You are on page 1of 22

‫‪.

1JAWABAN NO‬‬
‫األوطان اسم جمع‪ ،‬وال ُمفرد منه‪ :‬وطن‪ ،‬وهو المكان الذي يقيم ويستق ّر فيه‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلنسان وينتمي إليه سوا ًء ُولد فيه أم في غيره‪ ،‬ويُطلق على الوطن األصلي أو الوطن‬
‫وإن اإلنسان قد جُبل وفُطر على حبّ وطنه؛ إذ ّ‬
‫إن‬ ‫الذي ُولد فيه اإلنسان الوطن األم‪ّ ،‬‬
‫اإلنسان إذا ُولد في بل ٍد ما‪ ،‬ونشأ فيها‪ ،‬وترعرع في كنفها؛ فمن الطبيع ّي أن يحبّها‪،‬‬
‫ويُواليها‪ ،‬وينتمي إليها‪.‬‬
‫ربط حبّ األوطان بحبّ النفس في القرآن الكريم‪ ،‬حيث‬ ‫ويجدر بالذكر ّ‬
‫أن هللا ‪-‬‬
‫ار ُكم َّما فَ َعلُوهُ ِإاَّل قَلِي ٌل‬ ‫(ولَ ْو َأنَّا َكتَ ْبنَا َعلَ ْي ِه ْم َأ ِن ا ْقتُلُوا َأنفُ َس ُك ْم َأ ِو ْ‬
‫اخ ُرجُوا ِمن ِديَ ِ‬ ‫قال‪َ :‬‬
‫ِّم ْنهُ ْم) وليس من السهل أن يفارق المرء وطنه الذي عاش في كنفه‪ ،‬ولذلك اعتُبرت‬
‫هجرة الصحابة ‪-‬رضي هللا عنهم‪ -‬من أعظم فضائلهم‪ ،‬فقد بذلوا وطنهم في سبيل‬
‫أن الرسول ‪-‬صلّى هللا عليه وسلّم‪-‬‬
‫اإلسالم والدعوة‪ ،‬وم ّما يؤ ّكد حب اإلنسان لوطنه ّ‬
‫عندما هاجر إلى المدينة المنورة توجّه إلى هللا ‪-‬تعالى‪ -‬بالدعاء أن يُحبّب المدينة‬
‫يظن بعض الناس ّ‬
‫أن مقولة (حب األوطان‬ ‫المنورة إليه] ‪ -‬حب األوطان من اإليمان ّ‬
‫ولكن الصواب ّ‬
‫أن ذلك‬ ‫ّ‬ ‫من اإليمان) م ّما ورد من حديث الرسول صلّى هللا عليه وسلّم‪،‬‬
‫من الكذب والوضع عليه صلّى هللا عليه وسلّم‪ ،‬وهذا ال يمنع ّ‬
‫أن من واجبات المسلم أن‬
‫يكون وفيا ً و ُمحبّا ً لوطنه‪ ،‬وحاميا ً ومدافعا ً عنه بك ّل ما يملكه ويستطيعه من قو ٍل أو‬
‫فع ٍل‪ّ ،‬‬
‫وإن ما يؤيّد ذلك الفطرة السليمة النقيّة لإلنسان‪ ،‬والعقيدة اإلسالميّة‪ ،‬وسنة‬
‫الرسول صلّى هللا عليه وسلّم‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن حب األوطان صور عديدة؛ منها‪ :‬حبّ األوطان بالسلوكات واألفعال‬ ‫‪-2‬‬
‫السليمة والسويّة‪ ،‬مع االلتزام بالقيم والمبادئ الحسنة‪ ،‬والحرص على تقديم النصيحة‬
‫لآلخرين‪ ،‬واألمر بالمعروف‪ ،‬والنهي عن المنكر‪ ،‬والتضحية ألجل الوطن‪ ،‬والدفاع‬
‫عنه‪ ،‬وإيثاره‪ ،‬وتقديمه على المصلحة الفردية‪ ،‬ويجدر بالفرد واألمة االلتزام باألخالق‬
‫الكريمة‪ ،‬من العدل‪ ،‬واألمانة‪ ،‬والتسامح‪ ،‬والعفو وغيرها من محاسن األخالق التي‬
‫تسمو بالمجتمع وترقى به إلى المكانة ّ‬
‫وإن من الواجب| على ك ّل فر ٍد أن يحافظ على‬
‫تماسك الوطن‪ ،‬ويعمل على تنميته‪ ،‬ويسعى إلى ازدهاره‪.‬‬
‫أن حب الوطن يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بأفعال األفراد‬
‫ويجدر التنبيه إلى ّ‬
‫وتصرفاتهم وليس فقط باألقوال والشعارات والهتافات‪ |،‬ويجب على المسلم أن يُظهر‬
‫حبّه لوطنه بااللتزام بالقوانين واألنظمة‪ ،‬والمحافظة والحرص على سالمة ممتلكاته‪،‬‬
‫هذا وحريٌّ بك ّل فر ٍد أن يؤ ّدي مها ّمه ووظائفه بإخال ٍ‬
‫ص وحبّ ‪ ،‬وأن يحافظ على مال‬
‫الوطن وثرواته‪ ،‬ويعمل على نشر األخالق الفاضلة ويتحلّى بها‪ ،‬وال بُ ّد من نبذ أسباب‬
‫االختالف والفرقة بين األفراد والجماعات وإقامة شرع هللا ‪-‬تعالى‪ -‬في ك ّل األمور‪،‬‬
‫ّ‬
‫وإن من المعاني المرتبطة بحبّ األوطان في اإلسالم؛ تكاتف وتعاضد أفراد الوطن‬
‫مع بعضهم البعض دون عصبيّ ٍة‪ ،‬أو عنصريّ ٍة‪ ،‬أو تفري ٍ‬
‫ق‪ ،‬أو إقامة جماعات‪،‬‬
‫وأحزاب‪ ،‬وفِ َرق متباغضة ومتننافرة‪.‬‬
‫أن حب األوطان من األمور التي فُطرت‬
‫يجدر التنبيه إلى أنّه بالرغم من ّ‬
‫عليها النّفس البشريّة؛ إاّل ّ‬
‫أن حب الوطن ليس من التكاليف الشرعيّة التي أمر بها‬
‫اإلسالم؛ إذ ال يترتّب عليه ثواب أو عقاب‪ |،‬أو مدح أو ذم‪ ،‬وال يُؤاخذ المسلم به إاّل إذا‬
‫ترتّب عليه تضييع واجب من الواجبات الشرعيّة‪ ،‬أو ارتكاب فعل من ال ُمحرّمات|‬
‫والفواحش‪ ،‬أو تقديمه على محبة هللا ومحبة الرسول صلّى هللا عليه وسلّم‪.‬‬
‫إن حبّ األوطان مرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بحب ال ّدين؛ فحبّ الوطن يتحقق بحبّ‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫ّ‬
‫تحث على حبّ الوطن‪ ،‬حيث قال الرسول ‪-‬‬ ‫ال ّدين؛ إذ ّ‬
‫إن مبادئ وقيم الدين اإلسالم ّي‬
‫ي‪،‬‬
‫ك إل َّ‬ ‫صلّى هللا عليه وسلّم‪ -‬عندما خرج من م ّكة المكرّمة‪( :‬ما أطيبَ ِ‬
‫ك من بل ٍد وأحبَّ ِ‬
‫ك)‪ ،‬ويترتّب على المواطن وال ُمقيم في‬
‫غير ِ‬
‫نت َ‬‫منك ما َس َك ُ‬ ‫ولوال َّ‬
‫أن قومي أخرجوني ِ‬
‫الوطن ع ّدة واجبات أيّدها ود ّل عليها اإلسالم؛ بيانها على النحو اآلتي‪].‬الدفاع عن‬
‫ي وموقف يكون فيه الوطن بحاجة لل ّدفاع عنه‪ ،‬ويكون الدفاع عنه إ ّما‬
‫الوطن في أ ّ‬
‫ي أمر يؤ ّدي إلى زعزعة أمن واستقرار وسالمة الوطن‬
‫بالقول وإ ّما بالفعل‪ .‬مواجهة أ ّ‬
‫وذلك بمختلف الوسائل‪ .،‬المساهمة اإليجابية بالقول‪ ،‬أو الفعل‪ |،‬أو الفكر‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬

