You are on page 1of 13

‫مقدمة‪:‬‬

‫بالرغم أن العنوان هو إيذاء الذات إال أنه اليوجد ما يدعو للخجل‪ .‬و إذا كنت قد تسببت في إيالم أو إيذاء لجسدك فاعلم‬
‫أنك تحتاج لعالج تلك المشاعر الغامرة التي تجعلك تقوم بإيذاء ذاتك‪ ،‬ال يوجد شيء يدعوك للخجل‪ ،‬ألنك حينئذ تحافظ‬
‫على حياتك و تبقي على تكاملك النفسي مع هذا اإلضطراب الذي يمكنك السيطرة عليه األن‪ .‬و بالرغم كون هذا‬
‫اإلضطراب مدمرا للذات بشكل كامل فإنك يمكن أن تتخلص من اآلالم الشديدة‪ /‬الخوف‪/‬القلق الموجودين في حياتك‬
‫سنغوص في تجربة لمعرفة و رحلة للتعلم عن ماهية التشويه الذاتي و ما يحمله من أسرار و ألغاز و سأحاول شرحها و‬
‫تفسيرها بالمنطق و العلم و ما يمكنني بغير ذلك‪ ،‬إذا أرجوا أن تكون اآلذان صاغية و العقول مركزة و األنفس هادئة‬
‫بدون إطالة لنتعرف معا على الموضوع‪.‬‬
‫تعريف التشويه الذاتي‪:‬‬
‫قد يكون أفضل تعريف إليذاء الذات هو الموجود عند فينشل و ستانلي ) ‪ )winchel and stanley 1991‬و اللذان‬
‫يعرفانه بأنه‪''..‬إرتكاب ألم مقصود بجسم الشخص‪ ،‬ويحدث اإلصابة لنفسه بدون مساعدة شخص أخر‪ ،‬وتكون‬
‫اإلصابة شديدة بما فيه الكفاية لتلف األنسجة مثل إحداث الجروح ( ‪(.)1‬حسن مصطفى عبد المعطي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.)2001‬‬
‫و يحتوي القاموس الصحي و التمريضي و التطبيقي لموسبي ‪mosby’s medical,nursingand applied‬‬
‫‪ health dictinary‬على التعريف التالي‪:‬‬
‫تشويه الذات الذي يعرض صاحبه للخطر ‪ ، self mutilation high risk‬وهو حالة يكون فيها الفرد معرضا لخطر‬
‫اإلصابة و لكنه ال يقتل نفسه‪.‬‬
‫تحدد فافزا وروزينثال ( ‪ ) 1993‬التشويه الذاتي المرضي باعتباره التغيير المتعمد أو تدمير أنسجة الجسم دون نية‬
‫انتحارية واعية‪ ،‬من األمثال الشائعة عن سلوك التشويه الذاتي قطع الجلد بالسكين أو ماكينة حالقة حتى يشعر باأللم‬
‫أو تم سحب الدم‪ .‬حرق الجلد بمكواة ‪ ،‬أو أكثر شيوًعا مع الطرف المشتعل من السيجارة ‪ ،‬هو أيًضا شكل من أشكال‬
‫التشويه الذاتي‪.‬‬
‫أنواع تشويه الذات المختلفة‪:‬‬
‫فرق فافازا )‪ favazza(1986‬في إيذاء الذات بين ثالثة أنماط‪:‬‬
‫تشويه الذات األساسي ‪ major self mutilation‬ويشمل أشياء مثل‪ :‬الخصاء‪ ،‬بتر األطراف‪ ،‬إزالة حدقة العين‪ ،‬و‬
‫نادرا ما تحدث‪ .‬و ترتبط بحاالت الذهان‪.‬‬
‫النمط الثاني يشمل ‪ :‬نمطية إيذاء الذات ‪ stereotypic self injury‬مثل ‪ :‬ارتطام الرأس بشكل عنيف و بصورة‬
‫متكررة‪.‬و نراها في الشخص التوحدي‪،‬و المتخلف عقليا و العصابيين‪.‬‬
‫أما أكثر أنواع التشويه الذاتي شيوعا يعرف بالتشويه المعتدل‪/‬السطحي‪/‬الظاهري ‪:syperficial‬‬
‫و قد يشتمل ذلك على‪ :‬القطع‪ ،‬الحرق‪ ،‬الخربشة‪ ،‬إزالة الجلد‪ ،‬و جذب الشعر‪،‬وكسر العظام‪،‬اإلرتطام‪،‬واإلستخدام‬
‫المحكم لإليذاءات‪ ،‬و تشترك مع التئام الجروح‪ ،‬وفي النهاية‪ :‬أي طريقة أخرى لتنفيذ تلف في ذات الشخص‪.‬‬
‫وكان أكثر األحداث شيوعا في الدراسات اإلحصائية و العيادية غير الرسمية هو‪ :‬القطع‪ ،‬و أكثر مناطق القطع‬
‫شيوعا هو كف اليد‪ ،‬و أعلى الذراع‪ ،‬وداخل الفخذ‪.‬‬
‫عالوة على ما سبق قام فافازا )‪ favazza (1996‬بتقسيم إيذاء الذات الظاهري الى ثالث أنماط ‪ :‬القهري‬
‫‪ ،compulsive‬و العرضي ‪ ،episodic‬و المتكرر ‪.repetitive‬‬
‫‪:‬‬ ‫إيالم الذات القهري‬ ‫أ‪-‬‬
‫و تختلف سمة إيذاء الذات القهري عن النوعين األخرين‪ ،‬اذ أنه أكثر إرتباطا بإضطراب الوسواس القهري أو‬
‫العصاب القهري ويشتمل إيداء الذات القهري على‪ :‬هوس جذب الشعر ‪ ،trichotillomania‬إزالة الجلد‪.‬‬
‫كل هذه األفعال تكون جزء من اضطراب الوسواس القهري‪ ،‬الذي يتطلب األفكار المليئة بالوسوسة‪ ،‬و يحاول‬
‫الفرد إزالة التوتر و منع األشياء السيئة من الحدوث عن طريق اإلشتراك في هذه السلوكيات المؤذية للذات‪.‬‬
‫اإلندفاعي‪:‬‬ ‫إيالم الذات‬ ‫ب‪-‬‬
‫إن كال من اإليالم العرضي و المتكرر يعد من جملة األفعال اإلندفاعية‪ ،‬والفرق بينهما له درجات حيث أن‬
‫إيالم الذات العرضي يرتبط فيه السلوك اإليالمي بكل الناس الذين ال يفكرون فيه و ال يرون أنهم فيه"‬
‫مؤلمين للذات"‪.‬‬
