You are on page 1of 22

‫‪57‬‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬

‫الدراسات واألبحاث | ‪Research Papers‬‬

‫في مفهوم المعلوم عند‬


‫ابن الهيثم‬
‫‪-‬قول في فلسفة الرياضيات عند ابن الهيثم‪-‬‬
‫‪In the concept of the known‬‬
‫‪of Al-Hassan Ibn Al-Haytham‬‬
‫‪Saying in the philosophy of mathematics at‬‬
‫‪Ibn Al Haytham‬‬
‫(((‬
‫إسماعيل الموساوي | ‪ASMAIL ELMOUSSAOUI‬‬

‫(‪ )1‬باحــث مغربــي وطالــب باحــث بســلك الدكتــوراه يحضــر أطروحتــه فــي موضــوع‪« :‬مفهــوم المــكان عنــد ابــن الهيثــم» تحــث‬
‫إشــراف الدكتــورة‪ :‬ثريــا بــركان‪ ،‬و الدكتــور‪ :‬يوســف السيســاوي ضمــن‪« :‬مختبــر الفلســفة والتــراث فــي مجتمــع المعرفــة»‪ ،‬شــعبة‬
‫الفلســفة‪ ،‬كيــة اآلداب والعلــوم اإلنســانية‪ ،‬جامعــة القاضــي عيــاض مراكــش‪ ،‬المغــرب‪.‬‬
‫اإليميل‪elmoussaoui.ismail1990@gmail.com :‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪58‬‬

‫«فطالــب الحــق ليــس هــو الناظــر فــي كتــب المتقدميــن‪،‬‬


‫المسترســل مــع طبعــه فــي حســن الظــن بهــم‪ ،‬بــل طالــب الحــق‬
‫هــو المتهــم لظنــه فيهــم‪ ،‬المتوقــف فيمــا يفهمــه عنهــم‪ ،‬المتبــع‬
‫الحجــة والبرهــان‪ ،‬ال قــول القائــل الــذي هــو اإلنســان‪ ،‬المخصــوص‬
‫فــي جبلتــه بضــروب الخلــل والنقصــان»‬

‫ابن الهيثم‪ ،‬الشكوك على بطليموس‪ ،‬ص‪4 :‬‬

‫ملخص البحث‪:‬‬

‫يهــدف هــذا البحــث إلــى تســليط الضــوء علــى جانــب‬


‫مهــم مــن فلســفة ابــن الهيثــم الرياضيــة‪ ،‬مــن خــال‬
‫تبييــن أن فلســفة «صاحــب المناظــر» قــد تأسســت‬
‫بشــكل خــاص علــى فلســفة رياضيــة إبداعيــة وابتكاريــة‪،‬‬
‫عكــس مــا كان فــي الســابق‪ ،‬وخصوص ـ ًا مــع نموذجهــا‬
‫المثالــي العالــم الرياضــي اليونانــي أقليــدس (‪ 300‬ق‪.‬م‬
‫‪ 225‬ق‪.‬م) وعلــى مــن ســار علــى نهجــه الرياضــي أيضــ ًا‬
‫مــن الفالســفة والعلمــاء المســلمين‪.‬‬

‫إن لحظــة ابــن الهيثــم‪ ،‬كمــا نبيــن فــي هــذا البحــث‬


‫بالدراســة والتحليــل‪ ،‬قــد شــكلت نموذجــ ًا علميــ ًا‬
‫مختلف ـ ًا‪ ،‬مــن خــال عــدم تصــوره لألشــكال الهندســية‬
‫علــى غــرار مــا كانــت عليــه فــي الســابق وخصوصــ ًا‬
‫فــي الهندســة األقليديــة‪ ،‬التــي كانــت تتســم بثباتهــا‬
‫وعــدم افتــراض حركتهــا‪ ،‬األمــر الــذي جعــل ابــن الهيثــم‬
‫بعقليتــه الرياضيــة و اإلبداعيــة يتجــاوز هــذا االفتــراض‬
‫الرياضــي والهندســي‪ ،‬مــن خــال إقــراره بــأن األشــكال‬
‫الهندســية هــي أشــكال تحدثهــا الحركــة وهــي غيــر ثابتة‪،‬‬
‫وبالتالــي غيــر مســلم بثباتهــا بشــكل مطلــق‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫دفــع بــه إلــى بلــورة علــم جديــد يتناســب مــع عقليتــه‬
‫الرياضيــة والهندســية الجديــدة‪ ،‬تجعلــه يســتجيب مــع‬
59 ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

what it was in the past, especially in Euclidean ‫ وهــو‬،‫الحاجــات الهندســية الجديــدة‬


geometry, which was characterized by its ‫ لــم‬. The knowns ‫علــم المعلومــات‬
stability and not assuming its movement, ‫تنحصــر بحــوث ابــن الهيثــم االبداعيــة‬
which made Ibn al-Haytham With his ‫فــي أعمالــه الرياضيــة والهندســيةبقدر‬
mathematical and creative mentality, made ‫مــا نجــد هــذا اإلبــداع واالبتــكار بشــكل‬
him overcome this mathematical hypothesis ‫بــارز فــي أعمالــه البصريــة فــي كتابــه‬
by proving that the the geometric shapes are ‫الضخــم فــي «المناظــر» التــي مــازال‬
not static and therefore they are always in ‫التاريــخ العلمــي يخلــد أبحاثــه فيهــا إلــى‬
movement and this lead to find a new science .‫حــدود اليــوم‬
which goes hand in hand with mathematical
‫ فلســفة‬،‫ المعلــوم‬:‫الكلمــات المفتاحيــة‬
mentality and it’s the science of “the knowns”. 
،‫ البرهــان الرياضــي‬،‫ فــن التحليــل‬،‫الرياضيــات‬
Ibn Al-Haytham’s creative research ‫اســتدالل اســتنباطي‬
was not confined to his mathematical and
Abstract:
engineering works, as we find this creativity
This research aims to shed light on
and innovation prominently in his visual
an important aspect of Ibn al-Haytham’s
works in his huge book  “al-Manazir”, in which
mathematical philosophy, by showing that
scientific history continues to inspire till 
the philosophy of the “owner of al-Manazir”
present day.
was founded in particular on an innovative 
Keywords:the known, Philosophy of mathematical philosophy, contrary to what
mathematics, Analytical art, Mathematical was previously, and especially with its ideal
proof, Deductive inference model of the Greek mathematical world
Euclid (300,225 BC) and on those who
:‫تقـــديم‬ followed his mathematical approach also
from Muslim philosophers and scholars.
‫تــروم هــذه الدراســة إلقــاء‬
The moment of Ibn al-Haytham, as
‫الضــوء علــى فلســفة ابــن الهيثــم‬ shown in this study  and analysis, formed a
different scientific model, through his lack of
‫الرياضيــة التــي مــا زالــت هويتهــا‬
conception of geometric shapes similar to
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪60‬‬

‫وغيــر‬ ‫ثابتــة‬ ‫أشــكاال‬ ‫بوصفهــا‬ ‫وغيــر‬ ‫ملتبســة‬ ‫اإلبســتمولوجية‬


‫متحركــة؛ بمعنــى مســلم بثباتهــا‬ ‫مدروســة فلســفيًا إلــى حــدود اليــوم‪،‬‬
‫بشــكل نهائــي‪ ،‬فابــن الهيثــم بعقليته‬ ‫وهاجــس محاولتنــا هذه‪ ،‬هو الوقوف‬
‫االبتكاريــة واإلبداعيــة ســيتجاوز هــذا‬ ‫علــى جــزء مهــم مــن هــذه الهويــة‬
‫الطــرح؛ مــن خــال تصــوره لألشــكال‬ ‫اإلبســتمولوجية الملتبســة لفلسفة‬
‫أشــكال‬ ‫أنهــا‬ ‫علــى‬ ‫الهندســية‬ ‫ابــن الهيثــم الرياضيــة؛ إذ ســنبين‬
‫تحدثهــا الحركــة‪ ،‬فهــي متغيــرة وغيــر‬ ‫فــي هــذه الدراســة أنهــا تتأســس‬
‫ثابتــة وغيــر مســلم بثبــات حركتهــا‬ ‫بشــكل خــاص علــى فلســفة رياضيــة‬
‫بشــكل نهائــي‪ ،‬وهــذا هــو مــا دفــع‬ ‫ابتكاريــة وإبداعيــة‪ ،‬عكــس التصــورات‬
‫بــه إلــى تأســيس علــم جديــد ينبنــي‬ ‫الرياضيــة التــي كانــت معاصــرة البــن‬
‫علــى تصــورات فلســفية ورياضيــة‬ ‫الهيثــم‪ ،‬التــي يتجســد نموذجهــا‬
‫جديــدة‪ ،‬وبرؤيــة نقديــة تســتجيب‬ ‫المثالــي فــي أعمــال الرياضــي اليونانــي‬
‫للحاجــات الهندســية الجديــدة‪ ،‬وهــو‬ ‫أقليــدس (‪300‬ق م‪265-‬ق م)‪ ،‬وتأثــر بهــا‬
‫علــم المعلومــات‪ .‬فمــا هــي األســس‬ ‫الفالســفة والعلمــاء المســلمين‬
‫اإلبســتمولوجية لفلســفة ابــن الهيثــم‬ ‫فــي علــم الرياضيــات فــي العصــر‬
‫الرياضيــة؟ ومــا المقصــود بالمعلومــات‬ ‫الوســيط‪ ،‬إال أن لحظــة ابــن الهيثــم‬
‫الرياضيــة؟ وكيــف تتحــدد ماهيــة المعلــوم‬ ‫قــد شــكلت نموذج ـ ًا علمي ـ ًا مختلف ـ ًا؛‬
‫وإذا ســلمنا مــع‬ ‫عنــد ابــن الهيثــم؟‬ ‫إذ لــم يعــد يتصــور «صاحــب المناظــر»‬

‫ابــن الهيثــم وقلنــا بــأن المعلــوم هــو‬ ‫الكائنــات الهندســية‪ ،‬علــى غــرار مــا‬
‫الضامــن لوجــود خــواص الكائنــات‬ ‫االقليديــة‪،‬‬ ‫هــي عليــه فــي الهندســة‬
‫‪61‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫مــا هــو طبيعــي (فيزيائــي)‪ ،‬واألخــذ بعلــم واحــد علــى‬


‫والمقاديــر الرياضيــة فــي ثبــات‬
‫ظاهــره فــي مقاربــة حقيقــة الكائنــات الهندســية‬
‫أو حقيقيــة اإلبصــار ال يوصــل إلــى حقيقتهمــا‬ ‫معانيهــا وداللتهــا‪ ،‬كمــا ســنرى فــي‬
‫ولــو اعتقدنــا ذلــك مــع ابــن الهيثــم‪ ..‬وهــذا هــو مــا‬
‫قــادم هــذه الدراســة بالتفصيــل‬
‫ســنتطرق لــه بالتفصيــل وبالتدقيــق مــن خــال‬
‫العناصــر التاليــة‪:‬‬ ‫فكيــف برهــن ابــن الهيثــم‬ ‫والتدقيــق‪،‬‬
‫علــى ذلــك مــن داخــل مســائل العلــوم‬
‫• •فلسفة الرياضيات عند ابن‬
‫الهيثم‬ ‫التعليميــة (الرياضيــة)؟ ومــا هــو المنهــج‬

‫تعتبــر فلســفة ابــن الهيثــم الرياضيــة فلســفة‬ ‫الــذي تســلح بــه ابــن الهيثــم فــي صناعــة‬
‫مختلفــة عــن باقــي الفلســفات التــي كانــت ســائدة‬
‫البرهنــة واالســتدالل الرياضييــن؟‬
‫فــي العصــر الوســيط‪ ،‬لكونهــا لــم تتأثــر بشــكل كبيــر‬
‫بــاإلرث اليونانــي فــي مختلــف تجلياتــه الفلســفية‬
‫أوال‪:‬‬
‫وتمظهراتــه العلميــة‪ ،‬بقــدر مــا ســاءلته ونقضته في‬
‫األسس اإلبستمولوجية‬
‫زمــرة مــن اآلراء العلميــة والفلســفية والطبيعيــة‬
‫لفلسفة ابن الهيثم الرياضية‬
‫برديغما‬
‫ً‬ ‫والمنطقيــة‪ ،‬فلقــد شــكل تفكيــر ابن الهيثــم‬
‫‪ Paradigme‬جديــدً ا علــى حــد تعبيــر تومــاس كوهــن‬ ‫يلمــس الناظــر فــي تاريــخ العلوم عامــة‪ ،‬وتاريخ‬
‫‪ ،T ,Kuhn‬مــن خــال ثورتــه علــى إرث الفلســفة‬ ‫الرياضيــات عنــد المســلمين خاصــة‪ ،‬بــأن لحظــة‬
‫المشــائية وعلــى مــن ســار علــى نهجهــا مــن‬ ‫ابــن الهيثــم هــي لحظــة متميــزة ومختلفــة عــن‬
‫الفالســفة المســلمين المعاصريــن البــن الهيثــم(((‪.‬‬ ‫باقــي النمــاذج اإلرشــادية الرياضيــة األخــرى التــي‬
‫صحيــح أن ابــن الهيثــم قــد انكــب فــي صبــاه علــى‬ ‫كانــت فــي زمانــه‪ ،‬لكونهــا كانــت تنهــل مــن مرجعيــة‬
‫قــراءة اإلرث اليونانــي المتمثــل فــي المنظومــة‬ ‫علميــة مختلفــة تمثلــت‪ ،‬باألســاس‪ ،‬مــن وجهــة‬
‫األرســطية واألفالطونيــة وكذلــك المنظومــة‬ ‫نظرنــا‪ ،‬فــي إيمــان ابــن الهيثــم داخــل الممارســة‬
‫العلميــة (إقليــدس‪ ،‬بطليمــوس‪ ،‬جالينوس‪..‬إلــخ)‪،‬‬ ‫العلميــة بضــرورة التركيــب منهجيًــا بيــن العلــوم‬
‫وفــي هــذا الصــدد‪ ،‬يقــول ابــن الهيثــم فــي كتابــه‬ ‫الطبيعيــة وعلــوم التعاليــم (العلــوم الرياضيــة)‬
‫«الشــكوك علــى بطليمــوس» «فطالــب الحــق‬ ‫فــي حــل المشــكالت العلميــة والفلســفية؛ إذ‬
‫كان النظــر فــي الرياضيــات اإلســامية كمــا فــي‬
‫(‪ )2‬ومــن بيــن الفالســفة المســلمين الــذي عاصــروا ابــن‬
‫الهيثــم‪ ،‬نذكــر هنــا علــى ســبيل المثــال ال الحصــر‪ ،‬الشــيخ‬ ‫البصريــات اإلســامية قبــل ابــن الهيثــم نظــ ًر ا‬
‫الرئيــس الحســن بــن علــي ابــن ســينا (‪ 370‬هـــ‪ 427-‬هـــ) الموافــق‬
‫ل (‪ 980‬م – ‪ 1037‬م)‪ ،‬الــذي حــاوروه ابــن الهيثــم فــي كثيــر مــن‬ ‫يقتصــر فقــط علــى مــا هــو تعليمــي ويغيــب عنــه‬
‫المقــاالت ونذكــر منهــا مقالتــه «فــي المــكان»‪.‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪62‬‬

