You are on page 1of 152

‫الحوار والتفاوض والوساطة‬

‫دليل تدريبي‬
‫من تأليف وإعداد‬

‫د‪ .‬عمرو خيري عبد هللا‬

‫بمعاونة‬

‫فدوى عامر‬ ‫باسم ماهر سدرة‬

‫‪1‬‬
2
‫المحتويات‬

‫المقدمة وسيرة ذاتية عن المؤلف ‪4..................................................................‬‬

‫أهداف الدليل‪6..........................................................................................‬‬

‫الباب األول‪ :‬فهم وتحليل النزاع‬

‫الفصل األول – تحليل النـزاعات ‪11.................................................................‬‬

‫الفصل الثاني – تفاعالت وأساليب النزاع ‪25.......................................................‬‬

‫الفصل الثالث – التدخل لتسوية النزاع ‪35..........................................................‬‬

‫الباب الثاني‪ :‬التواصل وإدارة الحوار‬

‫الفصل األول – التواصل الفعّال ‪45..................................................................‬‬

‫الفصل الثاني – الحوار ‪57...........................................................................‬‬

‫الباب الثالث‪ :‬التفاوض‬

‫الفصل األول – مقدمة للتفاوض ‪69.................................................................‬‬

‫الفصل الثاني – التفاوض التقسيمي ‪91.............................................................‬‬

‫الفصل الثالث – التفاوض التكاملي ‪96..............................................................‬‬

‫الباب الرابع‪ :‬الوساطة‬

‫الفصل األول – تعريف الوساطة ‪108...............................................................‬‬

‫الفصل الثاني – الوسيط والوساطة‪ :‬كيفية االكتشاف والتفهم ‪118...............................‬‬

‫الباب الخامس‪ :‬تطبيقات التفاوض والوساطة‬

‫الفصل األول – الوساطة اإلصالحية (التحويلية) ‪130.............................................‬‬

‫الفصل الثاني – تدريب محاكاة ‪136.................................................................‬‬

‫المراجع ‪140..........................................................................................‬‬

‫الملحقات ‪144.........................................................................................‬‬

‫‪3‬‬
4
‫المقدمة‬
‫يحتوي هذا الدليل على مقدمة في تحليل النزاعات وفعالياتها وآلياتها‪ .‬كما يقوم بتغطية عامة‬
‫ألسس الحوار وأهميته في تيسير سبل التفاوض والوساطة بين أطراف النزاع‪ ،‬مع إعطاء نماذج‬
‫واقعية من العالم العربي والعالم‪ .‬وقد تم إعداده على نحو يشجع الطالب على المشاركة والتفاعل‪،‬‬
‫ولذلك نتمنى أن يستمتع الجميع بتجربة دراسية مفيدة لنا جميعًا وأن نتمكن من المشاركة الجادة‬
‫والفعالة التي تتم في مناخ من التعاون‪.‬‬

‫انتشارا في مجال‬
‫ً‬ ‫تم تصميم هذا الدليل بمزيج من العمل األصلي للمؤلفين واألدبيات األكثر‬
‫الحوار والتفاوض والوساطة‪ .‬وقد تم نقل وترجمة مقتطفات من هذه األدبيات في عدة فصول من‬
‫كل من تلك المقتطفات‪ .‬باإلضافة‬
‫هذا الدليل‪ .‬ولقد راعينا أمانة ذكر المصادر التي استخدمناها مع ٍّ‬
‫إلى ذلك‪ ،‬فإن الترجمة التي استخدمناها لم تكن ترجمة حرفية في بعض األحيان؛ إذ أعطينا األولوية‬
‫لترجمة المعنى حتى يحقق الهدف المنشود للقارئ؛ حيث أن الترجمة الحرفية أحيانًا ال توفي‬
‫المعنى المقصود‪ ،‬مع العلم أن بعض تلك المقتطفات احتوت على بعض الفقرات والجداول التي تم‬
‫إعادة صياغتها أثناء الترجمة حتى تالئم أهداف هذا الدليل‪ .‬ولقد راعينا تحري الدقة في أمانة ذكر‬
‫المصادر والمراجع األصلية‪.‬‬

‫وهذا الدليل هو امتداد ألعمال سابقة لتأصيل مادة حل النزاعات والسالم باللغة العربية وفي‬
‫اإلطارين العربي واإلسالمي‪ .‬وقد بدأ هذا الجهد منذ بداية هذه األلفية بإعداد الدليل التدريبي ‪Say‬‬
‫‪Peace:‬‬ ‫‪Conflict‬‬ ‫‪Resolution‬‬ ‫‪Training‬‬ ‫‪Manual‬‬ ‫‪for‬‬ ‫‪Muslim‬‬
‫‪ .Communities‬وفي ‪ 2007‬استكمل هذا الجهد باللغة العربية بإعداد كتاب حل النزاعات‬
‫وأخيرا في عام ‪ ،2015‬تم إعداد نسخة جديدة‬
‫ً‬ ‫لدورة حل النزاعات‪ ،‬مكتبة اإلسكندرية‪.)2007( ،‬‬
‫بالتعاون مع مركز القاهرة اإلقليمي لحل النزاعات وحفظ السالم بأفريقيا من أجل تأهيل المدنيين‬
‫للعمل بمهمات حفظ السالم‪.‬‬

‫قام بتأليف هذا الدليل األستاذ الدكتور عمرو خيري عبد هللا‪ ،‬كبير مستشاري تحليل السياسات‬
‫واألبحاث في معهد دراسات السالم واألمن (‪ )IPSS‬التابع لالتحاد األفريقى وجامعة أديس أبابا‪،‬‬
‫باالشتراك مع كالًّ من أ‪ .‬باسم ماهر سدرة‪ ،‬مدير مشروعات واستشاري تدريب في مجال دراسات‬
‫السالم وإصالح النزاع‪ ،‬وفدوى عامر‪ ،‬أخصائي حر في دراسات السالم والنزاع‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫دكتورعمرو خيري عبد هللا‬

‫دكتور عمرو خيري عبد هللا‪ ،‬أستاذ وخبير دراسات السالم حل النزاعات‪ .‬من ‪ 2014‬إلى‬
‫‪ 2017‬كان كبير مستشاري تحليل السياسات واألبحاث في معهد دراسات السالم واألمن )‪(IPSS‬‬
‫التابع لالتحاد األفريقى وجامعة أديس أبابا‪ .‬من ‪ 2013‬إلى ‪ 2014‬كان نائب رئيس معهد ‪SALAM‬‬
‫من أجل السالم والعدالة في واشنطن‪ DC ،‬ومن ‪ 2004‬الى ‪ 2013‬كان أستاذ وعميد ونائب رئيس‬
‫جامعة السالم المفوضة من األمم المتحدة في كوستاريكا‪.‬‬

‫وقبل ذلك‪ ،‬كان زميل أول في برنامج سياسات عمليات السالم‪ ،‬كلية السياسة العامة بجامعة‬
‫جورج ماسون بوالية فيرجينيا‪ .‬كما كان أستاذ تحليل وحل النزاعات في مدرسة الدراسات العليا‬
‫للعلوم اإلسالمية واالجتماعية في ليسبرج بوالية فيرجينيا‪.‬‬

‫الدكتور "عبد هللا " حصل على ليسانس الحقوق في مصر في عام ‪ 1977‬حيث مارس‬
‫العمل القضائي كوكيل النائب العام في الفترة من ‪ 1978‬إلى ‪ ،1987‬ثم هاجر الى الواليات‬
‫المتحدة حيث حصل على درجة الماجستير في علم االجتماع والدكتوراه في تحليل وحل النزاعات‬
‫من جامعة جورج ماسون‪.‬‬

‫قام بالتدريس الجامعي في تحليل وحل النزاعات‪ ،‬وأجرى التدريب والبحوث والتقييم في‬
‫حل النزاعات وبناء السالم في عدة بلدان في أفريقيا وآسيا والشرق األوسط وأوروبا واألمريكتين‪،‬‬
‫وأجرى العديد من الدورات وورش العمل في مجاالت الحوار والتفاوض والوساطة‪ ،‬وصمم دليل‬
‫تدريبي باللغة العربية في هذه الموضوعات‪.‬‬

‫يعد الدكتور "عبد هللا" شخصية نشطة في تعزيز رسائل تالقي وتواصل الثقافات داخل‬
‫المجتمعات اإلسالمية والناطقة باللغة العربية في أمريكا من خالل ورش العمل والعروض‬
‫التلفزيونية واإلذاعية‪ .‬وشارك في الحوار بين األديان في الواليات المتحدة‪ .‬كما أنه صمم أول‬
‫دليل تدريبي لحل النزاعات للجاليات المسلمة في الواليات المتحدة بعنوان ("‪ ...‬قالوا سال ًما ")‪.‬‬
‫كما أسس مشروع ”‪" “PROJECT LIGHT‬االرشاد االسالمي من أجل التسامح البشري"‪ ،‬وهو‬
‫مشروع لمكافحة التمييز ضد المسلمين في الغرب‪ ،‬وفي عام ‪ 2011‬أسس مع خريجي جامعة‬
‫السالم المصريين برنامج لوقاية المجتمع من العنف الطائفي في مصر "أهل الحتة"‪.‬‬

‫الدكتور "عبد هللا" يحاضر بانتظام (وج ًها لوجه وعبر اإلنترنت) في الجامعة األميركية‬
‫في واشنطن‪ ،DC ،‬جامعة السالم‪ ،‬جامعة أديس أبابا‪ ،‬والجامعة المفتوحة في كاتالونيا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أهداف الدليل‬

‫‪ .1‬تنمية المعرفة بالمبادىء األساسية فى مجال السالم وحل النزاعات‪.‬‬

‫‪ .2‬تنمية اإلدراك بأهمية هذا المجال للتطبيق على كل أنواع النزاعات على المستوى الدولي‬

‫واإلقليمي والمجتمعي‪.‬‬

‫‪ .3‬تنمية المهارات المتعلقة بتحليل النزاعات وفهم آلياتها وأسباب تفاقمها وإمكانيات إحالل‬

‫السالم‪.‬‬

‫‪ .4‬تنمية المعرفة المتعلقة بحفظ السالم وصنع السالم وإصالح‪ /‬تحويل النزاعات‪.‬‬

‫‪ .5‬تنمية مهارات التواصل والحوار‪.‬‬

‫‪ .6‬تنمية مهارات التفاوض‪.‬‬

‫‪ .7‬تنمية مهارات الوساطة‪.‬‬

‫‪ .8‬تنمية اإلدراك باألبعاد الثقافية للنزاع والسالم خاصة في واقعنا العربي‪.‬‬

‫‪7‬‬
8
‫الباب األول‬
‫فهم وتحليل النزاع‬

‫‪9‬‬
10
‫الفصل األول‬
‫‪1‬‬
‫تحليل النزاعات‬

‫كان االهتمام بدراسات السالم والنـزاع عادة ً مشموالً في إطار مجاالت أكاديمية أخرى مثل‬
‫العلوم السياسية‪ ،‬أو العالقات الدولية‪ ،‬أو علم االجتماع‪ ،‬وعلم النفس‪ .‬وكان إلسهامات المفكرين‬
‫في هذه المجاالت فضالً ً‬
‫كبيرا في وضع البنية األساسية لدراسات السالم والنـزاع‪.‬‬

‫سوف نتناول في هذا الفصل بالدراسة والتحليل أسلوب منهجي لتحليل النـزاع ‪CR‬‬
‫‪ ،SIPPABIO‬ثم نختتمه بنموذج تطبيقي لمزيد من اإليضاح‪.‬‬

‫منذ نهاية الستينيات بدأت بعض الجامعات والمراكز األكاديمية في الغرب ‪-‬خاصة الواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ -‬في تخصيص دورات دراسية لمجال النـزاع والسالم‪ .‬ثم تطور ذلك إلى تأسيس‬
‫برامج أكاديمية لدراسات السالم والنـزاع كمجال أكاديمي مستقل‪ .‬وكانت مانشستر كولﻴدﭻ في‬
‫إنديانا من أولى الجامعات التي أسست برنامج دراسي لدرجة البكالوريوس في علم السالم‬
‫والنـزاع‪ ،‬ثم تبعتها جامعة جورج ماسون في فرجينيا‪ ،‬والتي أسست بدورها أول برنامج في نفس‬
‫المجال لدراسات الماجستير والدكتوراه‪.‬‬

‫وعلى أثر تطور علم دراسات السالم والنزاع‪ ،‬تطور بالتالي فهمنا لطبيعة النزاع وأسس‬
‫تعريفه وتحليله وفهمه‪ .‬إن إطار ومدى عمق تحليل النـزاع يرتبط إلى درجة كبيرة بكيفية تعريف‬
‫النـزاع‪ .‬وهناك عدة تعريفات للنزاع‪ ،‬بعضها يقوم بالتركيز على عنصرين‪ :‬أطراف النـزاع وعدم‬
‫توافق األهداف‪ .‬وبنا ًء على هذا التعريف‪ ،‬فإن تحليل النـزاع يتطلب معرفة من هم األطراف‪ ،‬وما‬
‫هي أهدافهم‪ ،‬وما أسباب عدم توافقها‪ .‬وقد يكون هذا كافيًا من أجل تحديد وسائل إدارة النـزاع‬
‫أمرا طارئًا‪-‬مثل خالف أسري حول استخدام الموارد المالية المحدودة‪ ،‬أو‬
‫عندما يكون النـزاع ً‬
‫خالف بين سكان قريتين على استخدام ماء الري‪ .‬ولكن في أحوال أخرى‪ ،‬قد يكون تعريف النـزاع‬
‫بهذا الشكل المحدود (أطراف واختالف أهداف) غير كافٍّ لفهم أبعاد أخرى للنزاع‪ ،‬ال يمكن بدون‬
‫فهمها أن نتعامل مع النـزاع بشكل مجدٍّ‪ .‬أو لو كان الهدف هو إصالح النـزاع أو حله وليس فقط‬

‫‪1‬مت نقل عدة أجزاء من هذا الدليل التدرييب عن منهج "دورة حل النزاعات" اليت أقيمت مبعهد دراسات السالم مبكتبة اإلسكندرية‪،‬‬
‫يوليو ‪، 2007‬ابلتعاون مع جامعة السالم التابعة لألمم املتحدة‪ ،‬والذي وضع مادته العلمية أ‪ .‬د‪ .‬عمرو عبد هللا وآخرون‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫إدارته فإن استخدام تعريف موسع للنزاع وأسلوب تحليل أكثر عمقًا يكون أكثر مالءمة‪ .‬وهنا نجد‬
‫أن تعريف النـزاع على أنه "حالة" تختلف فيها أهداف األطراف يتطلب أن نتفهم أبعاد تلك الحالة‪.‬‬

‫وسوف نستعرض هنا أسلوب لتحليل النـزاع يعتمد على التعريف الواسع للنزاع وعلى فهم‬
‫أبعاده المختلفة‪ ،‬عل ًما بأنه توجد مدرستين في اللغة العربية في تعريف النزاع والصراع‪ :‬تؤمن‬
‫إحدي هاتان المدرستان بوجود فروقات معينة بين كلمة نزاع وكلمة صراع‪ ،‬ولكننا في هذا الدليل‬
‫سوف نتبع المدرسة الثانية والتي تستخدم هاتين الكلمتين بنفس المعنى‪.‬‬

‫أسلوب منهجي لتحليل النـزاع ‪:CR SIPPABIO‬‬

‫استخدم عدة باحثين في مجال السالم والنـزاع أساليب منهجية لدراسة النـزاع وتحليله‪ .‬على‬
‫سبيل المثال‪ :‬وير‪ ،‬ويلموت وهوكر‪ ،‬كاربنتر‪ ،‬وكينيدي‪.‬‬

‫بمقارنة أساليب التحليل التي اعتمدوها‪ ،‬تجد أن األول استخدم أسلوبًا شامالً ينظر في عدة‬
‫عوامل تتعلق بكافة عناصر النـزاع مثل التاريخ‪ ،‬والسياق‪ ،‬واآلليات‪ ،‬بينما اعتمد اآلخرون أساليب‬
‫ضا مثل‬
‫تحليل ركزت على أطراف النـزاع‪ ،‬وتوازن القوى والمصالح‪ .‬اعتمد باحثون آخرون أي ً‬
‫ميتشل وبركوفيتش أسلوب تحليل النـزاع الواسع‪ ،‬وكان ألبحاثهم واستفاضتهم في هذا الشأن أثر‬
‫بالغ على تأسيس األسلوب المنهجي ‪.CR SIPPABIO‬‬

‫وقد تم تأسيس هذا النموذج بواسطة الدكتور عمرو عبد هللا وعدد من طالب الماجستير في‬
‫جامعة العلوم اإلسالمية واالجتماعية بوالية فرجينيا‪ .‬وقد تم تطوير هذا المنهج ودعمه بأفكار‬
‫جديدة من خالل استخدامه وعرضه في فصول دراسية ودورات تدريبية على مدى أكثر من عشر‬
‫سنوات‪ .‬ويعتمد المنهج على أن كل نزاع يحتوي على ثالثة عناصر رئيسية‪ :‬السياق‪ ،‬العوامل‬
‫الثمانية‪ ،‬والعالقة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫نموذج متعدد الجوانب لتحليل النزاعات‪C.R. SIPPABIO‬‬

‫السياق‬
‫الثقافة‬

‫المستوى االجتماعي‬
‫العناصر الثمانية الرئيسية للنزاع‬

‫اإلعالم‬
‫الدين‬

‫‪-1‬المصادر‬

‫‪-8‬النتائج‬ ‫‪ -2‬المصالح‬

‫‪ -7‬التدخل‬ ‫العالقة‬ ‫‪ -3‬المطالب‬

‫التاريخ‬
‫النوع‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫القوة‪/‬الهيمنة‬ ‫األنماط الرابطة‬

‫‪ -6‬السلوك‬ ‫‪ -4‬األطراف‬
‫األصل العرقي‬
‫نقاط أخرى‬

‫‪ -5‬التوجهات ‪ /‬المشاعر‬

‫‪13‬‬
‫‪2‬‬
‫نموذج متعدد الجوانب لتحليل النزاعات ‪CR SIPPABIO‬‬

‫واختصارا‬
‫ً‬ ‫تم تطوير هذا النموذج لتسهيل تحليل المراحل المختلفة لعملية حل الصراعات‬
‫للعناصر التالية‪ :‬السياق‪ ،‬والعالقة‪ ،‬والمصادر‪ ،‬والمصالح‪ ،‬والمطالب‪/‬المواقف‪ ،‬واألطراف‬
‫والتوجهات‪ ،‬والسلوك‪ ،‬والتدخل‪ ،‬والنتائج‪.‬‬

‫أ‪ .‬السياق )‪(Context‬‬


‫السياق هو اإلطار السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقافي الذي يؤثر في عناصر‬
‫الصراع المختلفة‪ .‬ومعرفة السياق تمكن المتدخل لحل الصراع من فهم وتوقع المطالب‪/‬المواقف‬
‫والسلوكيات أثناء الصراع‪ .‬كما يمنع فهم السياق المتدخل من اتخاذ قرار غير مناسب قد يعقد‬
‫الصراع بدالً من أن يحله‪ .‬ومن أمثلة العوامل السياقية التي قد تؤثر على الصراعات‪ :‬التاريخ‪،‬‬
‫والجغرافيا‪ ،‬واالنتماء العرقي‪ ،‬والدين‪ ،‬والجنس‪ ،‬وأجهزة اإلعالم‪ ،‬إلخ‪.‬‬

‫ب‪ .‬العالقة )‪(Relationship‬‬


‫هناك مستويات مختلفة من الصراعات‪ ،‬فالصراعات قد تحدث بين أشخاص وبين جماعات‪.‬‬
‫ويعتبر معرفة شكل العالقة التي تربط بين األشخاص أو الجماعات والتي يحدث ضمنها الصراع‬
‫حيويًّا لتقرير نوع التدخل الواجب القيام به‪ .‬وتكمن أهمية هذه العالقة في معناها الثقافي‪ .‬ففي أغلب‬
‫األحيان‪ ،‬تتطلب بعض العالقات في ثقافات معينة القيام بأدوار محددة وااللتزام بقواعد بعينها‪ .‬لذا‪،‬‬
‫قد يؤثر شكل العالقة على التصرفات في حالة صراعات بعينها‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬العالقة بين‬
‫اإلبن أو البنت واألم أو األب ضمن مجتمع تقليدي تعرف بمعايير ثقافية محددة‪ ،‬وهذا يوفر معطيات‬
‫وتوقعات عن سلوك األطراف المشاركة في حل الصراع‪ .‬وذات الكالم قد يقال على العالقات بين‬
‫قادة الجماعات وأتباعهم في إطار النزاعات القبلية والمجتمعية‪.‬‬

‫‪2‬هذا النموذج مستمد من "قالوا سال ًما"‪ :‬منهج تدرييب للمجتمعات اإلسالمية عن حل النزاعات‪ ،‬عمرو عبد هللا وآخرون جامعة‬
‫العلوم اإلسالمية واالجتماعية‪ ،‬فرجينيا‪ ،‬الوالايت املتحدة األمريكية‪ ،‬طبعة ‪.2015‬‬
‫‪14‬‬
‫ويتزايد تأثير آليات معينة تتواجد ضمن العالقات طويلة األمد فتتضح أثناء الصراعات‪.‬‬
‫وتعد السلطة آلية هامة في أي صراع‪ .‬وعادة ً ما يستمد األشخاص سلطتهم في حاالت الصراع‬
‫من العوامل السياقية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬قد يحدد التفاوت في المنزلة االقتصادية واالجتماعية‬
‫ضا على النوع وبعض االنتماءات العرقية واالنتماءات‬
‫العالقة بين أطراف النزاع‪ .‬ويسري هذا أي ً‬
‫الدينية‪.‬‬

‫وباإلضافة إلى السلطة‪ ،‬عادة ما تشترك األطراف المعنية في الصراع في أنماط سلوكية‬
‫تكرارا أثناء‬
‫ً‬ ‫تهدف منها إلى تدعيم مواقفها‪ .‬واألنماط هي سلوكيات معينة تلجأ إليها األطراف‬
‫الصراع‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬وعادة ما يحدث هذا في الصراعات العائلية‪ ،‬قد يتظاهر أحد أطراف‬
‫الصراع بالمرض في حال ما إذا تعقد الصراع ليجذب االنتباه نحوه ويشعر األطراف األخرى‬
‫بالذنب لدورهم في الصراع‪ .‬واألنماط األخرى قد تتضمن استعمال العنف أو اللغة الفظة إلجبار‬
‫األطراف األخرى على االستسالم‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن كثرة لجوء األطراف المشتركة في الصراع إلى‬
‫مثل هذه السلوكيات يجعلها ذات عالقات نمطية‪.‬‬

‫ج‪ .‬العناصر الثمانية الرئيسية للنزاع‪:‬‬


‫‪ .1‬المصادر )‪(Sources‬‬
‫هناك عدة مصادر تولد الصراع‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫احتياجات اإلنسان األساسية‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫الهوية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫القيم والمعتقدات‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫كل منها بإيجاز‪.‬‬
‫وسوف نقوم فيما يلي بالحديث عن ٍّ‬

‫• احتياجات اإلنسان األساسية‪:‬‬


‫إن أحد مصادر النزاع والصراع الرئيسية في دراسات السالم هي عدم تلبية احتياجات‬
‫اإلنسان األساسية‪ ،‬أو ما يعرف بالـ ‪ .Basic Human Needs‬ولكن علينا أوال أن نعرف‪ :‬ما‬
‫هي هذه االحتياجات األساسية؟ لقد عرف أبراهام ماسلو )‪ (Abraham Maslow‬هذه‬
‫االحتياجات وقسمها إلى خمس مجموعات أساسية ومتدرجة بحسب أهميتها لإلنسان‪ ،‬وهذه‬

‫‪15‬‬
‫المجموعات هي‪ :‬االحتياجات الفسيولوجية‪ ،‬واالحتياج لألمن‪ ،‬واالحتياجات االجتماعية‪ ،‬واالحتياج‬
‫للتقدير‪ ،‬واالحتياج لتحقيق الذات‪.‬‬

‫ولقد أوضح ماسلو أنه بتلبية هذه االحتياجات األساسية‪ ،‬سوف تظهر لدى اإلنسان دوافع‬
‫جديدة تحركه ويسعى من خاللها إلحتياجات أخرى‪ ،‬ولكن تبقى هذه المجموعات الخمس هي‬
‫األساسية‪.‬‬

‫واستخدم علماء وباحثون آخرون‪ ،‬مثل جون بورتون )‪ (John Burton‬نظرية ماسلو‬
‫وتوصلوا لنتائج مختلفة حول طبيعة هذه االحتياجات‪ .‬فلقد خَلص هؤالء المنظرون إلى أن‬
‫االحتياجات اإلنسانية ال تلبى بصورة متدرجة‪ ،‬وأنما تتم تلبيتها بصورة متزامنة‪ .‬وتعد قائمة‬
‫االحتياجات اإلنسانية األساسية التي وضعها هؤالء أكثر شموالً‪ ،‬وهي تتضمن االحتياجات التالية‪:‬‬

‫• األمن واألمان (الهيكلة‪ ،‬والقدرة على التنبؤ بالخطر‪ ،‬والتحرر من الخوف)‬


‫• االنتماء والحب (الشعور بالقبول‪ ،‬واالنتماء القوي للعائلة واألصدقاء)‬
‫وقادرا)‬
‫ً‬ ‫• تقدير الذات (أن يرى الفرد نفسه ويراه اآلخرون كفئًا‬
‫• تحقيق الذات (الوصول إلى ما يتمناه الفرد في حياته)‬
‫• الهوية (وهي كما عرفها المنظرون اإلحساس بالذات بالنسبة للعالم‪ ،‬وتصبح الهوية‬
‫إشكالية حين ال يتم االعتراف بها‪ ،‬أو يتم امتهانها أو تهديدها)‬
‫• األمن الثقافي (وهو أمر وثيق الصلة بالهوية ويتضمن االعتراف بالفروق الثقافية‪،‬‬
‫والدين‪ ،‬واللغة‪ ،‬والعادات والتقاليد)‬
‫• الحرية (دون أية قيود جسدية‪ ،‬أو سياسية‪ ،‬أو مدنية؛ حرية الفرد في اتخاذ قراراته‬
‫الحياتية)‬
‫• العدالة في التوزيع (العدالة في توزيع الموارد داخل المجتمع)‬
‫• المشاركة (حرية المشاركة في والتأثير على المجتمع المدني)‬
‫ولقد أكد المنظرون على أن إنكار هذه االحتياجات األساسية على مستوى الفرد والمجموعات‬
‫والمجتمع يؤدي إلى النزاع‪ .‬بينما يرى بورتون أن إنكار ثالثة منهم بصفة خاصة هي التي تتسبب‬
‫في حدوث النزاع‪ ،‬وهي‪ :‬الهوية‪ ،‬واألمن‪ ،‬والعدالة في التوزيع‪ .‬كما يفرق بورتون ما بين المصالح‬
‫واالحتياجات‪ :‬فالمصالح غالبًا ما تكون ذات طبيعة مادية‪ ،‬أما االحتياجات فهي غير مادية‪ .‬لذلك‪،‬‬
‫يمكن أن تخضع المصالح‪ ،‬على عكس االحتياجات‪ ،‬للمساومة‪ .‬وعليه‪ ،‬يمكننا أن نستنتج أن‬
‫النزاعات القائمة على عدم تلبية االحتياجات األساسية يمكن حلها‪ ،‬ألن هذه االحتياجات بطبيعتها‬
‫‪16‬‬
‫غير مادية ويمكن للجميع الحصول عليها‪ .‬وبما أن االحتياجات اإلنسانية غير قابلة للتفاوض أو‬
‫ضا عن‬
‫المساومة‪ ،‬فإن نماذج التفاوض التقليدية بهدف حل النزاع تصبح غير قابلة للتطبيق‪ .‬وعو ً‬
‫ذلك‪ ،‬تصبح نظرية تلبية االحتياجات اإلنسانية األساسية هي الركيزة التي يجب االعتماد عليها‬
‫عند حل نزاعات من هذا النوع ألنها ببساطة تلبي حاجة جميع األطراف‪.‬‬

‫ولكن هذا ال يمنع أن هناك انتقادات توجه لهذه النظرية‪ .‬فهناك بعض التساؤالت حول‬
‫اختالف أولوية هذه االحتياجات مثالً باختالف المجتمعات‪ ،‬وحول إمكانية قياس مدى تلبية‬
‫االحتياجات األساسية في مجتمعٍّ ما‪ ،‬بل وتعريف احتياجات كل مجتمع بحسب اختالفاته الثقافية‪،‬‬
‫دورا في الصراع من عدمه‪ .‬كما أن منتقدو هذه النظرية‬
‫وما إذا كانت هذه االحتياجات تلعب ً‬
‫يرجحون أن النزاعات غالبًا ما تدور حول المصالح واالحتياجات سويًّا؛ فاالحتياجات تختلف عن‬
‫المصالح‪ ،‬ومحاولة حل النزاع اعتمادًا على هذه النظرية منفردة دون النظر إلى صراع المصالح‬
‫بين األطراف ال يمكن أن يؤدي إلى حل النزاع‪.‬‬

‫• الهوية كمصدر للصراع‪:‬‬


‫كما أوضحنا سابقًا‪ ،‬فإن بورتون يعتبر الهوية واألمن والعدالة في التوزيع من أهم‬
‫االحتياجات اإلنسانية‪ .‬وسوف نناقش فيما يلي تعريف الهوية‪ ،‬وأهميتها‪ ،‬والسبب وراء كونها‬
‫مصدرا للصراع‪ ،‬وما الذي يدفع اإلنسان للتضحية بحياته من أجل إعالئها‪.‬‬
‫ً‬

‫ضا أن تكون‬
‫تعتبر الهوية مزي ًجا لعدة عوامل‪ ،‬مثل الدين‪ ،‬والنوع‪ ،‬واللغة‪ ،‬كما يمكنها أي ً‬
‫أكثر خصوصية‪ ،‬كاإلنتماء لعائلة معينة مثالً‪ .‬ورغم أنه باستطاعة كل إنسان تشكيل هويته‬
‫المنفردة‪ ،‬إال أن بإمكان الهوية أن تكون جمعية بنا ًءا على االنتماء العرقي أو القومي مثالً‪ .‬وليست‬
‫كل العوامل المكونة للهوية متوارثة‪ ،‬فهناك عوامل مكتسبة‪ ،‬تختلف باختالف البيئة التي ينشأ فيها‬
‫اإلنسان‪.‬‬

‫مصدرا للصراع حين يتم إنكارها‪ ،‬أو تهديدها‪ ،‬أو امتهانها‪ ،‬فيلجأ الفرد لحيل‬
‫ً‬ ‫وتصبح الهوية‬
‫دفاعية وهجومية من أجل الحفاظ عليها‪ ،‬مما يؤذن ببدء الصراع‪ .‬وتمثل الهوية عامالً اساسيًّا في‬
‫الصراعات العرقية والدينية‪ .‬وتختلف أهمية الهوية من فرد آلخر‪ ،‬مما يجعل تأثيرها كمصدر من‬
‫مباشرا‬
‫ً‬ ‫تأثيرا‬
‫ً‬ ‫ضا‪ .‬كما أن كيفية رؤية طرف لهوية الطرف اآلخر تؤثر‬
‫مصادر الصراع يختلف أي ً‬
‫عا‪،‬‬
‫أمرا مشرو ً‬
‫على حدة الصراع‪ :‬فحين يشيطن طرف الطرف اآلخر‪ ،‬يصبح انتهاك حقوقه ً‬
‫ويتنامى العنف‪ ،‬بل وتصبح محاوالت اإلبادة واردة‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫إن حل الصراعات القائمة على الهوية قد يكون صعبًا ومعقدًا‪ .‬فمجرد قبول الحوار مع‬
‫الطرف اآلخر يمثل تهديدًا لهوية كل طرف‪ ،‬مما يجعل محاوالت الصلح صعبة‪ .‬ولكن هذا ال يمنع‬
‫إمكانية حل النزاعات القائمة على الهوية إذا ما آمنت األطراف بأهمية اإلصالح وحاولوا ذلك‬
‫على المدى الطويل‪.‬‬

‫وقد يصل األمر في بعض األحيان بالفرد إلى التضحية بنفسه من أجل المجموعة‪ .‬وقد أعزى‬
‫الباحثون ذلك إلى "انصهار" هوية الفرد في المجموعة‪ ،‬مما يجعل الموت في سبيل المجموعة‬
‫أمرا طبيعيًّا لدى البعض‪ .‬ونكرر هنا البعض وليس الكل؛ حيث أن هناك عوامل أخرى تؤثر على‬
‫ً‬
‫هذا المبدأ‪ ،‬مثل مدى إيمان الفرد بالمجموعة‪ ،‬ومدى انصهاره فيها‪ ،‬ومدى شيطنته للطرف‬
‫المعادي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى عوامل شخصية بحتة تختلف باختالف األفراد‪.‬‬

‫القيم والمعتقدات‪:‬‬ ‫•‬


‫تنشب العديد من الصراعات نتيجة تضارب القيم والمعتقدات‪ .‬فالقيم والمعتقدات مكون‬
‫رئيسي في هوية الفرد‪ .‬وعادة ما تكون النزاعات من هذا النوع طويلة األمد ومعقدة‪ .‬إن تضارب‬
‫القيم يؤدي إلى تطلعات وطموحات مختلفة‪ ،‬وبالتالي أهداف مختلفة‪ .‬وبحسب اختالف طبيعة‬
‫األفراد واستعدادهم لقبول االختالف‪ ،‬ينشب النزاع ويتدرج في حدته‪.‬‬
‫وترتبط القيم والمعتقدات في تكوينها ارتبا ً‬
‫طا وثيقًا بالثقافة والمجتمع؛ فيتبنى أبناء الثقافة‬
‫الواحدة معتقدات واحدة وعقل جمعي واحد متسق‪ ،‬مما يجعلهم يتحدون ضد ما يهدد هذه القيم‬
‫والمعتقدات الجمعية‪ .‬وغالبًا ما تكون الصراعات من هذا النوع عنيفة‪ ،‬حتى أن أطرافها قد يتبنون‬
‫مواقف ال تتسق وأخالقياتهم ويكون مبررهم لذلك مبني على شيطنة اآلخر لدرجة انعدام أحقيته‬
‫في التمتع بالمعاملة اإلنسانية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتم اللجوء لإلبادات العرقية كحل جذري لمثل هذه‬
‫الصراعات‪.‬‬

‫ونظرا لطبيعة هذه الصراعات وأمدها الطويل‪ ،‬غالبًا ما يتوارى السبب الرئيسي لحدوث‬
‫ً‬
‫النزاع بالوقت‪ ،‬بينما ينمو النزاع ويتطور نتيجة األفعال التي تترتب عليه‪ ،‬فتصبح هذه األفعال‬
‫ومصدرا جديدًا للنزاع مما يصعد من حدته وعنفه‪ .‬وكشأن الصراعات من هذا النوع‪،‬‬
‫ً‬ ‫محر ًكا‬
‫وكثيرا ما يتطلب التضحية من‬
‫ً‬ ‫يكون الحل المبني على التفاوض صعبًا‪ ،‬إذ إنه يمثل تحديًّأ بل‬
‫األطراف الذين يرفضون المساس بقيمهم ومعتقداتهم وال يقبلون تعريضها للضغوط‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ .2‬المصالح )‪(Interests‬‬
‫– المصالح أو التطلعات المادية المعينة‪.‬‬

‫– تشير المصالح إلى عدم توافق أهداف الخصوم في إطار عالقتهم مع بعضهم البعض‪.‬‬
‫وفي الكثير من هذه الحاالت يمكن أن يتم اعتبار المصالح األساس الذي تبني عليه األطراف‬
‫مواقف متباينة أثناء النزاع‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬في نزاع دولي على الحدود‪ ،‬تكون مصلحة‬
‫إحدى الدول في تحقيق سيطرة على موارد طبيعية‪ ،‬في حين تكمن مصلحة الدولة األخرى‬
‫في الحفاظ على تراث تاريخي‪.‬‬

‫أنواع المصالح‪:‬‬

‫• مصالح ناشئة عن محدودية الموارد (الصراع على الموارد ‪ /‬الموارد المادية)‪.‬‬

‫• مصالح ناشئة عن االستمرار في البقاء (الصراع من أجل البقاء ‪ /‬الصراع على‬


‫السلع االستراتيجية)‪.‬‬

‫• مصالح تنشأ حول آليات العالقات (اآلليات السلبية وموضوعات الصراع المتعلقة‬
‫بالسلطة)‪.‬‬

‫• مصالح ناشئة عن القيم (المعتقدات والقيم الدينية)‪.‬‬

‫‪ .3‬المطالب‪/‬المواقف )‪(Positions‬‬
‫وتعكس المطالب‪/‬المواقف المتطلبات الشخصية التي تصر عليها األطراف في مواقف‬
‫الصراع‪ .‬ومن شأن المطالب‪/‬المواقف تعقيد الصراع وإمكانية حله وإدارته‪ .‬ويرجع هذا لرغبة‬
‫كل طرف في الحصول على كل شيء وإال فال‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ .4‬األطراف )‪(Parties‬‬

‫"يقصد بهم المشاركون في الصراع‪ .‬ويمكن أن تكون األطراف أفراد أو جماعات أو‬
‫‪3‬‬
‫منظمات أو مجتمعات أو أمم"‪.‬‬

‫ويمكن تقسيم أطراف الصراع على المستويات المختلفة إلى ثالث مجموعات‪:‬‬

‫• المجموعة الرئيسية‪ :‬أولئك الذين لهم مصلحة مباشرة في الصراع (على سبيل المثال‪،‬‬
‫دولتان في صراع على الحدود)‪.‬‬

‫• المجموعة الثانوية‪ :‬أولئك الذين لهم مصالح غير مباشرة في الصراع (على سبيل المثال‪،‬‬
‫الشركات العاملة على استكشاف البترول على الحدود بين الدولتين)‪.‬‬

‫• المجموعة الجانبية‪ :‬أولئك الذين لهم مصالح متصلة بالصراع (على سبيل المثال‪ ،‬دول‬
‫الجوارالتي قد يفر إليها الجئين)‪.‬‬

‫‪ .5‬التوجهات والمشاعر )‪(Attitudes and Feelings‬‬


‫– العواطف والتصورات التي تؤثر على سلوك أطراف الصراع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫– "الشعور نحو شخص أو كيان سواء كان إيجابيًّا أم سلبيًّا"‪.‬‬

‫–"األنماط المشتركة في التوقعات والتوجهات العاطفية والتصورات المرتبطة باالشتراك‬


‫‪5‬‬
‫في الصراع"‪.‬‬

‫‪ .6‬السلوك )‪(Behavior‬‬

‫– ما يقوم به أطراف الصراع‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Rubin, Pruitt and Kim, p. 257‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Rubin, Pruitt and Kim, p. 252‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Mitchell, p. 28‬‬
‫‪20‬‬
‫– "ما يقوم به أحد األطراف المشتركة في الصراع تجاه الطرف المعارض بهدف جعل‬
‫هذا الطرف يعرض عن أهدافه أو يعدلها "‪ . 6‬وسوف نناقش التوجهات والمشاعر‬
‫والسلوك باستفاضة الحقا في إطار تفاعالت النزاع‪.‬‬

‫‪ .7‬التدخل )‪(Intervention‬‬
‫التدخل هو ما يقوم به أطراف تتوسط في الصراع بغرض الوصول إلى حل أو نتيجة مقنعة‪.‬‬
‫وقد يشمل التدخل في الصراع اشتراك طرف خارجي غير مشترك في الصراع يكون غرضه‬
‫المساعدة في وصول أطراف في الصراع إلى حل‪ .‬والطرف المتدخل يمتاز عن أطراف الصراع‬
‫األخرى بأنه يتدخل بغرض وحيد هو الوصول لحل للصراع‪ ،‬وال يشترك في أي تصرفات تقوم‬
‫بها أطراف الصراع‪ .‬وعادة ً ما يكون المتدخل محاي ًدا وليس له مصالح شخصية توثر فيما يتخذه‬
‫من قرارات‪ ،‬أو تجعله ينحاز ألحد األطراف‪ .‬وعادة ما يأخذ التدخل أحد األساليب التالية‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬إدارة الصراع‪:‬‬

