Professional Documents
Culture Documents
8 2021 03 17!01 55 15 PM
8 2021 03 17!01 55 15 PM
نظرية لــومــبــروزو:
مما ال شك فيو أن عمم اإلجرام الحديث يدين بالفضل لمماركيز اإليطالي سيزار
لومبروزو ، César Lombrosoالذي وضع أسس الحركة العممية في مجال
الدراسات اإلجرامية ،والذي تمثل نظريتو حجر الزاوية لكافة المذاىب البيولوجية
والتكوينية التي قيمت من بعده حول تفسير السموك اإلجرامي ،كما أن أفكاره تمثل
عصب الفمسفة الوضعية في الفكر العقابي والسياسة الجنائية.
ولد لومبروزو في فيرونا Véroneفي نوفمبر من عام ، 1835من أبوين
ييوديين ودرس الطب في عدد من الجامعات اإليطالية ،وبعد تخرجو عمل أستاذاً
لمطب الشرعي والعقمي بجامعتي بافيا Paviaوتورينو Torinoاإليطاليتين ،كما كان
طبيباً لألمراض العقمية في سجون إيطاليا ،وقد أتاح لو عممو عدة سنوات في الجيش
اإليطالي مالحظة العديد من النماذج المختمفة من الجنود والقادة العسكريين ،وقد
الحظ أن بعضيم يتصف بسمات يغمب عمييا طابع القسوة والتمرد عمى النظام ،بينما
يتسم البعض اآلخر منيم بالطاعة واالنضباط.
كما أن الجنود األشرار كان لدييم شذوذاً عضوياً وكانت لدييم وشمات ورسوم
قبيحة ،ليست موجود لدى أقرانيم من بقية العسكريين ،والحظ عمى أكثرىم يستعمل
اليد اليسرى بدالً من اليمنى.
كما أجرى لومبروزو بحوثاً عمى نحو 383جمجمة لمجرمين متوفيين من مرتكبي
جرائم العنف ،فقد اكتشف تجويف في مؤخرة الدماغ مثل التي توجد عند بعض
الثدييات الدنيا ،واسترعى انتباىو شذوذ في تكوين األسنان وشكل الجبية وحجم
الجمجمة ،يشبو الحال الذي كان عميو حال اإلنسان األول ،وتأكدت وجية نظره ىذه
بتطبيقو لممقاييس األنثروبولوجية وبالفحص العضوي لعدد 5907من المجرمين
األحياء.
وقد سجل لومبروزو أسس الحركة العممية في مجال عمم اإلجرام ونتائج أبحاثو تمك
في كتابو الشيير "اإلنسان المجرم ،" L’homme criminelالذي ظيرت طبعتو
األولى عام .1876
ثم تبعو بمؤلف آخر في عام 1901أسماه "الجريمة أسبابيا وعالجيا ،واختتميا
.1906 عام في والدعارة المجرمة المرأة عن بمؤلف
وتقوم نظرية لومبروزو عمى أساس أن ىناك أشخاصاً يتميزون بخصائص جسدية
ومالمح عضوية خاصة وسمات نفسية معينة ،وأن ىؤالء األشخاص ينقادون إلى
الجريمة بتأثير العوامل الوراثية ويندفعون إلى اإلجرام بحكم تكوينيم البيولوجي،
اندفاعاً حتمياً ،ال يكون حيالو من سبيل لمعالج سوى استئصالو من المجتمع ،وال
يخفى تأثر لومبروزو في ذلك بأفكار داروين عن التطور واالرتقاء التي تعرض ليا
في كتابو األشير "أصل األنواع" عام ،1859والذي يؤكد فيو أن اإلنسان ىو
استمرار لسمفو الحيواني ،أو أن اإلنسان ىو أخر حمقة من حمقات تطور الخمية الحية
األولى .وىكذا فمدى لومبروزو أن اإلنسان المجرم ىو الذي يحتفظ عن طريق الوراثة
بالخصائص األنثروبولوجية والبيولوجية المماثمة لإلنسان البدائي ،فتدفعو دفعاً إلى
سموك سبيل الجريمة ،أي أن المجرم مجبر عمى ارتكاب الجريمة ،فيو مجرم بالميالد
أو بالطبع ،أي أن السموك اإلجرامي يقوم لديو عمى فكرة الحتمية البيولوجية ،التي
تعود إلى انحطاط في األصل ،أي توافر صفات تشريحية وعقمية ونفسية وعالمات
ارتدادية في شخص المجرم تطابق ما كان عميو اإلنسان في العقود السحيقة ،تؤدي
إذا ما توافرت في شخص معين إلى دفعو–بال اختيار– إلى السقوط في ىوة الجريمة.
