Professional Documents
Culture Documents
مــــــــــدخــــــل
في تقاليــد الطب النفســي الفرنســي ،تــدرج البرانويــا والــذهان الهلوســي المــزمن والبرافرينيــا تحت مفهــوم الهـذيانات المزمنـة.
تختلف هذه الالضطرابات عن الفورات الهذيانية الحادة في وتيرة التطور التي تأخذ غالبا عدة سنوات ،وعن الفصــام بغيــاب التفكــك(
.)Debray, Granger, Azais, 2005, p.109
البرانوي ــا حال ــة مرض ــية ذهاني ــة واض ــطراب وظيفي في الشخص ــية تتم ــيز باألوه ــام واله ــذيان والمعتق ــدات الخاطئ ــة .ويعت ــبر
اض ــطراب البرانوي ــا أح ــد االض ــطرابات الذهاني ــة ال ــتي نج ــد له ــا ع ــدة مص ــطلحات في المراج ــع العربي ــة .حيث نج ــد مص ــطلح ال ــزور،
واالرتياب والعظام واالضطراب الضاللي ،وكلها تشير إلى نفس الجدول العيادي الذي يتسم أساسـا بهــذءات العظمــة أو االضـطهاد أو
بهما معا .ويعتبر مفهوم العظام األكثر شيوعا لدى العلماء.
استخدم كربلين الكلمة البرانويا لإلشارة إلى االضطرابات النفسية التي تتميز بأوهام ثابتة ومنظمة .ويعتــبر مفهــوم الــزور أو
الضــالل من البــنى العربيــة المقترحــة كبــديل للبرانويــا وذلــك لداللتــه البالغــة على حقيقــة االضــطراب النفســي وجــوهره أي أن االنســان
يزور الواقع عن قصد أم ال .ففي الهذاء ال تكون هناك قراءة دقيقة للواقع ،وإ نما تكون قراءتنا ملونة بعالمنا الداخلي بصورة كبيرة.
العظــام اضــطراب غالبــا مــا تحتفــظ الشخصــية فيــه بإمكانياتهــا العقليــة دون تــدهور نــاتج من اســتمرار فــترة االضــطراب رغم
انتشار الضالالت المنتظمة والثابتة فيه .ويالحظ أن محـور تصـرفات المـريض باالضـطراب الضـاللي يـدور حـول ضـالالته وأوهامـه
هاته ،والتي يعتقـد تمامـا في صـدقها وال يشـك فيهـا أبـدا .ويتخـذ المـريض من إمكاناتـه العقليـة الـتي لم تتـدهور ،ومن مظهـره الخـارجي
السوي سندا لتبرير صدق معتقداته الهذائية ودعوة المحيطين به لتصديقها ومآزرة دعواه(فرج طه وآخرون.)1993،
العظام هو حالة تتميز بهذاء أو مجموعة منسجمة من الهذاءات .ويتمـيز عن الفصـام بخلـو الشخصـية من التفكـك بـالرغم من
وجــود الهالوس أحيانــا ،كمــا يتمــيز بنمــو تــدريجي بطيء لمنظومــات أوهــام وهــذاءات قائمــة أساســا على مقــدمات خاطئــة ،يبــني على
أساســها المــريض اســتنتاجاته الباطلــة مرتبطــة باالضــطهاد أو العظمــة ،مــع بقــاء شخصــية المــريض فعالــة نســبيا في المجــاالت الــتي ال
يعمل عليها الوهم .ويتصف سلوك الفرد بسوء التوافق االجتماعي وعدم الثبات والالاستقرار وكثرة الشك بــاآلخرين وســرعة الغضــب
والعدائيــة واالكتئــاب والتفكــير باالنتحــار والحساســية غــير المعتــادة .كمــا يتصــف الفــرد بالمغــاالة والغــرور والغــيرة الشــدديدة والحســد.