‫والغرض من هذا األسلوب هو مساعدة أطراف الصراع في الوصول إلى وجهة نظر أو‬
‫سلوك يعمل على وقف قيام أطراف الصراع بسلوك معا ٍّد أو عنيف‪ .‬وال يخاطب التدخل في هذه‬
‫الحالة مصادر الصراع‪ ،‬ولكنه يركز على تعديل سلوك الصراع ويستهدف بعض موضوعات‬
‫الصراع بالقدر الذي يضمن عدم حدوث سلوك معاد أو عنيف من أطراف الصراع‪ .‬عادة ما‬
‫يستخدم هذا األسلوب في خفض درجة تعقيد الصراع حتى يصل للنقطة المناسبة الستهداف مصادر‬
‫الصراع ومطالب األطراف‪ .‬مثال‪ :‬العمل على وقف إطالق النار بين فئتين متحاربتين‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬حل الصراع‪:‬‬

‫والغرض من هذا األسلوب هو مساعدة أطراف الصراع في فهم حاجات األطراف األخرى‬
‫ومصادر الصراع ومطالب ومصالح األطراف‪ ،‬والعمل على إيجاد حلول للصراع‪ .‬وعادة ما تلي‬
‫هذه الخطوة إدارة الصراع وتهدف إلى إيجاد الترتيبات الدائمة للصراعات‪ .‬ومن أمثلتها مساعدة‬
‫الفئات المتحاربة في مناقشة شكاواهم وحاجاتهم (مثل الحاجة لإلقرار بالهوية العرقية أو الوصول‬

‫‪6‬‬
‫‪Mitchell, p. 29‬‬
‫‪21‬‬
‫للموارد)‪ .‬وقد تتضمن القرارات إعطاء الحكم الذاتي السياسي لمجموعة عرقية‪ ،‬أو زيادة الخدمات‬
‫الصحية والتعليمية‪ ،‬وفرص العمل لمجموعات مهمشة‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬إصالح (تحويل) الصراع‪:‬‬

‫والغرض من هذا األسلوب هو محاولة اصالح وتحويل عالقة أطراف الصراع إلى عالقة‬
‫إيجابية من خالل تغيير عالقتهم من عالقة صراع إلى عالقة ودية‪ ،‬وذلك باستهداف مصادر‬
‫الصراع ومطالب ومصالح األطراف‪ .‬الغرض اآلخر هو مساعدة أطراف الصراع على اكتساب‬
‫سلوكيات صراع صحية تمكنهم من معالجة صراعاتهم بأنفسهم‪ .‬ومن أمثلتها دعوة أطراف‬
‫الصراع إلى سلسلة من ورش حل المشكالت‪ ،‬وتشكيل لجان للمصالحة‪ ،‬وكشف الحقائق‪ ،‬وتعليم‬
‫وتدريب أطراف الصراع على تقنيات تحويل الصراع‪.‬‬

‫‪ .8‬النتيجة )‪(Outcome‬‬
‫النتيجة هي التأثيرات الناتجة عن مسلك الصراع و‪/‬أو التدخل إليجاد حل مؤثر على سير‬
‫الصراع‪.،‬وال تكون هذه التأثيرات إيجابية دائ ًما‪ .‬لذا من الضروري أن ندرك أن نهاية الصراع‬
‫ليست دائ ًما سعيدة‪ .‬وهذا يعتمد بدرجة كبيرة على قابلية وجدية األطراف لحل صراع وقدرة‬
‫األطراف الخارجية على تضييق الثغرات بين أطراف الصراع‪ .‬ونتيجةً لهذا‪ ،‬ال يتم التوصل لقرار‬
‫نهائي أو حل نهائي يخص الصراع‪ .‬لذا قد يتم التوصل لحلول مؤقتة تحتاج لمتابعتها للوصول‬
‫لحل نهائي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫نموذج تطبيقي لتحليل النـزاع‬

‫سيقوم المشرفون على ورشة العمل بوضع المشتركين في مجموعات صغيرة‪ .‬وفي هذه المجموعة سيُطلب منك أن تقوم بتحليل موقف به صراع‪ .‬برجاء االشتراك مع مجموعتك في تحليل‬
‫الموقف مستخد ًما اإلطار المتعدد الجوانب المرفق‪ .‬وعلى كل مجموعة أن تختار ممثال عنها ليقوم بعرض تحليل المجموعة للحضور‪.‬‬

‫عوامل تختص بالنسق (الثقافة – األصل العرقي – النوع – التاريخ – المستوى االجتماعي – الدين‪ ..،‬إلخ)‬

‫عوامل خاصة بالعالقة‬

‫الرابطة‪:‬‬

‫الهيمنة ‪ /‬القوة‪:‬‬

‫األنماط‪:‬‬

‫النتيجة الحالية‬ ‫التدخل السلمي‬ ‫السلوك‬ ‫التوجهات‪/‬المشاعر‬ ‫األطراف‬ ‫المواقف‪/‬المطالب‬ ‫المصالح‬ ‫المصادر‬

‫أساليب التدخل المحتملة إلحالل السالم‬

‫‪23‬‬
24
‫الفصل الثاني‬
‫تفاعالت وأساليب النـزاع‬

‫أسهبنا فيما سبق في توضيح تشابك العوامل المتصلة بالنـزاع وأهمية إدراك تأثير السياق والعالقة على‬
‫كافة عناصر النـزاع‪.‬كما ناقشنا أن تفاعالت أي نزاع عادة ال تتخذ شكالً ثابتًا مطردًا ‪-‬على سبيل المثال من‬
‫مرحلة هدوء إلى مرحلة توتر أو العكس‪ -‬وإنما تتخذ تفاعالت النـزاع مسارات أكثر تعقيدًا فال يجوز تبسيطها‬
‫على خط بياني مستقيم‪ ،‬وإنما قد تكون الخطوط المتعرجة وأحيانًا الحلزونية أكثر واقعية في فهم تفاعالت‬
‫النـزاع‪.‬وسوف نستكمل الحديث في هذا الفصل عن عوامل متعددة مرتبطة بتفعاالت وأساليب النزاع بتفصيل‬
‫أكبر‪.‬‬

‫سوف نستعرض في هذا الفصل التقاط التالية‪:‬‬

‫أ‪ .‬تفاعالت وأساليب النزاع‬


‫ب‪ .‬الثقافة والنوع والطبقة والقوة وتأثيرهم على النـزاعات‬

‫أ‪ .‬تفاعالت وأساليب النزاع‪:‬‬


‫نقصد بتفاعالت النـزاع كافة التطورات السلبية واإليجابية التي تحدث أثناء النـزاع والتي تتداخل فيها‬
‫ضا يجب أن نؤكد أن عوامل السياق وعوامل العالقة‬
‫عناصر اإلحساس والشعور مع عناصر السلوك‪ .‬وهنا أي ً‬
‫ضا على أحد معطيات تحليل‬
‫مؤثرا في تولد أحاسيس ومشاعر وفي سلوكيات النـزاع‪ .‬كما نؤكد أي ً‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫تلعب ً‬
‫النـزاع‪ ،‬بل أحد مبادئه الثابتة وهو أن في الغالبية الساحقة من النـزاعات‪ ،‬يعتقد كل طرف أنه على صواب‪،‬‬
‫وأن الطرف اآلخر هو المخطئ أو المخالف‪.‬‬

‫ودعنا نستخدم مثاال ً لتوضيح هذه النقاط‪.‬‬

‫النـزاع القائم بين إيران والواليات المتحدة حول الطاقة النووية يحتوي على عدة عناصر مشابهة لتلك‬
‫التي ناقشناها في إطار تحليل تفاعالت النـزاع الزوجي‪ .‬في نزاع إيران والواليات المتحدة يلعب التاريخ‬

‫‪25‬‬
‫وعناصر العالقة دورين كبيرين في فهم تفاعالت النـزاع باإلضافة إلى عنصر الدين‪ .‬الواليات المتحدة تعتبر‬
‫سا للحكم وتاريخها يثبت دعمها لإلرهاب‪ .‬إن إيران ترى الواليات‬
‫إيران دولة شمولية بسبب اتخاذها الدين أسا ً‬
‫المتحدة كدولة مارقة تسعى لتدمير كل من يحاول الخروج عن فلكها والمسارات التي تحددها‪.‬‬

‫لقد شاب العالقة بين االثنين على مدى الثالثين سنة الماضية التحدي واستخدام القوة لفرض‬
‫المطالب‪/‬المواقف‪ .‬بصفة عامة فإن التاريخ وعالقة الطرفين باإلضافة إلى االختالفات األيديولوجية خاصة‬
‫فيما يتعلق بدور الدين والعلمانية أدوا إلى فقد الثقة بين الطرفين‪ .‬ولذلك فإن الواليات المتحدة ترى في سعي‬
‫خطرا ألنها مقتنعة أن دولة "شريرة" كإيران البد أنها ستسعى لتصنيع‬
‫ً‬ ‫إيران للحصول على الطاقة النووية‬
‫وتطوير أسلحة نووية‪ .‬أما إيران فإنها ترى أن دولة "شريرة" كالواليات المتحدة اليمكنها أن تقبل بأن تحصل‬
‫دولة مسلمة على تكنولوجيا الطاقة النووية‪.‬‬

‫مع هذه االفتراضات لدى كل طرف‪ ،‬تتولد مشاعر الخوف المتبادل باإلضافة إلى إحساس إيران بالتعدي‬
‫على سيادتها وحقها في الحصول على الطاقة النووية‪ .‬نتيجة لذلك فإن كل طرف يلوح بحقه في استخدام القوة‬
‫لمنع اآلخر من تهديده‪ .‬وألن النـزاع يقع في اإلطار الدولي فإن األمم المتحدة ووكالة الطاقة النووية واالتحاد‬
‫أدوارا هامة تتراوح بين أدوار أطراف النـزاع الثانوية ووسطاء النـزاع‪.‬‬
‫ً‬ ‫األوروبي يلعبون‬

‫دورا رئيسيًّا في توجيه تفاعالت النـزاع‪.‬‬


‫في هذا النـزاع نجد أن حسابات القوة ومغبة استخدامها تلعب ً‬
‫وبينما يساعدنا التحليل المنهجي للنزاع على فهم المشاعر واألحاسيس واالفتراضات فإن حسابات القوة في‬
‫المجال الدولي تتداخل مع مقدرة أطراف النـزاع على انتهاج سلوكيات تعبر عن المشاعر واألحاسيس‬
‫واالفتراضات‪ .‬حتى اآلن يلجأ كل طرف للتهديد واستعراض القوة وسوف تلعب العالقات الدولية أكبر دور‬
‫مؤخرا بفضل الجهود‬
‫ً‬ ‫في تحديد سلوكيات أطراف النـزاع‪ .‬حاليًا يمكن القول بأن النـزاع قد خفت وتيرته‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬إال أن التوتر مازال قائ ًما بين الطرفين‪ ،‬وأطراف دولية أخرى‪.‬‬

‫• أساليب النـزاع‪:‬‬
‫أحد أهم األطر المنهجية المستخدمة في مجال دراسة السالم والنـزاع هو إطار أساليب النـزاع‬
‫‪ .Conflict Styles‬وقد ناقش العديد من الباحثين هذا األمر ومن بينهم ‪Kim, Pruitt, Rubin‬‬

‫‪26‬‬
‫ضا ‪ .Herbert Kilman‬واألخير هو أكثر الباحثين شهرة في هذا األمر إذ صمم هو وزميله ‪Thomas‬‬
‫وأي ً‬
‫اختبارا شخصيًا لتحديد أسلوب النـزاع السائد لدى األشخاص‪.‬‬
‫ً‬

‫أساس هذا اإلطار هو تبويب سلوكيات النـزاع وفقًا لتوجهها إلى تحقيق أقصى فائدة لطرف النـزاع على‬
‫حساب اآلخرين‪ ،‬أو تفضيل مصالح اآلخرين على حساب طرف النـزاع‪ ،‬أو تجنب النـزاع بالكامل‪ .‬وبين هذه‬
‫التوجهات المتباعدة هناك توجهات للتعاون وللحلول الوسط‪.‬‬

‫التنافس‪ :‬سلوك التنافس هو التوجه نحو تحقيق أقصى فائدة لطرف النـزاع على حساب سائر‬ ‫‪-1‬‬
‫األطراف‪ .‬هذا السلوك يعتمد على فردية التصرف‪ ،‬واعتبار المصلحة الذاتية أهم من مصلحة‬
‫اآلخرين‪.‬‬

‫المسايرة‪ :‬سلوك المسايرة هو التوجه نحو تفضيل مصلحة اآلخرين قبل مصلحة طرف‬ ‫‪-2‬‬
‫النـزاع‪ .‬هذا السلوك يأخذ في االعتبار مسائل أخرى بخالف المصلحة الذاتية‪.‬‬

‫التجنب‪ :‬سلوك التجنب هو التوجه إلى تفادي الدخول في النـزاع‪ .‬هذا السلوك عادة يقوم على‬ ‫‪-3‬‬
‫ضررا أكبر من تجنبه‪.‬‬
‫ً‬ ‫حسابات ترجح أن مجرد الدخول في النـزاع سيلحق‬

‫الحل الوسط‪ :‬سلوك حل الوسط هو التوجه لتقسيم المصالح في النـزاع بشكل يحقق مكاسب‬ ‫‪-4‬‬
‫لكل طرف أقل من المكسب الكامل وأكبر من الخسارة الكاملة‪.‬‬

‫التعاون‪ :‬سلوك التعاون هو التوجه لفهم احتياجات ومصالح أطراف النـزاع بغرض إيجاد‬ ‫‪-5‬‬
‫حلول مبتكرة تساعد األطراف على تحقيق مصالحهم واحتياجاتهم‪.‬‬

‫• السياق الثقافي وأساليب النـزاع‪:‬‬


‫ضا مسألة مالئمتها الثقافية‪ .‬إن المجتمعات الفردية بصفة عامة قد‬
‫كلما نوقشت أساليب النـزاع نوقشت أي ً‬
‫تجد في المنافسة أسلوبًا طبيعيًّا للتعامل مع نزاعات عديدة‪ .‬كما أن هذه المجتمعات تحبذ أسلوبي الحل الوسط‬
‫والتعاون ألنهما يتفقان مع مبادئ المعايشة السلمية بين أفراد مستقلين‪ .‬نفس هذه المجتمعات قد تجد مجال‬
‫تطبيق محدود ألساليب التجنب والمسايرة لما يحتويانه من مبادئ تفضيل اآلخر‪ ،‬وهي مبادئ لها معايير‬
‫محدودة وأقل تطبيقًا‪ .‬أما في المجتمعات الجماعية بصفة عامة فإن أسلوب التنافس هو الذي قد يحظى بدور‬

‫‪27‬‬
‫محدود‪ ،‬إذ تفرض قيم الجماعة تفضيل أساليب التعاون‪ ،‬والحل الوسط‪ ،‬وتدعم أساليب التجنب والمسايرة وفقًا‬
‫لقواعد العالقة‪ ،‬وخاصة الرابطة بين أطراف النـزاع‪.‬‬

‫ب‪ .‬الثقافة والنوع والطبقة والقوة وتأثيرهم على النـزاعات‪:‬‬


‫كثيرا من االهتمام لغرس مفاهيم تتعلق بتحليل النـزاعات‪ ،‬والسيما تعدد العوامل التي‬
‫ً‬ ‫فيما سبق‪ ،‬أولينا‬
‫تؤثر في شتى عناصر النـزاع بد ًءا من أسبابه ومصادره إلى تفاعالته وأساليب تسويته‪ .‬كما ركزنا على أهمية‬
‫ضا على عناصر العالقة باإلضافة إلى العناصر النفسية سواء تلك المتصلة‬
‫عناصر السياق والمحيط وأي ً‬
‫باألفراد أو تلك المتصلة بالسلوك الجماعي‪.‬‬

‫في هذا اإلطار‪ ،‬نركز فيما يلي على بعض عناصر السياق (المحيط) والعالقة التي تستحق بعض التركيز‪.‬‬
‫كما سوف ندعم هذه المناقشة فيما بعد باستعراض بعض النظريات االجتماعية والنفسية والثقافية التي توفر لنا‬
‫إطارات منهجية ونظرية لفهم تفاعالت العناصر التي سنستعرضها في هذا الفصل على أربعة عناصر‪ :‬الثقافة‬
‫‪-‬وخاصة صلتها بمسألة الهوية‪ ،-‬النوع (‪ ،)Gender‬الطبقة والقوة‪.‬‬

‫‪ .1‬الثقافة والهوية‪:‬‬

‫من بديهيات دراسات النـزاع والسالم‪ ،‬أن الثقافة والهوية المحيطين بالنـزاع لهما تأثير على كافة عوامل‬
‫صا من بيئة ريفية أو قبلية مثل صعيد مصر مثالً أخبر آخر‬
‫النـزاع‪ .‬وهنا مثال بسيط‪ :‬ماذا يحدث لو أن شخ ً‬
‫أنه شاهد أخت الثاني بصحبة رجل غريب في الليل؟ وماذا يحدث لو أن نفس الواقعة حدثت بين أمريكيين‬
‫مقيمين في نيويورك؟ من السهل هنا أن نتصور احتمال أن تحتوي القصة األولى على نزاع عنيف بسبب‬
‫مفاهيم ثقافية محددة بشأن عالقات الرجل والمرأة بينما ال تؤدي إلى أي نزاع على اإلطالق في الحالة الثانية‪.‬‬
‫وهنا مثال آخر لموقف ال يؤدي إلى النـزاع في مجتمعاتنا العربية بينما يؤدي إلى نزاع غاية في الحساسية في‬
‫المجتمع األمريكي‪ :‬أثناء سفري مع ابني ذي العشرين عا ًما عبر مطار دبي استرعى انتباه ضابطة الجوازات‬
‫أنه لم يتحدث العربية وأدى هذا إلى حديث طريف عن جنسية أمه ولماذا لم يتعلم العربية وعما إذا كان مسل ًما‬
‫وعما إذا سيتزوج عربية‪ ،‬كما ذكرت كان الحديث طريفًا ووديًّا‪ .‬لكن لو أن تلك الواقعة حدثت مع ضابطة‬

‫‪28‬‬
‫جوازات في مطار نيويورك ربما ألدت إلى مقاضاة الضابطة وربما إلى فصلها من عملها لتعديها على أمورنا‬
‫الشخصية ولشبهة العنصرية في أسئلتها‪.‬‬

‫إن الثقافة هي مفهوم وإطار فضفاض تندرج تحته كل مقومات تكوين الشخصية في كل مجتمع مهما‬
‫صغر أو كبر‪ .‬ويدخل في تركيبة الثقافة عناصر تكاد ال تحصى من تاريخ وجغرافيا وتراث بما تحويه من‬
‫تقاليد وأديان‪ .‬في الواقع ليسترعي التأمل فكرة ما إذا كان مدلول "ثقافة" هو نفسه مدلول "سياق" أو "محيط"‬
‫في ‪ .CR SIPPABIO‬وما يعنينا هو أن ندرك أن الثقافة تؤثر بالكامل على مفهوم الهوية (‪)Identity‬‬
‫سواء لدى األفراد أو الجماعة وتؤدي إلى تأسيس "إطار فهم الحياة" (‪ .)world view‬كما يبدو واض ًحا اآلن‬
‫أن هذا أمر بالغ في التعقيد ويستحيل إعطاؤه ما يستحقه في درس واحد‪.‬‬

‫تأثيرا موحدًا في حدود‬


‫ً‬ ‫ومما يزيد هذا األمر تعقيدًا هو أن تأثير الثقافة على األفراد والمجموعات ليس‬
‫كل دولة‪ ،‬أو حتى كل منطقة داخل الدولة‪ ،‬أو حتى داخل األسرة الواحدة‪ .‬إن التأثيرات الثقافية في أي مجتمع‬
‫قد يمكن حصرها ‪-‬إلى حد ما‪ -‬ولكن ال يمكن إدراك كيفية انعكاسها على األفراد والجماعات‪ .‬إذ إن هذه‬
‫ضا بعوامل عديدة‪ .‬هنا البد من استخدام بعض األسئلة التطبيقية لفهم تلك العبارات‬
‫االنعكاسات تتأثر هي أي ً‬
‫النظرية‪ .‬في المجتمعات المسلمة عموما ً يمكن أن نحصر المنظومات المؤثرة على ثقافتنا في ثالثة‪ :‬التقاليد‪،‬‬
‫الدين والحداثة‪ .‬وهنا نلخص تعريفًا لكل منها‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫‪7‬‬
‫منظـومة القيـم السـائدة في المجتمعات المسـلمة‬

‫الدينيـة‬ ‫التقليـدية‬ ‫الحديثــة‬

‫تشكل تلك المنظومة مجموعة القيم منظومة القيم التقليدية هي القواعد تتمثل منظومة القيم الدينية في النسق‬
‫التي تم اكتسابها عن طريق التفاعل واألخالقيات الموروثة التي أسهمت والتطلعات والقوانين المستندة إلى‬
‫مع الغرب خالل القرنين الماضيين‪ .‬عدة مصادر في تشكيلها عبر الدين‪ ،‬والتي تؤثر على حياة الشعوب‬
‫ويمكن تصنيف األمثلة على تلك التاريخ‪ .‬ويمتد تأثيرها إلى كثير من في نواحٍ عدة؛ منها اختيار شريك‬
‫نواحي الحياة‪ ،‬مثل الطقوس الخاصة الحياة‪ ،‬والملبس‪ ،‬واالمتناع عن شرب‬ ‫القيم على النحو التالي‪:‬‬
‫األنظمة بالميالد والزواج والجنازات‪ .‬كما الخمر ولعب القمار‪ ،‬والقوانين الخاصة‬ ‫مثل‬ ‫علمانية‪:‬‬ ‫▪‬
‫تضم قي ًما معينة تتعلق بالتقاليد بشئون الزواج والطالق والوفاة‪ .‬كما‬ ‫الديمقراطية‬
‫األسرية الصارمة (أي السلطة األبوية تؤثر في وجهة النظر السياسية‬
‫مدنية‪ :‬مثل أخالقيات العمل‬ ‫▪‬
‫والقيود المفروضة على مظهر النساء واالجتماعية لبعض الناس‪.‬‬
‫واحترام المساحات العامة‬
‫واختياراتهن) وحتى الثأر بالدم‪ .‬وتلك‬
‫▪ متغربة‪ :‬مثل حرية الفرد القيم ليست في المقام األول دينية‪،‬‬
‫على المستوى الشخصي‪ ،‬والثقافة حتى وإن أعتقد الناس غير ذلك‪.‬‬
‫الموسيقية والشعبية‪.‬‬

‫‪7‬عمرو عبد هللا‪ ،‬رسالة دكتوراة بعنوان ‪ ،Inter-Personal Conflict Patterns in Egypt: Themes and Solutions‬جامعة جورج ميسون‪،‬‬
‫فريفاكس‪ ،‬فريجينيا ‪.2001‬‬
‫‪30‬‬
‫‪8‬‬
‫نماذج السلوك في منظومة القيـم اإلسالميـة‬

‫القـانونية‬ ‫الطقسيـة‬ ‫الروحـانية‬ ‫الحديثـة‬

‫تعتبر تلك المنهجية الحقبة تركز تلك المنهجية على تركز تلك المنهجية تركز تلك المنهجية على‬
‫في‬ ‫والقضاء‬ ‫الروحانية على إقامة الطقوس؛ القانون‬ ‫اإلسالمية األولى تجسيدًا الجوانب‬
‫والميتافيزيقية مثل الطقوس المرتبطة اإلسالم‪ ،‬حيث يتم الحكم‬ ‫للمعيار األمثل‪ .‬كما تفرق والعالمية‬
‫بشكل كبير بين مبادئ وقيم للدين‪ .‬وعادة ما تتشكل بالمناسبات االجتماعية على كافة جوانب الحياة‬
‫الحالل‬ ‫منظور‬ ‫والميالد‪ ،‬من‬ ‫اإلسالم الراسخة‪ ،‬وبين بنيتها من مجموعة من (الزواج‪،‬‬
‫المريدين والجنازات) والسلوك والحرام‪ .‬وعادة ما يتم‬ ‫والممارسات الروحانيين‬ ‫المؤسسات‬
‫كبيرة‬ ‫أهمية‬ ‫(المأكل‪ ،‬إعطاء‬ ‫لشخص ما يتخذوه شي ًخا الشخصي‬
‫ٍ‬ ‫للمؤثرات‬ ‫الخاضعة‬
‫واالجتماعية‪ ،‬لهم‪ .‬وتعتبر الصوفية واالغتسال)‪ .‬وتمتزج للفقهاء‪ ،‬خاصة السلفيين‬ ‫التاريخية‬
‫والتي يمكن‪ ،‬بل يجب‪ ،‬أبرز مثال على هذه هذه المنهجية إلى حد منهم‪.‬‬
‫كبير بمنظومة القيم‬ ‫يتفق المنهجية‪.‬‬ ‫بما‬ ‫تغييرها‬
‫التقليدية‪.‬‬ ‫واألوضاع المعاصرة‪.‬‬

‫وبالطبع فإن أي شخص ينتمي إلى الثقافة األسالمية في هذه المجتمعات يسهل عليه إدراك أن تأثير هذه‬
‫ق‬ ‫المنظومات يختلف طبقًا لعوامل عديدة يكون أبرزها هو عنصر الريف والمدينة‪ .‬فإن شخ ً‬
‫صا نشأ في حي را ٍّ‬
‫من المدينة وأدى دراسة في مدارس أجنبية بالطبع يتأثر بتلك المنظومات بشكل مختلف تما ًما عن شخص نشأ‬
‫في إحدى القرى الريفية وحصل على دراسته هناك في مدارس حكومية‪ .‬تأثيرات الحداثة وتأثيرات التقاليد‬
‫ضا ربما يتأثر‬ ‫سوف تختلف في الحالتين‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تأثير الدين قد يتخذ أنما ً‬
‫طا مختلفة ألنه أي ً‬
‫بمفاهيم التقاليد والحداثة وقد يؤثر فيهم‪ .‬ومما يزيد األمور تعقيدًا هو أن كل شخص ليس كيانًا ثابتًا بل بالعكس‬

‫‪8‬عمرو عبد هللا‪ ،‬رسالة دكتوراة بعنوان ‪ ،Inter-Personal Conflict Patterns in Egypt: Themes and Solutions‬جامعة جورج ميسون‪،‬‬
‫فريفاكس‪ ،‬فريجينيا ‪.2001‬‬

‫‪31‬‬
‫فإن معظم األفراد والجماعات تأخذ في التغيير بما يؤدي إلى تفاعلية التأثير الثقافي لدى كل فرد وكل جماعة‪.‬‬
‫إن كل إنسان هو مزيج من تأثيرات ثقافية‪ .‬ومن الطبيعي أن تؤدي كل هذه التأثيرات الثقافية إلى تشكيل مواقفنا‬
‫ومفاهيمنا وسلوكياتنا في حاالت النـزاع‪.‬‬

‫وفي نهاية هذا الملخص السريع عن تأثير الثقافة في النـزاع نشير إلى أن نزاعات أكثر تعقيدًا تحدث‬
‫والمجتمعات‪.‬وأخيرا نشير إلى أن االختالفات الثقافية تؤثر ليس فقط في‬
‫ً‬ ‫نتيجة اختالف الثقافات بين البلدان‬
‫ضا في أساليب تسوية النـزاع‪.‬‬
‫أسباب وسلوك النـزاع وإنما أي ً‬

‫‪ .2‬النوع (‪:)Gender‬‬

‫إن النوع أو ما يعرف بالجندر هو بنية اجتماعية من األفكار التي تعرف األدوار ونظم االعتقاد والمواقف‬
‫والصور والقيم والتوقعات للرجل والمرأة‪ .‬وهي تسهم بشكل كبير بعالقات القوة‪ ،‬ليس فقط بين الرجل والمرأة‪،‬‬
‫ضا بين المجموعات‪ ،‬وهذا ينتج الكثير من المشاكل االجتماعية‪ .‬الثقافات المختلفة لديها أفكار مختلفة‬
‫لكن أي ً‬
‫حول الجندر‪ ،‬وحول ما هو المناسب للرجل وللمرأة القيام به‪ ،‬وما يجب أن يكون عليه‪ .‬ال يختلف الجندر من‬
‫ضا يمكن أن يتغير مع الوقت أو من الممكن أن يتغير في ثقافة ما خالل وضع أزمة‪.‬‬
‫ثقافة لثقافة فقط‪ ،‬بل أي ً‬

‫إن دراسة النوع أو الجندر تعتبر من أسس دراسات السالم والنـزاع وكان لها فضل كبير في توعية‬
‫الباحثين في هذا المجال بأهمية العوامل االجتماعية والشخصية المرتبطة بموضوع النـزاع‪ .‬وتتلخص مقولة‬
‫النوع في أن تاريخ اإلنسانية قد شهد إجحافًا للمرأة وحقوقها لمصلحة الرجل‪ .‬وهذا الظلم قد أصبح عضويًّا في‬
‫تركيبات المجتمعات وسلوك أفرادها إلى درجة يستحيل معها تفهم النـزاعات وكيفية إصالحها بدون فهم‬
‫تفاعالت النوع‪.‬‬

‫وتفاعالت النوع ليست قاصرة فقط على نزاعات فردية وأسرية‪ ،‬وإنما هي تتعلق بكل مستويات النـزاع‪.‬‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬فإن أمور النوع يكون لها تفاعل هام في النـزاعات الوظيفية وفي حصول المرأة على حقوق‬
‫مواطنة متساوية مع الرجل‪.‬‬

‫واألمثلة ال تنتهي عن تأثير النوع في النـزاعات على كل المستويات‪ .‬أحد األمثلة المؤلمة تتعلق باستخدام‬
‫النساء إلشباع رغبات المقاتلين رغ ًما عنهم‪ .‬في عدة نزاعات في أفريقيا يقوم المقاتلون بخطف النساء وإجبارهم‬
‫على اإلقامة معهم بغرض إشباع رغباتهم‪ .‬وأحيانًا يستخدم االغتصاب كنوع من األسلحة المقصود بها إهانة‬

‫‪32‬‬
‫العدو‪ .‬وربما يكون من أفظع أساليب اإلساءة للنساء في وقت الحرب هو استغالل حاجتهم ألبسط األمور‬
‫كالطعام من قبل قوات حفظ السالم مقابل إشباع رغبات الجنود الجنسية‪.‬‬

‫في النهاية يجب أن نؤكد أن الوعي بأمور النوع وتأثيرها وتأثرها بالنـزاعات وضرورة تخليص البشرية‬
‫من هذا الشكل من العنصرية هو أحد أهداف ومبادئ دراسة السالم والنـزاع‪.‬‬

‫‪ .3‬الطبقة‪:‬‬

‫إن الطبقة االجتماعية والمالية والوظيفية‪ ،‬إلخ ‪ -‬هي نتاج تركيب ثقافي معقد يفرض على األفراد‬
‫والجماعات أنما ً‬
‫طا سلوكية محددة‪ .‬وربما تكون الهند ونظامها الطبقي المبني على ‪ caste‬هي من أقوى‬
‫خطيرا في‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫األمثلة في العالم‪ .‬وهناك بالطبع نماذج كثيرة للطبقية في كل المجتمعات‪ .‬وتلعب الطبقية ً‬
‫النـزاعات على كل مستوى‪ .‬فإن تأجج اإلحساس بالظلم الطبقي هو أحد العناصر األساسية في معظم الثورات‬
‫ضا تؤثر في سلوكيات النـزاع على‬
‫التي أدت إلى تغيير أنظمة اجتماعية وسياسية‪ .‬والمنظومات الطبقية أي ً‬
‫ضا المستوى االجتماعي‪ .‬ومصر ال تخلو من نزاعات هي في مصدرها طبقية أو‬
‫المستوى الشخصي وأي ً‬
‫متأثرة بالطبقية‪.‬‬

‫إن فهم تفاعليات الطبقية على كافة مستويات النـزاع ‪-‬وليس فقط على المستوى الفردي‪ -‬هي من أساسيات‬
‫تكوين توجهات إلصالح وحل النـزاعات‪.‬‬

‫‪ .4‬القوة‪:‬‬

‫ربما تكون المناقشة السابقة عن الثقافة والنوع والطبقة باإلضافة إلى ما استعرضناه في المحاضرات‬
‫السابقة قد أعدتنا لفهم أهمية القوة في النـزاع‪.‬‬

‫أوالً القوة في النـزاع لها مصادر عدة‪ .‬القوة قد تستمد من التركيب الثقافي‪ ،‬واالجتماعي‪ ،‬أو من النوع‪،‬‬
‫ضا قد تستمد من الوضع الوظيفي‪ ،‬أو من القدرة المالية‪ ،‬أو من وضع الفرد في األسرة‪ ،‬أو‬
‫أو الطبقة‪ .‬أنها أي ً‬
‫الجماعة‪ .‬وعلى المستوى الدولي فإن القوة قد تستمد من الوضع االقتصادي‪ ،‬أو القوى العسكرية‪ .‬كما أن القوة‬
‫يمكن أن تقوم على أساس أخالقي كما شاهدنا في تجربة غاندي وتجربة مارتن لوثر كينج‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أدوارا عديدة في النـزاعات‪ .‬حسابات القوة عادة ً هي التي تؤدي إلى قرارات أطراف النـزاع‬
‫ً‬ ‫القوة تلعب‬
‫لتصعيد النـزاع أو التمادي فيه من عدمه‪ .‬القوة طبقًا للفكر السياسي – واقعي ‪ Real-Politik‬هي التي تحدد‬
‫كيفية الدخول في النـزاع وعادة تنتهج طريقًا يهدف إلى تحقيق أقصى الفوائد على حساب اآلخر‪ .‬ولقد رأينا‬
‫كيف أن حسابات القوة بين الواليات المتحدة وإيران مازالت غير محسومة ولذلك فإن الطرفين يعيشان حالة‬
‫تأهب ال سلمي وال حربي‪.‬‬

‫كما أن حسابات القوة هي ال تي تؤدي أن الطرف األقوى ال يسعى إليجاد وسائل لتسوية النـزاع طالما‬
‫الموقف يحقق مصالحه‪ .‬وقد عشنا نحن في مصر هذا الموقف مع إسرائيل بعد حرب ‪ 1967‬إذ اعتقدت‬
‫إسرائيل أن حسابات قوتها رادعة ألي محاولة مصرية أو عربية لتغيير وضع االحتالل‪ .‬وكان تصور هذا‬
‫التباين في القوة هو ما أدى بإسرائيل بل وبالواليات المتحدة إلى أن ال يسعوا جديًّا إليجاد حل سلمي‪ .‬في نفس‬
‫الوقت فقد أدركت مصر أن دعم قوتها العسكرية والقيام بعمل عسكري يؤدي إلى زعزعة تصور إسرائيل‬
‫بتفوقها العسكري كان ضروريًّا‪ .‬وكان أن حرب ‪ 1973‬هي التي خلقت حسابات قوة أكثر توازنًا مما أدى‬
‫إلى سعي كل األطراف إلى حلول سلمية‪ .‬إن أكبر تحديات صانعي السالم هي كيفية جذب األطراف القوية‬
‫لطاولة المفاوضات وللحلول السلمية‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التدخل لتسوية النزاع‬

‫سوف نستعرض في هذا الفصل أساليب التدخل لتسوية النزاع وهي‪:‬‬

‫حفظ السالم يهدف إلى إدارة النـزاع ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬


‫صنع السالم يهدف إلى حل النـزاع ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بناء السالم يهدف إلى إصالح النـزاع ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الوقاية من النـزاع ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬

‫إن تفهم أسباب النـزاع ومحيطه وتفهم العوامل التي تؤدي إلى تصعيد أو توتر النـزاع يقصد منها أن‬
‫عا يشهد حالة توتر شديدة يسود فيها العنف‬
‫نحدد كيفية التدخل لتسوية النـزاع‪ .‬على سبيل المثال لو أن نزا ً‬
‫المتبادل الناتج عن تاريخ يشوبه عدم الثقة بين جماعتين عرقيتين‪ ،‬ومن المعروف أن الطرفين يدينان باالحترام‬
‫للرموز الدينية في المجتمع‪ ،‬فإن التدخل المناسب في هذه المرحلة قد يتم عن طريق الرموز الدينية بغرض‬
‫تهدئة النـزاع أو تخفيض درجة العنف‪ .‬ويتلو ذلك اتخاذ خطوات مرحلية لبناء الثقة بين الطرفين حتى يمكن‬
‫لهم مناقشة أسباب اشتعال النـزاع وكيفية إيجاد وسائل فعالة لحله‪.‬‬

‫وقد يتبع ذلك اتخاذ خطوات طويلة األجل على سبيل المثال من خالل برامج تعليمية واستخدام وسائل‬
‫اإلعالم لمساعدة جماهير الجماعتين العرقيتين للتغلب على المفاهيم العدوانية التي سادت بينهما عبر التاريخ‬
‫بغرض إصالح النـزاع ‪.‬‬

‫المثل السابق يشير إلى أن التدخل في النـزاع يختلف تبعًا للغرض المراد تحقيقه‪ .‬كما أن نوعية التدخل‬
‫في النـزاع تختلف تبعًا للوضع الذي يكون النـزاع عليه في مرحلة محددة‪ .‬باإلضافة إلى ذلك فإن مصداقية‬
‫وشرعية الطرف الثالث الذي يتدخل لتسوية النـزاع هي بدورها من العناصر األساسية في تفهم التدخل في‬
‫النـزاع‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫التدخل لتسوية النـزاع‬
9
‫إطار شامل للتدخل في النزاع‬

9
Developed by Dr. Amr Abdalla and the students of the course on Navigating Cultures for Peacebuilding. Eastern Mennonite University, Summer .2006

36
‫أ‪ .‬حفظ السالم وإدارة النـزاع‪:‬‬
‫مصطلح حفظ السالم يشير إلى كل الجهود التي تتخذ أثناء النـزاع بغرض تخفيض أو إزالة‬
‫مظاهر العنف وتثبيت تفاعالت النـزاع على درجة من الالعنف يمكن معها استكشاف أساليب لحل‬
‫وإصالح النـزاع‪ .‬إن الغرض من حفظ السالم إذًا ليس هو حل النـزاع من جذوره‪ ،‬وإنما استعادة حالة‬
‫الالعنف‪ .‬ورغم أن حفظ السالم عادة يرتبط في األذهان بتدخل قوات مسلحة دولية لفصل القوات‬
‫ضا يكون‬
‫المتحاربة‪ ،‬أو إلجبار أحد األطراف على التوقف عن استخدام العنف‪ ،‬إال أن حفظ السالم أي ً‬
‫أمرا‬
‫مطلوبًا في النـزاعات الشخصية والمحلية‪ .‬ومن الطبيعي أن يكون حفظ السالم في المجال الدولي ً‬
‫معقدًا؛ إذ يتطلب الحصول على تصريح من جهات معينة‪ ،‬مثل األمم المتحدة‪ ،‬وقد يؤدي تباين المواقف‬
‫الدولية إلى تعطيل أو إعاقة مثل هذا المجهود‪ .‬وقد كان لتعطل هذا المجهود في التدخل في الحرب‬
‫العرقية في رواندا عام ‪ 1994‬أثر بالغ في تضاعف أعداد الضحايا المدنيين‪ .‬ومن ناحية أخرى فإن‬
‫جهود حفظ السالم التي ال تتسم بالحيدة بين األطراف يمكن أن تؤدي إلى تفاقم النـزاع إذ يتحول الطرف‬
‫المتدخل لحفظ السالم إلى طرف أساسي‪.‬‬

