You are on page 1of 7

‫اإلشكالية في البحوث االجتماعية والسياسية‬

‫البحث في العلوم االجتماعية و اإلنسانية عبارة عن تقرير مفصل يقوم شكال على تبويب و‬
‫مضمونا على تنظيم للمعلومات‪ ،‬بغاية الوصول الى نتائج معززة بالحجج‪ ،‬لتقدم الحلول‬
‫الصحيحة لإلشكالية التي يتم البحث فيها‪.‬‬
‫و على عكس العلوم الدقي قة التي تقوم على منطق التجريب و المالحظة و االستنتاج‪ ،‬فإن‬
‫العلوم االجتماعية‬
‫و االنسانية تؤسس على قواعد مركبة تسمى بمنهجية البحث‪.‬‬
‫ومنهجية البحث في مستوياتها المركبة تقوم على عمليتين مترابطتين و متالزمتين هما عملية‬
‫التأسيس ويؤثر فيها عامل الزمن و عملية التركيب و تتأثر بامتالك التقنية‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫كل بحث له حيز زمني محدد وأدوات تقنية إلنجازه‪،‬و لذلك فإن الباحث منذ البداية إلى النهاية‬
‫يكون أمام إكراهين‬
‫‪ .1‬االكراه األول ذو طبيعة زمنية‪،‬‬
‫‪ .2‬و االكراه الثاني ذو طبيعة تقنية‪.‬‬
‫‪ ‬و لتجاوز االكراه الزمني يستدعي تدبير الوقت الذي يستغرقه اعداد البحث و ذلك في‬
‫حالة وجود آجال معينة إلنجازه كما هو الحال في بحوث األعمال التطبيقية ومذكرات‬
‫الليسانس والماجستير و أطروحة الدكتوراه…‬
‫‪ ‬أما االكراه التقني فيستوجب من الباحث االلتزام بقواعد المنهجية و توفير شروط‬
‫تأسيس البحث و إنجازه بصورة سليمة‪ ،‬و اإلخفاق في تجاوز االكراه التقني يؤدي‬
‫بالباحث إلى القصور المنهجي‪ ،‬و هو قصور قد يكون ناتجا عن عدم المام الباحث‬
‫بقواعد المنهجية و ضوابطها‪ ،‬لذلك فإن الباحث ال يمكن أن يكون منهجيا إذا ما لم يكن‬
‫غير ملم بالخطوات التأسيسية في البحث‪.‬‬
‫‪ ‬و من المعلوم أن أهداف البحوث االجتماعية واالنسانية هو ايجاد حلول للمشاكل‬
‫المطروحة لذلك يعتبر تحديد االشكالية من بين أهم الخطوات التأسيسية في البحث‪ ،‬فبدون‬
‫تحديد دقيق إلشكالية البحث ال يمكن الوصول الى نتائج حقيقية‪ ،‬شأن ذلك شأن الطبيب الذي‬
‫لم يتمكن من معرفة مشكل الداء فيستعصى عليه أن يقدم الدواء‪.‬‬
‫ويرتكب مجموعة من الباحثين العديد من األخطاء الشائعة أثناء صياغة االشكالية إما عن‬
‫جهل بالمقومات المنهجية لصياغتها‪ ،‬فيقتصرون على اختزالها في طرح أسئلة عادية ال‬
‫ترقى الى مستوى طرح مشاكل حقيقية للبحث‪ ،‬أو نتيجة ارتكاب أخطاء على مستوى اختيار‬
‫العنوان‬
‫(العناوين‪ :‬المركبة ‪ ،‬االستفهامية‪ ،‬االستنتاجية)‬
‫فينعكس ذلك على صياغة االشكالية‪ ،‬فيصبح االشكال مركب من اشكاليتين أو أكثر‬ ‫‪‬‬
‫في البحوث ذات العناوين المركبة من فكرتين أو أكثر ‪،‬‬
‫أو يصبح البحث مزدوج االشكالية في البحوث ذات العناوين االستفهامية األولى‬ ‫‪‬‬
‫أثناء وضع العنوان االستفهامي و الثانية أثناء وضع االشكالية‪،‬‬
‫أو تصبح االشكالية ال قيمة لها في البحوث ذات العناوين االستنتاجية لكون البحث‬ ‫‪‬‬
‫قدم النتائج في عنوان البحث قبل أن يحدد االشكالية‪ .‬كل ذلك يبين أهمية ضبط‬
‫االشكالية في مسار البحث لما لها من آثار بليغة على مستوى محتوى البحث و على‬