‫إنه عموما عرض لبعض اإلضطرابات النفسية‪ .‬إن ما يبدأ بإيالم عرضي للذات يمكن أن يتصاعد إلى إيالم‬
‫الذات المتكرر و الذي يعتقد عدد كبير من الممارسين مثل‪ :‬فافازا و روسينثال &‪favazza‬‬
‫)‪ ، rosenthal(1993‬كاهان و باترسون )‪ ،kahan & pattison (1984‬ميللر )‪ ، miller(1994‬أنه‬
‫ينبغي تصنيفه على محور الضطراب ضبط اإلندفاعية أو التحكم في اإلندفاع ‪ ،‬و يقترح فافازا‬
‫)‪ favazza(1997‬أنه حتى إدراك إيالم الذات المتكرر كتصنيف منفصل في الدليل التشخيصي و اإلحصائي‬
‫( ‪ )dsm‬ينبغي عللى الممارسين تصنيفه بالمحور( ‪ )1‬الضطراب االندفاعية‪(.‬كمال دسوقي‪،‬القاهرة‪)1994 ،‬‬
‫ويتميز إيالم الذات المتكرر باإلنتقال نحو التأمل في إيذاء الذات حتى عندما ال يكون هناك بالفعل ألم‬
‫للذات و تعريف الفرد كمؤذي للذات )‪ ، favazza (1996‬و يصير إيالم الذات العرضي متكررا عندما تصبح‬
‫األعراض أمراضا في ذاتها (كما نرى أن طريقة كثسر من مؤذي الذات أنهم يصفون إيالم الذات على أنه‬
‫إدمان)‪.‬‬

‫أسباب حدوث سلوك إيذاء الذات‪:‬‬


‫‪ :Trauma‬أي إصابة جارحة‪ :‬جسمية كانت أو نفسية في صورة صدمة إنفعالية تحدث‬ ‫صدمة أو إصابة‬
‫إختالال مستديما قل أو كثر للوظائف العقلية‪ ،‬ويتسع اللفظ فتدخل فيه الصدمات النفسية و خيبة األمل القاسية‪ ،‬و أي‬
‫مشاهد مأساوية‪ .‬أية خبرة توقع بالكائن تلفا جسميا أو ضررا نفسيا‪ ،‬و في التحليل النفسي‪ :‬أي إثارة تنبيه من الشدة‬
‫بحيث ال يمكن التحكم فيها أو تفريغها بكفاية (كمال دسوقي‪ ،‬القاهرة‪،‬وكالة األهرام للتوزيع)‪.‬‬
‫‪ :Invalidating‬اسم أطلقه لينهان‬ ‫البيئات المضعفة أو الموهنة ‪environments‬‬
‫)‪ ، Linehan(1993‬على البيئة المريضة و غير الصالحة‪ ،‬و هي بيئة رافضة أو تستجيب بشكل شاذ و غير مناسب‬
‫للخبرات الخاصة‪ ،‬و يجهز اآلباء بيئة غير مناسبة عندما يهملون أحاسيس و مشاعر أطفالهم و يواصلون اسهامهم‬
‫في سلوك أطفالهم المتمثل في الكسل و البخل و الخسة والندالة‪ ،‬المراوغة أو التحايل‪ ...‬و خصائص أخرى غير‬
‫مناسبة‪ ،‬مؤكدين على الضبط و الرقابة بدال من االهتمام بالتعبير المناسب عن االنفعاالت‪ ،‬دون مراعاة إلى أي حد‬
‫يسهل على الطفل مواجهة المواقف الصعبة‪ ،‬و تمثل اإلساءة الجنسية نموذجا واضحا للخبرة غير المناسبة لألفراد‬
‫الذين يعانون من اضطرابات حادة في الشخصية (محمد السيد عبد الرحمن‪ ،‬القاهرة‪.)1999 ،‬‬
‫فلقد قام كال من فاندر كولك ‪ ،VanderKolk‬وبيري ‪ ،Perry‬و هيرمان )‪ ،Herman (1991‬بإجراء دراسة‬
‫على عينة من مؤذي الذات الذين استخدموا سلوك القطع (التشويه البدني) و االنتحار ممن تعرضوا إلساءة المعاملة‬
‫كأطفال ‪ ، Child Abuse‬فوجدوا أن التعرض للعقاب البدني أو اإليذاء الجنسي‪ ،‬أو اإلهمال البدني أو اإلهمال‬
‫اإلنفعالي أو حالة التشويه األسري ( والتي تحدث في مرحلة الطفولة‪ ،‬و مرحلة الكمون‪ ،‬و مرحلة المراهقة)‪ ،‬كلها‬
‫تعد مؤشرات و منبئات بمقدار و شدة القطع‪.‬‬
‫و كلما بدأت إساءة المعاملة مبكرا كان األفراد أكثر إحتماال لممارسة القطع (التشويه البدني)‪ ،‬و كان القطع شديدا‪،‬‬
‫إن ضحايا اإلساءة الجنسية ‪ Sexual Ause‬أكثر إحتماال ألن يقوموا بسلوك القطع‪ .‬و قد لخص الباحثون دللك في‬
‫قولهم‪:‬‬
‫"إن اإلهمال يعد أكبر منبئ بسلوك تدمير الذات‪ ،‬وهذا ما يتضمن أنه برغم من صدمة مرحلة الطفولة تساهم بشكل‬
‫كبير في مبادأة سلوك تدمير الذات‪،‬فإن اإلفتقار إلى التعلق اآلمن ‪ Secure attachment‬يبقى على هذا السلوك‬
‫المخرب للذات‪ ،‬انهم أولئك الذين ال يستطيعون أن يحبوا أو أن يحبهم شخص ما عندما كانو أطفاال‪ ...‬فإننا نجدهم‬
‫على األقل غير قادرين على ضبط سلوك تدمير الذات"‬
‫و الحظ فاندر كولك و زمالؤه‪ ،‬أن االنفعال و تكرار الخبرات االنفعالية يتصل بوجود سلوك إيذائي للذات‪ ،‬إن االنفعال‬
‫في مرحلة الرشد يتصل إيجابيا بسوء المعاملة‪ ،‬اإلهمال‪ ،‬الصدمة التي تعرض لها الفرد و هو طفل‪.‬‬
‫و قد كان أكثر مؤيد لنظرية أن "إساءة المعاملة البدنية و الجنسية و صدمة الطفولة تعد مقدمات هامة لهذا السلوك"‬
‫هي تلك المقالة التي نشرت في المجلة األمريكية للطب النفسي عام ‪ ،1989‬فلقد قدم جرينسبان و صامويل‬
‫‪،Greenspan&Samuel‬ثالث حاالت للنساء الالتي سلكن سلوك قطع الذات بدون أي أعراض نفسية مرضية و‬
