Professional Documents
Culture Documents
1JAWABAN NO
األوطان اسم جمع ،وال ُمفرد منه :وطن ،وهو المكان الذي يقيم ويستق ّر فيه -1
اإلنسان وينتمي إليه سوا ًء ُولد فيه أم في غيره ،ويُطلق على الوطن األصلي أو الوطن
وإن اإلنسان قد جُبل وفُطر على حبّ وطنه؛ إذ ّ
إن الذي ُولد فيه اإلنسان الوطن األمّ ،
اإلنسان إذا ُولد في بل ٍد ما ،ونشأ فيها ،وترعرع في كنفها؛ فمن الطبيع ّي أن يحبّها،
ويُواليها ،وينتمي إليها.
ربط حبّ األوطان بحبّ النفس في القرآن الكريم ،حيث ويجدر بالذكر ّ
أن هللا -
ار ُكم َّما فَ َعلُوهُ ِإاَّل قَلِي ٌل (ولَ ْو َأنَّا َكتَ ْبنَا َعلَ ْي ِه ْم َأ ِن ا ْقتُلُوا َأنفُ َس ُك ْم َأ ِو ْ
اخ ُرجُوا ِمن ِديَ ِ قالَ :
ِّم ْنهُ ْم) وليس من السهل أن يفارق المرء وطنه الذي عاش في كنفه ،ولذلك اعتُبرت
هجرة الصحابة -رضي هللا عنهم -من أعظم فضائلهم ،فقد بذلوا وطنهم في سبيل
أن الرسول -صلّى هللا عليه وسلّم-
اإلسالم والدعوة ،وم ّما يؤ ّكد حب اإلنسان لوطنه ّ
عندما هاجر إلى المدينة المنورة توجّه إلى هللا -تعالى -بالدعاء أن يُحبّب المدينة
يظن بعض الناس ّ
أن مقولة (حب األوطان المنورة إليه] -حب األوطان من اإليمان ّ
ولكن الصواب ّ
أن ذلك ّ من اإليمان) م ّما ورد من حديث الرسول صلّى هللا عليه وسلّم،
من الكذب والوضع عليه صلّى هللا عليه وسلّم ،وهذا ال يمنع ّ
أن من واجبات المسلم أن
يكون وفيا ً و ُمحبّا ً لوطنه ،وحاميا ً ومدافعا ً عنه بك ّل ما يملكه ويستطيعه من قو ٍل أو
فع ٍلّ ،
وإن ما يؤيّد ذلك الفطرة السليمة النقيّة لإلنسان ،والعقيدة اإلسالميّة ،وسنة
الرسول صلّى هللا عليه وسلّم.
ّ
إن حب األوطان صور عديدة؛ منها :حبّ األوطان بالسلوكات واألفعال -2
السليمة والسويّة ،مع االلتزام بالقيم والمبادئ الحسنة ،والحرص على تقديم النصيحة
لآلخرين ،واألمر بالمعروف ،والنهي عن المنكر ،والتضحية ألجل الوطن ،والدفاع
عنه ،وإيثاره ،وتقديمه على المصلحة الفردية ،ويجدر بالفرد واألمة االلتزام باألخالق
الكريمة ،من العدل ،واألمانة ،والتسامح ،والعفو وغيرها من محاسن األخالق التي
تسمو بالمجتمع وترقى به إلى المكانة ّ
وإن من الواجب| على ك ّل فر ٍد أن يحافظ على
تماسك الوطن ،ويعمل على تنميته ،ويسعى إلى ازدهاره.
أن حب الوطن يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بأفعال األفراد
ويجدر التنبيه إلى ّ
وتصرفاتهم وليس فقط باألقوال والشعارات والهتافات |،ويجب على المسلم أن يُظهر
حبّه لوطنه بااللتزام بالقوانين واألنظمة ،والمحافظة والحرص على سالمة ممتلكاته،
هذا وحريٌّ بك ّل فر ٍد أن يؤ ّدي مها ّمه ووظائفه بإخال ٍ
ص وحبّ ،وأن يحافظ على مال
الوطن وثرواته ،ويعمل على نشر األخالق الفاضلة ويتحلّى بها ،وال بُ ّد من نبذ أسباب
االختالف والفرقة بين األفراد والجماعات وإقامة شرع هللا -تعالى -في ك ّل األمور،
ّ
وإن من المعاني المرتبطة بحبّ األوطان في اإلسالم؛ تكاتف وتعاضد أفراد الوطن
مع بعضهم البعض دون عصبيّ ٍة ،أو عنصريّ ٍة ،أو تفري ٍ
ق ،أو إقامة جماعات،
وأحزاب ،وفِ َرق متباغضة ومتننافرة.
أن حب األوطان من األمور التي فُطرت
يجدر التنبيه إلى أنّه بالرغم من ّ
عليها النّفس البشريّة؛ إاّل ّ
أن حب الوطن ليس من التكاليف الشرعيّة التي أمر بها
اإلسالم؛ إذ ال يترتّب عليه ثواب أو عقاب |،أو مدح أو ذم ،وال يُؤاخذ المسلم به إاّل إذا
ترتّب عليه تضييع واجب من الواجبات الشرعيّة ،أو ارتكاب فعل من ال ُمحرّمات|
والفواحش ،أو تقديمه على محبة هللا ومحبة الرسول صلّى هللا عليه وسلّم.
