You are on page 1of 308

‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬

‫البسملـــــــة‬

‫كلية اللغة العربية وآدابها‬


‫قسم الدراسات العليا‬
‫األدب والبالغة‬

‫القضايا النقدية‬
‫في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي‬
‫المتوفى سنة‪859(:‬هـ)‪.‬‬
‫"دراسة وتقويم"‬
‫بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير‬
‫فرع اللغة العربية وآدابها‬
‫تخصص األدب والبالغة‬

‫إعداد الطالبة‬
‫خديجة محمد صالح سعيد‬
‫الرقم الجامعي (‪)43188227‬‬

‫إشــراف‬
‫أ‪ .‬د‪ /‬مصطفى حسين عناية‬
‫العام اجلامعي ‪ 1435‬هـ ‪2014/‬م‬

‫‪1‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫البسملـــــــة‬

‫‪2‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫ملخص الرسالــــة‬

‫ملخص الرِّ سالة‬

‫عنوان البحث ‪ :‬القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي المتوفى‬
‫سنة‪859(:‬هـ) "دراسة وتقويم"‪.‬‬
‫اشتمل البحث على مقدمة‪ ،‬وثالثة فصول‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬على النحو اآلتي‪:‬‬
‫المقدمة ‪ :‬اشتملت على أهمية البحث‪ ،‬وسبب اختياره‪،‬والدراسات السابقة‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬ومنهج‬
‫البحث ‪.‬‬
‫يختص الفصل األول ‪ -‬بقضايا نقد الشعر‪ ،‬وفيه عشرة مباحث‪- :‬‬
‫‪ ‬المبحث األول ‪ -‬قضية حد الشعر وتعريفه‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثاني‪ -‬قضية اللفظ والمعنى‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الثالث‪ -‬قضية تهذيب الوزن‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الرابع‪ -‬قضية ثقافة الشاعر وأدواته‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث الخامس‪ -‬قضية عمل الشعر وتهذيبه وتنقيحه‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث السادس ‪ -‬قضية المبادئ والمقاطع وبراعة االستهالل‪.‬‬
‫‪ ‬المبحث السابع‪ -‬قضية تمكين القوافي وتهذيبها‪.‬‬
‫‪‬المبحث االثامن ‪ -‬قضية نثر المنظوم‪.‬‬
‫‪‬المبحث التاسع‪ -‬قضية براعة المخلص‪.‬‬
‫‪‬المبحث العاشر‪ -‬قضية التشبيه القبيح‪.‬‬
‫ويختص الفصل الثاني ‪ -‬قضايا نقد النثر‪ ،‬وفيه مبحثان ‪:‬‬
‫‪‬المبحث األول‪ -‬قضية السجع‪.‬‬
‫‪‬المبحث الثاني‪ -‬قضية البالغة والفصاحة‪.‬‬
‫أما الفصل الثالث ‪ -‬فيختص بمصادر المؤلف‪ ،‬وفيه أربعة مباحث‪:‬‬
‫‪‬المبحث األول‪ -‬كتاب نقد الشعر‪.‬‬
‫‪‬المبحث الثاني‪ -‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪.‬‬
‫‪‬المبحث الثالث‪ -‬كتاب تحرير التحبير‪.‬‬
‫‪‬المبحث الرابع ‪ -‬كتاب خزانة األدب وغاية األرب‪.‬‬
‫و الخاتمة ‪ :‬وفيها أهم النتائج وبعض التوصيات ‪ ،‬ويتبعها الفهارس المتنوعة‪.‬‬
‫أهم النتائج والتوصيات‪:‬‬
‫‪ -1‬خلص البحث إلى تسمية أدوات الشعرعند ابن طباطبا وغيره بثقافة الشاعروأدواته ‪.‬‬
‫‪ -2‬القيا م بدراسة أدبية نقدية تعتمد على المنهج التاريخي التحليلي تدرس عوامل الركود في‬
‫النص األدبي في عصر من العصور اإلسالمية ‪ ،‬والبحث عن دور األدباء و النقاد في ذلك‬
‫العصر للنهوض بالنص األدبي ‪.‬‬

‫‪3‬‬
"‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم‬
‫ملخص الرسالــــة‬

Abstract
Research Title: monetary issues in the book industry in the introduction of systems and
prose for Al-Nwaje "study and evaluate"
A search on the introduction, three chapters, and a conclusion, as follows:
Introduction: included on the importance of research, why he has chosen, previous
studies, research plan and the methodology of the researcher.

The First Chapter: issues of poetry criticism, and it contains ten sections:-
The first: the issue of poetry defined.
The second topic: the issue of pronunciation and meaning.
The third topic: the issue of revision weight.
The fourth topic: the issue of the poet culture and his tools
The fifth topic: the issue of the poetry work and refined and revised
The sixth topic: the issue of principles and passages and craftsmanship initialization
The seventh topic: the issue of rhymes empowerment and it's refinement.
The eighth topic: the issue of convert the poetry to prose.
The ninth topic: the issue of ingenuity to get rid.
The tenth topic: the issue of ugly metaphor.

The Second Chapter: Issues criticism prose, and contains two sections:
The first topic: the issue of assonance.
The second topic: the issue of Rhetoric and Oratory.

The Third Chapter: Sources of the author, and it contains four sections:
The first. book: poetry criticism.
The second: mayor in the pros hair and etiquette
The third topic: Book editing inking.
The fourth topic: Book wardrobe literature and the four highly.

The Conclusion: it's contain of the most important results and some of the
recommendations, followed by various indexes.

The most important Results and Recommendations:


1- Distinguish poetry survival on the mouths of narrators along with the time to link
some of its parts and the contents of some of the desires of the Arab state taste to the
present era.
2- done study of literary critical historical approach relies on analytical factors
considering the recession in the literary text in an era of Islamic eras, and the search for
the role of writers and critics in that era for the advancement of the literary text.

4
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫إهداء‬

‫اإلهداء‬
‫إىل عاملي الذي أجد فيه نفسي منذ طفوليت وأجوب بني حناياه حتى حلظيت ‪...‬‬

‫إىل من حضنتين بدعائها ليال وهنارا ‪ ...‬سرا وجهارا‪...‬إليك أمي‬

‫إىل أسرتي اليت عاشت معي أياما من اجلهد واملثابرة ‪....‬‬

‫إىل زوجي الغايل ‪..‬ورفيق دربي ‪ ..‬ومن كان يل نعم املعني ‪ ..‬أبي خالد‬

‫إىل زهرات بستاني ‪ ..‬بناتي احلبيبات غدير وغادة وغفران ورغد ومريم‬

‫إىل فلذة كبدي ابين خالد ‪..‬‬

‫إىل من كانت تُسْرعُ يف خُطاها حني تراني بني أوراقي لتنثرها بفرح وسعادة‪ ،‬إىل حفيدتي احلبيبة‬

‫جنوان ‪..‬‬

‫إليكم مجيعا أهدي مثرة جهدي‬

‫‪5‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫شكر وتقدير‬

‫شكر وتقدير‬
‫الحمددد ا ال دذي بفضددله تددتم الصددالحات والحمددد ا الددذي وفقنددي إلنجدداز هددذا‬
‫البحدددث‪ ،‬والصدددالة والسدددالم علدددى رسدددول ه وعلدددى آلددده وصدددحبه ومدددن وااله‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وانطالقدا مدن قولده‪: ‬‬ ‫فإيمانا مني بقوله تعالى‪  :‬واشكروا هلل ان كنمت اايه تعبدون ‪‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫(( من لم َي ْش ُكر الناس لم َي ْش ُكر ه–‪))-‬‬
‫ثم بعدد حمدد ه وشدكره‪ ،‬وطاعدة لده سدبحانه واتباعدا ألمدره‪ ،‬أزجدي الشدكر‬
‫الخدداو والعددام لكدددل مددن لدده فضدددل بمعونددة ومثددابرة‪ ،‬أو أسددددي لددي خدمدددة أو‬
‫مناصحة‪ ،‬أجزل ه للجميع األجر والمثوبة‪.‬‬

‫وأقدم عظيم امتناني ‪ ،‬وشدكري الدذي يعيدا بده لسداني ‪ ،‬ويقصدر عنده بيداني‪،‬‬
‫وعجز عن تسطيره بناني‪ ،‬لذات القلدب الكبيدر والحدب الكثيدر‪ ،‬وصداحبة الفضدل‬
‫الذي ليس له نظير‪ ،‬أمي الغالية التدي طدوقتني بعنايتهدا‪ ،‬وأحاطدت بدي رعايتهدا‪،‬‬
‫وهطل علي غيث دعائها مدرارا‪ ،‬فكان التوفيق لي صاحبا والتسدديد مييددا‪ ،‬فدال‬
‫حرمنددي ه نعمددة وجودهددا فددي حيدداتي ومتعنددي بفضددل بره دا واإلحسددان إليهددا‪،‬‬
‫وجعل ثواب صنائعها الفردوس األعلى في الجنة‪.‬‬

‫كمددا أخددص بمزيددد التقدددير زوجييي اليييريم علددى جميددل صددبره ‪،‬وحسددن معاهدتدده‬
‫فجزاه ه عني خير الجدزاء‪ ،‬ومتعده بموفدور الصدحة والعافيدة‪ ،‬و رزقده صدال‬
‫النية والذرية‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ :‬من اآلية [‪.]172‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود في سننه‪ 36-‬كتاب األدب‪ 2-‬باب شكر المعروف‪)4811/255/4(-‬‬
‫والترمذي في سننه‪ 8-‬كتاب البر والصلة‪ 35-‬باب ماجاء في الشكر لمن أحسن إليك‪-‬‬
‫(‪ )1954/339/4‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫شكر وتقدير‬

‫وأتوج شكري وتقديري ألستاذي المشرف سعادة األسدتاذ الددكتور‪ /‬مصططفى‬


‫حسططين عنايططة لتفضددله بقبددول اإلشددراف علددى هددذه الرسددالة ‪ ،‬ولسددعة صدددره‬
‫وإسددداء نصددحه ‪ ،‬كمددا أشددكره علددى مدداأواله هددذا العمددل مددن دقددة فددي المتابعددة‬
‫وحددرو علددى التوجيدده حفظدده ه وأبقدداه إلفددادة العلددوم ‪ ،‬وإظهددار مددابطن مددن‬
‫الفهوم‪ ،‬وأعظم أجره ‪ ،‬ورفع قدره ويسر أمره ‪ ،‬وأصلح ذريته‪.‬‬

‫والشكر موصدول صدلة األروا المجنددة بالحدب فدي ه لمدن كاندت لدي معيندا‬
‫وظهيرا ‪ ..‬والتي ما إن ارتسمت لي مالمح النهاية إال ويرتسم معها في خداطري‬
‫اسمها وهي األخت الحبيبة ‪ ،‬الدكتورة‪ /‬مريم عبد الرحمن أبوعلي فبارك ه لهدا‬
‫في علمها وعملها وأجزل لها األجر والمثوبة‪.‬‬

‫كما أشكر ممتنة األخت الغالية د‪ .‬ريدم خلد الجعيدد علدى مبادرتهدا فدي تقدديم‬
‫العون والمشورة ‪ ،‬والأملك معها سوي استحضاري لقول الشاعر ‪:‬‬

‫لوكنت أعرف فوق الشكر منزلة ***أعلى من الشكر عنـــد ه في الثمن‬


‫أخلصتــهـا لك من قلبي مهـذبة *** حذوا على حذو ماأوليت من حسن‬

‫والشكر مقدم لألسيتايي الفاليني المناقشيي الييريمي ‪ ،‬لمدا سديقدمانه لدي‬


‫من عمل جليل‪ ،‬بحسن التقويم والتقييم لهدذا البحدث‪ ،‬فجزاهمدا ه علدى نصدحهما‬
‫خير الجزاء‪ ،‬وقسم لهما من مدخور األجر أوفر اإلجزاء‪.‬‬

‫والشددكر موصددول ألسيييرة مع ييد معهددد الخيدددر حيددث التعدداون والتددد زر‪،‬‬
‫والتعاض دد والتدد خي‪ ،‬أرجددو ه أن يسددتعملهن فددي الطاعددات ‪ ،‬ويددرفعهن أعلددى‬
‫الدرجات‪.‬‬

‫و كذا الشدكر مرفدو لجيامعتي العريقية ؛ جامعدة أم القدري بمكدة المكرمدة‪،‬‬


‫والقائمين على أمرها والمسئولي في كنية النغية العربيية‪ ،‬جعلهدم ه مدن أبدرار‬

‫‪7‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫شكر وتقدير‬

‫المتقين ‪ ،‬وحملة العلم الموفقين ‪ ،‬وأجزل لنا ولهم الثواب ‪ ،‬وسدد أقوالنا وأفعالندا‬
‫بالصواب‪.‬‬

‫وإني أرجو ممن ينظر مدن عدالم فدي عملدي أن يسدتر بحلمده زللدي ‪ ،‬ويسددد‬
‫بفضله خللي‪ ،‬ويصلح ما طغى به القلدم‪ ،‬وزا عنده البصدر‪ ،‬وقصدر عنده الفهدم‪،‬‬
‫وغفل عنه الخاطر؛ فاإلنسدان محدل النسديان ‪ ،‬وه المسدتعان ‪ ،‬وعليده الدتكالن ‪،‬‬
‫وال حول والقوة إال باا العلي العظيم‪.‬‬

‫الباحثة‬

‫‪8‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المقدمة‬

‫‪9‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المقدمة‬
‫الحمد ا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا و يرضى‪ ،‬أحمدك ربي حمدا نسدتلذ‬
‫به ذكرا‪ ،‬وإن كنت ال أحصي عليك ثناء وال شكرا‪ ،‬لدك الحمدد فدي األولدى وفدي األخدـري‪،‬‬
‫لك الحمد حمدا أنت وفقتنا له‪ ،‬وعلمتنا من حمدك النظم و النثر‪.‬‬

‫والصالة والسالم على خير الوري‪ ،‬وأفضل من أرسلت فجاء بالمحجة العظمـى‪ ،‬و كان‬
‫أفصح الناس لسانا‪ ،‬وأبلغهم بيانا‪ ،‬وكتابه المعجزة الكبري‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬

‫فــإن األدب بحــر ال حـدـد لـدـساحله‪ ،‬عميقـدـة أغـدـواره‪ ،‬فريـدـدة كنـدـوزه‪ ،‬ال تُددرك‬
‫فيــه الم رب‪ ،‬وال تبلد معده المطالدب؛ الخدـتالف العدـصور التدـي فيدـه سـار‪،‬واالتجاهدـات‬
‫التـي إليها انطلق‪.‬‬

‫والنظدر إليده وإلدى فنوندده الجميلدة‪ ،‬وعلومدـه المتنوعدـة يجعددـل نظدـرة الباحدـث إليددـه‬
‫نظـرة المتسائل عن قيمته ‪ ،‬ويدفعده إلدى تتبعده مدن جميدع جدذوره‪ ،‬فهدو المدـوطن األصدـيل‬
‫لكـل نظـم ونثر‪ ،‬وفي أي وقت وعصر‪.‬‬

‫والتراث األدبي العربي فيه من القيم الفنية األصيلة مالم يحظ بها كثير من الميلفات‬
‫بعده‪ ،‬وفيه من خصب الشعور‪ ،‬ودقدة الحدـس‪ ،‬وجمدـال الفدـن‪ ،‬وصدـفاء التعبدـير‪ ،‬وأصدـالة‬
‫الطبع‪ ،‬ما يجعله أصدق مصدر‪.‬‬

‫ومن ضمن ذلك التراث األدبدي والدذي مالدت نفسدي لده كتداب (مقدمية فيي صيناعة‬
‫النظم والنثر) لعالمة عصره شمس الدين محمد بن حسدن الندواجي ‪ -‬رحمده ه ‪-‬المتدوفى‬
‫سنة‪859[ :‬هـ] ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وهوكتاب جدير بالدراسة والتحليل ‪ ،‬حيث ُملئ بنتاج الشعراء واألدباء ‪ ،‬إضافة إلى‬
‫احتوائه على أبرز القضايا وأهمهدا فدي الشدعر العربدي‪ .‬ممدا كدان سدببا فدي تميدز الكتداب ‪،‬‬
‫باالختصار والتركيز ‪.‬‬ ‫وجعله مرجعا مهما للشاعر المبتدئ؛ بل ومنهجا واضحا اتص‬

‫الدذي يمثدل قيمدة أدبيدة كبيدرة بمددا حدواه مدن فوائدد جمدة‪ ،‬يُعدد مدـن النتددـاج‬ ‫وهدذا الميلفد‬
‫األدبي الذي كان لده دور رئديس فدي تشدكيل الثقافدـة العربيدـة وإثرائهدـا‪ ،‬وت صدـيل جدـذوره‬
‫بالتراث العربي القديم‪.‬‬

‫إلى ذلك أن ميلفه عالّمة مصر النفواجي الذي أل ّم ب غلب العلوم وأهمها فتفقه‬ ‫أض‬
‫وتد دب‪ ،‬وروي األحاديدث ب سددانيدها وأدرك ضدعيفها وصدحيحها‪ ،‬وحفددظ األخبدار ودققهددا‪،‬‬
‫واستظهر األشعار ومحصها‪ ،‬وحوي السير‪ ،‬وفاز في علوم العربية بالسهم األوفر‪ ،‬وجدوّ د‬
‫القرآن بالسبع والعشر‪ ،‬وعرف ظاهر تفسيره‪ ،‬وتقصى مذاهب األدباء من عصر الجاهلية‬
‫حتى عصره‪ ،‬وتعلم الخد الجيدد‪ ،‬وتنداول أغلدب فندون عصدره وأبرزهدا ب سدلوب جدذاب‬
‫رائع فحلل وعلل وانتقد؛ لغزارة علمه وسالمة ذوقه وثقته بنفسه ‪.‬‬

‫و بعـد اسـتخارة ه تعـالى‪ ،‬ثـم استـشارة أهـل العلـم واالختــصاو‪ ،‬اختيرت هـذه‬
‫الدراسـة األدبيـة من كتداب مقدمدة فدي صدناعة الدنظم والنثدر‪ ،‬وكـدـان العنـدـوان المختـدـار‪:‬‬
‫القـييـضايا النقديـييـة فييي كتـييـاة مقدمـييـة فييي صـييـناعة اليينظم والنثيير لننييواجي دراسيية‬
‫وتقويم ‪.‬‬

‫و ستُ ْع رض من خالل هذه المقدمدة أهميدة الدراسدة و أسدباب اختيارهدا للموضدو ‪،‬‬
‫وما يتعلق به من دراسات سابقة ‪ ،‬و عرض لخطة الدراسة ‪ ،‬وتفصيل ذلك كاآلتي ‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ويمي إبراز أهمية هذه الدراسة في ‪:‬‬

‫‪ -1‬ت سيس الشاعر المبتدئ ت سيسا متصال باألصول القديمة‪.‬‬

‫‪ -2‬احتواء كتداب مقدمدة فدي صدناعة الدنظم والنثدر علدى جملدة مدن نصدوو النقداد‬
‫واألدباء من عصر سابقيه‪.‬‬

‫باتزان طبعـه‪ ،‬وسدـالمة ذوقدـه‪ ،‬وطدـول باعدـه‪ ،‬وسدـعة علمدـه فدي‬ ‫‪ -3‬تميز الميل‬
‫شـتى الفنون ‪ ،‬مما يدعو الباحث للنهل من علمه وميلفاته‪.‬‬

‫بعض الوصـايا التـي تميز بها عدـن غدـيره‪ ،‬وإشدـادته بوصدـايا مدن‬ ‫‪ -4‬ذكر الميل‬
‫قبله ‪ ،‬والتي جاءت في معرض الت ييد‪ ،‬كما ستبين الدراسة ‪.‬‬

‫‪ -5‬باإلضافة إلى أن كل بحث علمي يطرق به الباحث أبـواب العلـم والمعرفـة مدـن‬
‫أصول العربية جدير باالهتمام والدراسة‪.‬‬

‫إن اشتغال طالدب العلدم بالدراسدة والبحدث فدي كتدب الدـتراث القدـديم يعدـود عليدـه‬
‫بفائـدة بالغدة فدي ثقافتده اللغويدة و مرجعيتده الفكريدة ؛ ولدذا فدإن مي األسيباة التيـي دعيـ‬
‫لدراسـة هذا المولوع ‪:‬‬

‫لقضايا تميز بها عن غيره وسيبرزها البحث ‪.‬‬ ‫‪ -1‬تَطرق الميل‬

‫‪ -2‬تفرد الكتاب بقصائد ومقطوعات نثرية لم تجد لها الباحثة تحقيقا أو تخريجا على‬
‫حد علمها ‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلفادة من البحث في كتب التراث القديمدـة‪ ،‬والتدـي تعدين عدـلى ت صدـيل قواعدـد‬
‫أساسية في علم األدب والنقد والبالغة‪.‬‬

‫‪ -4‬في دراسة هذا الكتاب خدمة لطالب العلدم فدي تخصدص علدوم اللغدة ‪ ،‬وبالدـذات‬

‫‪12‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫في النقد التوجيهي‪.‬‬

‫من ج الدراسة ‪.:‬‬

‫حتى يُتمكن من تحقيق أهداف الدراسدة و إبدراز أهميتهدا اُسدتخدم منهجدان فدي ذلدك‬
‫هما ‪:‬‬

‫األول ‪ :‬المنهج الوصفي التحليلي وهو استخالو القضايا النقدية من كتاب الميل‬
‫ووصفها وعدرض آراء النقداد لهدا مدع التحليدل و النقدد ‪ ،‬وظهدر مدن خدالل االستقصداء أن‬
‫الكتاب احتدوي علدى اثنتدي عشدرة قضدية مت رجحدة بدين الشدعر والنثدر ‪ ،‬واسدتقراء موقد‬
‫النقاد‪ ،‬وإبراز رأي النواجي في ذلك مع التحليل و النقد إن أمكن ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬المدنهج التداريخي الدذي اُسْدتخدم ضدمنا لتتبدع آراء النقداد فدي القضدايا التدي‬
‫تناولها النواجي في كتابه ‪.‬‬

‫ولتحقيق فكرة الدراسة اتبع البحث منهجا معينا في معالجة القضايا األدبيدة وهدو‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬

‫‪_ 1‬تناول جميع القضايا النقدية التي أشار إليها الميل ‪.‬‬

‫‪ -2‬استعراض كل قضدية علدى حدده بعدد االسدـتقراء والجمدـع ألقدـوال النقدـاد الدـذين‬
‫تناولوها على حسب الترتيب الزمني والتاريخي لهم‪ ،‬من القرن الثالث إلى القدرن التاسدع ‪,‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو عصر الميل‬

‫‪ -3‬في كل قضية ‪ :‬إبراز مفهومها ومدلولها‪.‬‬

‫‪ -4‬استعراضها عند أغلب النقاد ‪ ،‬وإظهار تباين آرائهم في القضية وتناول الميل‬
‫لها ورأيه فيها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫‪ -5‬مسدددايرة المتعدددارف عليددده فدددي األبحددداث العلميدددة مدددن عدددـزو ل يدددـات وتخدددـريج‬
‫للغريـدـب وترجمـدـة لـدـبعض األعـدـالم وذكدر‬ ‫لألحاديــث وتوثيــق للنــصوو وتعريـدـ‬
‫للفهارس المختلفة‪.‬‬

‫الدراسات السابقة ‪:‬‬

‫اسددتعرض مددن خددالل البحددث اإللكترونددي فددي مكتبددة الملددك عبددده الرقميددة التابعددة‬
‫للمكتبة المركزية بجامعة أم القري عما يالمس البحث ولم تظهر النتائج أي بحدث بالعالمدة‬
‫النواجي‪ ،‬إال أن الباحثة حصلت على كتاب نظرية اإلبددا الشدعري عنددالنواجي للبندداري‬
‫‪،‬واقتصر البحث على دراسة المحقق الـدكتور محمـد عبـدالكريم لكتاب مقدمة في صناعة‬
‫النظم والنثر للنواجي ‪ ،‬والتي تقع في عدة صفحات للتعرف على شخصية الميلد ‪ ،‬والتدي‬
‫تناول فيها المحقق‪:‬‬

‫بالميل ‪( :‬نسبه – مولده – قراءاته – شيوخه) ‪.‬‬ ‫‪ -1‬التعري‬

‫‪ -2‬ا لحديث عن مكانته العلمية‪ ،‬ومكانته األدبية‪ ،‬مستشهدا ب قوال العلماء فيه‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلشادة ب سلوبه السهل السائ لمن يسمعه ويقرؤه‪.‬‬

‫‪ -4‬ذكر مـدلول األدب عنـده‪ ،‬فهـو مظهـر شدـامل للحيدـاة‪ ،‬ومعدـرض لنتدـاج الفكدـر‬
‫اإلنساني‪ ،‬والشعور البشري‪.‬‬

‫‪ -5‬عرض مكانته االجتماعية ورحالته العلمية‪.‬‬

‫العلوم والفنون‪.‬‬ ‫‪ -6‬سرد بعض من رصيده الثمين في مختل‬

‫‪ -7‬تحليددـل الكتـددـاب فددي دراسددـة مـددـوجزة ذكددـر فيهـددـا‪( :‬عنوانددـه – موضـددـوعه –‬


‫ملخــص محتواه)‪.‬‬

‫خطة الدراسة ‪:‬‬

‫تـضمنت الخطة مقدمـة وثالثـة فـصول وخاتمة تتبعها الفهارس وقائمة المحتويات‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫الفصل األول ‪ -‬قضايا نقد الشعر‪:‬‬

‫تناول النواجي مجموعة من القضايا الشعرية في كتابه‪ ،‬وأشار في أثنداء كالمده إلدى‬
‫األمور التي يجب على الشاعر التزامها قبل صياغة الشعر‪ ،‬والتي تناولها ابن طباطبا مدن‬
‫قبلدده ‪ -‬وغيددره ‪ -‬وس د ّماها ب د دوات الشددعر‪ ،‬وخلددص البحددث إلددى تسددمية تلددك األمددور بثقافددة‬
‫الشاعر وأدواته‪.‬‬

‫ويمكن تناولها في عشرة مباحث‪:‬‬

‫‪‬المبحث األول ‪ -‬قضية حد الشعر وتعريفه‪.‬‬

‫‪‬المبحث الثاني ‪ -‬قضية النفظ والمعنى‪.‬‬

‫‪‬المبحث الثالث‪ -‬قضية ت ذيب الوزن‪.‬‬

‫‪‬المبحث الرابع‪ -‬قضية ثقافة الشاعر وأدواته‪.‬‬

‫‪‬المبحث الخامس‪ -‬قضية عمل الشعر وت ذيبه وتنقيحه‪.‬‬

‫‪‬المبحث السادس‪ -‬قضية المبادئ والمقاطع وبراعة االست الل‪.‬‬

‫‪‬المبحث السابع ‪ -‬قضية تميي القوافي وت ذيب ا‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثام ‪ -‬قضية نثر المنظوم‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث التاسع ‪ -‬قضية براعة التخنص‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث العاشر‪ -‬قضية التشبيه القبيح‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ -‬قضايا نقد النثر‪.‬‬

‫ويمي تناول ا في مبحثي ‪:‬‬

‫‪‬المبحث األول ‪ -‬قضية السجع‪.‬‬

‫‪‬المبحث الثاني ‪ -‬قضية البالغة والفصاحة ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫الفصل الثالث ‪ -‬مصادر المؤلف‪ ،‬وهي التي أخذ من ا المؤلف بعض القضايا‪.‬‬

‫وم تنك المصادر‪:‬‬

‫‪‬المبحث األول ‪ -‬كتاة نقد الشعر‪ .‬لقدامة ب جعفر(‪337‬هـ )‪.‬‬

‫‪‬المبحث الثاني ‪ -‬كتاة العمدة في محاس الشعر وآدابه ‪ ،‬الب رشيق‬

‫( ‪363‬هـ)‪.‬‬

‫‪‬المبحث الثالث ‪ -‬كتاة تحرير التحبير‪ .‬الب أبي اإلصبع (‪640‬هـ )‪.‬‬

‫‪‬المبحييييييث الرابييييييع ‪ -‬كتيييييياة خألانيييييية األدة وغاييييييية األرة‪ .‬البيييييي حجيييييية الحمييييييو‬
‫(‪837‬هـ)‪.‬‬

‫و الخاتمة ‪:‬‬

‫وفي ا أهم النتائج وبعض التوصيات‪.‬‬

‫و الف ارس وتشتمل عنى‪:‬‬

‫• ف رس اآليات القرآنية‪.‬‬

‫• ف رس األحاديث النبوية‪.‬‬

‫• ف رس األعالم‪.‬‬

‫•ف رس الدوريات‪.‬‬

‫• ف رس المصادر والمراجع‪.‬‬

‫• قائمة المحتويات‬

‫‪16‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫التعريف بالنواجي‬
‫هو شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي أصال‪ ،‬القاهري مولدا‪ .‬ولد‬
‫بالقاهرة سنة ‪ 788‬هـ‪.‬‬

‫حفظ القرآن الكريم وأتقنه رسما ً وتجويداً‪ ،‬و استظهر عدة متون في مختلف الفنون‪ ،‬عبّأ‬
‫حمولته بفنون العصر‪ ،‬فتفقه وتأدب‪ ،‬وحاز قصب السبق في علم العقائد‪ ،‬وروى‬
‫األحاديث بأسانيدها‪ ،‬وأدرك ضعيفها وصحيحها‪ ،‬وحفظ األخبار ودققها‪ ،‬واستظهر‬
‫األشعار ومحصها‪ ،‬وحوى السير بما فيها من غث وسمين‪ ،‬وفاز في علوم العربية بالسهم‬
‫األوفر‪.‬‬

‫تقصى مذاهب األدباء‪ ،‬فانتقد منظومهم وغربل منثورهم‪ ،‬وراح يحلل نتاجهم ويعلل‬
‫أذواقهم‪ ،‬فكشف عن رأيه فيما لهم‪ ،‬وما عليهم‪ ،‬ولعل ذلك راجع إلى غزارة علمه‪،‬‬
‫وسالمة ذوقه‪ ،‬وثقته بنفسه‪.‬‬

‫أسلوبه أسلوب سهل سائغ الريب فيه‪ ،‬يقرط األسماع عند قراءته‪ ،‬ويشحذ القرائح لدى‬
‫تفهمه‪ ،‬فال غريب في لفظه وال ابتذال في معناه‪.‬‬

‫اتصف بحدة الطبع‪ ،‬وحرارة المزاج‪ ،‬وشدة اللهجة‪ ،‬وصراحة التعبير‪ ،‬وشماخة األنف‪،‬‬
‫وعزة النفس‪ ،‬وسرعة الغضب‪ ،‬وكثرة الرضا‪ ،‬ولعل صراحته األدبية أجنت عليه وألبت‬
‫(‪)1‬‬
‫عليه من وقف ضده‪ .‬توفي سنة ‪ 859‬هـ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي‪ ،‬حققه وقدم له وعلق عليه د‪ .‬محمد بن عبدالكريم‪،‬‬
‫منشورات دار مكتبة الحياة ‪ -‬بيروت‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫الفصل األول‬

‫قضايا نقد الشعر‬

‫وفيه عشرة مباحث‪:‬‬


‫‪ ‬المبحث األول ‪ -‬قضية حد الشعر وتعريفه‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثاني ‪ -‬قضية اللفظ والمعنى‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثالث ‪ -‬قضية تهذيب الوزن‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الرابع ‪ -‬قضية ثقافة الشاعر وأدواته‬

‫‪ ‬المبحث الخامس‪ -‬قضية عمل الشعر وتهذيبه وتنقيحه‬

‫‪ ‬المبحث السادس ‪ -‬قضية المبادئ والمقاطع وبراعة االستهالل‬

‫‪ ‬المبحث السابع‪ -‬قضية تمكين القوافي وتهذيبها‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث الثامن‪ -‬قضية نثر المنظوم‪.‬‬

‫‪ ‬المبحث التاسع‪ -‬قضية براعة التخلص‪.‬‬

‫‪‬المبحث العاشر‪ -‬قضية التشبيه القبيح‪.‬‬

‫* *‬ ‫* ** *‬ ‫* *‬

‫‪18‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث األول ‪ -‬قضية حد الشعر وتعريفه‬


‫تعريف الشعر ‪:‬‬

‫قضية (ح ّد الشعر) هي أولى قضايا الفصل األول‪ ،‬في قضدايا نقدد الشدعر التدي‬
‫(‪)1‬‬
‫في كتابه(مقدمة في صناعة النظم والنثر)‪.‬‬ ‫تحدث عنها النواجي(ت‪859‬هـ)‬

‫فالشعر فن من الفندون العربيدة القديمدة ‪ ،‬يعبرالشداعر مدن خاللده عدن تجاربده‬


‫دان فددى ْال َجاهليفددة ع ْنددد ْال َع د َرب دي د َوان علمه د ْم‬
‫وأحاسيسدده ومشدداعره ومطالبدده ‪َ ،‬و َكد َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ومنتهى حكمهم به يَ ْ ُخ ُذ َ‬
‫ون َوإلَيْه يصيرون‪.‬‬

‫وكان فنهم المفضل لديهم ‪ ،‬الذي يتباهون به ‪ ،‬وأكدد هدذا صدلى ه عليده وسدلم‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫التد العرب الشعر حتى تد اإلبل الحنين‬ ‫في قوله ‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫جدداء فددي لسددان العددرب ‪" :‬الشددعر‪َ :‬ش د َع َر بدده و َش د ُع َر يَ ْش دعُر ش د ْعرا و َش د ْعرا ‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫هو شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي الشافعي المصري اإلمام العالمة‬ ‫(‪)1‬‬
‫األديب‪ ،‬مات في سنة (‪859‬هـ)‪ .‬انظر ترجمته في‪ :‬شذرات الذهب (‪.)294 /7‬‬

‫طبقات فحول الشعراء‪ )24/1( .‬محمد بن سالم الجمحي‪ ،‬دار المدني ‪ -‬جدة‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمود‬ ‫(‪)2‬‬
‫محمد شاكر‪.‬‬

‫(‪ )3‬أخرجه السبكي في كتابه ولم يج د له إسنادا (األحاديث التي في اإلحياء ولم يجد لها السبكي إسنادا‬
‫‪ :‬تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي‬ ‫من كتاب طبقات الشافعية الكبري الميل‬
‫‪ 727‬هـ‪ 771 /‬هـ ‪ -‬تحقيق د‪ .‬محمود محمد الطناحي ‪ /‬د‪.‬عبد الفتا محمد الحلو‬
‫النشر‪ :‬هجر للطباعة والنشر والتوزيع ‪1413‬هـ و ‪ )37‬وللحديث قصة أصلها في صحيح مسلم‬
‫‪ ،1060‬إال أن لفظ التد ‪ .....‬غيرمذكورة فيه ‪.‬‬
‫هومحمد بن مكرم بن على‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين ابن منظور األنصاري الرويفعى‬ ‫(‪)4‬‬
‫اإلفريقى‪ ،‬صاحب (لسان العرب)‪ :‬اإلمام اللغوي الحجة‪ .‬ولد سنة (‪630‬هـ) وتوفي سنة (‪711‬‬
‫هـ)‪.‬انظر‪ :‬الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة(‪ .)15/6‬الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن‬
‫=‬
‫‪19‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وال ِّش ْع ُر منظوم القول‪ ،‬غلب عليه لشرفه بالوزن والقافيدة‪ ،‬وإن كدان كدل ع ْل عدم شد ْعرا‬
‫من حيث غلب الفقه على علم الشر والعود على المندل والنجم على الثريا ‪ ،‬ومثل‬
‫(‪)1‬‬
‫ذلك كثير" ‪.‬‬

‫فعرف الشعر بالنظم وغلدب عليده لتميدزه بدالوزن والقافيدة عدن غيدره مدن النثدر‪-‬‬
‫ومن ذلك أن الشعرشعور‪ ،‬وقد قال رسدول ه ‪ -‬صدلى ه عليده وسدلم‪ -‬لعبدده بدن‬
‫رواحدة‪ " :‬أخبرنددي مددا الشدعر يددا عبددده ف جابده شدديء يخددتلج صددري فينطددق بدده‬
‫لساني " (‪.)2‬‬

‫ف درك عبده بن رواحة أن الشعر شعور يكمن داخدل الصددر يخرجده اللسدان‬
‫معبرا عما يحس به قائله ‪.‬‬

‫وكذلك قول الرسول صلى ه عليه وسلم ‪ " :‬ال ِّش ْع ُر َك َالم َح َسنُهُ َك َح َسن ْال َك َدالم‬
‫َوقَب ْي ُحهُ َكقَبيحه " (‪. )3‬‬

‫فمقيدداس الرسددول الكددريم للشددعر وصددالحه ‪ ،‬مددا طددابق الحددق فهددو الكددالم النددافع‬
‫والحسن‪ ،‬وما جافى الحق فهو القبيح الذي ال خير فيه ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫= علي بن محمد العسقالني‪ ،‬مجلس دائرة المعارف العثمانية ‪ -‬حيدر اباد‪ /‬الهند ‪1392 -‬هـ‪/‬‬
‫‪1972‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬تحقيق‪ :‬مراقبة ‪ /‬محمد عبد المعيد ضان‪.‬‬
‫(‪)1‬لسان العرب ‪،‬مادة [شعر] محمد بن مكرم بن منظور األفريقي المصري ‪ ،‬دار صادر –‬
‫بيروت‪،‬ط‪.1‬‬
‫(‪ )2‬هذا الحديث لم أجده في كتب الحديث ‪ ،‬ولكن وجد في كتاب العقد الفريد ‪ -‬أبو عمر‪ ،‬شهاب الدين‬
‫أحمد بن محمد بن عبد ربه المعروف بابن عبد ربه األندلسي المتوفى‪328 :‬هـ‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي – بيروت – لبنان ‪1420‬هـ‪1999 -‬م ‪،‬وانظرنظريات الشعر عند العرب (‪/1‬‬
‫‪ )194‬د‪.‬مصطفى الجوزو دار الطليعة – بيروت ‪.1981‬‬
‫(‪ )3‬ذكره اليوسفي صاحب زهراألكم في األمثال والحكم ‪48/1‬دون إسناد‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫لده‬ ‫واستنادا لمدا سدبق فلدم نجدد تعريفدا صدريحا للشدعر عنددالنواجي‪ ،‬وإنمدا وصد‬
‫ولمضمونه ‪.‬‬

‫الشعر لدي النقاد القدماء نجدد أن كدل ناقدد حداول أن يقددم تعريفدا‬ ‫وعند تتبع تعري‬
‫للشعر وضبطه بخصائص تميزه عن غيدره ‪ ،‬وبدالرغم مدن ذلدك ف‬
‫فدإن بعضدهم وجدد‬
‫أن وضع حد للشعر أمر صعب المنال ‪.‬‬

‫فللشعر صناعة وصانعها الشاعر ش نها فدي ذلدك شد ن سدائر الصدناعات ‪ ،‬وتكتمدل‬
‫بالثقافدددة واإللمدددام بالمعدددارف ب نواعهددددا المختلفدددة ‪ ،‬وقدددد أبددددان عنهدددا ابييي سييييالم‬
‫(‪)1‬‬
‫في تعريفه للشعر بقوله ‪ " :‬للشدعر صدناعة وثقافدة يعرفهدا أهدل العلدم‬ ‫(‪231‬هـ)‬
‫كسائرأصناف العلم والصدناعات ‪...‬لديس لجودتده صدفة ‪ ،‬وإنمدا هدو شدي ء يقدع فدي‬
‫النفس عند المميز ‪ ،‬ويعرفه الناقد عند المعاينة "(‪. )2‬‬

‫فاب سالم يشير في تعريفه للشعر إلى أنه صناعة مزجدت بدين الشدكل والمضدمون‬
‫يعنددي اللفددظ والمعنددى‪ .‬إضددافة إلددى ذلددك احتددواؤه علددى الثقافددة والعلددوم والمعددارف‬
‫‪ ،‬متميدز عدن غيدره مدن‬ ‫المتنوعة ‪ ،‬ف‬
‫وأن حقيقة الشعرمتصدلة بالمشداعر والعواطد‬
‫الفنون في اإلحساس به ‪ ،‬يتعرف عليه الناقد بما اخدتص بده الشدعر مدن خصوصدية‬
‫اختلفت عن غيره ‪.‬‬

‫وهناك من جعل ُج فل تركيزه في تعريفه للشعر على اللفظ وأهميته ‪ ،‬وهذا ما وجدنا‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫هو محمد بن سالم بن عبيد ه بن سالم البصري‪ ،‬الجمحي (أبو عبد ه) أديب لغوي‪ ،‬أَخباري‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫راوية‪ ،‬حافظ‪.‬قدم بغداد‪ ،‬وتوفي سنة‪231( :‬هـ) وهو من أبناء التسعين‪.‬من آثاره‪ :‬طبقات‬
‫الشعراء الجاهليين‪ ،‬طبقات الشعراء اإلسالميين‪ ،‬بيوتات العرب‪ ،‬غريب القرآن‪ ،‬والجالب‬
‫وأجر الخيل‪ .‬تاريخ بغداد (‪ )327 /5‬أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية – بيروت‪.‬‬
‫طبقات فحول الشعراء‪ ،‬البن قتيبة (‪.)5/1‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪21‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫ابن سالّم في رأيه الدذي مدزج الشدعر بدين‬ ‫لدي الجاحظ ( ‪255‬هـ) ؛ حيث خال‬
‫اللفظ والمعنى‪ ،‬بخالف الجاحظ الذي جعل مالك األمر إقامة اللفظ وتخيره وذهدب‬
‫إن المعداني مطروحدة فدي الطريدق يعرفهدا العجمد ّي‬ ‫إلى استحسان المعنى‪ ،‬وقدال‪ ":‬ف‬
‫ي والقددروي‪ ،‬والمدددن ّي ‪ ،‬وإنّمددا الش د ن فددي إقامددة الددوزن‪ ،‬وتخيّددر‬
‫والعرب د ّي‪ ،‬والبدددو ّ‬
‫اللفددظ‪ ،‬وسددهولة المخددرج‪ ،‬وكثددرة المدداء‪ ،‬وفددي ص دحّة الطبددع وجددودة ال ّسددبك‪ ،‬فإنمددا‬
‫(‪.)2‬‬
‫الشعر صناعة‪ ،‬وضرب من النّسج‪ ،‬وجنس من التّصوير"‬

‫فالمعدداني عنددده ممتدددة ومبسددوطة ‪ ،‬يعرفهددا كددل مددن أتددى عليهددا ‪ ،‬وتعتمددد علددى‬
‫صدداحبها وتجاربدده فيهددا ‪ ،‬ومددالك األمددر وقوامدده اللفددظ وتخيددره ‪ ،‬فيصددو األلفدداظ‬
‫صددياغة متفددردة متميددزة مددن حيددث إقامددة الددوزن وتجانسدده فددي الكددالم ‪ ،‬ومناسددبته‬
‫للمعنى ‪ ،‬ثم سهولة المخرج واالبتعاد عن تعقيد األلفاظ وصعوبتها ‪ ،‬وصحة الطبدع‬
‫وجودة السبك التي تبعده ‪ ،‬بل وترفعه عن الركاكة والرداءة والقبح ‪ .‬فالشاعر عنده‬
‫يصنع وينسدج ويصدور ‪ ،‬وهدذه كلهدا أعمدال حرفيدة يقدوم بهدا الشداعر‪ ،‬وك نده فندان‬
‫يبرز معانيه ومقاصده برسمه للوحته فيظهدر منهدا الجاندب الدذي يريدد إبدرازه لمدن‬
‫حوله بطريقته‪ ،‬فيجيد ويبد ‪.‬‬
‫وك ن الجاحظ بكالمه هذا قد حدد لنا عناصر الشعر األساسية ‪ ،‬وعلى الرغم من‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫في فنون‬ ‫هو أبو عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ‪ ،‬كان عالما أديبا َ ‪،‬وله تصاني‬ ‫(‪)1‬‬
‫كثيرة‪ ،‬وإليه تنسب الطريقة المعروفة بالجاحظية من المعتزلة‪ ،‬ومن أحسن تصانيفه كتاب‬
‫الحيوان وكتاب البيان والتبيين‪ ،‬توفي سنة ‪255‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد (‪ )212 /12‬سير أعالم‬
‫النبالء (‪ )526 /11‬محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي أبوعبد ه‪ ،‬ميسسة الرسالة ‪-‬‬
‫بيروت – ‪1413‬هـ‪ ،‬ط‪ ،9‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط ‪ ،‬محمد نعيم العرقسوسي‪.‬‬

‫الحيوان (‪ ) 52/1‬أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار‬ ‫(‪)2‬‬
‫الجيل ‪1416 ،‬هـ ‪1996 -‬م‪ ،‬لبنان‪ /‬بيروت‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ذلك فإن هذا األمر كان مح اتهام للجاحظ في أنه من أنصار اللفظ الذي رفع ش نه‬
‫وأعلى ذكره ‪ ،‬وقلل من المعاني وقيمتها ‪.‬‬
‫وعند النظر إلى نصوو الجاحظ ومقوالته فدي كتبده تجدد الباحثدة أن الجداحظ‬
‫قد أولى المعندى اهتمامدا كالدذي أواله للفدظ ‪ ،‬وربمدا لدم يدذكر المعداني كاأللفداظ فدي‬
‫تع ريفه للشعر؛ ألن من المفترض أن تكون المعاني في نفس كل إنسان ‪ ،‬فهي نابعة‬
‫مددن تجاربدده وخبراتدده وعواطفدده وإحساسدده ‪ ،‬كمددا أن النقدداد نددادوا بتددوارد المعدداني‬
‫واشتراكها ولم ينادوا بذلك في اللفظ ‪ ،‬بدل عد ّدوا تشدابه األلفداظ سدرقة ؛ فداألمر كلده‬
‫إذن يعتمد على اللفظ وتخيره ونظمه كما قال الجاحظ ‪.‬‬

‫ّ‬
‫السن‪ ،‬أ ّول من نهدج سدبيله‪،‬‬ ‫كما يري الجاحظ أن الشعر حديث الميالد‪ ،‬صغير‬
‫(‪)1‬‬
‫وسهّل الطريق إليه‪ :‬امرؤ القيس بن حجر‪ ،‬ومهلهل بن ربيعة‪ ،‬وغيرهما ‪.‬‬

‫والشعر لديه ال يُترجم حتى ال يذهب رونقه و بهاؤه وتخدتل ألفاظده وتتقطدع نظمده‬
‫وتبطل أوزانه ‪ ،‬ويذهب حسنه ‪.‬‬

‫وفي هذا يقول ‪ ":‬والشعر ال يستطا أن يترجم‪ ،‬وال يجوز عليه النقل‪ ،‬ومتى حد ّول‬
‫(‪.)2‬‬
‫تقطّع نظمه وبطل وزنه‪ ،‬وذهب حسنه وسق موضع التعجب "‬
‫(‪)3‬‬
‫عن اب سالم والجياحظ‬ ‫الذي اختل‬ ‫وجاء بعد ذلك اب قتيبة ( ‪276‬هـ )‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫الحيوان ‪،‬للجاحظ (‪.)52/1‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫المصدرنفسه (‪.)53/1‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫هو أبو محمد عبد ه بن مسلم بن قتيبة بن مسلم‪ ،‬المروزي الدينوري‪ ،‬أصله من أسرة فارسية‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ولد سنة ‪ 213‬هـ‪ .‬في أواخر خالفة الم مون‪ ،‬ونش في بغداد‪ ،‬وتتلمذ على يد عدد كبير من‬
‫العلماء وأعالم عصره ‪ ،‬من ميلفاته ‪ :‬أدب الكاتب ‪،‬اختالف الحديث‪ ،‬ت ويل مشكل القرآن‬
‫وغيرها ‪ ،‬توفي ابن قتيبة سنة ‪276‬هـ‪ ،‬مقدمة كتاب ت ويل مشكل القرآن ‪ ،‬أبو محمد عبد ه بن‬
‫مسلم بن قتيبة الدينوري المحقق‪ :‬إبراهيم شمس الدين ‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فلم يقدم تعريفا خاصا للشعر‪ ،‬ولم يتعامدل أصدال مدع الشداعر‪،‬بل مدع الشدعر‪ ،‬حيدث‬
‫جعل الحكم عليه يظهر في ثالثة مسدتويات جيدد ووسد وردئ ‪ ،‬فنحدا بدذلك منحدى‬
‫آخر من التحليل والتقسيم إلى أربعة أضرب فقال ‪ " :‬تدبرت الشعر فوجدتده أربعدة‬
‫أضرب ‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرب منه حسن لفظه وجداد معنداه كقدول القائدل فدى بعدض بندى أميّدة (بحدر‬
‫البسي ) ‪:‬‬
‫في كفّه َخ ْي ُز َران ري ُحهُ َعبق‪...‬من َك ّ أرْ َو َ ‪ ،‬في عرْ نينه ش َم ُم‬
‫(‪)1‬‬
‫ضى من َمهَابَته ‪ ...‬فَما يُكلف ُم إالف ح َ‬
‫ين يَ ْبتَس ُم ‪.‬‬ ‫يُ ُغضي َحيَاء ويُ ْغ َ‬
‫لم يقل فى الهيبة شىء أحسن منه‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرب منه حسن لفظه وحال فإذا أنت فتّشته لم تجد هناك فائددة فدى المعندى‪،‬‬
‫كقول الشاعر (بحر الطويل) ‪:‬‬
‫س َح باألَرْ كان َم ْن هُو َماس ُح‬
‫ض ْينَا م ْن منى ُك فل َحا َج عة ‪َ ...‬و َم ف‬
‫َولَ فما قَ َ‬
‫ت َعلَى ُد ْهم ْال َمطَايَا ر َحالُنا ‪َ ...‬ولَ ْم يَ ْنظُر ْالغَادي الفذي هُ َو َرائ ُح‬
‫ش فد ْ‬
‫َو ُ‬
‫(‪)2‬‬ ‫أَ َخ ْذنَا ب َ ْ‬
‫ت ب َ ْعنَاق ْال َمط ِّي األَبَاطح‬
‫ط َراف األَ َحاديث بَ ْينَنَا ‪َ ...‬و َسالَ ْ‬

‫‪ -3‬وضرب منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه‪ ،‬كقول لبيد ب ربيعة‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫َب ال َمرْ َء ْال َكري َم َكنَ ْفسه ‪ ...‬وال َمرْ ُء يُصْ ل ُحهُ ال َجليسُ الصفال ُح‬
‫ما َعات َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان الفرزدق (‪.)179 /2‬‬
‫(‪ )2‬ديوان ذي الرمة ( و ‪. )901‬‬
‫(‪ )3‬ديوان لبيد بن ربيعة (‪)349‬‬

‫‪24‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫هذا وإن كان جيّد المعنى والسبك فإنّه قليل الماء وال ّرونق ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فى امرأة‪:‬‬ ‫‪ -4‬وضرب منه ت ّخر معناه وت ّخر لفظه‪ ،‬كقول األعشى‬
‫طل‬ ‫ي ‪َ ...‬غ َذاهُ َدائ ُم الهَــــ ْ‬
‫وفُوها َك َقَاح ف‬
‫(‪)3‬‬
‫يب ب َرا ع بَا ‪ ...‬رد م ْن َع َسل النفحْ ل‬ ‫كما ش َ‬

‫وبذلك رأي اب قتيبة الشعر في األضرب األربعة السدابقة ‪ ،‬واتسدم تقسديمه للشدعر‬
‫فيها بالوضو وقوة االستدالل ‪.‬‬

‫ثددم جدداء مددن قيفددد الشددعر بددالنظم وميفددزه بالبالغددة والبراعددة والبيددان وهددو الناشددئ‬
‫(‪)4‬‬
‫عمددن سددبقه مددن النقدداد ‪،‬بددل وتميددز عددنهم‬ ‫الددذي اختلد‬ ‫الناشي األكبيير(‪293‬هييـ)‬
‫بتعريفدده للشددعر وتقييددده لدده بددالنظم وتمييددزه بالبالغددة والبيددان فقددال ‪ " :‬الشددعر قيددد‬
‫الكالم ‪ ،‬وعقال األدب وسور البالغة ‪ ،‬ومحل البراعة ‪ ،‬ومجدال الجندان ‪ ،‬ومسدر‬
‫البيددان ‪ ،‬وذريعددة المتوسددل ‪ ،‬ووسدديلة المترسددل وذمددام الغريددب ‪ ،‬وحرمددة األديددب ‪،‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫الشعروالشعراء‪ ،‬البن قتيبة و‪3‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫األعشى هو ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل‪ ،‬وهو المعروف ب عشى قيس‪ ،‬شاعر‬ ‫(‪)2‬‬
‫جاهلي‪ ،‬وأحد شعراء المعلقات‪ ،‬عمر طويال‪ ،‬وأدرك اإلسالم ولم يسلم‪ ،‬توفي في قرية منفوحة‬
‫سنة ‪7‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬طبقات فحول ا لشعراء (‪ )52/1‬واألغاني( ‪ )108/9‬أبي الفرج األصفهاني‪،‬‬
‫دار الفكر ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،2‬تحقيق‪ :‬سمير جابر ‪.‬‬

‫(‪ )3‬الشعروالشعراء‪ ،‬و‪3‬‬

‫(‪)4‬هو عبد ه بن محمد‪ ،‬الناشئ األنباري‪ ،‬أبو العباس‪ :‬شاعر مجيد‪ ،‬يعد في طبقة ابن الرومي‬
‫والبحتري ‪ .‬أصله من األنبار‪ ،‬أقام ببغداد مدة طويلة‪ ،‬وخرج إلى مصر‪ ،‬فسكنها وتوفي بها‬
‫سنة‪293( :‬هـ) من مصادر ترجمته‪ - :‬تاريخ بغداد‪ :‬الخطيب(‪ ) 93 – 92/10‬أحمد بن علي‬
‫أبو بكر الخطيب البغدادي‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت وشذرات الذهب‪.)212/2( :‬‬

‫‪25‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وعصددمة الهددارب ‪ ،‬وعددذر الراهددب ‪ ،‬وفرحددة المتمثددل ‪ ،‬وحدداكم اإلعددراب‪ ،‬وشدداهد‬


‫(‪)1‬‬
‫الصواب " ‪.‬‬

‫فخصّ الشدعر بدالنظم وميدز الدنظم بالبالغدة والعاطفدة والبراعدة خاصدة ‪ ،‬كمدا يدراه‬
‫وسيلة لغايات عملية كثيرة ‪ ،‬فهو ‪ ،‬إن صح القول فن نافع ‪.‬‬

‫فالناشئ نظر إلى الشعر على أنه نظام أوال ‪ ،‬و حياة ثانيا ‪ ،‬و صنعة ثالثدا ‪ ،‬وتنويدع‬
‫(‪)2‬‬
‫بين األساليب رابعا ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫من أن الناشدئ األكبدر أول مدن عد ّرف الشدعر‬ ‫وهذا ما أكده د‪ .‬مصطفى الجوزو‬
‫بالنظم منكرا الغريب والمحال فيه ‪ ،‬ومن قوله ‪( :‬بحرالخفي )‬

‫صفات فنُونَا‬ ‫ـم ْ‬


‫وإن َكان في ال ِّ‬ ‫إنفما ال ِّشعر َما تَنَا َسب في النّظــ‬
‫(‪)4‬‬ ‫قَ ْد أقا َم ْ‬
‫ت لَه الصدور المتونَا‬ ‫فَ تى ب ْعضـه ي َشاكـل بَعـضا‬

‫الناشددئ األكبددر للش دعر يشددير إلددى طبيعددة‬ ‫كمددا أشددار د‪ .‬إحسييان عبيياس أن تعري د‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬البصائر والذخائر (‪ )277 /1‬أبو حيان التوحيدي‪ ،‬بتحقيق ال ّدكتورة وداد القاضي‪ ،‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت ‪1984‬م‪.‬‬

‫(‪)2‬انظر‪ :‬نظريات الشعر عند العرب‪ ،‬للجوزو (‪) 196/1‬‬

‫(‪ )3‬هو مصطفى بن علي بن محمد بن إبراهيم الجوزو‪ ،‬أستاذ األدب العربي ولغوي وشاعر وباحث‬
‫وذو إطالالت صحافية هامة وسليل أسرة شعراء برجاوية‪ ،‬وهو صاحب كتاب نظريات الشعر‬
‫عند العرب‪.‬انظر‪http://ar.wikipedia.org/wiki:‬‬

‫(‪)4‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده (‪ )113/2‬ابن رشيق‪ -‬أبو علي الحسن القيرواني‪- 1981 ،‬‬
‫تحقيق محيي الدين عبد الحميد ‪ -‬ط‪ ،5‬دار الجيل ‪ -‬بيروت ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشعر من حيث إنه مقيد بإيقا‬
‫(‪)2‬‬
‫ويبرز اب طباطبا (ت‪322‬هـ) الفرق بين الشعر والنثر بالنظم الذي أساسه‬
‫الوزن فإن خال الشعر منده نفدرت األسدما وفسدد الدذوق فقدال فدي ذلدك ‪" :‬ال ِّشد ْع ُر‬
‫كالم منظوم بَان َعن المنثور الفذي يَسْتعملُهُ النفاس في مخاطبداتهم بهَدا ُخدصف بده مدن‬
‫الدذ ْوق‪ .‬ون ْ‬
‫َظ ُمدهُ معلدوم‬ ‫إن ُعدل به َعن جهَته َم فج ْتهُ األسْد َما ُ وفَ َسد َد علدى ف‬ ‫النفظم الفذي ْ‬
‫ص فح طَ ْب ُعهُ و َذ ْوقُهُ لم يَحْ تَجْ إلَى االستعانَة على ن ْ‬
‫َظدم ال ِّشدعر بدال َع ُروض‬ ‫محدود؛ فَ َم ْن َ‬
‫الفتددي هد َي ميزَاندده‪َ ،‬ومددن اضدطَ َرب َعلَ ْيدده الد فدذو ُ‬
‫ق لددم يَ ْسدتَ ْغن َعددن تَصْ ددحيحه وتَ ْقويمدده‬
‫ب َم ْعرفة ال َعروض والح ْذق بهَا َحتفى تَصير معرفَتُهُ ال ُمسْتفادةُ كدالطفبع الفدذي َال تَ َكلد َ‬
‫(‪)3‬‬
‫"‪.‬‬ ‫َم َعه‪.‬‬

‫فخطا بهذا اب طباطبا خطدى الناشي األكبير فدي تقييدده الشدعر بدالنظم و وافقده‬
‫في ذلك ‪.‬‬

‫عنددد مصددطلح الددنظم ‪ ،‬فهددذه الكلمددة التعنددي دائمددا إقامددة الددوزن‬ ‫وقددد نتوق د‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تاريخ النقد األدبي‪( .‬و‪ .)52‬د‪ /‬إحسان عباس‪ ،‬ط‪ ، 1983 ،4‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت –‬
‫لبنان‪ ،‬ط‪1391 ،1‬هـ ‪1971 -‬م‪.‬‬

‫(‪)2‬ابن طباطبا‪ :‬هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا‪ ،‬الحسني العلوي‪ ،‬أبو الحسن‪:‬‬
‫شاعر مفلق وعالم باألدب‪ ،‬وفاته سنة‪322(:‬هـ) ب صبهان له كتب‪ ،‬منها " عيار الشعر‪ ،‬و "‬
‫تهذيب الطبع " و " العروض " قيل‪ :‬لم يسبق إلى مثله‪.‬وأكثر شعره في الغزل واآلداب‪ .‬انظر‪:‬‬
‫معجم الميلفين (‪.)312 /8‬‬
‫(‪)3‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪ .)5‬محمد بن أحمد بن طباطبا العلوي‪ .‬تحقيق د‪ /‬طه الحاجري ود‪/‬‬
‫محمد زغلول سالم المكتبة التجارية الكبري ‪ -‬القاهرة ‪1956‬م‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشعري‪ ،‬بل كثيرا ماترد بمعنى حسن الت لي‬

‫كما جعل اب طباطبا صحة الطبع والدذوق مقياسدا لمعرفدة نظدم الشدعر ‪ ،‬ومدن‬
‫فقدددهُما لددزم عليدده معرفددة العددروض والحددذق بهددا حتدى يددتمكن الشدداعر مددن معرفددة‬
‫وتصحيح وتقويم النظم كصاحب الطبدع والدذوق ‪.‬ثدم أشدار إلدى اخدتالف النداس فدي‬
‫معدانيهم كداختالف صددورهم وأخالقهدم وعقددولهم فيقدول فدي ذلددك ‪ ":‬ال ِّشدع ُر ُمتَشددابهُ‬
‫ص َورهم وأصْ َواتهم و ُعقَولهم‬ ‫اوت التف ْفصيل‪ ،‬مختلّ كاختالف النفاس في ُ‬ ‫ال ُج ْملة ُمتَفَ ُ‬
‫وحُظُوظهم و َش َمائلهم ْ‬
‫وأخالقهم‪ ،‬فهم ُمتَفاضلُون في هَدذه ال َم َعداني‪َ ،‬و َكد َذل َ‬
‫ك األ ْشد َعا ُر‬
‫اختيَدار النفداس إيفاهَدا‬ ‫ه َي متفاضلَة في ال ُحسْن على تَ َساويهَا في الج ْنس‪.‬ومواقعُها من ْ‬
‫َكمواقددع الصددور ال َح َسددنة ع ْندددهم واختيددار ْهم لمددا يَسْتحسددنونه م ْنهَددا‪ ،‬ول ُك د ِّل اختيددار‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يُيثُرهُ‪ ،‬وهَ َوي يَ ْتب ُعهُ وب ْغيَة َال يَسْتبد ُل بهَا َو َال ي ُْيث ُر َعلَ ْيهَا "‬

‫ورأي ابيي طباطبييا فددي المعدداني أنهددا مختلفددة مددن شدداعر آلخددر رأي يوافددق‬
‫الجاحظ الذي رأي أن المعاني مطروحة في الطريدق لكدل مدن أتدى عليهدا كائندا مدن‬
‫كان‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫من أوائل النقاد الذين ع ّرفوا الشدعر حيدث‬ ‫ويُعد قدامة ب جعفر(ت‪337‬هـ)‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر نظريات الشعر‪ ،‬للجوزو (‪.)196/1‬‬

‫(‪)2‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)10‬‬

‫(‪ )3‬هو أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب البغدادي‪ ،‬أثنى عليه الخطيب البغدادي ثناء‬
‫كبيرا؛ لمعرفته وسعة اطالعه في فنون األدب والعلم‪ ،‬وقال عنه‪ :‬أنه أحد مشايخ الكتّاب‬
‫وعلمائهم‪ ،‬ونعته بوفرة األ دب وحسن المعرفة‪ ،‬وله ميلفات في صناعة الكتابة‪ ،‬توفي عام‬
‫‪329‬هـ‪ ،‬الخراج وصناعة الكتابة‪ ،‬ق دامة بن جعفر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫ع ّرفه بقوله ‪ ":‬الشعرقول موزون مقفى يدل على معنى " ‪.‬‬

‫‪ ،‬بقولده ‪ " :‬الشدعر قدول ‪،‬‬ ‫عمن سدبقه ‪ ،‬وفصّدل التعريد‬ ‫فانفرد بهذا التعري‬
‫يعني دل على أصل الكالم أي أنه جنس‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬موزون ‪ :‬فصله عما ليس بموزون ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬مقفى‪ :‬فصل بين الكالم الموزون بقواف‪ ،‬وبين ما ال قوافي له‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬يدل على معنى‪ :‬فصل ما كان من القول المدوزون المقفدى والدذي يددل‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫على معنى مما جري على ذلك من غير داللة على معنى‬
‫وجعدددل قدامدددة الشدددعر مكوندددا مدددن أربعدددة عناصدددر ‪ :‬اللفدددظ والمعندددى والدددوزن‬
‫والقافية‪ ،‬كما رب الشعر بالوزن والموسيقى ‪.‬‬

‫ونظرا لت ثر قدامة بالثقافات اليونانية وغيرها من الثقافات المتنوعة فقد ع ّرف‬


‫المفصل والذي قد ت ثر به من كان في عصره ومن جاء بعده‪،‬‬ ‫الشعر بهذا التعري‬
‫بل هناك من النقاد من ك فرر لفظ قدامة في تعريفده للشدعر ت كيددا مدنهم علدى ت ييددهم‬
‫وإعجابهم به فجعلوه مرجعا ومنهجا لهم ‪.‬‬

‫والددددنظم مددددن مراتددددب الشددددعر العاليددددة التددددي أشدددديد بهددددا عنددددد أبييييي هييييالل‬
‫(‪)3‬‬
‫فجدداء فددي كتابدده الصددناعتين ميكدددا لددذلك قولدده ‪ " :‬فمددن‬ ‫العسييير (ت‪395‬هييـ)‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نقد الشعر (و‪ .) 3‬قدامة بن جعفر ‪ :‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق‪ :‬كمال مصطفى‪ ،‬مكتبة الخانجي‬
‫مصر‪ ،‬ط‪.3‬‬

‫(‪)2‬المصدرنفسه‪.‬‬

‫(‪ )3‬هو الحسن بن عبد ه بن سهل بن سعيد بن يحيى بن مهران العسكري أبو هالل‪.‬عالم باألدب‪،‬‬
‫توفي سنة‪395( :‬هـ)ت ليفه كثيرة منها‪( :‬ديوان المعاني)‪ ،‬و(الفروق في اللغة)‪ ،‬و(جمهرة‬
‫األمثال)‪ ،‬و(كتاب الصناعتين)‪ :‬النظم والنشر‪ .‬انظر‪ :‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين‬
‫=‬
‫‪29‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫مراتبه العالية التي اليلحقه فيها شئ من الكالم ‪ :‬الدنظم الدذي بده زندة األلفداظ وتمدام‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫حسنها "‬

‫وحصر أبو هالل العسير الشعر بالنسدج والدنظم فدي قولده ‪ " :‬والشدعر كدالم‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫منسوج‪ ،‬ولفظ منظوم"‬

‫فوافق أبو هالل العسكري برأيده هدذا الناشدئ األكبدر و ابدن طباطبدا فدي تمييدز‬
‫الشعر بالنظم‪.‬‬

‫ويظهر هنا بل ويت كد أن النظم يبدو وك نه الكدالم المتميدز بدالوزن نظدرا لقدول‬
‫أبي هالل العسكري حين قال‪ ( :‬النظم به زنة األلفاظ ‪ ...‬ولفظ منظوم )‬

‫وللشعر فضائل تميز بها عن غيره من الكالم وأورد منها أبو هالل العسدكري‬
‫في قوله ‪ :‬ومما يفضل به عن غيره طول بقائه علدى أفدواه الد ّرواة‪ ،‬وامتدداد الزمدان‬
‫الطويل به؛ إلرتباط بعض أجزائه ببعض؛ وهذه خاصة له فدى كد ّل لغدة‪ ،‬وعندد كد ّل‬
‫أمددة؛ وطددول مدددة الشددىء مددن أشددرف فضددائله ‪ .‬وكددذلك ال تُعددرف أنسدداب العددرب‬
‫وتواريخها وأيّامها ووقائعها ّإال من جملة أشعارها؛ فالشعر ديوان العرب‪ ،‬وخزانة‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫حكمتها‪ ،‬ومستنب آدابها‪،‬ومستود علومها‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫والنحاة(‪)506 /1‬جالل ال دين عبد الرحمن السيوطي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪،‬‬ ‫=‬
‫المكتبة العصرية لبنان ‪ /‬صيدا‪.‬‬

‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين (و‪ )137‬أبو هالل العسكري‪ ،‬تحقيق علي محمد البجاوي‪ ،‬ومحمد أبو الفضل‬
‫إبراهيم‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪.1986 ،‬‬

‫(‪)2‬المصدرنفسه (و‪.)60‬‬

‫(‪)3‬المصدرنفسه (و‪.)137‬‬

‫‪30‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫لذلك كان الشعر مرجعا للعرب في أنسابها وعلومها وغيدر ذلدك فهدو كمدا قدال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫عمر ب الخطاة رضي ه عنه ‪ " :‬الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أعلم منه" ‪.‬‬

‫فلم يت فوق لديهم علم آنذاك كعلدم الشدعر فنظمدوا فيده كدل مدا أدركتده حواسدهم ‪،‬‬
‫وخالج مشاعرهم وداعب حواسهم ‪.‬‬

‫" وقد قيل‪ :‬ال شىء أسبق إلى األسما ‪ ،‬وأوقع فى القلوب‪ ،‬وأبقى علدى الليدالى‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫واأليام من مثل سائر‪ ،‬وشعر نادر "‬

‫وكمددا تميددز الشددعر بددالوزن والقافيددة ‪ ،‬فقددد تميددز‪ ،‬كددذلك‪ ،‬ببقائدده فددي صدددور‬
‫أصددحابه وأفددواهم ‪ ،‬وطددول بقائدده الرتبدداط بعضدده بددبعض ‪ ،‬وكددذلك معرفددة أخبددار‬
‫العرب وأنسابهم وأيامهم كل ذلك نعرفه من الشعر ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فضل الشعر بباب في كتابه العمدة‪ ،‬بل وبددأ‬ ‫وخصّ اب رشيق(ت‪463‬هـ)‬
‫بدده ‪ ،‬وق ف‬
‫س دم كددالم العددرب إلددى قسددمين منظددوم ومنثددور‪ ،‬فقددال ‪ " :‬كددان الكددالم كلدده‬
‫منثورا فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخالقها‪ ،‬وطيب أعراقهدا‪ ،‬وذكدر أيامهدا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬كتاب دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمربن الخطاب رضي اهلل عنه وسياسته‬
‫‪ :‬عبد السالم بن محسن آل عيسى الناشر‪ :‬عمادة البحث العلمي بالجامعة‬ ‫اإلدارية الميل‬
‫اإلسالمية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية الطبعة ‪ :‬األولى‪1423‬هـ‪2002/‬‬

‫مصدر الكتاب ‪ :‬موقع مكتبة المدينة الرقمية ( ‪)1/188‬‬

‫(‪)2‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)137‬‬

‫(‪)3‬ابن رشيق هو ‪ :‬الحسن بن رشيق القيرواني أبو علي‪ ،‬أديب‪ ،‬ناقد‪ ،‬باحث‪ ،‬كان أبوه من موالي‬
‫األزد‪ ،‬ولد في المسيلة (بالمغرب) وتعلم الصياغة‪ ،‬ثم مال إلى األدب وقال الشعر‪ .‬انتقل إلى‬
‫جزيرة صقلية وتوفي فيها سنة‪463( :‬هـ)‪ ،‬كتبه (العمدة في صناعة الشعر ونقده)‪( ،‬وقراضة‬
‫الذهب) في النقد‪ ،‬و(الشذوذ في العلة)‪ ،‬وغيرها الكثير‪ .‬انظر‪ :‬بغية الوعاة (‪.)504 /1‬‬

‫‪31‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫الصالحة‪ ،‬وأوطانها النازحة‪ ،‬وفر سانها األنجاد‪ ،‬وسمحائها األجدواد؛ لتهدز نفوسدها‬
‫إلددى الكددرم‪ ،‬وتدددل أبنائهددا علددى حسددن الشدديم‪ ،‬فتوهمددوا أعدداريض فعملوهددا مددوازين‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫للكالم؛ فلما تم لهم وزنه سموه شعرا؛ ألنهم قد شعروا به‪ ،‬أي‪ :‬فطنوا له‪".‬‬

‫ف ياب رشيييق يظهددر لنددا وك د ن طبيعددة الشددعر عنددد ت ليفدده وإنشدداده فيدده مددن‬
‫التباهي والتفاخر ما أشبع حاجة العرب من التغني بمكارم أخالقها وطيدب أعرافهدا‬
‫‪ ....‬وهذا قد يكون الفارق الذي تميز به الشعر عن النثرفي الوزن واإليقا ‪ ،‬فوجدد‬
‫فيه العرب ما يشبع رغباتهم وميولهم ‪.‬‬

‫وجاء قوله في حدد الشدعر ‪ " :‬إ ّن الشدعر يقدوم ‪ ،‬بعدد النيدة ‪ ،‬مدن أربعدة أشدياء‪،‬‬
‫وهددي‪ :‬اللفددظ ‪ ،‬والددوزن‪ ،‬والمعنددى‪ ،‬والقافيددة‪ ،‬فه دذا هددو حددد الشددعر؛ألن مددن الكددالم‬
‫(‪)2‬‬
‫موزونا مقفى وليس بشعر؛ لعدم القصد والنية " ‪.‬‬

‫فكان موافقا لرأي قدامة في حده للشعر مضيفا عليه النية والقصد‪.‬‬

‫بل وجعله شرطا من شروطه فمتدى كدان الشداعر صدادقا فدي ألفاظده ومعانيده‬
‫وصل ذلك إلى المتلقي بإحساس ميثر فيه ‪ ،‬وهذا ما رمى إليه ابن رشيق مدن النيدة‬
‫والقصد فما خال من ذلك فليس بشعر في رأيه ‪ ،‬وقد أكد هدذا بقولده ‪ " :‬وإنمدا سدمي‬
‫الشاعر شاعرا؛ ألنه يشعر بما ال يشدعر بده غيدره‪ ،‬فدإذا لدم يكدن عندد الشداعر توليدد‬
‫فيده غيدره‬ ‫معنى وال اختراعه‪ ،‬أو اسدتظراف لفدظ وابتداعده‪ ،‬أو زيدادة فيمدا أجحد‬
‫من المعاني‪ ،‬أو نقص مما أطاله سواه من األلفاظ‪ ،‬أو صدرف معندى إلدى وجده عدن‬
‫وجه آخر؛ كان اسدم الشداعر عليده مجدازا ال حقيقدة‪ ،‬ولدم يكدن لده إال فضدل الدوزن‪،‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)20‬‬

‫(‪)2‬المصدر نفسه (و‪.)119‬‬

‫‪32‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وليس بفضل عندي مع التقصير‪"..‬‬

‫وشبه اب رشييق بيدت الشدعر كبيدت البنداء فجعدل أساسده وقاعدتده التدي يسدتند‬
‫عليها الطبع‪ ،‬وقوته ومتانته وسمكه الروايدة ‪ ،‬وقوائمده التدي يعتمدد عليهدا وأعمدتده‬
‫ودعائمدده العلددم ‪ ،‬وجعددل سددهولة تناولدده والتعددود عليدده وبابدده الدربددة ‪ ،‬أمددا محتددواه‬
‫ومضمونه وساكنه فهوالمعنى ‪.‬فقال " والبيت من الشعر كالبيت من األبنيدة‪ :‬قدراره‬
‫الطبع‪ ،‬وسمكه الرواية‪ ،‬ودعائمه العلم‪ ،‬وبابه الدربة‪ ،‬وساكنه المعنى‪ ،‬وال خير في‬
‫بيدددت غيدددر مسدددكون‪ ،‬وصدددارت األعددداريض والقدددوافي كدددالموازين واألمثلدددة ‪ ،‬أو‬
‫كاألواخي واألوتاد لألخبية‪ ،‬ف ما ما سدوي ذلدك مدن محاسدن الشدعر فإنمدا هدو زيندة‬
‫مست نفة ولو لم تكن الستغنى عنها "(‪.)2‬‬

‫فعد ّول بهددذا علددى الطبددع وجعلدده األسدداس فددي الشددعر فوافددق بددذلك الجدداحظ مددع‬
‫إضافته للنية والقصد ‪.‬‬

‫قدامدة للشدعر كدان منهجدا ألغلدب مدن جداء بعدده ‪،‬‬ ‫وكما سبق القول ف‬
‫أن تعري‬
‫(‪)3‬‬
‫الشدعرعند قدامدة بنصده‬ ‫يكدرر تعريد‬ ‫وها هو اب سنان الخفياجي(ت‪466‬هيـ)‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق ( و‪.) 116‬‬

‫(‪)2‬المصدر نفسه ( و‪.) 121‬‬

‫(‪ )3‬هو أبو محمد عبده بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي العالم الشاعر األديب‪ ،‬ولد سنة ‪422‬هـ‪،‬‬
‫وهو من بني خفاجة‪ ،‬وكان أبوه من أشراف حلب‪ ،‬ول ّما شبّ أحذ العلم واألدب على علماء‬
‫عصره‪ ،‬وكان أسلوبه أسلوبا أدبيا علميا ممتاز‪ ،‬ال يطغى فيه ذوق األديب على ذوق العالم‪،‬‬
‫توفي سنة ‪ 466‬هـ رحمه ه‪ ،‬سر الفصاحة‪ ،‬للخفاجي‪ ،‬تحقيق عبد المتعال الصعيدي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية الطبعة‪ :‬الطبعة األولى ‪1402‬هـ‬

‫‪33‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫دون إضافة‪ " ،‬وأما حد الشعر فهو كالم موزون مقفى يدل على معنى "‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويفسرها بنفس تفسير قدامة‬
‫(‪)3‬‬
‫كددرر حدد قدامددة للشددعر ب ركاندده فددي‬ ‫وكددذلك أسييامة ابي منقييذ(ت‪584‬هييـ)‬
‫قولدده‪ " :‬الشددعرقول مددوزون مقفددى دال علددى معنددى‪ ،‬ولدده طرفددان‪ :‬أحدددهما غايددة‬
‫الجودة‪ ،‬واآلخر غاية الرداءة‪ ،‬وبينهما وسائ ‪.‬‬

‫والمعنى للشعر بمنزلة المادة‪ ،‬والشعر فيه بمنزلة الصورة‪ .‬وهو أربعة أشياء‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫لفظ‪ ،‬ومعنى‪ ،‬ووزن‪ ،‬وقافية"‬

‫كمددا اقتددبس أسددامة بددن منقددذ رأيدده فددي أن المعنددى كالمددادة للشددعر‪ ،‬والشددعر هددو‬
‫(‪)5‬‬
‫الصورة ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سر الفصاحة(و‪ )286‬األمير أبو محمد عبد ه بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪1402 ،‬هـ ‪1982‬م ‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نقد الشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر (و‪.)3‬‬

‫(‪)3‬أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ‪ ،‬من أسرة مجيدة نش فيها رجال كبار‪ ،‬لم يكت‬
‫أبوه بتربيته الحربية بل كان يحضر له الشيوخ الكبار ليلعموه هو وأخوته‪ ،‬فسمع الحديث من‬
‫الشيخ السنيسي وروي عنه‪ ،‬وقرأ عل م النحو‪ ،‬ونش في مجتمع أدبي‪ ،‬حفظ كثير من الشعر‬
‫القديم‪ ،‬وصفه الذهبي ب نه أحد أبطال اإلسالم ورئيس الشعراء األعالم‪ ،‬توفي عام ‪584‬هـ‪،‬‬
‫لباب اآلداب ألسامة بن المنقذ‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪.‬‬

‫(‪)4‬البديع في نقد الشعر(‪ )289/1‬أسامة بن منقذ الشيزري تحقيق‪ :‬د‪ .‬أحمد أحمد بدوي ‪ -‬د‪ .‬حامد عبد‬
‫المجيد مراجعة‪ :‬أ‪ .‬إبراهيم مصطفى‪ ،‬الجمهورية العربية المتحدة ‪.‬‬

‫(‪ )5‬انظر‪ :‬نظريات الشعر‪ ،‬للجوزو (‪.)202/1‬‬

‫‪34‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وجددددددداء مدددددددن أضددددددداف إلدددددددى حدددددددد قدامدددددددة فدددددددي الشدددددددعر وهدددددددو حيييييييازم‬
‫(‪)1‬‬
‫فجعل حد الشعر أقرب ما يكون إلى حدد قدامدة فقدال ‪" :‬‬ ‫القرطاجني(ت‪684‬هـ)‬
‫الشعر كالم موزون مقفى من ش نه أن يحبدب إلدى الدنفس مدا قصدد تحبيبده ‪ ،‬ويكدره‬
‫إليهدا مددا قصددد تكريهدده ؛ لتحمدل بددذلك علددى طلبدده أو الهدرب مندده ‪،‬بمددا يتضددمن مددن‬
‫الكالم ‪ ،‬أو‬ ‫حسن تخييل له ‪ ،‬ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هي ة ت لي‬
‫قوة صددفة أو قدوة شدهرته ‪ ،‬أو بمجمدو ذلدك ‪ ،‬وكدل ذلدك يت كدد بمدا يقتدرن بده مدن‬
‫(‪)2‬‬
‫إغراب " ‪.‬‬

‫وذكددر القرطيياجني القصددد وجعلدده أساسددا فددي حددده للشددعر‪ ،‬فوافددق قدامددة بحددد‬
‫عمددن سددبقه فددي ذكددره للتخييددل‬ ‫الشددعر‪ ،‬ووافددق ابددن رشدديق فددي القصددد ‪ ،‬واختل د‬
‫والمحاكداة فدي الشدعر‪ ،‬وفدرق بدين الشدعر الجيدد والشدعر الدردئ ؛ فالجيدد مدا كاندت‬
‫محاكاتدده حسددنة ‪ ،‬وت ليفدده حسددنا وبدده غرابددة ‪ ،‬أمددا الشددعر الددردئ فيخلددو مددن هددذه‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الصفات ‪ ،‬كما أن الشعر الجيد يبعث على االنفعال ويثير اإلعجاب"‬

‫وختام استعراض آراء النقاد في قضية حد الشعر وتعريفه كان برأي ف‬


‫عالمة مصدر‬
‫النييواجي(ت‪859‬هييـ) الددذي عدد فرف الشددعر بقولدده ‪ " :‬الشددعر قددول مقفددى مددوزون‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪) 1‬هو حازم بن محمد بن حسن‪ ،‬ابن حازم القرطاجني أبو الحسن‪ ،‬أديب من العلماء له شعر‪ ،‬من أهل‬
‫قرطاجنة شرقي األندلس‪ ،‬توفي سنة‪684( :‬هـ) ‪ ،‬وله (ديوان شعر) و(سراج البلغاء)‪ .‬انظر‪:‬‬
‫ترجمته في‪ :‬شذرات الذهب(‪.)388 ،387 /5‬‬

‫(‪)2‬منهاج البلغاء وسراج األدباء(و‪ )71‬أبي الحسن حازم القرطاجني‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬محمد الحبيب بن‬
‫الخواجة‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪-‬بيروت‪-‬ط‪ ،3‬تونس‪ 1966،‬م‪.‬‬

‫(‪)3‬في نظرية األدب من قضايا الشعر والنثر في النقد العربي القديم(‪ ،)25/1‬األستاذ الدكتور‪ :‬عثمان‬
‫موافي ‪.‬دار المعرفة الجامعية‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫بالقصد‪ ،‬يدل على معنى " ‪.‬‬

‫فت ثر النّواجي بقدامة وإن كدان قدد جعدل فدي تعريفده التقفيدة قبدل الدوزن ‪،‬وخصفدص‬
‫المددوزون بالقصددد فشددابه بددذلك ابددن رشدديق و القرطدداجني‪ ،‬واقتددبس مددن قدامددة أن‬
‫المعنى للشعر بمنزلة المادة ‪ ،‬واللفدظ بمنزلدة الصدورة‪ ،‬وسدبقه إلدى هدذا أسدامة ابدن‬
‫المنقذ ‪ ،‬كما وافق النّواجي ابن طباطبا حين قرن المعنى بدالوزن مبيندا ضدرورة أن‬
‫يكدون المعنددى مصددوغا بتعبيددر مددوزون مقفددى ‪ ،‬وذلددك عنددد فصددل ابددن طباطبددا بددين‬
‫الشعروالنثر بالوزن والتقفية‪.‬‬

‫وقد حافظ النّواجي على القالب األصلي في تعريفه للشعرعند قدامة ‪ ،‬ولعله اكتفدى‬
‫بهذا لعدة أسباب ودوافع من أبرزها و المناسب لها في هذا الموضدع مدا علدق عليده‬
‫د‪.‬البنداري في كتابه الموسوم بنظرية اإلبدا الشعري عند النّواجي حين وضدح أن‬
‫و شدرحها و‬ ‫قدامة كان مت ثرا بالمنطق األرسطي للشعر في وضع حدود للتعاري‬
‫تفسدديرها ‪ ،‬أمددا النّدواجي فددبحكم رؤيتدده الدينيددة ‪ -‬التددي تظهددر آثارهددا فددي الكثيددر مددن‬
‫القضايا الشعرية ‪ -‬والتي تفرض عليه فدي ذلدك الوقدت عددم االلتفدات إلدى الفلسدفة ‪،‬‬
‫لما كانت تتجاوز الحد فيه على ه سبحانه وتعالى في الغيبيات إضافة ؛إلى أنه من‬
‫المعلوم عن سيرة النّواجي أنه كان يبعد عن تفسير المفسر و يعتبره من نافلة القول‬
‫(‪)2‬‬
‫بس الفكرة و عرضها باإليجاز و التركيز الشديدين ‪.‬‬

‫وأما بالنسبة لعنصر الخيال فقدد ُوجدد عندده ولكدن لدم يدذكره أو يُشدر إليده ‪ ،‬وهدذا ال‬
‫يعنددي افتقدداده لدده ‪ ،‬فالندداظر إلددى شددعر النّدواجي يددري اإلبدددا والتكامددل بددين ألفاظدده‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر(و‪ ،)27‬النواجي‪ ،‬المحقق‪:‬د‪.‬محمد بن عبدالكريم‪ ،‬دار مكتبة الحياة‬
‫بيروت‪.‬‬

‫(‪)2‬نظرية االبدا الشعري عند النواجي (و ‪ .)31‬د‪ .‬حسن البنداري‪ ،‬مكتبة األنجلو‪2000‬م‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫يفتقر إلى عنصر الخيال وهو بهذا اإلبدا ‪.‬‬ ‫ومعانيه وفي تشبيهاته ومراثيه‪ ،‬فكي‬

‫السابقة في هذه الدراسة الجمع بين اآلراء‪:‬‬ ‫وخالصة التعاري‬

‫الشدعر ‪ ،‬فجداءت آراؤهدم متبايندة‬ ‫فظهر أن أغلب النقاد قد أدلوا بدلوهم فدي تعريد‬
‫في أجزاء ومتطابقة في أخري ‪ ،‬ومهمدا بُدذل مدن جهدد فدي إيجداد تعريد ع يحتضدنه‬
‫الجميددع لمددا كددان لددذلك سددبيال ؛ الخددتالف فنددون الشددعر وتبدداين أغراضدده‪ ،‬وتعدددد‬
‫باألديب أو‬ ‫ضروبه ‪ ،‬فهو عند العرب عامة التعبير عن مكنون نفس الشاعر‪،‬فكي‬
‫الناقد !‬

‫للشدعرهو‪ :‬أن الشدعر قدول منظدوم بدالوزن‬ ‫وعلى مايبدوأن خالصدة تلدك التعداري‬
‫مقفى يقوم على القصد والنية ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث الثاني‪ :‬قضية اللفظ والمعنى‬


‫هددذه القضددية هددي ثدداني قضددايا الشددعر التددي تحدددث عنهددا النددواجي ‪ ،‬وتُعددد مددن‬
‫ال قضايا الكبري التي تناولهدا النقداد القددامى ‪ ،‬وأتدى عليهدا أغلدبهم ‪ ،‬فتعدددت اآلراء‬
‫فيهددا واختلفددت ‪ ،‬وسددعى كددل مددنهم سددعيه ؛ ليحدددد دور كددل مددن اللفددظ والمعنددى فددي‬
‫النص األدبي وقيمته الفنية ‪.‬‬

‫ومددددن أبددددرز اآلراء التددددي تدارسددددت أبعدددداد هددددذه القضددددية رأي بشيييير بيييي‬
‫(‪)1‬‬
‫؛ فالتوجيه األدبي هدو الدذي دفعده إلدى اتخداذ لغد عة تسداوي‬ ‫المعتمر(ت‪210‬هـ)‬
‫بين اللفظ والمعنى فيقول ‪ " :‬من أراد معنى كريما فليلتمس له لفظا كريما فدإن حدق‬
‫‪ ،‬ومددددن حقهددددا أن تصددددونها عمددددا يفسدددددهما‬ ‫اللفددددظ الشددددري‬ ‫المعنددددى الشددددري‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويهجنهما‬

‫ومددن خددالل عبارتدده السددابقة نجددد أنده تبنّدى هددذا المبدددأ النقدددي وهددو أن الددنظم‬
‫الشعري ال يقوم إال باالثنين معا اللفظ و المعنى فقيّد المعنى الكريم بداللفظ الكدريم ‪،‬‬
‫‪ ،‬وأبدان عدن العالقدة التدي‬ ‫كدذلك اللفدظ الشدري‬ ‫بل وجعل من حق المعنى الشري‬
‫تجمدع بدين اللفدظ والمعنددى ‪ ،‬فتعقيدد اللفدظ وغموضده يفسددد شدكل القصديدة وأثرهددا ‪،‬‬
‫والمعندى الجميددل يسددمو بالصدياغة والتعبيددر؛ فمددوطن الجمدال فددي المعنددى ‪ ،‬واللفددظ‬
‫والمعنددى يك ّونددان القصدديدة ب د رو مددا تكددون ‪ ،‬حددين يكددون اللفدظ مسددتقيما والمعنددى‬
‫جميال ‪ ،‬وع فد بشر صيانة اللفظ والمعنى مدن الفسداد حقدا لهمدا علدى الشداعر‪ ،‬ومتدى‬
‫كان اللفظ واضحا سهال والمعنى ظاهرا ومكشدوفا اسدتطا الشداعر أن يخاطدب بده‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬هو بشر بن المعتمر الهاللي البغدادي‪ ،‬أبو سهل‪ :‬فقيه معتزلي مناظر‪ ،‬من أهل الكوفة‪ .‬من آثاره‪:‬‬
‫اجتهاد الرأي الحجة في اثبات النبوة‪ ،‬حدوث األشياء‪ ،‬الرد على أهل التناسخ‪ ،‬والرد على‬
‫الفالسفة‪.‬انظر‪ :‬الوافي بالوفيات (‪.)155 / 10‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين (‪ )135/1‬الجاحظ‪ ،‬أبو عثمان‪ ،‬البيان وال ّتبيين‪ ،‬تحـقيق‪ .‬عبد السّالم هارون‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬القاهرة‪1405 ،‬هـ‪1985-‬م‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪38‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫من يشاء من العامة أوالخاصة ‪.‬‬

‫وألهمية ذلك ف‬
‫حذر الشاعر من التوعر والتعقيد ‪ ،‬في اللفظ مبررا ذلدك ب نده يسدتهلك‬
‫المعاني ويشينها فينصح بقوله‪" :‬إياك والتوعر فإنه يسدلك إلدى التعقيدد والتعقيدد هدو‬
‫(‪)1‬‬
‫إذن فك نده يددعو إلدى المشداكلة بدين اللفدظ‬ ‫الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك "‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫والمعنى‬

‫أمدا الناقدد الفددذ الجداحظ فقدد اخددت طريقدا آخدر حددرو فيده علدى إبددراز قيمدة اللفددظ‬
‫ومستواه تارة و على أهميدة المعندى تدارة وعلدى كليهمدا تدارة ثالثدة ‪ ،‬ولكدن حاصدل‬
‫آرائه هي المساواة بينهما كبشر ‪.‬‬

‫ففددي اهتمامدده بدداللفظ ومسددتواه يقددول ‪ " :‬ال ينبغددي أن يكددون اللفددظ عاميددا‪ ،‬وسدداقطا‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫سوقيا‪ ،‬فكذلك ال ينبغي أن يكون غريبا وحشيا "‬

‫أمدا اهتمامده بدالمعنى فيظهدر مدن قولدده ‪ " :‬فدإذا كدان المعندى شدريفا واللفدظ بليغددا‪،‬‬
‫وكددان صددحيح الطبددع‪ ،‬بعيدددا مددن االسددتكراه‪ ،‬ومنزهددا عددن االخددتالل مصددونا عددن‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫التكل ‪ ،‬صنع في القلوب صنيع الغيث في التربة الكريمة "‬

‫وك ن الجاحظ(‪255‬هـ) يشير إلى أن صدال اللفدظ والمعندى وقبلهمدا صدحة الطبدع‬
‫أهم األسس التي يسعى إليها الشاعر؛ ليخرج عمال شعريا منتجدا مثمدرا ‪ ،‬لدذا نجدده‬
‫يشبه أثر ذلك في القلوب‪ ،‬أثر الغيث حين يصيب تربة صدالحة كريمدة فتندتج ثمدارا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬لغة النقد العربي القديم بين المعايرية والوصفية حتي نهاية القرن السابع الهجري‪( ،‬و‪.)59‬‬
‫رشيد‪ ،‬عبد السالم محمد‪ ،‬حالوي‪ ،‬ناصر رشيد‪ ،‬ميسسة المختار للنشر‪2008،‬م‪.‬‬
‫(‪)3‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ ( ‪.)135/1‬‬
‫(‪)4‬البيان والتبيين ‪،‬للجاحظ (‪.)87/1‬‬

‫‪39‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فيصدنع‬ ‫يانعة تسر الناظرين ‪ ،‬وهكذا هدو الحدال فدي اللفدظ البليد والمعندى الشدري‬
‫في القارئ أوالسامع صنيع الغيث في التربة الكريمة ‪.‬‬

‫كما يشير الجاحظ إلى أن االهتمام ب حدهما ال ينفي االهتمام باآلخر بقوله ‪ " :‬ولك ّل‬
‫ضرب من الحدديث ضدرب مدن اللفدظ‪ ،‬ولكد ّل ندو مدن المعداني ندو مدن األسدماء‪:‬‬
‫للخفي د ‪ ،‬والجددزل للجددزل‪ ،‬واإلفصددا فددي موضددع‬ ‫للسددخي ‪ ،‬والخفي د‬ ‫فال ّسددخي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اإلفصا ‪ ،‬والكناية في موضع الكناية‪ ،‬واالسترسال في موضع االسترسال "‬

‫فمقولتده السددابقة تيكدد الجانددب الثالدث مددن اهتمامدده بداالثنين معددا ‪ ،‬وهدذا يبددين مدددي‬
‫االرتباط الوثيق بينهما وضرورة مشاكلتهما ‪.‬‬

‫وهكدذا يدددلل الجدداحظ فددي أقوالدده المتعددددة ‪ ،‬والمتفرقدة فددي كتبدده علددى أندده ال ينصددر‬
‫اللفظ علدى المعندى ‪ ،‬وال ينصدر المعندى علدى اللفدظ ‪ ،‬وإنمدا ينظدر إليهمدا متدوائمين‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫متحدين متكاملين‪ ،‬لهذا جعل لكل صياغة ألفاظا خاصة بها"‬

‫حيث قال ‪ :‬وأري أن ألفظ ب لفاظ المتكلمين ما دمت خائضا في صناعة الكالم مع‬
‫خواوّ أهل الكالم؛ فإن ذلك أفهدم لهدم عندي‪ ،‬وأخد ّ لمدينتهم علد ّي‪ .‬ولكدل صدناعة‬
‫ألفاظ قد حصلت ألهلها بعد امتحان سدواها‪ ،‬فلدم تلدزق بصدناعتهم ّإال بعدد أن كاندت‬
‫مشاكال بينها وبين تلك الصناعة‪ ،‬وقبيح بالمتكلم أن يفتقدر إلدى ألفداظ المتكلّمدين فدي‬
‫خطبددة‪ ،‬أو رسددالة‪ ،‬أو فددي مخاطبددة العددوام والتجددار‪ ،‬أو فددي مخاطبددة أهلدده وعبددده‬
‫وأمته‪ ،‬أو في حديثه إذا تحدث‪ ،‬أو خبره إذا أخبر‪ .‬وكذلك فإنّه من الخطد أن يجلدب‬
‫ألفدداظ األعددراب‪ ،‬وألفدداظ العددوا ّم وهددو فددي صددناعة الكددالم داخددل‪ .‬ولكد ّل مقددام مقددال‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬الحيوان‪،‬للجاحظ (‪.)17/3‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬المعنى الشعري وجماليات التلقي في التراث النقدي والبالغي‪(.‬و‪ )23‬د‪.‬ربى عبد القادر‬
‫الرباعي‪ ،‬دار جرير للنشر والتوزيع‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫ولك ّل صناعة شكل" ‪.‬‬

‫فصددنعة الجدداحظ النقديددة فددي قضددية اللفددظ و المعنددى تبددرز فددي نظددر الباحثددة‬
‫فيده الجداحظ منبهدا إلدى ضدرورة الكدالم‬ ‫بصورة جلية في النص السدابق الدذي يقد‬
‫(‪)2‬‬
‫بلغة أهل الفن لفوائده التي عددها‪ ،‬ميكدا ذلك بمقولته ‪":‬والمعاني مطروحة"‬

‫إذن لم يكن الجاحظ من أنصار اللفظ ولم يهمل المعنى كما زعم غيره‪ ،‬بدل اهدتم بده‬
‫اهتمامددا ممدداثال للفددظ ‪،‬وال ينتصددر للفددظ دون المعنددى ‪ ،‬وأكددد هددذا فددي قولدده ‪ " :‬أن‬
‫جمدال األدب يرتكدز علدى الطبيعدة ؛أي عدددم التكلد ‪ ،‬وعلدى البالغدة ؛أي المسدداواة‬
‫بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬واختيار اللفظ الذي يناسب المعنى ويوازيه فال يفضل عنه وال‬
‫(‪)3‬‬
‫ينقص‪ ،‬شرط أن تتوافر فيه الفصاحة أي الوضو ويتجنب الغرابة والوحشية" ‪.‬‬

‫" المعاني مطروحة في الطريق ‪ "..‬مقولته هذه كانت سببا في اتهامه من أنده رفدع‬
‫ش ن اللفظ وغضّ مدن شد ن المعندى ‪ ،‬بدل إنده ليسدقطه إسدقاطا ‪،‬ولديس لده فضدل وال‬
‫مزية وال قيمة فنية ‪ ،‬ويعجب اإلنسان ؛ إذ يري الجاحظ يذهب هذا المذهب ‪ ،‬وهو‬
‫(‪)4‬‬
‫ممن عرفوا قيمة المعاني وشرفها وطرافتها‪.‬‬

‫الجداحظ مدن اللفدظ و المعندى إشدكاال عندد النقداد المعاصدرين لعلندا‬ ‫ولقد أثار موقد‬
‫نعرض شيئا منه فيعلق د‪ .‬زكي عشماو بقوله ب ندك لدو تتبعدت كتداب الجداحظ فدي‬
‫فصوله المختلفة ‪ ،‬وفي تحديده لمعاني البالغة والبيان ‪ ،‬وفدي نقدده للشدعر والتعليدق‬
‫عليدده ‪ ،‬فلددن تخددرج فددي فهمدده للفددظ والمعنددى عددن ‪ :‬اسددتقالل المعنددى عددن اللفددظ ؛‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬الحيوان ‪،‬للجاحظ (‪.)175/3‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (‪.)87/3‬‬
‫(‪ )3‬الرسائل األدبية (‪ )39/1‬عمروبن محبوب الكناني الجاحظطو دارومكتبة الهالل ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ .‬دار المعارف ‪ .‬ط‪.9‬‬ ‫(‪ )4‬انظر ‪ :‬فى النقد األدبي(و ‪ )65‬شوقى ضي‬