‫لقــد حــاور ابــن الهيثــم إرث اليونانييــن ليــس‬ ‫ليــس هــو الناظــر فــي كتــب المتقدمين‪ ،‬المسترســل‬
‫بغــرض حــوار االتصــال‪ ،‬وإنمــا بغــرض حــوار‬ ‫مــع طبعــه فــي حســن الظــن بهــم‪ ،‬بــل طالــب الحــق‬
‫االنفصــال؛ حيــث لجــأ صاحــب المناظــر فــي كثيــر‬ ‫هــو المتهــم لظنــه فيهــم‪ ،‬المتوقــف فيمــا يفهمــه‬
‫مــن األحيــان إلــى المنهــج النقــدي الشــكي بغيــة‬ ‫عنهــم‪ ،‬المتبــع الحجــة والبرهــان‪ ،‬ال قــول القائــل‬
‫تأســيس العلــم بصفــة عامــة علــى أســاس متيــن‪،‬‬ ‫الــذي هــو اإلنســان‪ ،‬المخصــوص فــي جبلتــه بضــروب‬
‫لهــذا‪ ،‬كانــت األســس اإلبســتيمولوجية التــي نهــل‬ ‫الخلــل والنقصــان»(((‪ ،‬إن عمليــة نقــد ابــن الهيثــم‬
‫منهــا ابــن الهيثــم مختلفــة تمامــ ًا عمــا كان فــي‬ ‫لبطليمــوس لــم تكــن منحصــرة فقــط فيمــا هــو‬
‫عصــره‪ .‬لقــد آمــن ابــن الهيثم بشــكل كبيــر بضرورة‬ ‫فلكــي‪ ،‬بــل تعدتهــا لتشــمل أعمــال بطليمــوس‬
‫التركيــب بيــن العلــوم الطبيعيــة وعلــوم التعاليــم‬ ‫األخــرى كالتــي تتعلــق بعلــم المناظــر‪ ،‬ممــا يبيــن أن‬
‫فــي معالجــة المســائل العلميــة والفلســفية‪،‬‬ ‫دوافــع تأليــف هــذا الكتــاب تتعــدى نقــد ابــن الهيثــم‬
‫ولهــذا‪ ،‬نجــده فــي مقاربتــه لموضــوع البصريــات‬ ‫لبطليمــوس فــي مــا هــو فلكــي لتصــل إلــى مــا هــو‬
‫فــي مصنفــه الشــهير «المناظــر» والســيما‬ ‫بصــري وفلســفي(((‪.‬‬
‫تســاؤله عــن «حقيقــة اإلبصــار» يقــول‪« :‬والبحــث‬
‫أمــا فــي مصنفــه الشــهير المناظــر فيؤكــد‬
‫عــن هــذا المعنــى مــع غموضــه وصعوبــة الطريــق‬
‫ابــن الهيثــم‪ ،‬أكثــر مــن مــرة‪ ،‬أن الحقائــق غامضــة‬
‫إلــى معرفــة حقيقتــه مركــب مــن العلــوم الطبيعيــة‬
‫والطريــق للوصــول إليهــا غيــر مأمــون الغلــط‪،‬‬
‫والعلــوم التعليميــة»(((‪ ،‬فاألخــذ بعلــم واحــد علــى‬
‫حيــث يقــول‪« :‬فالحقائــق غامضــة‪ ،‬والغايــات خفية‪،‬‬
‫ظاهــره فــي مقاربــة «حقيقــة اإلبصــار» ال يوصــل‬
‫والشــبهات كثيــرة‪ ،‬واألفهــام كــدرة‪ ،‬والمقاييــس‬
‫إلــى حقيقتهــا ولــو اعتقدنــا ذلــك‪..‬‬
‫مختلفــة‪ ،‬والمقدمــات ملتقطــة مــن الحــواس‪،‬‬
‫تمســك ابــن الهيثــم‪ً ،‬‬
‫أيضــا‪ ،‬بعلــم الرياضيــات‪،‬‬ ‫والحــواس التــي هــي العــدد غيــر مأمونــة الغلــط‪..‬‬
‫والســيما منهــا «صناعــة الهندســة» باعتبارهــا‬ ‫والباحــث المجتهــد غيــر معصــوم مــن الزلــل‪،‬‬
‫ً‬
‫مدخــا إلــى الحكمــة‪ ،‬وبعلــم المنطــق‪ ،‬حيــث‬ ‫فلذلــك تكثــر الحيــرة عنــد المباحــث اللطيفــة‪،‬‬
‫يقــول فــي كتابــه «ثمــرة الحكمــة» عــن‬ ‫وتتشــتت اآلراء‪ ،‬وتتفــرق الظنــون‪ ،‬وتختلــف‬
‫صناعــة الهندســة والمنطــق؛ «وال يشــكن أحــد‬ ‫النتائــج‪ ،‬ويتعــذر اليقيــن»(((‪.‬‬
‫فــي فضيلــة هــذا العلــم فإنــه علــم يلطــف تصــور‬
‫(‪ )3‬ابــن الهيثــم‪ ،‬الشــكوك علــى بطليمــوس‪ ،‬تحقيــق‪ :‬عبــد‬
‫اإلنســان‪ ،‬ويجيــد فهمــه‪ ،‬ويصفــو ذهنــه‪ ،‬ويمضــي‬ ‫الحميــد صبــره و نبيــل الشــهيباني‪ ،‬تصديــر‪ :‬إبراهيــم مذكــور‪،‬‬
‫مطبعــة دار الكتــب‪ ،‬مصــر‪ ،1971،‬ص‪4 :‬‬
‫ذكاؤه‪ ،‬وتتهــذب أخالقــه‪ ،‬بنفــي األشــياء التــي ال‬ ‫‪(4) G, Saliba, Arabic Planetary Theories After The‬‬
‫‪Eleventh Century AD,in : Encylopedia Of The History Of‬‬
‫‪Arabic Science, Edited by R ,Rachid, V1,London And New‬‬
‫‪york,1996,p :74‬‬
‫(‪ )5‬ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب المناظــر‪ ،‬المقــاالت الثــاث األولــى‪،‬‬
‫تحقيــق عبــد الحميــد صبــره‪ ،‬المجلــس الوطنــي للثقافــة‬
‫(‪ )6‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫والفنــون واآلداب‪ ،‬الكويــت‪ ،1983،‬ص‪60 :‬‬
‫‪63‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫فهمــا مدخــان رئيســيان إلــى الحكمــة «إحداهمــا‬ ‫حقائــق لهــا‪ ،‬وإثبــات األشــياء الحقيقيــة»(((‪ ،‬وفــي‬
‫صناعــة الهندســة‪ ،‬واألخــرى صناعــة المنطــق‪،‬‬ ‫مقــام آخــر نجــده يقــول أيضــ ًا‪« :‬فالمبتــدئ فــي‬
‫والهندســة هــي صناعــة يعلــم بهــا خــواص‬ ‫ً‬
‫أوال باألصــول‬ ‫طلــب الحكمــة يحتــاج أن يرتــاض‬
‫علمــا برهان ًيــا‪ ،‬والمنطــق هــو صناعــة يميــز‬
‫ً‬ ‫المقاديــر‬ ‫الهندســية‪ ،‬فيدركهــا بالبرهــان الــذي يــدرك كل‬
‫بهــا بيــن الصــدق والكــذب فــي األقاويــل‪ ،‬والحــق‬ ‫حــق‪ ،‬ثــم يتلوهــا باألصــول المنطقيــة»(((‪.‬‬
‫والباطــل فــي االعتقــادات‪ ،‬والخيــر والشــر فــي‬
‫إن المســتفاد مــن هذيــن القوليــن الســابقين‬
‫األفعــال‪ ...‬فالمبتــدئ فــي طلــب الحكمــة يحتــاج‬
‫هــو كــون ابــن الهيثــم متمســكا بالرياضيــات‪،‬‬
‫ً‬
‫أوال باألصــول الهندســية‪ ،‬فيدركهــا‬ ‫أن يرتــاض‬
‫ً‬
‫وخصوصــا صناعة الهندســة والمنطق باعتبارهما‬
‫بالبرهــان الــذي بــه يــدرك كل حــق‪ ،‬ثــم يتلوهــا‬
‫علميــن أساســين لــكل مبتــدئ فــي طلــب الحكمــة‪،‬‬
‫باألصــول المنطقيــة‪ ،‬واألصــول الهندســية أربعــة‬
‫فعــن طريــق صناعــة الهندســة يــدرك األصــول‬
‫أجــزاء‪ :‬أحدهمــا علــم خــواص األشــكال‪ ،‬واآلخــر علــم‬
‫الهندســية مــن خــال البرهــان الرياضــي‪ ،‬الــذي‬
‫خــواص األعــداد‪ ،‬والثالــث‪ :‬علــم التأليــف‪ ،‬وهــو الــذي‬
‫يعتبــره ابــن الهيثــم سـ ً‬
‫ـبيال للمــرء من أجــل أن يدرك‬
‫يســميه اليونانيــون الموســيقى‪ ،‬والرابــع علــم هيئــة‬
‫كل حــق‪ ،‬ثــم يتلوهــا المنطــق الــذي يــدرك مــن خاللــه‬
‫‪.‬‬ ‫األفــاك وحركاتهــا»‬
‫(‪((1‬‬

‫المــرء األصــول المنطقيــة‪ ،‬فمــع ابــن الهيثــم‪ ،‬ال‬


‫يتســاءل ابــن الهيثــم داخــل علــم الرياضيــات‪،‬‬ ‫تنفصــل صناعــة المنطــق عــن صناعــة الهندســة(((‪،‬‬
‫باســتمرار‪ ،‬عــن أصــل التصــورات الرياضية ومصدر‬
‫(‪ )7‬ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب ثمــرة الحكمــة‪ ،‬دراســة وتحقيــق عمــار‬
‫المفاهيــم الرياضيــة والكائنــات الهندســية برؤيــة‬ ‫الطالبــي‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة مجمــع اللغــة العربيــة بدمشــق‪ ،‬مجلــة‬
‫المجمــع العلمــي العربــي سـ ً‬
‫ـابقا‪ ،‬الجــزء الثانــي‪ ،‬المجلــد الثالــث‬
‫مركبــة تجمــع بيــن مــا هــو فلســفي وعلمــي‪ ،‬فمــا‬ ‫والســبعون‪ ،‬أبريــل ‪1998‬م‪ ،‬ص‪291 :‬‬
‫مصــدر التصــورات الرياضيــة؟ هــل الفطــرة أم‬ ‫(‪ )8‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪ )9‬مــن وجهــة نظــري‪ ،‬ومــن خــال اطالعــي علــى نصــوص ابــن‬
‫الحــس؟ هــل نشــأت مــن اإلدراكات الحســية؟ أم‬ ‫الهيثــم فــي حــدود اإلمــكان‪ ،‬ســجلت مالحظــة جديــرة باالهتمــام‬
‫وهــي كــون أن ابــن الهيثــم ال يفصــل بيــن صناعــة الهندســة‬
‫أنهــا نشــأت عــن العقــل بصفــة مباشــرة ومنعزلــة‬ ‫وصناعــة المنطــق؛ فكلمــا يتحــدث عــن صناعــة الهندســة نجده‬
‫تمــام االنعــزال عــن المحسوســات؟‬ ‫يتبعهــا بصناعــة المنطــق‪ ،‬إنــه كان يعتبــر أن الحــدود الفاصلــة‬
‫بيــن صناعــة الهندســة وصناعــة المنطــق هــي حــدود متقاربــة‬
‫مــن جهــة البحــث فــي ماهيــة الكائنــات الهندســية وأصولهــا‪،‬‬
‫تعتبــر مقالــة ابــن الهيثــم فــي «ثمــرة‬ ‫ومــن جهــة البرهنــة علــى وجودهــا وماهيتهــا منطقيــا‪ ،‬فمــع ابــن‬
‫الهيثــم ومــن خــال منهجــه التركيبــي يصعــب أيضــا الفصــل‬
‫الحكمــة» مدخـ ً‬
‫ـا «للعلــم الرياضــي الهندســي»‪،‬‬ ‫بيــن صناعــة الهندســة وصناعــة المنطــق‪ ،‬وهــذا موضــوع‬
‫جديــر باالهتمــام يحتــاج إلــى بحــوث ودراســات قيمــة تســتنطق‬
‫ويمكــن أن نجــد فيهــا‪ً ،‬‬
‫أيضــا‪ ،‬أجوبــة عن ما تســاءل‬ ‫نصــوص ابــن الهيثــم مــن أجــل فــك كنــه هــذا التمــازج بيــن‬
‫صناعــة الهندســة وصناعــة المنطــق‪ ،‬خصوصــا أن إمــكان‬
‫عنــه ابــن الهيثــم مــن أســئلة فلســفية وعلميــة فــي‬
‫التقــاء هذيــن العلميــن (الرياضيــات والمنطــق) كمــا يزعــم‬
‫الكثيــر مــن فالســفة اللحظــة المعاصــرة لــم يحصــل إال مــع‬
‫(‪ )10‬ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب ثمــرة الحكمــة‪ ،‬دراســة وتحقيــق عمــار‬ ‫راســل فــي حديثــه عــن عالقــة الرياضيــات بـ»منطــق الفئــات»‬
‫الطالبــي‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة مجمــع اللغــة العربيــة بدمشــق‪ ،‬مجلــة‬ ‫حيــث لــم يعــد المنطــق المعاصــر علــم معيــاري ‪Science of‬‬
‫المجمــع العلمــي العربــي سـ ً‬
‫ـابقا‪ ،‬الجــزء الثانــي‪ ،‬المجلــد الثالــث‬ ‫‪ Criterions‬لــه غايــة فلســفية‪ ،‬وإنمــا غايــة صوريــة تبحــث بدورهــا‬
‫والســبعون‪ ،‬أبريــل ‪1998‬م‪ ،‬ص‪291- 290 :‬‬ ‫فــي ماهيــة الكائنــات الهندســية والرياضيــة ‪...‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪64‬‬