‫لكن تعرضن لصدمة اإلغتصاب ‪(.Traumatic Rape‬كمال دسوقي‪،‬بيروت‪)1974 ،‬‬
‫الضعف (الوهن) مستقل عن إساءة المعاملة ‪Invalidation Independent Of‬‬
‫‪:Abuse‬‬
‫برغم أن سوء المعاملة البدنية و الجنسية قد تعجل بحدوث سلوك تدمير الذات فإن العكس ال يحدث‪ ،‬اذ أن الكثير من‬
‫الذين يقومون ب‘يذاء الذات لم يعانو من أي إساءة في مرحلة الطفولة‪.‬‬
‫و لقد أوضح زويج‪ -‬فرانك و آخرون ( ‪ ،)1994‬أنه ال توجد عالقة على اإلطالق بين إساءة المعاملة و‬
‫اإلنفصال (اإلنشقاق أو التفكك) ( ‪ )1‬و إيذاء الذات بين المرضى ذوي اضطرابات الشخصية‪.‬‬
‫كما أوضحت الدراسة التتبعية التي أجراها برودسكي و آخرون ( ‪ )1995‬أن سوء معاملة الطفل ليست عالمة‬
‫لالنفصال و إيذاء الذات و هو في مرحلة الرشد‪ .‬و نظرا لما أسفرت عنه هذه الدراسة و دراسات أخرى باإلضافة إلى‬
‫المالحظات الشخصية‪ :‬فإنه صار من الواضح أن هناك بعض السمات األساسية التي تظهر في االفراد الذين يقومون‬
‫بإيذاء الذات و ال تظهر في غيرهم‪ .‬و أن العامل المسبب لذلك هو شيء أكثر م إساءة معاملة الطفل‪.‬‬
‫و قد ذكر لينهان ‪ ،Linehan‬أن االفراد الذين نشأوا في "بيئات ضعيفة أو واهنة"‪ ،‬فإذا كان البيت سيء المعاملة‬
‫بالتأكيد نطلق عليه " البيت الضعيف" مثلما يحدث في بعض المواقف "الطبيعية"‪ .‬وفي ذلك يقول لينهان‪:‬‬
‫"إن البيئة الضعيفة (المعتلة) هي تلك التي يواجه الطفل فيها تواصل في الخبرات الخاصة باستجابات خاطئة أو غير‬
‫مناسبة أو مطرفة‪ ..‬و بمعنى آخر فإن التعبير عن الخبرات الخاصة ال تكون ضعيفة و لكن دائما يعاقب أو يهان‬
‫عليها‪.‬‬
‫إن خبرة و معايشة االنفعاالت المؤلمة ال ينظر اليها بعين االعتبار‪ .‬في حين أن تفسيرات األفراد لسلوكياتهم الخاصة‬
‫تشمل مقاصد و دوافع السلوك‪"...‬‬
‫إن الضعف له سمتين أساسيتين هما‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن يخبر الفرد أنه على خطأ في وصفه و تحليله لخبراته الشخصية و خصوصا رؤيته ألسباب انفعاالته و‬
‫معتقداته و أفعاله‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أنه ينسب خبراته إلى سمات إجتماعية غير مقبولة أو إلى سماته الشخصية‪.‬‬
‫وجهات النظر البيولوجية و الكيمياء العصبية ‪Biological Considerations And‬‬
‫‪:Neurochemistry‬‬
‫لقد أوضح كارلسون )‪ ،Carlson (1985‬أن إنخفاض مستوى السيروتونين يؤدي إلى زيادة السلوك العدواني‬
‫عند الفئران‪.‬‬
‫و في هذه الدراسة فإن موانع السيروتونين تزيد من العدوان و أن األشياء التي توجد السيروتونين تخفض العدوان‬
‫عند الفئران‪.‬‬
‫و نظرا ألن مستويات السيروتونين تتصل باإلكتئاب‪ ،‬فإن اإلكتئاب يعرف بطريقة إيجابية بأنه إحدى النتائج طويلة‬
‫المدى للعقاب البدني في مرحلة الطفولة‪ .‬و يمكن من خالل ذلك تفسير سبب رؤية سلوكيات إيذاء الذات أكثر تكرارا‬
‫بين الذين تمت معاقبتهم بدنيا في مرحلة الطفولة عن تكراره بين بقية الناس ( ‪Malinosky- Rummell and‬‬
‫‪)Hansen , 1991‬‬
‫ومن الواضح أن أبرز نقطة للبحث في هذا المجال هي إفتراض أن إيالم الذات قد ينشأ بسبب اإلنخفاض في‬
‫أجهزة اإلرسال العصبية في المخ ‪.Neurotransmitters‬‬
‫إن الشواهد التي قدمها فينشل و ستلنلي )‪ Winchel & Stanley(1991‬تؤكد أنه برغم من أجهزة التخذير و‬
‫التنويم ال يبدو أنه ضمن سلوكيات إيذاء الذات‪ ،‬إال أ‪ ،‬جهاز السيروتونين يؤثر على هذه السلوكيات‪ .‬فالعقاقير التي‬
‫تقدم السيروتونين أو تمنع نقصه(بالتالي تجعله يتولفر للمخ) تؤثر على سلوك إيذاء الذات‪.‬‬
‫و يفترض كال من فينشل و ستانلي ‪ Winchel &Stanley‬وجود عالقة بين هذه الحقيقة و التشلبهات‬
‫اإلكلينيكية إلضطراب الوسواس القهري (المعروف أن العقاقير المعززة للسيروتونين تساعد أيضا في حدوث هذا‬
‫اإلضطراب)‪ ،‬وسلوك إيذاء الذات‪ .‬كما الحظا أيضا أن بعض عقاقير ثبات المزاج مثل (تيجرتيول ‪ ،Tegretol‬و‬
‫الديباكوت ‪ ،)Depakote‬يمكنها تثبيت هذا النوع من السلوك و تجعله مستقرا‪.‬‬
‫قدم كوكارو و زمالؤه ( ‪ )1997‬الكثير لتأييد اإلفتراض الذي يقول‪ :‬أن عجز جهاز السيروتونين يعتبر متضمنا في‬
‫سلوك إيذاء الذات‪.‬‬