وتكــون الشخصــية البارانوئيــة متقلبــة في عالقاتهــا وصــداقاتها مــع اآلخــرين .فقــد تضــع شخصــا محــل الصــدارة من اإلعجــاب والتقــدير،
وفجأة تتغـير النظـرة إليـه وتـنزل قيمتـه ألتفـه األسـباب(عطـوف محمـود ياسـين .)1981 ،كمـا تتمـيز هـذه الشخصـية بالحساسـية الشـديدة
1
نحو الفشل واإلخفاق أو النبذ والهجر ،وتميل إلى عدم التسامح فال تنسى اإلساءة واإلهانة ،وتتمادى في الشك بحيث يمكن أن تتصور
السلوكات المحايدة لآلخرين على أنها عدوانية واحتقـارا اتجاههـا .يـؤمن الشـخص بأهميتـه الذاتيـة وفي ضـرورة الرجـوع إليـه لرجاحـة
عقله .والشـخص البـارانوي ال يصـلح لمنصـب القيـادة ألنـه ال يسـتطيع التصـرف الناضـج و حمـل المسـؤولية و ال يقبـل النصـح و يميـل
دوما للمشاكسة ،كما يشعر الفرد بانه غير متفهم من طرف اآلخرين(زهران ،1997 ،ص .)543
يتبنى االرتيابي هذءات وضالالت ويعتقد تماما في صدقها ،وال يشك فيها لحظـة .فاالسـتنتاجات والعالقـات السـببية قـد تكـون
دقيقة أو سليمة نسبيا ،غير ان المشكل األساسي يكون مرتبط بالمقدمات التي تكون خاطئة وغير متينة .ويتخذ المــريض من إمكانياتــه
العقلية التي لم تتدهور ومن مظهره الخارجي السوي سندا لتبرير صدق معتقداته الهذائية والدعوى إلى تصديقها.
يقول "اندريه موروا" :كل ما يتفق مع ميولنـا ورغباتنـا الخاصـة يبـدوا معقـوال في أعيننـا .أمـا مـا ينـاقض رغباتنـا فإنـه يشـعلنا
غضبا .فهل من المستغرب والحالة هذه أن يصعب علينا الوصول إلى حل مشكالتنا ( ...الغزالي ،2002 ،ص.)58.
“”The real world is not always what we think it is
بصفة عامة تبدأ الهذاءات البرانوئية بصورة تدريجية بين سن 30و 45سنة ،وتنفجر عنـد أشـخاص غالبـا مـا يوصـفون بـأن
لهم شخصــية برانوئيــة ،وهي مرتبطــة بحــوادث احيانــا ذات بعــد صــدمي بالنســبة للفــرد .وهــو ينتشــر بنســبة 1و 2في مجمــوع الســكان،
ويكــثر بقليــل عنــد اإلنــاث .كمــا يصــيب الشخصــيات من ذوي المســتوى الثقــافي المرتفــع والمســتوى االجتمــاعي واالقتصــادي المرمــوق.
وتشكل البرانويا كيان عقلي مستقل عن بقية األمراض ،ولكنه يمكن ان يتواجد مع اضطرابات أخرى.
ال تــزال أســباب االضــطراب الضــاللي غــير واضــحة تمامــا ،كمــا هــو الحــال بالنســبة للعديــد من االظطرابــات العقليــة .إال أن
بداية الضالل ،كما في االستجابات الذهانية األخرى ،تكون مسبوقة بمشكالت مبكرة في العالقات الشخصية المتبادلة.
العوامـل الوراثيـة :تبــدو الســباب الوراثيــة واهنــة عمومــا ،غــير أن هنــاك من يــرى تــدخل للعامــل الــوراثي أو على األقــل العضــوي في
اإلصــابة بــذهان البرانويــا .فقــد لوحــظ وجــو ردود فعــل برانوئيــة جــراء التعــرض لإلصــابات والجــروح الدماغيــة والتعــرض للتســمم من
خالل تعاطي العقاقير ،ومن خالل التقدم في السن والعدوى التي تصيب الدماغ.
العوامل النفسية :تتلخص العوامل النفسية في الشخصية القاعدية وتفسيرات ووجهات النظر للمدارس المختلفة في ميدان علم النفس
الشخصـية البرانوئيـة :تشــير بعض المالحظــات إلى أن هــذه الشخصــية كــانت تتســم في الطفولــة بالوحــدة والعزلــة االجتماعيــة والتقلب
االنفعالي والحـزن واالمتعـاض من النظـام ،وشـدة الحساسـية للنقـد والمبالغـة (يجعـل من الحبـة قبـة) ،والتمركـز حـول الـذات ،والعـدوان.
