Professional Documents
Culture Documents
حرية الرأي والتعبير
حرية الرأي والتعبير
مقدمة
تعتبر حرية الرأي والتعبير من أهم القضايا التي ال تزال تستأثر باهتمام المجتمع الدولي
وتثار من سنة ألخرى السيما بمناسبة االحتفال باليوم العالمي لحرية التعبير في الثالث من
مايو من كل السنة ,هذا التاريخ الذي يعد محطة لتقييم المكتسبات المحققة في مجال حرية
الرأي والتعبير وكذا القيود التي ال تزال تضعها العديد من الدول أمام الصحافة.
وحرية التعبير من بين أهم القضايا التي ناضلت من اجلها الشعوب والجماعات على ممر
العصور وحظيت باهتمام كبير من مختلف فئات المجتمع نظ ار ألهميتها وجوهرتيها في
حياة اإلنسان .
حرية الرأي في االسالم :
ل قد اقر اإلسالم حرية التفكير والرأي و دعا إلى ذلك في القرآن الكريم الذي تنتهي
العديد من آياته تنتهي بكلمة يعقلون أو يتفكرون أو يتدبرون أو يعلمون .وقد حضنا
الرسول الكريم محمد صلى اهلل عليه وسلم أن نقول الحق مهما كانت الظروف وان ال
بح ٍّق إذا ارآهُ أو اش ِه اده, أح ادكم ار ْهبةُ الن ِ
َّاس أ ْن يقو ال ا نخاف إال اهلل وهو القائل" اأَل َل يامنا اع َّن ا
() 1
بح ٍّق أو يُ ِّ باع ُد من ِرْز ٍق؛ أ ْن ا قرب من أج ٍل ،وَل ي ِ
بعظيم ".ذك ار ا يقول ا ُ ا فإنَّه َل يُ ِّ ُ
1
وكان الحاكم في عهد الخلفاء الراشدين هو من يحث على ممارسة حرية التعبير
والرأي ،فقد خطب خليفة رسول اهلل ,أبو بكر الصديق رضي اهلل عنه بعد البيعة له فقال ":يا
أيها الناس ،إني وليت عليكم ولست بخيركم ،فإن أريتموني على حق فأعينوني ،وان
رأيتموني على باطل فسددوني ،أطيعوني ما أطعت اهلل ورسوله فإن عصيت اهلل فال طاعة
لي عليكم".
كما خطب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اهلل عنه يوما وقال "أيها الناس من
رأى في اعوجاجا فليقومه " ،فقال احد األعراب :واهلل يا أمير المؤمنين لو وجدنا فيك
اعوجاجا لقومنه بسيوفنا هذه .فقال رضي اهلل عنه ":الحمد هلل الذي جعل في هذه األمة من
()2
يقوم اعوجاج عمر بسيفه إذا اعوج ".
2
ورغم ان الدول االعضاء في االمم المتحدة انذاك صادقت على الحق في حرية الرأي
والتعبير إال ان البعض منها يتغني بحرية التعبير ويمنعها عن الغير كما فعلت فرنسا
االستعمارية في الجزائر ,كما تجاوز البعض حدود حرية التعبير متعمدا اإلساءة والتعدي
على الغير .
وقد تم التأكيد على الضوابط التي تحكم حرية التعبير في العهد الدولي الخاص
بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1411وهذا في مادته 14التي شددت على
ضرورة أن تكون هذه الحرية ضمن إطار أخالقي مالئم ،وان تكون هناك موازنة بين
الحرية والمسئولية .وبذلك يكون هذا العهد قد ربط بين الحرية والواجبات وحث على تحديد
مجال ممارسة الحرية ضمن قوانين منظمة لذلك ومصنفة للحاالت التي تفرض فيها قيود
على حرية التعبير.
حرية التعبير ذريعة للتدخل واإلساءة :
على الرغم من تشديد المجتمع الدولي على الضوابط التي تحكم حرية التعبير إال أن
البعض اتخذها ،في زمن العولمة والقطبية األحادية ،سالحا وذريعة للمخادعة والتضليل
واإلساءة واالعتداء على الغير.