‫و لقد وجدوا أن القابلية لالستثارة هو الجوهر السلوكي المرتبط بوظيفة السيروتونين‪ ،‬و أن نمط السلوك العدواني‬
‫يظهر إستجابة للتهيج‪ ،‬و اإلثارة التي تعتمد على مستوى السيروتونين‪ ..‬فإذا كان مستواه طبيعيا فإن التهيج يظهر‬
‫في شكل صراخ‪ ،‬إلقاء األشياء‪ ،‬و إذا كان مستواه منخفضا يزداد العدوان و تتصاعد اإلستجابات و ردود الفعل لإلثارة‬
‫و التهيج لدرجة إيذاء الذات‪ ،‬اإلنتحار‪ ،‬و الهجوم على اآلخرين‪.‬‬
‫ولقد وجد سيمون و آخرون )‪ Simeon et al.(1992‬أن سلوك إيذاء الذات يرتبط إرتباطا سلبيا بعدد من المواقع‬
‫الخاصة بتماسك صفائح االميبرامين ( فكلما كان عددها بسيطا عند القائمين بإيذاء الذات فإن السيروتونين ينشط)‪ ،‬و‬
‫قد الحظوا أن هذا قد يعكس الخلل الوظيفي لمركز السيروتونين مع إنخفاض إنطالق السيروتونين في منطقة الغشاء‬
‫قبل المشتبكي‪ ...‬إن الخلل الوظيفي للسيروتونين قد يسهل عملية تشويه الذات‪.‬‬
‫باإلضافة لذلك‪ :‬فعندما يتم دراسة تلك النتائج فإنه يجب النظر إلى األعمال التي قدمها ستوف و آ خرون ‪Stoff et‬‬
‫)‪ ،al.(1987‬و بيرماهر و آخرون )‪ Birmaher et al.(1990‬حيث أن تلك األعمال تربط إنخفاض عدد مواقع‬
‫صفائح االمبيرامين باإلندفاعية و العدوان‪ .‬و يبدو أن أغلب التصنيفات مالءمة لسلوك إيذاء الذات هي تلك التي‬
‫تجعله مثل اضطراب التحكم في اإلندفاع الذي يشبه هوس السرقة و هوس شد الشعر أو القمار القهري ( ‪icd-‬‬
‫‪)10,1992‬‬
‫و لقد قام هربرتز و فافازا )‪ ،Herpertz & Favazza(1997‬هربرتز و آخرون ( ‪ ،)1995‬بدراسة كيف أن‬
‫مستويات الدم في البرولكتين تستجيب لجرعة من فينفولرامين في عينات من األفراد الذين يمارسون سلوك إيذاء‬
‫الذات و العينات الضابطة‪ -‬فوجدوا أن استجابة البرولكتين في عينات إيذاء الذات كانت متلبدة و ضعيفة و التي‬
‫يقترح أنها عجز في وظيفة المركز قبل المشتبك العصبي‪.‬‬
‫تفسيرات السلوكيين‪:‬‬
‫ملحوظة‪ :‬إن أغلب هذه التفسيرات يتم تطبيقها على أنماط إيذاء الذات مثل التي نراها عند المفحوصين المتخلفين‬
‫عقليا و التوحديين‪.‬‬
‫لقد تم عمل الكثير من األبحاث في مجال علم النفس السلوكي في محاولة لمعرفة و تفسير منشأ سلوك إيذاء‬
‫الذات‪ .‬ففي مقابلة أجراها بلفيور و داتيليو )‪ Belfiore & Dattilio(1990‬لدراسة ثالث تفسيرات ممكنة‪ .‬اذ‬
‫استشهدا بما أورده فيليبس و موزافر )‪ Phillips & Muzaffer(1961‬في وصف إيذاء الذات من خالل المقاييس‬
‫التي أجراها األفراد على أنفسهم عندما يريدون " قطع‪ ،‬أو إزالة‪ ،‬أو تدمير جزء من البدن"‪ .‬و لقد وجدت هذه الدراسة‬
‫أيضا أنه رغم أن تكرار إيذاء الذات كان مرتفعا عند اإلناث‪ ،‬لكنه عند الذكور أكثر شدة‪ .‬و لقد أوضح بلفيور و‬
‫داتيليو أيضا أن مصطلحات "إيذاء الذات"‪" ،‬تشويه الذات" خادعة‪ ،‬و أن الوصف الذي قدماه أعاله ال يناقش الهدف من‬
‫السلوك‪ .‬و فيما يلي بعض التفسيرات السلوكية‪:‬‬
‫‪:Operant‬‬ ‫أ‪-‬اإلشراط اإلجرائي ‪Conditioning‬‬
‫ينبغي مالحظة ان التفسيرات المتعلقة باإلشراط اإلجرائي تكون كثيرة الفائدة عند تناول أنماط إيذاء الذات‪ ،‬و تكون‬
‫قليلة األهمية مع السلوك العرضي‪ /‬التكراري‪.‬‬
‫إن هناك منظورين منهجيين يضعهما أمامه كل من يرغب في تفسير إيذاء الذات في حدود االشتراط اإلجرائي‬
‫أحدهما‪ :‬هو أن االفراد الذين يقومون بإيذاء الذات يتم تدعيمهم بشكل إيجلبي من خالل االنتباه إليهم فيميلون لتكرار‬
‫سلوكيات إيالم الذات‪ .‬و هناك متضمن آخر لهذا المنظور هو أن االستثارة الحسية المرتبطة بإيالم الذات يمكنها أن‬
‫تعمل كمدعم إيجابي و بالتالي تعتبر مثيرات لمزيد من إيذاء الذات‪( .‬كمال دسوقي‪ ،‬القاهرة‪.)1990 ،‬‬
‫و يفترض المنظور اآلخر‪ :‬أن األفراد يؤذون الذات لكي يتخلصو من بعض المثيرات الشديدة أو المؤلة ( إنفعالية‪،‬‬
‫نفسية‪ ،‬أيا كانت‪)..‬‬
‫إن هذا المنظور السلبي للتدعيم أيدته األبحاث التي توضح أن شدة إيذاء الذات يمكن زيادتها من خالل زيادة‬
‫متطلبات الموقف‪ .‬فإيالم الذات يعتبر طريقة للهروب من اآلالم االنفعالية غير المحتملة‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫ب‪-‬التالمسات الحسية ‪Sensory Contingencies‬‬
‫أحد اإلفتراضات طويلة المدى يرى أن الذين يقومون بإيذاء الذات يحاولون خفض مستويات االثارة الحسية‪ .‬إذ أن‬