‫مستوى تقديم نتائج البحث‪.‬‬
‫و المشاكل الشائعة في صياغة االشكالية تدفعنا الى ابداء وجهة نظرنا و الموجهة‬ ‫‪.1‬‬
‫للباحثين المبتدئين في كيف تصاغ اشكالية البحث؟‬
‫و الخوض في االجابة على هذا السؤال المركزي تقتضي بسطه في سؤالين فرعيين أولها‬
‫كيف تكون للباحث إشكالية محددة لكي يقوم بالبحث عن حل لها ؟ و ثانيها كيف للباحث أن‬
‫يطرح االسئلة الجيدة؟‬
‫كل هذه التساؤالت تعني طرح فرضية أن االشكالية عبارة عن صياغة األسئلة الجيدة‬
‫ِإلشكالية محددة‪ ،‬و لمعالجة و تمحيص هذه الفرضية تستدعي‬
‫‪ ‬اعتماد مستويين من التحليل‪،‬‬
‫‪ ‬المستوى األول من خالل توضيح طريقة تحديد إشكالية البحث‪،‬‬
‫‪ ‬بينما المستوى الثاني فسيشمل طريقة طرح سؤال االشكالية‪ .‬و على هذا األساس‬
‫سيتم مقاربة هذا الموضوع اعتمادا على المنهج االستنباطي و وفق التقسيم التالي‪:‬‬
‫أوال ‪:‬تحديد إشكالية البحث من خالل القراءة االولية للمراجع‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬طرح االسئلة الجيدة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تحديد إشكالية البحث من خالل القراءة االولية للمراجع‬
‫تدخل مرحلة تحديد إِشكالية البحث في المراحل األولى في ميدان البحث و بالضبط في‬
‫مرحلة التأسيس‪ ،‬و ليس كما يعتقد العديد من الباحثين أن أمر تحديد إِشكالية البحث بسيط‬
‫كما يبدو للوهلة األولى‪ ،‬و أن األمر ال يعدو أن يكون مجرد طرح سؤال في موضوع‬
‫إلشكالية التي يطلب منهم البحث فيها أو‬‫البحث‪ .‬فبعض الباحثين بسبب عدم تحديدهم ل ِ‬
‫الجواب عنها‪ ،‬يجعلون من بحوثهم وعاء لتجميع كمية كبيرة من المعلومات‪ ،‬و تصبح ضعيفة‬
‫اإلشكالية يجعل الباحث معرضا للخروج عن الموضوع‬ ‫الصلة بموضوع البحث‪ ،‬فعدم تحديد ِ‬
‫و الخوض في إشكاالت لم يطلب منه البحث فيها‪.‬‬
‫إن الوعي بعملية تحديد االشكالية مما الشك فيه أنه يجنب الباحث الكثير من الجهد و الوقت‪،‬‬
‫فيجنبه منزلق الهدر الزمني المخصص للبحث كأن يكون الباحث تقدم في تحليل الموضوع ثم‬
‫يكتشف أنه قد ابتعد عن اإلحاطة بعناصر االجابة المتعلقة بإشكالية البحث مما يضطر معه‬
‫الى اعادة النظر ومراجعته و ما يتبع ذلك من كلفة زمنية‪ .‬من جهة أخرى الوعي بعملية‬
‫تحديد اإلشكالية تبعد الباحث من الخروج عن الموضوع بالخوض في إشكاالت غير مطالب‬
‫بالبحث فيها‪ .‬و عن طريق هذا التحديد تصبح أهداف الباحث واضحة‪،‬فيتم وضع حدود‬
‫لإلشكالية بحذف جميع الجوانب و المعلومات التي ال صلة لها بمحور الدراسة أو البحث‪.‬‬
‫و تعتبر مرحلة تحديد اإلشكالية من بين أهم مراحل البحث‪ ،‬بعد مرحلة اختيار الموضوع و‬
‫صياغة العنوان‪ ،‬و لكون عملية تحديد االشكال هي عملية ذهنية تقوم على أساس اعمال الفكر‬
‫باالستقراء واالستنباط‪ ،‬فإن هذه المرحلة تقتضي التخطيط الجيد للقراءة األولية‪.‬‬
‫إن أول ما يواجهه الباحث عند عزمه إلخراج دراسة أو بحث هي مسألة اختيار الموضوع‪،‬‬
‫و مسألة اختيار الموضوع الجيد رهينة بمدى قدرة الباحث على االطالع الشامل بمجال‬