‫‪41‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فالمعنى يوجد أوال أو مستقال ‪ ،‬ثم يتبعه اللفدظ أو يقتفيده ‪ ،‬إضدافة إلدى ذلدك المبالغدة‬
‫بالشددكل ‪ ،‬فالشددعر صددياغة وضددرب مددن النسدديج ‪ ،‬وجددنس مددن التصددوير‪ ،‬قتطددرف‬
‫الجدداحظ بهددذه النظددرة حتددى كدداد الحكددم علددى الشددعر عنددده يكددون علددى الجمدددال‬
‫(‪)1‬‬
‫الخارجي دون النظر إلى المحتوي ‪.‬‬

‫وردا على كالم د‪ .‬العشماوي نقول ‪ :‬فالجاحظ كما رفع من ش ن اللفظ فقد فعل ذلدك‬
‫أيضا في المعنى ‪ ،‬وقد سبق ذكدر النصدوو التدي تثبدت اهتمدام الجداحظ بدالمعنى ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى أن كتب الجاحظ المتنوعة قد امتألت بذلك ‪.‬‬
‫ولعددل الجدداحظ علددل ذلددك اإلشددكال بقولدده ‪ " :‬اعلددم‪ -‬حفظددك ه‪ -‬أن حكددم المعدداني‬
‫خالف حكم األلفاظ ؛ ألن المعاني مبسوطة إلى غير غاية‪ ،‬وممتدة إلى غير نهايدة‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫وأسماء المعاني مقصورة معدودة‪ ،‬ومحصلة محدودة "‬
‫ويقول د‪ .‬رفع الت امي ‪" :‬لعل الجاحظ يقصد بالمعاني المطروحة فدي الطريدق ‪،‬‬
‫تلك المعاني العامدة التدي تشديع بدين النداس ‪ ،‬ويتدداولها العامدة ‪ ،‬مدن نحدو المدواعظ‬
‫والحكم المستخلصة من تجارب الحياة ‪ ،‬حتى أننا كثيرا ما نسمع العامة يقولدون ‪":‬‬
‫الحاجة لغير ه مذلة " فيعبرون عن كل مكروه تضيق به النفس بدالموت ‪ ،‬وكثيدر‬
‫(‪)3‬‬
‫من األحرار يفضلون الموت على ذل السيال" ‪.‬‬

‫وغالددب الظددن أن كددالم د‪ .‬رفعددت فيدده كثيددر مددن الصددحة ؛ألندده كمددا وجدددت‬
‫نصوو ترفع من ش ن اللفظ ‪ ،‬كذلك هناك من النصدوو رفعدت مدن شد ن المعندى‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫انظر‪ :‬قضايا النقد األدبي بين القديم والحديث( و‪ .)214‬د‪ .‬محمد زكي العشماوي‬ ‫(‪)1‬‬
‫دار النهضة العربية للطباعة والنشر ‪،‬ط‪1979 ،1‬م ‪.‬‬
‫البيان والتبيين‪،‬للجاحظ (‪.)82/1‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫النقد األدبي العربي القديم تطوره وقضاياه‪( ،‬و‪ )190‬أ‪.‬د‪ .‬رفعت التهامي عبد البر‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار‬ ‫(‪)3‬‬
‫النشرالدولي للنشر والتوزيع ‪1429 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وقيمته ‪.‬‬

‫" وعبارة الجداحظ ( المعداني مطروحدة فدي الطريدق‪ )....‬هدذه ال تدنهض دلديال‬
‫أكيددا علدى لفظيتدده ‪ ،‬فقدد تُفهَدم علددى نحدو آخددر ‪ ،‬فهدو ال يعندي اللفددظ المفدرد ‪ ،‬وإنمددا‬
‫(‪.)1‬‬
‫يعني الصياغة ‪ ،‬والصياغة ال تكون إال للمعنى حين يشكل تشكيال فنيا "‬

‫إضافة إلى أن "الجاحظ يري أن أحسن الكالم مدا كدان معنداه فدي ظداهر لفظده‪.‬‬
‫واللفظ البلي ‪ ،‬يقدول‬ ‫وذلك ال يتم برأيه إال من خالل المزاوجة بين المعنى الشري‬
‫الجدداحظ ‪ " :‬وأحسددن الكددالم مددا كددان قليلدده يغني دك عددن كثيددره‪ ،‬ومعندداه فددي ظدداهر‬
‫(‪)2‬‬
‫لفظه" ‪.‬‬

‫كمددا يددري " أن المعدداني هددي فددي متندداول جميددع الندداس ‪ ،‬وأن الكددالم ال يكفددي‬
‫بددالمعنى البلي د وحددده حتددى يكتسددب صددفة البالغددة ‪ ،‬وإنمددا هددو محتدداج إلددى اللفددظ‬
‫(‪)3‬‬
‫الفصيح ‪ ،‬واألسلوب القوي المحكم " ‪.‬‬

‫أما ابن قتيبة(‪276‬هـ) فقد ق ف‬


‫سم الشعر بين اللفظ والمعنى وقد سبق أن عرضدنا‬
‫هذا التقسيم من قبل ‪.‬‬

‫ولددو نظرنددا إلددى األضددرب األربعددة التددي قسددمها ابددن قتيبددة ‪ ،‬لوجدددنا ه اتخددذ‬
‫التالية ‪:‬‬ ‫حيالها المواق‬
‫‪ -1‬أنه ساوي بين اثنين منهما في جودة اللفظ والمعنى‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬دراسات في النقد العربي القديم ‪( ،‬و‪ )98‬د‪ .‬عبد الفتا عثمان ‪ ،‬ط‪ ،1‬دار القلم ‪ ،‬اإلمارات‬
‫العربية المتحدة‪.‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين‪،‬للجاحظ (‪.)87/1‬‬
‫(‪)3‬النقد األدبي عند العرب واليونان معالمه وإعالمه‪(،‬و‪ ) 308‬د‪ .‬قصي الحسين‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫‪ -2‬وخال بين اثنين ‪ ،‬فساوي بين ‪ :‬جودة كل من اللفظ والمعنى ‪ ،‬ورداءة كل‬
‫من اللفظ والمعنى‪.‬‬
‫‪ -3‬وخال بين ‪ :‬إذا جاء اللفظ جميال والمعنى قبيحا فدي أحددهما ‪ ،‬بينمدا جداء‬
‫المعنى جميال واللفظ رديئا في ثانيهما‪.‬‬

‫وتعددت آراء المعاصرين في رأي ابدن قتيبدة‪ ،‬وإلدى أي فريدق ينتمدي‪ ،‬هدل‬
‫إلى اللفظ أم هل إلى المعنى ‪ ،‬أم شاكل بينهما‪ ،‬فمنهم مدن قدال ‪ :‬سداوي ابدن‬
‫بينهما في ضربين آخرين ‪،‬‬ ‫قتيبة بين اللفظ والمعنى في ضربين ‪ ،‬و خال‬
‫وهددذا يعنددي أندده قددد فصددل بينهمددا فهمددا غيددر متسدداويين ‪ ،‬أي أندده ينظددر إلددى‬
‫المعنى أو إلى اللفظ ثم ينظر بعد ذلك إلى ما يشداكل المعندى مدن لفدظ أو مدا‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫يشاكل اللفظ من معنى ويحكم بالتوافق أو المخالفة‬

‫ويوافق هذا الرأي د‪ .‬زكدي العشدماوي فدي قولده ‪ " :‬شدارك ابدن قتيبدة الجداحظ‬
‫في فكرة استقالل المعندى عدن اللفدظ ‪ ،‬واسدتقالل اللفدظ عدن المعندى؛ ( ألن د‪ .‬زكدي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ممن يييدون أن الجاحظ من أنصار اللفظ )‬

‫و ييكددد ذلددك رأي د‪.‬قصددي الحسددين الددذي قددال "ويددري ابددن قتيبددة أن لكددل مددن‬
‫الممثدل‬ ‫اللفظ والمعنى مدلوله الخاو ؛ فمدلول اللفظ عنده يريد به النظم والتد لي‬
‫في اللفظ المفرد والوزن والروي ‪ ،‬أما مددلول المعندى فهدو يعندي الفكدرة التدي يبدين‬
‫(‪)3‬‬
‫عنها البيت " ‪.‬‬

‫كما أن أغلب النقداد المعاصدرين متفقدون علدى أن ابدن قتيبدة يجعدل اللفدظ قسديم‬
‫المعنى ومساويا له في النهوض بالعمدل األدبدي؛ وذلدك لتقسديمه التقريدري للشدعر ‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬المعنى الشعري وجماليات التلقي‪ ،‬د‪.‬ربى ( و‪.)143‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬قضايا النقد األدبي بين القديم والحديث‪،‬د‪ .‬محمد زكي (و‪)220‬‬
‫(‪)3‬النقد األدبي عند العرب واليونان معالمه وإعالمه (و‪.)331‬‬

‫‪44‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وعرض ذلك التقسيم فيما سبق‬

‫وأوافددق د‪ .‬محمدددد رفعددت التهدددامي علددى أن ابدددن قتيبددة قدددد سدداوي بدددين اللفدددظ‬
‫والمعنى‪ ،‬فهما عنده يتعرضان للجدودة والقدبح معدا ‪ .‬ويوافدق ابدن قتيبدة بهدذا الدرأي‬
‫بشرا و الجاحظ‪.‬‬

‫ووافق اب طباطبا(‪322‬هـ) الجاحظ و ابن قتيبة في رأيه؛ حيث دعدا الشداعر‬


‫شاعر ْ‬
‫أن‬ ‫عند ت ليفه للشعر إلى أن ينتبه ألمور وقواعد دقيقة حيث يقول‪ ":‬ويَ ْنبَغي لل ف‬
‫ق أبياته‪َ ،‬ويَق َ على ُحسْن تجا ُورها َ أَو قُبْحه فيُالئ ُم بَينهَدا‬ ‫يت فم َل ت لي َ ش ْعره‪ ،‬وتَ ْنسي َ‬
‫لتَن ْتظم لَهُ َم َعانيهَا ويَتفص َل َكالَ ُمه فيهَا‪َ ،‬و َال يَجْ َعل بَين َما قَد ابتَ َدأ َوصْ فَهُ َوبَدين تَمامده‬
‫ق القَدو َل‬ ‫ْس من جنس ماهو فيه فَيُنسد َي السفدام َع ال َم ْعنَدى الفدذي يَسدو ُ‬ ‫فضال من َح ْش عو لَي َ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫أختها‪"..‬‬ ‫إلَيْه‪َ .‬ك َما أَنه يَحْ تَر ُز م ْن َذلك في ُك فل بَ ْي ع‬
‫ت فَ َال يُبَاع ُد َكل َمة َعن ْ‬

‫هددذه األ مددور هددي دعددوة للشدداعر للت مددل فددي األلفدداظ والمعدداني لتنددتظم ويددوائم‬
‫بعضددها بعضددا ‪ ،‬وإعددادة الصددياغة بترتيددب المعدداني ونظمهددا مددع مددا يشدداكلها مددن‬
‫األلفاظ عند الت لي ‪ .‬ويزيد ابن طباطبدا مدن اهتمامده بدالنظم الشدعري عندد الشداعر‬
‫َض ال َمعْنى الفذي يُريد بنَدا َء ال ِّشدعر‬ ‫فييكد بقوله ‪ " :‬فإذاَ أ َرا َد ال ف‬
‫شاع ُر بنا َء قَصيد عة مخ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫َعلَيْه في ف ْكره ن َْثرا‪" ....‬‬

‫وكان من تعليق المعاصرين عليه مدا ذكدره د‪ .‬عبيد الفتياع عثميان ‪ :‬المالحدظ‬
‫أن ابددن طباطبددا يفصددل بددين اللفددظ والمعنددى ‪ ،‬ويعتبددر اللفددظ لباسددا وزيددا للمعنددى‪.‬‬
‫فالشاعر عليه إيفاء كل معنى حظه من العبدارة وإلباسده مايشداكله مدن األلفداظ حتدى‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬النقد األدبي العربي القديم‪،‬د‪.‬رفعت التهامي (و‪.)387‬‬
‫(‪)2‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)209‬‬
‫(‪)3‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)8‬‬

‫‪45‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫يبرز في أحسن زي وأبهى صورة " ‪.‬‬

‫ابددن طباطبددا بتعصددبه للمعنددى ‪ ،‬و لددو ت ملنددا صددنعة الشددعر عنددده ‪،‬‬ ‫و ُوص د‬
‫لوجدناه يوصي بانتقداء األلفداظ للمعداني ‪ ،‬باإلضدافة إلدى شددة حرصده علدى المدزج‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫بين اللفظ والمعنى‪ ،‬فنجده حين يذكر المعنى؛ فاللفظ دائما يصاحبه ‪.‬‬

‫فيقول ‪ " :‬فم َن األ ْشعار أ ْشعار ُمحْ َكمة ُم ْتقَندة‪ ،‬أنيقَدةُ األلفَداظ‪ ،‬حكيمدةُ ْالم َعداني‪،‬‬
‫دت ن َْثدرا لدم تَبْطُدلْ َج ْدودةُ َم َعانيهدا‪َ ،‬ولدم تَ ْفقُد ْد َجزَالدةَ‬
‫دت وجُعلَ ْ‬
‫ض ْ‬‫َعجيبة الت لي ‪ ،‬إذا نُق َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ألفاظهَا "‪.‬‬

‫و يمكن أن نخلص إلى أن ابدن طباطبدا يمثدل بشدرا فدي شددة اهتمامده وإلحاحده‬
‫على االنسجام والتوافق بين اللفظ والمعندى ‪ ،‬وبهدذا فدإن ابدن طباطبدا ُعد ّد مدن النقداد‬
‫الذين انتهجوا نهج المساواة بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬وييكد ابن طباطبا ذلك بقوله ‪:‬‬

‫ق ورُوحُدهُ َم ْعنَداه‪،‬‬ ‫ط ُ‬‫أن لل َكالَم َج َسدا ورُوحا؛ فَج َس ُدهُ الن ْ‬ ‫" ْ‬
‫وإذ قَ َد قَالَت ال ُح َك َما ُء ف‬
‫ص ْن َعة ُم ْتقَنَة لَطيفَدة َم ْقبُولَدة ُم ْستَحْ َسدنة ُمجْ تَلبَدة‬
‫أن يَص ْن َعهُ َ‬
‫صانع ال ِّشعر ْ‬ ‫فَ َواجب على َ‬
‫سامع لَهُ والنفاظر ب َع ْقله إلَيْه‪ُ ،‬م ْستَ ْدعيَة لع ْشق ال ُمتَ ِّمل في محاسنه وال ُمتَفَرِّس‬ ‫لمحبفة ال ف‬
‫(‪)4‬‬
‫في بدائعه‪ ،‬فَيُحْ سنُهُ جسْما ويُ َحقِّقُهُ رُوحا؛ أَي‪ :‬يُ ْتقنُهُ لَ ْفظا ويُبْد ُعهُ َم ْعنَى " ‪.‬‬

‫فنقل عدن القددماء تمثديلهم للكدالم بالجسدد والدرو ‪ ،‬فالجسدد هدو لفظده وروحده‬
‫معناه ‪ ،‬فلذا طلب من صانع الشعر أو الكالم أن يتقن صنعه في اللفظ ‪ ،‬ويبدعه في‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬دراسات في النقد العربي القديم‪،‬د‪.‬لعبد الفتا عثمان ( و‪.)157‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (و‪.)160‬‬
‫(‪)3‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)11‬‬
‫(‪)4‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)203‬‬

‫‪46‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المعنى ‪ .‬وهذا يعني ت كيده أن اللفظ مهم للشعر بقدر أهمية المعنى لده ‪ ،‬وهدذا يعندي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اهتمامه بالجانبين معا متساويين مت لفين على ديباجة حسنة‬

‫ويبدو أن ابدن طباطبدا حدين مثّدل اللفدظ والمعندى بدالرو والجسدد إنمدا دل ذلدك‬
‫على مدي تمازجهما مع بعضهما ‪ ،‬ومدي ترابطهما ببعضهما ‪.‬‬

‫ف‬
‫إن من حق الشاعر أن يتكلم فيما يحب دون قي عد يقيده ؛ فالمعاني كلها معرضدة‬
‫له كما قال ذلك قدامة‪ " :‬ومما يجب توطيده وتقديمده‪ ،‬قبدل الدذي أريدد أن أتكلدم فيده‪،‬‬
‫أن ا لمعاني كلها معرضة للشاعر‪ ،‬وله أن يتكلم منها‪ ،‬فيما أحب وآثدر‪ ،‬مدن غيدر أن‬
‫يحظر عليده معندى يدروم الكدالم فيده‪ ،‬إذ كاندت المعداني بمنزلدة المدادة الموضدوعة‪،‬‬
‫والشددعر فيهددا كالصددورة‪ ،‬كمددا يوجددد فددي كددل صددناعة مددن أندده ال بددد فيهددا مددن شدديء‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫موضو يقبل ت ثير الصور منها‪ ،‬مثل الخشب للنجارة‪ ،‬والفضة للصياغة "‬

‫وكددذلك قداميية (‪337‬هييـ) فقددد دعددا إلددى ضددرورة ائددتالف اللفددظ والمعنددى معددا‬
‫فوافق بذلك من سبقه كالجاحظ و ابن قتيبة و ابن طباطبا ؛ فيري قدامة أن المعاني‬
‫كلها معرضة أمام الشداعر فلي خدذ منهدا مدا يحدب ويريدد ‪ ،‬ويخدوض فدي كدل معندى‬
‫دون تقييددده بشدديء ‪ ،‬وك ندده يعيددد مقولددة الجدداحظ حددول ( المعدداني مطروحددة فددي‬
‫الطريددق ) لددذا يقددول ‪ " :‬وعلددى الشدداعر إذا شددر فددي أي معنددى كددان‪ ،‬مددن الرفعددة‬
‫والضعة‪ ،‬والرفث والنزاهة‪ ،‬والبذخ والقناعة‪ ،‬والمد و العضيهة‪ ،‬وغيدر ذلدك مدن‬
‫المعدداني الحميدددة والذميمددة‪ :‬أن يتددوخى البلددو مددن التجويددد فددي ذلددك إلددى الغايددة‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫المطلوبة ‪".‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬المعنى الشعري وجماليات التلقي في التراث النقدي والبالغي‪،‬د‪.‬ربى الرباعي (و‪.)147‬‬
‫(‪)2‬نقد الشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر( و‪.) 4‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وك فن قدامة و الجاحظ يرميان إلى أن المعاني تتشكل وتتغيدر حسدب الصدياغة‬
‫التي توضع فيها فهي كالخشب في الصناعة وكالفضة في الصياغة كما قال قدامدة‪،‬‬
‫فإن أراد بها صياغة في غاية الجدودة حصدلت لده كمدا يريدد ‪ ،‬وإن أراد بهدا العكدس‬
‫كان له ذلك ‪.‬‬

‫ويمضي قدامة في إيضا المعاني للشاعر ويصر ب ن من حق الشاعر كذلك‬


‫التعبيددر بمعدداني الرفددث والضددعة وغيرهددا ممددا ذكرهددا ‪ ،‬وأن يتددوخى البلددو فددي‬
‫التجويد إلى الغاية المطلوبة ‪.‬‬

‫" ولعل خالصة رأيه في اللفظ والمعنى كان فيمدا قالده عدن ضدرورة ائتالفهمدا‬
‫معددا ‪ .‬قددال ‪ :‬ومددن أنددوا ائددتالف اللفددظ مددع المعنددى المسدداواة وهددو أن يكددون اللفددظ‬
‫مساويا للمعنى‪ ،‬حتى ال يزيد عليه وال ينقص عنه‪ ،‬وهذه هدي البالغدة التدي وصد‬
‫بها بعض الكتاب رجال فقال‪ :‬كاندت ألفاظده قوالدب لمعانيده؛ أي هدي مسداوية لهدا ال‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫يفضل أحدهما على اآلخر"‬

‫أن قدامة قد ت ثر بدابن قتيبدة وتكلدم عدن‬ ‫ويري الناقد المعاصر د‪ .‬شوقي ضي‬
‫جددودة اللفددظ ورداءتدده‪ ،‬وجددودة المعنددى ورداءتدده‪،‬كما تكلددم عددن ائتالفهمددا ‪ ،‬ومددا قددد‬
‫يعتري هذا االئتالف من ضع ‪.‬فمن الواضح أن قدامة من الذين فصلوا بين اللفدظ‬
‫(‪)2‬‬
‫والمعنى‪.‬‬

‫ويبدو لي أن نص قدامة السابق " من أنوا ائتالف اللفظ مع المعندى المسداواة‬


‫" أكد أن قدامة قد ساوي بين اللفظ والمعنى ‪ ،‬وجمع بينهما ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬المعنى الشعري‪ ،‬د‪.‬ربى الرباعي (و‪.)150‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬في األدب والنقد ( و‪ .)67‬د‪.‬شوقي ضي ‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬كورنيش النيل‪1119-‬م‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫أمددا أبييوهالل العسييير (‪395‬هييـ) فنددري أندده نقددل فحددوي كددالم الجدداحظ حددول‬
‫المعاني متفقا معه فقدال ‪ " :‬ولديس الشد ن فدى إيدراد المعداني؛ ّ‬
‫ألن المعداني يعرفهدا‬
‫العرب ّى والعجم ّى والقروي والبددوي‪ ،‬وإنمدا هدو فدى جدودة اللفدظ وصدفائه‪ ،‬وحسدنه‬
‫وبهائه‪ ،‬ونزاهته ونقائه؛ وكثرة طالوته ومائه‪ ،‬مع صحة السّبك والتركيب‪ ،‬والخل ّو‬
‫(‪)1‬‬
‫من أود النّظم والت لي ‪. " .‬‬

‫فيظهددر تد ثر أبدي هددالل بالجدداحظ عنددد اهتمامدده بدداللفظ‪ ،‬وموافقتدده فددي تصددوره‬
‫للعمل الفني ‪ ،‬كمدا بديفن فدي تفسدير كالمده ‪ ،‬بد فن الشد ن فدي تخيدر اللفدظ ال المعندى ‪.‬‬
‫نص آخر يميل إلى المعنى فيقول ‪ " :‬ف‬
‫إن الكالم ألفاظ تشدتمل علدى معدان‬ ‫ع‬ ‫ونجده في‬
‫تد ّل عليها ويعبدر عنهدا‪ ،‬فيحتداج صداحب البالغدة إلدى إصدابة المعندى كحاجتده إلدى‬
‫ّ‬
‫وألن المعداني تحد ّل مدن الكدالم‬ ‫تحسين اللفظ؛ ّ‬
‫ألن المدار بعدد علدى إصدابة المعندى‪،‬‬
‫مح ّل األبدان‪ ،‬واأللفاظ تجري معها مجري الكسوة‪ ،‬ومرتبة إحداهما على األخدري‬
‫(‪)2‬‬
‫معروفة‪".‬‬

‫فجعل المعاني هنا ‪ ،‬بمنزلة األبدان وهي أفضل مرتبة من األلفاظ ‪ ،‬والتي هي‬
‫بمنزلة الكسوة لألبدان ومعلوم أن مرتبة البدن أفضل بكثير من مرتبة الكساء ‪.‬‬

‫معنداه‪ ،‬وال فدى‬


‫ويقول في موضع آخر ‪ " :‬وال خير فيما أجيدد لفظده إذا سدخ‬
‫(‪)3‬‬
‫غرابة المعنى ّإال إذا شرف لفظه مع وضو المغزي‪ ،‬وظهور المقصد " ‪.‬‬

‫ولو قارنفا بين النص السابق وبين قوله ‪ " :‬وليس الش ن فى إيراد المعانى‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫المعددانى يعرفهددا العرب د ّى ؛ " ألصددبح التددردد ينتابنددا حيددال الحكددم علددى أبددي هددالل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين ‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)57‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (و‪.)69‬‬
‫(‪ )3‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)60‬‬

‫‪49‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫العسكري في قضية اللفظ والمعنى ‪ ،‬ولكن نظرا ألن أبا هالل نقل نص الجاحظ في‬
‫تفضيله للفظ وقناعته ب ن الجاحظ قدد فصدل اللفدظ عدن المعندى بتفضديل األول علدى‬
‫الثاني ( وهذا غير صحيح ) يبدو أنه من أنصار اللفظ والمتحيزين له ‪.‬‬

‫يقول د‪ .‬ربى الرباعي‪ :‬يميل أبوهالل العسكري إلى تفضيل اللفظ على المعندى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫على الرغم من تناقضه في أقواله بينهما‬

‫أمددا العالمددة األديددب والناقددد المغدداربي اب ي رشيييق(‪463‬هييـ) فقددد رب د اللفددظ‬


‫بالمعنى كارتباط الرو بالجسم فقال ‪ " :‬اللفظ جسم‪ ،‬وروحه المعنى‪ ،‬وارتباطه بده‬
‫بضدعفه‪ ،‬ويقدوي بقوتده‪ ،‬فدإذا سدلم المعندى واختدل‬ ‫كارتباط الرو بالجسدم‪ :‬يضدع‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫بعض اللفظ كان نقصا للشعر وهجنة عليه "‬

‫لضعفه ويقوي بقوته ‪ ،‬فإن سلم إحداهما واختل اآلخر كان ذلك نقصا‬ ‫فيضع‬
‫للشعر‪ .‬ويبدو جليا مساواة ابن رشيق اللفظ بالمعنى ؛ لتشبيهه البلي لهمدا ثدم تعقيبده‬
‫الواضح على ذلك ‪ ،‬فك نه يقول أن مدا يصديب اللفدظ مدن خلدل يصديب المعندى خلدل‬
‫مثلدده‪ .‬وييكددد هددذا قولدده ‪ " :‬فددإن اختددل المعنددى كلدده وفسدد بقددي اللفددظ مواتددا ال فائدددة‬
‫(‪)3‬‬
‫فيه" ‪.‬‬

‫فرأي ابن رشيق واضح ‪ ،‬والتسوية بين اللفظ والمعنى عنده عالية ‪ ،‬ومطلقة ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫و اتفق اب األثير(ت‪ )637‬مع ابن رشيق في التالؤم واالتفاق الدذي أظهدره‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬المعنى الشعري‪ ،‬د‪.‬ربى الرباعي (و‪.)160‬‬
‫(‪)2‬العمدة في محاسن الشعر‪ ،‬البن رشيق (و‪.)124‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪)4‬هو نصر ه بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري أبو الفتح ضياء الدين‪ ،‬المعروف‬
‫بابن األثير الكاتب‪ .‬ولد في جزيرة ابن عمر سنة (‪ ،)558‬وتعلم بالموصل ‪ ،‬توفي في بغداد‬
‫=‬
‫‪50‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وبيفندده األخيددر بددين اللفددظ والمعنددى ‪ ،‬وتد ثر بدده ابددن األثيددر فيقددول ‪ " :‬الددذي يددري أن‬
‫عناية العرب ب لفاظها إنما هو عنايدة بمعانيهدا ؛ ألنهدا أركدز عنددها وأكدرم عليهدا ‪،‬‬
‫وإن كددان يسددو ‪ ،‬بددل يعتددرف أن عنايددة الشددعراء منصددبة علددى الجانددب اللفظددي ‪،‬‬
‫ولكنهددا وسدديلة لغايددة محمددودة وهددي إبددراز المعنددى صددقيال ‪ ،‬فددإذا رأيددت العددرب قددد‬
‫أصدلحوا ألفدداظهم وحسددنوها ‪ ،‬ورققددوا حواشدديها ‪ ،‬وصددقلوا أطرافهددا ‪ ،‬فددال تظددن أن‬
‫" (‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫العناية إذ ذاك إنما هي ب لفاظ فق ‪ ،‬بل هي خدمة منهم للمعاني‬

‫إذن فياب األثييير ربد المعنددى بدداللفظ تمامددا‪ ،‬وبديفن كسددابقه‪-‬ابددن رشدديق‪ -‬ف‬
‫أن أ ف‬
‫ي‬
‫عناية تقدم للفظ فهي في حقيقتها لالثنين للفظ والمعنى ‪ ،‬وليس فق للفظ ‪.‬‬

‫ولكن يُلحدظ ت كيدده فدي قدول آخدر علدى أهميدة المعندى فيقدول ‪ " :‬فدالعرب إنمدا‬
‫تح ّسدددن ألفاظهدددا وتزخرفهدددا عنايدددة منهدددا بالمعددداني التدددي تحتهدددا؛ فاأللفددداظ إذا خددددم‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫المعاني‪ ،‬والمخدوم ال شك أشرف من الخادم‪ ،‬فاعرف ذلك وقس عليه"‬

‫واستنادا لما سبق يظهر أن ابن األثير قد أيد المعنى ‪ .‬وه أعلم ‪.‬‬

‫وفدي ختدام اسدتعراض آراء نقدداد الشدعر فدي قضدية اللفددظ و المعندى و مددي العالقددة‬
‫بينهما‪ ،‬نختم برأي عالفمة مصر النواجي(‪859‬هـ) الذي ع فرف الشدعر ب نده " قدول‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫ي الحافظة‪ ،‬من محفوظاته شعر أبي تمام‪ ،‬والمتنبي‪ ،‬والبحتري‪ ،‬ومن‬
‫سنة (‪ .) 637‬كان قو ف‬ ‫=‬
‫ت ليفاته "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"‪ ،‬و"الوشي المرقوم في حل المنظوم"‪،‬‬
‫و"الجامع الكبير" في صناعة المنظوم والمنثور‪ .‬انظر ترجمته في‪ :‬شذرات الذهب( ‪/ 5‬‬
‫‪.)189 ،187‬‬
‫(‪)1‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ ) 353 /1(،‬ضياء الدين ابن األثير‪ ،‬المحقق‪ :‬أحمد الحوفي‪،‬‬
‫بدوي طبانة‪ ،‬دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪-‬الفجالة‪-‬القاهرة‪.‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (‪.)342/1‬‬

‫‪51‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫مقفددى مددوزون بالقصددد يدددل علددى معنددى ‪ ،‬والمعنددى للشددعر بمنزلددة المددادة ‪ ،‬واللفددظ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫بمنزلة الصورة‬

‫ت ثر النواجي بقدامة ورأيه في المعاني حين ع فرف األخي ُر الشدع َر فقدال ‪" :‬إذ كاندت‬
‫المعدداني بمنزلددة المددادة الموضددوعة‪ ،‬والشددعر فيهددا كالصددورة‪ ،‬كمددا يوجددد فددي كددل‬
‫صناعة من أنه ال بد فيها من شيء موضو يقبل ت ثير الصور منهدا‪ ،‬مثدل الخشدب‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫للنجارة‪ ،‬والفضة للصياغة"‬
‫ومراد النواجي يعني المادة تتغير حسب الصورة التي توضع فيها تماما ‪.‬‬
‫وخالصددة ماسددبق ‪ ،‬رأي النددواجي رؤيددة قدامددة فددي اللفددظ والمعنددى و وافقدده عليهدا‬
‫وهددي المسدداواة بينهمددا‪ .‬ال يزيددد عليهددا وال يددنقص عنهددا‪ .‬فوافددق بددذلك مددن نددادي‬
‫بالمساواة كبشر وابن قتيبة و ابن طباطبا‪.‬‬
‫والخالصة في قضية اللفظ والمعنى أن النقاد انقسموا على ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫‪ -‬فريق منهم ساوي بين اللفظ والمعنى مبررين أن الشعر ال يقوم إال باالثنين ‪.‬‬
‫‪ -‬واآلخر ق ّدم اللفظ على المعنى مت ثرا بمن سبقه من النقاد ‪.‬‬
‫‪ -‬وثالثهم ق فدم المعنى على اللفظ ‪.‬‬

‫وعند الوقوف على آراء النقاد ونصوصهم يظهر أن اللفظ والمعنى متساويان عندد‬
‫أغلبهم ‪ ،‬وهذا يبدو لي األفضل والمفترض ؛ فاللفظ والمعنى وجهان لعملة واحدة ‪،‬‬
‫الختالف صورنا وأشكالنا وتفكيرنا ونظرتنا ‪.‬‬ ‫ولكن تبقى وجهات النظر تختل‬

‫و أخيرا فإن ما ُكتب في قضية اللفظ والمعنى ال يعدو أن يكون لمحات في قضية‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر ‪ ،‬النواجي(و‪.)27‬‬
‫(‪)2‬نقد الشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر(و‪.)4‬‬

‫‪52‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫كبري كهذه‪ ،‬الهدف منها الوقوف على اهتمام النقاد بالمعنى واللفظ ‪ ،‬والعرض في‬
‫صورة هي أقرب ما تكون إلى آراء النقاد السابقين‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث الثالث‪ -‬قضية تهذيب الوزن‬


‫ثالث القضايا الشعرية التي تحدث عنها النواجي قضدية تهدذيب الدوزن؛ حيدث يمثدل‬
‫الددوزن عنصددرا أساسدديا مددن عناصددر الفددن الشددعري ‪ ،‬ومقومددا أصدديال مددن مقوماتدده‬
‫الفنية ‪ ،‬حتى أن العرب كانت تعده عماد الشعر‪.‬‬

‫والجاحظ(‪255‬هـ) مدن أبدرز النقداد الدذين تنداولوا قضدية الدوزن؛ إذ حدين تكلدم عدن‬
‫(‪)1‬‬
‫المعنى واللفظ قال ‪ " :‬وإنّما الش ن في إقامة الوزن‪ ،‬وتخيّر اللفظ " ‪.‬‬

‫فاستقامة الوزن واالعتناء به ‪ ،‬من أساسيات بناء القصيدة عند الجاحظ ‪.‬‬

‫األسددجا ‪ ،‬وييلد‬ ‫كمددا يقددول أيضددا ‪ ":‬وقددد علمنددا أن مددن يقددرض الشددعر‪ ،‬ويتكلد‬
‫إقامدة الدوزن‪،‬‬ ‫المزدوج‪ ،‬ويتقدم في تحبير المنثور‪ ،‬وقد تعمق في المعاني‪ ،‬وتكلد‬
‫والذي تجود بده الطبيعدة وتعطيده الدنفس سدهوا رهدوا‪ ،‬مدع قلدة لفظده وعددد هجائده‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أحمد أمرا‪،‬وأحسن موقعا من القلوب‪ ،‬وأنفع للمستمعين" ‪.‬‬

‫فدالوزن أخدص خصدائص الشدعر ‪ ،‬وألددزم لزومياتده ؛ الرتباطده بالشدعر أوثددق‬


‫(‪)3‬‬
‫ارتباط ‪.‬‬

‫وعند استعراض رأي ابن طباطبا(‪322‬هـ) يظهر موافقتده للجداحظ فدي أن الدوزن‬
‫أسٌّ مددن أساسدديات عمددل الشددعر فيقددول ‪ ":‬فددإذاَ أ َرا َد ال ف‬
‫شدداع ُر بنددا َء قَصدديد عة م َخد َ‬
‫دض‬
‫سهُ إيفاهُ من ْاألَ ْلفَداظ‬
‫ال َمعْنى الفذي يُريد بنَا َء ال ِّشعر َعلَيْه في ف ْكره ن َْثرا‪ ،‬وأ َع فد لَهُ َما ي ُْلب ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫س لَهُ القَ ْو ُل َعلَيْه" ‪.‬‬ ‫الفتي تطَابقُهُ‪ ،‬والقوافي الفتي توافقُهُ‪ ،‬وال َو ْزن الفذي َسلَ َ‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬الحيوان‪ ،‬للجاحظ (و‪.)67‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (‪.)263/3‬‬
‫(‪)3‬انظرفي نظرية األدب‪،‬د‪.‬عثمان مواقي (‪.)49/2‬‬
‫(‪)4‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا ‪،‬البن طباطبا( و‪.)21‬‬

‫‪54‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫عند كونه عنصرا في القصديدة ‪ ،‬بدل تتعددي إلدى مدا تتركده‬ ‫ف همية الوزن ال تتوق‬
‫القصيدة من ت ثير في نفوس السامعين ‪.‬‬

‫والشعر الموزون له أثره فيمن حوله ؛ فكماله الدوزن ونقصده يديثر علدى صدواب‬
‫المعنى وحسن األلفاظ ‪ .‬وأكد ذلك ابن طباطبا في قولده ‪" :‬ولل ِّشدعر ال َم ْدوزون إيقدا‬
‫صوابه َو َما يَر ُد َعلَيْه من ُحسْن تَركيبده واعتددال أَجزائده‪ ،‬فَدإذا اجتَ َمدع‬ ‫يَ ْ‬
‫طربُ الفَ ْه ُم ل َ‬
‫للفَ ْهددم َم د َع ص دحفة َو ْزن ال ِّشددعر ص د فحةُ َو ْزن ال َم ْعنَددى و ُعذوب دةُ اللففددظ فَ َ‬
‫ص دفَا َم ْسددمو ُعهُ‬
‫دص جدزء مدن أجزائده الفتدي‬ ‫ومعقُولُهُ من ال َك َدر تَ فم قبولُهُ لَدهُ‪ ،‬واشدتمالُهُ َعلَيْده‪ْ ،‬‬
‫وإن نَقَ َ‬
‫دان إ ْن َكدار الفَهْدم‬ ‫يك ُم ُل بهَا َوهي اعتدا ُل ال َو ْزن‪ ،‬وصوابُ ال َمعْنى‪ ،‬و ُحس ُْن ْ‬
‫األلفَاظ ‪َ -‬ك َ‬
‫(‪)1‬‬
‫إيفاهُ على ق ْدر نُ ْقصان أَجزائه " ‪.‬‬

‫وجعددل قدامددة(‪337‬هددـ) الشددعر يقددوم علددى اللفددظ والددوزن والقافيددة والمعنددى ‪ ،‬فكددان‬
‫الوزن رئيسا في الشعر ‪ ،‬وبذا يوافق قدامة الجاحظ و ابن طباطبا فدي جعدل الدوزن‬
‫أساسا من أساسيات القصيدة وبنائها ‪.‬‬

‫؛ فيحدث من ائتالف بعضها مع‬ ‫كما رأي أن اللفظ والمعنى والوزن عناصر ت تل‬
‫(‪)2‬‬
‫بعض معان يتكلم فيها ‪.‬‬

‫وأشار قدامة إلى سهولة اإلتيان بدالوزن دون تعلدم‪ ،‬معتقددا أنده لديس مدن الضدرورة‬
‫(‪)3‬‬
‫تعلم الوزن والقافية ‪ ،‬معلال ذلك بسهولة وجودهما في طبا أكثر الناس ‪.‬‬
‫وأضاف على من سبقه من النقاد في نعته للوزن بقوله ‪:‬‬
‫أن يكون سدهل العدروض مدن أشدعار يوجدد فيهدا ذلدك ‪ ،‬وإن خلدت مدن أكثدر نعدوت‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نقدالشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر (و‪.)25‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ( .‬و‪.)2‬‬

‫‪55‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫الشعر(بحر السريع)‪.‬‬
‫الحي َو َمبْنى الخيا ْم‬
‫ِّ‬ ‫َاج حسفانَ ُرسُو ُم ال ُمقَا ْم ‪َ ...‬و َم ْ‬
‫ظ َعنُ‬ ‫ما ه َ‬

‫ضا َدهُ ‪ ...‬تقَا ُد ُم ال َعهْد ب َواد تها ْم‬


‫ي قد ه فد َم أ ْع َ‬
‫والن ْي ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اولُوا ‪َ ...‬والح ْب ُل م ْن َشعْثا َء َرث الرِّ َما ْم‬ ‫الوا ُ‬
‫شونَ ما َح َ‬ ‫قَ ْد أ ْد َركَ َ‬

‫ومن خصائص الوزن الترصيع‪ ،‬وهو "أن يتوخى فيه تصديير مقداطع األجدزاء فدي‬
‫(‪)2‬‬
‫البيت على سجع أو شبيه به أو من جنس واحد في التصري ‪".‬‬
‫كقول امرئ القيس (بحر الطويل) ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ص ْخ عر َحطفهُ السفـ ْي ُل م ْن َعل‬
‫مـ َكر مـفَر ُمـ ْقـب عل ُمـ ْدب عر َمعا َكجُلْ ُم ْود َ‬

‫واحدد‪ ،‬وبالتداليتين لهمدا شدبيهتين‬ ‫ف تى باللفظتين األوليين مسجوعتين فدي تصدري‬


‫بهمددا فددي التصددري ‪ ،‬وربمددا كددان السددجع لدديس فددي لفظددة لفظددة‪ ،‬ولكددن فددي لفظتددين‬
‫لفظتين بالوزن نفسه كقوله (المتقارب)‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ألصّ ال ّ‬
‫ضروس َحني الضّلو ‪ ...‬تبو طلو نشي أشر‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان حسان بن ثابت (و ‪ ) 208‬ديوان حسان بن ثابت األنصاري‪ .‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬وليد عرفات‪ ،‬دار‬
‫صادر ‪1974‬م‪ .‬ونقد الشعر (و‪.)10‬‬
‫(‪ )2‬نقدالشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر(و‪.)40‬‬
‫(‪ )3‬ديوان امرئ القيس (و‪.)154‬‬
‫(‪ )4‬ديوان امرئ القيس الديوان (‪.(167-154‬‬

‫‪56‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وفي قصيدة أخدري سدجع فدي لفظتدين لفظتدين بدالحرف نفسده مثدل قولده (بحدر‬
‫الطويل) ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫َوأَ ْوتَا ُدهُ َماذيفة َو َعما ُدهُ ‪ُ ...‬ر َديْنيفة فيها أَسنفةُ قَ ْع َ‬
‫ضب‬
‫والفرق بدين الترصديع والقافيدة‪ ،‬أن الترصديع يعمدل داخدل البيدت‪ ،‬ويشدابه بدين‬
‫كلمة وكلمة ‪ ،‬على حين أن القافية تعمل بين بيت وبيت‪.‬‬

‫إذن تح فدث قدامة عن الترصيع ‪ ،‬وطلب أن يكون الدوزن سدهل العدروض دون‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫أن يوضح مفهومه للسهولة‬

‫وقد تحددث أيضدا عدن الترصديع تحدت عندوان‪ :‬نعدت القدوافي بد ن تكدون عذبدة‬
‫الحرف سلسة المخرج‪ ،‬وأن يقصد لتصيير مقطع المصرا األول في البيدت األول‬
‫من القصيدة مثل قافيتها‪.‬‬

‫فهو إذن وافق الجاحظ و ابن طباطبا فدي االهتمدام بدالوزن ‪ ،‬وأضداف عليهمدا نعدت‬
‫عنهما في رأيه الذي ال يري بُ ّدا مدن تعلدم الدوزن والقافيدة‬ ‫الوزن ووصفه‪ ،‬واختل‬
‫لزعمه أن الطبع والذوق يكفي لمعرفة هذا ‪.‬‬

‫وإحضار المعاني قبل بناء القصيدة أمر حتمي عند ابدن طباطبدا ‪ ،‬و وافقده فدي ذلدك‬
‫أبو هالل العسكري‪ ،‬الذي دعا إلى إحضار المعاني ونظمهدا فدي أوزان مناسدبة لهدا‬
‫فقددال ‪ " :‬وإن أردت أن تعمددل شددعرا‪ ،‬ف حضددر المعدداني التددي تريددد نظمهددا فكددرك‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫وأخطرها على قلبك وأطلب لها وزنا‪ ،‬يت تى فيه إيرادها‪ ،‬وقافية يحتملها "‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان امرئ القيس (و ‪.)53‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نظريات الشعر‪،‬للجوزو (‪.)23/1‬‬
‫(‪ )3‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)139‬‬

‫‪57‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫والوزن أعظم أركان حد الشدعر ‪ ،‬وهدو مخصدوو بالشدعر دون النثدر‪ ،‬وشداركته‬
‫في ذلك القافية‪ ،‬وأكد ابن رشيق ذلك في قوله ‪ " :‬فالوزن أعظم أركدان حدد الشدعر‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وأوالها به خصوصية "‬

‫كمدددا خدددصف الدددوزن بالشدددعر‪ ،‬فيقدددول ‪ " :‬وال يسدددمى شدددعرا حتدددى يكدددون لددده وزن‬
‫(‪)2‬‬
‫وقافية" ‪.‬‬

‫ولم ينفرد ابن رشيق(‪463‬هـ) بخصوصيته للشعر بالوزن‪ ،‬وإنما وافقه في هذا ابن‬
‫سنان الخفاجي(‪466‬هـ) الدذي فد فرق بدين الشدعر والنثدر بده ‪ ،‬فجعدل الدوزن والقافيدة‬
‫هما الفارق بينهما‪ ،‬وييكد ذلك بقوله ‪ " :‬فالفرق بين الشعر والنثر بالوزن على كدل‬
‫حال و بالتفقية إن لم يكن المنثور مسجوعا على طريق القوافي الشعرية ‪ ،‬والوزن‬
‫(‪)3‬‬
‫الدذي يشدهد الدذوق بصدحته أو العدروض " ‪ .‬كمدا وافدق قدامدة فدي أن‬ ‫هو الت لي‬
‫الوزن يشهد على صحته الذوق والطبع ‪.‬‬

‫وانفرد أسامة بن منقذ(‪584‬هـ) في كالمه عن تهذيب الوزن وعالمته فدي أن يكدون‬


‫حسنا تقبله النفس والغريزة‪ .‬وييكد ذلك بكالمده‪ " :‬وتهدذيب الدوزن أن يكدون حسدنا‬
‫تقبله النفس والغريزة‪ ،‬غير منكسر وال مزح ‪ .‬فإن أمكن فهو التخليع مثدل‪ :‬المدرء‬
‫(‪)4‬‬
‫ما عاش في تكذيب طول الحياة له تعذيب" ‪.‬‬

‫ولديس واضدحا المقصدود بالحسدن الددذي تقبلده الدنفس والغريدزة ‪ ،‬وربمدا يكددون‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة‪،‬البن رشيق(‪.)134/1‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (‪.)155/1‬‬
‫(‪ )3‬سر الفصاحة (و‪.)287‬ابن سنان الخفاجي‪ ،‬شر وتصحيح عبدالمتعال الصعيدي‪1389‬هـ‪،‬‬
‫مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأوالده بميدان األزهر‬
‫(‪ )4‬البديع في نقد الشعر‪،‬البن أسامة بن منقذ (و‪.)289‬‬

‫‪58‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫سبب الحسن والقبول هو استقامة الوزن وغياب الزحاف‬

‫وأضاف أسامة بن منقذ إلى الوزن الحسن ‪ ،‬الدوزن الخدالي مدن عيدوب الشدعر‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫كالزحاف والمكسور والتخليع‬

‫ويميددل اب ي األثييير(ت‪ )637‬إلددى رأي قدامددة و ابددن سددنان الخفدداجي مددن أن ال‬
‫ضرورة لدتعلم الدوزن والقافيدة لوجودهمدا فدي طبدع اإلنسدان وذوقده ‪ ،‬وبديّن أن مدن‬
‫آالت صددناعة المنظددوم ‪ ،‬علددم العددروض والقددوافي الددذي يقددام بدده ميددزان الشددعر‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وليست واجبة معرفة هذا العلم على الشاعر؛ ألن "النفظم مبن ٌّي على الذوق" ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وير ِّكدز حييازم القرطيياجني(ت‪684‬هييـ) علددى وصددية أبييي تمييام(ت‪231‬هييـ)‬
‫رغبة منه في تطبيقها فيقول ‪ ":‬إن الناظم إذا اعتمد ما أمدره بده أبوتمدام مدن اختيدار‬
‫الوقت المساعد ‪ ......‬إلى قوله أو مهيئا ألن يصير طرفا من الكلم المتماثلة المقاطع‬
‫الصالحة؛ ألن تقع في بناء قافية واحددة ‪ ،‬ثدم يضدع الدوزن والدروي بحسدبها لتكدون‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نظريات الشعر‪ ،‬للجوزو (‪.)26/1‬‬
‫(‪ )2‬والمألحوف ‪ :‬كل بيت شعري يلحقه تغيير في ثواني أسباب أجزائه في الحشو وغيره ‪ ،‬وسمي‬
‫مزحوفا لثقله في اللسان‪ ،‬فالميسور ‪ :‬ما كان مختل الوزن من بيت الشعر‪ ،‬التخنيع ‪ :‬وهو أن‬
‫يكون قبيح الوزن قد أف رط قائله في تزحيفه ‪ .‬انظر‪ :‬مقدمة في صناعة النظم والنثر ‪ ،‬تحقيق د‪.‬‬
‫محمد بن عبد الكريم (و‪.)28‬‬
‫(‪ )3‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (و‪.)61‬‬
‫(‪ )4‬هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي‪ ،‬أحد أمراء البيان‪ ،‬كان أسمر‪ ،‬طويال‪ ،‬فصيحا‪ ،‬حلو‬
‫أرجوزة من أراجيز العرب غير القصائد‬ ‫الكالم‪ ،‬فيه تمتمة يسيرة‪ ،‬يحفظ أربعة عشر أل‬
‫في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتري‪ ،‬له‬ ‫والمقاطيع‪.‬في شعره قوة وجزالة‪ ،‬واختل‬
‫تصاني ‪ ،‬منها فحول الشعراء‪ ،‬وديوان الحماسة‪ ،‬ومختار أشعار القبائل‪ ،‬ونقائض جرير‬
‫واألخطل‪ .‬سير أعالم النبالء (‪.)63 /11‬‬

‫‪59‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫قوافيه متمكنة تابعة للمعاني ال متبوعة لها " ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ويشير إلى أن كل غرض من أغراض الشعر يستدعي نوعا من األوزان‬

‫وعلددى كددل مددا ُذكدر مددن رأي بعددض النقدداد فددي الددوزن إال أننددا لددم نقددع علددى تعريد‬
‫صريح له ‪.‬‬

‫وختام آراء النقداد فدي قضدية الدوزن وتهذيبده رأي العالّمدة النيواجي(‪859‬هيـ)‬
‫الذي جعل الشعر يقوم على أربعة أشياء ‪ :‬لفظ ‪ ،‬ومعنى ‪ ،‬ووزن ‪ ،‬وقافية ‪.‬‬

‫به السمع ‪ ،‬غير‬ ‫ثم قال ‪ " :‬وتهذيب الوزن أن يكون حسنا ‪ ،‬فيتقبله الطبع ‪ ،‬ويشن‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫مكسور وال مزحوف "‬
‫ووافق تهذيب الوزن عند الندواجي تهذيبده عندد أسدامة بدن منقدذ واعتد فد بقولده ‪،‬‬
‫في أن يكون الوزن حسنا يقبله الطبع برضا‪ ،‬وال ندري قصد النواجي بالحسن فدي‬
‫الوزن ‪ ،‬فربمدا كدان نفدس تفسدير د‪.‬مصدطفى الجدوزو السدابق فدي مقولدة أسدامة بدن‬
‫منقددذ‪.‬وأتبددع الحسددن ‪ ،‬قبددول الطبددع والددذوق للددوزن؛ ألندده إن لددم يكددن الددوزن جيدددا‬
‫مقبوال‪ ،‬لنفرت النفس منه ‪.‬‬
‫" وكما انقسم الشعر على أساس المعاني ‪ ،‬انقسم على أساس الوزن واختار العدرب‬
‫القسددددمة الموضددددوعية حددددين ميددددزوا األهدددداجي والمدددددائح والمفدددداخرات واأللغدددداز‬
‫والمضحكات واللزوميات والوصفيات‪ .‬ولم يجعلوا لكل موضو وزندا خاصدا بده‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وكذلك فعلت أكثر األمم" ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)204‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه (و‪.)561‬‬
‫(‪ )3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر ‪،‬للنواجي (و‪.)28‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ النقد األدبي‪ ،‬د‪.‬إحسان عباس ( و‪.)220‬‬

‫‪60‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ومن خالل ما سبق يظهر من هذه الدراسة الجمع بين آراء النقاد السدابقة‪ ،‬والتدي‬
‫تتفق جميعها على أهمية الوزن وضرورته في القصيدة العربية ‪.‬‬
‫كما أشارت الدراسة إلى اختصاو أسامة بن منقذ و النّواجي بتهذيب الوزن‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث الرابع ‪ -‬قضية ثقافة الشاعر وأدواته‬


‫ثقافة الشاعر وأدواته هي القضية الرابعة التي حري بكل شاعر أن يمتلكها لتُصْ دقَل‬
‫صنعته‪ ،‬والتي تظهر من خالل العرض و المدارسة اهتمام النقداد بهدا‪ ،‬ومدن بيدنهم‬
‫النواجي‪-‬رحمه ه‪ -‬حيث قدموا خالصة فكرهم و سديد رأيهم في هذه القضية ‪.‬‬

‫وقددد يصدددر الشددعر –غالبددا‪ -‬مددن طبددع أو صددنعة ؛ فصدداحب الطبددع يعيندده طبعدده‬
‫وسليقته‪ ،‬أما صاحب الموهبة ‪ ،‬فقد تصدر منده صدنعة الشدعر عدن باعدث ذاتدي مدن‬
‫للشاعر في حياته فظهرت بمفردات شعره وليدة لردة‬ ‫جذور خفية ارتبطت بمواق‬
‫على مقولة بشر بن المعتمدر‬ ‫التي مر بها ‪،‬ها نحن اآلن نق‬ ‫فعله في تلك المواق‬
‫والتي فصّلها د‪.‬عبد الفتا بقوله ‪ " :‬لقد كدان لبشدر فضدل إثدارة هدذه القضدية حيدث‬
‫رأي أن األديب إما مطبو يمتلك زمام المعاني ‪ ،‬ويسديطر علدى األلفداظ ‪ ،‬ويدتحكم‬
‫ت ‪ ،‬وقريحة فياضة توفر عليه المعاناة والمكابدة‪،‬‬
‫في األسلوب فيمتا من طبع ُموا ع‬
‫وإمددا صددانع يملددك موهبددة ناقصددة فيكملهددا باالكتسدداب والمعاندداة ‪ ،‬والصددبر علددى‬
‫مراوغددة المعدداني ومناوشددة األلفدداظ حتددى يددتم امتالكهددا والسدديطرة عليهددا ‪ ،‬فيحقددق‬
‫باالكتساب ما ضا منه بالموهبة ‪ ،‬وإما عاطل قدد فقدد الموهبدة و الصدنعة معدا فدال‬
‫أمددل فيدده والخيددر مندده وعليدده أن يتددرك األدب إلددى صددناعة أخددري تشدداكله وتحقددق‬
‫(‪)1‬‬
‫ذاته" ‪.‬‬

‫وهناك من يري أن كثرة المداومة على الشيء تكسبه إياه‪ ،‬وأكد هذا اب سيالم‬
‫الجمحييي(ت‪231‬هييـ) بقولدده ‪ " :‬إن كثددرة المدارسددة للش ديء تعددين علددى العلددم بدده ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫وكذلك الشعر يعرفه أهل العلم به "‬

‫وهو بهذا لم يشر إلى الطبع كبشر‪ ،‬بل إلى كثرة العلم بالشيء ومدارسته ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬دراسات في النقد العربي القديم‪ ،‬د‪.‬عبدالفتا عثمان (و‪.)81‬‬
‫(‪ )2‬طبقات فحول الشعراء‪ ،‬البن سالم (‪.)7/1‬‬

‫‪62‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ووافق الجاحظ(‪255‬هـ) بشرا فع ّول على صحة الطبع وجعله أساسا مدن أساسديات‬
‫ثقافة الشاعر‪ ،‬بل ومدن االسدتعداد الشدعري الصدحيح فيقدول‪ " :‬وفدي صدحّة الطبدع‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وجودة السّبك‪ ،‬فإنما الشعر صناعة‪ ،‬وضرب من النّسج‪ ،‬وجنس من التّصوير" ‪.‬‬

‫إذن فالشعر ليس مشاعا بين الناس ولكل الفئات ‪ ،‬بل هو لفئة مخصوصة تملك من‬
‫الطبع ما يسمح لها بذلك ‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى أساس صدحة الطبدع الدذي أشدار إليده الجداحظ فقدد رأي ضدرورة‬
‫عند شدئ بعينده‪ ،‬بدل تكدون مزيجدا مدن الثقافدات‬ ‫امتالك الشاعر لثقافة واسعة التق‬
‫المختلفددة ‪ ،‬وينقددل ابددن رشدديق قددول الجدداحظ فددي ذلددك ‪ " :‬طلبددت علددم الشددعر عنددد‬
‫األصمعي فوجدتده ال يحسدن إالغريبده ‪ ،‬فرجعدت إلدى األخفدش فوجدتده ال يدتقن إال‬
‫إعرابده ‪ ،‬فعطفدت علدى أبدي عبيددة فوجدتدده ال ينقدل إال مدا اتصدل باألخبدار‪ ،‬وتعلددق‬
‫(‪)2‬‬
‫باأليام واألنساب ‪ ،‬فلم أظفر بما أردت إال عند أدباء الكتاب " ‪.‬‬

‫الجاحظ بتلك العلوم والثقافات التي أتى عليها عند األصمعي‪ ،‬واألخفش‪،‬‬ ‫ولم يكت‬
‫وأبي عبيدة ‪ ،‬بل كان يطلدب ثقافدة أشدمل وأوسدع والتدي وجددها عندد أدبداء الكتداب‬
‫ذوي الثقافة الواسعة وأهل العلم بالشعر ‪.‬‬

‫ووافق اب قتيبة(‪276‬هـ) بشرا و الجاحظ ‪ ،‬ففصّدل فدي صدفات الشداعر المطبدو‬


‫بقوله ‪ " :‬والمطبو من الشدعراء مدن سدمح بالشدعر‪ ،‬واقتددر علدى القدوافى‪ ،‬وأراك‬
‫فى صدر بيته عجزه‪ ،‬وفى فاتحته قافيته‪ ،‬وتبيّنت على شدعره روندق الطبدع ووشدى‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الغريزة‪ ،‬وإذا امتحن لم يتلعثم ولم يتز ّحر"‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬الحيوان‪ ،‬للجاحظ (‪.)67/3‬‬
‫(‪ )2‬العمدة‪،‬البن رشيق (‪.)84/2‬‬
‫(‪ )3‬الشعر والشعراء‪،‬البن قتيبة (و‪.) 91‬‬

‫‪63‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فمدددن امتلدددك الطبدددع ‪ ،‬واقتددددر علدددى القدددوافي ‪ ،‬وظهرفدددي شدددعره روندددق الفصددداحة‬
‫والغريزة في الشعر‪ ،‬ولم يتلعثم كان شاعرا مطبوعا في رأي ابن قتيبة ‪.‬‬

‫وكذلك ابن طباطبا(‪322‬هـ) اتفق مع من سبقه من النقاد في الطبع عند قولده ‪ " :‬ثدم‬
‫يت مددل مددا قددد أداه إليدده طبعدده و نتجتدده فكرتدده ‪ ،‬فيستقصددي انتقدداده ويددرم مددا وهددى‬
‫(‪)1‬‬
‫منه" ‪.‬‬

‫ت للشدعر ودعددا إلدى الحدرو عليهدا‪ ،‬بدل وعلفدق عدددم‬ ‫كمدا أضداف ابدن طباطبدا أدوا ع‬
‫اكتمال نضج صنعة الشعر عند الشاعر بها فيقول‪ " :‬ولل ِّشعر أدوات يجبُ إعدا ُدهَا‬
‫دت َعلَيْده أداة مدن أدواتده لدم يَ ْك ُمدلْ لَدهُ َمدا يَتَ َكلفدهُ‬
‫ص ْ‬ ‫قَ ْب َل َم َرامه وت َكل ن ْ‬
‫َظمه‪ ،‬فَ َم ْدن نَقَ َ‬
‫ان ال َخلَ ُل في َما يَ ْنظمهُ‪ ،‬ولحقَ ْتهُ العُيوبُ من ك ِّل جهَد عة‪ .‬فَم ْنهَدا‪ :‬التف َوسد ُع فدي ع ْلدم‬
‫م ْنهُ‪ ،‬وبَ َ‬
‫اللغة‪ ،‬والبراعةُ في فَهْدم اإلعد َراب‪ ،‬والروايدةُ لفُنُدون اآلداب‪ ،‬والمعرفدةُ ب يفدام النفداس‬
‫ف فدي‬ ‫صدر ُ‬ ‫والوقوف على َم َذاهب ال َع َرب ال ّش ْعر‪ ،‬والتف َ‬
‫ُ‬ ‫وأ ْن َسابهم و َمنَاقبهم َو َمثَالبه ْم‪،‬‬
‫ك مناهجهددا فددي ص دفَاتهَا و ُمخَاطَبَاتهَددا‬ ‫َم َعانيدده فددي ك د ِّل فَددنِّ قاَلَ ْتدده ال َع د َربُ فيدده وسددلو ُ‬
‫وح َكايَاتهَا وأ ْمثَالهَا‪َ .....‬و َجما ُ هَذه األدوات كمدا ُل ال َع ْقدل الفدذي بده تَتَميد ُز األضددا ُد‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ولزو ُم ال َع ْدل‪ ،‬وإيثا ُر ال َحسن‪ ،‬واجتنابُ القَبيح‪ ،‬و َوضْ ُع األ ْشياء َم َواض َعهَا " ‪.‬‬

‫ووافدق ابدن طباطبدا ‪ -‬فدي أدواتده التدي تناولهدا – الجداحظ حدين أشدار إلدى ضددرورة‬
‫امددتالك الشدداعر لثقافددة واسددعة شدداملة ‪ ،‬ويلددزم الشدداعر كمددا ذكرنددا سددابقا اإلحاطددة‬
‫بعلوم شتى ‪ ،‬واالقتدارعلى صياغة الكالم وت ليفه‪.‬‬

‫وعلق أبيوهالل العسيير (‪395‬هيـ) عندد تفسديره لعبدارة حكديم الهندد‪ " :‬يكدون فدى‬
‫قواه فضل التصرف فى كدل طبقدة» ‪ ،‬بقولده‪ " :‬وهدو أن يكدون صدائ الكدالم قدادرا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا ‪،‬البن طباطبا (و‪.)8‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه (و‪.)6‬‬

‫‪64‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫علددى جميددع ضددروبه‪ ،‬متم ّكن دا مددن جميددع فنوندده‪ ،‬ال يعتدداو عليدده قسددم مددن جميددع‬
‫أقسامه‪ .‬فدإن كدان شداعرا تصد ّرف فدى وجدوه الشدعر؛ مديحده ‪ ،‬وهجائده‪ ،‬ومراثيده‪،‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫وصفاته‪ ،‬ومفاخره‪ ،‬وغير ذلك من أصنافه"‬

‫فوافق أبو هالل العسكري بهذا ابن طباطبدا حدين ذكدر أدوات الشدعر‪ ،‬والتدي تشدمل‬
‫فنون الكالم وضروبه ‪.‬‬

‫وخصّ اب رشييق(‪463‬هيـ) صدفات الشداعر الخلقيدة بالدذكر قبدل الثقافيدة فقدال ‪" :‬‬
‫من حكم الشاعر أن يكون حلو الشمائل‪ ،‬حسن األخالق‪ ،‬طلدق الوجده‪ ،‬بعيدد الغدور‪،‬‬
‫مد مون الجاندب‪ ،‬سدهل الناحيدة‪ ،‬وطديء األكندداف‪ ،‬فدإن ذلدك ممدا يحببده إلدى الندداس‪،‬‬
‫الددنفس‪ ،‬لطي د‬ ‫ويزيندده فددي عيددونهم‪ ،‬ويقربدده مددن قلددوبهم‪ ،‬ولدديكن مددع ذلددك شددري‬
‫البزة‪ ،‬أنفا؛ لتهابه العامة‪ ،‬ويدخل في جملدة الخاصدة‪،‬‬ ‫الحس‪ ،‬عزوف الهمة‪ ،‬نظي‬
‫(‪)2‬‬
‫فال تمجه أبصارهم" ‪.‬‬

‫فتميز ابن رشيق عمن سبقه من النقداد‪ ،‬بابتدائده بفضدائل األخدالق وجميدل الصدفات‬
‫وعلل لذل ك فعند ذكره لصفات األخالق كطالقة الوجده وحسدن الخلدق وغيرهدا قدال‬
‫ليحبه الناس ‪ ،‬وعند ذكره لنظافدة الهيئدة ولطافدة الحدس وشدرف الدنفس قدال‪ :‬لتهابده‬
‫الناس وليكسب احترام من أمامه ومحبته ‪.‬‬

‫ثم أردف موافقا البن طباطبدا فدي الصدفات العلميدة أو كمدا يقدال الدرسدية التدي دعدا‬
‫الشاعر لألخذ بها قائال‪ " :‬والشاعر م خوذ بكل علم‪ ،‬مطلوب بكل مكرمدة؛ التسدا‬
‫الشعر واحتماله كل ما حمدل‪ :‬مدن نحدو‪ ،‬ولغدة‪ ،‬وفقده‪ ،‬وخبدر‪ ،‬وحسداب‪ ،‬وفريضدة‪،‬‬
‫بذاته‪ ،‬مستغن عمدا سدواه؛ وألنده‬ ‫واحتياج أكثر هذه العلوم إلى شهادته‪ ،‬وهو مكت‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري ( و‪.)23‬‬
‫(‪ )2‬العمدة ‪،‬البن رشيق (و ‪.)196/1‬‬

‫‪65‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫قيد لألخبار‪ ،‬وتجديد ل ثار " ‪.‬‬

‫كدذلك مدا ذكدره ابدن سدنان الخفداجي فدي قولده ‪" :‬‬ ‫وفيما يحتاجه الشاعر أو الميلد‬
‫الكالم إليه من معرفة اللغة التي هي لغة العدرب قددر مدا يعدرف‬ ‫الذي يحتاج ميل‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫كل شيء باسمه الذي وضعته له "‬

‫ثم فصّل لغة العرب تلك كمدا فعدل مدن سدبقوه كالجداحظ وغيدره ‪ ،‬بمعرفدة علدم‬
‫النحو ‪ ،‬وبحور الشعر والعروض ‪ ،‬والعلم بالقوافي ومعرفة أخبار العرب وأنسابها‬
‫وسدديرها‪ .‬فوافددق الجدداحظ و ابددن طباطبددا و أب دو هددالل العسددكري و ابددن رشدديق فددي‬
‫الكالم ‪.‬‬ ‫العلوم التي يحتاجها ميل‬

‫وهدذه العلدوم أساسدية‪ ،‬وتعد ّد مطلبدا أوليدا فدي ثقافدة الشداعر ومعارفده؛ ليحظدى بعلددم‬
‫وافددر يعيندده علددى صددنعة الشددعر وكتابتدده‪ ،‬فمتددى تمكددن الشدداعر منهددا واقتدددر عليهددا‬
‫انعكس ذلك بالخير العميم على ت ليفه وألفاظه‪ ،‬وهذا ما أكده اب سنان (ت‪466‬هـ)‬
‫الكالم لو عدرف حقيقدة كدل علدم واطلدع علدى‬ ‫في تعليقه قائال‪ " :‬وبالجملة أن ميل‬
‫كل صناعة ألثر ذلك في ت ليفه ومعانيه وألفاظه؛ ألنده يددفع إلدى أشدياء يصدفها فدإذا‬
‫(‪)3‬‬
‫خبر كل شيء وتحققه كان وصفه له أسهل ونعته أمكن " ‪.‬‬

‫ويجددب علددى الشدداعر أو األديددب حددين يكتددب شددعره أن ال ي د تي باألفكددار الغريبددة‬


‫واأللفاظ الغامضة والمتكلفة ‪ ،‬وأن يجسد المعاني بصدور واضدحة‪ ،‬وبهدذا خدتم ابدن‬
‫سنان كتابه سر الفصاحة ‪ ،‬حيث أوصى الشاعر قائال‪" :‬والوصدية لده تدرك التكلد‬
‫واالسترسال مع الطبع ‪ ،‬وفرط التحرز‪ ،‬وسوء الظن بالنفس ومشاورة أهل المعرفة‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬سرالفصاحة‪ ،‬البن سنان ( و‪.)289‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه ( و‪)290‬‬

‫‪66‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫‪ ،‬وبغض اإلكثار واإلطالة ‪ ،‬وتجنب اإلسهاب في فن واحد من فنون الصناعة‪ ،‬فإن‬


‫كالم اإلنسان ترجمان عقله ومعيار فهمه وعنوان حسه ‪ ،‬والدليل على كل أمرلواله‬
‫واجتمددا اللددب عنددد الددنظم‬ ‫لخفددي مندده وبحسددب ذلددك يحتدداج إلددى فضددل التثقيدد‬
‫(‪)1‬‬
‫والت لي " ‪.‬‬

‫بددالطبع واالسترسددال فيدده فوافددق بددذلك‬ ‫وخددتم ابي األثييير(ت‪ )637‬وصدديته للميلد‬
‫بشرا والجاحظ وابن قتيبة وابن طباطبا‪ ،‬كما أوصى الشاعر بعدم اإلكثار واإلطالدة‬
‫والتهددذيب عنددد الددنظم‬ ‫وتجنددب االسددهاب فددي فددن واحددد ‪ ،‬وأوصددى كددذلك بددالتثقي‬
‫والت لي ‪.‬‬

‫ب خذ كل علم ‪ ،‬وفهم كدل فدن ‪ ،‬والوصدول إلدى‬ ‫كما أوصى النقاد الشاعر أو الميل‬
‫أقصى ما يستطيع من الجودة واإلتقدان ‪ ،‬فدي العلدوم كلهدا ‪ ،‬كمدا هدو الحدال مدع ابدن‬
‫فيهدا تلدك العلدوم بداآلالت فقدال ‪" :‬اعلدم أن‬ ‫األثير الذي قال في وصيته التي وصد‬
‫الكالم من المنظوم والمنثور تفتقر إلى آالت كثيرة‪ ،‬وقدد قيدل‪ :‬ينبغدي‬ ‫صناعة ت لي‬
‫للكاتب أن يتعلّق بكل علدم‪ ،‬حتدى قيدل‪ :‬كدل ذي علدم يسدو لده أن ينسدب نفسده إليده‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬فالن النحوي‪ ،‬وفدالن الفقيده‪ ،‬وفدالن المدتكلِّم‪ ،‬وال يسدو لده أن ينسدب نفسده‬
‫إلددى الكتابددة فيقددال‪ :‬فددالن الكاتددب‪ ،‬وذلددك لمددا يفتقددر إليدده مددن الخددوض فددي كددل فد ّدن‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ومالك هذا كله الطبع‪ ،‬فإنه إذا لم يكن ثَ فم طبع فإنه ال تغني تلك اآلالت شيئا" ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فقدد انفدرد بالصدفات النفسدية فدي وصديته التدي‬ ‫أما اب أبي اإلصيبع(ت‪654‬هيـ)‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪.)38/1‬‬
‫(‪ )3‬هو أبو محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر ابن محمد المصري المعروف بابن‬
‫أبي اإلصبع ‪ ،‬ولد بمصر سنة ‪ 585‬هـ ‪ ،‬كان بلي مصر الذي لم يشق غباره ‪ ،‬كان دقيق الحس ’‬
‫قوي الشعور بالجمال ‪،‬استطا أن يحلق في سماء الفن والعلم والمعرفة ‪ ،‬كما كان أستاذا يتخرج‬
‫=‬
‫‪67‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫أوصى بها الشداعر قدائال‪ " :‬يجدب علدى مدن كدان لده ميدل إلدى عمدل الشدعر وإنشداء‬
‫النثر أن يعتبر أوال نفسه‪ ،‬ويمتحنها بالنظر في المعداني وتددقيق الفكدر فدي اسدتنباط‬
‫المخترعات‪ ،‬فدإذا وجدد لهدا فطدرة سدليمة‪ ،‬وجبلدة موزوندة‪ ،‬وذكداء وقدادا‪ ،‬وخداطرا‬
‫سمحا‪ ،‬وفكرا ثاقبا‪ ،‬وفهما سريعا‪ ،‬وبصيرة مبصرة‪ ،‬وألمعية مهذبة‪ ،‬وقوة حافظة‪،‬‬
‫وقدددرة حاكيددة‪ ،‬وهمددة عاليددة‪ ،‬ولهجددة فصدديحة‪ ،‬وفطن دة صددحيحة ‪ ،‬فددإذا كملددت فددي‬
‫الشاعر والكاتب كان موصوفا في هذه الصناعة بكمال األوصداف النفسدية التدي إذا‬
‫أضيفت إليها الصفات الدرسية تكمل وتجمل من حفظ اللغات العربية‪ ،‬وتوابعها من‬
‫العلوم األدبية كدالنحو والتصدري ‪ ،‬والعدروض والقدوافي‪ ،‬ومدا سدومح بده الشدعراء‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫من الضرورات " وغيرها من العلوم التي أشار إليها النقاد من قبله "‬

‫إذن جعددل ابددن أبددي اإلصددبع ثقافددة الشدداعرفي دقددة الفكددر ‪ ،‬وسددالمة الفطددرة‬
‫والدددذكاء الوقددداد وسدددماحة الخددداطر والفكدددر الثاقدددب‪ ،‬والفهدددم السدددريع ‪ ،‬والبصددديرة‬
‫ال مبصددرة إلددى غيددر ذلددك مددن الصددفات النفسددية التددي عددددها ‪ ،‬ثددم أردفهددا بالصددفات‬
‫العلميدة التدي ذكرهددا األدبداء مدن قبددل وأوصدوا بهدا الشدداعر ‪ ،‬فوافدق بهدذه الصددفات‬
‫العلمية ابن طباطبا وابن رشيق وابن سنان الخفاجي‪.‬‬

‫أما الصفات النفسية الذي ذكرها فقد تميز بها عنهم‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫في البديع واستخرجه من القرآن والشعر‪ ،‬تناول اإلعجاز في‬ ‫= على يديه األدباء والعلماء ‪ ،‬أل‬
‫القرآن ‪ ،‬توفي سنة ‪654‬هـ‪ ،‬تحرير التحبير البن أبي اإلصبع ‪ ،‬تقديم وتحقيق د‪.‬حفني محمد‬
‫شرف‪ ،‬الجمهورية العربية المتحدة ‪ -‬المجلس األعلى للشئون اإلسالمية ‪ -‬لجنة إحياء التراث‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬
‫(‪ )1‬تحرير التحبير (‪ .)406 /1‬تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر‪ ،‬وبيان إعجاز القرآن‪ ،‬البن‬
‫أبي اإلصبع المصري (ت‪654:‬هـ)‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬حفني محمد شرف‪ ،‬المجلس األعلى للشيون‬
‫اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪1383،‬هـ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫أما حازم القرطاجني(‪684‬هـ) الذي جعدل أسداس صدناعة الدنظم هدو الطبدع ‪،‬فوافدق‬
‫بددذلك بشددرا والجدداحظ وابددن قتيبددة وابددن طباطبددا وابددن أبددي اإلصددبع ‪،‬وابددن األثي در‬
‫وظهددر ذلددك صددريحا فددي قولدده‪ " :‬إن الددنظم صددناعة آلتهددا الطبددع ‪ .‬والطبددع هددو‬
‫استكمال للن ْفس في فهم أسرار الكدالم ‪ ،‬والبصديرة بالمدذاهب واألغدراض التدي مدن‬
‫ش ن الكالم الشعري أن ينحى به نحوها ‪ ،‬فإذا أحاطت بذلك علما قويت على صو‬
‫الكالم يحسبه عمال ‪ .‬وكان النفوذ في مقاصد النظم وأغراضه وحسن التصرف في‬
‫مذاهبده وأنواعدده إنمدا يكونددان بقدوة فكريددة واهتدداءات خاطريددة تتفداوت فيهددا أفكددار‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشعراء"‬

‫كما أظهر القرطداجني أن الطبدع مكمدل للدنفس فدي الفهدم والبصديرة والوصدول إلدى‬
‫عمددن سددبقه فددي العلددوم التددي أشددار إليهددا والتددي أسددماها‬ ‫أغددراض الكددالم واختل د‬
‫بالقوي‪ ،‬ولونظرنا إليها لوجدناها تقريبا هي العلوم التي أوصدى بهدا النقداد مدن قبلده‬
‫الشدداعر ‪ ،‬غيددر ف‬
‫أن القرطدداجني جزأهددا وس د فماها بددالقوة فتدددخلت لديدده فلسددفة القددوي‬
‫الفكرية ‪ ،‬ف خذ يوز كل علم في العربية كالتشبيه والقوافي والمعاني ‪ ،‬فلدو جمعهدا‬
‫كسددابقيه تحددت مسددمى اللغددة ألوجددز وأجدداد‪ .‬وعددزا ذلددك النفددوذ فددي مقاصددد الددنظم‬
‫وأغراضه إلى عشر قوات ‪:‬‬

‫وأول تنك القوى ‪ -‬القوة علدى التشدبيه فيمدا ال يجدري علدى السدجية وال يصددر عدن‬
‫قريحة بما يجري على السجية ويجري عن قريحة ‪.‬‬

‫الثانييية ‪ -‬القددوة علددى تصددور كليددات الشددعر والمقاصددد الواقفددة فيهددا والمعدداني‬
‫الواقعة في تلك المقاصد؛ ليتوصل بهذا إلى اختيدار مايجدب لهدا مدن القدوافي ولبنداء‬
‫فصول المقاصد‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬للقرطاجني(‪.)19/1‬‬

‫‪69‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫الثالثة ‪ -‬القوة على تصور صور القصديدة تكدون بهدا أحسدن مدا يمكدن‪ ،‬وكيد‬
‫يكون إنشاؤها أفضل من جهة وضع بعض المعاني واألبيات والفصول من بعض‪.‬‬

‫الرابعة ‪ -‬القوة على تخيل المعاني بالشعور بها واجتنابها من جميع جهاتها‪.‬‬

‫الخامسيية ‪ -‬القددوة علددى مالحظددة الوجددوه التددي بهددا يقددع التناسددب بددين المعدداني‬
‫وايقا تلك النسب بينها‪.‬‬

‫السادسة ‪ -‬القوة على التهدي إلى العبارات الحسنة الوضدع والداللدة علدى تلدك‬
‫المعاني‪.‬‬

‫السابعة ‪ -‬الق وة على التحيل في تسيير تلك العبارات متزنة وبناء مباديها علدى‬
‫نهاياتها ونهاياتها على مباديها‪.‬‬

‫الثامنة ‪ -‬القوة على االلتفات من حيدز إلدى حيدز والخدروج منده إليده والتوصدل‬
‫به إليه‪.‬‬

‫التاسعة ‪ -‬القوة على تحسين وصل بعدض الفصدول بدبعض‪ ،‬واألبيدات بعضدها‬
‫ببعض‪ ،‬وإلصاق بعض الكالم ببعض على الوجوه التي ال تجد النفوس عنها نبوة‪.‬‬

‫العاشييرة ‪ -‬القددوة المددائزه حسددن الكددالم مددن قبحدده بددالنظر إلددى نفددس الكددالم‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وبالنسبة إلى الموضع الموقع فيه الكالم ‪.‬‬

‫فيبدو مدن ظداهر كدالم القرطداجني عندد إشدارته لتلدك القدوي العشدر‪ ،‬أنده قصدد‬
‫القدرة والتمكن من التشبيه وقدوافي القصديدة ومعانيهدا ‪ ،‬وتخيدل المعداني ومالحظدة‬
‫التناسب بينها وبين اإليقا الشعري ‪ ،‬والتمكن من االلتفات ووصل األبيات بعضها‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (‪.)19/1‬‬

‫‪70‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ببعض والتمييز بين حسن الكالم وقبحه ‪.‬‬

‫وختام اآلراء رأي األديب الناقد النواجي(‪859‬هـ) الذي جمع ُج ّل األمدر وكدل تلدك‬
‫العلوم التي أوصى بها األدباء من قبله في استشهاده بقول ألبي بكر الخوارزمي‪" :‬‬
‫من روي (حوليات زهير) و(اعتدذارات النابغدة)و (أهداجي الحطيئدة ) و(هاشدميات‬
‫الكميدددت) و(نقدددائض جريدددر) و(خمريدددات أبدددي ندددواس) و(تشدددبيهات ابدددن المعتدددز)‬
‫و(زهددديات أبددي العتاهيددة) و(مراثددي أبددي تمددام ) و(مدددائح البحتددري) و(روضدديات‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫كشاجم)‪ ،‬ولم يخرج إلى الشعر فال أشب ه قرنه"‬ ‫الصنوبري) و(لطائ‬

‫وعلى ما يبدو أن الندواجي يدري ثقافدة الشداعر وتددفق الحدس الشدعري لديده يكدون‬
‫بحفظه لهذه القصائد المختدارة‪ ،‬والتدي تمتلدك مدن الفصداحة فدي اللغدة والبالغدة مدا‬
‫تمتلكه ‪ ،‬ومن المعاني واأللفاظ ما تجعلها قوية رفيعة في ش نها ‪.‬‬

‫وقد جعل النواجي هذه القصدائد وك نهدا مصدادر الثقافدة الضدرورية التدي يلدزم‬
‫مددن كددل شدداعر تعلمهددا وحفظهددا ‪ ،‬وقددد بدددأ بددـ " حوليددات زهيددر " وهددي مددن أكبددر‬
‫القصائد وأفضلها شعرا فلم تخرج بين أيدي الناس إال بعد تنقيح وتهذيب وتصحيح‪،‬‬
‫يكون حالهدا فدي الفصداحة والبالغدة والعربيدة عامدة ‪ ،‬وفيهدا‬ ‫فقصائد مثل هذه كي‬
‫مافيها من الصقل واالمتحان والتنقيح ‪ ،‬وقد قال في ذلك الحطيئة ‪:‬‬

‫"خيدر الشددعر الحدولي المددنقح و المحكدك وكددان زهيدر يسددمي كبدري قصددائده‬
‫(‪)2‬‬
‫بالحوليات" ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ثمار القلوب في المضاف والمنسوب و‪ ،216‬ألبي منصور بن عبدالملك بن محمد بن إسماعيل‬
‫الثعالبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬دار المعارف القاهرة‪.‬‬

‫(‪ )2‬الشعروالشعراء‪،‬البن قتيبة (و‪.)84‬‬

‫‪71‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫و على ما يبدو أن النواجي قد ابتدأ بالحوليات ومن قبله الخوارزمي رغبة منهم في‬
‫الشاعر لنفسه ‪ ،‬وتعرفه على قصائد قوية في لفظهدا ‪ ،‬رفيعدة فدي مسدتواها ‪،‬‬ ‫تثقي‬
‫عظيمة في قدرها بين أهلها‪ ،‬فما إن ينش الشاعر على قصدائد مثدل هدذه إال بلد مدن‬
‫القوة في شعره مابل ‪.‬‬

‫والنوع الثاني هو " اعتذارات النابغة " وهي القصائد التدي أبددي فيهدا النابغدة‬
‫وحسدن التد تي مدازاد مدن‬ ‫اعتذاراته إلى النعمان بن المنذر‪ ،‬وقد حدوت مدن التلطد‬
‫أهميتهددا وعددال فددي شد نها يقددول ابي رشيييق(ت‪463‬هييـ)‪ " :‬وينبغددي للشدداعر أن ال‬
‫يقددول شدديئا يحتدداج أن يعتددذر مندده ‪ ،‬فددإن اضددطره المقدددار إلددى ذلددك ‪ ،‬وأوقعدده فيدده‬
‫ي خدذ بقلدب‬ ‫القضاء ؛ فليذهب مذهبا لطيفا ‪ ،‬وليقصد مقصدا عجيبا ‪ ،‬وليعرف كي‬
‫(‪)1‬‬
‫يمسح أعطافه ‪ ،‬ويستجلب رضاه " ‪.‬‬ ‫المعتذر إليه ‪ ،‬وكي‬

‫يكسدب المهدارة فدي اسدتجالب القلدوب‬ ‫وهنا إشارة من النواجي للشداعر كيد‬
‫(‪)2‬‬
‫" وهذه تع ُد اضافه معنوية فنية تقوي شاعريته " ‪.‬‬ ‫ب سلوب التلط‬

‫أمدا النييوع الثالييث فهددو " أهدداجي الحطيئددة " وهدي القصددائد التددي هجددا بهدا الحطيئددة‬
‫خصومه‪ ،‬وقد أشار النواجي في هذا إلى القدرة التي يجب على الشاعر أن يمتلكها‬
‫فددي نفسدده ‪ ،‬أوالمهددارة التددي يسددتطيع مددن خاللهددا أن يتفددنن بهددا فددي اإلفصددا عددن‬
‫أثدار غضدبه ‪ ،‬أو شدخص أسداء إليده ‪-‬‬ ‫اإلنفعاالت الكائنة في داخلده ‪ -‬إزاء موقد‬
‫فيصوغها في قالب يصور فيه نقص الشخص الذي أمامه أو الصدفات السديئة فيده ‪،‬‬
‫بدقددة فددي اللفددظ وقددوة فددي المعنددى ‪ .‬فيظهددر األثددر مددن تلددك القصددائد علددى الشددخص‬
‫المعني ‪ ،‬وهذا كله قد يعززه ويقويه ملكة خفية لدي الشاعر ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة ‪،‬البن رشيق (‪.)176/ 2‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬نظرية اإلبدا الشعري‪ ،‬د‪.‬البنداري( و‪.) 49‬‬

‫‪72‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫والنييوع الرابييع هددو "هاشددميات الكميددت " وهددي قصددائد تنسددب إلددى الكميددت‬
‫األسدي وقد قالها دفاعا عن البيت الهاشمي ‪ " ،‬ونظرا إلعجاب النواجي بالكميت ‪،‬‬
‫و ميله لمذهب التشيع الذي كان يجتذب علماء ذلك العصدر‪ ،‬جعلده يدنص علدى هدذه‬
‫الهاشميات باإلضافة إلى أن الهاشدميات تنطدوي علدى " ذوق " جديدد ‪ ،‬يجدب علدى‬
‫الشدداعر المبتدددئ العنايددة بدده وهددو " الددذوق العقلددي " ‪ ،‬ألن الكميددت فددي قصددائده‬
‫(‪)1‬‬
‫" ‪.‬‬ ‫الهاشمية يعبر عن الفكر والت مل تعبيرا يفوق تعبيره عن الشعور والعواط‬

‫عددن طبيعددة "‬ ‫أمددا النييوع الخييامس فهددو " نقددائض جريددر" وهددي قصددائد تكشدد‬
‫التعصب القبلي " في العصر األموي ‪.‬‬

‫ويبدو أن العصبية القبلية قد جدرت فدي العدروق العربيدة مجدري الددماء ‪ ،‬فكدان لهدا‬
‫مدن التد ثير علدى أ فرادهدا وجماعتهدا مالهددا ‪ ،‬واسدتمرت العصدبية القبليدة حتدى بعددد‬
‫ظهور اإلسالم ‪ .‬وقد دعدا الندواجي إلدى معرفتهدا ربمدا ألنهدا تنطدوي علدى معدارف‬
‫ومعلومات عن البيئات االجتماعية‪.‬‬

‫وتشتمل على مهارات أدائية أسلوبية "ألن النقائض وبخاصة نقائض جرير" تتسم‬
‫بسمة فنية‪ ،‬فهي ليست قصيرة‪ ،‬وإنما مطوالت يحتاج إليها الشاعر المبتددئ ليثدري‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫لغته‪ ،‬وبها ألوان تعبيرية وصفية مستحدثة‬

‫وأما النوع السادس فهو" خمريات أبي نواس " وهدي قصدائد تنداول فيهدا أبدو‬
‫نواس تجربته الشخصية مع شرب الخمر ‪.‬‬

‫ويبدو ف‬
‫أن وراء إحالة النواجي للشاعر على هذا النو من الشعر وقبله أبو بكر‬
‫الخوارزمي غاية أو رأيا خفيا قد يتمثل في ف‬
‫أن أبا نواس اشتهر بخمرياتده ال لشدربه‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه ( و‪.)56‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)58‬‬

‫‪73‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫لها وإنما ألسلوبه وطريقته في عرض قصدائدها فهدو يمدزج اإلحسداس فيهدا بدالفكر‬
‫والددرو ‪ ،‬ويجعددل الخمددر رمددزا لتجسدديد مددا هددو ضددده ‪،‬ويددتكلم عددن لسددان وسدديلة‬
‫محرمددة ولكنهددا شددائعة ومتداولددة فددي مجتمعدده ‪ ،‬إضددافة إلددى أسددلوب أبددي نددواس‬
‫(‪)1‬‬
‫الشعري العام الذي اتفك فيه على األساليب الطلبية والسيما األمروالنداء ‪.‬‬

‫فيظهر من خالل ذلك العلم أو الثقافة التي سيجدها الشاعر في هدذا الندو والتدي قدد‬
‫تثري ثقافته وتقوي أدواته ‪ ،‬إضافة إلدى تواجددها فدي الشدعر العربدي وعلدى الدرغم‬
‫من ذلك االحتمال إال ف‬
‫أن وصية النواجي بالعلم بها أمر قدد تخفدى عليندا حكمتده‪ ،‬فقدد‬
‫كان النواجي رحمه ه أبعد نظرة وأكثر وعيا في فهمده لببددا الشدعري ‪ ،‬إضدافة‬
‫إلددى مددا يجددب علددى الباحددث مددن الت د دب أمددام علمدداء كددالنواجي عرفددوا مددن العلددم‬
‫ماعرفوا بل واشتهروا بتقواهم وحذرهم ‪.‬‬

‫ثم النوع السابع وهو " مراثي أبي تمام " وهي قصائد رثداء أبدي تمدام لمحمدد‬
‫الطائي الطوسي والمراثدي عامدة يعددد الشداعر فيهدا مناقدب الميدت ويظهدر فجعتده‬
‫عليه ‪.‬‬

‫و النواجي حين أحال الشاعر عليها كان يرمي إلى ما تحويده هدذه القصدائد مدن‬
‫ذكر لفضائل األخالق في الميت وتعدد سجاياه ومحامده ‪ ،‬فبذلك يجمع الشاعر بدين‬
‫الرثدداء والمددد بقددوة اللفددظ وصدددق العاطفددة ‪ ،‬فددال غرابددة إذن حددين يحيددل النددواجي‬
‫الشاعر لحفظ المراثي وعلى رأسها مراثي أبي تمام لشهرتها آنذاك ‪.‬‬

‫وثامن يييا ‪ " :‬تشدددبيهات ابدددن المعتدددز " وإنمدددا خدددص الندددواجي والخدددوارزمي‬
‫تشبيهات ابن المعتز عن غيره " لقدرته على تطويع التشبيه وتلوينه ‪ ،‬فقد تمكن من‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقال الخصائص األسلوبية في شعر أبي نواس د‪ .‬محمد عبده المعصري‪،‬‬
‫‪www.yemen-nic.inpo\index.php‬‬

‫‪74‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫أن يحول صب التشبيه المحدود إلى صب آخر‪ ،‬له طاقة واسعة ‪ ،‬بل لقد خدرج عدن‬
‫نطاقه القديم وأصبح صبغا مستقال له أوضاعه التي ال تحصدى ‪ ...‬والتدي تنقلندا مدن‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫عالمنا الحسي إلى عالم خيالي واهم "‬

‫لذا أوصى النواجي الشاعر بتشبيهات ابن المعتز والتدي نالدت إعجداب الكثيدر‬
‫بصور ومعان َي تكاد تكون‬
‫ع‬ ‫ال وهو يطرز تشبيهاته‬ ‫ممن سبقوه وجاؤوا بعده ‪ ،‬كي‬
‫للسامع أو القارئ وك نها مجسدة أمامه ‪.‬‬

‫وتاسع ا ‪ :‬مدائح البحتري والتي أوصى النواجي الشاعر بحفظها لفوائدد جمدة‬
‫منها العناية باألسدلوب الدذي يصدو فيده تلدك المعداني والعبدارات ‪ .‬فيمدد الشداعر‬
‫ب سلوب جدزل جميدل ‪ ،‬ويصدور الموصدوف ويرسدم صدفاته وأفعالده بصدورة فندان‬
‫إلى ذلك نوعية األلفداظ وقوافيهدا وأوزانهدا ‪ ،‬فهدو يطدو‬ ‫أجاد الرسم وأتقنه‪ ،‬أض‬
‫األلفداظ ؛ كدي تصدبح مناسدبة لصدفات الممددو ‪.‬‬ ‫العبارات ويلين القدوافي ويوظد‬
‫وهذ ا مما يكسب الشاعر رونق في األسدلوب‪ ،‬وجزالدة فدي األلفداظ ‪ ،‬وعذوبدة فدي‬
‫المعاني ورصانة في القول ‪.‬وقد ذكر النواجي في كتابه المقدمة قول أبدي تمدام فدي‬
‫وصيته للبحتري " وإذا أخذت في مد سيد ذي أياد ف شهر مناقبه ‪ ،‬وأظهر مناسبه‬
‫‪ ،‬وابن معالمه ‪ ،‬وشرف مقامه ‪ ،‬وتقاو المعاني ( أي أطلبهدا )‪ ،‬واحدذر المجهدول‬
‫(‪)2‬‬
‫منها ‪ ،‬وكن ك نك خياط يقطع الثياب على مقادير األجسام" ‪.‬‬

‫فيوصي النواجي الشاعر عندد مدد سديد مشدهور ومدتمكن بصديته أن يبدرز صدفاته‬
‫ومناقبدده ومعالمدده ‪ ،‬وأن يجتهددد بطلددب المعدداني ويحددذر المجهددول ‪ ،‬ثددم يبددين كي د‬
‫يكون الشاعر في تقديره عند وضع األلفاظ في معانيها المناسبة مشبها إياه بالخيداط‬
‫الذي يقطع الثياب على قدر األجسام ومقاسها المناسب لها ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬الفن ومذاهبه في الشعر العربي‪(،‬و‪ )269‬د‪ .‬شوقي ضي ‪ .‬ط‪ ،4‬القاهرة‪.1960 ،‬‬
‫(‪ )2‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪،‬للنواجي (و‪.)41‬‬

‫‪75‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وعاشرها ‪ " :‬زهديات أبدي العتاهيدة " وقيدل إ ّن هدذه الزهدديات قدد اسدتغرقت فتدرة‬
‫طويلة من حياة أبي العتاهية ‪ ،‬حصرها ميرخو األدب في ثالثين عاما ‪ ،‬وقد يكون‬
‫هذا سببا ق ويا في إحالة النواجي الشاعر لهذه القصدائد ووصديته بحفظهدا فقدد حدوت‬
‫تلك القصائد من خبرة أبي العتاهيدة وتمرسده فدي فدن الزهدديات مدا يجعدل قصدائده‬
‫تكون مدرسدة للمبتددئين مدن الشدعراء إلدى جاندب تباسد وسدهولة أبدي العتاهيدة فدي‬
‫لغته التي تناول بها قصائد الزهد لتتناسب معها ‪.‬‬

‫و قصدائد كهددذه مكثددت طيلددة تلددك الفتددرة بددين يدددي شدداعر ك د بي العتاهيددة ‪ ،‬ثددم‬
‫خرجت لتكون بين يدي كدل طالدب وراغدب ‪ ،‬حدري بكدل شداعر ناشدئ أن يحفظهدا‬
‫ويعيها جيدا ؛كي تعينه على استخالو شذرات الحكمة والت مل في الحياة والمدوت‬
‫والمصير ‪.‬‬

‫ثم ذكرقصائد "روضيات الصدنويري " " وتعدد مدن األصدول الشدعرية التدي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫تنمي مواهب المت دبين وتفتق شاعريتهم "‬

‫وقدد ذكددر ابددن شددرف القيروانددي فددي الصدنوبري قولدده فيدده ‪ " :‬إندده كددان وحيددد‬
‫(‪)2‬‬
‫جنسه في صفة األزهار وأنوا األنوار" ‪.‬‬

‫و أحب الصنوبري الطبيعة والتصق بها فكدان يتجده إليهدا بمشداعره وحواسده‬
‫فيجسدددها فددي أبهددى صددورها ‪ ،‬كمددا اسددتطا تطويددع األلفدداظ والمعدداني وتددذليلها‬
‫فيصوغها في صور رائعة يغلدب عليهدا اإلثدارة والتشدويق ‪ ،‬والشداعر حدين يعطدي‬
‫بصدق يضفي على قصائده شيئا من األحاسديس والمشداعر الحيدة ‪ ،‬فيظهدر وك نده‬
‫يتبددادل أطددراف الحددديث مددع الطبيعددة المتجسدددة ‪ ،‬وهكددذا كددان الصددنوبري حيددث‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬نظرية اإلبدا الشعري‪ ،‬د‪.‬البنداري ( و‪.)73‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)73‬‬

‫‪76‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫‪ ،‬وإثراء في‬ ‫التشخيص والتج سيد ‪ ،‬وهذا يكسب الشاعر المبتدئ إبدا في الوص‬
‫اللغة وجمال في األسلوب‪.‬‬

‫وقيل " تشبيهات ابدن المعتدز ‪ ،‬وأوصداف كشداجم ‪ ،‬وروضديات الصدنوبري ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫متى اجتمعت اجتمع الظرف والطرف ‪ ،‬وسمع السامع من اإلحسان والعجب " ‪.‬‬

‫كشاجم ‪ ،‬وقدد وصدفت فيمدا سدبق‬ ‫وآخر نو أشار إليه الخوارزمي هو لطائ‬
‫ب نها متى اجتمعت مع تشبيهات ابدن المعتدز ‪ ،‬وروضديات الصدنوبري أضدفت جدو‬
‫(‪)2‬‬
‫الظرف‪. "..‬‬

‫حيدث اللطافدة والظرافدة ‪،‬‬ ‫كما يبدو أنها قد اكتسبت الظرف من اسدمها لطدائ‬
‫ومن الميكد أن الشاعر كما أنه يحتاج إلى الجدية والقوة ‪ ،‬يحتاج كذلك إلى اللطافدة‬
‫والسهولة ‪.‬‬

‫وخالصدة ماسدبق فددإن الندواجي قددد انفدرد عددن غيدره ممددن سدبقه مددن النقداد فددي‬
‫إحالة الشاعر إلى حفظ تلك القصدائد التدي ذكرهدا فدي قدول أبدي بكدر الخدوارزمي ‪،‬‬
‫ألنه يري أنها عامة شداملة ‪ ،‬احتدوت علدى كدل أغدراض الشدعر تقريبدا ‪ ،‬وهدذا عندد‬
‫النواجي كاف للشاعر الناشئ‪.‬‬
‫ويمكن القول أن ثقافة الشاعر وأدواته برزت في ‪:‬‬
‫‪ -‬صحة الطبع وسالمته ‪.‬‬
‫فددالطبع هددو رأس البضدداعة وأسدداس الصددناعة ‪ ،‬وهدو فددي األدب كالنجدددة لددذي‬
‫السددال ‪ ،‬ففقدددان األديددب الطبددع كفقدددان ذي السددال الشددجاعة والنجدددة ‪ ،‬وفقدددان‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (و‪.)71‬‬
‫(‪ )2‬ثمار القلوب في المضاف والمنسوب‪ ،‬للثعالبي (و‪)216 :‬‬