‫وهناك من الوسائل ال ُممكنة في خدمة الوطن‪ ،‬ورفعة منزلته‪ ،‬ورُقيّه؛ ّ‬


‫إذ ّ‬
‫إن هذا األمر‬
‫واجب على ك ّل فرد من أفراد الوطن؛ ألنّه يُحقّق مصلحة األفراد جميعهم‪ ،‬ويعود‬
‫عليهم بالنّفع والخير‪ .‬تربية األبناء على تقدير خيرات الوطن‪ ،‬ومق ّدراته‪ ،‬والمحافظة‬
‫على مرافقه‪ .‬إدراك ك ّل فرد من أفراد الوطن واجباته التي يجب أن يقوم بها دون أ ّ‬
‫ي‬
‫تقصير؛ حيث إن ذلك يحقّق الحياة الكريمة والهانئة لجميع األفراد‪ .‬شعور الفرد‬
‫بأفضال الوطن عليه‪ ،‬وتربيته على واجب ر ّدها من باب مقابلة اإلحسان باإلحسان‪،‬‬
‫ان ِإاَّل اِإْل حْ َس ُ‬
‫ان)‪].‬‬ ‫وذلك من تعاليم اإلسالم‪ ،‬حيث قال هللا تعالى‪( :‬هَلْ َج َزا ُء اِإْل حْ َس ِ‬
‫تآلف أفراد الوطن مع بعضهم البعض‪ ،‬ونشر أحاسيس ومشاعر التآخي والمحبّة‬
‫والمو ّدة بينهم‪ ،‬م ّما يجعلهم كالجسد الواحد في مواجهة الظروف المختلفة التي تُواجه‬
‫الوطن‪ .‬قيام الفرد بالواجبات| المتعلّقة بح ّ‬
‫ق الجوار‪ ،‬واألخ ّوة‪ ،‬والقرابة‪ ،‬واألرحام؛‬
‫وفا ًء‪ ،‬وحبّاً‪ ،‬وانتما ًء لوطنه‪ .‬تحقيق معنى ومه ّمة الفرد في االستخالف في األرض‬
‫التي أوكلها هللا‪.‬‬
‫كثر الكالم حول الوطن وحبه وجواز ذلك من عدمه ‪ ،‬فمن الناس من بالغ‬ ‫‪-4‬‬
‫بالحب إلى حد الوثنية والتعصب ‪ ،‬ومن الناس من تساهل به ويرى ذلك تخلفا‬
‫ورجعية ‪ ،‬بل قد وصل األمر بالبعض منهم من أجاز اإلرهاب مقابل وطنية اآلخر ‪،‬‬
‫فأصبحنا بين مفرط بالحب| ومفرط بعكسه وكالهما قد أخطأ ‪ ،‬وعلينا أن نكون‬
‫منصفين ‪ ،‬وخير حكم بيننا وبينهم شرع هللا فاهلل نستعين وعليه نتوكل وإليه نعود‪.‬‬
‫‪ ‬اعلم أن اإلنسان بال وطن هو كيان بال روح ‪ ،‬واإلنسان بال وطن جسد بال‬
‫إحساس ‪ ،‬فالفاقد| للوطن فاقد لألمن واالستقرار‪ ،‬والفاقد لألمن واالستقرار فاقد‬
‫لالطمئنان ‪ ،‬والوطن بال أمن واستقرار غابــة يعيش فيــها القـوي ويهان فيها‬
‫الضعيف ‪ ،‬ونحمد هللا على األمن الذي نعيشه في بالدنا أدام هللا أمنها واستقرارها‪.‬‬
‫أن حب‬ ‫فأين المرجفون اإلرهابيون من نعمة األمن التي هم اآلن يفتقدونها‬
‫الوطن كحب النفس والمال ونحوه ‪ ،‬كل ذلك غريزي في اإلنسان ال يمدح بحبه وال‬
‫هو من لوازم اإليمان‪.‬‬
‫أال ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب ال فرق في ذلك بين مؤمنهم‬
‫وكافرهم‪  ‬عصورنا هذه الوطنية المقيتة وليتها وطنية تنظر إلى المسلمين نظرةً شاملة‬
‫بل وطنية حزبية تريد أن تقسم األمة إلى أمم ‪ ،‬فنريد وطنية مبنية على طاعة هللا‬
‫وحبه كوطنية السلف لربهم ودينهم وبلدهم اإلسالمي ‪ ،‬ونريد لوطنيتنا لبلدنا المسلم أن‬
‫تبقى مادامت السماوات واألرض‪.‬‬

‫الوطن وما أدراك ما الوطن! ليس هناك أعذب من أرضه‪ ،‬فهو األمان‪ ،‬وهو‬ ‫‪-5‬‬
‫الراحة والوفاء‪ |،‬والتضحية والفداء‪ ،‬وهو الجنة‪ ،‬هو المدرسة التي علّمتنا فن‬
‫التضحية‪ ،‬فمهما تنقلنا بين البلدان لن نجد أجمل من وطننا‪ ،‬لذا علينا أن نق ّدس الوطن‬
‫ونحبّه؛ فحب الوطن من اإليمان كما قال علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي هللا عنه‪ ،-‬وهو‬
‫المكان الذي يبدأ منه اإلنسان رحلته في هذه الحياة لقد حثنا الدين اإلسالمي على‬
‫الوفاء للوطن واإلخالص له‪ ،‬وقد تبيّن ذلك من قول الرسول ‪-‬عليه الصالة والسالم‪-‬‬
‫عندما فارق مكة فعلى اإلنسان التمسّك بالوطن مهما كانت الظروف‪ ،‬كما أن عليه أن‬
‫يبقى مخلصا لترابه منتميا ً له‪ ،‬فالوطن هو المكان الذي ولدنا ونشأنا فيه‪ ،‬وبه أنشأنا‬
‫صداقاتنا الطيبة‪ ،‬وعلى أرضه سنحقّق اآلمال‪.‬‬
‫و مظاهر حب الوطن يُترجم حبنا للوطن بالفعل قبل القول‪ ،‬فهو بحاجة إلى‬
‫تكاتفنا معا ً وبذل جهدنا حتى يكون دوما ً بالمقدمة‪ ،‬وذلك من خالل المحافظة على‬
‫ثرواته‪ ،‬والمشاركة في إعماره وتشجيره‪ ،‬ومساعدة أبنائه المحتاجين‪ |،‬والمشاركة في‬
‫المبادرات التي تهدف إلى تق ّدمه وتطويره‪ ، ،‬كما يجب علينا أيضا ً أن نرسّخ حب‬
‫الوطن في عقول األطفال‪ ،‬ليكبر الطفل وهو يدرك جيداً قيمة وطنه واألرض التي‬
‫يعيش عليها‪.‬‬
‫أن اإلنسان ُخلق إلعمار األرض وليس‬
‫في النهاية ال بد من التأكيد على ّ‬
‫إلفسادها‪ ،‬والمؤمن الصادق هو الذي يعرف قيمة وطنه وينتمي إليه انتماء صادقاً‪،‬‬
‫فهو الشجرة الطيبة التي ال تنمو في تربته إاّل التضحيات‪.‬‬