‫البحث‪ ،‬وهذا ما يثير التساؤل حول المراجع األولى باالطالع و األفيد في القراءة‪ ،‬ألن‬
‫القراءة األولية على درجة كبيرة من األهمية من حيث تحديد مسار البحث ككل‪ ،‬و من حيث‬
‫تحديد عدد و نوع األسئلة المكونة لإلشكالية‪ .‬و على ذلك فمن الناحية التقنية فمن األفضل عند‬
‫القراءة األولية البدء بالمراجع العامة‪ ،‬و التركيز من ناحية ثانية على المراجع األكثر حداثة‪.‬‬
‫‪ .1‬البدء بالمراجع العامة‬
‫ان أول ما يواجهه الباحث عند مرحلة البحث عن المراجع هو مسألة تصنيفها من حيث‬
‫القراءة األولية‪ ،‬و يطرح األمر بشدة في حالة وفرتها و تنوعها‪ ،‬فيقع الباحث في حيرة‬
‫تصن يف االولويات أي المراجع أولى بالقراءة‪ ،‬لهذا يتعين على الباحث أن يبدأ بالمراجع‬
‫العامة عند البحث في أي موضوع‪ .‬فبالنسبة لموضوعات العالقات الدولية مثال‪ ،‬فالمراجع‬
‫العامة في هذا التخصص هي التي تتناول هذه الموضوعات‪ ،‬بصورة عامة دون تخصيص‪،‬‬
‫و هي تحمل عادة عناوين العالقات الدولية‪ ،‬و ليس معنى ذلك أن المراجع التي تحمل اسم‬
‫العالقات الدولية هي وحدها التي يمكن اعتبارها من قبيل المراجع العامة‪ ،‬فهناك أيضا‬
‫المراجع العامة األخرى التي تحمل اسم‪ :‬السياسة الدولية‪ ،‬المنظمات الدولية‪ ،‬القانون الدولي‪.‬‬
‫فهذه المراجع العامة ميزتها أنها تحتوي في العادة على ملخصات مركزة ألهم الموضوعات‬
‫في العالقات الدولية‪ :‬تاريخ العالقات الدولية‪ ،‬المدارس السياسية الدولية‪ ،‬أطراف التفاعل في‬
‫العالقات الدولية من دول و منظمات دولية وقوى عبر وطنية و رأي عام دولي‪ ،‬باإلضافة‬
‫الى أوجه التفاعل السياسي و القانوني في العالقات الدولية ‪ .‬و هذا يعني أن فائدة االطالع‬
‫على المراجع العامة تتيح للباحث تكوين رؤية شمولية حول الموضوع بما يسمح له بتحديد‬
‫ِإشكالية البحث بشكل جيد‪.‬‬
‫فمثال ال يمكن فهم العالقات الفرنسية اإلفريقية‪ ،‬بمعزل عن فهم نظرية صراع الحضارات‪ ،‬و‬
‫بمعزل عن فهم السياسة الخارجية الفرنسية‪ ،‬و العالقات الفرنسية األوربية‪ ،‬و تاريخ العالقات‬
‫الفرنسية مع شمال افريقيا‪،‬‬
‫فالباحث في هذا الموضوع عند صياغته لإلشكالية يجب أن يضعها على ضوء هذه‬
‫المحددات‪.‬‬
‫‪ ‬بعد االطالع على المراجع العامة و االستفادة منها في تحديد ِ‬
‫اإلشكالية األساسية في‬
‫البحث من جهة‪،‬‬
‫و من جهة ثانية تكوين نظرة عامة حول تحديد خارطة طريق البحث من فرضيات و‬
‫تقسيم و المنهج التحليلي المستعمل‪ ،‬عندئذ يمكن للباحث أن يلجأ للمراجع المتخصصة في‬
‫الموضوع كالمقاالت العلمية‬
‫و الرسائل و األطروحات الجامعية… فهذه المراجع المتخصصة تتضمن عادة معلومات‬
‫دقيقة و جزئية‪،‬‬
‫و تفريعات قد يتيه معها الباحث لهذا ينصح بقراءتها بعد المراجع العامة‪ ،‬ألنها تتعلق‬
‫بموضوع متخصص‬
‫و دقيق بذاته مثل‪ :‬أثر استخدام المساعدات الفرنسية في عالقتها بإفريقيا…‬
‫بهذا الترتيب ألولويات القراءة في المرحلة األولية للبحث‪ ،‬يضمن الباحث استخالص‬
‫العناصر األساسية في تحديد اإلشكال المركزي لبحثه من المراجع العامة‪ ،‬و إثرائه في‬