‫‪77‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫صاحب الطبع األدب كفقدان ذي النجدة السال والعدة وال محصول ألحددهما دون‬
‫(‪)1‬‬
‫اآلخر" ‪.‬‬
‫والطبع واألدب وجهان لعملة واحددة ال اسدتغناء ألحددهما عدن اآلخدر فكالهمدا‬
‫قدد يسدتثير مشداعر مختلفدة‪،‬‬ ‫يبرز العملة ويزيدد مدن قيمتهدا ‪ ،‬وقيدل " أن المطبدو‬
‫تتصل بحاستي النظر والذوق‪ ،‬ويتسم باإلتقان ويبتعد عن التعقيد "(‪. )2‬‬
‫وكما ُذكر سابقا أن الطبع واألدب أمران متالزمان يكمل أحدهما اآلخر‪ ،‬لدذا وجدب‬
‫على الشاعر التوسع في الثقافة واإللمام بعلوم عصره ‪ ،‬فالطبع ال يكفي وحده وأهم‬
‫تلك العلوم والمعارف ‪:‬‬
‫‪ -‬التوسع في علوم اللغة ‪ :‬معرفة علم النحو ‪ ،‬وعلم القوافي ‪ ،‬وعلم العروض‬
‫وبحور الشعر ‪.‬‬
‫‪ -‬البراعة في فهم اإلعراب ‪ ،‬والرواية لفنون اآلداب ‪.‬‬
‫‪ -‬معرفة أيام العرب وأنسابهم ‪ ،‬ومناقبهم ومثالبهم ‪.‬‬
‫‪ -‬الوقدوف علدى مدذاهب العددرب فدي الشدعر والتصددرف فدي وجوهده كالمددديح‬
‫والهجاء وغيره‬
‫‪ -‬أن يكون الشاعر حلو الشمائل ‪ ،‬حسن األخالق ‪.‬‬
‫‪ -‬والتزام الشاعر بوصية أبي بكر الخوارزمي والتي أيدها النواجي في كتابه‬
‫حددري بكددل شدداعر حفظهددا واألخددذ بهددا لمددا احتددوت عليدده مددن علددم وتجددارب‬
‫وحكم أبرز الشعراء وأفضلهم حين يروي حوليات زهير واعتذارات النابغة‬
‫وأهاجي الحطيئة وهاشميات الكميت ونقدائض جريدر وخمريدات أبدي ندواس‬
‫وتشددبيهات ابددن المعتددز و زهددديات أبددي العتاهيددة ومراثددي أبددي تمددام ومدددائح‬
‫البحتددري و روضدديات الصددنوبري ولطددائ كشدداجم ‪ .‬فهددذه الفنددون جامعددة‬
‫شاملة ‪.‬‬
‫‪ -‬وجما هذه األدوات كمال العقل ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة كتاب الدر الفريد وبيت القصيد(و‪ ، )303‬محمد بن أيدمر ‪ ،‬تحقيق د‪ .‬مصطفى عناية‪،‬‬
‫عالم الكتب الحديث‪ ،‬إربد‪-‬األردن‪2013-‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬نظريات الشعراء عند العرب‪ ،‬للجوزو (و‪.)182‬‬

‫‪78‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث الخامس‪ :‬قضية عمل الشعر وتنقيحه وتهذيبه‬


‫إن قضية عمل الشعر وتنقيحه وتهذيبه هي خامس قضايا الشعر والتي تحدث عنهدا‬
‫النواجي في كتابه مقدمة في صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫أ فمددا عمددل الشددعر فهددو أسدداس عمليددة اإلبدددا الشددعري ومحددوره والتددي يبددرز مددن‬
‫خاللهددا آراء النقدداد السددابقين ومددن بيددنهم النددواجي ‪ -‬رحمدده ه – حيددث كددان هدديالء‬
‫النقداد منهجدا ومرجعدا أساسديا لمدن كدان فدي زمدنهم ‪ ،‬ومدن جداء بعددهم ‪ ،‬فدي عمدل‬
‫الشعر وصنعته ‪.‬‬

‫إن ظدداهرة التفدداوت فددي عمددل الشددعر والبراعددة فيدده تددرتب ارتباطددا وثيقددا بالحالددة‬
‫النفسددية للشدداعر وتبددرز جانبددا هامددا مددن جوانددب القلددق واالضددطراب الددذي يحيدداه‬
‫الشاعر ‪ ،‬فليس شرطا أن يبرز ذلك التفاوت عيبا من عيوب الشاعر بدل قدد يظهدر‬
‫تلقائيتدده وطبيعتدده فددي اإلبدددا فهددو ال يتصددنع فددي شددعره ‪ ،‬وال يتصدديد األلفدداظ أو‬
‫(‪)1‬‬
‫المعاني وإنما ينثال عليه الشعر انثيال الماء الزالل ‪.‬‬

‫فالحالدة النفسدية لددي الشدداعر جاندب مدن الجواندب المهمددة التدي يجدب االلتفدات إليدده‬
‫وعددم إغفالدده؛ ألن الدنفس تتد ثر بكدل مددا حولهددا وحددين يعمدل الشدداعر شددعره تظهددر‬
‫انطباعات نفسه وما يشوبها على ألفاظه ومعانيها‪.‬‬

‫والشعر هو الدذي يتحددث عدن الشداعر وشخصديته ‪ ،‬فهنداك مدن العبدارات والصدي‬
‫التي تددل علدى نفسدية قلقدة وهنداك مدا يددل علدى إثدارة انتبداه السدامع والقدارئ ‪ ،‬بدل‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫النقد العربي من ظاهرة تفاوت الشاعر في التناول الفني حتى نهاية القرن الرابع‬ ‫(‪ )1‬انظر موق‬
‫الهجري‪ ،‬المعرفة الجامعية‪-‬مصر‪2012-‬م‪ .‬د‪.‬سليمان عبد الحق ‪( ،‬و‪.)43‬‬

‫‪79‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫وتمهد له السبيل إلقناعه ‪.‬‬

‫وأشدار عمددر بددن الخطدداب رضددي ه عندده إلددى نفددس االرتبدداط السددابق بددين الشدداعر‬
‫(‪)2‬‬
‫به ويُ ْستمال قلب اللئيم " ‪.‬‬ ‫والحالة النفسية له فيري أن قلب الكريم يُسْتعط‬

‫أي أندده قددادر علددى الت د ثير فددي النفددوس الكريمددة واللئيمددة ‪ ،‬علددى الددرغم مددن قسددوة‬
‫النفوس اللئيمة وصعوبة الت ثير فيها فحين يملك الشاعر القدرة على ذلدك فهدو يبددو‬
‫(‪)3‬‬
‫ذا سلطة قوية ميثرة ‪.‬‬

‫وبدأ بشر بن المعتمر(‪210‬هـ) بوصية الشداعر عندد ت ليفده فقدال ‪ " :‬خدذ مدن نفسدك‬
‫سدداعة نشدداطك‪ ،‬وفددرا بالددك‪ ،‬وإجابتهددا لددك‪ ،‬فددإن قليددل تلددك السدداعة أكددرم جددوهرا‪،‬‬
‫وأشددرف حسددبا‪ ،‬وأحسددن فددي األسددما ‪ ،‬وأحلددى فددي الصدددور‪ ،‬وأسددلم مددن فدداحش‬
‫ومعنددى بددديع‪ ،‬واعلددم أن ذلددك‬ ‫الخطدداء‪ ،‬واجلددب لكددل عدين وغددرة‪ ،‬مددن لفددظ شددري‬
‫أجدددي عليددك ممددا يعطيددك يومددك األطددول بالكددد والمطاولددة والمجاهدددة‪ ،‬وبددالتكل‬
‫والمعاودة ومهمدا أخطد ك لدم يخطئدك أن يكدون مقبدوال قصددا‪ ،‬وخفيفدا علدى اللسدان‬
‫(‪)4‬‬
‫سهال‪ ،‬وكما خرج من ينبوعه ونجم من معدنه " ‪.‬‬

‫بشر أن على الشاعر أن يكسب ساعة نشاطه وفرا بالده واسدتجابة‬


‫فحاصل وصية ع‬
‫في تلك الساعة أكرم جدوهرا‬ ‫نفسه له‪،‬فمتى حصل على ذلك‪ ،‬فإن القليل من الت لي‬
‫وأحسن سمعا بل وأحلى في الصدور وأبعد عن الخط ‪ ،‬وأكثر إعجابدا ‪ ،‬وهدو أنفدع‬
‫مددن أن يسددتغرق اإلنسددان طددول يومدده بالكددد الطويددل والمجاهدددة والمعاندداة بددالتكل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر دراسة في نصوو العصرالجاهلي تحليل وتذوق (و‪ ،)224‬السيد أحمد عمارة‪ .‬المكتبة‬
‫الشاملة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬العقد الفريد‪ ،‬البن عبدربه (‪.)274/5‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬نظريات الشعر عند العرب‪ ،‬للجوزو (‪.)171/2‬‬
‫(‪ )4‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (و‪.)135‬‬

‫‪80‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫والتكرار دون جدوي ‪ ،‬وإن حصل خط مدا فدال يعددو أن يكدون ذلدك الخطد مقبدوال‬
‫في النفوس وخفيفا على اللسان ‪ ،‬كما خرج من أصل ينبوعه ‪.‬‬

‫القول‪ ،‬وتتعاطى الصنعة ‪ ،‬ولم تسدمح‬ ‫ويكمل بشر فيقول ‪ " :‬فإن ابتليت ب ن تتكل‬
‫لك الطبا في أول وهلة‪ ،‬وتعاصى عليك بعد إجالة الفكرة‪ ،‬فال تعجل وال تضدجر‪،‬‬
‫ودعه بياض يومك وسواد ليلتك ‪ ،‬وعاوده عند نشاطك وفرا بالك ‪ ،‬فإندك ال تعددم‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلجابة و المواتاة ‪ ،‬إن كانت هناك طبيعة أو جريت من الصناعة على عرق "‬

‫إذا لم يساعده طبعه من أول وهلة ‪ ،‬وامتنع عنده‬ ‫كما ينهى بشر الشاعر عن الت لي‬
‫بعد إمعان النظر في الفكرة ‪ ،‬وال يعجل وال يضجر‪ ،‬بل وأوصاه بتركه و معاودتده‬
‫له عند النشاط والراحة وساعة فرا العقل وخلوه‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫في كتابه وصية أبي تمدام للبحتدري فقدال ‪ " :‬يدا أبدا‬ ‫وذكر أبو اسحاق الحصري‬
‫(‪)3‬‬
‫عبادة؛ تخيّر األوقات وأنت قليل الهموم‪ ،‬صفر من الغموم"‬

‫ف شار أبوتمام إلى التهيي النفسي ‪ ،‬وهو اسدتعداد الدنفس لببددا الشدعري وإخدراج‬
‫كل مكنون بها شريطة أن يكون الذهن خاليا من المشاغل والهموم ‪ ،‬والنفس صافية‬
‫من الكدر والغموم ‪ ،‬فالنفس حين تشعر بالراحة وتخلو من الهموم والغموم ‪ ،‬تتهيد‬
‫لببدا الجيد‪ ،‬وتخرج ما بها من تميز األلفاظ وجمال المعاني ‪.‬‬

‫وك فن أبا تمام يوافق بشرا بقلة الهموم والغموم حين قال ساعة نشاطك وفرا بالك‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (و‪.)135‬‬
‫(‪ )2‬هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني‪ ،‬صاحب كتاب زهر اآلداب وثمر األلباب‪.‬‬
‫(‪ )3‬زهر اآلداب وثمر األلباب (‪ )153/1‬أبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان ‪ 1417 -‬هـ ‪1997 -‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬تحقيق ‪ :‬أ‪ .‬د ‪ /‬يوس على طويل‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وكذلك اب قتيبة(‪276‬هـ) الذي وافق بشرا وأبا تمام في اهتمامهما بالحالة النفسدية‬
‫للشاعر عند عمل الشعر لكنه تناولها من عدة جوانب ‪:‬‬

‫الجانب األول ‪ :‬الحوافز الدافعة لقول الشعر‪ ،‬كالطمع والطدرب والغضدب والشدوق‬
‫وما يثير هذه الحوافز‪.‬‬

‫الجانب الثاني ‪ :‬العالقة بين الشاعر والزمن ‪ ،‬ألن بعدض األوقدات ذو تد ثير خداو‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫في المزاج الشعري‪ ،‬ك ول الليل عند تفشي الكري وصدر النهار قبل الغداء‬

‫الجانب الثالث ‪ :‬مراعداة الحالدة النفسدية فدي السدامعين ‪ ،‬وهندا علدل ابدن قتيبدة سدبب‬
‫بناء القصيدة العربية من استهالل بالبكاء وشدة الوجد وألم الفراق ‪ ،‬والشوق وفرط‬
‫الصبابة وذلك " ليميل نحوه القلوب‪ ،‬ويصرف إليه الوجوه‪ ،‬وليسدتدعي بده إصدغاء‬
‫األسما إليه ‪ّ ،‬‬
‫ألن التشبيب قريب من النفوس‪ ،‬الئ بدالقلوب‪ ،‬لمدا قدد جعدل ه فدى‬
‫(‪)2‬‬
‫النساء" ‪.‬‬ ‫تركيب العباد من محبّة الغزل‪ ،‬وإل‬

‫فدابن قتيبدة يبدرز أهدم المسددببات التدي قدد تحدرض وتحفددز الحالدة النفسدية علدى قدول‬
‫الشعر فدذكر ‪ ،‬الطدرب والشدوق والغضدب ‪ ،‬كمدا ذكدر أن الدنفس تميدل إلدى مدا تجدد‬
‫نفسها فيه وأن سبب استهالل القصائد العربية بالبكاء والفراق والشوق لما جعل ه‬
‫في قلوب العباد من المحبة ‪.‬‬

‫ويري د‪ .‬إحسان عبداس أن جدانبي الحدوافز النفسدية الدافعدة لقدول الشدعر‪ ،‬والعالقدة‬
‫بددين الش د اعر والددزمن لهمددا أثددر فددي التفدداوت بددين شددعر الشدداعر الواحددد ‪ ،‬فددبعض‬
‫الحاالت النفسية والجسدية كالغم وسوء التغذية تمنع من قول الشعر‪ ،‬ولكن الشداعر‬
‫قد يضطر إلى التغاضي عن الحالة الصالحة فيكون ما ينظمه حينئذ مختلفا متفاوتا‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر تاريخ النقد األدبي عند العرب‪ ،‬إلحسان عباس ( و‪.)99‬‬
‫(‪ )2‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة (و‪.)76‬‬

‫‪82‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫لذا فقد ذهب ابن قتيبة إلى التعليدل النفسدي فدي ذلدك ‪ ،‬ولعلده كدان أدق فهمدا للطبيعدة‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلنسانية ‪.‬‬

‫" فالشعرعند ابن قتيبدة ال ينبعدث مدن فدرا وال يصددر عدن تجريدد ‪ ،‬وإنمدا يصددر‬
‫عن نفس جياشة وعدامرة بشدتى المشداعر واألحاسديس وتعداني مدن القلدق والتدوتر‪،‬‬
‫وتتخذ موقعا معينا من الحياة يعبر عن رؤيتها الخاصة وما تحس به من آالم وآمال‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ونواز وتطلعات"‬

‫كما ييكد ابن قتيبة أن لغة الشعر هي لغة فنية يوظفهدا الشداعر مدن خدالل انفعاالتده‬
‫ومشاعره فيظهدر ذلدك فدي أسدلوبه وألفاظده وقيدل للشدنفري حدين أُسدر أنشدد فقدال ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫اإلنشاد على حال المسرة ‪.‬‬

‫إذن فددابن قتيبددة التفددت للحالددة النفسددية لدددي الشدداعر واهددتم بهددا ‪ ،‬إليماندده بد ن الددنفس‬
‫تكون مليئة بالمشداعر واألحاسديس عندد صدناعة الشدعر ‪ ،‬ومدا تهيد ت للصدناعة إال‬
‫وهناك دوافع خفيدة حرضدت الدنفس وتشدبعت بهدا لببددا ‪ .‬فالشدعر عندد ابدن قتيبدة‬
‫اليصدر من فرا بل من نفس مليئة بالمشاعر تعاني من القلق والتوتر فاتخذت من‬
‫الشعر وسيلة للتعبير عن رؤيتها الخاصة وعما تحس به من آالم وآمال وتطلعات ‪.‬‬

‫قدامة بشرا وابن قتيبة في أنده قصّدر حديثده كلده علدى الشدعر نفسده دون أن‬ ‫وخال‬
‫يلتفددت للشدداعر أو المتلقددي ‪ ،‬فلدديس هندداك أي حددديثا لدده عددن الحدداالت النفسددية لدددي‬
‫(‪)4‬‬
‫الشاعر كما فعل ابن قتيبة ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تاريخ النقد األدبي عند العرب‪ ،‬إلحسان عباس (و‪.)99‬‬
‫(‪ )2‬دراسات في النقد القديم‪ ،‬لعبدالفتا عثمان ( و‪.)115‬‬
‫(‪ )3‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة (و‪.)80‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬تاريخ النقد األدبي عند العرب‪ ،‬إلحسان عباس (و‪.)196‬‬

‫‪83‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫واإلبدا الشعري يصدر عن مبد يمتلدك موهبدة مميدزة ونفسدية مهيد ة تعينده علدى‬
‫االختالق واالبتكار أو تعيقه عن ذلك ‪.‬‬

‫فالشاعر ال يحاكي األشياء وال األشخاو إنما يتبع نفسده وهدواه فدي ابتكدار الجديدد‬
‫من األلفاظ والمعداني‪ ،‬لدذا نجدد مدن النقداد مدن جعدل الحالدة النفسدية لددي الشداعرمن‬
‫أوائدل اهتماماته"فاعتدددال مدزاج الشدداعر النفسدي وتددوفير وسدائل اإلمتددا البصددري‬
‫والسددمعي تحقددق لدده أكبددر قدددر مددن التهيددي المطلددوب لعمليددة اإلبدددا الفنددي‪ ،‬ولهددذا‬
‫االرتباط الوثيق بين اإلبدا والحاالت النفسية للشاعر قد تمر عليده أوقدات عصديبة‬
‫(‪)1‬‬
‫فيها عن اإلبدا " ‪.‬‬ ‫يتوق‬

‫ويوافق أبوهالل العسكري(‪395‬هـ) بشرا وأبا تمدام عندد وصديته للشداعر باالبتعداد‬
‫عن الملدل والضدجر وقدت عمدل الشدعر فجداء فدي وصديته ‪ " :‬فدإذا غشديك الفتدور‪،‬‬
‫وتخ ّونك المالل ف مسك ؛ ّ‬
‫فإن الكثير مع المالل قليل‪ ،‬والنفيس مع ال ّ‬
‫ضجر خسديس؛‬
‫والخدواطر كاليندابيع يسدقى منهدا شدىء بعدد شدىء‪ ،‬فتجدد حاجتدك مدن الد ّري‪ ،‬وتنددال‬
‫(‪)2‬‬
‫أربك من المنفعة‪ .‬فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها‪ ،‬وق ّل عنك غناؤها " ‪.‬‬

‫ف شارأبو هالل إلدى بعدض األمدور التدي تعيدق عمدل الشدعر وهدي الفتدور والتعدب ‪،‬‬
‫والملل والضجر‪ ،‬حتى أنه أوصى الشاعر أن يمسك عن العمل عند ذلك معلدال بد ن‬
‫الكثير من العمل وقت الملل يصبح قليال ‪ ،‬والثمين مع الضجر يكون خسيسا‪.‬‬

‫ثددم ش دبفه الخددواطر وك نهددا ينددابيع تعطددي شدديئا بعددد شددئ وتشددبع بددالري ‪ ،‬كالينددابيع‬
‫الصافية المتدفقة والتي تتدفق مياهها تارة تلو أخري حتى تروي حاجة من قصددها‬
‫ماؤها ويقل غناؤها‪.‬‬ ‫ولكن إن زاد عليها فقد يج‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬دراسات في النقد القديم‪ ،‬لعبدالفتا عثمان ( و‪.)119‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الصناعتين‪،،‬ألبي هالل العسكري (و‪)133‬‬

‫‪84‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وحين شبه أبو هالل الخواطر بالينابيع فقد أصاب‪ ،‬حيدث عبّدر عدن ذلدك بلغدة فنيدة‬
‫دقيقة قادرة على إيصال الفكدرة أو المعندى ‪ ،‬فصدفاء الينبدو وصدفاء مائده وتدفقده‪،‬‬
‫يصور صفاء الخاطر وجلو فكره فمتى كانت النفس صافية نطقدت بمعداني صدادقة‬
‫‪ ،‬ورو تسمو إلى العلو فتتددفق بمشداعر‬ ‫وميثرة‪ ،‬وبقلب محب‪ ،‬وإحساس مره‬
‫جياشددة تفدديض صدددقا وعذوبددة وتصددا فددي قالددب شددعري بددديع‪ ،‬بلغددة تيكددد سددمو‬
‫العاطفة وصدقها‪.‬‬

‫وكذلك وافق اب رشيق(‪463‬هيـ) وافدق مدن سدبقه مدن النقداد فدي أن الدنفس بحاجدة‬
‫إلى تهيئة نفسية خاصدة لعمدل الشدعر ‪ ،‬واستشدهد بقدول المزندي فدي ذلدك ‪ ":‬وقدال‬
‫بكربن عبد ه المزني‪ :‬ال تك ّدوا القلوب وال تهملوها‪ ،‬وخير الفكر ما كان في عقب‬
‫الحمام‪ ،‬ومن أكره بصره عشي‪ ،‬واشحذوا القلدوب بالدذاكرة وال تي سدوا مدن إصدابة‬
‫(‪)1‬‬
‫الحكمة إذا منحتم ببعض االستغالق‪ ،‬فإن من أدمن قر الباب وصل" ‪.‬‬

‫فينهى المزني عن تعب القلدوب وإجهادهدا ‪ ،‬وعدن إكدراه البصدر و إرهاقده حتدى ال‬
‫يفقده ‪ ،‬كما أوصى بشحذ القلوب بالذاكرة وعدم الي س ‪ ،‬فمن واصل الطرق وصل‪.‬‬

‫ويوافق اب أبي اإلصبع(‪640‬هـ) بشرا وأبا هالل العسكري في قوله‪ " :‬وال تعمدل‬
‫كالما وقت الضجر‪ ،‬فإن الكثير معه قليل‪ ،‬والنفيس معه‬ ‫نظما عند الملل‪ ،‬وال تيل‬
‫(‪)2‬‬
‫خسيس" ‪.‬‬

‫إذن يتكرر النهي عن عمدل الشدعر عندد الملدل والسد م ‪ ،‬وعندد الضدجر‪ ،‬ألن الكثيدر‬
‫معه يصبح قليال والنفيس الغالي يصير معه خسيسا ‪.‬‬

‫وجاء القرطاجني(‪684‬هيـ) ووافدق أبدا تمدام وأكدد علدى وصديته فدي الحالدة النفسدية‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (‪.)212/1‬‬
‫(‪ )2‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)19‬‬

‫‪85‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫عند عمل الشعر‪ ،‬كما دعا الشاعر إلى األخذ بها وأبرز ما جاء فيها من أمور تعدين‬
‫الشاعر على عمله فقدال ‪ " :‬إن النداظم إذا اعتمدد مدا أمدره بده أبدو تمدام مدن اختيدار‬
‫الوقت المساعد وإجمام الخاطر‪ ،‬والتعرض للبواعدث علدى قدول الشدعر والميدل مدع‬
‫مددال ‪ ،‬فحقيددق عليدده إذا قصددد الرويددة أن يحضددر مقصددده فددي خيالدده‬ ‫الخدداطر كي د‬
‫وذهنه المعاني التي هي عمدة له بالنسبة إلى غرضه ومقصده ويتخيلها تتبعا بالفكر‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫في عبارات بدد "‬

‫وحاصل كالمه أن ال شاعر متى أخذ بوصية أبي تمام واعتمدها عند نظم الشعر في‬
‫اختيار الوقت المناسب والمساعد للنظم‪ ،‬والميل مع الخداطر‪ ،‬فالشداعر المبدد يجدد‬
‫نفسدده متفدداعال ومت د ثرا بمددا يجددول فددي خدداطره ويعيندده علددى االخددتالق واالبتكددار‬
‫فيصددددو األلفدددداظ بلغددددة حسددددية معبددددرة تكددددون حصدددديلة لمددددزيج مددددن االنفعدددداالت‬
‫والصورالذهنية التي تفاعلت معها شخصية الشاعر‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫" و النفوس تس م التمادي على حال واحدة‪ ،‬وتيثر االنتقال من حال إلى حال" ‪.‬‬

‫كمددا أن القرطدداجني يددري أنهددا تسددتريح إلددى التجديددد والتنويددع و اإلفتنددان ‪ ،‬فينصددح‬
‫(‪)3‬‬
‫بتقسيم القصيدة إلى فصول مختلفة المناحي والمقاصد‪.‬‬

‫وك ن ه يدعو إلى عدم االستمرار في العمل على وتيرة واحددة بدل االنتقدال مدن حدال‬
‫إلددى حددال ‪ ،‬والتجديددد والتنويددع والتفددنن ‪ ،‬وقددد رأي د‪ .‬مصددطفى الجددوزو هددذا مددن‬
‫األساليب التي تحسن موقع الكالم من النفس ‪.‬‬

‫ووافق العالمة النُّواجي(‪859‬هـ) بشرا وأباهالل العسكري وابدن أبدي اإلصدبع فدي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬منهاج البلغاء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)204‬‬
‫(‪ )2‬نظريات الشعر عند العرب‪ ،‬للجوزو (‪.)176/2‬‬
‫(‪ )3‬انظر القرطاجني (و‪)295‬‬

‫‪86‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫عند الشعور بالملل فقال ‪" :‬‬ ‫العمل في الت لي‬ ‫وص اياه للشاعر عند تنبيهه إلى وق‬
‫وال يعمل نظم وال نثر عند الملل‪ ،‬فإن الكثير معه قليدل والخدواطر يندابيع‪ ،‬إذا رفدق‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫عليها ترحت"‬ ‫بها جمت‪ ،‬وإذا عن‬

‫وكددرر ذلددك فددي قولدده ‪ " :‬ومتددى عصددى الشددعر فاتركدده ‪ ،‬ومتددى طاوعددك فعدداوده ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم ييكد ذلدك بدذكره لدنص أبدي تمدام فدي قولده ‪ " :‬وإذا‬ ‫ورو الخاطر إذا ك فل "‬
‫(‪)3‬‬
‫عارضك الضجر فار نفسك وال تعمل إال وأنت فار القلب " ‪.‬‬

‫وكذلك استشهد بنص البن أبي اإلصبع فدي قولده ‪ " :‬وال تعمدل نظمدا وال نثدرا عندد‬
‫(‪)4‬‬
‫الملل فإن الكثير معه قليل والنفيس معه خسيس " ‪.‬‬

‫ف شار ك غيره ممن سبقه إلى عدم العمل وقت الملل ‪ ،‬فدالكثير معده قليدل ‪ ،‬كمدا شدبه‬
‫الخواطرك بي هالل العسكري بالينابيع التي إذا رفق واعتندي بهدا كثدرت وازهدرت‬
‫ومتى ُ‬
‫ش فد عليها قلت وتناقصت ‪.‬‬

‫فددنص النددواجي واستشددهاداته جميعهددا تنبدده إلددى تددرك عمددل الشددعر وقددت اإلحسدداس‬
‫بالملل والضجرألن العمل وقتئذ متكلفا غير محببا أو غير موجودا أصال ‪.‬‬

‫وفي المقابل هناك دعوة إلدى عمدل الشدعر وقدت النشداط والرغبدة فهدو الوقدت الدذي‬
‫يساعد الشاعر على النتاج المحمود ‪.‬‬

‫"فقد يكل خداطر الشداعر ويعصدي عليده الشدعر زماندا كمدا رُوي عدن الفدرزدق أنده‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي( و‪.)29‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه ( و‪.)30‬‬
‫(‪)3‬المصدرنفسه (و‪.)41‬‬
‫(‪)4‬المصدرنفسه (و‪.)43‬‬

‫‪87‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ي زمان وقلدع ضدرس مدن أضراسدي أهدون علدي مدن أن أقدول بيتدا‬
‫قال‪ :‬لقد يمر عل ف‬
‫(‪)1‬‬
‫واحدا وإذا كان كذلك ف تركه حتى ي تيك عفوا وينقاد إليك طوعا" ‪.‬‬

‫عدن‬ ‫وخالصة ماسبق إن كل اآلراء تدعو إلى نشاط الدنفس‪ ،‬وفدرا البدال والتوقد‬
‫عمل الشعر وقت الضجر والملل؛ ألن هذا يحصل جزما في الدنفس فمتدى ارتاحدت‬
‫الددنفس ‪ ،‬وصددفا الب دال تمددت االسددتجابة الفعليددة منهددا وفدداض نبددع الشددعر وتحركددت‬
‫وأخرجت جميل اإلحساس من داخلها إلدى رفيدع األلفداظ وسدمو المعداني‪.‬‬ ‫العواط‬
‫وروعة األثر‪.‬‬

‫وكرر األدباء الملل والضجر ألن فدي حدال وجودهمدا فدي الدنفس تقدل القددرة الفنيدة‬
‫على التخييل وتعجز عدن الخلدق أو التعبيدر فدي انفعداالت الشداعر وعواطفده لحالهدا‬
‫الذي تكون عليه فهي عندئذ أبعد ما تكون عن الشعر؛ ألنها مثقلدة بدالهموم متجسددة‬
‫بالملل والضجر‪.‬‬

‫مدددن ضدددروريات اإلبددددا‬ ‫إن االهتمدددام بالحالدددة النفسدددية لددددي الشددداعر أو الميلددد‬
‫وتنفر عن الغلديظ ‪،‬‬ ‫الشعري لديه ‪ ،‬وجميل األثر عند المتلقي ‪ .‬فالنفس تقبل اللطي‬
‫وجميع جوار البدن وحواسه تسكن إلى ما يوافقده وتنبدو عمدا يضداده‪ ،‬فلدذلك كدان‬
‫لزاما على الشاعر مراعاة النفس التي تخرج األلفاظ متجسدة المعاني ‪.‬‬

‫ويصاحب الحالة النفسية عند عمل الشعر وقت الشعر وقدد تناولده األدبداء وأوصدوا‬
‫به فيقول بشر في ذلك ‪ " :‬وعاوده عند نشاطك وفرا بالك ‪ ،‬فإنك ال تعدم اإلجابة‬
‫(‪)2‬‬
‫والمواتاة " ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)85‬‬
‫(‪ )2‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (و‪.)135‬‬

‫‪88‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فبشر(‪210‬هـ) يوصي من أراد عمل الشعر أن يختار الوقت المناسب ‪ ،‬ومنه وقت‬
‫النشاط وفرا البال وخلوه من أي شئ يشغله عن العمل ‪.‬‬

‫أما أبوتمام فقد اختار وقت العمل وحدده بقوله ‪ " :‬واعلم أن العادة في األوقات‪ ،‬إذا‬
‫شيء أو حفظه‪ ،‬أن يختار وقت السحر‪ ،‬وذلك أن النفس تكون‬ ‫قصد ا إلنسان لت لي‬
‫عنها ثقل الغذاء‪ ،‬وصفا مدن‬ ‫قد أخذت حظها من الراحة ‪ ،‬وقسطها من النوم‪ ،‬وخ‬
‫أكثددر األبخددرة واألدخنددة جسددم الهددوي‪ ،‬وسددكنت الغمدداغم‪ ،‬ورقددت النسددائم‪ ،‬وتغنددت‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحمائم "‬

‫واختددار أبددو تمددام وقددت السددحر‪ ،‬وبددين أن هدذا األمددر معددروف و معتدداد عليدده وهددو‬
‫س َحر‪ :‬آخر الليدل قُبَيْدل الصدبح‪ ،‬والجمدع‬
‫الوقت المختار والمفضل لدي الكثير‪ " ،‬وال ف‬
‫(‪)2‬‬
‫أَسدددحار‪ .‬وقيدددل‪ :‬هدددو مدددن ثلدددث اآلخدددر إلدددى طلدددو الفجدددر‪َ  ".‬وباألَ ْسددد َحار هُددد ْم‬
‫(‪)3‬‬
‫ُون ‪. ‬‬ ‫يَ ْستَ ْغفر َ‬

‫ثددم علددل اختصدداو هددذا الوقددت عددن غيددره ‪ ،‬بد ن الددنفس فيده قددد أخددذت حظهددا مددن‬
‫عنهددا ثقددل الغددداء وصددفا العقددل مددن األبخددرة‬ ‫الراحددة وقسددطها مددن النددوم ‪ ،‬وخ د‬
‫واألدخنة ‪ ،‬وذهب الغم وكدره ‪.‬‬

‫أبا تمام في تحديد الوقت فقال ‪ " :‬وللشعر أوقات يسدر‬ ‫وابن قتيبة(‪276‬هـ) خال‬
‫فيها أتيّه‪ ،‬ويسمح (فيها) أبيّه‪.‬‬

‫منها أ ّول الليل قبل تغ ّشى الكري‪ ،‬ومنها صدر النهار قبل الغداء‪ ،‬ومنها يدوم شدرب‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪،‬للنواجي (و‪.)39‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب ‪ ،‬مادة (سحر)‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة الذاريات ‪ ،‬اآلية‪.18 :‬‬

‫‪89‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الدواء‪ ،‬ومنها الخلوة فى الحبس والمسير"‬

‫فحدد ابن قتيبة األوقات التي يراها أكثر تركيزا وت مال وهي ‪ :‬أول الليل قبل حلدول‬
‫النعاس وصدر النهار قبل الغداء‪ ،‬والخلوة ‪.‬‬

‫ويقول أيضا‪ " :‬وللشعراء أوقات يبعد فيها قريبه ويستصدعب منهدا ريضده‪ ،‬وكدذلك‬
‫الكددالم المنثددور فددي الرسددائل والمقامددات والجوابددات وال نعددرف لددذلك علددة إالف مددن‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫عارض يعرض على الغريزة من سوء غذاء أو خاطر غم "‬

‫وابن رشيق(‪463‬هـ) وافق أبا تمام في وقت السحر فقال ‪ " :‬ليس يفدتح مقفدل بحدار‬
‫الخواطر مثل مباكرة العمل باألسحار عند الهبوب من النوم؛ لكون الدنفس مجتمعدة‬
‫لددم يتفددرق حسددها فددي أسددباب اللهددو أو المعيشددة أو غيددر ذلددك ممددا يعييهددا‪ ......‬وألن‬
‫السحر ألطد ‪ ،‬وأرق نسديما هدواء‪ ،‬وإنمدا لدم يكدن العشدي كالسدحر وهدو عديلده فدي‬
‫التوس د بددين طرفددي الليددل والنهددار لدددخول الظلمددة فيدده علددى الضددياء بضددد دخددول‬
‫الضددياء فددي السددحر علددى الظلمددة‪ ،‬وألن الددنفس فيدده كالددة مريضددة مددن تعددب النهددار‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫وتصرفها فيه‪ ،‬ومحتاجة إلى قوتها من النوم متشوقة نحوه "‬

‫إذن ف فرق ابن رشيق بين العشي والسحر‪.‬‬


‫(‪)4‬‬ ‫" والعشي إذا زالت ال ف‬
‫ي" ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫الوقت ال َعش ف‬ ‫ش ْمسُ ُدعي ذلك‬

‫ابن رشيق كل من رأي ب ن وقت السحر غير مناسب لعمل الشعر معلال‬ ‫كما خال‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬الشعر و الشعراء‪ ،‬البن قتيبة ( و‪.)82‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه (و‪.)16‬‬
‫(‪ )3‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)208‬‬
‫(‪ )4‬لسان العرب ‪ ،‬مادة (عشي)‬

‫‪90‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ذلك بقوله ‪ " :‬وإنما لم يكن العشي كالسحر وهو عديله في التوس بين طرفي الليل‬
‫والنهددار لدددخول الظلمددة فيدده علددى الضددياء بضددد دخددول الضددياء فددي السددحر علددى‬
‫الظلمة‪ ،‬وألن النفس فيه كالة مريضة من تعب النهار وتصرفها فيه‪ ،‬ومحتاجة إلدى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫قوتها من النوم متشوقة نحوه "‬

‫و يمر على الشاعر وقت ال يحالفه فيها حدظ إ ّمدا لبعدد األلفداظ أو لصدعوبة القدوافي‬
‫أومن سوء غذاء أو من خاطر مهموم ونقل ابن رشيق في كتابه قول الفدرزدق فدي‬
‫هذا ‪ ":‬تمر علي الساعة وقلع ضرس من أضراسي أهون علي من عمدل بيدت مدن‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشعر‪" :‬‬

‫وبهذا يكون الجانب النفسي متعلقا بالتهيي واالستعداد للنظم وتخير الوقدت المناسدب‬
‫فيكون المبد في أوج استعداده للعمل‪.‬‬

‫وإذا أريد الجمع بين قولي أبي تمام فدي قولده ‪ " :‬واعلدم أن العدادة فدي األوقدات‪ ،‬إذا‬
‫شيء أو حفظه‪ ،‬أن يختار وقت السحر " وبين قوله‪:‬‬ ‫قصد اإلنسان لت لي‬
‫(‪)3‬‬ ‫ف‬
‫المهذب في الد َجى ‪ ...‬والليل أسود رق َعة الجلبَاب‬ ‫ُخ ْذها ابنة الفكر‬

‫أو الحفدظ ‪ ،‬بينمدا جعدل الددجى‬ ‫يظهر لنا أن أبا تمام قدد خدصّ وقدت السدحر للتد لي‬
‫وهددو الليددل عامددة للتهددذيب والتنقدديح ‪ ،‬وقددد ذكددر هددذا فددي قولدده ‪ ( :‬الفكددر المهددذب )‬
‫ف شار إلى ما يدل على التهذيب ‪.‬‬

‫ووافق ابن رشيق في تفسيره لذلك رأي أبي تمام حين علدل ذلدك بقولده ‪ " :‬فالسدحر‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و ‪.)208‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪)205‬‬
‫(‪ )3‬ديوان أبي تمام(و‪.)29‬‬

‫‪91‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫أحسن لمن أراد أن يصدنع‪ ،‬وأمدا لمدن أراد الحفدظ والدراسدة ومدا أشدبه ذلدك بالليدل‪،‬‬
‫قدال ه تعددالى ‪ ،‬وهدو أصدددق القدائلين‪ " :‬إن ناشددئة الليدل هددي أشدد وطد وأقدوم قدديال‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهذا الكالم الذي ال مطعن فيه‪ ،‬وال اعتراض عليه "‬

‫ونقل ابن أبي اإلصبع(‪640‬هـ) قول أبي تمام وأيده حين خصّ الدجى لكون الليدل‬
‫تهدأ فيها األصوات‪ ،‬وتسكن الحركات ‪ ،‬فيكون الفكر فيه مجتمعا‪ ،‬والخاطر خاليا ‪،‬‬
‫عليهدا ثقدل‬ ‫وال سيم ا في وس الليل عندما ت خدذ الدنفس سدهمها مدن الراحدة‪ ،‬ويخد‬
‫الغذاء‪ ،‬فحينئذ يكون الذهن صحيحا‪ ،‬والصدر منشرحا‪ ،‬واختيداره وسد الليدل دون‬
‫السحر مع ما فيه من رقة الهواء‪،‬وخفة الغدذاء لمدا يكدون فدي السدحرمن انتبداه أكثدر‬
‫الحيدددوان النددداطق والبهددديم‪ ،‬وارتفدددا معظدددم األصدددوات ‪ ،‬وتقشدددع الظلمددداء بطالئدددع‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫األضواء‬

‫ففرق بين الدجى والسحر‪.‬‬

‫ووافق ابن أبي اإلصبع ابن رشيق في تفسيره اختالف الوقتين في وصية أبدي تمدام‬
‫وتناقضهما فقال ‪ ":‬فإن قيل‪ :‬الذي أوردته قبل هذه الوصية في بيت أبدي تمدام الدذي‬
‫هو‪ :‬خذها ابنة الفكر المهذب فدي الددجى " ومدا فسدرت بده الددجى واختيداره لوسد‬
‫الليل دون طرفيه ينداقض قولده فدي هدذه الوصدية‪ :‬واعلدم أن العدادة فدي األوقدات إذا‬
‫شدديء أو حفظدده‪ ،‬أن يختددار وقددت السددحر‪ ،‬قلددت‪ :‬المقصددد فددي‬ ‫قصددد اإلنسددان تد لي‬
‫البيت غير المقصد في الوصية‪ ،‬فإن المقصد في البيت التنقيح‪ ،‬وفي الوصية العمدل‬
‫والحفظ‪ ،‬والتنقيح يحتاج إلى خلو الخاطر وتدقيق النظدر‪ ،‬وغدوو الفكدر أكثدر مدن‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (و‪)208‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪)402‬‬

‫‪92‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫وقت الحفظ والعمل‪،‬وه أعلم" ‪.‬‬

‫وبددين ابددن أبدي اإلصددبع أن بسددبب هدددوء الليددل مددن األصددوات والحركددات ‪ ،‬يجتمددع‬
‫الفكر لذلك ‪ ،‬وتصقل مرآة التهذيب ‪ ،‬لخلو الخاطر وصفاء القريحة ‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫عنهددا‬ ‫ذلددك سددمات الددنفس فددي وسد الليددل ‪ :‬حيددث ت خددذ حقهددا مددن الراحددة ‪ ،‬ويخد‬
‫منبسددطا ‪،‬‬ ‫الغددذاء كمددا يصددح ذهنهددا ‪ ،‬ويصددير صدددرها منشددرحا ‪ ،‬وقلبهددا بالتد لي‬
‫وك نه ينشئ موازنة‬ ‫وذكر بعد ذلك أسباب تقديم وس الليل على السحر في الت لي‬
‫بينهما فبين أن السّحر فيه انتباه ألكثر الحيوان النداطق ‪ ،‬وارتفدا معظدم األصدوات‬
‫وجرس الحركات ‪ ،‬ودخول النور على الظالم ‪ ،‬وبسبب هدذا ينقسدم الفكدر وينشدغل‬
‫القلب ‪.‬‬

‫وكذلك النواجي أيد أبا تمام في اختياره وقت الدجى للتهذيب ‪ ،‬وقال ‪:‬‬

‫وأجاد أبو تمام حين أشار إليه بقوله ‪:‬‬


‫(‪)2‬‬ ‫ف‬
‫المهذب في الد َجى ‪ ...‬والليل أسود رق َعة الجلبَاب‬ ‫ُخ ْذها ابنة الفكر‬

‫وقد علل ذلك بنفس تعليل ابن أبي اإلصبع الذي سبقه إليه ‪.‬‬

‫كمددا وافددق النددواجي أبددا تمددام فددي تفضدديله لوس د الليددل عددن ال ف‬
‫سددحر مبددررا بقولدده "‬
‫ووس الليل خال مما ذكرناه " كمدا بدين أن أبدا تمدام خدصّ تهدذيب الفكدر بالددجى ‪،‬‬
‫"عادال عن الطرفين ؛ لما فيهما من الشواغل المذكورة " ‪.‬‬

‫وأكمل النواجي وصية أبي تمام ‪ ،‬والتي ذكر فيها أبو تمام اختياره لوقت السحر في‬
‫شديء‬ ‫والحفظ فقال ‪" :‬واعلم أن العادة في األوقات إذا قصد اإلنسان ت لي‬ ‫الت لي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (و‪.)411‬‬
‫(‪ )2‬ديوان أبي تمام(و‪.)29‬‬

‫‪93‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫أوحفظه‪ ،‬أن يختار وقت السحر"‬

‫وخالصة مدا سدبق أن الشداعر كمدا أنده بحاجدة إلدى تهيئدة لحالتده النفسدية عندد عمدل‬
‫الشعر فهو بحاجة أيضا ‪ ،‬إلى الوقت المناسب عند العمدل ‪ ،‬كمدا ف‬
‫أن هنداك مدن ذكدر‬
‫وقتا محددا كالسحر وأول الليل وصدر النهار ‪ ،‬ومن النقاد من لم يحدد الوقت وإنما‬
‫ربطه بالحالة النفسية فمتى كان نشاط النفس وفرا البال وخلوه مدن أي شدغل كدان‬
‫الوقت مناسبا لعمل الشعر ‪.‬‬

‫وبعد االستعداد النفسي والزمني للشداعر وصدلنا إلدى محدور وجدوهر القضدية وهدو‬
‫عمل الشعر وصنعته ‪.‬‬

‫فصيينعة الشييعر أو عمنييه قضددية عرفددت منددذ القدددم ‪ ،‬بددل ُعددرف الشددعراء بصدديت‬
‫أشعارهم‪.‬‬

‫" وللشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم كسائر أصناف العلم ‪ ،‬والصناعات منها‬
‫ما تثقفه العين‪ ،‬ومنها ما تثقفه األذن‪ ،‬منها ما تثقفه اليد ‪ ،‬منها مدا يثقفده اللسدان‪ ،‬مدن‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ذلك الليلي والياقوت ال يُعرف بصفة وال وزن دون المعاينة ممن يبصره "‬

‫وتنبه بش ٌر بي المعتمير(‪210‬هيـ) إلدى الدنظم ‪ ،‬وتفدنن بوصديته فدي أصدول البالغدة‬


‫والتي حوت أصوال في نظم الكالم ‪ ،‬وغرست في نفوس النقاد من بعده أثدرا عميقدا‬
‫أمثال الجاحظ وابن قتيبة وغيرهم ‪ .‬فكان بشر أول من اهتم بصناعة الشعر فقال‪:‬‬

‫"وإيدداك والتددو ّعر‪ ،‬فددإن التددوعر يسددلمك إلددى التعقيددد‪ ،‬والتعقيددد هددو الددذي يسددتهلك‬
‫معانيددك‪ ،‬ويشددين ألفاظددك‪ ......... .‬إلددى قولدده أن يكددون لفظددك رشدديقا عددذبا‪ ،‬وفخمددا‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪)84 :‬‬
‫(‪ )2‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (ج‪ ،1‬و ‪.)117‬‬

‫‪94‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫سهال‪ ،‬ويكون معنداك ظداهرا مكشدوفا‪ ،‬وقريبدا معروفدا‪ ،‬أمدا عندد الخاصدة إن كندت‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫للخاصة قصدت‪ ،‬وإما عند العامة إن كنت للعامة أردت"‬

‫فحذر من التشدد في عمل الشعر؛ألنه ييدي إلى التعقيد فدي األلفداظ معلدال أثدر ذلدك‬
‫التعقيددد والغمددوض فيدده مددن اسددتنفاد للمعدداني وتشددويه لأللفدداظ ‪ ،‬ثددم أبددان عددن صددفة‬
‫اللفظ والمعنى في عمل الشعر‪ ،‬ب ن يكون اللفظ رشديقا عدذبا وسدهال فخمدا والمعندى‬
‫واضحا مكشوفا وقريبدا معروفدا‪ .‬وال ينسدى بشدر تنبيده الشداعر إلدى مراعداة الحدال‬
‫حددين قددال لدده ‪ :‬أمددا عنددد الخاصددة إن كنددت للخاصددة قصدددت ‪ ..‬فكمددا نبدده بشددر ففددي‬
‫المقابددل دعددا الشدداعر أن ينددو فددي أسددلوبه علددى اخددتالف مسددتويات مددن يخدداطبهم‪.‬‬
‫فالعامة مثال يتباسد فدي أسدلوبه معهدم ويجعلده سدهال سلسدا ‪ ،‬وأمدا الخاصدة فيجدب‬
‫على الشاعر أن يغير من أسلوبه معهم ‪.‬‬

‫وقد كان لبشر فضل في إثارة قضية عمل الشعر؛ حيث ت مل طبيعدة اإلبددا فدرأي‬
‫أن األديب قد يكون مطبوعا يمتلك زمام المعاني ‪ ،‬ويسيطر على األلفداظ ‪ ،‬ويدتحكم‬
‫(‪)2‬‬
‫في األسلوب‪.‬‬

‫إذن فهو قد جعل الطبع أساسا يرجع إليه الشداعر أو األديدب ؛ ألنده بده يمتلدك مقدود‬
‫المعاني ‪ ،‬وتحريك األلفاظ ‪ ،‬والتحكم في األسلوب ‪.‬‬

‫ويوجه أبو تمام البحتري في وصيته لده إلدى الطريقدة الصدحيحة فدي صدنعة الشدعر‬
‫تغن بالشعر؛ فإن الغنداء مضدماره ‪ ،‬الدذي يجدري‬ ‫قائال‪ " :‬وإذا شرعت في الت لي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫فيه ‪ ،‬واجتهد في إيضا معانيه "‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ(‪.)129/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬دراسات في النقدالعربي القديم‪ ،‬لعبد الفتا عثمان(و‪.)81‬‬
‫(‪ )3‬زهر اآلداب وثمر األلباب‪ ،‬للقيرواني (‪.)153/1‬‬

‫‪95‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ف وصى أبوتمام الشاعر حين يبددأ بعمدل الشدعر أن يتغنّدى ويتدرنم بده ؛ ظندا منده أن‬
‫ذلددك يسدداعده علددى قددول الشددعر واستحضددار ألفاظدده ومعانيدده ‪ ،‬باإلضددافة إلددى أن‬
‫الشاعر حين يسمع القصديدة بصدوته أكثدر مدن مدرة قدد تتبدين لده أخطداء فيصدححها‬
‫ويقومها‪.‬‬

‫" وإن أردت التشددبيب فاجعددل اللفددظ رشدديقا‪ ،‬والمعنددى رقيقددا‪ ،‬وأكثددر فيدده مددن بيددان‬
‫الصّبابة‪ ،‬وتوجّع الك بة‪ ،‬وقلق األشواق‪ ،‬ولوعة الفراق‪ ،‬فدإذا أخدذت فدي مدديح سديّد‬
‫ذي أياد ف شهر مناقبه‪ ،‬وأظهر مناسبه‪،‬وابن معالمه‪ ،‬وشرف مقامه‪ ،‬ونض ّد المعانى‬
‫‪ ،‬واحددذر المجهددول منهددا‪ ،‬وإيّدداك أن تشددين شددعرك باأللفدداظ الرديئددة‪ ،‬ولددتكن ك نددك‬
‫خيّاط يقطع الثياب على مقدادير األجسداد‪ .‬وإذا عارضدك الضدجر فد ر نفسدك‪ ،‬وال‬
‫تعمل شعرك ّإال وأنت فار القلب‪ ،‬واجعل شهوتك لقول الشعر ّ‬
‫الذريعة إلدى حسدن‬
‫مدن شدعر‬ ‫نظمه؛ فإن الشهوة نعم المعين‪ .‬وجملة الحدال أن تعتبدر شدعرك بمدا سدل‬
‫(‪)1‬‬
‫الماضين‪ ،‬فما استحسن العلماء فاقصده‪ ،‬وما تركوه فاجتنبه‪ ،‬ترشد إن شاء ه" ‪.‬‬

‫وتضمنت الوصية توجيهات ذهبية ‪ ،‬هي في األصل لكل شداعر‪ ،‬وليسدت للبحتدري‬
‫فق ؛ لما فيها من نصائح ووصايا قيمة تتناول أمورا جوهرية لببدا الصحيح‪.‬‬

‫ففصّل أبوتمام للبحتري عمل الشعر في عدد من فنونه‪ ،‬فبددأ بالتشدبيب موصديا مدن‬
‫أراد التشددبيب فعليدده باأللفدداظ الرشدديقة والمعدداني الرقيقددة ‪،‬ألن المقددام يناسددبه خفددة‬
‫األلفاظ ‪ ،‬ورقة المعاني ‪ ،‬والكثدرة مدن إظهدار اللوعدة والشدوق والفدراق ‪ ،‬وأوصدى‬
‫عنددد مددديح سدديد مشددهور فعليدده بددإبراز مناقبدده وصددفاته ‪ ،‬وشددرف مقامدده ‪ ،‬وتنضدديد‬
‫معانيه وتنسيقها والحذر من مجهولها‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫كما ينبه أبو تمام من األلفاظ الرديئة والسيئة التي قد تسئ إلى الشعر ‪ ،‬ولكي يقرب‬
‫المعنى للبحتري شبه أبو تمدام صدانع الشدعر بالخيداط الدذي يقطدع الثيداب علدى قددر‬
‫األجسددام ‪ ،‬فالشدداعريجب عليدده مالءمددة األلفدداظ لمعانيهددا ‪ ،‬فمددثال ألفدداظ المددد ال‬
‫تناسب ألفاظ الهجاء والعكس صحيح ثم يحدذر مدن العمدل وقدت الضدجر ‪ ،‬وهدذا قدد‬
‫تعرضنا له في الوقت المناسب لعمل الشعر ‪ ،‬ثم يوصي ب ن يجعدل الشداعر رغبتده‬
‫في عمل الشعر هي التي تحركه فهي خير معينا له ‪.‬‬

‫مدن شدعر الماضدين فمدا استحسدنه‬ ‫وختام وصيته أن يجعل الشاعر شعره بمدا سدل‬
‫العلماء خذ به وما تجنبوه اجتنبه ‪.‬‬

‫وصدداحب الطبددع الجدداحظ والددذي وافددق بدده بشددرا وع د ّول عليدده قددائال ‪ " :‬وكددل شددئ‬
‫للعرب فإنما هو بديهة وارتجدال وك نده إلهدام ‪ ،‬ولديس هنداك مكابددة وال إجالدة فكدر‬
‫وال اسددتعانة ‪ .......‬إلددى آخددر كالمدده فت تيدده المعدداني أرسدداال وتنثددال عليدده األلفدداظ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫انثياال"‬

‫فهددو ي دري أن‬ ‫وواجدده الجيياحظ(‪255‬هييـ) نقدددا فددي رأيدده هددذا مددن د‪.‬شددوقي ضددي‬
‫الموهبة العربية والطبع العربدي ليدرد علدى الشدعوبية‪ ،‬فدإذا‬ ‫الجاحظ بال في وص‬
‫العددرب يقولددون بديهددة وارتجدداال علددى خددالف غيددرهم مددن الشددعوب فددإنهم يقولددون‬
‫متكلفين ‪ ،‬ويظن أن الجاحظ لم يكن جادا حين رأي هذا الرأي ‪ ،‬وإنما هدفه تفضديل‬
‫أن الجاحظ قد أورد قوال يثبدت فيده‬ ‫العرب على غيرهم ‪ ،‬كما زعم د‪.‬شوقي ضي‬
‫صعوبة العرب في القول ‪ ،‬وبخاصة في صنع الشعر؛ فالجاحظ يقول‪:‬‬

‫" من شعراء العرب من كدان يدد القصديدة تمكدث عندده حدوال كريتدا كدامال وزمندا‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ(‪. )8/1‬‬

‫‪97‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫طويال يردد فيها نظره ويحيل فيها عقله " ‪.‬‬

‫؛ فدالعرب‬ ‫وجهات النظر أو تقترب ‪ ،‬وتعقيبا على رأي د‪.‬شوقي ضي‬ ‫وقد تختل‬
‫فددي التدداريخ العربددي منددذ العصددر الجدداهلي وعقددولهم وقلددوبهم قددد انشددغلت بالشددعر‬
‫ونظمه وقوله‪ ،‬بل واشتعلت قريحتهم به ‪ ،‬وكان همهم الدائم وشغلهم الشاغل‪ ،‬وعند‬
‫بعضهم كان نظم الشعر وإنشاده مهندة يمتهنونهدا للتكسدب منهدا ‪ ،‬وهدذا ال يعندي أن‬
‫كل عربي بإمكانه ص نعة الشعر ونظمه دون أي صعوبة ‪ ،‬وقد يكون كالم د‪.‬شوقي‬
‫قد جانب شيئا من الصدحة فدي مبالغدة الجداحظ ‪ ،‬أمدا اسدتدالله علدى صدعوبة‬ ‫ضي‬
‫العرب في القول بما كتبه الجاحظ في كتابه " وهناك من كان يد القصديدة تمكدث‬
‫عندده حددوال كريتدا كددامال وزمندا طددويال يددردد فيهدا نظددره " فيبددو أن الدددليل الددذي‬
‫استدل به إنما دل على شدة حرو العرب ودقة عملهم في إخراج قصائدهم حيدث‬
‫كددانوا ال يدددعون القصدديدة إال بعددد تهددذيبها وتنقيحهددا حددوال كددامال ‪ ،‬و ال يدددل علددى‬
‫صعوبة القول لديهم ‪ ،‬أو عدم تمكنهم من ذلك ‪ .‬وه أعلم‬

‫وذكر الجاحظ في صناعة الشعر قوله ‪ " :‬والمعاني مطروحدة فدي الطريدق يعرفهدا‬
‫(‪)2‬‬
‫العجم ّي والعرب ّي ‪. ".......‬‬

‫فالمعاني عند الجاحظ مبسوطة وممتدة‪ ،‬بل هي في متناول الجميع أيَا كاندت هويتده‬
‫العربددي والعجمددي والقددروي والبدددوي والمدددني ‪ ،‬فلدديس األمددر عنددد الجدداحظ فددي‬
‫المعن دى ‪ ،‬وإنمددا يددري أن األمددر محصددور فددي األلفدداظ وتخيرهددا ‪ ،‬وإقامددة الددوزن‬
‫الصددحيح فيهددا وسددهولة مخرجهددا وأضدداف إليهددا صددحة الطبددع وجددودة السددبك ‪ ،‬ثددم‬
‫أردف قددائال ‪ :‬الشددعر صددناعة وضددرب مددن النسددج وجددنس مددن التصددوير‪ .‬ونَ َسددج‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (‪.)8/2‬‬
‫(‪ )2‬الحيوان ‪ ،‬للجاحظ (‪.)67/3‬‬

‫‪98‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫الشاع ُر ال ِّش ْعر‪ :‬نَظَ َمه" ‪.‬‬

‫الكدالم‬ ‫فوضح الجاحظ أن صناعة الشعر هي صناعة فنية متميدزة ‪ ،‬تتصدل بتد لي‬
‫وصياغته صياغة جميلة ميثرة للتعبير عن الفكرة ‪ ،‬كما ربطهدا بالصدناعات الفنيدة‬
‫(‪)2‬‬
‫الجميلة ؛ ألنها قرينة النسج والتصوير‪.‬‬

‫وللشعر أسلوب خاو في صدياغة األفكدار أو المعداني‪ ،‬يقدوم علدى إثدارة االنفعدال‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫من المواق‬ ‫واستمالة المتلقي إلى موق‬

‫عن بشر و الجاحظ في أنه لم يُبد رأيده فدي صدناعة‬ ‫أما اب قتيبة(‪276‬هـ) فاختل‬
‫الشعر وإنما أبدي حكمه على من يعمل الشعر ‪ ،‬فهو ال ينظر إلى المتق ّدم منهم بعدين‬
‫الجاللة لتقدمه‪ ،‬وإلى المت ّخر منهم بعين االحتقار لت ّخره‪ .‬بل ينظر بعين العدل بدين‬
‫الفريقين‪ ،‬ويعطى كال حظّه‪ ،‬ثم أشار إلدى أن هنداك مدن العلمداء مدن اسدتجاد الشدعر‬
‫السدخي لتقد ّدم قائلده‪ ،‬ووضدعه فدي متخيّدره‪ ،‬وأرذل الشدعر الرصدين‪ ،‬وال عيدب لده‬
‫عنده ّإال أنّه قيل فى زمانه‪ ،‬أورأي قائله‪.‬‬

‫وبيّن أن ه لم يقصر العلدم والشدعر والبالغدة علدى زمدن دون زمدن‪ ،‬وال خدصّ بده‬
‫قوما دون قوم‪ ،‬بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده ‪ ،‬وجعل ك ّل قديم حديثا فى‬
‫عصره‪.‬‬

‫وك ّل من أتى بحسن من قول أو فعل ذكرناه له ‪ ،‬وأثنينا به عليده‪ ،‬ولدم يضدعه عنددنا‬
‫ت د ّخر قائلدده أو فاعلدده‪ ،‬وال حداثددة س دنّه‪ .‬كمددا ّ‬
‫أن ال د ّرديء إذا ورد علينددا للمتق د ّدم أو‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬مادة (نسج )‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬دراسات في النقد العربي القديم‪ ،‬لعبد الفتا عثمان ( و‪.)92‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬الصور الفنية في التراث النقدي والبالغي عندالعرب (و‪ ،)257‬جابر عصفور‪ ،‬المركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬ط‪1995/1/1/3‬م‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫لم يرفعه عندنا شرف صاحبه وال تق ّدمه ‪.‬‬ ‫الشري‬

‫وابن قتيبة يري أن الشعر عنده لغة فنية يوظفهدا الشداعر نفسده مدن خدالل مشداعره‬
‫وانفعاالته ؛ فالشعر ال ينبعث من فرا عنده ‪.‬‬

‫فاألصددل فددي الحكددم صددال العمددل وحسددنه ‪ ،‬ورصددانة معانيدده ولفظدده ‪ ،‬مهمددا يكددن‬
‫صدداحبه ‪ ،‬وربمددا نددذكر قددول الجدداحظ حددين قددال‪ " :‬المعدداني مطروحددة فددي الطريددق‬
‫يعرفها العجم ّي والعرب ّي‪ ،‬والبدو ّ‬
‫ي والقروي‪ ،‬والمدن ّي‪ ،‬إذن أساس األمر كلده علدى‬
‫(‪)2‬‬
‫العمل وجودته " ‪.‬‬

‫ومن األدباء من أوصى في صناعة الشعر بوصدايا قدد تكدون أصدوال تعدين الشداعر‬
‫المبتددئ علدى المعرفدة بصدنعة الشدعر‪ ،‬كوصدية أبدي تمدام للبحتدري وهدا هدو ابي‬
‫طباطبا(‪322‬هـ) ينصح الشاعر الدذي يُ ْقددم علدى صدناعة الشدعر بقولده ‪ " :‬إذا أراد‬
‫َض المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه في فكره نثرا‪ ،‬وأع فد‬
‫الشاعر بناء قصيدة مخ َ‬
‫له ما يلبسه إياه من األلفاظ التي تطابقه‪ ،‬والقوافي التي توافقه‪ ،‬والدوزن الدذي سدلس‬
‫له القول عليه‪ ،‬فإذا اتفق له بيت يُشاكل المعنى الذي يرومده أثبتده وأعمدل فكدره فدي‬
‫شغل القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفندون القدول‬
‫فيه ‪ ،‬بل يعلق كل بيت يتفق له نظمه على تفاوت ما بينه وبدين مدا قبلده‪ ،‬فدإذا كملدت‬
‫له المعاني‪ ،‬وكثرت األبيات‪ ،‬وفق بينها ب بيات تكون نظامدا لهدا‪ ،‬وسدلكا جامعدا لمدا‬
‫تشتت منها‪ .‬ثم يت مل ما قد أداه إليه طبعه‪ ،‬ونتجتده فكرتده فيستقصدي انتقداده‪ ،‬ويد ُر فم‬
‫(‪)3‬‬
‫ما وهى منه‪ ،‬ويبدل بكل لفظة مستكره عة لفظه سهلة نقية‪".‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الشعر والشعر‪ ،‬البن قتيبة ( و‪.)64‬‬
‫(‪ )2‬الحيوان‪ ،‬للجاحظ (‪.)67/3‬‬
‫(‪ )3‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)7‬‬

‫‪100‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فتميز ابن طباطبا بدقة وصيته في عمدل الشدعر‪ ،‬فبددأها باستحضدار المعداني أوال‬
‫في فكره نثرا ثم يُعد األلفاظ التي تطابق تلك المعاني والقوافي التي توافقده والدوزن‬
‫الذي يناسبه ‪ ،‬ثم ي تي باألبيات التي تعبر عدن المعداني‪ ،‬واإلبددا فيهدا دون ترتيدب‬
‫أو تنسيق وعلى أبيات متفرقة ‪ ،‬ثم ترتب األبيدات بمدا يتناسدب مدع بعضدها منتظمدة‬
‫والتهدذيب ‪ ،‬فيبددل فدي األلفداظ‬ ‫ومنسقة ‪ ،‬وآخر مرحلة هي مرحلة التنقيح والتثقيد‬
‫واألبيات بما يراه مناسبا في نظره ووفقا لمهارته ‪.‬‬

‫ابن طباطبا عمل الشاعر للشعر وصفا دقيقا منظما ‪ ،‬وقد ذكرنا في مبحدث‬ ‫فوص‬
‫ثقافة الشاعر األدوات التي ذكرها ابن طباطبا للشاعر وتهيئته عقليدا وفكريدا للعمدل‬
‫إيمانددا مندده بالصددلة الوطيدددة التددي بددين ثقافددة الشدداعر وعملدده للشددعر؛ فالشدداعر حددين‬
‫يمتلك أدوات الصنعة وطريقتها استطا الصناعة واإلجادة ‪.‬‬

‫" فالشعر ال يفديض كمدا يفديض المداء مدن النبدع ‪ ،‬وإنمدا هدو عمدل عقلدي وشدعوري‬
‫يتطلددب قدددرا عظيمددا مددن المعرفددة المتنوعددة التددي تصددقل موهبددة الشدداعر وتثددري‬
‫(‪)1‬‬
‫وجدانه " ‪.‬‬

‫والشاعر عند ابن طباطبدا تدارة يكدون كالنسداج الحداذق ‪ ،‬وتدارة كالنقداش الرقيدق‬
‫الذي "يضع ا ألصبا في أحسن تقاسيم نقشه‪ ،‬ويشبع كل صب منها حتى يتضاع‬
‫بددين النفديس الرائددق وال يشددين‬ ‫حسدنه فددي العيددان‪ ،‬وتدارة هددو كندداظم الجدوهر ييلد‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫عقوده برو الجواهر المتفاوتة نظما وتنسيقا‬

‫فشبه ابن طباطبدا الشداعر بتشدبيهات رائعدة فتدارة كالنسداج الدذي ينسدج بدقدة‬
‫ومهددارة ويختددا ر أجمددل الخامددات وأحسددنها ‪ ،‬والشدداعر ينتقددي األلفدداظ ويبددد فددي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬دراسات في النقدالعربي القديم‪ ،‬لعبد الفتا عثمان (و‪.)152‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا(و‪)8‬‬

‫‪101‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫تحويرها ويتفنن في ربطها بالمعاني المناسبة لها ‪ ،‬وتدارة هدو كالنقداش الدذي يضدع‬
‫األلوان في أجمل وأحسن نقش ‪ ،‬وتارة كالناظم الذي يجمع بين الجواهر النفيسة ثدم‬
‫ينظمها نظما متناسقا وجميال ‪.‬وهدو يجمدع بدين األلفداظ والمعداني المتناسدقة بعضدها‬
‫مع بعض ثم ينظمها في نثر أو نظم جميل ينم عن إبدا وفن ‪.‬‬

‫وشارك قدامدة(‪337‬هدـ) فدي صدناعة الشدعر بقولده ‪ " :‬ولمدا كاندت للشدعر صدناعة‪،‬‬
‫وكددان الغددرض فددي كددل صددناعة إجددراء مددا يصددنع ويعمددل بهددا علددى غايددة التجويددد‬
‫ويصددنع علددى سددبيل الصددناعات والمهددن‪ ،‬فلدده‬ ‫والكمددال‪ ،‬فقددد كددان جميددع مددا ييل د‬
‫(‪)1‬‬
‫طرفان‪ :‬أحدهما غاية الجودة ‪ ،‬واآلخر غاية الرداءة " ‪.‬‬

‫فقدامة اشترط المهارة الحرفية التي تصل غاية الجودة ‪ ،‬وال قيمة للمعنى في ذاته ؛‬
‫ألنه مادة قابلة للتشكيل ‪ ،‬وهذه المادة تتبدي من خالل روعة تشكيلها ومهارة الفنان‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫في صياغتها‬

‫يشاء ‪ ،‬وبما يوافق حسه وذوقه‬ ‫وجعل ال معاني بين يدي الشاعر يتصرف فيها كي‬
‫‪،‬فال يحظر عليه شيئا من المعاني ‪ ،‬وأكدد ذلدك بقولده ‪ " :‬إن المعداني كلهدا معرضدة‬
‫للشاعر‪ ،‬وله أن يتكلم منها‪ ،‬فيما أحب وآثر‪ ،‬مدن غيدر أن يحظدر عليده معندى يدروم‬
‫الكالم فيه‪ ،‬إذ كانت المعاني بمنزلة المادة الموضوعة‪ ،‬والشعر فيها كالصورة‪ ،‬كما‬
‫يوجد في كل صناعة من أنه ال بد فيها من شيء موضو يقبل ت ثير الصور منهدا‪،‬‬
‫بشدرا وابدن‬ ‫مثل الخشب للنجارة‪ ،‬والفضة للصياغة" فوافدق الجداحظ بدذلك وخدال‬
‫طباطبا ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬نقد الشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر( و‪.)3‬‬
‫(‪ )2‬دراسات في النقد العربي القديم‪ ،‬لعبد الفتا عثمان ( و‪.)115‬‬

‫‪102‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وك د ن أبددا هددالل(‪395‬هددـ) يعيددد صددياغة صددناعة الشددعر عنددد ابددن طباطبددا بطريقددة‬
‫أخري فيوافقه بذلك في قوله ‪ " :‬وإذا أردت أن تعمدل شدعرا ف حضدر المعدانى التدى‬
‫تريد نظمها فكرك‪ ،‬وأخطرها على قلبك‪ ،‬واطلب لها وزنا يت تّى فيه إيرادها وقافية‬
‫يحتملها؛ فمن المعانى ما تتم ّكن من نظمده فدى قافيدة وال تدتم ّكن منده فدى أخدري‪ ،‬أو‬
‫تكون فى هذه أقرب طريقا وأيسدر كلفدة منده فدى تلدك؛ وألن تعلدوالكالم فت خدذه مدن‬
‫فددوق فيجددىء سلسددا سددهال ذا طددالوة ورونددق خيددر مددن أن يعلددوك فيجددىء كد ّزا ف ّجددا‬
‫(‪)1‬‬
‫ومتجعدا جلفا "‬

‫فبدددأ وصدديته للشدداعر باستحضددار المعدداني التددي يريددد نظمهددا ‪ ،‬ثددم ي د تي لهددا بددوزن‬
‫وقافية تشاكلها ‪ ،‬وبيّن أن هناك من المعاني ما يكون نظمه ممكنا وميسدرا ‪ ،‬ومدا ال‬
‫يستطيع الشاعر التمكن منها ‪.‬‬

‫ويبدو أن صنعة الشعر تتبلدور حسدب صدانعها ؛ فالشداعر كالرسدام الدذي يبدد فدي‬
‫لوحته فيحدث بها ت ثيرا خاصا في نفوس من حوله من خالل إبداعاته فيها ‪ ،‬وليس‬
‫كل عمل يترك أثرا ‪ ،‬والشاعر يحول قلمه إلى ريشة فندان ‪ ،‬وحروفده وكلماتده إلدى‬
‫ألوان تعكس جميل الصور وعظيم األثر فيمن حوله ‪.‬‬

‫وخصّ اب رشيق(‪463‬هـ) بابا في كتابه س ّماه بـ " عمل الشعر وشحذ القريحة لده‬
‫‪ " ،‬وقد أورد في هذا الباب وصدية لبشدر بدن المعتمدر فدي صدحيفته ‪ ،‬ووصدية أبدي‬
‫تمام للبحتدري ‪ ،‬وإيدراده لدذلك دلديال علدى فهمده للصدحيفة وسدعة اطالعده ‪ ،‬وكدذلك‬
‫وصية أبي تمام فقد تضمنت على نصائح وتوجيهات خاصة بعمل الشدعر فوافقهمدا‬
‫بت ييددده لهمددا ‪ ،‬ووافددق الجدداحظ حددين عد ّول علددى الطبددع ‪ .‬ووافددق ابددن قتيبددة فددي أن‬
‫الشعر على حسب تركيبه وطبعه ‪.‬‬ ‫الشاعر هو من يوظ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪(،‬و‪.)139‬‬

‫‪103‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وابن رشيق ممن أولى قضدية عمدل الشدعر أهميدة كبيدرة ‪ ،‬وقدد ذكدر فدي بابده عمدل‬
‫الشدعر " أن للندداس ضددروبا مختلفددة يسددتدعون بهددا الشددعر‪ ،‬فتشددحذ القددرائح ‪ ،‬وتنبدده‬
‫الخددواطر‪ ،‬وتلددين عريكددة الكددالم‪ ،‬وتسددهل طريددق المعنددى‪ :‬كددل امددرئ علددى تركيددب‬
‫(‪)1‬‬
‫طبعه‪ ،‬واطراد عادته "‬

‫ف شاد ب ن للشعر بواعث تشحذ به القرائن ‪ ،‬وتنبده بهدا الخدواطر‪ ،‬وتسدهل الكدالم ‪،‬‬
‫وتجعله لينا ‪.‬‬

‫كما استشهد بقول بكر بن النطا الحنفي الذي نقله في كتابه ‪:‬‬

‫" الشعر مثل عين الماء‪ :‬إن تركتها اندفنت‪ ،‬وإن استهتنتها هتنت‪ ،‬وليس مراد بكدر‬
‫أن تسدتهتن بالعمدل وحددده؛ ألندا نجددد الشداعر تكدل قريحتدده مدع كثددرة العمدل مددرارا‪،‬‬
‫وتنزف مادته‪ ،‬وتنفد معانيده‪ ،‬فدإذا أجدم طبعده أيامدا وربمدا زماندا طدويال ‪ ،‬ثدم صدنع‬
‫الشعر جاء بكل آبدة‪ ،‬وانهمر في كل قافية شاردة‪ ،‬وانفتح لده مدن المعداني واأللفداظ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ما لو رامه من قبل الستغلق عليه‪ ،‬وأبهم دونه "‬

‫وفسر ابن رشيق قول بكدر تفسدير الشداعر الخبيدر ‪ ،‬حيدث أشدار إلدى عمدل الشدعر‪،‬‬
‫وأنه موهبة ال تكتمل إال بالقراءة والممارسة واالطال الدائم ‪.‬‬

‫ويمضدي ابدن رشديق فدي ذكدر بواعدث الشدعر التدي تعدين الشداعر علدى قولده وذكدر‬
‫أقوال بعض الشعراء ومعاناتهم في قدول الشدعر فيدذكر أن ذا الرمدة سدئل ‪ " :‬كيد‬
‫تعمل إذا انقفل دونك الشعر‬

‫ينقفل دوني وعندي مفتاحه قيل له‪ :‬وعنه س لناك‪ ،‬ما هو قال‪ :‬الخلوة‬ ‫فقال‪ :‬كي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق ( و‪.)116‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)206‬‬

‫‪104‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫بذكراألحباب" ‪.‬‬

‫ومن بواعث الشعر التي ص ّر بها ذو الرمة وأعانته على قول الشعرهي‪:‬‬

‫الخلوة بذكر األحبداب ؛ ألن الخلدوة تجعدل الشداعر فارغدا اليشدغله شديئا ‪ ،‬يسدتجمع‬
‫فيها أفكاره وذكرياته ومعانيه وألفاظه ‪.‬‬

‫تصدنع إذا عسدر عليدك الشدعر قدال‪ :‬أطدوف‬ ‫كما ذكر قول ُكثيِّر في كتابه ‪ " :‬كيد‬
‫فدددي الربدددا المحيلدددة؛ والريددداض المعشدددبة‪ ،‬فيسدددهل علدددي أرصدددنه‪ ،‬ويسدددر إلدددى‬
‫(‪)2‬‬
‫أحسنه"‬

‫وكذلك ُكثيِّر كاندت الريداض المعشدبة والربدا المحيلدة حدافزا لده علدى قدول الشدعر‬
‫وصناعته‪.‬‬

‫وأضاف ابن رشيق إلى عمل الشعر تجاربه وآراءه النقديدة وتناولده لتجدارب غيدره‬
‫ممن سبقه من الشعراء ومعاناتهم في صنعة الشعر ‪.‬‬

‫وأشار ابدن سدنان الخفداجي(‪466‬هدـ) إلدى أن " كدل صدناعة مدن الصدناعات كمالهدا‬
‫بخمسة أشياء على ما ذكره الحكماء ‪ :‬الموضو وهو الخشب في صناعة النجارة‪،‬‬
‫والصددانع وهددو النجددار‪ ،‬والصددورة وهددي كددالتربيع المخصددوو إن كددان المصددنو‬
‫كرسدديا‪ ،‬واآللددة مثددل المنشددار والقدددوم ومددا يجددري مجراهمددا ‪ ،‬والغددرض وهددو أن‬
‫يقصد على هذا المثال الجلوس فوق ما يصنعه‪.‬‬

‫عمل الشعر بالصناعة ‪ ،‬ثم بدين‬ ‫ووافق ابن سنان من سبقه من القدماء حين وص‬
‫أن كمدددال كدددل صدددناعة بخمسدددة أشدددياء ‪ ،‬الموضدددو والصدددانع والصدددورة واآللدددة‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫والغرض‪ ،‬ومثلها على صدناعة الخشدب ‪ ،‬وأشدار إلدى صدانع الكدالم ب نده هدو الدذي‬
‫ينظم الكالم بعضه مع بعض ‪.‬‬

‫الكالم ويضم بعضه إلى بعض ‪.‬‬ ‫فجعل الشاعر أو الكاتب من ييل‬

‫فهو الدذي يدنظم الكدالم بعضده مدع بعدض ‪ ،‬كالشداعر والكاتدب‬ ‫ف ما الصانع الميل‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫وغيرهما‬

‫وكما حدد ابن سنان للصناعة أشياء ‪ ،‬جاء ابن األثير وحدد أشياء يحتاجها صداحب‬
‫هذه الصناعة في ت ليفه بثالثة وهي ‪:‬‬

‫األول ‪ -‬اختيار األلفاظ المفردة و ُح ْكم ذلك ُح ْكم ال لئ المب فد َدة‪ ،‬فإنهدا تتخيدر وتنتقدي‬
‫قبل النظم ‪.‬‬

‫الثدداني ‪ -‬نظدم كددل كلمددة مددع أختهددا المشدداكلة لهددا؛ لد ف‬


‫دئال يجدديء الكددالم قلقددا نددافرا عددن‬
‫مواضعه‪ ،‬وحكم ذلك حكم العقد المنظوم في اقتران كل ليلية منها ب ختها المشداكلة‬
‫لها‪.‬‬

‫الثالث ‪ -‬الغرض المقصود من ذلك الكالم على اختالف أنواعه‪.‬‬

‫و ُح ْك دم ذلددك الموضددع الددذي يوضددع فيدده العقددد المنظددوم‪ ،‬فتددارة يجعددل إكلدديال علددى‬
‫الرأس‪ ،‬وتارة يجعل قالدة فدي العندق‪ ،‬وتدارة يجعدل شدنفا فدي األذن‪ ،‬ولكدل موضدع‬
‫من هذه المواضع هيئة من الحسن تخصه‪.‬‬

‫وب ديّن اب ي األثييير(ت‪ )637‬أن هددذه األمددور الثالثددة هددي األصددل المعتَ َمددد عليدده فددي‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)94‬‬

‫‪106‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫الكالم من النظم والنثر ‪.‬‬ ‫ت لي‬

‫إن تصددوير ابددن األثيددر لصددناعة الكددالم وتشددبيهه بددنظم العقددد تصددويرا رائعددا فبدددأ‬
‫باختيار األلفاظ المفردة قبل استعمالها وانتقائها انتقاء جيدا ‪،‬ثم نظم كل كلمة مدع مدا‬
‫يوافقهددا مددن معنددى وصددياغتها صددياغة صددحيحة ‪ ،‬وأخيددرا وضددعها فددي المكددان‬
‫المناسب لها والغرض الذي تالئمه‪.‬‬

‫وجعل ابن األثير ذلك االختيار من األلفاظ كدال لئ التدي تختدار وتنتقدى ‪ ،‬ثدم تدنظم‬
‫مع ما يشاكلها ؛ ليكتمل العقدد ‪ ،‬ومدن هدذا يظهدر مدراد ابدن األثيدر مدن ذلدك التشدبيه‬
‫حين شبه األلفاظ بال لئ ونظم الكلمات وتنسيقها بنظم ال لدئ فدي العقدد المنظدوم ‪،‬‬
‫حيث إن الصانع للشعر ال بد من أن يُصيب فدي اختيدار الكلمدات والتدي تكدون نصدا‬
‫فدي المعندى المدراد وتكدون أشدد داللدة علدى غرضده ومددي قددرة تلدك األلفداظ علددى‬
‫إثارة معا عن كثيرة في النفس تحي بها غير مدلولها اللغوي ‪.‬‬

‫ويوافق ابن أبي اإلصبع(‪640‬هـ) ما رآه بشر وابن طباطبا وأبوهالل العسكري أن‬
‫من يعمل الشعر يجدب عليده أن يحصدل المعندى وينتقيده ويستحضدره قبدل األلفداظ ‪،‬‬
‫وي تي باأللفاظ قبل األبيات ‪.‬‬

‫ويقول ميكدا ذلك ‪ " :‬أيها الراغب في العمل‪ ،‬السدائرفيه علدى أوضدح السدبل‪ ،‬بد ن‬
‫تحصل المعنى ـ عند الشرو في تحبير الشعر‪ ،‬وتحرير النثر قبدل اللفدظ والقدوافي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫قبل األبيات"‬

‫ثم يطلب البعد عن التعقيدد فدي المعداني‪ ،‬والتقعدر فدي األلفداظ حتدى يسدلم الكدالم مدن‬
‫" وإياك وتعقيد المعاني ‪ ،‬وتقعير األلفاظ‪ ،‬واعمدل فدي‬ ‫السقطات ويبتعد عن التكل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪.)163/1‬‬
‫(‪ )2‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)19‬‬

‫‪107‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫أحددب األغددراض إليددك ‪ ،‬وفيمددا يوافددق طبعددك ‪ ،‬والنفددوس تعطددى علددى الرغبددة مدداال‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫تعطى على الرهبة "‬

‫ويحددذر الشدداعر مددن المعدداني المعقدددة والعميقددة ‪ ،‬ويدددعوه إلددى دقددة اختيددار المعدداني‬
‫‪ ،‬كما ينصحه بالعمل فدي المعداني المحببدة إلدى نفسده‬ ‫والبعد عن الغموض والتكل‬
‫والتددي تواف دق طبعدده ؛ فددالنفوس تخددرج مددن مكنونهددا وهددي راضددية وراغبددة ‪ ،‬مدداال‬
‫تخرجه وهي كارهة نافرة ‪.‬‬

‫" ثم يكمل ابن أبي اإلصبع نصيحته للشاعر‪ ،‬وك نه يضع دستورا أمامه يسير على‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫نهجه‪ ،‬في عمل شعره‪ ،‬ونثره‪ ،‬وطريقا يسلكه في أسلوبه‪ ،‬حتى يكون مقبوال "‬

‫فيقول‪":‬وال تجعدل كدل الكدالم عاليدا شدريفا‪ ،‬وال وضديعا ندازال‪ ،‬بدل فصدله تفصديل‬
‫العقدددود‪ ،‬فدددإن العقدددد إذا كدددان كلددده نفيسدددا ال يظهدددر حسدددن فرائدددده وال يبدددين كمدددال‬
‫(‪)3‬‬
‫واسطته" ‪.‬‬

‫ولده رأي فددي كدالم الشدداعر ‪ ،‬حيدث ينبهدده إلدى اإلبتعدداد عدن جعددل الكدالم كلدده عاليددا‬
‫شريفا وال ضيعا نازال بل يطلب من الشاعر أن يفصله تفصيل العقد ‪ ،‬مبدررا ذلدك‬
‫ب ن العقد متى كان كله نفيسا فإنه ال يظهر حسنه وندرته وال يبدين كمدال واسدطته ‪.‬‬
‫فيدعو هنا ابن أبي اإلصبع إلى التوس في اختيار األلفاظ ؛ ألنه مقوم من مقومدات‬
‫األسلوب األدبي ‪.‬‬

‫وأمر الشاعر كذلك بعمل األبيات متفرقدة حسدب مدا تريدد نفسده ثدم نظمهدا فدي آخدر‬
‫العمل مع الحرو على ترتيبها وحسن النسق عند تهدذيبها ؛ ليكدون كالمده متصدال‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)20‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه(و‪.)20‬‬

‫‪108‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫بعضدده بددبعض فقددال ‪ " :‬واعمددل األبيددات متفرقددة بحسددب مددا يجددود بدده الخدداطر‪ ،‬ثددم‬
‫انظمها في اآلخر‪ ،‬واحترس عند جمعها من عدم الترتيب‪ ،‬وتوخ حسن النسدق عندد‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫التهذيب ليكون كالمك آخذا ب عناق بعضه‪ ،‬فهو أكمل لحسنه ‪ ،‬وأمتن لرصفه"‬

‫وأشار إلى اختالف مقدرة الشعراء بداختالف األغدراض الشدعرية ‪ ،‬فمدثال قدد يجيدد‬
‫الشدداعر المددد وال يحسددن الهجدداء ‪ ،‬وهددذا مددا أكددده فددي كتابدده قولدده ‪ " :‬وقددد يبددرز‬
‫(‪)2‬‬
‫الشاعر في معنى من معاني الشعر دون غيره " ‪.‬‬

‫كما يري ابن أبي اإلصبع مثل رأي أبي تمام أن الترنم بالشعر مما يعين عليه ‪.‬‬

‫واستشهد بقول الشاعر ‪( :‬بحر البسي )‬


‫(‪)3‬‬
‫إ فن ْالغنَا َء لقول ال ِّش ْعر مضْ َما ُر‬ ‫تَغ فَن بال ِّش ْعر إ فما ُك ْنتَ قَائلَه‬

‫كما اطلع ابن أبدي اإلصدبع علدى وصدية أبدي تمدام للبحتدري فدي عمدل الشدعر وقدال‬
‫عنهددا ‪ " :‬فجدداءت محتاجددة إلددى تحريددر بعددض معانيهددا‪ ،‬وإيضددا مددا أشددكل منهددا‪،‬‬
‫وزيددادات يفتقددر إليهددا فحددررت منهددا مددا يجددب تحريددره‪ ،‬وأضددفت إليهددا مددا تتعددين‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫إضافته"‬

‫وبعدد تحريددره لهددا وإضددافته عليهدا قددال ‪ " :‬يجددب علددى مددن كدان لدده ميددل إلدى عمددل‬
‫الشعر وإنشاء النثر أن يعتبر أوال نفسه‪ ،‬ويمتحنها بالنظر في المعاني وتدقيق الفكر‬
‫في استنباط المخترعات‪ ،‬فإذا وجد لها فطرة سليمة‪ ،‬وجبلة موزونة‪ ،‬وذكداء وقدادا‪،‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (و‪.)21‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)22‬‬
‫(‪ )3‬ديوان حميد بن ثور (و‪.)117‬‬
‫(‪ )4‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)406‬‬

‫‪109‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وخاطرا سمحا‪ ،‬وفكرا ثاقبا‪ ،‬وفهما سريعا‪ ،‬وبصيرة مبصرة‪ ،‬وألمعية مهذبة‪ ،‬وقوة‬
‫حافظة‪ ،‬وقدرة حاكية‪ ،‬وهمة عاليدة‪ ،‬ولهجدة فصديحة‪ ،‬وفطندة صدحيحة‪ ،‬وإن كاندت‬
‫بعض هذه األوصاف غير الزمدة لدرب اإلنشداء‪ ،‬وال يضدطر إليهدا أكثدر الشدعراء‪،‬‬
‫لكنهددا إذا كملدددت فددي الشددداعر والكاتددب كدددان موصددوفا فدددي هددذه الصدددناعة بكمدددال‬
‫األوصاف النفسية التي إذا أضيفت إليها الصدفات الدرسدية تكمدل وتجمدل مدن حفدظ‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اللغات العربية‪ ،‬وتوابعها من العلوم األدبية كالنحو والتصري ‪" ....‬‬

‫ت علددى الشدداعر والكاتددب‬


‫وفيمددا سددبق يتضددح أن ابددن أبددي اإلصددبع قددد أوجددب صددفا ع‬
‫بجانب ما سبق من التنبيهات والنصائح التي أهداها لمن يعمل الشعر و النظم ‪.‬‬

‫وص ّر حازم القرطاجني(‪684‬هـ) في وصيته للشاعر المبتدئ الدذي يعمدل الشدعر‬


‫ب ن يلتزم وصية أبي تمام لتضمنها توجيهات قيمة يستعين بها الشاعر فدي ت ليفده ‪،‬‬
‫وقد أكد هذا في قوله ‪ " :‬يجب للشاعر إذا أراد نظم الشعر وكان الزمان له منفسدحا‬
‫والحال مساعده ـ أن ي خذ نفسه بوصية أبي تمدام الطدائي ألبدي عبدادة البحتدري فدي‬
‫ذلك ويد تم بهدا فإنهدا تضدمنت جمدال مفيددة ممدا يحتداج إلدى معرفتده والعمدل بحسدبه‬
‫(‪)2‬‬
‫صاحب هذه الصناعة"‪.‬‬

‫ثم يقدول ‪ " :‬إن النداظم إذا اعتمدد مدا أمدره بده أبدو تمدام مدن اختيدار الوقدت المسداعد‬
‫مال‪،‬‬ ‫وإجمام الخاطر والتعرض للبواعث على قول الشعر والميل مع الخاطر كي‬
‫فحقيق عليه إذا قصد الروية أن يحضر مقصده في خياله وذهنه والمعاني التي هدي‬
‫عمدة له بالنسبة إلدى غرضده ومقصدده ويتخيلهدا تتبعدا بدالفكر فدي عبدارات بددد‪ ،‬ثدم‬
‫يلحظ ما وقع في جميع تلك العبارات أو أكثرها طرقا أو مهيئا ألن يصير طرفا من‬
‫الكلددم المتماثلددة المقدداطع الصددالحة ألن تقددع فددي بندداء قافيددة واحدددة ثددم يضددع الددوزن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪.)406‬‬
‫(‪ )2‬منهاج البلغاء وسراج األدباء (و‪.)204‬‬

‫‪110‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫الروي بحسبها؛ لتكون قوافيه متمكنة تابعة للمعاني ال متبوعة لها" ‪.‬‬

‫و القرطاجني يبين أن من التزم بوصية أبدي تمدام فعليده أن يحددد مقصدده فدي ذهنده‬
‫وخياله ‪ ،‬ثم يستحضر معانيه في عبارات متفرقة ‪ ،‬ويجمعها بعد ذلك في بناء قافية‬
‫واحدة فيضع الوزن لتكون قوافيه متمكنة تابعة للمعاني ‪.‬‬

‫ثم يقسم المعاني والعبارات على الفصول ‪ ،‬ثم يتبعه من الفصول بما يليدق أن يتبعده‬
‫بدده ‪ ،‬ثددم يشددر فددي نظددم العبددارات التددي أحضددرها فددي خدداطره منتثددرة فيصدديرها‬
‫موزونة إما ب ن يبدل فيها كلمدة مكدان كلمدة مرادفدة لهدا أو بد ن يزيدد فدي الكدالم مدا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫تكون لزيادته فائدة فيه أو ب ن ينقص منه ما ال يخل به ‪" ..‬‬

‫وبهذا يكون قد وافق أبا تمام وابن أبي اإلصبع في صناعة الشعر ‪.‬‬

‫وتناول النواجي(‪859‬هـ) مصب الدراسة عمل الشدعر فدي قولده ‪ " :‬وإيداك وتعقيدد‬
‫فددي اللفددظ اللطي د ‪ ،‬فقددد قيددل ‪ ":‬األلفدداظ أجسدداد‪،‬‬ ‫المعدداني واجعددل المعنددى الشددري‬
‫أرواحها معانيها ‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وإنِّما بالم َعاني تعش ُ‬
‫ق الصور‬ ‫انظُر إلى صور األلفَاظ واحدة‬

‫ومتددى عصددى الشددعر فاتركدده ‪ ،‬ومتددى طاوعددك فعدداوده‪ ،‬ورو الخدداطر إذا كدد فل‪،‬‬
‫واعمل في أحب المعداني إليدك‪ ،‬وفدي كدل مدا يوافدق طبعدك ؛ فدالنفوس تعطدي علدى‬
‫الرغبددة ‪ ،‬وال تعطددي علدددى اإلكددراه‪ ،‬واعمدددل األبيددات متفرقدددة علددى مدددا يجددود بددده‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)204‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)204‬‬
‫(‪ )3‬خزانة األدب وغاية األرب (‪.)55 /1‬‬

‫‪111‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫الخاطر‪ ،‬ثم انظمها في اآلخر" ‪.‬‬

‫ف‬
‫فحذ ر النواجي من تعقيد المعاني وغموضها وتدداخلها فيمدا بينهدا حتدى ال تبعدد عدن‬
‫الوضو وتدخل في المعاني الغامضة ‪.‬‬

‫فدي اللفدظ‬ ‫ثم يوصي بتالؤم المعاني مع األلفاظ في قولده ‪ :‬واجعدل المعندى الشدري‬
‫‪.‬‬ ‫اللطي‬

‫واستشهد النواجي بقول الشداعر الدذي شدبفه اللفدظ بالجسدد وروحده المعندى ‪ ،‬والدذي‬
‫سبق ذكره ‪ ،‬فاتفق مع من قبله من النقاد ك بي تمام في قوله ‪:‬‬

‫" واجتهد في معانيه ‪ ،‬فإن أردت التشبيب ‪ ،‬اجعل اللفظ رقيقا والمعنى رشيقا "‬

‫وابن رشيق في قوله ‪:‬‬

‫بضعفه ‪ ،‬ويقوي بقوته "‪.‬‬ ‫" اللفظ جسم روحه المعنى ‪ ...‬يضع‬

‫كما يشير إلى أن المعاني قد تُ َم ِّكن الشاعر منهدا مدرة وقدد ال تُ َم ِّكنده ‪ ،‬وينصدحه بد ن‬
‫يعمددل فددي المعدداني المحببددة إليدده ‪ ،‬وفيمددا يوافددق طبعدده ؛ ألن النفددوس متددى رضدديت‬
‫أقبلت على المعداني وأعطدت ‪ ،‬ومتدى كرهدت ابتعددت ونفدرت ‪ ،‬ثدم يكمدل الندواجي‬
‫وصيته للشاعر ب ن يعمل األبيات متفرقة بما يجود به الخاطر‪ ،‬ثم ينظمها آخرا ‪.‬‬

‫كمدا اتفدق الندواجي مدع السدابقين أمثدال ابدن األثيرفدي قولده ‪ " :‬وناسدب بدين األلفدداظ‬
‫الكالم وكن ك نك خياط يقدر الثياب على مقادير األجسام " ‪.‬‬ ‫والمعاني في ت لي‬

‫فيشددير إلددى أن كددل معنددى يناسددبه لفظددا معينددا بعيندده ‪ ،‬ف لفدداظ المددد مددثال ال تناسددبها‬
‫ألفاظ الهجاء والعكس صحيح ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر ‪ ،‬للنواجي (و‪.)29‬‬

‫‪112‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ويفيد نص النواجي ب فن المناسبة عنده قد تعني شيئين آخرين ‪ :‬أولهما ‪ -‬دقدة الكلمدة‬
‫في أداء معناها وحسن مقدرتها على نقل الفكرة للمتلقي ‪.‬‬

‫وثانيهما ‪ -‬أن قوة اللفظ تدل على قوة المعنى ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫فاتفق بهذا مع ابن األثير‬

‫وفيما سبق ذكر النواجي ما ذكدر مدن وصدايا للشداعر‪ ،‬والتدي قدد سدبقه إليهدا ابدن‬
‫أبي اإلصبع وتم الحديث عنهدا عندده ‪ ،‬كمدا استشدهد بوصدية ابدن أبدي اإلصدبع التدي‬
‫أوردها في كتابده تحريدر التحبيروقدد سدبق عرضدها وشدرحها عندد تنداول ابدن أبدي‬
‫اإلصبع للقضية ‪ ،‬ف ورد النواجي وصية ابن أبي اإلصبع لنفسه إيضداحا علدى ندو‬
‫التهذيب والت ديب ‪ ،‬واختار منها النواجي ما هو أليق بالحال كذلك استشدهد بوصدية‬
‫أبي تمام والتي تكلم فيها أبوتمام في عمل الشعر‪ .‬وقد سبق االستدالل بها وشرحها‪.‬‬
‫ويعني هذا اتفاق النواجي معهم وذلك لتبنيه رأيهم‪.‬‬
‫وخالصة الدراسدة السدابقة أن أغلدب النقداد اتفقدوا علدى ضدرورة مناسدبة األلفداظ‬
‫للمعدداني عنددد صددناعة الشددعر ‪ ،‬وتجنددب التعقيددد والتددوعر ‪ ،‬والميددل إلددى السددهولة‬
‫واللطافة في اللفظ والمعنى ‪ .‬كما أن صناعة الشعر تتبلور حسب صانعها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ -‬ت ذيب الشعر وتنقيحه ‪:‬‬
‫تهددذيب الشددعر يعددد ركنددا جوهريددا مددن أركددان اإلبدددا الشددعري ‪ ،‬وهددومن أهددم‬
‫الشددعر؛ لمدا فيهددا مددن المراجعددة والتصددحيح‪،‬‬ ‫المراحددل التددي تمددر بهددا عمليددة تد لي‬
‫والتقددويم ؛ حتددى تخددرج القصدديدة بالصددورة األخيددرة ‪ ،‬فمددا كددان يمددوج فددي نفددس‬
‫الشاعريصوغه صياغة فنية مجسدة ‪ ،‬وينظمها أبياتا بقواف موزونة منقحة ‪.‬‬
‫هذب يهذب تهذيبا ف‬
‫‪،‬هذب الشئ بمعنى ‪:‬نقاه وأخلصه ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أصلحه ‪.‬‬ ‫و ف‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نظرية االبدا الشعري عند النواجي‪،‬للبنداري ( و‪.)105‬‬

‫‪113‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫والمهذب من الرجال المخلص النفقي من العيوب ‪.‬‬


‫أنقح شعره إذا نقحه وحككه ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫ونقح الكالم‪ :‬فتشه وأحسن النظر فيه‬
‫يقول الجاحظ(‪255‬هـ) في كتابده ‪ " :‬مدن شدعراء العدرب مدن كدان يدد القصديدة‬
‫تمكث عنده حوال كريتا "كامال" وزمنا طويال يردِّد فيهدا نظدره ويجيدل فيهدا عقلده‪،‬‬
‫ويقلب فيها رأيده‪ ،‬اتهامدا لعقلده وتتبعدا علدى نفسده؛ فيجعدل عقلده زمامدا علدى رأيده‪،‬‬
‫ورأيدده عيددارا علددى شددعره‪ ،‬إشددفاقا علددى أدبدده‪ ،‬وإحددرازا لمددا خولدده ه مددن نعمتدده‪،‬‬
‫وكانوا يسمون تلك القصائد‪ :‬الحوليات والمقلدات والمنقفحدات والمحكمدات؛ ليصدير‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫قائلها فحال خنذيذا وشاعرا مفلقا"‬
‫وعنددد الوقددوف علددى كددالم الجدداحظ ‪ ،‬يتضددح اهتمددام الشددعراء القدددماء بتهددذيب‬
‫القصيدة وتنقيحها ؛ فالشاعر منهم تمكث القصيدة في حوزته حوال كدامال ؛ ليهدذبها‬
‫ويقومها ويعيد النظر فيها مرات ومرات ؛ ليراجع نفسده فيمدا كتدب وليخدرج شدعرا‬
‫قد صب بوحدة فنية متكاملة‪.‬‬
‫الجداحظ بدذلك‬ ‫فخدال‬ ‫الشعر وتهذيبه بالمتكل‬ ‫وخصف ابن قتيبة(‪276‬هـ) تثقي‬
‫شعره وينقحه باالهتمام ‪.‬‬ ‫ألن الجاحظ لم يحدد أحدا ‪ ،‬بل أشارإلى من يثق‬
‫وس ّمى ابن قتيبة من قد ّوم شدعره بالثقداف ونقحده بطدول التفتديش سدماه بدالمتكل‬
‫والمطبدو ؛‬ ‫من الشعراء ‪ ،‬وأكدد ذلدك بقولده فدي كتابده ‪ " :‬ومدن الشدعراء المتكلد‬
‫فالمتكلّ هو الذي ق ّوم شعره بالثّقاف‪ ،‬ونقّحه بطول التفتيش‪ ،‬وأعاد فيه النظدر بعدد‬
‫النظر‪ ،‬كزهير والحطيئة‪ .‬وكان األصدمع ّى يقدول‪ :‬زهيدر والحطيئدة وأمثالهمدا (مدن‬
‫(‪)3‬‬
‫الشعراء) عبيد الشعر؛ ألنهم نقّحوه ولم يذهبوا فيه مذهب المطبوعين "‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬مادة ّ‬
‫[هذب]‪.‬‬
‫(‪ )2‬البيان والتبيان‪ ،‬للجاحظ (‪)8/2‬‬
‫(‪ )3‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة ( و‪.)14‬‬