‫اعلموا ّ‬
‫أن الوطن لنا حضن أمان وكنف اطمئنان‪ ،‬لذا كان حبه واجبا علينا‬ ‫‪-6‬‬
‫جميعا‪ ،‬فعلى ترابه ولدنا‪ ،‬وفي أكنافه ترعرعنا‪ ،‬ومن ثماره تغذينا‪ ،‬وفيه تعلمنا‬
‫أبجديات الحياة‪ ،‬فال شيء يشغلنا عن حب الوطن‪ ،‬بل أن ذلك من دالئل اإليمان‪ ,‬إن‬
‫من واجب األبناء نحو أمتهم أن يبروما ويخدموها ويطيعوها‪ ،‬وأن يستجيبوا لها‬
‫عندما تدعوهم ليرفعوا شأنها ويصنعوا مجدها ورقيها وازدهارها بكل صدق‬
‫وإخالص وعلينا أن نسهم في بناء المجتمع اإلسالمي المختصر القائم على مبدأ‬
‫الشورى الذي جاء به الدين الحنيف‪ ،‬وإن تعددنا صيغ الشورى وأساليبها في عصرنا‬
‫عبر ما يسمى باالنتخاب والديمقراطية وغير ذلك‪.‬‬

‫وعندما نستحضر تاريخ كفاح أبناء الوطن في سبيل تحقيق حريتها واستقاللها‬
‫وسيادتها‪ ،‬ندرك معنى التضحية التي امتزجت فيها الدماء الزكية بثرى األرض‬
‫الطاهرة النقية‪ ،‬وذلك عبر عقود من الزمن‪ ،‬كما ندرك معنى الوفاء واإلخالص‬
‫لبالدنا في ظل الوحدة واألخوة واأللفة بعيدا عن كل ما من شأنه أن يعكر الصفو‪.‬‬

‫وهذا صنيع حضاري يدل على وعي األفراد بمصير أمتهم وإدراكهم لواجبهم‬
‫نحوها‪ ،‬وإنهم يحصلون على عواتقهم مهمة قيادتها نحو الطريق المستقيم والسبيل‬
‫القويم‪ .‬اللهم أجعل بالدنا أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان‪ ،‬وأجعل سائر‬
‫بالد المسلمين أرض رخاء وأمان وسعادة واطمئنان‪ ,‬للهم وفق والة أمورنا لما تحبه‬
‫وترضاه‪ ،‬وفيض لهم بطانة حسنة تعينهم على فعل الخيرات ورد المنكرات‪ ،‬واجعل‬
‫بالدنا موطن رفاهية ورقي وإزدهار‪ ،‬وأجعلها أرض سالم ومحبة ووئام‪ ،‬عامرة‬
‫بالخيرات‪ |،‬وأرزق أهلها من كل الثمرات‪ ،‬وقيض لها من الرجال الصالحين‬
‫المصلحين من يحفظ عزها ويصون مجدها لتبقى رايتها عالية خفاقة‪ ،‬وأحفظها يا‬
‫ربنا برعايتك واشملها بفضلك وعنايتك‪.‬‬

‫جعل النبي حب الوطن مقياسًا لإليمان الخالص‪ |،‬فما أعظم هذه الحكمة! وما‬ ‫‪-7‬‬
‫أجلها سعادة لدى النفوس النقية أن تكون قلوبهم مفطورة بحب أوطانهم! طوبى لكم يا‬
‫أصحاب القلوب| الطاهرة فقد جبلتم على حب الوطن‪ ،‬فأصبحتم محبين له وأصبح‬
‫محبوبًا لكم‪ .‬صرتم من عشاقه وصار معشوقًا لكم‪ .‬وإن الحكمة الرائعة التي تنطوي‬
‫عليها هذه السنة النبوية الجليلة الشأن لفي غنى عن الشرح والبيان؛ ألن الوطن هو‬
‫منبت فضائلنا‪ |،‬منه نقتطف ورود الحمية وأزهار الشجاعة‪.‬‬

‫إن وطننا المحبوب‪ |،‬المحدد بدماء أسالفنا األعزاء‪ ،‬ذلك الوطن المفدى الذي‬
‫تركه لنا األجداد وديعة بعد أن قاموا بتحصينه‪ ،‬ال بالحجارة والحصون‪ ،‬بل بعظامهم‬
‫وجماجمهم يطلب منا التفاني في خدمته؛ ألن زماننا زمن عصيب يقتضي السعي‬
‫واإلقدام‪ .‬فلنخدم وطننا ولنحرص عليه ألنه بالحرص عليه نحرص على حياتنا‪،‬‬
‫وبالتفاني في خدمته نخدم أنفسنا‪.‬وإن المحب الحقيقي ال يحجم عن بذل النفس والنفيس‬
‫وتضحية أعز ما لديه في سبيل الوصول إلى رضى المحبوب‪ ،‬فلتكن تضحيتنا إذن‬
‫في سبيل الوطن بقدر محبتنا له‪.‬‬

‫لنبرهن على أننا نعز الوطن ونهيم بحبه بالفعل ال بالقول‪ .‬لنضع نصب أعيننا‬
‫الدماء الزكية التي أراقها أبطال الوطن في سبيل أوطانهم‪ ،‬ولنفكر على الدوام بأن‬
‫الخلف سينظر يو ًما ما إلى أعمالنا فينقدها كما ننقد نحن اليوم آثار السلف‪ ،‬وبمثل ذلك‬
‫ليكن سعينا جلياًل في سبيل خدمته‪..‬‬