إن حبّ األوطان مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بحب ال ّدين؛ فحبّ الوطن يتحقق بحبّ
ّ -3
ّ
تحث على حبّ الوطن ،حيث قال الرسول - ال ّدين؛ إذ ّ
إن مبادئ وقيم الدين اإلسالم ّي
ي،
ك إل َّ صلّى هللا عليه وسلّم -عندما خرج من م ّكة المكرّمة( :ما أطيبَ ِ
ك من بل ٍد وأحبَّ ِ
ك) ،ويترتّب على المواطن وال ُمقيم في
غير ِ
نت َمنك ما َس َك ُ ولوال َّ
أن قومي أخرجوني ِ
الوطن ع ّدة واجبات أيّدها ود ّل عليها اإلسالم؛ بيانها على النحو اآلتي].الدفاع عن
ي وموقف يكون فيه الوطن بحاجة لل ّدفاع عنه ،ويكون الدفاع عنه إ ّما
الوطن في أ ّ
ي أمر يؤ ّدي إلى زعزعة أمن واستقرار وسالمة الوطن
بالقول وإ ّما بالفعل .مواجهة أ ّ
وذلك بمختلف الوسائل .،المساهمة اإليجابية بالقول ،أو الفعل |،أو الفكر ،أو غير ذلك.
الوطن وما أدراك ما الوطن! ليس هناك أعذب من أرضه ،فهو األمان ،وهو -5
الراحة والوفاء |،والتضحية والفداء ،وهو الجنة ،هو المدرسة التي علّمتنا فن
التضحية ،فمهما تنقلنا بين البلدان لن نجد أجمل من وطننا ،لذا علينا أن نق ّدس الوطن
ونحبّه؛ فحب الوطن من اإليمان كما قال علي بن أبي طالب -رضي هللا عنه ،-وهو
المكان الذي يبدأ منه اإلنسان رحلته في هذه الحياة لقد حثنا الدين اإلسالمي على
الوفاء للوطن واإلخالص له ،وقد تبيّن ذلك من قول الرسول -عليه الصالة والسالم-
عندما فارق مكة فعلى اإلنسان التمسّك بالوطن مهما كانت الظروف ،كما أن عليه أن
يبقى مخلصا لترابه منتميا ً له ،فالوطن هو المكان الذي ولدنا ونشأنا فيه ،وبه أنشأنا
صداقاتنا الطيبة ،وعلى أرضه سنحقّق اآلمال.
و مظاهر حب الوطن يُترجم حبنا للوطن بالفعل قبل القول ،فهو بحاجة إلى
تكاتفنا معا ً وبذل جهدنا حتى يكون دوما ً بالمقدمة ،وذلك من خالل المحافظة على
ثرواته ،والمشاركة في إعماره وتشجيره ،ومساعدة أبنائه المحتاجين |،والمشاركة في
المبادرات التي تهدف إلى تق ّدمه وتطويره ، ،كما يجب علينا أيضا ً أن نرسّخ حب
الوطن في عقول األطفال ،ليكبر الطفل وهو يدرك جيداً قيمة وطنه واألرض التي
يعيش عليها.
أن اإلنسان ُخلق إلعمار األرض وليس
في النهاية ال بد من التأكيد على ّ
إلفسادها ،والمؤمن الصادق هو الذي يعرف قيمة وطنه وينتمي إليه انتماء صادقاً،
فهو الشجرة الطيبة التي ال تنمو في تربته إاّل التضحيات.
اعلموا ّ
أن الوطن لنا حضن أمان وكنف اطمئنان ،لذا كان حبه واجبا علينا -6
جميعا ،فعلى ترابه ولدنا ،وفي أكنافه ترعرعنا ،ومن ثماره تغذينا ،وفيه تعلمنا
أبجديات الحياة ،فال شيء يشغلنا عن حب الوطن ،بل أن ذلك من دالئل اإليمان ,إن
من واجب األبناء نحو أمتهم أن يبروما ويخدموها ويطيعوها ،وأن يستجيبوا لها
عندما تدعوهم ليرفعوا شأنها ويصنعوا مجدها ورقيها وازدهارها بكل صدق
وإخالص وعلينا أن نسهم في بناء المجتمع اإلسالمي المختصر القائم على مبدأ
الشورى الذي جاء به الدين الحنيف ،وإن تعددنا صيغ الشورى وأساليبها في عصرنا
عبر ما يسمى باالنتخاب والديمقراطية وغير ذلك.
وعندما نستحضر تاريخ كفاح أبناء الوطن في سبيل تحقيق حريتها واستقاللها
وسيادتها ،ندرك معنى التضحية التي امتزجت فيها الدماء الزكية بثرى األرض
الطاهرة النقية ،وذلك عبر عقود من الزمن ،كما ندرك معنى الوفاء واإلخالص
لبالدنا في ظل الوحدة واألخوة واأللفة بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعكر الصفو.
