You are on page 1of 6

‫‪.

‬نظرية لــومــبــروزو‪:‬‬
‫مما ال شك فيو أن عمم اإلجرام الحديث يدين بالفضل لمماركيز اإليطالي سيزار‬
‫لومبروزو ‪ ، César Lombroso‬الذي وضع أسس الحركة العممية في مجال‬
‫الدراسات اإلجرامية‪ ،‬والذي تمثل نظريتو حجر الزاوية لكافة المذاىب البيولوجية‬
‫والتكوينية التي قيمت من بعده حول تفسير السموك اإلجرامي‪ ،‬كما أن أفكاره تمثل‬
‫عصب الفمسفة الوضعية في الفكر العقابي والسياسة الجنائية‪.‬‬
‫ولد لومبروزو في فيرونا ‪ Vérone‬في نوفمبر من عام ‪ ، 1835‬من أبوين‬
‫ييوديين ودرس الطب في عدد من الجامعات اإليطالية‪ ،‬وبعد تخرجو عمل أستاذاً‬
‫لمطب الشرعي والعقمي بجامعتي بافيا ‪ Pavia‬وتورينو ‪ Torino‬اإليطاليتين‪ ،‬كما كان‬
‫طبيباً لألمراض العقمية في سجون إيطاليا‪ ،‬وقد أتاح لو عممو عدة سنوات في الجيش‬
‫اإليطالي مالحظة العديد من النماذج المختمفة من الجنود والقادة العسكريين‪ ،‬وقد‬
‫الحظ أن بعضيم يتصف بسمات يغمب عمييا طابع القسوة والتمرد عمى النظام‪ ،‬بينما‬
‫يتسم البعض اآلخر منيم بالطاعة واالنضباط‪.‬‬