‫هــي‪« :‬نظريــة‪ ،‬وسياســية‪ ،‬وخلقيــة»؛ فالنظريــة‬ ‫أصــل التصــورات الرياضيــة‪ ،‬ومصــدر المفاهيــم‬
‫هــي اســتعمال البرهــان فــي إدراك حقائــق‬ ‫الرياضيــة والكائنــات الهندســية‪ ،‬وهــو مــا يمكــن أن‬
‫الموجــودات‪ ،‬والخلقيــة فــي تهذيــب األخــاق‪،‬‬ ‫نســميه اليــوم بــكل تحفظ «بفلســفة الرياضيات»‬
‫واســتعمال الطلــب‪ ،‬والتأنــي‪ ،‬والحكــم فــي جميــع‬ ‫‪،La Philosophie Des Mathématiques‬‬
‫األمــور‪ ،‬والسياســية هــي تهذيــب أمــور العــوام‪،‬‬ ‫ولقــد كان الغــرض مــن تأليــف هــذه المقالــة‪،‬‬
‫وضبطهــم علــى فعــل القبيــح‪ ،‬وكفهــم علــى‬ ‫مــن وجهــة نظــر ابــن الهيثــم‪ ،‬مــا يلــي؛ «لمــا رأيــت‬
‫التغالــب‪ ،‬وقمعهــم عــن التجاهــل‪ ،‬بأبلــغ صنــع‬ ‫كثيــ ًر ا مــن المبتدئيــن إذا نظــروا فــي أوائــل هــذه‬
‫يــؤدي إلــى صالحهــم‪ ،‬وردع قويهــم عــن ضعيفهــم‪،‬‬ ‫األصــول ثقلــت عليهــم‪ ،‬واســتبعدوا الوصــول إلــى‬
‫واالنتصــاف لمظلومهــم مــن ظالمهــم‪ ،‬ومــا‬ ‫أحكامهــا‪ ،‬وظنــوا أنهــا مــع ذلــك ال ثمــرة لهــا‪ ،‬وال‬
‫شــاكل ذلــك‪. »...‬‬
‫(‪((1‬‬
‫فائــدة تقتــرن بمالبســتها‪ ،‬رأيــت أن أفصــح فــي‬
‫هــذه المقالــة عــن ثمــرة الحكمــة جملــة‪ ،‬وأخــص‬
‫إن الموضــوع الرئيــس مــن وجهــة نظرنــا فــي‬
‫منهــا جــزء الهندســة بذلــك‪ ،‬وأكتشــف عــن بعــض‬
‫مقالــة «ثمــرة الحكمــة» هــو موضــوع الرياضــي‬
‫األصــول الموضوعــة لهــا علــى ســبيل المبــدأ‬
‫الهندســي؛ فابــن الهيثــم حينمــا يتحــدث عــن‬
‫والمدخــل‪ ،‬ألســهل بــه علــى المبتدئيــن فــي طلــب‬
‫الرياضــي نجــده يقصــد المهنــدس‪ ،‬حيــث إن‬
‫الحكمــة ســبيل الســلوك إليهــا‪ ،‬وأفــرع أصولهــا‪،‬‬
‫موضــوع هــذا العلــم هــو النظــر فــي األشــكال‬
‫وأحثهــم علــى الصبــر فــي تأمــل مــا لعلهــم يقفــون‬
‫الهندســية القائمــة بذاتهــا؛ أي أن المهنــدس‬
‫فيــه مــن هــذه األصــول‪ ،‬وأرغبهــم فــي االســتفادة‬
‫ً‬
‫منفصــا كليــا‬ ‫ً‬
‫تعامــا‬ ‫الرياضــي يتعامــل معهــا‬
‫بذلــك‪ ،‬بمــا أبيــن عنــه مــن كرائــم الثمــرة ولطائــف‬
‫عــن المــادة‪ ،‬والمحســوس ال يكــون فــي البــدء إال‬
‫الفائــدة التــي يضفــر بهــا الصابــر علــى التأمــل‪،‬‬
‫فــي المــادة‪ ،‬إال أن المهنــدس يأخــذ الشــكل وينظــر‬
‫واالســتفهام ألصــول الحكمــة»(‪.((1‬‬
‫إليــه «كأنــه منفصــل عــن الجســم‪ ،‬فيذكــره بفكــره‬
‫ويحصــره بتصــوره العقلــي»(‪.((1‬‬ ‫يبــدو أن غــرض ابــن الهيثــم مــن تأليــف مقالــة‬
‫«ثمــرة الحكمــة»‪ ،‬التــي تعتبــر مــن وجهــة نظــره‬
‫يتأســس النظــر فــي الرياضيــات عــادة‪ ،‬حســب‬
‫مدخـ ً‬
‫ـا للعلــم الرياضــي الهندســي‪ ،‬هو‪ ،‬باألســاس‪،‬‬
‫ابــن الهيثــم‪ ،‬علــى ثــاث مســتويات‪ :‬فهنــاك النظــر‬
‫تبســيط هــذا العلــم للمبتدئيــن وتبييــن ثمرتــه‬
‫العلمــي الرياضــي المحــض فــي هــذه الصناعــة‪،‬‬
‫وفوائــده‪ ،‬مــع حــث طالبيــه علــى الصبــر فــي تأمــل‬
‫وهنــاك ً‬
‫أيضــا النظــر الفلســفي فــي هــذه الصناعــة‪،‬‬
‫معانيــه وأصولــه ومنشــئه؛ ألن للحكمــة فضائــل‬
‫كمــا أن هنــاك مســتوى ً‬
‫ثالثــا‪ :‬يمكــن الجمــع فيــه‬
‫جمــة يحصرهــا ابــن الهيثــم فــي ثالثــة فضائــل‬
‫بيــن الفلســفة والرياضيــات‪ ،‬وهــذا هــو مــا يمكــن‬
‫(‪ )11‬ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب ثمــرة الحكمــة‪ ،‬دراســة وتحقيــق عمــار‬
‫الطالبــي‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة مجمــع اللغــة العربيــة بدمشــق‪ ،‬مجلــة‬
‫(‪ )12‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.290 :‬‬ ‫المجمــع العلمــي العربــي ســابقا‪ ،‬الجــزء الثانــي‪ ،‬المجلــد الثالــث‬
‫(‪ )13‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.269 :‬‬ ‫والســبعون‪ ،‬أبريــل ‪1998‬م‪ ،‬ص‪.283 :‬‬
‫‪65‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫إلــى حــدود اليــوم فــي مجــال مــا يســمى بفلســفة‬ ‫أن نستشــفه مــن خــال ســؤاله عــن ماهيــة‬
‫الرياضيــات؛ وهــي مشــكلة الحقائــق الرياضيــة‬ ‫النقطــة الهندســية وإنيتهــا (وجودهــا)‪ ،‬حيــث‬
‫والمقاديــر الكميــة التــي يشــتغل بهــا الرياضــي‪،‬‬ ‫يقــول فــي كتابــه «حــل الشــكوك اقليــدس‬
‫كحقيقــة الدائــرة ‪-‬علــى ســبيل المثــال ال الحصــر‪-‬‬ ‫فــي األصــول وشــرح معانيــه» «فأمــا وجــود‬
‫التــي يشــتغل بهــا هــذا األخير وغيرها من األشــكال‬ ‫النقطــة فإنــا نبينــه اآلن‪ ،‬وإن لــم يكــن واج ًبــا علــى‬
‫الهندســية‪ ،‬وهنــا يثيــر ابــن الهيثــم الســؤال اآلتــي‪:‬‬ ‫المهنــدس تبينــه بمــا هــو مهنــدس‪ ،‬فقــد يجــوز أن‬
‫هــل لهــذه المقاديــر الرياضيــة وجــود واقعي خارجي‬ ‫يبيــن إنيــة النقطــة بمــا هــو متكلــم كالمً ــا فلســفيًا‬
‫أم أن مجالهــا هــو التجريــد واالبتعــاد كل البعــد عــن‬ ‫بــل كالمً ــا مركبًــا مــن الفلســفة والهندســة»(‪.((1‬‬
‫مــا هــو محســوس وواقعــي؟ يقول ابــن الهيثم في‬
‫إن المقصــود بإنيــة النقطــة‪ ،‬حســب ابــن‬
‫هــذا الســياق‪« :‬إن هــذا القــول (يقصــد بــه تعريــف‬
‫الهيثــم‪ ،‬هــو إمكانيــة وجودهــا واقع ًيــا‪ ،‬أمــا البحــث‬
‫الدائــرة) مفهــوم‪ ،‬إال أنــه إشــارة إلــى معنــى ليــس‬
‫عــن ماهيتهــا الهندســية فليــس مــن اختصــاص‬
‫بموجــود‪ ،‬وال يصــح وجــوده؛ ألنــه ليــس يوجــد فــي‬
‫المهنــدس‪ ،‬وإنمــا هــو مــن اختصــاص المتكلــم‬
‫الحــس علــى صفتــه‪ ،‬أعنــي علــى غايــة االســتدارة‬
‫كالمً ــا فلســفيًا؛ أي الفيلســوف الــذي يســأل‬
‫حتــى تكــون فــي داخلــه نقطــة»(‪ ،((1‬فشــكل الدائــرة‬
‫باســتمرار عــن ماهيــة األشــياء وكنههــا‪« ،‬فذلــك‬
‫باعتبارهــا مقــدا ًر ا رياضيًــا يتســلح بــه الرياضــي ال‬
‫كالم فــي وجــود الموجــودات ليــس هــو كالمً ــا‬
‫وجــود لــه فــي الحــس بقــدر مــا هــو موجــود متخيــل‬
‫هندســيًا‪ ،‬وال يجــب علــى المهنــدس إثبــات إنيــة‬
‫فــي الخيــال؛ أي إنــه ضمــن دائــرة الموجــودات التــي‬
‫النقطــة‪ ،‬وال إثبــات شــيء مــن إنيــة المقاديــر الــذي‬
‫توجــد بالتخيــل والتميــز وليــس بالحــس والواقــع‪،‬‬
‫يســتعملها؛ ألن إثبــات وجــود إنيــة الموجــودات‬
‫ولهــذا نجــد ابــن الهيثــم يقســم الموجــودات إلــى‬
‫إنمــا هــو علــى الفيلســوف ال علــى المهنــدس»(‪.((1‬‬
‫صنفيــن عندمــا يقــول‪« :‬إنــه ليــس كل موجــود‬
‫يكــون موجــودا بالحــس‪ ،‬بــل الموجــودات تنقســم‬
‫• •في منزلة التجريد والتخيل في‬
‫إلــى قســمين‪ :‬موجــود بالحــس‪ ،‬وموجــودا بالتخيــل‬
‫صناعة الرياضيات عند ابن‬
‫والتميــز»(‪.((1‬‬
‫الهيثم‪:‬‬
‫مــن الواضــح إذن‪ ،‬أن ابــن الهيثــم لــم يكــن يثــق‬
‫لقــد حــاول ابــن الهيثــم أن يطــرح مشــكلة‬
‫فــي المقدمــات الملتقطــة مــن الحــواس لكونهــا‬
‫فلســفية داخــل الرياضيــات‪ ،‬مازالــت مطروحــة‬
‫ال تــؤدي إلــى الحقيقــة‪ ،‬ولهــذا نجــده ينبهنــا فــي‬
‫(‪ )14‬ابــن الهيثــم‪ ،‬حــل شــكوك كتــاب إقليــدس فــي األصــول‬
‫كتابــه «المناظــر» بالقــول اآلتــي‪« :‬والمقدمــات‬ ‫وشــرح معانيــه‪ ،‬تصويــر معهــد تاريــخ العلــوم العربيــة‬
‫ملتقطــة مــن الحــواس‪ ،‬والحــواس –التــي هــي‬ ‫واإلســامية‪ ،‬منشــورات فرانكفــورت‪1405 ،‬هـــ‪1985-‬م‪ ،‬ص‪.7 :‬‬
‫(‪ )15‬ابــن الهيثــم‪ ،‬حــل شــكوك كتــاب إقليــدس فــي األصــول‬
‫(‪ )16‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.20 :‬‬ ‫وشــرح معانيــه‪ ،‬تصويــر معهــد تاريــخ العلــوم العربيــة‬
‫(‪ )17‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.20 :‬‬ ‫واإلســامية‪ ،‬منشــورات فرانكفــورت‪1405 ،‬هـــ‪1985-‬م‪ ،‬ص‪.6 :‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪66‬‬