وهذا صنيع حضاري يدل على وعي األفراد بمصير أمتهم وإدراكهم لواجبهم
نحوها ،وإنهم يحصلون على عواتقهم مهمة قيادتها نحو الطريق المستقيم والسبيل
القويم .اللهم أجعل بالدنا أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان ،وأجعل سائر
بالد المسلمين أرض رخاء وأمان وسعادة واطمئنان ,للهم وفق والة أمورنا لما تحبه
وترضاه ،وفيض لهم بطانة حسنة تعينهم على فعل الخيرات ورد المنكرات ،واجعل
بالدنا موطن رفاهية ورقي وإزدهار ،وأجعلها أرض سالم ومحبة ووئام ،عامرة
بالخيرات |،وأرزق أهلها من كل الثمرات ،وقيض لها من الرجال الصالحين
المصلحين من يحفظ عزها ويصون مجدها لتبقى رايتها عالية خفاقة ،وأحفظها يا
ربنا برعايتك واشملها بفضلك وعنايتك.
جعل النبي حب الوطن مقياسًا لإليمان الخالص |،فما أعظم هذه الحكمة! وما -7
أجلها سعادة لدى النفوس النقية أن تكون قلوبهم مفطورة بحب أوطانهم! طوبى لكم يا
أصحاب القلوب| الطاهرة فقد جبلتم على حب الوطن ،فأصبحتم محبين له وأصبح
محبوبًا لكم .صرتم من عشاقه وصار معشوقًا لكم .وإن الحكمة الرائعة التي تنطوي
عليها هذه السنة النبوية الجليلة الشأن لفي غنى عن الشرح والبيان؛ ألن الوطن هو
منبت فضائلنا |،منه نقتطف ورود الحمية وأزهار الشجاعة.
إن وطننا المحبوب |،المحدد بدماء أسالفنا األعزاء ،ذلك الوطن المفدى الذي
تركه لنا األجداد وديعة بعد أن قاموا بتحصينه ،ال بالحجارة والحصون ،بل بعظامهم
وجماجمهم يطلب منا التفاني في خدمته؛ ألن زماننا زمن عصيب يقتضي السعي
واإلقدام .فلنخدم وطننا ولنحرص عليه ألنه بالحرص عليه نحرص على حياتنا،
وبالتفاني في خدمته نخدم أنفسنا.وإن المحب الحقيقي ال يحجم عن بذل النفس والنفيس
وتضحية أعز ما لديه في سبيل الوصول إلى رضى المحبوب ،فلتكن تضحيتنا إذن
في سبيل الوطن بقدر محبتنا له.
لنبرهن على أننا نعز الوطن ونهيم بحبه بالفعل ال بالقول .لنضع نصب أعيننا
الدماء الزكية التي أراقها أبطال الوطن في سبيل أوطانهم ،ولنفكر على الدوام بأن
الخلف سينظر يو ًما ما إلى أعمالنا فينقدها كما ننقد نحن اليوم آثار السلف ،وبمثل ذلك
ليكن سعينا جلياًل في سبيل خدمته..
ننظر اليوم إلى آثار أسالفنا فتدهشنا أعمالهم ،فلنحاول نحن أيضًا أن ندهش
أبصار أحفادنا بجليل ما سنتركه من اآلثار والمآثر .لنجتهد ولنبرهن للعالم من طريق
حب الوطن بأن قلوبنا مملوءة باإليمان الصادق ،وبأننا نعلم تما ًما بأن حب الوطن من
اإليمان.
الوطن الذي ولد فيه آباء المرء وأجداده ،وينتسبون إليه وينتمون أبا عن جد، -8
وخلفا عن سلف ،ويرتبطون بأرضه ارتباط الوالء واإلخالص والوفاء له ،والتعلق به
والجهاد في سبيله ،والتضحية من أجله بكل نفيس وثمين طيلة قرون وأجيال كما يعني
الوطن بالنسبة للمسلم كل بالد اإلسالم وجميع شعوبها المسلمة ،باعتبار المسلم أخا
المسلم أينما كان وحيثما كان ،وأن المسلمين أمة واحدة ،مهما تباعدت بهم الديار،
وتناءت بهم األقطار وشط المزار ،كما هو صريح القرآن المبين ،وأنهم كالبنيان
المرصوص ،وكالجسد الواحد كما هو صريح سنة النبي الصادق األمين ،محمد عليه
أفضل الصالة وأزكى التسليم.
وإنما كان حب الوطن من اإليمان ،وكانت هذه العبارة المأثورة الحكيمة كلمة
صدق وحق في مبناها ومعناها ،بغض النظر عن كونها ليست حديثا نبويا صحيحا|
في لفظها ونصها ،وكانت كلمة حق في نطقها ومضمونها ،ألن وطن المسلم بلد
لإلسالم.