في مرحلـة الرشـد تتسـم بـالجمود والـتزمت وعـدم التسـامح إزاء النقـد والتسـلط ،والتفكـير الخـرافي .وتتمـيز الشخصـية االرتيابيـة بكونهـا
2
ش ــديدة اإلحس ــاس ب ــالنقص والش ــك ،والحساس ــية الزائ ــدة ،واالنتب ــاه والفطن ــة ،وض ــعف الق ــدرة على التمي ــيز بين الع ــالم ال ــداخلي والع ــالم
الخارجي.
تتســم الشخصــية بكونهــا جامــدة ومتصــلبة ومتعجرفــة تتمــزق وتتــوق للســيطرة على اآلخــرين ،وإ ســقاط اللــوم عليهم ،وانكســار
اإلحساس الذاتي بالضعف بإرجاعه إلى تآمر اآلخرين .كمـا تعـاني من سـوء التكيـف الجنسـي كالعنـة أو المثليـة الجنسـية .يـرى البعض
أن نابليون وديكارت وهتلر والقذافي وفرعون وهامان كلها نماذج تعبر بدرجات متفاوتة عن هذه الشخصية أو االضطراب.
تفســر البرانويــا من وجهــة نظــر التحليــل النفســي على أنهــا محاربــة الفــرد لنزعاتــه المثليــة الــتي تنكرهــا األنــا فتســقطها على
اآلخــرين الــذين يتــوهم الفــرد أنهم يــراودون شــريكه ،وهم في الحقيقــة ال يــراودون ســواه .كمــا افــترض فرويــد أن البرانويــا هي وليــدة
رغبات جنسـية مثليـة مكبوتـة ناجمـة عن عقـدة أوديب معكوسـة(أي أن الولـد الـذكر يحب أبـاه ،ويتوحـد مـع أمـه كمـا لـو كـانت منافسـة).
ويــرى من خالل دراســته لحالــة شــرايبر 1911أن األســلوب الــدفاعي اإلســقاطي في البارانويــا يتلخص في ثالث مراحــل متتابعــة في
معالجة النزوة الليبيدية للوصول إلى الشعور االضطهادي:
"أنا أحبه" تتحول إلى "ال ،أنا ال أحبه ،أنا أكرهه" ،لكن هذا مرفوض ألنه تعبير عن ميول جنسية مثلية ،فيتم إنكــاره وتغيــيره
بواسطة التكوين العكسي إلى أنا أكرهه .ولكن الكره مرفوض أيضا نظرا لمحتواه العدواني ،ومن ثمة تقلب العدوانيـة بفضـل اإلسـقاط
فتتحــول "أنــا أكرهــه" إلى "هــو الــذي يكرهــني" ،وفي المرحلــة األخــيرة يصــبح الشــعور الــذي تم بنــاؤه ســابقا واعيــا ويعــالج كمــا لــو كــان
إدراكا خارجيا ُي حرك الموقف العاطفي النهائي" :بما أنه يكرهني ،فأنا أكرهه".
(.)Bergeret, 1983, 80
من المهم على وجــه الخصــوص ،أن نعــرف أن عالقــة الطفــل بوالديــه تــؤدي إلى تطــور ســمات معينــة ،حيث نجــد في تــاريخ
األشخاص ذوى االضطراب الضاللي أدلة على شعور قوي بالنقص نـاتج من الفشـل في معظم مجـاالت التوافـق .كمـا نجـد باسـتمرار
مش ــكالت في مج ــال الجنس ــية الغيري ــة ال ــتي تختفي ع ــادة وراء اتجاه ــات مث ــل الحي ــاء .كم ــا وج ــد أن الطف ــل ق ــد نش ــأ في أس ــرة تس ــودها
مشاحنات ،ويعم االضطراب االنفعالي بين األفراد ،وتتسم المعاملة الوالديــة بأسـلوب القهــر أو الحمايــة الزائــدة(أديب الخالـدي،2009 ،
.)376
كمــا دلت دراســة ســارفيس 1962ودراســة شــواتز 1963على أن االرتيــابي ينحــدر من أســرة تســلطية وقمعيــة ويكــثر فيهــا
التقد ،كما يشيع فيها الشـعور بالتهديـد وعـدم األمن واالنعزاليـة ،في إطـار مزيـف من االسـتعالء الـذي يغطي مشـاعر النقص والقصـور
مما يدفع به إلى رفض ذاته وإ خفاء الرفض وراء ستار االستعالء .إن الجو األسـري التسـلطي والقـامع يجعـل الطفـل يعـاني من معانـاة
الواقع ويصبح عاجزا على الوقـوف أمـام اآلخـرين وفهم وجهـات نظـرهم ممـا يجـره إلى الشـك بـاآلخرين .كـذلك فـإن أغلب االرتيـابيين
ينحدرون من طبقات عليا أو مثقفة.