فدولة مثل الواليات المتحدة األمريكية عندما تريد التدخل في شؤون دولة أخرى غير
حليفة لها ،تقدم على ذلك تحت غطاء إحقاق الديمقراطية وحرية التعبير.
ويتم التدخل في هذه الدول دون إيالء ادني اهتمام للعواقب التي قد تنجم عن ذلك والتي قد
تصل إلى سلب الحق في الحياة ال سيما خالل التدخالت المسلحة كما حدث في العراق
وسوريا وأفغانستان .
وحتى أولئك الذين يشتمون الممل واألمم واألنبياء والرسل والعظماء والشرفاء والعلماء
يتسترون دائما وراء مبدأ حرية التعبير .فالكاتب البريطاني الهندي األصل سلمان رشدي
الذي أصدر سنة 1411كتاب "آيات شيطانية" ورمي من خالله بقذارته على اإلسالم
والمسلمين والرسول الكريم صلى اهلل عليه وسلم ،تحميه بريطانيا باسم حرية التعبير بل
أكثر من ذلك منحته وساما ملكيا من رتبة فارس ،تشجيعا منها لغيره على اإلساءة
()3
لإلسالم والمسلمين .
3
كما أن الصحف الدانمركية نشرت في سنة 2111رسومات كاريكاتورية مسيئة
للرسول الكريم محمد صلى اهلل عليه وسلم أثارت احتجاجات في العالم اإلسالمي ،
وعادت من جديد نشرها بداية سنة 2111وبذريعة حرية التعبير دائما .
غير أن نفس هؤالء المدافعون والممجدون لحرية التعبير يرفضون لغيرهم ما يبيحونه
ألنفسهم ،فقد أقاموا الدنيا وأقعدوها وتعالت أصواتهم بالتنديد عندما أعلنت الصحيفة
اإليرانية "همشري" عن نيتها في تنظيم مسابقة للرسومات حول المحرقة المزعومة لليهود
(الهوليكوست) .كما مارسوا ضغوطا ال تطاق على المفكر اإلسالمي الفرنسي روجي
غارودي بمجرد أن شكك في العدد المعلن بشان ضحايا هذه المحرقة.
ونجد دولة مثل فرنسا تبيح اإلساءة لإلسالم والمسلمين تحت غطاء حرية التعبير كما
قامت بذلك العديد من الصحف ومنها أسبوعية " شارلي إيبدو" الباريسية في شهر يناير من
سنة 2112وفي المقابل تمنع بالقانون هذه الحرية عن الصحف الفرنسية وكذا المفكرين إذا
تعلق األمر بالتشكيك في المحرقة المزعومة لليهود أو في إبادة لألرمل من قبل الدولة
العثمانية خالل الحرب العالمية األولى.
وقد أظهرت دراسة نشرتها صحيفة لومند الفرنسية عام 2113أن 11من المائة من
الفرنسيين يرون أن الصحافة بعيدة عن اهتماماتهم وان الصحافيين يتحاشون تناول المواضيع
التي تزعج األشخاص النافذين.
كما عبر 21من المائة من الفرنسيين في استفتاء سنة 2119عن شكهم بمصداقية
()9
األخبار.
حرية التعبير بين الطالقة والتقييد:
حرية التعبير والرأي ليست بالحرية المطلقة ،بل هي بين الطالقة والتقييد و تكون مقيدة
فقط بعدم اإلساءة واالعتداء وذلك حتى ال تتحول حرية التعبير إلى "حرية " في التهديم
()2
والتدمير .وفي ما دون ذلك فان حرية التعبير مطلوبة وضرورة للمجتمع.
9
ومن شان ضوابط عدم اإلساءة واالعتداء أن تعمل على ترشيد حرية التعبير وال سيما
أثناء الممارسة اإلعالمية حتى يؤدي رجل اإلعالم وظيفته السامية على قاعدة راسخة من
الحرية ومن االلتزام الدقيق بالمسؤولية اتجاه المجتمع .