‫كما أن الجنود األشرار كان لدييم شذوذاً عضوياً وكانت لدييم وشمات ورسوم‬
‫قبيحة‪ ،‬ليست موجود لدى أقرانيم من بقية العسكريين‪ ،‬والحظ عمى أكثرىم يستعمل‬
‫اليد اليسرى بدالً من اليمنى‪.‬‬
‫كما أجرى لومبروزو بحوثاً عمى نحو ‪ 383‬جمجمة لمجرمين متوفيين من مرتكبي‬
‫جرائم العنف‪ ،‬فقد اكتشف تجويف في مؤخرة الدماغ مثل التي توجد عند بعض‬
‫الثدييات الدنيا‪ ،‬واسترعى انتباىو شذوذ في تكوين األسنان وشكل الجبية وحجم‬
‫الجمجمة‪ ،‬يشبو الحال الذي كان عميو حال اإلنسان األول‪ ،‬وتأكدت وجية نظره ىذه‬
‫بتطبيقو لممقاييس األنثروبولوجية وبالفحص العضوي لعدد ‪ 5907‬من المجرمين‬
‫األحياء‪.‬‬
‫وقد سجل لومبروزو أسس الحركة العممية في مجال عمم اإلجرام ونتائج أبحاثو تمك‬
‫في كتابو الشيير "اإلنسان المجرم ‪ ،" L’homme criminel‬الذي ظيرت طبعتو‬
‫األولى عام ‪.1876‬‬
‫ثم تبعو بمؤلف آخر في عام ‪ 1901‬أسماه "الجريمة أسبابيا وعالجيا‪ ،‬واختتميا‬
‫‪.1906‬‬ ‫عام‬ ‫في‬ ‫والدعارة‬ ‫المجرمة‬ ‫المرأة‬ ‫عن‬ ‫بمؤلف‬
‫وتقوم نظرية لومبروزو عمى أساس أن ىناك أشخاصاً يتميزون بخصائص جسدية‬
‫ومالمح عضوية خاصة وسمات نفسية معينة‪ ،‬وأن ىؤالء األشخاص ينقادون إلى‬
‫الجريمة بتأثير العوامل الوراثية ويندفعون إلى اإلجرام بحكم تكوينيم البيولوجي‪،‬‬
‫اندفاعاً حتمياً‪ ،‬ال يكون حيالو من سبيل لمعالج سوى استئصالو من المجتمع‪ ،‬وال‬
‫يخفى تأثر لومبروزو في ذلك بأفكار داروين عن التطور واالرتقاء التي تعرض ليا‬
‫في كتابو األشير "أصل األنواع" عام ‪ ،1859‬والذي يؤكد فيو أن اإلنسان ىو‬
‫استمرار لسمفو الحيواني‪ ،‬أو أن اإلنسان ىو أخر حمقة من حمقات تطور الخمية الحية‬
‫األولى ‪ .‬وىكذا فمدى لومبروزو أن اإلنسان المجرم ىو الذي يحتفظ عن طريق الوراثة‬
‫بالخصائص األنثروبولوجية والبيولوجية المماثمة لإلنسان البدائي‪ ،‬فتدفعو دفعاً إلى‬
‫سموك سبيل الجريمة‪ ،‬أي أن المجرم مجبر عمى ارتكاب الجريمة‪ ،‬فيو مجرم بالميالد‬
‫أو بالطبع‪ ،‬أي أن السموك اإلجرامي يقوم لديو عمى فكرة الحتمية البيولوجية‪ ،‬التي‬
‫تعود إلى انحطاط في األصل‪ ،‬أي توافر صفات تشريحية وعقمية ونفسية وعالمات‬
‫ارتدادية في شخص المجرم تطابق ما كان عميو اإلنسان في العقود السحيقة‪ ،‬تؤدي‬
‫إذا ما توافرت في شخص معين إلى دفعو–بال اختيار– إلى السقوط في ىوة الجريمة‪.‬‬
‫ولقد كانت نقطة البدء لدى لومبروزو عندما شرع في تشريح جثة قاطع طريق‬
‫في جنوب إيطاليا يدعى فيميال ‪ ، Vilella‬إذا اكتشف وجود تجويف في مؤخرة‬
‫جمجمتو شبيو بالتجويف الذي يوجد لدى بعض الحيوانات المتوحشة والقردة ولدى‬
‫بعض الثدييات الدنيا‪ ،‬وقد استنتج من ذلك أن المجرم يتمتع بشذوذ جسماني يرتد بو‬
‫إلى صفات وخصائص اإلنسان األول وأن ىذا الشذوذ ىو الذي يفسر إجرامو‪ ،‬بل‬
‫الجريمة‪.‬‬ ‫سبيل‬ ‫سموك‬ ‫إلى‬ ‫حتمي‬ ‫نحو‬ ‫عمى‬ ‫منقاداً‬ ‫ويجعمو‬
‫ومن بعد تناول لومبروزو بالفحص حالة مجرم خطير يدعى فيرسيني‪ ،‬اتيم بقتل‬
‫نحو عشرين من النساء بطريقة وحشية‪ ،‬حيث كان من عادتو أن يمثل بجثثيم بعد‬
‫قتميم‪ ،‬ويشرب من دمائيم ثم يقوم بدفنيم في أماكن خصصيا لذلك‪ ،‬وقد الحظ عميو‬
‫لومبروزو وجود عالمات خاصة مثل التي كانت توجد لدى اإلنسان البدائي‬
‫والحيوانات الدنيا والمتوحشة‪.‬‬

‫سمات االرتداد لدى لومبروزو ‪:‬‬

‫خمص لومبروزو من دراستو لتمك الحاالت إلى أن لممجرم الصفات التشريحية‬


‫والنفسية ومظاىر قسوة التي كانت توجد لدى اإلنسان البدائي والحيوانات المتوحشة ‪،‬‬
‫تدفعو إلى الجريمة عمى نحو حتمي وبحكم تكوينو البيولوجي والعضوي‪ ،‬فالمجرم ىو‬
‫نوع من البشر يتميز بمظاىر جسمانية شاذة وسمات نفسية معيبة يرتد بيا إلى‬
‫األصول األولى لإلنسان في العصور الغابرة‪.‬‬