‫ً‬
‫إطالقــا‪،‬‬ ‫علــى حقيقــة ثابتــة‪ ،‬ال يوجــد علــى الحقيقــة‬ ‫العــدد‪ -‬غيــر مأمونــة الغلــط‪ ،‬فطريــق النظــر معفــى‬
‫وعليــه‪ ،‬يكــون‪ ،‬فقــط‪ ،‬الموجــود بالتخيــل هــو‬ ‫األثــر‪ ،‬والباحــث المجتهــد غيــر معصــوم الزلــل‪،‬‬
‫الموجــود الوحيــد الــذي يوجــد علــى غايــة التحقيــق‪،‬‬ ‫فلذلــك تكثــر الحيــرة عنــد المباحــث اللطيفــة‪،‬‬
‫لــم يكــن الموجــود الوحيــد الــذي يوجــد علــى‬ ‫وتتشــتت اآلراء‪ ،‬وتفتــرق الظنــون‪ ،‬وتختلف النتائج‪،‬‬
‫الحقيقــة؛ «ألن الصــورة التــي تحصــل فــي التخيــل‬ ‫ويتعــذر اليقيــن‪ ،((1(»..‬تبقــى‪ ،‬إذن‪ ،‬المقدمــات‬
‫علــى حقيقتهــا‪ ،‬وليســت تســتحيل‪ ،‬وال تتغيــر‬ ‫الملتقطــة والمبنيــة علــى الحــس والحــواس‪،‬‬
‫إال بتغيــر المتخيــل لهــا»(‪ ،((2‬فجميــع األشــكال‬ ‫حســب هــذا القــول‪ ،‬غيــر مأمونــة الغلــط؛ ألن‬
‫الهندســية والمقاديــر الرياضيــة‪ ،‬مــن وجهــة نظــر‬ ‫الموجــود الحقيقــي حســب ابــن الهيثــم هــو‬
‫ابــن الهيثــم‪ ،‬يكــون وجودهــا الحقيقي فــي التخيل ال‬ ‫الموجــود العقلــي ال الموجــود الحســي؛ ألن ذلــك‬
‫فــي الحــس‪ ،‬فكيــف يتــم االنتقــال مــن المحســوس‬ ‫راجــع فــي تقديــر صاحــب المناظــر حســب الباحــث‬
‫إلــى المجــرد حســب ابــن الهيثــم؟‬ ‫التونســي جــال الدريــدي إلــى اإلبــداع العقلــي أو مــا‬
‫عبــر عنــه بـ«الصــورة التــي تحصــل فــي التخيــل بعــد‬
‫ُيــدْ رِ ُ‬
‫ك اإلنســان‪ ،‬مــن وجهــة نظــر ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫أن انتزعــت مــن الحــواس وجــردت مــن المقاديــر‬
‫ً‬
‫أوال بالحــس‪ ،‬ثــم عــن طريــق التكــرار‬ ‫األشــياء‬
‫المحسوســة وصــارت مقاديــر خياليــة»(‪ .((1‬إن‬
‫والتعــود‪ ،‬فتســتقر هــذه األشــياء فــي األنفــس‪،‬‬
‫الموجــود الــذي ينبنــي علــى الحــس ال يوثــق بوجــود‬
‫وتصبــح مــن القضايــا المتعــارف عليهــا‪ ،‬إذ ال تــدرك‬
‫حقيقتــه‪ ،‬والموجــود‪ ،‬مــن وجهــة نظــر ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫بالفطــرة‪ ،‬وال عالقــة لهــا بهــا إطالق ـ ًا‪ ،‬ولهــذا نجــد‬
‫الــذي ال يوثــق بوجــود حقيقتــه‪ ،‬فليســت حقيقتــه‪،‬‬
‫ابــن الهيثــم يقــول فــي حــل الشــكوك كتــاب‬
‫إذن‪ ،‬موجــودة‪ ،‬مــن لــم تكــن حقيقتــه غيــر موجــودة‪،‬‬
‫إقليدس في األصول وشرح معانيه ‪« :‬ذلك‬
‫فليــس هــو بموجــود علــى الحقيقــة(‪.((2‬‬
‫أن الحــس يــدرك األجســام‪ ،‬ويــدرك مــن كل جســم‬
‫جــزءا دون جــزء‪ ،‬والــكل اســم متفــق عليــه يســمى‬
‫ً‬ ‫إن المقاديــر الرياضيــة ال يمكــن ربطهــا‬
‫بــه كل جملــة مجتمعــة مــن عــدة أشــياء وأجــزاء‬ ‫بالمحسوســات؛ ألن هــذه األخيــرة‪ ،‬حســب ابــن‬
‫كل جســم تســمى بــه كل جملــة مجتمعــة مــن تلــك‬ ‫الهيثــم‪ ،‬ليســت ثابتــة علــى صفــة واحــدة‪ ،‬ووجــود‬
‫األجــزاء‪ ،‬وكثيــ ًر ا مــن األجســام تكــون لهــا أجــزاء‬ ‫واحــد‪ ،‬وعليــه فهــي لهــا حقيقــة ثابتــة‪ ،‬ومــا لــم يوجــد‬
‫متميــزة كاإلنســان وســائر الحيــوان‪ ،‬وأن كل واحــد‬
‫(‪ )18‬ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب المناظــر‪ ،‬المقــاالت الثــاث األولــى‪،‬‬
‫مــن الحيــوان فلــه أعضــاء مختلفــة‪ ،‬كل منهــا يتميــز‬ ‫تحقيــق عبــد الحميــد صبــره‪ ،‬المجلــس الوطنــي للثقافــة‬
‫والفنــون واآلداب‪ ،‬الكويــت‪ ،1983 ،‬ص‪.60 :‬‬
‫عــن اآلخــر‪ ،‬والحــس يــدرك كل واحــد مــن أعضــاء‬ ‫(‪ )19‬جــال الدريــدي‪ ،‬األســس اإلبســتيمولوجية لفلســفة ابــن‬
‫الهيثــم الرياضيــة‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة المســتقبل العربــي‪ ،‬مركــز‬
‫الحيــوان‪ ،‬ويــدرك تميــزه‪ ،‬ويــدرك جملــة أعضائــه‪،‬‬ ‫الدراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬العــدد ‪ 469‬مــارس ‪ ،2018‬ص‪.109 :‬‬
‫والتميــز يــدرك أن الجماعــة أكثــر مــن الواحــد‪ ،‬فعلــى‬ ‫(‪ )20‬ابــن الهيثــم‪ ،‬حــل شــكوك كتــاب إقليــدس فــي األصــول‬
‫وشــرح معانيــه‪ ،‬تصويــر معهــد تاريــخ العلــوم العربيــة‬
‫واإلســامية‪ ،‬منشــورات فرانكفــورت‪1405 ،‬هـــ‪1985-‬م‪ ،‬ص‪20 :‬‬
‫(‪ )21‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.21 :‬‬ ‫(بتصــرف)‪.‬‬
‫‪67‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫الهيثــم أســس ألنطولوجيــة جديدة ترتكــز بالضبط‬ ‫هــذا الوجــه أعنــي مــن إدراك الحــس ألجــزاء الجســم‬
‫علــى وجــود (إنيــة) الكائنــات الرياضيــة ومقاديرهــا‬ ‫الواحــد‪ ،‬ومــن إدراك التميــز للكثــرة والعظــم‪ ،‬اســتقر‬
‫عبــر فعــل التجريــد والتخيــل‪ ،‬ولكــي يصــل إلــى داللــة‬ ‫فــي النفــس أن الــكل أعظــم مــن الجــزء‪ ،‬ثــم بكثــرة‬
‫وجــود ثابتــة لهــذه الكائنــات الرياضيــة‪ ،‬البــد مــن أن‬ ‫تكــرار هــذا المعنــى فــي المحسوســات صــار هــذا‬
‫يكــون هنــاك ثبــات فــي المعلومــات الرياضيــة‪،‬‬ ‫المعنــى مــن القضايــا المتعارفــة‪ ،‬إال أنــه ليــس ممــا‬
‫واســتقالل وجودهــا عــن الزمــان والمــكان وعــن‬ ‫يــدرك بفطــرة العقــل»(‪.((2‬‬
‫اإلنســان العاقــل الــذي ســيمنحها مصداقيــة‬
‫نفهــم مــن خــال حديــث ابــن الهيثــم الســالف‬
‫وكثافــة دالليــة معينــة‪ ،‬وهــذا هــو مــا أراد تحقيقــه‬
‫أن جميــع الموضوعــات المتخيلــة بمــا فيهــا‬
‫ابــن الهيثــم فــي مقالتــه الموســومة بـــ «فــي‬
‫المقاديــر الرياضيــة واألشــكال الهندســية ً‬
‫أيضــا‪،‬‬
‫المعلومــات التــي أســس فيهــا لعلــم جديــد‬
‫إنمــا هــي ملتقطــة فــي األصــل مــن الحــواس‪ ،‬إال‬
‫يقــوم بنيانــه علــى ثبــات وعــدم تغيــر المعلومــات‬
‫أنهــا منتزعــة مــن األجســام المحسوســة‪ ،‬بحيــث‬
‫الرياضيــة‪ .‬فمــا المقصــود بالمعلــوم عنــد ابــن‬
‫إذا انتزعــت الصــورة مــن الجســم المحســوس‪،‬‬
‫الهيثــم ومــا هــي ماهيتــه؟‬
‫وحصلــت فــي التخيــل‪ ،‬سيســتغني المتخيــل‬
‫بعــد عــن الجســم المحســوس‪ ،‬ممــا يعنــي أن‬
‫• •في ماهية المعلوم‪:‬‬
‫الرياضيــات عنــده واألشــكال الهندســية‪ ،‬هــي‬
‫يســتهل ابــن الهيثــم حديثــه فــي مقالتــه فــي‬ ‫موجــودات عقليــة ومتخيلــة ولكنها ليســت فطرية‬
‫المعلومــات بتعريــف العلــم باعتبــاره ظ ًنــا ال‬ ‫إطالقــ ًا‪ ،‬حيــث إنهــا‪ ،‬فــي األصــل‪ ،‬مســتنبطة مــن‬
‫يتغيــر‪ ،‬حيــث يقــول‪« :‬العلــم هــو الظــن الــذي ال‬ ‫الحــواس‪ ،‬ثــم جــردت فيمــا بعــد مــن كل جســم‬
‫يتغيــر‪ ،‬والظــن هــو اعتقــاد معنــى مــا‪ ،‬فالعلــم هــو‬ ‫محســوس لكــي تصــل إلــى درجــة التخيــل والتجــرد‪.‬‬
‫اعتقــاد معنــى مــا علــى مــا هــو عليــه ومــع ذلــك‬
‫اعتقــاد ال يتغيــر‪ ،‬كاعتقادنــا أن الــكل أعظــم مــن‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫الجزء‪...‬فالعلــم هــو اعتقــاد معنــى ال يصــح فيــه‬ ‫في علم المعلومات عند ابن‬
‫التغيــر»(‪ ،((2‬فابــن الهيثــم يقصــد بالعلــم هنــا‬ ‫الهيثم‪:‬‬
‫ذلــك االعتقــاد الــذي ال يجــوز فيــه التغيــر‪ ،‬وبالتالــي‬
‫إذا كانــت المقاديــر الرياضيــة واألشــكال‬
‫فهــو ظــن ال يتغيــر؛ ولكــي يبســط فكرتــه هاتــه‬
‫الهندســية‪ ،‬فــي األصــل‪ ،‬ملتقطــة مــن الحــواس‪،‬‬
‫كمــا توصلنــا مــن كالمــه‪ ،‬ضــرب لنــا مثــال «الــكل‬
‫بحيــث انتزعــت مــن األجســام المحسوســة‪،‬‬
‫أعظــم مــن الجــزء» بغيــة تبيــن أن معنــى الــكل‬
‫وحصلــت فــي التخيــل فاســتغنى المتخيــل بعــد‬
‫(‪ )23‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي المعلومــات»‪ ،‬ضمــن الرياضيــات‬
‫التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس للهجــرة‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫عــن الجســم المحســوس‪ ،‬فهــذا يعنــي أن ابــن‬
‫ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز دراســات الوحــدة‬
‫العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪.467 :‬‬ ‫(‪ )22‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪20 :‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪68‬‬