وحب الوطن حب فطري في قلب كل مسلم سوي ،ومتجذر في اعماق نفس كل
مومن غيور أب ّي ،ينشأ عليه ويتربى منذ نعومة أظفاره كل من يتمتع بفطرة سليمة،
وطوية نقية ،وينعم بسريرة طيبة ،وروح صافية مستنيرة ،واليخرج عن ذلك الحب
الفطري للوطن ،واليجد عنه إال من كان منحرف المزاج والفطرة ،واليشذ ويزيغ عن
محجته الالحبة وحقيقة الناصعة إال من هو عديم الضمير النقي ،ومن يخفى وراء ذلك
نفسا شريرة وإرادة ضعيفة ،وأهدافا شخصية ،ومطامع مادية زائلة ،تجعله يعق
وطنه ،ويسيء إليه ويتنكر لفضله عليه ،فيندفع مه هواه الجامع |،وينساق مع زيغه
الخاطئ وراء سراب خادع لمحاولة الوصول إلى تلك المطامع الشخصية واألهداف
المادية ،ويغتر بذلك في غير إدراك ناضج بالمسؤولية الدينية والوطنية.
التعبير عن الحب المكين للوطن ،والولع القوي والتعلق الشديد بل يجد المرء -9
بينهم من يبالغ ،فبذكر على سبيل المبالغة الالحقيقة ،أنه ولو كان في الجنة ،وهي أعز
وأكرم مايتمناه المسلم على ربه في الحياة اآلخرة ،لكانت نفسه تحس بشيء من
الشوق ،وتميل به إلى الحنين نحو وطنه في الدنيا.
اليتنافى واليتعارض في شيء من قريب والبعيد مع حب المسلم لكل وطن - 10
وشعب من بالد اإلسالم وأمته ،واحترام وتقدير الخصوصيات| والمميزات التي يتميز
بها كل شعب وبلد مسلم عن األخر ،سواء في أموره الدينية أو قضاياه الوطنية أو
أحواله االجتماعية ،واهتمامه بتلك البالد ،فيفرحه مايسعدها وينفعها ،ويؤلمه
مايضرها ويشقيها ،باعتبار المسلمين أمة واحدة كالجسد الواحد ،وال كالبنيان
المرصوص ،فهم في الدين واللغة بنو رحم واحد ،وهم في اآلالم واآلمال إخوان،
وبذلك يتجاوز المرء النظرة الضيقة لمفهوم الوطن خبه إلى فضاء وأفق أرحب
وأوسع فيجمع بين الحسنين إذ اليكمل إيمان مسلم حتى يحب ألخيه المومن مايحب
انفسه.
وإذا كان هذا شأن كل مواطن وشعب مسلم تجاه بلده ووطنه ،والتمسك
بهويته وخصوصياته ،فإن المغرب ملكا ودولة وشعبا يعتبر ضمن تلك البالد
اإلسالمية التي اشتهرت بالتمسك بدينها وفي مقدمتها ،فقد اشتهر هذا البلد الكريم
وعرف بالتفاني في حب الوطن واإلخالص له ،والتمسك بمقدساته الدينية والوطنية،
والدفاع عن حوزته بكل إيمان وقوة ،منذ أن تأسست فيه دولته المسلمة ،وتكونت على
أرضه أمته المومنة المجاهدة ،وتأصلت فيه إمارة المونين ،وعرفت له حدوده
التاريخية،وجفرافية الطبيعة ،وثبتت له عليه حقوقه المشروعة والمعروفة.
.
وإذا كانت كظاهر حب الوطن والتعلق به كثيرة ومتعددة ،فإن من معالمه البارزة
في تاريخ الشعوب وحياة األمم المعاصرة ،ماتعيشه من أفراح ومسرات في ذكريات
وطنية ومناسبات مجيدة تذكر بها للبلد وشعبه وأمته من أمجاد تاريخية وايام عظيمة
مشهودة تبعث على االعتزاز والنخوة واالعتداد والفرحة.
أودع هللا في اإلنسان العديد من الغرائز الضرورية لحياته وألداء دوره في .11
هذه الحياة |،ومن هذه الغرائز ،غريزة حبّه لوطنه .فاإلنسان بطبيعته يحبّ وطنه؛
مسقط رأسه ،ووطن آبائه وأجداده ،ويألف األرض التي تربّى فيها ،وأكل من
خيراتها ،ونسج فيها عالقاته مع الذين يعيشون معه فيها .فاإلنسان يحظى بالكرامة
ُ
فالوطن الحب ال يكون باألقوال فقط ،بل يكون فعالً وقوالً،
ّ| إن بقي حنينه لوطنه .هذا
يحتاج إلى سواع ِد أبنائه كي ينمو ويكبر ،ويحتاج إلى السعي والتطوير ،وإلى الحفاظ
على مق ّدراته والدفاع عنه في ك ّل وقت وعدم التفريط بأي ٍ
شبر منه ،فالوطن دون
سواعد أبنائه يُصبح أشبه بمنفى ،وهو يُعطي أبناءه بقدر ما يُعطونه ،وكلّما كان
عطاؤهم أكبر كلّما كان الوطن أكثر جماالً وتط ّوراً ،ولهذا ّ
فإن حبّه جز ٌء ال يتجزأ من
إيمان الفرد..