3
ته ــدد الش ــاكل بين الوال ــدين إحس ــاس األطف ــال باألم ــان ،فيفق ــدون الش ــعور باالس ــتقرار ويص ــبحون م ــترددين وغ ــير واثقين من
أنفس ــهم ،أو ح ــتى ع ــدوانيين .كم ــا ق ــد ينط ــوي البعض على نفس ــه وتت ــأثر عالقات ــه باألص ــدقاء .ض ــف إلى ذل ــك ف ــإن الص ــراع النفس ــي
والشعور باالحباط نتيجة الهزيمة أو الفشل في المنافسة أو الحب ،أو نتيجة التأخر في الزواج أو العنوسة ،أو نتيجة الحرمان الجنسي
والخبرات الصـادمة للفـرد أيضـا هي عوامـل من شـأنها أن تسـاعد على اإلصـابة بالبرانويـا(عبـد المطـاب أمين القـريطي ،1998 ،ص.
.) 384-383
معايير تشخيص االضطراب الضاللي :يتم تشخيص االضطراب الضاللي وفقا لمعايير كتيب التشخيص اإلحصائي الرابع (،1994
)DSM IVكما يلي:
.وجود ضالالت أو هذءات غير مفرطة في الغرابة ،تتضمن مواقف تحدث في الحياة الواقعيــة ،مثــل أن يكــون مراقبــا من
اآلخـرين ،أو يكـون مخـدوعا في شـريك الحيـاة ،أو مصـابا بمـرض ،لمـدة شـهر على األقـل .والهـذءات معتقـدات فكريـة خاطئـة ييتمسـك
الفرد الفرد بهـا ويناظـل من أجـل رغم تـوفر الـدالئل الموضـوعية عن بطالنهـا .تتمـيز بكونهـا ثانويـة ،وبالتـالي من الممكن أن نجـد لهـا
بعض اآلثــار لهــا في التــاريخ الماضــي للشــخص .تكــون منظمــة ومتسلســلة ،عكس األوهــام الفصــامية الــتي تكــون أوليــة وبدائيــة تتمــيز
بالسخف والالمنطق.
.إذا ما ظهرت نوبات مزاجية مالزمة للضالالت ،فان دوامها يكون مرتبطا بدوام فترة الضالالت.
.ال يرجع االضطراب إلى التأثيرات الفيزيولوجية المباشرة للمادة المؤثرة نفسيا( مثل :سوء استخدام العقاقير ،أو العالج
باألدوية النفسية)ن وال يكون ناتجا من حالة طبية عامة.
تتخذ الهذاءات في مرض البرانويا عدة أنماط أو اشكال وذلك تبعا للموضوع الذي يتضمن الفكرة الهذائية .كما أن كل شكل
ياخذ درجات مختلفة حسب خطورة واستفحال الحالة المرضية .وعموما يمكن التطرق لألنوع التالية:
هـذءات العظمـة :حيث توجــد ضــالالت القــوة والقيمــة والشــهرة ،وأن الشــخص معــروف أو موهــوب .يعتقــد هنــا المــريض أنــه شــخص
عظيم ،واســع الــثراء ،وقــد يتصــرف كأنــه ملــك في المنفى أو مخــترع ســرق منــه اختراعــه ،أو أنــه نــبي مرســل ،أو قائــد مغــوار قــد اتى
إلنقــاذ البشــرية ممــا لحــق بهــا من ظلم وفســاد .وقــد يعتقــد ان لديــه قــوى خارقــة أو ســحرية و يالحــظ عليــه الحــديث عن الــذات والتعــالي
والمباهات والمفاخرة ،وتبني أهداف غير عملية ومستحيلة التحقيق ،كما يالحظ عليه تقلب الميزاج وحدة الطبع والغضب والعدوان.