‫ابــن الهيثــم فــي أبحاثــه العلميــة والفلســفية‪،‬‬ ‫أعظــم مــن الجــزء الــذي يعتقــد فيــه النــاس فــي‬
‫ً‬
‫شــكوكا وانتقــادات‬ ‫فلقــد أبــدى العالــم المجــدد‬ ‫العلــم هــو اعتقــاد ال يصــح فــي التغيــر‪ ،‬وإذا كان‬
‫لألفــكار التــي اطلــع عليهــا‪ ،‬فــي العلــم والفلســفة‬ ‫العلــم‪ ،‬مــن وجهــة نظــر ابــن الهيثــم‪ ،‬اعتقــاد ال‬
‫ً‬
‫ممحصــا للفرضيــات القريبــة‬ ‫واإللهيــات‪ ،‬وانطلــق‬ ‫يصــح فيــه التغيــر‪ ،‬فــإن المعلــوم هــو «المعنــى‬
‫إلــى الصــواب فأعــاد ســبكها وهــذب منهــا مــا كان‬ ‫الم َ‬
‫عت َقــد الــذي ال يصــح فيــه التغيــر‪ ،‬والعالِــم‬ ‫ُ‬
‫فــي حاجــة إلــى ذلــك‪ ،‬ومَ َّت َ‬
‫ــن البرهنــة فيهــا(‪ .((2‬أمــا‬ ‫عتقــد معنــى ال يصــح فيــه التغيــر»(‪ ،((2‬إن‬ ‫هــو ُ‬
‫الم ِ‬
‫القســم الثانــي؛ فهــو المعتقــد المعنــى الــذي ال‬ ‫المعلــوم إذن‪ ،‬هــو اعتقــاد المعانــي التــي ال يصــح‬
‫يتغيــر وهــو ال يعلــم أن ذلــك المعنــى يصــح فيــه‬ ‫ً‬
‫إطالقــا؛ ألن العلــم هــو اعتقــاد‪،‬‬ ‫فيهــا التغيــر‬
‫الم َ‬
‫عت ِقــد‬ ‫التغيــر أو ال يصــح فيــه التغيــر‪ ،‬والعالــم ُ‬ ‫والعالــم هــو المعتقــد بصحــة معنــى ال يطالــه‬
‫مــن هــذا النــوع هــو الــذي أخــذ هــذا االعتقــاد مــن‬ ‫التغيــر‪« ،‬فأمــا اعتقــاد المعانــي المتغيــرة‪ ،‬ليــس‬
‫دون برهــان وال نقــد وال مســاءلة‪ ،‬بــل أخــذه عــن‬ ‫علمــا؛ ألن المعانــي المتغيــرة ليســت ثابتــة‬
‫ً‬ ‫يعــد‬
‫«طريــق الســماع والتقليــد مــع حســن الظــن أو‬ ‫علــى صفــة واحــدة»(‪.((2‬‬
‫بالخاطــر»(‪ ،((2‬ومــع ذلــك ال ينفــي عليــه ابــن الهيثــم‬
‫إن المعلــوم هــو اعتقــاد فــي المعانــي‬
‫المعتقــد ســيبقى عالمـ ًا؛‬
‫صفــة العلــم؛ لكــون هــذا ُ‬
‫الرياضيــة واألجســام التعليميــة التــي ال يصــح‬
‫«ألنــه يعتقــد معنــى ال يصــح فيــه أن يتغيــر وهــذا‬
‫فيهــا التغيــر‪ ،‬كالدائــرة والزاويــة وماهيــة محيــط‬
‫هــو حــد العلــم»(‪ ،((2‬ويمكــن تلخيــص أنــواع االعتقــاد‬
‫الدائــرة وماهيــة العــدد وماهيــة الوحــدة وجميــع‬
‫الــذي ال يصــح فيــه التغيــر فــي الخطاطــة اآلتيــة‪:‬‬
‫المعانــي التعليميــة‪ ...‬بوســمها معــان علميــة‬
‫ال يصــح فيهــا التغيــر‪ ،‬إال أن اعتقــاد المعنــى‬
‫الــذي ال يصــح فيــه التغيــر‪ ،‬حســب ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫ينقســم إلــى قســمين أساســين‪« :‬أحدهمــا أن‬
‫يعتقــد معتقــد معنــى ال يتغيــر وهــو يعلــم ذلــك‬
‫المعنــى الــذي ال يتغيــر‪ ،‬والقســم اآلخــر هــو أن‬
‫يعتقــد المعتقــد معنــى ال يتغيــر وهــو ال يعلــم أنــه‬
‫الم َ‬
‫عت ِقــد المعنــى‬ ‫يتغيــر»(‪ ،((2‬فالقســم األول؛ هــو ُ‬
‫الــذي ال يتغيــر وهــو يعلــم بذلــك التغيــر‪ ،‬وهــو‬
‫(‪ )27‬البوعزاتــي بناصــر‪ ،‬الفكــر العلمــي والثقافــة اإلســامية‪ ،‬دار‬ ‫عالــم بذلــك المعنــى عــن طريــق البرهــان والســبك‬
‫األمــان‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،‬الربــاط‪ ،‬المغــرب‪ 2015 ،‬ص‪222-221 :‬‬
‫(‪ )28‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي المعلومــات» ‪ ،‬ضمــن الرياضيات‬
‫والنقــد والتحليــل والتركيــب‪ .‬هــذا هــو مــا ميــز تفكيــر‬
‫التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس للهجــرة‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز دراســات الوحــدة‬ ‫(‪ )24‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪468 :‬‬ ‫(‪ )25‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪ )29‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‬ ‫(‪ )26‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.468-467 :‬‬
‫‪69‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫اعتقاد المعنى الذي ال يصح فيه التغير حسب ابن الهيثم‬

‫المعتقــد للمعنــى الــذي ال‬


‫المُ عتَقــد للمعنــى الــذي‬
‫يتغيــر وهــو ال يعلــم أن ذلــك‬ ‫ِ‬
‫يتغيــر وهــو يعلــم بذلــك‬ ‫ال‬
‫المعنــى يصــح فيــه التغيــر أو‬
‫ا لتغيــر‬
‫ال يصــح فيــه التغيــر‬

‫هــو عالــم أخــذ علمــه باالعتقــاد‬


‫هــو عالــم بذلــك المعنــى عــن‬
‫مــن دون برهــان وال نقــد وال‬
‫طريــق البرهــان والســبك‬
‫مســاءلة بــل عــن طريــق‬
‫والنقــد والتحليــل والتركيــب‬
‫الســماع والتقليــد‬

‫عالــم بالقــوة‪ :‬وهــو الذي يكون‬


‫علمــه بالقــوة أي مــا يصــح أن‬ ‫عالــم بالفعــل‪ :‬وهــو مــا صــار‬
‫يكــون اعتقــادا لمعتقــد (أي‬ ‫علمــه اعتقــادا لمعتقــد‪.‬‬
‫مــا يصــح فقــط)‬

‫(خطاطــة توضيحيــة ألنــواع االعتقــاد الــذي ال‬


‫يصــح فيــه التغيــر عنــد ابــن الهيثــم)‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪70‬‬

‫إن المعانــي الرياضيــة وأجســامها كالدائــرة‬ ‫إن العلــم حســب ابــن الهيثــم اعتقــاد؛ أي إنــه‬
‫والزاويــة وماهيــة محيــط الدائــرة وماهيــة العــدد وماهية‬ ‫يكــون مــن إنســان مُ َ‬
‫عت ِقــد ومــن معنــى مُ َع ًت َقــد‪ ،‬وهــذا‬
‫الوحــدة‪ ...‬وجميــع األوضــاع الهندســية ومــا يلحقهــا‬ ‫هــو مــا يمكــن أن نســميه معلومً ــا‪ ،‬فالعلــم ينقســم‬
‫مــن عالقــات بيــن الخطــوط والســطوح واألجســام‪،‬‬ ‫إلــى قســمين‪ :‬علــم بالفعــل وعلــم بالقــوة‪ ،‬والمعلــوم‬
‫ال يمكــن أن تــدرك مــن طــرف اإلنســان إال علــى شــكل‬ ‫ذاتــه ً‬
‫أيضــا ينقســم إلــى قســمين أساســين وهمــا‪:‬‬
‫االســتقامة؛ فــكل واحــد مــن هــذه األجســام يدركهــا‬ ‫معلــوم بالفعــل ومعلــوم بالقــوة‪ ،‬فــاألول هــو‬
‫الحــس فــي البدايــة مســتقيمة‪ ،‬ويفهــم تمييــز صــورة‬ ‫ً‬
‫طبعــا‪،‬‬ ‫الــذي قــد صــار معلومً ــا لعالــم بــه بالبرهــان‬
‫االســتقامة منهــا مــع اختــاف أشــكالها وجواهرهــا‬ ‫والثانــي هــو الــذي يصــح أن يصيــر معلومً ــا لعالــم‬
‫وألوانهــا وأغراضهــا‪ ،‬ثم تســتقر صورة هذه االســتقامة‬ ‫بــه(‪ .((3‬إن المعلــوم‪ ،‬عنــد ابــن الهيثــم‪ ،‬هــو المعنــى‬
‫فــي الخيــال بعــد أن تتخلــى عــن المحســوس‪.‬‬ ‫الــذي ال يصــح فيــه التغيــر‪ ،‬بمــا فيهــا المعانــي‬
‫الرياضيــة التــي تدركهــا النفــس اإلنســانية كإدراك‬
‫إن جميع هذه المعاني الرياضية‪ ،‬بصفة عامة‬
‫صــورة الخطــوط علــى شــكل اســتقامة فــي البدايــة‪،‬‬
‫ســواء كانــت علميــة (هندســية) أو عمليــة (تطبيــق‬
‫ولذلــك نجــده يقــول فــي كتابــه شــرح مصــادرات‬
‫للهندســة علــى أرض الواقــع) بمعنــى الــذي تطبــق‬
‫كتــاب إقليــدس‪« :‬وذلــك أن كثيــ ًر ا مــن األجســام‬
‫فيــه الهندســة فــي الصناعــات العمليــة بغــرض‬
‫المحسوســة توجــد أشــكالها مســتقيمة‪ ،‬وتعمــل‬
‫االنتفــاع بهــا (كهندســة أعمــال مــن األبنيــة ومــا‬
‫علــى شــكل االســتقامة كالمســاطر‪ ،‬والســهام‬
‫يجــري مجراهــا مــن الصناعــات العمليــة)(‪،((3‬‬
‫والعمــد‪ ،‬وكثيــر مــن األبنيــة‪ ،‬وكالخيــوط‪ ،‬والشــعر‬
‫ٌ‬
‫معلومــة ســواء كان علمنــا بهــا عمليًــا أو علميًــا‬
‫إذا مــدت مــدًّ ا شــديدًّ ا‪ ،‬وأمثــال ذلــك كثيــرة‪ ،‬وكل‬
‫رياضيًــا‪ ،‬أي إنهــا تدخــل ضمــن دائــرة المعانــي‬
‫واحــد مــن هــذه األجســام يدركهــا الحــس‪ ،‬ويــدرك‬
‫التــي ال يصــح فيهــا التغيــر التــي يمنحهــا اإلنســان‬
‫أنهــا مســتقيمة‪ ،‬ويفهــم التمييــز صــورة االســتقامة‬
‫العاقــل داللــة ال متغيــرة؛ ألن المعلــوم الــذي يوجــد‬
‫منهــا‪ ،‬وإذا أدرك اإلنســان األجســام المســتقيمة‬
‫علــى الحقيقــة حســب صاحــب المناظــر كمــا رأينــا‬
‫الشــكل المختلفــة الصــورة‪ ،‬وأدرك االســتقامة مــن‬
‫«هــو كل معنــى ال يصــح فيــه التغيــر‪ ،‬أعتقــد ذلــك‬
‫كل واحــد مــع اختــاف إحاطتهــا‪ ،‬واختــاف جواهرهــا‪،‬‬
‫المعنــى معتقــد أم لــم يعتقــده معتقــد»(‪.((3‬‬
‫واختــاف ألوانهــا‪ ،‬واختــاف أغراضهــا‪ ،‬حصلــت صورة‬
‫(‪ )32‬ننصح في هذا السياق بالرجوع إلى كتاب‪:‬‬ ‫االســتقامة متخيلــة فــي نفســه مفهومــة عنــده»(‪.((3‬‬
‫ابــن الهيثــم‪ ،‬فــي بــركار الدوائــر العظــام‪ ،‬ضمــن‪ :‬كتــاب‪ :‬رشــدي‬
‫راشــد‪ ،‬الرياضيــات التحليليــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس‬
‫للهجــرة‪ ،‬ترجمــة بــدوي مبســوط‪ ،‬مركــز الدراســات الوحــدة‬ ‫(‪ )30‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي المعلومــات» ‪ ،‬ضمــن الرياضيات‬
‫العربيــة‪ ،‬بيــروت ‪ ،2011‬الجــزء الخامــس‪ ،‬الحســن ابــن الهيثــم‪ :‬علــم‬ ‫التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس للهجــرة‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫الهيئــة‪ ،‬الهندســة الكرويــة وحســاب المثلثــات‪ ،‬ص‪.636 :‬‬ ‫ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز دراســات الوحــدة‬
‫(‪ )33‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي المعلومات»‪ ،‬ضمن الرياضيات‬ ‫العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪( 468 :‬بالتصــرف)‪.‬‬
‫التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس للهجــرة‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫(‪ )31‬ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب شــرح مصــادرات كتــاب إقيلــدس‪ ،‬شــرح‬
‫ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز دراســات الوحــدة‬ ‫وتحقيــق‪ :‬أحمــد عــزب أحمــد‪ ،‬مراجعــة‪ :‬أحمــد فــؤاد باشــا‪ ،‬الكتــب‬
‫العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪.468 :‬‬ ‫والوثائــق القوميــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مصــر‪ ،2005 ،‬ص‪.174-148 :‬‬
‫‪71‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫فــي المعلــوم‪ ،‬كمــا للمقاديــر وجــود بالفعــل؛ أي‬ ‫مــن بيــن األمثلــة الرياضيــة التــي يقدمهــا لنــا ابــن‬
‫بالعقــل إذا صــح اعتقــاد العالــم بالبرهــان والنقــد‬ ‫الهيثــم التــي يشــرح بهــا المعانــي الهندســية «المعلومــة‬
‫والتحليــل والتركيــب للمعنــى الــذي ال يتغيــر فــي‬ ‫الوضــع» فــي مقالتــه «فــي المعلومــات» مثــال(‪:((3‬‬
‫المعلــوم‪ ،‬وعليــه‪ ،‬يكــون «المعلــوم علــى التحقيــق‬
‫‪1.1‬إذا خــرج مــن نقطــة معلومــة الوضــع خــط‬
‫هــو المعلــوم العقلــي»(‪ ،((3‬فالمعلومــات عنــد‬
‫مســتقيم معلــوم القــدر‪ ،‬فــإن نهايتــه علــى‬
‫ابــن الهيثــم هــي الضامــن الوحيــد لوجــود خــواص‬
‫محيــط دائــرة معلومــة الوضــع‪.‬‬
‫الكائنــات ومقاديرهــا فــي ثباتهــا وصدقيتهــا‪ ،‬إذ‬
‫حســب الباحــث التونســي جــال الدريــدي «نجــد‬ ‫مثــال ذلــك‪ :‬نقطــة أ معلومــة الوضــع‪ ،‬وقــد‬
‫األمــر كذلــك ً‬
‫أيضــا فــي الخطــوط والســطوح‪،‬‬ ‫خــرج منهــا خــط (أ ب) وهــو معلــوم القــدر أقــول‪:‬‬
‫والدوائــر‪ ،‬واألشــكال األخــرى كالمربــع المعيــن‪،‬‬ ‫إن النقطــة ب علــى محيــط الدائــرة معلــوم الوضــع‬
‫والمربــع القائــم الزوايــا‪ ،‬والمثلــث القائــم الزوايــا‪،‬‬
‫فحكــم العقــل هنــا إنمــا هــو مبنــي علــى الحــس‬
‫ابتــداء ومــن التخيــل انتهــاء؛ وألن اإلنســان‬ ‫‪.‬‬
‫مطبــوع علــى أن يتخيــل كل مــا أدركــه بجســمه مــن‬
‫بعــد إحساســه بــه‪ ،‬صــارت األشــياء لديــه وكأنهــا‬
‫معلومــة بفطــرة العقــل»(‪.((3‬‬ ‫ولكــي يبرهــن ابــن الهيثــم عــن هــذا المعنــى‬
‫الرياضــي يقــول‪« :‬أن نجعــل نقطــة أ مركــزا‪ ،‬وتديــر‬
‫فــإذا كان غــرض ابــن الهيثــم مــن بحثــه فــي‬
‫ببعــد أ ب دائــرة‪ ،‬ولتكــن الدائــرة ب ج‪ ،‬فــأن دائــرة ب‬
‫المعلــوم وماهيتــه هــو تبييــن أن هــذا األخيــر هــو‬
‫ج مركزهــا معلــوم الوضــع‪ ،‬فليــس ينتقــل ســطح‬
‫الضامــن لوجــود خــواص الكائنــات والمقاديــر‬
‫الدائــرة بوجــه مــن الوجــوه؛ وألن نصف قطــر الدائرة‬
‫الرياضيــة فــي ثبــات معانيها وداللتهــا وصدقيتها‪،‬‬
‫معلــوم‪ ،‬فمحيطهــا ليــس يتغيــر وضعــه بوجــه‬
‫فكيــف برهــن ابــن الهيثــم علــى ذلــك مــن‬
‫مــن الوجــوه‪ ،‬فمحيــط دائــرة ب ج معلــوم الوضــع‪،‬‬
‫داخــل المســائل الرياضيــة؟ أو بعبــارة‬
‫فنقطــة ب علــى محيــط دائــرة معلومــة الوضــع‬
‫أدق‪ :‬مــا هــو المنهــج الــذي تســلح بــه ابــن‬
‫وهــي دائــرة ب ج‪ ،‬وذلــك مــا أردنــا أن نبينــه»(‪.((3‬‬
‫الهيثــم فــي صناعــة البرهنــة واالســتدالل‬
‫الر ياضييــن؟‬ ‫جعــل ابــن الهيثــم للكائنــات الرياضيــة‬
‫وجــودً ا مزدوجً ــا‪ ،‬وجــود بالقــوة ووجــود بالفعــل‪،‬‬
‫فللمقاديــر الرياضيــة وجــود بالقــوة إذا لــم يصــح‬
‫(‪ )36‬جــال الدريــدي‪ ،‬األســس اإلبســتيمولوجية لفلســفة ابــن‬ ‫اعتقــاد العالــم للمعنــى الرياضــي الــذي ال يتغيــر‬
‫الهيثــم الرياضيــة‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة المســتقبل العربــي‪ ،‬مركــز‬
‫الدراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬العــدد ‪ 469‬مــارس ‪ ،2018‬ص‪.113 :‬‬ ‫(‪ )34‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.490 :‬‬
‫(‪ )37‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.115 :‬‬ ‫(‪ )35‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.490 :‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪72‬‬