‫وقد عدد لومبروزو مظاىر ىذا االرتداد أو الرجعة اإلجرامية‪ ،‬فذكر منيا انحدار‬
‫الجبية‪ ،‬وضيق تجويف عظام الرأس‪ ،‬بروز عظام الوجنتين‪ ،‬وغ ازرة في شعر الرأس‬
‫والجسم‪ ،‬وقمة شعر المحية‪ ،‬وطول مفرط في الذراعين واألصابع‪ ،‬ضخامة الفكين‪،‬‬
‫والشذوذ في حجم األذنين وفرطحتيا‪ ،‬والشذوذ في تركيب األسنان‪ ،‬وانعكاف األنف‬
‫وفرطحتيا‪ ،‬والبموغ الجنسي المبكر‪ ،‬وقد اشترط لومبروزو وجود خمس عالمات عمى‬
‫األقل من عالمات االرتداد كي يصبح اإلنسان مجرماً بالفطرة‪.‬‬

‫وقد وجو لومبروزو بعض أبحاثو محاوالً أن يجمع الصفات العضوية الخاصة التي‬
‫توجد لدى طوائف المجرمين من السارقين والقتمة ومحترفي الدعارة ومغتصبي النساء‪.‬‬
‫وال يقف األمر لدى لومبروزو عند حد توافر سمات ارتدادية خاصة بالمجرم‪ ،‬وانما‬
‫قرر من واقع بحوث الحقة أن ىناك عالقة وثيقة بين اإلجرام وبين التشنجات‬
‫العصبية أو الصرع‪.‬‬

‫ولقد كان دليمو في ذلك حالة الجندي ميسديا ‪ Misdea‬الذي كان مريضا بالصرع‪،‬‬
‫فقد حدث في عام ‪ 1884‬أن طرد ىذا الجندي فجأة – بعد عدة سنوات قضاىا في‬
‫الجيش وكان قد مسك منضبطاً لقتمو ثمانية من رؤسائو وزمالئو‪ ،‬ثم سقط فاقد‬
‫الوعي اثني عشر ساعة لمجرد أن أحدىم سخر من مقاطعة كالبريا التي ينتمي‬
‫إلييا‪ ،‬ولما أفاق من جريمتو لم يتذكر شيئا مما حدث‪.‬‬
‫وخمص لومبروزو من ذلك إلى أن ىناك صمة بين اإلجرام وبين التشنجات العصبية‬
‫المصاحبة لمصرع‪ ،‬التي من شأنيا أن تدفع المجرم إلى ارتكاب أفعال تتسم بالعنف‬
‫ربما دون أن يدري عنيا شيئاً‪.‬‬

‫بل أن لومبروزو قد كشف في الطبعة الثانية لمؤلفو اإلنسان المجرم عام ‪1897‬‬
‫عن أن ىناك عدد من الصفات النفسية والمالمح السموكية الخاصة التي تميز المجرم‬
‫عن غيره من األفراد‪ ،‬من تمك الصفات ضعف اإلحساس باأللم‪ ،‬الذي كشف عنو‬
‫كثرة وجود االوشام عمى أجسام المجرمين‪ ،‬الغرور‪ ،‬انعدام الشعور بالشفقة‪ ،‬سيولة‬
‫االستثارة واالندفاع‪ ،‬الكسل والالمباالة‪ ،‬الشعور بعدم االستقرار‪ ،‬ضعف الوازع‬
‫األخالقي‪ ،‬عدم الشعور بالذنب‪.‬‬

‫تصنيف المجرمين عند لومبروزو‪:‬‬

‫لقد تعرضت أفكار لومبروزو أبان ظيورىا لنقد شديد خاصة فيما يتعمق بفكرة‬
‫االرتداد‪ ،‬وتمسكو بالمجرم بالميالد أو بالفطرة كنمط إجرامي وحيد بين المجرمين‪ ،‬إذ‬
‫من الصعب جمع كافة المجرمين تحت نموذج واحد‪ ،‬وقد دفع ىذا النقد لومبروزو‬
‫إلي أن يطور من نظريتو‪ ،‬فقام باستبعاد المجرم بالميالد وأضاف طوائف أخرى من‬
‫المجرمين‪ ،‬وانتيى إلى اعتماد تصنيف سداسي لممجرمين يضم الفئات اآلتية‪:‬‬
‫‪-1‬المجرم المجنون‪:‬‬