ضالل االضطهاد :حيث يعتقــد الشــخص أنــه مضــطهد ومظلــوم من قبــل اآلخــرين وهم يحقــدون عليــه ،ويســيؤن معاملتــه ،وأن اآلخــرين
يخططــون إليذائــه وتحطيمــه ،وكثــيرا مــا يــذكر المــريض بيانــا مفصــال عن خطــة كــبرى دبــرت لــدس الســم لــه أو حبســه أو قتلــه ويوجــه
4
االتهام عادة إلى البارزين من رجال المجتمع أو الجمعيات المعروفة ،وقد نجد بحوزة المعني خطة مفصلة للـدفاع عن نفسـه ضـد هــذا
االضطهاد.
ضالل الغيرة :حيث تنتــاب المــريض شــكوك ثم تــدريجيا قناعــة فحواهــا أن زوجــه يخونــه ،ومن هنــا فــإن كــل الحــوادث ،حــتى البســيطة
منها تفسر على انها لها داللة ،وتغذي الفكرة الهذائيـة المرتبطـة بـالغيرة .شـك المـريض في زوجـه يجعلـه يراقبـه ويتخـذ مواقـف حيطـة
وحــذر اتجاهــه .يالحظــه في الشــارع أو يبعث من يقــوم بــذلك ويــأتي لــه باألخبــار حــول شــريك حياتــه ،يتفحص علبــة رســائله أو بريــده
اإللكــتروني ،مالبســه ،ويســتعلم على معارفــه .احتجاجــات الــزوج قــد تشــكل بالنســبة لــه أدلــة على تورطــه الفعلي ،ومحــاوالت المحيــط
لطمأنته تفسر على أنها تواطوءات تدخل في إطار المؤامرة التي تحاك ضده من أجل خداعه واإلطاحـة بــه .هكــذا تظهــر حيــاة الرفيــق
مظطربــة جــدا ،ومن المتوقــع أن يقــوم المــريض بســلوكات عدوانيــة اتجــاه الــزوج أو اتجــاه المنــافس الــذي يعتقــد أن زوجــه يخونــه معــه.
ومن الوارد أن يقوم باالنتحار أو الجوء إلى تعاطي الكحول أو المخدرات.
هذءات الغرام(العشق) :يتوهم المريض أنه محبوب جنسيا ،وأن اآلخرين يقعـون فيـه حبـا .يعتـبر هـذا النـوع نـادرا ويصـيب خصوصـا
اإلناث .في الغالب يعتقد المـريض عن قناعـة أنـه محبـوب من طـرف شـخص مشـهور ويحتـل مكانـة اجتماعيـة مرموقـة :نجم سـنمائي،
أديب معــروف ،سياســي شــهير أو علم أو طــبيب مرمــوق ،أو حــتى وجــه تلفزيــوني جــذاب .انطالقــا من إشــارة عــابرة ،كلمحــة بصــر
سريعة أو مقابلـة تلقائيـة أو مصـافحة خفيفـة تأخـذ بعـدا عميقـا لـدى المـريض ،ويصـبح يفسـر من خاللهـا على أن الشـخص يحبـه كثـيرا.