‫مقدمــات صحيحــة وصادقــة ال يعترضهــا شــيء مــن‬


‫ثالثا‪:‬‬
‫الشــبهات‪ ،‬ومــن نظــام وترتيــب لهــذه المقدمــات‪،‬‬
‫في فن التحليل والتركيب عند‬
‫«يضطــر ســامعه إلــى َتي َُقــن لوازمهــا واعتقــاد صحــة‬
‫ابن الهيثم‬
‫مــا ينتجــه ترتيبهــا»(‪ ((4‬فمــا طريــق الوصــول إلــى‬
‫البرهــان الــذي هــو حســب ابــن الهيثــم قياس‬ ‫إذا كان المهنــدس ‪-‬حســب ابــن الهيثــم‪ -‬مدعــو‬
‫دال بالضــرورة علــى صحــة نتيجتــه؟‬ ‫فــي البدايــة‪ ،‬إذا أراد الوصــول إلــى حقيقيــة المطلوب‪،‬‬
‫فــي عملــه الرياضــي أن يبــدأ ً‬
‫أوال بالمعلومــات‪ ،‬التــي‬
‫• •طريق الوصول إلى القياس‬ ‫ال يتــم اســتخراج المســائل التعليميــة إال بهــا قبــل‬
‫حسب ابن الهيثم‪:‬‬ ‫البراهيــن؛ ألن هــذه المعلومــات هــي الضامن الوحيد‬
‫للوجــود الحقيقــي لخــواص موضوعــات المســائل‬
‫يتحــدث ابــن الهيثــم فــي مقالتــه فــي التحليــل‬
‫التعليميــة‪ ،‬فــإن ابــن الهيثــم قــد أوصــى فــي مقاالتــه‬
‫بالقيــاس‬ ‫الظفــر‬ ‫طــرق‬ ‫عــن‬ ‫والتركيــب‬
‫المهنــدس المحلــل‬ ‫(‪((3‬‬
‫فــي «التحليــل والتركيــب»‬
‫أوال‪ِ :‬ب َت َّصيُــدِ المقدمــات‬
‫ً‬ ‫والمقاييــس‪ ،‬والتــي تبــدأ‬
‫الــذي يريــد أن ينشــد المطلــوب فــي بحوثــه الرياضيــة‬
‫الصادقــة والصحيحــة‪ ،‬وثانيًــا‪ :‬تمحــل الحيــل فــي‬
‫أن يتســلح بفــن التحليــل والتركيــب‪ ،‬ولهــذا نجــده‬
‫تطلبهــا وتطلــب ترتيبهــا‪« ،‬والصناعــة التــي تصيــد‬
‫فــي مقالتــه ســالفة الذكــر يعتبــر «علــوم التعاليــم‬
‫هــذه المقدمــات وبهــا يتوصــل إلــى الترتيــب المــؤدي‬
‫مبنيــة علــى البراهيــن‪ ،‬وغايتهــا التــي يرقــى إليهــا‬
‫إلــى المطلــوب مــن نتائجهــا‪ ،‬تســمى صناعــة‬
‫هــي اســتخراج المجهــوالت مــن جزئياتهــا ووجــود‬
‫التحليــل‪ ،‬وجميــع مــا خــرج مــن علــوم التعاليــم إنمــا‬
‫البراهيــن التــي تــدل علــى معانيهــا»(‪ ،((3‬فعلــوم‬
‫خــرج بهــذه الصناعــة»(‪ ،((4‬إن المهنــدس المحلــل‪،‬‬
‫التعاليــم‪ ،‬مــن وجهــة نظــر ابــن الهيثــم‪ ،‬مبنيــة بشــكل‬
‫حســب ابــن الهيثــم‪ ،‬هــو الــذي يختــار المقدمــات‬
‫كبيــر علــى البرهــان؛ فعــن طريــق هــذا األخير يســتخرج‬
‫الصادقــة والصحيحــة بشــكل دقيــق وعلمــي محكــم‪،‬‬
‫المهنــدس المجهــوالت مــن المعلومــات‪ ،‬والبرهــان‪،‬‬
‫ويتمحــل جميــع الحيــل فــي اختيارها وترتيبهــا‪ ،‬وتغيير‬
‫حســب ابــن الهيثــم‪ ،‬هــو «القيــاس الــدال بالضــرورة‬
‫ترتيــب هــذه المقدمــات وعكســها هــو الــذي يســميه‬
‫علــى صحــة النتيجــة»(‪ ،((4‬وهــذا القيــاس مركــب مــن‬
‫ابــن الهيثــم «بالقيــاس البرهانــي‪ ،‬وهــو الــذي يســمى‬
‫(‪ )38‬ففــي هــذه المقالــة عمومــا‪ ،‬ســيناقش ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫التركيــب؛ وإنمــا ســمي تركي ًبــا؛ ألنــه تركيــب المقدمات‬
‫كيفيــة صناعــة التحليــل المؤديــة إلــى اســتخراج المجهــوالت‬
‫المســتنبطة بالتحليــل‪ ،‬والمقدمــات المســتنبطة‬ ‫مــن العلــوم التعليميــة‪ ،‬وكيفيــة اكتشــاف وتصيــد المقدمــات‬
‫التــي هــي مــواد البراهيــن الدالــة علــى صحــة مــا يســتخرج مــن‬
‫مجهوالتهــا‪ ،‬وطريــق التوصــل إلــى هــذه المقدمــات وهيئــة‬
‫تأليفها‪...‬ألــخ‪.‬‬
‫(‪ )41‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‬ ‫(‪ )39‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي التحليــل والتركيــب»‪ ،‬ضمــن‬
‫(‪ )42‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي التحليــل والتركيــب»‪ ،‬ضمــن‬ ‫الرياضيــات التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس‬
‫الرياضيــات التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس‬ ‫للهجــرة‪ ،‬ج‪ ،4‬ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز‬
‫للهجــرة‪ ،‬ج‪ ،4‬ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز‬ ‫دراســات الوحــدة العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪.303 :‬‬
‫دراســات الوحــدة العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪.303 :‬‬ ‫(‪ )40‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫فــي ذلــك المطلــوب وغيــر ممتنــع فيــه»(‪((4‬؛ أي يجــب‬ ‫بالتحليــل‪( ،‬هــي) التركيــب القياســي»(‪ ،((4‬والفــن الــذي‬
‫علــى المهنــدس المحلــل أن يفــرض المطلــوب‬ ‫يلعــب هــذا الــدور مــن داخــل العلــوم التعليميــة‬
‫فــي المســائل التعليميــة‪ ،‬ثــم ينظــر فــي خــواص‬ ‫هــو صناعــة التحليــل‪ ،‬حيــث إن هــذه األخيــرة هــي‬
‫موضوعــات هــذه المســائل التعليميــة‪ ،‬وأن ينتهــي‬ ‫غايــة علــوم التعاليــم‪ ،‬إذ بمقتضاهــا يتــم اســتخراج‬
‫إلــى معنــى معطــى ثابــت ومطلــوب ال يمنع منه مانع‪،‬‬ ‫المجهــوالت مــن المعلومــات‪.‬‬
‫ولهــذا يقــول ابــن الهيثــم‪« :‬فــإذا انتهــى هــذا النظــر إلــى‬
‫فــإذا كانــت علــوم التعاليــم‪ ،‬حســب ابــن الهيثم‪،‬‬
‫المعنــى المعطــى‪ ،‬قطــع النظــر فــي ذلــك المطلــوب‬
‫مبنيــة علــى البراهيــن‪ ،‬باعتبــار هــذه األخيــرة هــي‬
‫ووقــف الناظــر عنــده‪ ،‬والمعطــى هــو المعنــى الــذي ال‬
‫المقاييــس الدالــة بالضــرورة علــى صحــة النتيجــة‪،‬‬
‫يمكــن دفعــه وال يمنــع منــه مانــع»(‪.((4‬‬
‫وأن طــرق الوصــول إلــى هــذه المقاييــس يشــترط‬
‫أمــا فيمــا يخــص التركيــب فهــو عمليــة الحقــة‬ ‫فــي البدايــة تصيد المقدمات الصادقة والصحيحة‬
‫علــى التحليــل‪ ،‬ولهــذا نجــد ابــن الهيثــم يقــول عنــه‪:‬‬ ‫التــي ال يمكــن أن تعترضهــا أيــة شــبهة‪ ،‬ثــم تمحــل‬
‫«أمــا كيفيــة التركيــب فهــو أن نفــرض الشــيء‬ ‫الحيــل فــي تطلــب هــذه المقدامــات الصادقــة‪،‬‬
‫المعطــى الــذي إليــه انتهــى التحليــل وعنــده وقــف‬ ‫وهــذه األمــور هــي مــا تســمى‪ ،‬حســب ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫الناظــر‪ ،‬ثــم يضــاف إليــه الخاصــة التــي وجــدت‪ ،‬قبــل‬ ‫بصناعــة التحليــل‪ ،‬فكيــف تتــم عمليــة التحليــل‬
‫تلــك الخاصــة؛ ويُســلك فــي الترتيــب عكــس الترتيــب‬ ‫والتركيــب؟ أو لنقــل بعبــارة أدق‪ :‬مــا هــي‬
‫ســلك فــي التحليــل؛ فإنــه إذا اعتمــدت هــذه‬
‫الــذي ُ‬ ‫خطــوات صناعــة التحليــل والتركيــب مــن‬
‫الطريقــة‪ ،‬انتهــى الترتيــب إلــى المعنــى المطلــوب؛‬ ‫داخــل علــوم التعاليــم عنــد ابــن الهيثــم؟‬
‫ألنــه كان أول موضــوع فــي التحليــل»(‪ ،((4‬إن التركيــب‬
‫فــي صناعــة البرهنــة يأتــي بعــد التحليــل‪ ،‬أو إن صــح‬ ‫• •خطوات صناعة التحليل‬
‫التعبيــر‪ ،‬يبــدأ مــن حيــث انتهــى التحليــل؛ أي مــن‬ ‫والتركيب من داخل علوم‬
‫حيــث المعطيــات التــي انتهــى إليهــا التحليــل ووقــف‬ ‫التعاليم عند ابن الهيثم‪:‬‬
‫عندهــا الناظــر مــن دون أيــة ممانعــة أو شــك‪،‬‬
‫إن الكيفيــة التــي يحضــر بهــا التحليــل‪ ،‬عنــد ابــن‬
‫فالتركيــب هــو تركيــب للمقدمــات المســتنبطة‬
‫الهيثــم‪ ،‬مــن داخــل علــوم التعاليــم هــي «أن نفــرض‬
‫بالتحليــل وبالقيــاس الــدال علــى صحتهــا وصدقهــا‪.‬‬
‫المطلــوب علــى غايــة التمــام والكمــال‪ ،‬ثــم ننظــر‬
‫يؤكــد ابــن الهيثــم بــأن لصناعــة التحليــل خطوات‬ ‫فــي خــواص موضوعــه الالزمــة لذلــك الموضــوع‬
‫(‪ )44‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي التحليــل والتركيــب»‪ ،‬ضمــن‬ ‫ولجنســه‪ ،‬ثــم فيمــا يلــزم مــن لوازمــه‪ ،‬ثــم فيمــا يلــزم‬
‫الرياضيــات التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس‬
‫للهجــرة‪ ،‬ج‪ ،4‬ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز‬ ‫مــن تلــك اللــوازم إلــى أن ينتهــي إلــى شــيء معطــى‬
‫دراســات الوحــدة العربيّــة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪.304 :‬‬
‫(‪ )45‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪ )46‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬ ‫(‪ )43‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪304-303 :‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪74‬‬