‫وىو الشخص الذي يرتكب الجريمة تحت تأثير المرض العقمي‪ ،‬وقد أدخل لومبروزو‬
‫والمخدرات‪.‬‬ ‫الخمر‬ ‫ومدمن‬ ‫اليستيري‬ ‫المجرم‬ ‫الطائفة‬ ‫ىذه‬ ‫في‬
‫‪-2‬المجرم الصرعي‪:‬‬

‫ىذا النمط يضم من يرتكب الجريمة تحت تأثير الصرع الوراثي‪ ،‬الذي ينتقل عادة‬
‫عند الوالدة‪ ،‬ويؤدي إلى ضمور في بعض العضالت ويؤثر عمى األعصاب ويحد‬
‫من الوظائف النفسية‪ ،‬وقد تتطور حالة المريض بالصرع فتؤثر عمى حالتو العقمية‬
‫بسبب استعداده الخاص لالضطرابات العقمية فينقمب إلى مجرم مجنون‪.‬‬
‫‪-3‬المجرم السيكوباتي (المجنون خمقياً)‪:‬‬

‫وىو الشخص الذي ينعدم لديو القدرة عمى التكيف مع المجتمع‪ ،‬فيبدأ بالتصادم معو‬
‫في صورة خرق القوانين وارتكاب الجرائم‪.‬‬

‫‪-4‬المجرم بالعاطفة‪:‬‬

‫وىو مجرم يتصف بحدة المزاج وبالحساسية المفرطة وسرعة االنفعال وجموح‬
‫العاطفة‪ ،‬يندفع إلى تيار الجريمة تحت تأثير حب شديد أو حقد أو غيرة أو استفزاز‬
‫‪...‬الخ‪ ،‬وغالبا ما تكون جرائمو من نوع الجرائم السياسية وجرائم االعتداء عمى‬
‫األشخاص‪ ،‬وسرعان ما يندم عقب ارتكاب جريمتو ‪ ،‬لذا غالباً ما يسارع إلى تعويض‬
‫الضرر الناتج عن الجريمة ‪ ،‬أو تغيير محل إقامتو كي يبتعد عن مكان الجريمة أو‬
‫االتصال بالمجني عميو‪ .‬وقد يقدم عمى االنتحار عقب جريمتو‪.‬‬

‫‪-5‬المجرم المعتاد‪:‬‬

‫وىو نمط من المجرمين يولد من دون أن تتوافر لديو عالمات االرتداد أو صفات‬
‫وخصائص المجرم المجنون أو بالميالد ‪ ،‬إال أنو يندفع إلى ارتكاب الجريمة تحت‬
‫تأثير ظروف بيئية واجتماعية معينة ‪ ،‬كإدمان الخمر ‪ ،‬البطالة ‪ ،‬الفقر ‪ ،‬أواختالطو‬
‫بمحترفي اإلجرام منذ الصغر‪ .‬فيو مجرم باالكتساب وليس بالميالد‪ .‬ويغمب أن تكون‬
‫جرائمو بسيطة من نوع جرائم االعتداء عمى األموال ‪ ،‬وكثي اًر ما ينجح السجن في‬
‫تيذيبو وتقويمو ويدفعو إلى اإلقالع عنيا‪.‬‬

‫‪-6‬المجرم بالصدفة‪:‬‬

‫وىو شخص ال يتوافر فيو االستعداد اإلجرامي وليس لديو صفات المجرم بالميالد ‪،‬‬
‫ولكنو غالباً ما يرتكب جريمة بالصدفة ويعتاد عمى تكرارىا‬

You might also like