‫‪114‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وقال سويد بن كرا ‪( ،‬يذكر تنقيحه شعره) ‪( :‬بحرالطويل)‬


‫صادي بها سرْ با م َن ال َوحْ ش نُ فز َعا‬ ‫يت ب َبْواب القَ َوافي َك َن ف َما ‪ ...‬أُ َ‬
‫أَب ُ‬
‫س َحيْرا أَ ْو بُ ْعيَ ُد ف َ ْه َجعا‬ ‫أُ َكالئُهَا َحتفى أ َعر َ‬
‫ِّس بَ ْع َد ما ‪ ...‬ي ُك ُ‬
‫ون ُ‬
‫ت أَ ْن تُرْ َوي علفى َر َد ْتتُهَا‪َ ...‬و َرا َء التف َراقي َخ ْشيَة أَ ْن تَطَلفعا‬
‫إ َذا خ ْف ُ‬
‫ان َر فدهَا ‪ ...‬فَثَقف ْفتُهَا َح ْوال َجريدا و َمرْ بَعا‬
‫َوف ابْن َعفف َ‬ ‫َو َج ف‬
‫ش َمني خ ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫وقَ ْد كان في نَ ْفسي عليْها زيَا َدة ‪ ...‬فَلَ ْم أَ َر إالف أَ ْن أُطي َع وأَ ْس َمعا‬

‫ي بن ال ّرقا ‪( :‬بحرالكامل)‬
‫وقال عد ّ‬
‫ت أجم ُع بينها ‪ ...‬حتّى أق ّوم َميلها وسنادها‬
‫وقصيدة قد ب ُ‬
‫(‪)2‬‬ ‫نظر المثقّ‬
‫في كعوب قناته ‪ ...‬حتّى يقيم ثقافه منادها‬
‫وتعليقا على ما سبق فإن عبيد الشعر أمثال زهير وابنه كعب والحطيئدة قدد كد فدوا‬
‫فددي مراجعددة قصددائدهم وتثقيفهددا فجددودوا فيهددا ‪ ،‬ووقفددوا عنددد كددل بيددت منهددا حت دى‬
‫خرجددت قصددائدهم ‪ ،‬وقددد تمخضددت عددن جهددد وعمددل دؤوب أسددفر عنهمددا قصددائد‬
‫وصفت بالجودة المطلوبة ‪ ،‬فكانت منهجا قويا لمن جداء بعددهم ووافدق ابدن طباطبدا‬
‫الجاحظ في التهذيب وجعله لكل شاعر قام ببناء قصيدته وأعمل فكره فيهدا فيقدول ‪:‬‬
‫" ثم يت مل ما قد أداه إليه طبعه و نتجتده فكرتده ‪ ،‬فيستقصدي انتقداده ويدرم مدا وهدى‬
‫منه ‪ ،‬ويبدل بكل لفظة مستكرهة لفظة سهلة نقية ‪ ،‬وإن اتفقت له قافية قد شغلها فدي‬
‫معنى من المعاني ‪ ،‬واتفدق لده معندى آخدر مضداد للمعندى األول وكاندت تلدك القافيدة‬
‫أوقع في المعنى الثداني منهدا فدي المعندى األول نقلهدا إلدى المختدار الدذي هدو أحسدن‬
‫وأبطل ذلك أ و نقص بعضه ‪ ،‬وطلب لمعناه ما فيه تشاكله ‪ ،‬ويكون كالنساج الحاذق‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬األغاني (‪)399 /12‬‬
‫(‪ )2‬الشعر والشعراء (و‪)5 :‬‬

‫‪115‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪ ...‬وكالنقاش الرقيق ‪ ..‬وكناظم الجوهر ‪..‬وكذلك الشاعر "‬
‫وجعددل ابددن طباطبددا(‪322‬هددـ) آخددر مرحلددة فددي بندداء القصدديدة هددي مرحلددة التثقيد‬
‫والتهذيب والتنقيح ‪.‬وهي أصعب مرحلة بالنسبة لكل شاعر‪.‬‬
‫واتفق أبوهالل العسكري(‪395‬هـ) مع الجاحظ وابدن طباطبدا بقولده ‪ " :‬فدإذا عملدت‬
‫ورث ورذل‪ ،‬واالقتصار على مدا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ماغث من أبياتها‪،‬‬ ‫القصيدة ّ‬
‫فهذبها ونقّحها؛ بإلقاء‬
‫حسن وفخم‪ ،‬بإبدال حرف منها ب خر أجود منه‪ ،‬حتى تستوي أجزاؤهدا و تتضدار‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫هواديها وأعجازها"‬
‫فيوصي أبوهالل بتهذيب القصيدة وتنقيحها وطر ما فسد من أبياتهدا وسداء مدن‬
‫معانيهددا ‪ ،‬ويقصددر الشدداعر ألفاظدده علددى الحسددن والفخددم منهددا ؛ لتسددتوي أجزاؤهددا‬
‫وأعجازها ‪.‬‬
‫كما أشاد أبوهالل ب ن هذا دأب جماعة من ّ‬
‫حذاق الشدعراء مدن المحددثين والقددماء‪،‬‬
‫ّ‬
‫ويهذبها فدى سدتة أشدهر‪،‬‬ ‫وذكر منهم زهير الذي كان يعمل القصيدة فى ستة أشهر‬
‫ثم يظهرها‪ ،‬فتس ّمى قصائده الحوليات لذلك‪.‬‬
‫وكان الحطيئة يعمل القصيدة فى شهر‪ ،‬وينظر فيها ثالثة أشدهر ثدم يبرزهدا‪ .‬وكدان‬
‫أبو نواس يعمل القصيدة ويتركها ليلدة‪ ،‬ثدم ينظدر فيهدا فيلقدى أكثرهدا ويقتصدر علدى‬
‫العيون منها؛ فلهذا قصر أكثر قصائده‪.‬‬
‫وكان البحتري يلقي من كل قصيدة يعملها جميع ما يرتاب به فخرج شعره مهذبا‪.‬‬
‫وكان أبو تمام ال يفعل هذا الفعل‪ ،‬وكان يرضى ب ّول خاطر فنعى عليه عيب كثير‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقال بعضهم‪ " :‬خير الشعر الحولي المنقّح" ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا( و‪.)8‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)141‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه (و‪.)141‬‬

‫‪116‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫كما ذكر ابن رشيق(‪463‬هـ) واتفدق مدع مدن سدبقه بقولده ‪ " :‬ومدن الشدعراء مدن إذا‬
‫جاءه البيت عفوا أثبته ‪ ،‬ثم رجع إليه فنقحه ‪ ،‬وصدفاه مدن كددره ‪ ،‬وذلدك أسدر لده‪،‬‬
‫عليدده ‪ ،‬وأصدح لنظددره ‪ ،‬وأرخدى لبالدده ‪.‬وآخدر ال يثبددت إال بعدد إحكامدده فددي‬ ‫وأخد‬
‫نفسه‪ ،‬وتثقيفه من جميع جهاته‪ ،‬وذلدك أشدرف للهمدة‪ ،‬وأدل للقددرة‪ ،‬وأظهدر للكلفدة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أبعد للسرقة " ‪.‬‬
‫وحدد ابن رشيق صنفين من الشعراء في التهدذيب ؛ فداألول مدن إذا حضدره البيدت‬
‫عفوا أثبته ‪ ،‬ثم رجع إليه مباشرة ونقحه ‪ ،‬فكان أسر إليه وأخ ‪ ،‬والثداني ال يثبتده‬
‫ابدن رشديق عملده ب نده‬ ‫إال بعد إحكامه في نفسه وتثقيفه من جميع جهاتده ‪ ،‬ووصد‬
‫أشرف للهمة ‪ ،‬وأدل للقدرة ‪ ،‬وأظهر للكلفة ‪ ،‬وأبعد للسرقة ‪.‬‬
‫الثاني الذي أشدار إليده ابدن رشديق أفضدل فدي العمدل وأجدود ؛ ألن‬ ‫ولعل الصن‬
‫فيددده شددديئا مدددن الرويدددة والتمهدددل ‪ ،‬ومدددن قدددول الناشدددئ فدددي معندددى شدددعره األول‪:‬‬
‫(بحرالكامل )‬
‫وش َد ْدت بالتهذيب أَ ْس َر متونه‬ ‫الشعر ما ق فومت زي َ صدوره‬
‫وفتحتَ باإليجاز ُع ْو َر عيونه‬ ‫ورأبتَ باإلطناب َشع َ‬
‫ْب صُدوعه‬
‫(‪)2‬‬
‫ووصلتَ بين َم َج ِّمه و َمعينه‬ ‫وجمعتَ بين قريبه وبعيده‬
‫والتنقدديح ‪،‬‬ ‫وجعددل ابددن رشدديق مددن زهيددر بددن أبددي سددلمى مددثال يحتددذي بددالتثقي‬
‫فيقول ‪:‬‬
‫يصدنع القصديدة ‪،‬‬ ‫" ‪ ...‬حتى صنع زهير الحوليات على وجه التنقديح و التثقيد‬
‫ثم يكرر نظره فيها خوفا من التعقب بعد أن يكون قد فدر مدن عملهدا فدي سداعة أو‬
‫ليلة ‪ ...‬والعرب ال تنظر في أعطاف شعرها ب ن تجنس أو تطابق أو تقابل ‪ ،‬فتترك‬
‫لفظة للفظة أ و معنى لمعنى كما يفعل المحدثون ‪ ،‬ولكدن نظرهدا فدي فصداحة الكدالم‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة ‪ ،‬البن رشيق(‪)211/1‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (‪. )115/2‬‬

‫‪117‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وجزالتدده وبس د المعنددى وإبددرازه ‪ ،‬وإتقددان بنيددة الشددعر ‪ ،‬وإحكددام عقدددة القددوافي ‪،‬‬
‫وتالحددم الكددالم بعضدده بددبعض حتددى عدددوا مددن فضددل صددنعة الحطيئددة حسددن نسددقه‬
‫(‪)1‬‬
‫الكالم بعضه على بعض "‬
‫ومن قبله عمر بن الخطاب رضي ه عنه ‪ ،‬الذي كان يقدمه علدى سدائر الفحدول‬
‫من طبقته؛ قال ليلة لعبد ه بن العباس وهم سائرون إلى الشام‪ :‬أنشدني شعر أشعر‬
‫القوم ‪ ،‬فقال‪ :‬ومن ذاك قال‪ :‬زهير‪ ،‬قال‪ :‬وبم استحق عندك ذلك يا أمير الميمنين‬
‫قال‪ :‬رأيته ال يعاضل بين الكالم‪ ،‬وال يتبع حوشي األلفاظ‪ ،‬وال يمد الرجال إال بما‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫يكون للرجال‪ ،‬وما ذاك إال لتنقيحه شعره‪ ،‬وترداد نظره في كالمه‬
‫وفصّل ابن أبي اإلصبع(‪640‬هـ) التهذيب ‪،‬وع فرفه بقوله ‪ " :‬التهذيب عبارة عدن‬
‫ترداد النظر في الكالم بعد عمله ليدنقح‪ ،‬ويتنبده منده لمدا مدر علدى النداثر أو الشداعر‬
‫حين يكون مستغرق الفكر في العمل‪ ،‬فيغير منه ما يجب تغييره‪ ،‬ويحذف ما ينبغدي‬
‫عمدا يشدكل عليده مدن غريبده وإعرابده‪،‬‬ ‫حذفه‪ ،‬ويصلح ما يتعين إصالحه‪ ،‬ويكشد‬
‫(‪)3‬‬
‫ويحرر ما لم يتحرر من معانيه وألفاظه‪ ،‬حتى تتكامل صحته‪ ،‬وتروق بهجته ‪".‬‬
‫فابن أبي اإلصبع يُع ِّرف التهذيب على أنه تكرار النظر في الكالم الذي عمل نظمدا‬
‫أو نثرا وتنقيحه وتصحيحه وتغيير ما يجدب تغييدره ‪ ،‬وكدذلك حدذف مدا ينبغدي عليده‬
‫مدا أشدكل عليده مدن غريبده وإعرابده ‪ ،‬وكتابدة مدالم يكتدب مدن معانيده‬ ‫حذفه وكش‬
‫وألفاظه ‪.‬‬
‫كمدا استشددهد ابدن أبددي اإلصددبع بوصدية أبددي تمدام للبحتددري والتددي سدبق ذكرهددا فددي‬
‫استشهاده بها في عمل الشعر ووقته ‪ ،‬فيقول أبوتمام ‪( :‬بحرالكامل )‬
‫خذها ابنة الفكر المهذب في الدجى ‪ ...‬والليل أسود رقعة الجلباب‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (‪.)129/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (‪)402‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فإندده إنمددا خددص تهددذيب الفكددر بالدددجى لكددون الليددل تهدددأ فيدده األصددوات‪ ،‬وتسددكن‬
‫الحركات‪ ،‬فيكون الفكر فيه مجتمعا‪ ،‬والخاطر خاليا‪ ،‬والسيما في وس الليل عندما‬
‫عليهدا ثقدل الغدذاء‪،‬‬ ‫ت خذ النفس حظها من الراحة‪ ،‬وتنال قسدطها مدن الندوم‪ ،‬ويخد‬
‫فحينئذ يكون الذهن صحيحا‪ ،‬والصددر منشدرحا‪ ،‬والقلدب منبسدطا‪ ،‬واختيداره وسد‬
‫الليل دون السحر مع ما فيه من رقة الهواء‪ ،‬وخفة الغذاء‪ ،‬وأخدذ الدنفس سدهمها مدن‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الراحة "‬

‫" وميددز فددي فكددرك محد الرسددالة‪ ،‬ومصددب القصدديدة قبددل العمددل‪ ،‬فددإن ذلددك أسددهل‬
‫عليك‪ ،‬وأشعرها أوال‪ ،‬ونقحها ثانيا‪ ،‬وكدرر التنقديح‪ ،‬وعداود التهدذيب‪ ،‬وال تخرجهدا‬
‫عنددك إال بعددد تدددقيق النقددد وإمعددان النظددر‪ ،‬وقددد كددان الحطيئددة يعمددل القصدديدة فددي‬
‫شهرين‪ ،‬وينقحها في شهرين اقتداء بزهير‪ ،‬فإنه كان راويته‪ ،‬وقد كان زهير يعمدل‬
‫القصيدة في شهر واحد وينقحها في حول كامل‪ ،‬حتى قيل لشدعره‪ :‬المدنقح الحدولي‪،‬‬
‫والحولي المحكك‪" .‬‬

‫ويوصي ابن أبي اإلصبع الشاعر بعمل القصيدة أوال ثم تنقيحها ثانيا وكرر التنقديح‬
‫ثالثددا ثددم طلددب بمعدداودة التهددذيب ‪ ،‬كمددا نصددح بد فال يخددرج الشدداعر القصدديدة إال بعددد‬
‫(‪)2‬‬
‫تدقيق النظر فيها ‪.‬‬
‫وقد كان التهذيب والتنقيح ديددن األدبداء القددامى وطدريقتهم فدي إخدراج قصدائدهم ؛‬
‫لشدة عنايتهم بقصائدهم ‪ ،‬ولتخرج في صورة فنية متكاملة ‪ ،‬من براعة في النسج ‪،‬‬
‫وتالحم بين األلفاظ والمعاني‪ ،‬ورقة في األسلوب ‪ ،‬ودفء فدي العاطفدة ‪ ،‬ورصدانة‬
‫‪.‬‬ ‫في الرص‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪.)502‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫النواجي(‪859‬هـ) للتهذيب فلم يتجاوز ابن أبي اإلصبع ولم يزد عليده‪.‬‬ ‫وكذا تعري‬
‫فقددال ‪ " :‬والتهددذيب عبددارة عددن تددرداد النظددر فددي الكددالم بعددد عملدده نظمددا ونثددرا ؛‬
‫وتنقيحه ‪ ،‬وتغيير منه ما يجب تغييره ‪ ،‬وحذف ما ينبغي حذفه‪ ،‬وإصال مدا يتعدين‬
‫ما يشكل عليه من غريبه وإعرابده‪ ،‬وتحريدر مدا يددق مدن معانيده‬ ‫إصالحه‪ ،‬وكش‬
‫‪،‬واطدرا مددا يتجددافى عددن مضدداجع الرقددة‪ ،‬مددن غلدديظ ألفاظدده؛ لتشددرق شموسدده فددي‬
‫األسما ‪-‬علدى الطدرب‪ -‬رقيدق سدالفته ؛فدإن الكدالم إذا كدان‬ ‫سماء بالغته‪ ،‬وترش‬
‫موصدوفا ب"المهددذب"‪ ،‬منعوتدا ب"المنقح"‪،‬علددت رتبتده؛ وإن كانددت غيدر مبتكددرة‪.‬‬
‫وكدل كددالم قيدل فيدده " لوكدان موضددع هدذه الكلمددة غيرهدا‪ ،‬أولددو تقددم هددذا المتد خر‪،‬‬
‫وتد خر هددذا المتقدددم‪ ،‬أولددو تمددم هددذا الددنقص بكددذا‪ ،‬أو لددو حددذفت هددذه اللفظددة ‪ ،‬أولددو‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫اتضح هذا المقصد‪ ،‬وتسهل هذا المطلب لكان الكالم أحسن‪ ،‬والمعنى أبين"‬
‫كان ذلك الكالم غير منتظم في سلك نو التهذيب والت ديب‪.‬‬
‫ويظهر من النص أن النواجي قد أوصى الشاعر بتهذيب قصيدته ‪،‬وترديد نظدره‬
‫فيها ‪ ،‬وتغيير ما يجب تغييره ‪ ،‬وحذف مدا يتعدين حذفده ‪ ،‬وهدذا مدا سدبقه إليده النقداد‬
‫من قبل ‪.‬‬
‫فإن الكدالم إذا كدان موصدوفا "بالمهدذب"‪ ،‬منعوتدا "بدالمنقح"‪ ،‬علدت رتبتده؛ وإن‬
‫كانت غير مبتكرة‪.‬‬
‫وأكد النواجي اهتمامه بذلك بتكدراره قدول ابدن أبدي اإلصدبع ‪ " :‬وكدل كدالم قيدل‬
‫فيه " لوكان موضع هذه الكلمة غيرها ‪ " ...‬وقد سبق ذكره‪ ،‬ثم ذكر الندواجي مثداال‬
‫آخر من التهذيب وهو التهذيب الحولي ‪ ،‬والذي يمكث فترة من الزمن تقارب العام‬
‫فتكون القصيدة تحت التعديل والتنقيح والتهدذيب والتغييدر فيقدول ‪ " :‬و كدان زهيدر‬
‫بن أبي سلمى معروفا بالتنقيح والتهذيب‪ ،‬وله قصائد تعرف بالحوليات‪ ،‬فروي عنه‬
‫أنه كان يعمل القصيدة في شهرين‪ ،‬ويهذبها في حول‪ .‬وقيل‪ :‬كان ينظمهدا فدي شدهر‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (‪.)404‬‬

‫‪120‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وينقحهددا ويه دذبها فددي أحددد عشددر شددهرا‪ ،‬وقيددل ‪ :‬كددان ينظمهددا فددي أربعددة أشددهر‪،‬‬
‫وينقحها في أربعة أشهر‪ ،‬ويعرضها على علماء قبيلته في أربعة أشهر؛ ال جرم أنه‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫أقل ما يسق منه شيئا"‬
‫ويبدددوأن النددواجي قدأوصددى الشدداعر بوصددايا عنددد التهددذيب نقلهددا عددن ابددن أبددي‬
‫اإلصددبع ‪ ،‬وهددي أن يتددوخى الشدداعر حس دن النسددق عنددد التهددذيب ‪ ،‬ويجعددل كالمدده‬
‫مرتبطا بعضه ببعض مع تكرار التنقيح والتهذيب ‪.‬‬
‫واستشهد بقول الشاعر‪):‬بحرالكامل)‬
‫ما لَ ْم تُبال ْ قَبْـ ُل في تَهْذيبهَا‬ ‫ـن علَى الرواة قصـيدة‬
‫ض ف‬‫ال تَ ْعر َ‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ك َوساوسا تَهْذي بهَا‬ ‫ف َمتَى َع َرضْ تَ ال ِّش ْع َر َغ ْي َر ُمهَ فذ ع‬
‫ب َعدوهُ من َ‬
‫وعلدق كدابن أبدي اإلصدبع فدي أن عمدر بدن الخطداب‪ -‬رضدي ه عنده‪ -‬كدان يقدددم‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫زهيرا على سائر الفحول من طبقاته‬
‫كذلك استشهد الندواجي بوصدية أبدي تمدام وأشدار إلدى أنده قدد أجداد حدين أشدار إلدى‬
‫وقددت التهددذيب‪ ،‬فقددال النددواجي ‪:‬خددصّ أبوتمددام التهددذيب بالدددجى ‪ ،‬وسددبقه إلددى هددذا‬
‫أيضا‪ ،‬ابن أبي اإلصبع ‪ ،‬وقد سبق الكالم عنه ‪.‬‬
‫وخالصة الدراسة مدن آراء مدن سدبق مدن النقداد أنده يجدب علدى الشداعر النظدر فدي‬
‫شعره لتقويمه وتهذيبه ‪ ،‬فيصلح مدا يتعدين إصدالحه ‪ ،‬ويحدذف مدا يجدب حذفده بهدا‬
‫وموافقته عليها‪.‬‬
‫كمددا يظهددر ممددا سددبق أن النددواجي قددد استشددهد واسددتدل مددن نقدداد قبلدده كددابن أبددي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪)32‬‬
‫(‪ )2‬نهاية األرب في فنون األدب (‪ ،)295/2‬أحمد بن عبدالوهاب شهاب الدين النويري‪ ،‬دار الكتب‬
‫والوثائق القومية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬والبيت في معاهد التنصيص على شواهد التلخيص‬
‫(‪.)326/1‬‬
‫(‪ )3‬انظرمقدمة في صناعة النظم والنثر ‪ ،‬للنواجي (و‪.)33‬‬

‫‪121‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫اإلصبع وأبي تمام وغيرهم دون إضافات منه ‪ ،‬وك نه يق موقفا حياديدا ‪ ،‬وبغدض‬
‫النظر عن ذلك فعالم كدالنواجي بلد مدا بلد مدن علمده فمدن الميكدد أنده لدم يرددهدا‬
‫ويستدل بها إال إليمانه بها وموافقته عليها ‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث السادس‪ -‬أوال‪ -‬قضية المبادئ وبراعة االستهالل‬


‫إن قضية المبادئ وبراعة االستهالل هي سادس قضايا الشعرالتي تناولها‬
‫النواجي في كتابه مقدمة في صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫إن (حسن المطالع – حسن االبتداء – براعة االستهالل) مسميات مرادفة‬


‫لبعضها تتجه إلى بداية القصائد في الشعر‪ ،‬وتتصل بمطالع القصائد وبداية الكالم ‪،‬‬
‫وقد تناولها العلماء غالبا على اتفاق منهم ‪ ،‬وسوف يتناول البحث هذه المصطلحات‬
‫البالغية ‪ ،‬ومدي تطورها لدي البالغيين ‪ ،‬وبحسب تناول النقاد لها‪.‬‬

‫إن حسن المطلع أو حسن االبتداء أو براعة االستهالل ‪ ،‬من القضايا البارزة‬
‫التي تناولها البالغيون بعناية واهتمام إدراكا منهم لألثر الذي تسببه في النفس ‪،‬‬
‫وهي من األساسيات التي يقوم عليها جمال األسلوب ‪ ،‬وتراب النص ‪ ،‬وحسن‬
‫الت نق في الكالم ‪.‬‬

‫ويُعد استخدام الشاعر لتلك األساليب ووجودها في شعره أو نثره ‪ ،‬دليال على‬
‫براعته ومهارته ؛ ألنها أول ما يقع في السمع من الكالم ‪ ،‬كما وأنها تهيىء نفس‬
‫المتلقي لما سيلقى بعد ذلك‪ .‬و تعد أيضا ‪ ،‬من مظاهر الوحدة البنائية في القصيدة‬
‫العربية القديمة‪.‬‬

‫وجاء في لسان العرب طلع يطلع طلوعا ومطلعا ‪.‬‬


‫(‪)1‬‬ ‫وال َم ْ‬
‫‪.‬‬ ‫طلَع ‪ :‬أَقوي في قياس العربية ؛ ألَن المطلَع‪ ،‬بالفتح‪ ،‬هو الطلو‬

‫كما جاء في لسان العرب وبدأت الشيء ‪ :‬فعلته ابتداء ‪ ،‬وبادئ الرأي‪ :‬أوله‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب ‪ ،‬مادة [طلع]‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫وابتداؤه‬

‫بروعا وبراعة وبَ ُر ‪ ،‬فهو بار ‪ :‬تم في كل فضيلة‬ ‫يبر‬ ‫وكذلك‪ ،‬بر‬
‫وجمال‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وفاق أصحابه في العلم وغيره‪ ،‬والبار ‪ :‬الذي فاق أصحابه في السيدد ‪.‬‬

‫وحسن المطلع سماه بعض العلماء بحسن اإلبتداء‪ ،‬والبعض ببراعة‬


‫االستهالل‪ ،‬ووضع البالغيون لذلك قيدا‪ " ،‬فإذا جاء مطلع القصيدة أو بداية الكالم‬
‫بـ‬ ‫حسنا بديعا ومليحا رشيقا‪ ،‬صار داعية إلى االستما لما يجيء بعده‪ ،‬و ُوص‬
‫(بحسن االبتداء) ‪ ،‬وإذا كان مطلع القصيدة داال على ما بنيت عليه‪ ،‬مشعرا بغرض‬
‫الناثر أوالناظم من غير تص ريح ‪ ،‬بل بإشارة لطيفة ‪ ،‬تعذب حالوتها في الذوق‬
‫السليم ‪ ،‬ويستدل المستمع من ذلك على ما يتصل به الكالم أو القصيدة من مد أو‬
‫(‪)3‬‬
‫بـ (براعة االستهالل ) "‪.‬‬ ‫تهنئة أو عتاب ‪ ،‬أو رثاء أو هجاء‪ ،‬وص‬

‫وبداية يُستهل برأي الجاحظ الفذ‪ ،‬والذي يظهر في تفسيره لكالم اب‬
‫(‪)4‬‬
‫في البالغة قائال ‪ " :‬وليكن في صدر كالمك دليل على‬ ‫المقفع(ت‪145‬هـ)‬
‫(‪)5‬‬
‫حاجتك‪ ،‬كما أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته" ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب ‪ ،‬مادة [بدأ]‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه ‪ ،‬مادة [بر ]‬
‫(‪ )3‬كتاب الصناعتين الكتابة والشعر‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)437 :‬‬
‫(‪ )4‬عبد ه بن المقفع‪ ،‬كاتب‪ ،‬شاعر‪ ،‬أحد النقلة من اللسان الفارسي إلى العربي‪ ،‬فارسي االصل‪،‬‬
‫نش بالبصرة‪ ،‬وولي كتابة الديوان للمنصور العباسي‪ ،‬وترجم له بعض الكتب‪ ،‬واتهم بالزندقة‪،‬‬
‫ف قتله في البصرة أميرها سفيان بن معاوية المهلبي‪ ،‬من آثاره‪ :‬األدب الكبير واألدب الصغير‪،‬‬
‫والدرة اليتيمة والجوهرة الثمينة في طاعة السلطان‪ .‬انظر‪ :‬األعالم (‪.)140 /4‬‬
‫(‪ )5‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (‪.)114 /1‬‬

‫‪124‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫والصدر هنا بداية الشيء وواجهته‪ ،‬وصدر الكالم أوله ‪ ،‬وهنا وصية للشاعر‬
‫ب ن يكون أول كالمه مبينا لحاجته داال على قافيته ‪ ،‬بمعنى ‪ :‬من شروط المطلع‬
‫الجيد‪ ،‬التصريع‪.‬‬

‫كما روي الجاحظ (‪255‬هـ) قوله ‪" :‬حدثني صالح بن خاقان‪ ،‬قال‪ :‬قال شبيب‬
‫(‪)2‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بن شيبة ‪ " :‬الناس مو ّكلون بتفضيل جودة االبتداء" ‪.‬‬

‫ويبين شبيب أن الناس أولت االبتداء عناية واهتماما‪ ،‬وقد اختصوا بتفضيل‬
‫االبتداء وجودته‪ .‬فالجاحظ جعل الص در في الكالم ك نه مطلعه أو ابتداؤه ‪ ،‬ويبدو‬
‫ذلك عند استشهاده بقول شبيب ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫براعة االستهالل حسن االبتداء‪ ،‬وذكر‬ ‫" وسمى اب المعتأل(ت‪296‬هـ)‬
‫(‪)4‬‬
‫‪( ":‬بحر الطويل)‬ ‫أحسن االبتداءات قول النابغة‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫كليني لهَ ِّم يا أُ َميْ َمةَ ناصب ‪ ...‬ولَ ْي عل أُقاسيه بَطيء ال َكواكب‬

‫وربما جعلوا هذا البيت من أحسن االبتداءات؛ ألنه بيفن حال الشاعر عندما‬
‫غضب النعمان عليه فتوعده ‪ ،‬ف صابه الهم واألرق وذهب عنه النوم والراحة‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬شبيب بن شيبة بن عبد ه التميمي المنقري األهتمي‪ ،‬أبو معمر‪ :‬أديب الملوك‪ ،‬وجليس الفقراء‪،‬‬
‫وأخو المساكين‪ ،‬من أهل البصرة‪ ،‬كان يقال له (الخطيب) لفصاحته‪ ،‬وكان شريفا‪ ،‬من الدهاة‪،‬‬
‫ينادم خلفاء بني أمية ويفز إليه أهل بلده في حوائجهم ‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)274 /9‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (‪.)111/1‬‬
‫(‪)3‬هو عبد ه بن محمد المعتز باا بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد العباسي‪ ،‬أبو العباس‪ :‬الشاعر‬
‫المبد ‪ ،‬خليفة يوم وليلة‪ ،‬ولد في بغداد‪ ،‬وأولع باألدب‪ ،‬فكان يقصد فصحاء األعراب وي خذ‬
‫عنهم‪ .‬انظر ترجمة ابن المعتز في تاريخ بغداد( ‪.)95/10‬‬
‫(‪)4‬انظر‪ :‬البديع في البديع البن المعتز (و‪)176‬‬
‫(‪)5‬انظر‪ :‬ديوان النابغة الذبياني (و ‪)1‬‬

‫‪125‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فظهرهذا األمر في شعره ب سلوب واضح متراب األجزاء ‪.‬‬

‫وسماها اب طباطبا(‪322‬هـ) بالمباديء وذكرها في وصيته للشاعر المبتدئ‬


‫ص ْ‬
‫ت َعلَيْه‬ ‫قائال ‪ " :‬ولل ِّشعر أدوات يجبُ إعدا ُدهَا قَ ْب َل َم َرامه وت َكل ن ْ‬
‫َظمه‪ ،‬فَ َم ْن نَقَ َ‬
‫أداة من أدواته لم يَ ْك ُملْ لَهُ َما يَتَ َكلفهُ م ْنهُ‪ ،‬وبَ َ‬
‫ان ال َخلَ ُل في َما يَ ْنظمهُ‪ ،‬ولحقَ ْتهُ العُيوبُ‬
‫ف في َم َعانيه في ك ِّل فَنِّ‬ ‫صر ُ‬ ‫من ك ِّل جهَ عة‪ .‬فَمنْهَا‪ :‬التف َوس ُع في ع ْلم اللغة ‪ .....‬والتف َ‬
‫ك مناهجها في صفَاتهَا و ُمخَا َ‬
‫طبَاتهَا وح َكايَاتهَا وأ ْمثَالهَا‪،‬‬ ‫قاَلَ ْته ال َع َربُ فيه وسلو ُ‬
‫والسفنن المستعملة م ْنهَا‪ ......‬و ُحسْن َمبَاديها‪ ،‬و َحالوة َمقَاطعها‪ ،‬وإيفَا ُء كل َمعْنى‬
‫ي وأَ ْبهَى‬ ‫َحظفهُ من العبَارة‪ ،‬وإلبَا ُ‬
‫سهُ َما يُ َشاكلُهُ من األَ ْلفاظ َحتفى يَبْ ُر َز في أَحْ َسن ز ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫صُو َرة " ‪.‬‬

‫وبيّن ابن طباطبا أهمية تلك األدوات التي أوصى بها وبإعدادها قبل النظم أو‬
‫النثر وأن نقص أداة من أدواتها يلحق الخلل في نظم الشاعر‪ ،‬بل العيب من كل‬
‫جهة ‪ ،‬وكان من تلك األدوات حسن المبادئ؛ لكونها أول ماتقع على أسما‬
‫الحضور ‪.‬‬

‫وس ّماها أبوهالل العسكري(‪395‬هـ) بالمبادئ‪ ،‬ونقل فيها قول بعض ال ُكتفاب‬
‫فقال ‪ " :‬قال بعض الكتّاب‪ :‬أحسنوا معاشر الكتّاب االبتداءات فإنهن دالئل البيان ‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬ينبغى للشاعر أن يحترز فى أشعاره‪ ،‬ومفتتح أقواله؛ مما يتطيّر منه‪،‬‬
‫ويستجفى من الكالم والمخاطبة والبكاء ووص إقفار الديار وتشتيت ّ‬
‫اآلالف‬
‫(‪)2‬‬
‫ونعى الشباب وذ ّم الزمان "‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)7-6‬‬
‫(‪ )2‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري ( و‪.)431‬‬

‫‪126‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وألهمية االبتداء نجد ال ُكتفاب قد أوصوا بها؛ لما لها من قوة األثر في النفس‬
‫فهي تجعل السامع ينتبه ويصغي إليها إن كانت حسنة وجيدة ‪ ،‬وأما إن كانت غير‬
‫ذلك فتنصرف النفس عنها وال يُ ْلتَ ُ‬
‫فت إليها ‪.‬‬

‫وقالوا‪ :‬ينبغى للشاعر أن يحترز فى أشعاره‪ ،‬ومفتتح أقواله؛ مما يتطيّر منه‪،‬‬
‫إقفار الديار وتشتيت اآلالف‬ ‫ويستجفى من الكالم والمخاطبة والبكاء ووص‬
‫ونعي الشباب وذ ّم الزمان السيّما فى القصائد التى تتضمن المدائح والتهانى‪.‬‬
‫ويستعمل ذلك فى المراثي‪ ،‬ووص الخطوب الحادثة؛ فإن الكالم إذا كان ميسسا‬
‫(‪)1‬‬
‫ونبه الكتاب الشعراء باالحتراز من افتتا‬ ‫على هذا المثال تطيّر منه سامعه "‬
‫أشعارهم بما يُتطير منه والسيما في القصائد التي تتضمن المدائح والتهاني‬
‫ويستعمل ذلك في المراثي ‪.‬‬

‫و مما نبه منه الكتاب‪ ،‬كابتداء ذي الرّمة ؛ حيث دخل على عبد الملك ف نشده‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ك م ْنهَا ْال َما ُء يَ ْن َسكبُ ‪َ ...‬ك َنفهُ م َن ُكلى َم ْفريف عة َسربُ‬
‫َما بَا ُل َعيْن َ‬

‫وكانت عين عبدالملك تدمع دائما ‪ ،‬فتوهم أنه خاطبه أو عرض به فقال ‪ :‬وما‬
‫سيالك عن هذا‪ ،‬ومقته !‪.‬‬

‫أيضا مما عاب الكتاب على الشعراء في شعرهم افتتاحهم بالطيرة ؛ حيث‬
‫أنكر الفضل بن يحيى البرمكى على أبى نواس ابتداءه عند إنشاده لقصيدة أراد أن‬
‫يهنئ بها بني برمك على دارهم فقال ‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪)431‬‬
‫(‪ )2‬ديوان ذي الرمة (و‪.)1‬‬

‫‪127‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫ك وإني لم أجنُك ودادي‬
‫إن ال ُخشو َ لبَادي ‪َ ...‬علَي َ‬
‫أربَ ْع البلى َ‬

‫قال فلما انتهى إلى قوله‪:‬‬

‫سالم على الد ْنيَا إذا ما فُق ْدتم ‪ ...‬بني بَرْ َم ع‬


‫ك من رائحين َوغَادي‬
‫(‪)2‬‬
‫وسمعه استحكم تطيّره‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه لم يمض أسبو حتى نكبوا‪".‬‬

‫وذكر أبوهالل في كتابه االبتداء الحسن‪ ،‬وقال فيه ‪ " :‬وإذا كان االبتداء حسنا‬
‫(‪)3‬‬
‫بديعا‪ ،‬ومليحا رشيقا‪ ،‬كان داعية إلى االستما لما يجيء من الكالم " ‪.‬‬

‫وك نه يضع صفات لالبتداء الحسن وهو ‪ :‬حسن بديع ومليح رشيق‪.‬‬

‫كماعرفف أبو هالل العسكري المبادئ والمقاطع في قوله ‪ " :‬واالبتداء أول ما‬
‫يقع فى السمع من كالمك‪ ،‬والمقطع آخر ما يبقى فى النفس من قولك‪ ،‬فينبغى أن‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫يكونا جميعا مونقين "‬

‫وعلفق على بيت النابغة ( كليني لهم يا أميمة ‪ ، )....‬وقال عنه ‪ " :‬وقد جعلوا‬
‫(‪)5‬‬
‫هذا البيت من المطالع الجيدة ‪ ،‬وقيل إنه أحسن ابتداءات الجاهلية" ‪.‬‬

‫وقد ُعلّق عليه فيما سبق عند ابن المعتز حين استشهد به ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لم أجده في ديوانه‪ ،‬ووجدته في كتاب الصناعتين (و‪.)130‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و ‪.)431‬‬
‫(‪ )3‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)437‬‬
‫(‪ )4‬المصدرنفسه (و‪.)435‬‬
‫(‪)5‬انظر‪ :‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)433‬‬

‫‪128‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ووافق ابن رشيق القيرواني (‪436‬هـ) ابن المعتز وأبا هالل العسكري في‬
‫ذلك‪.‬‬

‫كما أفرد ابن رشيق المبدأ والخروج والنهاية بباب ‪ ،‬وبدأه بقوله ‪ " :‬فإن‬
‫الشعر قفل أوله مفتاحه‪ ،‬وينبغي للشاعر أن يجود ابتداء شعره؛ فإنه أول ما يقر‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫السمع‪ ،‬وبه يستدل على ما عنده من أول وهلة"‬

‫كما يبرز االبتداء في الشعر بقوله‪ :‬الشعر قفل ومفتاحه االبتداء‪،‬وهذا التشبيه‬
‫أنه فاتحة الشعر وصدره وبدايته‪،‬لذا وجب‬ ‫فيه االبتداء ومكانته ‪ ،‬وكي‬ ‫وص‬
‫على الشاعر تجويده وتحسينه فإنه أول ما يقر به األسما ‪.‬‬

‫ونهى ابن رشيق الشاعر االستكثار من"أال" و"خليلي"و"قد" في ابتدائه؛ ألنها من‬
‫كالن‪،‬إال للقدماء الذين جروا على عرف ‪ ،‬وعملوا على‬‫ف‬ ‫عالمات الضع والت‬
‫(‪)2‬‬
‫شاكله ‪.‬‬

‫وابن رشيق من األدباء الذين اهتموا بالمبادئ وأوصوا بها مبررا ذلك‬
‫االهتمام ‪ -‬كغيره من األدباء ‪ -‬أن المبادئ أول ما يقر السمع ‪ ،‬وبه يستدل على ما‬
‫من بعض الوجوه‬ ‫عنده ‪ ،‬وقارن بين ابتداء القدماء و ابتداء المحدثين فوجده يختل‬
‫الفنية ‪ ،‬حيث تع فو د القدماء على استعمال بعض اللوازم اللغوية مثل ‪ :‬أال وخليلي‬
‫وقد‪ ،‬ويكثر استعمالهم لهذه اللوازم في بكاء األطالل والنسيب ‪ ،‬أما المحدثون فقد‬
‫يفتتحون القصيدة بتصوير أحوالهم النفسية ‪ ،‬أو الحديث عن ذكرياتهم ‪ ،‬أو يدخلون‬
‫(‪)3‬‬
‫في الموضو الرئيسي مباشرة " ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬العمدة‪،‬البن رشيق (و‪.)218‬‬
‫(‪)2‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪)3‬انظر‪ :‬الخصومة بين القدماء والمحدثين في النقد العربي القديم(و‪ ، )233‬د‪ .‬عثمان موافي ‪،‬ط‪،4‬‬
‫=‬
‫‪129‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وذكر ابن رشيق أن جريرا دخل على عبدالملك بن مروان فابتدأ ينشده‪:‬‬

‫أتصحو أم فيادك غير صا ‪ ،‬فقال له عبدالملك‪ :‬بل فيادك يا ابن الفاعلة‪،‬‬

‫وك نه استثقل هذه المواجهة‪ ،‬وإال فقد علم أن الشاعر إنما خاطب نفسه‪.‬‬

‫كما استشهد بقول ذي الرمة لعبدالملك بن مروان ‪ ،‬والذي سبق ذكره عند‬
‫اسشهاد أبي هالل العسكري به‪.‬‬

‫وأضاف ابن رشيق استشهاده بفعل أبي النجم عندما أنشد هشام بن عبد الملك‬
‫قائال له‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫صفراء قَد كا َدت َولَ ّما تَف َعل ك نها في األُفق َع ُ‬
‫ين األَح َول ‪.‬‬

‫وكان هشام أحول ف مر به فحجب عنه مدة‪ ،‬وقد كان قبل ذلك من خاصته‪.‬‬

‫وعلفق ابن رشيق بقوله‪ :‬والفطن الحاذق يختارلألوقات مايشاكلها‪ ،‬وينظر في‬
‫أحوال المخاطبين‪ ،‬فيقصد محابهم‪ ،‬ويميل إلى شهواتهم وإن خالفت شهوته‪ ،‬ويتفقد‬
‫(‪)2‬‬
‫ما يكرهون سماعه فيتجنب ذكره ‪.‬‬
‫ووافق ابدن سدنان مدن نبده مدن األدبداء إلدى التحدرز فدي االبتدداء ممدا يتطيرمنده ‪،‬‬
‫فذكر هذا قائال ‪ " :‬واالبتداء في القصائد فإنه يحتاج إلى تحرز فيده حتدى ال يسدتفتح‬
‫(‪)3‬‬
‫بلفظ محتمل أوكالم يتطير منه " ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫‪2011‬م‪ ،‬دار المعرفة الجامعية مصر‪.‬‬ ‫=‬
‫(‪ )1‬خزانة األدب البن حجة الحموي (‪.)21/1‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬العمدة‪،‬البن رشيق(ج‪ ،1‬و‪.)223‬‬
‫(‪)3‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)183‬‬

‫‪130‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫واستشهد ابن سنان بقول ذي الرمة وأبدي ندواس ‪ ،‬وقدد تناولهدا البحدث بدالعرض‬
‫والشر عند أبي هالل العسكري فيما سبق ‪.‬‬

‫وخددص ابددن منقددذ المبددادئ والمطددالع ببدداب بدددأه بكددالم أب دي هددالل العسددكري "‬
‫أحسنوا االبتدداءات ‪ ، "...‬وعقبده بكدالم ابدن سدنان الخفداجي ‪ " ،‬ينبغدي للشداعر أن‬
‫يتحرز في ابتداءاته مما يتطير منه " ‪ ،‬بعد ذلك بين ما أنكروا على أبدي ندواس مدن‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫قوله في أول قصيدة مد بها البرامكة‬

‫واستنادا على مدا مضدى مدن تطيدر وتدوهم الممددوحين ‪ ،‬وجدب علدى الشداعر أن‬
‫يختار ما يناسب من الكالم في المقام والزمان ‪ ،‬والشخص كذلك ‪ ،‬فما يناسب فدالن‬
‫من الناس قد ال يناسب غيره‪.‬‬

‫وجعل اب األثير(ت‪637‬هـ) أركانا خمسة للكتابة ‪ ،‬ويري أنده البدد مدن إيدداعها‬
‫(‪)2‬‬
‫في كل كتاب بالغة ذي ش ن ‪ ،‬وخامس هذه األركان المبادئ واالفتتاحات ‪.‬‬
‫فيددري ابددن االثيددر أن المبددادئ واالفتتاحددات مددن األركددان الخمسددة التددي وضددعها‬
‫أساسا من أساسيات كل كتاب بالغي ذي ش ن ‪ ،‬وال يكون الشيء ركندا إال ألهميتده‬
‫وقوته والمبادي تعد أساسا في وجودها في القصيدة ‪.‬‬

‫كمددا بديفن ابددن األثيددر حقيقددة هددذا النددو ‪ ،‬فددي أندده يجعددل مطلددع الكددالم مددن الشددعر‬
‫أوالرسائل داال على المعنى المقصود من هذا الكالم ‪ ،‬إن كان فتحدا ففتحدا وإن كدان‬
‫(‪)3‬‬
‫هناء فهناء ‪ ،‬أوكان عزاء فعزاء ‪.‬‬

‫ويتضح حال المبادئ في القصيدة فهي تتقلدب حسدب أغدراض الشدعر المقصدودة‬
‫إن عزاء فعزاء وإن فتحا ففتحا وغير ذلك ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬البديع في نقد الشعر ‪ ،‬ألسامة بن منقذ (و‪.)285‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪.)96 /3‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه (‪.)96/3‬‬

‫‪131‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وعلى هذا األساس وضع ابن األثير قاعددة أساسدية عندد نظدم الشداعر للقصديدة ‪،‬‬
‫وهي أن ينظر الشاعر فإن كان مديحا صدرفا ال يخدتص بحادثدة مدن الحدوادث فهدو‬
‫مخيدر بددين أن يفتتحهددا بغدزل أو ال يفتتحهددا بغددزل‪ ،‬بددل يرتجدل المددديح ارتجدداال مددن‬
‫(‪)1‬‬
‫أولها ‪.‬‬
‫ثم استشهد ابن األثير بقول القائل ‪( :‬بحرالكامل )‬

‫إن َحا َرت األَ ْلبَابُ َك ْي َ تَقُو ُل ‪ ...‬في َذا ال َمقَام فَع ُْذ ُرهَا َم ْقبُو ُل‬
‫ْ‬
‫ك فَ َما لَهُ ْم ‪ ...‬أَبَدا إلى َما تَ ْستَحق َسبي ُل‬ ‫ك َمادحي َ‬ ‫َسامحْ بفَضْ ل َ‬
‫(‪)2‬‬
‫ك قَلي ُل‬ ‫ك إالف ُمحْ سن ‪ ...‬فَ ْال ُمحْ سنُ َ‬
‫ون إذا لَ َد ْي َ‬ ‫ان الَ يُرْ ضي َ‬‫إ ْن َك َ‬

‫(‪)3‬‬
‫فالشاعر ارتجل المديح من أول القصيدة وأتى به حسنا الئقا ‪.‬‬

‫وقد أكد األدباء فيما سبق على االحتراز من افتتا القصيدة بما يتطير به ‪ ،‬كذلك‬
‫ابن األثير أكد هذا األمر ‪ ،‬بل ووص ذلك االحتراز ب نه يرجع إلى أدب الدنفس ال‬
‫أدب الدرس ‪ ،‬لذا ينبغي على الشاعر عند ابن األثير أن يحترز منه فدي مواضدعه ‪،‬‬
‫كوص الديار بالدثور ‪ ،‬والمنازل بالعفاء السديما إذا كدان فدي التهداني‪ ،‬فإنده يكدون‬
‫(‪)4‬‬
‫أشد قبحا ‪.‬‬

‫وذكر اب األثير من ذلك تطير المعتصم بقول إسدحاق الموصدلي ‪ ،‬وذلدك عنددما‬
‫فر المعتصم من بناء قصره بالميدان وجلس فيه وجميع أهله وأصحابه ‪ ،‬فاست ذن‬
‫الموصلي المعتصم في اإلنشاد ف ذن له ‪،‬ف نشد شعرا استفتحه بدذكر الدديار وعفائهدا‬
‫فقال ‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدر نفسه (‪.)96/3‬‬
‫(‪)2‬جواهر األدب (‪.)19 /1‬‬
‫(‪)3‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪.)97 /3‬‬
‫(‪)4‬المصدرنفسه (‪.)97/3‬‬

‫‪132‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫يا َ َدا ُر َغيف َرك ْالبلَى َو َم َحاك ‪ ...‬يَا لَيْتَ ش ْعري َما الفذي أَ ْبالَك‬

‫فتطير المعتصم بدذلك‪ ،‬وتغدامز النداس علدى إسدحاق الموصدلي كيد ذهدب عليده‬
‫مثل ذلك مع معرفته وعلمه وطول خدمته للملوك‪ ،‬ثم أقاموا يومهم وانصرفوا‪ ،‬فما‬
‫س د فر َم د ْن رأي‪ ،‬وخددرب‬
‫عدداد مددنهم اثنددان إلددى ذلددك المجلددس وخددرج المعتصددم إلددى ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫القصر‪.‬‬

‫وتشبيب إسحاق الموصدلي بالدديار القديمدة كاندت سدببا فدي تطيدر المعتصدم ؛ألن‬
‫المقددام غيددر مناسددب فددي ذلددك فالقصددر جديددد ‪،‬والمقددام مقددام وصد وتهنئددة‪ ،‬ولدديس‬
‫تشبيبا باآلثار‪.‬‬

‫وذكر ابن األثير" االبتداءات الواردة في القرآن الكدريم كالتحميددات المفتدتح بهدا‬
‫في أوائل السور‪ ،‬وكذلك االبتداءات بالندداء كقولده تعدالى فدي مفتدتح سدورة النسداء‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫س َواح َد عة‪ ، ‬وكقوله تعدالى فدي أول‬‫‪‬يَا أَيهَا النفاسُ اتفقُوا َربف ُك ُم الفذي َخلَقَ ُك ْم م ْن نَ ْف ع‬
‫(‪)4‬‬
‫؛ فإن هذا‬ ‫سورة الحج‪ :‬يَا أَيهَا النفاسُ اتفقُوا َربف ُك ْم إ فن ز َْل َزلَةَ السفا َعة َش ْيء َعظيم‪‬‬
‫االبتداء مما يوقظ السامعين لبصغاء إليه"‪.‬‬

‫وكذلك االبتداءات بالحروف كقوله تعالى‪ ":‬ألم‪ ،‬وطس‪ ،‬وحم" وغير ذلدك ‪ ،‬فدإن‬
‫هذا أيضا ‪ ،‬يبعث على االستما إليه؛ ألنه يقر السمع شيء غريب لديس لده بمثلده‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫عادة‪ ،‬فيكون ذلك سببا للتطلع نحوه واإلصغاء إليه"‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المثل السائر البن األثير (و‪)142‬‬
‫(‪)2‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪.)100/3‬‬
‫(‪)3‬سورة النساء‪ ،‬آية‪.1 :‬‬
‫(‪)4‬سورة الحج‪ ،‬آية‪.1 :‬‬
‫(‪)5‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪)98/3‬‬

‫‪133‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وخص ابن أبي اإلصبع(‪640‬هـ) حسن االبتداءات بباب‪ ،‬وعلفق على ابن المعتز‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫أنه أحسن االختيار في بيت النابغة ك فضل ابتداء‬

‫وروي ابددن أبددي اإلصددبع ف‬


‫أن أحسددن ابتددداء ابتدددأ ب ده قددول إسددحاق بددن إبددراهيم‬
‫الموصلي؛ حيث يقول ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إن عهدي بالنفوم عهد طَويل‬
‫أن تنام عيني سبيل ‪ ...‬ف‬
‫هلْ إلى ْ‬

‫وفضل ابن أبي اإلصبع ابتداء النابغة على ابتداء امرئ القيس في قوله ‪:‬‬

‫ب ومنزل ‪ ...‬بسق اللِّوي َ‬


‫بين ال فدخول‪ ،‬فحو َمل‬ ‫قفَا نَبك م ْن ذك َري َحبي ع‬

‫" فرأي أن ابتداء امرئ القيس على تقدمه وكثرة معاني ابتداءاتده متفداوت القسدمين‬
‫جدددا؛ ألن صدددر البيددت جمددع بددين عذوبددة اللفددظ وسددهولة السددبك‪ ،‬وكثددرة المعدداني‬
‫بالنسبة إلى العجز ما لم يجمدع العجدز‪ ،‬فدإن ألفداظ العجدز غريبدة بالنسدبة إلدى ألفداظ‬
‫الصدددر‪ ،‬والعجددز أقددل معددان مددن الصدددر بخددالف بيددت النابغددة‪ ،‬فإندده ال تفدداوت بددين‬
‫قسميه ألبتة‪ ،‬فبيت امرئ القيس وإن كان أكثر معان من بيدت النابغدة‪ ،‬فبيدت النابغدة‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫أفضل‪ ،‬من جهة مالءمة ألفاظه‪ ،‬ومساواة قسميه "‬

‫وهناك من يشترط أن تكون المبادئ جزلة ‪ ،‬دالة على غدرض الكدالم ‪ ،‬مدوجزة‪،‬‬
‫حسددنة االلتفددات‪ ،‬وجدداء بهددذا حددازم القرطدداجني(‪684‬هددـ) فددي كالمدده عددن المبددادئ‬
‫قائال‪ " :‬ويجب أن تكون المبادئ جزلة حسنة المسمو والمفهوم ‪،‬دالة على غرض‬
‫الكدددددالم ‪ ،‬وجيدددددزة ‪ ،‬تامدددددة ‪ ،‬وكثيدددددرا مدددددا يسدددددتعملون فيهدددددا الندددددداء والمخاطبدددددة‬
‫(‪)4‬‬
‫واالستفهام" ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و ‪.)168‬‬
‫(‪)2‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (‪.)168/1‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه (و‪.)169‬‬
‫(‪)4‬منهاج البلغاء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)306‬‬

‫‪134‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫كما يُعد " تحسين االستهالالت والمطالع من أحسن األشياء في هذه الصناعة‪ ،‬إذ‬
‫هي الطليعة الدالة على ما بعددها المتنزلدة مدن القصديدة نزلدة الوجده والغدرة ‪ ،‬تزيدد‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫النفس بحسنها ابتهاجا ونشاطا لتلقي ما بعدها "‬

‫وكما ُذكر سابقا ب ن المطالع والمباديء هي واجهة القصيدة وصدرها ؛لذا وجب‬
‫تحسينها والعناية بها ‪.‬‬

‫وعلفق د‪.‬عبده قلقيلة على كالم حازم القرطاجني بقوله ‪ " :‬إ ّن تحسدين االسدتهالل‬
‫والمطالع من أحسن األمور في صناعة الشعر‪ ،‬فهي الطليعة الدالة على ما بعددها ‪،‬‬
‫وهي الغرة من الوجه ‪ ،‬تزيد النفس بحسنه ابتهاجا ونشاطا ‪ .‬كما بين أن اإلبدا في‬
‫المبادي قد يرجع إلى األلفاظ الحسنة ولط االنتقال‪ ،‬وإيجاز العبارات‪ ،‬وينبده إلدى‬
‫أن مددن الكددالم مالددده صددورة تجعلددده الئقددا أن يكددون مفتدددتح قددول ‪ ،‬ومنددده مددا لددديس‬
‫(‪)2‬‬
‫كذلك" ‪.‬‬

‫وأفضل المباديء ماتتصدر فيها التنبيهات ‪ ،‬وإيقاظ حس السدامع ‪ ،‬والتعامدل مدع‬


‫عواطفه ‪ ،‬والبد من مراعاة الحال والمقام ‪ .‬فمدثال لدو كدان الغدرض المدد فيسدتخدم‬
‫األلفاظ الفخمة ‪ ،‬وإذا كان الغرض النسيب جعل األلفاظ الرقيقة والعذبدة ‪ ،‬وأضداف‬
‫القرطاجني ب ن أحسدن مدا يتصددر بده المبدادئ الكدالم الدذي فيده تنبيده وإيقداظ لدنفس‬
‫السامع وإث ارة لعواطفه ‪ ،‬وجعل مالك األمدر فدي المبدادئ أن يكدون المفتدتح مناسدبا‬
‫لمقصد المتكلم من جميع جهاته ؛ فمثال إذا كان مقصده الفخر اعتمد الشاعر األلفاظ‬
‫والمعداني واألسدلوب مددا يكدون فيهدا مددن البهداء والفخامدة مددا يكفيهدا ‪ ،‬وأمدا إذا كددان‬
‫(‪)3‬‬
‫مقصده عن النسيب اعتمد على األلفاظ الرقيقة العذبة ‪ ،‬وكذلك سائر المقاصد ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه (و‪.)308‬‬
‫(‪)2‬انظر‪:‬النقد األدبي في العصرالمملوكي (و‪ .)395‬د‪.‬عبده قلقيلة‪-‬ط‪1972-1‬م‪ ،‬مكتبة األنجلو‬
‫المصرية القاهرة‪.‬‬
‫(‪)3‬انظر‪ :‬منهاج البلغاء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)310‬‬

‫‪135‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫إذن مالك األمر في المبداديء عندد القرطداجني أن يكدون المفتدتح مناسدبا لمقصدد‬
‫المتكلم من جميع جهاته ‪.‬‬

‫وأضاف إلى أنه يجب أن تكون المبادئ جزلة ‪ ،‬حسنة المسمو والمفهوم ‪ ،‬دالدة‬
‫(‪)1‬‬
‫على غرض الكالم ‪ ،‬وجيزة ‪ ،‬تامة ‪.‬‬

‫ووضع القرطاجني ثالث رتب لحسن المبادئ‪ ،‬وهي ‪-:‬‬

‫الرتبة األولى ‪ -‬ما تناصر فيه حُسن المصراعين وحُسن البيت الثاني ‪ ،‬وأكثر ما‬
‫وقع اإلحسان في المباديء على هدذا النحدو للمحددثين ‪ .‬ف مدا العدرب المتقددمون فلدم‬
‫يكن لهم بتشفيع البيت األول بالثاني كبير عناية ‪.‬‬

‫الرتبة الثانية ‪ -‬أن يتناصر الحسن في المصراعين دون البيدت الثداني‪ .‬نحدو قدول‬
‫أبي الطيب ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تَحْ َسبُ ال ّدم َع خلقَة في الم قي‬ ‫أتُراها ل َك ْث َرة ال ُع ّشاق‬

‫الرتبددة الثالثددة ‪ -‬أن يكددون المصددرا األول كامددل الحسددن ‪ ،‬وال يكددون المصددرا‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الثاني منافرا له ‪ ،‬وإن لم يكن مثله في الحسن‬

‫(‪)4‬‬
‫كالم اب أبي اإلصبع(ت‪654‬هـ) في‬ ‫ونقل ش اة الدي النوير (ت‪733‬هـ)‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه (و‪.)305‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬ديوان الصبابة (و‪.)68 :‬‬
‫(‪)3‬انظر منهاج البلغاء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)311‬‬
‫(‪)4‬هو أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة‪ ،‬الشيخ اإلمام الميرخ شهاب الدين‪،‬‬
‫البكري‪ ،‬النويري‪ ،‬الشافعي‪ ،‬كان فقيها فاضال‪ ،‬ميرخا بارعا‪ ،‬وله مشاركة جيدة في علوم‪،‬‬
‫وكتب الخ المنسوب‪ ،‬قيل إنه كتب صحيح البخاري ثماني مرات‪ ،‬وكان يبيع كل نسخة من‬
‫تاريخا سماه منتهى‬ ‫درهم‪ ،‬وكان يكتب في كل يوم ثالث كراريس‪ ،‬وأل‬ ‫البخاري بخطه ب ل‬
‫=‬
‫‪136‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫قوله ‪ " :‬هذه تسمية ابن المعت ّز‪ ،‬وأراد بها ابتداءات القصائد‪ ،‬وف ّر المت خرون من‬
‫هذه التسمية براعة االستهالل ‪ ،‬وهو أن ي تي الناظم أوالناثر في ابتداء كالمه ببيدت‬
‫أو قريندة تدد ّل علدى مددراده فدي القصديدة أو الرسدالة أو معظددم مدراده؛ والكاتدب أشد ّد‬
‫ضرورة إلى ذلك من غيره ليبتنى كالمه على نسق واحد د ّل عليه من أ ّول علدم بهدا‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫مقصده "‬

‫ويوصي شدهاب الددين النداظم والنداثر بالتمهيدد لغرضده فدي القصديدة أو الرسدالة‬
‫معلال ذلك ب ن الكاتب أشد حاجة من غيره ليبني كالمه على نسق واحد ‪.‬‬
‫وأشار إلى التطير كغيره ممن سبقه وكي يجب على الشاعر االحتدراز منده فدي‬
‫(‪)2‬‬
‫قوله ‪ " :‬وينبغى أن ال يبتدئ بشيء يتطيّر منه "‪.‬‬

‫واستشهد بقول ذي الرمة ‪ ،‬وقد سدبق ذكدره ‪ ،‬وقدال شدهاب الددين ‪ " :‬وينبغدى أن‬
‫يراعددى ف دي االبتددداءات مددا يقددرب مددن المعنددى إذا لددم تت د ت لدده براعددة االسددتهالل‪،‬‬
‫وتسدددهيل اللفدددظ وعذوبتددده وسالسدددة ألفاظددده‪ ،‬واستشدددهد بقدددول النابغدددة فدددي أحسدددن‬
‫(‪)3‬‬
‫االبتداءات ‪ ،‬واستشهد بقول الموصلي مع عبدالملك ‪ ،‬وقد سبق ذكرهما ‪.‬‬

‫وأفرد العنو (‪745‬هـ) المبادئ بفصل ‪ ،‬ذكر فيه أن المبادئ واالفتتاحدات ركدن‬
‫من أركان البالغة ‪ ،‬فمن أراد التصدي لمقصد من المقاصد ‪ ،‬وأراد شرحه بكدالم ‪،‬‬
‫وجب عليه أن يكون مفتتح كالمه مالئما لذلك المقصد داال عليه‪ ،‬وذكدر أمثلدة علدى‬
‫ذلك فقال ‪ :‬إ فن ه تعالى لمدا أذن بدالفتح علدى رسدوله صدلّى ه عليده وسدلّم ‪ ،‬وكدان‬
‫هو الغاية والمنتهى أنزل عليه آية مناسبة لمدا هدو فيده مدن إشدارة اإليمدان‪ ،‬وبلوغده‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫األرب في علم األدب في ثالثين مجلدا‪ .‬األعالم (‪.)165 /1‬‬ ‫=‬
‫(‪)1‬نهاية األرب في فنون األدب‪،‬شهاب الدين النويري (‪.)133/7‬‬
‫(‪)2‬المصدرنفسه (‪.)133/7‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه (‪.)133/ 7‬‬

‫‪137‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫الغاية ‪ ،‬ويذكر منه عليه بما أظهر على يديه من ذلك ‪.‬‬

‫ك َومدا تَد َ فخ َر‪،‬‬ ‫ك ف‬


‫هُ مدا تَقَد فد َم م ْدن َذ ْنبد َ‬ ‫ك فَ ْتحا ُمبينا‪ ،‬ليَ ْغف َر لَد َ‬
‫فقال فيها‪  :‬إنفا فَتَحْ نا لَ َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ك ف‬
‫هُ نَصْ را َعزيزا‪. ‬‬ ‫ك صراطا ُم ْستَقيما‪َ ،‬ويَ ْن ُ‬
‫ص َر َ‬ ‫ك َويَهْديَ َ‬ ‫َويُت فم ن ْع َمتَهُ َعلَ ْي َ‬

‫فبلغدددت السدددورة فدددي افتتاحهدددا مابلغدددت مدددن براعدددة االسدددتهالل وسالسدددة اللفدددظ‬
‫وعذوبته‪.‬‬

‫واستدل العلوي أيضا‪ ،‬بافتتا الرسدول صدلّى ه عليده وسدلّم ‪ ،‬فدى الددعاء ألبدي‬
‫سلمة عند موته حيث قال‪ " :‬اللهم ارفع درجته فى المهدديين‪ ،‬واخلفده فدى عقبده مدن‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الغابرين‪ ،‬واغفر لنا وله يارب العالمين "‬

‫وتميز العلوي باستشهاده من الكتاب والسنة فتميز ب مرين باالستشهاد واالختيار‪.‬‬

‫صددل العلددوي حددديث الرسددول صددلّى ه عليدده وسددلّم ‪ ،‬مبينددا بالغتدده ‪،‬وحسددن‬ ‫وف ّ‬
‫افتتاحه للحديث في اختياره للمناسبة التي قيل فيها ؛ فبدأ االفتتا بدذكر المهدم الدذي‬
‫يفتقر إليه الميت ‪ ،‬من دعاء له يرفع درجته في اآلخرة ‪ ،‬ثدم صدال حدال عقبده مدن‬
‫بعددده فددي الدددنيا ‪ ،‬ثددم خددتم ذلددك الدددعاء وجمددع بددين الددداعي والمدددعو لدده ‪ ،‬وهددذا مددن‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫االفتتا البلي الذي يعجز عن اإلتيان بمثله كل بلي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪:‬الطراز ألسرار البالغة (و‪ )141‬يحيى بن حمزةالعلوي‪،‬المكتبة العنصرية بيروت‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪1423‬هـ‪.‬‬
‫(‪)2‬الفتح‪.3-1‬‬
‫(‪)3‬أخرجه البزار في مسنده البحر الزخار‪ ، 121/9( ،‬رقم ‪ ، )3669‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد‬
‫الخالق البزار‪ ،‬ميسسة علوم القرآن ‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم ‪ -‬بيروت ‪ ،‬الم ط‪،1‬تحقيق د‪ .‬محفوظ‬
‫الرحمن زين ه‪.‬‬
‫(‪)4‬انظر‪ :‬الطراز ألسرار البالغة ‪ ،‬للعلوي (و‪. )143‬‬

‫‪138‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫واختل د العلددوي عمددن سددبقه فددي البيددت الددذي أطلددق عليدده أحسددن مددا قيددل فددي‬
‫االفتتا ‪ ،‬وهو قول أبي تمام فى قصيدته التى امتد بها المعتصم عندد فتحده لمديندة‬
‫ع ّموريّددة؛ حيددث زعددم أهددل التنجدديم أنهددا لددن تفددتح علددى يديدده ‪،‬وشددا األمددر وصددار‬
‫حددديثهم آنددذاك‪ ،‬ولمددا فتحددت عليدده‪ ،‬أنشددد أبوتمددام قصديدة وجعددل مطلعهددا مكددذبا لمددا‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫قالوه‪ ،‬ومادحا للمعتصم في شدة ب سه وعدم تطيره بالنجوم‬
‫فقال ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بين الج ِّد واللفعب‬
‫ق أَ ْنبَاء م َن ال ُكتُب ‪...‬في حده الحد َ‬
‫س ْي ُ أَصْ َد ُ‬
‫ال ف‬

‫وقد ذكر العلوي مثاال على قبح االفتتا ‪ ،‬استشهد به من سبقه من األدباء ‪ ،‬وهو‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫قول ابراهيم الموصلي للمعتصم حين انتهى من بناء قصره ‪،‬وقد سبق ذكره‬

‫وكذلك اسثشهد على قبح التشبيه بقول ذي الرمة لعبد الملك ‪ ،‬وقد سبق ذكره‬
‫واستنادا على ما سبق نجد العلوي يطالب األدباء بحسن االبتدداء بدل ويدراه ركندا‬
‫من أركان البالغة وييكد ذلك بقوله‪ " :‬سئل بعضهم عن أحدذق الشدعراء‪ ،‬فقدال مدن‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫أجاد االبتداء والمطلع‬

‫وأول مددا ابتدددأ ابددن حجددة الحمددوي(‪837‬هددـ) كتابدده بدددأه بحسددن االبتددداء وبراعددة‬
‫االستهالل ‪ ،‬وخصه عند المتقدمين ‪.‬ويستهل بقوله ‪( :‬بحرالبسي )‬

‫(‪)5‬‬
‫لي في ابتَداء مديحكم يا ُعرب ذيْ سلم ‪ ...‬براعة تَستهل ال ّدمع في الع ْلم‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه ( و‪.)144‬‬
‫(‪)2‬ديوان أبي تمام (‪.)17/1‬‬
‫(‪)3‬انظر الطراز ألسرار البالغة‪ ،‬للعلوي ( و‪)146‬‬
‫(‪)4‬انظر‪ :‬النقد األدبي في العصرالمملوكي‪ ،‬لعبده قلقيلة ( و‪)398‬‬
‫(‪)5‬انظر‪ :‬خزانة األدب وغاية األرب (‪ )40 /1‬تقي الدين أبي بكرعلي المعروف بابن حجة الحموي‪،‬‬
‫دار ومكتبة الهالل ‪ -‬بيروت ‪1987 -‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬تحقيق‪ :‬عصام شقيو‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فددذكر ابددن حجددة أن علمدداء البددديع قددد اتفقددوا علددى أن براعددة المطلددع عبددارة عددن‬
‫طلو أهلة المعاني واضحة فدي اسدتهاللها‪ ،‬وشدرطوا أن يجتهدد النداظم فدي تناسدب‬
‫(‪)1‬‬
‫قسميه‪ ،‬بحيث ال يكون شطره األول أجنبيا من شطره الثاني ‪.‬‬

‫وهددذا ماأكددده ابددن أبددي اإلصددبع حددين قددارن بددين بيددت الشددعر عنددد النابغددة و بيددت‬
‫امرئ القيس فوجد أن ألفاظ النابغة متناسقة مترابطة مدع بعضدها ‪،‬أمدا امدرؤ القديس‬
‫ف لفاظ الشطر األول يعد أجنبيا عن الشطر الثاني ‪.‬‬

‫واستشهد على أحسن بيت في الشعر قول النابغة ‪ ،‬الذي سبق ذكره ‪.‬‬

‫وذكددر ابي حجيية إعجدداب ابددن أبددي اإلصددبع بالنابغددة والمقارنددة التددي أقامهددا بددين‬
‫النابغة وامرئ القيس في قوله ‪ :‬قفا نبدك مدن ذكدري حبيدب ومندزل ‪ ....‬والتدي سدبق‬
‫ذكرها ‪ ،‬عند ابن أبي اإلصبع حين ُعرض رأيه في االبتداء ‪.‬‬

‫كما أشار إلى أن علماء البديع قد نبهوا على يقظة الناظم في حسن االبتدداء‪ ،‬فإنده‬
‫لشدددديء يقددددر األسددددما ويتعددددين علددددى ناظمدددده النظددددر فددددي أحددددوال المخدددداطبين‬
‫والممددوحين‪ ،‬وتفقدد مددا يكرهدون سددماعه ويتطيدرون منده؛ ليتجنددب ذكدره‪ ،‬ويختددار‬
‫ألوقات المد ما يناسبها‪.‬‬

‫كما نبهوا على أن حسن االبتداء في خطاب الملوك هو العمدة في حسدن األدب ؛‬
‫فقد حكي أن أبا النجم الشاعر‪ ،‬دخل على هشدام بدن عبدد الملدك فدي مجلسده‪ ،‬ف نشدده‬
‫من نظمه‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كادت ول فما تَفعل …ك نفها في األُفق عي ُْن األحول‬
‫ْ‬ ‫ص ْفرا ُء قد‬
‫َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪.)19‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (‪. )21 /1‬‬

‫‪140‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫وهشام بن عبد الملك أحول‪ ،‬ف خرجه وأمر بحبسه‬

‫كما استشهد بقول جرير لعبد الملك حين دخل عليه ومدحه ف نشد جرير قائال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫صحْ ب َ‬
‫ك بالرفوا‬ ‫أتصحو أم فيادك غير صا ‪ ...‬عشيفة هَ فم َ‬
‫فقال له عبد الملك‪ :‬بل فيادك يا ابن الفاعلة‪.‬‬
‫فجعل ابن حجة هذه االستشهادات من مستقبحات االبتداء ‪.‬‬

‫واستشهد بقصة ابراهيم الموصلي وتطير المعتصم من قدبح هدذا المطلدع‪ ،‬وأمدر‬
‫(‪)3‬‬
‫بهدم القصر على الفور ‪.‬‬

‫وانتقل ابن حجة إلى الحديث عن حسن االبتداء عند المحدثين ‪ ،‬وتناسب القسمين‬
‫مستشهدا بقول الشاعر ‪( :‬بحرالكامل )‬
‫ف (‪)4‬‬
‫زار الصبفا فكي َ حالك يا ُد َجى ‪ ...‬قُم فاستذ فم بفرعه أو فالنجا‬

‫جمع‪ ،‬مع اجتناب الحشو‪ ،‬بين رقدة النسديب‬ ‫" انظر إلى حسن هذا االبتداء‪ ،‬كي‬
‫(‪)5‬‬
‫‪.‬‬ ‫وطرق التشبيب وتناسب القسمين وغرابة المعنى "‬

‫وختاما يقول ابن حجة ‪ " :‬فإذا جمع الناظم بين حسن االبتداء وبراعة االستهالل‬
‫كان من فرسان هذا الميدان‪ ،‬وإن لم يحصل له براعة االستهالل فليجتهد في سلوك‬
‫(‪)6‬‬
‫‪.‬‬ ‫ما يقوله في حسن االبتداء"‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )2‬ديوان جرير (و‪)92 :‬‬
‫(‪ )3‬خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬البن حجة الحموي (و‪.)22‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه (و ‪)24‬‬
‫(‪ )5‬المصدر نفسه (و‪.)24‬‬
‫(‪)6‬المصدر نفسه (و ‪. )20‬‬

‫‪141‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وأوصددى النددواجي فددي مقدمتدده بالمقدداطع والمطددالع‪ ،‬مبينددا أهميتهددا وصددعوبتها ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫فقال‪ " :‬وحصِّل المبدأ‪ ،‬والمقطع ؛ فهما أصعب مافي القصيد "‬

‫ووافق النواجي(‪859‬هـ) ابن حجة الحموي في قوله عن يقظدة النداظم فدي حسدن‬
‫االبتداء وأيد رأيه فدي قولده ‪ " :‬وقدد نبده علمداء البدديع علدى يقظدة النداظم فدي حسدن‬
‫االبتداء ‪ .‬فإنه أول شئ يقدر بده األسدما ‪ ،‬ويتعدين علدى ناظمده النظدر فدي أحدوال‬
‫المخدداطبين و الممدددوحين ‪ .‬ويغيددر مددا يتطيددرون بدده ويكرهددون سددماعه ‪ ،‬ويتجنددب‬
‫ذكره ‪ .‬ويختار ألوقات المد ما يناسدبها ‪ .‬وخطداب الملدوك فدي حسدن االبتدداء هدو‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫العمدة في حسن األدب "‬

‫وذكر النواجي مثاال على ذلك قصة أبي الدنجم الشداعر مدع هشدام بدن عبددالملك‪،‬‬
‫والذي سبقه في ذكر هذا ابن رشيق وابن حجة‪.‬‬

‫وكذلك ذكر قصة جريدر مدع عبدد الملدك بدن مدروان وقدد سدبق ذكرهدا‪ ،‬عندد ابدن‬
‫رشدديق‪ ،‬كمددا أشددار إلددى ابتددداء قصدديدة المتنبددي ‪ ،‬والتددي عددابوا عليدده خطابدده فيهددا‬
‫لممدوحه ؛ حيث قال ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أن ي ُك ّن أمانيَا‬
‫الموتَ شافيَا‪َ ...‬و َحسْبُ ال َمنَايَا ْ‬ ‫ك داء ْ‬
‫أن ت َري ْ‬ ‫كفى ب َ‬

‫وصر النواجي في كالمه عن خجله وانفعاله عند سماعه لقصة دخدول ابدراهيم‬
‫الموصلي على المعتصم عندما فر من بناء قصره‪.‬‬

‫وهنددا إشددارة لطيفددة وقيِّمددة مددن النددواجي أشددارت للقددارئ بطريددق غيددر مباشددر‬
‫ماينادي به القدماء في مخاطبدة الملدوك بد دب ‪ ،‬فوصد الندواجي هدذا ّ‬
‫العالمدة الفدذ‬
‫حاله عند سما قول الموصلي للمعتصم ما أصابه مدن اسدتياء ينتابده وخجدل ‪ ،‬ومدا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي(و‪.)54‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه (و‪.)49‬‬
‫(‪ )3‬ديوان المتنبي (و‪.)145 :‬‬

‫‪142‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ذاك لشيء إال لت دب النواجي فدي خطداب الملدوك ؛ فاالبتدداء هدو العمددة فدي حسدن‬
‫األدب‪.‬‬

‫وعلى الرغم ممدا تقددم مدن حدال الندواجي فإنده أثندى علدى الموصدلي فدي موضدع آخدر‬
‫بقوله‪ " :‬هذا مع يقظة إسحاق ‪ ،‬وسير الركبان بحسن محاضرته‪،‬ومنادمته للخلفاء ‪،‬‬
‫ولكددن الجددواد قددد يكبددو‪ ،‬والصددارم قددد ينبددو مددع أندده قيددل ‪ :‬أحسددن ابتددداء ابتدددأ بدده‬
‫(‪)1‬‬
‫مولد" ‪ .‬قول إسحاق الموصلي ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫إن عهدي بالنفوم عهد طَويل‬
‫أن تنام عيني سبيل ‪ ...‬ف‬
‫هلْ إلى ْ‬

‫كما يبدي لنا أدبا آخر حين التمس العذر السحاق في فعله مع المعتصم ألنه كما‬
‫سي تي في مبحث السرقات سيظهر لنا النواجي ت دبه في الحكم على غيره وتحرزه‬
‫من ذلك ‪.‬‬

‫وقصة ذي الرمة مع عبدالملك تقارب قصة إسحاق مع المعتصم ‪ ،‬والتي ذكرهدا‬


‫ابن رشيق فيما سبق ‪ ،‬واستشهد بها النواجي في هذا المقام‪.‬‬

‫ووازن النددواجي بددين ابددراهيم الموصددلي الحدداذق المتدديقظ ‪،‬وكيد اسددتطردت بدده‬
‫خيول السهو فخاطدب المعتصدم فدي قصدر ريداحين الدذي شديده ‪ ،‬ف غضدبه بخطداب‬
‫األطالل البالية ‪ ،‬وبين حشمة أبي نواس كي خاطب الدمن بخطاب ‪ ،‬تود القصور‬
‫(‪)3‬‬
‫العوالي أن تتحلى بشعاره ‪.‬‬
‫فقال أبونواس ) بحرالطويل)‬
‫(‪)4‬‬
‫ل َم ْن د َمن ت َْزدا ُد ُحس َْن ُرسُوم ‪ ...‬على طول ما أ ْق َو ْ‬
‫ت ‪ ،‬وطيب نَسيم‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)54‬‬
‫(‪)2‬تحرير التحبير البن أبي اإلصبع (‪.)168/1‬‬
‫(‪)3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)54‬‬
‫(‪)4‬ديوان أبي نواس (و‪.)808 :‬‬

‫‪143‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وحكى النواجي عدن شديخه كمدال الددين الددميري ماحكداه الشديخ فدي كتداب حيداة‬
‫الحيددوان فددي الكددالم عددن الكلددب‪ ،‬أن أبددا بكددر الخالدددي دخددل علددى الخليفددة فامتدحدده‬
‫بقصيدة ف عطاه الخليفة صحن يشم أزرق فخرج أبو بكر مسرورا ‪ ،‬فمدر علدى أبدي‬
‫الفتح بن خالويه فهن ه بذلك ‪ ،‬ثم رجع من الغد إلدى الخدمدة فسد له الخليفدة عدن حالده‬
‫فقدال أبدو بكددر‪ :‬بخيدر ودعددا لده وقددال ‪ " :‬بتندا ندددعوألمير المديمنين وبددت أتفدنن فددي‬
‫الصدحن ‪ ،‬و أتملددى بحسدنه ف ضددفته إلدى سددال صددقات موالنددا ورفدده‪ ،‬وكددل خيددر‬
‫عندنا من عندده " ؛ فتنمرالخليفدة واستشداط غضدبا وزجدره ‪ ،‬فخدرج حزيندا كئيبدا ‪،‬‬
‫فمر على أبي الفتح بن خالويه ‪ ،‬وقال ‪ " :‬لم أعلدم سدبب غضدبه علدي " قدال ‪ " :‬مدا‬
‫قلت له " ‪ ،‬ف خبره بالحال قال أبو الفدتح ‪ " :‬أو قلتهدا ! " قدال ‪ :‬نعدم‪ ،‬فقدال ‪ :‬أيدن‬
‫أنت !أتجعل أمير الميمنين كلبا‪ ،‬أين ذهب عقلك أو ما سدمعت قدول أبدي ندواس‬
‫في طريدته ‪:‬‬
‫أتعب كلب أهلهُ في ك ّده ‪ ...‬قد َسع َد ْ‬
‫ت جُدو ُده ْم بجدِّه‬
‫ْ (‪)1‬‬
‫خير عندهم من عنده ‪ ...‬وكل ر ْف عد عن َده ْم من َرفده‬ ‫وكل ع‬
‫فكاد الخالدي أن يموت فزعا ‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬عرفني كي المخلص‬
‫ف شار عليه ابن خالويه أن يتمارض مددة ثدم يظهدر الشدفاء ثدم يدذهب لألميدر فدإذا‬
‫س له عن سبب مرضه يخبره ب نه طالع طريددة أبدي ندواس ‪ ،‬فلمدا فعدل ذلدك رضدي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫عنه أمير الميمنين‬

‫وتعليقا على ما سبق ‪ ،‬فقد نبفه علماء البديع على يقظدة النداظم فدي حسدن االبتدداء‬
‫ومراعاة أحوال الممددوحين ‪ ،‬وتغييدر مدا يكرهدون سدماعه ‪ ،‬ويتطيدرون منده ‪ ،‬فمدا‬
‫أوصى السابقون من علماء البديع بشيء إال لمعرفتهم وتمكنهم وبراعتهم في كل ما‬
‫أتوا عليه من علم ‪ ،‬فالعلماء ورثة األنبياء ‪.‬‬

‫ويذكر النواجي أن بعض الشعراء قدموا لبعض الخلفاء رقعة مكتوبا فيها قصيدة‬
‫يص فيها اإلبل وشدة سيرها ‪ ،‬مطلعها‪:‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬معاهد التنصيص على شواهد التلخيص (و‪.)276 :‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪،‬للنواجي (و‪.)58‬‬

‫‪144‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫ساط الفَرقَد‬
‫تَطوي ب ْيديهَا ب َ‬ ‫َدعهَا َوال تحبسْ ز َمام المقود‬

‫فقرأها وأحسن جائزتده ‪ ،‬فلمدا خدرج قدال لده بعدض الحدذاق ‪ :‬أمدا خشديت أن يقدع‬
‫(‪)2‬‬
‫نظره على قولك ‪ :‬دعها فيلقيها من يده ‪.‬‬

‫وختم قوله في االبتداء بقصة ابن نباتة عند دخوله على رؤساء في مجلس أنس ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فقال له ‪ :‬أنشدنا شيئا ف نشد ‪:‬‬
‫أقُو ُل لل َك س إ َذا ا ْبتَ َدي ‪ ...‬ب َك ِّ أحْ َوي أَ َغ ٌّن أحْ َو ُر‬
‫(‪)4‬‬
‫أَ َخ َر ْبتَ بَ ْيتي َوبَ ْيتَ عيري ‪ ...‬وأَصْ ُل َذا َك ْعب َ‬
‫ك ال ُم َدو ُر‬

‫فتشاءم الرئيس بذلك ‪،‬ونهض قائما من ذلك المجلس ‪.‬‬

‫وخالصة رأي الندواجي‪ :‬أن المبدادئ ضدرورة مدن ضدرورات القصديدة المكوندة‬
‫لها ‪.‬‬
‫كمددا وافددق مددن كددان قبلدده فددي االهتمددام بالمطددالع واالبتددداء؛ إيمانددا مندده ب ندده أول‬
‫مايقر فدي األذهدان ‪،‬واستشدهاداته المتعدددة والمتوافقدة مدع مدن سدبقه؛ ت كيددا علدى‬
‫موافقته لرأيهم وت ييده لهم‪.‬‬
‫أما خالصة المبحث فاالبتداء علدم بدارز فدي سدارية الشدعر العربدي وواجهدة فدي‬
‫مقدمته‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪،‬للنواجي (و‪.)58‬‬
‫(‪ )2‬المصدرنفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬خزانة األدب وغاية األرب‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)60 /2‬‬

‫‪145‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ثانيا ً‪ -‬المقاطع – حسن الخاتمة ‪:‬‬

‫ولمصددطلح المقدداطع مسددميات كثيددرة مرادفددة لدده أشددهرها ( االنتهدداء – وحسددن‬


‫الختام– والمقطع) ‪ ،‬وكلها فن واحد متعدد التسمية وهدو يديثر فدي الدنفس ويحركهدا‬
‫عند ختام القصيدة ليبقى أثرها عالقا في النفس ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أي‬ ‫والختام في اللغة ‪ :‬انتهاء الشديء وآخدره ‪ ،‬وفدي القدرآن ‪ ‬ختَا ُمدهُ مسْدك‪‬‬
‫(‪)2‬‬
‫آخره ألن آخر ما يجدونه رائحة المسك ‪.‬‬

‫واختلددد أهدددل المعرفدددة فدددي المقددداطع والمطدددالع‪ :‬فقدددال بعضدددهم‪ :‬هدددي الفصدددول‬
‫والوصددول بعينهددا‪ ،‬فالمقدداطع‪ :‬أواخددر الفصددول‪ ،‬وقددال غيددرهم‪ :‬المقدداطع‪ :‬منقطددع‬
‫(‪)3‬‬
‫األبيات‪ ،‬وهي القوافي‪.‬‬

‫ومدن أبدرز النقدداد الدذين ذكدروا هددذا المصدطلح الجداحظ الددذي روي أن شدبيبا بددن‬
‫شيبة كان يقول‪:‬‬
‫" الندداس موكلددون بتفضدديل جددودة االبتددداء وبمددد صدداحبه‪ ،‬وأنددا موكددل بتفضدديل‬
‫(‪)4‬‬
‫جودة المقطع وبمد صاحبه " ‪.‬‬

‫والمقددداطع كمدددا ذكرندددا سدددابقا ‪ ،‬تعندددي حسدددن الخاتمدددة التدددي وجدددب فيهدددا العنايدددة‬
‫واالهتمام ؛ ألنها آخر ما يبقى في األسما فيظل أثره عالقا في الذهن ‪.‬‬

‫وورد مصطلح الخاتمة عند القاضي الجرجاني(‪392‬هـ) حين قدال ‪ " :‬والشداعر‬
‫الحاذق يجتهدد فدي تحسدين االسدتهالل والدتخلص وبعددهما الخاتمدة؛ فإنهدا المواقد‬
‫(‪)5‬‬
‫التي تستعْط أسما َ الحضور‪ ،‬وتستميلهم إلى اإلصغاء " ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سورة المطففين‪.26 :‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب‪ ،‬مادة [ختم]‪.‬‬
‫(‪)3‬العمدة ‪،‬البن رشيق (و‪.)216‬‬
‫(‪ )4‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (‪.)111/1‬‬
‫(‪ )5‬انظر‪ :‬الوساطة بين المتنبي وخصومه( و‪ ،)48‬أبو الحسن علي بن عبدالعزيز القاضي‬
‫=‬
‫‪146‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫واالسددتهالل بدايددة األمددر والخاتمددة نهايتدده ‪ ،‬والجرجدداني يددري فيهمددا اسددتعطاف‬


‫القلوب ‪ ،‬واستمالة قلوب الحضور لبصغاء ‪ ،‬لذا وصد الجرجداني الشداعر الدذي‬
‫يلتفت إليهما فيحسدنهما بالحذاقدة؛ ألن االسدتهالل أول مدا يقدع فدي أسدما الحضدور‬
‫والخاتمة آخر ما يبقى في أذهانهم ‪ ،‬لذا كان لزاما على الشداعر االجتهداد فدي صدنع‬
‫األمرين ‪.‬‬

‫وسماه أبدو هدالل العسدكري(‪395‬هدـ) المقطدع ‪ ،‬وعرفده قدائال ‪ " :‬والمقطدع آخدر‬
‫(‪)1‬‬
‫مايبقى في النفس من قولك " ‪.‬‬

‫ووافق أبو هالل العسكري الجرجاني في أثرالمقاطع وخالفه في اسمها ‪.‬‬


‫وقال أيضا ‪ " :‬فينبغي أن يكون آخر بيت في قصيدتك أجود بيدت فيهدا ‪ ،‬وأدخدل‬
‫(‪)2‬‬
‫في المعنى الذي قصدت له في نظمها " ‪.‬‬

‫ومن األمثلة التي ذكرها في جودة المقطع قول ابن الزبعري في ختام قصيدة له‪:‬‬
‫(بحر الكامل)‬
‫(‪)3‬‬ ‫ب قَد َخلَ ْ‬
‫وأقبل تضر م ْستضي ع تائب ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫فخذ الفَض ْيلة عن ذنو ع‬

‫وسماه ابن رشيق باالنتهاء ‪ ،‬وع ّرفه بقوله ‪ " :‬وأما االنتهاء فهو قاعدة القصديدة‪،‬‬
‫وآخر ما يبقى منها في األسدما ‪ ،‬وسدبيله أن يكدون محكمدا‪ :‬ال تمكدن الزيدادة عليده‪،‬‬
‫وال ي تي بعده أحسن منه‪ ،‬وإذا كان أول الشدعر مفتاحدا لده ‪ ،‬وجدب أن يكدون اآلخدر‬
‫(‪)4‬‬
‫قفال عليه " ‪.‬‬

‫وجعله ابن رشيق قاعدة القصيدة وأساسها ؛ ألهميته ولألثر الذي يتركه ‪ ،‬وآخدر‬
‫ما يبقى منها في األسما ‪ ،‬لذا وجب أن تكون آخر أبيات القصيدة أجودها وأكملهدا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫= الجرجاني‪ ،‬شر وتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬علي محمد البجاوي‪ ،‬مطبعة عيسى الحلبي‬
‫وشركاه‪.‬‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري ( و‪.)438‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه (و‪.)134 :‬‬
‫(‪ )4‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)239‬‬

‫‪147‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫لفظا ومعنى ‪ ،‬فإذا كان أول القصيدة وهدو االسدتهالل مفتاحدا لهدا ‪ ،‬وجدب أن يكدون‬
‫االنتهاء قفال جيدا قويا عليها ‪.‬‬

‫وإذا لدم تشددعر القصديدة السددامع باالنتهداء يبقددى الكدالم مبتددورا ؛ألن نفدس السددامع‬
‫مازالدت متعلقدة ومترقبدة تتطلددع إلدى المزيدد والنهايدة ‪ ،‬ومددن أمثلدة هدذا قدول امددرئ‬
‫القيس في وص السيل وشدة المطر‪(:‬بحرالطويل)‬
‫(‪)1‬‬
‫َك َ فن ال ِّسبَا َ فيْه غَرْ قَى َعشيفة‪...‬ب َرْ َجائه القُصْ َوي أَنَابيْشُ ُع ْنصُل‬

‫فالبيددت ال يوضددح مددا الددذي بعددد هددذا الوص د فتبقددى الددنفس مترقبددة المزيددد مددن‬
‫الوصدد ‪ .‬فلددم يجعدددل لهددا قاعدددة كمدددا فعددل غيددره مدددن أصددحاب المعلقددات‪ ،‬وهدددي‬
‫(‪)2‬‬
‫أفضلها ‪.‬‬

‫أما أسامة بن منقذ فقد سماه المقطع فقال ‪ ":‬اعلم أن األواخر والمقاطع ينبغدي أن‬
‫يتحدرز الشداعر فيهددا ممدا يعتددرض عليده ‪ ،‬وينبغددي أن تكدون أواخددر القصدائد حلددوة‬
‫المقاطع‪ ،‬توقن النفس ب نه آخر القصديدة؛ لدئال يكدون كدالبتر‪ ،‬وأحسدن المقداطع قدول‬
‫(‪)3‬‬
‫ت ب شرا"‪( :‬بحرالبسي )‬
‫(‪)4‬‬
‫ندم ‪ ...‬إذا تذكرتَ يوما بعض أخالقي‬ ‫ف‬
‫السن من ع‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫لتقرعن عل ف‬

‫كذلك من وصد المقداطع واألواخدر أن تكدون حلدوة ‪ ،‬وأن تكدون ميكددة للدنفس‬
‫ب نها آخر ما في القصيدة ‪ ،‬ويوافق أسامة بن منقذ ابن رشديق بد ن القصديدة البدد أن‬
‫تكون ميكدة للنفس ب خرها حتى ال تكون مبتورة ‪.‬‬

‫وس فماه ابن أبي اإلصبع(‪640‬هـ) بحسن الخاتمة ‪ ،‬وقدال ‪ " :‬يجدب علدى الشداعر‬
‫والناثر أن يختما كالمهما ب حسن خاتمة‪ ،‬فإنهدا آخدر مدا يبقدى فدي األسدما ‪ ،‬وألنهدا‬
‫ربما حفظت من دون سائر الكالم في غالب األحوال فيجب أن يجتهدد فدي رشداقتها‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان امرئ القيس (و‪)8 :‬‬
‫(‪ )2‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)239‬‬
‫(‪ )3‬البديع في نقد الشعر‪ ،‬ألسامة بن منقذ (و‪.)287‬‬
‫(‪ )4‬قيل أنه لسلمة بن حنش في تهذيب إصال المنطق (و ‪.)383‬‬

‫‪148‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫ونضجها وحالوتها وجزالتها"‪.‬‬

‫ووافق الجرجداني و أبدوهالل العسدكري وابدن رشديق فدي أن حسدن الخاتمدة هدي‬
‫آخددر مددا يبقددى فددي السددمع وأضدداف علدديهم أن تكددون الخاتمددة رشدديقة ناضددجة حلددوة‬
‫وجزلة ‪.‬‬

‫وأشددار القرطدداجني(‪684‬هـددـ) إلددى االهتمددام بالختددام فيقددول‪ " :‬فينبغددي أن يك دون‬


‫بمعان سارة فيما قصد به التهاني والمديح ‪ ،‬وبمعان ميسدية فيمدا قصدد بده التعدازي‬
‫والرثاء ‪ ،‬وكذلك يكون االختتام في كل غرض بما يناسبه ‪ ،‬وينبغي أن يكون اللفدظ‬
‫فيه مستعذبا والت لي جزال متناسبا ‪ ،‬فدإن الدنفس تكدون متفرغدة؛ لتفقدد مدا وقدع فيده‬
‫(‪)2‬‬
‫غير مشتغلة باستئناف شيء آخر" ‪.‬‬

‫صل القرطاجني القول في الخاتمة‪ ،‬وبيفن كي تكون في التهداني والمدديح مدن‬ ‫وف ف‬
‫معان سارة‪ ،‬وفي التعازي والرثاء من معان محزنة ‪ ،‬وكل غرض فيما يناسدبه مدن‬
‫معان توافق حالها ‪ ،‬باإلضافة إلى عذوبة اللفظ وجزالة الت لي ‪.‬‬

‫وما زال يوصي الشاعر باالهتمام بالمقاطع أو الختدام بد ن يجعدل فيهدا أحسدن مدا‬
‫عنده وأفضله‪ ،‬ثم ينبه من إنهداء القصديدة علدى ألفداظ كريهدة أو منفدرة للدنفس ؛ ألن‬
‫من القبيح أن ي تي كدر بعد صفو‪ ،‬وقبح بعد جمال ‪.‬‬

‫وكددذلك س د فماه بالمقدداطع وقددال فيدده ‪ " :‬وأمددا مددا يجددب فددي المقدداطع وهددي أواخددر‬
‫القصائد فإنه يتحري أن يكون ما وقع فيها مدن الكدالم ك حسدن مدا انددرج فدي حشدو‬
‫القصيدة ‪ ،‬وأن يتحرز فيها من قطع الكالم علدى لفدظ كريده ‪ ،‬أو معندى منفدر للدنفس‬
‫عما قصدت إمالتها إليه ‪ ،‬وو ّجه العناية بهذا الموضع؛ ألنه منقطع الكالم وخاتمتده‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فال شيء أقبح من كدر بعد صفو‪ ،‬وترميد بعد إنضاج" ‪.‬‬

‫وس فماه ابن حجة الحموي(‪837‬هـ) الختدام‪ ،‬وقدال فيده ‪" :‬وهدذا الندو الدذي يجدب‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)616‬‬
‫(‪ )2‬منهاج البلغاء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)306‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المصدر نفسه (و‪)285‬‬

‫‪149‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫على الناظم والناثر أن يجعاله خاتمة لكالمهما‪ ،‬مع أنهمدا ال بدد أن يحسدنا فيده غايدة‬
‫اإلحسان‪ ،‬فإنده آخدر مدا يبقدى فدي األسدما ‪ ،‬وربمدا حفدظ مدن دون سدائر الكدالم فدي‬
‫(‪)1‬‬
‫غالب األحوال‪ ،‬فال يحسن السكوت على غيره " ‪.‬‬

‫وذكر ابن حجة ف‬


‫أن التيفاشي س ّماه"بحسن المقطدع" وسد فماه ابدن أبدي اإلصبع(بحسدن‬
‫(‪)2‬‬
‫الخاتمة) ‪.‬‬

‫كما ص فر بضرورة االهتمام بحسن الختام‪ ،‬وأن يحسنا الناظم والنداثر فيده غايدة‬
‫االحسان ؛ ألنه آخر ما يبقى في األسما ‪.‬‬

‫ومددن األمثلددة التددي ذكرهددا ابددن حجددة فددي حسددن الختددام قولدده فددي بديعيتدده (بحددر‬
‫البسي ) ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ُح ْسن ابتَدائي به أر ُجو التفخلّص من ‪ ...‬نَار ال َجحيم وهَذا ُح ْسن مختتمي‬

‫وقال بعده في حسن الختام (بحر الطويل) ‪:‬‬


‫(‪)4‬‬
‫ك َسالم ن ْشره كلفما بدا ‪ ...‬به يت َغالى الطِّيبُ والم ْس ُ‬
‫ك يختم‬ ‫َعلي َ‬

‫وقال الشيخ صفي الدين في حسن الختام ‪:‬‬


‫ّ (‪)5‬‬
‫ك ُموجبُه ‪ ...‬وإن َش ُ‬
‫قيت فذنبي موجبُ النقم‬ ‫ْ‬
‫فإن َسعدت ف َمدحي في َ‬