‫ننظر اليوم إلى آثار أسالفنا فتدهشنا أعمالهم‪ ،‬فلنحاول نحن أيضًا أن ندهش‬
‫أبصار أحفادنا بجليل ما سنتركه من اآلثار والمآثر‪ .‬لنجتهد ولنبرهن للعالم من طريق‬
‫حب الوطن بأن قلوبنا مملوءة باإليمان الصادق‪ ،‬وبأننا نعلم تما ًما بأن حب الوطن من‬
‫اإليمان‪.‬‬
‫الوطن الذي ولد فيه آباء المرء وأجداده‪ ،‬وينتسبون إليه وينتمون أبا عن جد‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫وخلفا عن سلف‪ ،‬ويرتبطون بأرضه ارتباط الوالء واإلخالص والوفاء له‪ ،‬والتعلق به‬
‫والجهاد في سبيله‪ ،‬والتضحية من أجله بكل نفيس وثمين طيلة قرون وأجيال كما يعني‬
‫الوطن بالنسبة للمسلم كل بالد اإلسالم وجميع شعوبها المسلمة‪ ،‬باعتبار المسلم أخا‬
‫المسلم أينما كان وحيثما كان‪ ،‬وأن المسلمين أمة واحدة‪ ،‬مهما تباعدت بهم الديار‪،‬‬
‫وتناءت بهم األقطار وشط المزار‪ ،‬كما هو صريح القرآن المبين‪ ،‬وأنهم كالبنيان‬
‫المرصوص‪ ،‬وكالجسد الواحد كما هو صريح سنة النبي الصادق األمين‪ ،‬محمد عليه‬
‫أفضل الصالة وأزكى التسليم‪.‬‬

‫وإنما كان حب الوطن من اإليمان‪ ،‬وكانت هذه العبارة المأثورة الحكيمة كلمة‬
‫صدق وحق في مبناها ومعناها‪ ،‬بغض النظر عن كونها ليست حديثا نبويا صحيحا|‬
‫في لفظها ونصها‪ ،‬وكانت كلمة حق في نطقها ومضمونها‪ ،‬ألن وطن المسلم بلد‬
‫لإلسالم‪.‬‬

‫وحب الوطن حب فطري في قلب كل مسلم سوي‪ ،‬ومتجذر في اعماق نفس كل‬
‫مومن غيور أب ّي‪ ،‬ينشأ عليه ويتربى منذ نعومة أظفاره كل من يتمتع بفطرة سليمة‪،‬‬
‫وطوية نقية‪ ،‬وينعم بسريرة طيبة‪ ،‬وروح صافية مستنيرة‪ ،‬واليخرج عن ذلك الحب‬
‫الفطري للوطن‪ ،‬واليجد عنه إال من كان منحرف المزاج والفطرة‪ ،‬واليشذ ويزيغ عن‬
‫محجته الالحبة وحقيقة الناصعة إال من هو عديم الضمير النقي‪ ،‬ومن يخفى وراء ذلك‬
‫نفسا شريرة وإرادة ضعيفة‪ ،‬وأهدافا شخصية‪ ،‬ومطامع مادية زائلة‪ ،‬تجعله يعق‬
‫وطنه‪ ،‬ويسيء إليه ويتنكر لفضله عليه‪ ،‬فيندفع مه هواه الجامع‪ |،‬وينساق مع زيغه‬
‫الخاطئ وراء سراب خادع لمحاولة الوصول إلى تلك المطامع الشخصية واألهداف‬
‫المادية‪ ،‬ويغتر بذلك في غير إدراك ناضج بالمسؤولية الدينية والوطنية‪.‬‬

‫التعبير عن الحب المكين للوطن‪ ،‬والولع القوي والتعلق الشديد بل يجد المرء‬ ‫‪-9‬‬
‫بينهم من يبالغ‪ ،‬فبذكر على سبيل المبالغة الالحقيقة‪ ،‬أنه ولو كان في الجنة‪ ،‬وهي أعز‬
‫وأكرم مايتمناه المسلم على ربه في الحياة اآلخرة‪ ،‬لكانت نفسه تحس بشيء من‬
‫الشوق‪ ،‬وتميل به إلى الحنين نحو وطنه في الدنيا‪.‬‬

‫وهذا الحب الفطري للوطن‪ ،‬والراسخ في مكامن النفوس السليمة يحمل‬


‫المواطن المسلم على ان يترحمه في إرادة وعزيمة‪ ،‬وفي صدق واعتزاز إلى حب‬
‫علني وعملي‪ ،‬يتمثل في التمسك بدينه اإلسالمي الحنيف‪ ،‬في اصوله وفروعه‪،‬‬
‫وأحكامه وأخالقه‪ ،‬ويتجلى في تشبثه عن وعي وإدراك بالمقدسات الدينية والوطنية‬
‫التي ياخد بها بلده المسلم ويقوم على أساسها‪ ،‬ويسير على هديها ومقتضاها| عن بينة‬
‫وبصيرة من أمره‪ ،‬فيأخذ المرء ويتمسك على سبيل المثال بالمذهب العقدي في مسائل‬
‫التوحيد والعقيدة‪ ،‬وبمذهبه الفقهي في األحكام الفقهية وبنوع الرواية القرآنية التي يقرأ‬
‫بها بلده من‪   ‬بين القراءات| السبع المتواترة‪ ،‬ويتمسك باللغة األصلية لوطنه‪ ،‬وبنظامه‬
‫الشرعي في الحكم وتسيير شؤون األمة‪ ،‬وبوحدته الترابية المتماسكة‪ ،‬وبكافة‬
‫خصوصياته المتميزة‪ ،‬وهي مبادئ عامة يأخذ بها كل بلد مسلم ويتمسك بها‪ ،‬حفاظا‬
‫على وحدته الدينية والوطنية‪ ،‬ودفعا للتشويش والتخليط على العامة من الناس في تلك‬
‫القضايا األساسية‪ ،‬والخصوصيات الجوهرية المميزة لكل بلد من بالد اإلسالم‪.‬‬
‫وهذه األسس والثوابت الدينية والوطنية ‪ ،‬هي‪ :‬نظام الملكية الدستورية‪ ،‬القائم‬
‫على البيعة الشرعية اإلسالمية‪ ،‬والوحدة الترابية والوطنية ‪ ،‬واللغة العربية باعتبارها‬
‫لغة القرآن ا لكريم والسنة النبوية‪ ،‬والعلوم الشرعية والمعارف اإلنسانية‪ ،‬فيتمسك‬
‫المواطن بكل ذلك‪ ،‬ويعتز به ويتبناه‪ ،‬ويحافظ عليه عن إيمان وإخالص وحب‪.‬‬

‫اليتنافى واليتعارض في شيء من قريب والبعيد مع حب المسلم لكل وطن‬ ‫‪- 10‬‬
‫وشعب من بالد اإلسالم وأمته‪ ،‬واحترام وتقدير الخصوصيات| والمميزات التي يتميز‬
‫بها كل شعب وبلد مسلم عن األخر‪ ،‬سواء في أموره الدينية أو قضاياه الوطنية أو‬
‫أحواله االجتماعية‪ ،‬واهتمامه بتلك البالد‪ ،‬فيفرحه مايسعدها وينفعها‪ ،‬ويؤلمه‬
‫مايضرها ويشقيها‪ ،‬باعتبار المسلمين أمة واحدة كالجسد الواحد‪ ،‬وال كالبنيان‬
‫المرصوص‪ ،‬فهم في الدين واللغة بنو رحم واحد‪ ،‬وهم في اآلالم واآلمال إخوان‪،‬‬
‫وبذلك يتجاوز المرء النظرة الضيقة لمفهوم الوطن خبه إلى فضاء وأفق أرحب‬
‫وأوسع فيجمع بين الحسنين إذ اليكمل إيمان مسلم حتى يحب ألخيه المومن مايحب‬
‫انفسه‪.‬‬