وقد يدخل في اتصال مع الشخص الذي يعتقد ان يحبه ،فيقـوم بمراسـلته أو مهاتفتـه أو يبعث لـه الهـدايا ،ويحـاول بمـا أوتي من قـوة أن
يقابله أو يصافحه أو يتحدث معه .عندما ينكـر المـدعى عليـه الحب ،فقـد يفسـر ذلـك على أنـه دليال إضـافيا على عشـقه لـه ،وبـأن األمـر
يتعلق بأن الغريم يكتم حبه اتجاهه خوفا من فضحه أو غيرة اآلخرين .عنــدما يــتيقن من أن الطـرف اآلخـر ال يبادلـه الحب ،فقـد يــدخل
في حالة من اليأس والخيبة .ويمكن أن يعتدي عليه أو على أقاربه أو رفيقه(.)Debray, Granger, Azais, 2005, p.111
هــذاء التظلم واالحتجــاج :حيث يعتق ــد الم ــريض ان حقوق ــه ق ــد هض ــمت من ط ــرف المجتم ــع ،فيس ــعى للمطالب ــة به ــا ويق ــدم الش ــكاوى
القانونيـة ويرفـع القضـايا في المحـاكم فيعانـد ويخاصـم ويتخطى اآلخـرين .يعتقـد المـريض أن ضـحية أخطـاء اآلخـرين ،ويتخـذ من حقـه
في الشكوى والمطالبة بحقة ذريعة التهام اآلخرين على غير وجه حق .فقد يكتب الشكاوى على صفحات الجرائد وقــد يهــد معارضــيه
أو كل من يقف في طريقه .فهو يعتقد دائما أن حقه مهضـوم ،وأن العدالـة هي من يـأتي بهـذا الحـق ،فـنراه يـرفض التحكيم األخـوي أو
األقارب اعتقادا منه أنهم غير أكفاء او متحيزون ضده .فإذا لم تكن العدالة لصالحه ضن أن المحامي متواطيء ضده أو تمت رشوته
من خصومه .ثم قد يتولى الدفاع عن نفسه بنفسه من خالل قـراءة القـانون المـدني ...في الهـذاء البـدني Somatic :قـد يعتقـد الفـرد ان
ضحية تدخل طبي فاشل ،أو خطأ في التشخيص أو في طريقة العالج أو الجراحة التجميلية.
هــذءات التــأثير(المشــترك) :وتعــرف أيضــا بــالجنون المعــدي ،حيث يتمــيز بــأن نفس األعــراض تظهــر على أحــد أو أكــثر من األفــراد
المحيطين بالمريض ،وقد يتبادله إثنان فقط كـأن يكونـان زوجـان أو أخـوان ،وقـد يظهـر في األسـرة الواحـدة أو زمالء الحجـرة الواحـدة
أو نزالء الجناح الواحد .في الغالب يظهر الهذاء عند فرد ما كمسيطر أو أصلي(في الغالب يكون فصـامي) ثم ينتقـل إلى فــرد آخـر أو
أفراد آخرين في وضعية تبعية وخضوع(.)Debray, Granger, Azais, 2005, p.113
5
التشخيص الفارقي
يختلف الفصام البرانوئي عن البرانويا في أن هذا األخير ال يكون مصحوبا بـالهالوس بأنواعهـا المختلفـة.كمـا نالحـظ غيـاب
ت ــدهور وتفك ــك الشخص ــية ،حيث تبقى شخص ــية العض ــامي متماس ــكة ومترابط ــة كم ــا تبقى العالق ــة م ــع الواق ــع حس ــنة ،إال في الح ــاالت
الخطـيرة .البدايـة التدريجيـة احيانـا لمـدة سـنوات ،وتماسـك الشخصـية تجعـل من السـهل التميـيز بينهمـا .تتمـيز البرانويـا بقـوة الضـالالت
وتنسيقها وطغيان الشخصية وسيطرتها وقوة تأثيرها وعدم ثقتهـا في اآلخـرين .يعتـبر هـذا عكس األوهـام الفصـامية الـتي تكـون سـخيفة
وغير منطقية.
ال بد من التمييز بين البرانويا وحاالت اإلدمان على الكحول أو المخدرات(الكوكايين) التي تنجر عنها تسـممات مختلفـة على
البنية العضوية للمريض .فتشخص البرانويا فقط في الحاالت التي ال ينجم الهذاء فيها عن آلثار فيزيولوجية أو مــواد كميائيــة أو حالــة
طبية معينة.
أحيانـ ــا يكـ ــون من الصـ ــعب تميـ ــيز االض ــطرابات الوجداني ــة المص ــاحبة بخص ــائص ذهاني ــة عن البرانويـ ــا ،ألن االضـ ــطراب
الضــاللي غالبــا مــا يصــاحبه أعــراض مزاجيــة .فــالتمييز يتوقــف أساســا على العالقــة بين االضــطراب المــزاجي والهــذءات ،وعلى حــدة
األعــراض المزاجيــة .فــإذا كــانت الهــذءات تحــدث فقــط إثــر المشــهد المــزاجي فــإن التشــخيص يكــون اضــطراب مــزاجي ذو خصــائص
ذهانية .كما أن األعراض المزاجية في البرانويا غالبا ما تكون خفيفة مع استمرار الهذءات.