‫وس د فماه النددواجي(‪859‬هددـ) بددالمقطع فقددال‪ " :‬وحصددل المبدددأ والمقطددع ‪ ،‬فإنهمددا‬
‫(‪)6‬‬
‫أصعب ما في القصيد" ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬خزانة األدب البن حجة الحموي (‪.)493/ 2‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه (‪.)493/ 2‬‬
‫(‪)3‬خزانة األدب وغاية األرب البن حجة الحموي (‪)493 /2‬‬
‫(‪)4‬المصدر نفسه (‪)504/2‬‬
‫(‪)5‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪)6‬مقدمة في صناعة النظم والنثر ‪ ،‬للنواجي (و‪.)31‬‬

‫‪150‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ثم أشار إلى ما ذكره ابن حجة من ف‬


‫أن التيفاشي س فماه ( بحسن المقطدع ) كمدا بديفن‬
‫النواجي رأيه في حسن الخاتمة‪ ،‬والذي وافق فيه ابن حجة واكتفى بقوله ولم يض‬
‫إليه شيئا ‪.‬‬

‫وأورد النواجي مقاطع للسور الكريمة في الكتاب العزيز فقال‪ :‬ومن المعجز فدي‬
‫(‪)1‬‬
‫إلى آخدر السدورة فدانظر أيهدا‬ ‫ذلك قوله تعالى ‪  :‬إ َذا ُز ْلزلَت ْاألَرْ ضُ ز ْلزَالَهَا‪‬‬
‫المتدبر إلى هذه البالغة المعجزة ‪ ،‬فإن السورة الكريمة بددأت بد هوال يدوم القيامدة‪،‬‬
‫وختمت بقوله تعالى ‪  :‬فَ َمن يَ ْع َملْ م ْثقَا َل َذ فر عة َخيْرا يَ َرهُ َو َمن يَ ْع َملْ م ْثقَا َل َذ فر عة َشدرّا‬
‫(‪)2‬‬
‫يَ َرهُ‪‬‬

‫وخالصة األمر في حسن الخاتمة أن النقاد اتفقوا جميعا‪ ،‬على ضرورة االعتناء‬
‫بها؛ ألنها آخر ما يقع في األسما فتبقى عالقة في األذهان بما انتهت عليه ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سورة الزلزلة ‪ ،‬آية‪.1 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة الزلزلة ‪ ،‬آية‪.8:‬‬

‫‪151‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫المبحث السابع ‪ -‬قضية تمكين القوافي وتهذيبها‬

‫هذه القضدية الشدعرية هدي آخدر قضدايا الشدعر التدي عدرض لهدا الندواجي فدي كتابده‬
‫مقدمة في صناعة النظم والنثر ‪.‬‬

‫ُعني النقاد بالقافية ‪ ،‬فهي آخر ما يطرق السمع من الشعر‪ ،‬تاركة أثرها في النفس‪.‬‬

‫والشددعراء القدددماء لددم يُنَظ ُمددوا قصددائدهم إال موزونددة و مقفدداة ‪ ،‬إيمانددا مددنهم بجمددال‬
‫القافية ‪ ،‬ومدي ت ثيرها في نفس المتلقي ‪.‬‬

‫أن المراد بالقافية ‪ :‬القَفا‪.‬‬


‫وجاء في لسان العرب " ف‬

‫ويقولون ‪:‬القَفَن في موضع القَفا‪ ،‬وقال‪ :‬هي قافية ْ‬


‫الدرأس ‪.‬وقافيدةُ كدل شديء‪ :‬آخدره‪،‬‬
‫ومنه قافية بيت ال ِّش ْعر ‪ ،‬وقيل قافية ْ‬
‫الرأس ميخره‪.‬‬

‫وسميت قافية؛ ألَنها تقفو البيت‪ ،‬و في الصحا ‪" :‬ألَن بعضها يتبع أَثر بعض"(‪.)1‬‬

‫وقيل أيضا‪ " :‬لكونها في آخر البيت م خوذة من قولك‪ :‬قفوت فالنا‪ ،‬إذا تبعته‪.‬‬
‫وقفا الرجل أثر الرجل إذا قصه‪. )2( " .‬‬
‫ان َعلَددى‬ ‫شد ْيطَ ُ‬‫هُ َعلَ ْيدده َو َسددلف َم؛ حيددث قَددا َل‪ (( :‬يَعْقد ُد ال ف‬ ‫صددلفى ف‬ ‫ومندده حددديث الرسددول َ‬
‫ك لَيْدل طَويدل‬ ‫دان ُكد ِّل ُع ْقد َد عة َعلَيْد َ‬
‫ث ُعقَد عد يَضْ دربُ َم َك َ‬ ‫قَافيَة َر ْأس أَ َحد ُك ْم إ َذا هُ َو نَدا َم ثَ َدال َ‬
‫صدلفى ا ْن َحلف ْ‬
‫دت‬ ‫دت ُع ْقد َدة فَدإ ْن َ‬ ‫ت ُع ْق َدة فَإ ْن تَ َوضفد َ ا ْن َحلف ْ‬ ‫هَ ا ْن َحلف ْ‬‫فَارْ قُ ْد فَإ ْن ا ْستَ ْيقَظَ فَ َذ َك َر ف‬
‫يث النف ْفس َكس َْال َن ))(‪. )3‬‬ ‫ِّب النف ْفس‪َ ،‬وإ فال أَصْ بَ َح خَب َ‬ ‫ُع ْق َدة فَ َصْ بَ َح نَشيطا طَي َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬لسان العرب ‪ ،‬مادة [قفا ]‪.‬‬
‫(‪)2‬القوافي ‪ -‬للقاضي أبي يعلي عبد الباقي التنوخي ‪ .‬المحقق‪ :‬د‪ .‬عوني عبد الرؤف ‪ .‬مكتبة الخانجي –‬
‫بمصر‪ -‬ط‪ 1978 ،2‬م – و‪.59‬‬
‫(‪)3‬أخرجه البخاري في صحيحه (‪ )310 /4‬كتَاب ْال ُج ُم َعة‪َ ،‬باب َع ْقد ال فش ْيطَان َعلَى قَاف َية الرفأْس إ َذا َل ْم‬
‫ُصلِّ باللفيْل(‪.)1074‬‬
‫ي َ‬

‫‪152‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(قافية رأس أحدكم )؛ أي ميخر عنقه‪ ،‬وقافية كل شيء ميخره ‪.‬‬

‫" وقَفاه قَ ْفوا وقُفُ ّوا و ا ْقتَفاه و تَقَففاه‪ :‬تَب َعه‪.‬‬

‫قَفا يَ ْقفُو قَ ْفوا وقُفُ ّوا‪ ،‬وهو أَن يتبع الشيء‪.‬‬

‫وعرفف العلماء القافية في االصطال ‪ ،‬فقدال األخفدش‪ " :‬والقافيدة مدن الشدعر الدذي‬
‫(‪)1‬‬
‫يقفو البيت‪ ،‬وجعلها آخر كلمة في البيت‪" ،‬وأَراد هنا‪ ،‬بالقوافي األَبيات ‪" .‬‬

‫ومدددنهم مدددن رأي ف‬


‫أن القافيدددة هدددي تكدددرار الحدددروف والحركدددات كيييأبي موسيييى‬
‫الحييامض(ت‪305‬هييـ)(‪ " :)2‬القافيدددة مددا يلددزم الشددداعر تكريددره فددي كدددل بيددت مدددن‬
‫(‪)3‬‬
‫الحروف والحركات" وهذا قول جيد‪.‬‬

‫وبعضددهم رأي أن القافيددة هددي حددرف الددروي كقددول قطييرة(ت‪206‬هييـ)(‪" :)4‬‬


‫القافية حرف الروي‪ ،‬وأدخلت الهاء عليده‪ ،‬كمدا أدخلدت علدى عالمدة ونسدابة‪ ،‬وألن‬
‫القائل يقول‪ :‬قافية هذه القصيدة دال أو ميم" (‪.)5‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬لسان العرب ‪ ،‬مادة ( قفا )‪.‬‬
‫(‪)2‬هو سليمان بن محمد‪ ،‬ولقب بال حامض لشراسته‪ ،‬الزم ثعلبا زهاء أربعين حوال‪ ،‬ثم خلفه بعد موته‪،‬‬
‫وكان موهوب البيان‪ ،‬شديد العصبية الكوفية‪ ،‬له في النحو مختصر‪ ،‬وتوفي ببغداد سنة‬
‫‪305‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد (‪.)61 /9‬‬
‫(‪)3‬القوافي (و‪ )66‬تحقيق‪ :‬ال ّدكتور عوني عبد الرّ ءوف‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط (‪1978 )2‬م‪.‬‬
‫علي النحوي المعروف بقطرب‪ ،‬الزم سيبويه وكان يدلج إليه‪ ،‬فإذا‬
‫ّ‬ ‫(‪)4‬هو‪ :‬محمد بن المستنير أبو‬
‫خرج رآه على بابه‪ ،‬فقال‪ :‬ما أنت إال قطرب ليل‪ ،‬فلقب به‪ ،‬وأخذ عن عيسى بن عمرو‪ .‬وله‬
‫من التصاني ‪ :‬العلل في النحو‪ ،‬الغريب في اللغة‪ ،‬ومجاز القرآن‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬توفي ببغداد‬
‫(‪206‬هـ)‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)298 /3‬‬
‫(‪)5‬القوافي‪ ،‬للتنوخي (و‪.)66‬‬

‫‪153‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وقال الخنيل(ت‪170‬هـ)(‪ " :)1‬القافية من آخر حرف في البيت إلى أَ ّول ساكن‬
‫يليه مع الحركة التي قبل الساكن‪ ،‬ويقال مع المتحرك الذي قبل الساكن ك َن القافية‬
‫على قوله من قول لبيد"(‪. )2‬‬

‫َعفَت الدِّيا ُر َم َحلها فَ ُمقا ُمها ‪ ....‬بمنَى تَ َبفـ َد غ َْولُهَا فَر َجا ُمهَـا (‪. )3‬‬

‫وقال ابن كيسان(‪ " :)4‬القافية كل شيء لزمت إعادته في آخر البيت "(‪. )5‬‬

‫الناس في القافية؛ فقال بعضهم هي القصيدة بهذا البيت‪.)6(" .‬‬ ‫" وقد اختل‬

‫سنَا ‪ ...‬ن نَ ْبقَى َويَ ْذهَبُ َم ْن قَالَهَا(‪( .)7‬بحر المتقارب)‬


‫َوقَافيَة م ْثل َح ِّد ال ِّ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي األزدي اليحمدي‪ ،‬أبو عبد الرحمن‪ :‬من أئمة اللغة‬
‫واألدب‪ ،‬وواضع علم العروض‪ ،‬أخذه من الموسيقى وكان عارفا بها‪ ،‬وهو أستاذ سيبويه‬
‫النحوي‪ ،‬مات في البصرة‪،‬سنة‪170(:‬هـ) شذرات الذهب (‪. )268 /1‬‬
‫(‪)2‬لسان العرب ‪ ،‬مادة (قفا) ‪.‬‬
‫(‪)3‬ديوان لبيد(و‪.)98‬‬
‫(‪)4‬ابن كيسان‪ :‬هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان‪ ،‬كان يحفظ مذاهب البصريين‬
‫والكوفيين في النحو‪ ،‬ألنه أخذ عن أبوي العباس‪ :‬المبرد وثعلب‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬ثم ذا اسمه فكان‬
‫درسه غاصا باأل مراء واألشراف والدهماء‪ ،‬والكل لديه سواسية‪ ،‬وله مصنفات في مختل‬
‫علوم العربية‪ ،‬منها في النحو‪ :‬المهذب‪ ،‬والمختار في علل النحو‪ ،‬والمسائل على مذهب‬
‫فيه البصريون والكوفيون‪ ،‬والف اعل والمفعول به‪ ،‬توفي ببغداد سنة‬ ‫النحويين؛ مما اختل‬
‫‪299‬هـ‪ .‬بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة‪ .)18/1( ،‬جالل الدين عبد الرحمن‬
‫السيوطي‪ ،‬المكتبة العصرية ‪ -‬لبنان ‪ /‬صيدا‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪.‬‬
‫(‪)5‬لسان العرب ‪ . ،‬مادة (قفا)‪.‬‬
‫(‪)6‬القوافي‪ ،‬للتنوخي (و‪.)64‬‬
‫(‪)7‬ديوان الحماسة (‪ )239 /1‬للبحتري‪ .‬طبع القاهرة ‪1929‬م‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وقددال بعضددهم‪ :‬القافيددة البيددت‪ ،‬واحددتج بقددول سددحيم عبددد بنددي الحسددحاس (بحددر‬
‫الطويل) ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أ َشا َرت بم ْد َراهَا َوقَالت لترْ بهَا ‪ ...‬أَ َع ْب ُد بني الحسحاس ي ُْزجي‬

‫ويقول حسان (بحر الوافر) ‪:‬‬

‫تختَل ُ الدِّما ُء (‪. )2‬‬


‫حين ْ‬
‫َ‬ ‫فَنُحْ ك ُم بالقَوافي َمن هَجانا ‪ ...‬ونَضْ ربُ‬

‫وخالصة ما سبق من تعدد تعريفات القافية فإن أغلب النقاد قد أجمعوا على أن‬
‫القافية آخرما يذكر في البيت الشعري ‪.‬‬

‫وكمددا اعتنددى العلمدداء بالقافيددة ‪ ،‬فقددد أوصددوا بتهددذيبها ‪ ،‬وب خددذ أسددهل األلفدداظ‬
‫مخرجا وأوضحها معنى ‪ ،‬وابتعدوا عن أصعبها لفظدا وأكثرهدا نفدورا ‪ .‬وأوصدوا‬
‫بالمخدارج ْ‬
‫أن تكددون م لوفددة معروفدة منتظمددة فيمددا بينهدا ‪ ،‬غيددر نددافرة أو مسددتبعدة‪،‬‬
‫معلال بعضهم ذلك ب ّن القوافي حوافر الشعر‪.‬‬

‫وييكد ذلك أسامة ب المنقذ(‪584‬هـ) في كالمه عن القدوافي قولده‪ " :‬واقصدد‬


‫(‪)3‬‬
‫القوافي الحسنة‪ ،‬وال تقصد المستهجنة‪ ،‬فإنها حوافر الشعر ‪.‬‬

‫ف وصى بالقوافي الحسنة‪ ،‬ونهى عن القوافي المستهجنة النافرة ‪.‬‬

‫ووافقه في ذلك حيازم القرطياجني(ت‪684‬هيـ) ‪ ،‬وفسّدرالحوافر بقولده ‪" :‬وقدال‬


‫في ذلك بعض العرب لبنيه ‪ :‬اطلبوا الرمدا فإنهدا قدرون الخيدل ‪ ،‬وأجيددوا القدوافي‬
‫فإنها حوافر الشعر‪،‬أي عليها جريانه واطّراده‪ ،‬وهي مواقفه ‪ .‬فإن صحّت استقامت‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬الحماسة البصرية (و‪)152 :‬‬
‫(‪)2‬ديوان حسان بن ثابت (و ‪ )1‬ت‪ :‬سيد حنفى حسنين ـ ط‪ :‬دار المعارف ـ بدون تاريخ‪.‬‬
‫(‪ )3‬البديع في نقد الشعر‪ ،‬ألسامة بن منقذ (و‪.)296‬‬

‫‪155‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫جريته ‪ ،‬وحسنت مواقفه ونهاياته ‪".‬‬

‫ف شبهت العرب القوافي بحوافر الفدرس ؛ لمدا تتركده مدن قدوة أثدر فدي الصدوت‬
‫والشكل؛ فحوافر الفرس تترك أثرا بارزا في مكان جريانها ‪ ،‬وصوتا قويا متناغما‬
‫ومتتابعا ‪ ،‬باإلضافة إلى أنها تستقيم خطوات الفرس وجريانه بها‪ ،‬كذلك هدو الحدال‬
‫فدددي القدددوافي فهدددي تتدددرك أثدددرا بدددارزا بإيقاعهدددا الموسددديقي وبحروفهدددا المتناسدددقة‬
‫والمتناغمة ‪ ،‬وعليها يكون اعتماد الشعر وجريانه واستقامته ‪.‬‬

‫وكددان مددن تعليددق المعاصددرين علددى ذلددك مددارآه د‪ .‬مص يطفى الجييوزو مددن أن‬
‫(حددوافر الشددعر) فسددرت بتفسدديرات متعددددة؛ فمددنهم مددن قددال إنهددا تعنددي أن القافيددة‬
‫أشرف مافي البيت ؛ ألن حوافر الفرس أوثدق مدا فيده وعليهدا اعتمداده ‪ .‬ومدنهم مدن‬
‫قال إن القافية مركز البيت الشعري‪ ،‬وسبيل الشاعرأن يعندى بتهدذيبها ‪ ،‬ومدنهم مدن‬
‫قال إن ذلك يعني أن القافية عليها جريان الشعر واطراده؛ أي مواقفه ‪ ،‬فإن صدحت‬
‫استقامت جريته‪ ،‬وحسنت مواقفه ونهاياته‪.‬‬

‫ويبدو ف‬
‫أن الرأي األخير هو أقرب للمعنى الذي قصده النقاد السدابقون‪ ،‬وهدو مدا‬
‫رجحه د‪ .‬مصطفى الجوزو في كتابه نظريدات الشدعر‪ ،‬معلدال ذلدك ب نده ال عالقدة‬
‫بين الشرف والحدوا فر وإن كاندت معتمدد الفدرس ‪ ،‬وال بدين الحدوافر ومركدز البيدت‬
‫وإن كانت مرتكز جسم الخيل ؛ فالحوافر ال تخيل لنا شيئا جامدا‪ ،‬بل شيئا متحركا‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهذا ما يناسب الت ويل الثالث‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬منهاج البلغاء‪ ،‬للقرطاجني (و‪)271‬‬
‫(‪ )2‬انظر نظريات الشعر عند العرب ‪ ،‬للجوزو( ‪.)38/1‬‬

‫‪156‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫فالقرطيياجني لددم يعتبددر إال موقددع الحددوافر فددي سدديرها علددى األرض ‪ ،‬وكددذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫القوافي فهي ترسم مجري األبيات ‪ ،‬تتكرر في العروض والضرب‬

‫وخالصددة الددرأي أندده كمددا تتددرك حددوافر الفددرس أثرهددا علددى األرض وفددي‬
‫السمع‪ ،‬كذلك هو الحال في القوافي التي تترك أثرها البارز في السمع والنفس ‪.‬‬

‫وق فل من تناول عبارة (حوافر الشعر ) من النقاد فلم تقع الباحثة إال على هيالء‬
‫الثالثة من النقاد ‪ ،‬فتميز ذكرهم لها ونعتهم للقافيدة بهدا ‪ ،‬فالنعدت كدان بليغدا يوصدل‬
‫الغرض بصورة ملموسة محسوسة ‪.‬‬

‫ومددن أبددرز اآلراء التددي تدارسددت أبعدداد قضددية تمكدين القافيددة ‪ ،‬رأي بشددر بددن‬
‫المعتمر حين أوصى بدإحالل القافيدة ومشداكلتها مدع معندى القصديدة فقدال ‪" :‬وتجدد‬
‫اللفظة لم تقع موقعها ولم تصل إلى قرارها وإلدى حقهدا مدن أماكنهدا المقسدومة لهدا‪،‬‬
‫والقافيدة لددم تحددل فددي مركزهدا وفددي نصددابها‪ ،‬ولددم تتصدل بشددكلها‪ ،‬وكانددت قلقددة فددي‬
‫مكانها‪ ،‬نافرة من موضعها‪ ،‬فال تكرهها على اغتصاب األماكن‪ ،‬والنزول في غيدر‬
‫اختي دار الكددالم‬ ‫أوطانهددا‪ ،‬فإنددك إذا لددم تتعدداط قددرض الشددعر المددوزون‪ ،‬ولددم تتكل د‬
‫المنثور‪ ،‬لم يعبك بترك ذلك أحد"(‪.)2‬‬

‫فلدددم يُغفدددل بشدددر(‪210‬هدددـ) القافيدددة ولدددم يهملهدددا‪ ،‬بدددل اهدددتم بمكانهدددا ومركزهدددا‬
‫وبمشاكلتها ‪ ،‬ونهى عن إكراهها في اغتصداب األمداكن حدين تكدون قلقدة ندافرة مدن‬
‫مكانها‪.‬‬

‫ووافقدده الجدداحظ(‪255‬هددـ) حددين أبددرز مكانددة القافيددة وأهميتهددا عنددد قولدده ‪" :‬‬
‫وحدددثني صددالح بددن خاقددان‪ ،‬قددال‪ :‬قددال شددبيب بددن شدديبة‪ " :‬الندداس مو ّكلددون بتفضدديل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬المصدرنفسه (‪.)38/1‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (‪.)130/1‬‬

‫‪157‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫جودة االبتداء‪ ،‬وبمد صاحبه‪ ،‬وأنا موكل بتفضيل جودة المقطع‪ ،‬وبمدد صداحبه‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وحظ جودة القافية وإن كانت كلمة واحدة‪ ،‬أرفع من حظ سائر البيت"‬

‫ووافقهددم فددي ذلددك ابددن قتيبددة حددين جعددل الددتمكن مددن القددوافي سددمة مددن سددمات‬
‫المطبو من الشعراء‪ ،‬وجُع َل التمكن من القافية واالقتددار عليهدا‪ ،‬سدمة مدن سدمات‬
‫المطبددو مددن الشددعراء‪ ،‬و ذلددك فددي قولدده ‪ " :‬والمطبددو مددن الشددعراء مددن سددمح‬
‫(‪)2‬‬
‫بالشعر‪ ،‬واقتدر على القوافى‪ ،‬وأراك فى صدر بيته عجزه‪ ،‬وفي فاتحته قافيته"‬

‫والشاعر حين يهم بنظم القصيدة يحرك المعندى الدذي فدي فكدره ثدم يعدد لده مدن‬
‫عندد المعداني ويدري مدا يشداكل‬ ‫األلفاظ ما يناسبه‪ ،‬و من القوافي مدا توافقده ‪ ،‬ويقد‬
‫منهددا القددوافي ويشددغل فكددره فيهددا ويعمددل عليهددا ‪ ،‬فددتمكن القافيددة شددرط فددي الشددعر‬
‫يتحراه ويتقيد به كل شاعر ‪ ،‬وال ُم ْكنة حس وشعور البد أن توجد في ملكدة األديدب‪،‬‬
‫وإال ما اقتدر على نظم القوافي وتمكنها ‪.‬‬

‫فالقافية المتمكنة تكون في البيت كالشيء الموعود به المنتظر يتشوقها ال َم ْعند ّي‬
‫(‪)3‬‬
‫ويتطلع إليه ‪.‬‬

‫ووافق اب طباطبا (ت‪322‬هـ) بشرا في قوله‪ " :‬فإذاَ أ َرا َد ال ف‬


‫شاع ُر بنا َء قَصيد عة‬
‫َض ال َمعْنى ‪ )4(" ....‬قد سبق ذكره ‪.‬‬
‫مخ َ‬

‫وخالصددة رأي ابددن طباطبددا أن يشددغل الشدداعر فكددره فددي وضددع القددوافي بمددا‬
‫تناسب المعاني ونقل القوافي ووضعها في األماكن التي تشاكلها ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدر نفسه (‪.)111/1‬‬
‫(‪)2‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة ( و‪.) 91‬‬
‫(‪ )3‬انظر أسس النقد األدبي عند العرب ‪ ،‬د‪ .‬أحمد بدوي(و‪.)346‬‬
‫(‪)4‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا ( و‪.)7‬‬

‫‪158‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫ويوافددق قدامددة بشددرا وابددن طباطبددا فددي " أن تكددون القافيددة معلقددة بمددا تقدددم مددن‬
‫معنى البيت تعلق نظم له ومالئمة لما مر فيه " (‪. )1‬‬

‫إذن البد أن توافق القافية المعنى‪ ،‬وتطابق اللفظ‪ ،‬وتالئم الذوق‪ ،‬وتفي بالغرض‪.‬‬

‫كما يُذك ُر رأي أبي هالل العسكري في ش ن القافية‪ ،‬والدذي اتفدق فيده مدع بشدر‬
‫وابددن طباطبددا وقدامددة بقولدده ‪ " :‬وإذا أردت أن تعمددل شدعرا ف حضددر المعدداني التددى‬
‫تريد نظمها في فكرك‪ ،‬وأخطرها علدى قلبدك‪ ،‬واطلدب لهدا وزندا يتد تّى فيده إيرادهدا‬
‫وقافيددة يحتملهددا؛ فمددن المعددانى مددا تددتم ّكن مددن نظمدده فدي قافيددة‪ ،‬وال تددتم ّكن مندده فددى‬
‫أخري‪ ،‬أو تكون فى هذه أقرب طريقا وأيسر كلفة منه فى تلك " (‪.)2‬‬

‫وبمزيددد مددن المشدداركة واالختصدداو للقافيددة تميددزت عنددد بعددض العلمددداء ‪،‬‬
‫وصارت شريكة الدوزن فدي االختصداو بالشدعر‪ ،‬فدال يسدمون الشدعر شدعرا حتدى‬
‫يكون له وزن وقافية ‪.‬‬

‫وهذا ما أكده ابن رشيق في كتابه العمدة والذي سبق ذكره‪.‬‬

‫بهددذا ابددن رشدديق عمددن سددبقه مددن القدددماء ‪ ،‬فددي أندده جعددل مددن القافيددة‬ ‫واختلد‬
‫الفارق الذي بين الشعر والنثر فق ‪.‬‬

‫ومنهم من جعل القوافي كالسدجع يختدار منهدا مدا كدان متمكندا داال عليده الكدالم‬
‫بحيث لو سُمع صدر البيت ُعرف قافيته‪ ،‬وأخذ بهذا ابن سنان الخفداجي‪ ،‬وجداء فدي‬
‫كتابه قوله ‪ " :‬ف فما القدوافي فدي الشدعر فإنهدا تجدري مجدري السدجع‪ ،‬ف‬
‫وإن المختدار‬
‫منها ما كان متمكنا يدل الكالم عليه ‪ ،‬وإذا أنشد صدر البيت عرفت قافيتده كمدا قدال‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬نقد الشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر ( و‪.) 167‬‬
‫(‪)2‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري ( و‪.)139‬‬

‫‪159‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫قصيدته " (‪( . )1‬بحر البسي )‬ ‫ابن نباتة في وص‬


‫(‪)2‬‬
‫ت م ْنهَا قَ َوافيهَا‬
‫ص ُدو ُرهَا ُعرفَ ْ‬ ‫ت في ْالقَ ْوم م ْن طَ َر ع‬
‫ب ‪ُ ...‬‬ ‫ُخ ْذهَا إ َذا أ ْنش َد ْ‬

‫ف كد ابن نباتة في شعره أن القوافي متى استقرت في مكانها الصحيح وتمكندت‬


‫مدن معانيهدا جيددا ‪ ،‬وجددت السدامع للقصدديدة يد تي بقافيتهدا بسدماعه لصددر بيتهددا ‪،‬‬
‫ومتدى حصددل هددذا عرفددت أن القافيددة قددد تمكندت فددي ألفاظهددا وتمثلددت معانيهددا فوقددع‬
‫األثر فيمن حولها‪ ،‬وأيد رأيه ابن سنان الخفاجي ‪.‬‬

‫فوافق بذلك بشرا وابن طباطبا وأباهالل العسكري ‪.‬‬

‫كما ف‬
‫أن ابدن سدنان قدد وصدل باهتمامده بالقافيدة مدا سدبقه النقداد إليده فدي مشداكلة‬
‫القافية للمعنى واللفظ ‪.‬‬

‫وسد فمى ابي أبييي اإلصييبع(ت‪654‬هييـ) ائددتالف القددوافي ومشدداكلتها مددع األلفدداظ‬
‫بالتمكين وقال فيه ‪:‬‬

‫" وهو‪ ،‬أن يمهد الناثر لسجعة فقرته‪ ،‬أو الناظم لقافية بيته تمهيدا‪ ،‬ت تي القافيدة‬
‫به متمكنة في مكانها‪ ،‬مستقرة فدي قرارهدا‪ ،‬مطمئندة فدي موضدعها‪ ،‬غيدر ندافرة وال‬
‫قلقة‪ ،‬متعلقا معناها بمعنى البيت كله تعلقا تاما‪ ،‬بحيدث لدو طرحدت مدن البيدت اختدل‬
‫معناه واضطرب مفهومه"(‪. )3‬‬

‫فيددري ابي أبييي اإلصييبع(ت‪654‬هييـ) أن علددى الشدداعر أن يمهددد للقافيددة قبددل أن‬
‫يضددعها فددي القصدديدة؛ لتددتمكن مددن مكانهددا‪ ،‬وتسددتقر فددي موضددعها ‪ ،‬مطمئنددة غيددر‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سر الفصاحة ‪،‬البن سنان الخفاجي (و‪.) 171‬‬
‫(‪)2‬لم أجده في ديوانه ووجدته في المثل السائر البن األثير (‪.)206/3‬‬
‫(‪ )3‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)224‬‬

‫‪160‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫نددافرة‪ ،‬يتعلددق المعنددى به دا‪ ،‬ويختددل عنددد غيابهددا‪ .‬ويستشددهد ب بيددات المتنبددي ‪( :‬بحددر‬
‫البسي )‬

‫يَا َم ْن يَعز َعلَ ْينَا أَ ْن نُفَارقَهُ ْم ‪ ...‬وجْ َدانُنا ُك فل َش ْي عء بَ ْع َدهُ ْم َع َد ُم‬

‫ضا ُك ُم ألَ ُم (‪. )1‬‬


‫إن َكان َس فر ُكم َما قَا َل َحاس ُدنَا ‪...‬فَ َما لجُرْ إ َذا أَرْ َ‬
‫ْ‬

‫قواف من قدول‬
‫ع‬ ‫و أشاد ب بيات النابغة قائال‪ ":‬ولم نسمع لمقدم شعرا أشد تمكين‬
‫النابغة الذبياني"‪( :‬بحر الكامل)‬

‫ْ‬
‫جفت أعاليه ‪ ،‬وأسفلهُ ندي‬ ‫كاألقحوان ‪ ،‬غَداةَ غبّ َسمائه ‪...‬‬

‫َز َع َم الهُما ُم ب ّن فاها بارد ‪ ...‬عذب مقبلهُ ‪ ،‬شهي المورد (‪. )2‬‬

‫ووافق القرطاجني(ت‪684‬هـ) من سبقه من النقاد فدي ضدرورة تمكدن القدوافي‬


‫ومشاكلتها ‪ ،‬وبيّن في كالمه عن القوافي أنه ممدا يجدب اعتمداده فدي وضدع القدوافي‬
‫(‪)3‬‬
‫وت صيلها تمكن القوافي ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫على منوال ابدن أبدي اإلصدبع و وافقده‬ ‫وسار ابن حجة الحموي(ت‪837‬هـ)‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان المتنبي (و‪. )127‬‬
‫(‪ )2‬ديوان النابغة الذبياني(و‪.)95‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)271‬‬
‫(‪)4‬هو الشيخ تقي الدين أبو بكر علي بن عبد ه الحموي األزراري‪ ،‬المعروف بابن حجة ولد في حماة‬
‫سنة ‪767‬هـ ‪ ،‬كان من أعالم القرن التاسع الهجري‪ ،‬وذكر أنه كان رئيس األدباء وإمام أهل‬
‫األدب في عصره ‪ ،‬هو زجّ ال‪ ،‬وشاعر جيد اإلنشاء‪ ،‬طويل النفس في النظم والنثر‪ ،‬حسن‬
‫األخالق والمروءة‪ ،‬فيه شيء من الزهو واإلعجاب‪ ،‬له من الميلفات ما دلت على سعة اطالعه‬
‫‪ ،‬توفي سنة ‪837‬هـ ‪ ،‬مقدمة كتاب خزانة‬ ‫وغزارة إنتاجه‪ ،‬وطول باعه في النظم والت لي‬
‫األدب وغاية األرب البن حجة الحموي ‪ ،‬المحقق‪ :‬عصام شقيو‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪-‬‬
‫=‬
‫‪161‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫إليه شيئا ‪.‬‬ ‫في تمكين القوافي‪ ،‬ولم يض‬

‫واستشهد ب بيات المتنبي والتي سبق ذكرها عند ابن أبي اإلصبع ‪.‬‬

‫وب ديفن ابددن حجددة أن " أكثددر فواصددل القددرآن علددى هددذه الصددورة مددن الددتمكن ‪،‬‬
‫والذي عقد البديعيون عليه الخناصر‪ ،‬قول أبي الطيب‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وجْ َدانُنَا كل َش عئ بَ ْع ُدك ْم َع َد ُم‬ ‫أن نُفَار ْقهُ ْم‬
‫يامن يُعز َعلَ ْينَا ْ‬

‫ووافق الندواجي(‪859‬هدـ)‪ ،‬ابدن أبدي اإلصدبع فدي تمكدين القدوافي ‪ ،‬واكتفدى بترديدد‬
‫نصه لموافقته له ولرأيه ‪،‬كما أشار إلى ما ذكره ابن حجة الحمدوي الدذي عقدد عليده‬
‫البددديعيون الخناصددر‪ ،‬وعلفددق النددواجي علددى استشددهاد ابددن أبددي اإلصددبع فددي بيددت‬
‫المتنبي قائال‪" :‬فإذا علم السامع أن القصيدة ميمية ‪ ،‬وسمع لفظدة ( وجدداننا ) تحقدق‬
‫أن القافية (عدم) "(‪.)2‬‬

‫وذكر استشهاد ابن أبي اإلصبع بقول النابغة‪ ،‬والذي ع ّده أشد تمكينا في القافية‬
‫عن غيره وقد سبق ذكر تلك األبيات في رأي ابن أبي اإلصبع ‪.‬‬

‫" ثم أشاد النواجي ب بياته التدي قالهدا فدي القاضدي شدهاب الددين بدن الكشدكش ‪:‬‬
‫(بحر الكامل)‬

‫أم َسى ب ْهل الفَضْ ل يَمشي القَ ْهقري‬ ‫نَ ْشكو إل ْي َ‬


‫ك من ال فز َمان فَإنفه‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫بيروت‪ ،‬دار البحار‪ -‬بيروت‪.‬‬ ‫=‬
‫(‪)1‬ديوان المتنبي (و ‪.)127‬‬
‫(‪)2‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي(و‪.)47‬‬

‫‪162‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫وتَ َري ال َعل ْي َم بع ْلمه مت ِّخرا ‪.‬‬ ‫فَت َري الجهُول بج ْهله متق ِّدما‬

‫وقال إن بديع المطابقة يقتضي أن يقابل الجهول بدالعليم ‪ ،‬والمتقددم بالمتد خر ‪،‬‬
‫األول وهو ( فتري الجهول بجهله متقدما ) تنبد للنصد‬ ‫فإذا سمع المت دب النص‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫الثاني وهو( وتري العليم بعلمه مت خرا ) "‬

‫وهذا من شدة تمكن القافية في البيت فنجد السامع لهدا يدتمكن مدن إكمدال البيدت‬
‫بنفس القافية‪ ،‬كما استشدهد الندواجي بقدول أبدي ندواس فدي تلطفده بتمكدين القافيدة فدي‬
‫قوله ‪:‬‬

‫ما استَك َم َل اللّ ّذات إالّ فتى ‪ ...‬يش َربُ ‪ ،‬والمردنداماه‬

‫هــــذا يغنيـــه ‪ ،‬وهـــــذا إذا ‪ ...‬نَـــا َولَهُ القَ ْه َوةَ َحيــاه ُ‬

‫و ُكلّـــــما احتــــاج إلى قُبلَــ عة ‪ ...‬م ْن واحـــ عد ْألثَ َمـهُ فاه ُ‬

‫كان أهنـاه‬
‫شكرا لدهــر بت فيه لهــ ْم ‪ُ ...‬معاشرا ‪ ،‬ما َ‬
‫(‪)3‬‬
‫نَش َربُهــا صرْ فا ‪ ،‬وممزوجة‪ ..‬وشَرْ طُنـــا َم ْن نــا َم ن ْلنَــاهُ‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫فالسامع حينها يتنب بالكلمة األخيرة من خالل قافية القصيدة‬

‫ويري د‪ .‬بدوي طبانة " ف‬


‫أن كل شاعر قبل أن يشر في نظدم قصديدته يختدار‬
‫القوافي المالئمة والمسدتقرة فدي مكانهدا غيدر ندافرة أو مسدتكرهة‪ ،‬وب لفداظ ومعدا عن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان شهاب الدين الكشكش (و‪.)13‬‬
‫(‪ )2‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)46‬‬
‫(‪)3‬ديوان أبي نواس (و ‪.)162‬‬
‫(‪ )4‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)47‬‬

‫‪163‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫تناسب ذوقه وموضوعه حتى تطاوعه "‬

‫وذكددر ابددن أبددي اإلصددبع مددن الددتمكن مددا جدداء فددي فواصددل القددرآن‪ ،‬ومندده قولدده‬
‫تعالى‪ " :‬قدالوا يدا شدعيب أصدالتك تد مرك أن تتدرك مدا يعبدد آباؤندا أو أن نفعدل فدي‬
‫أموالنا ما نشاء إنك ألنت الحليم الرشيد " فإن هذه اآلية الكريمة؛ لما تقدم فيها ذكدر‬
‫العبادة والتصرف في األموال فذكرت العبادة والتصرف باألموال في اآلية؛ تمهيدا‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫للحلم والرشد‬

‫كما ذكدر ابدن حجدة الحمدوي مدن تمكدن القافيدة أن منشدد البيدت فدي الشدعر‪ ،‬إذا‬
‫سدكت دون القافيددة‪ ،‬كملهددا السددامع بطباعدده بداللدة مددن اللفددظ عليهددا‪ .‬وأكثددر فواصددل‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫القرآن على هذه الصورة‬

‫إليه ‪.‬‬ ‫وأيد النواجي ابن حجة في رأيه‪ ،‬وقوله عن فواصل القرآن‪ ،‬ولم يض‬

‫" وقد ذكر محمد بن أيدمر أنه ينبغي على الشاعر المجيد إذا اعتمد بناء قصديدة ْ‬
‫أن‬
‫يتخير لها من القوافي أسهلها لفظا‪ ،‬وأوضحها معنى ‪ ،‬وينفي الجافي عنها ‪ ،‬ويميدز‬
‫القلق منها ‪ ،‬ويسوق البيت إلدى القافيدة سدوقا موافقدا حتدى يكدون ردفده وطبقده؛ فدإذا‬
‫أتى بذلك‪ ،‬وقعت القافيدة مسدتقرة غيدر قلقدة ‪ ،‬وال ندافرة حتدى لدو أراد ُمريدد تبدديلها‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫بغيرها لم يستطع ذلك"‬

‫" ومن أحسن القوافي المستقرة قول زهير ‪( :‬بحر الطويل)‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر – قدامة بن جعفر والنقد األدبي ‪ ،‬د‪ .‬بدوي طباتة ‪( .‬و‪.)37‬‬
‫(‪ )2‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع ( و‪.)224‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)446/2‬‬
‫(‪ )4‬مقدمة كتاب ال ّدر الفريد وبيت القصيد‪ ،‬لمحمد بن أيدمر (و‪.)287‬‬

‫‪164‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫َولَكنفني َع ْن ع ْلم َما في َغ عد َعمي‬ ‫َوأ ْعلَ ُم َما في اليَ ْوم َواأل ْمس قَ ْبلَهُ‬

‫( َعم) وهو األصح ‪ .‬فقولة ( َعم) واقعا موقعا لطيفا ‪. )2(" .‬‬

‫كذلك قول مجنون بني عامر ‪( :‬بحر الطويل)‬

‫ضى ليَا (‪. )3‬‬


‫ك الذي ‪ ...‬قضى هُ في ليلى وال ما قَ َ‬
‫خليل ّي ال وه ال أمل ُ‬

‫" والفاصلة القرآنية هي تلك النهاية أو الكلمة التي تختم بها اآلية من القرآن ‪،‬‬
‫لقوم ي ْعلَ ُمون ‪.)4(‬‬
‫ِّلت آياتُهُ قُرْ آنَا عربيفا ع‬
‫ولعلها م خوذة من قوله تعالى ‪ ‬كتاب فُص ْ‬

‫وربما سميت بذلك ؛ ألن بها يتم المعنى ‪ ،‬ويزداد وضوحه جالء وقوة ‪ ،‬وهدذا‬
‫ألن التفصيل فيه توضيح وجالء وبيان ‪.)5( ".‬‬

‫السابق للفاصلة في القرآن ‪ ،‬أنفها تحمل نفس مكاندة‬ ‫ويظهر من خالل التعري‬
‫القافيددة فددي البيددت الشددعري " فالقافيددة عنصددر متميددز فددي البيددت ‪،‬والفاصددلة عنصددر‬
‫متميز في اآلية ولكنها – كالقافية – تبقدى جدزءا أصديال مدن اآليدة ‪ ،‬غيدر منفصدل‬
‫عنها " (‪. )6‬‬

‫والقدرآن الكدريم ينتهدي بفواصدل منسدجمة بعضدها مدع بعدض مثدل ‪ (:‬تعلمدون‪-‬‬
‫تيمنون‪ -‬تتقون ) وقد اعتنى القرآن بهذا االنسجام عنايدة واضدحة لمدا فدي ذلدك مدن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان زهير بن أبي سلمى (و ‪.)5‬‬
‫(‪ )2‬مقدمة كتاب ال ّدر الفريد وبيت القصيد‪ ،‬لمحمد بن أيدمر (و‪. )287‬‬
‫(‪ )3‬الموشح في م خذ العلماء على الشعراء‪ ،‬باب مجنون بني عامر (‪.)265/1‬‬
‫(‪ )4‬فصلت ‪ ،‬اآلية‪.3 :‬‬
‫(‪ )5‬من بالغة القرآن(و‪. )64‬د‪ .‬أحمد أحمد بدوي ‪ .‬نهضة مصر للطباعة والنشر –القاهرة‪1950-‬م‪.‬‬
‫(‪)6‬التعبير الفني في القرآن الكريم ‪( .‬و‪ )209‬د‪ .‬بكري شيخ أمين ‪ .‬دار العلم للماليين ‪ .‬بيروت –‬
‫ط‪-2004 -7‬‬

‫‪165‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الت ثير على السمع ووقع األثر في النفس‬
‫(‪)2‬‬
‫فمثال في قوله تعالى " قالوا ءامنا بربِّ العالمين‪،‬ربِّ موسى وهارون"‬

‫فق فدم موسى على هارون؛ ليجعل نهاية الفاصلة هدارون انسدجاما مدع الفاصدلة‬
‫السابقة العالمين ‪ ،‬في حين أنه في موضع آخدر يقددم هدارون علدى موسدى فدي قولده‬
‫تعددالى‪ " :‬قددالوا ءامنددا بددربِّ هددارون وموسددى"‪ ،‬فجعددل موسددى نهايددة الفاصددلة؛ ف‬
‫ألن‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫فيها هي التي تناسب فواصل اآليات في سورة طه "‬ ‫األل‬

‫وقد ذكر النقاد السابقون أن من عالمة شدة تمكن القدوافي مدن مكانهدا أنندا نجدد‬
‫أن السددامع يتنبد بإكمالهددا فددي الشددطر اآلخددر ‪ ،‬وهددذا مددا نلمسدده فددي فواصددل القددرآن‬
‫الكريم كذلك‪ ،‬من ذلك ‪ " :‬ما رُوي عن زيد بن ثابت أنه قال ‪ :‬أُملي على رسول ه‬
‫ان م ْن سُاللَ عة م ْن طي عن‪ ،‬ثُ فم َج َع ْلنَاهُ‬ ‫صلى ه عليه وسلم‪ ،‬هذه اآلية ‪َ ‬ولَقَ ْد َخلَ ْقنَا ْاإل ْن َس َ‬
‫طفَدةَ َعلَقَدة فَ َخلَ ْقنَدا ْال َعلَقَدةَ ُمضْ دغَة فَ َخلَ ْقنَدا ْال ُمضْ د َغةَ‬‫ار َمكدي عن‪ ،‬ثُد فم َخلَ ْقنَدا الن ْ‬ ‫نُ ْ‬
‫طفَة فدي قَد َر ع‬
‫عظَاما فَ َك َس ْونَا ْالعظَا َم لَحْ ما‪.)4( ‬‬

‫وهنا قال معاذ بن جبدل ‪ " :‬فتبدارك ه أحسدن الخدالقين "؛ فضدحك رسدول ه‬
‫صدددلى ه عليددده وسدددلم‪ ،‬فقدددال لددده معددداذ ‪ :‬مدددم ضدددحكت يدددا رسدددول ه قدددال‪ :‬بهدددا‬
‫ختمت"(‪.)5‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪:‬التعبير القرآني (و‪)221‬د‪ .‬فاضل صالح السامرائي‪ .‬دار عمار‪،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪–6‬‬
‫‪1430‬هـ‪- .‬‬
‫(‪ )2‬سورة الشعراء ‪ ،‬آية‪.18-17 :‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬التعبير القرآني‪ ،‬لفاضل السامرائي (و‪.)221‬‬
‫(‪ )4‬سورة الميمنون ‪ ،‬آية‪.14-12 :‬‬
‫(‪)5‬أخرجه الطبراني في المعجم األوس (‪ )56 /5‬وانظر‪ :‬من بالغة القرآن (و‪)65‬د‪ .‬أحمد أحمد‬
‫عبد ه البيلي البدوي المتوفى‪1384 :‬هـ‪ ،‬نهضه مصر ‪ -‬القاهرة ‪.2005 -‬‬

‫‪166‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫وقد يشتد التقارب في الفواصل ‪ ،‬حتى تتحد الفاصلتان في الوزن والقافيدة كمدا‬
‫(‪)1‬‬
‫في قوله تعالى‪ " :‬فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة " ‪.‬‬

‫واختار ه ألفاظا لكتابه الكريم مراعيا فيها المعنى والسياق؛ فلما كدان المعندى‬
‫شريفا تبعده اللفدظ الشدري ‪ ،‬وبهدذا ارتقدت ألفداظ القدرآن الكدريم عدن الكدالم العدادي‬
‫لتحتل مكانا مرفوعا متميزا بحسن التماسك واالنسجام‪.‬‬

‫ال !‪ ،‬وهدي تبددو‬ ‫واست ثرت القافية النصيب األكبر من القصديدة العربيدة كيد‬
‫الحليدة ‪ ،‬بدل هدي‬ ‫مدن هدذا اإليقدا موقد‬ ‫وك نها " تداج اإليقدا الشدعري‪ ،‬وال تقد‬
‫جزء ال ينفصم عنه " (‪.)2‬‬

‫وتهددذيب القافيددة ضددرورة مددن ضددرورات الشددعر العربددي أتددى عليهددا بعددض‬
‫الشعراء‪ ،‬ولم يتحدث معظم مدن النقداد عنهدا ‪ ،‬وقدد يكدون ذلدك لقناعداتهم أن تهدذيب‬
‫القافية ضرورة يجب األخذ بها عند كدل شداعر‪ ،‬أو ألن التهدذيب أمدر ميكدد يصدير‬
‫بطبيعة الحال عند اهتمام الشاعر بالقافيدة‪ ،‬أو قدد يُعدزي هدذا األمدر لسدليقة العدرب‪،‬‬
‫وتمكنهم من اللغة وفنونها؛ فهناك من األمور التي قد يرونها ست تي بطبيعة الحدال‪،‬‬
‫فال يحتاج األمر اإلشارة إليها ‪.‬‬

‫والعالمددة النددواجي(‪859‬هددـ) قددد أشددار إلددى تهددذيب القافيددة فددي كالمدده قددائال ‪" :‬‬
‫وتهذيب القافية أن تكون سلسلة المخارج م لوفة ‪ ،‬فإن القوافي حوافر الشعر"(‪.)3‬‬

‫فتميز النواجي بتوضيحه لتهذيب القافية على أن تكدون سدهلة المخدارج م لوفدة‬
‫مستساغة معلال ذلك ب راء مدن سدبقوه ك سدامة والقرطداجني‪ ،‬ووافقهدم عليده مدن أن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬من بالغة القرآن‪ ،‬د ‪ .‬أحمد أحمد بدوي ‪( .‬و‪)65‬‬
‫(‪)2‬ال قافية تاج اإليقا الشعري ‪ .‬د‪ /‬أحمد كشك (و‪ )9‬المكتبة الفيصلية – مكة المكرمة ‪1405 .‬هـ‪.‬‬
‫(‪)3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)29‬‬

‫‪167‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫القوافي حوافر الشعر ‪.‬‬

‫وكما ُذك َر سابقا‪ ،‬أن هناك من األمور التي ع ّدها األوائل من ضرورات الشعر‬
‫العربي الموجودة لدي كل شاعر‪ ،‬فال داعي لذكرها والتفصيل فيها‪.‬‬

‫وشارك المعاصرون في الحديث عن تهذيب القافية ‪ ،‬فدرأي د‪ .‬بددوي طباندة "‬


‫أن محاسن القوافي عند قدامة انحصرت في اثنتين ‪:‬‬

‫‪ -‬أن تكون عذبة الحروف ‪ ،‬سلسة المخارج ‪.‬‬

‫‪ -‬أن تقصددد لتصدديير مقطددع المصددرا األول فددي البيددت األول مددن القصدديدة‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومثل قافيتها ‪.‬‬

‫رأي الييدكتور بييدو عددن النييواجي فددي أندده جعددل عذوبددة الحددروف‬ ‫فدداختل‬
‫وسالسة المخارج من محاسن القوافي وصفاتها وليس مدن تهدذيبها‪ ،‬وهدذا ييكدد مدا‬
‫ذكرناه سابقا ‪.‬‬

‫كما يري د‪ .‬أحمد بدو أن عذوبة القافيدة وسالسدة مخرجهدا وموسديقيتها إنمدا‬
‫هدي مددن شددروط جددودة القافيددة كمددا جداء فددي كتابدده قولدده ‪ " :‬أن تكددون ّ‬
‫عذبددة سلسددة‬
‫المخرج‪ ،‬موسيقية ‪،‬ال تختم بما يدل على رقة في مقام القوة والفحولة"(‪.)2‬‬

‫ورأي أن سالسة المخرج وعذوبته من شروط جودة القافية ‪.‬‬

‫وخالصددة القددول فددي القافيددة أنهددا جسدددت صددورا كثيددرة فددي القصددائد العربيددة؛‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر قدامة بن جعفر والنقد األدبي (و‪ ، )235‬د‪ .‬بدوي طبانة ‪،‬ط‪،3‬مكتبة األنجلو المصرية‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬أسس النقد األدبي عند العرب (و‪ .)346‬د‪ .‬أحمد أحمد بدوي‪ ،‬نهضة مصر للطباعة‬
‫والنشر‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل األول‬

‫بسبب ذلك االنسجام والتمكن‪.‬‬

‫وألن القصيدة العربية تدنهض عليهدا فهدي أصدل فيهدا ومحدرك لهدا ؛ فالواجدب‬
‫إنزالها فدي منازلهدا‪ ،‬وتحقيدق التدوازن بينهدا وبدين معانيهدا‪ ،‬دون غصدب أو إكدراه؛‬
‫لتددتمكن وتسددتقر وتطمددئن فتعطددي القصدديدة مددن إيقاعهددا وإبددداعها فتظهددر القصدديدة‬
‫بثوب قشيب وإيقا يصل أثره في نفس المتلقي وسمعه ‪.‬‬

‫" والقافية قرار المعنى ‪ ،‬وهي الصوت الطبيعي الذي ينزل مدن الشدعر منزلدة‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلشارة التي تصحب كالم المتكلم " ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬تاريخ آداب العرب(و‪ . )18‬مصطفى صادق الرافعي ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثامن ‪ -‬قضية نثر المنظوم‬

‫نثر المنظوم من قضايا الشعر‪ ،‬والتي تناولها الندواجي فدي كتابده مقدمدة فدي‬
‫صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫ونثر المنظوم نو من أنوا السرقات‪ ،‬وهو من القضايا التي انتشدرت مندذ‬


‫العصدددر الجددداهلي ‪ ،‬وتعدددددت فيهدددا المسدددميات لترجدددع كلهدددا إلدددى السدددرقات ‪،‬‬
‫والسرقات من أمهات القضايا التي أوالها النقاد عناية واهتماما ‪.‬‬

‫وقد ُعرف نثر المنظوم في العصر الجاهلي تحت مسمى االنتحال‪ ،‬واشتهر‬
‫به حماد الراوية‪ ،‬ثم جاء من يري أنه لم يوجد شعر قد عندد شداعر فدي تشدبيه ‪،‬‬
‫أو معنى غريب ‪ ،‬أو بديع مختر ‪،‬إال ويكون بين أمرين إما سارق للفدظ كلده أو‬
‫بعضه ‪ ،‬أو استعان بمعناه وشارك فيده ‪ ،‬وهدذا مدا أكدده بده الجداحظ (ت‪255‬هدـ)‬
‫ث تناوله في كتابه الحيوان سماه بإغارة الشعراء على المعاني قال فيده‪:‬‬
‫في مبح ع‬
‫"وال يعلددم فددي األرض شدداعر تق د ّدم فددي تشددبيه مصدديب تددا ّم‪ ،‬وفددي معنددى غريددب‬
‫عجيب‪ ،‬أو في معنى شري كدريم‪ ،‬أو فدي بدديع مختدر ‪ّ ،‬إال وكد ّل مدن جداء مدن‬
‫الشددعراء مددن بعددده أو معدده‪ ،‬إن هددو لددم يعددد علددى لفظدده فيسددرق بعضدده أو يدعيدده‬
‫ب سره‪ ،‬فإنّه ال يد أن يستعين بالمعنى‪ ،‬ويجعل نفسه شريكا فيه؛ كدالمعنى الدذي‬
‫تتنازعده الشدعراء فتختلد ألفداظهم‪ ،‬وأعدداريض أشدعارهم‪ ،‬وال يكدون أحدد مددنهم‬
‫ق بذلك المعنى من صاحبه‪ .‬أو لعلّه أن يجحد أنه سمع بذلك المعنى ق ّ‪ ،‬وقدال‬‫أح ّ‬
‫إنّه خطر على بالي من غير سدما ‪ ،‬كمدا خطدر علدى بدال األ ّول‪ .‬هدذا إذا قرّعدوه‬
‫به"(‪.)1‬‬

‫فاتهم الجاحظ ك فل َم ْن أخذ لفظا أو معنى مدن غيدره يكدون بدين أمدرين‪ ،‬إ فمدا‬
‫سارق وم فد ع توارد الخواطر مع مدن سدبقه ‪ ،‬أو سدارق منكدر سدما مدا قالده مدن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬الحيوان‪،‬للجاحظ (‪.)149/3‬‬

‫‪170‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫قبله ‪ ،‬فهو في الحالتين سارق‪.‬‬

‫اب قتيبة(ت‪276‬هـ) الجاحظ ‪ ،‬بل وأنكر اقتصار العلم والشعر علدى‬ ‫وخال‬
‫أحد دون اآلخر‪ ،‬بل جعله مشتركا بين الناس ‪ ،‬وأكد هذا في قولده ‪ ":‬ولدم يقصدر‬
‫ه العلم والشعر والبالغة على زمن دون زمن‪ ،‬وال خصّ به قوما دون قوم‪ ،‬بل‬
‫جعل ذلك مشتركا مقسدوما بدين عبداده فدى كد ّل دهدر‪ ،‬وجعدل كد ّل قدديم حدديثا فدى‬
‫عصددره‪ ،‬وك د ّل شددرف خارجيّددة فددى أ ّولدده‪ ،‬فقددد كددان جريددر والفددرزدق واألخطددل‬
‫وأمثالهم يع ّدون محدثين‪ .‬وكان أبو عمرو ب العالء(ت‪154‬هـ)(‪ )1‬يقول‪:‬‬

‫لقد كثر هذا المحدث وحسن؛ حتّى لقد هممت بروايته‪.‬‬

‫ث ّم صار هيالء قدماء عندنا‪ ،‬ببعدد العهدد مدنهم‪ ،‬وكدذلك يكدون مدن بعددهم لمدن‬
‫بعدنا‪ ،‬كالخريم ّى والعتّاب ّى والحسن بن هانىء وأشباههم‪ .‬فك ّل من أتى بحسن من‬
‫قول أوفعل ذكرناه (له) ‪ ،‬وأثنينا به عليه‪ ،‬ولم يضعه عندنا ت ّخر قائله أو فاعلده‪،‬‬
‫وال حداثددة س دنّه‪ .‬كمددا ّ‬
‫أن ال د ّرديء إذا ورد علينددا للمتق د ّدم أو الشددري لددم يرفعدده‬
‫عندنا‪ ،‬شرف صاحبه وال تق ّدمه"(‪. )2‬‬

‫فحاصددل كالمدده أن العلددم والشددعر لددم يقيددده ه بددزمن وال قددوم‪ ،‬وإنمددا جعلدده‬
‫مشاعا بين الناس ‪ ،‬وكل قديم حديث في عصره ‪ ،‬وك ن ابن قتيبة يخرج من أخذ‬
‫من غيره شيئا من علم أو شعر من دائرة االتهدام التدي نسدبها الجداحظ إلدى دائدرة‬
‫(‪.)3‬‬
‫الفن؛ حيث ي خذ الشاعر المعنى فيزيد عليه أو ينقصه ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬زبان بن عمار التميمي المازني البصري‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬ويلقب أبوه بالعالء‪ :‬من أئمة اللغة‬
‫واألدب‪ ،‬وأحد القراء السبعة‪.‬ولدسنة‪70( :‬هـ) بمكة‪ ،‬ونش بالبصرة‪ ،‬ومات بالكوفة سنة‪:‬‬
‫(‪154‬هـ)انظر‪ :‬وفيات األعيان‪.) 386 /1 ( :‬‬
‫(‪)2‬الشعر والشعراء‪ ،‬البن قتيبة (و‪.)64‬‬
‫(‪)3‬النقد األدبي في العصرالمملوكي‪ ،‬لعبده قلقيلة (و‪.)370‬‬

‫‪171‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫كمددا وافددق اب ي طباطبييا (ت‪322‬هييـ) رأي ابددن قتيبددة‪ ،‬بددل وزاد عليدده فضددل‬
‫اإلحسان واللط لمدن أخدذ ‪ ،‬ف شدار إلدى أن الشداعر إذا أخدذ المعندى الدذي سدبق‬
‫إليه وبر فيه ‪ ،‬كان لده فضدل اإلحسدان واللطد ‪ ،‬وأكدد هدذا فدي كالمده ‪ ":‬وإ َذا‬
‫ق إليهَا ف ْب َر َزهَا في أحْ َس َن من الك ْس َوة الفتدي َعلَ ْيهَدا‬
‫شاع ُر ال َم َعاني الفتي سُب َ‬
‫تَنَا َو َل ال ف‬
‫طفه وإحْ َسانه فيه" (‪.)1‬‬
‫ب لَهُ فَضْ ُل لُ ْ‬
‫لَ ْم يُعبْ ‪ ،‬بل َو َج َ‬

‫كقَ ْول أبي نُ َواس‪( :‬بحر الطويل)‬


‫(‪)2‬‬
‫ك إ ْن َسانا ف ْنتَ الفذي نَعْني‬
‫األلفَاظُ منفا بم ْد َح عة ‪ ...‬ل َغيْر َ‬
‫وإن َج َرت ْ‬
‫ْ‬

‫أ َخ َذه من األحْ وو(‪َ )3‬حي ُ‬


‫ْث يَقُول‪( :‬بحر الطويل)‬
‫(‪)4‬‬
‫َمتَى َما أقُلْ في آخر ال فد ْهر م ْد َحة ‪ ...‬فَ َما ه َي إالف البن لَ ْيلَى ال ُم َكرفم‬

‫الحيلة ودقة النظر لمن أخذ من غيره؛ ليدتمكن مدن تغييدر‬ ‫كما يوصي بلط‬
‫المعاني حتى تخفى على أصحابها‪ ،‬وأهل البصيرة بها‪.‬‬

‫ك هَدذه السفدبيل إلَدى‬


‫وذكر هذا فدي كالمده‪ ،‬وأكدد عليده بقولده‪" :‬ويَحتَدا ُج مدن َسدل َ‬
‫إلطَاف الحيلة‪ ،‬وتَ ْدقيق النفظر في تنَاول ال َم َعاني واست َعارتها وت َْلبيسها حتفى ت َْخفَى‬
‫ق إلَ ْيهَدا؛ فيَسْد ْتعْم ُل‬
‫شده َرتهَا ك نفدهُ َغيُد ُر َمسْدبُو ع‬ ‫على نُقفادهَا والبَ َ‬
‫صراء بهَا‪ ،‬ويَ ْنفَدرد ب ُ‬
‫ال َم َعاني ال َم ُخو َذةَ في َغيْر الجد ْنس الفدذي تَنَاولَهَدا مندهُ‪ ،‬فَدإذا َو َجد َد َمعْندى لطيفدا فدي‬
‫وإن َو َج َدهُ فدي ال َمدديح اسْدتَ ْع َملَهُ فدي اله َجداء‪،‬‬ ‫ب أَو َغ َز عل استَ ْع َملَهُ في ال َمديح‪ْ ،‬‬
‫تَ ْشبي ع‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)123‬‬
‫(‪ )2‬لم أجده في الديوان‪ ،‬ووجدته في عيار الشعر (‪.)123/1‬‬
‫(‪ )3‬هو األحوو بن محمد بن عبد ه بن عاصم بن ثابت بن أبي األقلح األنصاري انظر‪ :‬الشعر‬
‫والشعراء (و‪.)113 :‬‬
‫(‪ )4‬ديوان األحوو (و‪.)190 :‬‬

‫‪172‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫اإل ْن َسدان‪ْ ،‬‬


‫وإن َو َجد َدهُ فدي‬ ‫ناقَ عة أَو فَ َر ع‬
‫س ا ْستَ ْع َملَهُ في َوصْ‬ ‫ْ‬
‫وإن و َج َدهُ في َوصْ‬
‫َوصْ د إنسددا عن ا ْس دتَ ْع َملَهُ فددي َوصْ د بَهيَم د عة‪ ،‬فد ف‬
‫دإن َع َكددس ال َم َعدداني علددى اخددتالف‬
‫ُوجُوهها غير ُمتَ َع فذ عر على َم ْن أحْ َس َن َع ْك َسها واستعمالها في األبواب الفتي يُحتَدا ُج‬
‫إلَ ْيهَا‪َ ،‬وإن َو َجد ال َمعْني اللفطي َ في ال َم ْنثُور مدن ال َكدالَم‪َ ،‬وفدي ال ُخطَدب وال فر َسدائل‬
‫كان أَ ْخفَى وأحْ َس َن"(‪.)1‬‬‫واألمثال‪ ،‬فَتَنا َولَهُ َوجعله ش ْعرا َ‬

‫وأشار إلى من سلك هذا األمر أن يغير جنس القدول الدذي وجدده عليده ‪ ،‬فلدو‬
‫وجدده فدي تشدبيب اسدتعمله فدي مدديح‪ ،‬وإن وجدده فدي هجداء اسدتعمله فدي غددزل‪،‬‬
‫وهكذا ولو استطا أن يغير من النثر إلى الشعر أو العكس كان أفضل وأحسن ‪.‬‬

‫وحاصل كدالم ابي طباطبيا أن أخدذ المعداني واأللفداظ ممدن سدبقوا التُعدد أي‬
‫مشدكلة عنددده‪ ،‬بددل يوصددي بإخفدداء ذلددك األخدذ وتغييددره؛ فمددن أخددذ لفظدا أو معنددى‬
‫لغيره لزمه التحايل والتدقيق في عرضها حتى تخفى على أهلها وذوي البصديرة‬
‫بها ‪ ،‬فينفرد بشهرتها‪.‬‬

‫وشبه تغيير تلك األلفاظ والمعاني وإعدادة صدياغتهما بالصدبا الدذي يصدب‬
‫الثوب بما يراه جميال فيظهره في شكل يخال الشكل الذي كدان عليده مدن قبدل ‪،‬‬
‫ب والفضفددة‬ ‫ددون َذلددك كالصفددائ الفددذي يُددذيبُ ف‬
‫الددذهَ َ‬ ‫ويددذكر هددذا فددي قولدده ‪ " :‬ويَ ُك ُ‬
‫ال َمصُو َغيْن فَيُع ُد صيَا َغتَهُ َما ب حْ َس َن م فما َكاَنا عليه‪ ،‬وكالصفبا الفذي يَصبَ ُ الثف ْو َ‬
‫ب‬
‫على َما َرأي من األصبا ال َح َسنة؛ فَدإذا أ ْب َرزَالصفدائ ُ َمدا َ‬
‫صدا َغهُ فدي َغيْدر الهَيْئدة‬
‫الفتي ُعه َد َعلَ ْيهَا "(‪. )2‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)126‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (و‪.)127‬‬

‫‪173‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ويظهر من تشبيه ابدن طباطبدا الدقدة المتناهيدة فدي الوصد ؛ فعمدل الصدائ‬
‫لدديس باألمرالسددهل المستسددا ‪ ،‬والصددبا كددذلك يحتدداج إلددى الدقددة والحددرو فددي‬
‫عملده ‪ ،‬فهدذا تقريدب وإشدارة مدن ابدن طباطبدا إلدى مدن أخدذ معداني غيدره وبددلها‬
‫لزمه الحرو واالنتباه في التغيير ‪.‬‬

‫وخالصة ما سبق من كالم ابن طباطبا يتضح أنه ال حجر على الشداعر فدي‬
‫أخذ معانيه من أي مصدر مع تغييرها (‪.)1‬‬

‫أما قدامة فلم يهتم بالسرقات كثيرا ‪ ،‬رغم اهتمامده بالمعداني ‪ ،‬واهتمدام نقداد‬
‫عصره بها‪ ،‬وغالب الظن أن ال ُمح ِّدثين التقوا مع القدماء في كثيدر مدن المعداني ‪،‬‬
‫وقد وافق القالي الجرجاني(ت‪ 392‬هـ) ابن طباطبا وابن قتيبة وقدامدة ؛ حيدث‬
‫توسع في السرقات الشعرية‪.‬‬

‫ويقددول الجرجييانيفددي السددرق ‪ " :‬وال ف‬


‫س د َرق ‪ -‬أيدددك ه ‪ -‬داء قددديم‪ ،‬وعيددب‬
‫دتعين بخدداطر اآلخددر‪ ،‬ويسددتم ّد مددن قريحتدده‪ ،‬ويعتمد ُد‬
‫عتيددق‪ ،‬ومددا زال الشدداعر يسد ُ‬
‫على معناه ولفظه؛ وكان أكثره ظاهرا كالتوارد الذي ص ّدرنا بذكره الكدالم‪ ،‬وإن‬
‫تجدداو َز ذلددك قلدديال فددي الغمددوض لددم يكددن فيدده غي د ُر اخددتالف األلفدداظ‪ ،‬ثددم تس دبّب‬
‫المحدثون الى إخفائه بالنقل والقلب؛ وتغيير المنهاج والترتيب‪ ،‬وتكلّفدوا جبْد َر مدا‬
‫فيه من النقيصة بالزيادة والت كيدد والتعدريض فدي حدال‪ ،‬والتصدريح فدي أخدري‪،‬‬
‫واالحتجاج والتعليل؛ فصار أحدهم إذا أخذ معنى أضاف إليه من هذه األمور مدا‬
‫(‪)2‬‬
‫ال يقصر معه عن اختراعه وإبدا مثله‪".‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬النقد األدبي العربي القديم‪ ،‬لشوقي ضي ( و‪.)426‬‬
‫(‪ )2‬الوساطة‪ ،‬للجرجاني (و‪.)214‬‬

‫‪174‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫و ا ّدعى جرير على الفرزدق ال ف‬


‫س َرق فقال‪( :‬بحر الوافر)‬
‫(‪)1‬‬
‫يكون أبوه فينا ‪ ...‬ومن ُعرفت قصائدهُ اجتالبا‬
‫ُ‬ ‫سيعل ُم ْ‬
‫من‬

‫وا ّدعى الفرزدق على جرير فقال‪( :‬بحر الكامل)‬

‫ك تنق ُل(‪.)2‬‬
‫إن استراقَك يا جري ُر قصائدي ‪ ...‬مثل ا ّدعاك سوي أبي َ‬
‫ّ‬

‫إذن فقددد اسددتعرض الجرجيياني أمددر السددرقات مبينددا أندده داء وعي دب عددرف‬
‫قديما‪ ،‬ومازال مستمرا في خذ الشاعر معنى غيره ولفظه‪ ،‬ثدم يغيدر اللفدظ فيظهدر‬
‫وك نه توارد للخواطر ‪ ،‬وأما المحدثون فيقلبون ويغيرون في المعاني ‪.‬‬

‫"وقسم الجرجاني السرقات األدبية على نوعين ‪ :‬سدرقات معندى‪ ،‬وسدرقات‬


‫ألفاظ ‪ ،‬وجعل سرقات المعاني ثالثة أقسام هي ‪:‬‬

‫أ‪ -‬معان عمشتركة ‪ :‬ال يحكم فيها بالسدرقة؛ ألنهدا أمدور مقدررة فدي النفدوس ‪،‬‬
‫ومتصورة للعقول ‪ ،‬يشترك فيها جميدع النداس؛ " ألن هدذا ممدا ال يخدتص‬
‫بمعرفته قوم دون قوم ‪ ،‬وال يحتاج في العلم به إلى رؤية واستنباط وتددبر‬
‫وت مل ‪ ،‬وإنما هو في حكم الغرائز المركوزة في النفوس‪ ،‬والقضدايا التدي‬
‫وضح العلم بها في القلوب " ‪.‬‬

‫وهذا النو من المعاني منتشر ومشا بين الناس‪ ،‬فدال يخدتص بده أحدد عدن‬
‫عليه اثنان ‪ ،‬كتشبيه الحسن بالبدر وغيره ‪.‬‬ ‫غيره؛ ألنه شيء مسلم به ال يختل‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان جرير (و‪.)59 :‬‬
‫(‪)2‬دواوين الشعر العربي (‪.)173 /39‬‬

‫‪175‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ب‪ -‬معا عن مخترعدة‪ :‬سدبق المتقددم إليهدا ‪ :‬وفداز بهدا‪ ،‬لكنهدا تدداولت بعدده حتدى‬
‫صددارت كالمشددتركة فددي الجددالء واالستفاضددة علددى ألسددن الشددعراء ‪ .‬وهددذه‬
‫كاألولى ال يحكم فيها بالسرقة‪ ،‬وإن كان األصل فيها لمن سبق إليها وانفرد‬
‫بها ‪ .‬والقول بعددم السدرقة فدي هدذين القسدمين لديس علدى إطالقده؛ إذ يصدح‬
‫فيهما األخذ إذا أضيفت إليهما صنعة لفظ أو وصال بزيادة معنى ‪.‬‬

‫ج‪ -‬معدان ع مختصددة ‪ :‬وهددي التددي حازهددا المبتدددئ فملكهددا‪ ،‬وأحياهددا السددابق‬
‫فاقتطعها لكنها لم تبتذل باالستعمال‪ ،‬بحيث تحمي نفسه عدن السدرق‪ ،‬وتددفع عدن‬
‫صاحبها مذمة األخذ‪ ،‬ولهذا كدان المعتددي عليهدا مختلسدا سدارقا والمشدارك فيهدا‬
‫محتذيا تابعا "(‪.)1‬‬

‫والنو الثاني وهي المعاني المخترعدة تصدبح كداألولى؛ لكثدرة تدداولها بدين‬
‫الشعراء فتصبح مشاعة ‪ ،‬فلذا لدم يحكدم الجرجداني عليهدا بالسدرقة‪ ،‬ولكدن وضدع‬
‫إليها اآلخذ زيادة لفظ أو معنى ‪.‬‬ ‫قيدا لذلك وهو أن يضي‬

‫والنددو الثالددث وهددذه تكددون معددان َي مختصددة اخددتص بهددا الشدداعر المبتدددئ‬
‫وأحياها فملكها ‪ ،‬ولهذا كان أخذها سرقة‪ ،‬ومن أخذها فهو سارق ‪.‬‬

‫وعلى الرغم من معرفة الجرجاني للسرقات وتفصيله لها فإنه يلتمس العدذر‬
‫في ذلك ألهل عصره ‪ ،‬والعصر الذي يليه معلال ذلك ؛ ب ن من تقدم مدن األوائدل‬
‫ق منها إال مدا تدرك رغبدة عنهدا ‪ ،‬واسدتهانة بهدا‪،‬‬
‫قد أتوا على كل المعاني‪ ،‬ولم يب َ‬
‫(‪)2‬‬ ‫ّ‬
‫وتعذر الوصول إليها ‪.‬‬ ‫أو لبعد مطلبها واعتياو مرامها‪،‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬النقد األدبي في العصر المملوكي‪ ،‬لعبده قلقيلة (و‪.)370‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الوساطة‪ ،‬للجرجاني (و‪.)214‬‬

‫‪176‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وهنا إشارة لطيفة منصفة مدن الجرجداني فدي عددم التسدر فدي الحكدم علدى‬
‫أحد بالسرقة ‪.‬‬

‫وخاصدة أن أمددر السددرقات يددداخلها تدوارد الخددواطر؛ حيددث إن القدددماء أتددوا‬


‫على أغلب المعاني‪ .‬وأكد ذلك بقوله ‪ " :‬ومتى أنصفتَ علمت أن أهدل عصدرنا‪،‬‬
‫ثم العصر الذي بعدنا أقربُ فيه إلى المعذرة‪ ،‬وأبعدد مدن المذ ّمدة؛ ألن مدن تقد ّدمنا‬
‫قد استغرق المعاني وسبق إليها‪ ،‬وأتى علدى معظمهدا؛ وإنمدا يحصدل علدى بقايدا‪:‬‬
‫دون تُركددت رغبددة عنهددا‪ ،‬واسددتهانة بهددا‪ ،‬أو لبعددد مطلَبهددا‪ ،‬واعتيدداو‬
‫إمددا أن تكد َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ّ‬
‫‪.‬‬ ‫وتعذر الوصول إليها"‬ ‫مرامها‪،‬‬

‫وك د ن الجرجدداني يعدديش إحسدداس مددن يجتهددد‪ ،‬يعمددل فكددره‪ ،‬يتعددب خدداطره‬
‫وذهنه من أجل تحصيل معنى يظدن أنده أول مدن سدبق إليده اختراعده ‪ ،‬ثدم مدا إن‬
‫يقرأ في كتب األدب حتدى يجدده أمامده بعينده‪ ،‬وك نده نقلده ولدم يخترعده أو يكدون‬
‫مشابها لده فدي حسدنه ‪ ،‬فمدن هندا حظدر الجرجداني علدى نفسده الحكدم علدى غيدره‬
‫بالسرقة‪ .‬وجري هذا على لسانه في قوله ‪:‬‬

‫" ومتى أجهَد أح ُدنا نف َسه‪ ،‬وأعمل فك َره‪ ،‬وأ ْتعب خاطره وذهنه في تحصيل‬
‫معنددى يظنّدده غريبددا مبت د َدعا‪ ،‬ونظددم بيت دا يحسددبه فددردا مخترعددا‪ ،‬ثددم تص دفّح عندده‬
‫الدددواوين لددم يُخطئدده أن يج د َده بعيندده‪ ،‬أو يجددد لدده مثدداال يغددضّ مددن حُسددنه؛ ولهددذا‬
‫(‪)2‬‬ ‫السبب أحظر على نفسي‪ ،‬وال أري لغيري ّ‬
‫بت الحكم على شاعر بالسرقة " ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪.)214‬‬
‫(‪)2‬المصدرنفسه‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫عند ادعاء السرق على أحد ‪،‬بلفدظ معدين نقلده‬ ‫وأشار الجرجاني إلى التلط‬
‫عددن أحمييد بي أبييي طيياهر(‪)1‬؛ ليكسددب بهددذا فضدديلة الصدددق‪ ،‬ويسددلم مددن عواقددب‬
‫التسر ‪ .‬فقال مبينا ذلك ‪:‬‬

‫وقد أحسن أحمد بن أبي طاهر في محاجّة البحتري لما ا ّدعى عليده السّد َرق‬
‫قوله ‪( :‬بحر البسي )‬

‫ق أنت راكبه ‪ ...‬فمنه ُمن َشعب أو غي ُر منشعب‬


‫والشع ُر ظهر طري ع‬
‫(‪)2‬‬
‫ب العالي على الطُنُب‬
‫صق الطنُ َ‬
‫وربما ض ّم بين الرّكب منهجه ‪ ...‬وأل َ‬

‫إال أنددي إذا وجد ُ‬


‫ددت فددي شددعره معدداني كثيددرة أجدددها لغيددره حكمددت بد ن فيهددا‬
‫م خوذا ال أثبته بعينه‪ ،‬ومسروقا ال يتميدز لدي مدن غيدره‪ ،‬وإنمدا أقدول‪ :‬قدال فدالن‬
‫كذا‪ ،‬وقد سبقه إليه فالن‪ ،‬فقال كذا‪ ،‬ف غتنم به فضديلةَ الصددق‪ ،‬وأسدلم مدن اقتحدام‬
‫(‪)3‬‬
‫الته ّور ‪.‬‬

‫وهندا لمسدة تد دب مدع العلمداء ظهددرت مدن الجرجداني والتددي أومد إليهدا فددي‬
‫استشهاده بطريدق خفدي؛ حيدث التدزام األدب مدع العلمداء وتقددير علمهدم وتجندب‬
‫اتهامهم والخط في حقهم؛ ألن سلوك األدب جمال للحياة واحترام ل خرين‪.‬‬

‫ووافق أبوهالل العسيير (ت‪395‬هيـ) ابدن طباطبدا وابدن قتيبدة والجرجداني‬


‫في األخذ بالمعاني ‪ ،‬وصر أنه ال غنى عن تناول المعاني من األوائدل شدريطة‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬هو أحمد بن طيفور (أبي طاهر) الخراساني‪ ،‬أبو الفضل‪ :‬ميرخ‪ ،‬من الكتاب البلغاء الرواة‪،‬‬
‫أصله من مرو الروذ‪ ،‬ومولده ووفاته ببغداد‪ ،‬كان ميدب أطفال‪.‬توفي سنة‪280( :‬هـ)‪.‬‬
‫تاريخ بغداد (‪.)211 /4‬‬
‫(‪)2‬الوساطة‪ ،‬للجرجاني (‪.) 215/1‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه (و‪.)214‬‬

‫‪178‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫أن يغيروا ألفاظها ويبرزوها في معان أخري من ت ليفهم ‪ ،‬فمن فعدل ذلدك ‪ ،‬كدان‬
‫أحق ممن سبقه إليها ‪.‬‬

‫وجري هذا على لسانه في قوله ‪ " :‬ليس ألحد من أصناف القائلين غنى عن‬
‫تناول المعانى م ّمن تقد ّدمهم‪ ،‬والصدبّ علدى قوالدب مدن سدبقهم؛ ولكدن علديهم‪ -‬إذا‬
‫أخددذوها‪ -‬أن يكسددوها ألفاظددا مددن عندددهم‪ ،‬ويبرزوهددا فددى معددارض مددن ت د ليفهم‪،‬‬
‫ويوردوها فى غير حليتها األولدى‪ ،‬ويزيددوها فدى حسدن ت ليفهدا وجدودة تركيبهدا‬
‫ق بها م ّمن سبق إليها؛ ولدوال ّ‬
‫أن‬ ‫وكمال حليتها ومعرضها؛ فإذا فعلوا ذلك فهم أح ّ‬
‫القائل يي ّدي ما سمع لما كان فى طاقته أن يقول؛ وإنما ينطق الطّفل بعد استماعه‬
‫(‪)1‬‬
‫من البالغين‪".‬‬

‫وعلل ذلك بقول علي بن أبي طالب رضدي ه عنده ‪ ( :‬لدوال أن الكدالم يعداد‬
‫لنفد)(‪.)2‬‬

‫كما أشار إلى أن المعاني مشتركة بين أجناس الناس علدى اخدتالفهم ‪ ،‬وإنمدا‬
‫التفاضددل بيددنهم يكددون فددي األلفدداظ ونظمهددا واالعتندداء بهددا ‪ ،‬وذكددر مددا سددبقه إليدده‬
‫ا لجرجاني من توارد المعاني فقد ي تي المت خر بمعنى سبقه إليه المتقدم مدن غيدر‬
‫أن يعرفه ‪ ،‬وأكد هذا األمر حدين جدري علدى نفسده تدوارد معانيده مدع غيدره فدي‬
‫قوله ‪ " :‬على أن المعانى مشتركة بين العقالء‪ ،‬فربما وقع المعنى الجيّدد للسدوق ّى‬
‫والنبطى وال ّزنجى‪ ،‬وإنما تتفاضل الناس فى األلفداظ ورصدفها وت ليفهدا ونظمهدا‪.‬‬
‫وقد يقع للمت خر معنى سبقه إليه المتق ّدم من غير أن يل ّم به‪ ،‬ولكن كما وقع لأل ّول‬
‫وقع ل خر‪ .‬وهدذا أمدر عرفتده مدن نفسدى‪ ،‬فلسدت أمتدري فيده‪ ،‬وذلدك أنّدى عملدت‬
‫شيئا في صفة النساء‪:‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)196‬‬
‫(‪)2‬ذكره أبو هالل العسكري في الصناعتين (و ‪ )196‬ولم أجده في الكتب ‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫( سفرن بدورا وانتقبن أهلّة ) وظننت أنى سبقت إلى جمدع هدذين التشدبيهين‬
‫فى نص بيت‪ ،‬إلى أن وجدته بعينه لبعض البغدداديين؛ فكثدر تعجّبدى‪ ،‬وعزمدت‬
‫على ّأال أحكم على المت ّخر بالسّرق من المتق ّدم حكما حتما"(‪. )1‬‬

‫وهنا وقفة مع أبي هالل العسكري فيها من الحس اإلسالمي الذي ل ُمدس مدن‬
‫قب ُل مع الجرجاني في االحتراز من الحكم على اآلخرين بالسرقة ‪.‬‬

‫ولددددم يعددددب أبددددوهالل العسددددكري تددددداول المعدددداني ‪ ،‬بددددل اتفددددق المتقدددددمون‬


‫والمت خرون علدى ذلدك شدريطة أن ال ي خدذ اللفدظ كلده برمتده‪ ،‬وال ي خدذه فيفسدده‬
‫ويقصر فيه ‪ .‬وجاء هذا في قوله ‪:‬‬

‫" وقد أطبق المتقدمون والمت خرون على تداول المعدانى بيدنهم؛ فلديس علدى‬
‫أحد فيه عيب ّإال إذا أخذه بلفظه كلّده‪ ،‬أو أخدذه ف فسدده‪ ،‬وقصّدر فيده ع ّمدن تقدمده‪،‬‬
‫وربما أخذ الشاعر القول المشهورولم يبال ‪ ،‬كما فعل النابغة فإنه أخذ قول وهب‬
‫بن الحارث بن زهرة‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تبدو كواكبُهُ والشمسُ طالعة‪ ...‬تَجري َعلى ال َكاس م ْنه الصّابُ والمق ُر‬

‫وقال النابغة ‪( :‬بحر البسي )‬


‫(‪)3‬‬
‫تبدو كواكبُهُ والشمسُ طالعة ‪ ...‬ال النور نور وال اإلظال ُم إظال ُم "‬

‫ووافق أبو هالل العسكري ابن طباطبا في إظهار صور إخفاء السرق بدنظم‬
‫مددن مددديح لهجدداء ومددن‬ ‫المنثددور وبنثددر المنظددوم‪ ،‬أو فددي تغييددر أوجدده الوص د‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه (و‪.)196‬‬
‫(‪)2‬المصدرنفسه (و ‪.)197‬‬
‫(‪)3‬ديوان النابغة الذبياني (و ‪.)83‬‬

‫‪180‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫لغزل وهكدذا وبديّن هدذا أبدوهالل العسدكري حيدث يقدول‪ " :‬وأحدد أسدباب‬ ‫وص‬
‫إخفداء السّدرق أن ي خدذ معندى مدن نظدم فيدورده فدى نثدر‪ ،‬أو مدن نثدر فيدورده فددى‬
‫نظم‪ ،‬أو ينقل المعندى المسدتعمل فدى صدفة خمدر فيجعلده فدى مدديح‪ ،‬أو فدى مدديح‬
‫فينقله إلى وص "(‪.)1‬‬

‫واستنادا لما سبق يُتمثل قول ابي رشييق(ت‪463‬هيـ) هندا‪" ،‬وهدذا بداب متسدع‬
‫جدا‪ ،‬ال يقدر أحد من الشعراء أن يددعى السدالمة منده‪ ،‬وفيده أشدياء غامضدة‪ ،‬إال‬
‫عن البصير الحاذق بالصناعة‪ ،‬وأخر فاضحة ال تخفى على الجاهل المغفل"(‪.)2‬‬

‫فيظهر اب رشيق مدي اتسا هذا الباب وكثرة حاالته فال يسدلم أحدد منده ‪،‬‬
‫مبررا األشياء الغامضة التي بداخلده‪ ،‬وقدد ال تغيدب علدى البصدير وال يفقههدا إال‬
‫الحاذق بالصناعة‪ ،‬وأشياء فاضحة ال تخفى على الجاهل المغفل ‪.‬‬

‫وأطلددق ابددن رشدديق مسددميات علددى مددن سددرق " وقددال بعددض الحددذاق مددن‬
‫المت خرين‪ :‬من أخذ معنى بلفظه كما هو كان سارقا‪ ،‬فدإن غيدر بعدض اللفدظ كدان‬
‫سدددالخا‪ ،‬فدددإن غيدددر بعدددض المعندددى ليخفيددده أو قلبددده عدددن وجهددده كدددان ذلدددك دليدددل‬
‫حذقه"(‪.)3‬‬

‫وذكدددر ابدددن رشددديق أ فن مدددن أجددد ّل السدددرقات وأعظمهدددا نظدددم المنثدددور ونثدددر‬
‫المنظوم‪ ،‬وسبقه إلى في هذا ابن طباطبا و أبوهالل العسكري؛ حيث جعلهما أحد‬
‫أسباب إخفاء السرق‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين ‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)198 :‬‬
‫(‪)2‬العمدة ‪ ،‬البن رشيق (و‪.)281‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ويقول اب رشيق‪ " :‬وأجل السدرقات نظدم النثدر وحدل الشدعر‪ ،‬وهدذه لمحدة‬
‫منده‪ ،‬قددال أرسدطاطا لدديس يندبه‪:‬قددد كدان لهددذا الشددخص واعظدا وبليغددا‪ ،‬ومدداوعظ‬
‫بكالمه عظة ق أبل من موعظته بسكوته"(‪ ،)1‬وقال أبو العتاهية في ذلك‪( :‬بحر‬
‫(بحر الوافر)‬
‫(‪)2‬‬
‫انت في َحيَاتك لي عظَات فَ نفت اليَو َم أَ ْو َعظُ م ْن َ‬
‫ك َحيفا‬ ‫َو َك ْ‬

‫فاستشهد على عكس الحل وهو العقد‪.‬‬

‫وفيمدددا يبددددوأن للسدددرقات أنواعدددا كثيدددرة وجدددب االنتبددداه لهدددا والحدددذر منهدددا‬
‫وإرجاعهددا ألهلهددا الددذين اخترعوهددا وابتدددعوها وكددانوا السددابقين لهددا ‪ ،‬وضددعا‬
‫لألمددور فددي نصددابها ؛ فقددد تمددادي الكثيددر فددي السددرقات فدداختل صدداحب الددنص‬
‫بسارقه ‪.‬‬

‫وقد اعتمد باب السرقات على فن مدن فندون اللغدة وهدو التوريدة؛ فيخفدي مدا‬
‫أراد إخفاؤه دون أن يشعر أحد بذلك ‪ .‬ورأي ابن األثيدر(ت‪637‬هدـ) هدذا الدرأي‪،‬‬
‫وأكده في قوله ‪ " :‬واألصل المعتمد عليه في هذا الباب التورية واالختفاء بحيدث‬
‫يكون ذلك أخفى من سفاد الغراب‪ ،‬وأظرف من عنقاء مغرب في اإلغراب"(‪.)3‬‬

‫ويميل ابن األثيرلقو عل وافقده وأيدده مدن ف‬


‫أن لديس ألحد عد مدن المتد خرين فضدل‬
‫االخترا أو االبتدا ؛ ف‬
‫ألن ك فل المعاني في اللغة العربية قد طرقت ‪ ،‬وهدذا القدول‬
‫الذي أيده هو‪" :‬وقد ذهب طائفة من العلماء إلى أنه ليس لقائل أن يقول‪ :‬إن ألحدد‬
‫من المت خرين معنى مبتدعا‪ ،‬فإن قول الشعر قديم منذ نطق باللغة العربيدة‪ ،‬وإنده‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق(‪.)293/2‬‬
‫(‪ )2‬ديوان أبي العتاهية ( و‪.)679‬‬
‫(‪ )3‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير ( ‪.)218/1‬‬

‫‪182‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫لم يبق معنى من المعاني إال وقد طرق مرارا"(‪. )1‬‬

‫فالشددعر موجددود منددذ العصددر الجدداهلي وإلددى هددذا العصددر هددذا ومددا زالددت‬
‫ميلفدات كثيددرة موجدودة توارثهدا المتد خرون مددن األوائدل‪ ،‬وكددان العلدم ومددا زال‬
‫متناقال بين العصور ب لفاظه ومعانيه‪.‬‬

‫واستنادا ل ما سبق فتوارد المعاني وابتداعها غير مقيدة بزمن دون آخدر ‪ ،‬أو‬
‫بقوم دون غيرهم ؛ ألن المعاني ثابتة لكل إنسان ‪ ،‬ومتى ما اشدتعل وقدد لهيبهدا‬
‫عملت وأبدعت ‪ ،‬وقد تتقارب تلدك المعداني وقدد تتماثدل ؛ ألن األوائدل أتدوا علدى‬
‫كل المعاني واستغرقوها ‪.‬‬

‫وهناك من المعاني ماقل وجوده وليس له مثيل ‪ ،‬ف خذه من أقبح السرقات‪.‬‬
‫وهذا ما جاء به القرطاجني في كالمه وأدلته ‪ ،‬ووافق بذلك الجرجاني‪.‬‬

‫حيث ق ف‬
‫سم القرطاجني(ت‪684‬هـ) المعاني على ثالثة أقسام ‪:‬‬

‫القسم األول ‪ -‬هي المعاني التي يقال فيها إنها كثرت وشاعت ‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ -‬ما يقال فيه إنه ق ّل أو هو إلى حيز القليل أقرب منده إلدى حيدز‬
‫الكثير‪.‬‬

‫القسم الثالث ‪ -‬هو المعنى الذي يقال فيه أنه ندر وعدم نظيره ‪.‬‬

‫ومن باب نثر المنظوم وهو ضد المنثور ماذكره محمد ن أيدمر(ت‪710‬هـ)‬


‫في قوله‪:‬‬

‫قال سعيد بن حميد‪( :‬بحر الطويل)‬


‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه (‪.)219/3‬‬

‫‪183‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫يهن م ْن ُحسْن الثفنَاء فُتُو ُر‬


‫وف ف‬ ‫أ َري أَ ْلس َُن ال ف‬
‫ش ْكوي إلَيْــ َ‬
‫ك َكليلة‬

‫ْس لَـــهُ إالّ إليْــ َ‬


‫ك َمصيــ ُر‬ ‫ُمقيما على ال َع ْتب الذي ليس نَافعا فَلَي َ‬

‫نوائبُ م ْن أحْ َداثه وأُ ُمو ُر‬ ‫وما أ ْنتَ إال َكال فز َمـــان تَلَـ فون ْ‬
‫َت‬
‫(‪)1‬‬
‫فَ َم ْن ذا الذي م ّما َجنَاهُ يُجي ُر ‪.‬‬ ‫اف ال فز َمان و َع ْدلُهُ‬
‫ص ُ‬‫وإن ق فل إ ْن َ‬
‫ْ‬

‫فنثر منظوم هذا بعض الكتفاب فقال‪:‬‬

‫"قد كلفت ألسن الشكوي إليدك وفتدرت عدن حسدن الثنداء عليدك إلقامتدك علدى‬
‫لندا مندك‪،‬‬ ‫العتب الذي ليس بنافع مع علمك ب نده ال َمعْدد َل لندا عندك‪ ،‬وال منتصد‬
‫فما أنت إال كالزمان يقل إنصافه‪ ،‬وتتلون نوائبده‪ ،‬وأحداثده‪ ،‬وال منده مغيدب‪ ،‬وال‬
‫(‪)2‬‬
‫مما جناه مجير" ‪.‬‬

‫وأما اب حجة الحمو (ت‪837‬هيـ) فقدد عد ّرف الحدل والعقدد‪ ،‬وفصدل العقدد‬
‫كابن رشيق‪ ،‬وضرب عليه أمثلة فقال‪:‬‬

‫"العقد ضد الحل؛ ألن العقد نظم المنثور والحل نثر المنظدوم‪ .‬ومدن شدرائ‬
‫العقد أن ييخذ المنثور بجملة لفظه أو بمعظمه‪ ،‬فيزيد الناظم فيده ويدنقص ليددخل‬
‫في وزن الشعر‪ ،‬ومتى أخذ بعض المنثور دون لفظده كدان ذلدك نوعدا مدن أندوا‬
‫(‪)3‬‬
‫السرقات‪ ،‬وال يسمى عقدا إال إذا أخذ الناظم المنثور برمته" ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬زهر اآلداب‪ ،‬القيرواني (‪.)1057/4‬‬
‫(‪ )2‬مقدمة كتاب الدر الفريد وبيت القصيد لمحمد بن أيدمر(‪.)366‬‬
‫(‪ )3‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي(‪.)489/2‬‬

‫‪184‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وأدلى النواجي(ت‪859‬هـ) بددلوه ‪ ،‬واكتفدى باإلشدارة إلدى نثدر المنظدوم مدن‬


‫السرقات فقال ‪:‬‬

‫" وإذا نثدرت منظومددا فغيِّدر قددوافي شددعره عددن قددرائن سددجعه ‪ ،‬وإذا سددرقت‬
‫معنى فغيِّرالوزن القافية ليخفى ‪ ،‬وإذا حدذت شدعرا فدزد علدى معنداه وانقدض مدن‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫لفظه ‪ ،‬واحترز فيما يطعن به عليك ‪ ،‬فحينئذ تكون أحق به من قائله "‬

‫فيوصي النواجي الشاعر أوال بتغيير قوافي الشعر عدن قدرائن السدجع حتدى‬
‫يحل النظم ويصبح نثرا فتخفى سرقته بهذا العمل ‪.‬‬

‫وثانيا ‪ -‬إذا أخذ الشاعر شعرا فيوصيه النواجي بالزيادة على معناه وإسدقاط‬
‫لفظه‪ .‬فإن فعل الشاعر ذلك فقد كان أحق بالقول من قائله ‪.‬‬

‫وربما خص النواجي هذا النو من السرقات بالذكر؛ ألنه من أجدل وأعظدم‬


‫السرقات كما قال ابن رشيق‪ ":‬وأحد أسباب إخفاء السرق"‪ .‬كما صر بذلك ابن‬
‫طباطبا وأبو هالل العسكري ‪.‬‬

‫ومن السرقات المذمومة عند النواجي مدا ذكدره مدن أن الشديخ برهدان الددين‬
‫القيراطي قال ‪( :‬بحر الكامل)‬
‫( ‪)2‬‬ ‫ولقد َس ُ‬
‫وحمدت عند صبا َمبْ َسمها ال ف‬
‫سراء‬ ‫ريت بل ْيل أسود شعرها‬

‫ف خذه ابن حجة وقال ‪:‬‬

‫وقَ ْد َغ َدا بيومنَا ُمضفرا‬ ‫سرْ نَا وليل شعره ُمن َسدل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)45‬‬
‫(‪)2‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)232 /2‬‬

‫‪185‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫صبَا يَحْ َم ُد ْالقَ ْو ُم ال ف‬
‫سرا‬ ‫عن َد ال ف‬ ‫فقال صبح ثغره مبتَسما‬

‫فجعل معنى البيدت الواحدد فدي بيتدين كداملين ‪ ،‬وأبددل لفظده (سدريت) بقولده‬
‫(سرنا) وهي مخلة بالمعنى ‪ ،‬فإن مصدرها السير ال السري ‪ ،‬والفرق بينهمدا أن‬
‫السددري ال يكددون إال فددي الليددل فهددو أخددص مددن السددير ‪ ،‬ولهددذا قددال اب ي سييناء‬
‫المنك(ت‪445‬هـ) ‪( :‬بحر الكامل)‬
‫(‪)2‬‬
‫ما زار إال في نهار َجبينه ‪ ...‬ف قُول َ‬
‫سا َر وال أقو ُل له َس َري‬

‫يقول النواجي ‪ :‬والظاهر أن ابن حجدة لدم يهتدد إلدى ذلدك‪ ،‬وإال لتحاشدى عدن‬
‫وضع أحدهما موضع اآلخر(‪.)3‬‬

‫ومن اآلراء النقدية التي أفتى بهدا الندواجي فدي السدرقات الشدعرية ‪ ،‬أنده فدي‬
‫حالة وجود سرقة أدبية بين متعاصرين مع عدم معرفة اآلخذ من المد خوذ منده ‪،‬‬
‫وكان أحد العصريين المتعاصدرين متمكندا مدن فدن األدب‪ ،‬ولده اليدد الطدولى فيده‬
‫حكم على اآلخر ب نه أخذه منه السيما إن دلت عليده قرائنده ‪ ،‬وهدو مقتدد فدي هدذا‬
‫(‪)4‬‬
‫‪.‬‬ ‫بابن أبي اإلصبع وابن حجة‬

‫ومددن خدددالل ذلدددك التتبدددع عندددد النقددداد فدددي السدددرقات وفدددي عصدددور مختلفدددة‬
‫ومتسلسلة تخلص الدراسة إلى ‪:‬‬

‫‪ -‬أن قضية السرقات من أهم القضايا في النقد األدبي ‪،‬وبداب كبيدر متسدع ال‬
‫يمكن ألحد ادعاء السالمة منه ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪.)64/1‬‬ ‫و تحرير التحري‬ ‫(‪ )2‬تصحيح التصحي‬
‫(‪ )3‬انظرالنقد األدبي في العصر المملوكي‪ ،‬لعبده قلقيلة ( و‪.)386‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه (و‪)386‬‬

‫‪186‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬اتفق جميدع النقداد أن األوائدل أتدوا علدى أغلدب المعداني‪ ،‬ولدم يتركدوا شديئا‬
‫منها ‪ ،‬وليس ألحد من المت خرين فضل االخترا أو االبتدا ‪.‬‬

‫اختلفت آراء النقاد في إطالق السرقة على من ‪:‬‬

‫‪ -‬ففريددق اتهددم كددل مددن أخددذ بلفددظ أو معنددى فهددو سددارق‪ ،‬وهددذا يوافددق رأي‬
‫الجاحظ ووافقه ابن رشيق في ذلك ‪.‬‬

‫‪ -‬وفريق جعل الشعر مقسوما بين العباد فلم يقصره ه على أحد ‪ ،‬كابن‬
‫قتيبة وقدامة ‪.‬‬