ِ
إن اإلنسان قد جُبل وفُطر على حبّ وطنه؛ إذ ّ
إن اإلنسان إذا ُولِد في بل ٍد نعمّ ،
ما ،ونشأ فيه ،وترعرع في كنفه؛ فمن الطبيعي أن يحبّه ،ويُواليه ،وينتمي إليه ،وليس
من السهل أن يفارق المرء وطنه الذي عاش في كنفه ،ولذلك اعتُبرت هجرة الرسول
مكان آخر ،وحين
ٍ (صلى هللا عليه وآله وسلم) الذي كان يحبّ وطنه م ّكة أكثر من أي
هاجر منها فإنّه لم يتركها إاّل مضطراً
حبّ الوطن حبٌّ عظيم يجب أاّل يُخالطه ريا ٌء أو نفاقّ ،
ألن َمن ال يحبّ وطنه
ق ال يستح ّ
ق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه ،فالوطن يحيا بدماء أبنائه ،ويُزهر بح ّ
بسواعدهم ،ويتط ّور بعقولهم ،والوطن هو الوطن بجميع حاالته وتقلّباته ،وإن تعرّض
الوطن ألي خطر ،فالب ّد أن يتح ّول جميع أبنائه إلى جنود؛ ّ
ألن كرامة الوطن فوق ك ّل
كرامة.
إن حبّ الوطن حبٌّ عظيم يجب أاّل يُخالطه ريا ٌء أو نفاقّ ،
ألن َمن ال يحبّ .12
ق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه ،و َمن لم يكن وفيا ً لوطنه في الحرب
ق ال يستح ّ
وطنه بح ّ
ال يستح ّ
ق أن يعيش فيه وقت السّلم ،فالوطن يحيا بدماء أبنائه ،ويُزهر بسواعدهم،
ويتط ّور بعقولهم ،والوطن هو الوطن بجميع حاالته وتقلّباته ،وإن تعرّض الوطن ألي
خطر ،فالب ّد أن يتح ّول جميع أبنائه إلى جنود؛ ّ
ألن كرامة الوطن فوق ك ّل كرامة،
ولهذا طالما تغنّى الشعراء واألدباء بالوطن وقالوا فيه أروع القصائد الخالدة وأجمل
أن القصائد التي تُقال في حبّ الوطن تظ ّل خالدةً
األشعار والكلمات ،وال عجب ّ
اختالف مذاهبهم وأديانهم ومعتقداتهم.
ِ يُكرّرها الجميع على
فإن الوطن يجمعُهم في ظلّه وتحت كنفِه ألنّهم
فمهما تفرّقت ميو ُل أبناء الوطن الواحد ّ
منه وهو منهمّ .
إن الرابطة العاطفية باألوطان واعتبار الشوق إليها مكرمة من مكارم
األخالق ت ّشكل في حقيقة األمر دافعا ً لالهتمام بها ورعايتها والعمل في سبيل إعمارها
وإحيائها والحرص على جمالها ونظافتها.
كما ّ
أن العالقة العاطفية المشار إليها هي الباعث األساس للدفاع عن األرض
والقتال في سبيلها وبذل النفس دونها ،وترتفع بعض المأثورات الدينية بحبّ الوطن
عن مجرد كونه انفعاالً إنسانيا ً عاطفيا ً إلى درجة الفعل اإليماني لترى فيه عالمة
إيمان ،فقد ر ُِوي عن رسول هللا (صلى هللا عليه وآله وسلم)« :حبّ الوطن من
فإن حبّ األوطان عندما يكون حبّا ً واعيا ً ودافعا ً للحفاظ عليها والدفاع عنها
اإليمان»ّ ،
بوجه المعتدين والطامعين ومحرِّ كا ً نحو عمارتها ما ّديا ً بإحيائها وزراعتها وتشييدها
بالعمل على إحقاق الح ّ
ق في ربوعها ونشر القيم الدينية واألخالقية بين أهلها.
الحب الذي يهتم به اإلسالم هو العمل الذي يتناسب مع تعاليمه ويكون سبب .13
في تحقيق أهدافه السامية.أما الوطن فهو ليست األرض التي يولد بها اإلنسان فحسب،
بل يُقصد به األرض التي تكون منطلق لفكر الفرد في خدمة دينه .فأي أرض يشعر
اإلنسان باإلنتماء اليها ،وفيها تنفجر طاقاته اإلبداعية في خدمة االسالم ونشر ثقافته
يكون وطن له.
كيف يكون حب الوطن إيمان؟
الجواب هذه األيام واضح ،مع خروج الماليين حبا ً بالوطن للمطالبة بإنقاذ
وطنهم من الفساد يتم فهم ربطوا حب الوطن باإليمان.
خروج هذه األعداد بال اعتداء على ال ُممتلكات العامة وشعارهم ( سلمية) فقط
ليطالبون بحقوقهم ويستردون كرامتهم التي اراد البعض سلبها ،يظهر ذلك مبدأ من
مبادئ االسالم بحرية الفرد وشعوره بالمسؤولية إتجاه نفسه واهله و وطنه.
-عندما يتجمع الشباب والفتيات بال مضايقات ،حيث تسود بينهم روح اإلخوة
والغيرة.
-عندما يكون الجميع مسؤول عن تنظيف الشوارع وإعادة تهيئتها وإصالحها|،
اصحاب الشهادات مع الكسبة ،الغني مع الفقير ،الكل يشعر بالمسؤولية.