‫وفي السنوات العشرة الماضية‪ ،‬تزايد اإلدراك في مجال حفظ السالم الدولي بأن حفظ السالم قد‬
‫يكون مخيبًا لآلمال لو أنه اقتصر على المفهوم العسكري‪ .‬ولذلك فإن جهودًا مكثفة على المجال العملي‬
‫واألكاديمي قد أدت إلى توسيع مفهوم حفظ السالم في المجال الدولي ليشمل دعم مهارات حافظي السالم‬
‫في التعامل مع مختلف الثقافات‪ ،‬مع االهتمام باألقليات والمستضعفين خاصة النساء واألطفال‪ ،‬والعناية‬
‫وأخيرا‪ ،‬فإن عمليات حفظ السالم لألسف ال تخلو من تجاوزات غير مقبولة‬
‫ً‬ ‫بالدور الصحي والوقائي‪.‬‬
‫إذ يستغل بعض جنود حفظ السالم حاجة النساء لكل األساسيات أثناء الحروب إلشباع رغباتهم الجنسية‪.‬‬
‫وقد أدى هذا في كثير من األحوال خاصة في نزاعات ليبيريا وسيراليون إلى ازدياد حاالت اإلصابة‬
‫بمرض اإليدز‪.‬‬

‫وفي النهاية‪ ،‬نوضح أن حفظ السالم هو أحد أساليب إدارة النـزاع إذ إن إدارة النـزاع هي مرحلة‬
‫يكون المقصود فيها تطبيق أساليب تساعد األطراف على التعامل بشكل غير عنيف‪ ،‬ولكن ليس‬
‫بالضرورة العمل على حل أو إصالح النـزاع‪ .‬وهناك مواقف عديدة في كافة أنواع ومستويات النـزاع‬
‫يجد فيها األطراف أنفسهم غير مجهزين أو مهيئين لحل أو إصالح النـزاع بحيث تكون أقصى غاية في‬

‫‪37‬‬
‫هذه المرحلة هي خلق حالة ال عنف‪ .‬فالعديد من النـزاعات األسرية والمحلية تقضي أعوا ًما وعقودًا‬
‫على هذا المنوال‪ .‬كما أن العديد من النـزاعات الدولية تمر بمراحل طويلة من إدارة النـزاع‪.‬‬

‫ب‪ .‬صنع السالم وحل النـزاع‪:‬‬


‫يشير صنع السالم إلى الجهود التي يقوم بها األطراف األساسيون والثانويون‪ ،‬سواء على عاتقهم‬
‫أو بمساعدة طرف ثالث‪ ،‬لبحث أسباب النـزاع وإدراك مصالح واحتياجات كل طرف بغرض إرضاء‬
‫تلك المصالح واالحتياجات ويتم صنع السالم عادة عن طريق التفاوض والتحاور بين األطراف حتى‬
‫يتسنى لهم تفهم احتياجات ومصالح اآلخر‪ ،‬وإيجاد حلول مشتركة أو حلول وسط ترضيهم‪ .‬ويمكن القول‬
‫بأن المعرفة والمهارة المتصلة بحل المنازعات عن طريق التحاور والتفاوض والوساطة هي لب دراسة‬
‫السالم والنـزاع‪ .‬وهنا يجب أن ندرك أن استخدام التحاور والتفاوض والوساطة ال يقصد منه دائما أن‬
‫يؤدي إلى حل النـزاع‪ .‬فهذه األساليب نفسها يمكن أن تكون فعالة من أجل إدارة النـزاع‪ .‬ولعلنا نذكر‬
‫مفاوضات الكيلو ‪ 101‬عام ‪ 1973‬بين ممثلين عسكريين من مصر وإسرائيل لفض اشتباك القوات‪.‬‬
‫التفاوض والوساطة هنا كانا يهدفان إلى تكريس حفظ السالم وإدارة النـزاع‪ .‬وقد كانت تلك المفاوضات‬
‫خطوة أولى في بناء نوع من الثقة بين الطرفين‪ ،‬مما ساعد الحقًا على اتخاذ خطوات مماثلة تجاه إدارة‬
‫النـزاع ثم تطورت إلى إيجاد حلول للنزاع‪.‬‬

‫حكرا على المجال الدولي‪ ،‬فإننا على المستوى الشخصي‬


‫ً‬ ‫ونشير هنا إلى أن صنع السالم ليس‬
‫والعائلي والمحلي نمارس التحاور والتفاوض والوساطة أحيانًا بصورة فعالة وأحيانًا بنتائج عكسية‪ .‬وقد‬
‫أظهرت دراسة الدكتوراة التي قمت بها إلى أن األفراد في المجتمع المصري يلجئون بشكل دائم ألساليب‬
‫التفاوض والوساطة بشكل غير رسمي‪ .‬ولكن عدم اإللمام ببعض أساسيات دراسة السالم والنـزاع تؤدي‬
‫غالبًا إلى نتائج عكسية‪ .‬كما أن الدور الديني في هذا الشأن الزال يعوقه التمسك بمناهج وأساليب كانت‬
‫مالئمة لعصور خلت‪.‬‬

‫وأخيرا نشير هنا إلى أن كيفية التحاور والتفاوض والوساطة تتأثر بشكل كبير بالموروث الثقافي‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد طور الباحثون الغربيون في السنوات العشرين الماضية حرفة التحاور والتفاوض والوساطة‬
‫بأسلوب مالئم تحديدًا للمجتمعات الشمال أمريكية الذكورية الصناعية العلمانية وقد ساهم العديد من‬
‫الباحثين من مجتمعات أخرى ومن ممثلي الفكر النسائي في تقديم وسائل مختلفة هي أكثر مالئمة‬
‫‪38‬‬
‫ي‪ .‬وسوف نركز على هذه األمور خالل‬
‫لمجتمعات شرقية وأفريقية‪ ،‬ولواقع ليس بالضرورة علمان ًّ‬
‫مناقشاتنا وممارساتنا العملية في الفصول القادمة‪.‬‬

‫ج‪ .‬بناء السالم وإصالح النـزاع‪:‬‬


‫المقصود من بناء السالم هو تشييد البنية األساسية والهياكل التي تساعد أطراف النـزاع على‬
‫العبور من مرحلة النـزاع إلى مرحلة السالم اإليجابي‪ .‬الغرض هنا هو إزالة كل أسباب النـزاع‪ ،‬سواء‬
‫كانت مادية أو معنوية أو معرفية‪ ،‬واستبدالها بآليات وهياكل تمكن األطراف من التعامل مع بعضهم‬
‫اآلخر بشكل سلمي‪ ،‬يسمح لهم بتحقيق غايتهم وعلى تنمية كل أوجه حياتهم‪ .‬والمصطلح الدارج حاليًا‬
‫للتعبير عن هذه الغاية هو‪ . Conflict Transformation‬الحظ أننا لم نترجم هذا المصطلح بشكل‬
‫حرفي ليكون "تحويل النـزاع"‪ ،‬إذ أن مصطل ًحا كهذا ال يعبر عن المقصود بلفظ ‪Transformation‬‬
‫‪ ،‬ولذلك فإننا نستخدم هنا مصطلح "إصالح النـزاع" ألنه إنه يسمح لنا بتفهم كافة أبعاد هذه الغاية وهي‬
‫إصالح العالقة بين األفراد‪ ،‬وإصالح عناصر المحيط‪ ،‬وإصالح ذات النفس بما يؤدي إلى الخير‪.‬‬

‫وبناء السالم يتخذ أشكاالً عديدة عادة ما يمكن أن توصف بأنها طويلة المدى‪ .‬على سبيل المثال‪،‬‬
‫فإن البرامج التعليمية التي تأخذ على عاتقها تصحيح مفاهيم خاطئة أو مفاهيم عدوانية تجاه اآلخر يمكن‬
‫أن تساهم في تربية أجيال جديدة قادرة على التعامل مع اآلخر بشكل إيجابي‪ .‬وهنا نؤكد أن جهود‬
‫تعليمية كهذه سوف تكون غير فعالة وربما تؤدي إلى تعقيدات أخرى إذا لم يصاحبها تغييرات فعلية في‬
‫ممارسات اآلخر‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن الممارسات اإلسرائيلية واألمريكية في الشرق األوسط والعالم اإلسالمي‬
‫والتي تتسم بالعنصرية والعنف غير الشرعي ال يجدي معها جهود إعالمية وتعليمية ال تأخذ في االعتبار‬
‫تلك الممارسات وتأثيرها‪.‬‬

‫ضا أحد أساليب بناء السالم خاصة عندما يكون النـزاع ذا صبغة مادية أو‬
‫جهود التنمية هي أي ً‬
‫يتعلق بالفقر ونقص الموارد أو يتطلب إعادة بناء‪ .‬ونذكر هنا نموذ ًجا لبناء السالم تم في بوروندي عام‬
‫‪ 2002‬يدل على أن بناء السالم وإصالح النـزاع يتعلق بإحداث تغييرات إيجابية على مستوى الفرد‬
‫ومستوى العالقة بين أطراف النـزاع ومستوى البنية والمحيط‪ .‬في عام ‪ 1994‬اشتعلت الحرب العرقية‬
‫في رواندا بين جماعتي الهوتو والتوتسي ثم امتد الصراع إلى بوروندي المجاورة‪ .‬أدت الحرب العرقية‬
‫إلى العنف الدموي بين أهل القرية الواحدة بل أحيانًا العائلة الواحدة‪ .‬في عدة قرى قام أفراد جماعة‬
‫‪39‬‬
‫التوتسي باالنتقام من جيرانهم الهوتو بحرق منازلهم وقتل الرجال مما أدى إلى فرار النساء واألطفال‬
‫إلى معسكرات الالجئين‪ .‬بعد أن هدأت الحرب وساد نوع من السالم السلبي وحفظ السالم بدأت بعض‬
‫منظمات المجتمع المدني في تكثيف الجهود إلعادة شمل بعض هذه القرى‪ .‬وفي هذا اإلطار قامت عدة‬
‫منظمات تختص بالعمل في شئون المرأة والسالم بعقد لقاءات بين نساء بعض هذه القرى الالتي فررن‬
‫بحياتهن وأطفالهن وبين النساء الالتي الزمت القرية‪ .‬في هذه اللقاءات قامت عضوات المنظمة باستخدام‬
‫أساليب مستمدة من التراث الثقافي البوروندي لرأب الصدع الذي أصاب عالقات أهل القرية ولمساعدة‬
‫األفراد على مواجهة الجراح النفسية التي عاشوها منذ الحرب وعلى أن يجدوا طريقهم نحو مسامحة‬
‫اآلخر وشفاء جراح الكراهية والضغينة‪ .‬وبالتالي فإن تلك الجهود ركزت على إصالح النفوس وإصالح‬
‫العالقة لكن باإلضافة إلى ذلك كانت هناك الحاجة إلصالح البنية التي دمرتها الحرب والتي تمثلها في‬
‫إعادة بناء المنازل التي دمرت أثناء الحرب وإعادة تسكين النساء التي فررن أثناء الحرب‪ .‬ولتحقيق‬
‫ذلك تعاقدت المنظمة مع منظمة دولية أخرى تعمل في مجال التعمير والبناء وقامت األخيرة بتوفير‬
‫مواد ومعدات بناء المنازل التي كانت قد دمرت‪ .‬ثم قامت نساء القرية من الهوتو والتوتسي بالعمل معا‬
‫بمساعدة آخرين من قرى مجاورة والمجتمع المدني إلعادة بناء كل منزل كان قد احترق أثناء الحرب‬
‫وإعادة تسكين أصحابه فيه‪ .‬للقارئ أن يتصور مدى قوة وعمق هذا اإلصالح وبناء السالم على كل‬
‫أطراف النـزاع الذين اقتتلوا وأحرقوا المنازل قبل سنوات قليلة‪.10‬‬

‫الوقاية من النـزاع‪:‬‬ ‫د‪.‬‬


‫ال نقصد بعبارة الوقاية من النـزاع أن نحقق واقعًا بشريًّا خاليًا من النـزاع‪ ،‬وإنما نقصد بذلك أن‬
‫تنجح المجتمعات واألفراد في اكتساب المعرفة والمهارات التي تمكنهم من التعامل مع النـزاعات‬
‫بأسلوب سلمي وإيجابي يؤدي إلى إشباع حاجات ومصالح األطراف بدون تصعيد أو عنف‪ .‬وهذا يتطلب‬
‫بالطبع ترسيخ أساليب إدارة وحل وإصالح النـزاع وخلق الظروف المواتية لتحقيق العدالة في إشباع‬
‫حاجات األفراد والمجتمعات األساسية وتوفير وسائل معالجة النـزاع الفعالة ‪.‬‬

‫‪ 10‬هذا النموذج ورد في تقييم برامج بناء السالم وحل النزاع في بوروندي والتي قامت بها مؤسسة "البحث عن أرضية مشتركة" في ‪.2002‬‬
‫‪40‬‬
‫كانت هذه نبذة عن العناصر األساسية في التدخل في النـزاع‪ .‬ويجب أن نشير هنا إلى أن معظم‬
‫ومرورا بحفظ السالم وإدارة‬
‫ً‬ ‫النـزاعات ال تتبع ًّ‬
‫خطا مستقي ًما يبدأ من نقطة النـزاع المتوتر أو العنيف‪،‬‬
‫النـزاع‪ ،‬إلى صنع السالم وحل النـزاع‪ ،‬إلى بناء السالم وإصالح النـزاع‪ ،‬وانتها ًء بالوقاية من النـزاع‪.‬‬
‫الواقع هو أن معظم النـزاعات تأخذ توجهات أكثر التفافًا وتعقيدًا‪ ،‬وهو ما يتطلب التحليل المستمر للنزاع‬
‫لتحديد أنسب وسائل التدخل بنا ًء على فعاليات مراحل النزاع المختلفة‪.‬‬

‫‪41‬‬
42
‫الباب الثاني‬
‫التواصل وإدارة الحوار‬

‫‪43‬‬
44
‫الفصل األول‬

‫التواصل الفعّال‬

‫إن االتصال أو التواصل هو التفاعل بين األفراد بهدف تبادل المعلومات والخبرات‪ ،‬وهى صفة‬
‫إنسانية وأحد أسس المجتمع اإلنسانى‪ ،‬فمن خاللها يكون االنسان له القدرة على التعبير عن أفكاره‬
‫ومشاعره‪ ،‬إلى جانب تبادل األفكار والمعلومات‪ .‬وقد ذكر العالم س‪.‬ف سكودر فى قانونه العالمي‬
‫لالتصاالت أن جميع الكائنات الحية تتواصل من خالل االصوات وردود االفعال والحركات البدنية‬
‫واللغات‪.‬‬

‫وتأتى طبيعة االتصال فى أشكال مختلفة‪:11‬‬

‫‪ ‬االتصال الذاتي‪ :‬وهى األفكار والمشاعر التى تدور بداخل عقل الشخص‪ ،‬ومن ثم يكون‬
‫الشخص بذاته هو المرسل والمستقبل؛‬

‫‪ ‬االتصال الشخصي‪ :‬ويتمثل هذا الشكل في التواصل والتبادل مع أفراد المجتمع‪،‬ويكون ذلك من‬
‫خالل الوسائل اللفظية وغير اللفظية كحركات الجسم (‪ .)body language‬والغرض من‬
‫هذا االتصال هو اإلشباع المتبادل لحاجات األطراف المتصلة؛‬

‫‪ ‬االتصال الجماهيري‪ :‬والذى يتم به استهداف جمهور واسع يتم توجيه الرسائل له من خالل‬
‫وسائل تكنولوجية‪ ،‬فيكون المصدر عادة مؤسسة أو منظمة كبيرة‪ .‬ويستخدم كال من المنظمة‬
‫والجمهور وسائل تكنولوجية من أجل نقل واستقبال تلك الرسائل؛‬

‫‪ ‬االتصال المؤسسي‪ :‬وهو التواصل الذي يتم بداخل المنظمات والمؤسسات‪ ،‬وعادة يتم من أعلى‬
‫الهرم اإلدارى إلى أسفله والعكس‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪Passia,. 'Al-Etisal'. N.p., 2015. Web. 2 Nov. 2015.‬‬
‫‪URL: http://www.passia.org/seminars/2008/october/Seminar%2024%20Oct/Luna-‬‬
‫‪Communication%20Skills.pdf‬‬

‫‪45‬‬
‫وسوف نستعرض في هذا الفصل الموضوعات الست التالية‪:‬‬

‫أ‪ .‬نماذج االتصال‬


‫ب‪ .‬تكوين الرسالة‬
‫ج‪ .‬معوقات االتصال ومهاراته‬
‫د‪ .‬االعتبارات الثقافية لدول شمال أفريقيا‬
‫ه‪ .‬التواصل أثناء الصراع‬

‫أ‪ .‬نماذج االتصال‬


‫وألجل فهم عملية اإلتصال‪ ،‬تم استحداث مجموعة من النماذج التي نقوم بتحليلها‪ .‬وتختلف تلك‬
‫النماذج من ناحية المنظور أو البساطة والتعقيد‪ ،‬ولكن تتفق معظمها على أن عملية التواصل تتكون من‬
‫عدة عناصر‪:‬‬

‫‪ ‬المرسل‪ :‬الذى يقوم بوضع وصياغة أفكاره ومشاعره فى رسالة‪ ،‬وهو المصدر ونقطة البداية‬
‫فى عملية االتصال؛‬

‫‪ ‬الرسالة‪ :‬الموضوع الذى يريد المرسل إرساله؛‬

‫‪ ‬الوسيلة‪ :‬الطريقة التى سيتم بها توصيل الرسالة (كتابة‪ ،‬لفظيًّا‪ ،‬تكنولوجيًّا‪ ،‬غير لفظى‪ ،‬الحركات‬
‫الجسدية)؛‬

‫‪ ‬المستقبل‪ :‬الهدف‪ ،‬وهو المراد أن تصل إليه الرسالة؛‬

‫‪ ‬االستجابة‪ :‬رد فعل من جانب المستقبل يعود إلى المرسل طبقًا لفهمه وتفسيره للرسالة؛‬

‫وكما ذكرنا آنفًا‪ ،‬من أجل تسهيل وتوضيح عملية االتصال فقد تم ابتكار ووضع نماذج اتصال‬
‫مختلفة‪.‬وتعمل تلك النماذج على توضيح كيف تتم عملية االتصال‪ ،‬أى كيف تصل الرسالة من المصدر‬
‫دورا فى عملية االتصال‪ .‬وترجع أوائل‬
‫إلى المستقبل‪ ،‬إلى جانب توضيح العناصر المهمة التى تلعب ً‬
‫تلك النماذج إلى نموذج االتصال الذى ابتكره الفيلسوف اليونانى أرسطو‪ ،‬وبالنسبة لنموذجه‪ ،‬فعملية‬
‫االتصال هي محاولة المتحدث اقناع جمهوره وتحقيق أهدافه وذلك من خالل صياغة قوية ماهرة‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وللعلم‪ ،‬فقد كان آرسطو أول من طور مفهوم "البالغة" ‪ rhetoric‬في الرسالة لكي تنجح في التأثير‬
‫على المستمع‪.‬‬

‫ولقد تطورت الدراسات حول مهارات وعلم االتصال‪ ،‬كما تم وضع العديد من النماذج والنظريات‬
‫حول هذا الموضوع‪ .‬ومن أهم وأشهر نماذج االتصال هو نموذج شانون وويفر الذى تم وضعه عام‬
‫‪ ،1945‬ويصور هذا النموذج عملية التواصل فى شكل طولي يبدأ من "المصدر"‪ ،‬ثم تنتقل تلك الرسالة‬
‫عبر ما يمكن تسميته بـ "جهاز اإلرسال"‪ ،‬والذى يحولها إلى إشارات وذلك من أجل نقلها عبر "وسيلة‬
‫االتصال" المرغوبة‪،‬إلى أن تصل إلى"المستقبل" الذى يترجم تلك الرسالة لكى تصل إلى هدفها‪ .‬وتكمن‬
‫أهمية هذه النظرية في أنها أدخلت فكرة التداخل أو التشويش الخارجى والذي عادة ً ما يتم فى مرحلة‬
‫إرسال الرسالة عبر قناة االتصال؛ حيث يمكن لهذا التشويش أن يؤثر سلبًا على عملية فهم الرسالة‪ ،‬أو‬
‫حتى فى نجاح وصولها إلى الهدف‪.‬‬

‫نموذج شانون ويفر لالتصال‬

‫إضافةً إلى هذا النموذج‪ ،‬هناك نماذج أخرى ساهمت فى تطوير دراسة نظريات االتصال‪ ،‬منها‬
‫تطورا عن نماذج االتصال السابقة‪ ،‬ومن بينهم نموذج‬
‫ً‬ ‫النموذج الذى وضعه ولبر شرام والذى يعد‬
‫شانون وويفر‪ .‬وينفرد هذا النموذج عن النماذج السابقة حيث أنه يوضح الطبيعة التبادلية في عملية‬
‫االتصال‪ ،‬حيث أنه من أجل نجاح عملية االتصال‪ ،‬يجب أن يتلقى المرسل رد فعل من المستقبل‪ .‬ويتكون‬

‫‪47‬‬
‫هذا النموذج من عدة مراحل‪ ،‬أولها تحويل أفكار المرسل إلى رموز على شكل كلمات منطوقة أو‬
‫مكتوبة‪ ،‬والتى توضع فى رسالة للمستقبل‪ ،‬والذى يعمل بدوره على فك تلك الرموز وترجمتها من أجل‬
‫تفسير الرسالة وفهم معناها‪ .‬وطبقا لفهمه للرسالة‪ ،‬يقوم المستقبل بالرد من خالل وضع رسالة جديدة‬
‫وإرسالها‪ ،‬ومن ثم يصبح المرسل السابق المستقبل الجديد‪ .‬وللعلم فهذا الرد قد يصل أو ال يصل للمرسل‪،‬‬
‫ويرجع ذلك إلى عوامل خارجية كالتشويش والتداخالت الخارجية‪ ،‬باإلضافة إلى مجاالت الخبرة عند‬
‫كل من المرسل والمستقبل‪ :‬فإن كان هناك تشابه أو تقارب فى مجاالت الخبرة (مثل الثقافة‪ ... ،‬إلخ)‬
‫بينهما‪ ،‬يصبح هناك فرصة نجاح أكبر في تلقي وفهم الرسالة والرد عليها‪ .‬وهذا جزء أساسي من أهمية‬
‫هذه النظرية‪ ،‬فباإلضافة إلى استحضارها فكرة التبادلية بين المرسل والمستقبل في عملية التواصل‪،‬‬
‫ضا أضافت بعد الثقافة والدور الذي يمكن أن تلعبه لصالح أو ضد توصيل الرسالة‪ ،‬من خالل‬
‫فإنها أي ً‬
‫مجاالت الخبرة المشتركة‪.‬‬

‫نموذج ولبر شرام لالتصال‬

‫‪48‬‬
‫ب‪ .‬تكوين الرسالة‪:‬‬
‫وفي تحليل محتوى الرسالة وتكوينها‪ ،‬ابتكر فريدمن شواتس ثن‪12‬نموذج الجوانب االربعة‪ ،‬ووفقًا‬
‫لذلك‪ ،‬فإن لكل رسالة أربعة عناصر يمكن فهمها منها‪ ،‬وتلك العناصر هي‪:‬‬

‫‪ ‬المستوى الحقائقي‪ :‬تحتوي كل رسالة على رسم للحقائق أو بعض أشكال المعلومات المنقولة‬
‫من وجهة نظر الراسل‪.‬‬

‫‪ ‬اإلفصاح عن الذات‪ :‬تصور الذات المقصود أو اإلفصاح عن الذات غير المقصود‪ .‬هذا هو‬
‫إدراك الراسل لذاته التي ينوي اإلفصاح عنها أو نقلها‪ ،‬وكذلك خصائص الراسل التي يتم‬
‫اإلفصاح عنها دون قصد‪.‬‬

‫‪ ‬العالقة‪ :‬تفصح الرسالة عن العالقة بين المرسل والمستقبل‪ .‬ويمكن أن يظهر ذلك في طريقة‬
‫صياغة الرسالة لفظيًّا‪ ،‬وكذلك اإلشارات باليد ونبرة الصوت وغيرها من اإلشارات غير‬
‫اللفظية‪.‬‬

‫‪ ‬التأثير الشعوري‪ :‬دائ ًما ما ترتبط الرسالة بمحاولة التأثير على المست َقبل‪ .‬وعادة ً ما يسعى الفرد‬
‫إلى تأثير محدد من خالل تلك العملية‪.‬‬

‫نموذج فريدمن شواتس ثن لتحليل الرسالة‬

‫‪12‬‬
‫‪Academy for Conflict Transformation, Communication Model ("four-ears-model"). N.p., 2015. Web. 2‬‬
‫‪Nov. 2015.‬‬

‫‪49‬‬
‫‪13‬‬
‫ج‪ .‬معوقات االتصال‬
‫كما ذكرنا سابقا‪ ،‬فإن عملية التواصل تتأثر سلبًا أو إيجابًا بمجموعة من العوامل‪ .‬والبد للمتواصل‬
‫الجيد ‪-‬والذي تبعًا ألرسطو يستطيع التأثير في جمهوره وإقناعهم برسالته‪ -‬من أن يدرك تلك العوامل‬
‫ليتجنب تأثيرها السلبي ويعزز كل ما يسهم في توصيل الرسالة بجودة عالية‪ .‬من ضمن تلك العوامل‬
‫السلبية ما اصطلح على تسميته بـ "معوقات اإلتصال"‪ ،‬وأبرزها التالي‪:‬‬

‫‪ ‬تحريف المعلومات‪ :‬وذلك ً‬


‫نظرا إلى تعدد وتعقد مراحل عملية االتصال‪ ،‬ومن ثم قد يتسبب ذلك‬
‫فى أخطاء عند نقل الرسالة عبر تلك المراحل؛‬

‫‪ ‬اللغة‪ :‬اختالف اللغة‪ ،‬إلى جانب أن الكلمة فى عملية االتصال قد تحمل معاني مختلفة طبقا لكل‬
‫طرف‪ ،‬ولذلك قد يحدث سوء تفاهم فى تفسير الرسالة؛‬

‫‪ ‬اإلدراك اإلنتقائى‪ :‬عندما يتم االستماع إلى الرسالة‪ ،‬وإدراك جزء منها فقط وإهمال المعلومات‬
‫المتبقية تبعًا ألهواء وانحيازات المست َمع (المتلقي) أو إنطباعاته المسبقة عن المرسل‪ ،‬أو الرسالة‬
‫المتوقعة؛‬

‫‪ ‬ضغط الوقت‪ :‬قد تؤدي ضغوط في الوقت إلى ظهور أخطاء فى صياغة ونقل وإدراك وتفسير‬
‫الرسالة؛‬

‫‪ ‬التشويش‪ :‬التشويش الخارجي قد يعيق عملية االتصال‪ .‬وللعلم فقد يحدث التشويش في أى‬
‫مرحلة من مراحل عملية االتصال‪ ،‬وليس فقط أثناء انتقال الرسالة كما ألمح نموذج شانون‬
‫وويفر؛‬

‫‪ ‬المرسل‪ :‬قد تكون هناك معوقات متعلقة بالمرسل قد تؤثر على الرسالة وحسن صياغتها (مثل‬
‫شخصيته‪ ،‬معلوماته‪ ،‬اللغة)؛‬

‫‪ ‬الرسالة‪ :‬الرسالة قد تكون غير مالئمة بالنسبة للشخصية المستقبلة أو البيئة المحيطة؛‬

‫‪13‬‬
‫‪Passia,. 'Al-Etisal'. N.p., 2015. Web. 2 Nov. 2015.‬‬
‫‪URL: http://www.passia.org/seminars/2008/october/Seminar%2024%20Oct/Luna-‬‬
‫‪Communication%20Skills.pdf‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ ‬وسيلة االتصال‪ :‬قد تكون وسيلة االتصال غير مالئمة مع محتوى الرسالة أو مع المستقبل؛‬

‫‪ ‬المستقبل‪ :‬قد تكون هناك معوقات متعلقة بالمستقبل قد تؤثر على إدراكه وتفسيره للرسالة (مثل‬
‫شخصيته‪ ،‬معلوماته‪ ،‬اللغة)؛‬

‫‪ ‬البيئة المحيطة‪ :‬عدم أخذ البيئة االجتماعية في االعتبار في عملية االتصاألو في محتوى‬
‫الرسالة‪ ،‬فقد تكون غير مالئمة أو تتعارض مع تلك البيئة‪ .‬إلى جانب ذلك‪ ،‬فإن االختالفات‬
‫داخل البيئة‪ ،‬مثل اللغة‪ ،‬والثقافة‪ ،‬واالعتقادات قد يكون لها تأثير على محتوى الرسالة وكيفية‬
‫ارسالها وتفسيرها‪.‬‬

‫د‪ .‬مهارات االتصال‬


‫تعتمد عملية االتصال الفعالة على قدرة المرسل على إرسال المعلومة أو الخبر إلى المستقبل‬
‫دون حدوث أى تشويش أو تأثير على محتوى الرسالة‪ ،‬وأن يدرك ويتفهم المستقبل المعنى المرجو منه‬
‫أو يستجيب له بالطريقة المطلوبة‪ .‬وتوجد عدة مهارات من أجل تحقيق هذا االتصال الفعال‪:‬‬

‫‪ -‬االستماع واالنصات‪ :‬وهو من جوانب االتصال االكثر إهماالً‪ ،‬ويساعد في التعرف على‬
‫األشخاص بوضوح وإدراك مجاالت الخبرة المختلفة‪،‬إلى جانب التعرف على وجهات النظر‬
‫واألفكار المختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬الوعي بالبيئة المحيطة‪ :‬من أجل ضمان فاعلية االتصال‪،‬على المرسل أن يكون له وعى‬
‫ودراية بالبيئة المحيطة به‪ ،‬والثقافة التى يتعامل معها‪،‬إلى جانب عادات وتقاليد الجمهور‪،‬‬
‫وذلك من أجل أن تكون الرسالة مالئمة للبيئة وللثقافة المحيطة‪ ،‬وذلك من أجل حسن إدراكها‬
‫وتفسيرها من الجمهور المراد‪.‬‬
‫‪ -‬اختيار الوسيلة المناسبة‪ :‬أن تكون وسيلة اإلرسال المستخدمة (لفظية‪ ،‬غير لفظية‪ ،‬كتابة‪،‬‬
‫تكنولوجية) مالئمة للمستقبل وللرسالة ذاتها‪ ،‬فمثال‪ ،‬ليس من الحكمة استخدام وسيلة‬
‫تكنولوجية حديثة (النشرات اإللكترونية مثالً) الستهداف مجموعة من الناس ال تستطيع‬
‫الولوج إلى اإلنترنت من األساس‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ -‬اللغة‪ :‬أن تكون اللغة المستخدمة واضحة وبمعاني واضحة وموحدة بالنسبة للمرسل‬
‫والمستقبل‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ه‪ .‬االعتبارات الثقافية لالتصال فى دول شمال أفريقيا‬
‫على الرغم من تشابه عادات وتقاليد الدول العربية‪ ،‬خاصة دول شمال أفريقيا‪ ،‬إال أنه هناك بعض‬
‫االختالفات‪ ،‬وبالتالي يجب مراعاة وسائل االتصال بكل مجتمع‪ .‬وفيما يلي نماذج لهذه االختالفات‬
‫الثقافية‪ ،‬والتي تظهر منذ بداية التعارف‪ .‬وتجدر اإلشارة هنا إلى أنه‪ ،‬وكما ذكرنا سابقًا‪ ،‬فإن اإلنسان‬
‫في عملية تواصل ونقل رسائل مستمرة (سواء إراديًّا أو غير إراديًّا)‪ .‬وتعتبر عملية التعارف األولي‬
‫وتبادل التحيات (باإلضافة إلى المظهر الخارجي) هي أول مساحات تبادل الرسائل‪ ،‬وتترك إنطباعات‬
‫لدى المتلقي وتهيؤه إلى ح ٍّد ما إلى إستقبال الرسائل من الراسل‪ ،‬ولهذا فإن لها أهمية خاصة‪.‬‬

‫الجزائر‪ :‬عند لقاء أحد األشخاص ألول مرة يفضل مصافحة األيدي‪ ،‬حيث ال يحبذ بالجزائر‬
‫التقبيل كوسيلة للترحيب أول مرة‪ ،‬وذلك ينطبق على الرجل والمرأة‪ .‬كما يجب مراعاة وجود مسافة‬
‫فى الوقوف أو خالل الحديث بل وتجنب أي اتصال جسدي على سبيل ازاحة الحواجز فى البداية‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر ذلك غير الئق‪.‬‬

‫ضا‪ ،‬النظر فى عين اآلخر خالل الحديث يعتبر عالمة على االهتمام‪ ،‬واذا تم عكس ذلك يشعر‬
‫أي ً‬
‫الشخص باالهانة‪ ،‬كذلك رفع الصوت فى األماكن العامة يعتبر غير الئق بالجزائر‪ ،‬ويستخدم األشخاص‬
‫لغة غير لفظية فى التعبير عن عدم رضاهم‪ .‬لذلك على فرد البعثة مالحظة لغة الجسد‪ ،‬مثالً عند‬
‫الحديث‪ ،‬لكي يتمكن من إنقاذ الموقف إذا تسبب فيإثارة غضب الطرف االخر‪ .‬ويختلف االتصال مع‬
‫الرجل عن االتصال مع المرأة‪ ،‬ويجب مراعاة الحساسية القصوى عند تواصل رجل غريب مع إمرأة‪،‬‬
‫حيث قد يؤدي ذلك إلىاالستياء من قبل الزوج اذا كانت المرأة متزوجة على سبيل المثال‪.‬‬

‫ليبيا‪ :‬يجب مراعاة وجود مسافة فى الوقوف أو خالل الحديث مع شخص ليبي‪ ،‬ولكن من‬
‫المتعارف عليه وجود اتصال جسدي خالل الحديث مثل مصافحة األيدي أو لمس الكتفين اذا بدأ المواطن‬

‫‪14‬‬
‫‪"Country Insights." Government of Canada, Foreign Affairs and International Trade Canada, Canadian‬‬
‫‪Foreign Service Institute, Centre for Intercultural Learning. See at: http://www.intercultures.ca/cil-‬‬
‫‪cai/countryinsights-apercuspays-eng.asp‬‬

‫‪52‬‬
‫الليبي بذلك‪ ،‬ولكن إذا لم يبدأ بالتواصل الجسدى‪ ،‬فعلى فرد البعثة االكتفاء بمصافحة األيدى فقط‪ .‬كما‬
‫أن النظر بشكل مباشر فى عين اآلخر عالمة على االحترام واالهتمام‪ .‬ولكن يختلف الوضع عند‬
‫التواصل مع المرأة حيث يجب ترك مسافة واضحة وعدم النظر مطوالً فى العين حيث يعتبر ذلك‬
‫عالمة على عدم احترام المرأة‪ ،‬كما يجب االخذ فى االعتبار الطبيعة البدوية للمجتمع الليبي والتى عامة‬
‫كثيرا‪،‬أو الحصول على ذات األعمال التى يعمل بها الرجل‬
‫ال تسمحللمرأة باالنتشار في األماكن العامة ً‬
‫الليبي‪.‬‬

‫ينبغى االنتباه إلى أن علو الصوت خالل الحديث من قبل الليبيين أمر عادي‪ ،‬لذلك عند التواصل‬
‫مع أحد المواطنين‪ ،‬ينبغى اال يشعر فرد البعثة بالقلق اذا تكلم الطرف األخر بصوت عالى يصل إلى‬
‫حد الصياح في بعض األحيان‪.‬‬

‫تونس‪ :‬يعتبر التونسيون ودودون ج ًدا‪ ،‬ولكن يجب الحرص على ترك مسافة عند الحديث مع‬
‫الغرباء‪ ،‬كما أنهم يتجنبون النظر فى العين اذا كان الطرف اآلخر (رجل أو امرأة) أكبر فى السن كدليل‬
‫على االحترام (إذا كان فردالبعثة أكبر سنًا‪ ،‬ال ينبغي عليه أن يشعر بعدم االهتمام إذا تجنبوا النظر إليه‬
‫مباشرة)‪ ،‬ولكن يوجد جانب إيجابى لدى المواطن التونسي‪ ،‬وهو أنه منفتح لتقبل الثقافات واالختالفات‬
‫األخرى‪ ،‬وبالتالي يمكن أن يتصرف فرد البعثة بشكل طبيعي ووفقًا لثقافتة ولن يشعر التونسيون‬
‫باإلهانة‪.‬‬

‫مصر‪ :‬تختلف نماذج االتصال وفقًا للنوع االجتماعي‪ ،‬فالتحدث دون ترك مسافة بين الرجال أمر‬
‫عادي‪ ،‬فى ظل أنه ينبغي ترك مسافة عند التحدث مع المرأة‪ ،‬كما أن النظر فى العين مباشرة أمر غير‬
‫ضا‪ ،‬إذا كانت المرأة ترتدي‬
‫مستحب فى حين أنه أمر عادي بالنسبة للرجل إال إذا كان يعني التهديد‪ .‬أي ً‬
‫الحجاب‪ ،‬ال تبدأ بمصافحة األيدى إال اذا بدأت هي بذلك‪ .‬سيالحظ المتحدث إذا تسبب في غضب الطرف‬
‫‪15‬‬
‫اآلخر حيث يميل المصريون (خاصة في المناطق الريفية) إلظهار غضبهم وعواطفهم بسهولة‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫‪"Country Insights." Government of Canada, Foreign Affairs and International Trade Canada, Canadian‬‬
‫‪Foreign Service Institute, Centre for Intercultural Learning. See at: http://www.intercultures.ca/cil-‬‬
‫‪cai/countryinsights-apercuspays-eng.asp‬‬

‫‪53‬‬
‫و‪ .‬التواصل أثناء الصراع‬
‫نظرا إلى تعقد عملية االتصال‪ ،‬كما ذكرنا سابقًا‪ ،‬وخطورة التداخالت الخارجية فى تلك العملية‬
‫ً‬
‫بما يؤدي إلى إفساد الرسالة وعدم وصولها بالشكل المطلوب‪ ،‬مثل عوامل التشويش من الخارج أو عدم‬
‫عا من التعقيد على العالقة‪،‬‬
‫تالقي مجاالت الخبرة‪ ،‬وألن النزاعات أو الصراعات بطبيعتها تفرض نو ً‬
‫فإن عملية االتصال تكون أكثر تعقي ًدا وأكثر عرضة للفشل أثناء الصراع؛ حيث أن طبيعة الصراع‬
‫تجعل فرص االتصال أقل في عددها وأقل نجا ًحا‪.‬فالعالقات العدائية بين أطراف الصراع تجعل االتصال‬
‫الفعال بينهما أكثر صعوبة‪ ،‬ومن ثم يواجه االتصال عدة معوقات أثناء الصراع‪:‬‬

‫‪ -‬التفسير الخاطئ‪ :‬في أوقات الصراع‪ ،‬يكون أحد المالمح الرئيسية لالتصال ميل األطراف إلى‬
‫سوء الفهم أو سوء تفسير األقوال واألفعال الخاصة بالطرف اآلخر‪ .‬وأحد التفسيرات الممكنة‬
‫لذلك هو أن األطراف تعرف وتستخدم نفس المفردات بشكل مختلف في الصراعات‪ .‬ويشير‬
‫تفسير آخر إلى الحقيقة القائلة بأن األفراد والمجموعات يتعاملون بشكل مختلف وال يفكرون‬
‫في ذلك أثناء الصراع‪.‬‬

‫‪ -‬العالقات العدائية‪ :‬تتكون أنساق االتصال في الصراعات األخالقية في األصل من الهجمات‬


‫والتنديدات واإلهانات الشخصية‪ .‬وتستبدل رسائل اإلقناع والجدال الذكي باإلدانات األخالقية‬
‫والجداالت غير العقالنية‪ ،‬ناهيك عن اإلهانات والشعارات‪ .‬من الممكن أن تكون ردود فعل‬
‫األطراف عدائية مما يؤدي إلى اتجاهات وانفعاالت أكثر سلبية‪.‬‬

‫‪ ‬القولبة السلبية‪ :‬يقبل األطراف التعميم الطاغي حول اآلخر ويبدأون في تصنيف وشجب‬
‫الشخصيات ومالمح الخصم بغضب (ميشنيك‪.)2006 ،‬‬