‫نظرياتهــا العلميــة‪ ،‬وإنمــا مــن خــال إدخــال‬ ‫البــد أن يســلكها المهنــدس المحلــل‪ ،‬وهــي التــي‬
‫المهنــدس المحلــل فــي دائــرة االبتكار واالكتشــاف‬ ‫ً‬
‫أوال‪« :‬تقديــم العلــم بأصــول التعاليــم‬ ‫تنحصــر‬
‫العلمييــن‪ ،‬وهــذا المســتوى مــن البحــث العلمــي‬ ‫واالرتيــاض بهــا‪ ،‬ليكــون المحلــل ذاكــ ًر ا لألصــول‬
‫ال يصــل إليــه المحلــل الرياضــي باالعتمــاد فقــط‬ ‫عنــد عمــل التحليــل»(‪((4‬؛ بمعنــى االعتمــاد فــي‬
‫علــى آليــة التحليــل فــي التعامــل مــع المعلومــات‬ ‫البرهنــة وفــي صياغــة المعطيــات الرياضيــة علــى‬
‫الرياضيــة‪ ،‬وإنمــا مــن خــال إقحــام عنصــر الحــدس‬ ‫عنصــر التحليــل‪ ،‬باالعتمــاد علــى أصــول التعاليــم‪،‬‬
‫الصناعــي بشــرط أن ال يفهــم هــذا الحــدس كمــا‬ ‫وممارســة الفعــل الرياضــي عــن طريقهــا مــع ذكــر‬
‫هــو متعــارف فــي داللتــه الســائدة بكونــه معرفــة‬ ‫هــذه األصــول أثنــاء عمــل التحليــل‪ ،‬ثــم ثانيــا‪« :‬يحتــاج‬
‫ً‬
‫إدراكا‬ ‫مباشــرة؛ أي إدراك للحقائــق الرياضيــة‬ ‫(المحلــل) أيضــا إلــى حــدس صناعــي؛ وكل صناعــة‬
‫كليًــا ومباشــ ًر ا‪ ،‬فـ«الحــدس عنــد ابــن الهيثــم‬ ‫فليســت تتــم لصانعهــا‪ ،‬إال بحــدس علــى الطريــق‬
‫ليــس مجــرد عمليــة عفويــة وال لحظيــة‪ ،‬أي‬ ‫الــذي يــؤدي إلــى المطلــوب»(‪ .((4‬مــن الواضــح هنا‪ ،‬أن‬
‫أنــه ليــس لمحــة مــن لمحــات الحــس الباطــن‬ ‫ابــن الهيثــم‪ ،‬قــد أدخــل عنص ـ َر الحـ ِ‬
‫ـدس إلــى صناعــة‬
‫التــي ينبلــج فيهــا الحــق انبالجً ــا‪ ،‬بــل هــو فــن مــن‬ ‫التحليــل؛ ألنــه كان علــى وعــي تام بمزايــا هذا اإلدخال‪،‬‬
‫فنــون االبتــكار والخلــق‪ ،‬يقتضــي دربــة ومرا ًنــا كمــا‬ ‫لكــن التحليــل يبقــى فقيـ ًر ا إذا لــم ينفتــح علــى عنصــر‬
‫ً‬
‫ومهــارة»(‪ .((4‬فالحــدس الصناعــي‪،‬‬ ‫ً‬
‫حذقــا‬ ‫يقتضــي‬ ‫الحــدس الصناعــي‪ ،‬لهــذا‪ ،‬ينبغــي علــى المحلــل‬
‫عنــد ابــن الهيثــم‪ ،‬ليــس معرفــة مســبقة بخــواص‬ ‫أن يتســلح بالحــدس وهــو يمــارس فــن التحليــل؛‬
‫الموضوعــات الرياضيــة بــل هــو عمليــة الحقــة تأتــي‬ ‫مــن أجــل إضافــة خــواص المعطيــات والبنــاءات‬
‫بعــد التحليــل‪ ،‬مــع تأكيــد صاحــب المناظــر علــى‬ ‫الرياضية‪/‬الهندســية فــي حالــة اســتحالة الوصــول‬
‫أنــه ال ينبغــي االعتمــاد فــي صناعــة البرهنــة فقــط‬ ‫إلــى المطلــوب باالعتمــاد عــن التحليــل والتركيــب‪.‬‬
‫علــى عنصــر التحليــل؛ ألن ذلــك ســيبقي المهنــدس‬
‫ال تنحصــر مهمــة التحليــل‪ ،‬عنــد ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫المحلــل فــي دائــرة التقليــد‪ ،‬ورهــان ابــن الهيثــم‬
‫فــي البرهنــة واالســتدالل الرياضييــن‪ ،‬وإنمــا أصبــح‬
‫فــي العلــم أعظــم مــن التقليــد والســماع‪ ،‬ولهــذا‪،‬‬
‫التحليــل‪ ،‬مــن خــال هــذا المنطلــق‪ ،‬آليــة لالبتــكار‬
‫فــإن المنهــج الــذي يمكــن أن يــؤدي بالمهنــدس‬
‫واالكتشــاف العلمييــن مــن خــال إقحــام عنصــر‬
‫المحلــل إلــى المطلــوب‪ ،‬وإلــى االبتــكار واالكتشــاف‬
‫الحــدس‪ ،‬فهــذا األخيــر هــو مــا يســاعد المهنــدس‬
‫والخلــق فــي علــوم التعاليــم؛ هــو التســلح بــكل‬
‫المحلــل فــي خــوض غمــار الممارســة العلميــة‬
‫مــن التحليــل والحــدس الصناعــي‪ ،‬كمــا أن دعــوة‬
‫ال مــن أجــل البرهنــة علــى صــدق وصالحيــات‬
‫صاحــب المناظــر إلــى االبتــكار واالكتشــاف فــي‬
‫(‪ )47‬المصدر نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫العلــوم التعليميــة ليــس بغريــب عنــه‪ ،‬مــا دام أنــه‬
‫(‪ )48‬ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي التحليــل والتركيــب»‪ ،‬ضمــن‬
‫(‪ )49‬جــال الدريــدي‪ ،‬األســس اإلبســتيمولوجية لفلســفة ابــن‬ ‫الرياضيــات التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس‬
‫الهيثــم الرياضيــة‪ ،‬ضمــن ‪ :‬مجلــة المســتقبل العربــي‪ ،‬مركــز‬ ‫للهجــرة‪ ،‬ج‪ ،4‬ترجمــة يوســف الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز‬
‫الدراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬العــدد ‪ 469‬مــارس ‪ ،2018‬ص‪119 :‬‬ ‫دراســات الوحــدة العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪ ،2011 ،‬ص‪.304 :‬‬
‫‪75‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫خطوات صناعة البرهنة من داخل علوم التعاليم‬

‫عند ابن الهيثم‬

‫االعتمــاد المهنــدس المحلــل‬ ‫االعتمــاد المهنــدس‬


‫فــي صناعــة البرهنــة علــى‬ ‫المحلــل فــي صناعــة‬
‫الحــدس الصناعــي (الحــدس)‬ ‫البرهنــة علــى التحليــل‬
‫وحــده (البرهــان)‬

‫بمعنــى االعتمــاد علــى عنصــر‬


‫الحــدس الصناعــي الــذي يضيــف‬ ‫بمعنــى االعتمــاد فــي البرهنــة‬
‫مــن خاللــه المهنــدس المحلــل‬ ‫وفــي صياغــة المعطيــات‬
‫خــواص المعطيــات الرياضيــة‬ ‫الرياضيــة علــى عنصــر التحليــل‪،‬‬
‫والبنــاءات الهندســية فــي حالــة‬ ‫باالعتمــاد أيضــا علــى أصــول‬
‫اســتحالة الوصــول إلــى المطلــوب‪.‬‬ ‫ا لتعا ليــم‬

‫االعتمــاد علــى هــذا العنصــر‬


‫هــذا‬ ‫علــى‬ ‫االعتمــاد‬
‫لوحــده فــي التحليــل ال يــؤدي‬
‫العنصــر يــؤدي إلــى االبتــكار‬
‫إلــى االكتشــاف واالبتــكار‬
‫العلمييــن‬ ‫واالكتشــاف‬
‫ا لعلمييــن‬

‫(خطاطة توضيحية لخطوات صناعة البرهنة‬


‫مــن داخــل علوم التعاليم عند ابن الهيثم)‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪76‬‬

‫ً‬
‫الحقــا؛‬ ‫هنــري بوانكاريــه ‪Henri poincaré‬‬ ‫يعتبــر «العلــم فاعليــة عقليــة تدمــج بيــن الشــك‬
‫ألن المنطــق بتحليلــه ســيبقى أداة للبرهــان‬ ‫واالعتــراض والتصويــب والتهذيــب‪ ،‬علــى ضــوء‬
‫تمدنــا باليقيــن‪ ،‬فــي حيــن أن الحــدس ســيبقى أداة‬ ‫البرهنــة والتجريــب الذيــن يتوخيــان االقتــراب مــن‬
‫الختــراع واالكتشــاف واالبتــكار ‪.‬‬
‫(‪((5‬‬
‫درجــة قصــوى مــن الصــواب‪ ،‬ويصــرح أن ال أحــد‬
‫يســتطيع أن يحيــط فيــه بــكل شــيء»(‪.((5‬‬
‫على سبيل الختم‪:‬‬
‫لــم يكــن ابــن الهيثــم آليًــا وال تقنيًــا فــي‬
‫فــإذا كانــت كل معرفــة وكل علــم هــو‬ ‫اســتخدام فــن التحليــل والتركيــب فــي صناعــة‬
‫بالضــرورة جوا ًبــا عــن ســؤال‪ ،‬بحيــث لــوال األســئلة‬ ‫البرهنــة مــن داخــل علــوم التعاليــم كمــا فعــل‬
‫لمــا كانــت هنــاك معرفــة علميــة؛ ألنــه ال يمكــن‬ ‫ســابقوه‪ ،‬بــل كان صاحــب المناظــر علــى علــم كبيــر‬
‫اعتبــار األشــياء فــي العلــم تســير مــن تلقــاء ذاتهــا‬ ‫بضــرورة االكتشــاف واالبتــكار داخــل دائــرة العلــم‪،‬‬
‫وإنمــا تبنــى ُ‬
‫وتشــيد(‪ ،((5‬فــإن ابــن الهيثــم كان كثيـ ًر ا‬ ‫وهــذا االكتشــاف واالبتــكار ال يمكــن أن يتســنى‬
‫مــا يطــرح األســئلة فــي المســائل العلميــة‪ ،‬وكان‪،‬‬ ‫لــه مــن خــال الحفــاظ علــى صوريــة وشــكلية‬
‫ً‬
‫أيضــا‪ ،‬علــى ثقافــة واســعة بالمســائل التعليميــة‬ ‫التحليــل والتركيــب مــن دون إضافــة عنصــر‬
‫(الرياضيــة)‪ ،‬وهــذه الثقافــة الواســعة بهــذا العلــم‬ ‫الحــدس الصناعــي فــي صناعــة البرهنــة‪ ،‬وهــذا‬
‫جعلتــه ينشــد فــي أعمالــه الرياضيــة االبتــكار‬ ‫إن دل علــى شــيء‪ ،‬فإنمــا يــدل علــى عقليــة ابــن‬
‫واالكتشــاف واإلبــداع عــوض التقليــد والتكــرار فــي‬ ‫الهيثــم التقدميــة فــي العلــم؛ إذ ال يمكــن للتقــدم‬
‫العلــم‪ .‬إن صاحــب المناظــر لــم يكــن فــي الحقيقــة‬ ‫فــي العلــم أن تقــوم لــه قائمــة مــن دون عقليــة‬
‫ينشــد االبتــكار واالكتشــاف واإلبــداع فقــط فــي‬ ‫تؤمــن بقيمــة االبتــكار واالكتشــاف فــي العلــم‪ .‬لقــد‬
‫علــم الرياضيــات‪ ،‬بقــدر مــا وصــل هــذا اإلبــداع‬ ‫أدرك ابــن الهيثــم بــأن المعرفــة العلميــة تفتقــر‬
‫الخــاق أوج تمظهراتــه فــي أعمالــه البصريــة‬ ‫القــدرة علــى الخلــق واإلبــداع واالكتشــاف‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا يبــدو مــن خــال دعوتــه إلــى القــدرة علــى إضافــة‬
‫الحقــا عــن‬‫ً‬ ‫(‪ )51‬لقــد دافــع هنــري بوانكاريــه ‪Henri poincaré‬‬ ‫معطيــات وبنــاءات جديــدة فــي التعامــل مــع‬
‫حضــور الحــدس والمنطــق معــا فــي الفكــر الرياضــي مؤم ًنــا‬
‫بأنــه ال يمكــن االعتمــاد علــى المنطــق لوحــده كأداة للبرهنــة فــي‬ ‫الموضوعــات الرياضيــة أثنــاء القيــام بالتحليــل‪،‬‬
‫الرياضيــات‪ ،‬وإنمــا يجــب االعتمــاد علــى كل مــن المنطــق كأداة‬
‫للبرهنــة والحــدس كأداة لالختــراع واالكتشــاف واالبتــكار فــي‬ ‫عبــر إقحــام عنصــر الحــدس الصناعــي الــذي هــو‬
‫الرياضيــات‪ ،‬وهــذا هــو مــا دفــع بــه إلــى عقــد مقارنــة بيــن الفكــر‬
‫التحليلــي (المنطــق) بوســمه فك ـ ًر ا تحليل ًيــا يــؤدي إلــى اليقيــن‪،‬‬ ‫ليــس عمليــة مســبقة؛ وإنمــا هــو عمليــة الحقــة‬
‫والفكــر الهندســي (الحــدس) بوســمه فك ـ ًر ا تركيب ًيــا يــؤدي إلــى‬
‫إبــداع واالبتــكار‪ .‬ولتوســع أكثــر فــي هــذا الموضــوع أنظــر‪:‬‬
‫تأتــي بعــد نتائــج التحليــل‪ .‬فالحــدس والمنطــق‬
‫‪Henri Poincaré, la valeur da la science, préface‬‬ ‫ضروريــان وال يمكــن االســتغناء عنهــا كمــا أكــد‬
‫‪de jules vuillemin, science de la nature(Paris :‬‬
‫»‪Flammarion,1970),chap.1 : « science ‬‬ ‫‪pp :‬‬ ‫‪27 :40‬‬
‫‪(52) G . Bachelard,‬‬ ‫‪La formation‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪L’esprit‬‬ ‫(‪ )50‬البوعزاتــي بناصــر‪ ،‬الفكــر العلمــي والثقافــة اإلســامية‪ ،‬دار‬
‫‪Scientifique,Vrin,1967 ,‬‬ ‫‪P :‬‬ ‫‪14.‬‬ ‫األمــان‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،2015 ،‬الربــاط‪ ،‬المغــرب‪ ،‬ص‪225 :‬‬
‫‪77‬‬ ‫يهلا نبا دنع مولعملا موهفم يف‬