كل ذلك يحدث عند مجموعة من شباب الذي اخرجهم حب العراق للمطالبة بحقوقهم،
فتحول حب الوطن الى إيمان وإن كان وقتيا ً إال انه سيؤثر بال شك.
فحب وطن يعني حب لمقدساته المتمثلة بقبور ستة من األئمة المعصومين ،وقبور
الصالحين من أوالدهم ،آثارهم وأماكن عيشهم وحكمهم ،يزرع في النفوس حبهم
والتمسك بهم صلوات هللا عليهم.
ماذا لو استثمرنا هذه المظاهرات إلصالح المجتمع أوالً قبل إصالح
الحكومات ،وبذلك نكون قد وضعنا اللبنة األولى لتهيئة النفوس إلقامة دول الحق.
حب الوطن من اإليمان» هذا الحديث شريف قليل األلفاظ |،كثير المعاني .14
فهو من جوامع كلمه صلى هللا عليه وسلم فأوجب الشارع حب الوطن على كل عاقل
وجعله جزءا من اإليمان .فمحبة الوطن هي أن يصلح اإلنسان نفسه أوال بالعلم
الصحيح وبجميع بـأنواعه ثم يصرف نفسه كلها في إصالح وخدمة وطنه ألن من
أحب شيئا أطاعه وخدمه.
وأن الوطن ليس هو البقعة ذات الحدود الطبيعية الجغرافية فقط؟ بل هو البقعة
وما فيها وما عليها من جماد وحيوان وليست المحبة باللفظ فقط ،بل المحبة هي
بالعمل واإلحسان له فإحسانه لوطنه .والمحبة تستلزم طاعة الوطن وخدمته بكل
رخيص وغال ،فيخدمه بالتعمير بالعلوم والمعارف .ومن اإلحسان للوطن أن ينفع
بنيه بالتعليم لسائر العلوم بوجود أسبابها بالفعل وأن ال يبخل بنفسه وال بماله عن أبيه
الوطن وإخوته حتى أن الشارع أوجب على اإلنسان أن يفدي وطنه بنفسه وماله .وما
هذا إال لعظم شأنه وأي شيء أعظم من الوطن الذي يفدي بالنفس والمال شرعا وعقال
إال الدين لكن هو منه لذا أعطى حكمه.
ومن كان هذا حظه فحري على كل عاقل أن ال يتهاون به ولو ساعة فيقدر
خدمته والحرص عليه يعظم قدر اإلنسان والعكس بالعكس .فجد بنفسك ومالك
وبالعمل الصالح واإلخالص وترك حظوظ النفس فإن فعلت نلت الغنى الذي ال فقر
بعده ،وعزا ال إهانة تعقبه ،فاستيقظوا إخواننا من سباتكم العميق وسكرة حب النفس
والمال التي ما حلت بأمة أو فرد إال ونال الذل والخسران ،وأول العمل طلب العلم
ألنه هو األصل وما بعده فرع منه ،وانظروا واسمعوا للشرق والغرب ما فعال وماذا
يفعالن ،وما هما إال بشر مثلكم تقدموا عليكم بالعلم ،فتعلموا تکونوا مثلهم ،وبالسير
في الطريق رويدا رويدا يدرك المسافر المنى ،وهللا أسأل الهداية لجميع الوطنيين
وغيرهم.
إن حب الوطن هو كحب األم لوالديها ،وكمحب االبن ألمه الذي ال يمكن .15
أن يأتي يوما ً وينقطع أو يتوقف ،ولكن حب الوطن قد يختلف قليالً بأنه ال يزول
فالوطن دائم ،بينما اإلنسان قد يفني ,ولكن تراب هذا الوطن يظل موجوداً ،فوطني
هو الوطن الذي نراه في تقدم يوما ً بعد يوم ،فلقد أصبح هناك الكثير من التغييرات
التي تطرأ عليه ولكنها ألول مرة تغييرات إيجابية..
ولهذا فنجد أن بعد أن كان هناك بعض المواطنين يرون أن هذا الوطن غير مالئم
لهما في بعض النواحي العملية ،أو العدالة االجتماعية ،فلقد تغيرت تلك المفاهي.
وأصبح يرى تلك المواطنين أن هذا الوطن ال يمكن أن يترك ،بل أنه هو وطن
الخير الذي لن يوجد وطنه مثله يتحمل كل تلك المهانة التي شاهدها وظل ساكن..
ومن أفضل التغييرات التي حدثت لوطننا خاصة بعد فترة الثورات
والمشكالت التي حدثت بشكل ضخم به ،هو أن تحولت النظرة التشاؤمية في
وطني إلى نظرة تفاؤلية ،فوجدنا أن بعد أن غاب الحلم لألطفال والشباب..
فالماضي كان هناك احتكار لكثير من المشروعات واألعمال في الوطن ،ولكن من
اآلن وصاعداً فلن يكون هناك احتكار لألفكار وللشباب.بل سيبني كل شاب حلمه
ويضع له الطوب األول لحلمه ،وسينفذ جميع خطه المستقبلية بكل عزيمته ،ألن
إذا لم يقوم كل مواطن بنفسه بجعل الوطن في حال أفضل ،فلن يتحقق أي شيئا ً أو
نتقدم خطوة لألمام .فحب الوطن ال يمكن أن نبوح به بالكلمات ،بل يكمن في
األفعال وتلك األفعال يتم ترجمتها من خالل التقدم واالزدهار لوطننا ،فكلما تقدم
هذا الوطن سيكون لنا مكنا ً كبيراً في كل مشروع يتم افتتاحه أمام العالم أجمع.