‫مؤذي الذات قادرون على زيادة اإلثارة الحسية أو خفضها من خالل إخفاء‪ /‬أو حجب المدخالت الحسية األكثر إثارة‬
‫لإلكتئاب من إيالم الذات‪.‬‬
‫ويتصل ذلك بما وجده هاينز و ويليامز )‪ ،Haines & Williams(1997‬من أن إيذاء الذات يقدم إنطالقة سريعة‬
‫و مفاجئة من التوتر و اإلثارة الفسيولوجية‪.‬‬
‫و لقد استنتج كاتالدو و هاريس )‪ ،Cataldo & Harris(1982‬أن نظريات اإلثارة برغم من أنها مشبعة و‬
‫مرضية إال أنها تتطلب مراعاة األسس البيولوجية لهذه العوامل المرتبطة بإيذاء الذات‪.‬‬
‫الذات‪:‬‬ ‫االضطرابات المرتبطة بإيذاء‬

‫اضطراب الشخصية الحدية‪:‬‬ ‫‪-1‬‬


‫يقول أني ديفرانسو ‪ "...Ani Difranco‬في كل مرة أقول شيئا يجدون صعوبة في فهمه‪ ،‬فانهم يثيرون و‬
‫لكنهم ال يثورون"‪( .‬محمد السيد عبد الرحمن‪ ،‬القاهرة‪)1999 ،‬‬

‫لسوء الحظ‪ ،‬فإن أغلب التشخيصات المخصصة ألي فرد ممن يقومون بإيذاء الذات تذكر أنه من أصحاب " اضطراب‬
‫الشخصية الحدية"‪ .‬إن مرضى هذا التشخيص يعالجهم المعالجون النفسيون على أنهم منبوذون‪ ،‬وفي ذلك يقول‬
‫هيرمان )‪ Herman(1992‬للطبيب النفسي الذي سأل مشرفيه العالجيين عن كيفية عالج اضطراب الشخصية الحدية‬
‫فقال‪ :‬أنت الذي تشير عليهم‪.‬‬
‫و يالحظ ميللر )‪ Miller(1994‬أن من تم تشخيصهم بإضطراب الشخصية الحدية نراهم دائما مشؤلون عن ألمهم‬
‫أكثر من المرضى في باقي التصنيفات التشخيصية األخرى‪.‬‬
‫و في بعض األحيان نستخدم اضطراب الشخصية الحدية كطريقة لإلشارة إلى مرضى محددين‪ ،‬ولكن نشير بها إلى‬
‫مستقبل القائمين برعاية صانعي المشاكل‪ ،‬وفي بعض األحيان يرمز إلى اضطراب الشخصية الحدية برمز " ‪Bitch‬‬
‫‪" Pissed DoC‬‬
‫وال نقصد بذلك أن اضطراب الشخصية الحدية مرض وهمي‪ :‬فكثير ما نواجه أشخاصا يتفقون في أعراضهم مع‬
‫محكات ‪ DSM‬إلضطراب الشخصية الحدية‪ ،‬فهم أناس يفضلون أن يكونو في ألم شديد‪ ،‬و يتصارعون للبقاء بأي‬
‫طريقة تمكنهم من ذلك‪ .‬و عن غير قصد دائما ما يتسببوا في آالم مبرحة لمن يحبونهم‪ .‬و لكننا أيضا‪ :‬نجد كثيرا من‬
‫الذين ال تتفق أعراضهم مع محكات ‪ DSM‬و لكنهم يوصفون بهذا النوع من اإلضطراب الحدي للشخصية بسبب‬
‫إيالمهم للذات‪.‬‬
‫االضطرابات المزاجية‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ولقد ظهر سلوك إيذاء الذات في المرضى الذين يعانون من أمراض اإلكتئاب و يعانون من االضطراب ثنائي‬
‫القطب‪ .‬و لم يتضح ذلك بشكل أكيد برغم أن مشكالت الثالث قد إرتبطت بقصور و نقص مقدار السيروتونين‬
‫المتاحة للمخ‪.‬‬
‫ومن الضروري فصل إيذاء الذات عن االضطرابات المزاجية‪ ،‬فاألفراد الذين يقومون بسلوك إيذاء الذات كثيرا‬
‫ما يبدأون تعلم أن ذلك طريقة سريعة و سهلة لخفض حدة التوتر البدني و النفسي‪ ،‬وأنه يمكن لهذا السلوك أن‬
‫يستمر حتى بعد حل المشكلة التي أدت إلى اإلكتئاب‪ ...‬و ينبغي أن نحتاط و نعلم المرضى الطرق البديلة‬
‫للمسايرة و المواجهة و التكيف مع مشاعر األسى‪ ،‬و االفراط في االستثارة‪.‬‬
‫اضطراب الطعام‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫و لقد ظهرت كثير من النظريات حول سبب تزامن (الحدوث المشترك)‪:‬‬
‫حدوث إيذاء الذات و إضطرابات الطعام كثيرا‪ .‬و لقد استشهد كروس ‪ Cross‬بما قاله فافازا‬
‫)‪ Favazza(1996‬بأن هذين النوعين من السلوك هما‪:‬‬
‫" محوالت إمتالك البدن و إدراكه كذات (و ليس شيئا آخر) معروف (ال يمكن التنبؤ بها و التخطيط لها)‪،‬‬
‫‪ ( Impenetrable‬ال يمكن ألي عامل خارجي التأثير أو التحكم فيه)‪...‬إ التدمير المجازي بين الجسد و‬
‫هدم الذات ( لم يعد مجازيا بل حقيقيا)‪ :‬فاضعف يعتبر كفاية ذاتية‪ ،‬و استنزاف التنفيس اإلنفعالي‪ ،‬و المرح‬
‫الصاخب يعتبر بمثابة تلطيف العزلة و التطهير المعنوي للذات‪.‬‬
‫ويفضل فافازا ‪ Favazza‬هذه النظرية إذ أن صغار األطفال رتبطون بشدة بالطعام‪ ،‬و في المراحل المبكرة‬
‫للحياة‪ :‬فإ الطعام يمكن رؤيته كشيء مستهلك للذات‪ ،‬و هكذا تكون فكرة تشويه الذات أسهل في القبول‪ .‬كما‬
‫الحظ فافازا أن األطفال يغضبون الوالدين بسبب رفضهم الطعام‪ ،‬وهذا ما قد يعد النموذج األولي إلجراء‬