‫‪ ‬الحواجز الثقافية واالختالفات فى اللغة‪ :‬االختالفات فى العادات والتقاليد واللغة بين أطراف‬
‫ضا إلى عدم تفضيل التواصل مع بعضهم‬
‫النزاع قد تعرقل جهود التواصل بينهم‪ ،‬بل قد تؤدي أي ً‬
‫بعض بسبب تلك االختالفات الثقافية‪ ،‬إلى جانب أن االختالفات اللغوية قد تؤديإلى سوء فهم‬
‫محتوى الرسالة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫نظرا للعالقات العدوانية بين أطراف الصراع‪ ،‬يمكن إساءة فهم‬
‫ً‬ ‫‪ ‬إساءة فهم دوافع األطراف‪:‬‬
‫نظرا‬
‫ً‬ ‫دوافع االطراف المختلفة‪ ،‬ومن ثم قد يعيق هذا محاوالت االتصال بين تلك االطراف‬
‫لفقدان الثقة بينهم‪.‬‬

‫‪ ‬االنطباعية العدائية‪ :‬تميل أطراف النزاع عادة إلى التعميم فيما يتعلق بخصومهم‪ ،‬وبناء صورة‬
‫عدائية مبالغة من تلك االطراف‪ ،‬ومن ثم يعرقل ذلك جهود االتصال بل قد يؤدي إلى انقطاعها‪.‬‬

‫‪ ‬فقدان قنوات االتصال‪/‬تجنب االتصال‪ :‬عادة فى فترة النزاع تفتقر األطراف المتنازعة إلى‬
‫قنوات اتصال معتمدة من أجل التواصل مع بعضهم بعض‪ ،‬عالوة على ذلك‪،‬فإن بعض‬
‫نظرا للعداء بينهم‬
‫االطراف قد ال يفضلون التواصل مع االطراف االخرى ً‬

‫‪ ‬افتقار مهارات االستماع‪ :‬فى االحوال العادية يتطلب التواصل الناجح االستماع الجيد والفعال‬
‫نادرا ما يستمع أطراف‬
‫ونظرا لحالة الغضب ف ً‬
‫ً‬ ‫لكي يتم تفسير الرسالة على النحو المنشود‪،‬‬
‫النزاع لبعضهم البعض بإنصات جيد‪.‬‬

‫‪ ‬تصريحات مستفزة‪ :‬يمكن ألطراف النزاع إشعال الوضع أكثر من خالل التصريحات المستفزة‪،‬‬
‫والتعامل بطريقة عدائية‪ ،‬مما قد يؤديإلى عرقلة عملية االتصال أو انقطاع االتصال بين تلك‬
‫األطراف‪.‬‬

‫‪55‬‬
56
‫الفصل الثاني‬

‫الحوار‬

‫تأتي كلمة حوار من الكلمة اليونانية "ديالوجوس" والتي تتكون من شقين‪ "Dia" :‬وتعني عبر‬
‫أو من خالل‪ ،‬و"‪ "Logos‬والتي تعني الكلمة أو المنطق‪ .‬وفي لغتنا الدارجة‪ ،‬فإننا نستخدم مصطلح‬
‫"حوار" لوصف العديد من الممارسات التي تتضمن تبادل الكلمات‪ .‬ولكن الحوار أكثر من مجرد‬
‫التحدث‪ ،‬فهو مفهوم ذو دالالت أعمق وأكثر تعقي ًدا‪ ،‬ولذا فإننا نعرض هنا أحد تعريفات الحوار بحسب‬
‫ميت ليندجرن هيلد في كتابها "دليل الحوار‪" :‬إن الحوار هو شكل خاص من االتصال يسعى من خالله‬
‫‪16‬‬
‫المشاركون بشكل فعال لخلق مزيد من التفاهم المتبادل ومن التبصر األعمق"‪.‬‬

‫سوف نناقش في هذا الفصل مهارات تيسير الحوار‪ ،‬وخصائص الميسر الجيد‪.‬‬

‫‪ .1‬مهارات تيسير الحوار‬


‫ومن أجل تيسير الحوار‪ ،‬يتعين على ميسري الحوار تبني مبادئ ومعتقدات بعينها‪ .‬وسنذكر تلك‬
‫المبادئ فيما بعد‪ ،‬وهي تتضمن التمكين واالعتراف‪ .‬وباإلضافة إلى هذه المبادئ‪ ،‬ينبغي اكتساب عدد‬
‫من المهارات‪ .‬وفق روث ماشنيك (‪ ،)2006‬ونعوم إبنر (‪ )2008‬هذه المهارات هي‪ :‬اإلنصات النشط‬
‫أو الفعال‪ ،‬وإعادة الصياغة‪ ،‬والتلخيص‪ ،‬والتفهم‪ ،‬وعبارات األنا‪ ،‬وصياغة األسئلة‪ ،‬وإعادة تأطير‬
‫الصراع‪ ،‬والتمكين والتمييز‪.‬‬

‫وسوف نتحدث فيما يلي عن كل مهارة بإيجاز‪.‬‬

‫‪16‬ميت ليندجرن هيلد‪" .‬دليل الحوار"‪ .‬مجلس الشباب الدانماركي‪ -‬المركز الدانماركي لحل النزاعات ‪2012‬‬
‫‪57‬‬
‫(أ) االنصات النشط أو الفعّال‪:‬‬
‫من أجل تحسين الفهم والثقة المتبادلين‪ ،‬يتعين ممارسة أسلوب االنصات واالستجابة‬
‫التعاطفية‪ ،‬سواء من قبل المتنازعين أو األطراف الثالثة (الوسطاء وميسري الحوار‪... ،‬‬
‫إلخ)‪ .‬ويوفر اإلنصات النشط والتعاطفي فرصة للتفسير الدقيق لناقل الرسالة‪ ،‬مما يوفر بعد‬
‫ذلك استجابة مالئمة‪ .‬ويهدف اإلنصات النشط إلى بناء الثقة‪ ،‬واإلفصاح عن المشاعر‪،‬‬
‫وتقليص التوترات‪ ،‬وتشجيع إبراز المعلومات‪ ،‬وإيجاد بيئة آمنة للحل التعاوني للمشكالت‪.‬‬

‫إن الهدف من حسن اإلنصات هو طمأنة األخر الى أن ما يعبر عنه يتم اإلستماع إليه‬
‫وإدراكه ولذلك يجب مراعاة السلوكيات التالية عند اإلنصات لألخر‪:‬‬

‫‪ -1‬التعبيرات الجسمانية ‪:Body language‬‬


‫كل ثقافة لديها تعبيرات جسمانية بعضها واضح وبعضها أقل وضو ًحا تهدف إلى‬
‫توصيل رسائل لألخرين‪ .‬ما هى بعض هذه التعبيرات‪ ،‬وكيف تؤثر على التفاوض؟‬
‫‪ -2‬التركيز ‪:Attentiveness‬‬
‫كيف يمكن أن تعبر عن تركيزك مع اآلخر؟ وهل هناك سلوكيات تناقض التركيز؟ ما‬
‫هى وما تأثيرها ؟‬
‫‪ -3‬التواصل بالنظرات ‪:Eye contact‬‬
‫كيف نستخدم النظرات ولغة العيون لنعبر عن تفهمنا لالخر؟‬
‫‪ -4‬صدق التعبير ‪:Sincerity‬‬

‫إن أهم عنصر لنجاح حسن اإلنصات هو أن يكون التعبير صادقًا وليس نابعًا من‬
‫"تمثيل" أو رياء ‪.‬‬

‫(ب) إعادة الصياغة‪:‬‬


‫وهي أداة مهمة في تيسير الحوار‪ ،‬فهي تساعد المتواصلين على الفهم األفضل لبعضهم‬
‫البعض‪ ،‬والحصول على استجابات أكثر عمقًا‪ ،‬والمضي بالحوار إلى مستويات أعمق‪،‬‬
‫وإيجاد فاصل بين التصريحات من أجل حسن تنسيق الحوار‪ ،‬وتنقية التصريحات من‬
‫‪58‬‬
‫العبارات الخبيثة أو المهينة مع عدم المساس بالنقاط األساسية‪ .‬وخصائص الصياغة الجيدة‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ .1‬إبقاء التركيز على المتحدث وليس على القائم بالصياغة‪.‬‬
‫‪ .2‬ينبغي أن تكون إعادة الصياغة أقصر من تصريح المتحدث ذاته‪.‬‬
‫‪ .3‬أن تعكس معنى كلمات المتحدث دون تكرارها بالضبط‪.‬‬
‫‪ .4‬ال تقيم والتصدر األحكام بل تصف فحسب‪.‬‬

‫وعادة ما يعبر أطراف النزاع عن مطالبهم بشكل ال يساعد على استمرار عملية‬
‫التفاوض بشكل سلمي وناجح‪ .‬إن استخدام عبارات عدائية أو انتقادية يحدث بإستمرار‪،‬‬
‫والهدف من إعادة الصياغة هو إبراز الحاجات والمصالح التى يمكن على أساسها أن تستمر‬
‫عملية التفاوض بشكل إيجابي‪ .‬وهناك عدة نماذج إلعادة الصياغة‪:‬‬

‫‪ -1‬أن تحاول ان تتفهم احتياجات ومصالح الطرف األخر بأن تصبغ سؤالك بأسلوب‬
‫اإلستكشاف وليس النقد او اإلفتراض المسبق ‪.‬‬

‫‪ -2‬أن تستمع الى عبارة تحمل معنى التهجم او اإلنتقاد وتعيد صياغتها للطرف‬
‫األخر بأن تبرز ما تنطوى عليه من حاجة او مصلحة يسعى اليها هذا الطرف‪.‬‬

‫التلخيص‪:‬‬ ‫(ج)‬

‫وهو مشابه إلعادة الصياغة ولكنه يقلص محتوى التعليقات المتعددة التي قد تصدر على‬
‫مدار عدة دقائق‪ .‬ويهدف التلخيص إلى استعراض كل النقاط الرئيسية التي تمت إثارتها‪،‬‬
‫ً‬
‫مركزا‬ ‫ضا لالحتفاظ بالنقاش‬
‫وبذلك يتم توصيل ما تم فهمه أثناء الحوار‪ .‬ويمكن استخدامه أي ً‬
‫أينما دعت الحاجة لذلك‪.‬‬

‫التفهم‬ ‫(د)‬

‫التفهم هو استخدام تعبيرات تؤكد للطرف اآلخر انك قد أدركت وفهمت كيف يفكر‬
‫وكيف يشعر بشأن ما يريد أن يحدثك عنه‪ .‬وهذا يتطلب اآلتى عند اإلستماع إلى اآلخر‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ -1‬إعادة وتلخيص ما يقوله االخر حتى يتاكد من تفهمه؛‬

‫ضا مشاعره؛‬
‫‪ -2‬إبداء تفهم أفكار اآلخر وأي ً‬

‫‪ -3‬أثناء اإلعادة والتلخيص استخدم مصطلحات كان الطرف اآلخر قد أكد عليها أو‬
‫كررها؛‬

‫‪ -4‬اجعل إعادتك وتلخيصك ذوى طبيعة موضوعية وحيادية بدون إبداء رأى أو انتقاد‬
‫أو تأييد؛‬

‫‪ -5‬أثناء اإلعادة والتلخيص استخدم عبارات تؤكد أن ما يرويه اآلخر يعبر عنه وليس‬
‫عنك؛‬

‫‪ -6‬أثناء اإلعادة والتلخيص تجنب تحويل ما يرويه اآلخر إلى حقائق‪ .‬استمر فى‬
‫استخدام ألفاظ تؤكد أن ما يرويه يعبر عنه وليس حقيقة؛‬

‫‪ -7‬فى نهاية اإلعادة والتلخيص وجه سؤال للطرف اآلخر عما إذا كنت قد لخصت ما‬
‫رواه بطريقة صحيحة ودقيقة‪.‬‬

‫عبارات الـ"أنا"‬ ‫(ه)‬

‫إن استخدام عبارات الـ"أنا" مقصود منه أن تساعد الطرف اآلخر علي أن يدرك كيف‬
‫تؤثر أمور معينه فى النزاع عليك‪ .‬فبدالً من إلقاء اللوم على سلوك الطرف األخر‪ ،‬تحاول‬
‫أنت أن تركز على احتياجاتك ومصالحك ومشاعرك‪ .‬هذا يساعد الطرف اآلخر على أن‬
‫يدرك كيف تؤثر سلوكياته عليك‪.‬‬

‫عندما يواجهك شخص بسلوك تراه ضار بحاجاتك أو مشاعرك أو مصالحك‪،‬‬ ‫•‬
‫امتنع عن بدء ردك بكلمة "أنت " أو توجيه اللوم‪.‬‬
‫فكر كيف تبدأ ردك بكلمة "أنا" واتبعها بكيف تشعر‪ ،‬أو كيف لحق األذى‬ ‫•‬
‫باحتياجاتك ومصالحك‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫صياغة األسئلة‬ ‫(و)‬

‫طبقًا لظروف الحوار‪ ،‬نستخدم أسئلة تساعدنا على الوصول إلى مقترحات لحل النزاع‪.‬‬
‫هناك ثالثة أنواع لألسئلة‪:‬‬

‫‪ -1‬أسئلة استكشافية‪ :‬ويقصد منها إعطاء الطرف اآلخر مساحة للتعبير عن نفسه وشرح‬
‫وجهة نظره – مثل "كيف" و "لماذا"‪.‬‬

‫‪ -2‬أسئلة تحويلية‪ :‬ويقصد منها توجيه الطرف اآلخر ليحدد موقفًا معينًا – مثل "كم"‬
‫و"متى"‪.‬‬

‫‪ -3‬أسئلة حسمية‪ :‬ويقصد منها الحصول على موقف نهائي من الطرف اآلخر – مثل‬
‫"موافق"؟"نعم"أم "ال"؟‬

‫الحظ أن استخدام كل نوع من األسئلة مرهون بسير الحوار (والمفاوضات كما سنرى‬
‫الحقًا)‪ .‬ويجب التنبيه إلى أن استخدام أسئلة حسمية يجب أن يتم بحرص وفي الوقت‬
‫المناسب‪.‬‬

‫إعادة تأطير الصراع‪:‬‬ ‫(ز)‬


‫دورا رئيسيًّا في التواصل بين اأطراف‪.‬‬
‫يمكن أن يلعب أسلوب إعادة تأطير الصراع ً‬
‫إذا نظرت األطراف إلى الخصوم كأشرار مصممين على تدميرهم‪ ،‬سوف ينظر إلى الصراع‬
‫كمعركة حياة أو موت‪ .‬وهذا يختلف بالطبع عن النظر إليه كنزاع حول األرض أو استعادة‬
‫الكرامة المفقودة وغيرها‪ .‬ولذلك‪ ،‬يطمح الميسرون في العموم إلى إعادة تأطير الصراع‬
‫بأساليب تساعد في الوصول إلى حل‪ .‬من المهم أن نالحظ أن دور الميسرين ليس تلقين‬
‫األطراف ما هي القضية الحقيقية‪ ،‬بل التعامل مع القضايا التي حددها األطراف‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت طرح التساؤالت التي توجه انتباههم لنقاشات أخرى لم تال َحظ من قبل‪ .‬ويساعد ذلك‬
‫في نهاية األمر على إيجاد إمكانات جديدة للحلول المشتركة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التمكين والتمييز‪:‬‬ ‫(ح)‬

‫من األساسي أن نبرز ما يطمح إليه الحوار البناء من خالل التمكين والتمييز‪ .‬فنحن‬
‫ندعم األفراد المشتركين في الصراع لتحقيق ما يمكن الحصول عليه من حقوق اإلنسان من‬
‫خالل مد يد العون لتمكين األطراف‪ ،‬والذي يأتي من خالل تقوية إحساسهم بالذات والثقة‬
‫ضا من خالل تشجيع األطراف على تمييز وإدراك األطراف األخرى واحتياجاتهم‬
‫بالنفس‪ .‬أي ً‬
‫ومنظورهم في هذا النزاع‪ ،‬ونهدف إلى تعزيز العالقات المتميزة بالنزاهة واالحترام المتبادل‬
‫والمحاسبية (ميشنيك‪.)2006 ،‬‬

‫‪ .2‬خصائص الميسر الجيد‪:‬‬


‫الجيد؟‪17‬‬ ‫من هو الميسر‬

‫الميسر الجيد أوالً وقبل كل شيء هو من يتعامل بشخصيته ويكون له حضور أخاذ بنسبة ‪.%100‬‬
‫كما أن الميسر الجيد يكون حواري في شكله وفضولي ومستكشف ومنفتح ويسعى إلى التواصل ومستمع‬
‫جيد للمشاركين‪ .‬ويستخدم الميسر الجيد األدوات الحوارية مثل طرح األسئلة االستكشافية واالستماع‬
‫والترديد (االنعكاس) باإلضافة إلى صفات أخرى يتم بيانها فيما بعد‪.‬‬

‫يعد االلتزام بالمبادئ األربعة للحوار –الثقة واالنفتاح واألمانة والمساواة‪ -‬من المهارات األساسية‬
‫لميسر الحوار هذا إلى جانب المرونة والقدرة على التأمل والتأمل الذاتي‪ ،‬فهذه المبادئ تكون األساس‬
‫الذي يقف عليه الميسر؛ فهي تشكل اإلطار الذهني الذي يلتقي به الميسر مع المشاركين‪ ،‬وكذلك األدوات‬
‫العملية التي يستخدمها في التواصل مع المشاركين‪.‬‬

‫إن التزام الميسر بالمبادئ التي يسعى لوضع األساس لها يزيد من مصداقيته‪ ،‬ويدعم تأثير دوره‬
‫كميسر‪ .‬وتماشيه مع هذه المبادئ والتزامه بالثقة واالنفتاح واألمانة والمساواة سوف ينطبع أثره على‬
‫المشاركين وبالتالي يتشجعون للتواصل بذات الطريقة‪ .‬كما أن هذه الطريقة تشير إلى مهارات حوارية‬
‫هامة‪ :‬فمشاهدة الميسر أثناء العمل تجعل الحوار يتكشف يطريقة عملية للمشاركين‪.‬‬

‫‪ 17‬ميت ليند جرنهيلد‪" .‬دليل الحوار"‪ .‬مجلس الشباب الدانماركي‪ -‬المركز الدانماركي لحل النزاعات‪.)2012( ،‬‬
‫‪62‬‬
‫‪18‬‬
‫مهارات الميسر األساسية‬
‫الثقة‬

‫جوا من الثقة بين المشاركين عن طريق قدرته على إدارة‬


‫يجب أن يشيع الميسر ذو المصداقية ًّ‬
‫العملية بشكل آمن حتى إذا كان سيتم معارضة أراء المشاركين فيما بعد‪ .‬فيعبر الميسر عن الثقة في‬
‫المشاركين عن طريق التواصل بأمانة وانفتاح على سبيل المثال حول ماذا سيحدث ولماذا ومن خالل‬
‫مساهمة المشاركين في إرساء إطار عمل ورشة العمل‪ .‬وبهذه الطريقة يقول الميسر‪ :‬انا على ثقة من‬
‫أنه يمكنكم المساعدة في تحمل مسئولية ما سيحدث هنا اليوم‪ .‬تعد العالقات المفعمة بالثقة‪ ،‬إذا كان هناك‬
‫العديد من الميسرين‪ ،‬فيما بينهم نقطة انطالق جيدة للعمل معًا في مسرح العملية الحوارية مع المشاركين‪.‬‬
‫تظهر الثقة عن طريق وجود حسن النية في االتفاقات المسبقة الخاصة بتوزيع األدوار وكذلك من خالل‬
‫إظهار ومناقشة الخالفات الداخلية أثناء اإلعدادات وعلى طول الطريق‪.‬‬

‫االنفتاح‬

‫يتبنى الميَسر أسلوب االنفتاح من خالل كونه منفت ًحا على سبيل المثال بواسطة تقديم أمثلته‬
‫الخاصة‪ ،‬أو بواسطة عرض خبراته الخاصة بتحديات الحوار على المشاركين‪ ،‬فيمكن أن يحكي قصة‬
‫شخصية من حياته الخاصة ومن ثم يصبح بالنسبة للمشاركين إنسانًا كغيره من الشخصيات األخرى‪.‬‬
‫ضا على المشاركين عند مشاركة خبراتهم الشخصية بانفتاح فيما بينهم ‪.‬يمكننا االنفتاح‬
‫وينطبق هذا أي ً‬
‫من اكتشاف الشخصية التي تقف خلف وجهة النظر‪ .‬يجب أن يكون الميَسر منفت ًحا فيما يتعلق بكل ما‬
‫يتحدث به المشاركون حتى إذا كانت آراؤهم وفلسفتهم الحياتية تختلف عن آرائه وفلسفته‪ ،‬فيجب أن‬
‫عا نش ً‬
‫طا ويعترف بوجهات نظرهم‪.‬‬ ‫يستمع الم َيسر للمشاركين استما ً‬

‫األمانة‬

‫‪ 18‬ميت ليند جرنهيلد‪" .‬دليل الحوار"‪ .‬مجلس الشباب الدانماركي‪ -‬المركز الدانماركي لحل النزاعات‪.)2012( ،‬‬
‫‪63‬‬
‫تظهر األمانة عندما تغرق نفسك في المحادثة بأسلوب صريح عن طريق استخدام قصة‬
‫شخصية أو مثالك الخاص‪ ،‬وكذلك يعد من األمانة أن تكون على أهبة االستعداد لما هو جيد أو ما هو‬
‫سيئ‪ ،‬على سبيل المثال إذا أدرك الميَس أنه ليس لديه إجابة حاضرة‪ ،‬يجب أن يقوم بالتأمل بطريقة‬
‫منفتحة في بحث أمين مع المشاركين فيجب على الميَسر االعتراف باحتمال وجود خطأ ما لديه‬
‫ويستغل هذا في العملية‪.‬‬

‫المساواة‬

‫كل شخص لديه ما يقوله في أثناء الحوار‪ ،‬بغض النظر عن الحالة أو النوع أو العرق أو‬
‫السن‪ ،‬أو أنه ينتمي إلى مجموعة ذات سلطة ‪.‬تشترك األطراف في الحوار على قدم المساواة ‪K‬كما‬
‫أن االحترام هو قيمة هامة في هذا المجال ‪.‬وعلى ذلك فإن دورك كميَسر هو النضال من أجل توفير‬
‫المساواة كجزء من حيوية المجموعة عن طريق المشاركة بآرائك وخبراتك أو عن طريق المشاركة‬
‫بنفسك في التدريب حتى تصبح أنت شخصيًّا على قدم المساواة معهم‪.‬‬

‫يجب أن تدرك أنها مهمة صعبة أن تشترك في العملية وتكون في نفس الوقت مسئوالً عن‬
‫فكثيرا ما يكون األمر أكثر مالئمة إذا احتفظت بمكانك كقائد للعملية‪ ،‬فبدالً من المشاركة‬
‫ً‬ ‫إدارتها‪،‬‬
‫يمكن المحافظة على مبادئ المساواة عن طريق سلوكك وعن طريق شكل تواصلي يتسم باالحترام‬
‫والتقدير‪ ،‬مؤكدًا على اختالفنا عن بعضنا اآلخر ويجب أن نبقى كذلك‪ .‬يمكنك أن تلقي ضو ًءا إيجابيًا‬
‫على االختالفات الموجودة بين المشاركين وأن تتحدث عنها باعتبارها ميزة وتوضح الفرص التي‬
‫توفرها هذه االختالفات‪.‬‬

‫إذا كان هناك العديد من الميَسرين‪ ،‬فإن القدوة التي يمكن أن يقدموها للمشاركين من خالل‬
‫تعاونهم توضح أن التعاون والصداقة رغم وجود االختالفات ليست مثاليات بعيدة‪ .‬يمكنك إظهار كيف‬
‫أن العمل معًا ممكن بل ومثمر بطريقة كبيرة بالرغم من وجهات النظر المتعارضة‪ ،‬وكذلك الخلفيات‬
‫الثقافية والسياسية والدينية المختلفة‪.‬‬

‫المرونة‬

‫‪64‬‬
‫يمكن أن يكون لديك كميَسر سيناريو معد جيدًا‪ ،‬ولكنك يجب أن تكون على استعداد دائ ًما أن‬
‫تحيد عنه‪ ،‬ألنه بمجرد أن تبدأ ورشة العمل يمكن أن يحدث أي شيء فيما يختص بردود أفعال‬
‫المشاركين من اإلحباط إلى الفضول إلى وجهات النظر المتطرفة إلى مقاومة الحماس أو فقدان‬
‫الحماسة‪.‬‬

‫وهنا تحتاج إلى وقفة حاسمة تخبر فيها نفسك أوالً ‪ :‬أنه كذلك ثم ثانيًا‪ :‬تأخذ دور مستكشف‬
‫فضولي أو محقق‪ .‬ضع الخوذة أو قبعة شارلوك هولمز وتفحص ماذا يحدث في الحجرة وبين‬
‫المشاركين ‪.‬اسألهم! ماذا يحدث بينهم خلف ما تراه أنت؟ ماذا يوجد خلف ما يقولونه ويفعلونه‪ ،‬ماذا‬
‫تقول لغة الجسد والعبارات؟ فأنت تكون تفسيراتك على أساس أفكارك المحددة مسبقًا ولكنها قد تعني‬
‫ئ مختلفًا بالكلية‪.‬‬
‫شي ً‬

‫كما أن المرونة تعني‪ ،‬رغم استعدادك للقيام بشئ آخر‪ ،‬أنك تستمر في التركيز على وجهتك‬
‫وتوقن أنه يوجد العديد من الطرق للوصول إلى هناك وأن الرحلة هي في أهمية الوجهة‪.‬‬

‫‪65‬‬
66
‫الباب الثالث‬
‫التفاوض‬

‫‪67‬‬
68
‫الفصل األول‬

‫مقدمة للتفاوض‬

‫سوف نقوم في هذا الفصل باستعراض النقاط التالية بالترتيب‪:‬‬

‫أ‪ .‬تعريفات التفاوض‬


‫ب‪ .‬خصائص العملية التفاوضية‬
‫ج‪ .‬عوامل دعم وإعاقة التفاوض‬
‫د‪ .‬القوة والتفاوض‬
‫ه‪ .‬إمكانيات نجاح التفاوض بناء على توازن أو تفاوت القوة‬
‫و‪ .‬مؤشرات التفاوض الناجح‬

‫مع نبذة عن أنواع التفاوض والذي سوف نخوض فيه باستفاضة فيما يلي من فصول‪.‬‬

‫(أ) تعريفات التفاوض‪:‬‬


‫يتصل التفاوض اتصاالً وثيقا بالحياة‪ ،‬فمادامت هناك حياة فالبد أن يكون هناك تفاوض وذلك من‬
‫أجل عدم تضارب االحتياجات والمصالح‪ .‬ولكي يتعايش الناس في سالم البد أن يتفقوا على مبادئ‬
‫وقواعد تحقق لهم األمن والطمأنينة‪ ،‬وتضع ح ًدا ألطماعهم‪.‬‬

‫وبتعدد البشر تتعدد أنواع العالقات بينهم‪ ،‬وبتعدد العالقات تتعدد الصراعات‪ .‬ويحدثنا التاريخ‬
‫البشرى على األنواع المتعددة للصراع‪ ،‬بد ًءا من مستوى الدول‪ ،‬نهايةً إلى أضيق وأصغر صراع وهو‬
‫الصراع على مستوى فردين‪.‬‬

‫فهناك عالقات على مستوى الدول حيث تتضارب المصالح وتتشابك العالقات في شتى الميادين‬
‫كالميادين االقتصادية والسياسية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬وتضيق وتتحدد أنواع العالقات لتصل إلى أفراد‬
‫األسرة الواحدة وما يوجد بينها من مصالح مشتركة واحتياجات واحدة‪ ،‬كل نوع من هذه العالقات‬

‫‪69‬‬
‫يقتضى أشكاال وأساليبًا معينة من التفاوض‪ ،‬ولذلك تنوعت وتعددت أشكاله‪ ،‬فهناك على سبيل المثال‬
‫وليس الحصر‪:‬‬

‫اتفاق يحقق مصالح الطرفين‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫وفيه يمارس الطرفان أسلوب المصلحة المشتركة‪ ،‬حيث يعمل الطرفان جاهدين من‬
‫أجل الوصول إلى صيغة اتفاق ‪ ،‬تتحقق من خالله مصالحهما‪ .‬وهو ما سنشير إليه‬
‫الحقًا تحت عنوان "التفاوض التكاملي"‪.‬‬

‫التفاوض من أجل الكسب على حساب الطرف اآلخر‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫هو موقف تفاوضي غالبًا ما يحدث في حالة اختالل توازن القوى بين الطرفين وفشل‬
‫أحدهما في اختيار الوقت المناسب للتفاوض‪ ،‬أو لتعرضه لضغوط من الطرف اآلخر‪.‬‬
‫ويحاول كل طرف أثناء التفاوض إنهاك الطرف اآلخر‪ ،‬واستنـزاف وقته وجهده‬
‫ومحاولة إحكام السيطرة عليه‪ .‬وهو ما سنشير إليه الحقًا تحت عنوان "التفاوض‬
‫التقسيمي"‪.‬‬

‫تفاوض الوسيط ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫ضا في الحياة‬
‫ينتشر هذا النوع من التفاوض في ميادين االقتصاد والسياسة ‪ ،‬وأي ً‬
‫االجتماعية‪ ،‬إذ تلجأ األطراف المتنازعة إلى طرف ثالث ليساعدهم في عملية التفاوض‬
‫والسعي للوصول إلى اتفاق‪ .‬وهو ما يعرف بإسم "الوساطة"‪ ،‬وسيتم دراسته في الباب‬
‫الرابع‪.‬‬

‫وهناك عدة تعريفات للتفاوض‪ ،‬ونسرد هنا بعضها من كتاب مارك أنستي "التفاوض على‬
‫النـزاعات‪ :‬منظورات ومهارات للمفاوضين وصانعي السالم" (‪:)1994‬‬

‫‪" ‬التفاوض هو أسلوب التخاذ القرار عن طريق حوار طرفين أو أكثر بغرض حل تعارض‬
‫مصالحهم‪.(Pruitt 1981, P xi-xii) ".‬‬

‫‪70‬‬
‫‪" ‬التفاوض هو األسلوب الذي يتخذه طرفان أو أكثر يواجهون مشكلة أو نـزاع بشأن‬
‫محدودية الموارد بغرض االتفاق على أفضل الوسائل لحل المشكلة أو النـزاع"‪.‬‬
‫)‪(Falkenberg 1982, P 7‬‬

‫‪" ‬التفاوض هو أي أسلوب اتصال تحادثي سواء مباشر أو غير مباشر يلجأ له أطراف‬
‫نـزاع على مصالح ليناقشوا أي جهد مشترك يمكن أن يبذلوه إلدارة نـزاعهم دون اللجوء‬
‫إلى التحكيم أو وسائل قضائية أخرى‪(Morley and Stephenson, 1977, P .‬‬
‫)‪26‬‬

‫‪" ‬التفاوض هو أسلوب أساسي للحصول على ما تريده من آخرين عبر االتصال المباشر‬
‫الهادف إلى الوصول إلى اتفاق عندما تكون بعض المصالح متفقة وبعضها متعارض‪".‬‬
‫)‪(Fisher and Ury, 1981, P xi‬‬

‫"التفاوض هو أسلوب لحل النـزاع بين طرفين أو أكثر حيث يعدلون مطالبهم ليحققوا‬ ‫‪‬‬
‫توافقًا مقبوالً‪ .‬إنه وسيلة لتعديل توجهات األطراف من تحقيق نتائج مثالية إلى نتائج‬
‫ممكنة‪(Kennedy et al 1987, P14) ".‬‬

‫إن التفاوض هو الجهد الذي يقوم به أطراف النـزاع إلدارة أو حل النـزاع‪ .‬وعادة نتحدث عن‬
‫المفاوضات التي تأخذ الشكل المباشر ‪-‬أي أن األطراف يتفاوضون مباشرة دون تدخل أطراف ثالثة‪.-‬‬
‫إال أن هناك مصطل ًحا دار ًجا وهو المفاوضات غير المباشرة‪ ،‬وتعني أن يتولى طرف ثالث نقل اقتراحات‬
‫كل طرف لآلخر‪ .‬ويتم ذلك عادة عندما تكون العالقات بين الطرفين في غاية التأزم والنـزاع‪ ،‬وفي‬
‫حالة تصعيد يصعب معها إحضار األطراف وج ًها لوجه‪ .‬ويجب أن نميز هنا بين دور الطرف الثالث‬
‫في المفاوضات غير المباشرة‪ ،‬والذي يقتصر على نقل الرسائل‪ ،‬وبين دور الوسيط الذي سنشرحه في‬
‫الفصل التالي‪ ،‬والذي يتبع خطوات محددة يقصد منها مساعدة األطراف على مناقشة أوجه النـزاع‬
‫والتوصل إلى اتفاقات تؤدي إلى إدارة أو حل النـزاع‪.‬‬

‫والتفاوض هو ممارسة نقوم جميعًا بها عندما نتعرض لموقف تتنازع فيه مصالحنا ومصالح‬
‫اآلخرين‪ .‬وينطبق ذلك على المستوى الشخصي‪ ،‬والعائلي‪ ،‬والمجتمعي‪ ،‬والدولي‪ ،‬وفي مجاالت العمل‬
‫والمجاالت الدولية‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫وهناك بعض المعطيات التي يجب أن نوضحها بشأن التفاوض‪:‬‬

‫ليس كل نزاع أو وجه للنزاع قابالً للتفاوض‪ .‬بينما معظم النـزاعات يمكن معالجتها‬ ‫‪.1‬‬
‫بالتفاوض إال أن بعض النـزاعات مثل تلك التي تشكل مخالفة النظام العام‪ ،‬مثل الجرائم‬
‫التي تقع تحت طائلة القانون الجنائي‪ ،‬فهي عادة ً غير قابلة للتفاوض‪ .‬وأقول عادة ً ألنه في‬
‫بعض النـزاعات مثل تلك التي تشكل مخالفة للنظام العام مثل الجرائم التي تقع تحت طائلة‬
‫القانون الجنائي في بعض األحيان تسمح الممارسة القانونية بالتغاضي عن الدعوى الجنائية‬
‫لو أن المتهم استوفى شرو ً‬
‫طا معينة‪ ،‬مثل المصالحة مع المجني عليه‪ .‬وهناك نزاعات أو‬
‫أوجه للنزاع قد ال تقبل التفاوض بسبب معتقدات دينية أو عرفية‪.‬بصفة عامة فإن منطق‬
‫الحالل والحرام يقيد مساحة التفاوض‪ ،‬كما أن مخالفة بعض المعتقدات الهامة في أي‬
‫مجتمع ‪-‬حتى العلماني منها‪ -‬تؤدي إلى اتخاذ مواقف مشابهة للحالل والحرام في‬
‫المجتمعات الدينية‪ .‬على سبيل المثال فإن استخدام عبارات عنصرية معينة في الواليات‬
‫المتحدة هي أمر ال يغتفر من الشخصيات العامة وكان آخر مثل لذلك هو فصل مذيع شهير‬
‫جدًّا الستخدامه عبارات عنصرية بشكل الدعابة ضد عضوات فريق كرة السلة لجماعة‬
‫‪ Rutgers‬وقد كانت معظمهن من السود إذ قال أنهن يشبهن "العاهرات ذوي الشعر‬
‫األكرت" الذي يميز األفريقيات‪ .‬ورغم محاوالت يائسة لالعتذار وإصالح األمر لم يكن‬
‫هناك مفر من فصله ألنه ارتكب "حرام" في الواقع األمريكي (ربيع ‪.)2007‬‬

‫التفاوض يتطلب نضج النـزاع ووصوله إلى مرحلة معينة‪ .‬خاصة في النـزاعات التي‬ ‫‪.2‬‬
‫تصل إلى درجة شديدة من التوتر أو النـزاعات التي تتسم بعدم توازن القوة بين األطراف‪،‬‬
‫فإن التفاوض قد ال يكون ممكنًا‪ .‬وربما تكون أشهر هذه الحاالت هي موقف مصر‬
‫وإسرائيل بين عام ‪ 1967‬و‪ .1973‬فقد أدرك الرئيس الراحل أنور السادات – بناء على‬
‫نصيحة هنري كيسنجر – أن فرص التفاوض والحل السلمي كانتا ضعيفة للغاية إذ كان‬
‫موقف النـزاع عام ‪ 1971‬مواتيًا تما ًما لكل مصالح إسرائيل وكانت مصر ال تزال ينظر‬
‫إليها كدولة غير قادرة عسكريًّا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن خلل القوة وتحقق مصالح إسرائيل لم يساعد‬
‫على اتخاذ خطوات جدية للتفاوض ولكن حرب ‪ 1973‬غيرت تلك المفاهيم وصححت‬
‫موازين القوة لدرجة سمحت معها أن تتفاوض مصر وإسرائيل‪ .‬وكانت مفاوضات فض‬

‫‪72‬‬
‫االشتباك في نهاية الحرب خطوة أولى في سلسلة مفاوضات مباشرة انتهت بتوقيع اتفاقية‬
‫السالم عام ‪.1979‬‬

‫تكون فرص التفاوض أقوى عندما يكون تحقيق المصالح وإشباع الحاجات األساسية أكثر‬ ‫‪.3‬‬
‫إمكانية من خالل التفاوض عنه من خالل عدم التفاوض‪ .‬ويسمي المبدأ "أفضل بديل‬
‫للتفاوض ”‪ ،“Best Alternative to negotiated agreement‬ويختصر هذا‬
‫المبدأ إلى ‪ .BATNA‬وهذا بالطبع هو مبدأ عملي وواقعي جدًّا ويعبر بدرجة كبيرة عن‬
‫الفكر الشمال‪-‬أمريكي العلماني الذكوري المادي الذي يوسع من رقعة التفاوض ويرى أن‬
‫كل نزاع هو بشأن مصالح مادية يمكن التفاوض عليها‪ .‬ولذلك فإنه طبقًا لهذا المبدأ فإن‬
‫احتماالت التفاوض ونجاحه تزيد كلما كانت البدائل المتاحة لألطراف أقل قدرة على تحقيق‬
‫أهدافهم‪ .‬ويحتوي كتاب المفاوضات الشهير "‪ "Getting to Yes‬للباحثين‬
‫الشهيرين ‪ Fisher‬و‪ Ury‬على شرحٍّ وافٍّ لهذا المبدأ‪ .‬ومن الناحية الواقعية‪ ،‬فإن هذا‬
‫المبدأ يلقي تطبيقًا على كل المستويات طالما أن النـزاع يتعلق بأمور محددة ال تعارض‬
‫معتقدات أو ثوابت األطراف‪ .‬وهذه المعتقدات والثوابت قد تنبع من الواقع الثقافي أو من‬
‫فكرة الهوية‪ ،‬واالنتماء‪ ،‬أو من اإلحساس الشديد بالظلم الذي ال يمكن معه التفاوض‪.‬‬
‫والواقع من حولنا ممتلئ بأمثلة لجماعات وأفراد يفضلون القتال وحتى القتل االستشهادي‬
‫على أن يلجئوا للتفاوض رغم ما يمكن أن يوفره التفاوض‪ .‬ولذلك فإنه رغم جاذبية هذا‬
‫ضا محدود بعدة‬
‫المبدأ وتسليمنا بواقعية تطبيقه‪ ،‬إال أنه من الضروري أن ندرك أنه أي ً‬
‫اعتبارات‪.‬‬