التفسيرات الجنسية المبالغ فيها في الهستيرية تكون مرتبطة بالواقع نسبيا ،ويكون الهستيري واع نوعا ما .أما هذاء العشق
فيكون أشد عمقا.
الحــدود بين العصاب الهجاسي(خصوصــا في حالــة التبصــر الفقــير) والبرانويــا قــد تكــون أحيانــا صــعبة .عــدم قــدرة الهجاســي
على إدراك عدم منطقية الهواجس وعدم واقعيتها قد يجعله في حالة تقترب كثيرا من حالة الهذاء البرانوئي.
يصعب أحيانا التمييز بين المراق(خصوصا عند فقر التبصر) واالضطراب الضاللي .تكون المخــاوف من اإلصــابة بمــرض
خطير في المراق أقل حدة مما هي عليه في البرانويا
قــد تشــفى الحالــة االرتيابيــة تلقائيــا في غضــون أســابيع أو أشــهر .أمــا االرتيــاب الحــق فيقــاوم المحــاوالت العالجيــة ممــا يجعلــه
مرض ــا مزمن ــا وعلى ح ــظ ض ــئيل من الش ــفاء .في حال ــة الخط ــورة يجب أن ي ــدخل الم ــريض المستش ــفى إذا ك ــان هن ــاك خ ــوف من ــه أو
عليه(القتل أو االنتحار).
يقوم على أساس التعاون بين المريض والطبيب وإ قامة عالقة ثقة بينهما .وقد يصعب تخليص المعني العالج العقاقيري:
من أوهامـ ــه فيعـ ــاود الرجـ ــوع للمستشـ ــفى ،وقـ ــد يتخلى ظاهريـ ــا عن أوهامـ ــه لكي يخـ ــرج من المستشـ ــفى لكنـ ــه يبقى حـ ــبيس صـ ــراعاته
وأوهامه .يمكن أعطاء المريض مضادات الكآبة أو مضـادات الـذهان ،كأدويـة فصـيلة الفينوثيـازين (الرجاكتيـل ،سـبارين ،سـتيالزين)،
أو مهدءات أو مطمئنات عن طريق الحقن إذا كان في حالة هياج.
6
أمــا في الحــاالت غــير الخطــيرة فيكــون المعــالج عالقــة ثقــة مــع المــريض أوال ،ثم يصــف لــه مضــادات الــذهان ويوضــح لــه
أعراضها الجانبية حتى ال يشك في نوايا الطبيب عند ظهور األعراض الجانبية ،ويبدأ الطبيب في زيادة الجرعـة تـدريجيا ،ويصـاحب
ذلـك العالج النفسـي الفـردي والجمعي لتغيــير الـدفاعات الـتي يسـتعملها المــريض والسـتمرار نمــو الشخصـية بطريقـة افضـل .والتكيــف
م ــع الض ــغوط(عم ــر ش ــاهين و يحي الرخ ــاوي،1977،محم ــود حم ــودة .)1990،كم ــا يمكن اس ــتخدام الص ــدمة الكهربائي ــة في الح ــاالت
الشديدة.
العالج النفسي
يقوم على أساس إنشاء عالقة قوامها الطمأنينة والثقة بين المعالج المريض ،ثم العمل التـدريجي المتواصـل لتطـوير شخصـية
المـ ــريض وتقريبهـ ــا من الواقـ ــع ،وحـ ــل المشـ ــكالت والصـ ــعوبات الـ ــتي تعـ ــترض إدراكاتـ ــه الواقعيـ ــة سـ ــواء بالنسـ ــبة لذاتـ ــه أو لقدراتـ ــه
واستعداداته الحقيقية (خاصة في حالة هذاء العظمة) ،أم بالنسبة لآلخرين (في حالة هــذاء االضــطهاد) ،والتأكيــد على العالج التــدعيمي
لتنشيط الجوانب السليمة من الشخصية ،والتأهيل النفسي والتربوي والمهــني واالجتمــاعي لزيــادة استبصـار المــريض بذاتــه وبمــا يمكنــه
ممارسته ،وكذلك استبصاره باآلخرين (عبد المطلب أمين القريصي ،1998 ،ص .)385.وينبغي التزام الحــذر على األقــل عنــد بدايــة
العالج من مهاجمة أوهام المريض ومعتقداته.