‫‪ -‬وفريق ص ّر ب نه من أخذ من غيره شديئا ف برزهدا فدي أحسدن صدورة‬


‫ليست بسرق كابن طباطبا وأبي هالل العسكري مع تغيير األلفاظ ‪.‬‬

‫وفددي مقابددل كددل هددذه السددرقات ‪ ،‬فد ف‬


‫دإن هندداك مددن أطلددق علددى بعضددها ابتددداعا‬
‫للمعدداني ولدديس سددرقة ‪ ،‬وغالددب الظددن أن فددي ذلددك جانب دا كبيددرا مددن الصددحة ؛‬
‫فالقدددماء قددد أتددوا علددى معظددم المعدداني واسددتغرقوها وسددبقوا إليهددا ‪ ،‬والمحدددثون‬
‫تداولوا تلك المعاني وغيروها‪ ،‬ف ضافوا عليها‪ ،‬واستحدثوا منها الجديد وابتكروا‬
‫مددالم يكددن فيهددا آنددذاك ‪ ،‬فصددبغت بقالددب انفددرد بدده المحدددثون وتميددزوا بمعانيدده‬
‫وألفاظده ‪ ،‬وهدذا مدا أكدده الجرجداني فدي قولده‪ " :‬ومتدى أنصدفتَ علمدت أن أهدل‬
‫عصرنا‪ ،‬ثم العصر الذي بعدنا أقدربُ فيده الدى المعدذرة‪ ،‬وأبعدد مدن المذ ّمدة؛ ألن‬
‫من تق ّدمنا قد استغرق المعداني وسدبق إليهدا‪ ،‬وأتدى علدى معظمهدا؛ وإنمدا يحصدل‬
‫تكون تُركت رغبة عنها‪ ،‬واستهانة بها‪ ،‬أو لبعد مطلَبه ‪".‬‬
‫َ‬ ‫على بقايا إما أن‬
‫فدداألدب علددم واسددع مددن علددوم العددرب ‪ ،‬وهددو ينبددو ال ينضددب‪ ،‬بددل يددزداد‬
‫تدفقه بتتابع أجياله وتمسكهم به ‪،‬فال حرج من تناول خدواطر سدابقة ومطروقدة ‪،‬‬
‫ما دام أنها ستصا بقالب جديد وجميل؛ فاألديب فنان يشكل لوحته كما يريد فدي‬

‫‪187‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫رسمه وألوانه‪ ،‬وال ب س في استعانته بعناصر قديمة ‪ ،‬قد توحي لده ب شدياء تجعدل‬
‫من لوحته مزيجا من األصالة والحضارة ‪ .‬والعبرة دائما بجمال اإلخراج؛ فمنهم‬
‫مددن يبددد فيبهددر ويلفددت أنظددار مددن حولدده ‪ ،‬ومددنهم مددن يبعددد أبعددد مددا يكددون عددن‬
‫في لونه وشكله وطبيعته كدذلك هدو‬ ‫الشعر وصناعته ‪،‬فكما أن اإلنسان قد اختل‬
‫غيره في فكره وأسلوبه ‪ ،‬وهذا ما يسمى بالشخصية التي ينفرد‬ ‫الشاعر قد خال‬
‫كل واحد بها عن اآلخر‪ ،‬ويعرف ويتميز بها ‪.‬‬
‫وخالصة الخالصة ‪ :‬غالب الظن ‪ -‬وه أعلم ‪ -‬أن من أخدذ المعندى وكسداه‬
‫بحلية جديدة من األلفاظ وأبرزهدا فدي أحسدن هيئدة وصدورة فدال تعد ّد سدرقة؛ ألن‬
‫األوائل أتوا على كل المعاني فال جديد فيها‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫المبحث التاسع ‪ -‬قضية براعة التخلص‬


‫إن قضية (براعة التخلص) من القضدايا الشدعرية التدي تناولهدا الندواجي فدي‬
‫كتابه مقدمة في صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫التخلدديص فددي اللغددة ‪ :‬التنجيددة مددن كددل م ْن َشددب ‪ ،‬نقددول ‪ :‬خلصددته مددن كددذا‬
‫تخليصددا؛ أي نجيتدده تنجيددة فددتخلص ‪ ،‬وتخلصدده تخلصددا كمددا يددتخلص الغددزل إذا‬
‫التبس ‪ .‬وخلصته‪ :‬أي ميزته من غيره(‪. )1‬‬

‫الكدالم فدي معندى مدن المعداني ‪،‬‬ ‫أما في اال صطال ‪ " :‬فهو أن ي خذ ميلد‬
‫فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره‪ ،‬وجعل األول سببا إليده ‪ ،‬فيكدون بعضده‬
‫كالمدا آخدر‪ ،‬بدل يكددون‬ ‫آخدذا برقداب بعدض ‪،‬مددن غيدر أن يقطدع كالمده ويسددت ن‬
‫جميع كالمه ك نما أفر إفراغا "(‪.)2‬‬

‫ويع ّد حسن التخلص ملمحا من مالمح اإلبدا الشعري في النص ‪ ،‬وفنا من‬
‫الفنون البديعية التي ال تتد تى إال لحدذاق الشدعراء ‪ ،‬النتقدال الشداعر ممدا ابتددأ بده‬
‫الكددالم إلددى مددا يريددد مختلسددا فددي ذلددك دون أن يشددعر بدده أحددد ‪ ،‬وهددذا مددا يسددمى‬
‫ببراعة التخلص‪.‬‬

‫وجري على لسان الجاحظ(ت‪255‬هـ) التخلص‪ ،‬وك نه منبه لصنعته قائال‪:‬‬


‫"واعلم أن التخلّص من نزوات الدرهم وتفلته والتحدرز مدن سدكر الغندى‪ ،‬وتقلبده‬
‫شديد‪ ،‬فلدو كدان إذا تفلدت كدان حارسده صدحيح العقدل‪ ،‬سدليم الجدوار ‪ ،‬لدر ّده فدي‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬لسان العرب ‪[،‬مادة خلص]‪.‬‬
‫(‪)2‬براعة االستهالل والتخلص وحسن الختام غي شعر الخنساء ‪( .‬و ‪ ) 31‬دراسة بالغية‪ .‬إعداد‬
‫د‪ .‬محمد رضا بن عبد اه الشخص ‪ ،‬جامعة الملك سعود‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ .‬مركز بحوث‬
‫كلية اآلداب‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫عقالده‪ ،‬ولشدده بوثاقده‪ .‬ولكنددا وجددنا ضدعفه عدن ضددبطه‪ ،‬بقددر قلقده فدي يددده‪ .‬وال‬
‫تغتّر بقولهم‪ ( :‬مال صامت ) فإنه أنطق من كل خطيب‪ ،‬وأند ّم مدن كدل ن ّمدام‪ .‬فدال‬
‫تكترث بقولهم‪« :‬هذين الحجدرين وتتدوهم جمودهمدا وسدكونهما‪ ،‬وقلدة ظعنهمدا‪،‬‬
‫وطدول إقامتهمددا‪ ،‬فددإن عملهمددا وهمددا سداكنان‪ ،‬ونقضددهما للطبددائع‪ ،‬وهمددا ثابتددان‪،‬‬
‫أكثر من صنيع السّم النداقع ‪ ،‬والسدبع العدادي‪ .‬فدإن كندت ال تكتفدي بصدنعة حتدى‬
‫تفقده‪ ،‬وال تحتال فيه حتى تحتال له‪ ،‬فالقبر خير لك من الفقر‪ ،‬والسدجن خيدر لدك‬
‫(‪)1‬‬
‫من الذل" ‪.‬‬

‫إلى التوس في فنون الكالم‪ ،‬وأوضح مذهبه في الكالم‬ ‫كما دعا عند الت لي‬
‫بقوله‪ " :‬فالقصد في ذلك تجنب السوقي والوحشدي‪ ،‬وال تجعدل همدك فدي تهدذيب‬
‫األلفدداظ وشددغلك فددي الددتخلص إلددى غرائددب المعدداني‪ .‬وفددي االقتصدداد بددال ‪ ،‬وفددي‬
‫التوس مجانبة للوعورة‪ ،‬وخروج من سبيل من ال يحاسب نفسه»(‪. )2‬‬

‫وصية الجاحظ ‪ ،‬فنهى عن االنصراف مدن‬ ‫فالتوس واالقتصاد عند الت لي‬
‫الذي أوصى فيه‬ ‫إلى التخلص والتهذيب؛ فهما مرحلتان ت تي بعد الت لي‬ ‫الت لي‬
‫بتجنب األلفاظ الوحشية والسوقية ‪ ،‬واختيار األلفاظ الصدحيحة واضدحة المعداني‬
‫بعيدة عن التعقيد ‪.‬‬

‫وسد ّمي حسددن الددتخلص بحسددن الخددروج ‪ ،‬وثعلددب أول مددن لقبدده هددذا اللقددب‪،‬‬
‫اإلبددل وتحمددل األظعددان وفددراق‬ ‫قددال‪" :‬حسددن الخددروج مددن بكدداء الطلددل ووصد‬
‫الجيددران بغيددر "د ذا" "عددد عددن ذا" و"اذكددر ذا"‪ ،‬بددل مددن صدددر إلددى عجددز ال‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬البخالء (و‪ )224‬أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬لبنان ‪ /‬بيروت ‪-‬‬
‫‪ 1422‬هـ ‪ 2001 -‬م‪.‬تحقيق‪ :‬أحمد العوامري بك ‪ -‬علي الجارم بك‪.‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبين‪ ،‬للجاحظ (‪.)19/ 1‬‬

‫‪190‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫يتعداه إلى سواه "(‪.)1‬‬

‫وذكر أمثلة عليه في كتابه قواعد الشعر ‪:‬‬

‫ختمها بقول ذي الرمة ‪( :‬بحر البسي )‬


‫(‪)2‬‬
‫فقلت لها ‪ ...‬أ ّمي هالال على التفوفيق وال فر َشد‬
‫ُ‬ ‫حن ف ْ‬
‫ت إلى نعم ال فدهنا‬

‫الناقدة إلدى المدديح ‪ ،.‬واشدترط ثعلدب أن يكدون‬ ‫فالبيت فيه انتقال من وصد‬
‫اإلبدل ‪ ،‬وتحمدل األظعدان ‪ ،‬وفدراق الجيدران‬ ‫الخروج عن بكاء الطلل ‪ ،‬ووصد‬
‫بغير (د ذا ) و(ع ِّد عن ذا) و ( اذكر ذا )‪ ، ،‬بل مدن صددر إلدى عجدز ال يتعدداه‬
‫إلى سواه ‪ ،‬وال يقرنه بغيره ‪.‬‬

‫و أورد ابي المعتييأل(ت‪296‬هييـ)بعضددا مددن محاسددن الكددالم والشددعر ‪ ،‬ونفددى‬


‫اإلحاطة بجميعها‪ ،‬ويري أنه ال ينبغي ألي عالم ادعاء ذلك(‪.)3‬‬

‫و سار على نهج أستاذه ثعلدب فدي اللقدب ( حسدن الخدروج ) ‪ ،‬وعرفده ب نده‬
‫حسدن الخددروج مددن معنددى إلددى معنددى ‪ . .‬واستشددهد لدده بقددول الطددائي ‪( )4( :‬بحددر‬
‫الكامل)‬
‫(‪)5‬‬
‫وأن أَبَا ال ُح َسيْن َكري ُم‬
‫صب ر ف‬
‫ال والذي ه َو عالم أ فن النوي‪َ ...‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬قواعد الشعر (و‪ )56‬أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالوالء‪ ،‬أبو العباس‪،‬‬
‫المعروف بثعلب المتوفى (‪291‬هـ) تحقيق‪ :‬رمضان عبد التواب ‪.‬‬
‫(‪ )2‬ديوان ذي الرمة (و ‪.)203‬‬
‫(‪ )3‬البديع ‪،‬البن المعتز‪( ،‬و‪.)60‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه (و‪.)155‬‬
‫(‪ )5‬لم أجده في ديوانه‪ ،‬البديع في البديع البن المعتز (‪.)156/1‬‬

‫‪191‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ب سد فماه‬
‫وأولى اب طباطبا (ت‪322‬هـ) الدتخلص عنايدة كبيدرة‪ ،‬وخصفده ببدا ع‬
‫الددتخلص وافددق فيدده ابددن المعتددز وأسددتاذه ثعلددب ‪ ،‬وذكددر لدده طرقددا شددتى سددلكها‬
‫المحدددثون فيدده ‪ ،‬وأورد فددي ذلددك أمثلددة عدددة ‪ ،‬أمددا األوائددل فلهددم فددي ذلددك مددذهب‬
‫واحد‪ ،‬وهو قولهم عند وص الفيافي‪ ،‬وقطعها بسير الفيافي ‪ ،‬وحكاية مدا عدانوا‬
‫ش ْمنَا َذلك إلَى فُال عن؛ يَ ْعنُ َ‬
‫ون ال َم ْمدو َ ‪.‬‬ ‫في أسفارهم ‪ :‬إنفا تج ف‬

‫وختم شواهده التي أوردها بقول أبي تمام ‪( :‬بحر الكامل)‬

‫َولَقَد بَلَ ْو َن خَالئقي فَ َوج ْدنَني ‪َ ...‬س ْم َح اليَ َديْن بَ ْ‬


‫بذل ُو ِّد ُمضْ َمر‬
‫(‪)1‬‬
‫ت ب ُمهْجتي ‪ ...‬وك َذا َ‬
‫ك أ ْع َجبُ من َس َما َحة َج ْعفَر‬ ‫أن َس َمحْ ُ‬
‫بن منِّي ْ‬
‫يُ ْع َج َ‬

‫شداعر مدن ُكد فل َمعْندى يضديفهُ إلَدى‬ ‫وميفز ابن طباطبا أحسن الشعر ب ُخدرُو ُج ال ف‬
‫غَيره من ْالم َعاني ُخروجا لطيفا‪ ،‬على َما َشد َرطناهُ فدي أ فول ْالكتداب‪َ ،‬حتفدى ت َْخد ُر َج‬
‫القَصيدةُ ك نفها ُم ْفرغةُ إ ْفراغا "(‪.)2‬‬

‫وأبد الشعراء المحدثون في التخلص إلى المعاني التي أرادوها ولطفوا في‬
‫صلة ما بعدها فصارت غير منقطعة عنها بخالف القدماء األوائل ‪ ،‬كان مذهبهم‬
‫واحدا ‪.‬‬

‫الددِّيار إلَددى‬ ‫ومثددال ذلددك قددول محمددد بددن وهيددب(‪ )3‬فددي تَخَلصدده مددن َوصْ د‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان أبي تمام (و‪)866 :‬‬
‫(‪)2‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪)213‬‬
‫(‪)3‬هو محمد بن وهيب الحميري‪ ،‬أبو جعفر‪،‬شاعر مطبو مكثر‪ ،‬من شعراء الدولة العباسية‪،‬‬
‫أصله من البصرة‪ ،‬عاش في بغداد وكان يتكسب بالمديح‪ ،‬ويتشيع‪ ،‬وله مراث في أهل البيت‪ ،‬وعهد‬
‫إليه بت ديب الفتح بن خاقان‪ ،‬واختص بالحسن بن سهل‪ ،‬ومد الم مون والمعتصم‪ ،‬وكن تياها شديد‬
‫الزهاء بنفسه‪ ،‬عاصر دعبال الخزاعي وأبا تمام‪ ،‬توفي سنة‪225( :‬هـ)‪ .‬األعالم (‪.)134 /7‬‬

‫‪192‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫َشوقه‪( )1( :‬بحر الكامل)‬ ‫َوصْ‬

‫طَلالَن طَا َل َعليهما األ َم ُد ‪َ ...‬دثَ َرا فَ َال ع ْلم َو َال نَ َ‬


‫ض ُد‬
‫(‪)2‬‬
‫لَب َسا البلَى فك ن ف َما َو َج َدا ‪ ...‬بَ ْع َد األحبفة مثل َما أج ُد‬

‫وأشار إلى أهم ما يميز المحدثين وقصائدهم الحديثة عن األوائل وقصائدهم‬


‫القديمددة ‪ ،‬وهددو ارتبدداط عناصددر بندداء القصدديدة الفنددي بعضددها بددبعض ‪ ،‬وتالحددم‬
‫أبياتهددا ‪ ،‬فالوحدددة الفنيددة ‪ ،‬قيمددة فعالددة وحيويددة ترنددو إلددى تحقيددق القيمددة الجماليددة‬
‫للقصيدة ‪ ،‬فتبدو بنية القصيدة العربية متماسكة مرتبطة أجزاؤها ببعض‪:‬‬

‫" فالقصدديدة مثلهددا مثددل خلددق اإلنسددان فددي اتصددال بعددض أعضددائه بددبعض‪،‬‬
‫فمتدى انفصددل واحددد عدن اآلخددر‪ ،‬وبايندده فدي صددحة التركيددب‪ ،‬أصدبح فددي الجسددم‬
‫(‪)3‬‬
‫عاهة تسيء لمحاسنه‪ ،‬وتفسد معالم جماله ‪.‬‬

‫ويميل أبوهالل العسكري(ت‪395‬هـ) برأيه إلى ابن المعتز وابن طباطبا في‬
‫الددتخلص فقددال ‪ :‬إ فن العددرب كانددت فدي أكثددر شددعرها تبتدددئ بددذكر الددديار والبكدداء‬
‫عليها‪ ،‬والوجد بفراق ساكنيها‪ ،‬ثم إذا أرادت الخروج إلى معنى آخر قالت‪( :‬بحر‬
‫الطويل)‬
‫(‪)4‬‬
‫ك ب َج ْس َر عة ‪َ ...‬ذ ُمو عل إذا صا َم النفها ُر وهَجفرا‬
‫ف َد ْعها‪ ،‬و َسل الهَ فم عن َ‬

‫وس فماه بالخروج‪ ،‬وبيّن فيده أن الخدروج المتصدل بمدا قبلده قليدل فدي أشدعار‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪.)188‬‬
‫(‪ )2‬ديوان المعاني (و ‪)114‬‬
‫(‪ )3‬انظر مقدمة كتاب الدر الفريد‪ ،‬محمد بن أيدمر (و‪.)185‬‬
‫(‪ )4‬ديوان امرئ القيس ( و‪)56‬‬

‫‪193‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫األوائل ‪ ،‬أما المحدثين فقدد أكثدروا مدن هدذا الندو ‪ ،‬ثدم ذكدر أمثلدة علدى األوائدل‬
‫والمحدثون (‪.)1‬‬

‫و مثال األوائل قول زهير ‪( :‬بحر البسي )‬


‫(‪)2‬‬
‫كان ول ‪ ...‬ك فن ال َجوا َد على عالفته هَر ُم‬ ‫ُ‬
‫حيث َ‬ ‫إ فن البَخي َل َملُوم‬

‫أما مثال المحدثين قول البحتري ‪( :‬بحر الوافر)‬


‫ّت في تَ َدفّقهَا‪...‬يَ ُد الخَليفَة لَ ّما َسا َل َواديهَا‬ ‫ين لَج ْ‬
‫ك نّهَا‪ ،‬ح َ‬
‫صابي م ْن ُخدود ال َخ َرائد‬ ‫ق يَحم ْل َن النّ َدي‪ ،‬فك نّهُ‪ُ ...‬د ُمو ُ التّ َ‬ ‫َشقَائ ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫ك البَارقَات ال ّر َواعد‬ ‫ت‪...‬تَليهَا بت ْل َ‬ ‫ان أ ْقبَلَ ْ‬
‫ك ّن يَ َد الفَتح بن خَاقَ َ‬

‫الحضدور و تسدتميل‬ ‫والتخلص من األسداليب الفنيدة البديعيدة التدي تسدتعط‬


‫قلوبهم ‪ ،‬لذا نجد الجرجاني قد أكد على هذا بقوله ‪:‬‬

‫والشاعر الحاذق يجتهد في تحسين االستهالل والدتخلص وبعددهما الخاتمدة؛‬


‫أسدما َ الحضدور‪ ،‬وتسدتميلهم الدى اإلصدغاء‪ ،‬ولدم‬ ‫التدي تسدتعْط‬ ‫فإنها المواقد‬
‫تكن األوائل تخصّها بفضْ ل مراعاة ‪ ،‬كما أشار إلى أن أبا تمام والمتنبي قدد ذهبدا‬
‫في التخلص ك فل مذهب‪ ،‬واهت ّما به كل اهتمام‪ ،‬واتفق للمتنبي فيده خاصدة مدا بلد‬
‫(‪)4‬‬
‫المراد‪ ،‬وأحسن وزاد ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظركتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)454‬‬
‫(‪ )2‬ديوان زهير (و‪. )100‬‬
‫(‪ )3‬الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري (‪.)666/3‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬الوساطة‪ ،‬للجرجاني ( و‪.)48‬‬

‫‪194‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ف فرد الجرجاني التخلص بهدذه الصدفة‪ ،‬وانفدرد بهدا عمدن سدبقه مدن النقداد ‪،‬‬
‫ووافدق ابددن المعتدز وابددن طباطبددا وأبداهالل العسددكري فددي أن األوائدل لددم تخددص‬
‫التخلص بمزيد عناية ‪.‬‬

‫ووافق اب رشيق(ت‪463‬هـ) أباهالل‪ ،‬وس ّمى التخلص بالخروج‪ ،‬بل وزاد‬


‫عليدده فددي أندده خصددص لدده بابددا‪ ،‬ولدديس فصددال أسددماه ( بدداب المبدددأ ‪،‬والخددروج ‪،‬‬
‫والنهايددة )‪ ،‬وشددبهه باالسددتطراد فقددال عندده‪ " :‬وأمددا الخددروج فهددو عندددهم شددبيه‬
‫باالستطراد‪ ،‬وليس به؛ ألن الخدروج إنمدا هدو أن تخدرج مدن نسديب إلدى مدد أو‬
‫تحيل‪ ،‬ثم تتمادي فيما خرجدت إليده "(‪ ، )1‬كقدول حبيدب فدي المدد ‪:‬‬ ‫غيره بلط‬
‫(بحر البسي )‬
‫ب ‪ ...‬عليه إسحاق يوم الرفو منتقما‬ ‫صبف الفراق علينا صبّ من كث ع‬
‫(‪)2‬‬
‫س فم ْتهُ هيبتُه ‪ ...‬لما تَ َخ فر َم أه َل األرض ُم ْخترما‬
‫سي ُ اإلمام الذي َ‬

‫وأشاد ابن رشيق باهتمام أبي الطيب بالتخلص كالجرجاني في قوله ‪:‬‬

‫" إن أكثر الناس استعماال لهذا الفن أبو الطيدب؛ فإنده مدا يكداد يفلدت لده‪ ،‬وال‬
‫يشذ عنه "(‪.)3‬‬

‫كان مذهبهم فيه‪ ،‬وقد سبق‬ ‫وأشار كغيره إلى تخلص القدماء األوائل‪ ،‬وكي‬
‫ذكر هذا عند من سبقه من النقاد في البحث‪ ،‬ولعله يكتفى هنا بذلك ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق( و‪.)234‬‬
‫(‪)2‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و ‪.)138‬‬
‫(‪)3‬العمدة ‪ ،‬البن رشيق (و‪)234‬‬

‫‪195‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ثم قدال " ومدن النداس مدن يسدمي الخدروج تخلصدا وتوسدال" (‪،)1‬وينشددون‬
‫أبياتا منها‪( :‬بحر الطويل)‬
‫(‪)2‬‬
‫إذا َما اتفقى ه الفَتَى وأطَا َعه ‪ ...‬فَل ْي َ‬
‫س به بَ س ولَو َكان من ُجرم‬

‫وك ن ابن رشيق يضع تعريفا للتخلص في قوله ‪:‬‬

‫" وأولددى الشددعر أن يسددمى تخلصددا مددا تخلددص فيدده الشدداعر مددن معنددى إلددى‬
‫معنى‪ ،‬ثم عاد إلى األول وأخذ في غيره‪ .‬ثم رجع إلى ما كان فيه" (‪.)3‬‬

‫كقددول النابغددة الددذبياني آخددر قصدديدة اعتددذر بهددا إلددى النعمددان بددن المنددذر(‪:)4‬‬
‫(بحر الطويل)‬
‫ت منّي َعب َرة فَ َر َد ْدتُها ‪ . . .‬على النفحْ ر ‪ ،‬منها مسته ّل ودام ُع‬‫ف َك ْف َك ْف ُ‬
‫وقلت ‪ :‬أَل فما أَصْ ُح والشيبُ َواز ُ‬
‫ُ‬ ‫صبَا ‪. . .‬‬
‫المشيب على ال ِّ‬‫َ‬ ‫حين عاتب ُ‬
‫ْت‬ ‫على َ‬

‫ثم تخلص إلى االعتذار فقال‪( :‬بحر الطويل)‬

‫ك شاغل ‪ُ ...‬ولُو َج ال ِّشغاف تَ ْبتَغيه األَصاب ُع‬ ‫وقَ ْد حا َل هَ ٌّم ُد َ‬


‫ون ذل َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ُوس في َغيْر ُك ْنهه ‪ ...‬أَتاني‪ ،‬و ُدوني راكس فالضفواج ُع‬
‫َوعي ُد أَبي قاب َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدرنفسه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)121 :‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه (‪.)237/1‬‬
‫(‪ )4‬هوالنعمان بن المنذر بن المنذر بن امرئ القيس اللخمي‪ ،‬أبو قابوس‪ :‬من أشهر ملوك الحيرة‬
‫في الجاهلية‪،‬كان داهية مقداما‪،‬وهو ممدو النابغة الذبياني وحسان بن ثابت وحاتم الطائي‪.‬‬
‫توفي(نحو ‪ 15‬ق هـ)‪ .‬األعالم (‪.)43 /8‬‬
‫(‪ )5‬ديوان النابغة الذبياني (و ‪.)57‬‬

‫‪196‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫حاله عندما سمع من ذلك فقال‪( :‬بحر الطويل)‬ ‫ثم وص‬


‫ضئيلَة‪ ...‬م َن الرُقش في أَنيابها السُم ناق ُع‬ ‫فَبت َك َنّي سا َو َرتني َ‬
‫يُ َسهف ُد من لَيل التَمام َسلي ُمها‪ ...‬ل َحلي النساء في يَ َديه قَعاق ُع‬
‫س ِّمها‪ ...‬تُطَلِّقُهُ طَورا َوطَورا تُراج ُع‬ ‫الراقون من سوء ُ‬ ‫َ‬ ‫تَنا َذ َرها‬
‫(‪)1‬‬
‫ك الفتي تَستَك منها ال َمسام ُع‬ ‫اللعن أَنف َ‬
‫ك لُمتَني ‪َ ....‬وتل َ‬ ‫َ‬ ‫أَتاني أَبَيتَ‬

‫الحية والسليم الذي شبه به نفسه مدا شداء‪ ،‬ثدم تخلدص إلدى االعتدذار‬ ‫فوص‬
‫الذي كان فيه فقال‪:‬‬

‫أتاني أبيت اللعن أنك لمتني ‪ ...‬وتلك التي تستك منها المسامع‬

‫إذن انفرد ابن رشيق عمن سبقه هنا في تشبيهه التخلص باالستطراد ووافق‬
‫أباهالل في تسميته بالخروج ‪.‬‬

‫وها هو ابن سنان الخفاجي(ت‪466‬هـ) ييكد كالم من سبقه في مد تخلص‬


‫المحددددثين دون األوائدددل‪ ،‬ويشدددارك فدددي الدددتخلص بهدددذا المسدددمى‪ ،‬وبددد خر وهدددو‬
‫الخروج فيقول فيه‪:‬‬

‫" ومدن الصدحة‪ :‬صدحة النسدق والدنظم وهدو أن يسدتمر فدي المعندى الواحدد‪،‬‬
‫معنى آخر أحسدن الدتخلص إليده حتدى يكدون متعلقدا بداألول‬ ‫وإذا أراد أن يست ن‬
‫وغير منقطع عنه‪ ،‬ومن هذا الباب خروج الشعراء مدن النسديب إلدى المدد ؛ فدإن‬
‫المحدددثين أجددادوا الددتخلص حتددى صددار كالمهددم فددي النسدديب متعلقددا بكالمهددم فددي‬
‫المد ال ينقطع عنه‪ ،‬ف مدا العدرب المتقددمون فلدم يكوندوا يسدلكون هدذه الطريقدة‪،‬‬
‫اإلبدل‬ ‫وإنما كان أكثر خروجهم من النسيب إمدا منقطعدا وإمدا مبنيدا علدى وصد‬
‫التي ساروا إلى الممدو عليها‪ ،‬وممدا يستحسدن مدن خدروج المحددثين قدول أبدي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫الروض "(‪. )1‬‬ ‫عبادة البحتري يص‬

‫واستشدهد ب بيدات البحتدري فيمدا يستحسددن مدن خدروج المحددثين‪ ،‬وقدد سددبق‬
‫ذكرها عند أبي هالل العسكري ‪ .‬واتفق رأيه مع أبي هالل العسكري في أحسن‬
‫الخروج عند العرب قول البحتري ‪.‬‬

‫وتنداول الخفدداجي(ت‪466‬هدـ) الددتخلص بمقارندة بددين المحددثين والمتقدددمين‪،‬‬


‫والذي أظهر فيه تميز المحدثين وبراعتهم عدن األوائدل ‪ ،‬وك نده أعداد مدا ذكدروه‬
‫من قبله من النقاد ‪ ،‬فوافق بذلك من سبقه‪.‬‬

‫وجُمع بين المصطلحين ‪ ،‬التخلص والخروج فدي مسدمى واحدد ‪ ،‬وهدذا عندد‬
‫أسامة ب منقذ(ت‪584‬هـ) في كتابه فخصص بابا فيه سدماه الدتخلص والخدروج‬
‫قال فيه‪ " :‬اعلم أن الدتخلص والخدروج يسدتحب أن يكدون فدي بيدت واحدد‪ ،‬وهدو‬
‫شيء ابتدعه المحدثون دون المتقدمين‪ ،‬وأحسن الخروج في العرب قول زهير‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كان ول ‪ ...‬ك فن ال َجوا َد على عالفته هَر ُم‬ ‫ُ‬
‫حيث َ‬ ‫إ فن البَخي َل َملُوم‬

‫واتفددق أسددامة بددن منقددذ مددع مددن سددبقه الددرأي فددي الددتخلص عنددد المحدددثين‬
‫والمتقدمين ‪ ،‬كما اتفق رأيه مع ابدن سدنان فدي أحسدن الخدروج عندد العدرب قدول‬
‫زهير‪.‬‬

‫ويميل أسامة بن منقذ في الرأي بقوله‪ " :‬فاالستطراد قريدب مدن الدتخلص "‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫إلى رأي ابن رشيق حين قال التخلص شبيه باالستطراد‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي ( و‪.)268‬‬
‫(‪ )2‬ديوان زهير (و‪. )100‬‬
‫(‪ )3‬البديع في نقد الشعر‪ ،‬ألسامة بن منقذ (و‪.)36‬‬

‫‪198‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫والتخلص في الشعر مقيد بخالف النثر؛ لذا كان على الشاعر أكثدر صدعوبة‬
‫الشداعر‬ ‫من الناثر؛ لذا يشق على الشاعر أكثر ممدا يشدق علدى النداثر ‪ ،‬واتصد‬
‫الذي ي تي بالتخلص ب نه من الحذاق المهدرة؛ ألن مواضدع الكدالم يضديق عليده ‪،‬‬
‫والتزامه بالوزن والقافية يقيده ‪ ،‬بعكس الناثر الدذي يطلدق عنانده حيدث يشداء فدي‬
‫كالمه ‪ ،‬وجاء بهذا ابن األثير في قوله ‪:‬‬

‫الكالم في معنى من المعداني‪ ،‬فبيندا هدو‬ ‫" أما التخلص فهو أن ي خذ ميل‬
‫فيه؛ إذ أخدذ فدي معندى آخدر غيدره‪ ،‬وجعدل األول سدببا إليده‪ ،‬فيكدون بعضده آخدذا‬
‫كالمدا آخدر‪ ،‬بدل يكدون جميدع‬ ‫برقاب بعض‪ ،‬من غير أن يقطع كالمه‪ ،‬ويسدت ن‬
‫كالمه ك نما أفر إفراغا‪ ،‬وذلك مما يدل على حذق الشاعر‪ ،‬وقوة تصدرفه‪ ،‬مدن‬
‫أجل أن نطاق الكالم يضيق عليه‪ ،‬ويكون متبعا للوزن والقافية فال تواتيه األلفاظ‬
‫على حسب إرادته‪ ،‬وأما الناثر فإنه مطلق العنان يمضي حيث شداء‪ ،‬فلدذلك يشدق‬
‫التخلص على الشاعر أكثر مما يشق على الناثر" (‪.)1‬‬

‫واتفق ابن األثير مع الجرجاني في وصفه للشاعر الذي يد تي بدالتخلص مدن‬


‫الحددذاق المهددرة‪ ،‬لكددن اختلفددا فددي التبريددر؛ فالجرجدداني يقددول سددبب ذلددك؛ ألندده‬
‫أسددما الحضددور‪ ،‬ويسددتميلهم إلددى اإلصددغاء ‪ ،‬بينمددا ابددن األثيددر يبددرر‬ ‫يسددتعط‬
‫الحذاقة ب ن الشاعر يكون مقيدا بقاقية ووزن فال تواتيه حسب إرادته‪ ،‬لدذلك كدان‬
‫حذقا ماهرا لعمل التخلص ‪.‬‬

‫وأبان اب األثير(ت‪637‬هـ)‪ -‬كغيره ممن سبقه ‪ -‬عدن طريقدة المحددثين فدي‬


‫التخلص وتفننهم في اإلتيان بذلك؛ لبراعتهم وتمكنهم منه ‪.‬‬

‫" وأمدا المحددثون فدإنهم تصدرفوا فدي الدتخلص ف بددعوا وأظهدروا منده كدل‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المثل السائر‪،‬البن األثير (‪.)121/3‬‬

‫‪199‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫غريبة " ؛ فمن ذلك قول أبي تمام‪( :‬بحر البسي )‬

‫صحْ بي َوق ْد أَ َخ َذ ْ‬
‫ت ‪ ...‬منفا الس َري و ُخطَى ال َمهْريفة القُود‬ ‫يقُو ُل في قُو َم ع‬
‫س َ‬

‫طل َع الجُود (‪.)2‬‬


‫ولكن َم ْ‬
‫ْ‬ ‫أَ َم ْ‬
‫طل َع ال ّش ْمس تَ ْنوي أَ ْن تَ ُي فم بنَا ‪ ...‬فَقُ ُ‬
‫لت‪ :‬كالّ‪،‬‬

‫وعد ّرف يحدي العلددوي(ت‪745‬هدـ) الددتخلص فدي كتابده قددائال ‪ " :‬ومعنداه فددى‬
‫ألسنة علماء البيان‪ ،‬أن يسرد الناظم والناثر كالمهما فى مقصد من المقاصد غير‬
‫قاصد إليه بانفراده‪ ،‬ولكنه سبب إليه‪ ،‬ثم يخرج فيه إلى كدالم هدو المقصدود‪ ،‬بينده‬
‫وبددين األول علقددة‪ ،‬ومناسددبة‪ ،‬وهددذا نحددو أن يكددون الشدداعر مسددتطلعا لقصدديدته‬
‫بالغزل‪ ،‬حتى إذا فر منه خرج إلدى المدد علدى مخدرج مناسدب لدألول‪ ،‬بينهمدا‬
‫أعظم القرب والمالءمة بحيث يكون الكالم آخذا بعضه برقاب بعض ك نده أفدر‬
‫فى قالب واحد "(‪.)3‬‬

‫وفاضل العلدوي بدين النداس بدالتخلص؛ فعلدى قددر الدتمكن فدي الدنظم والنثدر‬
‫يكون حسن التخلص ‪ ،‬وجاء هذا في كالمه قائال‪ " :‬يتفاضل الناس فى التخلص؛‬
‫فعلى قدر االقتدار فدى الدنظم والنثدر يكدون حسدن الدتخلص‪ ،‬والدتخلص فدى النثدر‬
‫أسهل منه فى النظم؛ ألن الناظم يراعي القافية والوزن‪ ،‬فيكون فى ذلدك صدعوبة‬
‫بخالف الناثر‪ ،‬فإنه ال يراعى قافية وال يحافظ علدى وزن‪ ،‬بدل هدو مطلدق العندان‬
‫يضع قدمه حيث شاء‪ ،‬فمن أجل ذلك كان أشق على الناظم منه على الناثر"(‪.)4‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (‪.)121/3‬‬
‫(‪)2‬ديوان أبي تمام (و ‪.)398‬‬
‫(‪)3‬الطراز ألسرار البالغة‪ ،‬للعلوي (‪.)173/ 2‬‬
‫(‪)4‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫فوافق العلوي أسامة بن منقذ وابن األثير حين أشار إلدى أن عمدل النداظم أو‬
‫الشاعر أشق من عمل الناثر اللتزامه بالوزن والقافية ‪.‬‬

‫و أورد أمثلة كثيرة منها ‪:‬‬

‫قددول أبددو الطيددب المتنبددي يمددد الغيددث بددن علددي بددن بشددر العجلددي ‪( :‬بحددر‬
‫البسي )‬
‫َس هذا ال ّشاد ُن ال َع َربَا‬ ‫ين ترْ بَيْها فقُ ُ‬
‫لت لَها‪...‬من َ‬
‫أين جان َ‬ ‫َمر ْ‬
‫ّت بنا بَ َ‬
‫(‪)1‬‬ ‫ليث ال ف‬ ‫ت ث ّم ْ‬
‫قالت كال ُمغيث يُ َري‪َ ...‬‬ ‫فاستَضْ َح َك ْ‬
‫ش َري وه َو من عجْ عل إذا انتسبَا‬

‫وتندداول ابددن حجددة الحمددوي(ت‪738‬هددـ) الددتخلص‪ ،‬ووافددق فيدده ابددن طباطبددا‬


‫وابن األثير؛ حيث ع ّرفه بقوله ‪:‬‬

‫" هددو أن يسددتطرد الشدداعر المددتمكن‪ ،‬مددن معنددى إلددى معنددى آخددر يتعلددق‬
‫بممدوحه‪ ،‬بتخلص سدهل يخدتلس اختالسدا رشديقا دقيدق المعندى‪ ،‬بحيدث ال يشدعر‬
‫السددامع باالنتقددال مددن المعنددى األول إال وقددد وقددع فددي الثدداني‪ ،‬لشدددة الممازجددة‬
‫وااللتئام واالنسجام بينهما‪ ،‬حتى ك نهما أفرغا في قالب واحد"(‪.)2‬‬

‫واستشددهد ابددن حجددة علددى أحسددن التخدداليص ألبددي تمددام‪ ،‬ورأي أنهددا مددن‬
‫التخاليص الفائقة قوله في قصيدة يمد بها أحمد بن ماهويه ‪( :‬بحر الكامل)‬

‫ك أتَ ْيتُها‪...‬ثَبْتَ ال َجنان ك نّني لم آتهَا‬


‫ب فيها الهَال ُ‬
‫و َمطال ع‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬شر ديوان المتنبي (و‪.)80 :‬‬
‫(‪)2‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (و‪.)330‬‬

‫‪201‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫أَ ْقبَ ْلتُهَا ُغ َر َر ْالجيَاد َك نفما ‪ ...‬أَيْدي بَني ع ْم َران في َجبَهَاتهَا‬

‫ومن تخاليصه القبيحة قوله‪( :‬بحر البسي )‬


‫(‪)2‬‬
‫َع ّل األمي َر يَ َري ُذلّي فيَ ْشفَ َع لي‪...‬إلى التي تَر َك ْتني في الهَ َوي َمثَال‬

‫وسبب قبح هذا المخلص‪ ،‬كونه جعل ممدوحه ساعيا بينه وبين محبوبته في‬
‫الوصال‪ ،‬وال خفاء في دنو هذه المرتبة‪ ،‬وقد سبقه أبو نواس إلى ذلك‪ ،‬ولكنه أقل‬
‫شفاعة‪ ،‬مع أن الكل قبيح‪ ،‬حيث قال‪ ( :‬بحر الطويل)‬
‫(‪)3‬‬
‫س ش ُكو إلى الفَضْ ل بن يحيَى بن خال عد‪...‬هَواك لَ َع فل الفَضْ َل يَجْ َم ُع بيْننا‬

‫وقد سبقهما إلى ذلك قيس بن الذريح حين طلّق لبندى وتز َوجدت غيدره؛ فنددم‬
‫على ذلك‪ ،‬وشبب بها في كل مغنى ‪ ،‬فرحمده ابدن أبدي عتيدق وسدعى فدي طالقهدا‬
‫من زوجها وأعادها إلى قيس؛ فقال يمدحه ‪:‬‬

‫ُ‬
‫الرحمن أفض َل ما يَجُازي ‪ ...‬على اإلحسان خيرا من صديق‬ ‫جزي‬

‫فبت إخواني جميعا ‪ ...‬فما ْألفَي ُ‬


‫ْت كابن أبي عتيق‬ ‫فقد َجر ُ‬

‫أي ح ْد ُ‬
‫ت فيه عن الطريق‬ ‫ص ْد ع ‪ ...‬و َر ع‬
‫سعى في جمع َش ْملي بعد َ‬
‫(‪)4‬‬
‫ص ْتني حرارتُها بريقي‬
‫وأطف لوعة كانت بقلبي ‪ ...‬أغ ف‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬الصبح المنبي عن حيثية المتنبي (و‪.)104 :‬‬
‫(‪)2‬ديوان المتنبي (و ‪.)124‬‬
‫(‪)3‬ديوان أبي نواس (و ‪.)474‬‬
‫(‪)4‬األغاني (‪.)253 /9‬‬

‫‪202‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫فلما سمعه ابن عتيق ‪ ،‬قدال ‪ :‬يدا حبيبدي أمسدك عدن هدذا المدد ‪ ،‬فمدا يسدمعه‬
‫أحد ‪ ،‬إال ظنني قوادا "(‪. )1‬‬

‫كمددا أشددار ابددن حجددة كغيددره ممددن سددبقه إلددى اهتمددام المت د خرين بددالتخلص‬
‫وعنددايتهم بدده دون األوائددل‪ ،‬وذكددر أحسددن تخلددص فددي العددرب وهددو قددول زهيددر‪،‬‬
‫واستشهد به َم ْن قبله من النقاد فقال ‪ " :‬اعتنى به المتد خرون دون العدرب‪ ،‬ومدن‬
‫جري مجراهم من المخضرمين‪ ،‬ولكنه لم يفتهم‪.‬‬

‫ابن حجدة عمدن سدبقه مدن النقداد فدي أنده نظدر إلدى تخلدص القددماء‬ ‫واختل‬
‫كتميز؛ حيث تمكنوا من ذلك على قلة االعتناء منهم به ‪ ،‬وك نه يشير إلى أن كدل‬
‫فن بر فيه المحدثون قد أتى عليه القدماء من قبلهم‪ ،‬وإن لم يولوه عناية ‪.‬‬

‫أحسدن الدتخلص مدن‬ ‫وأكد ذلك بقوله ‪ " :‬انظر إلى هذا العربي القدديم‪ ،‬كيد‬
‫غيددر اعتندداء‪ ،‬فددي بيددت واحددد‪ ،‬وهددذا هددو الغايددة القص دوي عنددد المت د خرين الددذين‬
‫اعتنوا به " (‪.)2‬‬

‫فاألصل عنده أن كل فن من فنون اللغدة لدم يكدن جديددا اسدتحدثه المحددثون‪،‬‬


‫بل قد جري على ألسنة األوائل قبلهم‪ ،‬وأكملوه‪ ،‬وبر فيه المحدثون ‪.‬‬

‫كما قال ‪ " :‬وعلى كل تقدير فمن كدالم العدرب اسدتنب كدل فدن‪ ،‬فدإنهم والة‬
‫هذا الش ن‪ ،‬لكنهم كانوا ييثرون عدم التكل ‪ ،‬وال يرتكبون من فنون البديع إال ما‬
‫(‪)3‬‬
‫‪".‬‬ ‫خال من التعس‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (و‪.)332‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وذكر النواجي(ت‪859‬هـ) التخلص‪ ،‬ومال رأيه فيه إلى ابدن حجدة‪ ،‬وع ّرفده‬
‫بقولده ‪ " :‬وأمددا براعددة المخلددص – وسد فماه بعضددهم" حسددن الددتخلص" فهددو – أن‬
‫يتخلص الشاعر المتمكن مدن معندى إلدى معندى آخدر ‪ ،‬يتعلدق بممدوحده بمخلدص‬
‫سهل يختلسه اختالسا رشيقا دقيق المعنى ‪ ،‬بحيث ال يشعر السدامع باالنتقدال مدن‬
‫المعنى األول ‪ ،‬إال وقد وقدع فدي الثداني؛ لشددة الممازجدة والمالءمدة بينهمدا حتدى‬
‫ك نهمددا أفرغددا فددي قالددب واحددد‪ ،‬سددواء كددان المددتخلص مندده نسدديبا أو غددزال ‪ ،‬أو‬
‫طلددل بددال ‪ ،‬أو ربددع خددال ‪ ،‬أو معنددى مددن‬ ‫روض ‪ ،‬أو وص د‬ ‫فخددرا‪ ،‬أو وص د‬
‫حرب ‪ ،‬أو غير ذلك"(‪.)1‬‬ ‫المعاني ييدي إلى مد أو هجو‪ ،‬أو وص‬

‫ووافق النواجي في نعت التخلص ( بالبراعة ) كابن أبي األصبع‪.‬‬

‫وذكر أن أحسدن الدتخلص مدا كدان مدن الغدزل إلدى المدد ‪ ،‬و استشدهد بقدول أبدي‬
‫الطيب المتنبي ‪ ،‬في ذلك ‪.‬‬

‫" ولكن األحسن أن يتخلص من الغزل إلدى المدد ‪ .‬وأحسدن مدا سدمعت فدي‬
‫المخددالص قددول أبددي الطيددب المتنبددي مددن قصدديدة يمددد بهددا أبددا أيددوب أحمددد بددن‬
‫عمران بن ماهوية "(‪( : )2‬بحر الكامل)‬

‫ك أتَ ْيتُها‪...‬ثَبْتَ ال َجنان ك نّني لم آتهَا‬


‫ب فيها الهَال ُ‬
‫و َمطال ع‬
‫(‪)3‬‬
‫أَ ْقبَ ْلتُهَا ُغ َر َر ْالجيَاد َك نفما ‪ ...‬أَيْدي بَني ع ْم َران في َجبَهَاتهَا‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)59‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪)3‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (‪.)125/3‬‬

‫‪204‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وحد فدذر النددواجي مددن المخددالص التددي ال يراهددا مناسددبة أو قبيحددة‪ ،‬واستشددهد‬
‫عليها وذكر العلة في قبحها ‪ ،‬و ُعرض هذا عند ابن حجة الذي سبقه إليها ‪.‬‬

‫واخددتل مصددطلح (الددتخلص ) بمصددطلح آخددر يطلددق عليدده ( االسددتطراد )؛‬


‫"فدابن المعتدز يريدد بحسدن الخدروج مدا يشدمل الدتخلص واالسدتطراد‪ ،‬والحدداتمي‬
‫يسمي الخروج استطرادا اتساعا ‪ -‬كما يقول اب رشييق(ت‪463‬هيـ)‪ -‬وعلدى أي‬
‫حال فاالستطراد قريب من الدتخلص ‪،‬أمدا االسدتطراد فقد ‪ ،‬ف شدار إليده الجداحظ‬
‫في بيانه‪ ،‬ولم يلقبه هذا اللقب ‪ ،‬وهو ضرب من البديع يظهدر الشداعر أنده يدذهب‬
‫لمعنى فيعن له آخر في تي به ك نه على غير قصد وعليه يبنى وإليده كدان مغدزاه‪،‬‬
‫وقد أكثر المحدثون منه‪")1( .‬‬

‫واسدددتنادا لمدددا سدددبق فدددابن المعتدددز جعدددل حسدددن الخدددروج يعندددي الدددتخلص‬
‫واالسددتطراد ‪ ،‬كددذلك الحدداتمي يتفددق معدده فددي االسددتطراد ‪ ،‬وعلددل ابددن المعتددز‬
‫جمعهما في حسن الخروج ب ن االستطراد قريب من التخلص‪.‬‬

‫خداو‬ ‫وهذا على خالف ما جاء به الجاحظ ‪ ،‬فقد أفرد االستطراد بتعريد‬
‫به سدبق ذكدره‪ ،‬أمدا ابدن رشديق فعد ّرف االسدتطراد‪ ،‬وقدال فيده ‪ " :‬وهدو أن يدري‬
‫شديء‪ ،‬وهدو إنمدا يريدد غيدره‪ ،‬فدإن قطدع أو رجدع إلدى مدا‬ ‫الشاعر أنه في وص‬
‫كان فيه فذلك اسدتطراد‪ ،‬وإن تمدادي فدذلك خدروج‪ ،‬وأكثدر النداس يسدمي الجميدع‬
‫استطرادا‪ ،‬والصواب ما بينته"(‪.)2‬‬

‫ابي رشييق(ت‪463‬هيـ)أن الدتخلص واالسدتطراد يكدادان‬ ‫فيبدو مدن تعريد‬


‫الشيء في حين أن الدتخلص يسدتمر فدي‬ ‫يتماثالن إال أن االستطراد يقطع وص‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬البديع في البديع‪ ،‬البن المعتز (و‪.)35‬‬
‫(‪)2‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و ‪.)122‬‬

‫‪205‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪ ،‬وه أعلم ‪.‬‬ ‫ذلك الوص‬

‫وأضاف ابن رشيق أن أكثر الناس يسمون التخلص والخروج استطرادا ‪.‬‬

‫أما ابن حجة الحموي(ت‪837‬هدـ) فقدد عد ّرف االسدتطراد لغدة واصدطالحا ‪،‬‬
‫ثم بين الفرق بين التخلص واالستطراد‪ ،‬وذكر أمثلة على ذلك ‪.‬‬

‫" االسددتطراد فددي اللغددة ‪ :‬مصدددر اسددتطرد الفددارس مددن قرندده فددي الحددرب‪،‬‬
‫عليه على غدرة منده‪ ،‬وهدو‬ ‫وذلك أن يفر من بين يديه يوهمه االنهزام‪ ،‬ثم يعط‬
‫ضرب من المكيدة‪ ،‬وفي االصطال ‪ ،‬أن تكون فدي غدرض مدن أغدراض الشدعر‬
‫تددوهم أنددك مسددتمر فيدده‪ ،‬ثددم تخددرج مندده إلددى غيددره؛ لمناسددبة بينهمددا‪ ،‬والبددد مددن‬
‫التصريح باسم المستطرد به‪ ،‬بشرط أن ال يكون قد تقددم لده ذكدر‪ ،‬ثدم ترجدع إلدى‬
‫األول وتقطددع الكددالم‪ ،‬فيكددون المسددتطرد بدده آخددر كالمددك‪ ،‬وهددذا هددو الفددرق بيندده‬
‫وبدين المخلدص‪ ،‬فددإن االسدتطراد يشددترط فيده الرجدو إلددى الكدالم األول‪ ،‬وقطددع‬
‫الكالم بعد المسدتطرد بده‪ ،‬واألمدران معددومان فدي المخلدص‪ ،‬فإنده ال يرجدع إلدى‬
‫األول وال يقطع الكالم‪ ،‬بل يستمر إلى ما يخلص إليه "(‪.)1‬‬

‫ولعددل مددن أوضددح األمثلددة علددى االسددتطراد قددول السددموأل بددن غددريض بددن‬
‫عاديا(‪ )2‬في الميته المشهورة ‪( :‬بحر الطويل)‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)102 /1‬‬
‫(‪)2‬السموأل ب ن غريض بن عادياء األزدي‪ ،‬شاعر جاهلي حكيم من سكان خيبر في شمالي المدينة‪،‬‬
‫كان يتنقل بينها وبين حصن له سماه األبلق‪ ،‬أشهر شعره الميته وهي من أجود الشعر‪ ،‬وفي علماء‬
‫األدب من ينسبها لعبدالملك بن عبدالرحيم الحارثي‪ ،‬هو الذي أجار امرأ القيس الشاعر من‬
‫الفرس‪.‬توفي سنة‪ 64( :‬ق‪ .‬هـ)‪ .‬معجم الميلفين (‪.)280 /4‬‬

‫‪206‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫وإنّا لَقَ ْوم ال نَري القت َل ُ‬
‫سبّة ‪ ...‬إذا ما رأتهُ عامر وسلو ُل‬

‫فانظر إلى خروجه الدداخل فدي االفتخدار إلدى الهجدو‪ ،‬وحسدن عدوده إلدى مدا‬
‫كان عليه االفتخار بقوله‪( :‬بحر الطويل)‬
‫يُقَرِّبُ حُب ْال َم ْوت آجالَنا لنَا ‪َ ...‬وتَ ْك َرهُهُ آجالُه ُم فَتَطُو ُل‬
‫َ (‪)2‬‬ ‫َوما َماتَ َمنفا َسيِّد َح ْت َ أ ْنفه ‪َ ...‬وال طُ فل منفا َحي ُ‬
‫ْث َك َ‬
‫ان قتي ُل‬

‫وقد استطردالنواجي عند تناوله للقضايا النقدية في كتابه مقدمة فدي صدناعة‬
‫النظم والنثر؛ حيدث يدتكلم فدي قضدية ثدم ينتقدل إلدى قضدية أخدري ثدم يرجدع مدرة‬
‫أخري إلى نفس القضية األولى ‪.‬‬

‫ويذكر البالغيون ‪،‬أيضا (االقتضاب ) ‪ ،‬والذي قد شبهه بعضدهم بدالتخلص‬


‫كددذلك‪ ،‬وقددد ع ّرفدده العنييو (ت‪745‬هييـ) وفددرق بينهمدا بقولدده ‪ " :‬ويعنددي انتقددال‬
‫الشدداعر مددن موضددو إلددى غيددره مددن مددديح ‪ ،‬أوهجدداء ‪ ،‬أوغيددر ذلددك مددن أفددانين‬
‫الكددالم ال يكددون بددين األول والثدداني مالءمددة وال مناسددبة ‪ ،‬بخددالف ( الددتخلص )‬
‫كالما آخر‪ ،‬وذلدك كثيدر‬ ‫حيث يقطع الشاعر كالمه الذي هو بصدده ‪ ،‬ثم يست ن‬
‫في شعر المتقدمين من العرب كامرئ القيس ‪ ،‬والنابغة ‪ ،‬وطرفة ولبيد"(‪.)3‬‬

‫ومن األمثلة التي توضح االقتضاب ما قاله أبو نواس في مد محمد األمين‬
‫الخمدرة إلدى المدديح مدن غيدر مناسدبة تالئدم بينهمددا ‪،‬‬ ‫وقدد انتقدل فيهدا مدن وصد‬
‫ومنها قوله ‪(:‬بحرالرمل)‬
‫ت َمسْمو َعهُ أُ ُذني‬
‫فا ْسقَني ك سا على َع َذ عل ‪َ ...‬كرهَ ْ‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لم أجده في ديوانه‪ ،‬نقد الشعر‪ ،‬قدامة بن جعفر (‪)74/1‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطراز ألسرار البالغة‪ ،‬للعلوي (‪.)181/2‬‬

‫‪207‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫م ْن ُك َميْت اللّ ْون ‪ ،‬صافيَة ‪...‬خير ما َس ْل َس ْلتَ في بَ َدني‬


‫فت في فياد فَتى ‪...‬فَ َدري ما لَ ْو َعةُ ال َحزَن‬‫ما ا ْستَقَر ْ‬
‫ص ْوب غاديَة ‪َ ...‬ح َملَ ْتها الرّي ُح من ُم ُزن‬ ‫ُمز َج ْ‬
‫ت م ْن َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ك ال ّدنيا إلى َمل ع‬
‫ك ‪...‬قا َم باألحْ كام وال ّسنَن‬ ‫تَضْ َح ُ‬

‫ويبدو أن في البيت األخير انقطاعدا للمعندى عمدا قبلده ‪ ،‬حيدث انتقدل الشداعر‬
‫الخمر للمديح ‪ ،‬وال يوجد تناسب بدين الغرضدين ‪ ،‬وهدذا هدو الفاصدل‬ ‫من وص‬
‫بين التخلص واال قتضاب ‪،‬وقد أشار إلى هذا الفرق ابن القيم الجوزية فدي قولده ‪:‬‬
‫"فددالفرق بيندده وبددين االقتضدداب أن الددتخلص ال يكددون إال لعالقددة بيندده وبددين مددا‬
‫تخلص منه ‪ ،‬وأما االقتضاب فليس شرط أن يكون بينه وبين ما قبله عالقة بدل ‪،‬‬
‫يكون كالما مست نفا منقطعا عن األول " (‪.)2‬‬

‫ولعل خالصة الرأي في التخلص أن المحدثين قد برعوا فيده ‪ ،‬وأبددعوا فدي‬


‫التنقل من معندى إلدى آخدر‪ ،‬بخدالف األوائدل ومدن تدبعهم مدن المخضدرمين ؛ فقدد‬
‫كان مذهبهم قول أحدهم ‪ :‬د ذا وسل الهم عن ذا ‪ ،‬موجدودة عنددهم قدد ال يكدون‬
‫بقصد بقدر سليقتهم وطبعهم السليم الذي أعانهم في ذلك ‪.‬‬

‫أفكدددارهم ‪،‬‬ ‫" لدددذا فقدددد اخدددتص بددده المتددد خرون لتوقدددد خدددواطرهم ‪ ،‬ولطددد‬
‫واعتمادهم البديع ‪،‬وتفننهم في أشعارهم "(‪. )3‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬لم أجده في ديوانه‪ ،‬ووجدته في المثل السائر (‪. )141/3‬‬
‫(‪)2‬ابن القيم‪ ،‬شمس الدين محمد بن أبي بكر‪ ،‬الفوائد المشوق إلى علوم القرآن وعلم البيان )و ‪:‬‬
‫‪ ، (158-159.‬القاهرة ‪:‬مكتبة المتنبي‪.‬‬
‫(‪)3‬مقدمة كتاب الدر الفريد‪ ،‬لمحمد بن أيدمر (و‪.)186‬‬

‫‪208‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫إذن فالمحدثون من النقاد قد أولوا التخلص شديد عناية ف جادوا وأبددعوا بدل‬
‫وبرعوا فيه ‪ ،‬ففاق عملهم األوائل من قبلهم ‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫المبحث العاشر‪ -‬قضية التشبيه القبيح‬


‫قضية التشبيه القبيح هي من قضايا الشعر‪ ،‬وهي جزء من التشبيه الذي تناوله‬
‫النواجي في كتابه مقدمة في صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫شبيهُ‪ :‬الم ْثلُ‪ ،‬والجمع أَ ْشباه‪.‬‬


‫شبَهُ وال ف‬
‫جاء في لسان العرب ‪ :‬ال ِّش ْبهُ وال ف‬
‫وأَ ْشبَه الشي ُء الشي َء‪ :‬ماثله‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫و َشبفهه إياه و َشبفهَه به مثله ‪.‬‬

‫والتشبيه هو الرباط الذي يضم المعاني والصور بوشا ظاهر‪ ،‬والبيئة التي‬
‫عاشها العربي وسكنها كانت معينة له على ذلك التشبيه ‪ ،‬فالتصق بالطبيعة‬
‫وعبفر عنها بما يلمسه ويحسه‪ .‬فكان التشبيه بتلك الصور التي يختلقها الشاعر‬
‫والتي رسمها في ذهنه‪ ،‬ثم انتقاها وح فورها ب لفاظ ومعا عن وتشبيهات‪ ،‬جعلتها‬
‫أقرب ما تكون إلى الحقيقة فت ثر بها وأثر فيمن حوله ‪.‬‬

‫والتشبيه الذي نحن بصدد الدراسة ‪،‬هو تشبيه علدى وجده الخصدوو‪ ،‬وهدو‬
‫التشدبيه المكددروه أو القبدديح أو الددرديء ‪ ،‬والددذي يعرضده الشدداعر بصددور بديعيددة‬
‫لكنهدددا كريهدددة تنفدددر منهدددا الدددنفس وتنصدددرف عنهدددا الطبدددا واألذواق السدددليمة‬
‫الستنكارها ‪.‬‬

‫وعرضه ضمن قضاياه ‪.‬‬ ‫وهذا النو من التشبيه تطرق إليه الميل‬

‫ولددم يقددع البحددث عليدده عنددد جددل النقدداد‪ ،‬فتناولددت الدراسددة مددا كددان موافقددا للتشددبيه‬
‫المطلوب‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لسان العرب‪ ،‬مادة (شبه)‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وبداية يري أبو هالل العسكري(ت‪395‬هـ) " أن التشبيه يقبح عند إخراج‬
‫(‪)1‬‬
‫الظاهر فيه إلى الخافي‪ ،‬والمكشوف إلى المستور‪ ،‬والكبير إلى الصغير"‬

‫فخروج التشبيه من المعنى الظاهر الواضح إلى المعنى الخافي ‪ ،‬ومن‬


‫المعنى المكشوف إلى المعنى المستور‪ ،‬ومن الكبير إلى الصغير ‪ ،‬يُعد تشبيها‬
‫قبيحا عند أبي هالل ؛ ألنه على غير المعتاد‪ ،‬وضرب على ذلك مثاال قول‬
‫ساعدة بن جيية قوله ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ت لَهُ ‪ ...‬قَ َدا َك َ ْعنَاق الظِّبَاء ْالفَ َوارق‬
‫َك َساهَا َرطيب الرِّيش فَا ْعتَ َدلَ ْ‬

‫فشبه ساعدة السهام ب عناق الظباء ‪ ،‬وليس بينهما شبه‪.‬‬


‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫الشاعر بالدقة ألصاب ‪ ،‬وكان أولى‬ ‫ويعلق أبوهالل بقوله ‪ :‬لو وص‬
‫وذكر مثاال على التشبيه الرديء في اللفظ قول أوس بن حجر‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ك فن هرّا َجنيبا تحتَ غرزتها ‪ ...‬والت ف ديك برجليها وصيدين‬
‫ومن رديء التشبيه قول اب المعتأل(ت‪296‬هـ)‪:‬‬

‫ش َعر ‪َ ...‬علَى َش ْمس م َن النفاس (‪. )5‬‬


‫أ َري لَيْال م َن ال ف‬

‫الجمع بين الليل والناس رديء‪ .‬وقد وقع هاهنا باردا‪. )6(" .‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)259‬‬
‫(‪ )2‬لم أجد ديوانه ووجدته في عيار الشعر‪ ،‬البن طباطبا (و‪. )27 :‬‬
‫(‪ )3‬انظركتاب الصناعتين‪،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)257‬‬
‫(‪ )4‬ديوان أوس بن حجر (و‪.)42‬‬
‫(‪ )5‬لم أجده في ديوانه ووجدته في الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪. )259‬‬
‫(‪)6‬المصدر نفسه ( و‪.)257‬‬

‫‪211‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وتناول ابن رشيق(ت‪463‬هـ) هذا النو من التشبيه ‪ ،‬ووافق فيه أبا هالل‬
‫العسكري ‪ ،‬وقسمه على ضربين ‪ :‬تشبيه حسن‪ ،‬وتشبيه قبيح ‪.‬‬

‫وع ّرف التشبيه الحسن بقوله ‪ :‬هو الذي يخرج األغمض إلى األوضح فيفيد‬
‫بيانا‪.‬‬

‫أما التشبيه القبيح فهو ما كان على خالف ذلك ‪ ،‬وفسر ذلك أن المشاهد‬
‫أوضح من الغائب ‪ ،‬وما يدركه اإلنسان من نفسه أوضح مما يعرفه من غيره ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والقريب أوضح من البعيد ‪.‬‬

‫العادة والطبع ‪ ،‬وال‬ ‫و ُمراد ابن رشيق واضح في ذكر أمثلته ؛ فما يخال‬
‫يالمس الذوق الصحيح تجد النفس تنفر منه وال تستطيبه ‪.‬‬

‫وقد عاب ابن رشيق على بعض شعراء عصره قوله ‪:‬‬

‫ص ْدغهُ ض فد َخ ِّده م ْثل َما الو ْ ‪ ...‬د إ َذا َما اعتب َرت ض فد الوع ْيد(‪. )2‬‬

‫فشبه األوضح باألغمض الوعد بالوعيد ‪.‬‬

‫وكذلك قوله‪:‬‬

‫صا عل ‪ ...‬فَوقَهَا ط فرة َكلون صدود(‪.)3‬‬


‫لَهُ غ ّرة َكلون و َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة ‪،‬البن رشيق (و‪.)287‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (‪.)287 /1‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه (‪.)287 /1‬‬

‫‪212‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫روضا‪:‬‬ ‫واستبشع قوم قول الشاعر يص‬


‫(‪)1‬‬
‫ضرة شقَائ ُ‬
‫ق من َعقيق‬ ‫ك فن شقائ َ‬
‫ق النعمان فيه ‪ُ . . .‬م َح َ‬

‫وإن كان تشبيها مصيبا فإن فيه بشاعة ذكر الدماء‪ ،‬ولو قال من العصفر أو‬
‫ما شاكله لكان أوقع في النفس وأقرب إلى األنس" (‪.)2‬‬

‫وذكر ابن رشيق ما عابه األصمعي على قول النابغة بين يدي الرشيد ‪:‬‬
‫(بحر الكامل)‬
‫(‪)3‬‬
‫ك ب َحاجة لم تَ ْقضها‪...‬نَظ َر ال ف‬
‫سقيم إلى و ُجوه ال ُع فود‬ ‫نَظ َر ْ‬
‫ت إل ْي َ‬

‫ولم يطعن ابن رشيق البيت بشيء بل مد صاحبه إال أنه أخذ عليه في‬
‫تشبيهه للمحبوبة بالمريض‪.‬‬

‫وأيضا من ذلك قول أبي عون الكاتب‪( :‬بحر الطويل)‬

‫لها وليجر‪ -‬اآلن – بَينهُما األنْس‬ ‫يُالعبُها َك ِّ المزا محبة‬

‫َعزي َزة حذر قد تخبطها المسّ (‪.)4‬‬ ‫فَت َزيد من تيه عليه َك نها‬

‫تطيق النفس شرب زبد المصرو ‪ ،‬وقد‬ ‫فالتشبيه هنا مصيب‪ ،‬ولكن كي‬
‫تخبطه الشيطان من المس؛ فالشبه غير طيب في النفس‪ ،‬وال مستقر على‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)398 /1‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه ( و‪.)300‬‬
‫(‪ )3‬ديوان النابغة الذبياني (و ‪.)92‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫القلب‪.‬‬

‫وإن أصاب الشاعر في اللفظ واألسلوب إال أن األثر في النفس معدوم؛ ألنه‬
‫من األمور التي ال تطيقها النفس فال تتصورها‪ ،‬بل تنفر منها ‪.‬‬

‫ووافق ابن األثير(ت‪637‬هـ) أباهالل العسكري وابن رشيق في التشبيه‬


‫عنهم في المسمى‪ ،‬وس ّماه بالمعيب‪ ،‬واستخدم القبيح في‬ ‫القبيح ‪ ،‬واختل‬
‫تعليقاته‪ ،‬وقال فيه‪ :‬قد بيفنا المحمود من أقسام التشبيه‪ ،‬والذي ينبغي اقتفاء أثره‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫واتبا مذهبه‪ ،‬فلنتبعه بضده‪ ،‬مما ينبغي اجتنابه‪ ،‬واإلضراب عنه‬

‫ثم ضرب مثاال على ذلك قوله ‪ :‬ومن أقبح ما سمعته من ذلك قول أبي تمام‪:‬‬
‫(بحر الكامل)‬

‫َوتَقَا َس َم النفاسُ السفخا َء ُم َج فزأ ‪َ ...‬و َذهَبْتَ أَ ْنتَ ب َر ْأسه َو َسنَامه‬

‫اب َو َما بَقَى ‪ ...‬م ْن فَرْ ثه َو ُعروقه َوعظَامه (‪.)3‬‬


‫َوتَ َر ْكتَ للنفاس اإلهَ َ‬

‫فالقبح الفاحش في البيت الثاني كما قال ابن األثير؛ فالشاعر هنا‪ ،‬ك ن يقول‪:‬‬
‫ذهبت بالحسن واألفضل‪ ،‬وتركت األدنى للناس ‪.‬‬

‫ووافق العلوي(‪745‬هـ) أباهالل العسكري وابن رشيق وابن األثير في هذا‬


‫النو من التشبيه‪ ،‬وس ّماه بالتشبيه القبيح ‪ ،‬وقسم التشبيه باعتبار حكمه إلى قبيح‬
‫جارعلى‬
‫وحسن‪ ،‬وبدأ بابه بالقبيح مبررا ذلك ألجل قلته وندوره‪ ،‬وأكثرها ع‬
‫اللطافة والرقة ‪ ،‬وجعل التشبيه القبيح على وجهين؛ الوجه األول ‪:‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (‪.)301/1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (و‪.)122‬‬
‫(‪ )3‬ديوان أبي تمام (و‪.)260‬‬

‫‪214‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ما كان مظهر األداة من ذلك قول أبى نواس فى وصفه الخمر‪:‬‬

‫ير تُدي ُر ُعيُونَها (‪. )1‬‬ ‫ك َ فن يَ َواقيتا َرواك ُد َح ْولَها ‪ ...‬و ُزرْ َ‬
‫ق َسنَان ع‬

‫ويعلّق العلوي على تشبيه أبي نواس ب ن فيه بُعدا وركاكة ونوعا من الغثاثة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫والبشاعة في لفظه‬ ‫والسخ‬

‫وأيضا مما أساء فيه من التشبيه قوله‪:‬‬


‫ت َش ْكال م َن ْال َغزَل‬ ‫وإ َذا َما ال َما ُء َواقَ َعهَا ‪ ...‬أَ ْ‬
‫ظهَ َر ْ‬
‫(‪)3‬‬ ‫لُ ْيلُ َيات يَ ْن َحدرْ َن بهَا ‪َ ...‬كا ْنح َدار ف‬
‫الذ ِّر م ْن َجبَل‬

‫فشبه حبب الخمر فى انحداره بنمل صغار ينحدرن من جبل ‪.‬‬

‫كما أيد العلوي رأي ابن األثير في تشبيه أبي تمام‪ ،‬وتقاسم الناس السخاء‬
‫مجزأ‪....‬‬

‫واستنادا لما سبق نجد أن هناك من التشبيهات مايكون مصيبا لكنه شنيع‬
‫وصوره رديئة ينفر منها كل ذي طبع وذوق سليم ‪.‬‬

‫والنواجي حين تناول هذا النو من التشبيه ك نه يرشد الشاعر المبتدئ إلى‬
‫والتصوير ‪.‬‬ ‫مراعاة األدب واللياقة والذوق في التشبيه والوص‬

‫وتناول النواجي التشبيه القبيح مظهرا كرهه وإنكاره لهذا التشبيه‪ ،‬ومدعما‬
‫ذلك ب مثلة ومعلقا عليها‪ ،‬و وافق فيه أبا هالل العسكري وابن رشيق والعلوي‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬لم أجده في ديوان أبي نواس‪ ،‬ووجدته في المثل السائر البن أثير (‪.)145 /1‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬أسرار البالغة‪ ،‬للعلوي( و‪.)153‬‬
‫(‪ )3‬لم أجده في ديوان أبي نواس‪ ،‬ووجدته في المثل السائر البن أثير (‪.)145 /1‬‬

‫‪215‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ف‬
‫فحذر النواجي مبتدأ من أن يُطعن في صفات المحبوب عند تشبيهه بقول‬
‫النابغة الذي عابه عليه األصمعي بين يدي الرشيد قوله‪ ،‬وقد ذكر سابقا‪.‬‬

‫وقال األصمعي ‪ " :‬يكره تشبيه المحبوب بالمريض " (‪. )1‬‬
‫وأيّد النواجي األصمعي في الكراهة للتشبيه‪ .‬كما أيد ابن رشيق في‬
‫استشهاده بقول النابغة‪ ،‬في الكراهية؛ لييكدوا جميعا‪ ،‬النهي عن ذلك األسلوب‬
‫الذي اليراعى فيه األدب والذوق‪ ،‬وليجتنبوا تلك األشعار التي جاءت بهذا‬
‫التشبيه‪ ،‬ولينصرفوا عنها ‪.‬‬

‫ومن هيالء الشعراء الحاجري الذي صور شق المرائر على خد محبوبته‪،‬‬


‫والحلبي الذي صور َ‬
‫ش ْع ُر محبوبته‪ ،‬بالعقرب والثعبان ‪.‬‬

‫فقال الحاجري (‪:)2‬‬

‫ت عليه ال َمرائ ُر(‪. )3‬‬


‫شقف ْ‬
‫ك الخد نَبْتا وإنفما ‪ ...‬لكثرة ما ُ‬
‫وما اخض فر ذا َ‬

‫وقددد مددد النددواجي شددعرالحاجري وقددال‪ :‬إندده بددديع إال أندده أخددذ عليدده صددورة‬
‫التشبيه التي وضع فيها المحبوبة ‪ ،‬وهي بشاعة شق المرائر على خد المحبوبة ‪،‬‬
‫حتى يصير مجزرا ومسلخا "(‪. )4‬‬
‫ويعلق النواجي على الصورة السابقة التي رسمها الحاجري للمحبوبة‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)62‬‬
‫(‪)2‬هو أبو يحيى أبو الفضل عيسى بن سنجر بن بهرام بن جبريل بن خمارتكين بن طاشتكين‬
‫اإلربلي‪ ،‬المعروف بالحاجري الملقب حسام الدين؛ هو جندي‪ ،‬ومن أوالد األجناد‪ ،‬وله‬
‫معان جيدة وهو مشتمل على شعر الدوبيت والموالية‪.‬‬
‫ع‬ ‫ديوان شعر تغلب عليه الرقة وفيه‬
‫شذرات الذهب (‪.)157 /5‬‬
‫(‪)3‬معاهد التنصيص على شواهد التلخيص (‪.)446 /1‬‬
‫(‪)4‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)62‬‬

‫‪216‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫بشق المرائر على خد محبوبه حتى سفك عليه‬ ‫بقوله‪ " :‬إ ّن بعضهم لم يكت‬
‫الدماء " فقال ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫دم و َمرائ ُر‬
‫عذارك ‪ ،‬إال من ع‬ ‫ك الخ ّد ْ‬
‫واخض فر فَوقَهُ‬ ‫وما احم فر ذا َ‬

‫فالحاجري صور خد المحبوبة بشق للمرائر‪ ،‬وأما اآلخر فجعل الدماء تسير‬
‫عليها‪ .‬فكره النواجي هذا النو من التشبيه وهذه الصورة التي وضع الشاعر‬
‫فيها محبوبه ‪ ،‬والكراهية لألمر الستبشا الصورة التي يصورها الشاعر وإن‬
‫كان قد وصل ب سلوبه إلى البديعية إال أن النفس تنفر منها والطبع ينبذها لعدم‬
‫موافقتهما ‪.‬‬

‫كذلك ذكر تشبيه ال ف‬


‫ش ْعر بالثعبان أو بالحية ‪ ،‬وقال النواجي ‪ " :‬وتشبيه‬
‫الصد بالعقرب وهو واقع في كالمهم ‪ ،‬كقول الحلي في مطلع قصيدته ‪( :‬بحر‬
‫الكامل)‬

‫ص ْدغه في َخدِّه‪ ...‬وسعى على األرداف أرق ُم جعده(‪. )2‬‬ ‫َدب ْ‬


‫فت َعقَاربُ ُ‬
‫ثم قال وما كفاه حتى قال بعده ‪:‬‬

‫ق لَحظُهُ‪...‬نبال يذو ُد بشوكه عن ورد (‪. )3‬‬


‫وبَدا ُم َحيّاه‪ ،‬فَ ّو َ‬
‫فبيّن النواجي في البيت األول كراهيته لتشبيه ال ف‬
‫ش ْعر بالثعبان أو الحية ‪،‬‬
‫وتشبيه الصد بالعقرب ‪ ،‬وفي البيت الثاني أظهر تقبله للنبل في حدقة العين‪،‬‬
‫ولكن أنكر على الشاعر لذكره للشوك (‪.)4‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)399/1‬‬
‫(‪)2‬ديوان صفي الدين الحلي (و‪)203 :‬‬
‫(‪)3‬ديوان صفي الدين الحلي (و ‪.)203‬‬
‫(‪)4‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي( و‪.)63‬‬

‫‪217‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫لقد أظهرت تلك الصور بشاعة التشبيه وبعده‪ ،‬وقد يتساءل أحدهم هل‬
‫يصور الشاعر تلك الصور في ذلك التشبيه؛ ليمارس تمكنه في تطويع األلفاظ‬
‫والمعاني كيفما يشاء‪ ،‬أو ألنه أراد بالفعل إظهار هذا التشبيه بتلك الصورة‬
‫فيعكس بذلك لمن حوله ملمحا من مالمح شخصه ‪.‬‬

‫وقد أنكر النواجي تشبيه الشاعر للمحبوب بالصنم ‪ ،‬وذكر أنه كثير في‬
‫كالمهم؛ حتى أنه وقع للشيخ جمال الدين بن نباتة مرارا ‪.‬‬

‫وتعقيبا على كالم النواجي في ف‬


‫أن أقبح تشبيه هو تشبيه المحبوب بالصنم؛‬
‫يصورالشاعر الكائن الحي بحجر أو تمثا عل‪ ،‬وإن صوره‬ ‫فقد ير ُد سياال كي‬
‫بذلك‪ ،‬فماذا يجد فيه من صور تشبيهية ليقل شعرا فما نطقوا الشعر عليه إال‬
‫ليصفوه في مالمحه أو كالمه أوحركاته ‪ ،‬لكن عندما يجعلونه صنما فماذا‬
‫سيجنون من صور بليغة !‬

‫إذن فهو تشبيه تحكمه األهواء والتخيالت التي ال يقبلها فكر عاقل ‪ ،‬لذا‬
‫وصفه النواجي ب نه أقبح تشبيه ‪ ،‬وقد يرجع ذلك إلى النزعة الدينية التي امتلكها‬
‫النواجي ‪.‬‬

‫ونبه النواجي الشاعر إلى " أن يتجافى عن األلفاظ المستهجنة التي يتحاشى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫العاشق عنها أن يقع منه في حق محبوبه "‬

‫وأقام النواجي مقارنة بين البيتين ‪:‬‬

‫يقول الشاعر ‪( :‬بحر الكامل)‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪.)63‬‬

‫‪218‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫شر(‪.)1‬‬
‫كي ما تَكون َخصي َمتي في المحْ َ‬ ‫ت بقَ ْتلها م ْن حبِّها‬
‫ولَقَ ْد هَ َم ْم ُ‬

‫وقال السباط صدر الدي ب الوكيل ‪( :‬بحر البسي )‬


‫إن َج َري من َم ْد َمعي و َدمي ‪ ...‬للعين والقلب مسفو و َم ْسفُو ُ‬
‫ك‬ ‫يا سيِّدي ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫فالعين جاريَة والقَ ْلبُ مملو ُ‬
‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ش من قَ َو عد يُ ْقتَص من َ‬
‫ك به ‪...‬‬ ‫ال ْ‬
‫تخ َ‬

‫فالشاعر في البيت األول من شدة عشقه ال يطيق فراق محبوبته في الدنيا‬


‫وال في اآلخرة ف ّداهُ تصوره الفاسد إلى قتلها‪ ،‬وأنها بذلك تتعلق به في اآلخرة ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وتخاصمه ‪ .‬فوقع فيما ال يليق ‪.‬‬

‫المحبوبة إالف أن أولهما تجرد من الوص‬ ‫"فاشتركا القولين في وص‬


‫(‪)4‬‬
‫الالئق به والثاني اشتمل عليه" ‪.‬‬

‫و َسل َم جمال الدين بن نباتة(‪768‬هـ)(‪ )5‬باإلجادة وحسن السبك للمعاني في‬


‫أحسن القوالب مما انتقد به من سبقه بقوله ‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫يطو ُل في الح ْشر إيقَافي وإيفاك‬ ‫وطُولى م ْن َع َذابي في هَواك َع َسى‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬صبح األعشى في صناعة اإلنشا (‪)221 /2‬القلقشندي‪ -‬دار الكتب العلمية‪-‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )2‬لم أجده في ديوانه‪ ،‬خزانة األدب ‪،‬البن حجة الحموي (‪)69 /2‬‬
‫(‪ )3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)64‬‬
‫(‪ )4‬نظرية اإلبدا الشعري عند النواجي‪ ،‬للبنداري(و‪.)89‬‬
‫(‪)5‬هومحمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري أبو بكر جمال الدين‪ ،‬شاعر‬
‫عصره‪ ،‬وأحد الكتاب المترسلين العلماء باألدب‪ ،‬أصله من ميافارقين‪ ،‬ومولده ووفاته في‬
‫القاهرة‪ .‬معجم الميلفين (‪.)273 /11‬‬
‫(‪)6‬ديوان ابن نباتة المصري (و ‪.)1406‬‬

‫‪219‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ويعلّق النواجي عليه بقوله ‪ " :‬فإنه تجافى عن قتل محبوبه بقوله‪ " :‬وطولى‬
‫من عذابي " كما هو عادة األحباب مع المحبين‪ ،‬وبه يتعين بلو غرضه في‬
‫اآلخرة ‪ .‬فإنها إذا طولت عذابه صار الحق له ‪ ،‬فيالزمها في اآلخرة ‪ ،‬وال كذلك‬
‫(‪)1‬‬
‫األول ‪ .‬فإن الحق لها ‪ ،‬ومن الجائز أنها تعفو عنه ؛ لتستريح من رؤياه " ‪.‬‬

‫إن تخيل األمر الذي قص ده الشاعر ليس مستساغا أو محببا؛ فالقتل أوال‪،‬‬
‫أمر تخافه النفس وال تبتغيه‪ ،‬بل تنفر من فاعله ‪ ،‬وثانيا‪ ،‬تخيل الشاعر وقوفه‬
‫أمام محبوبته في المحشر لتخاصمه في قتلها فيلذ بالنظر إليها؛ فيهون ‪ -‬عنده ‪-‬‬
‫بعد ذلك كل عذاب ‪ ،‬أمر ال يتخيله العقل ‪ -‬وإن كان مسو للشاعر لقاءه بمن‬
‫يحب – فال يتقبله أيضا؛ ألنها صورة نسجها الشاعر من خياله دون أدنى اعتبار‬
‫للمحشر ويومه‪ ،‬وما يكون عليه حال الناس آنذاك ‪.‬‬

‫فحاصل الكالم أن صور هذا النو من التشبيه تبقى بعيدة ال يتقبلها العقل‪،‬‬
‫أو التصوير‪.‬‬ ‫وال ترتضيها النفس فهي ال تتسم باألدب وال المراعاة للوص‬

‫من وضع المعاني‬ ‫ومازال النواجي يحذر الشاعر في التصوير والوص‬


‫فيما ال يناسبها‪"،‬واحذر مما يطعن عليك في غير ذلك من األغراض‬
‫(‪)2‬‬
‫الشعرية" ‪.‬‬

‫واستشهد بقول الشاعر ‪:‬‬

‫ق من َعقيق (‪. )3‬‬


‫ضرة شقَائ ُ‬ ‫ك فن شقائ َ‬
‫ق النعمان فيه ‪ُ . . .‬م َح َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)65‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه (و‪.)65‬‬
‫(‪)3‬المصدر نفسه (و ‪.)99‬‬

‫‪220‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫فهو وإن كان تشبيها مصيبا ‪ ،‬إال أن فيه بشاعة كثرة الدماء "‬

‫ويبرر النواجي بقوله ( وإن كان تشبيها مصيبا ) سبب تحذيره للمتلقي ب ن‬
‫فيه بشاعة ‪.‬‬

‫وقد سبق ابن رشيق النواجي إلى هذا‪ ،‬ووافقه النواجي في رأيه وأيده في‬
‫أن التشبيه فيه بشاعة كثرة الدماء‪ ،‬وزاد عليه أن هذه الصورة ت بى األنفس‬
‫الكثيفة رؤيتها ‪ ،‬فضال عن اللطيفة ‪.‬‬

‫الخمر ‪:‬‬ ‫وأشنع من هذا ذكر النواجي قول اب النبيه(ت‪619‬هـ) (‪ )2‬في وص‬
‫(‪)3‬‬
‫منديل عذرتها ب َك ّ سُقاة‬ ‫غدرا واقعها المزاج أما تري‬

‫معلقا عليه بقوله ‪ " :‬فالتشبيه وإن كان من المعاني المخترعة ‪ ،‬إال أنه في‬
‫يسو شرب ك س حيا به ساق بيده منديل عذرة "(‪. )4‬‬ ‫غاية البشاعة ‪ ،‬فكي‬

‫إن استخدام الشاعر لمعا عن مخترعة ال يبرر له استخدامها في تشبيهات‬


‫بشعة ت باها النفس وتنفر منها؛ لرداءتها وقبحها ‪.‬‬

‫المزا محبة )‪،‬‬ ‫وختم النواجي باستشهاد أبي عون الكاتب ( يالعبها ك‬
‫والذي ذكره ابن رشيق من قبل‪ ،‬ووافق رأي النواجي رأي ابن رشيق ‪.‬‬

‫وم ما سبق فإن هذا النو من التشبيه تناوله العالمة النواجي؛ ليظهر جانبا‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (و‪.)65‬‬
‫(‪)2‬هو علي بن محمد بن الحسن بن يوس ‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬كما الدين بن النبيه‪ :‬شاعر‪ ،‬منشئ‪ ،‬من‬
‫أهل مصر‪ .‬انظر‪ :‬شذرات الذهب (‪.)128 /5‬‬
‫(‪)3‬ديوان ابن النبيه (و ‪.)23‬‬
‫(‪)4‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)66‬‬

‫‪221‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫من جوانب التشبيه القبيح والذي لم يلتفت إليه الكثير من النقاد ‪ ،‬كما حرو‬
‫الن واجي على تدعيم هذا التشبيه باستشهادات وأمثلة كثيرة تبين وتيكد مدي قبح‬
‫وكراهية تلك الصور ‪ ،‬وإن بدا بعض ذلك التشبيه بديعا‪ ،‬لكنه بشع ال يتصوره‬
‫العقل‪ ،‬وال تطيقه النفس‪ .‬وفي المقابل فكما بين النواجي هذا الجانب من القبح‬
‫فإنه دعا إلى الت دب ومراعاة اللياقة في التشبيه والتصوير والوص ‪.‬‬

‫عن هذا التشبيه وافق فيه ما ذكر عند النقاد‪.‬‬ ‫وجميع ما ذكره الميل‬

‫وخالصة ذلك أن النواجي دعا إلى الت دب في التصوير‪ ،‬والمراعاة في‬


‫ف‬
‫وحذر من التشبيه القبيح والشنيع؛ ألنه يص الصور بشعة قبيحة ال‬ ‫الوص ‪.‬‬
‫يتصورها العقل‪ ،‬وت باها النفس‪ ،‬وينفر منها الطبع والذوق السليم ‪.‬‬

‫في هذا المبحث إلى الشاعر‬ ‫وهذا النو من التشبيه لمحة أضافها الميل‬
‫ويراعي كال منهما عند العمل‬ ‫يت دب في التصوير والوص‬ ‫المبتدئ ليعلم كي‬
‫يستطيع تطويع ألفاظه ومعانيه كما يريد ‪.‬‬ ‫عليهما ‪ .‬وليدرك الشاعر كي‬

‫وكما نبه النواجي من التشبيه القبيح؛ ففي المقابل دعا إلى المديح النبوي‬
‫والت دب في صوره ومراعاته ‪ ،‬وقال في هذا ‪ " :‬وينبغي للشاعر إذا أراد أن‬
‫ي تي بمديح نبوي أن يحتشم فيه ‪ ،‬ويتباري ويتحمس ‪ ،‬ويشبب بذكر ( سلع ) و (‬
‫رامة ) و ( السفح ) و ( العتيق) و ( العذيب ) و ( بارق ) و ( والنوير) و (‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫لعلع ) و ( لبنى ) و ( أكفان ) و ( حاجر ) "‬

‫فالشاعر حين ي تي بمديح نبوي فليحتشم فيه وليت دب ‪ ،‬وليذكر في قصيدته‬


‫تلك بعض ما ذكر من أماكن‪ ،‬لكونها تحمل رموزا ألماكن لها في النفس إجالل‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدر نفسه (و‪.)68‬‬

‫‪222‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫واحترام ‪.‬‬

‫ثم يكمل النواجي قوله ‪ " :‬ويطر ذكر محاسن المرد ‪ ،‬والتغزل في ثقل‬
‫الردف ‪ ،‬ورقة الخصر ‪ ،‬وبياض الساق ‪ ،‬وحمرة الخد ‪ ،‬وخضرة العذار ‪ .‬وما‬
‫(‪)1‬‬
‫أشبه ذلك" ‪.‬‬

‫فدعا الشاعر إلى طر وتجنب األمور أو الصفات التي قد تذهب اللياقة‬


‫والت دب مع المديح النبوي؛ لعدم مناسبة أسلوب التغزل بصفات المرأة مع‬
‫المديح النبوي ‪ ،‬بل ويخرج عن األدب والم لوف ‪ ،‬كما يجعل المتلقي يستنكر‬
‫لهذا األمر وتلك الصفات في مديح نبوي فينصرفون عن القصيدة ‪.‬‬

‫وذكر النواجي مثاال على الغزل الذي ال يليق إيرادها في مديح نبوي‬
‫قصيدة السري الرفاء؛ عندما مد بها الفاطميين جدهم صلى ه عليه وسلم ‪.‬‬
‫وجر القلوب بندبه الحسين ‪ -‬رضي ه عنه ‪ -‬فإنه قال فيها ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ضوا في قَ ْتله الدنيَا‬
‫وإنّ َما نَقَ ُ‬ ‫ضوا آثَا َر َوالده‬
‫َم ْهال فَ َما نَقَ ُ‬

‫فال ينبغي أن يكون مطلع القصيدة‪ ،‬وهي تشتمل على مد النبي صلى ه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وندبه الحسين أن تكون براعتها وبدايتها ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫نَطوي اللّيال َي ع ْلما أَن َستَطوينا ‪ ...‬ف َشعشعيها بماء ال ُمزن واسقينا‬

‫وما كفاه ذلك حتى قال ‪:‬‬

‫ت للرفا أَيدينا‬
‫َو تَ ِّوجي بكيوس الرا أَيدينَا‪ ...‬فإنما ُخلقَ ْ‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدرنفسه (و‪. )69‬‬
‫(‪ )2‬ديوان السري الرفاء (و‪.)882 :‬‬
‫(‪ )3‬المصدر نفسه‬

‫‪223‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫س َرقت ‪َ ...‬شمائ َل البان من أَعطافه لينا‬


‫قامت تَه ُز قَواما ناعما َ‬

‫تَحُث حمرا َء يَلقاها المزا ُج كما ‪ ...‬أَلقيتَ فَو َ‬


‫ق َجن ِّي ال َورد نسرينا‬
‫(‪)1‬‬
‫فلست أدري أَتَسقينا وقد نَف َحت ‪..‬روائ ُح المسك منهاأو تُحيِّينا‬
‫ُ‬

‫وختاما لهذا العرض يتضح أنه يجب الت دب والمراعاة في قصائد المدائح‬
‫النبوية ‪ ،‬وأن تطر جميع أساليب التغزل بصفات النساء وما شابهها ‪ ،‬والب س‬
‫من ذكر بعض األماكن التي لها احترام وتقدير في ذهن الناس‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫الفصل الثاني‬
‫قضايا نقد النثر‬

‫وفيه مبحثين‪:‬‬
‫‪‬المبحث األول‪ :‬قضية السجع‪.‬‬
‫‪‬المبحث الثاني‪ :‬قضية البالغة والفصاحة‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول ‪ -‬قضية السجع‪.‬‬


‫إن قضية السجع هي القضية األولى من قضايا النثر والتدي تناولهدا الندواجي فدي‬
‫كتابه مقدمة في صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫الزم السّجع اللغة العربية منذ نش تها وحتى عصرنا الحاضر ‪ ،‬وهو محسدن مدن‬
‫المحسنات البديعية التي أضفت على اللغة العربية شيئا من التميز في لفدت انتبداه‬
‫السامع وجذبه ‪.‬‬

‫وجدداء فددي لسددان العددرب ‪َ :‬س د َج َع يَ ْس د َج ُع َسددجْ عا‪ :‬اسددتوي واسددتقام وأَشددبه بعضدده‬
‫بعضا‪.‬‬

‫وقال ذو الرمة‪( :‬بحر الطويل)‬


‫(‪)1‬‬
‫إذا ما َعلَ ْوها‪ُ ،‬م ْكفَ َغ ْي َر ساجع‬ ‫ْت بها أَرْ ضا تَ َري َوجْ ه َر ْكبها‬
‫قَطَع ُ‬

‫أَي جائرا غير قاصد‪.‬‬

‫والسجع الكالم ال ُمقَففى ‪،‬والجمع أَسجا وأَساجيعُ؛ وكالم ُم َس فجع‪.‬‬

‫و َس َج َع يَ ْس َج ُع َسجْ عا و َس فج َع تَسْجيعا‪ :‬تَ َكلفم بكالم له فَواص ُل كفواصدل ال ِّشد ْعر‬


‫مدددن غيدددر وزن‪ ،‬قدددال ابدددن جندددي‪ " :‬سدددمي َسدددجْ عا الشدددتباه أَواخدددره وتناسدددب‬
‫(‪)2‬‬
‫فَواصله" ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬ديوان ذي الرمة (و‪)193 :‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب‪ ،‬مادة [سجع]‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وع ّد البالغيون السجع من المحسنات اللفظية ‪ ،‬والتي يرمي إليده الكثيدر فدي‬
‫كالمهم بقصد التحسين والتزيين ‪.‬‬

‫الجداحظ(ت‪255‬هددـ) لده فددي قولدده‪" :‬‬ ‫ومدن أبددرز تعريفدات السددجع تعريد‬
‫الكالم المزدوج على غير وزن "(‪ ، )1‬وقد دافع عنه ضد من قالوا تحريمه‪ ،‬كمدا‬
‫استحسنه إذا جاء مطبوعا‪.‬‬

‫المبييرد(ت‪286‬هييـ)(‪ )2‬عددن الجداحظ بقولدده ‪ " :‬السددجع هددو ائددتالف‬ ‫واختلد‬


‫القوافي" (‪.)3‬‬ ‫أواخر الكالم على نسق‪ ،‬كما ت تل‬

‫فالمبرد لم يقيد الكالم بالمزدوج كالجاحظ‪ ،‬وإنمدا حددد السدجع اتفداق أواخدر‬
‫الكالم ‪.‬‬

‫وحددد ّد ابدددن سدددنان(‪466‬هدددـ) السدددجع بقولددده‪ " :‬تماثدددل الحدددروف فدددي مقددداطع‬
‫(‪)4‬‬
‫الفصول " ‪.‬‬

‫والتماثل كاالئتالف فوافق ابن سنان المبرد بذلك ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬البيان والتبيين للجاحظ (‪.)158/1‬‬
‫(‪)2‬المبرد‪ :‬هو محمد بن يزيد بن عبد األكبر األزدي ا لبصري النحوي أبو العباس الثمالي المبرد‪.‬‬
‫حسن المحاضرة‪ ،‬مليح األخبار‪ ،‬كثير النوادر‪ .‬وما رأي المبرد مثل نفسه‪ .‬مات المبرد في‬
‫أول سنة ست وثمانين ومئتين‪ .‬تاريخ بغداد( ‪.)380/3‬‬
‫(‪)3‬الكامل (‪ ، )382/1‬ألبي العباس المبرد‪ ،‬علق عليه محمد أبوالفضل إبراهيم‪ /‬دار الفكر العربي‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )4‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)171‬‬

‫‪227‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وبرز السجع عند ابن األثير(ت‪637‬هـ) وعرفه قائال ‪ " :‬السجع هو تواطدي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫الفواصل في الكالم المنثور على حرف واحد "‬

‫ويقول ابن األثير‪ " :‬وقد ذمه بعض أصحابنا من أرباب هدذه الصدناعة‪ ،‬وال‬
‫أري لدذلك وجهدا سدوي عجددزهم أن يد توا بده وإال فلدو كددان مدذموما لمدا ورد فددي‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬فإنه قد أثر منه بالكثير حتى إنه لييتى بالسدورة جميعدا مسدجوعة‬
‫(‪)2‬‬
‫كسورة الرحمن وسورة القمر"‬

‫ووافق العلوي(ت‪745‬هـ) في تعريفه للسجع وت ييده في الرأي‪ ،‬ابن األثير؛‬

‫وقال ‪ " :‬إن هذا النو من علوم البالغة كثير التّدوار‪ ،‬عظيم االستعمال فى‬
‫ألسنة البلغاء‪ ،‬ويقع فى الكالم المنثور‪ ،‬المنظوم الموزون فى الشعر‪ ،‬ومعناه فدى‬
‫ألسنة علماء البيان‪« :‬اتفاق الفواصل فى الكالم المنثور فى الحرف أو فى الوزن‬
‫(‪)3‬‬
‫أو فى مجموعهما» "‬

‫واشتقاقه مدن قدولهم‪ ( :‬سدجعت الناقدة ) إذا مددت حنينهدا علدى جهدة واحددة‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ومنه سجع الحمامة إذا هدرت‪" .‬‬

‫كما ع ّرف القنقشيند (ت‪821‬هيـ) (‪ )5‬السدجع فدي اللغدة بقولده ‪ :‬مشدتق مدن‬
‫الساجع ‪ :‬وهو المسدتقيم السدتقامته فدي الكدالم‪ ،‬واسدتواء أوزانده‪ ،‬وقيدل مدن سدجع‬
‫الحمامة وهو ترجيعها الصوت على ح ّد واحد‪ ،‬يقال منه سجعت الحمامدة تسدجع‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير ( ‪.)210/1‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطراز للعلوي (‪.)12/3‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه (‪.)12/2‬‬
‫(‪)5‬هو أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ‪ :‬الميرخ األديب البحاثة‪ .‬الضوءالالمع( ‪.)8 /2‬‬

‫‪228‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫سجعا فهي ساجعة‪.‬‬

‫و س د ّمي السددجع فددي الكددالم بددذلك؛ ألن مقدداطع الفصددول تدد تي علددى ألفدداظ‬
‫متوازنة متعادلة‪ ،‬وكلمات متوازية متماثلة‪ ،‬ف شبه ذلك الترجيع‪.‬‬

‫وأما في االصطال ‪ ،‬فقال ‪ :‬هو تقفية مقداطع الكدالم مدن غيدر وزن ‪ ،‬وذكدر‬
‫نحوه فدي " المثدل السدائر" فقدال‪ :‬هدو تواطدي الفواصدل مدن الكدالم المنثدور علدى‬
‫(‪)1‬‬
‫حرف واحد ‪.‬‬

‫حين حدده من غير وزن ‪.‬‬ ‫كما اتفق القلقشندي مع الجاحظ في التعري‬

‫ووافق العلوي في اشتقاق السجع من سجع الحمام ‪.‬‬

‫وخصف ابن حجة بابا في كتابه سماه السجع‪ ،‬وابتدأه بهذا البيت ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫َس َجعي ومنتظمي قد أظهَرا حكمي ‪ ...‬وصرْ ت َكال َعلم في العرب وال ُعجم‬