‫وإذا كان هذا شأن كل مواطن وشعب مسلم تجاه بلده ووطنه‪ ،‬والتمسك‬
‫بهويته وخصوصياته‪ ،‬فإن المغرب ملكا ودولة وشعبا يعتبر ضمن تلك البالد‬
‫اإلسالمية التي اشتهرت بالتمسك بدينها وفي مقدمتها‪ ،‬فقد اشتهر هذا البلد الكريم‬
‫وعرف بالتفاني في حب الوطن واإلخالص له‪ ،‬والتمسك بمقدساته الدينية والوطنية‪،‬‬
‫والدفاع عن حوزته بكل إيمان وقوة‪ ،‬منذ أن تأسست فيه دولته المسلمة‪ ،‬وتكونت على‬
‫أرضه أمته المومنة المجاهدة‪ ،‬وتأصلت فيه إمارة المونين‪ ،‬وعرفت له حدوده‬
‫التاريخية‪،‬وجفرافية الطبيعة‪ ،‬وثبتت له عليه حقوقه المشروعة والمعروفة‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫وإذا كانت كظاهر حب الوطن والتعلق به كثيرة ومتعددة‪ ،‬فإن من معالمه البارزة‬
‫في تاريخ الشعوب وحياة األمم المعاصرة‪ ،‬ماتعيشه من أفراح ومسرات في ذكريات‬
‫وطنية ومناسبات مجيدة تذكر بها للبلد وشعبه وأمته من أمجاد تاريخية وايام عظيمة‬
‫مشهودة تبعث على االعتزاز والنخوة واالعتداد والفرحة‪.‬‬

‫أودع هللا في اإلنسان العديد من الغرائز الضرورية لحياته وألداء دوره في‬ ‫‪.11‬‬
‫هذه الحياة‪ |،‬ومن هذه الغرائز‪ ،‬غريزة حبّه لوطنه‪ .‬فاإلنسان بطبيعته يحبّ وطنه؛‬
‫مسقط رأسه‪ ،‬ووطن آبائه وأجداده‪ ،‬ويألف األرض التي تربّى فيها‪ ،‬وأكل من‬
‫خيراتها‪ ،‬ونسج فيها عالقاته مع الذين يعيشون معه فيها‪ .‬فاإلنسان يحظى بالكرامة‬
‫ُ‬
‫فالوطن‬ ‫الحب ال يكون باألقوال فقط‪ ،‬بل يكون فعالً وقوالً‪،‬‬
‫ّ|‬ ‫إن بقي حنينه لوطنه‪ .‬هذا‬
‫يحتاج إلى سواع ِد أبنائه كي ينمو ويكبر‪ ،‬ويحتاج إلى السعي والتطوير‪ ،‬وإلى الحفاظ‬
‫على مق ّدراته والدفاع عنه في ك ّل وقت وعدم التفريط بأي ٍ‬
‫شبر منه‪ ،‬فالوطن دون‬
‫سواعد أبنائه يُصبح أشبه بمنفى‪ ،‬وهو يُعطي أبناءه بقدر ما يُعطونه‪ ،‬وكلّما كان‬
‫عطاؤهم أكبر كلّما كان الوطن أكثر جماالً وتط ّوراً‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫فإن حبّه جز ٌء ال يتجزأ من‬
‫إيمان الفرد‪..‬‬
‫ِ‬
‫إن اإلنسان قد جُبل وفُطر على حبّ وطنه؛ إذ ّ‬
‫إن اإلنسان إذا ُولِد في بل ٍد‬ ‫نعم‪ّ ،‬‬
‫ما‪ ،‬ونشأ فيه‪ ،‬وترعرع في كنفه؛ فمن الطبيعي أن يحبّه‪ ،‬ويُواليه‪ ،‬وينتمي إليه‪ ،‬وليس‬
‫من السهل أن يفارق المرء وطنه الذي عاش في كنفه‪ ،‬ولذلك اعتُبرت هجرة الرسول‬
‫مكان آخر‪ ،‬وحين‬
‫ٍ‬ ‫(صلى هللا عليه وآله وسلم) الذي كان يحبّ وطنه م ّكة أكثر من أي‬
‫هاجر منها فإنّه لم يتركها إاّل مضطراً‬

‫حبّ الوطن حبٌّ عظيم يجب أاّل يُخالطه ريا ٌء أو نفاق‪ّ ،‬‬
‫ألن َمن ال يحبّ وطنه‬
‫ق ال يستح ّ‬
‫ق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه‪ ،‬فالوطن يحيا بدماء أبنائه‪ ،‬ويُزهر‬ ‫بح ّ‬
‫بسواعدهم‪ ،‬ويتط ّور بعقولهم‪ ،‬والوطن هو الوطن بجميع حاالته وتقلّباته‪ ،‬وإن تعرّض‬
‫الوطن ألي خطر‪ ،‬فالب ّد أن يتح ّول جميع أبنائه إلى جنود؛ ّ‬
‫ألن كرامة الوطن فوق ك ّل‬
‫كرامة‪.‬‬

‫إن حبّ الوطن حبٌّ عظيم يجب أاّل يُخالطه ريا ٌء أو نفاق‪ّ ،‬‬
‫ألن َمن ال يحبّ‬ ‫‪.12‬‬
‫ق أن ينتمي إليه أو يعيش فيه‪ ،‬و َمن لم يكن وفيا ً لوطنه في الحرب‬
‫ق ال يستح ّ‬
‫وطنه بح ّ‬
‫ال يستح ّ‬
‫ق أن يعيش فيه وقت السّلم‪ ،‬فالوطن يحيا بدماء أبنائه‪ ،‬ويُزهر بسواعدهم‪،‬‬
‫ويتط ّور بعقولهم‪ ،‬والوطن هو الوطن بجميع حاالته وتقلّباته‪ ،‬وإن تعرّض الوطن ألي‬
‫خطر‪ ،‬فالب ّد أن يتح ّول جميع أبنائه إلى جنود؛ ّ‬
‫ألن كرامة الوطن فوق ك ّل كرامة‪،‬‬
‫ولهذا طالما تغنّى الشعراء واألدباء بالوطن وقالوا فيه أروع القصائد الخالدة وأجمل‬
‫أن القصائد التي تُقال في حبّ الوطن تظ ّل خالدةً‬
‫األشعار والكلمات‪ ،‬وال عجب ّ‬
‫اختالف مذاهبهم وأديانهم ومعتقداتهم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫يُكرّرها الجميع على‬
‫فإن الوطن يجمعُهم في ظلّه وتحت كنفِه ألنّهم‬
‫فمهما تفرّقت ميو ُل أبناء الوطن الواحد ّ‬
‫منه وهو منهم‪ّ .‬‬
‫إن الرابطة العاطفية باألوطان واعتبار الشوق إليها مكرمة من مكارم‬
‫األخالق ت ّشكل في حقيقة األمر دافعا ً لالهتمام بها ورعايتها والعمل في سبيل إعمارها‬
‫وإحيائها والحرص على جمالها ونظافتها‪.‬‬