‫األسئلة الفرعية بالمعلومات و األفكار التي لها عالقة بموضوع البحث من المراجع‬
‫المتخصصة‪ .‬لكن المراجع المعتمدة في القراءة األولية ثم في القراءة التفصيلية يشترط فيها‬
‫أن تكون من المراجع األكثر حداثة‪.‬‬
‫‪2.‬استعمال المراجع األكثر حداثة‬
‫االطالع األولي على مراجع البحث ال يقف فحسب عند مسألة تصنيفها من حيث القراءة‬
‫األولية بل يقتضي أيضا شرطا أخر ال يقل أهمية‪ ،‬و هو أن تكون هذه المراجع أكثر حداثة‪،‬‬
‫لما توفره من معلومات جديدة و األكثر اكتماال مما يضمن للباحث مواكبة زمن موضوع‬
‫البحث‪ ،‬و هذه المالحظة أساسية بالنسبة لتحديد إِشكالية البحث‪ .‬فاالعتماد على مراجع قديمة‬
‫قد يوقع الباحث في منزلق صياغة اشكال متهالك و لربما قد تكون ابحاث أخرى قد سبقته أو‬
‫تناولت نفس االشكال‪.‬‬
‫‪ ‬فالمراجع األكثر حداثة هي على درجة كبيرة من األهمية على صعيد تحديد إِشكالية‬
‫البحث‪.‬‬
‫‪ ‬فالمسائل النوعية التي يثيرها أي موضوع تختلف بحسب اختالف وقت و زمن‬
‫حدوثها‪.‬‬
‫‪ ‬فالمسائل التي كانت مطروحة في األوضاع السياسية في الجزائر قبل الحراك ليس‬
‫هي نفسها بعد الحراك‪ ،‬و هذا يعني أن المراجع األكثر حداثة بالنسبة لموضوع‬
‫التجربة السياسية في الجزائر هي المراجع القريبة من حيث اإلصدار من سنة ‪2019‬‬
‫الى السنة الحالية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬طرح االسئلة الجيدة‬
‫‪ ‬إن من األخطاء الشائعة عند الباحثين خاصة الجدد منهم أنهم يختزلون مسألة طرح‬
‫االشكالية في سؤال بسيط‬
‫و يقتصرون على ربطه بالموضوع‪ ،‬مما يجعله اشكال سطحي ال يرقى الى مستوى طرح‬
‫اإلشكاالت العميقة لموضوع البحث‪.‬‬
‫‪ ‬إن مسألة صياغة االشكالية ليست باألمر الهين‪ ،‬بل هي عملية ذهنية تحاكي القدرات‬
‫االبداعية للباحث في استنباط األفكار و تكوين تصور أثناء فترة القراءة األولية‬
‫للمراجع بما يسمح له بصياغة مجموعة من األسئلة المتعلقة بموضوع البحث و ذلك‬
‫بناء عل بحث أولي استكشافي من خالل المراجع العامة‪ ،‬أو باالعتماد على ما حصل‬
‫عليه من مراجع و وثائق خاصة مثل القرارات‪ ،‬التوصيات‪ ،‬البيانات‪ ،‬محاضر‪،‬‬
‫تقارير…‬
‫إذن صياغة االشكالية هي عملية فكرية قوامها استنباط مجموعة من األسئلة الجوهرية التي‬
‫تتعلق بموضوع البحث‪ ،‬و ترتيبها ضمن سؤال مركزي واحد‪ ،‬و الى عدة أسئلة فرعية وهو‬
‫ما يقتضي التمييز بين هذين النوعين من األسئلة‪.‬‬
‫‪ .1‬السؤال المركزي‬
‫أ فضل الطرق لتحديد إشكالية البحث هي صياغتها في سؤال مركزي‪ ،‬لكن هناك بعض‬
‫البحوث من خرجت عن هذه الطريقة بصياغة إشكالية في سؤالين مركزيين أو أكثر‪ .‬إما عن‬
‫جهل بقواعد وضع االشكالية أو نتيجة الختيار الباحثين لبعض المواضيع التي يصعب معها‬
‫حصر االشكالية في سؤال مركزي واحد‪ .‬و هذا ما يسير عكس ما يدعو اليه معظم‬
‫المتخصصين بخصوص احترام وحدة اإلشكالية و بصياغتها في سؤال مركزي واحد‪،‬‬
‫انسجاما مع دورها الوظيفي‪ ،‬فاإلشكالية هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين‬
