You are on page 1of 3

‫هل نحن في حاجة إلطار مرجعي عربي؟‬

‫د‪ .‬إسالم يسري علي‬

‫بينما كنا في راحة على هامش مؤتمر مؤخرا سألني خبير تربوي تركي هل رأيت الكارثة؟ فقلت‪ :‬أي كارثة؟ قال بحرارة عربي قح‪:‬‬
‫قوم يتكلمون عن اإلطار المرجعي األوربي وآخرون يتكلمون عن اإلطار األمريكي‪ .‬سألته‪ :‬وما الكارثة في ذلك؟ فقال‪ :‬العرب أهل‬
‫الفصاحة يعتمدون في تقييم لغتهم على أطر أجنبية‪ ..‬قلت‪ :‬ما المشكلة؟ هم سبقونا في العلم فاستفدنا منهم‪ ..‬ثانيا ما الجديد الذي‬
‫سنضعه في اإلطار العربي؟ قال‪ :‬يا رجل‪ ..‬المهم أن يكون اسمه “اإلطار العربي”!!‬

‫في الحقيقة مضمون هذا الحوار تكرر –بصيغ مختلفة‪ -‬على مدار العام الماضي في عدة فعاليات حضرتها‪ ،‬فهناك من يرى ضرورة‬
‫بناء إطار معياري عربي‪ ،‬وآخر يرى أنها ليست ضرورة ويمكن عمل بعض اإلضافات الخاصة بالعربية على أي من األطر‬
‫الموجودة حاليا‪ .‬وتوج هذا الحوار بصدور آخر كتب أستاذنا د‪.‬علي مدكور –رحمه هللا‪ -‬اإلطار المعياري العربي لتعليم اللغة العربية‬
‫للناطقين بغيرها‪ ..‬ويحاول هذا المقال اإلجابة عن السؤال “هل نحن في حاجة إلطار مرجعي عربي”؟‬

‫ما المقصود باإلطار ‪Framework‬؟‬

‫يعرف )‪ Fulcher& Davidson (2007‬إطار العمل بأنه وثيقة وسيطة بين نموذج الكفاءة ‪-‬الذي هو وثيقة ملخصة عالية‬ ‫ِّ‬
‫المستوى‪ -‬ومواصفات االختبار‪ .‬ويمكن أن نعرف اإلطار أيضا بأنه سلم مستويات األداء في المهارات والكفايات المختلفة وفي‬
‫ضوئه ُت ْب َنى االختبارات بأنواعها المختلفة‪.‬‬

‫إذن ما هو نموذج الكفاءة؟‬

‫نموذج الكفاءة عبارة عن تصور لمكونات الكفاءة اللغوية‪ ،‬ما الذي يجب أن نعرفه لنعرف لغة ما‪ ،‬وما المطلوب الستخدامها؟‬
‫وهناك نماذج متعددة من أشهرها ‪( Bachman (1990), CEFR 2000‬انظر ‪ :‬علي‪.)2016 ،‬‬

‫لماذا تنشأ األطر المرجعية؟‬

‫في أعقاب الحرب العالمية الثانية وجدت اإلدارة األمريكية أن تقييم الموظفين المعنيين بتعلم اللغات يتم بعبارات غير معيارية مثل‬
‫“طلق في األلمانية” و”جيد في الفرنسية” ولذلك كلفت اإلدارات المعنية باللغات األجنبية بقيادة معهد الخدمة الخارجية ‪ FSI‬أن تعد‬
‫إطارا معياريا لضبط عملية التقييم اللغوي لموظفيها‪ ،‬وتم تعميم العمل به سنة ‪1958‬م وأطلق عليه ‪ FSI‬ثم الحقا تغير إلى‬
‫)‪Interagency ******** Roundtable (ILR) . Herzog (2015‬‬

‫واستمر ‪ ILR‬متفر ًدا في الساحة األمريكية حتى ‪1986‬م حين ظهرت توجيهات المجلس األمريكي لتعليم اللغات األجنبية ‪ACTFL‬‬
‫الذي احتل مساحة واسعة في المجال األكاديمي خالل العقدين الماضيين‪ ،‬ثم ظهر اإلطار المرجعي األوربي المشترك للغات ‪CEFR‬‬
‫عام ‪2000‬م‪.‬‬