‫كما ّ‬
‫أن العالقة العاطفية المشار إليها هي الباعث األساس للدفاع عن األرض‬
‫والقتال في سبيلها وبذل النفس دونها‪ ،‬وترتفع بعض المأثورات الدينية بحبّ الوطن‬
‫عن مجرد كونه انفعاالً إنسانيا ً عاطفيا ً إلى درجة الفعل اإليماني لترى فيه عالمة‬
‫إيمان‪ ،‬فقد ر ُِوي عن رسول هللا (صلى هللا عليه وآله وسلم)‪« :‬حبّ الوطن من‬
‫فإن حبّ األوطان عندما يكون حبّا ً واعيا ً ودافعا ً للحفاظ عليها والدفاع عنها‬
‫اإليمان»‪ّ ،‬‬
‫بوجه المعتدين والطامعين ومحرِّ كا ً نحو عمارتها ما ّديا ً بإحيائها وزراعتها وتشييدها‬
‫بالعمل على إحقاق الح ّ‬
‫ق في ربوعها ونشر القيم الدينية واألخالقية بين أهلها‪.‬‬

‫الحب الذي يهتم به اإلسالم هو العمل الذي يتناسب مع تعاليمه ويكون سبب‬ ‫‪.13‬‬
‫في تحقيق أهدافه السامية‪.‬أما الوطن فهو ليست األرض التي يولد بها اإلنسان فحسب‪،‬‬
‫بل يُقصد به األرض التي تكون منطلق لفكر الفرد في خدمة دينه‪ .‬فأي أرض يشعر‬
‫اإلنسان باإلنتماء اليها‪ ،‬وفيها تنفجر طاقاته اإلبداعية في خدمة االسالم ونشر ثقافته‬
‫يكون وطن له‪.‬‬
‫كيف يكون حب الوطن إيمان؟‬
‫الجواب هذه األيام واضح‪ ،‬مع خروج الماليين حبا ً بالوطن للمطالبة بإنقاذ‬
‫وطنهم من الفساد يتم فهم ربطوا حب الوطن باإليمان‪.‬‬
‫خروج هذه األعداد بال اعتداء على ال ُممتلكات العامة وشعارهم ( سلمية) فقط‬
‫ليطالبون بحقوقهم ويستردون كرامتهم التي اراد البعض سلبها‪ ،‬يظهر ذلك مبدأ من‬
‫مبادئ االسالم بحرية الفرد وشعوره بالمسؤولية إتجاه نفسه واهله و وطنه‪.‬‬
‫‪ -‬عندما يتجمع الشباب والفتيات بال مضايقات‪ ،‬حيث تسود بينهم روح اإلخوة‬
‫والغيرة‪.‬‬
‫‪ -‬عندما يكون الجميع مسؤول عن تنظيف الشوارع وإعادة تهيئتها وإصالحها‪|،‬‬
‫اصحاب الشهادات مع الكسبة‪ ،‬الغني مع الفقير‪ ،‬الكل يشعر بالمسؤولية‪.‬‬
‫كل ذلك يحدث عند مجموعة من شباب الذي اخرجهم حب العراق للمطالبة بحقوقهم‪،‬‬
‫فتحول حب الوطن الى إيمان وإن كان وقتيا ً إال انه سيؤثر بال شك‪.‬‬
‫فحب وطن يعني حب لمقدساته المتمثلة بقبور ستة من األئمة المعصومين‪ ،‬وقبور‬
‫الصالحين من أوالدهم‪ ،‬آثارهم وأماكن عيشهم وحكمهم‪ ،‬يزرع في النفوس حبهم‬
‫والتمسك بهم صلوات هللا عليهم‪.‬‬
‫ماذا لو استثمرنا هذه المظاهرات إلصالح المجتمع أوالً قبل إصالح‬
‫الحكومات‪ ،‬وبذلك نكون قد وضعنا اللبنة األولى لتهيئة النفوس إلقامة دول الحق‪.‬‬

‫حب الوطن من اإليمان» هذا الحديث شريف قليل األلفاظ‪ |،‬كثير المعاني‬ ‫‪.14‬‬
‫فهو من جوامع كلمه صلى هللا عليه وسلم فأوجب الشارع حب الوطن على كل عاقل‬
‫وجعله جزءا من اإليمان‪ .‬فمحبة الوطن هي أن يصلح اإلنسان نفسه أوال بالعلم‬
‫الصحيح وبجميع بـأنواعه ثم يصرف نفسه كلها في إصالح وخدمة وطنه ألن من‬
‫أحب شيئا أطاعه وخدمه‪.‬‬
‫وأن الوطن ليس هو البقعة ذات الحدود الطبيعية الجغرافية فقط؟ بل هو البقعة‬
‫وما فيها وما عليها من جماد وحيوان وليست المحبة باللفظ فقط‪ ،‬بل المحبة هي‬
‫بالعمل واإلحسان له فإحسانه لوطنه‪ .‬والمحبة تستلزم طاعة الوطن وخدمته بكل‬
‫رخيص وغال‪ ،‬فيخدمه بالتعمير بالعلوم والمعارف‪ .‬ومن اإلحسان للوطن أن ينفع‬
‫بنيه بالتعليم لسائر العلوم بوجود أسبابها بالفعل وأن ال يبخل بنفسه وال بماله عن أبيه‬
‫الوطن وإخوته حتى أن الشارع أوجب على اإلنسان أن يفدي وطنه بنفسه وماله‪ .‬وما‬
‫هذا إال لعظم شأنه وأي شيء أعظم من الوطن الذي يفدي بالنفس والمال شرعا وعقال‬
‫إال الدين لكن هو منه لذا أعطى حكمه‪.‬‬
‫ومن كان هذا حظه فحري على كل عاقل أن ال يتهاون به ولو ساعة فيقدر‬
‫خدمته والحرص عليه يعظم قدر اإلنسان والعكس بالعكس‪ .‬فجد بنفسك ومالك‬
‫وبالعمل الصالح واإلخالص وترك حظوظ النفس فإن فعلت نلت الغنى الذي ال فقر‬
‫بعده‪ ،‬وعزا ال إهانة تعقبه‪ ،‬فاستيقظوا إخواننا من سباتكم العميق وسكرة حب النفس‬
‫والمال التي ما حلت بأمة أو فرد إال ونال الذل والخسران‪ ،‬وأول العمل طلب العلم‬
‫ألنه هو األصل وما بعده فرع منه‪ ،‬وانظروا واسمعوا للشرق والغرب ما فعال وماذا‬
‫يفعالن‪ ،‬وما هما إال بشر مثلكم تقدموا عليكم بالعلم‪ ،‬فتعلموا تکونوا مثلهم‪ ،‬وبالسير‬
‫في الطريق رويدا رويدا يدرك المسافر المنى‪ ،‬وهللا أسأل الهداية لجميع الوطنيين‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫إن حب الوطن هو كحب األم لوالديها‪ ،‬وكمحب االبن ألمه الذي ال يمكن‬ ‫‪.15‬‬
‫أن يأتي يوما ً وينقطع أو يتوقف‪ ،‬ولكن حب الوطن قد يختلف قليالً بأنه ال يزول‬
‫فالوطن دائم‪ ،‬بينما اإلنسان قد يفني‪ ,‬ولكن تراب هذا الوطن يظل موجوداً‪ ،‬فوطني‬
‫هو الوطن الذي نراه في تقدم يوما ً بعد يوم‪ ،‬فلقد أصبح هناك الكثير من التغييرات‬
‫التي تطرأ عليه ولكنها ألول مرة تغييرات إيجابية‪..‬‬