‫تشويه الذات الذي يتخذ لإلنتقام من الراشدين سيئي المعاملة‪ .‬عالوة على ذلك فإن األطفال يسعدون الوالدين‬
‫عند تناولهم لكل ما يقدمه الوالدان‪ .‬و هكذا فإنه يرى أن النمط األولي إليذاء الذات هو التناول و المناورة‪.‬‬
‫وقد الحظ فافازا أنه بالرغم أن إيذاء الذات يحدث إنطالقة مطردة من التوتر‪ ،‬القلق‪ ،‬و األفكار‬
‫العنصرية‪...‬إلخ‪ ،‬فأن هذا ما يمكن أن يكون دافعا لشخص لديه إضطراب الطعام كي يؤذي نفسه‪ ...‬إن‬
‫الخزي و اإلحباط أثناء سلوك الطعام يؤدي إلى زيادة التوتر و اإلثارة و يقوم الشخص بسلوك القطع‪ ،‬أو‬
‫الحرق‪ ،‬أو الضرب لكي يحصل على راحة سريعة من هذه المشاعر غير المريحة‪(.‬كمال الدسوقي‪،‬م‪.‬س‪.‬‬
‫‪.)1988‬‬
‫كما أنه أيضا من خالل التحدث مع اآلخرين الذين لديهم اضطراب الطعام و إيذاء الذات‪ :‬اعتقد أنه من‬
‫الممكن أن يكون سلوك إيذاء الذات سلوكا بديال لذوي اضطراب الطعام‪...‬و بدال من الصوم أو استخدام‬
‫المسهالت(الملينات) يقوم الفرد بسلوك القطع‪.‬‬
‫وال يوجد كثير من الدراسات المعملية التي تؤكد اإلرتباط بين إيذاء الذات و اضطرابات الطعام لذلك فإن‬
‫ما سبق كله بمثابة إستنتاج تأملي‪.‬‬
‫القهري‪:‬‬ ‫اضطراب العصاب‬ ‫‪-4‬‬
‫إن سلوك إيذاء الذات لدى أولئك الذين يشخصون بأن لديهم وساوس قهرية يمكن رؤيته في عملية جذب‬
‫الشعر القهري (و التي تعرف بهوس شد الشعر في منطقة الحاجب و الرمش و الرأس و كل الشعر‬
‫الموجود في الجسم)‪ ،‬و أيضا في إزالة الجلد أو نبشه‪ /‬خربشته القهرية‪ .‬و برغم ذلك فإن هوس جذب‬
‫الشعر يصنف في ‪ DSM5‬ضمن اضطراب التحكم في اإلندفاع‪ ،‬كما يصنف اضطراب العصاب القهري ضمن‬
‫اضطرابات القلق‪ .‬و لو لم يكن إيذاء الذات جزءا من الطقوس القهرية المصممة إلبعاد و تجنب حدوث‬
‫شيء سيء فما كان ينبغي علينا النظر الى اعراض اضطراب الوسواس القهري‪.‬‬
‫ولقد أوضحت دراسة أجريت في عام ‪ 1995‬على إيذاء الذات بين االناث المرضى باضطراب الوسواس‬
‫القهري‪ ،‬أن عقار ‪( Clomipramine‬مضاد لالكتئاب ذو تأثير ثالثي يعرف باألنافرانيل ‪ )Anafranil‬أدى‬
‫إلى خفض تكرار السلوكيات القهرية و كذلك سلوك إيذاء الذات‪ ،‬و يحتمل حدوث هذا اإلنخفاض ببساطة ألن‬
‫إيذاء الذات يعتبر سلوكا قهريا ذو جذور مختلفة عن جذور سلوك إيذاء الذات بين غير المصابين باضطراب‬
‫العصاب القهري‪ .‬و لكن عينات الدراسة اشتركت معهم في الكثير‪ -‬ف‪ 80 %‬من عينات الدراسة قد تمت‬
‫إساءة معاملتهم جنسيا و هم أطفاال و ظهر عليهم إضطرابات الطعام‪...‬و غيرها‪.‬‬
‫و تؤكد الدراسة مرة ثانية على أن إيذاء الذات و النظام السيروتونين متصلين ببعضهما الى حد ما‪.‬‬
‫للصدمة‪:‬‬ ‫اضطرابات الضغوط التالية‬ ‫‪-5‬‬
‫يقترح هيرمان ‪ Herman‬توسيعا لتشخيص اضطراب الضغوط التالية للصدمة لدى األفراد الذين استمروا‬
‫في التعرض للصدمة لعدة شهور أو سنوات‪ -‬حيث أنه بالتركيز على األنماط العرضية و تاريخها عند‬
‫المفحوصين اخترع هيرمان مفهوم اضطراب الضغوط النفسية التالية للصدمة المعقدة ‪Complex Post-‬‬
‫‪ Traumatic Stress Disorder‬و يشتمل هذا النوع من االضطراب على إيذاء الذات كعرض لدى‬
‫مضطربي "التنظيم الوجداني" الذين تحدث لهم الصدمة بشكل غالب ( إن أحد األسباب التي تجعل الناس‬
‫يقومون بجرح و إيذاء الذات هو التحكم بشكل واضح في االنفعاالت المخيفة و التي ال يمكن ضبطها أو‬
‫التحكم فيها‪.‬‬
‫إن هذا التشخيص يختلف عن تشخيص اضطراب الشخصية‪ ،‬و يركز على السبب الذي يجعل الذين‬
‫يقومون بإيذاء الذات يفعلون ذلك بالرجوع أو اإلشارة إلى األحداث الصدمية المحددة في ماضي المفحوص‪.‬‬
‫و برغم أن تشخيص اضطراب الضغط النفسي التالي للصدمة المعقد ال يتناسب مع جميع تشخيصات‬
‫إيذاء الذات أكثر مما يناسب اضطراب الشخصية الحدية فإن الكتاب الذي قدمه هيرمان يساع ذوي الصدمات‬
‫الشديدة المتكررة على فهم سبب مواجهتهم لمشكالت التنظيم و التعبير عن اإلنفعال و العاطفة‪.‬‬
‫و لقد فضل هيرمان وجهة النظر التي قسمت اضطراب الضغوط النفسية التالية للصدمة الى ثالث‬
‫تشخيصات منفصلة‪:‬‬
‫التشخيصات المعطاة‪:‬‬ ‫أبرز مجال للخلل الوظيفي‪:‬‬
‫اضطراب تحولي (مسبوق بالهيستيريا العصبية)‬ ‫‪-‬المشكالت الجسمية‪/‬النفس عصبية(الخلل‬
‫التنظيمي) في البدن‪....‬‬