‫تتأثر نماذج المفاوضات باختالف الثقافات‪ .‬وهذه االختالفات قد تكون سطحية وشكلية‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ضا ذات عمق بعيد يتصل بالقيم والثوابت‪ .‬أحد أمثلة االختالفات السطحية‬
‫وقد تكون أي ً‬
‫واجهته أنا في بداية رحلة الهجرة إلى الواليات المتحدة‪ .‬في أحد أول أماكن العمل كان لي‬
‫زميل هندي وكنت أحيانًا أسأله إن كان قد أنجز عمالً أو مهمة محددة فيشير برأسه إلى‬
‫اليمين وإلى اليسار بأسلوب يعني حسب فهمي "ال" ثم عندما أراجع تلك المهمة أجد أنها‬
‫مكتملة! وقد اكتشفت بعد ذلك أن معظم الهنود يستخدمون حركة الرأس في الثقافات العربية‬
‫واألوروبية التي تعني"ال" ليقصدوا "نعم" في الثقافة الهندية! ولكن هذه الخالفات السطحية‬
‫يمكن إدراكها بسهولة والتعامل معها‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫المشكلة الحقيقية هي عندما نواجه اختالفات ثقافية تعبر عن قيم ومبادئ اجتماعية ودينية‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫على سبيل المثال فإن بعض مجهودات المنظمات الدولية في بلدان متدينة أو ذات أصول‬
‫ومبادئ تقليدية تبوء بالفشل لعدم إدراكها لحساسيات التعامل بين الرجل والمرأة‪ .‬كما أن‬
‫كبيرا في تحديد شرعية المفاوض‪.‬‬
‫ً‬ ‫دورا‬
‫عوامل السن واألقدمية تلعب ً‬

‫خصائص العملية التفاوضية‪:‬‬ ‫(ب)‬


‫تتصف العملية التفاوضية بعدة خصائص تكاد تكون واحدة فى كل مواقف التفاوض وذلك مثل‪:‬‬

‫‪ -1‬اشتراك طرفان أو أكثر‪.‬‬


‫‪ -2‬وجود خالف وتضارب في المصالح بين الطرفين المتنازعين‪.‬‬
‫‪ -3‬هناك قدر من المصلحة المشتركة وهو ما يدفع األطراف المتنازعة إلى اللجوء إلى‬
‫عملية التفاوض‪.‬‬
‫‪ -4‬دخول األطراف المتنازعة في العالقة التفاوضية بإرادتهم لما ستحققه من مصلحة‬
‫ومكسب يهدف كل منهما إليه‪.‬‬
‫‪ -5‬العالقة التفاوضية دائما تأخذ شكل عالقة اعتماد متبادل من حيث إن كل طرف يعتمد‬
‫على اآلخر بالنسبة لنوعية النتائج التي سيخرج بها من العملية التفاوضية‪.‬‬
‫‪ -6‬العملية التفاوضية تتسم بأنها عملية متتابعة وحية‪ ،‬فهي تسير في خطوات متتالية تبدأ‬
‫بتقديم المطالب‪ ،‬ثم المناقشة‪ ،‬ثم تقديم المقترحات والتنازالت‪ ،‬وتنتهي بالتوصل إلى‬
‫الحلول‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫عناصر التفاوض العشرة‬
‫من هم اطراف النزاع ومن يجب ان يكون حاضرا فى‬
‫المفاوضات ؟‬ ‫األطراف‬ ‫‪1‬‬

‫ما الذي تدور المفاوضات حوله وما هى شئون كل طرف‬


‫وهل أدرجت كل الموضوعات ؟‬ ‫الموضوعات‬ ‫‪2‬‬

‫كيف يتصور كل طرف النزاع وموضوعاته واطرافه‬


‫وعوامل القوة والتعامل؟‬ ‫التصورات‬ ‫‪3‬‬

‫ماهى ديناميكيات العالقة الماضية والحاضرة والمستقبلة؟‬


‫الرابطة والقوة ونمط السلوك ؟‬ ‫العالقة‬ ‫‪4‬‬

‫كيف يتواصل االطراف ويتبادلوا المعلومات وهل يمكن‬


‫تحسين هذا التواصل؟‬ ‫التواصل‬ ‫‪5‬‬

‫ما الذي يطالب به كل طرف ؟ وهل يعبر ذلك عن حاجاتهم‬


‫ومصالحهم ؟‬ ‫المطالب‪/‬المواقف‬ ‫‪6‬‬
‫والمصالح‬

‫ما هى الخيارات المتاحة لألطراف ؟‬ ‫الخيارات‬ ‫‪7‬‬

‫كيف يمكن تقييم الخيارات موضوعيا ؟ أي مؤشرات يمكن‬


‫استخدامها ؟‬ ‫التقييم الموضوعى‬ ‫‪8‬‬

‫ما هى البدائل المتاحة لألطراف فى حالة عدم استكمال‬


‫التفاوض؟‬ ‫البدائل‬ ‫‪9‬‬

‫ما هى نتيجة التفاوض ؟‬ ‫اإلتفاق‬ ‫‪10‬‬

‫‪75‬‬
‫عوامل دعم وإعاقة التفاوض‪:‬‬ ‫(ج )‬
‫فيما يلي‪ ،‬نستعرض موضوعات أساسية في فهم المؤثرات التي تشجع على التفاوض أو تعوقه‪.‬‬

‫‪ .1‬عناصر إعاقة التفاوض‪:‬‬

‫كما شرحنا من قبل‪ ،‬فإن عملية التفاوض تتم بين أطراف النـزاع بهدف استكشاف وسائل إلرضاء‬
‫احتياجات ومصالح األطراف دون فرض اإلرادة أو اللجوء إلى القوة‪ .‬إال إن معطيات وظروف كل‬
‫نـزاع قد تؤدي إلى عزوف أحد األطراف أو كلها عن اللجوء إلى التفاوض‪ .‬وقد يحدث هذا العزوف‬
‫عن التفاوض أحيانًا أثناء تفاقم النـزاع‪ ،‬أو أثناء مروره بحالة ركود‪.‬‬

‫عندما يكون أطراف النـزاع منهمكين في اإلتيان بأفعال من شأنها توكيد موقفهم على حساب‬
‫الطرف اآلخر‪ ،‬تتدخل عدة عوامل في إعاقة اختيارهم‪ ،‬أو حتى إجبارهم على التفاوض‪ .‬وبعض هذه‬
‫العوامل نفسية ومعنوية ‪-‬سواء على مستوى الفرد أو الجماعة‪ -‬البعض منها وليد معتقدات‪ ،‬والبعض‬
‫اآلخر ناتج عن حسابات المكسب والخسارة‪ .‬وقبل اإلسهاب في هذه العوامل الثالث‪ ،‬يجب أن نتذكر‬
‫بأن مصدر وموضوع النـزاع نفسه قد يحتم على أحد األطراف أو جميعهم أن ال ينخرطوا في‬
‫المفاوضات‪.‬‬

‫مصدر النـزاع ومطالب األطراف‪:‬‬ ‫•‬

‫بطبيعة الحال‪ ،‬فإن أطراف أي نـزاع يتعاملون معه وفقًا ألهمية وقيمة مصادر النـزاع ومطالب‬
‫األطراف‪ .‬وبصفة خاصة يمكن القول بأنه كلما كانت مطالب النـزاع ومصادره متصلة إما باحتياجات‬
‫حيوية وماسة‪ ،‬أو بمعتقدات أو مبادئ تعتبر سامية أو عليا‪ ،‬كان من الصعب على أطراف النـزاع أن‬
‫يخوضوا في مفاوضات‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن النـزاعات التي تنتج عن أو تتأثر بمعتقدات تقليدية في‬
‫مجتمعات محافظة‪ ،‬يصعب فيها أن يلجأ األطراف إلى التفاوض‪ ،‬على األقل يصعب عليهم التفاوض‬
‫على أساسيات النـزاع‪ .‬فلو أن رجالً في أقاصي الصعيد انتهك حرمة امرأة سيكون من الصعب أن يلجأ‬
‫أهلها إلى التفاوض إال لو كان ذلك بغرض بقبول االعتذار وربما التعويض أو إيقاع العقوبة‪ .‬ومثال‬
‫‪76‬‬
‫آخر هو رفض الرجال في مجتمعنا المعاصر اللجوء إلى التفاوض في دعاوى النسب الناتجة عن زواج‬
‫عرفي أو عالقة ما‪ .‬هنا تتدخل عوامل العار والفضيحة كعائق للتفاوض على أي من أوجه النسب أو‬
‫المسئولية األبوية‪ .‬ونتيجة لذلك عادة ما تحسم هذه األمور في القضاء أو تأخذ اتجاهات أخرى مثل‬
‫اإلجهاض أو تحمل المرأة للمسئولية بمفردها‪.‬‬

‫وعلى مستوى الجماعات والدول‪ ،‬فإن النـزاعات التي تنتج عن انتهاكات لعقائد دينية أو معتقدات‬
‫ضا التعامل معها بعقل تفاوضي‪ .‬على سبيل المثال فإن أحداث الغضب‬
‫راسخة ذات قيمة عليا يصعب أي ً‬
‫في المجتمعات اإلسالمية تجاه نشر الكارتون المسيء للدين اإلسالمي وشخص الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم تعبر عن قيمة هذه األمور التي يعتبرها المجتمع اإلسالمي خطوط حمراء ال يجوز المساس‬
‫بها بينما يرى الغربيون العلمانيون أنها تصب في إطار حرية التعبير والتي هي بذاتها إحدى القيم العليا‬
‫ضا أمثلة التجاوزات على أمور تتعلق بالعنصرية أو بالمحرقة اليهودية‪ .‬هذان األمران‬
‫لديهم‪.‬ثم هناك أي ً‬
‫ضا من ضمن األمور بالغة الحساسية والتي يستوجب التعامل‬
‫–بالذات في الواليات المتحدة– يعتبران أي ً‬
‫معها إيقاع العقوبة على من يمسها‪ ،‬وعدم السماح بأي شكل من أشكال التفاوض بشأنها‪.‬‬

‫وفي كثير من األحيان‪ ،‬نجد أن الدول والحكومات دائ ًما ما تعلن أنها ترفض التفاوض مع من‬
‫تعتبرهم إرهاب يين‪ ،‬حيث أن الدول والحكومات ترى أن فعل اإلرهاب جريمة يجب معاقبتها وأن‬
‫التفاوض من شأنه أن يضفي صفة الشرعية على اإلرهابيين‪ .‬كان هذا هو الحال بين الحكومة البريطانية‬
‫مؤخرا‬
‫ً‬ ‫ضا هو الحال بين جماعة الماويين وحكومة نيبال حتى‬
‫والجيش األيرلندي لوقت طويل‪ .‬وكان أي ً‬
‫ومازال هو الحال بين إسرائيل وحماس‪.‬‬

‫• عوامل نفسية ومعنوية‪:‬‬

‫عندما يكون النـزاع آخذًا في التفاقم‪ ،‬فإن عدة عوامل نفسية ومعنوية تؤثر على األطراف وعلى‬
‫كيفية تعاملهم مع النـزاع مما يؤدي إلى عزوفهم عن التفاوض‪ .‬ربما يكون الغضب هو أحد أهم هذه‬
‫العوامل بما يولده من رغبة في االنتقام أو إلحاق األذى بالطرف اآلخر‪ .‬إن اإلحساس بالخوف والحاجة‬
‫ضا إلى استبعاد التفاوض واللجوء إلى أساليب‬
‫إلى اإلحساس باألمان –باإلضافة إلى الغضب– يؤديان أي ً‬

‫‪77‬‬
‫من شأنها معالجة الغضب والخوف‪ .‬ثم هناك اإلحساس بالخزي أو العار لو أن الطرف اآلخر ألحق‬
‫ضررا أو أساء إلى طرف النـزاع بشكل علني‪.‬‬
‫ً‬

‫وهذه العوامل النفسية والمعنوية ليست قاصرة على المستوى الفردي‪ ،‬ولكنها ربما تكون أكثر‬
‫ضا‬
‫أهمية على المستوى الجماعي‪ .‬فعندما نضيف إلى مشاعر الغضب والخوف واالنتقام والخزي أي ً‬
‫ضا اإلحساس بالمسئولية لدى‬
‫عنصر اإلحساس الجماعي‪ ،‬وما يصاحب ذلك من تزايد الشعور بالقوة وأي ً‬
‫قيادات الجماعة‪ ،‬فإن خيار التفاوض يغدو مرادفًا للضعف واالستسالم‪.‬‬

‫ضا أن نتصور هنا أنه حتى لو لجأ أطراف النـزاع إلى التفاوض‪ ،‬فستصطدم بعقبات‬
‫ويمكن أي ً‬
‫عديدة نتيجة انهماك األطراف في إشباع تلك العوامل النفسية والمعنوية مثل الغضب والرغبة في‬
‫االنتقام‪.‬‬

‫• عوامل متعلقة بالمعتقدات‪:‬‬

‫لقد ذكرنا قبالً أن النـزاعات التي ترتبط موضوعاتها أو مصادرها بمعتقدات أو قيم ذات أهمية‬
‫ألطراف النـزاع يصعب فيها أن يلجأ األطراف إلى التفاوض‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن األطراف أو‬
‫أحدها قد يعزف عن اللجوء إلى التفاوض حتى لو كان موضوع أو مصدر النـزاع ال يتصل بهذه‬
‫متأثرا بمعتقدات اجتماعية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫المعتقدات أو القيم‪ ،‬ولكن يكون أحد أو كل أطراف النـزاع‬
‫عرقية‪ ،‬أو أيديولوجية‪ ،‬تجعل من شخص الطرف اآلخر‪ ،‬أو أي ٍّ من أوجه التفاوض أمر غير مرغوب‬
‫يرا في تحديد كيان‬
‫دورا كب ً‬
‫فيه‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬نرى في مجتمعات كثيرة أن الطبقة االجتماعية تلعب ً‬
‫األشخاص ومدى صالحيتهم للتفاوض كند لألطراف األخرى‪ .‬ولألسف‪ ،‬فإن العنصرية الطبقية تؤدي‬
‫في بعض األحيان إلى خلق إحساس ازدراء تجاه هؤالء الذين ينتمون إلى درجات دنيا من المجتمع‪.‬‬
‫هذا يؤدي بدوره إلى رفض هؤالء المنتمون إلى الدرجات العليا من الدخول في مفاوضات‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫ضا حاالت نجد فيها أشخاص ممن يتخذون منها ًجا دينيًّا متزمتًا يعملون بجدية الستعادة‬
‫هناك أي ً‬
‫أو اتباع سنة الرسول عليه الصالة والسالم في التعامل مع اآلخرين‪ .‬وقد نجد ضمن هؤالء من سيرفض‬
‫التفاوض مع آخرين ممن يوصمون بأنهم كفار ألن تفسيراتهم الدينية والفقهية ال تسمح بذلك‪.‬‬

‫• حسابات المكسب والخسارة‪:‬‬

‫أمورا متعلقة بالمعتقدات والحالة النفسية والمعنوية ألطراف النـزاع‪.‬‬


‫ً‬ ‫العوامل السابقة عالجت‬
‫باإلضافة إلى ذلك يجب التنبيه إلى أن كل نـزاع مهما كانت دوافعه ومؤثراته‪ ،‬عقائدية كانت أو نفسية‪،‬‬
‫ضا ذو صفة واقعية‪ ،‬وأن كل أطراف النـزاع لديهم احتياجات ومصالح محددة‪ .‬وكذلك فإنه يجب‬
‫فهو أي ً‬
‫تفهم المصالح واالحتياجات خاصة في اإلطار الثقافي واألكاديمي قبل أن نتحدث عن حسابات المكسب‬
‫والخسارة‪.‬‬

‫نظرا ألن دراسات السالم والنـزاع ازدهرت في المجتمعات الغربية‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن بعض‬
‫و ً‬
‫البديهيات واالفتراضات التي أسس عليها هذا المجال تأثرت بالقيم والمبادئ األساسية لتلك المجتمعات‪.‬‬
‫إن مبادئ الفردية والمادية والتعايش السلمي هي ربما أهم ثالث مبادئ أثرت على دراسة السالم‬
‫ضا دراسة التفاوض‪ .‬هناك مبدأ رابع ممكن إضافته وإن كانت ترجمته تتطلب بعض‬
‫والنـزاع وأي ً‬
‫اإليضاحات وهو مبدأ "العقالنية" أو ‪ .Rationalism‬وهذا المبدأ وترجمته يشكالن صعوبة من الناحية‬
‫ضا يوضحان بشكل جلي مدى تأثير الفردية المادية بمفهومها الغربي‪ .‬لتوضيح كل‬
‫الثقافية ولكنهما أي ً‬
‫هذه النقاط يمكن القول بأن العقالنية في التفاوض تعني أن يدرك كل فرد أو طرف في النـزاع ما هي‬
‫مصالحه بمفهومها المادي وأن يسعى لتحقيقها ألقصى درجة ممكنة مع األخذ في االعتبار مصالح‬
‫ضا حتى يتسنى لهما العيش معًا في سالم‪ .‬وقد يبدو هذا التصور مقبوالً جدًا‪ ،‬خاصةً‬
‫الطرف اآلخر أي ً‬
‫لو أننا نتحدث عن نـزاعات مالية أو تجارية‪ .‬ولكن الصعوبة في استيعاب هذا األسلوب العقالني تتضح‬
‫عندما نتعامل مع نـزاعات ال يحرص األطراف فيها بالضرورة على تحقيق أقصى المصالح المادية‬
‫نظرا إلعطاء األولوية العتبارات أسرية أو دينية على سبيل المثال‪ .‬هنا تتضح عدم مرونة هذا النموذج‬
‫ً‬
‫العقالني المادي الفردي السلمي‪ ،‬إذ أن إعطاء األطراف األولوية لما هو غير مصالحهم المادية يعتبر‬
‫"غير عقالني" أو ‪ . irrational‬وهنا تبدو انحيازية هذا النموذج لمبادئ وقيم نابعة من الواقع الغربي‬
‫‪79‬‬
‫العلماني المادي‪ .‬فلو أن أحد أطراف نـزاع ما رأى أن مصلحته هي في تقديم مصلحة آخرين مثل‬
‫الوالدين أو أشخاص يجب أن يعولهم أو يساعدهم بواعز ديني‪ ،‬فإن النموذج العقالني قد يرى ذلك‬
‫كأسلوب غير عقالني‪ ،‬أو لو أن أحد أطراف النـزاع أقبل على التفاوض مع إدخال أطراف ثانوية فيه‬
‫وبلور مصالحه في إطار مصالح أطراف أخرى‪ ،‬فإن ذلك يخالف مفهوم الفردية الذي يشكل أحد أسس‬
‫التفاوض العقالني‪.‬‬

‫وألجل ذلك‪ ،‬فإن فهم حسابات المكسب والخسارة كأحد عوائق التفاوض يجب أن يأخذ في‬
‫االعتبار أن مفهوم "ما هو المكسب" و"ما هي الخسارة" هو أمر ثقافي إلى درجة كبيرة‪ .‬إلى جانب ذلك‬
‫ضا عوامل ذات صفة عمومية وشمولية في هذا الشأن‪ .‬وبصفة عامة‪ ،‬يمكن القول أن أيًّا‬
‫فإن هناك أي ً‬
‫من أطراف النـزاع قد ال يلجأ إلى التفاوض إذا كانت مصالحه يتم تحقيقها على أي األحوال‪ .‬التفاوض‬
‫هنا ال يساعد هذا الطرف على تحقيق مصالحه ألنها متحققة بالفعل لدرجة كافية‪ .‬على الجانب اآلخر‪،‬‬
‫فإن طرف النـزاع الذي ال يمكنه تحقيق مصالحه بشك ٍّل كافٍّ قد يكون أكثر اهتما ًما بالتفاوض حتى‬
‫يمكنه الحصول على تحقيق أفضل لمصالحه‪ .‬وهذه األفكار هي التي يشار إليها بمصطلحي ‪BATNA‬‬
‫و‪:WATNA‬‬

‫‪BATNA: Best Alternative to Negotiated Agreement‬‬

‫‪WATNA: Worst Alternative to Negotiated Agreement‬‬

‫وكما هو واضح‪ ،‬هذه أفكار "عقالنية" بحتة‪ .‬ولكن الواقع يثبت أنه في بعض األحيان يلجأ الطرف‬
‫الذي يحقق كل مصالحه إلى التفاوض‪ ،‬بينما يرفض الطرف الذي ال تتحقق مصالحه أن يلجأ إلى‬
‫التفاوض!! على سبيل المثال‪ ،‬فإن طرفًا في نـزاع متمكن من تحقيق كل مصالحه قد يلجأ إلى التفاوض‬
‫حتى لو أدى ذلك إلى تقليل مكاسبه من أجل إرضاء وازع ديني أو اجتماعي‪ .‬هنا نتساءل‪ :‬ما هي‬
‫بالضبط مصلحة هذا الطرف؟ هل هي المصلحة المادية فقط وفقًا للمفهوم "العقالني" أو هي المصلحة‬
‫ضا الوازع الديني أو االجتماعي؟ من الناحية األخرى‪ ،‬فإن الطرف غير القادر‬
‫الشاملة التي تحوي أي ً‬
‫على تحقيق مصالحه قد يرفض التفاوض خشية قبول اتفاق غير مرضي‪ ،‬أو اتفاق يمكن أن يحصل‬

‫‪80‬‬
‫على أفضل منه لو أنه استمر في سلوك نـزاعي‪ ،‬حتى يفرض واقع جديد يسمح له بالتفاوض من وضع‬
‫أفضل‪ .‬يعد السلوك العربي والمصري بعد حرب ‪ 1967‬نموذ ًجا واض ًحا في هذا المجال‪.‬‬

‫‪ .2‬عناصر تشجع على التفاوض‪:‬‬

‫مثلما أن هناك عناصر تعوق التفاوض‪ ،‬فإن هناك عناصر تساعد على تشجيع التفاوض‪ .‬ويمكن‬
‫تحديد هذه العناصر في ثالثة إطارات‪ :‬العالقة المركبة‪ ،‬وتواجد أطراف أخرى تشجع التفاوض‪ ،‬وتدهور‬
‫تحقيق مصالح األطراف في غياب التفاوض‪ .‬من الضروري التلميح هنا إلى أن هذه العناصر الثالثة‬
‫ضا منفصلة‪.‬‬
‫قد تتحقق بشكل متزامن وقد تكون أي ً‬

‫• العالقة المركبة‪:‬‬

‫معظم النـزاعات تقع بين أطراف تربطهم عالقة ما‪ .‬قد يحدث نـزاع بين أفراد أسرة‪ ،‬أو زمالء‬
‫عمل‪ ،‬أو مواطني دولة‪ ،‬أو بين شركات أو منظمات تعمل في مجال مشترك‪ ،‬أو بين دول تجمعهم‬
‫مصالح سياسية وجغرافية وتجارية‪ ...‬الخ‪ .‬وفي كل هذه الحاالت‪ ،‬فإن تداخل وتشابك االعتماد المتبادل‬
‫بين األطراف ‪ Interdependence‬يؤدي إلى صعوبة استمرار التعامل دون مواجهة النـزاعات‬
‫التي تحدث بين األطراف‪ .‬على سبيل المثال فإن النـزاعات داخل األسرة الواحدة أو في مكان العمل‬
‫أضرارا جسيمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫يصعب على أطرافها االستمرار في السلوك النـزاعي فيها لفترة طويلة وإال ألحقوا‬
‫هذا ال يعني أن السلوك النـزاعي ينخفض كلما كانت العالقة مركبة‪ ،‬ولكن هذا يعني أن إمكانية التفاوض‬
‫هي أكبر احتماالً‪ .‬بالطبع فإن استعداد األطرافللتفاوض وكيفية سير عملية التفاوض يرتبطان بعناصر‬
‫أخرى خاصةً عنصر القوة وعنصر الثقافة ‪.Culture‬‬

‫ولعل السؤال هنا هو‪ :‬لماذا نتوقع زيادة احتمال التفاوض في إطار العالقات المركبة؟ هنا يمكن‬
‫أن نرجح ببساطة أن مصالح كل طرف يصعب تحقيقها في إطار عالقة مركبة ما لم يتمكن األطراف‬
‫من التفاوض بشأن نـزاعاتهم‪ .‬هنا نالحظ أننا نرجح منطق "عقالني"مبني على إدراك كل طرف لما‬
‫يساعد على تحقيق مصالحه وسعيه للتفاوض لو أن ذلك سيؤدي إلى تحقيق مصالحه‪ .‬وبينما نجد هذا‬
‫‪81‬‬
‫المنطق العقالني واقعيًّا وذو تأثير على سلوك أطراف النـزاع‪ ،‬إال أن تفهم هذا المنطق العقالني يجب‬
‫ضا أن يأخذ في االعتبار أن دوافع التفاوض في إطار العالقات المركبة ليست محدودة بتحقيق مصالح‬
‫أي ً‬
‫ضا مصالح مستمدة من إدراك األطراف للمسئولية االجتماعية‪،‬‬
‫فردية بالمعنى الضيق‪ ،‬وإنما تشمل أي ً‬
‫خاصةً تلك المبنية على الوازع الديني أو التقليدي‪ .‬هنا نكرر أن فهمنا للتفاوض ودوافعه يتفاوت وفقًا‬
‫لدرجة تبنيـنا للمنطق "العقالني" بمفهومه الفردي المادي‪ ،‬أوتبنيـنا للمنطق ذاته بمفهوم اجتماعي‪ .‬وفي‬
‫كلتا الحالتين –الفهم الفردي المادي أو الفهم االجتماعي– فإن تشابك وتداخل العالقة بين األطراف‬
‫تؤدي إلى صعوبة تحقيق مصالح األطراف مما يشجع على تقبلهم للتفاوض‪.‬‬

‫• تواجد أطراف تشجع التفاوض‪:‬‬

‫كما شرحنا في الباب األول بشأن فهم وتحليل النـزاعات‪ ،‬فإن معظم النـزاعات تشمل أطراف‬
‫رئيسية وأطراف ثانوية وأطراف جانبية‪ .‬ومع تواجد النوعين األخيرين من األطراف‪ ،‬فإن مصالح‬
‫ضا صعب المنال‬
‫إضافية تتداخل وقد يكون تحقيق تلك المصالح اإلضافية لألطراف الثانوية والجانبية أي ً‬
‫في ظل وجود نـزاع بين األطراف الرئيسية‪ .‬على سبيل المثال فإن صراع عسكري بين دولتين في‬
‫منطقة جغرافية محددة يلقي بتأثيره على المصالح التجارية واألمنية لدول مجاورة‪ .‬هذا التأثير من شأنه‬
‫أن يدفع زعماء الدول المجاورة لتشجيع عملية التفاوض‪ .‬ولكن كما ذكرنا مرا ًرا فإن مفهوم المصلحة‬
‫يختلف وفقًا لإلطار العقالني الفردي المادي أو اإلطار االجتماعي‪ .‬ولذلك فإن تدخل أطراف ثانوية أو‬
‫ضا أن‬
‫جانبية ليس بالضرورة نابعًا من حرصهم على تحقيق مصالحهم الفردية المادية‪ ،‬وإنما يمكن أي ً‬
‫يكون نابعًا من حرصهم على مساعدة األطراف الرئيسية في التعامل مع النـزاع بأسلوب سلمي‪.‬‬

‫وتعتمد قدرة األطراف الثانوية والجانبية على التأثير على األطراف الرئيسية لدفعهم إلى التفاوض‬
‫على عناصر أخرى بما فيها المكانة والقوة‪ .‬ووفقًا لمواصفات المكانة والقوة تختلف أساليب التأثير على‬
‫األطراف الرئيسية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن شفاعة رجال الدين في بعض المجتمعات للتأثير على أطراف‬
‫النزاع من أجل وقف العنف أو لقبول المصالحة قد يكون أحد العوامل المؤثرة في حفظ السالم وتوطيد‬
‫استقرار األمن‪ .‬هذا األسلوب يختلف عن تدخل ضابط شرطة بنصيحة جيران تشاجروا بسبب ضوضاء‬

‫‪82‬‬
‫أو استخدام الكهرباء أو الماء أن يلجئوا للتفاوض والتصالح ليتجنبوا تفاقم النـزاع إلى درجة تحرير‬
‫محضر وتدخل النيابة والقضاء‪.‬‬

‫• تدهور تحقيق مصالح األطراف في غياب التفاوض‪:‬‬

‫هذا العنصر قد يكون من أهم دوافع التفاوض حتى في غياب العنصرين األوليين‪ .‬باستخدام‬
‫دورا أساسيًا في دفع األطراف إلى التفاوض‬
‫المنطق العقالني‪ ،‬فإن حسابات المكسب والخسارة تلعب ً‬
‫من عدمه‪ .‬وكلما أشارت الحسابات إلى زيادة حجم الخسارة في ظل استخدام السلوك النـزاعي‪ ،‬فإن‬
‫اختيارا أفضل‪ .‬هذه‬
‫ً‬ ‫اللجوء إلى التفاوض لو كان من شأنه تقليل الخسارة أو زيادة المكاسب سيكون‬
‫المعادالت المبنية على حسابات الربح والخسارة سبق اإلشارة إليها بمصطلحين‪:‬‬

‫‪BATNA: Best Alternative to Negotiated Agreement‬‬

‫‪WATNA: Worst Alternative to Negotiated Agreement‬‬

‫ورغم أهمية هذه المبادئ في فهم دوافع التفاوض‪ ،‬إال أنه من الضروري إدراك حدود تطبيقها‪.‬‬
‫بالطبع فإن مروجي المنطق العقالني الفردي المادي قد يعتقدوا أن مبادئ الربح والخسارة هي ذات‬
‫تطبيق صالح لكل زمان ومكان‪ .‬ولكن التمعن في هذه المبادئ ومدى انطباقها يرجح أن أطراف‬
‫النـزاعات قد يعتمدوا على هذه المبادئ عندما يتعلق موضوع النـزاع بأمور مالية أو تجارية هي في‬
‫صميمها مبنية على الربح والخسارة‪ .‬ولكن كلما تعقدت النـزاعات واشتملت على موضوعات ذات‬
‫طابع تقليدي أو ديني‪ ،‬فإن حسابات الربح والخسارة تتراجع أمام أهمية االنصياع لمبادئ تقليدية أو‬
‫دينية‪ .‬األمر ذاته يتحقق عندما يشتمل النـزاع على طابع أيديولوجي –حتى لو كان أساس األيديولوجية‬
‫علمانيًا‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬فإن الحرص على حرية التعبير واحترامها في المجتمعات الغربية يفوق في‬
‫أهميته حسابات الربح والخسارة في اإلطار العقالني الفردي المادي‪ .‬ويبدو هذا جليًا في النـزاع بشأن‬
‫الرسومات المسيئة للدين اإلسالمي‪ ،‬حيث يرى الكثير من الغربيين العلمانيين أن احترام حرية التعبير‬
‫غير قابل للتفاوض حتى لو أدى إلى توتر في العالقات مع العالم اإلسالمي وحتى لو أدى إلى احتمال‬
‫زيادة اإلرهاب‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫بإيجاز‪ ،‬فإن حسابات الربح والخسارة ذات أهمية كبيرة في دفع أطراف النـزاع إلى التفاوض‪.‬‬
‫ويجب دائ ًما أخذ هذه المبادئ في االعتبار‪ ،‬ولكن في الوقت نفسه يجب إدراك حدود تطبيق تلك المبادئ‪،‬‬
‫خاصةً عندما يكون للتقاليد والدين واأليدولوجيا دور في النـزاع‪.‬‬

‫(د) القوة والتفاوض‪:‬‬


‫ويمكن تعريف القوة في مجال التفاوض بأنها قدرة أطراف النـزاع على تحقيق مصالحهم في‬
‫حالة نـزاع‪ .‬الطرف القوي هو الذي يمكنه تحقيق أقصى مصالحه أثناء النـزاع‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫إمكانية الطرف اآلخر في تحقيق مصالحه من عدمه‪ .‬غير أن القوة ال تو َجد في الفراغ‪ ،‬ويمكن في‬
‫حاالت كثيرة أن تكون مضل َلة‪ .‬وثمة صورة أخرى مضللة للقوة‪ ،‬وهي فكرة "توازن القوى"‪ ،‬وهي‬
‫مشتقة من فكرة أن القوة ك ٌّم يمكن قياسه‪ .‬وهذه النظرة تفشل في تفسير ديناميكيات القوة والسياق التفاعلي‬
‫الذي ينبغي أن تفهم القوة في إطاره‪.‬‬

‫وتبعًا لمايير‪ ،‬يمكن تمييز عشرة أنواع (أشكال) محددة من القوة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -1‬السلطة الرسمية‪:‬‬

‫وهي السلطة التي تستمد شرعيتها من القوانين أو اللوائحالتي تمنح أشخاص أو مجموعات‬
‫سلطة اتخاذ القرار وفرض اإلرادة‪ .‬أمثلة هذا النوع من السلطة تتواجد في أجهزة الحكومة‬
‫واإلدارات والشركات‪.‬‬

‫‪ -2‬سلطة الخبير‪:‬‬

‫هنا يتمتع شخص أو مجموعة بسلطة نتيجة حيازة نوعية من المعرفة او الخبرة المعترف‬
‫بها من قبل األطراف المعنية‪ .‬علي سبيل المثال الخبرة التي يقدمها طبيب نفسي او محامي‬
‫او عالم ديني‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -3‬سلطة التبعية (االرتباط)‪:‬‬

‫هذا النوع من السلطة يتم الحصول عليه نتيجة اتصال شخص أو مجموعة بجهة ذات‬
‫سلطة أو قوة‪ .‬علي سبيل المثال‪ ،‬القوة التي يتمتع بها ممثلو جماعات الضغط ‪ lobby‬أو‬
‫ممثلو أحزاب سياسية‪.‬‬

‫‪ -4‬قوة السيطرة علي الموارد‪:‬‬

‫هذا هو ربما من أهم أنواع القوة والسلطة قبل وأثناء وبعد التفاوض ‪.‬هذا النوع من القوة‬
‫ينبع من السيطرة علي مصادر أو موارد حيوية لألطراف المعنية‪ .‬علي سبيل المثال السيطرة‬
‫علي منابع البترول أو السيطرة علي أراضي زراعية أو ثروة‪.‬‬

‫‪ -5‬القوة اإلجرائية‪:‬‬

‫وهي القوة التي تنبع من القدرة على التأثير على مجريات التفاوض من الناحية اإلجرائية‪.‬‬
‫على سبيل المثال‪ :‬لو أن سير التفاوض يعتمد على تواجد نصاب معين من األطراف‪ ،‬فإن‬
‫أحدهم يمكنه التأثير على شرعية التفاوض بأن يتحكم في عدد الحضور‪ ،‬وهذا يمثل نوع من‬
‫القوة اإلجرائية‪.‬‬

‫‪ -6‬القوة العقابية‪:‬‬

‫هي القدرة على إنزال عقوبات أو أذى بأطراف آخرين‪ ،‬أو تعطيل قدرتهم على تحقيق‬
‫مصالحهم‪ .‬هذا النوع من القوة يعتمد بطبيعة الحال على تمتع طرف معين بأحد مصادر‬
‫القوة األخرى التي تمكنه من استخدام ذلك المصدر إليقاع العقاب أو األذى‪ .‬على سبيل‬
‫المثال‪ ،‬فإن سلطة إيقاع العقاب تتطلب مثالً ً‬
‫قدرا معينًا من سلطة السيطرة على الموارد‪،‬‬
‫مثلما حدث عندما استخدمت الدول العربية سالح البترول أثناء حرب ‪.1973‬‬

‫‪ -7‬القدرة على إحداث االضطراب (اإلزعاج)‪:‬‬

‫هذا النوع من القوة يماثل نوع القوة القادر على إنزال العقاب لكن بدرجة أقل‪ .‬وهنا يكون‬
‫في إمكان طرف ما أن يحدث نوع من االضطراب أو التعطيل لمصالح الطرف اآلخر‪،‬‬
‫ولكن ليس لدرجة توقيع عقاب أو أذى‪ ،‬والفرق هنا فرق في درجة األذى أو العقاب‪ .‬على‬
‫عا من هذا األسلوب‪.‬‬
‫سبيل المثال‪ ،‬فإن تباطؤ أحد أطراف النـزاع في أداء التزاماته يمثل نو ً‬
‫‪85‬‬
‫‪ -8‬قوة االعتياد علي األمر الواقع‪:‬‬

‫هنا يستمد طرف قوته من كونه قد مارس نوع من السيطرة لفترة طويلة بحيث يصعب‬
‫معه إحداث تغيير جذري بدون وقوع ارتباك أو اضطراب‪ .‬الباحث الجنوب أفريقي مارك‬
‫آنستي أورد مثاالً لهذا النوع من القوة من تجربة جنوب أفريقيا في إنهاء النظام العنصري‬
‫إذ كان من بالغ الصعوبة أن يتم التخلص مباشرة من النظام اإلداري والحكومي الذي مثل‬
‫األقلية البيضاء ألنها كانت قد اعتادت علي أدارة النظام لعقود عديدة‪.‬‬

‫‪ -9‬القوة األخالقية‪:‬‬

‫وهي القوة المستمدة من القدرة علي توثيق القيم العليا التي ينتهجها طرف معين والتي‬
‫من شأنها إعالء موقفه سواء في مواجهة األطراف األخرى أو بالنسبة للرأي العام‪ .‬هذا‬
‫ضا له تطبيقات عديدة في الواقع‪ ،‬ومن أمثالها‪:‬مواقف غاندي ومارتن لوثر‬
‫النوع من القوة أي ً‬
‫كينج خاصةً أن مواقفهم أدت إلى انهيار الدعم الداخلي لألطراف األخرى نتيجة قوة الموقف‬
‫األخالقي الذي اعتمدوا عليه‪.‬‬

‫‪ -10‬قوة المميزات الشخصية‪:‬‬

‫وهذا النوع من القوة ضمن أكثر مصادر القوة الفعالة‪ ،‬وغالبًا ما يتطلب هذا النوع من‬
‫القوة تواجد أحد مصادر القوة األخرى‪ ،‬وتكون القوة الشخصية هي عنصر مكمل‪ .‬ويتمثل‬
‫هذا النوع من القوة في عدة ملكات شخصية‪ ،‬مثل الثقة في النفس‪ ،‬واللباقة‪ ،‬والقدرة علي‬
‫التحمل‪.‬‬

‫(ه) إمكانيات نجاح التفاوض بناء على توازن أو تفاوت القوة‪:‬‬


‫في كتاب القوة والتفاوض الذي أعده زارتمان وروبين‪ ،‬انتهى الباحث جيزوالد ساالكوز إلى أن‬
‫اختالل القوة بين أطراف المفاوضات ال يعني بالضرورة أن المفاوضات تنتهي إلى الفشل أو تنتهي‬
‫بنتائج لصالح الطرف القوي! هذه التعليقات ربما تخالف الفهم السائد بأن الطرف القوي في التفاوض‬
‫ينجح في تحقيق أهدافه أكثر من الطرف الضعيف‪ ،‬وكذلك تخالف الفهم السائد بأن المفاوضات بين‬
‫أطراف ذات قوة متوازنة هي أقرب إلى النجاح من المفاوضات بين أطراف ذات قوة متباينة‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫ويدلل ساالكوز على تلك النتائج بنا ًءا على قراءة منهجية نوعية ‪ Qualitative‬لعدة حاالت من‬
‫المفاوضات الدولية‪ .‬ويرى المؤلف أن تباين القوة يفسح مجاالً لألطراف للوصول إلى اتفاقات‪ ،‬إذ أن‬
‫الطرف الضعيف ليس بالضرورة ضعيفًا على طول المدى بالمقارنة بالطرف القوي‪ .‬يفرق المؤلف بين‬
‫فكرة القوة المجمعة ‪ Aggregate Power‬وقوة الموضوع ‪ ،Issue Power‬ويقترح أن كون أحد‬
‫األطراف يتمتع بالقوة المجمعة ال يعني بالضرورة أن هذه القوة هي التي سوف يمكن استخدامها أثناء‬
‫المفاوضات‪ ،‬وإنما تكون قوة الموضوع أكثر تطبيقًا‪ .‬ولذلك فإن الطرف الضعيف يتعامل أسا ً‬
‫سا مع‬
‫القوة المحددة بشأن موضوع معين وال يذعن بالضرورة للقوة العامة التي يتمتع بها الطرف القوي‪.‬‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬رغم قوة الواليات المتحدة العارمة بالمقارنة بمصر فإن الحكومة المصرية نجحت‬
‫في إسقاط جميع ديونها العسكرية للواليات المتحدة أثناء التفاوض على سماح مصر بمرور سفن‬
‫عسكرية أمريكية عبر قناة السويس أثناء حرب الخليج عام ‪ .1991‬هنا كانت قوة مصر بشأن موضوع‬
‫التفاوض مختلفة تما ًما عن المفهوم السائد في القوة المجمعة الفائقة لدى الواليات المتحدة بالمقارنة بقوة‬
‫مصر المجمعة‪ .‬ولكن المفاوض المصري استثمر جيدًا قوة الموضوع لتحقيق مصالح لم تكن متاحة في‬
‫اإلطار العام للعالقة بين البلدين‪.‬‬