يجب تدريب أفراد األسرة على التعامل الفعال مع المريض وعدم افتعال لمشكالت معه وتجنب الجدال.
تعتبر األسرة حجر الزاوية في مساعدة الطبيب من خالل ترغيب المريض في تناول األدوية.
تفادي القول للمريض "أنت مجنون" إذ يمكن ذلك ان يتسبب في االنتكاسة.
تجنب معاملة المريض بالكثير من الشفقة والعناية الزائدة.
7
دراسة حالة(حميد)
شــاب في 35من عمــره ،مثــل بين يــدي المعــالج ،وقميص منامتــه مخيــط من الرقبــة إلى الخصــر ،حيث ثبت القميص بإحكــام تــام تحت
السروال .خاط المريض سرواله بتلك الصورة كي ال تدخل قوى أعدائه األشرار إليه وتفسده أو تقتله.
روى "حميد" قصته قـال :كنت ضـابط الخدمـة في المخفـر األمـامي في قطـاع "ص" ،دخلت الخيمـة بعـد الغـذاء لالسـتماع إللى
نشرة األخبار ،وما أن أغلقت المـذياع بعـد نهايـة النشـرة ،حـتى نقـر صـوت المـذياع مـرتين" :إنهـا رسـالة كهربائيـة من السـماء" .أخـذت
ورقة وقلم وكتبت الرسالة "أعـد الرائـد س مـؤامرة لقتلـك حميـد بن محمـد ،وقتـل ع .ن .رئيس الجمهوريـة وتسـليم السـلطة لسـعيد ،إنهـا
رسالة عاجلة من السماء".
طلبت إجازة أسبوع وذهبت إلى مدينة ح فتعرفت على األمكنة الـتي يطرقهــا الرائــد س في أزمنــة معينــة ،قــررت أن أرصـده
في فــترة الغــذاء ،حشــوت مسدســي ورحت أتمشــى أمــام مــدخل نــادي حاميــة مدينــة ح ،وعنــد الســاعة الثالثــة تقريبــا ،تــوقفت ســيارة جيب
أمام الباب الخارجي وترجل منها الرائد س ،مع ثالثة من أصـدقائه ،فأشـهرت مسدسـي وأفـرغت ثالثـة رصاصـات في رأسـه jeep
خر بعدها على األرض صريعا ،وهممت أن أفرغ بقية الرصاصات في رؤوس أعوانه ،لكنهم أمسكوا بي.
سبق لحميد أن تزوج فتاة جميلة وجذابة ،تصـغره بعشـر سـنوات ،شـكا حميـد زوجتـه بأنهـا تخطـط للقضـاء عليـه بغيـة الـزواج
من ســواه .حيكت القصــة بدرجــة من التماســك" ،قــابلت الزوجــة ذلــك الرجــل في نــادي ضــباط الموقــع ،وصــارت تلتقي بــه خالل وجــود
حميد في الخطوط األمامية" .عرف حميد ذلك بحاسته السادسة ،إذ أسقط الخبر على شاشة رأسه ،فرأى كل شيء وعرف مــا ينويــان،
هنــا قلــق حميــد ،وتمتم كلمــات :الحب ،الــزواج ،الرجــل األفضــل ،والوعــد األمثــل .فهم من الزوجــة أن حميــد عجــز عنهــا مــرات كثــيرة،
وأنه كان دائم الشك بها ،والغيرة عليها ،مما جعله يصر على فحصها بعد كل غياب عن البيت.
طلــق حميــد زوجتــه ،وتعــرف على ســواها وتزوجهــا ،وبعــد 05أشــهر ادعى حميــد أن الزوجــة الجديــدة تخونــه وأنهــا تريــد لــه
الموت.
8
حميد مثقف ،ويحمل إجازة في الحقوق حصل عليها أثناء عمله كضابط صف في الجيش.
(مخائيل أسعد ،1994 ،ص.)253-252.
تحليل الحالة
9
المراجع باللغة العربية
10