‫ومن ثم فإن المعايير تنشأ لتوحيد المستويات بين اللغات المختلفة‪ ،‬فمثال عندما نقول إن شركة ما ستفتح فروعا في عدة بالد‬
‫ومطلوب أن يكون لديها مكتب لخدمة العمالء بلغات متعددة فتحدد مثال المستوى ‪ C1‬متطلبا لغويا لموظف خدمة العمالء أيا كانت‬
‫لغته‪ ،‬ومن ثم فال نحتاج أن نقول نحن نريد شخصا متميزا في العربية لخدمة العرب وشخصا طلقا في الفرنسية لخدمة الناطقين‬
‫بالفرنسية… إلخ‪.‬‬

‫خالصة هذه النقطة أن األطر تنشأ لتوحيد مقاييس التقييم اللغوي‪ ،‬وهي مفترض أنها وحدات كالسنتيمتر والمتر والكيلومتر…‬

‫رأي القائلين بأهمية وجود إطار مرجعي عربي‪:‬‬


‫من أهم أنصار هذا الرأي أستاذنا د‪.‬على مدكور (‪ ) 2016،29‬حيث يرى أن “المأمول أن يضع هذا اإلطار المعياري لتعليم اللغة‬
‫العربية للناطقين بلغات أخرى األسس العامة للتوصيف التفصيلي لألهداف والمحتويات ومستويات الكفاءة اللغوية واالتصالية‬
‫والثقافية األمر الذي يسهل عملية االعتماد المتبادل للمؤهالت في مختلف أرجاء العالم العربي واإلسالمي”‪ .‬وفي الحقيقة لم يوضح‬
‫أستاذنا ما الجديد الذي سيجعل هذا اإلطار مختلفا عن اإلطار المرجعي األوربي وهو للغات متعددة منها العربية ويقوم بالمهام‬
‫نفسها‪.‬‬

‫ويرى د‪.‬صنوبر (‪ ) 2016‬أن األطر العالمية “ال تكاد تعتني بالعربية التراثية أي عناية‪ ،‬فال ُت ْذكر وال يهتم لها من حيث التأطير وال‬
‫التصنيف‪ ،‬مما جعل المناهج المصنفة وفق هذه اإلطارات ال تكاد تعرج على عربية التراث إال نادرا”‪ .‬ويقترب من هذا الرأي من‬
‫يرون أن األطر األخرى ال تراعي الجوانب البالغية في اللغة العربية وال العمق التاريخي لها‪.‬‬

‫وهناك من يرى أن العرب البد أن يكون لهم إطارهم المرجعي الخاص حتى لو كان الفرق بينه وبين غيره يسيرا فال يليق بلغة‬
‫القرآن أن تكون تابعة‪.‬‬

‫رأي الرافضين لبناء إطار مرجعي‪:‬‬

‫يرى أنصار هذا الرأي أن قيمة األطر تستمد من أمرين‪ :‬عموميتها وعالميتها‪ ،‬والمقصود من عموميتها أنها ال ترتبط بلغة بعينها‪،‬‬
‫والمقصود بعالميتها أنها ال تتقيد بقطر بعينه‪ ،‬ولذلك سنجد أن معايير اإلطار المرجعي الكندي وهو خاص باللغة اإلنجليزية وله‬
‫إصدار مطور خاص بالفرنسية لم يحظ بما حظيت به األطر العامة األمريكية ‪ ILR & ACTFL‬أو األوربي ‪CEFR‬‬

‫فلو بنى كل ناطقي لغة ما معيارا خاصا بهم ألصبحت فكرة األطر المرجعية بال جدوى‪ ،‬ألنه ستكون هناك أطر بعدد لغات العالم‪ ،‬وإن‬
‫األطر القديمة مثل ‪ ILR‬والحديثة نسبيا مثل ‪ ACTFL‬و ‪ CEFR‬تستمد قوتها من مرونتها وتعاملها مع عدد كبير من اللغات‪.‬‬

‫رأي الكاتب‪:‬‬

‫إذا تتبعنا ظهور المعايير تاريخيا فسنجد أنها ال تنشأ في فترات متقاربة )‪ ILR (1958) ACTFL (1986) CEFR(2000‬ويتم‬
‫تطويرها على فترات متباعدة‪ ،‬فمثال معايير ‪ ACTFL‬صدرت للمرة األولى في ‪ 1986‬ثم طورت جزئيا معايير التحدث في ‪1999‬‬
‫والكتابة ‪ 2001‬ثم صدر اإلصدار الثاني ‪2012‬م أي بعد ‪ 26‬سنة‪ .‬أما ‪ CEFR‬فصدر عام ‪ 2000‬ولم يصدر له إصدار ثان حتى‬
‫اآلن‪.‬‬