‫مشكالت تنظيم أو فهم الرسائل من البدن والتعبير‬
‫عن الضغوط اإلنفعالية في صورة أعراض بدنية‪.‬‬
‫اضطراب انشقاقي ذو تفكك الهوية‪.‬‬ ‫تشوه الوعي(انهيار القدرة على فهم الفرد لذاته‬
‫اضطراب تعدد الشخصية‪.‬‬ ‫كوحدة مستقلة له تاريخ و جسد متكامل و له‬
‫ادراك ووعي)‬
‫اضطراب الشخصية الحدية‪.‬‬ ‫‪-‬عدم انتظام الهوية‪ ،‬واالنفعاالت‪ ،‬والعالقات‬
‫(االرتباطات)‬

‫االضطرابات التفككية (االنشقاقية)‪:‬‬ ‫‪-6‬‬


‫و تتعلق هذه االضطرابات بمشكالت الوعي‪..:‬فقدان الذاكرة الكلي و الجزئي‪ ،‬تشقق الوعي‪ ،‬و تشويه و‬
‫تغير الوعي أو اغتراب الوعي(كما في اضطراب فقدان األنا و االضطرابات االنشقاقية "االنفصالية غير‬
‫المصنفة في مكان آخر)‪.‬‬
‫ويشير التفكك الى نوع من تحول و اغالق الوعي‪ .‬حتى الناس الطبيعيين نفسيا يسلكون هذا المسلك في‬
‫بعض األحيان‪..‬و أفضل مثال‪ :‬هو الشخص الذي يتوجه بالسيارة الى مكان ما وهو غير قادر على التفكير و‬
‫يصل و هو ال يتذكر كثيرا عن القيادة‪.‬‬
‫و يعرف فومان )‪ Fauman(1994‬هذا االضطراب بأنه "انشقاق في مجموعة العمليات العقلية الخاصة‬
‫بالوعي المدرك‪ .‬ففي االضطراب التفككي يزداد هذا االنشقاق حدة لدرجة تفوق قدرة المريض على التحكم‬
‫فيه"‪.‬‬
‫إضطراب فقدان اإلنية ( فقدان الذاتية و تبدد الشخصية)‪:‬‬ ‫‪-7‬‬
‫إن هذا النوع من اإلضطرابات يعد تشكيله من التفكك حيث يشعر الشخص فجأة بالحرمان من بدنه‪ ،‬كما‬
‫يبدو األفراد المصابون به في بعض األحيان كما لو كانوا يالحظون أحداثا من خارج أنفسهم‪.‬‬
‫و يمكن أن يكون شعور مخيف‪ ،‬و قد يكون مصحوبا بإنخفاض في المحصلة الحسية‪ ،‬وقد تكون‬
‫األصوات مكتومة‪ ،‬و األشياء تبدو غريبة و ما الى ذلك‪ .‬و يشعر الفرد أن جسده ليس قطعة منه برغم‬
‫حقيقة اإلتصال‪ .‬و يصف البعض هذا االضطراب بأنه شعور ميكانيكي يشبه األحالم‪.‬‬
‫و يتعامل البعض مع أحداث فقدان اإلنية من خالل إلحاق إيذاء بجسدهم في محاولة منهم لوقف‬
‫المشاعر غير الحقيقية‪ ،‬آملين أن األلم سيعيدهم إلى الوعي مرة آخرى‪،‬و هذا ما يعد سببا شائعا إليذاء‬
‫الذات عند الناس الذين يتفككون بشكل متكرر و بطرق مختلفة‪.‬‬

‫الهلع‪:‬‬ ‫القلق و‬ ‫‪-8‬‬


‫تجمع ال ‪ DSM‬عددا من اإلضطرابات تحت عنوان "إضطرابات القلق"‪ ،‬و تتفاوت أعراض و تشخيصات هذه‬
‫اإلضطرابات بشكل كبير‪ .‬و في بعض األحيان يستخدم المصابون بها سلوك إيذاء الذات كآلية لمسايرة أو‬
‫مواجهة تهدئة الذات‪ ،‬فقد يجدو أنها تحدث راحة عرضية موقتة و سريعة للتوترات الشديدة و اإلثارة التي‬
‫تنشأ كلما إزداد عندهم القلق‪.‬‬
‫اضطراب التحكم في االندفاع‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫لقد استخدم هذا التشخيص ببساطة ألنه أصبح التشخيص المفضل عند بعض األطباء اإلكلينيكيين لألفراد‬
‫الذين يقومون بإيذاء الذات‪ ،‬و يتضح ذلك بوضوح عندما تقوم بدراسة المحك المحدد ألي اضطراب لضبط‬
‫اإلندفاع ( ‪ )APA , 1995‬و هو‪:‬‬
‫الفشل في مقاومة االندفاع و الحافز أو المزاج أو المحاولة ألداء بعض األفعال المؤلمة للشخص و‬ ‫‪‬‬
‫اآلخرين‪ ،‬و قد يكون هناك وعي أو بدون وعي لمقاومة االندفاع‪...‬كما أن الفعل قد يكون مخططا له‪،‬‬
‫أو غير مخطط له‪.‬‬
‫زيادة اإلحساس بالتوتر أو (اإلثارة الفسيولوجية أو النفسية) قبل أداء الفعل و إرتكابه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫معايشة السعادة‪ ،‬الحزن‪ ،‬أو االنطالق أثناء إرتكاب الفعل‪ .‬و يتوافق الفعل مع الرغبة الحالية للشخص‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫و فورا و بعد وقوع الحدث قد يشعر الشخص و قد اليشعر بالندم أو الذنب‪.‬‬
‫إيذاء الذات كتشخيص في حد ذاته‪:‬‬
‫من مقال فافازا و روسينثال )‪ Favazza & rosenthal (1993‬عن "مستشفى و مجتمع الطب‬
‫النفسي" يقترحان تعريفا إليذاء الذات على أنه "مرض وليس عرض لمرض"‪ .‬ولقد قدما تصنيفا‬
‫لتشخيص يعرف بمتالزمة إيالم الذات المتكرر ‪ Repetititive Self-Harm Syndrome‬وهو ما‬
‫يعتبر المحور( ‪ )I‬لعرض ضبط االندفاعية(مشابهة الضطراب العصاب القهري)‪ ،‬وليس المحور(‬
‫‪)II‬الضطراب الشخصية‪.‬‬
‫ولقد تابع فافازا هذه الفكرة في كتابه ‪ Bodies Under Siege‬األجساد المحاصرة‪ ،‬و الذي يقدم‬