‫ثم ع ّرفه موافقا للقلقشندي والعلوي في سجع الحمام بقوله ‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫"السجع‪ :‬م خوذ من سجع الحمام"‬

‫فالسجع في كالم العرب هو دعاء الحمامة‪.‬‬

‫وختام التعريفات للسجع بالعالمة النواجي(ت‪859‬هدـ)‪ ،‬والدذي اكتفدى بقولده‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظرصبح االعشى للقلقشندي (‪)302/2‬‬
‫(‪ )2‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة (‪)432 /2‬‬
‫(‪ )3‬المصدرنفسه (‪.)411/2‬‬

‫‪229‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫فيه أنه م خوذ من سجع الحمام‪ ،‬وهو هديره‬

‫فوافق بذلك من سبقه بهذا الرأي كابن حجة والقلقشدندي والعلدوي فدي سدجع‬
‫الحمام‪ ،‬وزاد عليهم بتفسيره حين قال " وهو هديره " ‪.‬‬

‫النددواجي علددى سددجع الحمددام فددي تعريفدده؛ فمددن المعددروف أن سددجع‬ ‫وتوقد‬
‫الحمام هدو ترجيعده الصدوت علدى حد ّد واحدد وهدذا مدا نجدده فدي السدجع‪ ،‬فداكتفى‬
‫النواجي بسجع الحمام؛ ألنه أبل في بيان األمدر ووصدول الفهدم ‪ .‬فهدو مدن تميدز‬
‫باألسلوب السهل السائ ‪.‬‬

‫وخالصة ما سبق بالجمع بين النقاد في تعريفاتهم ‪ ،‬من أن السجع ‪:‬‬

‫ائتالف الكالم وتماثل الحروف وتواطي الفواصل في الكالم المنثور ‪.‬‬

‫العلماء هل يقولون في فواصل القرآن أسجا أم ال‬ ‫واختل‬

‫ويجيددز أبددو هددالل العسددكري(ت‪395‬هددـ) لفظددة السددجع فددي فواصددل القددرآن‬


‫فدي‬ ‫ويقول‪ :‬إ فن جميع ما في القرآن مما يجري على التسدجيع واالزدواج مخدال‬
‫تمكين المعنى ‪ ،‬وصفاء اللفظ ‪ ،‬وتضمن الطالوة والماء ‪ ،‬لما يجري مجدراه مدن‬
‫كالم الخلق ‪ ،‬أال تري قوله عـز اسمـه ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ضبحا* فالـ ُموريَات قَدحا *فالـ ُمغـي َرات صُبحا‪‬‬
‫‪‬وال َعاديَات َ‬

‫وف ّ‬
‫صددل ابددن سددنان(ت‪466‬هددـ) فددي المس د لة فقددال ‪ :‬أمددا الفواصددل التددي فددي‬
‫القرآن فإنهم سموها فواصل‪ ،‬ولم يسموها أسجاعا‪ ،‬وفرقوا فقالوا‪ :‬إن السجع هو‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي ( و‪.)75‬‬
‫(‪ )2‬سورة العاديات ‪.3-1 :‬‬

‫‪230‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫الذي يقصد في نفسه‪ ،‬ثم يحمل المعنى عليه ‪.‬‬

‫والفواصل التي تتبع المعاني وال تكون مقصودة في أنفسها ‪.‬‬

‫واألسجا حروف متماثلة في مقاطع الفصول ‪.‬‬

‫والفواصل على ضربين؛ ضرب يكون سجعا ‪ ،‬هو ما تماثلت حروفده فدي‬
‫المقاطع ‪ ،‬وضرب ال يكون سجعا ‪ ،‬وهو لمدا تقابلدت حروفده فدي المقداطع ‪ ،‬ولدم‬
‫تتماثل ‪.‬‬

‫وال يخلو كل مدن هدذين القسدمين ـ أعندي التماثدل والتقدارب – مدن أن يكدون‬
‫ي تي طوعا سهال ‪ ،‬وتابعا للمعاني ‪ ،‬وبالضد مدن ذلدك؛ حتدى يكدون متكلفدا يتبعده‬
‫المعنى ‪ .‬فإن كان مدن القسدم األول ‪ ،‬فهدو المحمدود الددال علدى الفصداحة وحسدن‬
‫البيان ‪ .‬وإن كان من الثاني ‪ ،‬فهو مذموم مرفوض ‪.‬‬

‫ف مددا القددرآن فلددم يددرد فيدده إال مددا هددو مددن القسددم األول المحمددود؛ لعلددوه فددي‬
‫مسدطور ‪،‬‬
‫ع‬ ‫الفصاحة ‪ ،‬وقد وردت فواصل متماثلدة ومتقاربدة " والطدور وكتداب‬
‫(‪)1‬‬
‫في رق منشور ‪ ،‬والبيت المعمور‬

‫فدي السدجع ‪ ،‬هدل يقدال فدي‬ ‫أما ابن حجة الحموي(ت‪837‬هـ) فقال‪ :‬واختل‬
‫فواصل القرآن أسدجا أو ال ؛ فمدنهم مدن منعده؛ ومدنهم مدن أجدازه‪ ،‬والدذي مندع‬
‫(‪)2‬‬
‫ت آيَاتُهُ‪ ، ‬فقال‪ :‬قد سماه فواصل‪ ،‬ولديس لندا‬ ‫تمسك بقوله تعالى‪ :‬كتَاب فُ ِّ‬
‫صلَ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫أن نتجاوز ذلك ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)172‬‬
‫(‪ )2‬سورة فصلت‪ :‬اآلية‪.170‬‬
‫(‪ )3‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)411/2‬‬

‫‪231‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ورأي النواجي(ت‪859‬هــ) رأي ابن حجة في هذا‪ ،‬وأيده وحرره‪ ،‬ولدم يدزد‬
‫عليه ‪.‬‬

‫وخالصة الرأي أن سور القرآن واألحاديث النبوية ملئدت بالسدجع المحمدود‬


‫وبما يناسب مقام كالم ه وسدنة نبيده ‪ ،‬وإن تحرزندا فدي قولندا إن‬ ‫والغير متكل‬
‫القرآن فيه سجع فهو من باب الت دب مع القرآن والسنة ‪.‬‬

‫ويميددل العالّمددة النددواجي ومددن قبلدده ابددن حجددة لددرأي الممددانعين فددي إطددالق‬
‫السجع على القرآن وحجتهم في ذلك قوله تعدالى ‪ ‬كتَداب فُصِّدلَ ْ‬
‫ت آيَاتُدهُ‪ ‬فقدالوا‬
‫سماه ه فواصل‪ .‬فالتزما بذلك ت دبا مع قول ه بقولهما " ولديس لندا أن نتجداوز‬
‫ذلك "‪ .‬وبذلك يكونان قد اختلفا عن أبي هالل العسكري وابن سنان الخفاجي‪.‬‬

‫والحديث عن فواصل القدرآن هندا‪ ،‬ال تعددو أن تكدون لمحدة عرضدت لبلدو‬
‫فددي اخددتالف إطددالق مسدمى السددجع علددى‬ ‫المددراد فددي الددرد علددى تسدداؤل الميلد‬
‫فواصل القرآن أم ال‪.‬‬

‫والجدداحظ(‪255‬هددـ) مددن أبددرز النقدداد الددذين ال يتصددنعون فددي كتددابتهم ‪ ،‬وإذا‬


‫ورد فيها شيء مدن السدجع أو الصدنعة البيانيدة‪ ،‬فإنمدا يدرد عفدو الخداطر دون أن‬
‫يقصد إليه قصدا ‪ ،‬ويقول الجاحظ عن نفسه مت دبا ب دب طالب العلدم‪ ،‬وهدو عدالم‬
‫فذ ‪ " :‬أستحي من الكتابة‪ ،‬وأستنك ب ن أنسب إليها في البالغة‪ ،‬وأن أعرف بها‬‫ّ‬
‫فددي غيددر موضددعها‪ ،‬ومددن السددجع أن يظهددر منددي‪ ،‬ومددن الصددنعة أن تعددرف فددي‬
‫(‪)1‬‬
‫كتبي‪ ،‬ومن العجب بكثير ما يكون مني "‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الرسائل األدبية‪ ،‬للجاحظ (‪.)39/1‬‬

‫‪232‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫فدي األلفداظ‪ ،‬وتصدنع فدي‬ ‫وهناك من كره السجع وتركه ؛ لما فيه مدن تكلد‬
‫الكالم ‪ ،‬وبعضهم استحسدنه وعمدل بده؛ القتنداعهم بجمالده وتحسدينه للكدالم الدذي‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫يرد فيه ‪ ،‬ولوال ذلك لما ورد في كالم ه‪ ،‬والنبي صلى ه عليه وسلم‬

‫فظاهر الكالم انقسمت اآلراء في السجع على مذهبين ‪:‬‬

‫المذهب األول ‪ -‬بيفن العلدوي(‪745‬هدـ) أن هنداك مدن علمداء أهدل البيدان مدن‬
‫جوز استعمال السجع واستحسانه ‪ ،‬وحجتهم في ذلك أن كتاب ه والسنة النبويدة‬
‫مملوء بالسجع‪ ،‬وكالم البلغاء أيضا ‪.‬‬

‫المذهب الثاني ‪ -‬هناك من علماء البيان من استكره السجع واستعماله ‪ ،‬وقدد‬


‫أرجع العلوي هذا الرأي إلى ابن األثير(‪637‬هـ)‪ ،‬وأنه هو من حكاه‪ ،‬ولم يعرف‬
‫العلوي قائله ‪ ،‬ولم يجده في كتب البالغة‪ ،‬وبين أن الشبهة فدي اسدتكراهه مداورد‬
‫عدن الرسددول صددلى ه عليدده وسدلم‪ ،‬فددي حديثدده عندددما نهدى عددن سددجع الكهددان ‪،‬‬
‫وكغيددره العلددوي أبدددي رأيده‪ ،‬وبددين أن الرسددول صددلى ه عليدده وسددلم‪ ،‬لددم ينكددر‬
‫السددجع مطلقددا‪ ،‬وإنمددا أنكددر سددجعا مخصوصددا‪ ،‬وهددو سددجع الكهددان؛ ألن أكثددر‬
‫أخبارهم عن األمور الكونية‪ ،‬واألوهام الظنية‪ ،‬ولدو لدم يكدن جدائزا فدى البالغدة؛‬
‫(‪)2‬‬
‫لما أتى عليه أفصح الكالم وهو التنزيل‪ ،‬ولما جاء فى كالم سيد البشر ‪.‬‬

‫ونسب ابن األثير العجز وعدم التمكن من اإلتيان بالسجع لمن سلك المذهب‬
‫الثاني من اآلراء؛ مبررا ذلك بحجة قوية‪ ،‬وهي وروده فدي أكثدر سدور القدرآن ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫كسورة الرحمن‪ ،‬وسورة القمر‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬ولم تخل منه سورة من السور ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر ‪ :‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)171‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ :‬الطراز‪ ،‬للعلوي (‪.)13/3‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير ( و‪.)210‬‬

‫‪233‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ين فيهَدا أَبَددا‬


‫ين َوأَ َع فد لَهُ ْم َسعيرا‪ ،‬خَالد َ‬
‫هَ لَ َع َن ْال َكافر َ‬
‫منه قوله تعالى ‪ :‬إ فن ف‬
‫ون َوليّا َو َال نَصيرا‪.)1( ‬‬
‫َال يَج ُد َ‬

‫أما مذهب الكراهة والترك فقد جعلوا حجتهم في ذلك‪ ،‬إنكار الرسدول صدلى ه‬
‫عليه وسلم‪ ،‬على الرجل ‪ ،‬حين قال له ‪" :‬أسجعا كسجع الكهان" (‪.)2‬‬

‫وفي هذا رد ابن األثير بقوله ‪ " :‬فإن قيل‪ :‬إن النبي ‪ -‬صلى ه عليه وسلم ‪ -‬قدال‬
‫لبعضهم منكرا عليه‪ ،‬وقد كلفمه بكالم مسجو ‪" :‬أسجعا كسجع الكهان"‬

‫ولوال ف‬
‫أن السجع مكروه لما أنكره النبي ‪ -‬صلى ه عليه وسلم‬

‫وفيما يبدو أن النبي ‪ -‬صلى ه عليه وسلم‪ -‬لو كره السجع مطلقا لقدال‪ :‬أسدجعا ‪،‬‬
‫ثم سكت‪ ،‬وكدان المعندى يددل علدى إنكدار هدذا الفعدل علدى هدذا الوجده‪ ،‬فل فمدا قدال‪:‬‬
‫"أسجعا كسجع الكهان"‪ ،‬صار المعنى معلقا على أمر‪ ،‬وهو إنكار الفعل لدم كدان‬
‫على هذا الوجه‪.‬فعلم أنه إنما ذ ّم من السدجع مدا كدان مثدل سدجع الكهدان‪ ،‬ال غيدر‪،‬‬
‫وأنه لم يذ ّم السجع على اإلطالق‪ ،‬وقد ورد في القرآن الكريم"(‪. )3‬‬

‫وخالصددة الددرأي فددي هددذا أن نهددي الرسددول صددلى ه عليدده وسددلم‪ ،‬لددم يكددن‬
‫مطلقددا‪ ،‬بددل كددان مقيدددا بإنكدداره بالتشددبيه؛ فددالنهي كددان عددن سددجع الكهددان ولدديس‬
‫السجع عامة؛ ألن القرآن الكريم احتوي على السجع وفي سور كثيرة‪.‬‬

‫وانضددم ابددن أبددي اإلصددبع(‪640‬هددـ) للمددذهب الثدداني فددي كراهيتدده للسددجع‬


‫والزهد فيه بقوله ‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.64 :‬‬
‫(‪)2‬أخرجه البيهقي في الكبري (‪.)109 /8‬‬
‫(‪)3‬انظر‪ :‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (و‪)211‬‬

‫‪234‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫" وال تجعل كالمك مبنيا على السدجع كلده‪ ،‬فتظهدر عليده الكلفدة‪ ،‬ويبدين فيده‬
‫ألجددل السددجع ارتكدداب المعنددى السدداق ‪ ،‬واللفددظ النددازل‪،‬‬ ‫أثددر المشددقة‪ ،‬ويتكل د‬
‫وربما اشتد عيب كلمة المقطع رغبة في السجع‪ ،‬فجاءت نافرة من أخواتها‪ ،‬قلقدة‬
‫في مكانها‪ ،‬بل اصرف كل النظر إلى تجويدد األلفداظ‪ ،‬وصدحة المعداني‪ ،‬واجتهدد‬
‫فددي تقددويم المبدداني‪ ،‬فددإن جدداء الكددالم مسددجوعا عفددوا مددن غيددر قصددد‪ ،‬وتشددابهت‬
‫مقاطعه من غير كسب كان‪ ،‬وإن عز ذلك فاتركه وإن اختلفت أسجاعه‪ ،‬وتباينت‬
‫في التقفية مقاطعه‪ ،‬فقد كان المتقدمون ال يحلفون بالسدجع وال يقصددونه بتدة‪ ،‬إال‬
‫ما أتت به الفصاحة في أثناء الكالم‪ ،‬واتفق عن غير قصد وال اكتساب "(‪.)1‬‬

‫فجعدل ابددن أبدي اإلصددبع مدن السددجع تكلفدا ومشددقة بدل أن الكاتددب قدد يد تي بدداللفظ‬
‫الساق والكلمات الندافرة مدن أجدل تحقيقده وكمدا زعدم أن المتقددمين ال يقصددونه‬
‫وال ي تون به البتة‪ ،‬إال ما جاء من غير قصد ‪ ،‬وهذا كله يرجع إلدى كدراهيتهم لده‬
‫وانصرافهم عنه ‪.‬‬

‫ومتى استخدم السجع بمقدار جيد‪ ،‬وبشكل الئق حال منظره‪ ،‬وزهى ندوره‪،‬‬
‫ذلددك دخددل فددي السددجع المنهددي عندده‪ ،‬وصددار مددن سددجع الكهنددة‬ ‫ومتددى خددال‬
‫(‪)2‬‬
‫أو حكدى‬ ‫والمستعربين‪ ،‬وهذا ما أدركه أبوحيان التوحيد (ت نحو‪400‬هـ)‬
‫عنه وصفه للسجع‪ ،‬فقد ذهب فيه مذهب التوس بين المذهبين فقال ‪ " :‬أن يكدون‬
‫السجع في الكالم كالملح في الطعام‪ ،‬فإنه متى ظفدر منده بمقددار الرتبدة‪ ،‬وحسدب‬
‫الكفاية‪ ،‬حال منظره‪ ،‬وبهر بهاؤه‪ ،‬وسطع نوره‪ ،‬وانتشر ضياؤه‪ ،‬ومتى زاد على‬
‫المقددددار ضدددار كدددالم النسددد ة والكهندددة مدددن العدددرب‪ ،‬أو كدددالم المسدددتعربين مدددن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي األصبع (و‪.)415‬‬
‫(‪)2‬هو علي بن محمد بن العباس التوحيدي‪ ،‬أبو حيان‪ :‬فيلسوف‪ ،‬متصوف معتزلي‪ ،‬نعته ياقوت‬
‫بشيخ الصوفية وفيلسوف األدباء‪ .‬األعالم (‪)326 /4‬‬

‫‪235‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫العجم" ‪.‬‬

‫كمدددا تميدددز أبوحييييان التوحييييد (ت ‪400‬هيييـ) ب سدددلوب دقيدددق فدددي تشدددبيهه‬


‫للسجع‪ ،‬ووصفه الدقيق لعمله وأثره في الكالم‪ ،‬فجعل السجع كالملح في الطعدام‪،‬‬
‫والملح عنصر أساسي في الطعام‪ ،‬بل ويعطيه نكهة متميزة به‪ ،‬شريطة أن يكون‬
‫بمقدار معين‪ ،‬ومتدى زاد ذلدك المقددار أو نقدص ذهبدت نكهتده ‪ ،‬كدذلك الحدال فدي‬
‫السجع متى كان معتدال في الكالم أضدفى جمالده وزهدت ألوانده ومتدى زاد ذهدب‬
‫جل بهائه ‪ ،‬بل وصار من كالم الكهنة والنس ة ‪ ،‬لدذا كدان لزامدا أن يكدون السدجع‬
‫بمقدار معتدل في الكالم فيكون كالطراز في الثوب بمقدار يجملده ويكسدبه تميدزا‬
‫وكالخال في الوجه حدين ينفدرد فدي العددد يخدص الوجده بشدكل‪ ،‬ويظهدره بجمدال‬
‫منفرد ‪ ،‬وذكر أبوحيان صورا كثيرة في ذلك بقوله ‪ " :‬الذي يجب أن يعتمدد مدن‬
‫ذلك هو مقدار يجري مجري الطراز مدن الثدوب‪ ،‬والعلدم مدن المطدرف‪ ،‬والخدال‬
‫من الوجه‪ ،‬والعين من اإلنسان‪ ،‬والسواد من الحدقة‪ ،‬واإلشارة من الحركدة‪ ،‬وقدد‬
‫علمت أنده متدى كثدرت الخديالن فدي الوجده وغمرتده كدان تدرادف أجدزاء السدواد‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ذاهبا ببهجة تمام الحسن "‬

‫كمددا نهددى أبوحيددان عددن الولددو بالسددجع والكثددرة مندده‪ ،‬ونهددى كددذلك‪ ،‬عددن‬
‫هجرانه وتركه؛ حتى ال يفقد الكالم جاندب الحسدن منده؛ لدذا فاالعتددال منده خيدر‬
‫سددبيل إلي ده‪ .‬وهددذا مددا جدداء فددي كددالم أب دي حيددان ميكدددا علددى ذلددك " فددال تلهجددن‬
‫بالسدجع‪ ،‬فإندده بعيددد المددرام إذا طلددب الواقددع موقعدده والنددازل مكاندده‪ ،‬وال تهجرندده‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬البصائر والذخائر (‪ ،)68/ 2‬أبو حيان التوحيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬وارد القاضي‪-‬دار صادر‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1988 ،11‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه (‪.)68/ 2‬‬

‫‪236‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬كله فإنك تعدم شطر الحسن "‬

‫ومددن ذلددك يُدددرك أن "السددجع فددي األصددل حليددة وزينددة‪ ،‬وإنمددا يعدداب عنددد الغل د ّو‬
‫(‪)2‬‬
‫واإلغراق" ‪ ،‬وهذا عند القدماء‪.‬‬

‫أ فما المذهب األول ومن جوز استعمال السجع فقد أجاز أبيو هيالل العسيير‬
‫السجع‪ ،‬وجعله على وجوه‪ ،‬وع ّرف كال منها على حدة ‪:‬‬

‫فمن ا ‪ :‬أن يكون الجزآن متوازنين متعادلين‪ ،‬ال يزيدد أحددهما علدى اآلخدر‪،‬‬
‫مددع اتفدداق الفواصددل علددى حددرف بعيندده‪ .‬وهددو كقددول األعرابددي‪ " :‬سددنة جددردت‪،‬‬
‫وحال جهدت‪ ،‬وأيدد جمددت‪ ،‬فدرحم ه مدن رحدم‪ ،‬فد قرض مدن ال يظلدم "‪ ،‬فهدذه‬
‫األجزاء متساوية ال زيادة فيها وال نقصان‪ ،‬والفواصل على حرف واحد ‪.‬‬

‫وهذا الوجه ظهر فيه التوازي والتعادل واضحا ألن األلفاظ المسدجوعة مدن‬
‫جنس واحد‪ ،‬واتفقت على حرف بعينه الدال والتاء ‪.‬‬

‫ومن ا ‪ :‬أن ي كون ألفاظ الجزأين المزدوجين مسجوعة‪ ،‬فيكون الكالم سدجعا‬
‫فى سجع‪ ،‬وهو مثل قول البصير‪ " :‬حتدى عداد تعريضدك تصدريحا‪ ،‬وتمريضدك‬
‫تصحيحا "‬

‫فالتعريض والتمريض سجع‪ ،‬والتصريح والتصحيح سجع آخر‪ ،‬فهدو سدجع‬


‫فى سجع؛ وهذا الجنس إذا سلم من االستكراه فهو أحسن وجوه السجع‪.‬‬

‫أبدوهالل العسدكري(ت‪395‬هدـ) هدذين الدوجهين مدن أعلدى مراتدب‬ ‫ووص‬


‫االزدواج والسجع‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه (‪.) 68/2‬‬
‫(‪ )2‬زهر اآلداب وثمر األلباب‪ ،‬للقيرواني(‪.)14/1‬‬

‫‪237‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ثم يكر ما دون ما وهو‪ :‬أن تكون األجدزاء متعادلدة‪ ،‬وتكدون الفواصدل علدى‬
‫أحددرف متقاربددة المخددارج إذا لددم يمكددن أن تكددون مددن جددنس واحددد‪ ،‬كقددول بعددض‬
‫الكتّاب‪:‬‬

‫سدبب؛ فكيد‬ ‫" إذا كنت ال تيتى من نقص كرم‪ ،‬وكنت ال أوتى من ضدع‬
‫أخاف مندك خيبدة أمدل‪ ،‬أو عددوال عدن اغتفدار زلدل‪ ،‬أو فتدورا عدن لد ّم شدعث‪ ،‬أو‬
‫سبب)‬ ‫قصورا عن إصال خلل‪ .‬فهذا الكالم جيّد التوازن‪ ،‬ولو كان بدل (ضع‬
‫(‪)1‬‬
‫كلمة آخرها ميم؛ ليكون مضاهيا لقوله‪ " :‬نقص كرم " لكان أجود" ‪.‬‬

‫والسجع من األلوان الجميلة في المحسنات البديعية فهو يكسدو الكدالم لطافدة‬


‫وحسنا فيبدو بثوب قشيب ينال به إعجاب من سمعه ‪.‬‬

‫وقسم اب األثير السجع من حيث الطول والقصر على ضربين ‪:‬‬

‫أحدهما‪ :‬يُ َس فمى "السجع القصير"‪ ،‬وهو أن تكون كدل واحددة مدن السدجعتين‬
‫ميلففة من ألفاظ قليلة‪ ،‬وكلما قلت األلفاظ كان أحسن؛ لقرب الفواصل المسدجوعة‬
‫من سمع السامع‪ .‬وهذا الضدرب أوعدر السدجع مدذهبا‪ ،‬وأبعدده متنداوال‪ ،‬وال يكداد‬
‫استعماله يقع ّإال نادرا‪.‬‬

‫وأحسددنه مددا كددان ميلفددا مددن لفظتددين لفظتددين‪ ،‬كقولدده تعددالى‪َ  :‬و ْال ُمرْ َسد َدالت‬
‫(‪)2‬‬
‫عُرْ فا‪ ،‬فَ ْال َعاصفَات َعصْ فا‪. ‬‬

‫ك فَطَهِّرْ ‪َ ،‬والرجْ َز‬ ‫وقوله تعالى‪ :‬يَاأَيهَا ْال ُم فدثِّرُ‪ ،‬قُ ْم فَ َ ْنذرْ ‪َ ،‬و َربف َ‬
‫ك فَ َكبِّرْ ‪َ ،‬وثيَابَ َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظركتاب الصناعتين ‪ ،‬ألبي هالل العسكري(و‪.)263‬‬
‫(‪ )2‬سورة المرسالت ‪.2-1‬‬

‫‪238‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫فَا ْهجُرْ ‪‬‬

‫والضييرة اآلخيير‪ :‬يس د فمى "السددجع الطويددل"‪ ،‬وهددو ضددد األول‪ ،‬ألندده أسددهل‬
‫متناوال‪.‬‬

‫وإنما القصدير مدن السدجع أوعدر مسدلكا مدن الطويدل؛ ف‬


‫ألن المعندى إذا صدي‬
‫ب لفاظ قصيرة‪ ،‬والسجع الطويل درجاته تتفاوت في الطول‪:‬‬

‫" فمنه ما يقرب من السجع القصير‪ ،‬وهو أن يكون ت ليفه مدن إحددي عشدرة‬
‫لفظة‪ ،‬وأكثره خمس عشرة لفظة‪ ،‬كقوله تعالى‪َ  :‬ولَدئ ْن أَ َذ ْقنَدا اإل ْن َس َ‬
‫دان منفدا َرحْ َمدة‬
‫ثُ فم نَ َز ْعنَاهَدا م ْندهُ إنفدهُ لَيَئُدوس َكفُدور‪َ ،‬ولَدئ ْن أَ َذ ْقنَداهُ نَ ْع َمدا َء بَعْد َد َ‬
‫ضدرفا َء َمسفد ْتهُ لَيَقُدولَ فن‬
‫(‪)2‬‬
‫َات َعنِّي إنفدهُ لَفَدر فَ ُخدور‪ ‬فداألولى إحددي عشدرة لفظدة‪ ،‬والثانيدة‬ ‫سيِّئ ُ‬
‫ب ال ف‬ ‫َذهَ َ‬
‫(‪)3‬‬
‫ثالث عشرة لفظة "‬

‫وأيّدد ش ي اة الييدي النددويري(‪733‬هددـ) السددجع‪ ،‬وقسددمه وفقددا ألنواعدده علددى‬


‫أربعة أنوا وهي ‪:‬‬

‫الترصيع والمتوازي والمط ّرف والمتوازن‪ ،‬وع ّرف كل واحد منهم‪.‬‬

‫أما الترصيع ‪:‬‬

‫‪ -‬فهو أن تكون األلفاظ مستوية األوزان متّفقة األعجاز‪ ،‬كقوله تعدالى‪  :‬إ فن‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سورة المدثر‪.5-1 ،‬‬
‫(‪ )2‬سورة هود‪ ،‬آية‪.10-9 :‬‬
‫(‪ )3‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير ( و‪.)258‬‬

‫‪239‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫إلَيْنا إيابَهُ ْم ثُ فم إ فن َعلَيْنا حسابَهُ ْم ‪‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ -‬وقوله تعالى‪  :‬إ فن ْاألَبْرا َر لَفي نَع عيم‪َ ،‬وإ فن ْالفُجفا َر لَفي َجح عيم ‪‬‬
‫(‪)3‬‬
‫وقول النبي صلّى ه عليه وسلم‪« :‬اللهم اقبل توبتي‪ ،‬واغسل حوبتي»‬

‫أما المتواز ‪:‬‬

‫‪ -‬فهددو أن يراعددى فددى الكلمتددين األخيددرتين مددن القددرينتين الددوزن مددع اتفدداق‬
‫سدددرُر َمرْ فُو َعدددة َوأَ ْكدددواب‬
‫الحدددرف األخيدددر منهمدددا‪ ،‬كقولددده عددد ّز وجدددلّ‪  :‬فيهدددا ُ‬
‫(‪)4‬‬
‫َم ْوضُو َعة ‪.‬‬

‫وقول الحريريّ‪ " :‬ألج نى حكم دهر قاس ‪ ،‬إلى أن أنتجع أرض واس "‬

‫وأما المطرف ‪:‬‬

‫‪ -‬هددو اخددتالف عدددد الحددروف فددي كلمتددي الفاصددلتين‪ ،‬و يراعددى الحددرف‬
‫األخيدر فدى كلمتدي قرينتيده مدن غيدر مراعداة الدوزن‪ ،‬كقولده تعدالى‪  :‬مدا لَ ُكد ْم ال‬
‫(‪)5‬‬ ‫ُون فا َوقارا َوقَ ْد َخلَقَ ُك ْم أَ ْ‬
‫طوارا ‪‬‬ ‫تَرْ ج َ‬

‫وقولهم‪ " :‬جنابه مح ّ الرحال‪ ،‬ومخيّم اآلمال" ‪.‬‬

‫وأما المتوازن ‪:‬‬


‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سورة الغاشية آية‪.26:‬‬
‫(‪ )2‬سورة االنفطار‪14-13 :‬‬
‫ص َالة‪َ ،‬باب َما َيقُو ُل ال فر ُج ُل إ َذا َسلف َم(‪)1291‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبوداود في سننه (‪ )307 /4‬كتَاب ال ف‬
‫والحديث صحيح ‪.‬انظر‪ :‬صحيح سنن أبي داود (‪ )10 /4‬لأللباني‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة الغاشية آية‪.14-13:‬‬
‫(‪ )5‬سورة نو ‪ ،‬آية‪.14-13:‬‬

‫‪240‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬فهو أن يراعى فى الكلمتين األخيدرتين مدن القدرينتين الدوزن مدع اخدتالف‬


‫(‪)1‬‬
‫ق َمصْ فُوفَة َو َزرابي َم ْبثُوثَة ‪. ‬‬
‫الحرف األخير منهما‪ ،‬كقوله تعالى‪َ  :‬ونَمار ُ‬

‫وقددولهم‪ " :‬اصددبر علددى حدد ّر القتددال‪ ،‬ومضددض النّددزال ‪ ،‬وشدد ّدة المصددا ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪.‬‬ ‫ومداومة المراس "‬

‫ووافق العلوي شهاب الدين النويري قدي تقسديمه للسدجع وفقدا لنوعده‪ ،‬وأيّدده‬
‫في األنوا الثالثة األولى‪ ،‬وهي ‪ :‬المتوازي والمطرف والمتوازن ‪.‬‬

‫ووافدددق كدددذلك العلدددوي ابدددن األثيدددر فدددي تقسددديمه للسدددجع مدددن حيدددث الطدددول‬
‫والقصر‪ ،‬وزاد عليه العلوي في تقسيمه للفقرات على ثالثة أضرب ‪:‬‬

‫الضييرة األول‪ -‬مددا تكددون فيدده الفقرتددان متسدداويتين ال تزيددد إحددداهما علددى‬
‫األخري ‪.‬‬

‫وما هذا حاله فهو أعدل األسجا قواما‪ ،‬وأجودها اتسداقا وانتظامدا وأعالهدا‬
‫مكانا‪ ،‬وأوضحها بيانا‪ ،‬وأمثاله فى القرآن كثير‪ ،‬كقولده تعدالى‪  :‬فَ َ فمدا ْاليَتدي َم فَدال‬
‫(‪)3‬‬
‫تَ ْقهَرْ ‪َ ،‬وأَ فما السفائ َل فَال تَ ْنهَرْ ‪‬‬

‫الضرة الثاني‪ -‬أن تكون الفقرة الثانية أطول من األولى بغاية قريبة ‪.‬‬

‫فإن طالت فهو غير محمود‪ ،‬وهذا كقوله تعالى‪ :‬بَلْ َك فذبُوا بالسفا َعة َوأَ ْعتَ ْدنا‬
‫ب السفدا َعة َسدعيرا‪ ،‬إذا َرأَ ْتهُد ْم مد ْن َمكدا عن بَعيد عد َسدمعُوا لَهدا تَغَيظدا َو َزفيدرا‪،‬‬
‫ل َم ْن َك فذ َ‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سورة الغاشية آية‪.16-15:‬‬
‫(‪ )2‬نهاية األرب في فنون األدب ‪ ،‬للعلوي(‪.)104/ 7‬‬
‫(‪)3‬سورة الضحى‪.10-9 /‬‬

‫‪241‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ك ثُبُورا ‪. )1( ‬‬ ‫َوإذا أُ ْلقُوا م ْنها َمكانا َ‬


‫ضيِّقا ُمقَرفن َ‬
‫ين َد َع ْوا هُنال َ‬

‫فالفقرة األولى عدتها ثماني كلمات‪ ،‬والفقرة الثانية والثالثة كل واحدة منهمدا‬
‫تسع كلمات ‪.‬‬

‫الضرة الثالث‪ -‬أن تكون الفقرة الثانية أقصر من األولى ‪.‬‬

‫وهذا عكس ماذكر في الضرب الثاني ‪ ،‬وهو فدن فندون السدجع المعيدب عندد‬
‫أهدددل هدددذه الصدددناعة ‪،‬فالضدددرب األول هدددو أعددددلها‪ ،‬والضدددرب الثالدددث أبعددددها‪،‬‬
‫والضرب الثانى أوسطها فى التعديل‪ ،‬وال يكاد يوجد الضرب الثالث فى القرآن‪،‬‬
‫وإنما الكثير فيه هما الضربان اآلخران؛ لمدا فيهمدا مدن العيدب الدذي ذكدر سدابقا‪،‬‬
‫وكتاب ه تعالى منزه عنه(‪.)2‬‬
‫وقسم ابن حجة الحموي السجع كغيره وفق نوعه على أربعة أقسام؛ وافق اثنين‬
‫منهما شهاب الدين النويري والعلوي‪ ،‬وهي ‪ :‬المطرف والمتوازي ‪ ،‬وخالفهما‬
‫في المشطر والمرصع ‪.‬‬
‫وعرف المشطر‪ :‬ب ن يكون لكل نص من البيت قافيتان مغايرتان لقافيتي‬
‫النص األخير‪ ،‬وهذا القسم مختص بالنظم‪ ،‬كقول أبي تمام‪:‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫تَ ْدبي ُر ُم ْعتَص عم ب ف‬
‫ب في ه ُمرتغب‬ ‫اا ُم ْنتَقم‪...‬ا مرتق ع‬
‫والمرصييع ‪ :‬عبددارة عددن مقابلددة كددل لفظددة مددن صدددر البيددت‪ ،‬أو فقددرة النثددر‪،‬‬
‫بلفظة على وزنهدا ورويهدا‪ ،‬وهدو مد خوذ مدن مقابلدة ترصديع العقدد‪ ،‬ومدن أمثلتده‬
‫قوله تعالى‪ :‬إ فن ْاألَ ْب َرا َر لَفي نَع عيم‪َ ،‬وإ فن ْالفُجفا َر لَفي َجح عيم‪.)4( ‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سورة الفرقان‪.13-11 /‬‬
‫(‪)2‬انظر الطراز ألسرار البالغة‪ ،‬للعلوي (‪.)16/ 3‬‬
‫(‪)3‬ديوان أبي تمام (و ‪.)20‬‬
‫(‪)4‬سورة االنفطار ‪ ، 14-13‬خزانة األدب وغاية األرب (و‪.)411‬‬

‫‪242‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫أما المطرف والمتوازي فقد سبق تناولهما عند شهاب الدين النويري ‪.‬‬

‫ولم يشر ابن حجة(ت‪837‬هـ) إلى التقسيم اآلخر من حيث الطول والقصدر‬
‫علددى أنده تقسدديم‪ ،‬بددل ذكددره فددي كتابدده منوهددا بددرأي علمدداء فددن السددجع فددي قصددر‬
‫الفقرات واختالفها فلم ينهج بذلك سبل من سبقه فدي تقسديمهم أمثدال ابدن األثيدر ‪،‬‬
‫فقال يددل قصدر الفقدرات علدى قدوة المنشدئ‪ ،‬وأقدل مدا يكدون مدن كلمتدين‪ ،‬كقولده‬
‫طهِّرْ ‪.)1( ‬‬
‫ك فَ َ‬ ‫تعالى‪ :‬يَا أَيهَا ْال ُم فدثِّرُ‪ ،‬قُ ْم فَ َ ْنذرْ ‪َ ،‬و َربف َ‬
‫ك فَ َكبِّرْ ‪َ ،‬وثيَابَ َ‬

‫وأمثددال ذلددك كثيددرة فددي القددرآن العزيددز‪ ،‬لكددن الزائددد علددى ذلددك هددو األكثددر‪،‬‬
‫وكان بديع الزمان يكثر ‪.‬‬

‫واستشددهد بقددول بييديع الألمييان " كميددت نهددد ‪ ،‬كانددت راكبددة فددي مهددد ‪ ،‬يلطددم‬
‫األرض بزبر ‪ ،‬وينزل من السماء بخبر"‪ ،‬ثم علق ب ن علمداء فدن السدجع قدالوا‪:‬‬
‫الت دذاذ السددامع بمددا زاد علددى ذلددك أكثددر؛ لتشددوقه إلددى مددا ورد مندده متزايدددا علددى‬
‫سمعه‪.‬‬

‫أما بالنسبة للفقر المختلفة‪ ،‬فاألحسن أن تكدون الثانيدة أزيدد مدن األولدى بقددر‬
‫غير كثير‪ ،‬لئال يبعد على السامع وجود القافيدة فتدذهب اللدذة‪ ،‬وإن زادت القدرائن‬
‫على اثنتين‪ ،‬فال يضر تساوي القرينتين األوليين‪ ،‬وإن زادت الثانية علدى األولدى‬
‫يسدديرا‪ ،‬والثالثددة علددى الثانيددة‪ ،‬فددال ب د س‪ ،‬وال يكددون أكثددر مددن المثددل‪ .‬وال بددد مددن‬
‫الزيادة في آخر القرائن‪.‬‬

‫مثالدده فددي القددرينتين‪َ  :‬وقَددالُوا اتف َخد َذ الدرفحْ َم ُن َولَدددا‪ ،‬لَقَد ْد ج ْئدتُ ْم َشديْئا إ ّدا‪ ،‬تَ َكددا ُد‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سورة المدثر‪.4-1/‬‬

‫‪243‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ات يَتَفَطفرْ َن م ْنهُ َوتَ ْن َشق ْاألَرْ ضُ َوتَخر ْالجبَا ُل هَ ّدا‪.)1( ‬‬
‫س َم َو ُ‬
‫ال ف‬

‫فالثانيددة أطددول مددن األولددى ‪ ،‬ومثالدده فددي الثالثددة قولدده تعددالى ‪َ ‬وأَ ْعتَد ْدنَا ل َمد ْدن‬
‫ب بالسفا َعة َسعيرا‪ ،‬إ َذا َرأَ ْتهُد ْم م ْدن َم َكدا عن بَعيد عد َسدمعُوا لَهَدا تَغَيظدا َو َزفيدرا‪َ ،‬وإ َذا‬ ‫َك فذ َ‬
‫ك ثُبُورا‪. )2( ‬‬‫ين َد َع ْوا هُنَال َ‬ ‫أُ ْلقُوا م ْنهَا َم َكانا َ‬
‫ضيِّقا ُمقَرفن َ‬

‫ثم ختم ابن حجدة كالمده بدذكر فائددة اإلنشداء التدي يطدول بهدا بدا المنشدئ ‪،‬‬
‫وهي أن السجع مبني على الوق ‪ ،‬وكلمدات األسدجا موضدوعة علدى أن تكدون‬
‫سدداكنة األعجدداز ‪ ،‬موقوفددا عليهددا ؛ ألن مددن المفتددرض أن يعمددل المنشددئ علددى‬
‫‪ ،‬ولددو أعربنددا الكلمددات‬ ‫مجانسددة القددرائن ويددزاوج‪ ،‬وهددذا ال يحصددل إال بددالوق‬
‫لذهب القصد والغرض مثل قول ‪ :‬ما أبعد ما فداتَ ‪ ،‬ومدا أقدرب مدا هدو آ ع‬
‫ت‪ ،‬للدزم‬
‫أن تكون التاء األولى مفتوحة‪ ،‬والثانية مكسورة منونة فيذهب االتفاق ‪.‬‬

‫وتُدذيّل التقسدديمات بالتنويدده عددن تقسدديم العالّمددة النددواجي(ت‪859‬هددـ) للسددجع‬


‫وفددق نوعدده علددى قسددمين ‪ :‬المطددرف والمددواز ‪ ،‬وافددق فيهمددا ابددن حجددة والعلددوي‬
‫(‪)3‬‬
‫‪.‬‬ ‫والنويري ‪ ،‬وقد سبق تناولهما عند النويري‬

‫ويميل النواجي إلى رأي ابن حجة في الحديث عن قصر الفقرات واختالفها‬
‫فددي السددجع‪ ،‬وسددارعلى نهجدده فددي الحددديث عنهددا‪ ،‬واكتفددى بهددا‪ ،‬ولددم يددزد عليهددا؛‬
‫لموافقته وت ييده لها ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سورة مريم‪ ،‬آية‪90-89-88 :‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (‪ .)412/2‬اآلية من سورة الفرقان ‪.13-11‬‬
‫(‪ )3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)73‬‬

‫‪244‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وكذلك ذكر من فوائد اإلنشاء‪ ،‬والتي يطول بها با المنشئ والتي نوه عنها‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫ابن حجة من قبل فوافقه فيها‬

‫واسددتدل النددواجي بقددول الصيياحب ب ي عبيياد(ت‪385‬هييـ) (‪)2‬فددي جوابدده عددن‬


‫علدى السدمع "‬ ‫أحسن السجع؛ حيث قيل له ‪ :‬مدا أحسدن السدجع فقدال ‪ " :‬مدا خد‬
‫على السمع " (‪.)3‬‬ ‫قيل ‪ :‬مثل ماذا قال ‪ :‬مثل هذا‪ ،‬أي‪ :‬مثل قولي لكم‪ :‬ما خ‬

‫وكد ن النددواجي يبددرز بعضددا مددن صدفات السددجع مددن سددهولة فددي العبددارات‪،‬‬
‫وقصددر فددي األلفدداظ‪ ،‬وحددالوة فددي المعدداني ‪ ،‬فجددواب الصدداحب كددان مختصددرا‬
‫ومحققا للقصد ‪.‬‬

‫وأشددار النددواجي فددي كتابدده إلددى قددول أبييي عنييي الفارسييي(‪ " : )4‬اعلددم أن‬
‫الدالئل إذا دلت على شيء ‪ ،‬فال يضرك أن ال يكون له نظير " ‪،‬فقدال تلميدذه أبدو‬
‫الفتح ابن جني(‪ " : )5‬يا سيدي ألهذا نظير قال ‪ " :‬قد قلت لدك ال يضدرك أن ال‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪)2‬هوإسماعيل بن عباد بن العباس‪ ،‬أبو القاسم الطالقاني‪ :‬وزير غلب عليه األدب‪ ،‬فكان من نوادر‬
‫الدهر علما وفضال وتدبيرا وجودة رأي‪ .‬وفيات األعيان (‪.)228 /1‬‬
‫(‪)3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)75‬‬
‫(‪)4‬هو يحيى بن خالد بن برمك الوزير الكبير‪ ،‬أبو علي الفارسي‪ ،‬من رجال الدهر حزما ورأيا‪،‬‬
‫وسياسة وعقال‪ ،‬وحذقا بالتصرف‪ ،‬ضمه المهدي إلى ابنه الرشيد؛ ليربِّيه ويثقِّفه‪ ،‬ويعرِّ فه‬
‫ونوه باسمه‪ ،‬وصيّر أوالده ملوكا‪ ،‬وبال في تعظيمهم إلى‬
‫رفع قدره‪ّ ،‬‬ ‫األمور‪ ،‬فلما استخل‬
‫الغاية مدة‪ ،‬مات سنة تسعين ومائة في سجن الرقة‪.‬سير أعالم النبالء (‪.)91-89/9‬‬
‫أبو الفتح بن جني من أئمة األدب‬ ‫(‪)5‬هوعثمان بن جني الموصلي النحوي صاحب التصا ني‬
‫والنحو‪ ،‬وله شعر‪.‬ولد بالموصل وتوفي ببغداد‪،‬تاريخ بغداد (‪)312 ،311 / 11‬‬

‫‪245‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫يكون له نظير" (‪.)1‬‬

‫وذكددر أمثلددة عدددة علددى السددجع مددن ذلددك ‪ :‬مددا كتبدده عبددد الحميددد عنددد ظهددور‬
‫جيوش الخراسانية بشعار السواد ‪:‬‬

‫" فاثبتوا ريثما تتجلى هذه الغمرة ‪ ،‬وتصدحو هدذه السدكرة ‪ ،‬فينصدب السديل‬
‫وتمحى آية الليل "(‪.)2‬‬

‫أحشدائهم ‪ ،‬وسدري‬ ‫ومنه قول أبي نصر العتبي ‪ " :‬دب الفشل فدي تضداع‬
‫الوهل في تفارق أعضائهم ‪ ،‬فجيوب األقطدار عدنهم مدزرورة ‪ ،‬وذيدول الخدذالن‬
‫عليهم مجرورة‪ ،‬ومنه قول بديع الزمان‪ " :‬كتابي إلدى البحدر ‪ ،‬وإن لدم أره ‪ ،‬فقدد‬
‫سمعت خبره ‪ ،‬والليث إن لدم ألقده ‪ ،‬فقدد تصدورت خلقده ‪ ،‬ومدن رأي مدن السدي‬
‫أثره ‪ ،‬فقد رأي أكثره "‬

‫ومن قول الفاضل ‪ " :‬وافينا قلعة نجدم‪ ،‬وهدي نجدم فدي سدحاب‪ ،‬وعقداب فدي‬
‫عقاب ‪ ،‬وهامة ل ها الغمامة عمامة ‪ ،‬وأنملة إذا خضدبها األصديل كدان الهدالل لهدا‬
‫قالمة‪" .‬‬

‫مقدم سرية كش ؛ حيث قال ‪ " :‬الزال في‬ ‫وأجاد الشاب محمود في وص‬
‫‪ ،‬وفي تنقلده‬ ‫من زروة طي‬ ‫‪ ،‬وفي مطالبه أخ‬ ‫من وط ة ضي‬ ‫مقاصده أخ‬
‫‪ " .‬ومثله في الحسن قولده‬ ‫‪ ،‬وأرو للعدا من سلة سي‬ ‫أسر من سحابة صي‬
‫سدلطاني‪ " :‬أصددرناه والسديوف قدد أنفدت مدن الغمدود ‪،‬‬ ‫في صدور مثال شدري‬
‫ونفددرت مددن قربهددا ‪ ،‬واألسددنة قددد ظمئددت إلددى مددوارد القلددوب ‪ ،‬وتشددوقت إلددى‬
‫االرتواء من قبلها ‪ .‬والكماة ما منهم إال من استظهر بإمكان قوته ‪ ،‬وقوة إمكانه ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي(‪.)413/2‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫واألبطال ليس فيهم من يس ل عن عدوه ‪ ،‬بل عن مكانه "‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬خزانة األدب ‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)414/2‬‬

‫‪247‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬قضية البالغة والفصاحة‪.‬‬


‫إن قضية (البالغة والفصاحة) هي ثاني قضدايا النثدر التدي تناولهدا الندواجي‬
‫في كتابه مقدمة في صناعة النظم والنثر‪.‬‬

‫بل العرب من البالغة والفصاحة مالم يبلغه أحد قدبلهم ‪ ،‬وقدد ُذكدر ذلدك فدي‬
‫القرآن الكريم في قوله تعالى ‪  :‬الرمحن‪ ،‬علّم القرآن‪ ،‬خلق اإلنسان‪ ،‬علّمه البيان‪.)1(‬‬

‫وكانددت معجددزة نبددي األمددة محمددد ‪-‬صددلى ه عليدده وسددلم‪ -‬فددي الفصدداحة‬
‫والبالغة وهي القرآن الكريم‪ ،‬ومدا جعدل ه تلدك المعجدزة بدين العدرب إال لعلمده‬
‫بفصاحتهم وقدرتهم على صياغة الكالم وحوكه وبالغتهم في التعبير بها ‪.‬‬
‫وهددذا مددا قددد عددرف عددن العدددرب منددذ العصددرالجاهلي؛ فقددد كددانوا يتبدددارون‬
‫هُ َع ْنهُ َمدا‪ ،‬أَنفدهُ قَدد َم‬
‫ه بْدن ُع َمد َر َرضد َي ف‬ ‫باألشعار واألمثال واألقوال ‪ ،‬ف َع ْن َعبْدد ف‬
‫هُ‬ ‫صددلفى ف‬ ‫ه‪َ ،‬‬ ‫دب النفداسُ لبَيَانه َمدا‪ ،‬فَقَدا َل َرسُدو ُل ف‬
‫ُدالن م ْدن ْال َم ْشدرق فَ َخطَبَدا فَ َعجد َ‬
‫َرج َ‬
‫ْض ْالبَيَان لَسحْ ر)) (‪. )2‬‬ ‫َعلَيْه َو َسلف َم‪(( :‬إ فن م ْن ْالبَيَان لَسحْ را‪ ،‬أَ ْو إ فن بَع َ‬

‫ومعنى الحديث ‪ (:‬إ فن م َن البَيَان لَسدحْ را)؛ أي إن بعدض البيدان (سدحْ ر)؛ ألن‬
‫عن حقيقته بحسن بيانه فيسدتميل القلدوب‬ ‫صاحبه يوضح الشيء المشكل ويكش‬
‫كمددا تسددتمال (بال ِّسددحْ ر)‪ ،‬وقددال بعضددهم لمددا كددان فددي البيددان مددن إبدددا التركيددب‬
‫ما يجذب السدامع ويخرجده إلدى حد ّد يكداد يشدغله عدن غيدره شدبه‬ ‫وغرابة الت لي‬
‫(بالسِّحْ ر) الحقيقي‪ ،‬وقيل هو ( السِّحْ ُر ) الحالل(‪.)3‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سورة الرحمن‪ ،‬آية‪.4 :‬‬
‫(‪)2‬أخرجه البخاري في صحيحه (‪ )61 /18‬كتَاب الطِّبِّ ‪ ،‬بَاب إ فن م ْن ْالبَيَان سحْ را( حديث‬
‫رقم(‪ )5325‬وانظر‪ :‬البيان (‪ ) 349/1‬خصائص التراكيب (و‪.)10‬‬
‫(‪)3‬المصبا المنير في غريب الشر الكبير (‪.)268 /1‬‬

‫‪248‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫"ومددا تُدرك مددن آثددار للعددرب حمددل بددين طياتدده مددا يدددل علددى بالغددة قددولهم‪،‬‬
‫وفصاحة وذالقة منطقهم ‪ ،‬ومدا كدان ذلدك إال لشدديد عنايدة مدنهم حتدى أن الواحدد‬
‫منهم كان يد القصيدة تمكث عندده حدوال كدامال كريتدا وزمندا طدويال يدردد فيهدا‬
‫نظره ‪.)1( "..‬‬

‫فهذا ما ورثه العرب ألبناء العربية من فصاحة وبالغدة فدي اللغدة ‪ ،‬وعنايدة‬
‫فددي اختيددار األلفدداظ والمعدداني والصددور‪ ،‬وازداد األمددر بظهددور صدداحب البيددان‬
‫الرسددول الكددريم‪ ،‬والددذي قددال فيدده الجدداحظ(‪255‬هددـ)‪ ":‬لددم ينطددق إال عددن ميددراث‬
‫بالعصمة "(‪. )2‬‬ ‫حكمة ‪ ،‬ولم يتكلم إال بكالم قد ح‬

‫ال وقددد كددان صددلى ه عليدده وسددلم‪ ،‬يُعنددى أشددد العنايددة بتخيددر لفظدده‪.‬‬ ‫كي د‬
‫ودرجت البالغة والفصاحة أدراج العصور األدبية ‪ ،‬وبدأت قوية وفصيحة بقدوة‬
‫فصدداحة أهلهددا وبالغددتهم إلددى أن تددداخلت بددين العصددور األدبيددة‪ ،‬عناصددر غيددر‬
‫عربية نتجت عن تحضر العرب البددو واسدتقرارهم فدي المددن واألمصدار فكدان‬
‫اللحن في اللغة واأللفاظ الغريبة‪ ،‬بل والنافرة فدي اللغدة العربيدة ‪ .‬وتقسدمت اللغدة‬
‫وتفرعت بعدد أن كاندت أمدرا واحددا وعلمدا واضدحا ينشدده كدل طالدب علدم أحدب‬
‫العربيددة‪ ،‬وسددعى فددي تعلمهددا‪ ،‬ف صددبحت اللغددة العربيددة تنقسددم إلددى فنددون الشددعر‬
‫والنثر والبالغدة والفصداحة وغيرهدا مدن العلدوم األخدري‪ .‬وهدا هدو علدم البالغدة‬
‫يلمع في سماء العربية فتشرف به وبصاحبه ‪ ،‬وتعددت البالغة في تعاريفهدا فدي‬
‫العربية لكنها تصل في النهاية إلى معنى واحد ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬البيان والتبيين (‪. )17/2‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وجاء في لسان العرة‪:‬‬

‫"والبَال ُ‪ :‬ما يُتَبَلف ُ به ويُتَ َوصفد ُل إلدى الشديء المطلدوب ‪ ،‬والدبَال ُ مدا بَلَغَد َ‬
‫ك‪.‬‬
‫والبَال ُ الكفايةُ؛ ومنه قول الراجز‪ :‬تَ َز فج م ْن ُد ْنيا َ‬
‫ك بالبَال ‪.‬‬

‫والبَال ُ اإل ْبال ُ‪ .‬وأَمر بال ‪ :‬جيد‪.‬‬

‫والبَالغةُ الفَصاحةُ‪ ،‬والفصاحة عند ابن سدنان الخفداجي " عبدارة عدن حسدن‬
‫(‪)1‬‬
‫في الموضو المختار"‬ ‫الت لي‬

‫والبَ ْل ُ والب ْل ُ‪ :‬البَلي ُ من الرجال‪.‬‬

‫ورجل بَلي وب ْل ‪ :‬ح َس ُن الكالم فَصيحُه يبلد بعبدارة لسدانه ُك ْندهَ مدا فدي قلبده‪،‬‬
‫والجم ُع بُلَغا ُء‪ ،‬وقد بَلُ َ‪ ،‬بالضم‪ ،‬بَالغة؛ أَي صار بَليغا‪.‬‬

‫وقول بَلي ‪ :‬بال وقد بَلُ َ‪. )2(" .‬‬

‫عن البقية " (‪.)3‬‬ ‫وقال الخليل بن أحمد (ت‪170‬هـ)‪ " :‬البالغة كلمة تكش‬

‫وقد أوجز الخليل بن أحمد في تعريفه الذي بيّن فيه أن البالغة قد تكدون فدي‬
‫كلمة تفسر وتوضح المعنى والمقصد ‪.‬‬

‫كما ع ّرفها بقوله‪ " :‬البالغة ما قرب طرفاه‪ ،‬وبعد منتهاه" (‪. )4‬‬

‫وقصد من هذا االختصار في األلفاظ معاني كثيرة‪.‬‬


‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬سر الفصاحة البن سنان (و ‪)95‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب ‪ ،‬مادة [بل ]‪.‬‬
‫(‪ )3‬العمدة‪ ،‬البن رشيق(و‪.)242‬‬
‫(‪ )4‬المصدر نفسه (و‪.)79‬‬

‫‪250‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وقال المفضل الضبي(ت‪168‬هـ)(‪ " :)1‬قلدت ألعرابدي‪ :‬مدا البالغدة عنددكم‬


‫فقال‪ :‬اإليجاز من غير عجز‪ ،‬واإلطناب من غير خطل(‪.)2‬‬

‫فقصدددد العدددرب اإليجددداز واالختصدددار فدددي الكدددالم بددددون نقدددص أو عجدددز‪،‬‬


‫والزيادة بدون فساد للفظ ومعناه ‪.‬‬

‫وعددد ّرف خنيييف األحمييير(ت‪180‬هيييـ)(‪ )3‬البالغدددة بقولددده‪" :‬البالغدددة لمحدددة‬


‫دالة"(‪.)4‬‬

‫اإليجداز واالختصددار؛ ليبددين‬ ‫الخليددل أحمدد؛ حيددث أراد خلد‬ ‫فشدابه تعريد‬
‫معندى البالغدة فاختدار مدن األلفداظ أخصددرها وأدقهدا فجعدل البالغدة عندده إشددارة‬
‫سريعة‪.‬‬

‫وسئل بعض البلغاء‪" :‬ما البالغة فقال ‪ :‬قليل يفهم‪ ،‬وكثير ال يس م"(‪.)5‬‬

‫ويتكرر معنى البالغة عند الخليل بن أحمد حين قال ‪ :‬ماقرب طرفداه ‪ ..‬فدي‬
‫هذا التعري ‪.‬‬

‫وسئل آخر فقال‪" :‬معان كثيرة‪ ،‬في ألفاظ قليلة " (‪. )6‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬هو المفضل بن محمد بن يعلي بن عامر الضبي‪ ،‬أبو العباس‪ :‬راوية‪ ،‬عالمة بالشعر واألدب‬
‫وأيا م العرب‪.‬من أهل الكوفة‪ .‬أوثق من روي الشعر من الكوفيين‪ .‬تاريخ بغداد (‪.)121 /13‬‬
‫(‪)2‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (‪.)79‬‬
‫بن حيان‪ ،‬أبو محرز‪ ،‬المعرو ف باألحمر‪ :‬راوية‪ ،‬عالم باألدب‪ ،‬شاعر‪ ،‬من أهل البصرة‪.‬‬ ‫(‪) 3‬خل‬
‫معجم الميلفين (‪.)104 /4‬‬
‫(‪)4‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (‪.)79‬‬
‫(‪)5‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪)6‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وكتدددددب جعفدددددر بدددددن يحيدددددى بدددددن خالدددددد البرمكدددددي(‪ )1‬إلدددددى عمدددددرو بدددددن‬
‫مسددعدة(ت‪217‬هددـ)(‪ : )2‬إذا كددان اإلكثددار أبل د كددان اإليجدداز تقصدديرا‪ ،‬وإذا كددان‬
‫اإليجاز كافيا كان اإلكثار عيا(‪.)3‬‬

‫وسئل ابن المقفع(‪ :)4‬ما البالغدة فقدال‪ :‬اسدم لمعدان تجدري فدي وجدوه عددة‬
‫كثيرة‪ :‬فمنها ما يكون في السكوت‪ ،‬ومنها ما يكون في االستما ‪ ،‬ومنها ما يكون‬
‫فددي اإلشددارة‪ ،‬ومنهددا مددا يكددون شددعرا‪ ،‬ومنهددا مددا يكددون سددجعا‪ .....‬واإليجدداز هددو‬
‫البالغة(‪.)5‬‬

‫وقال بعض المحدثين‪ :‬البالغة إهداء المعندى إلدى القلدب فدي أحسدن صدورة‬
‫من اللفظ" (‪.)6‬‬

‫عددن معن دى ومقصددد الكددالم‪،‬‬ ‫ولصدداحب البالغددة هدددف فهددي عنددده تكش د‬
‫وتقرب المعنى‪ ،‬وتق ّوم ما اعو ّج من اللسان‪ ،‬وتصلح ما فسد من الذوق‪ ،‬وتصدقل‬
‫الملكة األدبية والنقدية ‪.‬‬

‫واإليجاز أهم ما تتميز به البالغة ‪ ،‬بل هو عنوانها دون خلل أو عجز ‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر ترجمته في‪ :‬وفيات األعيان (‪.)342 /1‬‬
‫(‪)2‬هو عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول‪ ،‬أبو الفضل الصولي‪ :‬وزير الم مون‪ ،‬وأحد الكتاب‬
‫البلغاء‪ .‬انظر ترجمته في‪ :‬تاريخ بغداد (‪.)203 /12‬‬
‫(‪)3‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)79‬‬
‫(‪)4‬عبد ه بن المقفع‪ :‬من أئمة الكتاب‪ ،‬وأول من عني في االسالم بترجمة كتب المنطق‪ ،‬أصله من‬
‫الفرس‪ ،‬ولد في العراق‪ .‬انظر ترجمته في‪ :‬وفيات األعيان (‪.)151 /2‬‬
‫(‪)5‬العمدة‪ ،‬البن رشيق (و‪.)79‬‬
‫(‪)6‬المصدر نفسه (و ‪.)80‬‬

‫‪252‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫والبالغة تحقق سمة من أهم وأج ّل سمات اللغة العربية ؛ فهي تُ ْ‬


‫ظهر وتُبدي‬
‫معاني كثيرة بين ألفاظ قليلة‪ ،‬وهو ما قد يقال عنه اإليجاز‪.‬‬

‫وخالصيية التعريفييات السييابقة لنبالغيية ‪ :‬اإليجدداز واالختصددار فددي الكددالم‬


‫ب لفاظ قليلة ومعا عن كثيرة دون عجز أو خلل‪.‬‬

‫ومن الصعب اإللمام بتطور مفهوم البالغدة مندذ بد َدأ مدرورا بكدل العصدور‪،‬‬
‫وفي العصر األموي س ل معاوية صدحارا العبددي الدذي را معاويدة بخطابتده ‪،‬‬
‫فس له ما تَعُدون البالغة فديكم قدال ‪ :‬اإليجداز‪ ،‬فقدال لده معاويدة ‪ :‬ومدا اإليجداز‬
‫قال صحار ‪ ":‬أن نجيب فال نبطئ ‪ ،‬ونقول فال نخطئ "(‪.)1‬‬

‫وعنددد تتبددع تعريفددات البالغددة لدددي النقدداد ومنددذ القددرن الثالددث؛ حيددث كانددت‬
‫البدايددة التاريخيددة للبالغددة العربيددة كفددن مسددتقل عددن بقيددة العلددوم عنددد الجدداحظ‬
‫ومدرسته ف ي العمل األدبدي وموسدوعته البيدان والتبيدين‪ ،‬فوضدع للبيدان خطوطدا‬
‫ترتكددز علددى الددذوق والفددن ‪ ،‬وت د ثر بددذلك كثيددر مددن دارسددي البالغددة ‪ ،‬كمددا كددان‬
‫ذلدك الددورعن الجداحظ بنظدرة‬ ‫للسكاكي دور مهدم فدي البالغدة ونشد تها‪ ،‬اختلد‬
‫السكاكي العقلية (‪.)2‬‬

‫وعد ّد كثيددر مددن البدداحثين الجدداحظ(‪255‬هددـ) ميسسددا للبالغددة العربيددة؛ حيددث‬


‫التعريفات للبالغدة‪ ،‬وقدارن بينهدا وبدين مفاهيمهدا عندد الفدرس‬ ‫استعرض مختل‬
‫والهنود واليونان والعرب ‪ ،‬وهذا دليل على شمول ثقافته وبُعد نظرته ‪ ،‬وقد أخذ‬
‫مفهوم البالغة عند الفرس من الفارسي األصدل سدهل بدن هدارون ‪ ،‬واسدتقى مدن‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ ( و‪.)17‬‬
‫(‪)2‬انظرمجلة دعوة الحق‪ ،‬العدد ‪ ،25‬وزارة األوقاف والشيون اإلسالمية‪-‬المملكة المغربية الرباط‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫صحيفة بهلة الهندي(‪ )1‬الذي عاصره مفهوم البالغة عند الهنود ‪ ،‬وأ ّما مفهومها‬
‫عند العرب فقد أخذه من صحار ابن عيداش العبددي قدال ‪ " :‬قدال ابدن األعرابدي‪:‬‬
‫قال معاوية بن أبي سفيان لصحّار ابن عياش العبد ّ‬
‫ي ما هذه البالغة التي فديكم‬
‫قدال‪ :‬شدديء تجدديش بدده صدددورنا فتقذفدده علدى ألسددنتنا‪ .‬فقددال لدده رجددل مددن عددرض‬
‫القوم‪ :‬يا أمير الميمنين‪ ،‬هيالء بالبسر والرطب‪ ،‬أبصر منهم بالخطدب‪ .‬فقدال لده‬
‫صددحار‪ :‬أجددل وه‪ ،‬إنددا لددنعلم أن الددريح لتلقحدده‪ ،‬وأن البددرد ليعقددده‪ ،‬وأن القمددر‬
‫ليصددبغه‪ ،‬وأ ّن الحددر لينضددجه‪ .‬وقددال لدده معاويددة‪ :‬مددا تعدددون البالغددة فدديكم قددال‪:‬‬
‫اإليجاز‪ .‬قال له معاوية‪ :‬وما اإليجاز قال صحار‪ :‬أن تجيب فال تبطىء‪ ،‬وتقدول‬
‫فال تخطىء‪.‬‬

‫فقال له معاوية‪ :‬أو كذلك تقول يا صحار قال صحار‪ :‬أقلندي يدا أميدر المديمنين‪،‬‬
‫أال تبطىء وال تخطىء " (‪. )2‬‬

‫البالغددة بقولدده‪ " :‬وقددال بعضددهم‪ -‬وهددو أحسددن مددا‬ ‫ويفضددل الجدداحظ تعريد‬
‫اجتبيندداه ودوندداه‪ -‬ال يكددون الكددالم يسددتحق اسددم البالغددة حتددى يسدابق معندداه لفظدده‬
‫ولفظه معناه‪ ،‬فال يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبدك ‪ .‬ومعندى ذلدك‬
‫أن الكدالم البليد هددو الكددالم الددذي يبلد المعدداني التددي فددي رأس المددتكلم إلددى عقددل‬
‫السامع‪ .‬وال يت تى له ذلك إال إذا كان واضحا‪ ،‬وعلى أقدار المعاني"(‪.)3‬‬

‫إذن علق الجاحظ اللفظ بالمعنى وجعل كال منهما يسابق اآلخر ‪.‬‬

‫وت ثر بالجاحظ ابن قتيبدة وأبدو هدالل العسدكري وابدن سدنان الخفداجي وابدن‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪.http://iucontent.iu.edu.sa/Shamela/Categoris/%D )1‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (و‪.)17‬‬
‫(‪)3‬المصدرنفسه ‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫رشيق‪ ،‬واتخذوا من آرائه في بالغة البيان منهجا للبحث ‪.‬‬

‫وجعل بعض النقاد البالغة حقا في فهم معاني الكالم وإحاطة القول بالمعنى‬
‫وتقريب البعيد وتقارب الكلمات من بعضها وحذف الدخيل منها ‪.‬‬

‫ووافق المبرد(ت‪286‬هـ) الجاحظ في تعريفه حيث قال ‪ " :‬إن حدق البالغدة‬
‫إحاطة القول بالمعنى‪ ،‬واختيار الكالم ‪ ،‬وحسن النظم حتدى تكدون الكلمدة مقاربدة‬
‫أختها ‪ ،‬ومعاضدة شكلها ‪ ،‬وأن يقرب بها البعيد ‪ ،‬ويحذف منها الفضول "(‪. )1‬‬

‫وشارك قدامة(‪337‬هـ) في علم البالغة‪ ،‬وبذل فيها جهدا ورأيا كان‬


‫اهتمام لدي القدماء‪ .‬كما يُعد من رواد البالغة العربية ‪ ،‬فشارك في‬ ‫مح‬
‫علومها‪ ،‬وله جهود بالغية كثيرة في علم المعاني ( في التتميم واإليغال ‪،‬‬
‫والمساواة واإلشارة)‪ ،‬وكذا في علم البيان ‪ ،‬فتكلم في التشبيه واالستعارة‬
‫والتمثيل واإلرداف)‪ ،‬أما علم البديع فدرس في فنونه التصريع والسجع‬
‫والترصيع واعتدال الوزن والجناس والمطابقة وغيرها من فنون البديع ‪.‬‬

‫وأخذ عنه النقاد وت ثروا به‪ ،‬و هداهو شي اة اليدي النيوير (ت‪733‬هيـ)‬
‫ينقل قول قدامة في البالغة قائال‪ " :‬البالغة ثالثة مذاهب‪ :‬المساواة وهدو مطابقدة‬
‫اللفظ المعنى ال زائدا وال ناقصا؛ واإلشارة وهو أن يكدون اللفدظ كاللّمحدة الدالّدة؛‬
‫والدليل وهو إعادة األلفاظ المترادفة على المعنى الواحد؛ ليظهدر لمدن لدم يفهمده‪،‬‬
‫ويت كد عند من فهمه "(‪. )2‬‬

‫فجعل قدامة البالغة منحصرة في ثالثة مذاهب ‪:‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫‪.‬نشر دار المعارف ط‪.11‬‬ ‫(‪)1‬البالغة تطور وتاريخ (و‪)18‬ت لي ‪ :‬د‪.‬شوقى ضي‬
‫(‪)2‬نهاية األرب في فنون األدب‪ ،‬للنويري (و‪.)8‬‬

‫‪255‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪ -‬المساواة وهو مطابقة اللفظ للمعنى ‪ .‬ووافق بها الجاحظ‬


‫‪ -‬اإلشددارة ‪ ،‬وهددو أن يكددون اللفددظ كاللمحددة الدالددة ‪ ،‬وهددو بهددذا يوافددق خل د‬
‫األحمر في تعريفه للبالغة ‪.‬‬
‫‪ -‬الدليل هو إعادة األلفاظ المترادفة لفهم الجاهل بها‪ ،‬وت كيد العالم بها ‪.‬‬

‫والبالغدة علدم جليددل بده يُعدرف كتدداب ه عزوجدل‪ ،‬وإعجدازه وخصائصدده‪،‬‬


‫فهدو أولددى العلدوم معرفددة وأقربهددا صدلة‪ ،‬وأكددد أبددوهالل العسدكري عنددد قولده‪" :‬‬
‫ق العلدوم بدالتعلّم‪ ،‬وأوالهدا بدالتحفّظ ‪-‬‬ ‫واعلم‪ -‬علّمك ه الخير ودلّك عليده‪ّ -‬‬
‫أن أحد ّ‬
‫بعدد المعرفدة بداا جد ّل ثنداؤه‪ -‬علدم البالغدة‪ ،‬ومعرفدة الفصداحة‪ ،‬الدذي بده يعدرف‬
‫(‪)1‬‬
‫إعجاز كتاب ه تعالى ‪".‬‬

‫و عد ّرف البالغدة بقولده‪ :‬البالغددة مدن قدولهم‪ :‬بلغددت الغايدة إذا انتهيدت إليهددا‪،‬‬
‫وبلّغتها غيري‪ .‬ومبل الشىء منتهاه‪ .‬والمبالغدة فدى الشدىء‪ :‬االنتهداء إلدى غايتده‪.‬‬
‫فسد ّميت البالغددة بالغددة؛ ألنهددا تنهددى المعنددى إلددى قلددب السددامع فيفهمدده‪ .‬وس د ّميت‬
‫البلغة بلغة؛ ألنك تتبلّ بها‪ ،‬فتنتهى بك إلى ما فوقها‪ ،‬وهى الدبال أيضدا‪ .‬ويقدال‪:‬‬
‫الدنيا بال ؛ ألنها تي ّديك إلى اآلخرة(‪.)2‬‬

‫والدبال أيضدا‪ :‬التبليد ‪ ،‬فددى قدول ه عد ّز وجددل‪  :‬هدذا بدال للندداس ‪)3( ‬؛‬
‫أي‪ :‬تبلي (‪.)4‬‬

‫وخدصّ ابي رشيييق(ت‪608‬هيـ) فدي كتابدده العمددة بابدا سد ّماه بداب البالغددة ‪،‬‬
‫وأورد فيه أقواال كثيدرة فدي شد ن البالغدة‪ ،‬وبددأها بقولده ‪ :‬تكلدم رجدل عندد النبدي‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)6‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (و‪.)2‬‬
‫(‪)3‬سورة إبراهيم‪.52/‬‬
‫(‪ )4‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)6‬‬

‫‪256‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫صلى ه عليه وسلم‪ ،‬فقال له النبي صدلى ه عليده وسدلم‪ " :‬كدم دون لسدانك مدن‬
‫حجداب فقدال‪ :‬شدفتاي‪ ،‬وأسدناني‪ ،‬فقدال لده ‪ " :‬إن ه يكدره االنبعداق فدي الكدالم‪،‬‬
‫فنضر ه وجه رجل أوجز في كالمه‪ ،‬واقتصر على حاجته "(‪.)1‬‬

‫كما ذكر أقواال عدة للكثير من العلماء والبلغاء‪ ،‬سبق ذكرها واالستشهاد بها‬
‫وسددئل النبددي صددلى ه عليدده وسددلم‪ :‬فدديم الجمددال فقددال‪( :‬فددي اللسددان) ‪ ،‬يريددد‬
‫البيان(‪.)2‬‬

‫و ذكر اب رشيق(ت‪608‬هـ) أقواال عدة لكثير من العلمداء والبلغداء ‪ ،‬سدبق‬


‫ذكرها واالستشهاد بها ‪.‬‬

‫واسددتعرض ابي سيينان(ت‪466‬هييـ) مفدداهيم البالغددة عنددد غيددره‪ ،‬ورسددم لهددا‬


‫معلما ‪ ،‬غير أنه لم ي ت بتعري جامع مدانع ‪ ،‬كمدا نحدى منحدى آخدر عدن أدبداء‬
‫عصره ‪ ،‬وخال بعض من تناول تعري البالغة بالنقدد ‪ ،‬فخطّد بعضدها وأفسدد‬
‫اآلخر منها في قوله‪ ":‬كقول بعضهم ‪ " :‬البالغة أن تصيب فال تخطدئ‪ ،‬وتسدر‬
‫فددال تبطددئ "‪ ،‬فعلددق ابددن سددنان عليدده بقولدده‪ :‬فهددذا يصددلح لكددل الصددنائع ولدديس‬
‫بمقصور على صناعة البالغة وحدها ‪ ،‬ثم إنما سئل عن بيدان الصدواب فدي هدذه‬
‫الصناعة من الخط ‪ ،‬فجعل جواب السائل نفس سياله ‪.‬‬

‫األحمر‪ ،‬والذي أيده قدامدة " البالغدة لمحدة دالدة "معلقدا‬ ‫خل‬ ‫فخط تعري‬
‫عليه بقوله ‪ ":‬لقد ح ّد الناس البالغة بحدود إذا حققدت كاندت كالرسدوم والعالئدم ‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬العمدة ‪ ،‬البن رشيق (و‪.)79 :‬‬
‫والبيان(‪ )70/4‬الميل ‪ :‬أبو إسحاق أحمد‬ ‫(‪)2‬يريد البيان‪.‬والحديث أورده الثعلبي في تفسيره الكش‬
‫بن محمد ب ن إبراهيم الثعلبي النيسابوري‪ ،‬تحقيق ‪ :‬اإلمام أبي محمد بن عاشور‪ ،‬الطبعة ‪:‬‬
‫األولى‪.‬دار النشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان ‪ 1422 -‬هـ ‪ 2002 -‬م‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وليسددت بالحدددود الصددحيحة ‪ ،‬فمددن ذلددك قددول بعضددهم ‪ " :‬لمحددة دالددة "‪ ،‬وهددذا‬
‫مددن صددفاتها ‪ ،‬ف مددا أن يكددون حاصددرا لهددا وحدددا يحددي بهددا فلدديس ذلددك‬ ‫وص د‬
‫بممكن"(‪.)1‬‬

‫قيددد للبالغددة بعكددس مفهومهددا وبددين أن‬ ‫فيددري ابددن سددنان أن هددذا التعري د‬
‫اللمحة الدالة من الممكن ع ّدها صفة من صفاته‪ ،‬وليس حاصرا لها ‪.‬‬

‫أبددا هددالل‬ ‫أمددا ابي األثييير(ت‪637‬هييـ) فعد ّرف البالغددة ووافددق فددي التعريد‬
‫العسددكري قددائال ‪ " :‬أ ّمددا البالغددة فددإن أصددلها فددي وضددع اللغددة مددن الوصددول‬
‫واالنتهدداء‪ ،‬يقددال‪ :‬بلغددت المكددان‪ ،‬إذا انتهيددت إليدده‪ ،‬ومبلد الشدديء منتهدداه‪ ،‬وسددم ّي‬
‫الكالم بليغا من ذلك؛ أي‪ :‬إنه قد بل األوصاف اللفظية والمعنوية(‪.)2‬‬

‫الكلمدة بهدا‪،‬‬ ‫وأشار إلى أن البالغة ال تكون في اللفظة المفردة‪ ،‬وال توصد‬
‫فمثال ال نقول كلمدة بليغدة‪ ،‬بدل فصديحة؛ لدذلك كدان مدن شدرط البالغدة التركيدب‪،‬‬
‫وأن تكون بين اللفظ والمعنى‪ ،‬فوافق بهذا قدامة‪.‬‬

‫وهناك من العلماء من حلّدق فدي سدماء البالغدة وأبدد فدي علومهدا‪ ،‬كالبدديع‬
‫مثال‪ ،‬و كانت ميلفاته دليال واضحا على بالغته وآثاره ‪ ،‬وهو ابي أبيي اإلصيبع‬
‫والسيما كتبده (تحريدر التحبيدر‪ ،‬وبدديع القدرآن ‪ ،‬والخدواطر السدوانح فدي أسدرار‬
‫فددي البددديع‪ ،‬وزاد عليهددا ‪ ،‬ورتددب‬ ‫الفددواتح ) فجمددع آراء مددن سددبقه عنددد الت د لي‬
‫فيها مصنفات قيمة(‪.)3‬‬ ‫ألوانها ‪ ،‬وصن‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)50‬‬
‫(‪)2‬انظر‪ :‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (و‪.)94‬‬
‫(‪)3‬انظر تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)6‬‬

‫‪258‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وال تحصل البالغة‪ ،‬وال يُتمكن منها في وقت وجيز‪ ،‬بدل البدد مدن االجتهداد‬
‫والصبر‪ ،‬وهناك من األوائل السابقين من قضى عمره ونفذ وهدو مدازال يصديب‬
‫ويخطئ في علمه الذي اشتهر فيه‪ ،‬وهذا حاصل كالم القرطداجني‪ ،‬والدذي انفدرد‬
‫به في قوله‪ " :‬وكي يظن إنسان أن صناعة البالغة يتد تّى تحصديلها فدي الدزمن‬
‫القريب‪ ،‬وهي البحر الدذي لدم يصدل أحدد إلدى نهايتده مدع اسدتنفاد األعمدار فيهدا !‬
‫وإنما يبل اإلنسان منها ما في قوته أن يبلغه "(‪. )1‬‬

‫فشبه البالغة بالبحر الذي لم يصل أحدد إلدى نهايتده؛ لسدعته وطدول امتدداده‪،‬‬
‫كددذلك هددو الحددال فددي البالغددة فهددي علددم واسددع‪ ،‬وغددذاء للفكددر والددرو ‪ ،‬وتربيددة‬
‫وإصال وتهذيب‪ ،‬وهي جمال في الشكل والمضمون‪ .‬لذا فقد يستنفد العمر‪ ،‬ولم‬
‫ي ت اإلنسان بعد على جل البالغة وأسرارها‪.‬‬

‫ثم ضرب القرطاجني(ت‪684‬هـ) مثداال علدى كالمده ذلدك‪ ،‬قدول أبدو الطيدب‬
‫المتنبي‪ ،‬والدذي كدان إمامدا فدي الشدعر‪ ،‬ولدم يسدتقم شدعره إال مدن مزاولدة الشدعر‬
‫عشرين سنة ‪ ،‬وتوفي وهو يصيب فيه ويخطئ وهذا ليس مختصا به وحده"(‪.)2‬‬

‫كما بين أن هناك من الناس من يتعلم علما من العلدوم‪ ،‬ويمكدث عليده فتدرة‬
‫قصيرة‪ ،‬ثم ي خذ بعد ذلك‪ ،‬في التحدث باسم هذا العلم‪ ،‬وهو لم يحصل له في هذا‬
‫القدددر مددن الزمددان مددن هددذه الصددناعة مددا يعتددد بدده‪ .‬فيشددبه حددال مددن يظددن إمكددان‬
‫تحصيل البالغة واالستفادة منها ‪ -‬فدي وقدت وجيدز‪ -‬بحدال الصدديق الدذي قضدى‬
‫ليلته في تصفح كتب الطب‪ ،‬ثم أصبح وهو يحرر وصفة طبيدة إلسدعاف صدديقه‬
‫المريض‪ ،‬فعجل بنهايته‪ .‬إن بوسع إنسدان ذكدي‪ ،‬كمدا قدال‪ ،‬أن يحصدل باالجتهداد‬
‫في علم من العلوم خالل شهر أو عدام‪ ،‬شديئا يعتدد بده فدي ذلدك العلدم‪ ،‬ولديس ذلدك‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬للقرطاجني (و‪.)88‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه (و‪.)88‬‬

‫‪259‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ممكنددا فددي علددم البالغددة‪" ،‬إذ أكثددر مددا يستحسددن ويسددتقبح فددي علددم البالغددة لدده‬
‫اعتبارات شتى بحسب المواضع"(‪. )1‬‬

‫وع ّر ف البالغة في موضع آخر بقوله " علم كلدي يقتضدي ضدبطه اإلحاطدة‬
‫بعلدددوم اللسدددان وعلدددوم اإلنسدددان المختلفدددة المتدخلدددة فدددي تكدددوين الدددذات المنتجدددة‬
‫(‪)2‬‬
‫للخطاب‪" .‬‬

‫فالبالغة فن وإبدا جمعدت بدين البيدان والبدديع‪ ،‬وقامدت علدى أسدس ذوقيدة‬
‫تُعندى بدالفن‪ ،‬فهدي كنسديج جُمعدت خيوطدده مدن أصدول عربيدة متنوعدة‪ ،‬فمزجددت‬
‫الفكر والفن والجمال في قالدب واحدد‪ ،‬واتخدذت البالغدة وسديلة إلدى تدذوق األدب‬
‫والشعر‪ ،‬وتذوق بالغة القرآن‪ ،‬وتلمس إعجازه‪ ،‬فهدي تلدون الدنص بد لوان بيانيدة‬
‫وجمالية‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫" ومخض زبدة البيان ورتب أبوابه " أبو يعقيوة السيياكي(ت‪626‬هيـ)‬
‫كما قدال ابي خنيدون(ت‪808‬هيـ)‪ .‬ولدم يكدن بوسدع الدذين جداءوا مدن بعدده إال أن‬
‫يلخصوا آراءه فدي بالغدة المعداني أو قواعدد اإلنشداء‪ .‬البالغدة العربيدة بدين الفدن‬
‫(‪.)4‬‬
‫والفلسفة‬

‫وتمتدداز البالغددة العربيددة بقددوة األسددلوب وجمددال اللفددظ والمعنددى والعاطفددة‬


‫والخيال ف عان ذلك في توضيح أساليب العرب ونصوصهم ‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر محمد العمري‪ :‬البالغة الجديدة بين التخييل والتداول (مقدمة الكتاب والفصل األول منه )‬
‫البالغة الجديدة بين التخييل والتداول‪ ،‬مقال ‪.‬‬
‫(‪)2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي الخوارزمي الحنفي أبو يعقوب‪ ،‬سراج الدين‪:‬‬ ‫(‪)3‬يوس‬
‫عالم بالعربية واألدب‪،‬مولده ووفاته بخوارزم‪ .‬معجم الميلفين (‪.)282 /13‬‬
‫(‪ )4‬مجلة دعوة الحق العدد ‪.25‬‬

‫‪260‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫و للبالغة عمل جلي محمود في بيان إعجاز القرآن‪ ،‬وييكد ذلك اب خندون‬
‫أن ثَمرة هذا الفن‪ ،‬إنفما هي فَهْدم اإلعجداز مدن‬
‫في مقدمته التي قال فيها ‪ " :‬واعلَ ْم ف‬
‫القرآن"(‪. )1‬‬

‫وعد ّرف ابي حجيية الحميو (ت‪837‬هييـ) البالغددة قدائال‪ " :‬والبالغددة هددي أن‬
‫(‪)2‬‬
‫يبل المتكلم بعبارته كنه مراده مع إيجاز بال إخالل ‪ ،‬وإطالة من غير إمالل"‬

‫البالغة‪ ،‬وأيده برأيه‪ ،‬واكتفى به (‪.)3‬‬ ‫ووافق النواجي ابن حجة في تعري‬

‫ومددالك األمددر فددي البالغددة كلدده فهددم المعدداني وبلوغهددا لدددي السددامع بوضددو‬
‫البالغة ‪.‬‬ ‫معانيها وسهولة ألفاظها‪ ،‬وهذا ما نادي به الجاحظ وغيره عند تعري‬

‫وهددذا حددال البالغددة والبلي د العربددي؛ فمددن اكتسددب البالغددة العربيددة وعددرف‬
‫طريقها الصحيح فقد فاز وكسب؛ ألنها حملت بين طياتهدا أريجدا فواحدا عطدرت‬
‫شدرف للعربيدة وأهلهدا‪ ،‬وقدد بدرزت بصدور بالغيدة‬
‫ع‬ ‫به اللغة العربيدة‪ ،‬وهدي تداج‬
‫وب بعاد داللية إيحائية‪ ،‬فعمقت المعداني فدي النفدوس وصداغت األلفداظ وصدبغتها‬
‫بقالب اليسر والسهولة والجمال‪ ،‬فحرضت بذلك ذويها لدراستها واالشتغال بهدا‪،‬‬
‫وأظهدددرت البراعدددة الفنيدددة التدددي جمعدددت بدددين األدب والبالغدددة‪ ،‬وبدددرز التخييدددل‬
‫وتجسدت الصور وتعددت اإليحاءات‪ ،‬كل ذلك كان في اتساق واحد‪ ،‬فضال عدن‬
‫التشكيالت الجمالية ميكدة بذلك امتالك الشاعر العربي لناصية البالغدة‬ ‫توظي‬
‫وفنون الكالم‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬مقدمة ابن خلدون باب البيان (و‪ .)521‬مقدمة ابن خلدون‪ :‬عبدالرحمن بن محمد بن خلدون‪،‬‬
‫نهضة مصر للطباعة والنشر‪،‬ط‪2006 ،4‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي (و‪.)414‬‬
‫(‪ )3‬مقدمة في صناعة النظم والنثر‪ ،‬للنواجي (و‪.)74‬‬

‫‪261‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ص َح الرج ُل فَصاحة"‬
‫البالغة الفصاحة ‪ ،‬فالفصاحة لغة‪" :‬البَيان؛ فَ ُ‬ ‫وردي‬

‫أي ‪ :‬أبين مني منطقا ‪ ،‬وأظهر مني قوال‪.‬‬

‫وأَ ْف َ‬
‫صح عن الشيء إفصاحا إذا بَيفنه و َك َشفَه‪.‬‬

‫وأَ ْف َ‬
‫ص د َح الصددبحُ‪ :‬بدددا ضددوؤه واسددتبان‪ ،‬ومندده المثددل‪ :‬أفصددح الصددبح لددذي‬
‫عينين (‪.)1‬‬

‫عن الظهور واإلبانة‪ ،‬فيقال‪:‬‬ ‫" الفصاحة لغة‪ :‬لها معا عن متعددة كلها تش‬

‫‪ -1‬فصح اللبن وأفصح إذا أخذت عنه الرغوة‪ ،‬قدال نضدلة السدلمي‪":‬وتحدت‬
‫الرغوة اللبن الفصيح"(‪.)2‬‬

‫‪ -2‬يوم مفصح وفصح ال غيم فيه وال قر‪.‬‬

‫‪ -3‬أفصح األعجمي بالعربية‪ ،‬وفصح لسانه بها إذا خلصت لغته من اللكندة‪،‬‬
‫وفي التنزيل‪  :‬وأخي هارون هو أفصح مني لسانا‪ )3( ‬أي ‪ :‬أبين مني قوال‪.‬‬

‫والخالصة من تلك التعريفات البيان والظهور‪.‬‬

‫ويعدددددرف الجدددددوهري الفصددددداحة فدددددي "الصدددددحا " بقولددددده ‪" :‬الفصددددداحة‬


‫البالغة‪.)4(".‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬لسان العرب ‪ ،‬مادة [فصح]‪.‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه ‪.‬‬
‫(‪)3‬سورة القصص‪ ،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫(‪)4‬علوم البالغة «البيان‪ ،‬المعاني‪ ،‬البديع»(و‪ )13‬أحمد بن مصطفى المراغي (المتوفى‪:‬‬
‫‪1371‬هـ)‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫" ولفضل الفصاحة وحسن البيان بعث ه تعالى أفضل أنبيائه وأكرم رسدله‬
‫من العرب‪ ،‬وجعل لسانه عربيّدا‪ ،‬وأندزل عليده قرآندا عربيّدا‪ ،‬كمدا قدال ه تعدالى‪:‬‬
‫‪‬بلسا عن َع َربي ُمبي عن‪.)1( ‬‬

‫فلددم يخددصّ اللسددان بالبيددان‪ ،‬ولددم يحمددد بالبرهددان ّإال عنددد وجددود الفضددل فددي‬
‫الكالم‪ ،‬وحسن العبارة عندد المنطدق‪ ،‬وحدالوة اللّفدظ عندد السّدمع ‪ ،‬والنبدي أفصدح‬
‫العرب "(‪.)2‬‬

‫ف درك الجاحظ أن لفضل الفصاحة وحسن بيانهدا جعدل ه معجدزة الرسدول‬


‫صلى ه عليه وسلم‪ ،‬في فصاحة اللغة العربية‪ ،‬وأنزل القرآن الكريم به‪.‬‬

‫وأبان الجاحظ عن حاجة البيان وهي ‪:‬‬

‫" ّ‬
‫وأن البيان يحتاج إلى تمييز وسياسدة‪ ،‬وإلدى ترتيدب ورياضدة‪ ،‬وإلدى تمدام‬
‫اآللدددة وإحكدددام الصدددنعة‪ ،‬وإلدددى سدددهولة المخدددرج‪ ،‬وجهدددارة المنطدددق‪ ،‬وتكميدددل‬
‫الحروف‪ ،‬وإقامة الوزن‪ ،‬وإن حاجة المنطق إلى الحالوة والطالوة‪ ،‬كحاجته إلى‬
‫الجزالة والفخامة‪ ،‬وإن ذلك من أكثر ما تسدتمال بده القلدوب‪ ،‬وتثندى بده األعنداق‪،‬‬
‫وتزين به المعاني‪ ،‬وعلم واصل أنه ليس معه ما ينوب عن البيان التام "(‪. )3‬‬

‫وعند النظر إلى كالم الجاحظ ونصوصه نجد بين أيدينا عالّمة احتوت كتبه‬
‫على العلم الزاخر‪ ،‬وبخاصة كتاب البيان والتبيين‪ ،‬والذي حوي بين طياته فوائدد‬
‫كثيددرة ومنددافع جمددة‪ ،‬فهددو مصدددر فيدداض خصددب للقدددماء والمحدددثين ‪ ،‬يفدديض‬
‫ببالغته وبيانه وفصاحته‪.‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬الشعراء(و‪.)195‬‬
‫(‪ )2‬الرسائل األدبية‪ ،‬للجاحظ (و ‪.)305‬‬
‫(‪)3‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (و‪.)36‬‬

‫‪263‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫فالجاحظ إذن ينادي بالبيان‪ ،‬والذي هو أصل الفصداحة فدي معنداه ‪ ،‬فكمدا أن‬
‫البيان يحتاج إلى تمييز وسهولة المخرج وتكميل الحروف كما ذكر؛ فالفصداحة‬
‫هي أصل اإلبانة والظهور والوضو ‪.‬‬

‫وألن الفصاحة هي البيان والظهور فقدد اسدتخدم القددماء لفدظ الفصداحة فدي‬
‫النعت والوص ‪ ،‬وكان هذا واضحا في كالم قدامة حين نعت اللفظ‪ ،‬فقال ‪ ":‬أن‬
‫يكون سمحا‪ ،‬سهل مخارج الحروف من مواضعها‪ ،‬عليه رونق الفصاحة" (‪. )1‬‬

‫ومقيدداس الفص داحة فددي نظددر الجدداحظ ‪ ،‬القددرآن وكددالم األعددراب؛ إذ فيهمددا‬
‫تحققت الفصاحة ب على مستوياتها فاعتبرا المثال األعلى للكالم الفصيح ‪.‬‬

‫عنهمدددا نددد ي عدددن‬ ‫فكدددل كدددالم أشدددبههما عددد ّد فصددديحا ‪ ،‬وكدددل كدددالم اختلددد‬
‫الفصاحة(‪. )2‬‬

‫ومن النقاد من رأي الفصاحة في خلدو اللسدان مدن عيدوب النطدق‪ ،‬ووصدول‬
‫المتكلم إلى منتهاه‪ .‬وذكرهذا أبو حيان التوحيدي عدن قدول العلمداء فدي الفصداحة‬
‫"الفصدداحة خلددوو اللسددان مددن التعقيددد و النغنغددة‪ ،‬والبالغددة تندداهي المددتكلم إلددى‬
‫اإلرادة‪ ،‬فقددد يخلددص وال ينتهددي‪ ،‬وقددد ينتهددي وال يخلددص‪ ،‬فددإذا جمددع بينهمددا كددان‬
‫فصيحا بليغا"(‪.)3‬‬

‫ووافق أبوهالل العسير (ت‪395‬هـ) الجاحظ في أن الفصاحة البيان بقوله‪:‬‬


‫" ف مددا الفصدداحة فقددد قددال قددوم‪ :‬إنهددا مددن قددولهم‪ :‬أفصددح فددالن عمددا فددى نفسدده إذا‬
‫أظهره‪ ،‬والشاهد على أنها هى اإلظهدار قدول العدرب‪ :‬أفصدح الصدبح إذا أضداء‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬نقد الشعر‪ ،‬لقدامة بن جعفر (و‪.)8‬‬
‫(‪)2‬البيان والتبيين‪ ،‬للجاحظ (و‪.)16‬‬
‫(‪)3‬البصائر والذخائر‪ ،‬ألبي حيان التوحيدي (‪.)121/ 5‬‬

‫‪264‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وأفصح اللبن إذا انجلت عنه رغوته فظهر‪ .‬وفصح أيضا‪ .‬وأفصدح األعجمد ّى إذا‬
‫أبان بعد أن لم يكن يفصح ويبين؛ وفصح اللحان إذا عبّر عما فدى نفسده وأظهدره‬
‫على جهة الصواب دون الخط ‪.‬‬

‫وإذا كان األمر على هدذا " فالفصداحة والبالغدة ترجعدان إلدى معندى واحدد‪،‬‬
‫أصالهما؛ ّ‬
‫ألن ك ّل واحد منهما إنما هو اإلبانة عن المعنى واإلظهدار‬ ‫وإن اختل‬
‫له(‪.")1‬‬

‫وتميزت اللغة العربية عن سائر اللغات بمميزات شتى افتقرت إليها اللغدات‬
‫كثيددرا مددن ذلددك المجدداز والددذي يكثددر اسددتعماله عنددد العددرب بددل ويفخددرون بدده‬
‫ويعدونه دليال على فصاحتهم وبالغتهم ‪ ،‬فتميزوا به عن غيرهم من اللغات ‪.‬‬

‫ويري ابن رشيق(‪463‬هدـ) أن المجداز دليدل فصداحة اللغدة العربيدة فداختل‬


‫بهذا الرأي في الفصاحة عمن سبقوه‪ ،‬وانفرد بهذا الرأي فقال ‪:‬‬

‫" والعرب كثيرا ما تستعمل المجاز‪ ،‬وتعده مدن مفداخر كالمهدا؛ فإنده دليدل‬
‫الفصاحة‪ ،‬ورأس البالغة‪ ،‬وبه بانت لغتها عن سائر اللغات" (‪. )2‬‬

‫وهناك من األدباء من كانت الفصاحة وأسرارها سدببا بدل أساسدا فدي تد لي‬
‫كتابه أو ميلفاته فيظهر أهميتها وعظديم ثمارهدا ‪ ،‬مدن هديالء األدبداء ابي سينان‬
‫الخفاجي‪ ،‬والذي قدال فدي مقدمدة كتابده سدر الفصداحة ‪ " :‬اعلدم أن الغدرض بهدذا‬
‫الكتاب معرفة حقيقة الفصاحة‪ ،‬والعلم بسرها‪ ،‬فمن الواجدب أن نبدين ثمدرة ذلدك‪،‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬كتاب الصناعتين‪ ،‬ألبي هالل العسكري (و‪.)7‬‬
‫(‪)2‬العمدة ‪ ،‬البن رشيق (و‪.)265‬‬

‫‪265‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وفائدته لتقع" (‪.)1‬‬

‫ووافق ابن سنان الجاحظ وأبا هالل العسدكري فدي تعريفده الفصداحة بقولده‪:‬‬
‫" والفصاحة عند ابن سنان تعندي الظهدور والبيدان ومنهدا أفصدح اللدبن إذا انجلدت‬
‫رغوته وفصح فهو فصيح قال الشاعر‪( :‬بحر الوافر)‬

‫بن الفصيح(‪.)2‬‬
‫وتحت الرغوة اللف ُ‬

‫ويقال أفصح الصبح إذا بدا ضوؤه وأفصح كل شيء إذا وضح وفي الكتداب‬
‫العزيدددز‪ :‬وأخدددي هدددارون هدددو أفصدددح مندددي لسدددانا ف رسدددله معدددي ‪ )3(‬وفصدددح‬
‫النصاري عيدهم‪ ،‬قد تكلمت به العرب‪.‬‬

‫قال حسان بن ثابت‪( :‬بحر الخفي )‬

‫ودنَا الفصح فَالوالئ ُد ينظمـ ‪ ...‬ـن سراعا أكلفة المرْ َجان "(‪. )4‬‬

‫صددر ابددن سددنان الفصدداحة فددي كتابدده علددى األلفدداظ وحدددها دون المعدداني‪،‬‬
‫وق َ‬
‫األلفاظ "(‪. )5‬‬ ‫ولكن بشروط معينة فقال‪" :‬الفصاحة مقصورة على وص‬

‫ويقول في مكان آخر من الكتاب‪" :‬الفصاحة نعدت لأللفداظ إذا وجددت علدى‬
‫شروط عدة‪ ،‬ومتى تكاملت تلك الشروط فال مزيد على فصاحة تلك األلفاظ"(‪.)6‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪.)13‬‬
‫(‪)2‬البيت لنضلة السلمي‪ ،‬كما في اللسان (فصح)‪ .‬انظر‪ :‬البيان والتبيين (‪.)338 /3‬‬
‫(‪)3‬سورة القصص‪،‬اآلية‪.34 :‬‬
‫(‪)4‬سر الفصاحة‪ ،‬البن سنان الخفاجي (و‪،)58‬‬
‫(‪)5‬المصدرنفسه (و‪)49‬‬
‫(‪)6‬المصدرنفسه (و‪)54‬‬