ولقد كانت نقطة البدء لدى لومبروزو عندما شرع في تشريح جثة قاطع طريق
في جنوب إيطاليا يدعى فيميال ، Vilellaإذا اكتشف وجود تجويف في مؤخرة
جمجمتو شبيو بالتجويف الذي يوجد لدى بعض الحيوانات المتوحشة والقردة ولدى
بعض الثدييات الدنيا ،وقد استنتج من ذلك أن المجرم يتمتع بشذوذ جسماني يرتد بو
إلى صفات وخصائص اإلنسان األول وأن ىذا الشذوذ ىو الذي يفسر إجرامو ،بل
الجريمة. سبيل سموك إلى حتمي نحو عمى منقاداً ويجعمو
ومن بعد تناول لومبروزو بالفحص حالة مجرم خطير يدعى فيرسيني ،اتيم بقتل
نحو عشرين من النساء بطريقة وحشية ،حيث كان من عادتو أن يمثل بجثثيم بعد
قتميم ،ويشرب من دمائيم ثم يقوم بدفنيم في أماكن خصصيا لذلك ،وقد الحظ عميو
لومبروزو وجود عالمات خاصة مثل التي كانت توجد لدى اإلنسان البدائي
والحيوانات الدنيا والمتوحشة.
وقد عدد لومبروزو مظاىر ىذا االرتداد أو الرجعة اإلجرامية ،فذكر منيا انحدار
الجبية ،وضيق تجويف عظام الرأس ،بروز عظام الوجنتين ،وغ ازرة في شعر الرأس
والجسم ،وقمة شعر المحية ،وطول مفرط في الذراعين واألصابع ،ضخامة الفكين،
والشذوذ في حجم األذنين وفرطحتيا ،والشذوذ في تركيب األسنان ،وانعكاف األنف
وفرطحتيا ،والبموغ الجنسي المبكر ،وقد اشترط لومبروزو وجود خمس عالمات عمى
األقل من عالمات االرتداد كي يصبح اإلنسان مجرماً بالفطرة.
وقد وجو لومبروزو بعض أبحاثو محاوالً أن يجمع الصفات العضوية الخاصة التي
توجد لدى طوائف المجرمين من السارقين والقتمة ومحترفي الدعارة ومغتصبي النساء.
وال يقف األمر لدى لومبروزو عند حد توافر سمات ارتدادية خاصة بالمجرم ،وانما
قرر من واقع بحوث الحقة أن ىناك عالقة وثيقة بين اإلجرام وبين التشنجات
العصبية أو الصرع.
ولقد كان دليمو في ذلك حالة الجندي ميسديا Misdeaالذي كان مريضا بالصرع،
فقد حدث في عام 1884أن طرد ىذا الجندي فجأة – بعد عدة سنوات قضاىا في
الجيش وكان قد مسك منضبطاً لقتمو ثمانية من رؤسائو وزمالئو ،ثم سقط فاقد
الوعي اثني عشر ساعة لمجرد أن أحدىم سخر من مقاطعة كالبريا التي ينتمي
إلييا ،ولما أفاق من جريمتو لم يتذكر شيئا مما حدث.
وخمص لومبروزو من ذلك إلى أن ىناك صمة بين اإلجرام وبين التشنجات العصبية
المصاحبة لمصرع ،التي من شأنيا أن تدفع المجرم إلى ارتكاب أفعال تتسم بالعنف
ربما دون أن يدري عنيا شيئاً.
