You are on page 1of 1

‫أيام التشريق أيام ذكر هلل‬

‫جالسا بين أصحابه الكرام رضي هللا عنهم‪ ،‬فبدأ يحدثهم عن فضل‬ ‫ً‬ ‫في ذات يوم كان النبي صلى هللا عليه وسلم‬
‫يحفزهم ويشجِّعهم على معرفة هذا العمل؛‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬
‫من فضائل هذا الدين‪ ،‬وعمل من أعماله العظيمة‪ ،‬فسألهم سؤاًل‬
‫وخير لكم من إنفاق الذهب‬‫ٍ‬ ‫((أًل أنبئكم بخير أعمالكم‪ ،‬وأزكاها عند مليككم‪ ،‬وأرفعها في درجاتكم‪،‬‬ ‫ا‬ ‫فقال لهم‪:‬‬
‫والفضة‪ ،‬وخير لكم من أن تال اقوا عدوكم‪ ،‬فتضربوا أعناقهم‪ ،‬ويضربوا أعناقكم؟))‪ ،‬الصحابة رضي هللا عنهم تعجبوا؛ ما‬
‫هــــذا العمل الذي هـــــــو أفضـــــل من الصدقات ومن الجهاد في سبيـــل هللا؟ ((قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬ذكر هللا‬
‫ظي ً‬
‫ما ﴾ [األحزاب‪].35 :‬‬ ‫ع ِّ‬ ‫م م ْاغ ِّف ار ًة واأا ْ‬
‫جرًا ا‬ ‫َّللا لا ُه ْ‬ ‫االذاكِّرااتِّ أا ا‬
‫ع َّد َّ ُ‬ ‫َّللا اكثِّيرًا و َّ‬ ‫تعالى)) ]‪[1‬؛ ﴿ و َّ‬
‫االذاكِّ ِّرينا َّ ا‬

‫أيها المسلم ‪:‬أنا أقف اليـــوم مع ذكر هللا تعالى؛ ألننا نعيش في أيـــام أخبرنا عنها ربنا جل وعال‪ ،‬ونبينا الكريم صلى‬
‫ا‬ ‫هللا عليه وسلم أنها أيام ذكـــــــر هلل تعالى؛ فقال سبحانه ‪ ﴿:‬واا ْذ ُك ُروا َّ ا‬
‫م م ْاع ُدودااتٍ ﴾ [البقرة‪]203 :‬؛ قال‬ ‫َّللا فِّي أيَّا ٍ‬
‫أهــــــــل التفسيـر‪ :‬األيام المعدودات‪ :‬هي أيام التشريق الثالثة بعد العيد؛ لِّم ِّازيَّتها وشرفها‪ ،‬وكون بقية أحكام‬
‫أضيافا هلل فيها‪ ،‬ولهذا ح ُرم صيامها‪ ،‬فللذكر فيها مزية ليست لغيرها]‪[2‬؛ ولذلك‬ ‫ً‬ ‫المناسك ُتفعل بها‪ ،‬ولكون الناس‬
‫قال نبينا الكريم صلى هللا عليه وسلم وهو يخبرنا عن هذه األيام بأنها أيام ذكــــر هلل عز وجل‪ ،‬قال‪(( :‬أيام التشريق‬
‫أيام أكل وشرب وذكر هللا))]‪ ،[3‬وأيام التشريق هي األيام الثالثة بعد يوم النحر (الحادي عشر من شهر ذي الحجة‪،‬‬
‫شرقون فيها لحوم األضاحي؛ أي‪:‬‬ ‫والثاني عشر‪ ،‬والثالث عشر)‪ ،‬وسبب التسمية بأيام التشريق؛ ألن الناس كانوا ُي ِّ‬
‫يملِّحونها ويعرضونها للشمس؛ لحفظها من الفساد‪ ،‬وذلك لعدم وجود أجهزة التبريد‪.‬‬

‫ا‬
‫وجدت الكثير‬ ‫فما دام األمر هكذا‪ ،‬فتعالاوا لنعيش مع ذكر هللا تعالى‪ ،‬ولو أنك نظرت إلى واقع المسلمين اليوم‪ ،‬لا‬
‫ً‬
‫غافال‪ ،‬يقضي ليله ونهاره في الحديث عن الدنيا‪ ،‬أصبح أكثرنا غافلين عن ذكر هللا‪ ،‬ذاكرين‬ ‫منهم يمسي ويصبح‬
‫للدنيا‪.‬‬

‫ُترى كم في دنيا اليوم من لسان ناطق ُيحسن الحديث في كل شيء إًل في ذكر هللا وما واًله! وكم من قلوب‬
‫تنبِّض بالحياة وهي خاوية على عروشها‪ ،‬قد عالها غبار الغفلة‪ ،‬وعشعشت في زواياها عناكب القسوة! وكم من‬
‫أجساد ت ِّدب على األرض وهي إلى الموات أقرب‪ ،‬تتقرب إلى كل أحد‪ ،‬وتبتعد عن ربها وخالقها‪ ،‬تذكر كل مخلوق‪،‬‬
‫وتنسى الخالق رب العباد!‬