‫ولهذا فنجد أن بعد أن كان هناك بعض المواطنين يرون أن هذا الوطن غير مالئم‬
‫لهما في بعض النواحي العملية‪ ،‬أو العدالة االجتماعية‪ ،‬فلقد تغيرت تلك المفاهي‪.‬‬

‫وأصبح يرى تلك المواطنين أن هذا الوطن ال يمكن أن يترك‪ ،‬بل أنه هو وطن‬
‫الخير الذي لن يوجد وطنه مثله يتحمل كل تلك المهانة التي شاهدها وظل ساكن‪..‬‬

‫ومن أفضل التغييرات التي حدثت لوطننا خاصة بعد فترة الثورات‬
‫والمشكالت التي حدثت بشكل ضخم به‪ ،‬هو أن تحولت النظرة التشاؤمية في‬
‫وطني إلى نظرة تفاؤلية‪ ،‬فوجدنا أن بعد أن غاب الحلم لألطفال والشباب‪..‬‬

‫فالماضي كان هناك احتكار لكثير من المشروعات واألعمال في الوطن‪ ،‬ولكن من‬
‫اآلن وصاعداً فلن يكون هناك احتكار لألفكار وللشباب‪.‬بل سيبني كل شاب حلمه‬
‫ويضع له الطوب األول لحلمه‪ ،‬وسينفذ جميع خطه المستقبلية بكل عزيمته‪ ،‬ألن‬
‫إذا لم يقوم كل مواطن بنفسه بجعل الوطن في حال أفضل‪ ،‬فلن يتحقق أي شيئا ً أو‬
‫نتقدم خطوة لألمام‪ .‬فحب الوطن ال يمكن أن نبوح به بالكلمات‪ ،‬بل يكمن في‬
‫األفعال وتلك األفعال يتم ترجمتها من خالل التقدم واالزدهار لوطننا‪ ،‬فكلما تقدم‬
‫هذا الوطن سيكون لنا مكنا ً كبيراً في كل مشروع يتم افتتاحه أمام العالم أجمع‪.‬‬
‫إن من أهم األشياء التي جعلتنا نحب هذا الوطن حبا ً جما ً هي أننا نرى أن‬ ‫‪.16‬‬
‫هناك تغيير حقيقي‪ ،‬فهناك مشروعات يتم افتتاحها‪ ،‬فنجد أن لقد تحولت البطالة في‬
‫وطننا إلى لم يصبح هناك وقت للكسل فكثرة وجود المشروعات في بلدنا جعلت‬
‫هناك لمسة لكل يد من أيدي العمالة التي تضع لمساتها بها فحب الوطن ال يمكن‬
‫أن نبوح به بالكلمات‪ |،‬بل يكمن في األفعال وتلك األفعال يتم ترجمتها من خالل‬
‫التقدم واالزدهار لوطننا‪ ،‬فكلما تقدم هذا الوطن سيكون لنا مكنا ً كبيراً في كل‬
‫مشروع يتم افتتاحه أمام العالم أجمع ألن تلك المشروعات إذا قمنا بالتركيز على‬
‫النتائج التي تترتب عليها‪ ،‬سنجد أن سيعم ويشمل هذا النجاح الجميع‪ ،‬أي كل‬
‫مواطن يعيش في هذا الوطن‪.‬‬

‫إن الشعور باالنتماء وحب الوطن هذا الشعور من أجمل المشاعر التي‬ ‫‪‬‬

‫تدب في روح كل مواطن مصري‪ ،‬فإن االنتماء لهذا الوطن ال يمكن االمتناع‬
‫عنه مهما مر بظروف قاسية ألن االنتماء يكون بسبب أن هذا الوطن ال يغلق‬
‫أبوابه أمام لمواطنيه‪ ،‬بل أن بمجرد الذهاب ليالً في شوارعه ستزال جميع‬
‫الهموم وتتحول إلى شعور بالراحة فالراحة واألمان في وطني هو ما يجعلني‬
‫أشعر باالنتماء له‪ ،‬فالحياة ليست عسيرة في وطني بل أن اإلنسان هو من‬
‫يجعل حياته عسيرة فالعدالة والحرية واألمان الذي يوجد في وطني ال توجد‬
‫دولة على وجه الكرة األرضية يوجد به مثل تلك األشياء‪ ،‬فالذين قاموا بثورة‪،‬‬
‫ألن هناك بطالة أو عدم وجود عدالة اجتماعية لم ينتظروا حتى يروا الغد‬
‫األفضل بل إنهم تكاسلوا ولم يتحركون خطوة في أي مجال في الوطن‪،‬‬
‫وبالتالي وشعروا أن ال يوجد عدالة ألن الحياة تعطي العمل لمن يسعى‪،‬‬
‫وتعطي الحرية لمن يبدي برأيه بكل أدب واحترام‪ ،‬فاحترموا وطنكم وقوانينه‬
‫حتى ينعكس عليكم هذا االحترام‪.‬‬

‫‪ -17‬إن حب األوطان هي مشاعر حقيقية وفطرية‪ ،‬ألن الحب| أو الكره ليس يمكن‬
‫أن يتحكم به أي شخصاً‪ ،‬ولكن حب الوطن خاصة يشعر به اإلنسان عندما نجد الكثير‬
‫من األشخاص يتبنون أسرة فقيرة ويقومون بإطعامها طوال شهر رمضان‪ ,‬واألكثر‬
‫أن من يقومون بالمساعدة في زواج بنت من أسرة فقيرة ماديا ً حيث إنها ليست قادرة‬
‫على هذا األمر فهذه هي مشاعر حقيقية وتنبع من القلب‪ ,‬وحب هذا الوطن حقيقي‬
‫ضا حقيقية‪ ،‬فمساعدة الغير من‬
‫وتلك المشاعر التي يشعر بها المواطنين في مصر أي ً‬
‫أفضل األمور التي توجد في وطننا‪ ،‬فطيبة القلب والحنان والعطاء الذي نشاهده في‬
‫الشارع على الفقير والمحتاج لم تكن مصطنعة بل إنها بدافع الحب‪ |،‬ولهذا فوطني هو‬
‫من أجمل األوطان في عيوننا‪ ,‬يجب أن يكون هناك حالة تفاءل تعم بشكل أكبر‪ ،‬بحيث‬
‫أن عندما يوجد شخص أو مجموعة من األشخاص يشعرون باإلحباط تجاه أمراً مهما‬
‫في حياتهم أن نقف بجانب بعضنا البعض‪ ,‬مثل أن يتبنى شخص مقتدر ماديا ً مشروع‬
‫ألحد الشباب ويصبح هناك مشاركة بالعمل والجهد وهو برأس المال‪ ،‬فشاركوا‬
‫الشباب وال تجعلونهم يتجهون إلى الطرق السيئة‪.‬‬