‫مسائل البحث و فرضياته األساسية‪.‬‬
‫إن تعدد االسئلة في صياغة اإلشكالية قد يفرغها من محتواها ويجعلها سطحية عاجزة عن‬
‫التعمق في مالمسة اإلشكاالت الحقيقية لموضوع البحث‪ ،‬و بالتالي يصبح القارئ ازاء هذا‬
‫اإلشكالية االساسية التي يعالجها البحث‪.‬‬
‫النوع من االشكاليات تائها في تحديد ِ‬
‫اذن فصياغة االشكالية هي مسألة نوعية و ليست كمية‪ ،‬وهي بهذا المعنى فن طرح األسئلة‬
‫الجيدة المتعلقة بموضوع البحث بصرف النظر عن عدد األسئلة التي تصاغ بها‪ .‬فاإلشكالية‬
‫الجيدة هي التي يتحقق فيها شرطان أولهما أن تكون مرتبطة من حيث مصطلحات الكلمات‬
‫المكونة لها بموضوع البحث انطالقا من العنوان‪ ،‬و ثانهما طرح السؤال الذي من شأنه أن‬
‫يعمق البحث و يتيح امكانية التحليل بغاية الحصول على نتائج واضحة‪.‬‬
‫و جدير بالذكر أنه من الناحية التقنية أن طرح اإلشكالية له عالقة وطيدة بعنوان البحث‪،‬‬
‫فالعنوان المحدد المعالم‬
‫و الذي ال يثير أي لبس يساعد الباحث على صياغة إشكالية واضحة‪ ،‬و العناوين التي تكون‬
‫مركبة تطرح مشكل عند صياغة اإلشكالية كمشكل تجزئة األسئلة أو مشكل عدم وحدتها‬
‫فنصبح أمام بحث متعدد اإلشكاليات‪.‬‬
‫فإذا كان عنوان البحث جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة فإنه من السهل‬
‫استنباط و وضع مجموعة من األسئلة المركزية قد تليق إحداها لتحدد إشكالية البحث مثل‪:‬‬
‫ما هو دور جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة ؟‬
‫هل استطاع جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة أن يُرسي قواعد لفض‬
‫المنازعات بالنظام التجاري العالمي ؟‬
‫ما هي انعكاسات قرارات جهاز تسوية المنازعات بالمنظمة العالمية للتجارة ؟‬
‫هذا المثال يوضح لنا كيف أن للعنوان تأثير بالغ على صياغة االشكالية‪ ،‬فاختيار العنوان‬
‫الجيد يتيح تحديد إشكالية البحث بشكل واضح‪.‬‬
‫‪ .2‬األسئلة الفرعية‬
‫كما سبق االشارة أن مسألة صياغة االشكالية مرتبطة بقدرات الباحث الفكرية على استنباط‬
‫اإلشكاالت الحقيقية لموضوع البحث و المفاضلة بينها و مهارته في طرح األسئلة الجيدة‪.‬‬
‫فصياغة االشكالية عملية فكرية تسير في اتجاهين االتجاه األول هو تجميع األسئلة الجوهرية‬
‫و تركيزها في سؤال مركزي (ألن هذا السؤال هو الذي سيجيب عنه البحث من خالل النتائج‬
‫المتوصل اليها)‪ ،‬و االتجاه الثاني هو تفكيك السؤال المركزي الى أسئلة فرعية (هذه االسئلة‬
‫هي التي سوف يتم االجابة عنها من خالل مباحث و مطالب البحث‪.‬‬
‫و لهذا وجب التمييز في هذا الخصوص بين نوعين من األسئلة الفرعية‪ ،‬األسئلة الفرعية‬
‫األساسية واألسئلة الفرعية الجزئية‪ ،‬فاألسئلة الفرعية األساسية هي التي تنبثق من السؤال‬
‫المركزي و تعكس المسائل األساسية للبحث‪،‬‬
‫و األسئلة الفرعية الجزئية هي التي تستمد من األسئلة الفرعية األساسية و تنطوي على‬
‫المسائل الجزئية‪.‬‬
‫فموضع آثار تحرير التجارة الخارجية الجزائرية يتيح طرح أسئلة مركزية و أسئلة فرعية‪.‬‬
