزيران‬
‫‪.)Psychologie Heute, Juni, 1997( 1997‬‬

‫‪DOI: https://dx.doi.org/10.17605/osf.io/8nw46‬‬ ‫ﺳﺎﻣر رﺿوان | اﻹﯾﻣﺎن واﻟﺻﺣﺔ اﻟﻧﻔﺳﯾﺔ | اﻷرﺷﯾف اﻟﻌرﺑﻲ اﻟﻌﻠﻣﻲ ‪2018‬‬

You might also like