‫(و) مؤشرات التفاوض الناجح‪:‬‬


‫من الطبيعي أن يعتمد نجاح التفاوض على عوامل عدة بخالف مهارة المفاوضين أو حسن نيتهم‪.‬‬
‫فالنـزاعات غالبًا ما تتأثر بعوامل أيديولوجية‪ ،‬ومعتقدات راسخة‪ ،‬ورواسب تاريخية‪ ،‬وتوازن أو اختالل‬
‫مؤثرا ليس فقط على إمكانية نجاح التفاوض‪،‬‬
‫ً‬ ‫القوة بين األطراف‪ .‬كل هذا يدخل في الحسبان ويكون‬
‫وإنما على إمكانية التفاوض ذاتها‪.‬‬

‫ويلخص آنستي مؤشرات نجاح التفاوض كالتالي‪:‬‬

‫تحقيق اتفاق أو حل مشكلة‪ .‬ويتسم االتفاق بالتالي‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫‪ ‬االتفاق يحقق المصالح الشرعية لكل األطراف بقدر اإلمكان‬

‫‪ ‬االتفاق له صفة الصمود‬

‫‪ ‬االتفاق ال يفسد الصلة بين األطراف‬


‫‪87‬‬
‫‪ ‬االتفاق عملي لألطراف كلهم‬

‫‪ ‬االتفاق هو ملك األطراف وليس مفرو ً‬


‫ضا عليهم‬

‫‪ ‬االتفاق مقبول ممن يمثلهم المفاوضون بال نتائج سياسية سلبية للزعماء‬

‫‪ ‬االتفاق غير غامض ومكتمل‬

‫‪ ‬االتفاق يتحقق في زمن مقبول‬

‫من اجل الوصول إلى مثل هذا االتفاق الناجح‪ ،‬فإن العوامل التالية يتطلب تواجدها‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫‪ ‬نية األطراف لتحقيق تسوية‬

‫‪ ‬االستعداد الستكشاف خطوات تتباعد عن الموقف المعلن أسا ً‬


‫سا‬

‫‪ ‬امتالك قدر من القوة كاف إلقناع اآلخر‪ ،‬ولكن غير كاف لفرض االستسالم‬

‫‪ ‬تفويض واضح ممن يمثلهم المفاوض‬

‫‪ ‬اعتراف متبادل بين األطراف كمفاوضين‬

‫‪ ‬اتباع "قواعد اللعبة" مقبولة من األطراف‬

‫‪ ‬اإلقرار بشرعية االختالفات ووجود أرضية مشتركة‬

‫‪ ‬اإليمان بأن التفاوض هو أفضل خيار متوافر لحل االختالفات‬

‫‪ ‬تواجد موارد كافية لدعم نتائج التفاوض‬

‫)‪(Anstey 1994, P 123-124‬‬

‫التفاوض التقسيمي )‪ (Distributive‬والتفاوض التكاملي )‪(Integrative‬‬


‫طبقًا آلنستي وآخرين‪ ،‬فإن النموذجين السائدين للتفاوض هما النموذج التقسيمي والتكاملي‪ .‬يعتمد‬
‫األول على تنافس األطراف في تحقيق أقصى مكسب في ظل تنافس الطرف اآلخر للحصول على‬
‫‪88‬‬
‫ضا‪ .‬بينما يعتمد النموذج اآلخر على التعاون بين األطراف وإيجاد مساحات من‬
‫أقصى مكاسبه أي ً‬
‫األرضية المشتركة‪ .‬ويذكر آنستي بأن النموذج الثاني يحظى بشعبية واسعة في أوساط باحثي دراسات‬
‫السالم والنـزاع‪ ،‬إال أنه ينبه أن تجاهل النموذج األول في سبيل مثاليات النموذج الثاني ال يساعد على‬
‫استكشاف أوجه واقعية يتعامل معها النموذج األول‪.‬‬

‫وسوف نستعرض في الفصلين التاليين (الثاني والثالث) أبرز خصائص كال من التفاوض التقسيمي‬
‫والتفاوض التكاملي‪ .‬ولكن قبل ذلك‪ ،‬دعنا نعرض هنا النموذج الذي وضعه فيشر ويوري سنة ‪1981‬‬
‫في كتابهما الشهير ‪ Getting to Yes‬ويوضح هذا النموذج سلوك التفاوض الذي يتراوح بين‬
‫المتساهل والمتشدد والمستنير‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫الحل‬ ‫المشكلة‬
‫قم بتغيير اللعبة وتفاوض على أساس‬ ‫المساومة على المطالب‪ :‬أي لعبة ستلعب؟‬
‫المصالح‬
‫مستنير‪:‬‬ ‫متشدد‪:‬‬ ‫متساهل‪:‬‬
‫• المشاركون لديهم القدرة على حل المشاكل‬ ‫‪ -‬المشاركون أعداء‬ ‫‪ -‬المشاركون أصدقاء‬
‫الهدف هو مخرج يتسم بالحكمة والتوصل إليه بود‬ ‫‪ -‬الهدف هو االنتصار‬ ‫‪ -‬الهدف هو االتفاق‬
‫وفاعلية‬
‫• افصل بين األشخاص والمشكلة‬ ‫‪ -‬قم ببعض التنازالت لتوطيد ‪ -‬أطلب التنازالت كشرط إلقامة‬
‫‪ -‬كن رفيقًا باألشخاص‪ ،‬وتشدد على المشكلة‪.‬‬ ‫العالقة‬ ‫العالقة‬
‫‪ -‬استكمل التفاوض حتى لو لم تثق في اآلخر‬ ‫‪ -‬كن متشددًّا تجاه األشخاص‬ ‫‪ -‬كن رفيقًا باألشخاص والمشكلة‬
‫والمشكلة‬ ‫‪ -‬ثق في اآلخرين‬
‫‪ -‬ال تثق في اآلخرين‬
‫ركز على المصالح ال على المطالب‪ /‬المواقف‬ ‫•‬ ‫‪ -‬تمسك بموقفك‬ ‫‪ -‬قم بتغيير موقفك بسهولة‬
‫استكشف المصالح‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -‬قم بعمل تهديدات‬ ‫‪ -‬قدم العروض‬
‫تجنب اتخاذ موقف ال يمكن التنازل عنه‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -‬قم بالتضليل تجاه موقفك النهائي‬ ‫‪ -‬اكشف عن موقفك األخير‬
‫ابتكر خيارات للمكاسب المشتركة‬ ‫•‬ ‫‪ -‬اطلب مكاسب لطرف واحد‬ ‫‪ -‬تقبل خسارة الطرف الواحد‬
‫تقدم بخيارات متعددة وقم باالختيار الحقًا‬ ‫‪-‬‬ ‫كثمن للوصول إلى اتفاق‬ ‫في مقابل الوصول إلى حل‬
‫‪ -‬ابحث عن الحل األوحد‪ :‬الحل‬ ‫‪ -‬ابحث عن الحل األوحد‪ :‬الحل‬
‫الذي تتقبله أنت‬ ‫الذي سيتقبله الطرف اآلخر‬
‫‪ -‬تمسك بموقفك‬ ‫‪ -‬تمسك بالوصول إلى اتفاق‬
‫• تمسك باستخدام معايير موضوعية‬ ‫صراع‬ ‫جولة‬ ‫كسب‬ ‫‪ -‬حاول تفادي الصراع بين ‪ -‬حاول‬
‫حاول أن تتوصل إلى نتيجة مبنية على مقاييس‬ ‫‪-‬‬ ‫اإلرادات‬ ‫اإلرادات‬
‫مستقلة عن إرادة األطراف‬ ‫‪ -‬مارس الضغوط‬ ‫‪ -‬استسلم تحت الضغط‬
‫اتسم بالعقالنية وابن موقفك على المبادئ وال‬ ‫‪-‬‬
‫ترضخ للضغوط‬

‫‪90‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫التفاوض التقسيمي‬

‫كما ذكرنا فيما سبق‪ ،‬تعتمد المفاوضات التقسيمية على تنافس األطراف في تحقيق أقصى مكسب‬
‫ضا‪ .‬سوف نستعرض في هذا الفصل‬
‫في ظل تنافس الطرف اآلخر للحصول على أقصى مكاسبه أي ً‬
‫مراحل التفاوض التقسيمي وتكتيكاته‪.‬‬

‫أ‪ .‬مراحل التفاوض التقسيمي‪:‬‬


‫يقسم آنستي التفاوض التقسيمي إلى أربعة مراحل‪:‬‬

‫اإلعداد‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫في هذه المرحلة يجب على األطراف أن يتجنبوا اتخاذ خطوات أو سلوكيات تركز على الدفاع‬
‫عن مواقفهم لتحديد موضوعات النـزاع التي سيتم التفاوض عليها‪ .‬في هذه المرحلة يجب على األطراف‬
‫أن يقوموا بالتالي‪:‬‬

‫• تحديد الموضوعات‬

‫• فصل الموضوعات‬

‫• إعطاء أولويات للموضوعات‬

‫• تحديد مساحة المفاوضة أو المساومة‪ :‬تحديد نتائج مثالية‪ ،‬وبديلة‪ ،‬وغير مقبولة‬

‫• تقييم القوة‬

‫• إعداد خطة التحرك‪ :‬التنازل أو البحث عن أرضية مشتركة‪ ،‬أو استخدام أساليب ضغط‬
‫وتحديد الخطوات األولية‪ .‬بصفة عامة فإن األطراف في هذه المرحلة يحددون‬
‫موضوعات التفاوض‪ ،‬ويعمل كل طرف على تحديد سقف أعلى أو أدنى لكل موضوع‬
‫‪91‬‬
‫بنا ًءا على تقييمات القوة وأهمية الموضوع‪ .‬يجب على األطراف أن يدرسوا مسألة‬
‫السقف البديل الذي يمكن قبوله في حالة عدم إمكانية الوصول إلى السقف المثالي‪.‬‬

‫افتتاح التفاوض‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫في هذه المرحلة يبدأ األطراف في تحديد مواقفهم حيال مختلف الموضوعات‪ .‬وتتضمن هذه‬
‫المرحلة أربع خطوات‪:‬‬

‫(أ) وضع حدود للتفاوض أو المساومة‬

‫(ب) تحضير مناخ المفاوضة أو المساومة‬

‫(ج) الدفاع عن المطالب‪/‬المواقف وتبريرها وتوضيحها‬

‫(د) إدارة دفة التوقعات‬

‫بصفة عامة‪ ،‬يحاول األطراف في هذه المرحلة أن يحددوا أهدافهم‪ ،‬وعادة ما يبدأون بتحديد‬
‫سقفهم األعلى‪ ،‬والتركيز على الموضوعات التي تعنيهم‪ .‬وبينما يلجأ البعض إلى أساليب افتتاحية‬
‫معبرا بصدق عما يريده‬
‫ً‬ ‫هجومية‪ ،‬فإن النصيحة التي يقدمها آنستي هنا هي أن يكون المفاوض‬
‫)‪ ،(sincere‬ذلك ألن اتخاذ خطوات تصالحيه أو هجومية ال تعبر عما يسعى إليه المفاوض أو يقدر‬
‫على تحقيقه قد يؤثر سلبًا على سير المفاوضات‪ .‬كما أن المفاوضين في هذه المرحلة يقيمون مدى أهمية‬
‫ضا عواقب فشل أو تعطيل المفاوضات‪ ،‬وهو ما سبق اإلشارة‬
‫كل موضوع للطرف اآلخر‪ ،‬ويقيمون أي ً‬
‫إليه آنفًا بلفظ ‪.BATNA: Best Alternative to Negotiated Agreement‬‬

‫المفاوضة أو المساومة‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫تشتمل هذه المرحلة على ثالثة خطوات‪:‬‬

‫(أ) التلميح أو إعطاء اإلشارة بتقديم عرض‬

‫(ب) تقديم عروض‬

‫(ج) تجميع وتوصيل الموضوعات والتفاوض أو المساومة عليها‬


‫‪92‬‬
‫في هذه المرحلة يتجه األطراف من مرحلة االفتتاح إلى إعطاء إشارات واضحة أو ضمنية بأنهم‬
‫راغبين في التفاوض بشأن موضوعاتهم‪ .‬ويحذر كثير من منظري التفاوض من إعطاء إشارات تدل‬
‫على االستعداد للتنازل بدون مقابل مناسب‪ ،‬أو إبداء بوادر حسن النوايا‪ .‬وهذا أمر قابل للجدل بالطبع‪،‬‬
‫خاصةً في إطار المنظورات الثقافية المختلفة‪ .‬المهم هنا أن تكون اإلشارة مشروطة‪ ،‬وأن تتخذ صفة‬
‫العموم أكثر من أن تتركز على موضوع بعينه‪ .‬هذا يسمح بمرونة أكثر عند مناقشة العروض الحقًا‪،‬‬
‫كما أنه يساعد الطرف البادئ باإلشارة أن ينتظر إشارة مماثلة قبل االلتزام بأي تعهد محدد‪.‬‬

‫ثم ينتقل األطراف بعد ذلك إلى خطوة تقديم العروض‪ ،‬وفيها يكونون أكثر تحديدًا بشأن‬
‫موضوعات معينة‪ ،‬ويعرضوا فيها مقترحات تتفق مع السقف المثالي أو السقف البديل المقبول ‪Fall‬‬
‫‪ .Back‬وينصح منظري المفاوضات بأن يلجأ األطراف هنا إلى تجميع وتوصيل الموضوعات‬
‫‪ .Packaging and Linking‬وهذا أمر في غاية األهمية في عملية التفاوض‪ ،‬إذ أن تجميع وتوصيل‬
‫الموضوعات يفتح المجال لقبول تنازالت على موضوع معين مقابل مكاسب في موضوع آخر‪.‬ومن‬
‫الضروري هنا أن يلقى تنازل أحد األطراف على موضوع معين تقدير الطرف اآلخر ألن هذا هو الذي‬
‫يجعل ذلك اآلخر مستعدًا لتقديم تنازل بدوره في شأن آخر‪ .‬وهذا اإلدراك بأن تنازالً معينًا سوف يالقى‬
‫بتقدير من اآلخر ال يحدث بالصدفة‪ ،‬وإنما هو نتاج فهم موضوعات النـزاع وأهميتها‪ ،‬والذي تم في‬
‫مرحلة اإلعداد األولى وفي مرحلة افتتاح التفاوض‪ .‬ومن أهم مبادئ التجميع والتوصيل أن يقوم طرف‬
‫بعرض مقترح ذو صفة العمومية وأن يعلق ذلك على شروط قبل أن يلتزم بمقترح ذو صفة محددة‬
‫يصعب تعديله أو العدول عنه الحقًا‪.‬‬

‫االتفاق واإلتمام‪:‬‬ ‫‪-4‬‬

‫المرحلة األخيرة في التفاوض هي الوصول إلى اتفاق‪ .‬وهذه المرحلة أحيانًا تكون مشوبة‬
‫بالحذر والتردد‪ .‬ومن أجل التخلص من محاوالت التنصل من اتفاق أو التردد بشأنه‪ ،‬يقترح آنستي‬
‫‪-‬مستندًا إلى أتكينسون‪ -‬خمسة آليات‪:‬‬

‫إعالن االتفاق‬ ‫•‬


‫كتابة االتفاق‬ ‫•‬
‫تذكير اآلخر بأن االتفاق متسق مع اتفاقات ومفاوضات ماضية‬ ‫•‬
‫‪93‬‬
‫مغادرة التفاوض‬ ‫•‬
‫التهديد بوسائل ضغط مثل اإلضراب‬ ‫•‬

‫وهذه اآلليات (المغادرة والتهديد) ال تخلو من المخاطر؛ إذ يمكن أن تؤدي إلى تعنت الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬وبالتالي انهيار المفاوضات‪ .‬ولذلك يجب إتباعها بحرص‪ ،‬ومع استمرار فتح مجال التفاوض‪.‬‬
‫ويمكن أن نتصور ضعف موقف المفاوضين الذين يلجئون لمغادرة التفاوض لو أن الظروف أجبرتهم‬
‫على العودة إلى طاولة المفاوضات‪.‬‬

‫ب‪ .‬تكتيكات التفاوض التقسيمي‪:‬‬


‫أثناء التفاوض‪ ،‬يواجه األطراف مواقف عديدة تتطلب منهم أن يتصرفوا بأسلوب أو آخر‬
‫حتى يمكن الوصول إلى اتفاق‪ ،‬وفي نفس الوقت يمكن تحقيق أقصى قدر من مصالحهم‪ .‬ونسرد‬
‫هنا بعض هذه التكتيكات التي بوبها آنستي على النحو التالي‪:‬‬

‫تكتيكات تتعلق بالموضوعات‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫إبراز نقاط ضعف أو تناقض أو خطأ في منطق الطرف اآلخر‬ ‫•‬


‫المطالبة بتبرير أو شرح لمطالب اآلخر‬ ‫•‬
‫تقديم معلومات إضافية‬ ‫•‬
‫عقد مقارنات‬ ‫•‬
‫تجنب االسترسال في الجدل‬ ‫•‬
‫إبراز الجوانب اإليجابية للعرض المقدم والجوانب السلبية للعرض الذي يقدمه‬ ‫•‬
‫الطرف اآلخر‬

‫تكتيكات للضغط‪:‬‬ ‫‪-2‬‬

‫تفريق أعضاء الفريق األول‬ ‫•‬

‫فرض أجل زمني أو مطلب نهائي‬ ‫•‬


‫‪94‬‬
‫التهديد بإنهاء التفاوض‬ ‫•‬

‫التنويه إلى نفاذ الصبر لدى من يمثلهم المفاوض‬ ‫•‬

‫تكتيكات لمواجهة الضغط‪:‬‬ ‫‪-3‬‬

‫عقد اجتماع خاص وسري ‪Caucus‬‬ ‫•‬


‫رد الفعل الهادئ في مواجهة االنفعال‬ ‫•‬
‫طلب عروض محددة من الطرف اآلخر‬ ‫•‬
‫استخدام المزاح‬ ‫•‬
‫التركيز على المشكلة وليس الشخص‬ ‫•‬
‫االعتذار غير المصحوب بتهديد‬ ‫•‬
‫االلتزام بإجراءات التفاوض‬ ‫•‬
‫كشف التكتيكات السيئة‬ ‫•‬
‫االستمرار في التركيز على مناقشة الموضوعات‬ ‫•‬
‫االستجابة للحاجات والعواطف‬ ‫•‬
‫التمييز بين مطالب حقيقة وأخرى مبالغ فيها‬ ‫•‬
‫االستراحة بغرض تهدئة الموقف‬ ‫•‬
‫تجنب ردود الفعل العنيفة‬ ‫•‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫التفاوض التكاملي‬

‫سوف نتناول في هذا الفصل بالتفصيل مبادئ التفاوض التكاملي‪ ،‬وهو يختلف عن التفاوض‬
‫التقسيمي في أنه ال يعتمد علي مبدأ المساومة علي مواقف محددة لكل طرف‪ ،‬ومحاولة التقريب بين‬
‫هذه المواقف باستخدام تكتيكات ذكرناها في الفصل السابق‪ .‬في هذا النوع من التفاوض يفترض أن‬
‫األطراف معنيين بالمحافظة علي عالقة طيبة وإنهم قادرين علي فصل مصالحهم ‪ interests‬عن‬
‫ضا مدركين ألهمية الفصل بين المشاكل والناس ‪separate‬‬
‫مطالبهم‪/‬مواقفهم ‪ ،positions‬وأي ً‬
‫‪ ،people from the problem‬وأهمية التعامل برفق مع الناس وبحزم مع المشاكل ‪Soft on‬‬
‫‪ .people, Hard on problems‬وقد نسق آنستي هذا النموذج للتفاوض في ثالثة إطارات‪:‬‬

‫أ‪ -‬االستراتيجية‬

‫ب‪ -‬التعامل مع الناس‬

‫ج‪ -‬التعامل مع المشاكل‬

‫ضا من تفاصيل هذه اإلطارات‪.‬‬


‫وسوف نستعرض هنا بع ً‬

‫(أ) اإلستراتيجية‪:‬‬
‫تعتمد االستراتيجية هنا علي عنصرين ‪:‬‬

‫‪ -1‬الموقف البناء غير المشروط‪:‬‬

‫وهذا يعني أن طرف النـزاع يجب أن يتبني موقفًا ثابت ًا تجاه التعامل مع التفاوض‪ ،‬وهو موقف‬
‫مبني علي اإليمان بضرورة بذل الجهد إلدراك احتياجاته وكذلك احتياجات اآلخرين‪ ،‬والعمل حثيث ًا‬
‫إليجاد حلوالً مرضية لكل األطراف‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫بمعني أخر‪ ،‬فإن هذا المبدأ أو الموقف هو إيمان واقتناع وسلوك مكتملين لدي طرف النـزاع‬
‫علي كيفية التفاوض‪ ،‬وال يزعزع هذا المبدأ أو الموقف كون الطرف األخر ال ينتهجه‪ .‬ويري آنستي‬
‫أن هذا المبدأ أو الموقف‪ ،‬طالما ارتبط بانتهاج أساليب تفاوض تعني بمراعاة مصالح األطراف‪ ،‬من‬
‫ضا إلي الحفاظ علي العالقة الطيبة بين األطراف‪.‬‬
‫شأنه ليس فقط أن يؤدي إلي حل النـزاعات‪ ،‬وإنما أي ً‬

‫‪ -2‬فصل الناس عن المشكلة‪:‬‬

‫عادة ما تؤدي النـزاعات إلي أن يخلط األطراف بين مصالحهم المتعارضة‪ ،‬وبين عالقتهم‬
‫باألطراف األخرى‪ .‬ويؤدي هذا الخلط إلي خلق موقف عدائي تجاه األطراف األخرى‪ ،‬والتعامل مع‬
‫النـزاع عليى أنه أمر غير قابل إال لرضوخ اآلخر لما يرضي األول‪ .‬ولذلك يقترح منظري نموذج‬
‫التفاوض التكاملي إن إحدى االستراتيجيتين هي فصل العالقة مع األطراف األخرى عن المشاكل‬
‫موضوع النـزاع‪.‬‬

‫وبنا ًءا علي اتباع تلك االستراتجيتين‪ ،‬يمكن تفضيل نوعين من أنشطة التفاوض؛ احدهما يتعلق‬
‫بالتعامل مع الناس واألخر يتعلق بالتعامل مع المشاكل‪.‬‬

‫(ب) التعامل مع الناس‪:‬‬


‫يعتمد هذا المبدأ علي خمسة عوامل ‪:‬‬

‫‪ -1‬التفهم‪:‬‬

‫عادة ما ينشأ سوء التفاهم في النـزاع من تصورات خاطئة نتيجة سوء التواصل‪ ،‬أو تبادل‬
‫المعلومات أو االفتراضات الخاطئة‪ ،‬أو الجهل‪ ،‬أو خشية الخسارة‪ .‬ولذلك‪ ،‬ينصح منظري هذا‬
‫النموذج للتفاوض بالخطوات التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬استكشف أفكار األطراف األخرى للتأكد من أن تصورنا بشأن النـزاع ليس مبنيـًّا‬
‫علي افتراضاتنا‬

‫‪ -‬تساءل عن ما يهم األطراف األخرى (ما هي مصالحهم وتصوراتهم وقيمهم)‬

‫‪ -‬تغلب علي خشية التخلص من تصورات مسبقة ومواقف صلبة‬

‫‪97‬‬
‫‪ -‬انفتح لألفكار والمعلومات الجديدة‬

‫‪ -‬تعلم من القصة التي يرويها األطراف األخرى‬

‫‪ -‬ادرك طبيعة النـزاع من وجة نظر اآلخرين ‪Empathy‬‬

‫‪ -‬ال تجعل مخاوفك ترسم لك نواياهم‬

‫‪ -‬ال تلوم اآلخرين بسبب مشاكلك‬

‫‪ -‬تنافس بشأن التصورات المتبادلة واتبع سلوكيات ال تتفق مع تصوراتهم الخاطئة‬


‫عنك‬

‫وبشأن التعامل مع العواطف واالنفعاالت أثناء النـزاع يقترح فيشر – يوري ‪:‬‬

‫‪ -‬تفهم عواطفك وانفعاالتك وعواطفهم وانفعاالتهم‬

‫‪ -‬أفسح المجال للتعبير عن العواطف ولتفهمها‬

‫‪ -‬ال ترد علي االنفعاالت‬

‫‪ -‬استخدم تعبيرات تدل علي الكياسة واللطف‬

‫‪ -2‬التواصل ‪:‬‬

‫أثناء حاالت النـزاع‪ ،‬تؤدي العوامل التالية إلي إعاقة التواصل بين األطراف‪:‬‬

‫‪ -‬االعتقاد بأنه ال حاجة للتحدث أو التواصل مع اآلخر‬

‫‪ -‬التحدث لآلخر دون االستماع إليه‬

‫‪ -‬تناقض وارتباك المعلومات التي تصل إلى الطرف األخر والتي تصل منه‬

‫ويقترح فيشر ويوري األساليب التالية للتغلب علي هذه العوائق ‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫‪ -‬التحدث بأسلوب واضح ومفهوم للطرف اآلخر‬

‫‪ -‬التعبير عن حاجاتك ومصالحك وليس عن ما يخص األخر‬

‫‪ -‬التحدث الهادف بخالف مجرد التحدث‬

‫‪ -‬استشر آخرين قبل اتخاذ قرارات قد تتأثر بالعواطف واالنفعاالت وقد يساء فهمها‬

‫‪ -‬استمع لألخر مليًّا ‪ Active listening‬حتى يزداد قدر التفاهم والتجاوب بينكم‬

‫‪ -3‬تحكيم العقل‪:‬‬

‫العواطف واالنفعاالت بقدر معقول وإيجابي يمكن أن تساعد علي الوصول إلى تسوية للنـزاع‪.‬‬
‫ولكن غالبًا ما تؤدي عواطف مثل الغضب والخوف إلى تدهور العالقة بين أطراف النـزاع‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫فإن تحكيم العقل مع إعطاء جرعة كافية من العواطف االيجابية يسهمان في الوصول إلي تسوية‬
‫للنـزاع‪ .‬ويقترح فيشر وبراون الخطوات التالية‪:‬‬

‫‪ -‬كن مدركا للعواطف التي تؤثر فيك وتؤثر في الطرف األخر‪ ،‬ومدي تأثيرها علي‬
‫سلوككم‬

‫‪ -‬تجنب رد الفعل االنفعالي وتحكم في سلوكك‪ .‬من السهل االنزالق في حلقة الفعل‬
‫ضا اللجوء إلي ردود عدوانية تم‬
‫ورد الفعل االنفعالي أثناء النـزاع‪ ،‬ومن السهل أي ً‬
‫تعلمها واختزانها وجدانيًّا علي مر السنين‪ .‬ولذلك‪ ،‬ربما يكون احد مفاتيح النجاح في‬
‫التعامل مع النـزاع يكمن في قدرة األطراف علي التحلي بالصبر والحكمة قبل رد‬
‫الفعل‪.‬‬

‫‪ -‬تفهم وجود العواطف وإمكانية تطورها‪ .‬من الضروري أن نفسح المجال إلدراك‬
‫نوعية العواطف المؤثرة علي النـزاع‪ ،‬ألن ذلك يسمح لنا بالتعامل معها بشكل‬
‫إيجابي‪ ،‬بينما يؤدي تجاهلها أو عدم إدراك وجودها إلي أن تتحكم هي في سير‬
‫األمور‪ .‬ويجب علي األطراف أن يبذلوا الجهد لتجنب االنفعاالت العنيفة‪ ،‬وأن تكون‬
‫لديهم الشجاعة األدبية واألخالقية لالعتذار عنها إن بدرت منهم‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -4‬السلوك المسئول الذي يمكن اإلعتماد عليه ‪:Reliability‬‬

‫إن أحد أسباب تفاقم النـزاعات هو أن األطراف يتصرفون علي نحو ال يوحي بالثقة فيهم‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬من الضروري أن يسأل كل طرف عن مدي تناقض سلوكه أو ظهوره بمظهر غير المسئول‪،‬‬
‫أو غير القادر علي المحافظة علي الوعود‪ ،‬أو غير األمين‪ .‬كل هذه سلوكيات يراها اآلخر سببًا‬
‫لفقدان الثقة‪ ،‬مما يؤدي إلي تدهور العالقة‪ .‬ولذلك‪ ،‬ينصح منظري هذا النموذج للتفاوض بأن يراعي‬
‫األطراف في سلوكهم األتي‪:‬‬

‫أن يكون السلوك منطقي‬ ‫‪-‬‬

‫أن يكون السلوك واضح القصد‬ ‫‪-‬‬

‫أن توفى الوعود‬ ‫‪-‬‬

‫أن تسود األمانة والصدق مع المحافظة علي السرية ما لزم األمر‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫كما ينصح منظرو هذا النموذج للتفاوض أن يعمل كل طرف علي تشجيع السلوك المسئول‬
‫المعتمد عليه من الطرف األخر بأن يتجنبوا إلقاء اللوم أو إلصاق التهم بعدم جدية اآلخر بشكل مطلق‬
‫وغير محدد‪ ،‬وأن يركزوا أي لوم آو اتهام بعدم الجدية أو المسئولية علي تصرفات محددة‪ ،‬وليس‬
‫علي شخص الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪ -5‬اإلقناع دون اإلكراه‪:‬‬

‫في مجال التفاوض‪ ،‬تؤدي السلوكيات النابعة من منطلق فرض اإلرادة وإكراه اآلخر إلي‬
‫الوصول إلي اتفاقيات ال تستند إلي قناعة من فرضت عليهم‪ ،‬إذ لم تأخذ في االعتبار مصالحهم أو‬
‫آرائهم في االتفاق‪ .‬وتتصف السلوكيات اإلكراهية بالتالي‪:‬‬

‫‪ -‬مهاجمة شخص الطرف اآلخر وليس المشكلة‬

‫‪ -‬تصور عملية التفاوض علي أنها منافسة وليست وسيلة لحل مشكلة‬

‫‪ -‬تصميم مبكر علي مواقف محددة‬


‫‪100‬‬
‫‪ -‬تمسك بمواقف صلبة وليس بمصالح‬

‫‪ -‬إتباع مبدأ "أما هذا أو ذاك" بدالً من توسيع نطاق االحتماالت‬

‫‪ -‬بذل الجهد لكسر عزيمة الطرف اآلخر بدالً من إقناعه بنا ًءا علي مبادئ عادلة‬

‫‪ -‬التهديد بعواقب وخيمة في حالة عدم الرضوخ‬

‫‪ -6‬قبول الطرف اآلخر‪:‬‬

‫بدون القبول بالطرف اآلخر وشرعيته ربما يستحيل الوصول إلي اتفاق أو حتى الخوض في‬
‫مفاوضات ذات معني‪ .‬و يؤدي عدم قبول اآلخر بطبيعة الحال إلي تفاقم النـزاع‪ ،‬إذ يكثف األطراف‬
‫من استخدام عوامل سيكولوجية وسلوكيات تعضد من ال آدمية اآلخر أو شيطنته‪ ،‬أو تبرر التعامل‬
‫العنيف معه‪ .‬ولذلك يقترح فيشر وبراون في كتابهما ‪(Getting Together: Building‬‬
‫)‪ Relationships As We Negotiate,1989‬التالي‪:‬‬

‫‪ -‬القبول غير المشروط للطرف اآلخر‪ ،‬وهو ماال يستتبع بالضرورة قبول سلوكه غير‬
‫المقبول‬

‫‪ -‬إبداء االهتمام والرغبة في التعاون لحل المشاكل‬

‫‪ -‬إقامة عالقة صحيحة تسمح بالتفاوض ال يتبعه بالضرورة قبول قيم أو تصورات‬
‫الطرف اآلخر أو سلوكه‬

‫‪ -‬التعامل باحترام وتجنب وضع الطرف اآلخر في قوالب سلبية‬

‫‪ -‬إعطاء مصالح الطرف اآلخر قدرها من الشرعية‬

‫بالطبع يؤدي إتباع هذا المبدأ إلي المجازفة بقبول سلوكيات غير مقبولة من الطرف اآلخر‪،‬‬
‫أو إعطائه االنطباع بأن هذا القبول يشكل ضعفًا‪ ،‬ولكن مؤيدو هذا النموذج للتفاوض يرون أن قبول‬
‫اآلخر ‪-‬دون قبول سلوكه غير المقبول‪ -‬يجب أن يكون مبدأ ً عا ًما في تعاملنا كل الوقت مع اآلخرين‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫(ج) التعامل مع المشاكل‪:‬‬
‫‪ -1‬التركيز علي المصالح وليس علي المطالب‪/‬المواقف‪:‬‬

‫أساس هذا األسلوب هو اإلدراك أن النـزاع يقوم ليس علي المواقف المعلنة‪ ،‬والتي عادة يصمم‬
‫عليها األطراف‪ ،‬وإنما علي مصالح واحتياجات ومخاوف ورغبات‪ .‬والتفاوض الناجح هو الذي‬
‫قدرا‬
‫يساعد األطراف علي استكشاف هذه المساحة لدي كل طرف‪ .‬وهنا يمكن لألطراف أن يجدوا ً‬
‫من االتفاق والتجاوب‪ ،‬وليس فقط التناقض واالختالف‪ .‬ويقترح منظرو هذا النموذج التفاوضي‬
‫الخطوات التالية‪:‬‬

‫تحديد مصالح األطراف‬ ‫‪-‬‬

‫إدراك تعدد المصالح وما تتضمنه من احتياجات أساسية لكل طرف‬ ‫‪-‬‬

‫االستماع بوعي لمصالح كل طرف‬ ‫‪-‬‬

‫التحدث بوضوح ودقة عن مصالحك‬ ‫‪-‬‬

‫إدراك مصالح اآلخرين كجزء من النـزاع‬ ‫‪-‬‬

‫استعراض المشاكل قبل البحث عن حلول‬ ‫‪-‬‬

‫االستعانة بالنظر لألمام وليس للخلف‬ ‫‪-‬‬

‫ضا مرن‬
‫جعل سلوكك التفاوضي محدد وأي ً‬ ‫‪-‬‬

‫الرفق بالناس والغلظة علي المشاكل‬ ‫‪-‬‬

‫الحزم والتفتح‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -2‬ابتداع خيارات تحقق مكاسب متبادلة‪:‬‬

‫من ضمن ما يحول دون الوصول إلي اتفاق في مرحلة البحث عن حلول‪:‬‬

‫الوصول إلي قرار نهائي سابق ألوانه‬ ‫‪-‬‬


‫‪102‬‬
‫التركيز علي حل واحد يقوم علي تقسيم المكاسب‬ ‫‪-‬‬

‫تصور مصالح األطراف علي إنها تمثل قيمة عينية محددة يجب التنافس لنيلها‬ ‫‪-‬‬
‫إلي أقصي درجة ممكنة‪.‬‬

‫ويقترح منظرو هذا النموذج التفاوضي األساليب التالية من اجل ابتداع خيارات تحقق مكاسب‬
‫متبادلة‪:‬‬

‫عدم الخلط بين ابتداع خيارات وبين تقييمها‬ ‫‪-‬‬

‫توسيع دائرة ذوي الخبرة في ابتكار أو ابتداع خيارات مالئمة يمكنها معالجة‬ ‫‪-‬‬
‫األمور من وجهات نظر مختلفة‬

‫البحث عن المكاسب المتبادلة في كل خيار عن طريق موافقة الخيار لمصالح‬ ‫‪-‬‬


‫الطرف اآلخر وسؤاله عن ما يراه مناسبًا‬

‫مساعدة الطرف اآلخر علي اتخاذ قرارات بشأن هذه الخيارات بأن تتفهم‬ ‫‪-‬‬
‫مصالحه في النـزاع من وجهة نظره‪.‬‬

‫‪ -3‬ترسيخ معيار موضوعي لتنفيذ االتفاق‪:‬‬

‫أخيرا‬
‫ً‬ ‫مهما اجتهد األطراف لتأكيد حسن نواياهم وتفهم موقف اآلخر‪ ،‬سوف يصل التفاوض‬
‫إلي مرحلة االتفاق‪ .‬وهنا قد يؤدي اتفاق غامض أو قابل لعدة تفسيرات إلي تدهور الموقف‪ ،‬ولذلك‬
‫يجب علي األطراف أن يبذلوا مجهو ًدا لوضع معايير موضوعية لتنفيذ االتفاق‪.‬‬

‫هذه المعايير يمكن أن تتعلق بصلب الموضوع‪ ،‬أو المصالح ذاتها‪ ،‬أو باإلجراءات التي‬
‫يتبعونها لتنفيذ مصالحهم‪ .‬علي سبيل المثال‪ ،‬فإن اتفاق مقاول ومالك عقار علي وضع أساس منزل‬
‫بعمق معين يمكن أن يتبع معيار معين موضوعي بناء علي الحد األقصى واألدنى الذي تحدده إدارة‬
‫الحي‪ .‬نموذج للمعيار الموضوعي المتعلق باإلجراءات أن يتفق أطراف صفقة ما علي أن يتركوا‬
‫أمر تثمين سلعة ما لخبير موثوق به‪ .‬وينصح فيشر ويوري بالتالي‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫معالجة كل موضوع اتفاق علي أنه عمل مشترك لوضع معيار موضوعي‬ ‫‪-‬‬

‫تحكيم العقل بشأن أفضل المعايير الموضوعية‬ ‫‪-‬‬

‫ال إذعان للضغط وإنما استجابة لمبدأ المعيار الموضوعي‬ ‫‪-‬‬

‫‪104‬‬
105
‫الباب الرابع‬
‫الوساطة‬

‫‪106‬‬
107
‫الفصل األول‬

‫تعريف الوساطة‬

‫أوضحنا في الباب السابق أن المفاوضات تقع عادة بين أطراف النـزاع بشكل مباشر‪ ،‬أو أحيانًا‬
‫بشكل غير مباشر من خالل طرف ثالث يتولى نقل المقترحات والمواقف بين األطراف‪ .‬الوساطة هي‬
‫دورا أساسيًّا وليس فقط دور‬
‫ضا أحد مجهودات إدارة وحل النـزاع التي يلعب فيها الطرف الثالث ً‬
‫أي ً‬
‫المراسلة‪ .‬سوف نتناول في هذا الفصل تعريف الوساطة‪ ،‬ونتناول بالشرح نماذجها الرئيسية‪ ،‬وأنواع‬
‫الوسطاء‪ ،‬وكيفية عمل الوساطة والمراحل المختلفة التي تمر بها‪.‬‬

‫لعل الوساطة تعتبر أهم إنجازات مجال دراسات السالم والنـزاع من الناحية التطبيقية والعملية‪.‬‬
‫وقد بدأ االهتمام بدراسة الوساطة ووضع مبادئها وأساليبها منذ الخمسينيات والستينيات في الواليات‬
‫المتحدة‪ ،‬وذلك بهدف تطبيق وسائل أكثر فعالية لحل وإدارة منازعات النقابات العمالية مع أصحاب‬
‫العمل والشركات الضخمة (‪ .)Moore 1994‬واعتبرت الوساطة إحدى الوسائل الفعالة ألنها جنبت‬
‫أطراف تلك النـزاعات اللجوء إلى القضاء‪ ،‬حيث يستغرق الفصل في القضايا وقتًا طويالً‪ ،‬كما أن‬
‫مخاطرة المكسب أو الخسارة تتعاظم في المحاكم‪ .‬وكلما أثبتت الوساطة كأحد أساليب إدارة وحل النـزاع‬
‫نجا ًحا في مجال منازعات العمل‪ ،‬امتد تطبيقها إلى مجال المعامالت التجارية والمالية‪ ،‬ثم امتدت بشكل‬
‫مؤثر في مجال النـزاعات العائلية خاصة قضايا الطالق والنفقة والحضانة‪ .‬ويتطلب النظام القضائي‬
‫في معظم الواليات المتحدة أن يلجأ أطراف تلك النـزاعات إلى الوساطة قبل أن ينظر القاضي في‬
‫الدعوى‪.‬‬