‫فاألسئلة المركزية (سؤال االشكالية) مثل‪ :‬ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية الجزائرية؟‬
‫أو ما هي انعكاسات تحرير التجارة الخارجية الجزائرية؟‬
‫أما األسئلة الفرعية (األسئلة البحثية) فهذا الموضوع يثير أسئلة فرعية أساسية و أسئلة فرعية‬
‫جزئية‪ .‬كمثال األسئلة الفرعية األساسية‪:‬‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية الجزائرية ؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على االقتصاد الجزائري؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على النسيج االجتماعي في الجزائر؟‪.‬‬
‫مثال األسئلة الفرعية الجزئية‪:‬‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية الجزائرية مع االتحاد‬
‫األوروبي؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية الجزائرية مع تركيا؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية الجزائرية مع الواليات المتحدة‬
‫األمريكية؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على السياسة الخارجية الجزائرية مع الدول المغاربية؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على النسيج الصناعي في الجزائر‬
‫؟ ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على الحركة التجارية الداخلية في الجزائر؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على تنافسية المقاولة في الجزائر؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على ضمان فرص الشغل في الجزائر؟‬
‫ما هي آثار تحرير التجارة الخارجية على القطاعات االجتماعية في الجزائر؟‬
‫اإلجابة عن هذه األسئلة الفرعية بشقيها األساسية و الجزئية من خالل مباحث و مطالب و‬
‫فروع البحث يضمن للباحث الوصول الى نتائج تجيب عن االشكال المركزي‪.‬‬
‫و في األخير‬
‫حاولنا من خالل هذه الورقة أن نقدم وجهة نظر حول مسألة صياغة االشكالية على اعتبار‬
‫أن هذه المسألة تعتبر من المحددات األساسية‪ ،‬خاصة في المرحلة التأسيس للبحث‪ ،‬و التي اذا‬
‫ما لم يتم أ حكام القواعد و التقنيات المنهجية لصياغتها‪ ،‬ستكون العواقب وخيمة على المرحلة‬
‫التركيبية للبحث و كذا على نتائج البحث‪ .‬و عموما ما يمكن أن نخلص اليه من نتائج في هذا‬
‫الموضوع نشملها في النقط التالية‪:‬‬
‫إن مسألة تحديد االشكالية تكون في المرحلة التأسيسية للبحث و أثناء القراءة األولية‬ ‫‪‬‬
‫لمراجع البحث و بعد تحديد موضوع البحث‪،‬‬
‫صياغة االشكالية لها ارتباط وثيق بصياغة العنوان‪ ،‬فكلما كان العنوان واضح كلما كانت‬ ‫‪‬‬
‫االشكالية واضحة‪،‬‬
‫صياغة االشكالية هي عملية فكرية مرتبطة بقدرة الباحث على طرح األسئلة الجيدة من‬ ‫‪‬‬
‫جهة‪ ،‬و مدى مهارته في تركيز و تفكيك األسئلة من جهة ثانية‪،‬‬
‫صياغة االشكالية هي عملية مركبة تنطوي على سؤال مركزي و أسئلة أخرى فرعية‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫وظيفة االشكالية هي الطريقة الوحيدة للتعبير عن الخيط الرابط بين مسائل البحث و‬ ‫‪‬‬
‫فرضياته األساسية‪.‬‬

You might also like