وفي هذا الخصوص يرى المتخصصون في اإلعالم أن حرية التعبير تستوجب االلتزام
بان ال يكون ما يكتب أو يذاع خارجا عن حدود اآلداب العامة أو يسيء إلى الغير ،وفي
الوقت ذاته العمل على إبراز الحقيقة وتأمين للمجتمع حقه في اإلعالم و عدم السكوت عن
الفساد واالنحرافات .
كما يجب التفريق في مجال اإلعالم بين الوقائع واآلراء فحرية التعبير ال تعني توجيه
المتلقي نحو اتخاذ موقف معين بشان قضية ما من خالل تزويده باآلراء والتعاليق بل
يجب إعالمه بالحقائق بكل موضوعية وشمولية حتى يستطيع اتخاذ رأي أو موقف بناء
على الحقائق وليس التعاليق الن هذه األخيرة قد تكون خاطئة في األساس .
2
-التعدي على قيم المجتمع .
-خدش الحياء واآلداب العامة .
-استخدام الصحف للتشهير واالبتزاز .
-الخروج عن القيم اإلخبارية والمعايير المهنية( اإلساءة)
-الخلط بين المادة اإلعالنية والمادة الخبرية.)1( .
المسئولية االعالمية:
الممارسة اإلعالمية مسؤولية في غاية األهمية و أمانة كبيرة تتطلب الكثير من الوعي و
اإلدراك و المجاهدة حتى تؤدي بكل إخالص و بتدبير و بصيرة والرقي باإلعالم بما يخدم
المجتمع و ترشيده .
و تتجلى المسؤولية اإلعالمية في الدفاع عن المصالح العليا لألمة و حماية قيم و
تقاليد المجتمع و الحفاظ على حقوق الفرد و تلبية حقه في معرفة حقائق و دقائق األحداث و
القضايا التي تطرح هناك و هناك دون أي تقصير أو تحريف أو تزييف .
و المسؤولية اإلعالمية هي أيضا التحلي بالموضوعية و عدم التحيز لطرف أو ألخر و
االهتمام أكثر بالوظيفة التربوية من خالل محاربة مظاهر الفساد و اإلفساد و العدوان و كل
المظاهر المنحرفة التي تؤثر سلبا على تطور المجتمع.
و تتطلب المسؤولية اإلعالمية االبتعاد عن اإلثارة و عن نقل اإلشاعة حتى ال يتحول
اإلعالم إلى بلبلة و تسمم للرأي العام .
ومن الضروري بالنسبة للصحافيين ( وليس فقط بالنسبة للصحافيين وحدهم بطبيعة
الحال) أن ينظروا إلى الحقوق والمسئوليات من حيث ما بينهما من عالقات.
فأي إنسان يتصرف بال مسئولية إنما يضعف حقه في المطالبة بالحرية و ال يمكن المطالبة
()7
بالحرية إال عند التحلي وااللتزام بالمسئولية.
1
وهناك وثائق دولية كثيرة تؤكد على ضرورة التوازن بين الحقوق والمسئوليات ,ألن
الصحافيين شأنهم شأن غيرهم من الناس ،ينبغي أن يحذروا ممارسة حريتهم بطريقة تنتهك
حريات اآلخرين ،ذلك أن عليهم مسؤولية ال مناص منها تجاه مواطنيهم وتجاه األمم
()1
األخرى.
ويشدد على هذا التوازن بين الحقوق والمسئوليات اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان الذي
ينص صراحة على ما يلي " يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها
القانون فقط ،لضمان االعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادية
للنظام العام والمصلحة العامة واألخالق في مجتمع ديمقراطي"(المادة )24
وينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية انه يحظر قانونا أية دعوة إلى
الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية تكون تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف"(المادة
)21
وهكذا تؤكد الوثائق الدولية أن حرية الصحفي ومسئوليته أمران ال ينفصمان ،فالحرية
التي ال تقترن بالمسئولية تغري بتحريف األنباء وانتهاكات أخرى ،غير انه إذا انعدمت
()4
الحرية استحالت ممارسة المسئولية.
7
المراجع :