‫كما أن المعايير توضع لتسهيل األعمال المهنية والتعليمية وتقليل اإلجراءات‪ ،‬فلو كان لكل لغة معايير خاصة بها فإننا سنفتقد تلك‬
‫اء على معايير كل لغة وربما كل دولة أيضا‪ ،‬وسنحتاج جهودا كبيرة لمعادلة األطر ببعضها‪.‬‬ ‫وصف بِ َن ً‬
‫ٌ‬ ‫المعيارية ويصبح هناك‬

‫في الوقت نفسه لم يطرح المنادون ببناء إطار مرجعي عربي تصورا واضحا حتى اآلن‪ ،‬وما أنجزه أستاذنا د‪.‬علي مدكور ‪-‬رحمه‬
‫هللا‪ -‬يشترك مع اإلطار األوربي في ‪ % 95‬على األقل من المصنفات وهو ما يجعلنا نقول إنه تعريب لإلطار األوربي أكثر منه منتجا‬
‫جديدا‪.‬‬

‫أما إعادة تقسيم المستويات أو زيادتها أو إطالق أسماء جديدة عليها فال يعد منجزا ألن األطر الحالية نفسها تسمح بوجود‬
‫مستويات فرعية حسب حاجة المؤسسة والسياق المستخدم فيه اإلطار‪.‬‬

‫رأيي أننا نحتاج إلى اإلجابة عن عدد من األسئلة حتى نستطيع أن نقرر هل نبني إطارا جديدا أم نطور؟ ومن أهمها‪:‬‬

‫هل هذا اإلطار سيكون للغة العربية فحسب أم كل اللغات األجنبية التي تدرس في العالم العربي؟‬
‫هل سيستند اإلطار إلى نموذج نظري عربي للكفاءة اللغوية أم سيعتمد أحد النماذج التي أنتجها الناطقون بلغات أخرى؟ أم سيبني‬
‫نموذجه الخاص؟‬
‫هل المصنفات الجديدة كافية لكي نطلق على هذا المنتج “إطارا جديدا”؟‬
‫هل المصنفات المتعلقة بلغة التراث ستكون هي المستوى المتقدم األعلى أم ستكون موازية للمتقدم المعاصر أم جزء منه؟ فكثير‬
‫من متقني العربية االتصالية ‪-‬من غير المسلمين‪ -‬ال يحتاجون إلى تعلم لغة التراث‪ ،‬فهل ستحرمهم من الحصول على شهادة بإتقان‬
‫العربية ألنهم ال يتقنون اللغة التراثية؟‬
‫ما المنهجية العلمية للتأكد من معيارية مصنفات اإلطار؟‬
‫كيف ستتم معادلة هذا المعيار مع المعايير العالمية األخرى؟‬
‫ما آلية اعتراف المؤسسات الدولية بهذا المعيار؟‬
‫ما خطة بناء هذا اإلطار وما جهات تمويله واعتماده عربيا على األقل؟‬
‫عندما نجد إجابة عن تلك األسئلة نستطيع أن نقول إننا بدأنا نقاشا علميا جادا لبناء إطار أو تطوير أحد األطر القائمة‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫صنوبر‪ ،‬أحمد‪ .) 2016( .‬إستراتيجيات تدريس النصوص التراثية في المستوى المتقدم للناطقين بغير العربية وفق المدخل‬
‫االتصالي‪ :‬الحديث النبوي وعلومه نموذجا‪ .‬أبحاث مؤتمر إسطنبول الدولي الثاني‪ .‬تحرير‪ :‬صنوبر وآخرون‪ ،‬إسطنبول‪ :‬إيثار‪.‬‬
‫علي‪ ،‬إسالم يسري‪ .) 2016( .‬مراجعة كتاب اإلطار المرجعي األوروبي المشترك للغات‪ :‬دراسة‪ ،‬تدريس‪ ،‬تقييم‪ .‬مجلة الدراسات‬
‫اللغوية واألدبية‪ .‬كوااللمبور‪ :‬الجامعة اإلسالمية العالمية ماليزيا‪.‬‬
‫مدكور‪ ،‬علي أحمد‪ .) 2016( .‬اإلطار المعياري العربي لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪Herzog, Martha. (2015). An overview of the history of the ILR ******** proficiency skill level‬‬
‫‪de******ions and scale. Interagency ******** Roundtable. Retrieved 17-12-2015‬‬
‫‪.The following two tabs change content below‬‬

You might also like