إن من أهم األشياء التي جعلتنا نحب هذا الوطن حبا ً جما ً هي أننا نرى أن .16
هناك تغيير حقيقي ،فهناك مشروعات يتم افتتاحها ،فنجد أن لقد تحولت البطالة في
وطننا إلى لم يصبح هناك وقت للكسل فكثرة وجود المشروعات في بلدنا جعلت
هناك لمسة لكل يد من أيدي العمالة التي تضع لمساتها بها فحب الوطن ال يمكن
أن نبوح به بالكلمات |،بل يكمن في األفعال وتلك األفعال يتم ترجمتها من خالل
التقدم واالزدهار لوطننا ،فكلما تقدم هذا الوطن سيكون لنا مكنا ً كبيراً في كل
مشروع يتم افتتاحه أمام العالم أجمع ألن تلك المشروعات إذا قمنا بالتركيز على
النتائج التي تترتب عليها ،سنجد أن سيعم ويشمل هذا النجاح الجميع ،أي كل
مواطن يعيش في هذا الوطن.
إن الشعور باالنتماء وحب الوطن هذا الشعور من أجمل المشاعر التي
تدب في روح كل مواطن مصري ،فإن االنتماء لهذا الوطن ال يمكن االمتناع
عنه مهما مر بظروف قاسية ألن االنتماء يكون بسبب أن هذا الوطن ال يغلق
أبوابه أمام لمواطنيه ،بل أن بمجرد الذهاب ليالً في شوارعه ستزال جميع
الهموم وتتحول إلى شعور بالراحة فالراحة واألمان في وطني هو ما يجعلني
أشعر باالنتماء له ،فالحياة ليست عسيرة في وطني بل أن اإلنسان هو من
يجعل حياته عسيرة فالعدالة والحرية واألمان الذي يوجد في وطني ال توجد
دولة على وجه الكرة األرضية يوجد به مثل تلك األشياء ،فالذين قاموا بثورة،
ألن هناك بطالة أو عدم وجود عدالة اجتماعية لم ينتظروا حتى يروا الغد
األفضل بل إنهم تكاسلوا ولم يتحركون خطوة في أي مجال في الوطن،
وبالتالي وشعروا أن ال يوجد عدالة ألن الحياة تعطي العمل لمن يسعى،
وتعطي الحرية لمن يبدي برأيه بكل أدب واحترام ،فاحترموا وطنكم وقوانينه
حتى ينعكس عليكم هذا االحترام.
-17إن حب األوطان هي مشاعر حقيقية وفطرية ،ألن الحب| أو الكره ليس يمكن
أن يتحكم به أي شخصاً ،ولكن حب الوطن خاصة يشعر به اإلنسان عندما نجد الكثير
من األشخاص يتبنون أسرة فقيرة ويقومون بإطعامها طوال شهر رمضان ,واألكثر
أن من يقومون بالمساعدة في زواج بنت من أسرة فقيرة ماديا ً حيث إنها ليست قادرة
على هذا األمر فهذه هي مشاعر حقيقية وتنبع من القلب ,وحب هذا الوطن حقيقي
ضا حقيقية ،فمساعدة الغير من
وتلك المشاعر التي يشعر بها المواطنين في مصر أي ً
أفضل األمور التي توجد في وطننا ،فطيبة القلب والحنان والعطاء الذي نشاهده في
الشارع على الفقير والمحتاج لم تكن مصطنعة بل إنها بدافع الحب |،ولهذا فوطني هو
من أجمل األوطان في عيوننا ,يجب أن يكون هناك حالة تفاءل تعم بشكل أكبر ،بحيث
أن عندما يوجد شخص أو مجموعة من األشخاص يشعرون باإلحباط تجاه أمراً مهما
في حياتهم أن نقف بجانب بعضنا البعض ,مثل أن يتبنى شخص مقتدر ماديا ً مشروع
ألحد الشباب ويصبح هناك مشاركة بالعمل والجهد وهو برأس المال ،فشاركوا
الشباب وال تجعلونهم يتجهون إلى الطرق السيئة.
وفي نهاية موضوعنا فكل ما يوجد في وطني ال يمكن أن ال نحبه ،ألن وطننا
كأنه يحمل مشاعر الحب في الهواء الذي نتنفس ونشعر به ويدخل إلى قلوبنا ويرتكز
بداخلنا| وال يخرج حتى مماتنا ،فقوموا بالتشجيع على الخطوات الجديدة التي تخطوها
الدولة والمسؤولين تجاه هذا الوطن ،حتى نراه في أفضل حاالته يوما ً بعد يوما ً في
تقدم كبير ،موضوع تعبير عن حب الوطن من اإليمان بالعناصر والمقدمة والخاتمة
للصف الرابع والخامس والسادس االبتدائي ،موضوع عن حب الوطن من اإليمان
للصف األول والثاني والثالث االعدادي والثانوي ولجميع الصفوف التعليمية...