بل أن لومبروزو قد كشف في الطبعة الثانية لمؤلفو اإلنسان المجرم عام 1897
عن أن ىناك عدد من الصفات النفسية والمالمح السموكية الخاصة التي تميز المجرم
عن غيره من األفراد ،من تمك الصفات ضعف اإلحساس باأللم ،الذي كشف عنو
كثرة وجود االوشام عمى أجسام المجرمين ،الغرور ،انعدام الشعور بالشفقة ،سيولة
االستثارة واالندفاع ،الكسل والالمباالة ،الشعور بعدم االستقرار ،ضعف الوازع
األخالقي ،عدم الشعور بالذنب.
لقد تعرضت أفكار لومبروزو أبان ظيورىا لنقد شديد خاصة فيما يتعمق بفكرة
االرتداد ،وتمسكو بالمجرم بالميالد أو بالفطرة كنمط إجرامي وحيد بين المجرمين ،إذ
من الصعب جمع كافة المجرمين تحت نموذج واحد ،وقد دفع ىذا النقد لومبروزو
إلي أن يطور من نظريتو ،فقام باستبعاد المجرم بالميالد وأضاف طوائف أخرى من
المجرمين ،وانتيى إلى اعتماد تصنيف سداسي لممجرمين يضم الفئات اآلتية:
-1المجرم المجنون:
وىو الشخص الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير المرض العقمي ،وقد أدخل لومبروزو
والمخدرات. الخمر ومدمن اليستيري المجرم الطائفة ىذه في
-2المجرم الصرعي:
ىذا النمط يضم من يرتكب الجريمة تحت تأثير الصرع الوراثي ،الذي ينتقل عادة
عند الوالدة ،ويؤدي إلى ضمور في بعض العضالت ويؤثر عمى األعصاب ويحد
من الوظائف النفسية ،وقد تتطور حالة المريض بالصرع فتؤثر عمى حالتو العقمية
بسبب استعداده الخاص لالضطرابات العقمية فينقمب إلى مجرم مجنون.
-3المجرم السيكوباتي (المجنون خمقياً):
وىو الشخص الذي ينعدم لديو القدرة عمى التكيف مع المجتمع ،فيبدأ بالتصادم معو
في صورة خرق القوانين وارتكاب الجرائم.
-4المجرم بالعاطفة:
وىو مجرم يتصف بحدة المزاج وبالحساسية المفرطة وسرعة االنفعال وجموح
العاطفة ،يندفع إلى تيار الجريمة تحت تأثير حب شديد أو حقد أو غيرة أو استفزاز
...الخ ،وغالبا ما تكون جرائمو من نوع الجرائم السياسية وجرائم االعتداء عمى
األشخاص ،وسرعان ما يندم عقب ارتكاب جريمتو ،لذا غالباً ما يسارع إلى تعويض
الضرر الناتج عن الجريمة ،أو تغيير محل إقامتو كي يبتعد عن مكان الجريمة أو
االتصال بالمجني عميو .وقد يقدم عمى االنتحار عقب جريمتو.
-5المجرم المعتاد:
وىو نمط من المجرمين يولد من دون أن تتوافر لديو عالمات االرتداد أو صفات
وخصائص المجرم المجنون أو بالميالد ،إال أنو يندفع إلى ارتكاب الجريمة تحت
تأثير ظروف بيئية واجتماعية معينة ،كإدمان الخمر ،البطالة ،الفقر ،أواختالطو
بمحترفي اإلجرام منذ الصغر .فيو مجرم باالكتساب وليس بالميالد .ويغمب أن تكون
جرائمو بسيطة من نوع جرائم االعتداء عمى األموال ،وكثي اًر ما ينجح السجن في
تيذيبو وتقويمو ويدفعو إلى اإلقالع عنيا.
-6المجرم بالصدفة:
وىو شخص ال يتوافر فيو االستعداد اإلجرامي وليس لديو صفات المجرم بالميالد ،
ولكنو غالباً ما يرتكب جريمة بالصدفة ويعتاد عمى تكرارىا