‫هل تدرون أن الكون كله ُيسبِّح؟ الطير في الهواء‪ ،‬والحوت في الماء‪ ،‬النملة في جحرها‪ ،‬الدواب والشجر‪ ،‬الجبال‬
‫ح‬ ‫ي ٍء إ ِّ ًَّل ُي ا‬
‫سبِّ ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن ا‬ ‫ن واإِّ ْن ِّم ْ‬
‫يه َّ‬ ‫ااألار ُ‬
‫ْض اوم ْ‬
‫ان فِّ ِّ‬ ‫ْع و ْ‬
‫السب ُ‬‫َّ‬ ‫السمااو ُ‬
‫اات‬ ‫َّ‬ ‫ح لا ُه‬‫سبِّ ُ‬‫والحجر‪ ،‬الهواء والماء‪ ،‬األرض والسماء؛ ﴿ ُت ا‬
‫السمااوااتِّ‬‫َّ‬ ‫ان فِّي‬ ‫ا‬
‫ح ل ُه م ْ‬ ‫سبِّ ُ‬ ‫َّ‬
‫َّللا ُي ا‬ ‫َّ‬ ‫ا‬
‫م تا ار أن ا‬ ‫ا‬ ‫ا‬
‫غ ُفورًا ﴾ [اإلسراء‪ ﴿ ،]44 :‬أل ْ‬ ‫ما ا‬ ‫حلِّي ً‬
‫ان ا‬ ‫م إِّن َّ ُه اك ا‬ ‫سبِّيح ُ‬
‫اه ْ‬ ‫ن اًل تا ْف اق ُه ا‬
‫ون ت ا ْ‬ ‫ام ِّد ِّه والاكِّ ْ‬
‫بِّح ْ‬
‫ون ﴾ [النور‪].41 :‬‬ ‫ُ‬
‫م بِّماا ي ْاف اعل ا‬‫علِّي ٌ‬ ‫ح ُه و َّ ُ‬
‫اَّللا ا‬ ‫م ص ااالت ا ُه اوت ا ْ‬
‫س ِّبي ا‬ ‫علِّ ا‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ااألارْضِّ واالط ْي ُر صاافاتٍ كل اق ْد ا‬ ‫و ْ‬

‫ي في البحر وابتلعه‬ ‫ُ‬


‫ولذلك سيدنا يونس عليه السالم لما خرج من قومه مغاضبًا‪ ،‬وركب البحر في سفينة‪ ،‬وأل ِّق ا‬
‫الحوت‪ ،‬وعندما أصبـــــــــــح في ظلمات ثالث‪ ،‬سمع سيــدنا يـونس عليه السالم صوت تسبيح األسمـاك‪ ،‬فلما‬
‫ت ِّمنا‬‫ك إِّنِّي ُك ْن ُ‬‫س ْبحاان ا ا‬‫ت ُ‬ ‫سمع األسماك تسبح أخذ يلهاج بذكـــــــــر هللا؛ ﴿ افنااداى فِّي الظ ُّ ُلمااتِّ أا ْن اًل إِّل ا ا‬
‫ه إ ِّ ًَّل أا ْن ا‬
‫ما تعلق قلبه به‪ ،‬وصار لسانه يلهاج‬ ‫مينا ﴾ [األنبياء‪ ،]87 :‬فاستجاب هللا تعالى لسيدنا يونس عليه السالم‪ ،‬ل َّ‬ ‫الظَّالِّ ِّ‬
‫ا‬
‫م ْؤ ِّمنِّينا ﴾ [األنبياء]‪ ﴿ ،: 88‬افلا ْو اًل أن َّ ُه اك ا‬ ‫ْ‬ ‫م و ااك اذلِّ ا‬
‫ك ُن ْنجِّي ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ج ْبناا ل ا ُه اون ا َّ‬ ‫بذكره؛ ﴿ اف ْ‬
‫ان ِّمنا‬ ‫ج ْيناا ُه ِّمنا ال اغ ِّ‬ ‫اس ات ا‬
‫ون ﴾ [الصافات‪] 144 ،143 :‬فذك ُره هلل قبل أن يقع في بطن الحوت هو‬ ‫م ُي ْب اع ُث ا‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫و‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ى‬‫ا‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ه‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬ ‫ْ‬
‫اط‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫ا‬
‫ث‬ ‫ب‬
‫ِّ‬ ‫ا‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ل‬‫*‬ ‫حينا‬ ‫س ِّب ِّ‬ ‫م ا‬ ‫ْال ُ‬
‫ِّ‬
‫الذي نجاه من بطن الحوت‪.‬‬ ‫َّ‬

You might also like