وطننا مسئوليتنا جميعاً ،حمايته حماية لنا ،عزه عز لنا ،استقراره استقرار .18
لنا ،مصابه مصاب علينا ،وطننا ليس ترابا ً وما ًء وهوا ًء وشجراً وحجراً ،بل هو مع
ذلك قيم ومبادئ وعادات وتقاليد حميدة ،الوطن أمن وثقافة وصحة ونظافة عالقات
وتكافل اجتماعي وتعاون بين األجهزة واألفراد والجماعات وبين القيادة والشعب
المواطنة ،والوطنية ليست كلمة تترد في األفواه بل هي مسئولية نحملها وواجبات
نؤديها ومقدرات نحافظ عليها ،الوطن اسم ورسم فلئن تجاوزنا رسومها انتقلت معنا
معاني اسمها.
يصادفنا كثير من الناس يدعي الوطنية وحب الوطن والدفاع عنه ،ولكنه في
الخفاء يكيد لهذا الوطن وللمواطن ،ليس له ه ّم إال نفسه وعائلته ،ومن يدور في فلكه
يتآمر مع أعداء الوطن للنيل منه يتآمر لينال من كرامة بلده وسيادته وكرامة مواطنيه
وعقيدتهم وأخالقهم ،لقد أظهرت الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي أعداء
األوطان الحقيقيين |،وكيف أنهم منبطحون بأعتاب األعداء كيف صيروا البلدان
مرتهنة لألعداء وكيف صوروها تحت الوصاية الخارجية.
كان النبي يحب لوطنه حب الوطن إيمان وبغضه والتآمر عليه نفاق أوجب
الشرع على كل متجسس وخائن للوطن عقوبة شرعية ينالها أمام القضاء ،وتنفذ أمام
المأل من أجل زجر من تسول له نفسه أن يتآمر على الوطن ،وأن يتآمر على
مواطنيه.
إن من الناس من يش ّخص الوطن والوطنية ،فمن أحب ذلك اإلنسان وذلك
الشخص فهو الوطني ،ومن عاداه فهو العدو ليست هذه الوطنية ،بل الوطنية مبادئ
وقيم يتحلى بها الشخص تخدم الوطن وتساعد في بنائه ونهضته.
إن للوطن منزلة عزيزةً في أي نفس ،ولحبِّه بقعة من الفؤاد ليست لشيء .19
آخر مهما غال وع َّز ،وألحداثه وذكراه ثبات ال تطاله يد النسيان ،ومن أجل هذا فهو
من صور اإليمان؛ ولهذا هو أغلى من كل األثمان ،ولهذا فإن الوطن يعني اإلنسان,
معنيان؛ أحدهما ذو معنى محدود وضيق ،واآلخر ذو معنى واسع
ِ الوطن كلمة لها
وكبير؛ فاألول هو اإلقليم من األرض الذي اتَّخذته مجموعة من الناس موضعًا
لإلقامة والسكن والعيش المشترك ،والثاني هو كل مكان من هذه األرض فيه أخ مسلم
يشاركك الوصف والنسبة والدين ,والوطن له اعتبار في خير األديان ،و ِمن أجله َّ
سن
ركنًا من أعظم األركان ،وهو الجهاد في سبيل هللا؛ فالدفاع عن الوطن وال َّذود عن
حماه يعكس إيمانًا باهلل ،وحبًّا بالوطن ،وشغفًا به ،وذوبانًا في تضاريسه و ِشعابه
ووديانه وهضابه وسهوله ووهاده...
ونبينا عليه الصالة والسالم أحبَّ وطنَه وشغف به ،واستغرب حينما أخبره َو َرقةُ
ُخرجه قو ُمه من وطنه ،فقال صلى هللا عليه وسلمَ(( :أ َو ُم ْخ ِرج َّ
ي بن نَ ْوفَل أنه سي ِ
هم؟!)) ،فهو ال يستغرب ردهم لدعوته ورفضهم لرسالته ،ولكنه يعجب أن يتمادوا
في ذلك إلى درجة أن يخرجوه من وطنه ،ويمارسوا عليه هذا النوع من التعذيب
النفسي والجسدي والروحي ،فطالَما تعلَّقت روحه ب ِشعاب مكة ،ولطالما طوفت بين
سككها وضواحيها؛ ولهذا قال عليه الصالة والسالم مخاطبًا الدار التي أحبَّ ،والبلد
التي هامت بها روحه وُأن ِشزت فيها عظا ُمه ،ونبت فيها لحمه .وحب الوطن يقلل
الكثير ،ويكثر القليل ،ويزهد في النعيم ،ويرغب في أدنى خصائصه ومزاياه ،كلنا
يذكر ميسون بنت بحدل ،أم يزيد بن معاوية ،التي جاء بها معاوية من البدو وأسكنها
فاره قصوره ،وأقامها في عزيز نعيمه ،ولكن كل ذلك لم يطرف عينها ،ولم يصرف
قلبها عن الوطن ،وكانت تبكي الليالي الطوال.