‫وفي نهاية موضوعنا فكل ما يوجد في وطني ال يمكن أن ال نحبه‪ ،‬ألن وطننا‬
‫كأنه يحمل مشاعر الحب في الهواء الذي نتنفس ونشعر به ويدخل إلى قلوبنا ويرتكز‬
‫بداخلنا| وال يخرج حتى مماتنا‪ ،‬فقوموا بالتشجيع على الخطوات الجديدة التي تخطوها‬
‫الدولة والمسؤولين تجاه هذا الوطن‪ ،‬حتى نراه في أفضل حاالته يوما ً بعد يوما ً في‬
‫تقدم كبير‪ ،‬موضوع تعبير عن‪  ‬حب الوطن من اإليمان بالعناصر والمقدمة والخاتمة‬
‫للصف الرابع والخامس والسادس االبتدائي‪ ،‬موضوع عن حب الوطن من اإليمان‬
‫للصف األول والثاني والثالث االعدادي والثانوي ولجميع الصفوف التعليمية‪...‬‬

‫وطننا مسئوليتنا جميعاً‪ ،‬حمايته حماية لنا‪ ،‬عزه عز لنا‪ ،‬استقراره استقرار‬ ‫‪.18‬‬
‫لنا‪ ،‬مصابه مصاب علينا‪ ،‬وطننا ليس ترابا ً وما ًء وهوا ًء وشجراً وحجراً‪ ،‬بل هو مع‬
‫ذلك قيم ومبادئ وعادات وتقاليد حميدة‪ ،‬الوطن أمن وثقافة وصحة ونظافة عالقات‬
‫وتكافل اجتماعي وتعاون بين األجهزة واألفراد والجماعات وبين القيادة والشعب‬
‫المواطنة‪ ،‬والوطنية ليست كلمة تترد في األفواه بل هي مسئولية نحملها وواجبات‬
‫نؤديها ومقدرات نحافظ عليها‪ ،‬الوطن اسم ورسم فلئن تجاوزنا رسومها انتقلت معنا‬
‫معاني اسمها‪.‬‬
‫يصادفنا كثير من الناس يدعي الوطنية وحب الوطن والدفاع عنه‪ ،‬ولكنه في‬
‫الخفاء يكيد لهذا الوطن وللمواطن‪ ،‬ليس له ه ّم إال نفسه وعائلته‪ ،‬ومن يدور في فلكه‬
‫يتآمر مع أعداء الوطن للنيل منه يتآمر لينال من كرامة بلده وسيادته وكرامة مواطنيه‬
‫وعقيدتهم وأخالقهم‪ ،‬لقد أظهرت الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي أعداء‬
‫األوطان الحقيقيين‪ |،‬وكيف أنهم منبطحون بأعتاب األعداء كيف صيروا البلدان‬
‫مرتهنة لألعداء وكيف صوروها تحت الوصاية الخارجية‪.‬‬
‫كان النبي يحب لوطنه حب الوطن إيمان وبغضه والتآمر عليه نفاق أوجب‬
‫الشرع على كل متجسس وخائن للوطن عقوبة شرعية ينالها أمام القضاء‪ ،‬وتنفذ أمام‬
‫المأل من أجل زجر من تسول له نفسه أن يتآمر على الوطن‪ ،‬وأن يتآمر على‬
‫مواطنيه‪.‬‬
‫إن من الناس من يش ّخص الوطن والوطنية‪ ،‬فمن أحب ذلك اإلنسان وذلك‬
‫الشخص فهو الوطني‪ ،‬ومن عاداه فهو العدو ليست هذه الوطنية‪ ،‬بل الوطنية مبادئ‬
‫وقيم يتحلى بها الشخص تخدم الوطن وتساعد في بنائه ونهضته‪.‬‬
‫إن للوطن منزلة عزيزةً في أي نفس‪ ،‬ولحبِّه بقعة من الفؤاد ليست لشيء‬ ‫‪.19‬‬
‫آخر مهما غال وع َّز‪ ،‬وألحداثه وذكراه ثبات ال تطاله يد النسيان‪ ،‬ومن أجل هذا فهو‬
‫من صور اإليمان؛ ولهذا هو أغلى من كل األثمان‪ ،‬ولهذا فإن الوطن يعني اإلنسان‪,‬‬
‫معنيان؛ أحدهما ذو معنى محدود وضيق‪ ،‬واآلخر ذو معنى واسع‬
‫ِ‬ ‫الوطن كلمة لها‬
‫وكبير؛ فاألول هو اإلقليم من األرض الذي اتَّخذته مجموعة من الناس موضعًا‬
‫لإلقامة والسكن والعيش المشترك‪ ،‬والثاني هو كل مكان من هذه األرض فيه أخ مسلم‬
‫يشاركك الوصف والنسبة والدين‪ ,‬والوطن له اعتبار في خير األديان‪ ،‬و ِمن أجله َّ‬
‫سن‬
‫ركنًا من أعظم األركان‪ ،‬وهو الجهاد في سبيل هللا؛ فالدفاع عن الوطن وال َّذود عن‬
‫حماه يعكس إيمانًا باهلل‪ ،‬وحبًّا بالوطن‪ ،‬وشغفًا به‪ ،‬وذوبانًا في تضاريسه و ِشعابه‬
‫ووديانه وهضابه وسهوله ووهاده‪...‬‬

‫ونبينا عليه الصالة والسالم أحبَّ وطنَه وشغف به‪ ،‬واستغرب حينما أخبره َو َرقةُ‬
‫ُخرجه قو ُمه من وطنه‪ ،‬فقال صلى هللا عليه وسلم‪َ(( :‬أ َو ُم ْخ ِرج َّ‬
‫ي‬ ‫بن نَ ْوفَل أنه سي ِ‬
‫هم؟!))‪ ،‬فهو ال يستغرب ردهم لدعوته ورفضهم لرسالته‪ ،‬ولكنه يعجب أن يتمادوا‬
‫في ذلك إلى درجة أن يخرجوه من وطنه‪ ،‬ويمارسوا عليه هذا النوع من التعذيب‬
‫النفسي والجسدي والروحي‪ ،‬فطالَما تعلَّقت روحه ب ِشعاب مكة‪ ،‬ولطالما طوفت بين‬
‫سككها وضواحيها؛ ولهذا قال عليه الصالة والسالم مخاطبًا الدار التي أحبَّ ‪ ،‬والبلد‬
‫التي هامت بها روحه وُأن ِشزت فيها عظا ُمه‪ ،‬ونبت فيها لحمه‪ .‬وحب الوطن يقلل‬
‫الكثير‪ ،‬ويكثر القليل‪ ،‬ويزهد في النعيم‪ ،‬ويرغب في أدنى خصائصه ومزاياه‪ ،‬كلنا‬
‫يذكر ميسون بنت بحدل‪ ،‬أم يزيد بن معاوية‪ ،‬التي جاء بها معاوية من البدو وأسكنها‬
‫فاره قصوره‪ ،‬وأقامها في عزيز نعيمه‪ ،‬ولكن كل ذلك لم يطرف عينها‪ ،‬ولم يصرف‬
‫قلبها عن الوطن‪ ،‬وكانت تبكي الليالي الطوال‪.‬‬

‫‪ ‬‬

You might also like