‫ما يحدث بدون أي مرض ظاهر‪ ،‬وفي بعض األحيان يظهر بعد أعراض أخرى الإضطراب نفسي خاص‬
‫كان قد تنحى‪ .‬وهذاما يجعلنا ندرك في النهاية أن إيذاء الذات قد يصبح إضطرابا من جانبه‪.‬‬
‫كما أن ألدرمان )‪ ،Alderman (1997‬يطالب بدراسة اإلعتداء على الذات كمرض وليس عرضا‬
‫لمرض‪.‬‬
‫و يقترح ميللر )‪ ،Miller(1994‬أن كثيرا من الذين يقومون بإيذاء الذات يعانون مما يعرف‬
‫بمتالزمة تمثيل الصدمة ‪ .Trauma Reenactment Syndrome‬و يفترض أن النساء اللتي تعرضن‬
‫لصدمة تعانين من أحد أنواع اإلنشقاق الداخلي للوعي و عندما يتورطن في أحداث أو أعراض إيالم‬
‫الذات فإن عقولهن الشعورية و تحت الشعورية تأخذ ثالثة أدوار تقوم بها‪ :‬المسيء (الشخص الذي‬
‫يقوم باإليالم)‪ ،‬الضحية و المتفرج (الذي ال يتدخل)‪.‬‬
‫و يقترح كال من فافازا‪ ،‬ألدرمان‪ ،‬هيرمان‪ ،‬و ميللر‪ ،‬أنه على النقيض تماما من رؤية أخصائي‬
‫العالج‪ ،‬فإن هناك أمل الذين يقومون بإيذاء الذات‪ ،‬و سواء حدث إيذاء الذات مع اضطراب آخر مختلف‬
‫أو حدث بمفرده‪ ،‬فإن هناك طرقا فعالة لعالج هؤالء الذين يقومون بإيالم أنفسهم و مساعدتهم على‬
‫إيجاد طرقا فعالة للمسايرة و المواجهة و التوافق‪.‬‬

‫التوجهات العالجية‪:‬‬
‫يعمل مجموعة من المدربين في المملكة المتحدة في مجال تدريب ‪ A&E‬وذلك للعاملين (بغرفة‬
‫الطوارئ)‪ ،‬لمساعدتهم للقيام بأول اتصال للذين يقومون بإيذاء الذات‪ ،‬و لكي يستطيعو القيام بالمواجهة‬
‫العالجية الفعالة‪ ...‬هذا الجهد تقو به كل من‪ :‬الممرضات‪ ،‬والذين كانوا يقومون بإيذاء الذات سابقا‪ ،‬و‬
‫المعالجون‪ ،‬و أفراد آخرين‪ .‬و تبذل جهود مشابهة في الواليات المتحدة األمريكية و كندا وأستراليا‪.‬‬
‫أهم التوجهات العالجية إليذاء الذات‪:‬‬
‫‪ -1‬التوجهات التي يتخذها الذين ينظرون إليذاء الذات على أنه مرتبط‬
‫بإضطراب الشخصية الحدية‪:‬‬
‫العالج السلوكي الجدلي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العالج البينشخصي الجماعي‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -2‬التوجهات التي يتخذها الذين يرون إيذاء الذات على أنه غير متصل‬
‫بإضطراب الشخصية الحدية‪:‬‬
‫العالج العقالني االنفعالي‬ ‫‪‬‬
‫‪ -3‬توجهات العالج باألدوية و العقاقير‪.‬‬
‫‪ -4‬العالج النفسي للفرد و كيفية إختبار المعالج الجيد‪.‬‬
‫‪ -5‬التنويم المغناطيسي و اإلسترخاء‬
‫ولقد استخدمت أساليب اإلسترخاء من خالل التنويم المغناطيسي مع بعض طرق العالج الناجحة‪ (.‬عبد‬
‫الستار إبراهيم‪،‬القاهرة‪.)178 -153 ،1994 ،‬‬
‫فقد ذكر مولون وبيراردي )‪ Molon & Birardi(1987‬أن معالجة الذين يقومون بإيذاء الذات تتطلب‬
‫أن يدرك المعالج أن الحاجات المتصارعة عنده هي المسؤولة عن سلوك إيذاء الذات‪ ،‬و من ثم تقع على‬
‫المعالج مسؤولية عالج الحاجات المتصارع لدى المفحوص على قدم المساواة مع عالجه لإلصابات التي‬
‫سببها لنفسه‪ ،‬فإذا لم تتحقق أو تشبع حاجة المريض بالشعور أنه مخلوق متساوي مع اآلخرين فلن يمكن‬
‫عمل أي تقدم في حالته سواء بالتنويم أو بغيره‪ .‬و لقد أشارت الدراسة في تقريرها عن نجاح ثالثة أنماط‬
‫من التنويم المغناطيسي‪:‬‬
‫عد األنفاس ‪ :‬بأن يذهب المريض في سبات التنويم‪ ،‬و يطلب منه مالحظة أنفاسه و عد كل نفس بطئ‬ ‫‪‬‬
‫و عميق‪.‬‬
‫التخيل اإليجابي ‪ :‬بأن يذهب المريض في حالة من سبات التنويم و يطلب منه رؤية نفسه في هدوء‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وسعادة‪ ،‬و في مكان هادئ يفعل أشياء يحبها‪ .‬و تستقر هذه الصورة لمدة ثانية‪.‬‬
‫جسر العاطفة و الوجدان ‪ :‬فبعد سبات التنويم يطلب منه إستخدام المشاعر غير السعيدة الحالية‬ ‫‪‬‬
‫لتذكر فترات آخرى من حياته شعر فيها بنفس الشعور‪ .‬إذ أن الذكريات التي يضايق الشخص التحدث‬
‫عنها في حالته الطبيعية يمكن التحدث عنها في حالة السبات‪.‬‬
‫‪ -6‬العالج الذي يعتمد على المستشفى‪:‬‬
‫إن البدائل اآلمنة تعتبر برنامجا للمقيمين في المستشفى خصوصا الذين يقومون بإيذاء الذات بصورة‬
‫خطيرة‪.‬‬
‫السلوكي ‪ :‬الممارسات الفردية و الجماعية لمساعدة المرضى في الحصول‬ ‫‪ -7‬العالج المعرفي‬
‫على الوعي بسبب إيذائهم و جرحهم ألنفسهم و كيفية التوقف عن ذلك السلوك‪.‬‬

You might also like