‫‪266‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ويوافدق الجرجياني(ت‪392‬هييـ) ابي سيينان فدي اختصدداو الفصداحة بدداللفظ‬


‫كان قو ُل القائل لك في تَ ْفسدير الفصداحة‪" :‬إنهدا خصوصدية فدي ن ْ‬
‫َظدم‬ ‫فقال ‪" :‬ولو َ‬
‫ق مخصوصد عة‪ ،‬أو علدى ُوجدو عه ت ْ‬
‫َظهَد ُر‬ ‫بعدض علدى طريد ع‬ ‫ع‬ ‫ال َكلم‪ ،‬و َ‬
‫ض ِّم بَعْضها إلدى‬
‫مدن القدول ال ُمجْ َمدل‪ ،‬كافيدا فدي َم ْعرفتهدا‪ ،‬و ُم ْغنيدا فدي‬
‫ك َ‬ ‫بها الفائدةُ‪ ،‬أو مدا أشدبَهَ ذلد َ‬
‫الع ْلم بها"(‪.)1‬‬

‫وحددين تكددون اللغددة دقيقددة خالصددة مددن التعقيددد قددادرة علددى اإلفصددا عددن‬
‫المعدداني المقصددودة ‪ ،‬مرتكددزة علددى انتقدداء العبددارات القويددة ‪ ،‬فصدديحة الكلمددات‪،‬‬
‫عربيددة األصددل‪ ،‬كانددت هددذه اللغددة عربيددة فصدديحة‪ ،‬وهددذا مددا ذهددب إليدده أغلددب‬
‫األدبدداء‪ ،‬بددل واشددترطه بعضددهم مددن أن فصدداحة اللفددظ تكمددن فددي عربيددة الكلمددة‪،‬‬
‫وعلى لسان عربي فصيح ‪.‬‬

‫و السييياكي(ت‪626‬هييـ) أحددد هدديالء األدبدداء الددذين أشدداروا إلددى هددذا األمددر‬


‫بقوله ‪ " :‬والفصاحة قسمان‪ :‬قسم راجع على المعنى‪ ،‬وهدو خلدوو الكدالم عدن‬
‫التعقيد ‪،‬وقسم راجدع علدى اللفدظ‪ ،‬وهدو أن تكدون الكلمدة عربيدة أصدلية‪ ،‬وعالمدة‬
‫ذلك أن تكون على ألسنة الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم " (‪. )2‬‬

‫وجعلدت الفصدداحة معيددارا يصددحح بهددا األلفداظ ويدددقق فيهددا عنددد السييياكي ‪،‬‬
‫والمبهرج‪ ،‬ويبقى الصدحيح والفصديح‪ ،‬وقدد ذهدب السيياكي‬ ‫فيخرج منها الزائ‬
‫الجوهر للكالم فقال ‪" :‬أحسن الكالم‬ ‫إلى هذا في كتابه مفتا العلوم من وص‬
‫نظامددا مددا ثقبتدده يددد الفكددرة‪ ،‬ونظمتدده الفطنددة‪ ،‬ونضددد جددوهر معانيدده فددي سددموط‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬دالئل اإلعجاز عبد القاهرالجرجاني ‪( .‬و‪ )36‬عبد القاهر الجرجاني‪،‬تحقيق‪ :‬محمود شاكر‪،‬‬
‫مكتبة الخانجي‪.‬‬
‫بن أبي بكر السكاكي ضب وشر ‪ :‬نعيم‬ ‫(‪ )2‬السكاكي مفتا العلوم(و ‪ )416‬أبو يعقوب يوس‬
‫زرزور‪ ،‬ط‪ ،1:‬دار الكتب العلمية بيروت‪1403 ،‬هـ‪1983/‬م‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫الصددبر فددي خيددر الكددالم مددا نقدتدده يددد‬ ‫ألفاظدده؛ فحملتدده نحددور الددرواة‪ ،‬ووص د‬
‫البصيرة‪ ،‬وجلته عين الروية‪ ،‬ووزنتده معيدار الفصداحة؛ فدال ينطدق فيده بزائد ‪،‬‬
‫وال يسمع فيه ببهرج "(‪. )1‬‬

‫وقددد عدرفف ابي األثييير(‪637‬هددـ) الفصدداحة ب نهددا علددم صددعب الولددوج إليدده‪،‬‬
‫فهناك من يظن أن الوحشي من األلفاظ‪ ،‬والغموض فدي المعداني أصدل الفصداحة‬
‫وعنوانها‪ ،‬وهذا ال يمت للفصاحة بشيء ‪ ،‬فالفصاحة هي الظهور‪ ،‬والبيان وليس‬
‫الغموض والخفاء‪ ،‬وأكد هذا في قوله ‪ " :‬اعلدم أن هدذا بداب متعدذر علدى الدوالج‪،‬‬
‫ومسلك متوعر على الناهج‪ ،‬ولدم يدزل العلمداء مدن قدديم الوقدت وحديثده يكثدرون‬
‫القول فيه‪ ،‬والبحث عنه‪ ،‬ولم أجد من ذلك ما يع فول عليه ّإال القليل (‪.")2‬‬

‫ويقول ‪ " :‬وقد رأيدت جماعدة مدن مد فدعي هدذه الصدناعة يعتقددون أن الكدالم‬
‫الفصدديح هددو الددذي يعددز فهمدده‪ ،‬ويبعددد متناولدده‪ ،‬وإذا رأوا كالمددا وحشديّا غددامض‬
‫األلفاظ يعجبون بده‪ ،‬ويصدفونه بالفصداحة‪ ،‬وهدو بالضدد مدن ذلدك؛ ألن الفصداحة‬
‫هي الظهور والبيان‪ ،‬ال الغموض والخفاء "(‪. )3‬‬

‫وأما ابن أبي اإلصبع(‪640‬هـ) فقد استعرض للفصاحة تعريفات عدة‪ ،‬وافق‬
‫فيهددا أغلددب مددن سددبقه مددن النقدداد كالجدداحظ وأبددي حي دان التوحيدددي وأب دي هددالل‬
‫العسكري في قوله ‪:‬‬

‫فيها؛ فمن قائل ب نها جزالة اللفظ‪ ،‬وحسدن المعندى‪،‬‬ ‫"وأما الفصاحة فمختل‬
‫وقيددل‪ :‬االقتدددار علددى اإلبانددة عددن كددل معنددى كددامن فددي الددنفس‪ ،‬بعبددارات جليلددة‪،‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬مفتا العلوم‪ ،‬للسكاكي (و‪.)256‬‬
‫(‪)2‬المثل السائر‪ ،‬البن األثير (و‪)90‬‬
‫(‪)3‬المصدرنفسه (و‪.)185‬‬

‫‪268‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫ومعان نقية بهية‪ ،‬والذي صح في تعريفها‪ :‬أنها خلوو األلفاظ من التعقيد المبعد‬
‫عن إدراك معانيها‪ ،‬وعن العيوب التي تعرض فيها ‪ ،‬فإن اشدتقاقها مدن الفصديح‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهو اللبن الذي خلص من رغوته أو لبئه"‬

‫وتمر الفصاحة بعهد مضى‪ ،‬وعهد حديث‪ ،‬وهي مازالت تدور حدول البيدان‬
‫(‪)2‬‬
‫الذي هو" ترجمان اللسان‪ ،‬وروض القلوب "‬

‫وقصر شي اة اليدي النيوير (‪733‬هدـ) الفصداحة علدى العدرب موافقدا فدي‬


‫هددذا السييياكي؛ لزعمدده أن الفصدديح ال يسددمى فصدديحا إال إذا خلددص لسددانه مددن‬
‫اللكنددة األعجميددة‪ .‬لددذا قصددر العربيددة علددى العددرب ‪ ،‬وأكددد ذلددك فددي كتابدده نهايددة‬
‫األرب بقولده ‪ " :‬أمدا الفصداحة فهددى مد خوذة مدن قددولهم‪ :‬أفصدح اللدبن إذا أخددذت‬
‫عندده الرّغددوة‪ ،‬وقددالوا‪ :‬ال يس د ّمى الفصدديح فصدديحا حتددى تخلددص لغتدده عددن اللّكنددة‬
‫األعجميّددة‪ ،‬وال توجددد الفصددداحة إال فددى العددرب‪ .‬وعلمددداء العددرب يزعمدددون أن‬
‫الفصدداحة فددى األلفدداظ‪ ،‬والبالغددة فددى المعددانى‪ ،‬ويسددتدلّون بقددولهم‪ :‬لفددظ فصدديح‪،‬‬
‫ومعنى بلي "(‪.)3‬‬

‫واللفظ حين يكون خاليا مدن التعقيدد‪ ،‬بعيددا عدن الوحشدية والغمدوض يصدبح‬
‫فصيحا‪.‬‬

‫ووافددق اب ي حجيية الحمييو (‪837‬هييـ) أب دا حيددان التوحيدددي السددكاكي وابددن‬


‫األثير وابن أبي اإلصبع والنويري ووافقهم فدي ذلدك أيضدا العالمدة الندواجي فدي‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬تحرير التحبير‪ ،‬البن أبي اإلصبع (و‪.)421‬‬
‫(‪)2‬غرر الخصائص الواضحة وغرر النقائض الفاضحة ( و‪ )183‬أبو إسحق برهان الدين‬
‫إبراهيم بن يحيى الوطواط‪ ،‬ط األدبية ـ القاهرة‪1318 ،‬هـ‪.‬‬
‫(‪ )3‬نهاية األرب في فنون األدب‪ ،‬للنويري (‪.)7/6‬‬

‫‪269‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫(‪)1‬‬
‫تعريفه الذي ينص على أن الفصاحة‪" :‬خلوو الكالم عن التعقيد"‬

‫ووازن بعض النقاد بين الفصاحة والبالغة‪ ،‬ومنهم ‪:‬‬

‫أبييوهالل العسييير (ت‪395‬هييـ) الددذي رأي أن الفصدداحة والبالغددة ترجعددان‬


‫أصلهما‪ ،‬وقد سبق اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬ ‫إلى معنى واحد‪ ،‬وإن اختل‬

‫كمدددا جعدددل الفصددداحة مختصدددة باأللفددداظ والبالغدددة بدددالمعنى ‪ ،‬فقدددال‪ّ " :‬‬
‫إن‬
‫الفصاحة تمام آلة البيان فهى مقصورة على اللفدظ؛ ألن اآللدة تتعلّدق بداللفظ دون‬
‫المعنددى؛ والبالغددة إنمدددا هددى إنهددداء المعنددى إلدددى القلددب فك نهدددا مقصددورة علدددى‬
‫(‪)2‬‬
‫المعنى" ‪.‬‬

‫ووافقدده فددي هددذا الفددرق ابيي سيينان الخفيياجي(‪466‬هييـ) حيددث قددال ‪ " :‬إن‬
‫األلفاظ ‪ ،‬والبالغة ال تكون إال وصفا لأللفاظ مع‬ ‫الفصاحة مقصورة على وص‬
‫المعاني ‪ ،‬وكل كالم بلي فصيح‪ ،‬وليس كل فصيح بليغا "(‪. )3‬‬

‫وخالفهما اب األثير(ت‪637‬هـ)؛ حيث أشار إلدى أن البالغدة شداملة لأللفداظ‬


‫والمعاني‪ ،‬وهي أخصّ من الفصاحة‪ ،‬كاإلنسان من الحيوان‪ ،‬فكل إنسا عن حيوان‪،‬‬
‫ولديس كدل حيدوان إنسددانا‪ ،‬وكدذلك يقدال‪ :‬كددل كدالم بليد فصدديح‪ ،‬ولديس كدل كددالم‬
‫فصيح بليغا"(‪. )4‬‬

‫وكرر اب األثير(‪637‬هـ) قول اب سنان الخفاجي‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)414/2‬‬
‫(‪ )2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ )3‬سرالفصاحة‪،‬البن سنان الخفاجي(و‪.)49‬‬
‫(‪)4‬انظر‪ :‬المثل السائر‪،‬البن األثير ( و‪.)94‬‬

‫‪270‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وفرق بينها وبين الفصاحة من وجه آخر غير الخاوِّ والعدام‪ ،‬وهدو أنهدا ال‬
‫تكون ّإال في اللفظ والمعنى بشرط التركيب‪ ،‬فدإن اللفظدة الواحددة ال يطلدق عليهدا‬
‫المخدددتص‬ ‫اسددم البالغددة‪ ،‬ويطلدددق عليهددا اسدددم الفصدداحة؛ إذ يوجددد فيهدددا وصدد‬
‫البالغة فال يوجد فيها؛ لخل ِّوها من المعندى‬ ‫بالفصاحة‪ ،‬وهو الحسن‪ ،‬وأ فما وص‬
‫المفيد الذي ينتظم كالما‪.‬‬

‫وفددرق ابيي حجيية بددين الفصدداحة والبالغددة بخالصددة أخددذها عندده العالميية‬
‫النواجي ووافقه وأيد رأ يه فيها‪:‬‬

‫والبالغددة هددي أن يبل د المددتكلم بعبارتدده كندده مددراده‪ ،‬مددع إيجدداز بددال إخددالل‪،‬‬
‫وإطالة من غير إمالل‪.‬‬

‫والفصاحة خلوو الكالم من التعقيد‪ .‬وقيل‪ :‬البالغة في المعداني والفصداحة‬


‫في األلفاظ‪ ،‬فيقال‪:‬‬

‫لفددظ فصدديح ومعنددى بلي د ‪ .‬والفصدداحة خاصددة تقددع فددي المفددرد‪ ،‬يقددال كلمددة‬
‫فصيحة‪ ،‬وال يقال كلمة بليغة‪ ،‬وأنت تريد المفرد‪ ،‬فإنده يقدال للقصديدة كلمدة‪ ،‬كمدا‬
‫قالوا‪ :‬كلمة لبيد‪ .‬ففصاحة المفرد خلوصه من تنافر الحروف‪ ،‬والفصاحة أعم من‬
‫البالغدة؛ ألن الفصداحة تكددون صدفة للكلمددة والكدالم‪ ،‬يقدال‪ :‬كلمددة فصديحة وكددالم‬
‫بهددا إال الكددالم‪ ،‬فيقددال‪ :‬كددالم بليد ‪ ،‬وال يقددال‪ :‬كلمددة‬ ‫فصدديح‪ .‬والبالغددة ال يوصد‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬ ‫المتكلم بهما فيقال‪ :‬متكلم فصيح بلي‬ ‫بليغة‪ .‬واشتركا في وص‬

‫ووافددق النددواجي ابددن حجددة فددي تفريقدده بددين الفصدداحة والبالغددة‪ ،‬وأيددد رأيدده‬
‫إليه شيئا ‪.‬‬ ‫واكتفى به ولم يض‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬خزانة األدب‪ ،‬البن حجة الحموي (‪.)414/2‬‬

‫‪271‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫وقددال الفخيير الييراز (ت‪606‬هييـ)(‪ )1‬فددي نهايددة اإليجدداز‪ :‬وأكثددر البلغدداء ال‬
‫يكدددادون يفرقدددون بدددين البالغدددة والفصددداحة‪ ،‬بدددل يسدددتعملونها اسدددتعمال الشددديئين‬
‫المترادفين على معنى واحد في تسوية الحكم بينهما‪.‬‬

‫ويشدددهد لدددذلك قدددول الجيييوهر (ت‪400‬هيييـ)(‪ )2‬فدددي الصدددحا ‪ :‬والبالغدددة‪:‬‬


‫الفصاحة(‪.)3‬‬

‫وتقدمه إلى هذا أبو هالل في الصناعتين كما سبق ذكره‪.‬‬

‫وهكذا مهما بعدت الفروق وتقاربت تظل البالغة والفصاحة أمرين أساسين‬
‫يعين دان القددارئ والسددامع ‪ -‬للغددة العربيددة عامددة وللقددرآن الكددريم خاصددة – علددى‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري‪ ،‬أبو عبد ه‪ ،‬فخر الدين الرازي‪ :‬اإلمام‬
‫المفسر‪.‬‬
‫أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم األوائل‪ ،‬وهو قرشي النسب‪ ،‬أصله من طبرستان‪،‬‬
‫ومولده في الري وإليها نسبته‪ .‬مفسر‪ ،‬متكلم‪ ،‬فقيه‪ ،‬أصولي‪ ،‬حكيم‪ ،‬أديب‪ ،‬شاعر‪ ،‬طبيب‪،‬‬
‫مشارك في كثير من العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬والحكمية‪ ،‬والرياضية‪ .‬وفيات األعيان( ‪/1‬‬
‫‪)602 – 600‬‬
‫هو‪ :‬إسماعيل بن حماد الجوهري‪ ،‬إمام علم اللغة واألدب‪ ،‬أصله من بالد الترك من فاراب‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫رحل إلى العراق‪ ،‬وتلقى العلم من شيخين عظيمين من شيوخ العربية هما‪ :‬أبوعلي الفارسي‬
‫ت ‪356‬هـ‪ ،‬وأبو سعيد السيرافي المتوفى ‪368‬هـ‪ ،‬ثم سافر إلى الحجاز‪ ،‬وطاف ببالد ربيعة‬
‫صحاحه في نيسابور‪ ،‬وتوفي في حدود‪400‬هــ‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫ومضر‪ ،‬ثم عاد إلى خراسان وأل‬
‫البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة‪ )10/1(،‬لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪ ،:‬تحقيق د‪/‬‬
‫محمد المصري ‪ -‬مطبعة الفيصل الكويت‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‪ .‬وبغية الوعاة في‬
‫طبقات اللغويين والنحاة‪ )446/1( ،‬لعبدالرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ .‬تحقيق‬
‫محمد أبي الفضل إبراهيم‪ .‬الطبعة األولى‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه سنة‬
‫‪.1964/1384‬‬
‫(‪)3‬الصحا تاج اللغة وصحا العربية (‪ - )1316 /4‬دار العلم للماليين‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثاني‬

‫استشعار حالوة اللغة وإيجازهدا وجزالتهدا‪ ،‬والتدي تدزداد جمداال وتد ثيرا بمعرفدة‬
‫وفهم ألفاظ القرآن الكريم ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫الفصل الثالث‬

‫مصادر المؤلف‬

‫وفيه أربعة مباحث‪:‬‬


‫‪‬المبحث األول ‪ -‬كتاب نقد الشعر‪.‬‬
‫‪‬المبحث الثاني ‪ -‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه‪.‬‬
‫‪‬المبحث الثالث‪ -‬كتاب تحرير التحبير‪.‬‬
‫‪‬المبحث الرابع ‪ -‬كتاب خزانة األدب وغاية األرب‪.‬‬

‫* *‬ ‫* ** *‬ ‫* *‬

‫‪274‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫المبحث األول‪ -‬كتاب نقد الشعر‪.‬‬


‫نقد الشعر‪.‬‬ ‫عنوانه ‪:‬‬
‫قداميية ب ي جعفيير ب ي قداميية ب ي زييياد البغييداد ‪ ،‬أبييو الفيير (ت‬
‫‪337‬هـ)‪.‬‬
‫مولوعه ‪ :‬نقد الشعر وتخلديص جيدده مدن رديئده ‪ .‬وقدد زعدم قدامدة أنده لدم‬
‫يجد أحدا وضع كتابا في نقد الشعر‪ ،‬وأن الناس قصروا في ذلدك ‪ ،‬فوضدع كتابده‬
‫نقد الشعر ‪.‬‬
‫منخص محتواه ‪ :‬افتتح قدامة كتابه بالكالم عن حد الشعر وتعريفه ‪ ،‬ثم تكلم‬
‫عددن صددناعة الشددعر وصددفاته ومعانيدده ‪ ،‬ثددم ف ّ‬
‫صددل النعددوت فددي اللفددظ والمعنددى‬
‫والنسيب ‪ ،‬وتكلدم فدي‬ ‫والوزن ‪،‬ونعت القوافي والمد ‪ ،‬ونعت التشبيه والوص‬
‫المعداني الشددعرية وصددحة التقسديم والمقددابالت والتفسددير ‪ ،‬ثدم ذكددر أنددوا نعددوت‬
‫المعاني كالتتميم والمبالغة والتكافي وااللتفات وغيرها ‪.‬‬
‫ثدددم أورد نعدددت ائدددتالف اللفدددظ مدددع المعندددى وأنواعددده ‪ :‬المسددداواة واإلشدددارة‬
‫واإلرداف والتمثيل وغيره ‪.‬‬
‫ويكمل بعد ذلك ‪ ،‬فيورد نعت ائتالف اللفظ والوزن ‪ ،‬ونعت ائتالف المعندى‬
‫والوزن ‪ ،‬ونعت ائتالف القافية ‪.‬‬
‫وحذر من عيوب الشعر‪ ،‬وذكر أنواعها ‪ ،‬ثم عيوب اللفظ ‪.‬‬
‫وتكلم في عيوب الوزن ومنها ‪ :‬الخروج عن العروض والتخليع والزحاف‪،‬‬
‫كما أورد عيوب القوافي كالتجميع واإلقواء واإليطاء والسناد ‪.‬‬
‫ويعود ويتكلم عن العيوب العامدة للمعداني مدن فسداد القسدم والتكريدر وفسداد‬
‫المقابالت وغيرها‪.‬‬
‫وقد كان قدامة أوسع أهل زمانه علمدا ‪ ،‬وأغدزرهم مدادة ‪ ،‬وأحسدنهم معرفدة‬

‫‪275‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫وبراعة في اللغة واألدب ‪ ،‬والفقه ‪ ،‬والكالم(‪.)1‬‬


‫وقد أخذ النواجي هذا الكتاب قضية حد الشعر وقضية اللفظ والمعنى‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬نقد الشعر ‪ ،‬لقدامة بن جعفر ‪ ،‬ومقدمة الكتاب‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده‬


‫عنوانه ‪ :‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ‪.‬‬
‫المؤلف‪ :‬أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني األزدي ( ت‪463 :‬هـ )‬
‫المحقق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد ‪.‬‬
‫مولييوعه ‪ :‬ويظهددرمن عنددوان الكتدداب ف‬
‫أن موضددوعه فددي الشددعر ومحاسددنه‬
‫وآدابه ‪.‬‬
‫فدي الكتداب أحسدن مدا قالده كدل واحدد ممدن‬ ‫منخص محتيواه ‪ :‬جمدع الميلد‬
‫في معاني الشعر ومحاسنه وآدابه ‪.‬‬ ‫صن‬
‫كما ع ّول ميلفه فيه على قريحة نفسده ‪ ،‬ونتيجدة خداطره ‪ ،‬خدوف التكدرار ‪،‬‬
‫مواقعهدا ‪ ،‬وسدرعة ت ثيرهدا فدي‬ ‫وتميز بسالمة الطبع ‪ ،‬ورقدة المعداني ‪ ،‬ولطد‬
‫النفوس ‪ ،‬وهو أديب وشاعر ‪.‬‬
‫وتقيددد ابددن رشدديق فيدده بددرأي العلمدداء القدددامى ال يخددرج عددنهم ‪ ،‬فقددد احتددوي‬
‫كتابه على خالصة آراء النقاد الذين سبقوه في النقد األدبي ‪.‬‬
‫وهددو الكتدداب الددذي خلددد اسددمه وشددهرته مددن بددين آثدداره‪ ،‬فهددو موسددوعة فددي‬
‫الشعر ومحاسنه ولغتده وعلومده ونقدده وأغراضده‪ ،‬والبالغدة وفنونهدا‪ ،‬ومدا البدد‬
‫لألديب من معرفته مدن أصدول علدم األنسداب‪ ،‬وأيدام العدرب‪ ،‬وملوكهدا وخيولهدا‬
‫وبلدانها‪ ،‬وفيه ‪ 59‬بابا في فصول الشعر وأبوابه‪ ،‬و‪ 39‬بابا في البالغة وعلومها‬
‫و ‪ 9‬أبددواب فددي فنددون شددتى‪ .‬ومددن أبوابدده الممتعددة بدداب سددرقة الشددعر وأنواعهددا‪:‬‬
‫كالسدددلخ واالصدددطراف واالنتحدددال واإلغدددارة والغصدددب والمرادفدددة واالهتددددام‬
‫واإللمام واالختالس والمواردة(‪.)1‬‬
‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬العمدة في محاسن الشعر وآدابه ‪ ،‬ابن رشيق ‪ ،‬ومقدمة الكتاب‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫قال ابن خلدون‪( :‬وهو الكتاب الذي انفرد بهدذه الصدناعة ‪ ،‬وإعطداء حقهدا ‪،‬‬
‫ولم يَكتب فيها أحد قبله وال بعده مثله ) (‪. )1‬‬
‫وقددد أخددذ النددواجي مددن هددذا الكتدداب قضددية التشددبيه القبدديح وقضددية عمددل الشددعر‬
‫وتهذيبه والمبادئ والمقاطع وبراعة االستهالل‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬تاريخ ابن خلدون (‪.)791/1‬‬

‫‪278‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الثالث‪ -‬كتاب تحرير التحبير‬


‫عنوانييه ‪ :‬هييو تحرييير التحبييير فييي صييناعة الشييعر والنثيير وبيييان إعجيياز‬
‫( ت‪654‬هـ )‬ ‫الب أبي اإلصبع المصر‬ ‫القرآن‬
‫مولييوعه ‪ :‬ومددن عنددوان الكتدداب يظهددر أن موضددوعه فددي األدب العربددي‬
‫شعره ونثره عامة ‪ ،‬وبيان اعجداز القدرآن الكدريم خاصدة ‪ ،‬كمدا للكتداب نصديب‬
‫من اسمه في تحرير وتقويم الشيء ؛ حيث أزال ما أسق منه ‪ ،‬وق ّوم معوجّه ‪.‬‬
‫منخييص محتييواه ‪ :‬افتددتح ابددن أبددي اإلصددبع كتابدده بعددد التحميددد بذكرمحاسددن‬
‫الكددالم واأللددوان البالغيددة التددي وجدددت فددي عصددره ‪ ،‬واستشددهد لهددا بددالمنظوم‬
‫والمنثور؛ ليثبت بذلك إعجاز القرآن الكريم فهو غاية الدراسة البالغية ‪.‬‬
‫في كتابه ألوان البديع التدي جداء بهدا ابدن المعتزفدي بديعده‬ ‫وقد جمع الميل‬
‫قدامة في نقده‪.‬‬
‫وجعلها أصوال ثم أورد األلوان التدي اكتشدفها العلمداء مدن بعدد ابدن المعتدز‪،‬‬
‫وقدامة وسماها الفرو ‪.‬‬
‫ثم يد تي بداألنوا البديعيدة ‪ ،‬ويعرفهدا تعريفدا اصدطالحيا متفقدا مدع مسدماه ‪،‬‬
‫وإن رأي الغريب منها تعرض للمعنى اللغوي ‪ ،‬ثم يناقش السدابقين فدي آرائهدم ‪،‬‬
‫ويددذيل المناقشددة برأيدده ‪ ،‬ويفددرق بددين الملتددبس مددن األلددوان البديعيددة ويدددعم ذلددك‬
‫بالشددواهد القرآنيددة واألحاديددث النبويددة ؛ ليثبددت وجودهددا فددي القددرآن ‪ ،‬ويتبعهددا‬
‫بالشواهد الشعرية ‪ ،‬ثم أثبت حسن الخاتمدة فدي السدور واآليدات ‪ ،‬ومدا يددل عليده‬
‫سائر الكالم ‪،‬كذلك أشدار إلدى تقدارب الجمدل فدي القدرآن واالنسدجام بدين ألفاظهدا‬
‫مفردة ومجتمعة ‪ ،‬وك نها تجري على وزن خاو‪.‬‬
‫يتخيدر الشداعرألفاظه‬ ‫بابدا فدي التهدذيب وبدين أهميتده‪ ،‬وكيد‬ ‫وذكر الميلد‬
‫أن القددرآن قددد حددوي صددفات األدب الخالدددة ‪ ،‬وقددد‬ ‫ويهددذبها ‪ ،‬كمددا أثبددت الميل د‬

‫‪279‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫استشعرها الناس وأدركوها في إعجازه وصفاته ‪.‬‬


‫وبيفن تعاليم القرآن ومثله العليا وقيمه األخالقية التي مألت ألفاظه ومعانيه ‪.‬‬
‫فددي ت ليفدده للكتدداب األسددلوب العلمددي الددذي يعتمددد علددى أداء‬ ‫وسددلك الميل د‬
‫الحقائق ‪ ،‬والدقة في البحث ‪ ،‬واألسلوب األدبي الذي غايته التد ثير ‪ ،‬كمدا يتنداول‬
‫آراء من سبقه ويناقشها ‪.‬‬
‫وقد اختصر من كتاب تحرير التحبير بديع القرآن(‪. )1‬‬
‫وقددد أخددذ النددواجي مددن هددذا الكتدداب قضددية عمددل الشددعر ووصددايا للشدداعر‬
‫وقضدددية تمكدددين القدددوافي‪ ،‬وقضدددية الدددتخلص وقصدددية نثدددر المنظدددوم ‪ ،‬وقضدددية‬
‫الفصاحة‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬كتاب تحرير التحبير ‪ ،‬ابن أبي اإلصبع ومقدمة الكتاب‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫المبحث الرابع‪ -‬كتاب خزانة األدب وغاية األرب‪.‬‬


‫خألانة األدة وغاية األرة‬ ‫عنوانه ‪:‬‬
‫الحمييو‬ ‫ابيي حجيية الحمييو تقييي الييدي أبييو بييير بيي عنييي بيي عبييد‬
‫األزرار (ت ‪837‬هـ )‪.‬‬
‫مولوعه ‪ :‬وعند النظدر فدي اسدم الكتداب يتبدادر إلدى أذهانندا سدعة علمده ‪،‬‬
‫وكثرة فنونه التي طرقها فكان كموسوعة امتألت بشتى فنون األدب‪.‬‬
‫منخص محتواه ‪ :‬إن كتاب خزانة األدب في األصل هدو شدر لبديعيتده فدي‬
‫مددد الرسددول الكدريم‪ ،‬وعددد فيهددا مددن أنددوا البددديع مئدة واثنددين وأربعددين نوعددا‪،‬‬
‫اسددتهلها ببراعددة االسددتهالل التددي أنش د ها كمددا يددذكر هددو "برسددم مددن محمددد بددن‬
‫البارزي " صاحب ديوان اإلنشاء وقد حذا فيها حذو "طرز البردة" بعد أن وق‬
‫محمد بن البارزي على بديعية الشيخ عزالدين الموصلي التدي التدزم فيهدا تسدمية‬
‫النو البديعي‪ ،‬وسمى ابن حجة بديعيته تلك "تقديم أبدي بكدر‪ " ،‬وحداول فيهدا أن‬
‫ينسج على منوال عز الدين الموصلي‪ ،‬في تضمين األبيات ألفاظا يشدير بهدا إلدى‬
‫األنوا البديعية ‪.‬‬
‫وملئ كتاب خزانة األدب بدررعلومه ‪ ،‬وجواهر معارفه ‪ ،‬وكان له نصديب‬
‫من اسمه فهو كخزانة امتألت بفنون األدب المختلفة مدن اللغدة والبالغدة والنقدد ‪،‬‬
‫ومنثور الكالم ومنظومه واألزجال واألمثلة واالستطرادات وبعض النكت ‪ ،‬كما‬
‫احتددوي علددى االستشددهادات مددن القددرآن والشددعر والنثددر‪ ،‬ويمكننددا القددول إن هددذا‬
‫الكتاب انحصربين العصرين المملوكي واأليوبي ‪ ،‬وهو مرجع أدبي عام ‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفصل الثالث‬

‫ومن ضمن مااحتواه الكتاب االئتالف ‪ ،‬والتددبيج ‪،‬وبراعدة الطلدب ‪ ،‬والعقدد‬


‫والتمكين ‪ ،‬وختم تلك األلوان البديعية بحسن الخاتمة(‪. )1‬‬
‫وقد أخذ النواجي من هذا الكتاب ‪ ،‬قضية المطالع والمبادئ وحسدن االبتدداء‬
‫وقضية حسن الخاتمة وقضية السجع ‪ ،‬وفواصل القرآن وقضية براعدة الدتخلص‬
‫وقضية نثر المنظوم وقضية البالغة والفصاحة‪.‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪)1‬انظر‪ :‬كتاب خزانة األدب وغاية األرب‪ .‬البن حجة الحموي‪ ،‬ومقدمة الكتاب‪.‬‬

‫‪282‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الخاتمــــــــة‬

‫الخاتمة‬

‫‪283‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الخاتمــــــــة‬

‫الخاتمة‬
‫الحمد ا الرحمن على ماعلّم من البيان ‪ ،‬وألهم من التبيان ‪ ،‬وأكرم ببلو‬
‫التمام ‪ .‬وأعوذ باا من فتنة القول وزلة اللسان ‪ ،‬ومن علم ال ينفع وال يرفع‬
‫اإلنسان ‪.‬‬
‫والصالة والسالم على خير األنام ‪ ،‬سيد البلغاء وأكرم الفصحاء ‪ ،‬وعلى‬
‫آله ومن تبعهم بإحسان ‪.‬‬
‫خرجت الباحثة من هذه الدراسة ب برز النتائج التي كانت تصب أغلبها في‬
‫بوتقة اآلراء النقدية األدبية للنواجي؛ ألن دراسة آرائه وإبرازها في القضايا‬
‫الشعرية السابقة الذكر كانت محطا للعرض و الدراسة و التحليل ‪.‬‬
‫وم أهم وأبرز النتائج والتوصيات اآلتي‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬النتائج‬
‫‪ -1‬تميز الشعر ببقائه على أفواه الرواة مع امتداد الزمان به؛ الرتباط بعضه‬
‫ب جزاء بعض‪ ،‬وتضمنه من الرغبات ما أشبع الذوق العربي إلى عصرنا‬
‫الحاضر‪.‬‬
‫‪ -2‬إنّه متى استقام اللفظ واستوي المعنى تكونت القصيدة ك رو ما تكون ‪.‬‬
‫وخصوصا إذا ارتب الوزن بالشعر ارتباطا وثيقا فهو أسّ من أساس تكوينه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الوقوف على عمل الشعر بالمراجعة وترداد النظر وتهذيب القول من‬
‫ضروريات العمل المتقن فهو عمل عقلي وشعوري يتطلب قدرا عظيما من‬
‫المعرفة المتنوعة ‪.‬‬
‫‪ -4‬إن قضية االهتمام باالبتداءات (المطالع ) والختام (المقاطع ) ؛ مما يلفت‬
‫انتباه وأسما الحضور‪ ،‬ويزيد وقع األثر المراد في نفوسهم ‪.‬‬
‫‪ -5‬إن قضية تمكين القوافي التي هي آخر ما يذكر في البيت الشعري‬
‫وتهذيبها ضرورة من ضرورات الشعر العربي األصيل‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الخاتمــــــــة‬

‫‪ -6‬إن قضية السرقات في الشعر باب متسع ‪ ،‬ال يمكن ألحد ادعاء السالمة‬
‫منه ‪ .‬وهذه النتيجة التي تبنتها الدراسة موافقة لقول العالمة ابن رشيق ‪.‬‬
‫‪ -7‬بر المحْ دثون في قضية التخلص ‪ ،‬وأبدعوا فيه بخالف األوائل من‬
‫قبلهم ‪.‬‬
‫فيه‬ ‫‪ -8‬إن االهتمام بقضية السجع حلية تزيد القول ت نقا وجماال ‪ ،‬والتكل‬
‫غلو وإغراق ‪.‬‬
‫أظ رت الدراسة انفراد النواجي بآراء نقدية أدبية ع غيره ومن ا ‪:‬‬
‫أ‪ -‬حصره لمصادر ثقافة الشاعر المبتدئ في وصية أبي بكر الخوارزمي‬
‫بخالف غيره ‪.‬‬
‫ب‪ -‬مراعاته للقصيدة قبل عملها وأثنائها وبعد الفرا منها في قضية عمل‬
‫الشعر داللة على دقة نظرته ‪.‬‬
‫والوهن الذي أصاب النصوو األدبية في عصره‬ ‫جـ‪ -‬إدراك النواجي للضع‬
‫مع بُعد نظرته‪ ،‬دفعه للتركيز الشديد في آرائه دون إسهاب ومن أشد الدالالت‬
‫على ذلك موافقة آرائه لبعض النقاد من قبله ؛ مما دفعه إلى اقتراب عباراته‬
‫بشدة من عبارات سلفه ‪ ،‬وإال كان تكرار رأيه من نافلة القول‪.‬‬
‫د ‪ -‬لم يصر النواجي بعنصر الخيال إال أنه اكتفى بذكر مقدماته كما سبق‬
‫تفصيله ‪.‬‬
‫بعض النقاد للنواجي ب نه ناقل يضفي على شخصيته شيئا من‬ ‫هـ‪ -‬وصْ‬
‫السطحية والحيادية‪ ،‬وهذا ال يتوافق مع موقفه من فترة ركود النص األدبي التي‬
‫شهدها ذلك العصر؛ مما دفع به أن يخرج رسالة نقدية مركزة لتحريك عجلة‬
‫النص األدبي بغية النهوض بها‪.‬‬
‫و‪ -‬إن للنواجي بصمة قوية و حضورا مميزا في فن الشعر و النثر ظهر ذلك‬
‫من خالل رسالته النقدية ‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الخاتمــــــــة‬

‫ثانيا ‪ -‬التوصيات ‪:‬‬


‫بناء على النتائج السابقة خرجت الباحثة بمجموعة من التوصيات العلمية‬
‫التي ت مل أن تسهم في دفع عجلة البحث و المدارسة في الفكر التراثي األدبي‬
‫عند الشعراء و األدباء العرب ‪ ،‬وم أبرز التوصيات ما يني ‪:‬‬
‫القيام بدراسة أدبية نقدية تعتمد على المنهج التاريخي التحليلي تدرس‬ ‫‪-‬‬
‫عوامل الركود في النص األدبي في عصر من العصور اإلسالمية ‪ ،‬والبحث‬
‫عن دور األدباء و النقاد في ذلك العصر للنهوض بالنص األدبي ‪.‬‬
‫دراسة الحس اإلسالمي لدي النواجي من خالل ميلفاته وتناوله للقضايا ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫القيام بدراسة مصادر ثقافة الشاعر المبتدئ عند النواجي وتحليلها ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الوقوف بدراسة منصفة على الم خذ التي أخذت على النواجي وتقديم‬ ‫‪-‬‬
‫المبررات حيال ذلك ‪.‬‬
‫وختاما أتمثل قول األصف اني ‪:‬‬
‫" لقد رأيت أنه ال يكتب إنسانا كتابا في يومه إال قال في غده ‪ :‬لو غير هذا‬
‫لكان أحسن ‪ ،‬ولو زيد هذا لكان يستحسن ‪ ،‬ولوقدم هذا لكان أفضل ‪ ،‬ولو ترك‬
‫هذا لكان أجمل ‪ ،‬وهذا من أعظم من العبر ‪ ،‬وهو دليل على استيالء النقص‬
‫على جملة البشر "(‪.)1‬‬
‫وإني ألتمس العذر للنقص في بحثي بقول الشاعر ‪:‬‬
‫ما القيت من عوج‬ ‫ركاب النجْ ب ذا عرج‪...‬ميمال كش‬ ‫أسير خل‬
‫فإن لحقت بهم من بعد ما سبقــــوا ‪ ...‬فكـــــم ا في ذاك من فـــرج‬
‫وإن بقيت بظهر األرض منقطعا‪...‬فما على عرج في ذاك من حرج‬

‫ـ ـ ـ ـ ــ ـ‬
‫(‪ )1‬هذه العبارة للعماد األصفهاني‪ ،‬وقد أوردها طه عبد الرؤوف في مقدمة تحقيقه لكتاب إعالم‬
‫الموقعين (و‪.)12‬‬

‫‪286‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الخاتمــــــــة‬

‫وص ّل اللهم وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد ا رب العالمين‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫الفهــــارس‬
‫‪ -1 ‬ف رس اآليات القرآنية‪.‬‬
‫‪ -2 ‬ف رس األحاديث النبوية‪.‬‬
‫‪ -3 ‬ف رس الدوريات‪.‬‬
‫‪ -4 ‬ف رس األعالم‪.‬‬
‫‪ -5 ‬ف رس المصادر والمراجع‪.‬‬
‫‪ -6 ‬قائمة المحتويات‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪ -1‬فهرس اآليات القرآنية‬

‫الصفحة‬ ‫رقم اآلية‬


‫اآليــــــــــــــــــــــــــــــــــــات‬
‫سورة البقرة‬
‫‪6‬‬ ‫‪172‬‬ ‫‪ ‬واشكروا ا إن كنتم إياه تعبدون ‪‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪133‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ ‬يَا أَيهَا النفاسُ اتفقُوا َربف ُك ُم الفذي خَ لَقَ ُك ْم م ْن نَ ْف ع‬
‫س َواح َد عة‪....‬‬

‫سورة هود‬
‫‪239‬‬ ‫‪10-9‬‬ ‫‪َ ‬ولَئ ْن أَ َذ ْقنَا اإل ْن َسانَ منفا َرحْ َمة ثُ فم نَزَ ْعنَاهَا م ْندهُ إنفدهُ لَ َيئُدوس َكفُدور‪،‬‬

‫ات َعنِّدي إنفدهُ‬


‫َب ال فسيِّئَ ُ‬ ‫َولَئ ْن أَ َذ ْقنَاهُ نَ ْع َما َء بَ ْع َد َ‬
‫ضرفا َء َم فس ْتهُ لَيَقُولَ فن َذه َ‬

‫لَفَر فَ ُخور‪‬‬

‫سورة إبراهيم‬
‫‪256‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪‬هذا بَال للنفاس‪‬‬

‫سورة الفتح‬
‫‪138‬‬ ‫‪3-1‬‬ ‫‪ ‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا‪ ،‬ليغفر لك ه ‪...‬‬

‫سورة مريم‬
‫‪243‬‬ ‫‪َ ‬وقَددالُوا اتفخَ د َذ ال درفحْ َمنُ َولَدددا‪ ،‬لَقَ د ْد ج ْئ دتُ ْم َش ديْئا إ ّدا‪ ،‬تَ َكددا ُد ال فس د َم َو ُ‬
‫ات ‪-89-88‬‬

‫‪90‬‬ ‫األرْ ضُ َوتَخر ْالج َبا ُل َه ّدا‪‬‬


‫َيتَفَطفرْ نَ م ْنهُ َوتَ ْن َشق ْ َ‬
‫سورة الحج‬
‫‪133‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪‬يَا أَيهَا النفاسُ اتفقُوا َربف ُك ْم إ فن زَ ْلزَ لَةَ السفاعَة َش ْيء عَظيم‪...‬‬

‫سورة المؤمنون‬
‫‪166‬‬ ‫‪14-12‬‬ ‫دين‪ ،‬ثُد فم َج َع ْلنَدداهُ نُ ْ‬
‫طفَددة فددي‬ ‫‪َ ‬ولَقَد ْد خَ لَ ْقنَددا ْاإل ْن َسددانَ مد ْن ُسدداللَ عة مد ْدن طد ع‬

‫‪289‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫الصفحة‬ ‫رقم اآلية‬


‫اآليــــــــــــــــــــــــــــــــــــات‬

‫طفَ دةَ َعلَقَددة فَخَ لَ ْقنَددا ْال َعلَقَ دةَ ُمضْ دغَة فَخَ لَ ْقنَددا‬
‫دين‪ ،‬ثُ د فم خَ لَ ْقنَددا الن ْ‬
‫ار َمكد ع‬ ‫قَد َ‬
‫در ع‬

‫ْال ُمضْ َغةَ عظَاما فَ َك َسوْ نَا ْالعظَا َم لَحْ ما‪‬‬

‫سورة الفرقان‬
‫‪245 ، 241‬‬ ‫‪13-11‬‬ ‫ب السفداعَة َسدعيرا‪ ،‬إذا َرأَ ْتهُد ْم‬
‫‪‬بَلْ َك فذبُوا بالسفداعَة َوأَ ْعتَد ْدنا ل َم ْدن َك فدذ َ‬
‫دان َبعي د عد َسددمعُوا لَهددا تَغَيظددا َوزَ فيددرا‪َ ،‬وإذا أ ُ ْلقُددوا م ْنهددا َمكانددا‬
‫مد ْدن َمكد ع‬
‫ضيِّقا ُمقَرفنينَ َدعَوْ ا هُنالكَ ثُبُورا ‪‬‬
‫َ‬

‫سورة الشعراء‬
‫‪169‬‬ ‫‪18-17‬‬ ‫‪‬قالوا آمنا برب العالمين‪ ،‬رب موسى وهارون ‪‬‬

‫سورة القصص‬
‫‪266 ، 262‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪َ ‬وأَخي هَا ُرونُ ه َُو أَ ْف َ‬
‫ص ُح منِّي ل َسانا‪‬‬

‫سورة األحزاب‬
‫‪234‬‬ ‫‪64‬‬ ‫ه لَ َعنَ ْال َكافرينَ َوأَ َع فد لَهُ ْم َسعيرا‪ ،‬خَالدينَ فيهَا أَبَدا ‪‬‬
‫‪ ‬إ فن ف َ‬

‫سورة فصلت‬
‫‪231 ، 165‬‬ ‫‪170‬‬ ‫‪ ‬كتاب فُصِّ ْ‬
‫لت آياتُهُ ‪‬‬

‫سورة الذاريات‬
‫‪89‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪َ ‬وباألَس َ‬
‫ْحار هُ ْم َي ْستَ ْغفرُونَ ‪‬‬

‫سورة الرحمن‬
‫‪248‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ق ْاأل ْن َسانَ *عَلف َمهُ ْالبَيَان‪‬‬
‫‪ ‬الرفحْ َمنُ * عَلف َم ْالقُرْ آنَ * خَ لَ َ‬

‫‪290‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫الصفحة‬ ‫رقم اآلية‬


‫اآليــــــــــــــــــــــــــــــــــــات‬

‫سورة نوح‬
‫‪240‬‬ ‫‪14-13‬‬ ‫‪ ‬ما لَ ُك ْم ال تَرْ جُونَ فا َوقارا َوقَ ْد خَ لَقَ ُك ْم أَ ْ‬
‫طوارا ‪‬‬

‫سورة المدثر‬
‫‪243 ،238‬‬ ‫‪5-1‬‬ ‫‪‬يَاأَيهَددا ْال ُمد فدثِّرُ‪ ،‬قُد ْم فَ َ ْنددذرْ ‪َ ،‬و َربفددكَ فَ َكبِّددرْ ‪َ ،‬وثيَابَددكَ فَطَهِّددرْ ‪َ ،‬والرجْ ددزَ‬

‫فَا ْهجُرْ ‪‬‬

‫سورة المرسالت‬
‫‪238‬‬ ‫‪2-1‬‬ ‫‪َ ‬و ْال ُمرْ َس َالت عُرْ فا‪ ،‬فَ ْال َعاصفَات َعصْ فا‪‬‬

‫سورة اإلنفطار‬
‫‪242 ،240‬‬ ‫‪14-13‬‬ ‫ْرار لَفي نَع عيم َوإ فن ْالفُج َ‬
‫فار لَفي َجح عيم ‪‬‬ ‫‪ ‬إ فن ْ َ‬
‫األب َ‬
‫سورة المطففين‬
‫‪146‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪ ‬ختَا ُمهُ مسْك‪‬‬

‫سورة الغاشية‬
‫‪240، 167‬‬ ‫‪14-13‬‬ ‫‪ ‬فيها ُسرُر َمرْ فُوعَة َوأَ ْكواب َموْ ضُوعَة ‪‬‬

‫‪241‬‬ ‫‪16-15‬‬ ‫ق َمصْ فُوفَة َوزَرابي َم ْبثُوثَة ‪‬‬


‫‪َ ‬ونَمار ُ‬

‫‪239‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪ ‬إ فن إلَيْنا إيا َبهُ ْم ثُ فم إ فن َعلَيْنا حسا َبهُ ْم ‪‬‬

‫سورة الزلزلة‬
‫‪151‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪ ‬إ َذا ُز ْلزلَت ْاألَرْ ضُ ز ْلزَ الَهَا‪‬‬

‫‪151‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ال َذ فر عة خَ يْرا يَ َرهُ َو َمن يَ ْع َملْ م ْثقَ َ‬


‫ال َذ فر عة َشرّ ا يَ َرهُ‪‬‬ ‫‪‬فَ َمن يَ ْع َملْ م ْثقَ َ‬

‫‪291‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫الصفحة‬ ‫رقم اآلية‬


‫اآليــــــــــــــــــــــــــــــــــــات‬

‫سورة الضحى‬
‫‪241‬‬ ‫‪10-9‬‬ ‫‪ ‬فَ َ فما ْاليَتي َم فَال تَ ْقهَرْ ‪َ ،‬وأَ فما السفائ َل فَال تَ ْنهَرْ ‪‬‬

‫سورة العاديات‬
‫‪230‬‬ ‫‪3-1‬‬ ‫ضبحا* فالـ ُموريَات قَدحا *فالـ ُمغ َ‬
‫ـيرات صُبحا‪‬‬ ‫‪‬وال َعاديَات َ‬

‫‪292‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪ -2‬فهرس األحاديث النبوية‬

‫رقم الصفحة‬ ‫طرف الحديث‬


‫‪20‬‬ ‫؟ فأجابه شيء يختنج صدر فينطق‬ ‫((أ خبرني ما الشعر يا عبد‬
‫به لساني ))‬
‫‪138‬‬ ‫((الن م ارفع درجته في ‪))...‬‬
‫‪248‬‬ ‫ض ا ْلبَيَان لَس ْح ٌر))‬ ‫((إنَّ م ْ ا ْلبَيَان لَس ْح ًرا أَ ْو إنَّ بَ ْع َ‬
‫‪20‬‬ ‫(( الشعر كالم مؤلف فما وافق الحق ف و حس وما لم يوافق الحق‬
‫فال خير فيه ))‬
‫‪166‬‬ ‫عنيه وسنم فقال له معاي ‪ :‬مم‬ ‫صنى‬ ‫(( فضحك رسول‬
‫لحي يا رسول ؟ قال ب ا ختم ‪))....‬‬
‫‪19‬‬ ‫((التدع العرة الشعر حتى تدع اإلبل الحني ))‬
‫‪240‬‬ ‫((الن م إقبل توبتى‪ ،‬واغسل حوبتى))‬
‫‪6‬‬ ‫ش ُير –‪))-‬‬ ‫ش ُير الناس لم َي ْ‬ ‫((م لم َي ْ‬
‫‪152‬‬ ‫ش ْيطَانُ َعنَى قَاف َية َرأْس أَ َحد ُك ْم إ َيا ه َُو نَا َم ثَ َال َث ُعقَد‪))...‬‬ ‫(( َي ْعق ُد ال َّ‬

‫‪293‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫َ‬
‫‪ -3‬فهرسُ األعْ ِ‬
‫الم‬

‫رقم الصفحة‬ ‫األعالم‬


‫‪81‬‬ ‫أبو إسحاق إبراهيم بن علي الحصري القيرواني‬
‫‪154‬‬ ‫أبو الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان‬
‫‪161‬‬ ‫أبو بكر بن علي بن عبد ه الحموي‪ ،‬الحنفي اإلزراري‬
‫‪22‬‬ ‫أبو عثمان عمرو بن بحر المعروف بالجاحظ‬
‫‪216‬‬ ‫أبو يحيى وأبو الفضل عيسى بن سنجر بن بهرام بالحاجري‬
‫‪178‬‬ ‫أحمد بن طيفور الخراساني‪ ،‬أبو الفضل‬
‫‪136‬‬ ‫أحمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن عبد الوهاب بن عبادة‬
‫‪34‬‬ ‫أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكتاني‬
‫‪245‬‬ ‫إسماعيل بن عباد بن العباس‪ ،‬أبو القاسم الطالقاني‬
‫‪38‬‬ ‫بشر بن المعتمر الهاللي البغدادي‪ ،‬أبو سهل‬
‫‪35‬‬ ‫حازم بن محمد بن حسن‪ ،‬ابن حازم القرطاجني أبو الحسن‬
‫‪59‬‬ ‫حبيب بن أوس بن الحارث الطائي‬
‫‪31‬‬ ‫الحسن بن رشيق القيرواني أبو علي‬
‫‪29‬‬ ‫الحسن بن عبد ه بن سهل بن سعيد العسكري أبو هالل‬
‫‪251‬‬ ‫خل بن حيان‪ ،‬أبو محرز‪ ،‬المعرو ف باألحمر‬
‫‪154‬‬ ‫الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي األزدي اليحمدي‬
‫‪171‬‬ ‫زبان بن عمار التميمي المازني البصري‪ ،‬أبو عمرو‬
‫‪153‬‬ ‫سليمان بن محمد‬
‫‪206‬‬ ‫السموأل بن غريض بن عادياء األزدي‬
‫‪125‬‬ ‫شبيب بن شيبة بن عبد ه التميمي المنقري االهتمي‬
‫‪19‬‬ ‫شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي الشافعي‬
‫‪67‬‬ ‫عبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بابن أبي االصبع‬
‫‪124‬‬ ‫عبد ه بن المقفع‬
‫‪125‬‬ ‫عبد ه بن محمدد المعتدز بداا بدن المتوكدل بدن المعتصدم بدن الرشديد‬
‫العباسي‬
‫‪33‬‬ ‫عبد ه بن محمد بن سعيد بن سنان‪ ،‬أبو محمد الخفاجي الحلبي‬
‫‪25‬‬ ‫عبد ه بن محمد‪ ،‬الناشئ األنباري‪ ،‬أبو العباس‬
‫‪23‬‬ ‫عبد ه بن مسلم بن قتيبة ‪ ،‬أبو محمد ‪ ،‬الدينوري‬
‫‪247‬‬ ‫عثمان بن جني الموصلي النحوي‬
‫‪221‬‬ ‫علي بن محمد بن الحسن بن يوس ‪ ،‬أبو الحسن‬
‫‪235‬‬ ‫علي بن محمد بن العباس التوحيدي‪ ،‬أبو حيان‬
‫‪252‬‬ ‫عمرو بن مسعدة بن سعد بن صول‪ ،‬أبو الفضل الصولي‬
‫‪28‬‬ ‫قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد البغدادي‪ ،‬أبو الفرج‬
‫‪25‬‬ ‫لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر العامري‬
‫‪27‬‬ ‫محمددد بددن أحمددد بددن محمددد بددن أحمددد بددن إبددراهيم طباطبددا‪ ،‬الحسددني‬
‫العلوي‬

‫‪294‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫رقم الصفحة‬ ‫األعالم‬


‫‪153‬‬ ‫علي النحوي المعروف بقطرب‬ ‫محمد بن المستنير أبو ّ‬
‫‪21‬‬ ‫محمد بن سالم بن عبيد ه بن سالم البصري‪ ،‬الجمحي‬
‫‪272‬‬ ‫محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري‬
‫‪219‬‬ ‫محمد بن محمد بن محمد بن الحسن الجذامي الفارقي المصري‬
‫‪19‬‬ ‫محمددد بددن مكددرم بددن علددى‪ ،‬أبددو الفضددل‪ ،‬جمددال الدددين بددن منظددور‬
‫األنصاري‬
‫‪192‬‬ ‫محمد بن وهيب الحميري‪ ،‬أبو جعفر‬
‫‪227‬‬ ‫محمد بن يزيد بن عبد األكبدر األزدي البصدري أبدو العبداس الثمدالي‬
‫المبرد‬
‫‪26‬‬ ‫مصطفى بن علي بن محمد بن إبراهيم الجوزو‬
‫‪251‬‬ ‫المفضل بن محمد بن يعلي بن عامر الضبي‪ ،‬أبو العباس‬
‫‪25‬‬ ‫ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل‬
‫‪50‬‬ ‫نصر ه بن محمد بن محمدد بدن عبدد الكدريم الشديباني الجدزري أبدو‬
‫الفتح‬
‫‪196‬‬ ‫النعمان ابن المنذر ابن المنذر بن امرئ القيس اللخمي‬
‫‪245‬‬ ‫يحيى بن خالد بن برمك الوزير الكبير‪ ،‬أبو علي الفارسي‬
‫‪260‬‬ ‫يوس بن أبي بكر بن محمد بن علي السكاكي‬

‫‪295‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪-4‬فهرس المصادر والمراجع‬


‫القرآن الكريم‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أسرار البالغة‪ .‬اإلمام عبدالقاهر الجرجاني‪ .‬دار المعرفة‪ .‬بيروت ‪ -‬لبندان‬ ‫‪.2‬‬
‫‪1402‬هـ ‪1982 -‬م‪.‬‬
‫أسس النقد األدبي عند العرب‪ .‬د‪ .‬أحمد بدوي‪ .‬مكتبة نهضة مصر الطبعدة‬ ‫‪.3‬‬
‫الثالثة ‪1964‬م‪.‬‬
‫األشباه والنظائر من أشعار المتقدمين والجاهلية والمخضرمين‪ .‬للخالدين‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫تحقيددق د‪ /‬السدديد محمددد يوس د ‪ .‬مطبعددة لجنددة الت د لي والترجمددة والنشددر‬
‫‪1965‬م‪.‬‬
‫األغاني‪ ،‬الميل ‪ :‬أبو الفدرج األصفهاني‪،‬الناشدر ‪ :‬دار الفكدر ‪ -‬بيدروت‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫الطبعة الثانية‪ ،‬تحقيق‪ :‬سمير جابر ‪.‬‬
‫البخالء ‪ ،‬الميل ‪ :‬أبو عثمان عمدرو بدن بحدر الجداحظ‪ ،‬دار النشدر ‪ :‬دار‬ ‫‪.6‬‬
‫الكتددب العلميددة‪ -‬لبنددان ‪ /‬بيددروت ‪ 1422 -‬هددـ ‪ 2001 -‬م‪.‬تحقيددق ‪ :‬أحمددد‬
‫العوامري بك ‪ -‬علي الجارم بك‬
‫البديع في نقد الشدعر‪ ،‬الميلد ‪ :‬أبدو المظفدر أسدامة بدن منقدذ ‪ .‬بتحقيدق د‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫أحمد بدوي‪ ،‬د‪ .‬حامد عبدد المجيدد ‪.‬مراجعدة‪ :‬أ‪ .‬إبدراهيم مصدطفى الناشدر‪:‬‬
‫الجمهوريددة العربيددة المتحدددة ‪ -‬وزارة الثقافددة واإلرشدداد القددومي ‪ -‬اإلقلدديم‬
‫الجنوبي ‪ -‬اإلدارة العامة للثقافة ‪.‬‬
‫براعددة االسددتهالل والددتخلص وحسددن الختددام غددي شددعر الخنسدداء ‪ .‬دراسة‬ ‫‪.8‬‬
‫بالغية‪ .‬إعداد‪ .‬د‪ .‬ﳏمد رضا بن عبد اه الشخص ‪ .‬جامعة اﳏلك سعود‪.‬‬
‫عمادة البحث العلمي‪ .‬مركز بحوث كلية اآلداب‪.‬‬
‫البصائر والذخائر ‪ ،‬تد لي ‪ :‬أبدي حيدان التوحيددي‪ ،‬بتحقيدق الد ّدكتورة وداد‬ ‫‪.9‬‬
‫القاضي‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت ‪1984‬م‪.‬‬
‫بغية الوعاة في طبقات النغويي والنحاة‪ ،‬المؤلف ‪:‬عبدالرحم اب أبيي‬ ‫‪.10‬‬
‫بير‪ ،‬جيالل اليدي السييوطي‪ .‬تحقييق محميد أبيي الفضيل إبيراهيم‪ .‬الطبعية‬
‫األولى‪ ،‬مطبعة عيسى البابي الحنبي وشركاه سنة ‪.1964/1384‬‬
‫البالغة تطور وتاريخ ‪.‬ت لي ‪ :‬د‪.‬شوقى ضي ‪.‬نشر دار المعارف ط‪.3‬‬ ‫‪.11‬‬
‫البنغييية فيييي تيييراجم أئمييية النحيييو والنغييية‪ ،‬المؤليييف ‪ :‬محميييد بييي يعقيييوة‬ ‫‪.12‬‬
‫الفيروزآبيياد ‪ ،:‬تحقيييق‪ :‬د‪ /‬محمييد المصيير ‪ -‬مطبعيية الفيصييل اليوي ي ‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫البيدان والتبيدين‪ ،‬الميلد ‪ :‬الجداحظ‪ ،‬أبدو عثمدان‪ ،‬البيدان والتّبيدين‪ ،‬تحددـقيق‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫عبدالسّالم هارون‪ ،‬مكتبة الخانج ّي‪ ،‬القاهرة‪1405 ،‬هـ‪1985-‬م‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪ :‬مصددطفى صددادق الرافعددي ‪ .‬الناشددر‪ :‬دار‬ ‫تدداريخ آداب العددرب‪ ،‬الميل د‬ ‫‪.14‬‬
‫الكتاب العربي ‪.‬‬
‫تاريخ النقد األدبي عند العدرب‪ .‬الميلد ‪ :‬د‪ /‬إحسدان عبداس‪ ،‬الطبعدة ‪،4 :‬‬ ‫‪.15‬‬
‫تدداريخ النشددر ‪ ، 1983 :‬الناشددر‪ :‬دار الثقافددة‪ ،‬عنددوان الناشددر ‪ :‬بيددروت –‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1391‬هـ ‪1971 -‬م‪.‬‬
‫تاريخ بغداد‪ ،‬ت لي ‪ :‬أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي‪ ،‬دار النشر‪:‬‬ ‫‪.16‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫تحرير التحبير في صدناعة الشدعر والنثدر‪ ،‬وبيدان إعجداز القدرآن‪ ،‬تد لي ‪:‬‬ ‫‪.17‬‬
‫ابن أبي اإلصبع المصري‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬حفني محمد شرف‪ ،‬المجلس األعلى‬
‫للشيون اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪1383،‬هـ‪.‬‬
‫تذكرة الحفاظ‪ ،‬ت لي ‪ :‬أبو عبد ه شمس الدين محمدد الدذهبي‪ ،‬دار النشدر‪:‬‬ ‫‪.18‬‬
‫دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى‪.‬‬
‫التعبير الفني في القرآن الكريم ‪ .‬د‪ .‬بكري شيخ أمين ‪ .‬دار العلم للماليين ‪.‬‬ ‫‪.19‬‬
‫بيروت – ط‪-2004 -7‬‬
‫التعبيددر القرآندددي – د‪ .‬فاضدددل صددالح السدددامرائي ‪ .‬دار عمدددار‪ -‬عمدددان –‬ ‫‪.20‬‬
‫األردن ‪ .‬ط‪1430 – 6‬هـ ‪.-‬‬
‫ثمار القلوب في المضداف والمنسدوب ‪ ،‬الميلد ‪ :‬أبدو منصدور عبددالملك‬ ‫‪.21‬‬
‫بن محمد بن إسماعيل الثعالبي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬الناشر‬
‫‪ :‬دار المعارف – القاهرةـ الطبعة األولى ‪.‬‬
‫جمهرة أشعار العر ب ‪ ،‬ت لي ‪ :‬أبو زيد القرشي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار األرقدم ‪-‬‬ ‫‪.22‬‬
‫بيروت‪ ،‬تحقيق‪ :‬عمر فاروق الطبا ‪.‬‬
‫الحماسدة المغربيدة‪ ،‬تد لي ‪ :‬أحمدد بدن عبدد السدالم الجدراوي التدادلي أبدو‬ ‫‪.23‬‬
‫العباس؛ المحقق‪ :‬محمد رضوان‪.‬‬
‫الحيددوان ‪ ،‬الميل د ‪ :‬أبددو عثمددان عمددرو بددن بحددر الجدداحظ‪ ،‬تحقيددق‪ :‬عبددد‬ ‫‪.24‬‬
‫السالم محمد هدارون الناشدر دار الجيدل سدنة النشدر ‪1416‬هدـ ‪1996 -‬م‪،‬‬
‫مكان النشر لبنان‪ /‬بيروت‪.‬‬
‫خزانددة األدب وغايددة األرب ‪،‬ت د لي ‪ :‬تقددي الدددين أبددي بكرعلددي المعددروف‬ ‫‪.25‬‬
‫بابن حجة الحموي‪ ،‬دار النشدر‪ :‬دار ومكتبدة الهدالل ‪ -‬بيدروت ‪1987 -‬م‪،‬‬
‫الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬عصام شقيو‪.‬‬
‫خصائص التراكيب‪ ،‬دراسة تحليلية لمسائل علم المعاني‪ ،‬تد لي ‪ :‬د‪.‬محمدد‬ ‫‪.26‬‬
‫أبو موسى‪ ،‬ط(‪ ،)2‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫الخصددومة بددين القدددماء والمحدددثين فددي النقددد العربددي القددديم ‪ ،‬ت د لي ‪ :‬د‪.‬‬ ‫‪.27‬‬

‫‪297‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫عثمان موافي‪.‬دار المعرفة الجامعيدة‪-‬االسدكندرية‪-‬مصدر‪-‬الطبعدة الرابعدة‪-‬‬


‫‪2000‬م‪.‬‬
‫مقدمددة كتدداب الدد ّدر الفريددد وبيددت القصدديد ‪ .‬تدد لي ‪ :‬محمددد بددن أيدددمر(ت‬ ‫‪.28‬‬
‫سددنة‪710‬هددـ) ‪ .‬تحقيددق وتعليددق‪ :‬د‪ .‬مصددطفى عنايددة‪.‬عالم الكتددب الحددديث‪-‬‬
‫إربد‪-‬األردن‪2013‬م‪ ،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫دراسات في النقدد العربدي القدديم ‪ ،‬تد لي ‪ :‬د‪ .‬عبدد الفتدا عثمدان ‪ ،‬الطبعدة‬ ‫‪.29‬‬
‫األولى‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪.1995.‬‬
‫دراسدة فددي نصددوو العصددرالجاهلي تحليددل وتددذوق‪ ،‬تد لي ‪ :‬السدديد أحمددد‬ ‫‪.30‬‬
‫عمارة‪ .‬الناشر ‪:‬مكتبة المتنبي‪.‬‬
‫الدرر الكامنة فدي أعيدان المائدة الثامندة‪ ،‬تد لي ‪ :‬الحدافظ شدهاب الددين أبدي‬ ‫‪.31‬‬
‫الفضددل أحمددد بددن علددي بددن محمددد العسددقالني‪ ،‬دار النشددر‪ :‬مجلددس دائددرة‬
‫المعددارف العثمانيددة ‪ -‬صدديدر ابدداد‪ /‬الهنددد ‪1392 -‬هددـ‪1972 /‬م‪ ،‬الطبعددة‪:‬‬
‫الثانية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مراقبة ‪ /‬محمد عبد المعيد ضان‪.‬‬
‫دالئددددددل اإلعجدددددداز عبددددددد القاهرالجرجددددددداني ‪ .‬تدددددد لي ‪ :‬عبددددددد القددددددداهر‬ ‫‪.32‬‬
‫الجرجاني‪،‬تحقيق‪ :‬محمود شاكر‪ ،‬مكتبة الخانجي‪.‬‬
‫دواوين الشعر العربي على مر العصور ‪ ،‬جمع وترتيب موقع أدب‪.‬‬ ‫‪.33‬‬
‫ديوان ابدن الرومدي ‪ ،‬تحقيدق ‪:‬دحسدين نصدارط‪:‬دار الكتدب المصدرية سدنة‬ ‫‪.34‬‬
‫‪.1973‬‬
‫ديددوان ابددن النبيددده‪ .‬تدد لي ‪ :‬ابددن النبيددده المصددري تدداريخ النشدددر‪01/01 :‬‬ ‫‪.35‬‬
‫‪ ،1900.‬تحقيق‪ :‬رضا رجب‪ ،‬الناشر‪ :‬دار سعد الدين‪.‬‬
‫ديدوان ابدن عبدد ربده الميلد ‪:‬ابدن عبدد ربده األندلسدي؛ المحقدق‪ :‬محمدد‬ ‫‪.36‬‬
‫رضدددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددوان‬
‫الداية؛ الناشر‪ :‬ميسسة الرسالة‪.‬‬
‫ديوان ابن نباتة المصري ‪ ،‬تحقيق عبد األمير مهدي حبيب الطائي‪ ،‬بغدداد‬ ‫‪.37‬‬
‫‪.1977‬‬
‫ديدوان أبدي الشديص الخزاعدي وأخبداره صدنعة‪ :‬عبدد ه الجبدوري‪ .‬طبعدة‬ ‫‪.38‬‬
‫المكتددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددددب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى اإلصدار‪1404 :‬هـ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫ديددوان أبددي تمددام بشددر الخطيددب التبريددزي تحقيددق ‪ :‬محمددد عبددده عددزام‬ ‫‪.39‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار المعارف – القاهرة‪.‬‬
‫ديددوان أبددي نددواس ‪ ،‬بروايددة الصدولي‪،‬تحقيق‪ :‬الدددكتور بهجددت الحددديثي ط‬ ‫‪.40‬‬
‫دار الرسالة ـ بغداد سنة ‪.1980‬‬
‫ديوان األحوو‪ ،‬الناشر‪ :‬شركة التراث للنشر؛ سنة النشر‪.1900 :‬‬ ‫‪.41‬‬

‫‪298‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫ديوان البحتري ‪ ،‬تحقيق‪ :‬حسن كامل الصديرفي‪ ،‬ط دار المعدارف بمصدر‬ ‫‪.42‬‬
‫‪،‬سنة ‪.1963‬‬
‫ديوان الشدماخ بدن ضدرار تحقيدق‪ :‬صدال الد ّدين الهدادي‪ ،‬دار المعدارف‪،‬‬ ‫‪.43‬‬
‫القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫ديدددوان الصدددبابة‪ ،‬أحمدددد بدددن أبدددي حجلدددة المغربي‪،‬طبعدددة األزهريدددة عدددام‬ ‫‪.44‬‬
‫‪1302‬هـ‪.‬‬
‫ديددوان الفددرزدق"‪ ،‬جمددع وتحقيددق عبددد ه الصدداوي‪ ،‬المكتبددة التجاريددة‪،‬‬ ‫‪.45‬‬
‫القاهرة‪1936 ،‬م‪.‬‬
‫ديوان المتنبي ‪ ،‬وضع عبد الرحمن البرقوقي ‪ -‬القاهرة ‪ 1938‬م ‪.‬‬ ‫‪.46‬‬
‫ديوان المعاني‪ ،‬ت لي ‪ :‬أبي هالل العسكري‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪.47‬‬
‫ديوان النابغة الذبياني ‪ ،‬الميسسة العربية للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪.48‬‬
‫ديددوان امددرئ القددديس‪ ،‬تحقيددق محمدددد أبددو الفضدددل إبددراهيم ط دار الكتدددب‬ ‫‪.49‬‬
‫المصرية‪ ،‬وشرحه‪ :‬تحقيق حسن السندوبي‪ ،‬ط االستقامة ـ القاهرة‪.‬‬
‫ديوان حسان بن ثابت ـ رضى ه تعالى عنه ـ تحقيق‪ :‬سديد حنفدى حسدنين‬ ‫‪.50‬‬
‫ـ ط‪ :‬دار المعارف ـ بدون تاريخ‪.‬‬
‫ديدددوان ذي الرمدددة‪ :‬ط(‪ ،)2‬المكتدددب اإلسدددالمي للطباعدددة والنشدددر‪ ،‬دمشدددق‬ ‫‪.51‬‬
‫‪1384‬هـ‪.‬‬
‫ديددوان زهيددر بددن أبددي سددلمى ‪ ،‬دار بيددروت للطباعددة والنشددر‪1402 ،‬هددـ ‪-‬‬ ‫‪.52‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫ديوان صفي الدين الحلي الميل ‪ :‬صفي الدين الحلي حالة الفهرسة‪ :‬غير‬ ‫‪.53‬‬
‫مفهرس؛ الناشر‪ :‬دار صابر‪.‬‬
‫ديوان طرفة بن العبد‪ :‬دار صادر‪ ،‬دار بيروت‪1380 ،‬هـ‪1961-‬م‪.‬‬ ‫‪.54‬‬
‫ديوان عروة بن الورد‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪.55‬‬
‫ديددوان عنتددرة بددن شددداد العبسددي‪ ،‬تحقيددق محمددد سددعيد مولددوي‪ .‬المكتددب‬ ‫‪.56‬‬
‫اإلسالمي بيروت‪ .‬الطبعة الثانية ‪ 1403‬هـ‪.‬‬
‫ديوان قيس بن الخطيم‪ ،‬الميل ‪ :‬قيس بن الخطيم بدن عددي األوسدي‪ ،‬أبدو‬ ‫‪.57‬‬
‫يزيد ‪.‬شاعر األوس وأحد صناديدها في الجاهلية‪.‬‬
‫ديددوان كثيددر عددزة ‪ ،‬جمعدده وشددرحه ‪ :‬الميل د ‪ :‬د‪ .‬إحسددان عبدداس ‪ ،‬دار‬ ‫‪.58‬‬
‫الثقافة ‪ ،‬بيروت ‪ 1391 ،‬هـ ‪ 1971 -‬م ‪.‬‬
‫ديوان كعب بن زهير بشر السكري‪.‬طبعة دار الكتب المصدرية‪ ،‬الطبعدة‬ ‫‪.59‬‬
‫األولى ‪ 1369‬هـ‪.‬‬
‫ديوان لبيد بن ربيعة العامري‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪.60‬‬
‫ديوان مهلهل بن ربيعة الميل ‪ :‬مهلهل بن ربيعة؛ الناشر‪ :‬الدار العالمية‪.‬‬ ‫‪.61‬‬

‫‪299‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫الرباعي المعنى الشعري وجماليات التلقدي فدي التدراث النقددي والبالغدي‪.‬‬ ‫‪.62‬‬
‫الميلددد ‪ :‬عبدددد القدددادر الربددداعي‪ .‬الميسسدددة العربيدددة للدراسدددات والنشدددر‬
‫والتوزيع‪1998 ،‬‬
‫الرسائل األدبيدة ‪ ،‬الميلد ‪ :‬عمدرو بدن بحدر بدن محبدوب الكنداني بدالوالء‪،‬‬ ‫‪.63‬‬
‫الليثي‪ ،‬أبوعثمان‪ ،‬الشهير بالجاحظ ‪.‬الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫زهر اآلداب وثمر األلباب ت لي ‪ :‬أبي إسحاق إبراهيم بن علي الحصري‬ ‫‪.64‬‬
‫القيرواني‪ ،‬دار النشر ‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ /‬لبنان ‪ 1417 -‬هدـ ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪ ،‬الطبعة ‪ :‬األولى‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أ‪ .‬د ‪ /‬يوس على طويل‪.‬‬
‫سر الفصاحة‪ ،‬تد لي ‪ :‬األميدر أبدي محمدد عبدد ه بدن محمدد بدن سدعيد بدن‬ ‫‪.65‬‬
‫سددنان الخفدداجي الحلبددي الناشددر دار الكتددب العلميددة‪ ،‬سددنة النشددر ‪1402‬هددـ‬
‫‪1982‬م ‪،‬مكان النشر بيروت‪.‬‬
‫سنن أبي داود‪ ،‬ت لي ‪ :‬سليمان بن األشدعث أبدو داود السجسدتاني األزدي‪،‬‬ ‫‪.66‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار الفكر ‪ ،-‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪.‬‬
‫سنن البيهقي الكبري‪ ،‬ت لي ‪ :‬أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر‬ ‫‪.67‬‬
‫البيهقي‪ ،‬دار النشدر‪ :‬مكتبدة دار البداز ‪ -‬مكدة المكرمدة ‪،1994 - 1414 -‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد عبد القادر عطا‪.‬‬
‫سنن الترمذي (الجامع الصحيح سنن الترمذي)‪ ،‬تد لي ‪ :‬محمدد بدن عيسدى‬ ‫‪.68‬‬
‫أبددو عيسددى الترمددذي السددلمي‪ ،‬دار النشددر‪ :‬دار إحيدداء التددراث العربددي ‪-‬‬
‫بيروت ‪ ،- -‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر وآخرون‪.‬‬
‫سير أعالم النبالء ‪،‬تد لي ‪ :‬محمدد بدن أحمدد بدن عثمدان بدن قايمداز الدذهبي‬ ‫‪.69‬‬
‫أبوعبدددد ه‪ ،‬دار النشدددر‪ :‬ميسسدددة الرسدددالة ‪ -‬بيدددروت ‪ ،1413 -‬الطبعدددة‪:‬‬
‫التاسعة‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرناؤوط ‪ ،‬محمد نعيم العرقسوسي‪.‬‬
‫شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬الميل ‪ :‬عبد الحي بن أحمد بن محمد‬ ‫‪.70‬‬
‫العكري الحنبلي‪ ،‬تحقيق عبد القادر األرنيوط‪ ،‬محمود األرناؤوط‪ ،‬الناشر‬
‫دار بن كثير سنة النشر ‪1406‬هـ‪ .‬مكان النشر‪ :‬دمشق‪.‬‬
‫الشددعر والشددعراء‪ .‬الميلد ‪ :‬ابددن قتيبددة‪ :‬تحقيددق‪ :‬أحمددد محمددد شدداكر‪ ،‬دار‬ ‫‪.71‬‬
‫المعارف‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫صددبح األعشددى فددي صددناعة اإلنشدداء‪ ،‬ت د لي ‪ :‬أحمددد بددن علددي بددن أحمددد‬ ‫‪.72‬‬
‫الفزاري القلقشندي القاهري ‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫الصحا تاج اللغة وصحا العربية ‪ -‬دار العلم للماليين‪.‬‬ ‫‪.73‬‬
‫صحيح البخاري (الجامع الصحيح المختصر)‪ ،‬ت لي ‪ :‬محمد بن إسماعيل‬ ‫‪.74‬‬
‫أبو عبده البخاري الجعفي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار ابن كثير ‪ ،‬اليمامدة ‪ -‬بيدروت‬
‫‪ ،1987 - 1407 -‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫صحيح مسلم‪ ،‬ت لي ‪ :‬مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري‪،‬‬ ‫‪.75‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار إحياء التراث العربدي ‪ -‬بيدروت‪ ،‬تحقيدق‪ :‬محمدد فدياد عبدد‬
‫الباقي ‪.‬‬
‫الصناعتين‪ ،‬الميل ‪ :‬أبدو هدالل العسدكري‪ ،‬تحقيدق علدي محمدد البجداوي‪،‬‬ ‫‪.76‬‬
‫ومحمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬صيدا‪.1986 ،‬‬
‫الصددور الفنيددة فددي التددراث النقدددي والبالغددي عندددالعرب‪ .‬الميلد ‪ :‬جددابر‬ ‫‪.77‬‬
‫عصفور‪ ،‬دار الكتاب المصري‪.2003 ،‬‬
‫طبقات ف حول الشعراء‪ .‬الميل ‪ :‬محمدد بدن سدالم الجمحدي‪ ،‬الناشدر ‪ :‬دار‬ ‫‪.78‬‬
‫المدني ‪ -‬جدة تحقيق ‪ :‬محمود محمد شاكر‪.‬‬
‫الطراز المتضمن ألسرار البالغة وعلوم حقائق اإلعجداز‪ .‬الميلد ‪ :‬يحدي‬ ‫‪.79‬‬
‫بن حمزة العلوي اليمني‪ .‬ط سنة‪-1982‬دار الكتب العالمية ‪.‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫العقد الفريد‪ ،‬ت لي ‪ :‬أحمد بن محمدبن عبد ربه األندلسي‪ ،‬دار النشدر‪ :‬دار‬ ‫‪.80‬‬
‫إحيدداء التددراث العربددي ‪ -‬بيددروت ‪/‬لبنددان ‪1420 -‬هددـ ‪1999 -‬م‪ ،‬الطبعددة‪:‬‬
‫الثالثة‪.‬‬
‫علددوم البالغددة «البيددان‪ ،‬المعدداني‪ ،‬البددديع» الميل د ‪ :‬أحمددد بددن مصددطفى‬ ‫‪.81‬‬
‫المراغي (المتوفى‪1371 :‬هـ)‪.‬‬
‫العمدددة فددي محاسددن الشددعر وآدابدده ونقددده‪ ،‬الميلد ‪ :‬ابددن رشدديق‪ -‬أبددو علددي‬ ‫‪.82‬‬
‫الحسددن القيروانددي‪ - 1981 ،‬تحقيددق محيددي الدددين عبددد الحميددد ‪ -‬ط‪ ،5‬دار‬
‫الجيل ‪ -‬بيروت ‪.‬‬
‫عيار الشعر‪ .‬الميل ‪ :‬محمد بدن أحمدد بدن طباطبدا العلدوي‪ .‬تحقيدق د‪ /‬طده‬ ‫‪.83‬‬
‫الحدداجري ود‪ /‬محمددد زغلددول سددالم المكتبددة التجاريددة الكبددري ‪ -‬القدداهرة‬
‫‪1956‬م‪.‬‬
‫غرر الخصائص الواضحة وغدرر النقدائض الفاضدحة تد لي ‪ :‬أبدو إسدحق‬ ‫‪.84‬‬
‫برهان الدين إبراهيم بن يحيى الوطواط‪ ،‬ط األدبية ـ القاهرة‪1318 ،‬هـ‪.‬‬
‫الفدددن ومذاهبددده فدددي الشدددعر العربدددي‪ ،‬الميلددد ‪ :‬د‪ .‬شدددوقي ضدددي ‪ .‬ط‪،4‬‬ ‫‪.85‬‬
‫القاهرة‪.1960 ،‬‬
‫الفوائدد المشدوق إلدى علدوم القدرآن وعلدم البيدان ‪ ،‬الميلد ‪ :‬شدمس الددين‬ ‫‪.86‬‬
‫محمد بن أبي بكر‪ ،‬القاهرة ‪:‬مكتبة المتنبي‪.‬‬
‫في نظرية األدب من قضايا الشعر والنثر فدي النقدد العربدي القدديم‪ .‬تد لي‬ ‫‪.87‬‬
‫األستاذ الدكتور‪ :‬عثمان موافي ‪.‬دار المعرفة الجامعية‪.‬‬
‫القافية تاج اإليقا الشعري ‪ .‬الميل ‪ :‬د‪ /‬أحمد كشك المكتبة الفيصدلية –‬ ‫‪.88‬‬
‫مكة المكرمة ‪1405 .‬هـ‪.‬‬
‫قدامة بن جعفر والنقد األدبي ‪ ،‬الميل ‪ :‬د‪ .‬بددوي طبدان ‪ .‬الطبعدة الثالثدة‪.‬‬ ‫‪.89‬‬

‫‪301‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫مكتبة األنجلو المصرية‪.‬‬


‫قضددايا النقددد االدبددي بددين القددديم والحددديث‪ ،‬ت د لي ‪ :‬الدددكتور محمددد زكددي‬ ‫‪.90‬‬
‫العشماوي الناشدر‪ :‬دار النهضدة العربيدة للطباعدة والنشدر الطبعدة‪ :‬االولدى‬
‫‪. 1979‬‬
‫قواعد الشعر ‪ ،‬الميل ‪ :‬أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالوالء‪،‬‬ ‫‪.91‬‬
‫أبوالعباس‪ ،‬المعروف بثعلب المتوفى‪291( :‬هـ) المحقدق‪ :‬رمضدان عبدد‬
‫التواب‪.‬‬
‫القددوافي ‪ -‬الميل د القاضددي أبددو يعلددي عبددد البدداقي التنددوخي ‪ .‬المحقددق‪ :‬د‪.‬‬ ‫‪.92‬‬
‫عوني عبدد الدرؤف ‪ .‬الناشدر‪ :‬مكتبدة الخدانجي – بمصدر‪ -‬الطبعدة‪ :‬الثانيدة‪،‬‬
‫‪ 1978‬م ‪.‬‬
‫القوافي ‪ ،‬تحقيق‪ :‬ال ّدكتور عوني عبد الرّءوف‪ ،‬مكتبدة الخدانجي‪ ،‬القداهرة‪،‬‬ ‫‪.93‬‬
‫ط (‪1978 )2‬م‪.‬‬
‫الكامل للمبرد ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬محمد أحمد الدالي ‪ ،‬ميسسة الرسدالة ‪ ،‬بيدروت ‪،‬‬ ‫‪.94‬‬
‫الطبعة الثانية ‪1413 ،‬هـ ‪1993‬م‪.‬‬
‫الكش والبيان‪ ،‬الميل ‪ :‬أبو إسحاق أحمدد بدن محمدد بدن إبدراهيم الثعلبدي‬ ‫‪.95‬‬
‫النيسابوري‪ ،‬تحقيق ‪ :‬اإلمام أبي محمد بدن عاشدور‪ ،‬الطبعدة ‪ :‬األولدى‪.‬دار‬
‫النشر ‪ :‬دار إحياء التراث العربي ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبندان ‪ 1422 -‬هدـ ‪2002 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫لسان العرب ‪ ،‬الميل ‪ :‬محمد بن مكرم بن منظور األفريقدي المصدري ‪،‬‬ ‫‪.96‬‬
‫الناشر ‪ :‬دار صادر – بيروت‪،‬الطبعة األولى‪.‬‬
‫‪ .97‬لغة النقد العربي القديم بين المعايرية والوصدفية حتدي نهايدة القدرن السدابع‬
‫رشيد‪ ،‬عبد السالم محمد‪ ،‬حالوي‪ ،‬ناصر رشيد‪ ،‬ميسسة‬ ‫الهجري‪.،‬ت لي‬
‫المختار للنشر‪2008،‬م‪.‬‬
‫‪ .98‬المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر‪ ،‬الميل ‪ :‬ابن األثير‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫محيي الدين عبدالحميد‪ ،‬القاهرة ‪.1939‬‬
‫‪ .99‬مجمددع الزوائددد ومنبددع الفوائددد‪ ،‬ت د لي ‪ :‬علددي بددن أبددي بكددر الهيثمددي‪ ،‬دار‬
‫النشدددر‪ :‬دار الريدددان للتدددراث‪/‬دار الكتددداب العربدددي ‪ -‬القددداهرة ‪ ،‬بيدددروت –‬
‫‪.1407‬‬
‫‪:‬أبدي القاسدم‬ ‫‪ .100‬محاضرات األدباء ومحاورات الشدعرات والبلغداء " الميلد‬

‫‪302‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫الحسددين بددن محمدددد بددن المفضددل المشدددهور بالراغددب األصددفهاني‪ ،‬طبدددع‬


‫بمطبعة ابراهيم المويلحي سنة ‪1287‬هـ‪.‬‬
‫‪ .101‬مسددنده البحددر الزخددار‪ ،‬تد لي ‪ :‬أبددو بكددر أحمددد بددن عمددرو بددن عبددد الخددالق‬
‫البزار‪ ،‬دار النشر‪ :‬ميسسة علوم القرآن ‪ ،‬مكتبة العلدوم والحكدم ‪ -‬بيدروت‬
‫‪ ،‬المدينة ‪ ،1409 -‬الطبعة‪ :‬األولى‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬محفوظ الرحمن زين ه‪.‬‬
‫‪ .102‬المصددبا المنيددر فددي غريددب الشددر الكبيددر للرافعددي‪ ،‬الميلد ‪ :‬أحمددد بددن‬
‫الشدديخ محمددد‪ ،‬المكتبددة العصددرية‪ ،‬بيددروت‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫محمددد الفيددومي‪ ،‬يوس د‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪:‬عبدد الدرحيم بددن أحمدد العباسدي مددن موقددع‬ ‫‪ .103‬معاهددة التنصديص ‪ ،‬الميلد‬
‫مكتبة المدينة‪.‬‬
‫‪ .104‬المعجم األوس ‪ ،‬ت لي ‪ :‬أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني‪ ،‬دار النشر‪:‬‬
‫دار الحرمين ‪ -‬القاهرة ‪ ،1415 -‬تحقيق‪ :‬طارق بن عدوض ه بدن محمدد‬
‫‪،‬عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ‪.‬‬
‫‪ .105‬معجم الميلفين‪ ،‬ت لي ‪ :‬عمر رضا كحاله يطلب من مكتبة المثنى ‪ -‬لبندان‬
‫ودار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان‪.‬‬
‫‪ .106‬معجدم مددا اسدتعجم مددن أسددماء الدبالد والمواضددع‪ ،‬تد لي ‪ :‬عبدد ه بددن عبددد‬
‫العزيددز البكددري األندلسددي أبددو عبيددد‪ ،‬دار النشددر‪ :‬عددالم الكتددب ‪ -‬بيددروت ‪-‬‬
‫‪ ،1403‬الطبعة‪ :‬الثالثة‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى السقا‪.‬‬
‫‪ .107‬المعنى الشعري وجماليات التلقي فدي التدراث النقددي والبالغدي‪ ،‬الميلد ‪:‬‬
‫د‪.‬ربى عبد القادر الرباعي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار جرير للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ .108‬مفتددا العلددوم‪ ،‬تد لي ‪ :‬أبددي يعقددوب يوسد بددن أبددي بكددر السددكاكي ضددب‬
‫وشدددددددددر ‪ :‬نعددددددددديم زرزور‪ ،‬ط‪ ،1:‬دار الكتدددددددددب العلميدددددددددة بيدددددددددروت‪،‬‬
‫‪1403‬هـ‪1983/‬م‪.‬‬
‫‪ .109‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬ت لي ‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بدن خلددون الحضدرمي‪،‬‬
‫دار النشر‪ :‬دار القلم ‪ -‬بيروت ‪ ،1984 -‬الطبعة‪ :‬الخامسة ‪.‬‬
‫‪ .110‬مقدمددة فددي صددناعة الددنظم والنثددر‪ ،‬ت لي ‪:‬شددمس الدددين محمددد بددن حسددن‬
‫النددواجي‪ ،‬النشددر‪ :‬بيددروت‪ :‬دار مكتبددة الحيدداة‪ .‬تحقيددق د‪ .‬محمددد بددن عبددد‬
‫الكريم‬

‫‪303‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪ .111‬مدددن بالغدددة القدددرآن ‪ ،‬الميلددد ‪ :‬د‪ .‬أحمدددد أحمدددد عبدددد ه البيلدددي البددددوي‬
‫(المتوفى‪1384 :‬هـ )الناشر‪ :‬نهضه مصر ‪ -‬القاهرة عام النشر‪.2005 :‬‬
‫‪ .112‬منهدداج البلغدداء وسددراج األدبدداء ‪ .‬ت د لي أبددي الحسددن حددازم القرطدداجني ‪.‬‬
‫تحقيق محمد ابن الخوجة‪ -‬دار الغرب اإلسالمي – بيروت ‪ -‬ط‪. -3‬‬
‫‪ .113‬موق د النقددد العربددي مددن ظدداهرة التفدداوت الشددعر فددي التندداول الفنددي ‪.‬‬
‫د‪.‬سددليمان عبددد الحددق ‪.‬تدداريخ النشددر‪2012/1/1:‬م‪ ،‬الناشددر‪ :‬دار المعرفددة‬
‫الجامعية‪.‬‬
‫‪ .114‬النجددوم الزاهددرة فددي ملددوك مصددر والقدداهرة‪ ،‬ت د لي ‪ :‬جمددال الدددين أبددي‬
‫بددن تغددري بددردي األتددابكي ‪ ،‬دار النشددر‪ :‬وزارة الثقافددة‬ ‫المحاسددن يوس د‬
‫واإلرشاد القومي ‪ -‬مصر ‪.‬‬
‫‪ .115‬نظريات الشعر عند العرب‪ ،‬الميل ‪ :‬د ‪ .‬مصدطفى الجدوزو‪ ،‬دار الطليعدة‬
‫بيروت ‪.1981‬‬
‫‪:‬د‪ .‬حسدن البندداري‪ ،‬تداريخ‬ ‫‪ .116‬نظرية االبدا الشدعري عندد الندواجي‪ .‬تد لي‬
‫النشر‪ ،2000/01/01 :‬الناشر‪ :‬مكتبة األنجلو‪.‬‬
‫‪ .‬الناشدر ‪ :‬دار المعدارف ‪ .‬الطبعدة‬ ‫‪ :‬شدوقى ضدي‬ ‫‪ .117‬النقدد األدبدى ‪،‬الميلد‬
‫التاسعة‪.‬‬
‫‪ .118‬النقد األدبدي العربدي القدديم تطدوره وقضداياه‪ ،‬تد لي ‪ :‬أ‪.‬د‪ .‬رفعدت التهدامي‬
‫عبد البر‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دار النشر الدولي للنشر والتوزيع ‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ .119‬النقد األدبي عند العرب واليونان معالمه وإعالمه‪ ،‬ت لي ‪ :‬قصي الحسين‬
‫تاريخ النشر‪.2003 :‬دار ومكتبة الهالل‪-‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .120‬النقد األدبي في العصر المملوكي‪ ،‬ت لي ‪ :‬محمد عبد العزيز قلقيلدة تداريخ‬
‫النشر‪ .1998/12/30 :‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ :‬قدامة بن جعفر ‪ :‬نقد الشعر‪ ،‬تحقيق كمال مصدطفى‪،‬‬ ‫‪ .121‬نقد الشعر‪ .‬الميل‬
‫مكتبة الخانجي مصر‪ ،‬طبعة ثالثة‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪ .122‬الوساطة بين المتنبي وخصومه‪ ،‬الميل ‪ :‬علي بدن عبددالعزيز الجرجداني‬


‫تحقيددق محمددد أبددو الفضددل إبددراهيم وعلددي البجدداوي‪ ،‬ط‪ ،3‬عيسددى البددابي‬
‫الحلبي بمصر‪.‬‬
‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki‬‬

‫‪305‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪-5‬فهرس الدوريات‬
‫العددددد ‪ /25‬وزارة األوقددداف والشددديون اإلسدددالمية‪-‬المملكدددة‬ ‫‪-1‬دعدددوة الحدددق‬
‫المغربية‪-‬الرباط‪.‬‬
‫‪-2‬مجلددة دعددوة الحددق‪ ،‬العدددد ‪ .25‬وزارة األوقدداف والشدديون اإلسددالمية‪-‬المملكددة‬
‫المغربية‪-‬الرباط‪.‬‬
‫‪-3‬مقال في دراسة موجزة على خمريات أبي نواس ‪ ،‬الخصائص األسدلوبية فدي‬
‫شعر أبي نواس‪ ،‬الميل ‪ :‬د‪ .‬محمد عبده المعصري ‪.‬الموقع اإللكتروني‪.‬‬
‫‪.www.yemen-nic.inpo\index.php‬‬
‫‪-4‬صحيفة بهلة الهندي‪:‬‬
‫‪.8http://iucontent.iu.edu.sa/Shamela/Categoris/%D‬‬

‫‪306‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫‪-6‬فهرس الموضوعات‬
‫‪ ‬ملخص الرِّسالة ‪3 ..........................................................................................................‬‬

‫‪4 ............................................................................................................ Abstract ‬‬

‫‪ ‬اإلهداء ‪5 ....................................................................................................................‬‬

‫‪ ‬شكر وتقدير ‪6 ..........................................................................................................‬‬

‫‪ ‬المقدمة ‪9 ..................................................................................................................‬‬

‫‪ ‬أهمية هذه الدراسة ‪12 .................................................................................................‬‬

‫‪ ‬األسباب التـي دعـت لدراسـة هذا الموضوع ‪12 .....................................................................‬‬

‫‪ ‬منهج الدراسة ‪13 ........................................................................................................‬‬

‫‪ ‬الدراسات السابقة ‪14 ..................................................................................................‬‬

‫‪ ‬خطة الدراسة ‪14 .........................................................................................................‬‬

‫‪ ‬التعريف بالنواجي ‪17 ..................................................................................................‬‬

‫الشعر‪18 .......................................................................... :‬‬ ‫الفصل األول ‪ -‬قضايا نقد‬


‫وتحت الفصل األول من قضايا نقد الشعر عشر ةمباحث‪:‬‬

‫المبحث األول‪ -‬قضية حد الشعر وتعريفه‪19 .................................................................... :‬‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬قضية النفظ والمعنى‪38 ......................................................................... :‬‬

‫المبحث الثالث ‪ -‬قضية ت ذيب الوزن‪54 .......................................................................... :‬‬

‫المبحث الرابع ‪ -‬قضية ثقافة الشاعر وأدواته‪62 .............................................................. :‬‬

‫المبحث الخامس‪ -‬قضية عمل الشعر وت ذيبه وتنقيحه‪79 .................................................. :‬‬

‫المبحث السادس‪ -‬قضية المبادئ والمقاطع وبراعة االست الل‪123 ..................................... :‬‬

‫المبحث السابع‪ -‬قضية تميي القوافي وت ذيب ا‪152 ......................................................... :‬‬

‫‪307‬‬
‫القضايا النقدية في كتاب مقدمة في صناعة النظم والنثر للنواجي "دراسة وتقويم"‬
‫الفهـــــــارس‬

‫المبحث الثام ‪ -‬قضية نثر المنظوم‪170 .......................................................................... :‬‬

‫المبحث التاسع ‪ -‬قضية براعة التخنص‪189 .................................................................... :‬‬

‫المبحث العاشر‪ -‬قضية التشبيه القبيح‪210 ...................................................................... :‬‬

‫النثر ‪225 ...........................................................................‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ -‬قضايا نقد‬


‫وقد تناول النواجي في الفصل الثاني بعض قضايا النثر في كتابه‪:‬‬
‫وتح الفصل الثاني مبحثي ‪:‬‬
‫المبحث األول‪ -‬قضية السجع‪226 ................................................................................... :‬‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬قضية البالغة والفصاحة‪248 ................................................................. :‬‬

‫القضايا‪274 ... :‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ -‬مصادر المؤلف‪ ،‬وهي التي أخذ منها المؤلف بعض‬
‫وم تنك المصادر‪:‬‬
‫المبحث األول ‪ -‬كتاة نقد الشعر‪ .‬لقدامة ب جعفر(‪337‬هـ ) ‪275 .........................................‬‬

‫المبحث الثاني ‪ -‬العمدة في محاس الشعر وآدابه‪ ،‬الب رشيق ( ‪363‬هـ) ‪277 ......................‬‬

‫المبحث الثالث ‪ -‬كتاة تحرير التحبير‪ .‬الب أبي اإلصبع (‪640‬هـ )‪279 ............................... :‬‬

‫(‪837‬هـ)‪281 ............ :‬‬ ‫المبحث الرابع ‪ -‬كتاة خألانة األدة وغاية األرة‪ .‬الب حجة الحمو‬
‫التوصيات ‪283 ................................................‬‬ ‫الخاتمة‪ :‬وفي ا أهم النتائج وبعض‬
‫‪ ‬الفهارس وتشتمل على‪288 .................................................................................. :‬‬

‫القرآنية ‪289 ....................................................................................‬‬ ‫‪ -1‬ف رس اآليات‬


‫النبوية ‪293 .................................................................................‬‬ ‫‪ -2‬ف رس األحاديث‬
‫األعالم ‪294 ................................................................................................‬‬ ‫‪- 3‬ف رس‬
‫والمراجع ‪296 ..............................................................................‬‬ ‫‪- 4‬ف رس المصادر‬
‫الدوريات ‪306 .............................................................................................‬‬ ‫‪- 5‬ف رس‬
‫المحتويات ‪307 .............................................................................................‬‬ ‫‪ -6‬قائمة‬

‫‪308‬‬

You might also like