‫كبيرا في مجال النـزاعات الدولية‪ .‬ولعل نموذج‬


‫ً‬ ‫دورا‬
‫وبالطبع فإن الوساطة دائ ًما ما احتلت ً‬
‫الوساطة التي قام بها هنري كيسنجر بين مصر وإسرائيل وما تالها من جهود الرئيس كارتر تقدم أمثلة‬
‫للوساطة الدولية‪ ،‬إال أنه يجب هنا أن نوضح أن نوعية الوساطة التي قام بها كيسنجر وكارتر تختلف‬
‫نوعيًّا عن الوساطة وفق المفهوم الشمال األمريكي الذي سنتعرض له في هذا الفصل‪ .‬إن الميزة الرئيسية‬
‫لوساطة كيسنجر وكارتر هو أنها عبرت عما يمكن تسميته بـ"الوساطة ذات العضالت"‪ .‬أي أن الوسيط‬

‫‪108‬‬
‫قدرا كافيًّا يمكنه من توجيه نتائج الوساطة عندما تصل‬
‫يمتلك من القوة والتأثير على أطراف النـزاع ً‬
‫األمور إلى طريق مسدود‪.‬‬

‫ضا ليست غريبة عن كثير من المجتمعات العريقة ذات التاريخ الطويل والتقاليد مثل‬
‫الوساطة أي ً‬
‫مصر‪ .‬البدو في مصر لديهم أنظمة لحل وإدارة النـزاعات تحتوي على عناصر ممتزجة من الوساطة‬
‫والتحكيم‪ .‬كما أن الواقع االجتماعي في مصر يسمح للتدخل بأسلوب الوساطة في العديد من النـزاعات‬
‫الشخصية والعائلية واالجتماعية بشكل غير رسمي‪.‬‬

‫إال أنه رغم تواجد الوساطة على ساحة النـزاعات ألمد طويل سواء في المجتمعات العريقة أو‬
‫النـزاعات الدولية‪ ،‬إال أن الوساطة كما تطورت في الواليات المتحدة في العقود الخمسة األخيرة هي‬
‫التي حظت بقدر كبير من االهتمام األكاديمي‪ ،‬وتكونت حولها دراسات ال تحصى‪ ،‬وتأسست بنا ًء عليها‬
‫برامج تدريبية رسمية لتأهيل وسطاء محترفين‪ .‬وربما تكون سمة االحتراف هي إحدى مميزات وساطة‬
‫شمال أمريكا كما درج الباحثون على تسميتها‪ .‬بمعنى آخر فإن معظم الجهات الرسمية في الواليات‬
‫المتحدة تتطلب عند االستعانة بخدمات وسيط أن يكون مؤهل رسميًّا بمعرفة أحد جهات التدريس‬
‫المعتمدة‪.‬‬

‫وساطة شمال أمريكا‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬


‫في بداية البحث والتأسيس لحرفة الوساطة بالمفهوم الشمال أمريكي‪ ،‬ساد االعتقاد بأنها تمثل‬
‫نموذ ًجا عالميًّا قابالً للتطبيق في معظم النـزاعات‪ .‬ويمكن تلخيص أساسيات وساطة شمال أمريكا في‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬الوساطة هي الجهد الذي يقوم به طرف ثالث لمساعدة أطراف النـزاع على مناقشة‬
‫أوجه النـزاع وإيجاد وسائل إلدارته وحله‪.‬‬

‫‪ -2‬الوسيط هو طرف محايد ومستقل عن النـزاع وال تربطه باألطراف صلة يمكن أن‬
‫تؤثر على حياده واستقالله‪.‬‬

‫‪ -3‬الوسيط ليست له مصلحة في الوسائل التي يرتضيها األطراف إلدارة أو حل نزاعهم‪،‬‬


‫إال لو خالفت القانون أو القيم المعنية بحماية األطفال على سبيل المثال‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫‪ -4‬الوسيط يلعب دوره بإدارة المناقشة والمفاوضة بين األطراف‪ ،‬وال يتدخل في موضوع‬
‫النـزاع أو في الوسائل التي يمكن استخدامها إلدارته أو حله‪.‬‬

‫‪ -5‬الوسيط يضمن سرية موضوع الوساطة وإجراءاته‪ ،‬وال يحق له إبالغ أو إفشاء ما‬
‫يدور في جلسة الوساطة إال لو كانت هناك جريمة أو إمكانية حدوث جريمة‪.‬‬

‫‪ -6‬أطراف النـزاع هم الذين يختصون بالنـزاع‪ .‬الوسيط ليس طرفًا في النـزاع ودوره أن‬
‫يساعد األطراف على التفاهم وال يحق له حتى أن يبدي الرأي بشأن النـزاع أو كيفية‬
‫إدارته وحله‪.‬‬

‫وبناء على هذه المبادئ فإن الوسيط وفق المنهج الشمال أمريكي يعطي أطراف النـزاع كل‬
‫الحرية في التعبير عن وجهات نظرهم بشأن النـزاع وكيفية تأثيره عليهم‪ .‬كما يحاول الوسيط أن يشجع‬
‫ويساعد األطراف على أن يبتكروا حلوالً للنزاع كيفما يوافق مصالحهم‪ .‬فهو يحاول أن يوفر منا ًخا‬
‫هادئًا متعقالً يسمح لألطراف بتقييم مصالحهم واحتياجاتهم وكيفية تحقيقها بأسلوب سلمي وم ٍّ‬
‫رض‬
‫لألطراف‪ .‬وهو يوجه أسئلة ويطلب إيضاحات تهدف إلى مساعدة األطراف على وضوح رؤيتهم‪ .‬ولكنه‬
‫ال يقوم بمبادرات تحتوي على وجهة نظره في النـزاع أو كيفية إدارته أو حله‪ .‬وبالطبع فإن من أهم‬
‫أدوار الوسيط هو أن يهدئ توتر األطراف وأن يوجههم للمحافظة على واتباع قواعد المناقشة التي يتم‬
‫إعدادها في البداية والتي عادة ما تشتمل على عدم استخدام ألفاظ غير الئقة أو السباب أو مقاطعة اآلخر‪.‬‬

‫ب‪ .‬وساطة شمال أمريكا في مهب الفروق االجتماعية والثقافية‪:‬‬


‫كما ذكرنا فإن وساطة شمال أمريكا كانت تعتبر أسلوبًا عالميًا صال ًحا في كل مكان وزمان‪.‬‬
‫إال أنه مع دخول باحثين من ثقافات مختلفة في مجال دراسات السالم والنـزاع‪ ،‬وإزاء اكتشافهم‬
‫للضوابط الثقافية واالفتراضات االجتماعية التي أثرت على تأسيس وساطة شمال أمريكا وتقديمهم‬
‫لنماذج وساطة من واقع مجتمعات أخرى‪ ،‬تراجع باحثو شمال أمريكا عن ادعاء العالمية‪ .‬وقد أدرك‬
‫الجميع أنه بينما أسهمت الدراسات المتعمقة لوساطة شمال أمريكا في إبراز أهمية الوساطة‪ ،‬وبينما‬

‫‪110‬‬
‫ساهمت في توفير لغة ومصطلحات لباحثي ودارسي السالم والنـزاع‪ ،‬إال أنها تبقى محدودة التطبيق‬
‫بنا ًءا على استجابة بعض المجتمعات وبعض النـزاعات لمثل هذا النوع من التدخل في النـزاع‪.‬‬

‫ويهمنا هنا أن ننبه إلى أن وساطة شمال أمريكا مبنية على افتراضات تعبر عن فلسفة وقيم‬
‫كبيرا من الفردية والحرية الشخصية‬
‫قدرا ً‬
‫المجتمع الشمال‪-‬أمريكي الذكوري المهني‪ .‬فهي تفترض ً‬
‫واإلدراك المادي للنزاع واتباع التوجه المبني على الواقعية‪ .‬ولذلك تؤكد وساطة شمال أمريكا على‬
‫أن الوسيط ليس له أن يبدي رأيًا بشأن النـزاع أو كيفية إدارته أو حله‪ ،‬وأن األطراف هم الذين‬
‫يمكن لكل منهم أن يدرك مصلحته وحاجاته ويسعى لتحقيقها‪ .‬وهذه االفتراضات ربما تكون صالحة‬
‫عند معالجة نزاعات ذات طابع مادي بحت حتى في المجتمعات التقليدية‪ .‬ولكن عندما يشتمل النـزاع‬
‫على عنصر عالقة قوة‪ ،‬مثل النـزاعات األسرية‪ ،‬أو عندما يشتمل على عناصر الهوية أو الدين‪،‬‬
‫فإنه من الصعب تطبيق وساطة شمال أمريكا‪ .‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن دور الوسيط كطرف محايد‬
‫مستقل سلبي ال يوافق االحتياجات االجتماعية في العديد من الثقافات حيث يوجد اتجاه أقوى لتقبل‬
‫نصيحة الوسيط أو استعداده التخاذ موقف إيجابي تجاه ما يعتبر في المجتمع "صح أو غلط" أو‬
‫"حالل أو حرام"‪ .‬ولذلك نجد أن النسخة الحديثة لكتاب ‪ Chris Moore‬اشتملت على التقسيم‬
‫التالي ألنواع الوساطة‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪19‬‬
‫ماذا نريد من الوساطة؟ أنوع الوسطاء‬
‫وسيط لديه مصلحة الوسيط المستقل‬ ‫وسيط إداري‬ ‫الوسيط الخيّر‬ ‫وسيط الشبكة االجتماعية‬
‫خاصة‬

‫‪-‬لديه حيادية تجاه‬ ‫‪ -‬عادة ما يكون لديه ‪-‬لديه عالقة حالية أو‬ ‫‪ -‬قد يكون أو ال‬ ‫‪ -‬له عالقة مسبقة‬
‫العالقات والنتائج‪.‬‬ ‫مستقبلية مع أحد‬ ‫عالقة سلطوية مع‬ ‫يكون له عالقة‬ ‫ومستقبلية مع األطراف‬

‫‪ -‬يخدم طبقًا لرغبة‬ ‫األطراف قبل النزاع األطراف‪.‬‬ ‫حالية أو مستمرة‬ ‫الذين ينتمون للشبكة‬

‫األطراف‪.‬‬ ‫‪ -‬لديه مصلحة مهمة‬ ‫وبعد انتهائه‪.‬‬ ‫مع األطراف‪.‬‬ ‫االجتماعية‪.‬‬

‫‪ -‬قد يكون "وسيط‬ ‫في ما سيؤول له‬ ‫‪ -‬يبحث عن أفضل ‪ -‬يبحث عن حل يتم‬ ‫‪ -‬ليس بالضرورة محايدًا‪،‬‬

‫محترف"‪.‬‬ ‫النزاع‪.‬‬ ‫تصميمه مشاركة‬ ‫الحلول لجميع‬ ‫ولكن يعتقد أنه عادل من‬

‫‪ -‬يبحث عن حل‬ ‫بين الطرفين من‬ ‫األطراف‪.‬‬ ‫قبل الجميع‪.‬‬


‫‪ -‬يبحث عن حل مقبول‬
‫يتوافق مع مصلحة‬ ‫خالل عناصر‬ ‫‪ -‬عادة ما يكون‬ ‫‪ -‬مهتم بخلق عالقات ثابتة‬
‫وغير جبري تم‬
‫الوسيط أو أحد‬ ‫ملزمة‪.‬‬ ‫محايدًا بالنسبة‬ ‫طويلة األمد بين األطراف‬
‫التوصل إليه من‬
‫الطرفين‪.‬‬ ‫األطراف‪.‬‬ ‫‪ -‬لديه السلطة ليقدم‬ ‫للنتائج الجوهرية‬ ‫والمعارف‪.‬‬
‫النصحواالقتراحات‬ ‫الخاصة للنزاع‪.‬‬ ‫‪ -‬عادة ما يكون طرفًا في‬
‫‪ -‬قد يستخدم السطوة أو ‪ -‬قد يكون أو ال يكون‬
‫التخاذ القرار‪.‬‬
‫القوة الجبرية للوصول طرفًا في عملية التنفيذ‬ ‫‪ -‬لديه السلطة‬ ‫التطبيق‪.‬‬

‫والمتابعة ‪.‬‬ ‫إلى اتفاق‪.‬‬ ‫‪ -‬قد يكون لديه‬ ‫لتقديم النصح أو‬ ‫‪ -‬عادة ما تكون له عالقات‬
‫الموارد للمعاونة في‬ ‫االقتراح أو اتخاذ‬
‫‪ -‬قد يكون لديه الموارد ‪ -‬ليست لديه فرصة‬ ‫مع األطراف حتى انتهاء‬
‫للمساعدة في تنفيذ‬ ‫متابعة وتنفيذ‬ ‫القرار‬ ‫النزاع‪.‬‬
‫لفرض اتفاق‪.‬‬
‫ومتابعة االتفاق‪.‬‬ ‫االتفاق‪.‬‬ ‫‪ -‬قد يكون لديه‬ ‫‪ -‬قد يستخدم تأثيره‬
‫‪ -‬قد يستخدم السطوة أو‬ ‫‪ -‬لديه السلطة‬ ‫الشخصي أو يلجأ الستعمال الموارد الالزمة‬

‫القوة الجبرية لفرض‬ ‫لفرض اتفاق‪.‬‬ ‫للمساعدة في‬ ‫ضغط األقران أو‬
‫االتفاق‪.‬‬ ‫المتابعة والتنفيذ‪.‬‬ ‫المجموعة ليؤكد التمسك‬
‫باالتفاق‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫‪From Moore, Chris. The Process of Mediation. 1996. Jossey-Bass, California. 42-43.‬‬
‫‪112‬‬
‫كما يشتمل النموذج التالي على مقارنة ألسس الوساطة طبقًا لنموذج شمال أمريكا ونموذج‬
‫المجتمعات ذات التوجه الجماعي وليس الفردي‪.‬‬

‫القيم التي يتم التأكيد عليها في اتجاهات الوساطة المبنية على المصلحة‬
‫‪20‬‬
‫والوساطة التقليدية‬
‫الوساطة التقليدية‬ ‫الوساطة المبنية على المصلحة‬

‫االعتماد المتبادل‬ ‫التفرد‬

‫المسؤولية االجتماعية‬ ‫الذاتية‬

‫عمل الصواب‬ ‫االستقالل‬

‫التمسك بقيم مشتركة‬ ‫حرية االختيار‬

‫مسؤولية الجماعة‬ ‫تقرير المصير‬

‫ارتباط واندماج العالقة‬ ‫الحيادية‬

‫اإلنصاف‬ ‫وجود مسافة بين الطرف الثالث والمضمون‬

‫العدالة‬ ‫التواصل الفعال‬

‫الحكمة والتقاليد‬ ‫المساواة‬

‫التعاون‬ ‫التمكين‬

‫التناغم واالنسجام‬ ‫الوعي‬

‫‪20‬‬
‫‪Prepared by Michelle Lebaron and Amr Abdalla© November, 2000‬‬

‫‪113‬‬
‫ج‪ .‬كيف تعمل الوساطة؟‬
‫بداية‪ ،‬البد من االشارة إلى أنه ليس هناك مفاهيم ثابتة للوساطة وذات طابع تعريفي واحد أو قابل‬
‫لالستخدام في كل األزمنة‪ ،‬فمفاهيم الوساطة مرتبطة بالمتغيرات الثقافية حتى وإن بدت في ظاهرها‬
‫متشابهة اللفظ‪ ،‬ولكنها في الواقع هي مختلفة في المعنى بحسب البيئة والمنطقة التي تتداول بها‪،‬‬
‫األمرالذي يجعل هذه المفاهيم ديناميكية ومتحولة‪ .‬غير أنه وجدت مجموعة من العوامل المشتركة في‬
‫معظم هذه التعريفات‪ ،‬ونبدأ هنا بأحد هذه التعريفات البسيطة للوساطة كما عرفها آنستي بأنها "أحد‬
‫وسائل التدخل فى النزاع بمعرفة طرف ثالث لمساعدة األطراف ليجدوا تسوية مقبولة‬
‫لخالفهم" )‪.)Anstey, 1994, P. 249‬‬

‫وهذا التعريف ال يختلف كثيرا عن معظم تعريفات الوساطة التى تركز على أن الوساطة هى‬
‫مجهود طرف ثالث لمساعدة األطراف لتسوية نزاعاتهم‪ .‬لذلك‪ ،‬وللحديث عن الوساطة‪ ،‬نبدأ بالحديث‬
‫عن مواصفات وطبيعة هذا الطرف الثالث‪:‬‬

‫خطوات الوساطة ‪:‬‬

‫إستعرض ‪ Chris Moore‬فى كتابه ‪ The Mediation Process‬الخطوات التى تتبعها‬


‫عملية الوساطة‪ ،‬خاصةً الوساطة الحرفية او المهنية فى المفهوم الغربى‪ .‬وقبل سرد هذه الخطوات‪،‬‬
‫ضا إلى ما وصفه ‪ Moore‬بأدوار الوسيط ‪ ،Mediator Roles‬والمقصود بهذه األدوار هو‬
‫نشير أي ً‬
‫إبراز أن الوسيط يقوم بعدة أدوار ليساعد فى عملية التفاوض حسب ما تمكنه ظروف النزاع‪:‬‬

‫‪ -1‬مفتاح التواصل بين األطراف‬

‫‪ -2‬مانح الشرعية الذى يساعد كل االطراف فى الحصول على حقهم فى اإلنخراط فى عملية‬
‫التفاوض‬

‫‪ -3‬مدير عملية التفاوض‬

‫‪ -4‬المدرب الذى يعلم األطراف غير المحنكة مهارات التفاوض‬

‫‪ -5‬موفر مصادر المساعدة لألطراف من جهات الخبرة التى قد تسهم فى تسوية النزاع مثل‬
‫الخبراء الماليين والنفسيين‬

‫‪114‬‬
‫‪ -6‬مستكشف المشكلة الذى يساعد األطراف على تفهم أبعاد النزاع ووسائل تسويته‬

‫‪ -7‬المذكر بالواقع‪ .‬وهذا يعنى أن الوسيط يساعد األطراف على أن يدركوا مدى واقعية أهدافهم‪،‬‬
‫ومدى واقعية مقتراحتهم لتسوية النزاع‬

‫‪ -8‬كبش الفداء‪ :‬وهذا يعنى أن الوسيط أحيانًا يتلقى اللوم او النقد عن تسويات قد ال تكون مرضية‬
‫للرأى العام أو من يمثلهم المفاوضون‬

‫‪ -9‬القائد الذى يوجه دفة التفاوض بتقديم مقترحات تتعلق عادة ً بسير المفاوضة وأحيانًا بصلب‬
‫الموضوع )‪.(Moore 1996,p.18-19‬‬

‫ويستخدم الوسيط هذه األدوار أثناء تأديته لمهام الوساطة وفقًا للخطوات االثنى العشر التالية ‪:‬‬

‫المراحل اإلثنى عشرة لتحركات الوسيط‬

‫‪Chris Moore, The Mediation Process; P. 66-67‬‬

‫المرحلة (‪ :)7‬تعريف القضايا ووضع جدول‬ ‫المرحلة (‪ :)1‬خلق عالقة مع األطراف المتنازعة‬
‫أعمال‬ ‫االتصال المبدئي مع األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫عرف المواضيع العامة التي تهم األطراف‬ ‫‪-‬‬ ‫بناء المصداقية‬ ‫‪-‬‬
‫خذ الموافقة على القضايا التي سيتم‬ ‫‪-‬‬ ‫تشجيع التواصل‬ ‫‪-‬‬
‫مناقشتها‬ ‫تعريف األطراف بمنهج الوساطة‬ ‫‪-‬‬
‫حدد أسلوب التتابع للتعامل مع القضايا‬ ‫‪-‬‬ ‫ترسيخ التزام األطراف بمنهج الوساطة‬ ‫‪-‬‬

‫المرحلة (‪ :)8‬اكتشاف المصالح غير المعلنة‬ ‫المرحلة (‪ :)2‬اختيار استراتيجية لتوجيه عملية‬
‫لألطراف المتنازعة‬ ‫الوساطة‬

‫حدد االهتمامات اإلجرائية والجوهرية‬ ‫‪-‬‬ ‫معاونة األطراف على تقدير التوجهات‬ ‫‪-‬‬
‫والنفسية لكل من األطراف‬ ‫المختلفة إلدارة وحل النزاعات‬
‫عرف كل طرف باهتمامات ومصالح‬ ‫‪-‬‬ ‫معاونة األطراف الختيار اتجاه معين‬ ‫‪-‬‬
‫الطرف اآلخر‬ ‫التنسيق بين اتجاهات األطراف المعنية‬ ‫‪-‬‬

‫‪115‬‬
‫المراحل اإلثنى عشرة لتحركات الوسيط‬

‫‪Chris Moore, The Mediation Process; P. 66-67‬‬

‫المرحلة (‪ :)9‬خلق خيارات لالتفاق‬ ‫المرحلة (‪ :)3‬جمع وتحليل معلومات عن خلفية‬


‫الموضوع‬
‫طور الوعي لدى األطراف حول الحاجة‬ ‫‪-‬‬
‫لوجود خيارات متعددة‬ ‫جمع وتحليل المعلومات المهمة بالنسبة‬ ‫‪-‬‬
‫قلل من االلتزام بالمواقف ذات الخيار‬ ‫‪-‬‬ ‫لألفراد والموضوع والديناميكيات الخاصة‬
‫الواحد‬ ‫بالنزاع‬
‫اخلق خيارات مستخد ًما مساومة وضعية أو‬ ‫‪-‬‬ ‫التأكد من صحة المعلومات‬ ‫‪-‬‬
‫مصلحية‬ ‫التقليل من تأثير المعلومات غير الدقيقة‬ ‫‪-‬‬
‫وغير المتوفرة‬

‫المرحلة (‪ :)10‬تقييم خيارات االتفاق‬ ‫المرحلة (‪ :)4‬تصميم خطة مفصلة للوساطة‬

‫راجع مصلحة األطراف‬ ‫‪-‬‬ ‫قم بتعريف اإلستراتيجيات والخطوات غير‬ ‫‪-‬‬
‫قيم كيفية تحقيق المصلحة من خالل‬ ‫‪-‬‬ ‫المشروطة الناتجة عنها والتي تمكن‬
‫الخيارات المتاحة‬ ‫األطراف من التحرك في اتجاه الوصول إلى‬
‫قيم الثمن والعائد من اختيار البدائل‬ ‫‪-‬‬ ‫اتفاق‬
‫قم بتعريف الخطوات المشروطة لمجابهة‬ ‫‪-‬‬
‫المواقف الخاصة بالصراع‬

‫المرحلة (‪ :)11‬المساومة النهائية‬ ‫المرحلة (‪ :)5‬بناء الثقة والتعاون‬

‫متنام‬
‫ٍّ‬ ‫توصل إلى اتفاق إما من خالل تقارب‬ ‫‪-‬‬ ‫قم بتأهيل أطراف الصراع نفسيًّا‬ ‫‪-‬‬
‫أو مواقف أو طفرات نهائية لصفقة أو‬ ‫لالشتراك في مفاوضات حول أمور مهمة‬
‫معادلة مقبولة من الطرفين أو من خالل‬ ‫تعامل مع االنفعاالت القوية‬ ‫‪-‬‬
‫خلق أساليب إجرائية للوصول إلى اتفاق‬ ‫اضبط المفاهيم وحاول أن تقلل من آثار‬ ‫‪-‬‬
‫جوهري‬ ‫اآلراء الشائعة‬
‫قم ببناء قدرة إلدراك شرعية األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫والقضايا‬
‫قم ببناء الثقة‬ ‫‪-‬‬
‫وضح طرق االتصال‬ ‫‪-‬‬

‫‪116‬‬
‫المراحل اإلثنى عشرة لتحركات الوسيط‬

‫‪Chris Moore, The Mediation Process; P. 66-67‬‬

‫المرحلة (‪ :)12‬الوصول إلى اتفاق رسمي‬ ‫المرحلة (‪ :)6‬بدء جلسة المفاوضات‬

‫بين خطوات إجرائية لتفعيل االتفاق‬ ‫‪-‬‬ ‫قم بفتح المفاوضات بين األطراف‬ ‫‪-‬‬

‫أسًّس طريقة للتقييم والمتابعة‬ ‫‪-‬‬ ‫اخلق لهجة متفتحة وإيجابية‬ ‫‪-‬‬

‫اعمل على جعل االتفاق رسميًّا‬ ‫‪-‬‬ ‫رسخ مبادئ وقواعد لسلوك األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫أثناء الوساطة‬
‫وصمم آلية لتواصل األطراف والتزامهم‬ ‫‪-‬‬
‫باالتفاق‬ ‫ساعد األطراف على اكتشاف أهمية‬ ‫‪-‬‬
‫االلتزام والتأثير‬

‫ومن الطبيعى أن تتأثر الوساطة وخطواتها وأدوار الوسيط بعدة عناصر‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬درجة تفاقم النزاع وتوقيت تدخل الوسيط‬

‫‪ -2‬قدرة االطراف على تسوية النزاع‬

‫‪ -3‬توازن أو اختالل القوة بين االطراف وقدرة الوسيط على خلق التوازن بينهم‬

‫‪ -4‬إجراءات التفاوض التى يتبعها األطراف‬

‫‪ -5‬تعقد موضوعات النزاع‬

‫‪ -6‬دور ووظائف الوسيط كما حددها األطراف المعنية)‪(Moore 1996 , p.65‬‬

‫‪117‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الوسيط والوساطة‪ :‬كيفية االكتشاف والتفهم‬

‫سوف نناقش في هذا الفصل النقاط التالية بالترتيب‪:‬‬

‫أ‪ .‬طبيعة الوسيط ومصداقيته‬


‫ب‪ .‬استراتيجيات وتكتيكات عمل الوسيط‬
‫ج‪ .‬االكتشاف والتفهم‬

‫(أ) طبيعة الوسيط ومصداقيته‪:‬‬


‫مثلما تحظى الوساطة بأهمية بالغة فى مجال دراسات السالم والنزاع‪ ،‬فإن مسألة طبيعة الوسيط‬
‫ومصداقيتة تعد من أهم النقاط التى تثير جدالً بشأن االختالف الثقافى وتأثيره على هذه األمور‪ .‬وطالما‬
‫دارت النقاشات حول حيادية الوسيط ‪ Neutrality‬وكذلك ال انحيازيته ‪ .Impartiality‬فى األوساط‬
‫الغربية بالمعنى الضيق‪ ،‬تسود فكرتى الحيادية والال انحيازية كدعائم للوساطة‪ .‬ويذهب العديد من‬
‫المنظرين إلى أ ن هاتين الدعامتين تتطلبان على سبيل المثال أن ال تربط الوسيط اى عالقة بالطرفين‪،‬‬
‫وأن يمتنع الوسيط عن اإلدالء بأي رأي بشأن مقترحات الحلول‪ ،‬أو حتى بنجاح أو فشل الوساطة‪.‬‬

‫ولكن هذا االتجاه الغربى يواجه تحديًّا متعاظ ًما من ثقافات أخرى‪ ،‬وحتى من بعض المجتمعات‬
‫الغربية التى ال تزال تحتفظ بقدر من التشابك اإلجتماعي والتقاليد واألعراف‪ .‬وطبقًا لتلك الثقافات‬
‫والمجتمعات‪ ،‬فإن أهم صفة يجب أن يتحلى بها الوسيط هى الثقة والمصداقية ‪Trust and‬‬
‫‪.Credibility‬‬

‫إن ما يهتم به األطراف هو أن يلجاؤا إلى وسيط يثقون فيه ويؤمنون بنزاهته‪ ،‬حتى لو كانت‬
‫تربطه عالقة بأحد األطراف أو كليهما‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫ضا هو أن ال انحيازية الوسيط تساعد على تسيير دفة الوساطة بعدل‪ .‬ويمكن أن نتصور‬
‫ما يهم أي ً‬
‫أن مجتمعاتنا العربية وكذلك ثقافتنا العربية تشتمالن على تطبيقات عديدة لنماذج الوساطة المبنية على‬
‫الثقة والمصداقية والال انحيازية المبنية على العدل ‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬فإن الوسيط قد يكون ذو مصلحة فيما قد ينتج عن الوساطة‪ ،‬كما يمكن أن تكون نتائج‬
‫ً‬
‫الوساطة ليست ذات قيمة له‪ .‬وطبعًا يصب هذا الموضوع فى إطار النقاش السابق بشأن حيادية الوسيط‪.‬‬
‫والواضح تاريخيًّا أن الوساطة بمعرفة أطراف يهمهم النزاع الذى يدور بين األطراف تحدث دائ ًما سواء‬
‫على المستوى الدولى أو الداخلي‪ .‬ونذكر هنا نموذج الوساطة التى قام بها هنرى كيسنجر بين مصر‬
‫وإسرائيل فى األعوام التى تلت حرب ‪ .1973‬كيسنجر كان ذو مصلحة فيما ستنتهى اليه جهوده إذ أن‬
‫ضا وسيط ذو عضالت أى أنه كان‬
‫دولته لها مصالح فى هذا النزاع‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك فإنه كان أي ً‬
‫بمقدوره التأثير على سير الوساطة ونتائجها نظرا لقوة الواليات المتحدة باإلضافة إلى مصالحها فى‬
‫المنطقة‪.‬‬

‫ونخلص فى هذا النقاش إلى أن التصميم على حيادية وال انحيازية الوسيط يجب أن نتعامل معه‬
‫بحرص‪ ،‬إذ أن الواقع يثبت أن هناك إعتبارات أخرى ونماذج أخرى لو أغفلناها او تجاهلناها النحصر‬
‫مجال الوساطة فى ممارسة تحدث فقط فى أوساط غربية معينة ومحددة‪ .‬واحتمال أخر من التصميم‬
‫على ذاك النموذج الغربى هو أن نجد أنفسنا فى الواقع نروج عالميًّا لنموذح غريب عن ما تحتاجه‬
‫مجتمعات كثيرة‪ ،‬وهو األمر الذى يثير حفيظة شعوب كثيرة فى العالم فى إطار ما يسمى بـ"العولمة"‪.‬‬

‫(ب) استراتيجيات وتكتيكات الوسيط‪:‬‬


‫أفرد آنستى جدوالً لتحديد استراتيجيات وتكتيكات الوسيط وفقًا لما فصله كل من ‪:‬‬

‫‪(Shulman‬‬ ‫;‪,1968‬‬ ‫;‪Pruitt,1981‬‬ ‫)‪Kressel,1972‬‬ ‫‪(Moore‬‬ ‫;‪1986‬‬


‫)‪kolb,1983‬‬

‫وقد قسم آنستى الجدول إلى قسم خاص بسير الوساطة ‪ ،Process‬وقسم خاص بصلب‬
‫الموضوع ‪ ،Content‬كما هو موضح في الجدول التالي‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫المهارات المتعلقة بسير الوساطة*‬
‫التكتيكات المحققة لالستراتيجية‬ ‫استراتيجية الوسيط‬
‫اشرح دور الوسيط‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -١‬اكتساب ثقة األطراف‬
‫عبر عن اهتمامك بنزاع األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫تكلم بلغة األطراف‬ ‫‪-‬‬

‫اظهر القدرات‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٢‬بناء عالقة وئام مع األطراف‬


‫استخدم المرح بشكل فعال‬ ‫‪-‬‬
‫اظهر التعاطف في فهم حالة كل طرف‬ ‫‪-‬‬

‫استمع بإنصات‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٣‬استكشاف الموضوعات الحقيقية لألطراف‬


‫استمع إلي الموضوعات الحقيقية وراء تلك‬ ‫‪-‬‬
‫المذكورة‬
‫استخدم األسئلة المباشرة‬ ‫‪-‬‬
‫سا بشأن االهتمامات الحقيقية لدي‬
‫كن حسا ً‬ ‫‪-‬‬
‫األطراف‬
‫إسأل األطراف (معا وعلى حدا) لشرح المواقف‬ ‫‪-‬‬
‫وتحديد االحتياجات‪ .‬الزم األطراف بالتمعن في‬
‫مواقفهم وتصوراتهم‬
‫ضع أساس واقعي للتفاوض غير مبني على‬ ‫‪-‬‬
‫التخمين والتصورات المسبقة‬
‫ركز سير المناقشة علي المشاكل وليس على‬ ‫‪-‬‬
‫األشخاص‪ .‬بمعني آخر تجنب الهجوم على‬
‫شخص األطراف وركز على موضوعات‬
‫النزاع‬

‫‪120‬‬
‫المهارات المتعلقة بسير الوساطة*‬
‫التكتيكات المحققة لالستراتيجية‬ ‫استراتيجية الوسيط‬
‫حدد الموضوعات الحقيقية‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٤‬افهم ديناميكيات الموقف‬
‫حدد الزعماء الحقيقيين‬ ‫‪-‬‬
‫افهم العالقة بين األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫افهم الضغوط علي كل األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫افهم تأثير عناصر السياق على النزاع‪ ،‬مثل‬ ‫‪-‬‬
‫العناصر االجتماعية‪ ،‬االقتصادية‪ ،‬السياسية‬

‫البدء باتفاق بين األطراف على استعانتهم‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٥‬اخلق مناخ جيد للتفاوض‬
‫بالوساطة يؤكد لهم من البداية أنهم يسعون‬
‫للوصول إلى اتفاق‬
‫خلق مناخ مناسب للتفاوض‬ ‫‪-‬‬

‫اعمل على تحسين قدرة األطراف على تفهم‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -6‬دعم العالقات بين األطراف‬
‫اآلخر بإبراز نقاط االتفاق والمكاسب المتبادلة‬
‫التي يمكن الحصول عليها في حالة حل النزاع‬
‫دعم شرعيه احتياجات‪/‬أهداف كل األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫دعم اإلحساس بالمشاركة‬ ‫‪-‬‬
‫ركز علي المشاكل ليس علي األشخاص‬ ‫‪-‬‬
‫تجنب االستنتاجات التخمينية وشجع التواصل‬ ‫‪-‬‬
‫اإليجابي بين األطراف‬
‫ألزم األطراف باالتفاق علي سرية المفاوضات‬ ‫‪-‬‬
‫أفسح المجال للتعبير عن شكوىاألطراف‬ ‫‪-‬‬
‫أفسح المجال بحرص للتعبير عن االنفعاالت‬ ‫‪-‬‬
‫ومشاعر الغضب‬
‫عالج األمور األقل عاطفيه أوالً‬ ‫‪-‬‬
‫دعم التواصل المتفاعل بين األطراف وسهل‬ ‫‪-‬‬
‫حسن االستماع والتعبير عن االحتياجات‬
‫واألهداف‬

‫‪121‬‬
‫المهارات المتعلقة بسير الوساطة*‬
‫التكتيكات المحققة لالستراتيجية‬ ‫استراتيجية الوسيط‬
‫حدد نوعية المشاكل التي تعوق التواصل‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٧‬اعمل علي تحسين التواصل بين األطراف‬
‫المشاعر السلبية‪ ،‬التحيز‪ ،‬المشاكل الناجمة عن‬
‫الوضع (الطبقي على سبيل المثال)‪ ،‬وضعف‬
‫مهارات التعبير واالستماع‬
‫شجع حسن االستماع بين األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫ساعد األطراف على استثمار حسن مهارات‬ ‫‪-‬‬
‫توصيل الرسالة‬
‫ساعد األطراف على صقل واستخدام مهارات‬ ‫‪-‬‬
‫االستماع‬
‫اتبع في سلوكك كوسيط مبادئ حسن االستماع‬ ‫‪-‬‬
‫ساعد األطراف على تفهم أنفسهم‬ ‫‪-‬‬
‫تفهم آليات السلوك الدفاعي (السلوك الناجم عن‬ ‫‪-‬‬
‫االعتقاد بأن الشخص واقع تحت هجوم ويجب‬
‫أن يدرأه عن نفسه)‬
‫أنصت بتمعن لما وراء حديث األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫اعمل على حسن تفهم تعبيرات األطراف الغير‬ ‫‪-‬‬
‫شفوية‬
‫عبر عن المشاعر ووجهات النظر بشكل هادف‬ ‫‪-‬‬
‫توسط في تواصل اآلخرين لدعم التفاهم‬ ‫‪-‬‬
‫المتبادل بين األطراف‬
‫حافظ على استمرارية الحوار بين األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫دعم التفهم بين األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫ساعد األطراف علي تحديد احتياجاتهم الحقيقية‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٨‬حدد األولويات‬
‫افصل الموضوعات وأعطهم أولويات‬
‫ساعد األطراف على الوصول إلى اتفاق بشأن‬ ‫‪-‬‬
‫ترتيب مناقشة الموضوعات‬

‫‪122‬‬
‫المهارات المتعلقة بسير الوساطة*‬
‫التكتيكات المحققة لالستراتيجية‬ ‫استراتيجية الوسيط‬
‫اشرح مهارات التواصل‪/‬حل النزاعات‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -٩‬وضح لألطراف مبادئ وآليات عملية‬
‫ساعد في البحث عن نقاط االتفاق‬ ‫‪-‬‬ ‫الوساطة‬
‫اشرح لألطراف أهمية بعض األمور مثل‬ ‫‪-‬‬
‫وتجميع‬ ‫المقايضة‬ ‫الواقعية‪،‬‬ ‫التوفيق‪،‬‬
‫موضوعات النزاع‪ ..‬الخ‬

‫ابحث عن نقاط االتفاق‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -١٠‬ساعد األطراف في بحثهم عن مساحات‬


‫أوصل بين األولويات‬ ‫‪-‬‬ ‫للتوفيق والحلول الوسط‬
‫ساعد في البحث عن الحلول‬ ‫‪-‬‬
‫ضع معايير التفاقات مقبولة‬ ‫‪-‬‬
‫حافظ على التركيز علي موضوعات النزاع‬ ‫‪-‬‬
‫(دون التوسع في موضوعات أخرى أو‬
‫االنزالق في الهجوم الشخصي)‬

‫ذكر األطراف بتكاليف الحلول المعروضة‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -١١‬احرص على واقعية وعملية المفاوضات‬
‫اضرب لألطراف أمثلة التفاقيات مشابهة‬ ‫‪-‬‬
‫ذكر األطراف باحتياجات وتوقعات مفوضيهم‬ ‫‪-‬‬
‫الذين يمثلونهم‬
‫ذكر األطراف باألولويات‬ ‫‪-‬‬
‫اشرح حقيقة موقف كل طرف لآلخر من أجل‬ ‫‪-‬‬
‫ضمان استجابة تلك المواقف لمطالبهم‬
‫تجتب الترويج لطرف دون اآلخر‬ ‫‪-‬‬
‫ذكر األطراف بالظروف الفعلية المحيطة بهم‬ ‫‪-‬‬

‫‪123‬‬
‫المهارات المتعلقة بسير الوساطة*‬
‫التكتيكات المحققة لالستراتيجية‬ ‫استراتيجية الوسيط‬
‫روج للتسوية‬ ‫‪-‬‬ ‫‪ -١٢‬اضغط للوصول إلى تسوية‬
‫قدم مقترحات للتسوية‬ ‫‪-‬‬
‫اجمع بين الموضوعات‬ ‫‪-‬‬
‫قدم وجهات نظر ومعلومات ذات الصلة‬ ‫‪-‬‬
‫استعمل عامل الوقت لتحسين سير التفاوض‬ ‫‪-‬‬
‫اشرح لألطراف الفوائد العائدة عليهم من‬ ‫‪-‬‬
‫االتفاق‬
‫حدد نطاق الحلول‬ ‫‪-‬‬
‫قم بقيادة عملية التفاوض عن طريق تنظيم‬ ‫‪-‬‬
‫جدول األعمال‪ ،‬االجتماعات‪ ،‬الوقت‪ ،‬األمور‬
‫المستعصية‪ ،‬واالجتماعات الجانبية‬
‫حافظ على نشاط وحماس األطراف‬ ‫‪-‬‬
‫حافظ على التركيز علي موضوعات النزاع‬ ‫‪-‬‬
‫(دون التوسع في موضوعات أخرى أو‬
‫االنزالق في الهجوم الشخصي)‬
‫وضح شروط االتفاق لألطراف‬ ‫‪-‬‬