‫فمعنــى المــكان الــذي كان ينشــد الوصــول إليــه‬ ‫فــي مصنفــه الضخــم فــي المناظــر التــي مــا زال‬
‫صاحــب المناظــر فــي الحقيقيــة ليــس هــو ذلــك‬ ‫ً‬
‫وخصوصــا‪،‬‬ ‫التاريــخ العلمــي يخلــد أبحاثــه فيهــا‪،‬‬
‫المــكان الفيزيائــي‪ ،‬وإنمــا ذلــك المــكان الرياضــي‬ ‫مــا قدمــه فــي موضــوع حقيقــة اإلبصــار إلــى حــدود‬
‫الهندســي الــذي ال يمكــن أن يفهــم إال مــن خــال‬ ‫اليــوم‪ ،‬وكذلــك فــي أعمالــه الفلكيــة‪ ،‬الســيما‪،‬‬
‫أبعــاده المتخيلــة‪ ...‬لقــد ســاهم ابــن الهيثــم‬ ‫فــي شــكوكه علــى بطليمــوس فــي مجموعــة‬
‫بشــكل كبيــر فــي تطويــر المعرفــة العلميــة وفهــم‬ ‫مــن القضايــا الفلكيــة فــي عملــه الشــكوك‬
‫ً‬
‫أيضــا‪ ،‬مــا يمثــل‬ ‫فهمــا علميًــا‪ ،‬وهــذا‪،‬‬
‫ً‬ ‫العالــم‬ ‫علــى بطليمــوس‪ ،‬وكذلــك حضــور هــذا الجانــب‬
‫بعــدً ا أساس ـيًا فــي مســاهمته فــي تطــور العلــوم‬ ‫اإلبداعــي فــي تصوراتــه الفلســفية التــي أبــدع فيهــا‬
‫الغربيــة فيمــا بعــد(‪ ،((5‬والســيما فــي مجــال حقيقــة‬ ‫مــن خــال نقــد التصــور األرســطي للمــكان ومــن‬
‫اإلبصــار ضمــن علــم المناظــر‪.‬‬ ‫ســار علــى نهجــه فــي هــذا المنــوال فــي رســالته‬
‫فــي المــكان‪ ،‬مبي ًنــا بــأن الفيزيــاء األرســطية‬
‫البيبليوغرافيا‪:‬‬ ‫التأمليــة لــم تعــد قــادرة علــى مســايرة مــا وقــع‬
‫مــن مســتجدات فــي العلــم مــع ابــن الهيثــم‪،‬‬
‫أ‪ -‬العربية‬ ‫الشــيء الــذي اســتوجب علــى صاحــب المناظــر‬
‫بلــورة فيزيــاء جديــدة متســلحة بعلــم الرياضيــات‪،‬‬
‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬الشــكوك علــى بطليمــوس‪،‬‬
‫والســيما الهندســة‪ ،‬غيــر الفيزيــاء األرســطية التــي‬
‫تحقيــق‪ :‬عبــد الحميــد صبــره و نبيــل الشــهيباني‪،‬‬
‫كانــت تنظــر إلــى المــكان باعتبــاره نهايــة الجســم‬
‫تصديــر‪ :‬إبراهيــم مذكــور‪ ،‬مطبعــة دار الكتــب‪،‬‬
‫المحيــط‪ ،‬أي هــو الســطح المحيــط بالجســم(‪،((5‬‬
‫‪ ،1971‬مصــر‪.‬‬
‫ً‬
‫مقتنعــا بهــذا التصــور‬ ‫فلــم يكــن ابــن الهيثــم‬
‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬حــل شــكوك كتــاب إقليــدس فــي‬
‫األرســطي للمــكان‪ ،‬ممــا ســيجعله فيمــا بعــد‬
‫األصــول وشــرح معانيــه‪ ،‬تصويــر معهــد تاريــخ‬
‫ســينظر إلــى المــكان باعتبــاره بعــدً ا متخيـ ً‬
‫ـا وليــس‬
‫العلــوم العربيــة واإلســامية‪ ،‬منشــورات‬
‫ســطحً ا لجســم معيــن؛ أي هــو خــاء متخيــل؛‬
‫فرانكفــورت‪1405 ،‬هـــ‪1985-‬م‪.‬‬
‫أي أبعــاد مجــردة مــن المــواد‪ ،‬فالخــاء المتخيــل‬
‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬رســالة فــي المــكان‪ ،‬تحقيق‪ :‬حســن‬ ‫الــذي مــأه الجســم هــو األبعــاد المتســاوية‬
‫مجيــد العبيــدي‪ ،‬ضمــن‪ :‬موســوعة المــكان‪،‬‬ ‫ألبعــاد الجســم إذا ُت ُخ ِّي َلـ ْ‬
‫ـت مجــردة عــن المــادة(‪،((5‬‬
‫الجــزء الثانــي‪ ،‬نصــوص المــكان فــي الفلســفة‬
‫(‪ )53‬ابــن الهيثــم‪ ،‬رســالة فــي المــكان‪ ،‬تحقيــق‪ :‬حســن مجيــد‬
‫اإلســامية مــن جابــر بــن حيــان حتــى الحســن‬
‫العبيــدي‪ ،‬ضمــن‪ :‬موســوعة المــكان‪ ،‬الجــزء الثانــي‪ ،‬نصــوص‬
‫المــكان فــي الفلســفة اإلســامية مــن جابــر بــن حيــان حتــى‬
‫‪(55) R,Rashed,The Tonfiguration Of The universe : A‬‬ ‫الحســن ابــن الهيثــم‪ ،‬منشــورات كلمــة للنشــر ودار األمــان‬
‫‪book By Al’Hasan Ibn Al’Haytham, Revue D’histoire Des‬‬ ‫ومنشــورات االختــاف ومنشــورات ضفــاف‪ ،‬ط ‪ ،2016 ،1‬ص‪.200 :‬‬
‫‪Sciences, Tome 60-1/janvier,juin 2007,p :48.‬‬ ‫(‪ )54‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.206 :‬‬
‫العدد ‪ | 12‬شتاء ‪ 2021‬م‬ ‫دورية مناء لعلوم الوحي والدراسات اإلنسانية‬ ‫‪78‬‬

‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي المعلومــات»‪ ،‬ضمــن‬ ‫ابــن الهيثــم‪ ،‬منشــورات كلمــة للنشــر ودار‬
‫الرياضيــات التحليليّــة بيــن القــرن الثالــث‬ ‫اآلمــان ومنشــورات االختــاف ومنشــورات‬
‫والقــرن الخامــس للهجــرة‪ ،‬ج‪ ،4‬ترجمــة يوســف‬ ‫ضفــاف‪ ،‬ط ‪.2016 ،1‬‬
‫الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز دراســات الوحــدة‬ ‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬فــي بــركار الدوائــر العظــام‪ ،‬ضمــن‪:‬‬
‫العربيّــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بيــروت‪.‬‬ ‫كتــاب‪ :‬رشــدي راشــد‪ ،‬الرياضيــات التحليليــة‬
‫• •البوعزاتــي بناصــر‪ ،‬الفكــر العلمــي والثقافــة‬ ‫بيــن القــرن الثالــث والقــرن الخامــس للهجــرة‪،‬‬
‫اإلســامية‪ ،‬دار األمــان‪ ،‬الطبعــة األولــى‪،2015 ،‬‬ ‫ترجمــة بــدوي مبســوط‪ ،‬مركــز الدراســات‬
‫الربــاط‪ ،‬المغــرب‪.‬‬ ‫الوحــدة العربيــة‪ ،‬بيــروت ‪ ،2011‬الجــزء الخامــس‪،‬‬

‫• •جــال الدريــدي‪ ،‬األســس اإلبســتيمولوجية‬ ‫الحســن ابــن الهيثــم‪ :‬علــم الهيئــة‪ ،‬الهندســة‬

‫لفلســفة ابــن الهيثــم الرياضيــة‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة‬ ‫الكرويــة وحســاب المثلثــات‪.‬‬

‫المســتقبل العربــي‪ ،‬مركــز الدراســات الوحــدة‬ ‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب المناظــر‪ ،‬المقــاالت الثــاث‬
‫العربيــة‪ ،‬العــدد ‪ 469‬مــارس ‪.2018‬‬ ‫األولــى‪ ،‬تحقيــق عبــد الحميــد صبــره‪ ،‬المجلــس‬
‫الوطنــي للثقافــة والفنــون واآلداب‪،1983 ،‬‬
‫ب‪ -‬األجنبية‪:‬‬ ‫الكويــت‪ ،‬المقالــة األولــى‪.‬‬

‫‪•• G . Bachelard, La formation de L’esprit‬‬ ‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب ثمــرة الحكمــة‪ ،‬دراســة‬

‫‪Scientifique,Vrin,1967.‬‬ ‫وتحقيــق عمــار الطالبــي‪ ،‬ضمــن‪ :‬مجلــة مجمــع‬


‫اللغــة العربيــة بدمشــق‪ ،‬مجلــة المجمــع‬
‫‪•• G, Saliba, Arabic Planetary Theories After‬‬
‫العلمــي العربــي سـ ً‬
‫ـابقا‪ ،‬الجــزء الثانــي‪ ،‬المجلــد‬
‫‪The Eleventh Century AD,in : Encylopedia‬‬
‫الثالــث والســبعون‪ ،‬إبريــل ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪Of The History Of Arabic Science, Edited by‬‬
‫‪R ,Rachid, V1,London And New york,1996.‬‬ ‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬كتــاب شــرح مصــادرات كتــاب‬
‫إقيلــدس‪ ،‬شــرح وتحقيــق‪ :‬أحمــد عــزب أحمــد‪،‬‬
‫‪•• Henri‬‬ ‫‪Poincaré,‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪valeur‬‬ ‫‪da‬‬ ‫‪la‬‬
‫مراجعــة‪ :‬أحمــد فــؤاد باشــا‪ ،‬الكتــب والوثائــق‬
‫‪science,‬‬ ‫‪préface‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪jules‬‬ ‫‪vuillemin,‬‬
‫القوميــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مصــر‪.2005،‬‬
‫‪science‬‬ ‫‪de‬‬ ‫‪la‬‬ ‫‪nature(Paris :‬‬
‫‪Flammarion,1970),chap.1 :  « s cience ».‬‬ ‫• •ابــن الهيثــم‪ ،‬مقالــة «فــي التحليــل والتركيــب»‪،‬‬
‫ضمــن الرياضيــات التحليل ّيــة بيــن القــرن الثالــث‬
‫‪•• R,Rashed,The‬‬ ‫‪Tonfiguration‬‬ ‫‪Of‬‬ ‫‪The‬‬
‫والقــرن الخامــس للهجــرة‪ ،‬ج‪ ،4‬ترجمــة يوســف‬
‫‪universe : A book By Al’Hasan Ibn‬‬
‫الحجيــري‪ ،‬منشــورات مركــز دراســات الوحــدة‬
‫‪Al’Haytham, Revue D’histoire Des Sciences,‬‬
‫العربيّــة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيــروت‪.2011 ،‬‬
‫‪Tome‬‬ ‫‪60-1/janvier,juin‬‬ ‫‪2007.‬‬

You might also like