‫*هذا الجدول تم ترجمته وتعريبه من )‪(Anstey, 1994, P.265-269‬‬

‫‪124‬‬
‫(ج) اإلكتشاف والتفهم‬

‫مثلث ‪:ABC‬‬

‫يقوم هذا النموذج على فرضية أن الصراع‪ ،‬أي صراع‪ ،‬له ثالثة مكونات رئيسية‪ :‬السياق‬
‫‪ Context‬والسلوكيات‪ Behaviors‬والتوجهات ‪. Attitudes‬‬

‫وتلك المكونات الثالثة تتبادل التأثير فيما بينها‪ ،‬وهذا سبب اتصال األسهم ببعضها البعض بهذه‬
‫الطريقة‪.‬‬

‫ولتطبيق هذا النموذج‪ ،‬يتم استخدام مثلثين‪ ،‬مثلث لكل طرف رئيسي في الصراع‪ .‬ولكل مكون‬
‫(السياق‪ ،‬التوجهات‪ ،‬السلوكيات) يتم التعبير عن وجهتي النظر‪ :‬وجهة نظر "الذات" ووجهة نظر‬
‫"اآلخر"‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬إذا كان لدينا طرفان س وص‪ ،‬فسوف نستخدم مثلثين‪ .‬في المثلث األول‪،‬‬
‫في مكون السلوك‪ ،‬هناك وجهتا نظر‪ ،‬إحداهما كيفية إدراك س لسلوك ص‪ ،‬واألخرى لكيفية إدراك س‬
‫ضا وجهتا‬
‫لسلوكه‪ ،‬وهكذا دواليك للمكونات األخرى‪ .‬وفي المثلث الثاني‪ ،‬وفي مكون السلوك‪ ،‬هناك أي ً‬
‫نظر إحداهما كيفية إدراك ص لسلوك س‪ ،‬واألخرى لكيفية إدراك ص لسلوكه‪ ،‬وهكذا دواليك للمكونات‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫وهذا النموذج يميز أن األطراف المختلفة في النزاع ترى األشياء بطريقة مختلفة‪ ،‬ولهذا يركز‬
‫هذا النموذج على ذلك اإلختالف‪.‬‬

‫ومن المهم عند استخدام هذا النموذج تحديد المنظور الذي نبني عليه تحليلنا‪ .‬لذا فإنه من المهم‬
‫أن نضع أنفسنا محل أطراف النزاع األساسية وننظر إلى قضايا الصراع كما تراها‪.‬‬

‫‪126‬‬
127
‫الباب الخامس‬
‫تطبيقات التفاوض والوساطة‬

‫‪128‬‬
129
‫الفصل األول‬

‫الوساطة اإلصالحية (التحويلية)‬

‫سوف نقوم في هذا الفصل باستعراض الموضوعات التالية‪:‬‬

‫(أ) أربع قصص للوساطة‬


‫(ب) مبادئ الوساطة اإلصالحية (التحويلية)‬
‫(ج) أمثلة واقعية من أفريقيا إلصالح (تحويل النزاع)‬

‫(أ) أربع قصص للوساطة‪:‬‬


‫كبيرا في العقود الثالثة الماضية‪ .‬ولكن هذا‪ ،‬وفق روبرت باروتش‬
‫ً‬ ‫نموا‬
‫شهد مجال الوساطة ًّ‬
‫بوش وجوزيف فولجر (‪ ،)1994‬قد صحبه اختالف غير عادي في الرأي حول كيفية فهم هذا النمو‬
‫وكيفية تعريف الوساطة في حد ذاتها‪ .‬أحد المؤشرات على اختالف الرأي هذا هو اإلختالف الواضح‬
‫في أدبيات هذا التخصص حول التصنيفات أو القصص المختلفة لحركة الوساطة‪ .‬ويقسم بوش وفولجر‬
‫هذه القصص إلى أربعة أنواع‪:21‬‬

‫قصة الرضا‪ :‬وفق هذه القصة‪ ،‬تكون الوساطة أداة قوية إلرضاء حاجات األطراف‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫بسبب مرونتها وعدم رسميتها وطبيعتها اإلجماعية‪ .‬وبالفعل يمكن أن تساعد الوساطة‬
‫في تغيير النظرة إلى عداوة قائمة‪ ،‬بحيث ين َ‬
‫ظر إليها كمشكلة مشتركة‪ .‬من خالل الوساطة‬
‫ضا يمكن تقليص المناورات االستراتيجية والخ َدع‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يمكن للوساطة أن تكون‬
‫أي ً‬
‫وسيلة لحل المشكالت بأسلوب تعاوني وتكاملي من منطلق البحث عن ربح للطرفين‬
‫يرضيهما (‪ ،)win-win‬بدالً من المساومة العدائية والتقسيمية‪ .‬وثمة ميزة أخرى‬
‫للوساطة بحسب هذه القصة‪ ،‬وهي أنها ذات تكلفة قليلة نسبيًّا على المستويين االقتصادي‬

‫‪21‬‬
‫‪Bush, R. A. B., & Folger, J. P. (1994). The Promise of Mediation: Responding to Conflict through Empowerment‬‬
‫‪and Recognition. San Francisco: Jossey - Bass.‬‬
‫‪130‬‬
‫واالنفعالي؛ خاصةً عند مقارنتها بالعمليات األخرى األكثر رسمية أو عدائية‪ .‬لقد وفرت‬
‫الوساطة كذلك النفقات العامة من خالل توفير بديل للذهاب للمحاكم‪ .‬باختصار‪ ،‬لقد أثبتت‬
‫الوساطة نفسها كوسيلة لتحقيق رضا األطراف المتنازعة أكثر من غيرها‪.‬‬

‫قصة العدالة االجتماعية‪ :‬وفق هذه القصة‪ ،‬تقدم الوساطة وسيلة أكثر فعالية لتجميع‬ ‫‪-‬‬
‫األفراد حول مصلحة مشتركة‪ ،‬ومن ثم بناء أواصر مجتمعية وبنَى أقوى‪ .‬بسبب قدرتها‬
‫على إعادة توصيف القضايا والتركيز على المصالح المشتركة‪ ،‬تستطيع الوساطة دعم‬
‫الضعفاء من خالل مساعدتهم على عمل اتحادات فيما بينهم‪ .‬وتشجع الوساطة كذلك‬
‫المساعدة الذاتية‪ ،‬وتقلص االعتمادية على الوكاالت البعيدة؛ حيث تتمتع بالقدرة على‬
‫تشجيع األطراف على حل مشكالتهم بأنفسهم‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬يمكن للوساطة أن تساهم‬
‫في إعطاء المجموعات سلطة أكثر للدفاع عن مصالحهم‪ ،‬أكثر مما يكون عادة لديهم في‬
‫ظل المنظومة الرسمية القانونية‪ ،‬حيث تعتَبَر األحكام القانونية‪ ،‬من وجهة نظر الوساطة‪،‬‬
‫واحدة من مجموعة من سبل التعامل مع القضايا القائمة وتقييم الحلول المختلفة‬
‫للصراعات‪ .‬وهذه القصة تذهب كذلك إلى أن حركة الوساطة قد استخدمت هذه الطاقات‬
‫في تجميع األفراد الضعفاء نسبيًّا في (حسب مصالحهم المشتركة) ومن ثم تحقيق العدالة‬
‫االجتماعية‪ .‬باختصار‪ ،‬لقد ساعدت الوساطة في تجميع األفراد وتقوية المجموعات ذات‬
‫المصالح المشتركة في العديد من السياقات المختلفة‪.‬‬

‫قصة القهر‪ :‬تركز هذه القصة على اآلثار أو اإلمكانيات السلبية للوساطة‪ .‬وفق هذه‬ ‫‪-‬‬
‫القصة‪" ،‬حتى لو بدأت هذه الحركة بأفضل النوايا الحسنة‪ ،‬فقد تحولت الوساطة إلى أداة‬
‫خطيرة لزيادة سلطة القوي في استغالله للضعيف"‪ .‬تبعًا لهذه القصة‪ ،‬فإن خصائص‬
‫الوساطة‪ ،‬مثل طابعها غير الرسمي وجماعية المشاركة فيها‪ ،‬والتي تم النظر إليها‬
‫كواحدة من نقاط قوتها الكبرى‪ ،‬تعتبر واحدة من نقاط ضعفها الكبرى‪ ،‬حيث يعني ذلك‬
‫غياب اإلجراءات والقواعد الثابتة التي قد تحمي األضعف من القهر أو من التالعب به‪.‬‬
‫ضا وفق هذه القصة‪ ،‬تمنع الحيادية الوسيط من حماية الضعيف حتى لو كان االحتياج‬
‫أي ً‬
‫لهذه الحماية واض ًحا ج ًدا‪ .‬وثمة اتهام آخر للوساطة‪ ،‬وهو أنها تؤدي إلى تفكك‬
‫وخصخصة المشكالت المرتبطة بمصالح الطبقات المختلفة والعامة‪ .‬ويمكن عزو هذا‬
‫للحقيقة القائلة بأن الوساطة تتعامل مع النزاعات دون االهتمام بالمصلحة العامة‪ .‬ومن‬
‫‪131‬‬
‫ثم‪ ،‬يتم تجاهل المصلحة العامة والتقليل من شأنها‪ ،‬وال تستطيع األطراف األضعف‬
‫شتركة‪.‬‬
‫اإلجماع على قضية م َ‬

‫القصة اإلصالحية (التحويلية)‪ :‬وفق هذه القصة‪" ،‬يكمن الوعد الفريد للوساطة في قدرتها‬ ‫‪-‬‬
‫على تحويل طبيعة كال من األفراد المتنازعين والمجتمع ككل"‪ .‬ويمكن أن تعطي‬
‫الوساطة الفرصة لألطراف لتصنيف المشكالت واألهداف بحسب أهميتها من وجهة‬
‫نظرهم هم‪ ،‬ومن ثم تحديد أهمية تلك المشكالت واألهداف في حياة المتنازعين‪ .‬ويمكن‬
‫ضا أن تساعد األطراف في تحديد كيفية أو حتى مدى وجوب تسوية النزاع‪ ،‬ويمكن‬
‫أي ً‬
‫أن تساعد األطراف على إدراك وحشد مواردهم التي سوف تمكنهم من التصدي‬
‫لمشكالتهم وتحقيق أهدافهم‪ .‬من خالل الوساطة‪ ،‬وألنها ال تهدف إلى إصدار األحكام‪،‬‬
‫تتوفرالفرصة لألطراف لتوضيح مواقفهم‪ ،‬وإضفاء الطابع اإلنساني عليها‪ ،‬وربطها‬
‫بمشكالت اآلخرين‪ .‬ولذلك‪ ،‬ومن خالل التمكين والتقدير‪ ،‬يمكن أن تؤدي الوساطة كذلك‬
‫إلى تحويل األطراف من كائنات خائفة ومتحفزة ومنغلقة على ذاتها‪،‬إلى كائنات واثقة‬
‫من ذاتها ومتعاطفة وتراعي مشاعر اآلخرين‪.‬‬

‫(ب) مبادئ الوساطة اإلصالحية (التحويلية)‪:‬‬


‫وفقا لمدرسة "حل المشكالت"‪ ،‬الصراع هو مظهر من مظاهر المشكلة‪ ،‬سواء كان تعارضا‬
‫حقيقيًّا أو باديًا بين احتياجات أو مصالح األطراف‪ .‬وبنا ًء على هذا التعريف‪ ،‬قد يكون األسلوب األمثل‬
‫للتعامل مع الصراع هو اتخاذ خطوات تعاونية لحل المشكالت المحددة‪ ،‬من خالل إيجاد حلول تلبي‬
‫حاجات األطراف المشتركة ألقصى درجة ممكنة‪ .‬ويمكن تقسيم الحلول إلى‪:‬‬

‫‪ -‬الحلول المثلَى‪ :‬التي تلبي بإبداع الحاجات المتنوعة لكل األطراف‪.‬‬

‫‪ -‬الحلول األقل مثالية‪ :‬والتي تتبناها األطراف عندما يكون لديهم اإلستعداد لتجاهل بعض‬
‫الحاجات من أجل الوصول لحل مقبول‪ ،‬حتى وإن كان حل منقوص‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫يمكن النظر لوساطة حل المشكالت من منظور حيادي كأمر غير ممكن تحقيقه‪ .‬وأحد أسباب‬
‫ذلك أن الوسيط نفسه لديه مصلحة في العملية‪ ،‬وهي إتمام عملية الوساطة بشكل مرضي للطرفين‪ .‬من‬
‫ثم تصبح الصيغة رابح – رابح ‪ -‬رابح بدالً من صيغة رابح ‪ -‬رابح‪.‬‬

‫من جهة أخرى فإن الوساطة اإلصالحية (التحويلية) تقوم على ركنين أساسيين‪:‬‬

‫سا بسلطتهم لحل المشكالت بأنفسهم‪.‬‬


‫‪ -‬التمكين‪ :‬من خالل إعطاء الناس إحسا ً‬

‫‪ -‬التقدير‪ :‬من خالل إعطاء الناس الفرصة إلضفاء اإلنسانية على بعضهم البعض‪ ،‬وحتى‬
‫ينظروا فيما وراء افتراضاتهم‪ ،‬ويروا الحاجات والمخاوف اإلنسانية الحقيقية‪.‬‬

‫وللمساعدة في تحقيق التمكين‪ ،‬فإنه من المهم إدراك أن التمكين مستقل عن أي ناتج محدد‬
‫للوساطة‪ .‬إن الناتج الضعيف الناجم عن تفكر األطراف واختيارهم يقوي الذات أكثر من الناتج الجيد‬
‫الذي يمليه الوسيط أو يوجهه‪.‬‬

‫يقوم التمكين على‪:‬‬

‫‪ -‬اإلدراك الواضح لألهداف‪.‬‬

‫‪ -‬الدراية بالخيارات المختلفة‪.‬‬

‫‪ -‬الزيادة في مهارات حل النزاعات‪.‬‬

‫‪ -‬زيادة الوعي بالموارد‪.‬‬

‫‪ -‬قدرة أفضل على اتخاذ القرارات‪.‬‬

‫ويمكن أن ينطوي التقدير على عدد من المراحل التي ينبغي أن يالحظها الوسيط ويؤكدها‪:‬‬

‫‪ -‬التفكير في تقدير الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪ -‬الرغبة في تقدير الطرف اآلخر‪.‬‬

‫‪ -‬تقدير الطرف اآلخر باألفكار‪.‬‬

‫‪ -‬تقدير الطرف اآلخر بالكلمات‪.‬‬

‫‪ -‬تقدير الطرف اآلخر باألفعال‪.‬‬


‫‪133‬‬
‫ختا ًما‪ ،‬فإن الهدف الكلي للوساطة التحويلية هو انتهاز الفرص التي ال تقدر بثمن من أجل النمو‬
‫األخالقي‪،‬والتي تقع في صلب الصراعات بين البشر‪.‬‬

‫(ج) أمثلة واقعية من أفريقيا إلصالح (تحويل النزاع)‪:‬‬


‫ولعله من المناسب أن نستعرض في ختام هذا الدليل حالتين من حاالت النزاع في أفريقيا تم‬
‫حلهما بنجاح‪.22‬‬

‫مسلمو رواندا وبوروندي‪ :‬في عام ‪ 1994‬اشتعلت الحرب األهلية بين الجماعتين‬ ‫أ‪.‬‬
‫العرقيتين في رواندا ثم في بوروندي جماعة الهوتو وجماعة التوتسي‪ .‬وهاتان الجماعتان تمثالن‬
‫تقريبًا كل سكان البلدين وقد مرت العالقات التاريخية بينهم بمراحل من التعايش السلمي وأخرى‬
‫توترا وحروبًا‪ .‬وقد كان للتواجد االستعماري البلجيكي أسوأ األثر على توازن العالقات‬
‫ً‬ ‫شهدت‬
‫بين الجماعتين إذ أصبحت جماعة التوتسي وهي أقلية تقارب ‪ %20‬هي جماعة النخبة بينما‬
‫تهاوى وضع جماعة الهوتو إلى القاع‪ .‬وكانت حرب ‪ 1994‬هي األخيرة في سلسلة نزاعات‬
‫عنيفة منذ الخمسينيات‪ .‬ومعظم التوتسي والهوتو يعتنقون الديانة المسيحية أو ديانات أفريقية‪.‬‬
‫وهناك أقلية من الجماعتين تعتنق اإلسالم‪ .‬وفي زياراتي للبلدين منذ عام ‪ 1999‬إلى ‪2002‬‬
‫أدركت من خالل الدراسات التي قمت بها أن مسلمي البلدين رغم انتمائهم لجماعات الهوتو‬
‫والتوتسي رفضوا االشتراك في الحرب األهلية إليمانهم أن االقتتال ألسباب عرقية يتنافى مع‬
‫مبادئ اإلسالم‪ .‬بل إن الكثير منهم قام بأدوار فعالة وشهد لها الكثيرون لحفظ السالم وحماية‬
‫األرواح وحتى اآلن يكن لهم المجتمع والدولة في البلدين الكثير من العرفان لدورهم السلمي الذي‬
‫يعتبر لديهم نموذ ًجا للتعايش السلمي بين الهوتو والتوتسي‪.‬‬

‫كل من رواندا وبروندي‬


‫‪ 22‬هاتان الحالتان كانتا ضمن حاالت البحث والتقييم التي قام بها أ‪ .‬د‪ .‬عمرو عبد هللا أثناء المهمة التي قام بها في ٍّ‬
‫وليبريا‪ ،‬في الفترة من ‪ 1998‬إلى ‪.2002‬‬
‫‪134‬‬
‫ب‪ .‬حل صراع قبلي في ليبيريا‪ :‬شهدت ليبيريا حربًا أهلية طوال التسعينيات من القرن‬
‫الماضي وفي إحدى مراحل النـزاع وبعد أن استتب األمن لفترة عاد العنف الدموي في الشمال‬
‫بين قبيلتي اللورما والماندينجو مما أدى إلى مقتل عدد من األفراد وإصابة آخرين وتدمير ممتلكات‬
‫في عام ‪ .1998‬ولذلك أوفدت الحكومة وفدًا يشمل وزير الدولة (‪ )Zaza‬وكبار المسئولين‪ .‬وقد‬
‫عقدت لقا ًء مع وزير الدولة ألفهم منه كيف قام بحل النـزاع بين القبيلتين والذي جنب البالد امتداد‬
‫الصراع الدموي إلى سائر أنحاء ليبيريا‪ .‬وقد شرح لي الوزير أنه والوفد قدموا أنفسهم للجماعتين‬
‫المتحاربتين بوصفهم أعضاء في المجتمع وليس كوفد حكومي رسمي‪ .‬ثم اتبعوا أسلوبًا تقليديًّا لحل‬
‫النـزاع بدأ بحضور عدد معين من ممثلي كل جماعة‪ .‬وحيث إن الجماعتان تشارك أحدهما األخرى‬
‫في تاريخ طويل مليء بالتعايش السلمي وااليجابي وعالقات التزاوج فإن الوزير طلب من ممثلي‬
‫الجماعتين أن يسردوا تاريخهم المشترك عبر ‪ 300‬سنة وأن يبرزوا المواقف التي تكاتفت فيها‬
‫الجماعتان والتي الزالوا يحكونها جيالً بعد جيل‪ ،‬وإذ قام قادة الجماعتين بتذكر وسرد هذا التاريخ‬
‫واجههم الوزير بالسؤال "فهل أنتم مستعدون لتكونوا الجيل الذي دمر تاري ًخا من التعاون والود‬
‫على مدار ‪ 300‬سنة؟" هذا السؤال أضاف عنصر المسئولية التاريخية للنزاع ووضع قادة‬
‫الجماعتين أ مام هذه المسئولية‪ .‬بالطبع أدرك القادة مسئوليتهم وكانت هذه بداية نقاش موضوعي‬
‫مؤخرا وتحديد مسئوليات عن القتل واإلصابة والدمار‪ .‬ثم اتفق األطراف‬
‫ً‬ ‫ألسباب التوتر الذي حدث‬
‫على تعويضات مناسبة وأنهوا الجلسة باحتفال حضره الجميع لتكريس المصالحة‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫تدريب محاكاة‬

‫نزاع منطقة النهر األخضر‬

‫تقع منطقة النهر األخضر على الحدود بين دولتين‪ :‬معروبة وأفروقة‪ .‬وتنقسم الحدود المعروبية‬
‫األفروقية بين شمال وجنوب خط عرض ‪ ،°30‬والذي يمر بمنطقة النهر األخضر التي بدورها تقع‬
‫على مقربة من العاصمة األفروقية أورونجا‪ .‬وعليه‪ ،‬يعيش جزء من أهالي النهر األخضر في الجزء‬
‫التابع لدولة معروبة‪ ،‬بينما يعيش الجزء اآلخر في الجزء التابع لدولة أفروقة‪ .‬يسكن المنطقة حوالي‬
‫‪ 200‬ألف نسمة في شكل تجمعات قبلية‪ .‬ويقوم النشاط االقتصادي في المنطقة على الزراعة والتجارة‪.‬‬

‫وفي غضون السنوات الماضية‪ ،‬أصبحت منطقة النهر األخضر محل نزاع بين دولتي معروبة‬
‫(العربية االنتماء) وأفروقة (األفريقية االنتماء)‪ .‬إذ ترى الحكومة األفروقية أحقيتها في هذه األرض‬
‫بالكامل؛ حيث أنها تشرف عليها فعليًّا وتتولى بعض شئونها التنظيمية واإلدارية والسياسية منذ األزل‪.‬‬
‫في حين ترى الحكومة المعروبية أحقيتها باإلشراف والسيادة على منطقة النهر األخضر وذلك لعدة‬
‫أسباب‪ ،‬أولها أن ارتباط هذه المنطقة بمعروبة قوي جدًا بما أن معظم سكانها كانوا يعملون في معروبة‪،‬‬
‫كما أن بعض المعروبيين يعيشون في منطقة النهر األخضر؛ وثانيها أنها تحوي العديد من المناطق‬
‫األثرية المعروبية‪.‬‬

‫لذا‪ ،‬تطالب كلتا الدولتان بضم النهر األخضر لها بالكامل لهذه األسباب المعلنة من كلتاهما‪،‬‬
‫باإلضافة إلى رفض القبائل الستمرار تقسيمهم بين دولتين‪ .‬ولكن‪ ،‬هناك أسباب أخرى غير معلنة؛‬
‫أهمها االكتشاف الحديث لبعض آبار البترول في المنطقة‪ ،‬حيث خام البترول هو األنقى من حيث‬
‫النوعية‪ .‬وتمثل اآلبار المكتشفة مخزونًا استراتيجيًّا ها ًّما تسعى الدولتان لالستحواذ عليه‪ .‬وقد قامت‬
‫شركات البترول األوروبية العالمية –والتي ستقوم بأعمال استخراج البترول‪ -‬بالتدخل من أجل حل‬
‫نظرا لمصلحتها المباشرة في حسمه بما أنها لن تستطيع استكمال مشروعها بالتنقيب‬
‫ً‬ ‫النزاع سلميًّا‬
‫والحفر ما دامت المنطقة مقسمة ويقع عليها نزاع‪ .‬كما أنها بالطبع ترغب في التعامل مع حكومة واحدة‬
‫‪136‬‬
‫وليس حكومتين‪ .‬جدير بالذكر أن الشركة ليس لها تفضيل أو محاباة لدولة عن أخرى‪ ،‬فهي تسعى فقط‬
‫إلبرام التعاقد مع شريك واحد متعاون من أجل تيسير أي عقبات عادة ً ما تواجه مثل هذه المشروعات‬
‫في بدايتها‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬هناك عوامل مهمة تؤثر على رغبة الطرفين في ضم المنطقة بالكامل‪ ،‬أال وهو‬
‫قيام بعض أهالي المنطقة بزراعة بعض النباتات الممنوعة فيها من بانجو وحشيش وخالفه‪ ،‬مما أفسح‬
‫ومعبرا يستغله التجار‬
‫ً‬ ‫وكرا لتجارة السالح‬
‫ً‬ ‫المجال الزدهار تجارة المخدرات‪ .‬كما أن المنطقة تعتبر‬
‫في تهريب بضائعهم‪ .‬أضف إلى ذلك ظاهرة اإلرهاب والتي بدأت في التفشي في المنطقة منذ أعوام‬
‫نتيجة قيام تنظيم والية النهر األخضر اإلسالمية والموالي لتنظيم داعش بتجنيد بعض الشباب في المنطقة‬
‫وضمهم لخالياه اإلرهابية‪ ،‬مستغالً تشتت هؤالء الشباب وإحساسهم بعد م األمان وعدم االنتماء لدولة‬
‫معينة‪.‬‬

‫هذا‪ ،‬وقد ساهم في زيادة حدة التوتر اقتراب بعض القوات العسكرية المعروبية واألفروقية من‬
‫الحدود‪ ،‬متوغلة بذلك داخل النهر األخضر‪ ،‬وقد برر الجانبان هذه التحركات برغبة كلتا البلدين في‬
‫حفظ أمنها ضد هجمات الخاليا اإلرهابية الكامنة في المنطقة‪ .‬ويشكك األهالي في هذه التصريحات‬
‫بشدة‪ ،‬بل ويرون في هذه التحركات استعدادات عسكرية وتمهيد إلعالن حالة الحرب بين الجانبين‪ ،‬مما‬
‫سوف يترتب عليه دمار المنطقة وضياع حقوقهم إلى األبد‪.‬‬

‫مواز‪ ،‬قام تنظيم والية النهر األخضر الموالي لتنظيم داعش باختطاف اثنين من طاقم‬
‫ٍّ‬ ‫وفي تطور‬
‫عمل شركة البترول األجانب وهددوا بقطع رأسهما علنًا ما لم يتم دفع فدية مالية قدرها ‪ 10‬ماليين‬
‫دوالر أمريكي‪.‬‬

‫وهنا تدخلت كل من األمم المتحدة واالتحاد األفريقي وجامعة الدول العربية ودعت األطراف‬
‫خاصةً دولتي معروبة وأفروقة إلى ضبط النفس والجلوس إلى مائدة المفاوضات من أجل حل الوضع‬
‫وإنقاذ الرهائن‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬وفي محاولة منها إلنقاذ الموقف وإنقاذ العاملين المختطفين‪ ،‬عرضت شركة البترول عقد‬
‫مفاوضات بين أطراف النزاع بمشاركتها وتحت رعايتها بهدف الوصول إلى حل وإطالق سراح‬
‫رهائنها‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫واليوم‪ ،‬وقبل انعقاد أولى جلسات المفاوضات والتي تعقد على أرض محايدة‪ ،‬تسعى بعض‬
‫األطراف إلى عقد لقاءات سرية مع أطراف أخرى بغرض توحيد المواقف والجبهات قبل بدء التفاوض‬
‫‪...‬‬

‫األطراف‪:‬‬

‫أهالي منطقة النهر األخضر‬ ‫‪.1‬‬


‫الجانب المعروبي‬ ‫‪.2‬‬
‫الجانب األفروقي‬ ‫‪.3‬‬
‫شركة البترول‬ ‫‪.4‬‬

‫‪138‬‬
139
‫المراجع‬

1. Abdalla, A, et al. 2002. Say Peace: Conflict Resolution Training


Manual for Muslim Communities. Leesburg, VA: The Graduate
School of Islamic and Social Sciences, (updated 2015).

2. Academy for Conflict Transformation (2014), Communication


Model ("four-ears-model"). (Publication. Retrieved October 28,
2015, from Centrum severoamerických štúdií:
http://cnas.euba.sk/wp-content/uploads/2014/07/Reading-
29_10_2014.pdf

3. Anstey, M. (1991). Checklist for Practice. In M. Anstey,


Negotiating Conflict: Insights and Skills for Negotiators and
Peacemakers (pp. 309-343). Cape Twon: Juta & Co. Ltd

4. Anstey, M. (1991). The Nature of Negotiation. In M. Anstey,


Negotiating Conflict: Insights and Skills for Negotiators and
Peacemakers (pp. 91-96). Cape Twon: Juta & Co. Ltd.

5. Azar, E. 1990. The Management of Protracted Social Conflict:


Theory and Cases. USA: Dartmouth, 1-28.

6. Burton, J. 1990. Conflict: Resolution and Prevention. London,


England: Macmillan Press ltd, 36-45.

7. Bush, R. A. B., & Folger, J. P. (1994). The Promise of Mediation:


Responding to Conflict through Empowerment and Recognition.
San Francisco: Jossey - Bass.

140
8. Carpenter, S. and Kennedy W.J.D. (1988). Managing Public
Disputes. Jossey-Bass. CA.

9. Centre for Intercultural Learning (2015). Country Insights, from


Foreign Affairs and International Trade Canada:
http://www.intercultures.ca/cil-cai/countryinsights-apercuspays-
eng.asp
10. Coser, L. 1956. The Functions of Social Conflict. New York, NY:
Free Press.
11. Ebner, Noam. Alternative Dispute Resolution Course Book.
University for Peace. February 2008. Costa Rica.

12. Fisher, R. 2001. Methods of Third-Party Intervention. Berlin,


Germany: Berghof Research Center for Constructive Conflict
Management.

13. Fisher, R. and Ury, W. (1991). Getting to Yes: Negotiating


Agreement Without Giving (pp. 1-98). New York, N.Y.: Penguin.

14. Fisher, R. and Brown, S., (1989). Getting Together: Building


Relationships As We Negotiate. New York, N.Y.: Penguin.

15. Publisher: Penguin Books (USA); 1 edition (Sept. 1 1989)

16. Folger, J., P and Bush, R., A., B. (1994). The Mediation
Movement Four Divergent Views. In J. P. Folger, The Promise of
Mediation: Responding to Conflict Through Empowerment and
Recognition (pp. 17-32). San Francisco: Jossey-Bass .

17. Galtung, J. 1996. Peace by Peaceful Means. London, England:


Sage Publications Ltd, 103-113.

141
18. Kraybill, R. and Buzzard, L. (1979). Designing the Mediation
Process. In R. a. Kraybill, Mediation: A Reader (pp. 173-198).
Illinois: Christian Legal Society.

19. Lederach, J.P. Preparing for Peace: Conflict Transformation


Across Cultures. New York, Syracuse: Syracuse University
Press, 1995.

20. Mayer, B. (2000). The Dynamics of Conflict Resolution: A


practitioner's Guide. San Francisco: Jossey-Bass.

21. Mischnick, R. (2006). Nonviolent Conflict Transformation:


Training Manual for a Training of Trainers Course, from Centre
for Training and Networking in Nonviolent Action:
http://www.pdcs.sk

22. Mitchell, C.R. The Structure of International Conflict. New York:


St. Martin’s Press, 1981.

23. Mortensen, C. D. (1972). Communication: The Study of Human


Interaction. New York: McGraw-Hill Book Co.

24. Oxfam. (2010). Engaging with Communities: The next challenge


for peacekeeping (Publication. Retrieved October 28, 2015, from
Oxfam :

https://www.oxfam.org/sites/www.oxfam.org/files/bp141-
engaging-with-communities-221110-en.pdf

25. Passia.org,. '‫'االتصال‬. N.p., 2015. Web. 11 Nov. 2015.

URL: http://www.passia.org/seminars/2008/october/Seminar%2
024%20Oct/Luna-Communication%20Skills.pdf
142
26. Ramsbotham, O., Woodhouse, T., and H. Miall. Contemporary
Conflict Resolution. Cambridge, UK: Polity Press, 2005.132-184
and 215-230

27. Rubin, J., Pruitt, D. and Kim, S. Social Conflict: Escalation,


Stalemate and Settlement. NY: McGraw-Hill 1994. 63-84.

28. Rubinstein, R. A., Diana M. K., and Michael E. S. (2008). 'Culture


and Interoperability in Integrated Missions'. International
Peacekeeping Vol.15 No.4 August 2008: 540-555. Web.

29. Thompson, L. (2003). Negotiator: The Big Picture. In L.


Thompson, The Mind and the Heart of the Negotiator (pp. 1-13).
New Jersey: Pearson Education, Inc.
30. Wehr, P. (1979). Conflict Resolution. Boulder, Colorado:
Westview Press.

31. Zartman, I., W. and Rubin, J., Z. (2006). The Study of Power and
the Practice of Negotiation. In I. W. Zartman, Power and
Negotiation (pp. 3-28). Michigan: University of Michigan Press.

.)2007( ،‫ مكتبة اإلسكندرية‬،"‫ "دورة حل النزاعات‬.‫ عمرو خيري وآخرون‬،‫عبد هللا‬ .32

‫ المركز الدانماركي لحل‬-‫ مجلس الشباب الدانماركي‬."‫ "دليل الحوار‬.‫ميت ليند جرنهيلد‬ .33
.)2012( ،‫النزاعات‬

143
‫الملحقات‬

‫‪144‬‬
145
‫ملحق ‪:1‬‬

‫"تقييم شخصي ‪ -‬توماس وكيلمان"‬

‫تخيل نفسك في موقف تختلف فيه أهدافك عن أهداف الطرف اآلخر‪ .‬اختر إحدى العبارتين (أ‪ ،‬ب) التي‬
‫تتفق أكثر مع أسلوبك لكل المرقمات من ‪ 1‬إلى ‪.30‬‬

‫أحيانًا قد ال تكون أي من العبارتين معبرة عن أسلوبك‪ ،‬وفي هذه الحالة اختر األقرب منهما إلى أسلوبك‪.‬‬

‫ضع دائرة حول اختيارك وتذكر أنه ليس هناك خطأ أو صواب‪.‬‬

‫في بعض األحيان أترك لآلخرين مسئولية حل المشكلة‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬

‫بدالً من أن نتفاوض على ما نختلف عليه‪ ،‬أحاول أن أركز على ما نتفق عليه‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أجد حالً وس ً‬


‫طا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬

‫أحاول أن آخذ في االعتبار ما يشغلني ويشغل ذهن الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أنا عادة ً حازم في السعي لتحقيق أهدافي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫قد أحاول مراعاة شعور الطرف اآلخر والحفاظ على عالقتنا‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أجد حالً وس ً‬


‫طا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫في بعض األحيان أتنازل عن رغباتي في سبيل رغبات الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أسعى دائ ًما لطلب مساعدة الطرف اآلخر للوصول إلى حل‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪146‬‬
‫أحاول عمل الالزم لتجنب أي توتر ال داعي له‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أتجنب مضايقة نفسي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬

‫أحاول أن أكسب موقفي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول تأجيل التعامل مع الموضوع حتى يتسنى لي الوقت للتفكير فيه‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-7‬‬

‫أتنازل عن بعض النقاط في مقابل نقاط أخرى‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أنا عادة ً حازم في السعي لتحقيق أهدافي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-8‬‬

‫فورا للمناقشة‪.‬‬
‫أحاول أن أطرح كل االهتمامات والمواضيع ً‬ ‫ب‪.‬‬

‫أشعر أن االختالفات ال تستدعي القلق بشأنها في معظم األحيان‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-9‬‬

‫أبذل بعض الجهد للوصول إلى مرادي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أنا عادة ً حازم في السعي لتحقيق أهدافي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-10‬‬


‫أحاول أن أجد حالً وس ً‬
‫طا‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول بسرعة أن أطرح كل االهتمامات والمواضيع للمناقشة‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-11‬‬

‫قد أحاول مراعاة شعور الطرف اآلخر والحفاظ على عالقتنا‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول في بعض األحيان تجنب اتخاذ مواقف مثيرة للجدل‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-12‬‬

‫سأدع الطرف اآلخر يحقق بعض أهدافه إذا ما هو تركني أحقق بعض من أهدافي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫أحاول أن أجد حالً وس ً‬
‫طا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-13‬‬

‫أبذل الجهد إلثبات وجهة نظري‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أطلع اآلخر على آرائي وأسأله عن آرائه‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-14‬‬

‫أحاول أن أوضح للطرف اآلخر منطق ومزايا موقفي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫قد أحاول مراعاة شعور الطرف اآلخر والحفاظ على عالقتنا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-15‬‬

‫أحاول عمل الالزم لتجنب أي توترات‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أال أؤذي مشاعر الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-16‬‬

‫أحاول أن أقنع الطرف اآلخر بمزايا موقفي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أنا عادة ً حازم في السعي لتحقيق أهدافي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-17‬‬

‫أحاول عمل الالزم لتجنب أي توتر ال داعي له‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫ربما أدع اآلخر يحتفظ بوجهة نظره لو كان ذلك سيسعده‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-18‬‬

‫سأدع الطرف اآلخر يحقق بعض أهدافه إذا ما هو تركني أحقق بعض من أهدافي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول بسرعة أن أطرح كل االهتمامات والمواضيع للمناقشة‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-19‬‬

‫أحاول أن أجد توازنًا عادالً في الربح والخسارة لكالنا‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫أحاول بسرعة أن أحل الخالفات‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-20‬‬

‫أحاول أن أجد توازنًا عادالً في الربح والخسارة لكالنا‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أراعي رغبات الطرف اآلخر في أثناء المفاوضات‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-21‬‬

‫دائ ًما ما أميل إلى مناقشة صلب الموضوع مباشرةً‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أجد موقفًا وس ً‬


‫طا بيني وبين الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-22‬‬

‫أصمم على رغباتي‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫غالبًا ما أكون مهت ًما بتحقيق كل رغباتنا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-23‬‬

‫في بعض األحيان أترك لآلخرين مسئولية حل المشكلة‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫عندما تكون مواقف الطرف اآلخر مهمة جدًا بالنسبة له‪ ،‬أحاول تحقيق رغباته‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-24‬‬

‫أحاول أن أقنع الطرف اآلخر بقبول الحل الوسط‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أوضح للطرف اآلخر منطق ومزايا موقفي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-25‬‬

‫أحاول أن أراعي رغبات الطرف اآلخر في أثناء المفاوضات‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أجد حالً وس ً‬


‫طا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-26‬‬

‫غالبًا ما أهتم بإرضاء كل رغباتنا‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫أحاول في بعض األحيان تجنب اتخاذ مواقف مثيرة للجدل‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-27‬‬

‫ربما أدع اآلخر يحتفظ بوجهة نظره لو كان ذلك سيسعده‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أنا عادة ً حازم في السعي لتحقيق أهدافي‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-28‬‬

‫أسعى دائ ًما لطلب مساعدة الطرف اآلخر للوصول إلى حل‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أن أجد حالً وس ً‬


‫طا‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-29‬‬

‫أشعر أن االختالفات ال تستدعي القلق بشأنها في معظم األحيان‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫أحاول أال أؤذي مشاعر الطرف اآلخر‪.‬‬ ‫أ‪.‬‬ ‫‪-30‬‬

‫دائ ًما ما أعرض المشكلة على الطرف اآلخر حتى يتسنى لنا تسويتها‪.‬‬ ‫ب‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫محصلة نتائج التقييم‬

‫ضع دائرة حول الحرف أ أو ب والذي يمثل إجابتك لكل مرقم من ‪ 1‬إلى ‪:30‬‬

‫المسايرة‬ ‫التجنب‬ ‫الحل الوسط‬ ‫التعاون‬ ‫التنافس‬


‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪1‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪2‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪3‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪4‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪5‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪6‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪7‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪8‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪9‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪10‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪11‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪12‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪13‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪14‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪15‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪16‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪17‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪18‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪19‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪20‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪21‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪22‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪23‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪24‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪25‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪26‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪27‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪28‬‬
‫ب‬ ‫أ‬ ‫‪29‬‬
‫أ‬ ‫ب‬ ‫‪30‬‬
‫اجمع عدد الدوائر في كل عمود ثم ضع مجموع كل عمود في الخانات أدناه‬
‫‪.......‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫‪......‬‬
‫المسايرة‬ ‫التجنب‬ ‫الحل الوسط‬ ‫التعاون‬ ‫التنافس‬
‫‪151‬‬
152

You might also like